You are on page 1of 85

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة لونيسي علي– البليدة ‪-02‬‬

‫كلية اآلداب واللغات‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫تمثالت األنساق األيديولوجية في رواية أميركا‬


‫لربيع جابر‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر في اللغة العربية وآدابها‬

‫تخصص‪ :‬أدب حديث ومعاصر‬

‫إشراف الدكتور ‪:‬‬ ‫إعداد الطالب(ة)‪:‬‬

‫توفيق شابو‬ ‫دزيري فتيحة‬

‫السنة الجامعية‪2022 :‬م ‪2023 -‬م‬


‫شكر وعرفان‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل‬

‫يسعدني بعد أن أتممت بفضل اهلل عزوجل هذا العمل أن أتقدم بأسمى عبارات الشكر‬
‫واالحترام والتقدير إلى األستاذ المشرف الدكتور "توفيق شابو" على قبوله اإلشراف‬
‫على انجاز هذه المذكرة وعلى صبره وسعة صدره حيث أنه لم يبخل علي بتوجيهاته و‬
‫نصائحه و ارشاداته طوال فترة االشراف‪.‬‬

‫كما أتوجه بالشكر واالمتنان لألساتذة المحترمين أعضاء لجنة المناقشة لقبولهم‬
‫مناقشة هذه المذكرة‪.‬‬
‫اإلهداء‬

‫هلل ش@@كر كل@@ه أن وقف@@ني له@@ذه اللحظ@@ة‪ ،‬فالحمداهلل رب الع@@المين والص@@الة والس@@الم‬
‫على أشرف األنبياء والمرسلين سيدنا محمد‬
‫أه ;;دي ه ;;ذا البحث إلى من تربي ;;ة على يدي ;;ه ومن علم ;;ني القيم والمب ;;ادئ إلى من ال‬
‫ينفص; ;;ل اس; ;;مي عن اس; ;;مه إلى ال; ;;ذي ك; ;;ان ل; ;;ه الفض; ;;ل األول بع; ;;د توفي; ;;ق اهلل في بل; ;;وغي‬
‫(أبي العزيز حفظه اهلل)‬ ‫للخوض في ميادين العلم‪.‬‬
‫وأه;;دي ثم;;رة جه;;دي ودراس;;تي وفرح;;تي المنتظ;;رة إلى من وض;;عتني على طري;;ق‬
‫وحنانه;;ا إلى من مه;;دت لي طري;;ق العلم إلى من ك;;انت ملج;;أي‬ ‫الحياة وغمرتني بحبه;;ا‬
‫(أمي الغالية حفظها اهلل)‬ ‫في هذه الرحلة‪.‬‬
‫إلى إخوتي‪ ،‬من كان لهم بالغ األثر في كثير من العقبات والصعاب‪.‬‬
‫إلى أولئك الذين يفرحهم نجاحنا ويحزنهم فشلنا إلى (األقارب واألصدقاء) قلبا ودما‬
‫ووفاء الذين مهدوا عثرات مسيرتي بدعائهم‪.‬‬
‫أه;;دي إليكم جميع;;ا ث;;واب ه;;ذا الجه;;د والبحث فبكم ينعق;;د الع;;زم والق;;وة للخ;;وض في‬
‫ميادين العلم والحياة بعد التوكل على اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فجزاكم اهلل كل خير وأثابكم خير الجزاء‬
‫‪:‬المقدمة‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعد النص الروائي من أهم النصوص الفنية واألدبية استحضارا للمعالم التاريخية‬
‫والمظ;;اهر االجتماعي;;ة والسياس;;ية والثقافي;;ة‪ ،‬واألنس;;اق الفكري;;ة واأليديولوجي;;ة‪ ،‬وه;;ذا كل;;ه‬
‫جع; ; ;;ل النص ال; ; ;;روائي متم; ; ;;يزا عن ب; ; ;;اقي النص; ; ;;وص األدبي; ; ;;ة باعتب; ; ;;اره يجس; ; ;;د الحي; ; ;;اة‬
‫االجتماعية من خالل رسائله الفكرية من خالل الشكل السردي للقارئ المتلقي‪.‬‬
‫لقد تعددت المقارب;ات ال;تي اهتمت بمفه;وم األي;ديولوجيا س;واء من الناحي;ة الفلس;فية أم‬
‫من الناحية السوس;يولوجية له;ذا ف;إن ه;ذا المفه;وم يأخ;ذ طابًع ا مم;يزا ومختلًف ا حين يتخفى‬
‫داخل النص اإلبداعي الروائي ليعيد تشكيل مفهومه وفق تصورات ال;;روائي وأطروحات;;ه‬
‫التي تعكس تجسيدا لموقفه من جهة أو موقف مجتمعه‪.‬‬
‫لق;;د ش;;كلت الرواي;;ة العربي;;ة مخزون;;ا هام;;ا من األنس;;اق األيديولوجي;;ة ال;;تي حملته;;ا في‬
‫سياق تعاملها مع الواقع والوج;ود وأخ;ذت ع;دة مس;ارات ع;برت فيه;ا عن قض;ايا األرض‬
‫والمكان وازدواجية الهوية وإ شكالية التعايش مع اآلخر‪.‬‬
‫ل;;ذلك فق;;د اخترن;;ا رواي;;ة "أميرك;;ا" لل;;روائي اللبن;;اني "ربي;;ع ج;;ابر" وهي رواي;;ة تس;;جل‬
‫تواريخها بين سوريا وأميركا‪ ،‬وتؤرخ لبعض االحداث التاريخية والسياسية واالجتماعية‬
‫وتعكس أنساًقا مضمرة متعددة‪.‬‬
‫اعتمدنا لتتبع مسارات الرواية المنهج السوسيو ثقافي الذي يساعدنا على بن;اء رؤي;ة‬
‫نقدي; ;;ة للعم; ;;ل الف; ;;ني وتحلي; ;;ل تمثالت الواق; ;;ع واأليديولوجي; ;;ة من جه; ;;ة‪ ،‬ومعرف; ;;ة عالق; ;;ة‬
‫التجليات االجتماعي;;ة والثقافي;;ة ال;;تي يمتص;;ها العم;;ل الف;;ني في ش;بكته اللغوي;;ة والبنائي;;ة من‬
‫جهة ثانية‪.‬‬
‫ه;;دفنا من ه;;ذه الدراس;;ة ه;;و محاول;ًة من;;ا في البحث عن التمثالت النس;;قية الفكري;;ة في‬
‫النص ال; ;;روائي المس; ;;مى ب "أميرك; ;;ا" لربي; ;;ع ج; ;;ابر‪ ،‬ومعن; ;;اه كيفي; ;;ة تمَّثل األبنَّي ة اللغوَّي ة‬
‫لألنساق الفكرية األيديولوجية الحاضرة في النص‪.‬‬
‫ومن األسباب الموضوعية التي دفعتنا إلى اختيارنا لهذا الموضوع ه;;و أَّن ه موض;;وع‬
‫جدي;;د يح;;اول أن يتط ;َّر ق إلى النس;;ق األي;;ديولوجي ال;;ذي ه;;و موض;;وع يجم;;ع بين مختل;;ف‬
‫هاته االتجاهات النقدية السوسيولوجية‪.‬‬

‫ا‬
‫‪:‬المقدمة‬
‫وعلى هذا األساس تكون إشكالية البحث األساسَّية هي‪:‬‬
‫‪-‬كي ;;ف ش ;;كلت الرواي ;;ة العربي ;;ة في تحوالته ;;ا الفني ;;ة والموض ;;وعية اتجاه ;;ا في معالج ;;ة‬
‫القضايا األيديولوجية؟‬
‫‪-‬ماهي التقنية التي توخاها الروائي في بناء عوالم الرواية السردية وصياغتها الفنية؟‬
‫وكيف تشكلت االنساق داخل البنية النصية في رواية أميركا؟‬
‫_ما مدى فاعلية هذه االنساق األيديولوجية في بناء أبعاد الرواية ومقاصدها؟‬
‫ولإلجاب ;;ة عن ه ;;ذه التس ;;اؤالت وغيره ;;ا‪ ،‬ومن أج ;;ل اإللم ;;ام بموض ;;وع البحث بجانبي ;;ه‬
‫الَّنظ;;ري والتط;;بيقي‪ ،‬اتك;;أت على مجموع;;ة من الكتب المهم;;ة‪ ،‬ال;;تي س;;اعدت في تأص;;يل‬
‫فك;;رة البحث‪ ،‬منه;;ا‪( :‬حمي;;د الحمي;;داني النق;;د ال;;روائي واألي;;ديولوجيا)‪( ،‬عب;;د اهلل الع;;روي‪،‬‬
‫مفه; ;;وم األيديولوجي; ;;ة)‪( ،‬ك; ;;ارل مانه; ;;ايم‪ ،‬األي; ;;ديولوجيا واليوتوبي; ;;ا (مقدم; ;;ة سوس; ;;يولوجيا‬
‫المعرفة))‪ ،‬والعديد من الكتب‬
‫والمجاالت والمق;االت األدبي;ة النقدي;ة‪ ،‬وال;تي س;اهمت بش;كل أو ب;آخر في بن;اء ه;ذا العم;ل‬
‫األكاديمي‪ ،‬وفي رسمنا لخَّطة هذا البحث‪ ،‬المتمثلة فيما يلي‪:‬‬
‫الفص@@ل األول‪ :‬تناولن;;ا في;;ه مف;;اهيم النس;;ق‪ ،‬النق;;د الثق;;افي واألي;;ديولوجيا‪ ،‬حيث أدرجن;;ا في;;ه‬
‫مفه ;;وم النس ;;ق عن ;;د ابن منظ ;;ور وعن ;;د الب ;;نيويين والش ;;كالنيين‪ ،‬وبعض المف ;;اهيم الفلس ;;فية‬
‫والسوس;;يولوجيا ومفه ;;وم النق ;;د الثق ;;افي عن ;;د عب ;;د اهلل الغ ;;ذامي وتطرقن ;;ا أيض ;;ا إلى مفه ;;وم‬
‫األي; ;;ديولوجيا عن; ;;د الفالس; ;;فة‪ ،‬والماركس; ;;يين‪ ،‬وعن; ;;د الع; ;;رب وخاص; ;;ة في كت; ;;اب (مفه; ;;وم‬
‫األيديولوجيا)‪ ،‬لعبد اهلل العروي‪.‬‬
‫أم ;;ا الفص@@ل الث@@اني فق ;;د قمن ;;ا بدراس ;;ة الج ;;انب النظ ;;ري للموض ;;وع‪ ،‬فك ;;ان تحت عن ;;وان‪:‬‬
‫األي@@ديولوجيا و العم@@ل الف@@ني تض;;من ثالث مب;;احث ‪ ،‬المبحث األول حاولن;;ا في;;ه التط;;رق‬
‫إلى عالق@@ة األيديولوجي@@ة ب@@الواقع و التمثالت االجتماعي@@ة ‪ ،‬وكيفي ;;ة إب ;;راز األيديولوجي ;;ة‬
‫للواقع داخل الّن ص األدبي‪ ،‬من خالل مقوالت كارل ماركس ‪ ،‬أما المبحث الثاني تناولن;;ا‬
‫في ;;ه أهم األطروح ;;ات ال ;;تي ش ;;ملت األيديولوجي@@ة و الس@@ردية الت@@اريخ‪ ،‬منه ;;ا أطروح ;;ات‬
‫ج ;;ورج لوك; ;;اتش و تلمي; ;;ذه لوس ;;يان غول; ;;دمان و ك; ;;ذلك إلى أطروح ;;ات ب; ;;ول ريك; ;;ور في‬
‫الّت اريخ و في األي ; ;;ديولوجيا و في المبحث الث ; ;;الث بجثن ; ;;ا في موض ; ;;وع األي@@@ديولوجيا و‬

‫ب‬
‫‪:‬المقدمة‬
‫المفارق@@@ة بالتخيي@@@ل وحاولن ; ;;ا في ; ;;ه التط ; ;;رق إلى الم ; ;;دخالت و المقارب ; ;;ات ح ; ;;ول عالق ; ;;ة‬
‫األيديولوجيا بالتخييل ‪ ،‬و أهمها دراسات و مقاربات (كارل مانهايم و ألتوسير)‬
‫أم;;ا الفصل الثالث فق;;د تناولن;;ا في;;ه تمثالت االنس;;اق األيديولوجي;;ة في رواي;;ة "أميرك;;ا"‪،‬‬
‫حيث تضمن مبح;ثين‪ ،‬المبحث األول ه;و ملخص لرواي;ة‪ ،‬أم;ا الث;اني فه;و دراس;ة للبني;ات‬
‫السردية الثالثة (العنوان‪ ،‬الشخصيات‪ ،‬الزمان والمكان)‪.‬‬
‫أم;;ا الفصل الرابع فق;;د تناولن;;ا في;;ه االنس;;اق األيديولوجي;;ة المض;;مرة في الرواي;;ة حيث‬
‫وج;;دنا الرواي;;ة تحم;;ل ع ;َّد ة أنس;;اق (تاريخي;;ة‪ ،‬سياس;;ية‪ ،‬اجتماعي;;ة‪ ،‬ثقافي;;ة‪ ،‬وديني;;ة) وال;;تي‬
‫ش;;كل به;;ا الك;;اتب عالم;;ا روائي;;ا اب;;داعيا وملحمًي ا أث;;رى به;;ا زاد المكتب;;ة األدبي;;ة‪ ،‬فك;;انت‬
‫روايته ملحمية تعددت فيها الرؤى واألفكار‪.‬‬
‫أما الخاتمة فكانت حوص;لة ألهم الج;وانب النظري;ة والتطبيقي;ة ال;تي وردت في البحث‬
‫وتطرقنا إلى أهم النتائج والمالحظات التي توصلنا إليها‪.‬‬
‫وفي األخ;;ير ال يس;;عنا إّال أن أتق;;دم بعمي;;ق الش;;كر واالمتن;;ان ألس;;تاذي ال;;دكتور "توفي;;ق‬
‫ش ; ;;ابو" ال ; ;;ذي اع ; ;;ترف ل ; ;;ه بالفض ; ;;ل الكب ; ;;ير علي في ت ; ;;وجيهي من الن ; ;;احيتين المعرفّيـة‬
‫والمنهجّيـة‪ ،‬من بداية البحث إلى نهايته فجزاه اهلل عن ذلك كل خير‪.‬‬

‫ج‬
‫‪:‬المقدمة‬

‫د‬
‫الفصل األول‬
‫مفاهيم اصطالحية‪:‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫النسق ‪-‬النقد الثقافي _ األيديولوجي‬


‫المبحث األول‪ :‬مفهوم النسق‪:‬‬
‫أ‪-‬لغة‪:‬‬
‫ج ;;اء في معجم (لس ;;ان الع ;;رب) حيث يق ;;ول‪ ":‬النس ;;ق من ك ;;ل ش ;;يء‪ :‬م ;;ا ك ;;ان على‬
‫طريق;;ة نظ;;ام واح;;د‪ ،‬ع;;ام في األش;;ياء‪ ،‬وق;;د نس;;قته تنس;;يقا‪ ،‬ويخف;;ف‪ .‬والنحوي;;ون يس;;مون‬
‫ح ;;روف العط ;;ف ح ;;روف النس ;;ق ألن الش ;;يء إذا عطفت علي ;;ه ش ;;يئا بع ;;ده ج ;;رى مج ;;رى‬
‫واحدا‪ .‬ويقال‪ :‬ناسق بين األمرين أي تابع بينهما‪ .‬وثغر نسق إذا كانت األس;نان مس;توية‪.‬‬
‫ونسق األسنان‪ :‬انتظامها في النبتة وحسن تركيبها‪ .‬والنسق‪ :‬العطف على األول‪ ،‬والفعل‬
‫كالفعل‪ .‬وثغر نسق وخرز نس;ق أي منتظم[‪ ]...‬والتنس;يق‪ :‬التنظيم‪ .‬والنس;ق‪ :‬م;ا ج;اء من‬
‫الكالم على نظام واح;د‪ ،‬والكالم إذا ك;ان مس;جعا‪ ،‬قي;ل‪ :‬ل;ه نس;ق حس;ن‪ .‬والنس;ق‪ :‬ك;واكب‬
‫مص ;;طفة خل ;;ف الثري ;;ا‪ ،‬يق ;;ال له ;;ا الف ;;رود‪ .‬ويق ;;ال‪ :‬رأيت نس ;;قا من الرج ;;ال والمت ;;اع أي‬
‫بعض;;ها إلى جنب بعض[‪]...‬والنس;;ق‪ ،‬بالتس;;كين‪ :‬مص;;در نس;;قت الكالم إذا عطفت بعض;;ه‬
‫على بعض‪ ،‬ويقال‪ :‬نسقت بين الشيئين وناسقت‪.1‬‬

‫ب‪-‬النسق عند البنيويين والشكالنيين‪:‬‬


‫أول من استخدم هذا المصطلح هو العالم اللغوي والمؤسس لمدرسة البنيوية "فردينان;د‬
‫دي سوس;;ور‪ ،‬فق;;د اهتم ه;;ذا األخ;;ير بقض;;ية مص;;طلح "النس;;ق"‪ ،‬فه;;و ي;;رى أن اللغ;;ة نظ;;ام‪،‬‬
‫وذلك لكونه مؤَّلفة من وحدات لها تأثير متبادل على بعضها‪ ،2‬فاللغ;;ة نس;;ق من العالم;;ات‬
‫يعّب ر عن األفك; ;;ار‪ ،‬ومن ثم; ;;ة ُيمكن مقارنته; ;;ا بالكتاب; ;;ة‪ ،‬بأبجدي; ;;ة الص; ;;م البكم‪ ،‬ب; ;;الطقوس‬
‫الرمزي;;ة‪ ،‬وبأش;;كال الس;;لوك الم;;ؤدب باإلش;;ارات العس;;كرية وم;;ا الى ذل;;ك‪ ،‬وهي ببس;;اطة‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪2003‬م‪ ،‬مادة نسق‪ ،‬حرف النون‪.‬‬
‫‪-2‬يمنى العيد ‪ ،‬تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي ‪،‬دار الفارابي ‪،‬بيروت ‪،‬ط‪ 1999، 2‬ص ‪30‬‬

‫‪5‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أكثر االنساق أهمية‪ .‬لذلك من الممكن تصور علم يدرس دور العالمات باعتبارها ج;;زًء ا‬
‫من الحي;;اة االجتماعي;;ة‪ ،1‬وه;;و ب;;ذلك ي;;دعوا إلى تحلي;;ل البني;;ة وكش;;ف عناص;;رها ك;;الرموز‬
‫في نس;;يج من العالق;;ات اللغوي;;ة‪ .‬أي في أنس;;اقها لمعرف;;ة تش ;ُّك الت بنيه;;ا داخلي;;ا وخارجي;;ا‬
‫وعالقته;;ا م;;ع بعض;;ها البعض وبالت;;الي ففردينان;;د دي سوس;;ور ي;;رى أَّن اللغ;;ة نظ;;ام يق;;وم‬
‫بوصف الظاهرة االجتماعية‪ ،‬وأَّن األفكار والمفاهيم ال توجد بمعزل عن البنية ‪ ،‬ويعرفه‬
‫نعمان بوقرة على أنه ‪":‬هو ما يتولد عن ت;;درج الجزئي;;ات في س;;ياق م;;ا‪ ،‬أو م;;ا يتول;;د عن‬
‫حرك; ;;ة العالق; ;;ة بين العناص; ;;ر المكون; ;;ة للبني; ;;ة اال أَّن له; ;;ذه الحرك; ;;ة نظاًم ا معيًن ا يمكن‬
‫مالحظته وكشفه كان نقول أن لهذه الرواية نسقها الذي يولده توالي األفعال فيها ‪ ،‬أو أن‬
‫هذه العناصر المكونة لهذه الّلوحة من خيوط وألوان تتآلف وفق نسق خاص بها"‪.2‬‬
‫يرى البنيويون أن النسق مفهوم يتحدد من خالل البنية الكلي;;ة للنص‪ ،‬فالبني;;ة عالق;;ات‬
‫عناص ;;ر‪ ،‬ويكتس ;;ب مفه ;;وم النس ;;ق قيمت ;;ه داخ ;;ل البني ;;ة وفي عالقت ;;ه ببقي ;;ة العناص ;;ر‪ ،‬أو‬
‫بموقع;;ه في ش;;بكة العالق;;ات ال;;تي تنتظم وال;;تي به;;ا تنهض البني;;ة فتنتج نس;;قا فالعناص;;ر ال‬
‫قيم ;;ة له ;;ا وهي منعزل ;;ة ‪،‬وإ نم ;;ا تتش ;;كل أهميته ;;ا في س ;;ياق عالق ;;ات جماعي ;;ة أو منظومي ;;ة‬
‫وبالت;الي فالنس;ق إذن "مجموع;ة الق;وانين العام;ة ال;تي تحكم اإلنت;اج الف;ردي للن;وع وتمكن;ه‬
‫من الدالل ; ; ;;ة "‪ ،3‬ف ; ; ;;األهم هن ; ; ;;ا ه ; ; ;;و العالق ; ; ;;ة ال ; ; ;;تي تك ; ; ;;ون بين األج ; ; ;;زاء لتك ; ; ;;ون وح ; ; ;;دة‬
‫كلية ‪،‬والقوانين التي تنجم عنها ه;ذه العالق;ة وتس;هم في بنيته;ا ‪،‬وه;ذه رؤي;ة عام;ة لمفه;وم‬
‫النسق عند البنيويين ‪.‬‬
‫أما عن;د الش;كالنيين فهم ينظ;رون للنس;ق بص;فة عكس;ية على م;ا ي;راه الب;نيويون‪ ،‬حيث‬
‫ت;;ذهب الى النس;;ق الع;;ام للنص أو الب;;نى الص;;غرى بمع;;نى "أن االنس;;اق األخ;;رى ال;;تي هي‬

‫‪ -1‬ديفيد هوكس ‪ ،‬األيديولوجيا ‪ ،‬تر‪ :‬إبراهيم فتحي ‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة ‪ ،‬الكويت د‪ ،‬ط ‪، 2000،‬ص ‪30‬‬
‫‪ -2‬نعمان بوقرة‪ ،‬المصطلحات األساسية في لسانيات النص و تحليل الخطاب‪ ،‬جدار للكتاب العالمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط‪ ،2009 ،1‬ص‪141_140‬‬
‫‪ -3‬عبد العزيز حمودة ‪ ،‬المرايا المحدبة ‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون ‪ ،‬ع ‪ ، 232‬الكويت‬
‫‪ 1998 ،‬ص‪193‬‬

‫‪6‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أنس;;اق فكري;;ة ونص;;ية ناقل;;ة للخط;;اب محت;;واه في النس;;ق الع;;ام للنص‪،1"...‬وت;;ذهب الى أن‬
‫النس;;ق "كفك;;ر ق;;اهر وقس;;ري مس;;تقل عم;;ا ع;;داه ومنغل;;ق على نفس;;ه‪ ،...‬أو كبني;;ة نظري;;ة‬
‫كبرى تهيمن على الكيفية التي يحيا البشر عليها ويفكرون "‪2‬وبالت;;الي فمفه;;وم النس;;ق عن;;د‬
‫الش ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;كالنيين هي عالق ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ة الج ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;زء بالك ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ل‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النقد الثقافي‬


‫يعتبر النقد الثقافي من أهم االستراتيجيات القرائية م;;ا بع;;د الحداثي;;ة في مج;;ال األدب‬
‫والنق;;د‪ ،‬بغي;;ة بن;;اء ب;;ديل منهجي يهتم باستكش;;اف األنس;;اق الثقافي;;ة المض;;مرة‪ ،‬حيث يعرف;;ه‬
‫آرث;;ر أيزابرج;;ر في كتاب;;ه النق;;د الثق;;افي‪" :‬النق;;د الثق;;افي بان;;ه نش;;اطا وليس مج;;اال معرفي;;ا‬
‫حيث يطبق نقاد الثقافة مفاهيمهم ونظرياتهم على الفنون الراقي;ة والثقاف;ة الش;عبية والحي;اة‬
‫اليومي;;ة ان النق;;د الثق;;افي ه;;و مهم;;ة متداخل;;ة ومترابط;;ة متج;;اوزة ومتع;;ددة وبمق;;دور النق;;د‬
‫الثق ; ;;افي ان يش ; ;;مل نظري ; ;;ة االدب والجم ; ;;ال والنق ; ;;د والتفك ; ;;ير الفلس ; ;;في والنق ; ;;د الش ; ;;عبي‬
‫وبمق; ;;دوره ان يفس; ;;ر نظري; ;;ات ومج; ;;االت علم العالم; ;;ات والتحلي; ;;ل النفس; ;;ي والنظري; ;;ة‬
‫الماركسية والنظرية األنثروبولوجيا"‪3‬به;;ذا المع;;نى يص;;بح النق;;د الثق;;افي منفتح;;ا على جمل;;ة‬
‫من المواضيع والتخصصات المعرفية المرادفة لألدب‪.‬‬
‫أما فنسنت ليتش‪ :‬فيرادف مصطلح النقد الثقافي بمصطلحي م;;ا بع;;د البنيوي;;ة وم;;ا بع;;د‬
‫الحداث ;;ة وال يختل ;;ف عن س ;;ابقه في اعتب ;;ار النق ;;د الثق ;;افي نش ;;اطا منفتح ;;ا على المع ;;ارف‬
‫والعلوم وربطه بما بعد الحداثة يعني ردم الحدود الفاصلة بين المع;;ارف والعل;;وم واالدب‬
‫بحيث تنص; ;;هر العل; ;;وم االنس; ;;انية في بوتق; ;;ة واح; ;;دة‪ .‬حيث يص; ;;بح النق; ;;د الثق; ;;افي يس; ;;تخدم‬

‫‪- 1‬سليم بركان ‪ ،‬النسق اإليديولوجي و بنية الخطاب الروائي (دراسة سوسيوبنائية لرواية ذاكرة الجسد)‪ ،‬أطروحة‬
‫ماجستير قسم اللغة العربية وأدابها ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪، 2003/2004 ،‬ص‪10‬‬
‫‪ -2‬فؤاد خليل‪ ،‬الماركسية في البحث النقدي (الراهّنية‪ ،‬التاريخ‪ ،‬النسق ) دار الفارابي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 2010 ، 1‬ص‬
‫‪. 184‬‬
‫‪ -3‬ارثر ايزابرجر‪ ،‬النقد الثقافي تمهيد مبدئ للمفاهيم الرئيسية‪ ،‬تر وفاء إبراهيم‪ ،‬رمضان بسطاويسي المجلس‬
‫األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2003، 1‬ص ‪31-30‬‬

‫‪7‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المعطي;;ات النظري;;ة والمنهجي;;ة في السوس;;يولوجيا والت;;اريخ والسياس;;ة دون أن يتخلى عن‬


‫مناهج التحليل االدبي والنقدي‪.1‬‬
‫ويرى سعيد البازعي وميجان الرويلي في كتابهما (دليل الناقد األدبي) أّن النقد‬
‫ا لثقافي‪ ،‬في داللته العامة‪ ،‬يمكن أن يكون مرادفا "للنقد الحضاري" كما مارسه طه‬
‫حسين والعقاد وأدونيس ومحمد عابد الجابري وعبد اهلل العروي‪ ،‬لهذا فهما يعرفان النقد‬
‫الثقافي على أّنه‪" :‬نشاط فكري يتخذ من الثقافة بشموليتها موضوعًا لبحثه وتفكيره‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ويعبر عن مواقف إزاء تطوراتها وسماتها‪.‬‬
‫ويعتبر د‪ .‬عبد اهلل الغّذ امي أّو ل من حاول تبّن ي مفهوم النقد الثقافي واستخدم أدواته‬
‫الستكشاف عدد من الظواهر الثقافية العربية لها‪ ،‬حيث يعرفه بأّنه‪ " :‬فرع من فروع‬
‫النقد النصوصي العام‪ ،‬ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول األلسنية معنّي بنقد األنساق‬
‫المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه‪ ،‬ما هو غير‬
‫رسمي وغير مؤسساتي‪ .‬وهو لذا معني بكشف ال الجمالي كما شأن النقد األدبي‪ ،‬وإ ّنما‬
‫همه كشف المخبوء من تحت أقنعة البالغي الجمالي‪ ،‬فكما أّن لدينا نظريات في‬
‫الجماليات فإّن المطلوب إيجاد نظريات في القبحيات ال بمعنى عن جماليات القبح‪ ،‬مما‬
‫هو إعادة صياغة وإ عادة تكريس للمعهود البالغي في تدشين الجمالي وتعزيزه‪ ،‬وإ ّنما‬
‫المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة األنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقد‬
‫"‪ 3‬وعليه‪ ،‬فالنقد الثقافي يدرس األدب باعتباره ظاهرة ثقافية مضمرة‪ .‬وبتعبير آخر هو‬
‫ربط األدب بسياقه الثقافي غير المعلن‪ .‬ومن ثم ال يتعامل النقد الثقافي مع النصوص‬
‫والخطابات الجمالية والفنية على أنها رموز جمالية ومجازات شكلية موحية‪ ،‬بل على‬

‫‪- 1‬فنسنت ليتش‪ ،‬النقد الثقافي (النظرية األدبية وما بعد البنيوية) تر‪ :‬هشام زغلول‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2022‬ص‪94‬‬
‫‪- 2‬ميجان الرويلي‪ ،‬سعيد البازعي‪ ،‬دليل الناقد االدبي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬دط ‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪305‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬النقد الثقافي‪ ،‬قراءة في االنساق الثقافية العربية‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،2005 ،3‬‬
‫ص‪20‬‬

‫‪8‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية التاريخية والسياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية واألخالقية والقيم الحضارية واإلنسانية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتعامل‬
‫النقد الثقافي مع األدب الجمالي ليس باعتباره نصا‪ ،‬بل بمثابة نسق ثقافي يؤدي وظيفة‬
‫نسقية ثقافية تضمر أكثر مما تعلن‪.‬‬

‫األيديولوجيا‪:‬‬
‫يعت; ;;بر مص; ;;طلح اإلي; ;;ديولوجيا من أك; ;;ثر المف; ;;اهيم اس; ;;تعماال‪ ،‬من حيث ثرائ; ;;ه وتع; ;;دد‬
‫مش;;اربه وميادين;;ه‪،1‬وق;;د اس;;تعمل في ع;;دة مي;;ادين منه;;ا‪ :‬الفلس;;فية‪ ،‬االجتماعي;;ة‪ ،‬والفكري;;ة‪،‬‬
‫وحتى األدبية‪.‬‬
‫إَّن أول من وض;;ع مفه;;وم اإلي;;ديولوجيا ه;;و الفيلس;;وف الفرنس;;ي أنط;;وان ديس;;توت دي‬
‫تراس; ;;یو" إي; ;;ديولوجيا" كلم; ;;ة يوناني; ;;ة تتك; ;;ون من مقطعين‪ ،‬المقط; ;;ع األول "‪ "ldea‬ويع; ;;ني‬
‫الفكرة‪ ،‬والمقطع الثاني "‪ "logos‬ويعني العلم فتكون الترجمة الحرفية (علم األفك;;ار) وق;;د‬
‫ت; ;;أثر دي تراس; ;;ي بنظري; ;;ة الفيلس; ;;وف االنجل; ;;يزي "ج; ;;ون" التجريبي; ;;ة‪ ،‬كم; ;;ا ت; ;;أثر بم; ;;ذهب‬
‫الفيلس;;وف الفرنس;;ي "كون;;دياك" ال;;ذي ي;;رُّد ك;;ل معرف;;ة أو إدراك إلى أص;;ول حس;;ية بحت;;ة‪،2‬‬
‫حيث أَّن "إيديولوجي; ; ;;ة دي تراس; ; ;;ي تتب; ; ;;ع األفك; ; ;;ار خالل اإلحساس; ; ;;ات إلى ج; ; ;;ذورها في‬

‫الم; ;;ادة‪ ،...‬وب; ;;ذلك ك; ;;ان ق; ;;ادرًا على ق; ;;ول أَّن "اإلي; ;;ديولوجيا" تحق; ;;ق فتح; ;;ا فلس; ;;فيا خط; ;;يرًا‬
‫بتجاوزه;;ا التض;;ادات القديم;;ة بين الم;;ادة وال;;روح‪ ،‬وبين األش;;ياء والمف;;اهيم‪ ،3‬وق;;د اس;;تخدم‬
‫دي تراس ; ;;ي كلم ; ;;ة إي ; ;;ديولوجيا لمفه ; ;;وم أوس ; ;;ع وأش ; ;;مل باعتباره ; ;;ا علم دراس ; ;;ة األفك ; ;;ار‬
‫والمع;;اني‪ ،‬كم;;ا هي في الواق;;ع المح ;ّد د تاريخي ;ًا‪ ،‬ليس;;ت األفك;;ار في ذاته;;ا‪ ،‬ب;;ل ل;;ذاتها في‬
‫معانيه ;;ا‪ ،‬وفي تعبيراته ;;ا وأس ;;اليبها وتمظهراته ;;ا واس ;;تخداماتها‪ ،‬وداللته ;;ا في مجتم ;;ع م ;;ا‪،‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬النقد الثقافي‪ ،‬ص‪72‬‬


‫‪ -2‬هنري أيكن عصر اإليديولوجية‪ ،‬تر فؤاد زكريا‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1963 ،‬ص ‪63‬‬
‫‪-3‬ديفيد هوكس‪ ،‬األيديولوجيا‪ ،‬ص‪46‬‬

‫‪9‬‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وفي مواقف اجتماعي;;ة مح;ّد دة‪ ،‬وفي س;;ياق حض;;اري ثق;;افي مح;ّد د‪ ،1‬فك;;ان أس;;اس نظريت;;ه‬
‫(دي) تراس ;;ي ه ;;و االهتم ;;ام بدراس ;;ة الفك ;;ر اإلنس ;;اني على أن ;;ه عملي ;;ة ناتج ;;ة من تح; ;ّو ل‬
‫اإلحساس;;ات‪ ،‬وبعب;;ارة أخ;;رى اهتم بدراس;;ة الس;;لوك ال;;واعي ال;;ذي يحمل;;ه اإلنس;;ان دراس;;ة‬
‫ولق;د ك;;انت هن;;اك العدي;;د من التص;;ورات والمف;;اهيم ال;;تي ح;ول ظه;;رت‬ ‫علمية‪.‬‬
‫مص ;;طلح اإليديولوجي ;;ة فه ;;و مفه ;;وم آث ;;ار الكث ;;ير من الج ;;دل واش ;;تد حول ;;ه الخالف عن ;;د‬
‫الغربيين‪ ،‬وهو كذلك مصطلح حط رحاله عند العرب‪ ،‬فتجد عب;;د اهلل الع;;روي" يش;;ير إلى‬
‫هذا المصطلح في كتابه "مفهوم اإليديولوجيا‪ ،‬والذي يس;;تعمل في;;ه مص;;طلح "أدلوج;;ة" ب;;دل‬
‫"اي;;ديولوجيا للتعب;;ير عن مدلول;;ه فاألدلوج;;ة على ح;;د ق;;ول الع;;روي هي‪ :‬منظوم;;ة كالمي;;ة‬
‫س;;جالية‪ ،‬تح;;اول رغب;;ة م;;ا أن تحق;;ق بواس;;طتها قيم;;ة م;;ا‪ ،‬باس;;تعمال الس;;لطة داخ;;ل مجتم;;ع‬
‫معين‪ ، 2‬ويوض; ;;ح لن; ;;ا أنن; ;;ا عن; ;;دما نق; ;;ول إن ه; ;;ذا الح ;;زب يحم; ;;ل اي; ;;ديولوجيا‪ ،‬نع; ;;ني به; ;;ا‬
‫مجم;;وع القيم واألخالق واأله;;داف ال;;تي ين;;وي تحقيقه;;ا على الم;;دى الق;;ريب والبعي;;د‪ ،‬ألن‬
‫(الح; ;;زب ال; ;;ذي ال يمل; ;;ك إي; ;;ديولوجيا ه; ;;و في نظرن; ;;ا ح; ;;زب انته; ;;ازي‪ ،‬وعن; ;;دما ن; ;;درس‬
‫ايديولوجية عصر النهضة إلى الكون والمجتمع والفرد‪ ،‬فإيديولوجية عصر من العص;;ور‬
‫هي إذن األف ;;ق ال ;;ذهني ال ;;ذي ك ;;ان يح; ;ّد د فك ;;ر إنس ;;ان ذل ;;ك العص ;;ر‪ ،‬وعن ;;دما تحكم على‬
‫إيديولوجيا عصر النهض;;ة‪ ،‬فإنن;;ا نحكم على إي;;ديولوجيا تتص;;ل بواق;ع مع;;نى فاإلي;ديولوجيا‬
‫إذن مرتبط; ; ;;ة ب; ; ;;المجتمع والت; ; ;;اريخ‪ ،3‬وبالت; ; ;;الي فاإلي; ; ;;ديولوجيا هي نس; ; ;;ق من المعتق; ; ;;دات‬
‫والمف; ; ;;اهيم‪ ،‬تس; ; ;;عى إلى تفس; ; ;;ير الظ; ; ;;واهر االجتماعي; ; ;;ة المعق; ; ;;دة‪ ،‬والمرتبط; ; ;;ة ب; ; ;;األفراد‬
‫والجماعات التي تؤمن بهاته األفكار والمبادئ والتصورات‪.‬‬

‫‪-1‬نبيل رمزي‪ ،‬سوسيولوجيا المعرفة (جدل الوعي والوجود االجتماعي)‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ط ‪،‬‬
‫‪ 2001‬ص‪18‬‬
‫‪- 2‬عبد اهلل العروي‪ ،‬مفهوم األيديولوجيا‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1993 ،1‬ص‪13‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬

‫‪10‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬األيديولوجيا والعمل الفني‬

‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬األيديولوجيا‪ ،‬الواقع والتمثالت االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬األيديولوجيا وسردية التاريخ‪.‬‬

‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬األيديولوجيا والمفارقة بالّتخييل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪:‬المبحث األول‪ :‬األيديولوجيا‪ ،‬الواقع والتمثالت االجتماعية‬

‫إن م;;ا ي;;دور ح;;ول مفه;;وم الواق;;ع من مف;;اهيم ه;;و‪" :‬مالحظ;;ة الواق;;ع وتس;;جيل تفاص;;يله‬
‫وتصويره فوتوغرافيا حرفيا‪ ،‬وابعاد عناصر الخيال ويقصد به أحيانا أخ;;رى الحيادي;;ة او‬
‫الموض;;وعية الص;;ارمة ال;;تي تمن;;ع تس;;رب أفك;;ار الك;;اتب وعواطف;;ه‪ ،‬ومزاج;;ه ال;;ذاتي الى‬
‫اعمال;;ه األدبي;;ة"‪ .1‬وهن;;اك من ي;;رى ان الواقعي;;ة تهتم بمش;;كالت المجتم;;ع‪ ،‬أي انه;;ا ت;;درس‬
‫تفاص;;يل حي;;اة االنس;;ان والظ;;روف المعاش;;ة للف;;رد وكيفي;;ة تجس;;يد الك;;اتب له;;ا في االدب‪.‬‬

‫إَّن للعم;;ل الف;;ني وظيف;;ة معرفي;;ة ‪،‬و من ه;;ذا المنطل;;ق وجب فهم الواق;;ع وف;;ق مع;;ايير‬
‫فلس; ;;فية معين; ;;ة‪ ،‬فكرته; ;;ا األساس; ;;ية تكمن في "أن الواق; ;;ع ال يمكن فهم; ;;ه إال كك; ;;ل مَّتس; ;;ق‪،‬‬
‫والفك;;ر ال;;ذي ال يفهم الع;;الم الموض;;وعي ككلّي ة ب;;ل يع;;زل الظ;;واهر الفردي;;ة بعض;;ها عن‬
‫بعض فه;;و يَظ ُّل تجري;;دّيا و الم;;دخل ال;;ذي يتن;;اول الظ;;واهر في عالقته;;ا بكِّلي;;ة تتخ;;ذ فيه;;ا‬
‫معناه ;;ا من أج ;;ل إقام ;;ة عالق ;;ات فيم ;;ا بينه ;;ا‪ ،‬ه ;;و وح ;;ده اِّل ذي يق ;َّد م بش ;;كل عين ;;ه‪ ،2‬و" من‬
‫واجب األديب الواقعي أن يكون ذا نظرة متكاملة إلى الع;;الم اِّل ذي يحي;;ا في داخل;;ه‪ ،‬نظ;;رة‬
‫تعِّبر عن فهم مترابط لهذا الكون وأطواره‪ ،‬وبشكل اإلنتاج األدبي ـن يك;;ون ملُّم ا ب;;الواقع‬
‫اّلذي يعيش فيه اإلنسان االجتماعي بطبعه‪ ،‬وأن يعِّبر عن األفكار العام;;ة بطريق;;ة خاص;;ة‬
‫ه إلى حواس ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ه و مكنونات ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ه‪.‬‬ ‫عن طري ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ق التو ًّج‬
‫يشهد الواقع االجتماعي حالة تغيير دائم;;ة والنظ;;ام االجتم;;اعي غ;;ير ث;;ابت‪ ،‬حيث يس;;عى‬
‫االنس; ;;ان بطبع; ;;ه الى تجُّنب ه; ;;ذا الت; ;;وتر والص; ;;راع‪ ،‬وتعت; ;;بر الرواي; ;;ة أفض; ;;ل ش; ;;كل من‬
‫األش; ;;كال األدبي; ;;ة ال; ;;تي تص; ;;ور لن; ;;ا ه; ;;ذا الص; ;;راع فهي تحت; ;;وي في ثناياه; ;;ا على أفك; ;;ار‬
‫تتصارع داخ;ل الخط;;اب وهي تفيض بهات;;ه األفك;;ار ال;;تي تع;;بر عن الواق;ع الُم ع;;اش‪ ،‬وه;;و‬
‫ح ;;ال االنس ;;ان لم ;;ا يحمل ;;ه من قيم وأفك ;;ار وطب ;;ائع وخص ;;ائص وس ;;يمات ض ;;من مج ;;االت‬

‫الرشيد بوشعير‪ ،‬الواقعية وتياراتها في اآلداب السردية واألوروبية‪ ،‬األهالي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق ط‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1996‬ص‪07‬‬
‫بيير زيما ‪ ،‬النقد االجتماعي‪ ،‬تر عايدة لطفي ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1991 ،1‬ص‪45‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪12‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يحيه;;ا ويعيش;;ها‪ ،‬اقتص;;ادية ك;;انت‪ ،‬أو اجتماعي;;ة‪ ،‬أو سياس;;ية أو ثقافي;;ة يم;;ر به;;ا المجتم;;ع‬
‫ع ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;بر الت ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;اريخ‪.‬‬
‫انتق;;ل الفك;;ر الماركس;;ي إلى األدب م;;ع الّتوس;;ع الهائ;;ل لعلم االجتم;;اع‪ ،" 1‬وق;;د اّتس;;مت‬

‫الماركس;;ية بامتي;;از مع;;رفي لم ت;;رق إلي;;ه أغلبي;;ة الّنظري;;ات السوس;;يولوجيا األخ;;رى س;;واًء‬
‫بمفاهيمه ; ;;ا‪ ،‬أي أدوات تحليله ; ;;ا أو بس ; ;;بيلها المنهجي ال ; ;;ديالكتيكي "وهي م ; ;;ذهب ش ; ;;امل‪،‬‬
‫تجمعه أوصاف ثالثة‪ :‬فهو مادي ج;دلي ت;اريخي"‪ .2‬ويتف;ق الّد ارس;ون على أَّن الماركس;ّية‬
‫تمخض; ; ;;ت عن ثالث مص; ; ;;ادر رئيس; ; ;َّية هي‪ :‬الفلس ; ;;فة الكالس ; ;;يكَّية األلمانَّي ة واالقتص; ; ;;اد‬
‫السياس; ;;ي اإلنجل; ;;يزي واالش; ;;تراكّية الفرنس ; ;َّية األلمانَّي ة‪ ،‬والرائ; ;;د األَّو ل له; ;;ا ه; ;;و "ك; ;;ارل‬
‫م ;;اركس"‪ ،‬حيث يح; ;ِّد د‪ ،‬أَّن الوج ;;ود االجتم ;;اعي ه ;;و اَّل ذي يق; ;ِّر ر ال ;;وعي والبني ;;ة التحتي ;;ة‬
‫االقتص;;ادية‪ ،‬والبني;;ة الفوقي;;ة اإليديولوجي;;ة ويرب;;ط م;;اركس بين الق;;وى المنتج;;ة والعالق;;ات‬
‫اإلنتاجية من جهة‪ ،‬وبين اإليديولوجيا والوعي الواقعي كالمعرفة‪ ،‬الحقوق األخالق الفن‪،‬‬
‫ال; ;ِّد ين‪ ،‬الفلس ;;فة من جه ;;ة ثاني ;;ة‪ ،3‬فك ;;ان موض ;;وع ك ;;ارل م ;;اركس األساس ;;ي ه ;;و "دراس ;;ة‬
‫المجتم; ; ;;ع اإلنس; ; ;;اني"‪ ،‬كك; ; ;;ل ت; ; ;;اريخي متغِّي ر‪ ،‬من خالل دراس; ; ;;ة الق; ; ;;وانين االجتماعي; ; ;;ة‬
‫واالقتص;;ادية‪ ،‬وبحث في مختل;;ف العالق;;ات الَّد اخلي;;ة لج;;وانب الحي;;اة االجتماعي;;ة‪ ،‬وك;;ذلك‬
‫أث ; ; ; ; ; ; ;;ار قض ; ; ; ; ; ; ;;ية الّتفرق ; ; ; ; ; ; ;;ة بين الوج ; ; ; ; ; ; ;;ود االجتم ; ; ; ; ; ; ;;اعي وال ; ; ; ; ; ; ;;وعي االجتم ; ; ; ; ; ; ;;اعي‪.‬‬
‫ويَّتألف الفكر الماركسي من مكونين أساسيين هما‪ :‬المادية الجدلَّية‪ ،‬والمادية‬
‫الَّتاريخية هذه األخيرة اَّلتي تمُّد علم المجتمع بإطاره األساسي‪ ،‬اَّلذي يقّد م لهذا العلم‬
‫إجابة علمَّي ة على المسألة السوسيولوجية المعرفية األساسية‪ ،‬وهي مسألة العالقة بين‬
‫الوجود االجتماعي والوعي االجتماعي‪ ،4‬فماركس هنا يرى أن هناك عالقة وطيدة بين‬
‫الوعي كأفكار و تمثالت إيديولوجية من جهة‪ ،‬والحياة المادية االجتماعية من جهة‬

‫_ محمد علي البدوي‪ ،‬علم االجتماع األدب (النظرية و المنهج و الموضوع)‪،‬دار المعرفة الجامعية القاهرة ‪ ،‬د‪ .‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2003،‬ص‪.22‬‬
‫_شكري محمد عياد ‪ ،‬المذاهب األدبية و النقدية عند العرب و الغربيين ‪،‬ص‪24‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪_3‬جورج غورفيتش‪ ،‬األطر االجتماعية للمعرفة ‪ ،‬ص‪64‬‬


‫‪_4‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪70-69‬‬

‫‪13‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أخرى‪ ،‬حيث أَّن الوجود االجتماعي هو اَّلذي يحدد الوعي وليس العكس وبالتالي‬
‫يوّض ح ماركس اَّن العالقة بين الوعي والسلوك المادي‪ ،‬مثل العالقات بين اإلنتاجات‬
‫الفكرية(قانونية كانت أو أخالقية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو غيرها)‪ ،‬والسلوك المادي للبشر‪ ،‬هذا‬
‫األخير اَّلذي يعتبر هو المحّد د ألشكال الوعي أو لإلنتاجات الفكرية المختلفة‪ ،‬وعندما‬
‫تصل قوى اإلنتاج المادية في المجتمع إلى مرحلة الّتطّو ر تدخل في صراع بينهما‪.‬‬
‫ساهمت دراسات ماركس في تطور علم االجتماع‪ ،‬وتوَّلت عنه دراسات أخرى‬
‫عدة‪،‬‬
‫وكانت دراساته ونظرَّيُته مبنَّية على الِّد فاع عن هذه الطبقة وأراد بهذا أن يظهر أَّن‬
‫االقتصاد الرأسمالي والمجتمع البرجوازي ال يعتمدان على عالقات بين األفراد والَّد ولة‪،‬‬
‫ولكن العامل االجتماعي هو اّلذي يقوم بوظيفة مركزية في مجتمع السوق‪ ،‬وقد مَّثل‬
‫ماركس بالِّص راع بين الطبقة الرأسمالية اّلتي تمتلك القّو ة اإلنتاجية وبين الطبقة‬
‫البروليتارية اّلتي تمتلك قّو ة عملها ذات القيمة المعنّية (المتغّيرة) في السوق وانطالقا‬
‫من هذا النموذج يحاول ماركس أن يفسر التطور االجتماعي لإلنسانية على ضوء‬
‫مفهوم الصراع الطبقي‪ ،1‬وبالتالي فإن تشكل الصراعات ما بين الطبقات ُيحدث تطّو را‬
‫وتغّي را في اإلنتاج االقتصادي و االجتماعي ‪.‬‬
‫إن الفكرة الماركسية األساسية تدور حول محور األساس االقتصادي للمجتمع ( النية‬
‫التحتية )الذي يحدد طبيعة األيديولوجيا المؤسسات والممارسات (كاألدب) التي تشكل‬
‫البنية الفوقية لذلك المجتمع ‪ ،‬و "يسِّلم ماركس اَّن البنية العليا‪ ،‬بعد أن تتكون نتيجة البنية‬
‫الدنيا ‪،‬يمكن ان تصبح في مستوى قّو ة المادة فتؤّثر هي بدورها في الُّنظم االجتماعية‬
‫والحياة العامة‪ ،‬ودعم قيم معينة أو العمل على إزاحتها‪ ،‬وهذا يدُّل على أهمَّية الفكرة‬
‫النظرية في صراع الطبقات"‪ ،2‬حيث أَّن الطبقة اّلتي تتمتع بنفوذ مادي فّع ال ‪ ،‬تتمتع في‬
‫الوقت ذاته بنفوذ فكري مسيطر‪ ،‬والطبقة اّلتي تسيطر على وسائل اإلنتاج المادية‪،‬‬

‫‪ -1‬بيير زيما ‪ ،‬النقد االجتماعي ‪ ،‬ص‪27-26‬‬


‫‪ -2‬الرشيد بوشعير‪ ،‬الواقعية وتياراتها في اآلداب السردية واألوروبية‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪14‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫تسيطر أيضا بدورها على وسائل اإلنتاج الفكري‪ ،‬لهذا تتمتع الطبقة البرجوازية‬
‫بالملكَّية‪ ،‬كونها تمتلك الوسائل اإلنتاج المادّية و الوعي بوصفهم منتجين لألفكار‪ ،‬ومنه‬
‫تصبح أفكارهم هي المسيطرة في عصرهم فال يمكن ذكر طبقة دون ذكر االبداعات‬
‫الفكرّي ة معها‪ ،‬وال يمكن أيضا ذكر االنتاجات الفكرية دون ذكر تاريخ وظروف تلك‬
‫الطبقة ‪،‬ومنه فإن ماركس يفّس ر االعمال األدبية تفسيرا يعتمد على نوع العالقات‬
‫االقتصادية المادّي ة في العصر الذي انتجت فيه‪ ،‬وبالتالي فإن تطور اإلنتاج الفِّني ناتج‬
‫عن تطور اإلنتاج المادي (االقتصادي) ‪،‬حيث انه هنالك عالقة وطيدة بين الحياة‬
‫الفكرَّية والحياة المادَّي ة‪ ،‬وأفاد ماركس بضرورة ارتباط الحياة المادية بالحياة الفكرية‬
‫وتمثالتها والوعي‪ ،‬فتبادل الناس الفكري هو بمثابة تجّل مباشر لسلوكهم المادي ومنه‬
‫هنا تبرز اسبقية الوجود االجتماعي عن الوعي االجتماعي ‪.‬‬
‫تقوم الرؤية الماركسية للواقع االجتماعي على نظرة جدلّية في المعرفة‪ ،‬حيث‬
‫تتشَّك ل المعرفة من خالل الواقع االجتماعي كما أّن شكال من اشكال المعرفة يحّد د‬
‫رؤيتنا للواقع االجتماعي في الوقت ذاته‪ ،1‬فكانت نظرية ماركس نظرية جدلية بحتة‬
‫تقوم على عالقة التأثر والتأثير بين االشكال المعرفية مختلفة وبين الواقع االجتماعي‬
‫الحضاري لمجتمع وطبقة ما‪ ،‬و"يميز ماركس بين البنية األساسية للمجتمع وهي التي‬
‫تنطوي على قوى اإلنتاج والعالقات اإلنتاجية‪ ،‬بوصفها تشِّك ل األساس الذي تنهض فوقه‬
‫كافة الظواهر األخرى (البنية الفوقية او اإليديولوجيا)‪ ،2‬وينظر كُّل من ماركس وانجلز‬
‫لإليديولوجيا كونها "وعي زائف" ألّنها تمثل بعض المفاهيم واألفكار والقيم‬
‫(الملكية ‪،‬االّم ة ‪ ،‬الدولة) على اّنها كيانات طبيعية وكونية وانها ال تسمح بإظهار صفتها‬
‫التاريخية النسبَّية الخاصة‪ ،‬إّن الوعي الطبقي يلتقي مع أيديولوجية جماعة اجتماعية‬
‫معّينة وبفضلها يتمَّك ن أعضاء أي جماعة من تحديد اتجاههم في الواقع"‪ 3‬حيث نسب‬
‫ماركس صفة اإليديولوجيا إلى "كل ما ينأى عن الحقيقة ويضفي عليها صفة ال واقِّعية‬

‫‪ -1‬بيير زيما‪ ،‬النقد االجتماعي‪ ،‬ص ‪09‬‬


‫‪ -2‬محمود عودة‪ ،‬أسس علم االجتماع‪ ،‬ص‪103‬‬
‫‪-3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪150‬‬

‫‪15‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ ،1‬ويرى ماركس أن الوعي الزائف‪" :‬عبارة عن تناقص بين المدرسة المثالية‬


‫والمدرسة المادية من مدارس الفكر فاألفكار والمادة يشِّك الن كٌّال (جملة) ال يمكن‬
‫تهشيمه إلى عناصر منفصلة دون الوقوع في غلطات فادحة‪ ...‬فهو يرى أّن العالقة بين‬
‫الذات والموضوع قد صارت مشّو هة في واقع األمر فاالستقطاب حقيقي وزائف في‬
‫أن ‪ ،2...‬وهنا حاول ماركس أن يقِّد م تصوًر ا جديًد ا لإليديولوجيا على أّنها تقوم على‬
‫وعي زائف "فاإليديولوجية تتضمن أيضا عمى ال يبصر حقيقة أّن مفاهيمنا تتوسطها‬
‫عالقاتها بالمفاهيم األخرى‪.‬‬
‫وعلى حِّد قول حميد الحميداني في "أَّن الجانب الزائف جعل الّتعريف الماركسي‬
‫االَّو ل يصفها بأنها وهمية‪ ،‬إّال أَّن المفهوم الماركسي تطّو ر‪ ،‬فنَّم في المرحلة األولى‬
‫اثبات انتماء اإليديولوجي إلى البنية االجتماعية‪ ،‬بحيث تشِّك ل فيها بنية فوقية تقابل البنية‬
‫التحتَّية الُم مَّثلة بالشروط المالية لإلنتاج‪ ،‬وُم ِّتعت اإليديولوجيا في المرحلة الثانية‬
‫باستقاللها الذاتي‪ ...‬واعتبرت اإليديولوجيا ذات فعالَّية ال تقُّل قيمة عن فعالّية الشروط‬
‫االقتصادّية"‪ ،3‬ويرى ماركس أن رؤية شيء ما كسلعة هي النظر إليه باعتباره ما ليس‬
‫هو‪ ،‬أي اَّن إدراك التمثيل المثالي لشيء آخر داخل نطاق الجسم المادي للشيء‪ .‬ومثال‬
‫ذلك‪ :‬النظر إلى الورد باعتبارها موضوعا جماليًا‪ ،‬هو نفسه عندما ُينَظر إليها باعتبارها‬
‫سلعة معروضة للبيع فالفارق الذي لن تقّل واقعيته‪ ،‬ألنه ليس ماديًا ال يوجد إال في ذهن‬
‫الملتقى"‪ ،4‬وهذا خير مثال يبرز لنا نظرة ماركس للواقع‪ ،‬فماركس يرى أن المجتمع‬
‫يتكّو ن من بنيتين مختلفتين متجادلتين هما‪ :‬البنية التحتية (اإلنتاج) والبنية الفوقية‬
‫(اإلنتاجات الفكرية)‪ ،‬فاألدب عند ماركس "يعكس اوًال المراحل الكبرى من الَّتاريخ وهو‬
‫في هذا يقتبس من هيجل فكرة العالقة بين االشكال الفنية والبنى االجتماعَّية"‪.5‬‬

‫‪ -1‬امين حافظ السعدني‪ ،‬ازمة األيديولوجيات السياسية‪ ،‬ص‪18‬‬


‫‪ -2‬ديفيد هوكس ‪ ،‬األيديولوجية ‪،‬تر إبراهيم فتحي ‪ ،‬المجلس األعلى للثفافة ‪ ،‬د ط ‪ 2000 ،‬ص‪75‬‬
‫‪ -3‬حميد الحميداني ‪ ،‬النقد و اإليدولوجية ‪،‬ص ‪15‬‬
‫‪ -4‬ديفيد هوكس ‪ ،‬اإليديولوجية ‪ ،‬ص‪82-83‬‬
‫‪ -5‬بول ارون وَاالن فياال‪ ،‬سوسيولوجيا االدب‪ ،‬تر‪ :‬محمد علي مقلد‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة ن بيروت ‪،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ 2013‬ص‪32‬‬

‫‪16‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إن مفهوم اإليديولوجية عند ماركس كان له إسهام قوي في علم االجتماع‬
‫واإليديولوجية على العموم هي وليدة الفكر والمجتمع األوروبي وذلك لما يحتويه هذا‬
‫األخير من تناقضات على مستوى الطبقات االجتماعية‪ ،‬بعبارة أخرى انشغال المجتمع‬
‫األوروبي بالصناعة والتقدم التكنولوجي للتعبير عن وعي فئات اإلنتاج االقتصادي لدى‬
‫الطبقات‪ ،‬ومنه تكون اإليديولوجيا طبقًا للمفهوم والّتصور الماركسي هي "الوعي‬
‫الزائف" اَّلذي ال يعّبر عن الحقيقة بل يشوهها‪ِّ ،‬‬
‫ألن اإليديولوجيا من وجهة الّنظر‬
‫الماركسّية هي تبرير لمصالح الطبقة االقتصادّية المسيطرة في المجتمع‪ ،‬وهي ليس لها‬
‫وجود مستقل وإ َّنما هي َالية تستعمل من قبل الرأسماليين لتبرير سطوتهم الطبقية‪،‬‬
‫وكحائط يحمي مصالح هذه الطبقة ضد أي تغيير"‪.1‬‬
‫لإليديولوجيا فعالية في رسم صورة للواقع اّلذي يعيش فيه اإلنسان في مختلف‬
‫مجاالته و عالقاته‪ ،‬وإ نتاجاته الفكّر ية‪ ،‬ولعَّل الرواية أحد األشكال األدبية اّلتي استطاعت‬
‫احتواء المفاهيم اإليديولوجّي ة ضمن بنياتها الخطابية‪ ،‬وأبدعت في رسم الواقع بشكل ِّفني‬
‫جمالي وبالَّتالي فاإليديولوجيا مجموعة األفكار‪ ،‬ووجهات اّلنظر السياسَّية القانونَّية‪،‬‬
‫األخالقَّية الجمالَّية‪ ،‬الدينَّية‪ ،‬والفلسفَّي ة واإليديولوجيا هي جزء من البناء الفوقي وهي‬
‫إجماًال تعكس العالقات االقتصادَّية‪-‬على حسب الَّنظرَّية الماركسَّية‪-‬فالِّص راع‬
‫اإليديولوجي هي في حقيقته صراع طبقي‪ ،‬هذه األخيرة اَّلتي هي واقع مزَّيف وبالّتالي‬
‫إيديولوجيا زائفة‪ ،‬وقد اكتسبت اإليديولوجيا مفهومَا ماديًا من خالل أعمال ماركس‬
‫ونظرياته ومداخالته‪ ،‬وقد كان ماركس مهتمًا بالًّد ور اَّلذي تلعبه اإليديولوجيا في تعميق‬
‫وتكريس عدم المساواة االجتماعية‪ ،‬أو باألحرى التمييز بين البنية الفوقية والتحتَّية في‬
‫المجتمع البرجوازي فاإليديولوجيا كانت دائمًا مساعدًا في تحقيق مصالح الفئات الحاكمة‬
‫اَّلتي تشرف على المعرفة االجتماعية‪ ،‬وكانت وظيفتها ومهَّم تها األساسَّية هي تبرير‬
‫لمجال اإلنتاج‪ ،‬لهذا اكتسبت اإليديولوجيا مفهومًا مزيفًا كونها تحمل في طياتها مفاهيم‬
‫مزيفة تحت ِخ َّض م الِّص راع الطبقي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬األيديولوجيا وسردية التاريخ‬

‫‪-1‬امين حافظ السعدني ‪ ،‬ازمة األيديولوجيات السياسية ‪،‬ص‪19‬‬

‫‪17‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يعتبر التاريخ على أنه "جملة األحوال واالحداث التي يميز بها كائن ما وتصدق‬
‫على الفرد و المجتمع كما تصدق على الظواهر الطبيعية و اإلنسانية"‪،1‬ويرى البعض‬
‫أن التاريخ علم له قواعد وقوانين‪ ،‬ما دفع بالمفكرين إلى الحديث عن (صناعة التاريخ)‪،‬‬
‫التي يضمن لإلنسان الوصول الى المجتمع اّلذي يريد‪ ،‬واعتبره أن له سردية خاصة به‪،‬‬
‫تقصر المسافة بين النص التاريخي و النص الروائي‪ ،2‬فاهتم به العديد من العلماء و‬
‫الدارسين‪ ،‬ولعل اهم من تناوله بالدراسة والتحليل‪ ،‬نجد "جورج لوكاتش" وتلميذه‬
‫"لوسيان غولدمان"‪ ،‬و"بول ريكور"‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ولكن سنطرق إلى من تم ذكرهم آنفا‪.‬‬
‫أوال "جورج لوكاتش"‪ ،‬حيث تناوله في العديد من دراساته وكتبه من بينها "التاريخ‬
‫و الوعي الطبقي" وكتابه" الرواية التاريخية"‪ ،‬ويؤكد جورج لوكاتش في كتابه "الرواية‬
‫التاريخية" إلى "أن ما يهم في الرواية التاريخية‪ ،‬ليس إعادة سرد االحداث التاريخية‬
‫الكبيرة بل االيقاظ الشعوري للناس ‪،‬الذين برزوا في تلك االحداث‪ ،‬وما يهم هو أن‬
‫نعيش مرة أخرى الدوافع االجتماعية و اإلنسانية التي أدت بهم ان يفكروا ويشعروا‬
‫ويتصرفوا‪ ،‬كما فعلوا ذلك تماما في الواقع التاريخي"‪ ،3‬حيث ان الروائي يعكس و يعبر‬
‫عن شخصيته‪ ،‬وآرائه التي تعكس أيديولوجيته بشكل فني ابداعي‪ ،‬فهو ال يصور فقط‬
‫احداث ووقائع تاريخية‪ ،‬بل هو يجسد ما يحمله من أفكار حول قضية ما‪ ،‬أو حدث‬
‫معين ‪.‬‬
‫ويرى لوكاتش أن "التاريخ يسير في تقدم حتمي‪ ،‬وأن العنف الثوري والصراع‬
‫الطبقي تعد وقائع منطقية وعقلية‪ ،‬وأنه ال سبيل إلى التسوية بين المفهوم الوجودي عن‬
‫الحرية وبين الوحدة الجدلية للحرية التاريخية والضرورة التي قررتها الماركسية"‪،4‬إن‬
‫‪-1‬إبراهيم مدكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ص‪36‬‬
‫‪- 2‬عبد اهلل ولد اباه‪ ،‬التاريخ و الحقيقة لدى بول ريكور (الهوية السردية و الذاكرة الحية)‪ ،‬مجلة يتفكرون (فصيلة‪،‬‬
‫فكرية ثقافية)‪،‬ع‪، 2014، 3‬ص‪11‬‬
‫‪- 3‬جورج لوكاتش‪ ،‬الرواية التاريخية‪ ،‬تر‪ :‬صالح جواد كاظم‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط ‪ 1978،‬ص‪46‬‬
‫‪ - 4‬جورج لوكاتش‪ ،‬ماركسية ام الوجودية‪ ،‬تر‪ :‬جورج طرابيش‪ ،‬دار اليقظة العربية ‪ ،‬دمشق ‪،‬د‪.‬ط ‪،‬د‪.‬ت ص‪120‬‬

‫‪18‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الرواية التاريخية هي "الشكل األدبي األكثر داللة على المجتمع البرجوازي‪،1‬حيث أنها‬
‫النوع الخاص لهذه الفئة أو الطبقة الصاعدة آنذاك (عصر الثورة الصناعية) ‪،‬ويعرف‬
‫جورج لوكاتش الرواية التاريخية أنها "رواية تاريخية حقيقية‪ ،‬أي رواية تثير الحاضر‪،‬‬
‫ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات"‪ ،2‬حيث أن الرواية عمل فني‬
‫ابداعي يتخذ من مادة التاريخ عنصر أساسي ‪-‬إن صح القول في تشكيلها وتصور‬
‫الكاتب لها‪ ،‬فالرواية التاريخية هي امتزاج التاريخ باألدب‪ ،‬فالتاريخ ما هو اال حقائق‬
‫مجردة لوقائع تاريخية‪ ،‬ويعتبر عنصر له أهمية في تكوين الرواية‪ ،‬فاألدب حسب‬
‫لوكاتش ليس هو الواقع أو الحقيقة بل هو انعكاس لهما حيث يرتبط بموقف الكاتب إزاء‬
‫تطو المجتمع‪ ،‬وبالتالي "ترتبط البنية الحقيقية لعمل أدبي ما بعملية تحسين الصورة التي‬
‫يرسمها العمل للعوامل االجتماعية األساسية التي تحدد صورة العالم المنظور"‪ ،3‬وبهذا‬
‫فاألدب يعطي صورة لإلنسان والمجتمع‪ ،‬فهو يعكس حياته من كل النواحي‪.‬‬

‫إن جورج لوكاتش كان يربط االدب بالسياق االجتماعي واأليديولوجي‪ ،‬فقد "ازاح‬
‫لوكاتش نموذج البنية التحتية والبنية الفوقية‪ ،‬لتأكيده على األولوية المنهجية لمفهوم‬
‫الماركسي عن الكلية االجتماعية"‪ ،4‬رغم أن لوكاتش تأثر بأستاذه كارل ماكس اال أنه لو‬
‫يحذو حذوه فلوكاتش غير النظرة الماركسية التي ترى أن االدب انعكاس للبنية التحتية‬
‫فان العالقة الحقيقية بين االدب و المجتمع تكمن في الكلية (رؤية العالم)‪"،‬كما اتخذ‬
‫لوكاتش مفهوم "النمط")‪ ،‬الذي ادخله ماركس وانجلز وطوره عن طريق استنباطه من‬
‫مقولة الكلية الهيجلية‪ ،‬امال أّن يسمح له هذا المفهوم بتمييز االدب التجريدي والطبيعي‬
‫‪ -1‬جورج لوكاتش‪ ،‬نظرية الرواية ‪،‬تر‪ :‬نزيه الشوقي ‪ ،‬دمشق ‪،‬ط‪ 1987 ،1‬ص‪51‬‬
‫‪-2‬جورج لوكاتش ‪،‬الرواية التاريخية ‪،‬ص‪89‬‬
‫‪ -3‬جورج لوكاتش‪ ،‬دراسات في الواقعية‪ ،‬تر‪ :‬ناي ف بلوز‪ ،‬المؤسسة الجامعية للنشر و التوزيع ‪ ،‬بيروت ‪،‬ط‪، 5‬‬
‫‪ 1985‬ص‪147،1‬ـ‪148‬‬
‫‪- 4‬نعيمة بولكعيبات ‪ ،‬سوسيولوجيا النص(تاريخ المنهج واجراءاته)‪،‬أطروحة ماجستير‪ ،‬قسم اللغة العربية وآدابها‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪ ،2010/2011،‬ص‪17‬‬

‫‪19‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عن االدب الواقعي الذي يعكس الواقع بشكل محسوس فاألدب الطبيعي ال يتضمن‬
‫فحسب أعمال كاتب مثل زوال‪.‬‬

‫ودرس لوكاتش مفهوما آخرا‪ ،‬مهد له وطوره تلميذه "لوسيان غولدمان" وأصبح‬
‫أساس "البنيوية التكوينية" وهو مفهوم "رؤية العالم‪ ،‬وهذا المفهوم هو تحصيل حاصل‬
‫لما قدمه لوكاتش من مبادئ ومفاهيم كبرى‪ ،‬فلكي تتحقق النمطية في االدب يجب أن‬
‫تتوفر على مفهوم الرؤية الكلية‪ ،‬وهذا ال يتحقق اال اذا توفر مفهوم االنعكاس الذي قدمه‬
‫لوكاتش‪ ،‬أي حضور البعد الجمالي في النص االدبي و تصوير للواقع االجتماعي‪،1‬‬
‫وعلى حد قول غولدمان "فرؤية العالم محكومة هي نفسها بالفئة االجتماعية التي ينتمي‬
‫اليها األفراد"‪ ،2‬وبالتالي "يعتبر نشاط لوسيان غولدمان الفلسفي والنقدي امتدادا فكريا‬
‫ألعمال جورج لوكاتش‪...‬وتميزت اعمال غولدمان بتركيزها على علم اجتماع المعرفة‬
‫وعلم اجتماع االدب"‪،3‬وهذا كله أدى الى ظهور دراسة جديدة تحت مسمى "البنيوية‬
‫التكوينية"‪ ،‬ومن أهم األمثلة التطبيقية التي قام غولدمان بدراستها هي "مؤلفات (بسكال‬
‫وراسين) في كتابه "اإلله الخفي" فقد عزل البنية المأساوية بتوضيح نموذج بسيط مؤّلف‬
‫من ثالثة عناصر‪ :‬اهلل‪-‬االنسان‪ -‬الكون ‪،‬وإ ن المبدع هو من يمثل ويعبر عن الطبقات‬
‫أو الفئات االجتماعية فكل عمل أدبي ‪-‬على حسب رأي غولدمان– يتضمن رؤية للعالم‬
‫و التي يعرفها" على أنها ليست واقعة امبريقية ‪،‬وهي ال تتبع عالم التجارب اليومية التي‬
‫تتصف بالساللم القيمية المستقرة إلى حد ما‪ ،‬حيث إّن العمل العظيم هو "المجموع‬
‫المعقد لألفكار والتطلعات والمشاعر التي تربط أعضاء الجماعة إنسانية(جماعة‬
‫تتضمن‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬وجود طبقة اجتماعية) وتضعهم في موقع التعارض من‬

‫‪-1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪26‬‬


‫‪-2‬ميجان الرويلي وسعيد البازعي‪ ،‬دليل الناقد االدبي‪ ،‬ص ‪78‬‬
‫‪-3‬محمد نديم خشفة‪ ،‬تأصيل النص (المنهج البنيوي لدى لوسيان غولدمان)‪ ،‬مركز االنماء الحضاري‪ ،‬حلب ط ‪، 1‬‬
‫‪،1997‬ص‪9‬‬

‫‪20‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫مجموعات إنسانية أخرى"‪ ،1‬والرؤية عند غولدمان تعني وجهة نظر االنساق الفكرية‬
‫لمجموعة من الناس يعيشون الظروف االقتصادية واالجتماعية نفسها وبالتالي يعكس‬
‫العمل االدبي الوعي االجتماعي ككلية حيث "أن القيم الروحية للنفس البشرية تعبر عن‬
‫نفسها بأشكال وبنى جمالية عديدة‪ :‬أنها نظرة إلى العالم تتكون فيها وهذه النظرة ال تعبر‬
‫عن أفكار أو رغبات مجموعة أو فرد بل عن وعي ممكن لديهم‪ ،‬أي وعي حقيقة‬
‫العالقات االجتماعية ال انعكاسها الذي تشوهه األيديولوجيا"‪ ،2‬حيث أن رؤى العالم‬
‫ليست وقائع فردية ولكنها وقائع اجتماعية و بالتالي فإن "أي فكر أو أثر إبداعي ال‬
‫يكتسي داللته الحقيقية إال عند اندماجه في نسق الحياة أو السلوك‪ ،‬زد على ذلك أنه ال‬
‫يكون السلوك الذي يوضح األثر وغالبا سلوك الكاتب نفسه‪ ،‬بل سلوك الفئة االجتماعية‬
‫التي ينتمي إليها الكاتب بالضرورة"‪،3‬ومنه نرى غولدمان انطلق من مفهوم أن العمل‬
‫اإلبداعي االدبي ال يكمن في الفرد وحده‪ ،‬بل الفاعل األساسي لإلبداع هم الجماعات‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما نالحظ أنه ازاح كلمة انعكاس في دراسته لألثر االدبي‪ ،‬وهو يحبذ‬
‫تعبير"‪ ،‬رغم اهتمام غولدمان بالوعي االجتماعي اال أنه لم يغفل عن دور الكاتب في‬
‫إبراز هذا الوعي في عمله اإلبداعي‪.‬‬
‫على حسب غولدمان "يحتوي كل عمل أدبي على نسق تصوري يمكن تعريفه بشكل‬
‫أحادي‪ ،‬ويتجسد هذا النسق من خالل البنية الداللية والتي هي (بنية من المدلوالت) وأن‬
‫موضوع االبداع الثقافي الحقيقي هي الفئات االجتماعية وليس الفرد المتوحد المعزول‪،‬‬
‫و التطابق المنشود يحدث بين الرؤية الكونية المعبر عنها باألثر األدبي‪ ،‬وبين الرؤية‬
‫الكونية السائدة لدى الجماعة‪ ،‬فالفئات االجتماعية تؤثر في وعي الفرد وتولد‬

‫‪ -1‬ميجان الرويلي وسعيد البازعي‪ ،‬دليل الناقد االدبي‪ ،‬ص ‪78‬‬


‫‪ -2‬بول ارون وَاالن فياال‪ ،‬سوسيولوجيا االدب‪،‬ص‪36‬‬
‫‪ - 3‬محمد نديم خشفة‪،‬تأصيل النص (المنهج البنيوي لدى لوسيان غولدمان)‪،‬ص‪10‬‬

‫‪21‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بنيته"‪، 1‬ومنه نرى أن األدب هو ملجأ الذي تلتقي فيه عبقرية الفرد بروح الشعب‪ ،‬فال‬
‫تظهر فعلية الفرد إال من خالل تفاعله مع الفئة الجماعية‪ ،‬وهذا االنسجام ككلية هو ما‬
‫يعبر عن رؤية العالم للجماعة‪ ،‬فاألدب هو تعبير عن المجتمع وايديولوجياته‪ ،‬وما يطرأ‬
‫عليها من تغيرات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تاريخية‪.‬‬
‫من أهم المصطلحات التي اًّطرت أفكار غولدمان نجد مصطلحي "الوعي القائم و‬
‫الوعي الممكن"‪ ،‬وقد وجد من أصعب الكلمات ومصدر الصعوبة يكمن في أنه راجع‬
‫إلى الطابع االنعكاسي بكل تأكيد على الوعي ‪ ،‬حيث يدل على أمرين هما "الذات" و"‬
‫الموضوع" في الخطاب‪ ،2‬يمكن القول "أن الوعي الممكن يتكون من الوعي الفعلي‪ ،‬لذا‬
‫يرى غولدمان أنه العنصر المحرك لتاريخ االنسان"‪ ،3‬إن الوعي يرتبط باإلنسان وهو‬
‫يكون ضمن جماعة معينة أي أن هناك عالقة قائمة بين الوعي والحياة االجتماعية‬
‫وهذه العالقة التي وصفها على أنها "مظهر معين "تستلزم دائما وجود عنصر معرفي‬
‫وعليه نفترض أنه في كل واقعة وعي البد من الوجود(ذات عارفة)‪،‬و(موضوع‬
‫للمعرفة)فطبيعة ذات العارف "ليست ألفردا معزوال وال جماعة دون زيادة‪ ،‬بل هي بنية‬
‫جد متغيرة ينضوي تحتها في أن الفرد والجماعة أو عدد معي من الجماعات"‪ ،4‬ومعناه‬
‫أنه البد من وجود ذات والموضوع ليكون هناك تناسق وتكامل على مستوى النص أو‬
‫العمل اإلبداعي‪ ،‬ولدراسة أي واقعة وعي البد من أن تكون "مالئمتها للموضوع‬

‫‪-1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪17‬‬


‫‪-2‬لوسيان غولدمان واخرون ‪ ،‬البنيوية التكوينية و النقد االدبي‪ ،‬تر‪ :‬محمد سبيال‪ ،‬مؤسسة األبحاث العربية ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،‬ط‪،1986، 2‬ص‪33‬‬
‫‪- 3‬جمال شحيد‪ ،‬في البنيوية التركيبية( دراسة في منهج لوسيان غولدمان) ‪ ،‬دار بن رشد ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪،1982‬ص‪41‬‬
‫‪ -4‬لوسيان غولدمان واخرون ‪ ،‬البنيوية التكوينية و النقد االدبي‪ ،‬ص‪34‬‬

‫‪22‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الكلية"‪ ،5‬ولحدوث هذا البدا "أن يتصل الوعي بمجموع الكون والتاريخ بل يجب‬
‫تحديدها بأكثر من الصرامة"‪ ،‬كما سيوضحه غولدمان بقوله‪":‬‬
‫ا‪-‬كل واقعة اجتماعية هي من بعض جوانبها األساسية واقعة الوعي‬

‫ب‪-‬كل وعي هو‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬تمثيل مالئم لقطاع معين من الواقع على وجه‬
‫التقريب"‪.1‬ومنه يشترط حضور وتحقيق المالئمة والتطابق بين الوعي الفردي‬
‫والجماعي والواقع ‪،‬وعلى حد قول غولدمان فان "الوعي هو عنصر من الواقع‬
‫االجتماعي ووجوده نفسه في جعل مضمونه مالئما او غير مالئم"‪، 2‬بمعنى انه ذلك‬
‫الوعي الجماعي الذي تتبناه طبقة واعية او فئة معينة ومدى فعالية مالئمة هذا الوعي‬
‫ضمن هذه الجماعة أو فئة ‪،‬ومنه فان غولدمان ينظر إلى االدب كونه عمل ابداعي ال‬
‫يمكن فهمه االمن خالل فهم اجزائه المكونة له في عالقته مع بعضها أي ككل متكامل‬
‫وهذا ما يجعل من النص بنية ذات داللة‪ ،‬تعبر عن طموحات وعي الجماعة التي‬
‫يتحدث الكاتب باسمها فالعمل االدبي الذي يقلب بنية فكرية لجماعة ما حيث ينطوي‬
‫على عالقة بسيطة بين العمل الفكري‪ ،‬وهذه الجماعة فالفرد وحده ال يمكن ان يكون‬
‫بنية فكرية منسجمة االمع الجماعة وهذاما يقابله بما يسمى رؤية العالم‪.‬‬
‫ومن أبرز الدارسين للتاريخ نجد "بول ريكور"‪ ،‬حيث كان أهم من تناوله بالدراسة‬
‫والتحليل‪ ،‬وهذا بارز في مجمل كتبه من بينها‪( :‬الذاكرة‪ ،‬التاريخ النسيان) (الزمان‬
‫والسرد) بأجزائه الثالثة‪( ،‬صراع التأويالت ‪-‬دراسات هيرمينوطيقية‪ )-‬وغيرها من‬
‫الكتب المهمة‪ ،‬وخصص للتاريخ مكانة خاصة في اعماله ومداخالته‪ ،‬فقد تطرق إلى‬
‫مفهوم األيديولوجيا من خالل كتابه (محاضرات في األيديولوجية واليوتوبيا)‪ ،‬والذي‬
‫تعرض فيه الى أهم االنتقادات التي وجهها الى من اهتموا بمفهوم اإليديولوجيا‪.‬‬

‫‪ - 5‬لوسيان غولدمان واخرون ‪ ،‬البنيوية التكوينية و النقد االدبي‪ ،‬ص‪35‬‬


‫‪ -1‬المرجع نفسه صفحة نفسها‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪36‬‬

‫‪23‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يرى بول ريكور أن "التاريخ هو علم انساني"‪ ،1‬أي أنه مرتبط بالحياة و بالواقع‬
‫اإلنساني‪ ،‬و يقول ريكور في فصل آخر على أن التاريخ " مبحث غامض‪ ،‬نصفه أدب‬
‫ونصفه اآلخر علم"‪ ،2‬وقوله هذا معناه أن نصفه أدب كون التاريخ يمر عبر مرحلة‬
‫تسمى بالمرحلة التدوينية‪ ،‬وفيها يكتب التاريخ ‪،‬حيث أنه "من بدايته حتى نهايته هو‬
‫كتابة وفي هذا الصدد تشكل االرشيفات (محفوظات) الكتابة األولى التي يواجهها‬
‫التاريخ"‪، 3‬حيث أنه يقوم على مراحل تدرس بإتباع منهجية العلوم التاريخية‪ ،‬ويذهب في‬
‫مقال أخر إلى القول بأن التاريخ "هو شكل من أشكال المعرفة من خالل العالقة التي‬
‫يقيمها بين التجربة التي عاشها أناس في أزمنة أخرى‪ ،‬وبين المؤرخ في وقت‬
‫الحاضر"‪ ، 4‬ومعنى هذا القول أن التاريخ يقدم لنا حقائق وأحداث عاشها االنسان على‬
‫مر الزمان ووصلت إلى زمن المؤرخ الذي بدوره يعيد تكوينها من خالل كتابته‬
‫وسرده‪ ،‬وبالتالي يصبح المؤرخ منتج لهذه المعرفة التاريخية فالمؤرخ ال يكتفي بتسجيل‬
‫أو بجرد هاته الحقائق‪ ،‬بل يستوجب منه أيضا منهجية موضوعية ‪ ،‬أو(يمكن القول‬
‫منهجية علمية) من أجل استنطاق األثار التاريخية ‪،‬لهذا وصف ريكور التاريخ بالعلمي‪،‬‬
‫حيث أن "مجموعة اإلجراءات المستعملة في التاريخ هي جزء من الموازنة مع‬
‫التعريف التاريخي و نتيجة هذا أن ماضي اإلنسانية المعيش ال يمكن أن يسلم به‬
‫تسليما‪...‬وأن التاريخ يستهدف المعرفة‪ ،‬ونيل رواية منظمة قائمة على سلسلة من‬

‫‪- 1‬بول ريكور ‪ ،‬الذاكرة ‪ ،‬التاريخ ‪ ،‬النسيان‪ ،‬تر‪ :‬جورج زيناتي ‪ ،‬دار المتاب الجديد المتحدة‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪2009 ، 1‬‬
‫‪ ،‬ص‪210-209‬‬
‫‪ - 2‬بول ريكور ‪ ،‬الزمان و السرد( الحبكة و السرد التاريخي)‪ ،‬تر ‪ :‬سعيد الغانمي وفالح رحيم ‪ ،‬دار الكتاب الجديد‬
‫المتحدة ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪، 2006 ، 1‬ج‪، 1‬ص‪213‬‬
‫‪-3‬بول ريكور‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬التاريخ ‪ ،‬النسيان ‪ ،‬ص‪213‬‬
‫‪ -4‬بول ريكور‪ ،‬الزمان و السرد ‪ ،‬ص‪158 ،157‬‬

‫‪24‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫العالقات السببية والغائية‪ ،‬على أساس المعاني و القيم"‪ ،1‬ويذهب ريكور إلى أبعد من‬
‫هذا‪ ،‬حيث جعل من "األسطورة اصل التاريخ"‪ ،2‬فهي المنبع األول للوعي التاريخي‪.‬‬

‫يحاول ريكور في كتابه الموسوم ب "الزمان و السرد(الحبكة و السرد التاريخي)‬


‫الربط بين التاريخ والسرد دون المساس بأصل التاريخ‪ ،‬وفي هذا يقول ريكور‪" :‬تتمثل‬
‫أطروحتي في أن التاريخ والسرد الذي أبعد كثيرا عن الصيغة السردية يواصل‬
‫االرتباط بفهمنا السردي عن طريق خط من االشتقاق نستطيع إعادة بنائه خطوة خطوة‪،‬‬
‫و درجة درجة بمنهج مناسب"‪،3‬و أساس أطروحته تقوم على " بناء روابط غير مباشرة‬
‫للتاريخ بالسرد في نهاية األمر‪ ،‬إلقاء الضوء على قصدية فكر المؤرخ ‪ ،‬التي يواصل‬
‫بها التاريخ على نحو غامض‪ ،‬قصد حقل الفعل اإلنساني و زمانه األساسية"‪ ،4‬و هنا‬
‫تبرز وظيفة المؤرخ كونه المنتج الوحيد في عملية كتابة التاريخ‪ ،‬من خالل مالحظته‬
‫الدقيقة للوثائق واالثار التاريخية بموضوعّية ومنهجية معّينة و تبيان زمن الفعل‬
‫اإلنساني من خالل كتابته وسرده لهذا التاريخ مع الحفاظ على ميزة و أصل التاريخ‪،‬‬
‫أي محاولة عدم المساس بأي واقعة معَّينة في التاريخ ‪.‬‬
‫تتلخص فكرة ريكور حول ربط التاريخ بالسرد في قوله "إَّن التاريخ ال يستطيع ان‬
‫يقطع كل عالقة مع السرد دون ان يفقد طبيعته التاريخية ‪ ،‬والعكس بالعكس ‪ ،‬ال يمكن‬
‫لهذه الرابطة ان تكون مباشرة الى الحد الذي يمكن معه اعتبار التاريخ ببساطة نوع من‬
‫جنس القصة "‪ ،5‬ومنه قامت أطروحة فول ريكور على مسالتين هما ‪:‬المسالة األولى‬
‫حيث انه استنكر فيها العالقة الموجودة بين السرد والتاريخ‪ ،‬والمسالة الثانية التي تأسس‬

‫‪-1‬المرجع نفسه‪،‬ص‪159‬‬
‫‪ -2‬بول ريكور‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬التاريخ ‪ ،‬النسيان ‪ ،‬ص‪217‬‬
‫‪ -3‬بول ريكور‪ ،‬الزمان و السرد ‪ ،‬ص‪149‬‬
‫‪ -4‬بول ريكور‪ ،‬الزمان و السرد ‪ ،‬ص‪149‬‬
‫‪-5‬المرجع نفسه ‪،‬ص‪279‬‬

‫‪25‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عالقة المباشرة بين السرد والتاريخ‪ ،‬كما تطرق ريكور أيضا الى "موضوع التاريخ‬
‫الذي ال يقبل االختزال ذو الطابع االجتماعي‪ ،‬التاريخ ينظر الى االفراد ومشاعرهم‬
‫وافعالهم في سياق بيئتهم االجتماعية"‪ ،1‬فهاذا واضح كون التاريخ مرتبط بمجتمع‬
‫فالتاريخ يسرد لنا احداث ووقائع مرتبطة باألفراد وبالبيئة التي يعشون فيها (مواقفهم‬
‫وعواطفهم وافعالهم)‪.‬‬

‫كما تطرق بول ريكور في كتابه "محاضرات في األيديولوجيا واليوتوبيا"‪ ،‬الهم‬


‫االنتقادات الموجهة لبعض المتناولين والدارسين لإليديولوجيا‪ ،‬كون التاريخ له جانب‬
‫إيديولوجي‪ ،‬واستند في دراسته لإليديولوجيا لبعض القراءات‪ ،‬فكان من بينها قراءات‬
‫ماركس حول نظرته للواقع واإليديولوجيا‪ ،‬فمن فكرة ماركس أَّن األيديولوجيا هي‬
‫تشويه للواقع انطلقت محاضرات بول ريكور حيث أن "األيديولوجيا بالنسبة لريكور‬
‫ليست اختباًر ا بين الزائف والحقيقي‪ ،‬بل هي تفكير متمعن في العالقة بين التمثيل‬
‫والممارسة واأليديولوجية هي ببساطة تمثيل"‪،2‬ومعنى أَّن ريكور في فهمه لإليديولوجيا‬
‫كان على "أساس البنية الرمزية حيث يالحظ ريكور بأن لغة الحياة الواقعية التي‬
‫أدرجها ماركس في تعريفه لإليديولوجيا هي خطاب الممارسة‪ ،‬فهي ليست تمثيل‬
‫الواقعي‪ ،‬بل هي البنية الرمزية للفعل هاته األخيرة التي ال يمكن استبعادها في فهمنا‬
‫لإليديولوجيا"‪ ،3‬فريكور هنا ال يتنافى مع مفهوم ماركس لإليديولوجيا كونها تشويه‬
‫للواقع بل هو "يعطي لإليديولوجيا معنيين‪ :‬معنى سلبي و معنى إيجابي‪ ،‬اذ تعمل‬

‫‪ -1‬بول ريكور‪ ،‬الزمان و السرد ‪ ،‬ص‪305‬‬


‫‪ - 2‬بول ريكور ‪ ،‬محاضرات في األيديولوجيا و اليوتوبيا ‪ ،‬تر‪ :‬فالح رحيم ‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‬
‫‪ ، 2002 ، 1‬ص‪9‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪10‬‬

‫‪26‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بطريقة مزدوجة سلبية و إيجابية‪ ،‬بَّناءة و هَّد امة"‪ ،4‬أي ان األيديولوجيا تحمل جوانب و‬
‫أليات سلبية واجتماعية في نفس الوقت‪.‬‬
‫ذهب ريكور في مقال آخر إلى القول بأن "نصف شيًئا بأَّنه أيديولوجي ليس ابًد ا‬
‫مجَّر د حكم نظري‪ ،‬لكنه ينطوي عل ممارسة معينة ورأي في الواقع تقّد مه لنا هذه‬
‫الممارسة"‪ ،1‬ونظرَّية بول ريكور فيما يخص أَّن األيديولوجيا كونها إضفاء للشرعّية‬
‫هنالك ثالث نقاط "األولى اَّن مشكلة األيديولوجيا هنا تتعلق بالفجوة بين االدعاء‬
‫واالعتقاد حقيقة اَّن اعتقاد المحكوم البد أّن يسهم بأكثر مّم ا يضمنه عقليا ادعاء السلطة‬
‫الحاكمة الثانية‪ ،‬إّن وظيفة األيديولوجيا تتمثل في سد الفجوة‪ ،‬وأما الثالثة فهي مطلب أن‬
‫تسَّد األيديولوجيا الفجوة بوحي بالحاجة الى نظرية جديدة في فائض القيمة التي ترتبط‬
‫بالقوة ويؤكد ريكور بأن هذا التعارض بين االدعاء واالعتقاد ملمح دائم في الحياة‬
‫السياسية‪ ،‬وأَّم ا دور األيديولوجيا المستمر فهو توفير التكملة التي يتطلبها االيمان لتسد‬
‫هذه الفجوة"‪ ،2‬ومنه فاإليديولوجيا تدور حول السلطة‪ ،‬و تسد الفجوة ‪-‬كما يقول ريكور‪-‬‬
‫حيث أّن لها وظيفة إيجابية واستمرارية حل هذا التعارض القائم بين االدعاء واالعتقاد‬
‫رغم ان هذا األخير دائم في الحياة السياسية‪ ،‬ومنه فإن "وظيفة االدماج األيديولوجي في‬
‫هوية تاريخية واحدة تقوم على البنية رمزية للذاكرة الجماعية‪ ،‬ألن الحدث المؤسس ال‬
‫يمكن أن ُيعايش مرة أخرى‪ ،‬وهنا يصبح السرد التاريخي ضرًبا من األيديولوجيا"‪،3‬‬
‫فنفهم من هذا الكالم كله أن األيديولوجيا تحافظ على الهوية الفكرية والدينية والسياسية‬
‫والثقافية للحياة االجتماعية‪ ،‬كون األيديولوجيا بحد ذاتها مجموعة أفكار‪ ،‬فالمجتمع في‬
‫األصل يحمل في طياته أفكار ومعتقدات يؤمن بها‪ ،‬حيث تتشكل على ارض الواقع‪،‬‬
‫‪- 4‬جنات بلخن‪ ،‬نظرية السرد التاريخي عند بول ريكور ‪ ،‬أطروحة ماجستير‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية ‪-‬‬
‫قسم الفلسفة ‪،‬جامعة قسنطينة ‪ ،2009/2010 ،‬ص‪106‬‬
‫‪ -1‬بول ريكور ‪ ،‬محاضرات في األيديولوجيا و اليوتوبيا ‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪ - 2‬بول ريكور ‪ ،‬محاضرات في األيديولوجيا و اليوتوبيا ‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪ -3‬جنات بلخن‪ ،‬نظرية السرد التاريخي عند بول ريكور‪ ،‬ص‪111‬‬

‫‪27‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فيصبح بذلك جزء من حياته الشخصية واالجتماعية‪ ،‬وبالتالي فاأليديولوجيا جزء من‬
‫التاريخ‪ ،‬حيث أنه ال يمكن لمجتمع ما أن يصِّو ر حياته دون اللجوء إلى السرد التاريخي‬
‫فهو يمّثل ذاكرته وهوَّيته ووجوده في العالم الواقعي‪ ،‬وهذا ما أقَّر ه كٌّل من جورج‬
‫لوكاتش وبول ريكور في دراستهم للتاريخ البشري حيث أَّن هناك عالقة بين‬
‫األيديولوجيا والتاريخ ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬اإليديولوجيا والمفارقة بالّتخييل‬

‫يعتبر عنصر التخييل من أهم العناصر السردية في الكتابة األدبية‪ ،‬فال يخلو نص من‬
‫هذا العنصر‪ ،‬فهو يضفي للنص ميزة جمالَّية وفنّي ة تخلق صور إبداعية ضمن حيثيات‬
‫النص‪ ،‬وكون األيديولوجيا جزء من هذا النص ‪،‬فهي تحتك بعنصر التخييل وهذا يخلق‬
‫نوعا من الديناميكية المتحركة ‪-‬إن صح التعبير‪-‬في ثنايا النص فاإليديولوجيا هي‬
‫عبارة عن أفكار ومعتقدات جماعة او طبقة ما تتسلل النص لتثبت وجودية وهوية تلك‬
‫الجماعة‪ ،‬والكاتب يعبر ويسرد لن تصوراته عن تلك األيديولوجيا المتصارعة في‬
‫الواقع‪ ،‬ولهذا نجد أن هناك نوع من المفارقة في التعبير عن الواقع باالستعمال عنصر‬
‫التخييل‪ ،‬و لهذا نجد أن افضل جنس ادبي للمزج بين الواقع والتخييل هي‬
‫الرواية ‪،‬فالرواية هي أجدر جنس يعتبر عن أيديولوجيا مجتمع أو طبقة ما بشكل فني‬
‫جمالي ‪.‬‬

‫هن ;;اك ع ;;دة دراس ;;ات ح ;;ول عالق ;;ة اإلي ;;ديولوجيا بالتخيي ;;ل‪ ،‬وأهمه ;;ا دراس ;;ات (ك ;;ارل‬
‫مانهايم وألتوسير)‪.‬‬
‫تطرق كارل مانهايم لمصطلح األيديولوجيا في كتابه الموسوم ب "األيديولوجيا‬
‫واليوتوبيا "والذي نشره عام ‪1936‬وبفضل "كارل مانهايم" أصبح لعلم اجتماع المعرفة‬

‫‪28‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫مجاال إلعادة تقدير الفعل المعرفي وايعاده عن حصيلة الوعي النظري الصرف‪ ،‬حيث‬
‫يؤكد مانهايم أن المعرفة ترتبط بالوضع ومجموعة الظروف االجتماعية التاريخية‪ ،‬وإ َّن‬
‫كل عصر يعرض أسلوبه وطريقته الخاصة في التفكير بحيث ال يمكن المقارنة بين هذه‬
‫األساليب في كل عصر فاألولى تنتج اإليديولوجيا والثانية تنتج الطوباويات‪ ،‬ألن هناك‬
‫ميوال متعارضة إزاء المحافظة والتغيير‪.1‬‬

‫يذهب مانهايم إلى القول "أن كل أشكال التفكير ذات طابع إيديولوجي‬
‫فاإليديولوجيات نسق ألفكار الجماعة ترتبط بالمصلحة‪ ،‬وفي صدد نفسه يذهب إلى‬
‫القول بأن "األفكار ال تنبثق بين البناءات االقتصادية و الطبقية فحسب‪ ،‬بل ترجع أيضا‬
‫الى خبرات الحياة‪ ،‬ونماذج السلوك التي تتجسد في الجماعات االجتماعية المختلفة"‪،2‬‬
‫ويعني هذا "أن األيديولوجيا مرتبطة بطبقة االجتماعية حينما تكون في الحكم‪ ،‬وتقابلها‬
‫اليوتوبيا هي فكر الطبقة المحكومة"‪ ،3‬وفي سياق نفسه يذهب مانهايم رؤية أن أي‬
‫معالجة البد فيها الباحث أن يميز بين معنيين لإليديولوجيا هما‪" :‬المعنى الجزئي"‪،‬‬
‫"المعنى الكلي"‪ ،‬ويقصد بالمعنى الجزئي للفظة األيديولوجيا على‪-‬حد قول مانهايم– هو‪:‬‬
‫"عندما تدل الكلمة على أننا نتخذ موقفا متشككا اتجاه األفكار وتصورات التي يتقدم بيها‬
‫خصمنا‪ ،‬إذ نعتبرها تمويهات واعية تخفي الطبيعة الحقيقية لوضع لن يكون االعتراف‬
‫بحقيقته متفقا مع مصالح هذا الخصم‪ ...‬وتتراوح هذه التحريفات بين األكاذيب‬
‫المقصودة‪ ،‬والتمويهات شبه المقصودة أو غير مقصودة‪ ،‬وبين المحاوالت المتعمد‬
‫لخداع األخرين أو خداع الَّنفس"‪ ،4‬أَّم ا فيما يتمثل عن المعني الِّك لي فذهب مانهايم إلى‬
‫القول بأَّن ه‪" :‬إيديولوجيا عصر ما أو إيديولوجيا جماعة تاريخَّية‪-‬اجتماعية محَّد دة‬

‫‪- 1‬بكري خليل‪ ،‬األيديولوجيا و المعرفة ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،2002 ، 1‬ص‪96‬‬
‫‪-2‬محمد عاطف غيث‪ ،‬قاموس علم االجتماع‪ ،‬ص‪234‬‬
‫‪- 3‬سعيد عموري‪ ،‬الرؤية األيديولوجية والتشكيل الفني في رواية شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف‪ ،‬أطروحة‬
‫ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب واللغات ‪-‬قسم اللغة العربية وآدابها ‪ ،-‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ ،2011،2010 ،‬ص‪12‬‬
‫‪-4‬كارل مانهايم‪ ،‬األيديولوجية واليوتوبيا‪ ،‬ص‪129‬‬

‫‪29‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كإيديولوجيا طبقة مثّال‪ ،‬عندما يكون هدفنا هو أن نوِّض ح سمات وتركيب البناء الكِّلي‬
‫لعقلية ذلك العصر أو هذه الجماعة"‪ ،1‬نالحظ أَّن هناك عناصر مشتركة في هذين‬
‫المفهومين حيث أَّن الذات تعّب ر عن أفكارها‪ ،‬وهاته األخيرة هي السبب في وجودها‪،‬‬
‫وبالّتالي فإَّن الوضع المعاش يعود عليها بالّتأثير في أراءها و إدراكاتها و تفسيراتها‪،‬‬
‫ومنه فإَّن أفكار الشخص تعّبر عن ذاته‪.‬‬
‫كما تطرق مانهايم في كتابة "األيديولوجيا و اليوتوبيا" إلى التمييز بين األيديولوجيا‬
‫واليوتوبيا‪ ،‬حيث يرى أن األيديولوجيا "تهدف الى الدفاع عن الوضع الفعلي الراهن ‪،‬‬
‫والمحافظة على استمرارية الواقع‪ ،‬واإليديولوجيا فعالية في الميدان السياسي مرتبطة‬
‫بمصالح الفئات التي تتصارع لتصل إلى السلطة السياسية والمصلحة هنا تعنى‬
‫المصلحة االقتصادية الجلية‪ ،‬حيث ترى ذاتها حقيقة مطلقة ومنافسها غلطا تدليسيا‪،‬‬
‫وااليديولوجيا تحفظ هوية الجماعة "‪ ،2‬و"األيديولوجي يتعامل مع الواقع و يسعى إلى‬
‫تغييره"‪ ،3‬ومعناه اإليديولوجيا مجموعة أفكار ترتبط ارتباطا وثيقا‪ ،‬فكل ما يهُّم الجماعة‬
‫هو مصلحتها سواًء اكانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية ‪.‬‬
‫أما اليوتوبيا في نظر مانهايم فهي مرتبطة بفكر الطبقة المحكومة وهي نوع من‬
‫الَّتفكير يتمحور حول تمُّثل المستقبل‪ ،4‬و هناك تعريف آخر لليوتوبيا من خالل نظرة‬
‫مانهايم أنها" هي ذلك النوع من التفكير الذي يركز على الَّنظر الى المستقبل بصورة‬
‫مستمَّر ة‪ ،‬وأحد أهم وظائفها هو زلزلة النظام الذي يحاول أنصار األيديولوجيا المحافظة‬
‫عليه‪ ،‬أي أنها أحالم تلهم الجماعات المعارضة التي تهدف تغيير المجتمع تغييرا‬
‫كامال‪،5‬يرى مانهايم أن "كل من المفهومين ُي لح على وجوب أن تقاس كل فكرة بمدى‬

‫‪ -1‬كارل مانهايم ‪ ،‬األيديولوجية و اليوتوبيا ‪ ،‬ص‪129‬‬


‫‪-2‬سعيد عموري‪ ،‬الرؤية األيديولوجيات والتشكيل الفني‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪-3‬كارل مانهايم‪ ،‬األيديولوجيا واليوتوبيا‪ ،‬ص‪15‬‬
‫‪ -4‬سعيد عموري‪،‬الرؤية األيديولوجيات و التشكيل الفني ‪،‬ص‪12‬‬
‫‪ -5‬امين حافظ السعدني ‪،‬ازمة األيديولوجية السياسية‪،‬ص‪23‬‬

‫‪30‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫مطابقتها للواقع وانسجامه معه‪...‬ذلك ان كل الجماعات و الطبقات المتصارعة في‬


‫المجتمع تسعى إلى هذا الواقع في أفكاره و أفعالها‪ ،‬وال عجب اذن ان يبدو الواقع‬
‫بصورة مختلفة لكل منها‪...‬وإ ن التعدد في تصورات الواقع هو بالذات اّلذي ينجب تعُّد دا‬
‫في أنماط الفكر‪...‬أن كل حكم وجودي نصدره يقودنا حتما إلى نتائج بعيدة األثر‪...‬و‬
‫كل جماعة تتحرك في عالم منفصل و متميز من األفكار"‪ ،1‬وهنا يبّين مانهايم التمييز‬
‫بين األيديولوجيا واليوتوبيا‪ ،‬حيث أن األولى تتعلق بمعتقدات وبمصالح جماعة ما‪ ،‬أما‬
‫الثانية فهي تتميز بنظرة مستقبلية للواقع‪ ،‬فتعطي وعود وآمال للجماعات من أجل‬
‫تغيير المجتمع ‪،‬رغم ما يحمالنه من فروقات إال هذين المفهومين يحمالن نفس المعنى‬
‫"كلتهما تؤثران بشكل أو باخر في سير التاريخ وتطور المجتمع‪ ،‬وتمثالن هروبا حقيقيا‬
‫من الواقع االجتماعي‪ ،‬وهما يالزمان الوعي الزائف"‪،2‬ومنه فكليهما يحاوالن الهروب‬
‫من الواقع (التخييل)‪ ،‬وبالتالي "فكل منظومة فكرية يمكن أن تأخذ صبغة أيديولوجية أو‬
‫يوتوبية حسب الظروف التاريخية التي تظهر فيها الفئات االجتماعية التي تستعملها فقد‬
‫كانت الليبرالية ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬يوتوبيا في القرن الثامن عشر‪ ،‬ثم تحولت إلى‬
‫أيديولوجيا في القرن التاسع عشر"‪ ،3‬وفي األخير يمكن القول إلى أن كال من‬
‫األيديولوجيا واليوتوبيا مجموعة أفكار وآراء تتعلق بطبقات اجتماعية‪ ،‬وهذه األخيرة‬
‫التي تتصارع في ما حولها من أجل مصالحها‪ ،‬ومن تجل ضمان وضعيتها‪ ،‬غيران‬
‫لكليهما تصورات مختلفة كون األيديولوجيا تهدف إلى الدفاع عن الواقع الراهن‪ ،‬وعن‬
‫مصالح الفئات الحاكمة ككل وهذا من أجل الحفاظ على استمراريتها‪ ،‬أما اليوتوبيا فلديها‬
‫رؤية مستقبلية لهذا الواقع ‪.‬‬

‫‪ -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪165-164‬‬


‫‪ -2‬سعيد عموري ‪،‬الرؤية األيديولوجيات و التشكيل الفني ‪،‬ص‪12‬‬
‫‪ -3‬امين حافظ السعدني ‪،‬ازمة األيديولوجية السياسية‪،‬ص‪24‬‬

‫‪31‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ومن أهم النقاد الذين حاولوا تطوير النظرية الماركسية وتجديدها نجد ألتوسير‬
‫وهو فيلسوف ماركسي فرنسي‪ ،‬حيث ذهب للقول على االدب أن يبتعد عن األيديولوجيا‬
‫فهو يعتبر معاٍد لإليديولوجيا وفاضح لها وهو ال يعبر عن تماسكها و تكاملها"‪،1‬ويرى‬
‫حميد الحميداني أّن تحديد ألتوسير لمفهوم األيديولوجيا يلتقي مع المفهوم الماركسي‬
‫كونها وعي زائف‪ ،‬حيث يميز ألتوسير بين العلم وااليديولوجيا من جهة ‪،‬وبين الوهم‬
‫واأليديولوجيا من جهة أخرى‪ ،‬حيث يعتقد ان األيديولوجيا هي انعكاس غير واقع لعالقة‬
‫إنسان بعالمه‪ ،‬وهي تركز على الجانب العملي‪ ،‬غرضها تكييف االنسان لواقعه وهي‬
‫أيضا تحتوي على حقائق و تنطوي على تزييف‪ ،‬و بالتالي فهي تضم "مقوالت عقالنية‬
‫أو ال عقالنية"‪ ،2‬ومنه نرى أن مفهوم ألتوسير لأليديولوجيا مختلف عن مفاهيم‬
‫سابقية ‪،‬ويقول ألتوسير في هذا الصدد أن "خصوصية األيديولوجيا هي التي تقنع الناس‬
‫بحريتهم وسيادتهم‪ ،‬وكل األيديولوجيات لديها وظائف‪ ،‬بل اعتقد أن األيديولوجيا تكون‬
‫أبدية أو خالدة مثل عدم الوعي فاإليديولوجيا في أحد معانيها هي شعور أساسي لربط‬
‫االجتماعي"‪ ،3‬وهنا يبين ألتوسير أهمية األيديولوجيا بالنسبة للجماعة‪ ،‬فهي مرتبطة‬
‫بحريتهم وسيادتهم وسلطتهم فهي تشكل وتبني ترابط بين جماعة ما‪.‬‬
‫يرى ألتوسير أن "الفن ال يمكن اختزاله الى مجرد أيديولوجيا‪ ،‬أن له عالقة‬
‫فاإليديولوجيا تدلنا على الطرائق الخيالية التي يختبر الناس بواسطتها العالم الواقعي‪،‬‬
‫وهذا بالضبط ما يفعله االدب‪ ،‬حيث يشعرنا أننا نعيش ظروفا معينة بدال من أن يقدم لنا‬
‫تحليال مفهوميا لهذه الظروف‪ ،‬أن االدب عالق بشبكة أيديولوجيا‪ ،‬ولكنه يعمل في الوقت‬
‫نفسه على تبعيد نفسه عنها الى درجة ندرك فيها المنابع األيديولوجيا التي تصدر عنها‪،‬‬
‫بقيامه بذلك ال يعلم الفن‪ ،‬واالدب كذلك على تمكننا من معرفة الحقيقة التي تحجبها‬

‫‪-1‬نعيمة بولكعيبات‪ ،‬سوسيولوجيا النص (تاريخ المنهج و اجراءاته)‪،‬ص‪49‬‬


‫‪ -2‬حميد الحميداني‪ ،‬النقد واإليديولوجية‪ ،‬ص‪16-15‬‬
‫‪3‬نعيمة بولكعيبات‪ ،‬سوسيولوجيا النص (تاريخ المنهج و اجراءاته)‪،‬ص‪49‬‬

‫‪32‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫األيديولوجيا"‪ ،1‬ومنه فاإليديولوجيا ال تعبر عن العالقة بين الناس وظروف وجهودهم‪،‬‬


‫ولكنها تعتبر عن طريقة التي يعيشون بها ال يشترط أن يكون التعبير حقيقيا أو زائفا‪،‬‬
‫والطبقات السائدة خاصة تخضع لإليديولوجيا الحاكمة بواسطة أجهزة الدولة (مؤسسات‬
‫األيديولوجيا)‪ ،‬والتي تعمل دائما في ظل األيديولوجيا الحاكمة‪ ،‬حيث تعتبر هذه‬
‫المؤسسات مجاال للصراع الطبقي‪ ،‬كما يمكن القول انها المسببة لهذا الصراع كونها‬
‫المسيطرة على الحكم‪ ،‬ومنه بأجهزة الدولة لها أهمية كبيرة عند ألتوسير في تشكيل‬
‫أيديولوجية الفرد في المجتمع‪ ،‬كونها تتعلق بأفكار وآراء وقيم هذا المجتمع ‪.‬‬
‫كما عَّب ر ألتوسير في حديثه عن األيديولوجيا حين يقول ‪":‬إن المجتمعات البشرَّية‬
‫تفرز األيديولوجيا كما لو كانت العنصر الحيوي او المناخ الطبيعي الذي ال غنى لها‬
‫عنه من اجل القدرة على التنفس ومواصلة الحياة في كنف التاريخ ‪...‬و معنى هذا أن‬
‫تصور مجتمعات بال أيديولوجيا‪ ،‬أن هو نفسه إَّال تصور أيديولوجي للعالم‪ ،‬أو هو على‬
‫األصح مجرد فكرة خيالَّية (يوتوبَّية)"‪ ،2‬كما يذهب ألتوسير الى القول أيضا ان مقولة‬
‫(الذات) هي عنصر أساسي في األيديولوجيا التي ال توجد إال بتشكيل ذوات عيانّية‬
‫باعتبارها ذواتا‪ ،‬وإ ن وجود األيديولوجيا و نداء األفراد العتبارهم ذواتا هو الشيء‬
‫الواحد نفسه ‪ ،‬فاإليديولوجية بالنسبة أللتوسير توجد قبل الفرد‪ ،‬وحين يأتي الفرد العياني‬

‫إلى الوجود تكون األيديولوجيا قد حددت من قبل مجموعة نوعَّية من األدوار ‪،‬ومنه فإّن‬
‫‪3‬‬

‫"كل األيديولوجيا تنادي أو تستدعي افراد ملموسين‪ ،‬بصفتهم ذوات ملموسة‪ ،‬عبر وظيفة‬
‫مقولة (الذات)" ‪ ،4‬ومعناه ان الفرد يعبر عن موقفه وفكره للعالم وللمجتمع الذي ينشأ‬

‫تيري ايجلتون‪ ،‬النقد واأليديولوجية‪ ،‬ص‪11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-2‬زكريا إبراهيم‪ ،‬مشكلة البنية (أضواء على البنيوية)‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬د ط‪ ،1990 ،‬ص‪219‬‬
‫‪-3‬ديفيد هوكس‪ ،‬األيديولوجية‪ ،‬ص‪100‬‬
‫‪-4‬بول ريكور‪ ،‬محاضرات في األيديولوجية واليوتوبيا‪ ،‬ص‪222‬‬

‫‪33‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فيه من خالل ربط هذا الواقع لهذا المجتمع و تصوراته بالبنية التي يحتويها الفرد‬
‫فيصبح بذلك ذوات في صلة مع ذات الفرد‪.‬‬
‫لقد ذهب ألتوسير حول مفهومه لأليديولوجية‪ ،‬إلى القول بأّنه‪" :‬الطريقة المتخيلة‬
‫التي يزاول فيها الناس تجربة حياتهم الواقعية‪ ،‬أي تمثيل المثالي لعملية مادية"‪،1‬‬
‫يمكن القول أَّن اإليديولوجيا عند ألتوسير تمثل صور وأفكار خيالية وهمية‬ ‫وعموما‬
‫تنتج عمليات ودوافع ال يدركها الفرد بوعيه لها (ال واعية)‪ ،‬فاإليديولوجيا ال تعبر عن‬
‫عالقة حقيقة للناس بظروف عيشهم‪ ،‬بل هي تعبر عن تصورات وتخيالت هذه الجماعة‬
‫حول ظروفهم ومستقبلهم ومعناتهم في هذا العالم الواقعي‪.‬‬
‫وفي األخير يمكن القول ان لإليديولوجيا معنى آخر تمت صيانته وبلورته عبر‬
‫العديد من النظريات و الدراسات و التصورات‪ ،‬فقد اكتسب هذا المفهوم مع الوقت‬
‫خصائص ومميزات ‪ ،‬مكنت له التحول الدائم في مختلف المجالت المعرفية‪،‬‬
‫منها(الفلسفية ‪،‬السياسة‪ ،‬األدبية و الفكرية) كون هذا المفهوم مرتبط بفكر جماعة أو‬
‫طبقة الفئة اجتماعية ما تحاول البحث عن مكانها في العالم الواقعي الكبير‪ ،‬فهناك من‬
‫اعتبرها مفهوم سلبي‪ ،‬أي وهم وزيف‪ ،‬ومنهم من اعتبرها إيجابية تحاول التعبير عن‬
‫الواقع من حركيته وفي سعيه في نهضة المجتمع وتطوره‪ ،‬وبالتالي فاإليديولوجيا هي‬
‫التي تحدد مصالح الفرد والمجتمع نحو تحقيق أهدافه التي يرسمها‪ ،‬والتي يحدد طبيعتها‬
‫ودرجة وعيها الحامل لهذه األيديولوجيا سواء أكانت سلبية او إيجابية‪ ،‬وبذلك اعتبر‬
‫مفهوم األيديولوجيا من أهم المفاهيم وأكثرها تدوال في الحياة االجتماعية‪ ،‬والفكرية‬
‫والسياسية‪ .‬وقد اعتبر هذا المفهوم من أكثر المفاهيم مثير للجدل‪ ،‬حيث تعددت معانيه‬
‫واستعماالته النص األدبي‪ ،‬فتشكلت عالقة بين األيديولوجيا وبين هذا النص وتعتبر‬
‫الرواية أفضل جنس أدبي احتواء للقيم واألفكار التي تسود جماعة أو طبقة معينة‬
‫فاستطاعة الرواية أن تخلق من التناقض بين الواقع وبين المكون الجمالي عالما منسجما‬
‫ديفيد هوكس ‪ ،‬األيديولوجية ‪،‬ص‪102‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪34‬‬
‫األيديولوجية و العمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يعبر عن رؤى وتصورات الجماعة بشكل أدبي جمالي وعلى هذا األساس تدخل‬
‫األيديولوجيا الى الرواية باعتبارها مكونا جماليا في يد الكاتب‪ ،‬وهذا األخير الذي يصنع‬
‫منها ما يشاء وبطريقته الخاصة في التعبير عن هذا العالم الواقعي بشكل أدبي جمالي ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية أميركا‬
‫المبحث األول‪ :‬ملخص الرواية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة البنية السردية للرواية‬

‫‪36‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪":‬المبحث األول‪ :‬ملخص رواية "اميركا" ل "ربيع جابر‬

‫رواية "أميركا" هي رواية تحتوي على ‪ 430‬صفحة و‪ 126‬فصل‪ ،‬حيث يلخص فيها‬
‫ربيع جابر قصة حياة شابة فقيرة جميلة من أصول سورية تدعى "مرتا اندراوس حداد"‬
‫حيث هاجرت إلى أمريكا في بدايات القرن الماضي بحثا عن زوجها اّلذي انقطعت اخباره‬
‫ورسائله‪ ،‬هذا األخير الذي سبقها الى هناك‪ ،‬ولم يسأل عنها‪ ،‬فقد تعَّر ف على امرأة‬
‫أمريكية وتزوج معها‪ ،‬وعاش حياته ولم يفكر في أمر زوجته اَّال بعد فترة من الزمن‬

‫لقد بدأت رحلة مرتا إلى أميركا سنة ‪1913‬م‪ ،‬ولقد وصلت إليها وهي وحيدة ليس معها‬
‫إال كيس به زّو ادة بسيطة وقليل من المال‪ ،‬و كان اتجاهها الوحيد هو مكان عمل زوجها‬
‫عند السيد هارمان(تاجر أمريكي)‪ ،‬فالجميع ال يعرف(خليل) أو(جو) كما يطلقون عليه‬
‫هناك ولكن لم ُي سمع عليه أي خبر‪ ،‬وال أحد يعرف مكانه أو ما حدث له‪ ،‬فتقرر مارتا‬
‫العمل عند تاجر أمريكي له معمل خياطة‪ ،‬في انتظار أن تسمع أخبا ار عن زوجها‪ ،‬تمُّر‬
‫األيام وتكتشف مرتا أنه تزوج غيرها‪ ،‬وقد علمت بهذا بعد صراعات و معاناة مرت بها‬
‫أثناء رحلتها إلى أميركا‪ ،‬ففي هذه أثناء شاهدت أناًس ا كثر من مختلف األصناف‪ ،‬وكان‬
‫في كل مرة يظهر لها من يساعدها أو يقضي لها حاجتها‪ ،‬بعد رحلة مليئة بالمصاعب‬
‫وهي تنتقل من مدينة إلى أخرى‪ ،‬من بيروت إلى اإلسكندرية‪ ،‬إلى مارسيليا‪ ،‬مرو ار بالكثير‬
‫من األماكن األخرى‪ ،‬وصوال إلى أليس أيالند"‪ ،‬أول محطة لها في أميركا‪ ،‬ولقد دارت فيه‬
‫معظم أحداث الرواية‪ ،‬حيث شكلت نقاط تحول في حياة مرتا( البطلة)‪.‬‬
‫تحكي الرواية قَّص ة "مارتا حداد"‪ ،‬كما تحكي أيضا عدة قصص أخرى لشخصيات‬
‫مختلفة‪ ،‬يستعرض ربيع جابر في هذه الرواية أحداث شيقة ومغامرات التي واجهتها بطلة‬

‫‪37‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫الرواية مارتا برباطة جأش‪ ،‬رغم المعاناة والتغيرات التي شهدها العالم في خضم تداعيات‬
‫الحربين العالميتين ووباء األنفلون از واألزمة االقتصادية العالمية في عام ‪،1929‬كما‬
‫تناولت الرواية التطورات االقتصادية واالجتماعية و تأثيرها على المهاجرين السوريين‪،‬‬
‫وتضمنت الرواية العديد من المعلومات التاريخية القِّيمة التي تخص الجالية السورية‬
‫خصوصا‪ ،‬مثل األسباب التي دعت إلى ارتفاع عدد السوريين المغتربين إلى خمسة‬
‫االف‪ ،‬وذلك عندما رفعت "مصانع فورد" األجور‪ ،‬واشتباك السوريين بالسكاكين في‬
‫مانهاتن سنة ‪1945‬م‪ ،‬بسبب خالفات وانقسامات دينية والعديد من الحقائق‬
‫التاريخية ‪،‬كأن الروائي يؤرخ لنا الَّتاريخ ‪.‬‬
‫بعد أن عرفت مرتا مكان زوجها (خليل) تقرر سفر إليه‪ ،‬لتصل إلى مزرعة‪ ،‬حيث تراه‬
‫متبخت ار بجانب سيدة أمريكية‪ ،‬محاطا بسيدات اخريات‪ ،‬في صورة لم تعهد مارتا أن تراه‬
‫فيها فيلمحها‪ ،‬ولكن مرتا ترفض النزول من العربة‪ ،‬وتعود أدراجها وهي في حالة من‬
‫الجمود والدهشة‪ ،‬ولكنها تقِّر ر تجاهل األمر وبناء حياتها من جديد‪ ،‬فتكافح وتعمل حتى‬
‫نراها في نهاية الرواية قد وصلت إلى سن الثمانين ولها أوالد واحفاد في كاليفورنيا‪ ،‬ولقد‬
‫أصبحت ثرية لها أمالك وتجارة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة البنية السردية للرواية‬
‫‪ -1‬العنوان‪:‬‬
‫يعتبر العنوان من أهم العناصر الداللية في الكتابة الروائية‪ ،‬كونه يعُّد عنص ار مهما‬
‫في دراسات األدبية على وجه العموم‪ ،‬والسيميائية على وجه الخصوص‪ ،‬فهو العتبة‬
‫األولى التي يستقرؤها القارئ للنص األدبي‪ ،‬إذ هو يمدنا بزاد ثمين لتفكيك النص ودراسته‪،‬‬
‫ونقول أنه يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه وهو المحور‬

‫‪38‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه"‪ ،1‬و منه فالعنوان مرتبط ارتباطا شديدا بالنص‪،‬‬
‫يخلق نوعا من الوساطة بين النص و خارجه‪.‬‬

‫أ‪-‬العنوان الرئيسي‪:‬‬

‫يجدر بنا في هذه الدراسة ان ننطلق من المعنى اللغوي للكلمات التي يشكل منها‬
‫العنوان‪ ،‬وقد جاء عنوان الرواية كلمة واحدة تحيل إلى اسم بلد وهو "أميركا"‪ ،‬و قد اكتفى‬
‫الكاتب بهذه الكلمة‪ ،‬كونه رأى أنها تشبع نصه‪ ،‬فكلمة "أميركا" كما جاءت في المعجم‬
‫الوسيط مقسمة إلى قسمين (أميركة الجنوبية)‪ :‬وهي إحدى قارات الدنيا السبع‪ ،‬اكتشفت‬
‫كـأمريكا الشمالية في نهاية القرن الخامس عشر وهي بين المحيطين‪ :‬األطلسي و الهادئ‬
‫وفي جنوبّي أميركة الشمالية‪ ،‬وبين خطّي العرض ‪ 8‬الشمالي‪ 55 ،‬الجنوبي‪ ،‬وهي على‬
‫شكل مثلث كبير تقريبا‪ ،‬رأسه الى الجنوب‪ ،‬وجزؤها الشمالي في المنطقة الحارة‪ ،‬و النسبة‬
‫إليها‪ :‬أمريكي جنوبي‪.‬‬
‫أما القسم الثاني منها‪ ،‬فهي (أمريكا الشمالية)‪ :‬احدى قارات الدنيا السبع‪ ،‬اكتشفت‬
‫كأمريكا الجنوبية في نهاية القرن الخامس عشر‪ ،‬وهي بين محيطين‪ :‬األطلسي و الهادئ‬
‫وفي شمالها المحيط الجامد الشمالي‪ ،‬وهي كذلك على شكل مثلث كبير‪ ،‬رأسه إلى‬
‫الجنوب‪ ،‬وتقع بين خطي العرض ‪10‬و ‪83‬الشماليين‪ ،‬و تمتّد من المنطقة الحارة إلى‬
‫المنطقة الجامدة الشمالية‪ ،‬و بالنسبة اليها‪ :‬أمريكي شمالي‪.2‬ومنه نرى أن الروائي وظف‬
‫لفظة اميركا كعنوان لنصه‪ ،‬وهذا ليس اختيا ار اعتباطيا‪ ،‬إو نما هو داللة على مكان تدور‬
‫فيه معظم أحداث الرواية‪ ،‬أو باألحرى مكان الذي تتواجد في الشخصية البطلة‪ ،‬كما تدُّل‬
‫أميركا على أنها مدينة التحُّض ر والتطور الصناعي‪ ،‬وكانت ملجأ للعديد من القادمين من‬
‫دول العالم الثالث‪ ،‬وهذا ما سنكتشفه أثناء تجولنا في أعماق الرواية ‪.‬‬

‫‪- 1‬محمد مفتاح‪ ،‬دينامية النص‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬الدار البيضاء ‪ ،‬ط‪ ،1990 ، 2‬ص‪72‬‬
‫‪-2‬المعجم الوسيط ‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪ ،2004 ، 4‬باب (امر)‪ ،‬ص‪26‬‬

‫‪39‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪-2‬الشخصيات‪:‬‬
‫احتلت الشخص ;;ية أهمي ;;ة بالغ ;;ة في الد ارس ;;ات واألبح ;;اث األدبي ;;ة‪ ،‬فهي حص ;;يلة لع; ;َّد ة‬
‫معطي ;;ات داخلَّي ة في الرواي ;;ة‪ ،‬فالشخص ;;يات هي من ص ;;نع أنام ;;ل ال; ;ِّر وائي ونت ;;اج مخِّيلت ;;ه‬
‫اإلبداعَّية‪ ،‬كما يقول تدوروف‪" :‬هي من قبل كّل شيء قضية لسانَّية فالشخصيات ال وج;ود‬
‫له; ;;ا خ; ;;ارج الكلم; ;;ات‪ ،‬ألنه; ;;ا ليس; ;;ت س; ;;وى كائن; ;;ات من ورق"‪ ،1‬أن الشخص; ;;ية هي المح; ;;ور‬
‫األساسي الذي تنبني عليه االحداث ب;;دونها يك;;ون الَّنص ص;;امت وال حي;;اة في;;ه‪ ،‬كم;;ا ي;;ذهب‬
‫ك;;ل من اوس;;تن وارين وريني;;ه ويلي;;ك الى الق;;ول ب "أَّن شخص;;ية م;;ا في الرواي;;ة تختل;;ف عن‬
‫الشخص;;ية تاريخي;;ة او الشخص;;ية موج;;ودة في الحي;;اة الواقعي;;ة‪ ،‬فالشخص;;ية في الرواي;;ة إنم;;ا‬
‫تتألف فقط من الجمل التي وضعها المؤلف على لسانها‪-‬وليس له;;ا أحياًن ا حي;;اة مس;;تمرة"‪،2‬‬
‫ومعناه أن الشخصية التي يخلقها الَّراوي هي مجرد ممثل للشخصّية الواقعّية‪ ،‬والشخص;;يات‬
‫في الرواي;;ة معظمه;;ا تك;;ون خيالي;;ة‪ ،‬أو تك;;ون بالص;;دفة تمث;;ل شخص;َّية من الواق;;ع‪ ،‬وه;;ذا م;;ا‬
‫ش;;هدناه في رواي;;ة "ربي;;ع ج;;ابر"‪ ،‬وق;;د أوض;;ح ذل;;ك في بداي;;ة كتاب;;ه‪ ،‬ومن;;ه فالشخص;;يات هي‬
‫من تصنع الروائي‪ ،‬كذلك فعل ربيع جابر حين أبدع في خلق شخص;;يات "اميرك;;ا"‪ ،‬تن;;وعت‬
‫الشخص;;يات وتع;;ددت وظه;;رت في ت ارب;;ط ف;;ني ارئ;;ع‪ ،‬حيث أنه;;ا ج;;اءت متناس;;قة م;;ع مس;;ار‬
‫الس ;;ردي للرواي ;;ة‪ ،‬فك ;;ل شخص ;;ية تحم ;;ل أي ;;ديولوجيا معين ;;ة‪ ،‬وم ;;ع تق; ;َّد م الحكي ي ;;زداد ع ;;دد‬
‫الشخص;;يات‪ ،‬فالشخص;;يات في "اميرك;;ا" لعبت دوًرا ريادي;;ا في تط;;وير العم;;ل ال;;روائي‪ ،‬وفي‬
‫تحريك االحداث السردية‪ ،‬فال يظهر حدث جديد في رحل;ة "مرت;ا" إَّال و تظه;ر لن;ا شخص;ية‬
‫جديدة‪ ،‬و من هذه الشخصيات نذكر‪:‬‬
‫‪-‬مرتا اندراوس حّد اد‪ ،‬خليل مرتا‪ ،‬السيد هرمان‪ ،‬قمر الدين‪ ،‬دلزي‪ ،‬اليزابيث‪ ،‬قاس;;م عب;;د‬
‫الب;اقي‪ ،‬علي ج;ابر‪ ،‬جوزي;ف اس;طفان‪ ،‬الحاج;ة م;اري‪ ،‬ج;رجي إب;راهيم‪...‬وهنال;ك العدي;د من‬
‫الشخصيات التي لعبت دو ار مهًم ا في تشكيل أحداث الرواية‪.‬‬

‫‪- 1‬ناصر الجيالن‪ ،‬الشخصية في قصص االمثال العربية (دراسات في االنساق الثقافية للشخصية العربية ) ‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي ‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ ،2007 ، 1‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 2‬اوستن وارين ورينيه ويليك ‪ ،‬نظرية االدب ‪ ،‬المجلس األعلى لرعاية الفنون و اآلداب و العلوم االجتماعية ‪ ،‬تر‪:‬‬
‫محي الدين صبحي ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1972 ،‬ص‪26‬‬

‫‪40‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫لق; ;;د قمن; ;;ا بتقس; ;;يم الشخص; ;;يات إلى قس; ;;مين (شخص; ;;يات رئيس; ;;ية‪ ،‬وشخص; ;;يات ثانوي; ;;ة)‬
‫وسندرجها في جدول‪:‬‬

‫أ‪-‬الشخصيات الرئيسية‪:‬‬

‫تمثلت في‪ :‬شخصية "مارتا أندراوس حّد اد"‪ :‬وهي الشخص;;ية ال;;تي أنبت عليه;;ا ربي;;ع‬
‫جابر االحداث الروائية‪ ،‬فالشخصية الرئيسية " هي التي تق;;ود الفع;;ل وتدفع;;ه إلى األم;;ام في‬
‫ال ;;دراما والرواي ;;ة‪ ،‬أو أي أعم ;;ال أدبي ;;ة أخ ;;رى‪ ،‬وتع ;;ني الكلم ;;ة في أص ;;لها اليون ;;اني "المقات ;;ل‬
‫االّو ل"‪،1‬فالرواي;;ة تع;;الج االنس;;ان في ح ;ّد ذات;;ه في نزاعات;;ه المختلف;;ة من حب واغ;;تراب وألم‪،‬‬
‫وكل هذا تشّك ل في شخصية مرتا البطلة الرئيسية في الرواية‪.‬‬

‫صفاتها‬ ‫الشخصية‬
‫مرتا اندراوس حّد اد‪ :‬هي سورية من قري;;ة وال;;تي ع;;رفت بنفس;;ها "س@@ورية‪ ،‬أن@@ا من قري@@ة‬
‫بتاتر‪ ،‬من عائلة مسيحية محافظة‪ ،‬والتي بتاتر في جبل لبنان‪ ،‬بتاتر قريبة من عالي@@ة‬
‫تس ;;افر بح ; ار الى اميرك ;;ا من اج ;;ل البحث وبحمدون"‪.2‬‬
‫عن زوجه; ; ; ;;ا "خلي; ; ; ;;ل"‪ ،‬ال; ; ; ;;ذي ذهب الى "لكن عيوًن ا كث@ @@يرة تتأم@ @@ل وجهه@ @@ا‪ ،‬الك@ @@نزة‬
‫هناك و لم يعد يسأل عنها‪ ،‬فقد تزوج من الص @ @@وفية طويل @ @@ة وتخفي مالمح جس @ @@مها‪.‬‬
‫امرأة أمريكية األصل وعاش حياته ونسي لكن ه @@ذا يض @@اعف جماله @@ا‪ :‬ه @@ل نق @@ول إن‬
‫زوجت ; ;;ه "مارت ; ;;ا"‪ ،‬بع ; ;;د بحث مط ; ;;ول رأت ن@@@@@@@@و ار يتحَّل ق حوله@@@@@@@@ا؟ ‪...‬إلى كتفيه@ @ @ @@ا‬
‫مرتا زوجها مع زوجته االمريكية‪ ،‬فهذا لم المبرومين إو لى جبهتها العريضة‪.3‬‬
‫يمث ;;ل ص ;;دمة أبدي ;;ة له ;;ا‪ ،‬ب ;;ل جعلت من "هي تعرف كيف تتكلم"‪4‬بلسان خالها‬
‫ذلك المشهد نقطة تحّو ل بالنسبة لحياته;ا‪" ،‬كانت تط@رز المنادي@@ل‪ ،‬وي@@أتي السمس@@ار من‬

‫‪- 1‬إبراهيم فتحي ‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية ‪ ،‬المؤسسة العربية للناشرين المتحدين‪ ،‬التعاضدية العمالّية للطباعة و‬
‫النشر‪ ،‬صفاقس ‪-‬تونس ‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ص‪.212-211‬‬
‫‪- 2‬ربيع جابر‪ ،‬اميركا‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،2010، 2‬ص‪12‬‬
‫‪-3‬الرواية‪ ،‬ص‪18‬‬
‫‪-4‬الرواية‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪41‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫حيث أنه;;ا لم تل;;ق ب;;ال ل;;ه‪ ،‬فأسس;;ت عمال ب@@@@@@يروت ويأخ@@@@@@ذ المنادي@@@@@@ل ويختم عليه@@@@@@ا‬
‫له; ; ;;ا في بل; ; ;;د الغرب; ; ;;ة‪ ،‬و ك; ; ;;ونت ث; ; ;;روة ‪ ،‬الص@ @ @@ندوق ويرس@ @ @@لها م@ @ @@ع البض@ @ @@اعة إلى‬
‫وت; ;;زوجت من رج; ;;ل لبن; ;;اني ي; ;;دعى "علي اميركا"‪ .1‬تفحَّص ت "ش@@غلها" أيض@@ا‪ .‬أرادت أن‬
‫ج;;ابر"‪ ،‬و ك;;ان زواجهم;;ا أَّو ل زواج م;;دني تخرج الص@@نارة وك@@رة الخيط@@ان والقطع@@ة ال@@تي‬
‫في أمريك; ; ;;ا‪ ،‬وانجبت من; ; ;;ه أربع; ; ;;ة أبن; ; ;;اء تطرزه @@ا"‪،2‬دالل; ;;ة على أنه; ;;ا ك; ;;انت تعم; ;;ل في‬
‫ذك; ; ; ;;وًرا إو ناَث ا‪ ،‬م; ; ; ;;اتت في ‪1973‬م عن مجال التطريز‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫"هي لم تخرج في حياته@@ا لم ت@@ركب القط@@ار"‬ ‫عمر يناهز الثمانين عاما‪.‬‬
‫يدل هذا على انغالقها في مكان واح;;د‪ ،‬حيث‬
‫أن "مرتا" لم تسافر ولو مرة واحدة في حياته;;ا‬
‫فك;;ان س;;فرها الى اميرك;;ا تح ;ٍّد كب;;ير من ام ;رأة‬
‫عربَّية‪ ،‬وهذا ألَّنها عاشت في مجتم;ع ذك;وري‬
‫وتش ; ; ; ;َّبعت بتقالي; ; ; ;;د عربي; ; ; ;;ة فرض; ; ; ;;ها عليه; ; ; ;;ا‬
‫المجتمع العربي‪.‬‬
‫"ب;;دت الم@رأة فاتن@ة الجم@ال‪ .‬ه@ذه مرت;;ا ونحن‬
‫نعرفه; ; ; ; ;;ا لكَّنهم يرونه; ; ; ; ;;ا للم ; ; ; ; ;َّرة األولى‪ :‬من‬
‫وجهه@@ا الم @دَّو ر ش ;;ع ض ;;وء غ ;ريب‪...‬عيناه@@ا‬
‫الواسعتان تج;;اوزت الِّر ج;;ال والنس;;اء"‪،4‬وص;;ف‬
‫لجم ; ;;ال مرت ; ;;ا‪ ،‬حيث لمح العدي ; ;;د في أمريك ; ;;ا‬
‫جمالها وأعجبوا بها‪.‬‬
‫"ال@@رّب يس@@اعدني‪ ،‬ق@@الت مرت@@ا"‪ ،5‬دالل ;;ة على‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪19‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪67‬‬
‫‪-3‬الرواية‪،‬ص‪21‬‬
‫‪-4‬الرواية‪،‬ص‪55‬‬
‫‪-5‬الرواية‪،‬ص‪67‬‬

‫‪42‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫انها انسانة مؤمنة‪،‬‬


‫"امرأة جبلّية صغيرة"‪ ،1‬دالل;;ة على أنه;;ا ام ;رأة‬
‫بس; ;;يطة من منطق; ;;ة ريفي; ;;ة من أع; ;;الي جب; ;;ال‬
‫س; ;;وريا‪ ،‬وه; ;;ذا ي; ;;بين الطبيع; ;;ة المعيش ; ;َّية عن; ;;د‬
‫العرب‬

‫ب ‪ -‬الشخصيات الثانوَّية‪:‬‬

‫تمثلت في العديد من الشخصيات‪ ،‬والتي مَّر ت في حياة "مرتا حَّد اد “‪ ،‬فكان لها دور‬
‫مهم في تحريك األحداث السردية للرواية‪ ،‬فالشخصيات الثانوية دوًرا ال يقُّل أهمية عن‬
‫الشخصَّية الرئيسية‪ ،‬كونها شخصيات مساعدة للبطلة الرئيسَّية‪ ،‬ومن هذه الشخصيات‬
‫نجد‪:‬‬

‫صفاتها‬ ‫الشخصَّية‬
‫‪-1‬خلي@@@ل ح@@@َّداد(ج@@@و)‪ :‬ش ; ;;اب س ; ;;وري في "يش@@تغل عن@@د الس@ِّيد هرم@@ان‪ ،‬ي@@بيع بض@@اعة‬
‫العش; ;رينات من العم ;;ر‪ ،‬زوج بطل ;;ة الرواي ;;ة في نيويورك وبروكلين‪ ،‬وأماكن أخرى"‪.2‬‬
‫"مرتا حَّد اد"‪ ،‬وه;;و اله;;دف اّل ذي تس;عى إلي;;ه "ت@@@@رى خلي@@@@ل بقامت@@@@ه الَّطويل@@@@ة وض@@@@حكته‬
‫المحبَّبة"‪.3‬‬ ‫هذه البطَّلة‪.‬‬
‫"خليل حّد اد قال إنه يتعلم بسرعة"‪.4‬‬
‫ق@@ال الس@@يد هرم@@ان أَّن ه ك@@ان أس@@رع وأنش@@ط‬
‫الب@ @@ائعين‪...‬اقت@ @@نى عرب@ @@ة وحص@ @@انا وب@ @@ات‬
‫‪-1‬الراوية‪ ،‬ص‪67‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪42‬‬
‫‪-3‬الرواية‪ ،‬ص‪60‬‬
‫‪-4‬الرواية‪ ،‬ص‪61‬‬

‫‪43‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫حواالت إلينا بانتظام وكَّل ذلك في أق@@ل من‬


‫‪1‬‬
‫سنتين"‬
‫‪-2‬الس@ّيد هرم@@ان‪ :‬رج;;ل أعم;;ال س;;وري ل;;ه "كان رجًال خمسينًيا يميل إلى‬
‫مكانة مرموقة في المجتمع األمريكي‪ ،‬على البدانة‪...‬عندما نهض السيد هرمان ومَّد‬
‫يده فوق المكتب‪...‬كي يصافحها انتبهت‬ ‫مد يد المساعدة للمهاجرين أبناء بلده‪.‬‬
‫إلى رجفت في جانب وجهه‪ :‬شعرت أَّنه‬
‫رجل غير قادر على الكذب"‪.2‬‬
‫"الس@ @@يد هرم@ @@ان ت@ @@اكر من ش@ @@ركة هرم@ @@ان‬
‫وم@@اكينري ‪...‬أن@@ا ب@@دأت بائًع ا ج @َّو اًال أحم@@ل‬
‫الكَّش ة"‪.3‬‬
‫‪-3‬علي ج@@@@ابر‪ :‬ه; ; ;;و ش; ; ;;اب س; ; ;;وري ذكي "دخ;;ل علي ج;;ابر إلى أميرك;;ا بطريق;;ة غ;;ير‬
‫طم ;;وح من جب ;;ل لبن ;;ان‪ ،‬س ;;افر إلى أمريك ;;ا شرعية‪...‬كان يكره جميع أشكال السلطة"‪.4‬‬
‫بطريقة غير شرعية‪ ،‬وه;;و من س;;يكون زوج "ع@@رف م@@تى ي@@ترك الب@@اخرة‪...‬ودخ@@ل أميرك@@ا‬
‫خلس@@@@ة‪...‬وك@@@@ان يحم@@@@ل دوالرات أمريكي@@@@ة‬ ‫ثاني لمرتا بعد موت زوجها األول‪.‬‬
‫اشتراها على الباخرة"‪.5‬‬
‫"وق@@@@@@@@ف في الظالم ينظ@@@@@@@@ر إلى بناي@@@@@@@@ات‬
‫مض @@اءة‪ :‬في حيات @@ه كّله @@ا لم ي @@ر بناي @@ات‬
‫طويلة كهذه البنايات"‪.6‬‬
‫‪-4‬قاس@@م عب@@د الب@@اقي‪ :‬ه ;;و ش ;;اب س ;;وري "من عينب @@ال الش @@وف وه @@و يقرق@@ع بالق@@اف‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪62‬‬
‫‪-2‬الرواية‪،‬ص‪56-55‬‬
‫‪-3‬الرواية‪،‬ص‪61‬‬
‫‪-4‬الرواية‪،‬ص‪58-57‬‬
‫‪-5‬الرواية‪،‬ص‪58‬‬
‫‪-6‬الرواية‪،‬ص‪59‬‬

‫‪44‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫مه; ; ;;اجر‪ ،‬وم ارف; ; ;;ق للبطل; ; ;;ة أثن; ; ;;اء هجرته; ; ;;ا القوي @@ة‪...‬رج @@ل في الس @@ابعة والعش @@رين أو‬
‫ألميرك ; ;;ا وه ; ;;و شخص; ; ;َّية ثانوي ; ;;ة مس ; ;;اعدة‪ ،‬الثامن@@@ة والعش@@@رين‪ ،‬مل@@@ون العي@@@نين مث@@@ل‬
‫دروز كثر في جبل لبنان"‪.1‬‬ ‫عمل عند السيد هرمان‪.‬‬

‫"اسمي جوزف أسطفان وأستطيع أن‬ ‫‪-5‬جوزيف أسطفان‪ :‬أحد المهاجرين‬


‫أساعدك"‪.2‬‬ ‫السوريين وهو شخصَّية مساعدة‪.‬‬
‫"أن@@@@@@@@@@@ا حين أتيت إلى أميرك@@@@@@@@@@@ا كنت ابن‬
‫‪13‬سنة جئت مع ابن خالتي‪ ،‬كان يكبرني‬
‫بخمس س @ @@نوات‪...‬أن @ @@ا م@ @ @ّرة في فرجيني @ @@ا‬
‫قّو ص @@و علّي بب @@ارودة ص @@يد‪...‬أن @@ا جلس @@ت‬
‫جنب رأسه المفت@@وح على الس@َّك ة وأردت أن‬
‫‪3‬‬
‫أموت أيضا"‬
‫‪-6‬الحاّج ة م@@اري‪ :‬عج;;وزة س;;ورية‪ ،‬مه;;اجرة "اس@ @@مها حجي مطرون@ @@ة ألنه@ @@ا حجت الى‬
‫‪4‬‬
‫مقيم ; ;;ة في اميرك ; ;;ا‪ ،‬ص ; ;;احبة ن ; ;;زل هن ; ;;اك‪ ،‬القدس "‬
‫"في م @@دخل البناي @@ة التقي @@ا الحاج @@ة م @@اري‪:‬‬ ‫وهي شخصية مساعدة للبطلة الروائية‪.‬‬
‫كانت تحم@@ل حقيب@@ة ص@@فراء الل@@ون‪ ،‬وتلبس‬
‫ثوب@@ا اخض@@ر ك@@ورق الت@@وت‪ .‬ج@@انب وجهه@@ا‬
‫عليه@@ا أث@@ر ح@@رق ق@@ديم ‪ ...‬ب@@دت غاض@@بة‪.‬‬
‫في ي @ @@دها س @ @@اعة‪...‬ومن اذنيه @ @@ا تت @ @@داى‬
‫حلقت@@ان ذهبيت@@ان‪ .‬ش@@عرها اص@@فر مص@@فف‬
‫ومحجوب داخ@ل برنيط@ة بكش@كش‪...‬وفمه@ا‬

‫‪-1‬الرواية‪،‬ص‪66‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪74‬‬
‫‪-3‬الرواية‪ ،‬ص‪77‬‬
‫‪-4‬الرواية‪ ،‬ص‪75‬‬

‫‪45‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫مرسوم باألحمر‪ ،‬كب@@ير وش@@به مائ@@ل‪ ،‬كأنه@@ا‬


‫‪1‬‬
‫تعرضت بجلطة قبل سنين "‬
‫ه@ @@ذه الم @ @رأة ب@ @@وجهين‪...‬غراب@ @@ة اطواره@ @@ا‪.‬‬
‫عن@@@@دما يغض@@@@ب تمي@@@@ل راس@@@@ها ثقيال على‬
‫رقبتها ‪-‬كان الرقب@@ة ملوي@@ة ويظه@@ر ش@@ريان‬
‫العنق األخضر"‬
‫"لغته@@@@ا العربي@@@@ة ثقيل@@@@ة ‪-،‬م@@@@ع أنه@@@@ا من‬
‫هن@@اك ‪ ،‬من"البالد"‪...‬بع@@د ذل@@ك ع@@رفت انه@@ا‬
‫من قري@@ة ص@@غيرة تج@@اور اإلس@@كندرية على‬
‫بّر مصر "‬

‫ابن طبري@@@@@ة مل@@@@@ون العي@@@@@نين ‪ ...‬اس@@@@@مه‬ ‫‪.7‬قمر الدين‪ :‬شخصية ثانوية مساعدة‬
‫سليمان وينادونه "قمر الدين "‬
‫"(خش@@ن البش@@رة) ‪...‬يحم@@ل عص@@ا في ي@@ده‬
‫وط@ @وال ال @@وقت يبرمه @@ا بين أص @@ابعه وه @@و‬
‫‪2‬‬
‫يتكلم "‬
‫في عروقها تمتزج دماء زنجي@@ة ومكس@@يكية‬ ‫‪.8‬دلزي‪ :‬شخصية ثانوية‪ ،‬مدبرة منزل‬
‫‪3‬‬
‫"‬

‫"خ@ @@رجت بقميص@ @@ها األبيض وعلى كتفيه@ @@ا‬ ‫‪.9‬اليزابيث‪ :‬شخصية ثانوية‪ ،‬زوجة جو‬
‫ش @@ال ص @@وف بمربع @@ات خض@@راء وص @@فراء‪.‬‬ ‫حداد‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪85‬‬
‫‪ -2‬الرواية ‪،‬ص‪41‬‬
‫‪ -3‬الرواية ‪،‬ص‪42‬‬

‫‪46‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬
‫‪1‬‬
‫لفت ذراعيها الطويلتين "‬
‫"كثير المتاعب هذا الفتى‪ :‬يضرب ويس@@رق‬ ‫‪ :10‬مارون‪ :‬شخصية ثانوية مساعدة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كأنه ليس ابنه‪ ،‬وال ينفع معه عالج "‬ ‫وحفيد جوزف اسطفان‬
‫"مارون أسود الشعر‪ ،‬بني العينين‪ ،‬وجه@@ه‬
‫‪3‬‬
‫يميل الى البياض‪ ،‬وال يبدو سوريا "‬
‫وه;;ذه أهم الشخص;;يات الثانوي;;ة ال;;تي س;;اعدت "مرت;;ا" في رحلته;;ا نح;;و البحث عن زوجه;;ا‬
‫في أميرك;;ا‪ ،‬كم;;ا نج;د ع;;دد من الشخص;;يات الثانوي;;ة ال;;تي لم يكن له;;ا دو ار ب;;ار از في تحري;;ك‬
‫أح ;;داث الرواي ;;ة‪ ،‬فك ;;ان ظهوره ;;ا م ;;ؤقت‪ ،‬منه ;;ا‪( :‬خ ;;ال (مرت ;;ا)‪ ،‬ج ;;رجى إب ;راهيم‪ ،‬أخت ;;ان من‬
‫بشمزين حنة يافث ‪ ،‬هنري أوزبون ‪ ،‬جميل طرزي ‪ ،‬الس;يد توم;;اس ‪ ،‬معم;;ر باش;ي ‪ ،‬إميلي;;ا‬
‫وكاميلي ; ;;ا بش ; ;;ار الس ; ;;يد س ; ;;كياس ‪ ،‬واخ ; ;;رون )‪ ،‬فلك ; ;;ل واح ; ;;د من ك ; ;;ل ه ; ;;ذه الشخص ; ;;يات‬
‫أيديولوجي ;;ة ‪ ،‬تس ;;عى إلى تحقي ;;ق ه ;;دف معين في بل ;;د أجن ;;بي ‪ ،‬يم ;;تزج بمختل ;;ف الثقاف ;;ات‬
‫والديانات ‪ ،‬ومليئة بالصراعات من كل الجوانب‬

‫‪_3‬بنية الزمان والمكان‪:‬‬

‫‪.1‬الزمن‪:‬‬

‫ال;;زمن ال ;ِّر وائي ه;;و عنص;;ر إب;;داعي آخ;;ر إلى ج;;انب الشخص;;يات‪ ،‬حيث أص;;بح له;;ذا‬
‫العنص;;ر أهمَّي ة في بن;;اء األح;;داث الروائَّي ة الس;;يما اّل تي تحم;;ل في ُج عبته;;ا أح;;داث تاريخَّي ة‬
‫وتنقالت زمنَّي ة طويل;;ة ‪،‬ولق;;د أص;;بح الزم;;ا ألي كتاب;;ة س;;ردية‪ ،‬ك;;ون ال;;زمن ه;;و المعِّب ر عن‬
‫إيديولوجيات الشخص;;يات ‪ ،‬وعن ح;االتهم و ن ازع;;اتهم فمع;;نى "ال;;زمن في الرواي;;ة ه;;و مع;;نى‬
‫الحي; ;;اة الداخلي; ;;ة‪ ،‬مع; ;;نى الحي; ;;اة اإلنس; ;;انية العميق; ;;ة‪ ،‬والخ; ;;برة الذاتَّي ة للف; ;;رد اّل تي تمَّثل في‬
‫مجموعها الخبرة الجماعَّية‪ ،‬فالزمن الِّر وائي زمن نفسي‪...‬و ال;;زمن ال;;روائي يتجلى في اللغ;;ة‬

‫‪ -1‬الرواية ‪،‬ص‪44‬‬
‫‪ -2‬الرواية ‪،‬ص‪117‬‬
‫‪ -3‬الرواية ‪،‬ص‪178‬‬

‫‪47‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫لغ ;;ة ال ;;وعي و الالوعي ‪ ،‬فه ;;و "داخلي" ك ;;امن في طبيع ;;ة الُّلغ ;;ة المعَّب ر له ;;ا في الخط ;;اب‬
‫ال;ِّر وائي"‪،1‬ومن;;ه ف;الزمن لم يع;;د مج;رّد عنص;;ر هامش;ي‪ ،‬ب;;ل ل;;ه دالالت تجع;;ل من الَّنص ل;;ه‬
‫مع;;نى ي;;دور في;;ه عن طري;;ق العملَّي ة الحكائَّي ة الس;;ردَّية‪ ،‬فعلي;;ه ت;;دور مح;;ور البنّي ة الروائي;;ة‪،‬‬
‫فعلى الروائي أن يبدع في تصميمه لهذا العنصر وهذا ما أبدع فيه "ربيع ج;;ابر" في روايت;;ه‬
‫"أميرك;;ا"‪ ،‬حيث أص;;بحت الِّر واي;;ة مس;;رًد ا ذا بع;;د زم;;ني طوي;;ل ع;;بر ق;;رن من ال;;زمن‪ ،‬طيل;;ة‬
‫القرن العشرين ‪ ،‬منذ بدايته التي كانت مرحلة مخاضات كبرى‪ ،‬م;;رو ار ب;;الحربين الع;;الميتين‬
‫فاإلس;;تباق واللحظ;;ة واالس;;ترجاع هي جمالي;;ات زمنَّي ة ع;;رف من خالله;;ا ربي;;ع ج;;ابر كي;;ف‬
‫ي;روي لن;ا حكاي;ة "مرت;ا ان;درواس ح;ّد اد" ‪ ،‬تل;ك الحكاي;ة الطويل;ة الم;رأة تبحث عن الحب في‬
‫زمن الخيان;;ة‪ ،‬فط;;ول الم;َّد ة اّل تي عاش;;تها مرت;;ا ح;ّد اد في رحلته;;ا للبحث عن الحلم الض;;ائع‪،‬‬
‫واّل تي دامت م; ; ; ;ّد ة زمنَّي ة طويل ; ; ;;ة زاوج خالله ; ; ;;ا ربي ; ; ;;ع ج ; ; ;;ابر بين االس ; ; ;;تباقات ت ; ; ;;ارة‪ ،‬و‬
‫االس ;;ترجاعات ت ;;ارة عدي ;;دة‪ ،‬ففي ك; ;ّل ح ;;دث ك ;;ان يظه ;;ر الح ;;نين والش ;;وق في حي ;;اة مرت ;;ا‬
‫فتتساقط الذكريات كسكاكين من حين إلى آخر‪ ،‬وهنا نجد‪:‬‬

‫أ‪-‬االسترجاعات‪:‬‬

‫كل رواية ذات مقومات سردَّية‪ ،‬فهي ال تخلو بأي حال من األحوال من اإلس;ترجاع فه;و‬
‫عنص ; ;;ر مهم في التش; ;;كيل الس; ;;ردي‪ ،‬وه ; ;;و متف ; ;;اوت من ناحي ; ;;ة االس; ;;تخدام من ارٍو ألخ; ;;ر‬
‫واالسترجاع هو العودة إلى ذكر أحداث ماضية في الرواية‪ ،‬حيث أّنه "مفارقة زمنَّي ة تعي;;دنا‬
‫إلى الماضي بالنسبة للحظة الَّراهنة‪ ،‬استعادة لواقعة او وقائع حدثت قبل الَّلحظة الراهنة"‪،2‬‬
‫و تتمّي ز رواية "اميركا" بالكثير من هذه االسترجاعات‪ ،‬فال يرد حدث إَّال و يعصف الش;;وق‬
‫و الحنين ب"مارتا" إلى حياتها الماضية‪ ،‬إو لى ذكرياتها م;;ع زوجه;;ا في الماض;;ي‪ ،‬فق;;د أب;;دع‬

‫‪- 1‬نورة بنت محمد‪،‬البنية السردية في الرواية السعودية‪-‬دراسة فنية لنماذج من الرواية السعودية‪ ،‬دكتوراه في االدب‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة أم القرى ‪،‬كلية االغة العربية‪ ،‬قسم الدراسات العليا ‪-‬فرع األدب ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪،‬‬
‫‪،2008‬ص‪26‬‬
‫‪- 2‬جيرالد برنس‪ ،‬المصطلح السردي (معجم مصطلحات)‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪،2003، 1‬ص‪25‬‬

‫‪48‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫ربي;;ع ج;;ابر في زخرف;;ة روايت;;ه باالس;;ترجاعات‪ ،‬واّل تي تص;;لح أن تس;;مى في "اميرك;;ا" أش ;واق‬
‫الماضي ونذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫‪(-‬ولهذه النَّي ة أي في الي@وم الخ@امس عش@ر من ش@هر ذي القع@دة من ش@هور س@نة أل@ف‬
‫وثالث مائ@@ة و س@@تة وأربعين للهج@@رة النبوي@@ة حض@@رت عن@@د الش@@يخ أبي علي بش@@ير زين‬
‫الدين جابر‪...‬فطلب مني أن أحرر عن لسانه هذه الوصية)‪.1‬‬

‫‪(-‬خاله@@ا لم يص@@ِّدق أذني@@ه عن@@دما أخبرت@@ه‪...‬ك@@انت تحم@@ل س @ّلة ممل@@وءة ب@@بيض ال@@دجاج‬
‫المسلوق جلبته إلى المرأة ال@تي تبيع@ه لع@ابري المحّط ة‪...‬ك@انت تطلب بركت@ه وه@و س@ألها‬
‫كيف يبارك رحلتها وهو يع@رف أن م@ا تفعل@ه غ@ير مقب@ول وغ@ير معق@ول ولم يس@مع بمثل@ه‬
‫من قبل)‪،2‬‬

‫هذه المقاطع ألحداث ماضية جرت‪ ،‬وتطَّر ق إليها ربيع جابر من أج;;ل االس;;تذكار بوق;;ائع‬
‫ح; ;;دثت قب; ;;ل الحادث; ;;ة الك; ;;برى‪ ،‬وهي س; ;;فر مرت; ;;ا إلى أميرك; ;;ا‪ ،‬ورحلته; ;;ا المليئ; ;;ة بالمطّب ات‬
‫والصعوبات اّلتي عاشتها أثن;اء ف;ترة رحلته;ا إلى اميرك;ا‪ ،‬فاالس;ترجاع هن;ا من أج;ل أن يق;دم‬
‫للقارئ صو ار ماضية‪ ،‬من أجل تسهيل فهمه لألحداث اآلتية‪.‬‬

‫ونجد أيضا االسترجاعات‬

‫‪( -‬في محّط ة بحمدون قالت " قلبي سيفقع "‪ ...‬وأودعت فيه الرسالة األخيرة من اميرك@@ا‬
‫والرس@@الة اّل تي س@@بقتها؟"‪"،‬ك@@برت وج@@اء خلي@@ل ح @ّد اد وطلب ي@@دها‪ ،‬أخ@@ذت إلى فراش@@ه ون@@ام‬
‫عليه@@ا ثم ذهب إلى أميرك@@ا‪ .‬ك@@ان يكتب له@@ا‪ ،‬وك@@انت تط @ّر ز المنادي@@ل‪...‬لكن من@@ذ س@@نة لم‬
‫تصل من خليل رسالة)‪ ،3‬يص;;ور ال;;روائي في ه;;ذا المقط;;ع‪ ،‬حي;;اة مرت;;ا عن;;دما ك;;ان زوجه;;ا‬
‫بالقرب منها‪ ،‬وكيف تركها وهي مازالت تعيش حياتها األولى معه وتتحسر على نفس;;ها من‬
‫قّلة مراسلته لها فهي أحداث تركت في نفسية مرتا نوازع مختلفة في حياته;ا الجدي;دة من ألم‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪18-17‬‬
‫‪ -3‬الرواية‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪49‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫واشتياق لما كان من قبل‪ ،‬فالعودة بالسرد إلى الوراء‪ ،‬وبتتابعنا ألحداث الرواية يجعلن;;ا نفهم‬
‫نفسية مرتا في المستقبل‪ ،‬ونفهم الن ازع;;ات اّل تي ك;;انت تعيش;ها من قب;;ل وفي المس;تقبل اثن;;اء‬
‫رحلتها إلى اميركا‪.‬‬
‫تتم;;يز رواي;;ة اميرك;;ا بتش;;بعها بالعدي;;د من االس;;ترجاعات‪ ،‬وم;;ا اكثره;;ا في ه;;ذا النص لكنن;;ا‬
‫س ;;نحاول التط ;;رق ألهمه ;;ا‪ ،‬وال ;;تي ت ;;ركت بص ;;مة في حي ;;اة مرت ;;ا‪ ،‬والى االس ;;ترجاعات ال ;;تي‬
‫حركت مضامين النص‪ ،‬فنجد منها‪:‬‬

‫‪ ( -‬كانت عندما يأتي الى المحطة كي تزور خالها تستغرب هؤالء الناس من القطار ‪...‬‬
‫ماذا تفعل إذا حصل لها شيء‪ ،‬من يساعدها)‪.1‬‬

‫‪(-‬ش @@عرت بح @@نين ال يح @@د الى الطراح @@ة تحت الناف @@ذة ‪ ،‬في ال @@بيت حيث عاش @@ت س @@نوات‬
‫حياتها ‪.‬لم تبقى خارج ال@@بيت اك@@ثر من ش@@هور ‪ .‬ثم ج@@اء خلي@@ل أص@@لح الس@@قف وب@@نى قن@@ا‬
‫كبي ار للدجاج جنب شجرة رمان وصار البيت _حيث وضعتها امه _بيتها هي وزوجها)‪.2‬‬

‫ه;;ذه المق;;اطع هي أح;;داث ماض;;ية م;;رت على مخيل;;ة مرت;;ا اثن;;اء رحلته;;ا إلى أميرك@@ا حيث‬
‫اس ;;تذكرت حياته ;;ا الماض ;;ية في ق ;;الب من الش ;;وق والح ;;نين الى الماض ;;ي‪ ،‬فك ;;ان الب ;;د من‬
‫الروائي ذكرها‪ ،‬من أجل تصويره وتذكيرنا لحي;اة مرت;ا القديم;ة‪ ،‬فه;ذا يس;اعد في فهم التغي;ير‬
‫الذي سيحدث لمرت البطلة الروائية في قصة سردية‪.‬‬

‫ومن اإلس;;ترجاعات أيض;;ا نج;;د اإلس;;ترجاعات لشخص;;يات مبثوث;;ة في الرواي;;ة منه;;ا من‬
‫كانت تحكي عن نفسها‪:‬‬

‫‪( -‬كنت صغيرة‪ ،‬قال جوزف لمرتا‪ ،‬و "م@@ع ذل@@ك بقي@@ة احم@@ل الكش@@ة‪ ،‬وح@@دي من بيت الى‬
‫بيت حتى اعطاني السيد هرم@@ان عمال في ش@@ركته‪ :‬كنت أتكلم العربي@@ة واالنجليزي@@ة ووج@@د‬
‫ان العمال يتكلمون معي بسهولة ‪...‬هذا كان قبل سنوات)‪.3‬‬
‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪21‬‬
‫‪-‬الرواية‪ ،‬ص‪22‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرواية‪ ،‬ص‪80‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪50‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪( -‬عندما ت@@ركت الجب@@ل ك@@ان ال@@وقت خريف@@ا وثم@@ار الخرم@@ة (الك@@اكي)تنض@@ج على األش@@جار‬
‫رويدا رويدا)‪.1‬‬

‫‪( -‬زارت نيويورك في ذلك الصيف‪ .‬واستقبلها ج@@وزف اس@@طفان على الف@@داء في بيت@@ه في‬
‫ه@@ارم‪...‬ك@@انت تت@@ذكر زوجت@@ه والبنت ال@@تي رأته@@ا بمعط@@ف أحم@@ر وقبع@@ة حم @راء في "ال@@بيت‬
‫الحاجة ماري ")‪.2‬‬

‫‪( -‬ق @@ال ان @@ا ه @@نري اوزب @@ون‪ ،‬من ترنت @@ون _نيوجرس @@ي‪ ،‬التقين @@ا قب @@ل س @@نوات في القط @@ار‬
‫وتح@@دثنا كنت ذاهب@@ة الى ني@@و أورلي@@نز‪ ،‬اص@@طدم القط@@ار بأبق@@ار كس@@رت الس@@ياج الس@@كة‪،‬‬
‫توقفنا في الليل وتكلمنا‪ ،‬أال تتذكرون )‪.3‬‬

‫كانت هذه معظم اإلسترجاعات وأبرزها‪ ،‬والتي وظفها الروائي في نصه‪ ،‬فالرواية تزخ;ر‬
‫به ;;ذا العنص ;;ر الزمن ;;ة‪ ،‬ال ;;ذي إض ;;افة جمالي ;;ة تجع ;;ل من الق ;;ارئ يس ;;تمع ب ;;النص اإلب ;;داعي‬
‫فاالس;;ترجاع أص;;بح مك;;ون أساس;;ي في تش;;كيل النص األدبي‪ ،‬وه;;و يتف;;اوت من ك;;اتب الى‬
‫آلخر‪.‬‬

‫ب‪ .‬االستباقات‪:‬‬

‫االس ;;تباق عنص ;;ر من عناص ;;ر المهم ;;ة في البن ;;اء الس ;;ردي للنص األدبي‪ ،‬كون ;;ه مرتب ;;ط‬
‫ب ;;زمن ال ;;روائي‪ ،‬فه ;;و مك ;;ون جم ;;الي يخبرن ;;ا بأح ;;داث في التسلس ;;ل ال ;;روائي لم تح ;;دث بع ;;د‬
‫اإلستباق "أن يعلن السارد مسبقا عما سيحدث قبل حدوثه‪ ،‬حين يقوم االستباق ب;;القفز على‬
‫زمن القص;;ة وذك;;ر أح;;داث نف;;ترض منطقي;;ا أنه;;ا لم تق;;ع بع;;د"‪ ،4‬وق;;د زخ;;رت "اميرك;;ا" بتن;;وع‬
‫استباقي رائع (استشراق فني)‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫الرواية‪ ،‬ص‪83‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرواية‪ ،‬ص‪187‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬الرواية‪ ،‬ص‪252‬‬
‫‪- 4‬سليمة عذاوري‪ ،‬شعرية التناص في الرواية العربية‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‬
‫‪،2012‬ط‪،1‬ص‪162‬‬

‫‪51‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬
‫‪1‬‬
‫‪...( -‬بعد سنوات عرفت انه لم يكذب عليها)‬

‫‪( -‬قب@@ل ان ت@@نزل من الب@@اخرة س@@تبحث عن البح@@ار كي تش@@كره لكنه@@ا لن تع@@ثر علي@@ه بع@@د‬
‫س@@نوات طويل@@ة س@@تحكي عن@@ه ألوالده@@ا"‪" ،‬م@@رات كث@@يرة في حياته@@ا س@@يحدث له@@ا ه@@ذا"‪"،‬‬
‫ستحكي ألوالدها أيضا عن الحساء الساخن الذي شربته في تلك القاعة ‪ ...‬س@@تقول أن@@ه‬
‫‪2‬‬
‫كان اطيب حساء اكلته في حياتها)‬

‫‪( -‬بع@@د س@@نوات طويل@@ة‪ ،‬وهي تجلس بين ش@@جيران ياس@@مين فواح@@ة العط@@ر في باس@@ادينا‬
‫(كاليفورنيا)‪ ،‬ستقول الجدة مرتا)‪.3‬‬

‫‪ (-‬بعد سنوات طويلة‪ ،‬وهي تساعد حفيدها المفضل على دروسه في الجغرافيا‪ ،‬اكتشفت‬
‫سر هذا الرقم الغامض‪ :‬قطر األرض ‪.4)miles8000‬‬

‫‪( -‬التقت رجال سيلعب دو ار مهما في حياتها هذا جوزف اسطفان)‪.5‬‬


‫‪( -‬هذا المشهد المحطم نفس@@يا ق@@د يتح@@ول بم@@رور الس@@نوات الى تفص@@يل ش@@به خي@@الي في‬
‫حكاية تروى أمم موقد العشاء)‪.6‬‬

‫‪( -‬ربم@@ا بع@@د أي@@ام‪ ،‬إذا ظلت ه@@ذه الش@@مس الص@@فراء س@@اطعة‪ ،‬يتص@@اعد هن@@ا غب@@ار أحم@@ر‪.‬‬
‫أستطيع ان أرى الطريق‪ ،‬حمراء رطبة وتمتد كنهر بين حقول مخضرة)‪.7‬‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪20‬‬
‫الرواية‪ ،‬ص‪33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬الرواية‪ ،‬ص‪51‬‬
‫‪ -4‬الرواية‪ ،‬ص‪53‬‬
‫‪ -5‬الرواية‪ ،‬ص‪72‬‬
‫‪ -‬الرواية‪،‬ص‪73‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪135‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪52‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪( -‬بعد سنوات طويلة‪ ،‬محاطة باألحب@@ة في حديق@ة ال@بيت باس@@ادينا‪ ،‬ك@انت ذاك@رة العج@وز‬
‫لمارتا حداد خيالية _أو ش@به خيالي@ة _من تفاص@يل تل@ك الرحل@ة الحزين@ة الى نيواورلي@نز‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫لكن هذا محجوب في المستقبل البعيد)‬

‫‪( -‬اختفت آشا كما ظهرت‪ .‬لكن على م@ر الس@نوات االتي@ة س@تظل تظه@ر في خي@ال مرت@ا‪،‬‬
‫بيضاء وساكتة وتسير على مهل)‪.2‬‬

‫تص ;;ور لن ;;ا ه ;;ذه المق ;;اطع ق ;راءات مس ;;تقبلية أدرجه ;;ا ال ;;روائي من اج ;;ل إض ;;افة عنص ;;ر‬
‫التش;;ويق للق;;ارئ‪ ،‬ح;;تى يجع;;ل من ه;;ذه الق;راءة ق;راءة ممتع;;ة تتم;;يز بمخيل;;ة إبداعي;;ة‪ ،‬فيك;;ون‬
‫هناك تجديد من الناحية القرائية‪ ،‬فاالس;تباق أهمي;ة كب;يرة‪ ،‬كون;ه عنص;ر زم;اني وجم;الي في‬
‫الوقت نفسه‪.‬‬

‫أعطت الدراسات األدبية أهمية كبيرة للزمن الذي يتم توظي;;ف في ثناي;;ا النص ال;;روائي‬
‫من ع; ; ;;دة ن ; ; ;واحي‪ ،‬خاص; ; ;;ة الناحي; ; ;;ة السوس ; ;;يولوجيا ‪،‬وله; ; ;;ذا س ; ;;نلج الى تحلي; ; ;;ل ال; ; ;;دالالت‬
‫األي ;;ديولوجيا ال ;;تي ينتجه ;;ا ال ;;زمن في النص االدبي‪ ،‬فاألح;;داث التاريخي ;;ة له ;;ا عالق;;ة كب ;;يرة‬
‫ب;الزمن كون;ه مك;ون االس;اس له;ا‪ ،‬وس;تكون رواي;ة "اميرك;ا " هي مص;درنا في اس;تخراج ه;ذه‬
‫الدالالت‪ ،‬سواء متعلقة بالزمن التاريخي ‪ ،‬او الزمن االجتماعي‪ ،‬وهذا ما الحظنا في رواية‬
‫"اميرك ;;ا "فهي ازخ; ;رة باألح ;;داث السياس ;;ية واالجتماعي ;;ة‪ ،‬والوق ;;ائع التاريخي ;;ة‪ ،‬ك ;;ون الرواي ;;ة‬
‫تتناول حالة المهاجرين السوريين في بلد اجنبي‪ ،‬هذا األخير ال;;ذي س;;ماه الك;;اتب ب "الع;;الم‬
‫الجديد"‪.‬‬

‫ج‪ .‬داللة الزمن التاريخي في المدونة السردية‪:‬‬

‫ال يوجد نص دون أن يكون له خلفية تاريخيا يتكأ عليها‪ ،‬وكما ذهبنا في ح;;ديثنا عن‬
‫رؤي ;;ة ج@@ورج لوك@@اتش للت ;;اريخ ه ;;و إع ;;ادة س ;;رد االح ;;داث التاريخي ;;ة الكب ;;يرة ه ;;و من أج ;;ل‬
‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪137‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪275‬‬

‫‪53‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫الش;;عور اإلنس;;اني‪ ،‬حيث يعت;;بر الت;;اريخ أس;;اس ومص;;در األجي;;ال‪ ،‬وحافظ;;ة لس;;لوكه وأفك;;اره‬
‫والعالم يشهد تطورات وتغيرات على مستوى تاريخي‪ ،‬فتحدث واحداث وصراعات ق;;د تغ;;ير‬
‫الواق;;ع‪ ،‬وق;;د تبقى علي ;;ه كم ;;ا ه ;;و‪ ،‬ومن ;;ه ف;;المكون الت ;;اريخي ذا أهمي ;;ة كب ;;يرة في النص ;;وص‬
‫الروائي ;;ة‪ ،‬فه ;;و م ;;ا يمنحه ;;ا المص ;;داقية والجمالي ;;ة الفني ;;ة‪ ،‬فلك ;;ل نص مرجعي ;;ات‪ ،‬وه ;;ذا م ;;ا‬
‫ش ;;هده النص ال ;;روائي "اميرك ;;ا"‪ ،‬حيث تع ;;الج ه ;;ذه األخ ;;يرة قض ;;ايا إنس ;;انية واجتماعي ;;ة‪،‬‬
‫وسياسية وتتناول قصص شخصيات خيالية قد يكون لديها شبيهها في الواق;;ع من تص;;رفات‬
‫وأفك;;ار فحين قراءت;;ك للرواي;;ة ق;;د تش;;عر ان شخص;;ية تمثل;;ك على ارض الواق;;ع وتحم;;ل ه;;ذه‬
‫الشخص ;;يات أفك ;;ار وتص ;;ورات وقيم تمث ;;ل م ;;ا يوج ;;د في واقعن ;;ا‪ ،‬وتزخ ;;ر المدون ;;ة الس ;;ردية‬
‫بأي;;ديولوجيا متنوع;;ة ومتع;;ددة‪ ،‬ش;;ملت اح;;داث تاريخي;;ة مهم;;ة ‪ ،‬فم;;رت الرواي;;ة ع;;بر مس;;ارات‬
‫زمني;;ة س;;ردية مختلف;;ة ض;;من مس;;ار س;;ردي اب;;دع الك;;اتب في تش;;كيليه‪ ،‬ويمكن التط;;رق الى‬
‫هذه المسارات على النحو التالي‪:‬‬

‫‪.1‬المسار األول ‪:‬تمث;ل في انطالق نح;و المجه;ول للشخص;ية البطل;ة "مارت;ا ح;داد" لتنطل;ق‬
‫ع;;بر رحل;;ة طويل;;ة تتع;َّر ض أثناءه;;ا للعدي;;د من المص;;ائب واالزم;;ات فتس;;افر ب;ًرا من ب;;يروت‬
‫إلى اإلس ;;كندرية إلى مارس ;;يليا فك ;;انت ه ;;ذه بداي ;;ة الرحل ;;ة‪ (.‬نحن في خري@@ف ‪ 1913‬وهن@@ا‬
‫يتق@@رر ك@@ل ش@@يء ام@@ا دخ@@ول او الع@@ودة)‪ 1‬وك ;;انت محط ;;ة بحم ;;دون أول محط ;;ة تب ;;دأ فيه ;;ا‬
‫رحلته;;ا ال;;تي تمث;;ل له;;ا بداي;;ة جدي;;دة الى ع;;الم مجه;;ول ال تع;;رف عن;;ه ش;;يء فك;;انت الرحل;;ة‬
‫رحل; ;;ة تح ; ;ٍّد من ام ; ;رأه عربي; ;;ة ن ; ;زلت من أع; ;;الي جب; ;;ال بت; ;;اتر( في محط @@ه بحم @@دون ق @@الت‬
‫لخالها‪ ...‬انها لم تعد تقدر قالت قلبي سيفقع)‪ 2‬فك;;انت ه;;ذه بداي;;ة لرحل;;ة مارت;;ا‪ ،‬وانطالق;;ة‬
‫ألحداث الرواية‪.‬‬

‫المسار الثاني‪ :‬تمثل في الوصول الى العالم الجديد فكانت الطبع األولى‪ ،‬هي "أليس ‪2-‬‬
‫أيالند"‪ ،‬وعبورها على الحاجز االمني من أجل الفحص الطبي (طوال الوقت ظلت تدمدم‬
‫صلواتها وهي تنزل من الباخرة الى "أليس أيالند"‪ .‬المهاجرون تدافعوا على "السقالة"‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪54‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫الخشب)‪، 1‬وهنا تبدأ مغامرة "مرتا" في العالم الجديد حيث تلتقي بشخصيات تساعدها‬
‫والتي كانت سببا في الكثير من التغيرات التي طرأت في حياتها فتستمر رحلة مارتا في‬
‫هذا البلد الغريب عنها‪ ،‬والتي تأمل أن تجد فيه زوجها ظننا منها أنه سيستقبلها بصدر‬
‫رحب وبفرحه غامره ومع مرور الوقت ستاتيها صدمة كبيره بعد البحث الطويل‪ ،‬وبعد‬
‫‪.‬المصائب الكثيرة التي حصلت لها اثناء بحثها عن زوجها‬

‫‪-3‬المسار الثالث‪ :‬تمثل في نقطه التحول التي حدثت في حياه "مارتا"‪ ،‬وما حدث له;;ا من‬
‫تغي;;ير ج;;دري في حياته;;ا‪ ،‬من اول لق;;اء له;;ا بزوجه;;ا في "اميرك;;ا" وال;;ذي أح;;دث له;;ا ه;;ذا من‬
‫تحُّس رات واش ;واق وح;;نين وألم‪ ،‬اجتمعت في أن واح;;د (نظرت إليه في البدلة البيض@@اء‪ ،‬م@@ع‬
‫أنه @@ا لم ت @@ره أب @@دا في مث @@ل ه @@ذه الثي @@اب عرفت @@ه من النظ @@رة األولى كي @@ف ال تعرف @@ه؟ إذا‬
‫اغمضت عينيها ال ترى اال وجهه‪ .‬خليل زوجها كيف ال تعرفه؟ عندما رفع راس@@ه‪ ،‬عن@@دما‬
‫نظ@@ر اليه@@ا وهي ت@راه بع@@د ه@@ذه الس@@نوات الطويل@@ة‪ ...‬ك@@انت هي رأت@@ه وعرفت@@ه‪ .‬وه@@و ايض@@ا‬
‫خليل(جو) حداد‪ -‬رآها وعرفها‪ .‬لم يقف من مقعده وهي لم تترج@@ل من العرب@@ة‪ ...‬وذهبت‬
‫عائده باتجاه نيو اور لينز)‪ ، 2‬هن;;ا ب;;دأت رحل;;ة التح;;ول بالنس;;بة لحي;;اة مارت;;ا ولكن ه;;ذا لم‬
‫يجعله;;ا منكس ;رة‪ ،‬ب;;ل جعلت;;ه مص;;در قوته;;ا لتنهض من جدي;;د وتب;;ني حي;;اة جدي;;دة وه;;ذا م;;ا‬
‫فعلته وقد سرد لنا تفاصيل هذا التحول الذي ط; ار في حي;اة البطل;ة بطريق;ة مش;وقة وممتع;ة‪،‬‬
‫ام ;;تزج س ;;رده بين الح ;;ديث عنه ;;ا‪ ،‬وبين الح ;;ديث عن أح ;;داث تاريخي ;;ة ال ;;تي وقعت آن ;;ذاك‪.‬‬
‫معان; ; ;;اة مارت; ; ;;ا ومعان; ; ;;اة المه; ; ;;اجرين الس; ; ;;وريين‪ ،‬أثن; ; ;;اء الح ; ; ;ربين الع; ; ;;الميتين‪ .‬ف; ; ;;امتزجت‬
‫االي;ديولوجيات والوق;ائع التاريخي;ة في ق;الب ف;ني يح;اكي حال;ه ال;زمن آن;ذاك‪ ،‬وم;ا ح;دث من‬
‫تغيرات سياسية فامتأل النص بالعديد من االحداث التي غيرت مجرى البشرية مثل الح;ربين‬
‫الع;;الميتين ووب;;اء االنفل;;ون از اإلس;;بانية‪ ،‬والكس;;اد االقتص;;ادي‪ ،‬وغيره;;ا من األح;;داث سياس;;ية‬
‫واجتماعية التي حدثت آنذاك‪.‬‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪135-134‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪55‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪-4‬المس@@ار الراب@@ع‪ :‬تمث ;;ل في االس ;;تقرار ال ;;ذي ش ;;هدته البطل ;;ة كونه ;;ا ش ;;كلت ث ;;روة له ;;ا في‬
‫"اميركا" (كاليفورنيا)‪ ،‬فكانت هذه نهاية قصتها‪ .‬حين وصولها للثمانين من العم;;ر وهي بين‬
‫أوالده;;ا وأحفاده;;ا‪ ،‬وبع;;د مروره;;ا بالعدي;;د من المص;;ائب والمش;;اكل (في صيف ‪ ،1973‬بعد‬
‫ستين عام@@ا على نزوله@@ا في "أليس أيالن@@د" حامل@ة كيس الجنفيص ال@ذي يح@وي حياته@@ا‪،‬‬
‫أثمرت األشجار التي زرعتها في باسادينا‪ ،‬تفاح@ا‪...‬أح@د أحفاده@@ا اق@ترح زراع@ة ص@@ف من‬
‫أشجار األرز األحمر ‪(،1)Red‬كانت في الثمانين‪ ،‬أو تدنو منها‪.2)...‬‬

‫رس;;م لن ;;ا "ربي ;;ع ج;;ابر" م ;;دارات زمني ;;ة مختلف ;;ة‪ ،‬فك ;;انت رواي ;;ة ملحمي ;;ة طويل ;;ة‪ ،‬تكس;;وها‬
‫جمالي;;ات فني;;ة س;;ردية اس;;تطاع فيه;;ا الك;;اتب ان يخل;;ق من الت;;اريخ أس;;طورة ام;رأة إن‪ -‬ص;;ح‬
‫التعب;;ير‪ -‬عاش;;ت مغ;;امرات وأح;;داث مليئ;;ة ب;;األحزان‪ ،‬واالف;راح والش;;وق والح;;نين الى ال;;وطن‬
‫اميرك; ;;ا المالذ االخ; ;;ير ال; ;;ذي لج; ;;ات الي; ;;ه ولج; ;;ا المغ; ;;تربون الي; ;;ه من اج; ;;ل عيش ك ; ;ريم لهم‬
‫وألهاليهم في الوطن األصل‪.‬‬

‫ب‪-‬المكان‪:‬‬

‫تع ;;دد د ارس ;;ة المك ;;ان من أب ;;رز الد ارس ;;ات النقدي ;;ة في الس ;;احة األدبي ;;ة‪ .‬لك ;;ون عنص ;;ر‬
‫المكان هو العمود الفقري الذي يربط أج;زاء النص بعض;;ها ببعض‪ ،‬فه;;و مك;;ون مح;وري في‬
‫تشكيل البنية الروائية‪ ،‬لكونه جمالية من جماليات النص الروائي وهو بمثابة خشبة المس;;رح‬
‫ال ;;تي تتح ;;رك عليه ;;ا الشخص ;;يات‪ ،‬فمن خالل المك ;;ان يعطي ال ;;وطن والتواج ;;د للشخص ;;يات‬
‫فيكون بذلك مكونا قصصيا جوهريا وعنص ار متحكما في الوظيف;ة الحكائي;ة والرمزي;ة الس;يما‬
‫تلك الروايات التي تتداخل وتتن;وع به;ا األمكن;ة‪ ،‬كم;ا ه;و الح;ال في الرواي;ة ال;تي بين أي;ديها‬
‫والتي زاوج "ربيع جابر" تب;ادل األم;اكن وتبادله;ا في قص;ة الهج;رة و االغ;تراب‪ ،‬حيث ص;ال‬
‫وج;ال ال;روائي من بل;د لبل;د‪ ،‬من ق;ارة الى ق;ارة كأن;ه دلي;ل س;ياحي للق;ارئ‪ ،‬ولق;د ذك;ر للق;ارئ‬
‫االم ;;اكن بالتفاص ;;يل الدقيق ;;ة‪ ،‬من خالل عن ;;اوين تفص ;;يلية دقيق ;;ة اس ;;م الش ;;ارع‪ ،‬البل ;;دة‪ ،‬رقم‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪426‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪429‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪56‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫ال;;بيت‪ ،‬الوالي;;ة الق;;ارة‪ ،‬اب;;دع حق;;ا "ربي;;ع ج;;ابر" ال س;;يما في ذك;ره للوالي;;ات األمريكي;;ة الواح;;دة‬
‫تل ;;و االخ ;;رى‪ ،‬حيث اخت ;;ار مارت ;;ا بطل ;;ة لمغامرت ;;ه‪ ،‬ام ;رأة عربي ;;ة بس ;;يطة تس ;;افر باحث ;;ة عن‬
‫الحب الى ع ;;الم جدي ;;د ع ;;الم م ;;ا وراء البح ;;ار‪ ،‬تنقلت من مك ;;ان هويته ;;ا ب "بت ;;اتر" س ;;ورية‬
‫الوطن العربي‪ ،‬هذا المكان ال;ذي س;يرافقها في رحلته;ا في ش;كل ح;نين وش;وق‪ ،‬بين مش;اعر‬
‫مختلط ; ; ;;ة‪ ،‬ت ; ; ;;رك ال ; ; ;;وطن المك ; ; ;;ان ال ; ; ;;ذي يحم ; ; ;;ل الهوي ; ; ;;ة والتغ ; ; ;;رب في أمكن ; ; ;;ة معَّج ج ; ; ;;ة‬
‫باإلي ;;ديولوجيات المختلف ;;ة والتقالي ;;د المخالف ;;ة لتقالي ;;دها‪ ،‬أم ;;اكن فيه ;;ا االغ ;;تراب ‪ ،‬البع ;;د عن‬
‫الوطن‪ ،‬والتشرد‪ -‬إن صح القول‪ -‬في مك;;ان جدي;;د‪ ،‬حيث تنتق;;ل الرواي;;ة مكاني;;ا في أمريك;;ا‪،‬‬
‫أي األمريكيتين الشمالية والجنوبية‪ ،‬مرو ار قبل ذلك بكل من ب;;يروت واإلس;;كندرية ثم فرنس;;ا‪،‬‬
‫كأنها رحلة سياحية جال من خاللها الروائي في أوروب;;ا‪ -‬لكنه;;ا ليس;;ت ك;;ذلك‪ -‬فرحل;;ة مارت;;ا‬
‫أجبرتها على التواجد في أك;ثر من مك;ان ح;تى أص;بح المك;ان بط;ول الم;دة ال;تي مكثت في;ه‬
‫ه;;و مك;;ان الهوي;;ة بع;;د أن ك;;ان االغ;;تراب‪ ،‬فاص;;بح مك;;ان اقام;;ة بع;;د أن ك;;ان مك;;ان ش;;تات‪،‬‬
‫وهذا ما سنراه من خالل صفحات الرواية‪ ،‬ومن هذه األمكنة نجد ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ .‬المكان األصلي‬

‫‪(.1‬سوريا)‪:‬‬

‫ُيع ;ُّد المك;;ان األص;;لي في الع;;الم القصص;;ي وال;;روائي‪ .‬مك;;ان المنش;;أ ال;;ذي ينتمي إلي;;ه‬
‫الشخص‪ :‬مولده نشأته‪ ،‬طفولت;;ه‪ ،‬ذكريات;;ه‪ ،‬وفي س;وريا ك;;انت بل;;ده بت;;اتر هي المك;;ان الهوي;;ة‬
‫للبطل ;;ة مرت ;;ا‪ ،‬وال ;;ذي ظلت تت ;;ذكره ط; ;وال رحلته ;;ا البعي ;;دة‪ ،‬ب"بت ;;اتر" قري ;;ة في جب ;;ل لبن ;;ان‬
‫( سورية‪ .‬انا من قرية بتاتر في جبل لبنان‪ ،‬بتاتر قريبه من العالية بحمدون)‪.1‬‬

‫ك;;انت االنطالق;;ة من بت;;اتر مك;;ان الهوي;;ة‪ ،‬لتتوج;;ه ابن;;ه بت;;اتر إلى المين;;اء لتمض;;ي في‬
‫رحل; ; ;;ة مجهول; ; ;;ة من مدين; ; ;;ة الى مدين; ; ;;ة‪ ،‬من ب; ; ;;يروت إلى اإلس; ; ;;كندرية‪ (:‬من ب@ @@يروت الى‬
‫اإلس @@كندرية ت @@وقفت الب @@اخرة في ثالث محط @@ات‪ ،‬حيف @@ا ثم ياف @@ا ثم ب @@ور س @@عيد‪ ،2)...‬من‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪22‬‬

‫‪57‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫اإلس;كندرية الى "أليس ايالن;د"‪ ،‬وهن;ا الص;راط المس;تقيم من مارس;يليا الى ارض االحالم الى‬
‫‪1‬‬
‫العالم جديد" أميركا"‪( .‬نزلت في فندق يملكه بيروتي جبلي)‬

‫ت ;وِّد ع بطلتن;;ا اوروب;;ا وت;;ركب أك;;بر ب;;اخرة في الع;;الم‪:‬‬ ‫من هن;;ا من اله@@افر‪la Havre‬‬
‫( ق@@ال إَّن الرحل@@ة ع@@بر األتالنت@@ك تس@@تغرق تس@@عه اي@@ام‪ ،2)...‬رحالت بطلتن ;;ا الى المك ;;ان‬
‫المقصود" العالم الجديد"‬

‫‪-‬المكان الموازي‪ :‬أميركا‪:‬‬

‫لقد اعتبرن;ا مك;ان الهوَّي ة في الس;ابق ه;و المك;ان ال;ذي يول;د وينش;ا في;ه الش;خص ح;تى‬
‫ل ; ;;و لم يكن ينتمي ل ; ;;ذلك المك ; ;;ان‪ ،‬ومن خالل ه ; ;;ذا أراد ال ; ;;روائي ان ي ; ;;بين لن ; ;;ا أن أميرك ; ;;ا‬
‫أص ;;بحت م ;;وطن لمارت ;;ا‪ ،‬فتش ;;بعت باإليديولوجي ;;ة المك ;;ان و تقالي ;;ده‪ ،‬حيث ذابت في ;;ه بك ;;ل‬
‫تفاص;;يله فأص;;بحت أمريكي;;ة التفك;;ير‪ ،‬ب;;ه ت;;زوجت وك;;ونت عائل;;ة( ك@@ان بيت@@ا خش@@بيا مربع@@ا‬
‫يتوسط بساتين البرتقال‪ ،‬انتقلت العائلة نهائيا الى هن@@ا اثن@@اء ربي@@ع ‪ )1931‬فالمك;;ان هن;;ا‬
‫اضفى عليه الكاتب سمات الهوية‪ ،‬ومن هنا نقول الفترة والم;دة ال;تي عاش;تها مارت;ا في ه;ذا‬
‫المكان الغريب عنها‪ ،‬يعتبر هذا المكان االن هو مكان الهوية بالنسبة للبطلة‪.‬‬

‫وهنا ننتقل من مكان الهوية الى مكان االيديولوجيا إنه" العالم الجديد"‬

‫ثانيا‪ .‬المكان االيديولوجي‪:‬‬

‫ع;;رف اب ;راهيم خلي;;ل على أن;;ه" المك;;ان ال;;ذي يحق;;ق المش;;هد أو االط;;ار ال;;ذي الب;;د من;;ه‬
‫إلض;;فاء الواق;;ع الحس;;ي على الح;وادث إلى اعتب;;ار أخ;;ر‪ ،‬وظيف;;ة اإليديولوجي;;ة‪ ،‬ويك;;ون ذل;;ك‬
‫باتج;;اه المك;;ان وس;;يلة تعب;;ير أو تش;;خيص للواق;;ع االجتم;;اعي‪ ،‬والطبقي للش;;خوص"‪ ،3‬فمن‬
‫خالل رواي; ;;ة أميرك; ;;ا ن; ;;رى أن ال; ;;روائي ربي; ;;ع ج; ;;ابر جع; ;;ل البطل; ;;ة تس; ;;افر من "بت; ;;اتر" الى‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪23‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪29‬‬
‫‪- 3‬إبراهيم خليل ‪ ،‬بنية النص الروائي ‪ ،‬دار العربية للعلوم ناشرون ‪ ،‬منشورات االختالف ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪141‬‬

‫‪58‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫"اميرك;;ا"‪ ،‬مك;;انين مختلفين ذا أبع;;اد إيديولوجي;;ة مختلف;;ة‪ ،‬لكن;;ه اس;;تطاع أن يجع;;ل في نهاي;;ة‬
‫الرواي;ة" أميرك;ا" هي المك;ان االي;ديولوجي‪ ،‬ومك;ان الهوي;ة لمارت;ا‪ ،‬ب;الرغم من أن;ه احتف;ظ في‬
‫نهاية الرواية ببعض مالمح الهوية األولى كنقط;;ه انطالق أولى فق;;ط‪ ،‬ومن;;ه فأميرك;;ا و بك;;ل‬
‫ما تحمله من إيديولوجيا مختلفة عن "مرت;;ا" اس;تطاعت البطل;;ة أن تجع;;ل منه;;ا مكان;ًا يص;;لح‬
‫للعيش‪ ،‬مك ;;ان غرب ;;ة مك ;;ان هج; ;رة الى مك ;;ان اس ;;تقرار‪ ،‬دون أن ننس ;;ى م ;;ا عانت ;;ه قب ;;ل أن‬
‫تستقَّر ‪.‬‬

‫(شرح لها أن المدن في أميركا‪ ،‬مقسمة إلى مدن بدورها مدينة داخ@@ل مدين@@ة وك@@ل مدين@@ة‬
‫تتألف من خمسة شوارع وأحيانا أكثر‪ ،‬ولكل شارع رقم‪ ،‬والبيوت كلها مرقم@@ة)‪ ،1‬هن;;ا ن;;رى‬
‫أن ربي;;ع ج;;ابر ب;;دأ يع;;رف بطلتن;;ا مارت;;ا ش;;يئا فش;;يئا عن عالمه;;ا الجدي;;د (ك@انت خارج@ه من‬
‫الب@@اب الكب@@ير إلى الع@@الم الجدي@@د ال@@ذي ينتظره@@ا)‪2‬حيث فض ;;ل ربي ;;ع ج ;;ابر أن يطل ;;ق على‬
‫أمريكا العالم الجديد ألنه سيمنح مرتا حياة جديدة من هذا العالم الجدي;;د وس;تكون انطالقته;;ا‬
‫للحياة الجديدة ومصير آخر‪.‬‬
‫ليعرفن ;;ا بع ;;د ذل ;;ك ب ;;الحي الس;;وري نيوي ;;ورك (ك@@ل نس@@اء الحي الس@@وري م@@اذا يفعلن ه@@ذا‬
‫هنا‪ ...‬ومع ذلك لم تخرج مرتا من الدوام@@ة اال بع@@د قب@@ل وعناق@@ات ش@@ريعة وغامض@@ة‪ .‬لك@@ل‬
‫ام@@رأة ثالث @@ة قب @@ل‪ .‬على ع @@ادة اه @@ل البالد)‪ ،3‬في أميرك; ;;ا يوج; ;;د حي في; ;;ه ن; ;;وع من الهوي; ;;ة‬
‫الس ;;ورية والعربي ;;ة تع ;;ارف وج ;;يرة وتع ;;اون‪ ،‬تع ;;رفت من خالل ;;ه إلى أم ;;اكن متنوع ;;ة إلى أن‬
‫استقرت قليال من بيت الحاجة ماري (بيت الحاجة ماري غير بعيد من ضفة النهر)‪.4‬‬
‫ليطغى مك ;;ان المتج ;;ر على حي ;;اة "مرت ;;ا"‪ ،‬ففي ;;ه ع ;;رفت االس ;;تقراءات‪ ،‬وبنت في ;;ه حياته ;;ا‬
‫ومن;;ه ك;;انت بداي;;ة حياته;;ا العملي;;ة في الع;;الم الجدي;;د (المتجر أعطاها ق@وة‪ .‬ال@بيع والش@راء‪.‬‬
‫وراء المنضدة وتامل الزبائن داخلين خارجين)‪.5‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪36‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪43‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪81‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪84‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الرواية‪ ،‬ص‪188‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪59‬‬
‫تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫أميركا‬

‫‪60‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫‪:‬الفصل الثالث‬

‫األنساق األيديولوجية المضمرة في الرواية‬

‫‪-1‬المبحث األول‪ :‬النسق التاريخي والسياسي‪.‬‬


‫‪-2‬المبحث الثاني‪ :‬النسق المجتمع والثقافة‪.‬‬
‫‪-3‬المبحث الثالث‪ :‬النسق الديني‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫‪:‬النسق التاريخي والسياسي‪1-‬‬

‫لطالم;;ا ك;;ان الت;;اريخ م;;ادة الخص;;بة ال;;تي تَّفنن الك;;اتب والروائي;;ون في نس;;ج حك;;ايتهم من‬
‫خالل;;ه‪ ،‬فالت;;اريخ ه;;و الحي;;اة‪ ،‬ومن ال ت;;اريخ ل;;ه ال مس;;تقبل ل;;ه‪ ،‬فمن التص;;ور الت;;اريخي يب;;ني‬
‫أفكاره وقصصه وحكاياته‪ ،‬فالتاريخ هو الواقع‪ ،‬والرواي;;ة ال;;تي بين أي;;دينا هي ولي;;دة حقب;;ة زمني;;ة‬
‫تفنن "ربيع جابر" في بناء شخصيات "أميركا" من خاللها‪.‬‬
‫شكل الروائي روايته ضمن إطار زمني طويل المدى أكثر من عقديين من الزمن فيه‬
‫التسلسل من الحرب العالمية األولى إلى الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ليتناول مأساة الحرب من‬
‫جهة‪ ،‬وقضية الهجرة نحو الشمال من جهة أخرى‪.‬‬

‫انطلقت أح;داث رواي;ة "أميرك;ا" من المطل;ع الق;رن العش;رين إلى منتص;فه تقريب;ا‪ ،‬تن;اول فيه;ا‬
‫"ربيع جابر" رحلة الهجرة اللبنانية إلى أميركا‪ ،‬ليشخص لنا تاريخ تل;;ك الف;;ترة في تجرب;;ة فردي;;ة‪،‬‬
‫تمثلت في شخصية "مارت;ا ح;داد"‪ ،‬ال;تي تس;ير على خ;ط مس;تقيم محاذي;ة للوق;ائع التاريخي;ة في‬
‫تل ;;ك الحقب ;;ة الزمني ;;ة‪ ،‬فب ;;دأت من أزمن ;;ة تاريخي ;;ة ع ;;رفت في جب ;;ل لبن ;;ان وهي س ;;وء األوض ;;اع‬
‫االجتماعية ال;تي دفعت بالس;كان إلى الهج;رة‪ ،‬وكمختلف;ات لتل;ك األوض;اع تس;افر "مارت;ا ح;داد"‬
‫نحو المجهول باحثة عن زوجها في العالم الجديد "أميركا‪".‬‬

‫ه ;;ذا الع ;;الم الجدي ;;د ال ;;ذي ب ;;دأ يرس ;;م تاريخ ;;ه بي ;;ده‪ ،‬حيث ظه ;;ر كط ;;رف فع ;;ال في الح ;;رب‬
‫العالمية األولى نظ ار لتدخالته في الدول الضعيفة‪ ،‬وال;;تي أص;;بحت ملج;أ للمه;;اجرين باعتباره;;ا‬
‫منطق ;;ة آمن ;;ة بعي ;;دة عن حلب ;;ة الص; ;راع‪ ،‬وكم ;;ا يق ;;ول ج ;;ورج لوك ;;اتش "أن م ;;ا يهم في الرواي ;;ة‬
‫التاريخية ليس إعادة سرد األحداث التاريخية الكبيرة‪ ،‬بل اإليقاظ الشعوري للناس ال;;ذين ي;;برزوا‬
‫في تلك األحداث‪ ،‬وم;ا يهم ه;و أن نعيش م;رة أخ;رى ال;دوافع االجتماعي;ة واإلنس;انية ال;تي أدت‬
‫‪1‬‬
‫بهم أن يفكروا ويشعروا‪ ،‬ويتصرفوا كما فعلوا في الواقع التاريخي‪".‬‬

‫‪-1‬جورج لوكاتش‪ ،‬الرواية التاريخية‪،‬ص‪46‬‬

‫‪62‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫انطالق;;ا من مقول;;ة ج;;ورج لوك;;اتش نس;;تطيع الق;;ول أن ال;;روائي ق;;ام بالفع;;ل بتن;;اول الحادث;;ة‬
‫التاريخي;;ة ليس كالت;;اريخ البحث فق;;ط‪ ،‬ال ب;;ل لُيع;;ايش تل;;ك الف;;ترة من البداي;;ة إلى النهاي;;ة خالل‬
‫مدة زمنية متسلسلة‪ ،‬فمن الهجرة التي كانت مربط الفرس إلى االغ;تراب والتش;ُّتت م;ع الح;رب‪،‬‬
‫من خالل شخصيه مرتا وأصدقائها وتداعيات الحرب العالميتين األولى والثاني;ة ومقت;ل زوجه;ا‬
‫الس;ابق ج;و ح;داد في الح;رب‪ ،‬حيث أص;بح ه;ذا الخ;بر ذا إي;ديولوجيا أمريكي;ة باعتب;اره مواطًن ا‬
‫أمريكي;;ا ب;;التجنس‪ ،‬إلى الوص;;ول إلى شخص;;ية "م;;روان" ال;;ذي وَّظف;;ه "ربيع جابر" بطريق;;ة غ;;ير‬
‫مباشرة كشاهد الحرب حيث وصف لنا احوال الحرب العالمية االولى وامتداده للحرب العالمي;;ة‬
‫الثانية هذا كله من جهة‪ ،‬ومن جهة اخرى حم;ل لن;ا ط;ابع الواقعي;ة‪ ،‬ال;تي تمث;ل القلب الن;ابض‬
‫في التاريخ‪.‬‬

‫سافرت مرتا حداد باحثه عن المجه;ول في نقط;ة مهم;ه من الت;اريخ‪ ،‬وس;فرها ه;ذا ك;ان في‬
‫ف;;تره معين;;ه قب;;ل الح;;رب العالمي;;ة االولى لتع;;ايش مرت;;ا بع;;د ذل;;ك زمن;;ا مفعم;;ا باألح;;داث وكأنه;;ا‬
‫س;;تبدأ في كتاب;;ه تاريخه;;ا الخ;;اص‪ ،‬ت;;اريخ م;وازي للت;;اريخ الع;;المي في تل;;ك اآلون;;ة‪ ،‬م;;اذا تق;;اطع‬
‫البعض التغ;;يرات الحياتي;;ة لمرت;;ا م;;ع الت;;اريخ ال;واقي في الع;;الم الجدي;;د‪ ،‬عربي;;ه ج;;ابر أن يس;;ميه‬
‫اميركا‪.‬‬

‫‪ 1913‬بداي;;ة البداي;;ة‪ ،‬من الت;;اريخ تب;;نى الحق;;ائق‪ ،‬فت;;اريخ يس;;ير في تق;;دم حتمي‪ ،‬فمن الرواي;;ة‬
‫تب;;دا االنطالق;;ة إم;;ا ال;;دخول إو م;;ا الع;;ودة‪ ،‬هن;;ا يب;;دا التفاع;;ل االي;;ديولوجي‪ ،‬وه;;و التع;;رف على‬
‫العالم‪ -‬بدأت رحلتك يا مارت;ا‪ -‬من هن;ا حم;ل ربي;ع ج;ابر فرش;اته وب;دا في رس;م الت;اريخ روايت;ه‬
‫متك;;ًأ على الت;;اريخ والواق;;ع‪ ،‬حيث تفنن في تل;;وين روايت;;ه ب;;الوان من نس;;ق خيال;;ه(من هنا تدخل‬
‫أمواج المهاجرين إلى أمريكا‪ ،‬نحن في خري@@ف ‪ ،1913‬وهن@@ا يتق@@رر ك@@ل ش@@يء إم@@ا ال@@دخول‬
‫‪1‬‬
‫إو ما العودة)‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪13‬‬

‫‪63‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫بدأت مارتا رحلتها في صدمتها مع الواقع الُم ر‪ ،‬من خيان;ة زوجه;ا له;ا‪ ،‬الخيان;ة ال;تي ألغت‬
‫وجودها‪ ،‬وألغت تاريخها‪ ،‬من نقطة االنكسار التي عاشتها عن;د وص;ولها إلى غايته;ا المنش;ودة‬
‫برؤيه زوجها‪ ،‬من هنا بدأت حياة مارتا الجديدة مارتا الكشاشة( في األسبوع األّو ل من كانون‬
‫االول(ديسمبر) ‪ ،1)1914‬بدأت حياة جديدة ودعت الطريق واستقبلت االستقرار ه;ذا تاريخه;ا‬
‫هي‪ ،‬أم ;;ا الت ;;اريخ الع ;;الم في تل ;;ك الف ;;ترة فك ;;ان ت ;;اريخ ص; ;راعات وح ;;روب‪ ،‬حيث( ك@@ان الع@@الم‬
‫يتحرك على محور يهتز وهي تتحرك على محور يخصها‪...‬سمعت ش@@يئا عن ح@@رب ألماني@@ة‬
‫وفرنس@@ا)‪ ،2‬س ;;معت "مارت@@ا" عن الح ;;رب‪ ،‬ال ت ;;دري ه ;;ل هي حقيق ;;ه؟ أم يتح ;;دثون عن الت ;;اريخ‪،‬‬
‫لترمي بها االقدار في تفاصيل هذه الحرب لتفقد فيها أغلى ما ملكت في حياتها لتتعرف أك;;ثر‬
‫فأكثر على شعوب مقه;;ورة في ظ;;ل اقط;;ار المعم;;ورة‪ ،‬وذل;;ك من خالل تعامله;;ا م;;ع الكشاش;ين‪،‬‬
‫فتتعرف على الحرب وويالت الحرب‪.‬‬

‫يم ;;وت زوجه ;;ا الس ;;ابق خلي ;;ل ح ;;داد اله ;;دف ال ;;ذي غ ;;يرت ألجل ;;ه حياته ;;ا (في ذل@@ك الي@@وم‬
‫الخريفي ‪ 28‬ايلول‪ /‬س@بتمبر ‪ 1918‬خلي@ل ح@داد يلف@ظ ال@روح في المستش@فى ك@ان من قب@ل‬
‫دي@را)‪ ،3‬لق;;د أخ;;ذت الح;;رب من مارت@@ا أع;;ز م;;ا تمل;;ك‪ ،‬لكنه;;ا لم تأخ;;ذ طموحه;;ا واس;;تمرارها في‬
‫الحي; ;;اة‪ ،‬حيث أنه; ;;ا تخلت في أواخ ;;ر ص; ;;يف ‪ 1919‬عن لبس األس ;;ود‪ ،‬لكنه; ;;ا لم ت; ;;نزع خ ;;اتم‬
‫ال ;;زواج من ي ;;دها‪ ،‬فك ;;انت ه ;;ذه بعض مالمح الح ;;رب ال ;;تي تق ;;اطعت م ;;ع حي ;;اة مارت@@ا في تل ;;ك‬
‫اآلون;;ة لتع;;ود لحياته;;ا من جدي;;د‪ ،‬فهي أكملت حياته;;ا‪ ،‬وع;;ادت لطبيعته;;ا العادي;;ة ك;;أي ش;;خص‬
‫في هذا العالم‪.‬‬

‫سيتس ;;لل الت ;;اريخ والتوجه ;;ات السياس ;;ية ش ;;يئا فش ;;يئا إلى حي ;;اة "مارت@@ا"‪ ،‬لتنص ;;دم بسياس ;;ة‬
‫الحرب التجويعَّية‪ ،‬هذه األخيرة التي دم;;رت عالمه;;ا األَّو ل(س;وريا ولبن;;ان)‪ ،‬سياس;ات اس;تعمارَّية‬
‫وص ;;لت مخلفاته ;;ا من أع ;;الي جب ;;ال بت ;;اتر إلى أميرك ;;ا‪ ،‬فالكَّش اش ;;ون هرب; ;وا من الح ;;رب وس ;;وء‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪183‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪184‬‬
‫‪ -3‬الرواية‪ ،‬ص‪301‬‬

‫‪64‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫السلطة‪ ،‬فبدأت حياتهم تتق;;اطع م;;ع حي;;اة "مارتا" ه;;ذه األخ;;يرة أص;;بحت مس;;اعدة بع;;د م;;ا ك;;انت‬
‫تحتاج إلى المساعدة ( مازلنا في ‪ ،1915‬نهاية الحرب الكبرى وخالل األعوام التي أعقبت‬
‫تج@@دد الهج@@رة من س@@وريا إلى أميرك@@ا م@@ع فتح البح@@ار والمحي@@ط‪ ،‬س@@تغدو مارت@@ا أهم "ممول@@ة"‬
‫أله@@ل الكش@@ة)‪ ،‬ن;;رى أن شخص;;ية البطل;;ة ب;;دأت تحت;;ك بض;;حايا الح;;رب‪ ،‬وأهمه;;ا ابن ش ;ريكها‬
‫"جوزيف اسطفان" الذي شارك في الحرب‪ ،‬وت;;رك خلف;;ه عائلت;;ه تتخَّب ط في ص;راع الخ;;وف(أخذ‬
‫مارون في تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 1917‬إلى معسكر الت@@دريب في ن@@ورث كارولين@@ا‪ ...‬ه@@ا أن@@ا‬
‫جندي في الجيش اآلن‪ ،‬أقعد في خيمة صغيرة الحجم أكتب لك من مدينه الجيش‪ .‬في ه@@ذه‬
‫أثناء انشغل بال العائلة عليه)‪.1‬‬

‫من هن;;ا ب;;دأت مارت;;ا تتع;;رف على الح;;رب وت;;داعياتها‪ ،‬قف;;د أراد الك;;اتب أن ي;;برز لن;;ا من‬
‫خالل س; ;;رده لألح; ;;داث التاريخي; ;;ة والسياس; ;;ية‪ ،‬أن يتط; ;;رق إلى خباي; ;;ا وخفاي; ;;ا الح; ;;روب ال; ;;تي‬
‫اجت ;;احت الع ;;الم‪ ،‬وخاص ;;ة خالل الح ;ربين الع ;;الميتين األولى والثاني ;;ة‪ ،‬وم ;;ا آل إلي ;;ه الع ;;الم من‬
‫تغ ;;يرات على ع ;َّد ة مس ;;تويات(اجتماعي ;;ه ثقافَّي ة‪ ،‬دينَّي ة أخالقَّي ة وفكرَّي ة‪...‬إلخ)‪ ،‬م ;;ا أدى به ;;ذه‬
‫التغي;;يرات إلى تع;;دد اإلي;;ديولوجيات في ه;;ذا الع;;الم‪ ،‬م;;ا ش;;كل ص ;راعات داخلي;;ة وه;;ذا أدى إلى‬
‫ظه;;ور م;;ا يس;;مى بالطبقَّي ة والتمي;;يز العنص;;ري‪ ،‬وه;;ذا كل;;ه أدرج;;ه ربي@@ع ج@@ابر في روايت;;ه على‬
‫ش;;كل س;;ردي يح;;اكي الواق;;ع بطريق;;ة فني;;ة تخيلي;;ة رائع;;ة‪ ،‬تسلس;;ل األح;;داث والطريق;;ة المم;;يزة في‬
‫استخدام التقنيات السردية في سرد هذه األحداث‪.‬‬
‫‪- 2‬النسق المجتمع والثقافة‪:‬‬
‫هو نس;ق يرتك;ز على القيم والمعتق;دات ال;تي تحمله;ا طبق;ة أو جماع;ة م;ا ض;من مجتم;ع‬
‫م; ;;ا‪ ،‬ورواي; ;;ة "أميرك; ;;ا" مثلت ه; ;;ذه الطبق; ;;ات (البرجوازي; ;;ة‪ ،‬والبروليتارَّي ة)‪ ،‬فالبرجوازي; ;;ة مَّثلته; ;;ا‬
‫شخصيات الفئة الغنَّي ة صاحبة النفوذ والسلطة‪ ،‬ونجد منها في الرواية (الس;;يد هرم;;ان والحاج;;ة‬
‫ماري)‪ ،‬وغيرها من الشخصيات ذات المكانة الرفيعة في المجتمع البرجوازي والتي ت;وفر عمًال‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪256-255‬‬

‫‪65‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫للطبق ;;ة ال ;;دنيا من المجتم ;;ع‪ ،‬هي الطبق ;;ة البروليتارَّي ة‪ ،‬ه ;;ذه األخ ;;يرة ال ;;تي مثله ;;ا المه ;;اجرون‬
‫الس;;وريون‪ ،‬ال;;ذين ع;;انوا األم;رين في أميرك;;ا (الع;;الم الجدي;;د)‪ ،‬فق;;د ُح ظيت ه;;ذه الطبق;;ة باهتم;;ام‬
‫الك;;اتب له;;ا‪ ،‬من خالل س;;رده ووص;;فه له;;ذه الفئ;;ة‪ ،‬وق;;د ك;;انت العنص ;رية س;;ائدة في تل;;ك الف;;ترة‬
‫(خالل الحربين العالميتين)‪ ،‬وقد أوضح ذلك في عدة مواضع من الرواية‪ ،‬حيث أبدع ال;;روائي‬
‫"ربيع جابر" في وص;;ف معان;;اة ه;ذه الطبق;;ة الكادح;ة‪ ،‬وال;;تي تع;;اني من الج;وع والتش;رد والفق;;ر‪،‬‬
‫ومثلتها شخصية مرت;;ا ح;داد من خالل معاناته;;ا‪ ،‬وِّش دة اآلمه;;ا من بداي;;ة وص;;ولها إلى أميرك;;ا‪،‬‬
‫والمه;;اجرون الس;;وريون وع;;ذابهم في بالد الغرب;;ة (المه@@اجرون الس@@وريون ذاب @وا في بح@@ر من‬
‫مهاجري أوروبا‪ ،‬فجأة اختفوا ورجعت وحدها أعداد البشر مفزعة من أين ي@@أتي ه@ؤالء كلهم‬
‫دفعها المناكب وأوشكت أن تقع هي وكيسها تمسكت باألجسام بالحبال بالهواء‪ ،‬ح@@تى بلغت‬
‫ظهر الباخرة‪ ..‬وزاد ضيقها األعداد المتدافعة الكل يتدافع ويصيح ويشتم وه@@و يش@@ق طريق@@ه‬
‫وي @@نزل الس @@اللم إلى بطن الس @@فينة‪ ...‬الض @@ربة على ظهره @@ا (حقيب @@ة خش @@ب أم ص @@ندوق)‬
‫أخ@@رجت األنف@@اس من ص@@درها‪ .‬داس@@ت أق@@دام على مداس@@ها وخ@@افت أن تفق@@ده‪ ،‬أن يقلت من‬
‫ق@@دمها ويض@@يع‪ ،‬ح@@اولت تتمه@@ل‪ ...‬كلم@@ا بلغت طبق@@ة وح@@اولت العث@@ور على س@@رير وج@@دت‬
‫المك@@ان ممل@@وءا ن@@اس ف@@وق ن@@اس‪ .‬ال@@رعب ه @ّد ها‪ .‬تخ@@اف أن تختن@@ق‪...‬في مك@@ان عمي@@ق من‬
‫رأسها كانت تحصي الطبقات ‪ ...‬طوال أيام األتالنتيك بلياليه الجليد لم تر وجها أليفا واحدا‬
‫أقفل@وا األب@واب بين طبق@@ات الب@@اخرة ومنع@وا خ@@روج الرك@@اب في تظه@@ر الس@@فينة)‪،1‬ه;;ذا المش;;هد‬
‫وص ;;ف لمعان ;;اة الق ;;ادمين من دول الع ;;الم الث ;;الث إلى أميرك ;;ا‪ ،‬م ;;ا يظه ;;ر وج ;;ود الطبيعي ;;ة بين‬
‫أوس;;اط المجتم;;ع األم;;يركي‪ ،‬فالبطل;;ة الروائي;;ة "مرتا ح@داد" في س;;يرورة األح;;داث المرئي;;ة تعيش‬
‫في هذا العالم الجديد حيث تعرفت فيه عن ثقافات جديدة‪ ،‬فهي تخوض حي;;اة جدي;;دة في ع;;الم‬
‫مليء بالمفاج;;آت‪ ،‬فاكتس;;بت وتع;;رفت من خالل;;ه على مع;;الم ثقافي;;ة‪ ،‬وخلفي;;ات معرفي;;ة وفكري;;ة‬
‫تغيير كليًا في معيش;;تها وفي حياته;;ا كك;;ل وعلى ه;;ذا‬
‫ًا‬ ‫أول مرة تتعرف عليها‪ ،‬والتي أحدثت لها‬
‫األساس ارتسمت صور وعي هذه الشخصية‪ ،‬كشخصية تعي بعمق تأزم;ات الع;الم‪ ،‬وق;د أب;دع‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪31-30‬‬

‫‪66‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫"ربيع جابر" في وص;فه له;ذا الع;الم لكن يوض;ح لن;ا الفروق;ات بين الع;والم مين الناحي;ة الثقافي;ة‬
‫والحضارية بين العالمين العالم الث;الث(أص;حاب الطبق;ة البروليتارَّي ة) والع;الم الجدي;د (أص;حاب‬
‫الطبقة البورجوازية)‪ ،‬وقد وصف الك;اتب مالمح الع;الم الجدي;د بطريق;ة وص;فية س;ردية بس;يطة‪،‬‬
‫وبأسلوب سهل (وما ضاعف اإلحساس بالض@خامة والزحم@ة واجه@ات المت@اجر والزج@اج وك@ل‬
‫تل@@ك النواف@@ذ الفس@@يحة إلى أي ناحي@@ة التفتت ك@@انت مرت@@ا ت@@رى وجهه@@ا في الزج@@اج منعكس@@ا‬
‫وضائعا بين مئات الوجوه الغربية‪ .‬وكل الن@@اس يركض@@ون وال تعلم من أين ي@@أتون‪ ...‬عرب@@ات‬
‫بأحصنة وسيارات فورد ودودج وقطارات أصغر من القطارات تمر في هدير ق@@وي مف@@زع على‬
‫ش@@بكات حدي@@د معلق@@ة في اله @واء بين األرض الموحل@@ة والس@@ماء القائم@@ة‪ ....‬أوجعه@@ا عنقه@@ا‬
‫وهي ترف@@ع وجهه@@ا وتح@@اول أن تحص@@ي ع@@دد الطبق@@ات في البناي@@ات الش@@اهقة العل@@و‪( :‬رج@@ال‬
‫عابرون في بدالت‪ ،‬على رؤوسهم قبعات عالية س@@وداء‪ ،‬وفي قبض@@اتهم شماس@@ي أنيق@@ة))‪،1‬‬
‫مَّثل هذا المشهد بالنسبة لمرتا عالم غريب المعالم‪ ،‬وهو عالم ض;خم كونه;ا فت;اة فق;يرة‪ ،‬عاش;ت‬
‫في قرية متواضعة مختلفة تمامًا عن هذا العالم الجدي;;د (رأت بناية حمراء الل@ون‪ ،‬كله@@ا مبني@@ة‬
‫من القرميد األحمر‪ .‬ما هذا؟ في سوريا ال أحد يب@@ني عم@@ارة كامل@ة بالقرمي@@د األحم@@ر القرمي@@د‬
‫تصنع منه السقوف الهرمية الشكل في بيروت وجب@@ل لبن@@ان‪ ،‬ه@@ذه الس@@قوف الهرمي@@ة عالم@@ة‬
‫الثراء‪ ...‬لكن بناي@ة كامل@ة من القرمي@د الحم@ر! ه@ذا لم تتخي@ل مثل@ه يوم@ا)‪ ،2‬وه;;ذا م;;ا يش;;كل‬
‫الفروقات بين الع;;المين‪ ،‬فق;;د اكتس;;حت الطبق;;ة البرجوازي;;ة ه;;ذا الع;;الم المس;َّم ى "أميركا"‪ ،‬وك;;انت‬
‫الحض;;وض قليل;;ة بالنس;;بة للطبق;;ة البروليتاري;;ة (ويع@ني ذل@ك في كث@ير من الح@االت أنهم باع@ة‬
‫متجول@@ون‪ ،‬ولن@@ا أن نتخي@@ل بس@@هولة مالمح الب@@ائع الس@@وري المؤلوف@@ة ال@@ذي يرت@@اد الط@@رق‬
‫‪3‬‬
‫الترابية في الريف األميركي)‬

‫‪ -1‬الرواية‪ ،‬ص‪48‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪49‬‬
‫‪ -3‬الرواية‪،‬ص‪51‬‬

‫‪67‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫ق;;ام ك;;اتب ه;;ذا النص بوص;;ف الع;;الم الجدي;;د (أميركا) بطريق;;ة دقيق;;ة‪ ،‬وال;;ذي يعت;;بر ع;;الم‬
‫غ;;امض ومبه;;ر بالنس;;بة للمه;;اجرين الس;;وريين‪ ،‬ووص;;فه له;;ذا الع;;الم وبه;;ذه الطريق;;ة‪ ،‬ليس بني;;ة‬
‫تحبيب هذا العالم للناس‪ ،‬بل من أجل غاي;ة أخ;رى‪ ،‬ففي ع;دة وقف;ات س;ردية ينب;ه الك;اتب له;ذا‬
‫النص عن الجوانب السيئة لهذا الع;;الم رغم أن;;ه ع;;الم الم;;ال والعم;;ل والف;;رص للعدي;;د من الن;;اس‬
‫(يا إخوتي وأصحابي اعلموا أن طرقات أميرك@@ا غ@@ير مفروش@@ة بال@@ذهب فك@@ل من اعتق@@د بينكم‬
‫أن المال هنا ال يتطلب مشقات ومتاعب كثيرة فهو جاهل وأب@@وه جاه@@ل وابن@@ه س@@يكون مثل@@ه‪،‬‬
‫فكل من تعود على راحة جس@@مه وبال@ه في البل@د ال ننص@@ح ل@ه أن ي@@أتي إلى هن@@ا ألن العاقب@@ة‬
‫وخيمة والندم ال ينفع ‪ .‬أعرف ناسا عضوا أصابعهم حتى از رقت وما نالهم من ذل@@ك خ@@ير‪.‬‬
‫وأعرف آخرين جمعوا الدوالر على الدوالر ولكن بمشقة تفلج الجمل)‪. 1‬‬

‫كما تطرق الروائي إلى وصف مظاهر اجتماعية كثيرة تم;;يز به;;ا المجتم;;ع الع;ربي بص;;فة‬
‫عامة‪ ،‬والمجتمع السوري بصفة خاصة‪ ،‬حيث أن ه;ؤالء لم يتخل;وا عن ع;;اداتهم أثن;;اء هج;رتهم‬
‫إلى أميرك;;ا (حين أطلت على البه@@و ‪ ...‬ك@@انت أطب@@اق الطع@@ام تغطي المائ@@دة والبخ@@ار يتع@@الى‬
‫من أك@@واب كث@@يرة روائح القه@@وة والش@@اي والحليب ام@@تزجت في رأس@@ها‪ ..‬قبالته@@ا تمام@@ا بع@@د‬
‫صحون الجبنة والبيض وسلة الخبز)‪.2‬‬

‫‪-3‬النسق الديني‪:‬‬

‫أك ;;ثر م ;;ا يج ;;ذب الق ;;ارئ في الرواي ;;ة أنه ;;ا تتط ;;رق إلى ع ;;دة قض ;;ايا (اجتماعي ;;ة‪ ،‬سياس ;;ية‪،‬‬
‫تاريخية‪ ،‬ثقافية و دينية )‪ ،‬وهذا ما الحظناه في مرت;;ا الشخص;;ية البطل;;ة في الرواي;;ة الشخص;;ية‬
‫التي حافظت على مبادئها‪ ،‬و أفكارها‪ ،‬فهي ولدت مسيحية من عائلة محافظة تتسم باألخالق‬
‫الكريم;ة‪ ،‬وبحبه;ا لوطنه;ا‪ ،‬ف;تربت مارت;ا على ه;ذه األس;س‪ ،‬ولكن رحلته;ا إلى أميرك;ا لم تنس;يها‬
‫أص;;لها‪ ،‬وعاداته;;ا‪ ،‬رغم م;;ا يش;;هده ه;;ذا الع;;الم الجدي;;د من تع;;دد في ال;;ديانات و األع ;راف‪ ،‬فق;;د‬
‫ش; ;;هدت البطل; ;;ة ع ; ;ّد ة مض; ;;ايقات من ط; ;;رف أش; ;;خاص أج; ;;انب عنه; ;;ا‪ ،‬لكن ه; ;;ذا لم يح; ;;ط من‬
‫‪ -1‬الرواية ‪،‬ص‪158‬‬
‫‪ -2‬الرواية‪ ،‬ص‪74‬‬

‫‪68‬‬
‫االنساق المضمرة في‬ ‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الرواية‬

‫عزيمتها‪ ،‬وال من عقيدتها‪ ،‬وقد شكلها لنا ربيع جابر في ع;ّد ة محط;;ات من الرواي;;ة تمثلت في‪:‬‬
‫(هذه العيون ال تعرف عادات س@@وريا‪ :‬في س@@وريا يس@@ير الرج@@ل أوًال و الم@رأة تتبع@@ه‪ ،‬و ليس‬
‫العكس‪ .‬النظرة المستغربة في هذه العيون ال عالقة له@ا به@ذا االنقالب المب@اغت في التقلي@د‬
‫الش@@رقي)‪(،1‬ال@@رب يس@@اعدني‪ ،‬ق@@الت مارت@@ا)‪،2‬وه ;;ذه ت ;;بين القيم ال ;;تي تحمله ;;ا مارت ;;ا ح ;;داد في‬
‫طياته ;;ا‪ ،‬ك ;;ذلك عكس ;;ت رواي ;;ة أميرك ;;ا في ثناياه ;;ا العدي ;;د من األع ;راف والتقالي ;;د ال ;;تي يعتنقه ;;ا‬
‫االمريكيون حيث وصف لنا طريقة دفن أمواتهم في وس;;ط البح;;ر‪ ،‬كم;;ا ج;;اء في الرواي;;ة (وقف‬
‫ك@@اهن على رأس الجث@@ة قب@@ل رميه@@ا في المحي@@ط على ش@@رفات الطبق@@ة العالي@@ة (ه@@ذه الدرج@@ة‬
‫األولى؟) وق@@ف الرج@@ال في ب@@دالت أنيق@@ة وعلى رؤوس@@هم قبع@@ات‪ .‬أح@@دهم فتح مظل@@ة بيض@@اء‬
‫فوق رأسه)‪ ،‬وصف الروائي وصف دقي;;ق لع;;اداتهم في دفن الجث;;ة في عم;;ق البح;;ر‪ ،‬حيث أَّن‬
‫مش ;;اغلهم وك ;;ثرة موت ;;اهم جعلتهم يس ;;تخدمون تل ;;ك الطريق ;;ة في دفن موت ;;اهم‪ ،‬ولق ;;د أب ;;دع ربي ;;ع‬
‫جابر في وصف تلك المشاهد‪.‬‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪55‬‬
‫‪-2‬الرواية‪ ،‬ص‪67‬‬

‫‪69‬‬
‫الخاتمة‬

‫الخاتمة‬

‫‪70‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪:‬الخاتمة‬

‫ختام ;;ا له ;;ذه التجرب ;;ة البحثي ;;ة الموس ;;ومة بتمثالت األنس ;;اق األيديولوجي ;;ة وص ;;لنا إلى أهم‬
‫النتائج التي تتعلق بمحاور البحث أجملناها في النقاط االتية‪:‬‬
‫‪-‬تع;;ددت مف;;اهيم المص;;طلحات النس;;ق والنق;;د الثق;;افي واألي;;ديولوجيا‪ ،‬حيث تط;;رقت إلي;;ه ع;;دة‬
‫دراسات فلسفية ولغوية وبنيوية‪ ،‬وغيرها من الدراسات‪.‬‬
‫‪-‬النقد الثقافي هو أحد علوم اللغة وحقول األلسنية معنّي بنقد األنساق المضمرة التي‬
‫ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه‪ ،‬ما هو غير رسمي وغير‬
‫مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء‪.‬‬
‫‪-‬إن التاريخ مرتبط بالمجتمع;ات (مش;اعرهم‪ ،‬أفع;الهم‪ ،‬م;واقفهم)‪ ،‬فالت;اريخ يس;رد لن;ا أح;داث‬
‫ووقائع مرتبطة باألفراد‪.‬‬
‫‪-‬إن اإليديولوجيا واليوتوبيا كالهما مجموعة أفكار وأراء تتعلق بالطبقات االجتماعية‬
‫المتصارعة فيما بينها‪ ،‬وكُّل منهما هدف معين تسعى إليه‪ ،‬فاإليديولوجيا تهدف إلى الدفاع‬
‫عن الواقع الراهن‪ ،‬وعن مصالح الفئات الحاكمة‪ ،‬أما اليوتوبيا فلديها رؤية مستقبلية لهذا‬
‫الواقع‪.‬‬
‫‪-‬إن الرواية هي الجنس األدبي األجدر لحمل األفكار‪ ،‬فقد استطاعت تجسيد الصراعات‬
‫االجتماعية‪ ،‬واألزمات التي يعيشها باللغة‪ ،‬والروائي يطمح دائما لتحقيق رؤية وإ براز‬
‫المشاكل االجتماعية والقضايا السياسية واالقتصادية من خالل كتاباته وهذا ما الحظناه في‬
‫رواية أميركا ل ربيع جابر‪ ،‬حيث مثلت هذه الرواية الصراعات اإلنسانية وتداخالتها‬
‫المكانية والتاريخية‪.‬‬
‫‪-‬تعدد الدالالت الفكرية‪ ،‬أضاف على الرواية جمالية فنية‪ ،‬فقد فتحت للقارئ أبواب عديدة‬
‫منها باب المتعة في القراءة‪ ،‬وباب المعرفة لما شملته من أحداث ووقائع تاريخية تعلقت‬
‫بما جرى في العالم‪ ،‬وقد كشفت الرواية بعض التوجهات اإليديولوجية السائدة في فترات‬

‫‪71‬‬
‫الخاتمة‬

‫زمنية ما‪- .‬شكلت الراوية مسارات سردية متنوعة‪ ،‬مكنتها لتتبوأ إمكانية كونها رواية‬
‫ملحمية فنص الرواية هو محاولة ألرشفة الذاكرة وفق بنيات سردية تحاول رصد واقع‬
‫المهاجرين السوريين بصفة خاصة‪ ،‬وواقع العالم بصفة عامة‪ ،‬فقد جسدت رواية أميركا"‬
‫الصراعات العالمية بشكل سرّد ي مشوق‪ ،‬من خالل سردها لألزمات والصراعات التي‬
‫حدثت خالل الحربين العالميتين األولى والثانية‪.‬‬
‫‪-‬أراد الكاتب لهذا النص أن ُيبرز لنا من خالل سرده لألحداث التاريخية والسياسية‬
‫التطرق إلى خبايا وخفايا الحروب التي اجتاحت العالم‪ ،‬وما آل إليه العالم من تغییرات‬
‫على عدة مستويات (اجتماعية ثقافية‪ ،‬دينية‪ ،‬أخالقية وفكرية‪...‬إلخ)‪ ،‬ما ادى بهذه‬
‫التغييرات إلى تعدد اإليديولوجيات في هذا العالم‪ ،‬ما شكل صراعات داخلية‪ ،‬وهذا أدى‬
‫إلى ظهور ما يسمى بالطبقية والتمييز العنصري‪ ،‬وهذا كله أدرجه ربيع جابر في روايته‬
‫على شكل سردي يحاكي الواقع بطريقة فنية تخيلية رائعة من خالل تسلسل األحداث‬
‫والطريقة المميزة في استخدام التقنيات السردية في سرد هذه األحداث‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫خ‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪73‬‬
‫خ‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪:‬قائمة المصادر والمراجع‪-‬‬

‫أوال‪ :‬المصادر‬
‫‪-‬ربيع جابر‪ ،‬اميركا‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪.2010، 2‬‬
‫ثانيا‪ :‬المراجع بالعربية‬
‫‪ -‬عب;;د العزي;;ز حم;;ودة‪ ،‬المراي;;ا المحدب;;ة‪ ،‬سلس;;لة ع;;الم المعرف;;ة‪ ،‬المجلس الوط;;ني للثقاف;;ة‬
‫والفنون‪ ،‬ع ‪ ،232‬الكويت‪. 1998 ،‬‬

‫‪ -‬ف;ؤاد خلي;ل‪ ،‬الماركس;ية في البحث النق;دي (الراهّني;ة‪ ،‬الت;اريخ‪ ،‬النس;ق ) دار الف;ارابي ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬ط‪. 2010 ، 1‬‬
‫‪ -‬محم; ; ;;د علي الب; ; ;;دوي‪ ،‬علم االجتم; ; ;;اع األدب (النظري; ; ;;ة و المنهج و الموض; ; ;;وع)‪،‬دار‬
‫المعرفة الجامعية القاهرة ‪ ،‬د‪ .‬ط ‪.2003،‬‬

‫‪- -‬نبيل رمزي‪ ،‬سوسيولوجيا المعرفة (جدل الوعي والوجود االجتماعي) ‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ط‬
‫‪ -‬نعم ;;ان ب ;;وقرة‪ ،‬المص ;;طلحات األساس ;;ية في لس ;;انيات النص وتحلي ;;ل الخط ;;اب‪ ،‬ج ;;دار‬
‫للكتاب العالمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬
‫‪-‬إبراهيم خليل‪ ،‬بنية النص الروائي‪ ،‬دار العربية للعل;وم ناش;رون‪ ،‬منش;ورات االختالف‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،2010 ،1‬‬

‫‪-‬الرشيد بوشعير‪ ،‬الواقعية وتياراتها في اآلداب السردية واألوروبية‪ ،‬األهالي للطباعة‬


‫والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق ط‪.1996 1‬‬
‫‪-‬بكري خليل‪ ،‬األيديولوجيا والمعرفة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬

‫‪-‬جمال شحيد‪ ،‬في البنيوية التركيبية (دراسة في منهج لوسيان غولدمان)‪ ،‬دار بن رشد‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1982 ،2‬‬

‫‪-‬جمي;;ل الحمي;;داني‪ ،‬الس;;ميوطيقا والعنون;;ة‪ ،‬مجل;;ة ع;;الم الفك;;ر‪ ،‬الك;;ويت‪ ،‬المجل;;د ‪ ،25‬ع‬
‫‪ ،23‬يناير‪/‬مارس‪.1997 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫خ‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪-‬زكريا إبراهيم‪ ،‬مشكلة البنية‪( ،‬أضواء على البنيوية)‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪،1990‬‬
‫‪-‬سليمة عذاوري‪ ،‬شعرية التناص في الرواية العربية‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬رؤية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ‪ ،2012‬ط‪.1‬‬
‫‪-‬عبد اهلل العروي‪ ،‬مفهوم األيديولوجيا‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1993 ،1‬‬

‫‪-‬عب;;د اهلل الغ;;ذامي‪ ،‬النق;;د الثق;;افي‪ ،‬ق;;راءة في االنس;;اق الثقافي;;ة العربي;;ة‪ ،‬المرك;;ز الثق;;افي‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2005 ،3‬‬

‫‪-‬عب ;;د اهلل ول ;;د اب ;;اه‪ ،‬الت ;;اريخ و الحقيق ;;ة ل ;;دى ب ;;ول ريك ;;ور (الهوي ;;ة الس ;;ردية و ال ;;ذاكرة‬
‫الحية)‪ ،‬مجلة يتفكرون (فصيلة‪ ،‬فكرية ثقافية) ‪،‬ع‪. 2014، 3‬‬
‫‪-‬محمد مفتاح‪ ،‬دينامية النص‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1990 ،2‬‬
‫‪-‬محمد نديم خشفة‪ ،‬تأصيل النص (المنهج البنيوي لدى لوسيان غولدمان)‪ ،‬مركز‬
‫االنماء الحضاري‪ ،‬حلب ط ‪.1997، 1‬‬
‫‪-‬ميجان الرويلي‪ ،‬سعيد البازعي‪ ،‬دليل الناقد االدبي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪.2002. ،3‬‬
‫‪-‬ناصر الجيالن‪ ،‬الشخصية في قصص االمثال العربية (دراسات في االنساق الثقافية‬
‫للشخصية العربية)‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.2007 ، 1‬‬
‫‪-‬يمنى العيد‪ ،‬تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي‪ ،‬دار الفارابي ‪،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪.2،1999‬‬
‫ثالثا‪ :‬المراجع المترجمة‬
‫‪ -‬اوستن وارين ورينيه ويلي;;ك‪ ،‬نظري;;ة االدب‪ ،‬المجلس األعلى لرعاي;;ة الفن;;ون‬
‫واآلداب والعلوم االجتماعية‪ ،‬تر‪ :‬محي الدين صبحي‪ ،‬د‪ .‬ط‪.1972 ،‬‬
‫‪ -‬ب; ;;ول ارون وَاالن في; ;;اال‪ ،‬سوس; ;;يولوجيا االدب‪ ،‬ت; ;;ر‪ :‬محم; ;;د علي مقل; ;;د‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الجديد المتحدة ن بيروت‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬

‫‪75‬‬
‫خ‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪-‬ب ;;ول ريك ;;ور‪ ،‬الزم ;;ان و الس ;;رد (الحبك ;;ة و الس ;;رد الت ;;اريخي) ‪ ،‬ت ;;ر ‪ :‬س ;;عيد الغ ;;انمي‬
‫وفالح رحيم ‪ ،‬دار‬
‫‪-‬بيير زيما‪ ،‬النقد االجتماعي‪ ،‬تر عايدة لطفي ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1991 ،1‬‬
‫‪ -‬ج;;ورج لوك ;;اتش‪ ،‬دراس;;ات في الواقعي ;;ة‪ ،‬ت ;;ر‪ :‬ن ;;ايف بل ;;وز‪ ،‬المؤسس;;ة الجامعي ;;ة للنش;;ر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1985، 5‬‬
‫‪ -‬جورج لوكاتش‪ ،‬ماركسية ام الوجودية‪ ،‬تر ‪ :‬جورج طرابيش‪ ،‬دار اليقظ;;ة العربي;;ة ‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬د‪ .‬ط ‪،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬جورج لوكاتش‪ ،‬نظرية الرواية‪ ،‬تر ‪ :‬نزيه الشوقي ‪ ،‬دمشق ‪،‬ط‪.1987 ،1‬‬
‫‪ -‬ديفيد هوكس‪ ،‬األي;;ديولوجيا‪ ،‬ت;;ر ‪ :‬إب;;راهيم فتحي‪ ،‬المجلس األعلى للثقاف;ة‪ ،‬الك;;ويت د‪،‬‬
‫ط ‪.2000،‬‬
‫‪ -‬ديفي; ; ;;د ه; ; ;;وكس‪ ،‬األيديولوجي; ; ;;ة ‪،‬ت; ; ;;ر إب; ; ;;راهيم فتحي‪ ،‬المجلس األعلى للثقاف; ; ;;ة‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫‪.2015‬‬
‫‪ -‬ه;;نري أيكن عص;;ر اإليديولوجي;;ة‪ ،‬ت;;ر ف;;ؤاد زكري;;ا‪ ،‬مكتب;;ة األنجل;;و المص;;رية‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪،1963‬‬
‫‪-‬آرث; ;;ر ايزابرج; ;;ر‪ ،‬النق; ;;د الثق; ;;افي تمهي; ;;د مب; ;;دئ للمف; ;;اهيم الرئيس; ;;ية‪ ،‬ت; ;;ر وف; ;;اء‬
‫إبراهيم‪ ،‬رمضان بسطاويسي المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.2003، 1‬‬
‫‪-‬ب; ;;ول ريك; ;;ور‪ ،‬ال; ;;ذاكرة‪ ،‬الت; ;;اريخ‪ ،‬النس; ;;يان‪ ،‬ت; ;;ر‪ :‬ج; ;;ورج زين; ;;اتي‪ ،‬دار الكت; ;;اب الجدي; ;;د‬
‫المتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ .2009 ،1‬الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2006 ،1‬ج‪.1‬‬
‫‪-‬ب; ;;ول ريك; ;;ور‪ ،‬محاض; ;;رات في األي ;;ديولوجيا واليوتوبي; ;;ا‪ ،‬ت; ;;ر‪ :‬فالح رحيم‪ ،‬دار الكت; ;;اب‬
‫الجديد المتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬
‫‪-‬جورج لوكاتش‪ ،‬الرواية التاريخية‪ ،‬تر‪ :‬صالح جواد كاظم‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‬
‫‪.1978،‬‬
‫‪-‬فنسنت ليتش‪ ،‬النقد الثقافي (النظرية األدبية وما بعد البنيوية) تر ‪ :‬هشام زغلول‪،‬‬
‫المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط‪.2022 ،1‬‬

‫‪76‬‬
‫خ‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪-‬لوسيان غولدمان وآخرون‪ ،‬البنيوية التكوينية والنقد االدبي‪ ،‬تر‪ :‬محمد سبيال‪ ،‬مؤسسة‬
‫األبحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1986، 2‬‬

‫‪77‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫رابعا‪ :‬المعاجم والقواميس‬


‫‪ -‬ابن منظ;;ور‪ :‬لس;;ان الع;;رب‪ ،‬دار ص;;ادر‪ ،‬ب;;يروت‪ ،‬لبن;;ان‪ ،‬طبع;;ة ‪2003‬م‪ ،‬م;;ادة نس;;ق‪،‬‬
‫حرف النون‪.‬‬
‫‪-‬إب ;;راهيم فتحي‪ ،‬معجم المص ;;طلحات األدبي ;;ة‪ ،‬المؤسس ;;ة العربي ;;ة للناش ;;رين المتح ;;دين‪،‬‬
‫التعاضدية العمالّية للطباعة والنشر‪ ،‬صفاقس‪-‬تونس‪ ،‬ط‪.1986 1‬‬
‫‪-‬المعجم الوس;;يط‪ ،‬مجم;;ع اللغ;;ة العربي;;ة‪ ،‬مكتب;;ة الش;;روق الدولي;;ة‪ ،‬مص;;ر‪ ،‬ط‪،2004 ،4‬‬
‫باب (امر)‪.‬‬
‫‪-‬جيرال ; ;;د ب ; ;;رنس‪ ،‬المص ; ;;طلح الس ; ;;ردي (معجم مص ; ;;طلحات)‪ ،‬المجلس األعلى للثقاف ; ;;ة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪.2003، 1‬‬
‫‪ -‬محم;;د ع;;اطف غيث‪ ،‬ق;;اموس علم االجتم;;اع‪ ،‬الهيئ;;ة المص;;رية العام;;ة للكت;;اب‪ ،‬د‪ ،‬ط‪،‬‬
‫‪.1979‬‬
‫خامسا‪ :‬االطروحات‬
‫‪ -‬سليم بركان‪ ،‬النسق اإليديولوجي وبنية الخطاب الروائي (دراسة سوسيو بنائية لرواي;;ة‬
‫ذاك ; ;;رة الجس ; ;;د)‪ ،‬أطروح ; ;;ة ماجس ; ;;تير قس ; ;;م اللغ ; ;;ة العربي ; ;;ة وآدابه ; ;;ا‪ ،‬جامع ; ;;ة الجزائ ; ;;ر‪،‬‬
‫‪2003/2004‬‬
‫‪ -‬نعيمة بولكعيبات‪ ،‬سوسيولوجيا النص (تاريخ المنهج واجراءاته)‪ ،‬أطروحة ماجس;;تير‪،‬‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة الجزائر‪،2010/2011،‬‬
‫‪-‬جن ;;ات بلخن‪ ،‬نظري ;;ة الس ;;رد الت ;;اريخي عن ;;د ب ;;ول ريك ;;ور ‪ ،‬أطروح ;;ة ماجس ;;تير‪ ،‬كلي ;;ة‬
‫العلوم اإلنسانية و االجتماعية ‪-‬قسم الفلسفة ‪،‬جامعة قسنطينة ‪.2009/2010 ،‬‬
‫‪-‬س;;عيد عم;;وري‪ ،‬الرؤي;;ة األيديولوجي;;ة والتش;;كيل الف;;ني في رواي;;ة ش;;رق المتوس;;ط لعب;;د‬
‫الرحمان منيف‪ ،‬أطروحة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب واللغات ‪-‬قسم اللغة العربية وآدابها ‪،-‬‬
‫جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪.2011،2010 ،‬‬
‫‪-‬نورة بنت محمد‪ ،‬البنية السردية في الرواي;;ة الس;;عودية‪-‬دراس;;ة فني;;ة لنم;;اذج من الرواي;;ة‬
‫الس; ;;عودية‪ ،‬دكت; ;;وراه في االدب الح; ;;ديث‪ ،‬جامع; ;;ة أم الق; ;;رى‪ ،‬كلي; ;;ة اللغ; ;;ة العربي; ;;ة‪ ،‬قس; ;;م‬
‫الدراسات العليا ‪-‬فرع األدب‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪.2008،‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫خ‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫العنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوان‬ ‫الرقم‬
‫شكر وعرفان‬
‫االهداء‬
‫أ‬ ‫مقدمة‬
‫مفاهيم االصطالحية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬
‫‪5‬‬ ‫النسق‬ ‫‪1‬‬
‫‪7‬‬ ‫النقد الثقافي‬ ‫‪2‬‬
‫‪9‬‬ ‫األيديولوجيا‬ ‫‪3‬‬
‫األيديولوجيا والعمل الفني‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪12‬‬ ‫األيديولوجيا‪ ،‬الواقع وتمثالت االجتماعية‬ ‫‪1‬‬
‫‪17‬‬ ‫األيديولوجيا وسردية التاريخ‬ ‫‪2‬‬
‫‪28‬‬ ‫األيديولوجيا والمفارقة بالّتخييل‬ ‫‪3‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تمثالت االنساق األيديولوجية في الرواية‬
‫‪36‬‬ ‫ملخص الرواية‬ ‫‪1‬‬
‫‪37‬‬ ‫دراسة البنية السردية للرواية‬ ‫‪2‬‬
‫‪37‬‬ ‫العنوان‬ ‫‪2-1‬‬
‫‪37‬‬ ‫العنوان الرئيسي‬
‫‪38‬‬ ‫الشخصيات‬ ‫‪2-2‬‬
‫‪39‬‬ ‫الشخصيات الرئيسية‬ ‫أ‬
‫‪42‬‬ ‫الشخصيات الثانوية‬ ‫ب‬
‫‪46‬‬ ‫بنية الزمان والمكان‬ ‫‪2-3‬‬
‫‪46‬‬ ‫الزمان‬ ‫أ‬

‫‪79‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫خ‬

‫‪47‬‬ ‫االسترجاعات‬ ‫ب‬


‫‪50‬‬ ‫االستباقات‬ ‫ج‬
‫‪52‬‬ ‫داللة الزمن التاريخي في المدونة السردية‬ ‫د‬
‫‪54‬‬ ‫المكان‬ ‫‪4_2‬‬
‫‪55‬‬ ‫المكان‬ ‫أ‬
‫‪55‬‬ ‫المكان األصلي‪(:‬سوريا)‬ ‫ب‬
‫‪56‬‬ ‫المكان الموازي‪(:‬أميركا)‬ ‫ج‬
‫‪56‬‬ ‫المكان األيديولوجي‬ ‫د‬
‫الفصل الرابع‪ :‬االنساق المضمرة في الرواية‬
‫‪59‬‬ ‫النسق التاريخي والسياسي‬ ‫‪1‬‬
‫‪62‬‬ ‫النسق المجتمع والثقافة‬ ‫‪2‬‬
‫‪65‬‬ ‫النسق الديني‬ ‫‪3‬‬
‫‪67‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪70‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪74‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫‪80‬‬

You might also like