Professional Documents
Culture Documents
تمثلات الانساق الايديولوجية في رواية اميركا
تمثلات الانساق الايديولوجية في رواية اميركا
يسعدني بعد أن أتممت بفضل اهلل عزوجل هذا العمل أن أتقدم بأسمى عبارات الشكر
واالحترام والتقدير إلى األستاذ المشرف الدكتور "توفيق شابو" على قبوله اإلشراف
على انجاز هذه المذكرة وعلى صبره وسعة صدره حيث أنه لم يبخل علي بتوجيهاته و
نصائحه و ارشاداته طوال فترة االشراف.
كما أتوجه بالشكر واالمتنان لألساتذة المحترمين أعضاء لجنة المناقشة لقبولهم
مناقشة هذه المذكرة.
اإلهداء
هلل ش@@كر كل@@ه أن وقف@@ني له@@ذه اللحظ@@ة ،فالحمداهلل رب الع@@المين والص@@الة والس@@الم
على أشرف األنبياء والمرسلين سيدنا محمد
أه ;;دي ه ;;ذا البحث إلى من تربي ;;ة على يدي ;;ه ومن علم ;;ني القيم والمب ;;ادئ إلى من ال
ينفص; ;;ل اس; ;;مي عن اس; ;;مه إلى ال; ;;ذي ك; ;;ان ل; ;;ه الفض; ;;ل األول بع; ;;د توفي; ;;ق اهلل في بل; ;;وغي
(أبي العزيز حفظه اهلل) للخوض في ميادين العلم.
وأه;;دي ثم;;رة جه;;دي ودراس;;تي وفرح;;تي المنتظ;;رة إلى من وض;;عتني على طري;;ق
وحنانه;;ا إلى من مه;;دت لي طري;;ق العلم إلى من ك;;انت ملج;;أي الحياة وغمرتني بحبه;;ا
(أمي الغالية حفظها اهلل) في هذه الرحلة.
إلى إخوتي ،من كان لهم بالغ األثر في كثير من العقبات والصعاب.
إلى أولئك الذين يفرحهم نجاحنا ويحزنهم فشلنا إلى (األقارب واألصدقاء) قلبا ودما
ووفاء الذين مهدوا عثرات مسيرتي بدعائهم.
أه;;دي إليكم جميع;;ا ث;;واب ه;;ذا الجه;;د والبحث فبكم ينعق;;د الع;;زم والق;;وة للخ;;وض في
ميادين العلم والحياة بعد التوكل على اهلل سبحانه وتعالى.
فجزاكم اهلل كل خير وأثابكم خير الجزاء
:المقدمة
مقدمة:
يعد النص الروائي من أهم النصوص الفنية واألدبية استحضارا للمعالم التاريخية
والمظ;;اهر االجتماعي;;ة والسياس;;ية والثقافي;;ة ،واألنس;;اق الفكري;;ة واأليديولوجي;;ة ،وه;;ذا كل;;ه
جع; ; ;;ل النص ال; ; ;;روائي متم; ; ;;يزا عن ب; ; ;;اقي النص; ; ;;وص األدبي; ; ;;ة باعتب; ; ;;اره يجس; ; ;;د الحي; ; ;;اة
االجتماعية من خالل رسائله الفكرية من خالل الشكل السردي للقارئ المتلقي.
لقد تعددت المقارب;ات ال;تي اهتمت بمفه;وم األي;ديولوجيا س;واء من الناحي;ة الفلس;فية أم
من الناحية السوس;يولوجية له;ذا ف;إن ه;ذا المفه;وم يأخ;ذ طابًع ا مم;يزا ومختلًف ا حين يتخفى
داخل النص اإلبداعي الروائي ليعيد تشكيل مفهومه وفق تصورات ال;;روائي وأطروحات;;ه
التي تعكس تجسيدا لموقفه من جهة أو موقف مجتمعه.
لق;;د ش;;كلت الرواي;;ة العربي;;ة مخزون;;ا هام;;ا من األنس;;اق األيديولوجي;;ة ال;;تي حملته;;ا في
سياق تعاملها مع الواقع والوج;ود وأخ;ذت ع;دة مس;ارات ع;برت فيه;ا عن قض;ايا األرض
والمكان وازدواجية الهوية وإ شكالية التعايش مع اآلخر.
ل;;ذلك فق;;د اخترن;;ا رواي;;ة "أميرك;;ا" لل;;روائي اللبن;;اني "ربي;;ع ج;;ابر" وهي رواي;;ة تس;;جل
تواريخها بين سوريا وأميركا ،وتؤرخ لبعض االحداث التاريخية والسياسية واالجتماعية
وتعكس أنساًقا مضمرة متعددة.
اعتمدنا لتتبع مسارات الرواية المنهج السوسيو ثقافي الذي يساعدنا على بن;اء رؤي;ة
نقدي; ;;ة للعم; ;;ل الف; ;;ني وتحلي; ;;ل تمثالت الواق; ;;ع واأليديولوجي; ;;ة من جه; ;;ة ،ومعرف; ;;ة عالق; ;;ة
التجليات االجتماعي;;ة والثقافي;;ة ال;;تي يمتص;;ها العم;;ل الف;;ني في ش;بكته اللغوي;;ة والبنائي;;ة من
جهة ثانية.
ه;;دفنا من ه;;ذه الدراس;;ة ه;;و محاول;ًة من;;ا في البحث عن التمثالت النس;;قية الفكري;;ة في
النص ال; ;;روائي المس; ;;مى ب "أميرك; ;;ا" لربي; ;;ع ج; ;;ابر ،ومعن; ;;اه كيفي; ;;ة تمَّثل األبنَّي ة اللغوَّي ة
لألنساق الفكرية األيديولوجية الحاضرة في النص.
ومن األسباب الموضوعية التي دفعتنا إلى اختيارنا لهذا الموضوع ه;;و أَّن ه موض;;وع
جدي;;د يح;;اول أن يتط ;َّر ق إلى النس;;ق األي;;ديولوجي ال;;ذي ه;;و موض;;وع يجم;;ع بين مختل;;ف
هاته االتجاهات النقدية السوسيولوجية.
ا
:المقدمة
وعلى هذا األساس تكون إشكالية البحث األساسَّية هي:
-كي ;;ف ش ;;كلت الرواي ;;ة العربي ;;ة في تحوالته ;;ا الفني ;;ة والموض ;;وعية اتجاه ;;ا في معالج ;;ة
القضايا األيديولوجية؟
-ماهي التقنية التي توخاها الروائي في بناء عوالم الرواية السردية وصياغتها الفنية؟
وكيف تشكلت االنساق داخل البنية النصية في رواية أميركا؟
_ما مدى فاعلية هذه االنساق األيديولوجية في بناء أبعاد الرواية ومقاصدها؟
ولإلجاب ;;ة عن ه ;;ذه التس ;;اؤالت وغيره ;;ا ،ومن أج ;;ل اإللم ;;ام بموض ;;وع البحث بجانبي ;;ه
الَّنظ;;ري والتط;;بيقي ،اتك;;أت على مجموع;;ة من الكتب المهم;;ة ،ال;;تي س;;اعدت في تأص;;يل
فك;;رة البحث ،منه;;ا( :حمي;;د الحمي;;داني النق;;د ال;;روائي واألي;;ديولوجيا)( ،عب;;د اهلل الع;;روي،
مفه; ;;وم األيديولوجي; ;;ة)( ،ك; ;;ارل مانه; ;;ايم ،األي; ;;ديولوجيا واليوتوبي; ;;ا (مقدم; ;;ة سوس; ;;يولوجيا
المعرفة)) ،والعديد من الكتب
والمجاالت والمق;االت األدبي;ة النقدي;ة ،وال;تي س;اهمت بش;كل أو ب;آخر في بن;اء ه;ذا العم;ل
األكاديمي ،وفي رسمنا لخَّطة هذا البحث ،المتمثلة فيما يلي:
الفص@@ل األول :تناولن;;ا في;;ه مف;;اهيم النس;;ق ،النق;;د الثق;;افي واألي;;ديولوجيا ،حيث أدرجن;;ا في;;ه
مفه ;;وم النس ;;ق عن ;;د ابن منظ ;;ور وعن ;;د الب ;;نيويين والش ;;كالنيين ،وبعض المف ;;اهيم الفلس ;;فية
والسوس;;يولوجيا ومفه ;;وم النق ;;د الثق ;;افي عن ;;د عب ;;د اهلل الغ ;;ذامي وتطرقن ;;ا أيض ;;ا إلى مفه ;;وم
األي; ;;ديولوجيا عن; ;;د الفالس; ;;فة ،والماركس; ;;يين ،وعن; ;;د الع; ;;رب وخاص; ;;ة في كت; ;;اب (مفه; ;;وم
األيديولوجيا) ،لعبد اهلل العروي.
أم ;;ا الفص@@ل الث@@اني فق ;;د قمن ;;ا بدراس ;;ة الج ;;انب النظ ;;ري للموض ;;وع ،فك ;;ان تحت عن ;;وان:
األي@@ديولوجيا و العم@@ل الف@@ني تض;;من ثالث مب;;احث ،المبحث األول حاولن;;ا في;;ه التط;;رق
إلى عالق@@ة األيديولوجي@@ة ب@@الواقع و التمثالت االجتماعي@@ة ،وكيفي ;;ة إب ;;راز األيديولوجي ;;ة
للواقع داخل الّن ص األدبي ،من خالل مقوالت كارل ماركس ،أما المبحث الثاني تناولن;;ا
في ;;ه أهم األطروح ;;ات ال ;;تي ش ;;ملت األيديولوجي@@ة و الس@@ردية الت@@اريخ ،منه ;;ا أطروح ;;ات
ج ;;ورج لوك; ;;اتش و تلمي; ;;ذه لوس ;;يان غول; ;;دمان و ك; ;;ذلك إلى أطروح ;;ات ب; ;;ول ريك; ;;ور في
الّت اريخ و في األي ; ;;ديولوجيا و في المبحث الث ; ;;الث بجثن ; ;;ا في موض ; ;;وع األي@@@ديولوجيا و
ب
:المقدمة
المفارق@@@ة بالتخيي@@@ل وحاولن ; ;;ا في ; ;;ه التط ; ;;رق إلى الم ; ;;دخالت و المقارب ; ;;ات ح ; ;;ول عالق ; ;;ة
األيديولوجيا بالتخييل ،و أهمها دراسات و مقاربات (كارل مانهايم و ألتوسير)
أم;;ا الفصل الثالث فق;;د تناولن;;ا في;;ه تمثالت االنس;;اق األيديولوجي;;ة في رواي;;ة "أميرك;;ا"،
حيث تضمن مبح;ثين ،المبحث األول ه;و ملخص لرواي;ة ،أم;ا الث;اني فه;و دراس;ة للبني;ات
السردية الثالثة (العنوان ،الشخصيات ،الزمان والمكان).
أم;;ا الفصل الرابع فق;;د تناولن;;ا في;;ه االنس;;اق األيديولوجي;;ة المض;;مرة في الرواي;;ة حيث
وج;;دنا الرواي;;ة تحم;;ل ع ;َّد ة أنس;;اق (تاريخي;;ة ،سياس;;ية ،اجتماعي;;ة ،ثقافي;;ة ،وديني;;ة) وال;;تي
ش;;كل به;;ا الك;;اتب عالم;;ا روائي;;ا اب;;داعيا وملحمًي ا أث;;رى به;;ا زاد المكتب;;ة األدبي;;ة ،فك;;انت
روايته ملحمية تعددت فيها الرؤى واألفكار.
أما الخاتمة فكانت حوص;لة ألهم الج;وانب النظري;ة والتطبيقي;ة ال;تي وردت في البحث
وتطرقنا إلى أهم النتائج والمالحظات التي توصلنا إليها.
وفي األخ;;ير ال يس;;عنا إّال أن أتق;;دم بعمي;;ق الش;;كر واالمتن;;ان ألس;;تاذي ال;;دكتور "توفي;;ق
ش ; ;;ابو" ال ; ;;ذي اع ; ;;ترف ل ; ;;ه بالفض ; ;;ل الكب ; ;;ير علي في ت ; ;;وجيهي من الن ; ;;احيتين المعرفّيـة
والمنهجّيـة ،من بداية البحث إلى نهايته فجزاه اهلل عن ذلك كل خير.
ج
:المقدمة
د
الفصل األول
مفاهيم اصطالحية:
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
-1ابن منظور :لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،طبعة 2003م ،مادة نسق ،حرف النون.
-2يمنى العيد ،تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي ،دار الفارابي ،بيروت ،ط 1999، 2ص 30
5
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
أكثر االنساق أهمية .لذلك من الممكن تصور علم يدرس دور العالمات باعتبارها ج;;زًء ا
من الحي;;اة االجتماعي;;ة ،1وه;;و ب;;ذلك ي;;دعوا إلى تحلي;;ل البني;;ة وكش;;ف عناص;;رها ك;;الرموز
في نس;;يج من العالق;;ات اللغوي;;ة .أي في أنس;;اقها لمعرف;;ة تش ;ُّك الت بنيه;;ا داخلي;;ا وخارجي;;ا
وعالقته;;ا م;;ع بعض;;ها البعض وبالت;;الي ففردينان;;د دي سوس;;ور ي;;رى أَّن اللغ;;ة نظ;;ام يق;;وم
بوصف الظاهرة االجتماعية ،وأَّن األفكار والمفاهيم ال توجد بمعزل عن البنية ،ويعرفه
نعمان بوقرة على أنه ":هو ما يتولد عن ت;;درج الجزئي;;ات في س;;ياق م;;ا ،أو م;;ا يتول;;د عن
حرك; ;;ة العالق; ;;ة بين العناص; ;;ر المكون; ;;ة للبني; ;;ة اال أَّن له; ;;ذه الحرك; ;;ة نظاًم ا معيًن ا يمكن
مالحظته وكشفه كان نقول أن لهذه الرواية نسقها الذي يولده توالي األفعال فيها ،أو أن
هذه العناصر المكونة لهذه الّلوحة من خيوط وألوان تتآلف وفق نسق خاص بها".2
يرى البنيويون أن النسق مفهوم يتحدد من خالل البنية الكلي;;ة للنص ،فالبني;;ة عالق;;ات
عناص ;;ر ،ويكتس ;;ب مفه ;;وم النس ;;ق قيمت ;;ه داخ ;;ل البني ;;ة وفي عالقت ;;ه ببقي ;;ة العناص ;;ر ،أو
بموقع;;ه في ش;;بكة العالق;;ات ال;;تي تنتظم وال;;تي به;;ا تنهض البني;;ة فتنتج نس;;قا فالعناص;;ر ال
قيم ;;ة له ;;ا وهي منعزل ;;ة ،وإ نم ;;ا تتش ;;كل أهميته ;;ا في س ;;ياق عالق ;;ات جماعي ;;ة أو منظومي ;;ة
وبالت;الي فالنس;ق إذن "مجموع;ة الق;وانين العام;ة ال;تي تحكم اإلنت;اج الف;ردي للن;وع وتمكن;ه
من الدالل ; ; ;;ة " ،3ف ; ; ;;األهم هن ; ; ;;ا ه ; ; ;;و العالق ; ; ;;ة ال ; ; ;;تي تك ; ; ;;ون بين األج ; ; ;;زاء لتك ; ; ;;ون وح ; ; ;;دة
كلية ،والقوانين التي تنجم عنها ه;ذه العالق;ة وتس;هم في بنيته;ا ،وه;ذه رؤي;ة عام;ة لمفه;وم
النسق عند البنيويين .
أما عن;د الش;كالنيين فهم ينظ;رون للنس;ق بص;فة عكس;ية على م;ا ي;راه الب;نيويون ،حيث
ت;;ذهب الى النس;;ق الع;;ام للنص أو الب;;نى الص;;غرى بمع;;نى "أن االنس;;اق األخ;;رى ال;;تي هي
-1ديفيد هوكس ،األيديولوجيا ،تر :إبراهيم فتحي ،المجلس األعلى للثقافة ،الكويت د ،ط ، 2000،ص 30
-2نعمان بوقرة ،المصطلحات األساسية في لسانيات النص و تحليل الخطاب ،جدار للكتاب العالمي ،عمان ،األردن،
ط ،2009 ،1ص141_140
-3عبد العزيز حمودة ،المرايا المحدبة ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون ،ع ، 232الكويت
1998 ،ص193
6
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
أنس;;اق فكري;;ة ونص;;ية ناقل;;ة للخط;;اب محت;;واه في النس;;ق الع;;ام للنص،1"...وت;;ذهب الى أن
النس;;ق "كفك;;ر ق;;اهر وقس;;ري مس;;تقل عم;;ا ع;;داه ومنغل;;ق على نفس;;ه ،...أو كبني;;ة نظري;;ة
كبرى تهيمن على الكيفية التي يحيا البشر عليها ويفكرون "2وبالت;;الي فمفه;;وم النس;;ق عن;;د
الش ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;كالنيين هي عالق ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ة الج ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;زء بالك ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ل.
- 1سليم بركان ،النسق اإليديولوجي و بنية الخطاب الروائي (دراسة سوسيوبنائية لرواية ذاكرة الجسد) ،أطروحة
ماجستير قسم اللغة العربية وأدابها ،جامعة الجزائر ، 2003/2004 ،ص10
-2فؤاد خليل ،الماركسية في البحث النقدي (الراهّنية ،التاريخ ،النسق ) دار الفارابي ،بيروت ،ط، 2010 ، 1ص
. 184
-3ارثر ايزابرجر ،النقد الثقافي تمهيد مبدئ للمفاهيم الرئيسية ،تر وفاء إبراهيم ،رمضان بسطاويسي المجلس
األعلى للثقافة ،القاهرة ،ط 2003، 1ص 31-30
7
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
- 1فنسنت ليتش ،النقد الثقافي (النظرية األدبية وما بعد البنيوية) تر :هشام زغلول ،المركز القومي للترجمة ،ط،1
،2022ص94
- 2ميجان الرويلي ،سعيد البازعي ،دليل الناقد االدبي ،المركز الثقافي العربي ،دط ،دت ،ص305
-3عبد اهلل الغذامي ،النقد الثقافي ،قراءة في االنساق الثقافية العربية ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط،2005 ،3
ص20
8
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية التاريخية والسياسية
واالجتماعية واالقتصادية واألخالقية والقيم الحضارية واإلنسانية .ومن هنا ،يتعامل
النقد الثقافي مع األدب الجمالي ليس باعتباره نصا ،بل بمثابة نسق ثقافي يؤدي وظيفة
نسقية ثقافية تضمر أكثر مما تعلن.
األيديولوجيا:
يعت; ;;بر مص; ;;طلح اإلي; ;;ديولوجيا من أك; ;;ثر المف; ;;اهيم اس; ;;تعماال ،من حيث ثرائ; ;;ه وتع; ;;دد
مش;;اربه وميادين;;ه،1وق;;د اس;;تعمل في ع;;دة مي;;ادين منه;;ا :الفلس;;فية ،االجتماعي;;ة ،والفكري;;ة،
وحتى األدبية.
إَّن أول من وض;;ع مفه;;وم اإلي;;ديولوجيا ه;;و الفيلس;;وف الفرنس;;ي أنط;;وان ديس;;توت دي
تراس; ;;یو" إي; ;;ديولوجيا" كلم; ;;ة يوناني; ;;ة تتك; ;;ون من مقطعين ،المقط; ;;ع األول " "ldeaويع; ;;ني
الفكرة ،والمقطع الثاني " "logosويعني العلم فتكون الترجمة الحرفية (علم األفك;;ار) وق;;د
ت; ;;أثر دي تراس; ;;ي بنظري; ;;ة الفيلس; ;;وف االنجل; ;;يزي "ج; ;;ون" التجريبي; ;;ة ،كم; ;;ا ت; ;;أثر بم; ;;ذهب
الفيلس;;وف الفرنس;;ي "كون;;دياك" ال;;ذي ي;;رُّد ك;;ل معرف;;ة أو إدراك إلى أص;;ول حس;;ية بحت;;ة،2
حيث أَّن "إيديولوجي; ; ;;ة دي تراس; ; ;;ي تتب; ; ;;ع األفك; ; ;;ار خالل اإلحساس; ; ;;ات إلى ج; ; ;;ذورها في
الم; ;;ادة ،...وب; ;;ذلك ك; ;;ان ق; ;;ادرًا على ق; ;;ول أَّن "اإلي; ;;ديولوجيا" تحق; ;;ق فتح; ;;ا فلس; ;;فيا خط; ;;يرًا
بتجاوزه;;ا التض;;ادات القديم;;ة بين الم;;ادة وال;;روح ،وبين األش;;ياء والمف;;اهيم ،3وق;;د اس;;تخدم
دي تراس ; ;;ي كلم ; ;;ة إي ; ;;ديولوجيا لمفه ; ;;وم أوس ; ;;ع وأش ; ;;مل باعتباره ; ;;ا علم دراس ; ;;ة األفك ; ;;ار
والمع;;اني ،كم;;ا هي في الواق;;ع المح ;ّد د تاريخي ;ًا ،ليس;;ت األفك;;ار في ذاته;;ا ،ب;;ل ل;;ذاتها في
معانيه ;;ا ،وفي تعبيراته ;;ا وأس ;;اليبها وتمظهراته ;;ا واس ;;تخداماتها ،وداللته ;;ا في مجتم ;;ع م ;;ا،
9
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
وفي مواقف اجتماعي;;ة مح;ّد دة ،وفي س;;ياق حض;;اري ثق;;افي مح;ّد د ،1فك;;ان أس;;اس نظريت;;ه
(دي) تراس ;;ي ه ;;و االهتم ;;ام بدراس ;;ة الفك ;;ر اإلنس ;;اني على أن ;;ه عملي ;;ة ناتج ;;ة من تح; ;ّو ل
اإلحساس;;ات ،وبعب;;ارة أخ;;رى اهتم بدراس;;ة الس;;لوك ال;;واعي ال;;ذي يحمل;;ه اإلنس;;ان دراس;;ة
ولق;د ك;;انت هن;;اك العدي;;د من التص;;ورات والمف;;اهيم ال;;تي ح;ول ظه;;رت علمية.
مص ;;طلح اإليديولوجي ;;ة فه ;;و مفه ;;وم آث ;;ار الكث ;;ير من الج ;;دل واش ;;تد حول ;;ه الخالف عن ;;د
الغربيين ،وهو كذلك مصطلح حط رحاله عند العرب ،فتجد عب;;د اهلل الع;;روي" يش;;ير إلى
هذا المصطلح في كتابه "مفهوم اإليديولوجيا ،والذي يس;;تعمل في;;ه مص;;طلح "أدلوج;;ة" ب;;دل
"اي;;ديولوجيا للتعب;;ير عن مدلول;;ه فاألدلوج;;ة على ح;;د ق;;ول الع;;روي هي :منظوم;;ة كالمي;;ة
س;;جالية ،تح;;اول رغب;;ة م;;ا أن تحق;;ق بواس;;طتها قيم;;ة م;;ا ،باس;;تعمال الس;;لطة داخ;;ل مجتم;;ع
معين ، 2ويوض; ;;ح لن; ;;ا أنن; ;;ا عن; ;;دما نق; ;;ول إن ه; ;;ذا الح ;;زب يحم; ;;ل اي; ;;ديولوجيا ،نع; ;;ني به; ;;ا
مجم;;وع القيم واألخالق واأله;;داف ال;;تي ين;;وي تحقيقه;;ا على الم;;دى الق;;ريب والبعي;;د ،ألن
(الح; ;;زب ال; ;;ذي ال يمل; ;;ك إي; ;;ديولوجيا ه; ;;و في نظرن; ;;ا ح; ;;زب انته; ;;ازي ،وعن; ;;دما ن; ;;درس
ايديولوجية عصر النهضة إلى الكون والمجتمع والفرد ،فإيديولوجية عصر من العص;;ور
هي إذن األف ;;ق ال ;;ذهني ال ;;ذي ك ;;ان يح; ;ّد د فك ;;ر إنس ;;ان ذل ;;ك العص ;;ر ،وعن ;;دما تحكم على
إيديولوجيا عصر النهض;;ة ،فإنن;;ا نحكم على إي;;ديولوجيا تتص;;ل بواق;ع مع;;نى فاإلي;ديولوجيا
إذن مرتبط; ; ;;ة ب; ; ;;المجتمع والت; ; ;;اريخ ،3وبالت; ; ;;الي فاإلي; ; ;;ديولوجيا هي نس; ; ;;ق من المعتق; ; ;;دات
والمف; ; ;;اهيم ،تس; ; ;;عى إلى تفس; ; ;;ير الظ; ; ;;واهر االجتماعي; ; ;;ة المعق; ; ;;دة ،والمرتبط; ; ;;ة ب; ; ;;األفراد
والجماعات التي تؤمن بهاته األفكار والمبادئ والتصورات.
-1نبيل رمزي ،سوسيولوجيا المعرفة (جدل الوعي والوجود االجتماعي) ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،د .ط ،
2001ص18
- 2عبد اهلل العروي ،مفهوم األيديولوجيا ،دار التنوير ،بيروت ،ط ،1993 ،1ص13
-3المرجع نفسه ،الصفحة نفسها
10
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
11
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
إن م;;ا ي;;دور ح;;ول مفه;;وم الواق;;ع من مف;;اهيم ه;;و" :مالحظ;;ة الواق;;ع وتس;;جيل تفاص;;يله
وتصويره فوتوغرافيا حرفيا ،وابعاد عناصر الخيال ويقصد به أحيانا أخ;;رى الحيادي;;ة او
الموض;;وعية الص;;ارمة ال;;تي تمن;;ع تس;;رب أفك;;ار الك;;اتب وعواطف;;ه ،ومزاج;;ه ال;;ذاتي الى
اعمال;;ه األدبي;;ة" .1وهن;;اك من ي;;رى ان الواقعي;;ة تهتم بمش;;كالت المجتم;;ع ،أي انه;;ا ت;;درس
تفاص;;يل حي;;اة االنس;;ان والظ;;روف المعاش;;ة للف;;رد وكيفي;;ة تجس;;يد الك;;اتب له;;ا في االدب.
إَّن للعم;;ل الف;;ني وظيف;;ة معرفي;;ة ،و من ه;;ذا المنطل;;ق وجب فهم الواق;;ع وف;;ق مع;;ايير
فلس; ;;فية معين; ;;ة ،فكرته; ;;ا األساس; ;;ية تكمن في "أن الواق; ;;ع ال يمكن فهم; ;;ه إال كك; ;;ل مَّتس; ;;ق،
والفك;;ر ال;;ذي ال يفهم الع;;الم الموض;;وعي ككلّي ة ب;;ل يع;;زل الظ;;واهر الفردي;;ة بعض;;ها عن
بعض فه;;و يَظ ُّل تجري;;دّيا و الم;;دخل ال;;ذي يتن;;اول الظ;;واهر في عالقته;;ا بكِّلي;;ة تتخ;;ذ فيه;;ا
معناه ;;ا من أج ;;ل إقام ;;ة عالق ;;ات فيم ;;ا بينه ;;ا ،ه ;;و وح ;;ده اِّل ذي يق ;َّد م بش ;;كل عين ;;ه ،2و" من
واجب األديب الواقعي أن يكون ذا نظرة متكاملة إلى الع;;الم اِّل ذي يحي;;ا في داخل;;ه ،نظ;;رة
تعِّبر عن فهم مترابط لهذا الكون وأطواره ،وبشكل اإلنتاج األدبي ـن يك;;ون ملُّم ا ب;;الواقع
اّلذي يعيش فيه اإلنسان االجتماعي بطبعه ،وأن يعِّبر عن األفكار العام;;ة بطريق;;ة خاص;;ة
ه إلى حواس ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ه و مكنونات ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ه. عن طري ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;ق التو ًّج
يشهد الواقع االجتماعي حالة تغيير دائم;;ة والنظ;;ام االجتم;;اعي غ;;ير ث;;ابت ،حيث يس;;عى
االنس; ;;ان بطبع; ;;ه الى تجُّنب ه; ;;ذا الت; ;;وتر والص; ;;راع ،وتعت; ;;بر الرواي; ;;ة أفض; ;;ل ش; ;;كل من
األش; ;;كال األدبي; ;;ة ال; ;;تي تص; ;;ور لن; ;;ا ه; ;;ذا الص; ;;راع فهي تحت; ;;وي في ثناياه; ;;ا على أفك; ;;ار
تتصارع داخ;ل الخط;;اب وهي تفيض بهات;;ه األفك;;ار ال;;تي تع;;بر عن الواق;ع الُم ع;;اش ،وه;;و
ح ;;ال االنس ;;ان لم ;;ا يحمل ;;ه من قيم وأفك ;;ار وطب ;;ائع وخص ;;ائص وس ;;يمات ض ;;من مج ;;االت
الرشيد بوشعير ،الواقعية وتياراتها في اآلداب السردية واألوروبية ،األهالي للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق ط1 1
1996ص07
بيير زيما ،النقد االجتماعي ،تر عايدة لطفي ،دار الفكر ،القاهرة ،ط،1991 ،1ص45 2
12
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
يحيه;;ا ويعيش;;ها ،اقتص;;ادية ك;;انت ،أو اجتماعي;;ة ،أو سياس;;ية أو ثقافي;;ة يم;;ر به;;ا المجتم;;ع
ع ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;بر الت ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ; ;;اريخ.
انتق;;ل الفك;;ر الماركس;;ي إلى األدب م;;ع الّتوس;;ع الهائ;;ل لعلم االجتم;;اع ،" 1وق;;د اّتس;;مت
الماركس;;ية بامتي;;از مع;;رفي لم ت;;رق إلي;;ه أغلبي;;ة الّنظري;;ات السوس;;يولوجيا األخ;;رى س;;واًء
بمفاهيمه ; ;;ا ،أي أدوات تحليله ; ;;ا أو بس ; ;;بيلها المنهجي ال ; ;;ديالكتيكي "وهي م ; ;;ذهب ش ; ;;امل،
تجمعه أوصاف ثالثة :فهو مادي ج;دلي ت;اريخي" .2ويتف;ق الّد ارس;ون على أَّن الماركس;ّية
تمخض; ; ;;ت عن ثالث مص; ; ;;ادر رئيس; ; ;َّية هي :الفلس ; ;;فة الكالس ; ;;يكَّية األلمانَّي ة واالقتص; ; ;;اد
السياس; ;;ي اإلنجل; ;;يزي واالش; ;;تراكّية الفرنس ; ;َّية األلمانَّي ة ،والرائ; ;;د األَّو ل له; ;;ا ه; ;;و "ك; ;;ارل
م ;;اركس" ،حيث يح; ;ِّد د ،أَّن الوج ;;ود االجتم ;;اعي ه ;;و اَّل ذي يق; ;ِّر ر ال ;;وعي والبني ;;ة التحتي ;;ة
االقتص;;ادية ،والبني;;ة الفوقي;;ة اإليديولوجي;;ة ويرب;;ط م;;اركس بين الق;;وى المنتج;;ة والعالق;;ات
اإلنتاجية من جهة ،وبين اإليديولوجيا والوعي الواقعي كالمعرفة ،الحقوق األخالق الفن،
ال; ;ِّد ين ،الفلس ;;فة من جه ;;ة ثاني ;;ة ،3فك ;;ان موض ;;وع ك ;;ارل م ;;اركس األساس ;;ي ه ;;و "دراس ;;ة
المجتم; ; ;;ع اإلنس; ; ;;اني" ،كك; ; ;;ل ت; ; ;;اريخي متغِّي ر ،من خالل دراس; ; ;;ة الق; ; ;;وانين االجتماعي; ; ;;ة
واالقتص;;ادية ،وبحث في مختل;;ف العالق;;ات الَّد اخلي;;ة لج;;وانب الحي;;اة االجتماعي;;ة ،وك;;ذلك
أث ; ; ; ; ; ; ;;ار قض ; ; ; ; ; ; ;;ية الّتفرق ; ; ; ; ; ; ;;ة بين الوج ; ; ; ; ; ; ;;ود االجتم ; ; ; ; ; ; ;;اعي وال ; ; ; ; ; ; ;;وعي االجتم ; ; ; ; ; ; ;;اعي.
ويَّتألف الفكر الماركسي من مكونين أساسيين هما :المادية الجدلَّية ،والمادية
الَّتاريخية هذه األخيرة اَّلتي تمُّد علم المجتمع بإطاره األساسي ،اَّلذي يقّد م لهذا العلم
إجابة علمَّي ة على المسألة السوسيولوجية المعرفية األساسية ،وهي مسألة العالقة بين
الوجود االجتماعي والوعي االجتماعي ،4فماركس هنا يرى أن هناك عالقة وطيدة بين
الوعي كأفكار و تمثالت إيديولوجية من جهة ،والحياة المادية االجتماعية من جهة
_ محمد علي البدوي ،علم االجتماع األدب (النظرية و المنهج و الموضوع)،دار المعرفة الجامعية القاهرة ،د .ط 1
2003،ص.22
_شكري محمد عياد ،المذاهب األدبية و النقدية عند العرب و الغربيين ،ص24 2
13
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
أخرى ،حيث أَّن الوجود االجتماعي هو اَّلذي يحدد الوعي وليس العكس وبالتالي
يوّض ح ماركس اَّن العالقة بين الوعي والسلوك المادي ،مثل العالقات بين اإلنتاجات
الفكرية(قانونية كانت أو أخالقية ،أو دينية ،أو غيرها) ،والسلوك المادي للبشر ،هذا
األخير اَّلذي يعتبر هو المحّد د ألشكال الوعي أو لإلنتاجات الفكرية المختلفة ،وعندما
تصل قوى اإلنتاج المادية في المجتمع إلى مرحلة الّتطّو ر تدخل في صراع بينهما.
ساهمت دراسات ماركس في تطور علم االجتماع ،وتوَّلت عنه دراسات أخرى
عدة،
وكانت دراساته ونظرَّيُته مبنَّية على الِّد فاع عن هذه الطبقة وأراد بهذا أن يظهر أَّن
االقتصاد الرأسمالي والمجتمع البرجوازي ال يعتمدان على عالقات بين األفراد والَّد ولة،
ولكن العامل االجتماعي هو اّلذي يقوم بوظيفة مركزية في مجتمع السوق ،وقد مَّثل
ماركس بالِّص راع بين الطبقة الرأسمالية اّلتي تمتلك القّو ة اإلنتاجية وبين الطبقة
البروليتارية اّلتي تمتلك قّو ة عملها ذات القيمة المعنّية (المتغّيرة) في السوق وانطالقا
من هذا النموذج يحاول ماركس أن يفسر التطور االجتماعي لإلنسانية على ضوء
مفهوم الصراع الطبقي ،1وبالتالي فإن تشكل الصراعات ما بين الطبقات ُيحدث تطّو را
وتغّي را في اإلنتاج االقتصادي و االجتماعي .
إن الفكرة الماركسية األساسية تدور حول محور األساس االقتصادي للمجتمع ( النية
التحتية )الذي يحدد طبيعة األيديولوجيا المؤسسات والممارسات (كاألدب) التي تشكل
البنية الفوقية لذلك المجتمع ،و "يسِّلم ماركس اَّن البنية العليا ،بعد أن تتكون نتيجة البنية
الدنيا ،يمكن ان تصبح في مستوى قّو ة المادة فتؤّثر هي بدورها في الُّنظم االجتماعية
والحياة العامة ،ودعم قيم معينة أو العمل على إزاحتها ،وهذا يدُّل على أهمَّية الفكرة
النظرية في صراع الطبقات" ،2حيث أَّن الطبقة اّلتي تتمتع بنفوذ مادي فّع ال ،تتمتع في
الوقت ذاته بنفوذ فكري مسيطر ،والطبقة اّلتي تسيطر على وسائل اإلنتاج المادية،
14
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
تسيطر أيضا بدورها على وسائل اإلنتاج الفكري ،لهذا تتمتع الطبقة البرجوازية
بالملكَّية ،كونها تمتلك الوسائل اإلنتاج المادّية و الوعي بوصفهم منتجين لألفكار ،ومنه
تصبح أفكارهم هي المسيطرة في عصرهم فال يمكن ذكر طبقة دون ذكر االبداعات
الفكرّي ة معها ،وال يمكن أيضا ذكر االنتاجات الفكرية دون ذكر تاريخ وظروف تلك
الطبقة ،ومنه فإن ماركس يفّس ر االعمال األدبية تفسيرا يعتمد على نوع العالقات
االقتصادية المادّي ة في العصر الذي انتجت فيه ،وبالتالي فإن تطور اإلنتاج الفِّني ناتج
عن تطور اإلنتاج المادي (االقتصادي) ،حيث انه هنالك عالقة وطيدة بين الحياة
الفكرَّية والحياة المادَّي ة ،وأفاد ماركس بضرورة ارتباط الحياة المادية بالحياة الفكرية
وتمثالتها والوعي ،فتبادل الناس الفكري هو بمثابة تجّل مباشر لسلوكهم المادي ومنه
هنا تبرز اسبقية الوجود االجتماعي عن الوعي االجتماعي .
تقوم الرؤية الماركسية للواقع االجتماعي على نظرة جدلّية في المعرفة ،حيث
تتشَّك ل المعرفة من خالل الواقع االجتماعي كما أّن شكال من اشكال المعرفة يحّد د
رؤيتنا للواقع االجتماعي في الوقت ذاته ،1فكانت نظرية ماركس نظرية جدلية بحتة
تقوم على عالقة التأثر والتأثير بين االشكال المعرفية مختلفة وبين الواقع االجتماعي
الحضاري لمجتمع وطبقة ما ،و"يميز ماركس بين البنية األساسية للمجتمع وهي التي
تنطوي على قوى اإلنتاج والعالقات اإلنتاجية ،بوصفها تشِّك ل األساس الذي تنهض فوقه
كافة الظواهر األخرى (البنية الفوقية او اإليديولوجيا) ،2وينظر كُّل من ماركس وانجلز
لإليديولوجيا كونها "وعي زائف" ألّنها تمثل بعض المفاهيم واألفكار والقيم
(الملكية ،االّم ة ،الدولة) على اّنها كيانات طبيعية وكونية وانها ال تسمح بإظهار صفتها
التاريخية النسبَّية الخاصة ،إّن الوعي الطبقي يلتقي مع أيديولوجية جماعة اجتماعية
معّينة وبفضلها يتمَّك ن أعضاء أي جماعة من تحديد اتجاههم في الواقع" 3حيث نسب
ماركس صفة اإليديولوجيا إلى "كل ما ينأى عن الحقيقة ويضفي عليها صفة ال واقِّعية
15
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
16
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
إن مفهوم اإليديولوجية عند ماركس كان له إسهام قوي في علم االجتماع
واإليديولوجية على العموم هي وليدة الفكر والمجتمع األوروبي وذلك لما يحتويه هذا
األخير من تناقضات على مستوى الطبقات االجتماعية ،بعبارة أخرى انشغال المجتمع
األوروبي بالصناعة والتقدم التكنولوجي للتعبير عن وعي فئات اإلنتاج االقتصادي لدى
الطبقات ،ومنه تكون اإليديولوجيا طبقًا للمفهوم والّتصور الماركسي هي "الوعي
الزائف" اَّلذي ال يعّبر عن الحقيقة بل يشوههاِّ ،
ألن اإليديولوجيا من وجهة الّنظر
الماركسّية هي تبرير لمصالح الطبقة االقتصادّية المسيطرة في المجتمع ،وهي ليس لها
وجود مستقل وإ َّنما هي َالية تستعمل من قبل الرأسماليين لتبرير سطوتهم الطبقية،
وكحائط يحمي مصالح هذه الطبقة ضد أي تغيير".1
لإليديولوجيا فعالية في رسم صورة للواقع اّلذي يعيش فيه اإلنسان في مختلف
مجاالته و عالقاته ،وإ نتاجاته الفكّر ية ،ولعَّل الرواية أحد األشكال األدبية اّلتي استطاعت
احتواء المفاهيم اإليديولوجّي ة ضمن بنياتها الخطابية ،وأبدعت في رسم الواقع بشكل ِّفني
جمالي وبالَّتالي فاإليديولوجيا مجموعة األفكار ،ووجهات اّلنظر السياسَّية القانونَّية،
األخالقَّية الجمالَّية ،الدينَّية ،والفلسفَّي ة واإليديولوجيا هي جزء من البناء الفوقي وهي
إجماًال تعكس العالقات االقتصادَّية-على حسب الَّنظرَّية الماركسَّية-فالِّص راع
اإليديولوجي هي في حقيقته صراع طبقي ،هذه األخيرة اَّلتي هي واقع مزَّيف وبالّتالي
إيديولوجيا زائفة ،وقد اكتسبت اإليديولوجيا مفهومَا ماديًا من خالل أعمال ماركس
ونظرياته ومداخالته ،وقد كان ماركس مهتمًا بالًّد ور اَّلذي تلعبه اإليديولوجيا في تعميق
وتكريس عدم المساواة االجتماعية ،أو باألحرى التمييز بين البنية الفوقية والتحتَّية في
المجتمع البرجوازي فاإليديولوجيا كانت دائمًا مساعدًا في تحقيق مصالح الفئات الحاكمة
اَّلتي تشرف على المعرفة االجتماعية ،وكانت وظيفتها ومهَّم تها األساسَّية هي تبرير
لمجال اإلنتاج ،لهذا اكتسبت اإليديولوجيا مفهومًا مزيفًا كونها تحمل في طياتها مفاهيم
مزيفة تحت ِخ َّض م الِّص راع الطبقي.
المبحث الثاني :األيديولوجيا وسردية التاريخ
17
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
يعتبر التاريخ على أنه "جملة األحوال واالحداث التي يميز بها كائن ما وتصدق
على الفرد و المجتمع كما تصدق على الظواهر الطبيعية و اإلنسانية"،1ويرى البعض
أن التاريخ علم له قواعد وقوانين ،ما دفع بالمفكرين إلى الحديث عن (صناعة التاريخ)،
التي يضمن لإلنسان الوصول الى المجتمع اّلذي يريد ،واعتبره أن له سردية خاصة به،
تقصر المسافة بين النص التاريخي و النص الروائي ،2فاهتم به العديد من العلماء و
الدارسين ،ولعل اهم من تناوله بالدراسة والتحليل ،نجد "جورج لوكاتش" وتلميذه
"لوسيان غولدمان" ،و"بول ريكور" ،وغيرهم .ولكن سنطرق إلى من تم ذكرهم آنفا.
أوال "جورج لوكاتش" ،حيث تناوله في العديد من دراساته وكتبه من بينها "التاريخ
و الوعي الطبقي" وكتابه" الرواية التاريخية" ،ويؤكد جورج لوكاتش في كتابه "الرواية
التاريخية" إلى "أن ما يهم في الرواية التاريخية ،ليس إعادة سرد االحداث التاريخية
الكبيرة بل االيقاظ الشعوري للناس ،الذين برزوا في تلك االحداث ،وما يهم هو أن
نعيش مرة أخرى الدوافع االجتماعية و اإلنسانية التي أدت بهم ان يفكروا ويشعروا
ويتصرفوا ،كما فعلوا ذلك تماما في الواقع التاريخي" ،3حيث ان الروائي يعكس و يعبر
عن شخصيته ،وآرائه التي تعكس أيديولوجيته بشكل فني ابداعي ،فهو ال يصور فقط
احداث ووقائع تاريخية ،بل هو يجسد ما يحمله من أفكار حول قضية ما ،أو حدث
معين .
ويرى لوكاتش أن "التاريخ يسير في تقدم حتمي ،وأن العنف الثوري والصراع
الطبقي تعد وقائع منطقية وعقلية ،وأنه ال سبيل إلى التسوية بين المفهوم الوجودي عن
الحرية وبين الوحدة الجدلية للحرية التاريخية والضرورة التي قررتها الماركسية"،4إن
-1إبراهيم مدكور ،المعجم الفلسفي ،ص36
- 2عبد اهلل ولد اباه ،التاريخ و الحقيقة لدى بول ريكور (الهوية السردية و الذاكرة الحية) ،مجلة يتفكرون (فصيلة،
فكرية ثقافية)،ع، 2014، 3ص11
- 3جورج لوكاتش ،الرواية التاريخية ،تر :صالح جواد كاظم ،دار الطليعة ،بيروت ،د.ط 1978،ص46
- 4جورج لوكاتش ،ماركسية ام الوجودية ،تر :جورج طرابيش ،دار اليقظة العربية ،دمشق ،د.ط ،د.ت ص120
18
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
الرواية التاريخية هي "الشكل األدبي األكثر داللة على المجتمع البرجوازي،1حيث أنها
النوع الخاص لهذه الفئة أو الطبقة الصاعدة آنذاك (عصر الثورة الصناعية) ،ويعرف
جورج لوكاتش الرواية التاريخية أنها "رواية تاريخية حقيقية ،أي رواية تثير الحاضر،
ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات" ،2حيث أن الرواية عمل فني
ابداعي يتخذ من مادة التاريخ عنصر أساسي -إن صح القول في تشكيلها وتصور
الكاتب لها ،فالرواية التاريخية هي امتزاج التاريخ باألدب ،فالتاريخ ما هو اال حقائق
مجردة لوقائع تاريخية ،ويعتبر عنصر له أهمية في تكوين الرواية ،فاألدب حسب
لوكاتش ليس هو الواقع أو الحقيقة بل هو انعكاس لهما حيث يرتبط بموقف الكاتب إزاء
تطو المجتمع ،وبالتالي "ترتبط البنية الحقيقية لعمل أدبي ما بعملية تحسين الصورة التي
يرسمها العمل للعوامل االجتماعية األساسية التي تحدد صورة العالم المنظور" ،3وبهذا
فاألدب يعطي صورة لإلنسان والمجتمع ،فهو يعكس حياته من كل النواحي.
إن جورج لوكاتش كان يربط االدب بالسياق االجتماعي واأليديولوجي ،فقد "ازاح
لوكاتش نموذج البنية التحتية والبنية الفوقية ،لتأكيده على األولوية المنهجية لمفهوم
الماركسي عن الكلية االجتماعية" ،4رغم أن لوكاتش تأثر بأستاذه كارل ماكس اال أنه لو
يحذو حذوه فلوكاتش غير النظرة الماركسية التي ترى أن االدب انعكاس للبنية التحتية
فان العالقة الحقيقية بين االدب و المجتمع تكمن في الكلية (رؤية العالم)"،كما اتخذ
لوكاتش مفهوم "النمط") ،الذي ادخله ماركس وانجلز وطوره عن طريق استنباطه من
مقولة الكلية الهيجلية ،امال أّن يسمح له هذا المفهوم بتمييز االدب التجريدي والطبيعي
-1جورج لوكاتش ،نظرية الرواية ،تر :نزيه الشوقي ،دمشق ،ط 1987 ،1ص51
-2جورج لوكاتش ،الرواية التاريخية ،ص89
-3جورج لوكاتش ،دراسات في الواقعية ،تر :ناي ف بلوز ،المؤسسة الجامعية للنشر و التوزيع ،بيروت ،ط، 5
1985ص147،1ـ148
- 4نعيمة بولكعيبات ،سوسيولوجيا النص(تاريخ المنهج واجراءاته)،أطروحة ماجستير ،قسم اللغة العربية وآدابها،
جامعة الجزائر ،2010/2011،ص17
19
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
عن االدب الواقعي الذي يعكس الواقع بشكل محسوس فاألدب الطبيعي ال يتضمن
فحسب أعمال كاتب مثل زوال.
ودرس لوكاتش مفهوما آخرا ،مهد له وطوره تلميذه "لوسيان غولدمان" وأصبح
أساس "البنيوية التكوينية" وهو مفهوم "رؤية العالم ،وهذا المفهوم هو تحصيل حاصل
لما قدمه لوكاتش من مبادئ ومفاهيم كبرى ،فلكي تتحقق النمطية في االدب يجب أن
تتوفر على مفهوم الرؤية الكلية ،وهذا ال يتحقق اال اذا توفر مفهوم االنعكاس الذي قدمه
لوكاتش ،أي حضور البعد الجمالي في النص االدبي و تصوير للواقع االجتماعي،1
وعلى حد قول غولدمان "فرؤية العالم محكومة هي نفسها بالفئة االجتماعية التي ينتمي
اليها األفراد" ،2وبالتالي "يعتبر نشاط لوسيان غولدمان الفلسفي والنقدي امتدادا فكريا
ألعمال جورج لوكاتش...وتميزت اعمال غولدمان بتركيزها على علم اجتماع المعرفة
وعلم اجتماع االدب"،3وهذا كله أدى الى ظهور دراسة جديدة تحت مسمى "البنيوية
التكوينية" ،ومن أهم األمثلة التطبيقية التي قام غولدمان بدراستها هي "مؤلفات (بسكال
وراسين) في كتابه "اإلله الخفي" فقد عزل البنية المأساوية بتوضيح نموذج بسيط مؤّلف
من ثالثة عناصر :اهلل-االنسان -الكون ،وإ ن المبدع هو من يمثل ويعبر عن الطبقات
أو الفئات االجتماعية فكل عمل أدبي -على حسب رأي غولدمان– يتضمن رؤية للعالم
و التي يعرفها" على أنها ليست واقعة امبريقية ،وهي ال تتبع عالم التجارب اليومية التي
تتصف بالساللم القيمية المستقرة إلى حد ما ،حيث إّن العمل العظيم هو "المجموع
المعقد لألفكار والتطلعات والمشاعر التي تربط أعضاء الجماعة إنسانية(جماعة
تتضمن ،في معظم الحاالت ،وجود طبقة اجتماعية) وتضعهم في موقع التعارض من
20
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
مجموعات إنسانية أخرى" ،1والرؤية عند غولدمان تعني وجهة نظر االنساق الفكرية
لمجموعة من الناس يعيشون الظروف االقتصادية واالجتماعية نفسها وبالتالي يعكس
العمل االدبي الوعي االجتماعي ككلية حيث "أن القيم الروحية للنفس البشرية تعبر عن
نفسها بأشكال وبنى جمالية عديدة :أنها نظرة إلى العالم تتكون فيها وهذه النظرة ال تعبر
عن أفكار أو رغبات مجموعة أو فرد بل عن وعي ممكن لديهم ،أي وعي حقيقة
العالقات االجتماعية ال انعكاسها الذي تشوهه األيديولوجيا" ،2حيث أن رؤى العالم
ليست وقائع فردية ولكنها وقائع اجتماعية و بالتالي فإن "أي فكر أو أثر إبداعي ال
يكتسي داللته الحقيقية إال عند اندماجه في نسق الحياة أو السلوك ،زد على ذلك أنه ال
يكون السلوك الذي يوضح األثر وغالبا سلوك الكاتب نفسه ،بل سلوك الفئة االجتماعية
التي ينتمي إليها الكاتب بالضرورة"،3ومنه نرى غولدمان انطلق من مفهوم أن العمل
اإلبداعي االدبي ال يكمن في الفرد وحده ،بل الفاعل األساسي لإلبداع هم الجماعات
االجتماعية ،كما نالحظ أنه ازاح كلمة انعكاس في دراسته لألثر االدبي ،وهو يحبذ
تعبير" ،رغم اهتمام غولدمان بالوعي االجتماعي اال أنه لم يغفل عن دور الكاتب في
إبراز هذا الوعي في عمله اإلبداعي.
على حسب غولدمان "يحتوي كل عمل أدبي على نسق تصوري يمكن تعريفه بشكل
أحادي ،ويتجسد هذا النسق من خالل البنية الداللية والتي هي (بنية من المدلوالت) وأن
موضوع االبداع الثقافي الحقيقي هي الفئات االجتماعية وليس الفرد المتوحد المعزول،
و التطابق المنشود يحدث بين الرؤية الكونية المعبر عنها باألثر األدبي ،وبين الرؤية
الكونية السائدة لدى الجماعة ،فالفئات االجتماعية تؤثر في وعي الفرد وتولد
21
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
بنيته"، 1ومنه نرى أن األدب هو ملجأ الذي تلتقي فيه عبقرية الفرد بروح الشعب ،فال
تظهر فعلية الفرد إال من خالل تفاعله مع الفئة الجماعية ،وهذا االنسجام ككلية هو ما
يعبر عن رؤية العالم للجماعة ،فاألدب هو تعبير عن المجتمع وايديولوجياته ،وما يطرأ
عليها من تغيرات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تاريخية.
من أهم المصطلحات التي اًّطرت أفكار غولدمان نجد مصطلحي "الوعي القائم و
الوعي الممكن" ،وقد وجد من أصعب الكلمات ومصدر الصعوبة يكمن في أنه راجع
إلى الطابع االنعكاسي بكل تأكيد على الوعي ،حيث يدل على أمرين هما "الذات" و"
الموضوع" في الخطاب ،2يمكن القول "أن الوعي الممكن يتكون من الوعي الفعلي ،لذا
يرى غولدمان أنه العنصر المحرك لتاريخ االنسان" ،3إن الوعي يرتبط باإلنسان وهو
يكون ضمن جماعة معينة أي أن هناك عالقة قائمة بين الوعي والحياة االجتماعية
وهذه العالقة التي وصفها على أنها "مظهر معين "تستلزم دائما وجود عنصر معرفي
وعليه نفترض أنه في كل واقعة وعي البد من الوجود(ذات عارفة)،و(موضوع
للمعرفة)فطبيعة ذات العارف "ليست ألفردا معزوال وال جماعة دون زيادة ،بل هي بنية
جد متغيرة ينضوي تحتها في أن الفرد والجماعة أو عدد معي من الجماعات" ،4ومعناه
أنه البد من وجود ذات والموضوع ليكون هناك تناسق وتكامل على مستوى النص أو
العمل اإلبداعي ،ولدراسة أي واقعة وعي البد من أن تكون "مالئمتها للموضوع
22
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
الكلية" ،5ولحدوث هذا البدا "أن يتصل الوعي بمجموع الكون والتاريخ بل يجب
تحديدها بأكثر من الصرامة" ،كما سيوضحه غولدمان بقوله":
ا-كل واقعة اجتماعية هي من بعض جوانبها األساسية واقعة الوعي
ب-كل وعي هو ،قبل كل شيء ،تمثيل مالئم لقطاع معين من الواقع على وجه
التقريب".1ومنه يشترط حضور وتحقيق المالئمة والتطابق بين الوعي الفردي
والجماعي والواقع ،وعلى حد قول غولدمان فان "الوعي هو عنصر من الواقع
االجتماعي ووجوده نفسه في جعل مضمونه مالئما او غير مالئم"، 2بمعنى انه ذلك
الوعي الجماعي الذي تتبناه طبقة واعية او فئة معينة ومدى فعالية مالئمة هذا الوعي
ضمن هذه الجماعة أو فئة ،ومنه فان غولدمان ينظر إلى االدب كونه عمل ابداعي ال
يمكن فهمه االمن خالل فهم اجزائه المكونة له في عالقته مع بعضها أي ككل متكامل
وهذا ما يجعل من النص بنية ذات داللة ،تعبر عن طموحات وعي الجماعة التي
يتحدث الكاتب باسمها فالعمل االدبي الذي يقلب بنية فكرية لجماعة ما حيث ينطوي
على عالقة بسيطة بين العمل الفكري ،وهذه الجماعة فالفرد وحده ال يمكن ان يكون
بنية فكرية منسجمة االمع الجماعة وهذاما يقابله بما يسمى رؤية العالم.
ومن أبرز الدارسين للتاريخ نجد "بول ريكور" ،حيث كان أهم من تناوله بالدراسة
والتحليل ،وهذا بارز في مجمل كتبه من بينها( :الذاكرة ،التاريخ النسيان) (الزمان
والسرد) بأجزائه الثالثة( ،صراع التأويالت -دراسات هيرمينوطيقية )-وغيرها من
الكتب المهمة ،وخصص للتاريخ مكانة خاصة في اعماله ومداخالته ،فقد تطرق إلى
مفهوم األيديولوجيا من خالل كتابه (محاضرات في األيديولوجية واليوتوبيا) ،والذي
تعرض فيه الى أهم االنتقادات التي وجهها الى من اهتموا بمفهوم اإليديولوجيا.
23
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
يرى بول ريكور أن "التاريخ هو علم انساني" ،1أي أنه مرتبط بالحياة و بالواقع
اإلنساني ،و يقول ريكور في فصل آخر على أن التاريخ " مبحث غامض ،نصفه أدب
ونصفه اآلخر علم" ،2وقوله هذا معناه أن نصفه أدب كون التاريخ يمر عبر مرحلة
تسمى بالمرحلة التدوينية ،وفيها يكتب التاريخ ،حيث أنه "من بدايته حتى نهايته هو
كتابة وفي هذا الصدد تشكل االرشيفات (محفوظات) الكتابة األولى التي يواجهها
التاريخ"، 3حيث أنه يقوم على مراحل تدرس بإتباع منهجية العلوم التاريخية ،ويذهب في
مقال أخر إلى القول بأن التاريخ "هو شكل من أشكال المعرفة من خالل العالقة التي
يقيمها بين التجربة التي عاشها أناس في أزمنة أخرى ،وبين المؤرخ في وقت
الحاضر" ، 4ومعنى هذا القول أن التاريخ يقدم لنا حقائق وأحداث عاشها االنسان على
مر الزمان ووصلت إلى زمن المؤرخ الذي بدوره يعيد تكوينها من خالل كتابته
وسرده ،وبالتالي يصبح المؤرخ منتج لهذه المعرفة التاريخية فالمؤرخ ال يكتفي بتسجيل
أو بجرد هاته الحقائق ،بل يستوجب منه أيضا منهجية موضوعية ،أو(يمكن القول
منهجية علمية) من أجل استنطاق األثار التاريخية ،لهذا وصف ريكور التاريخ بالعلمي،
حيث أن "مجموعة اإلجراءات المستعملة في التاريخ هي جزء من الموازنة مع
التعريف التاريخي و نتيجة هذا أن ماضي اإلنسانية المعيش ال يمكن أن يسلم به
تسليما...وأن التاريخ يستهدف المعرفة ،ونيل رواية منظمة قائمة على سلسلة من
- 1بول ريكور ،الذاكرة ،التاريخ ،النسيان ،تر :جورج زيناتي ،دار المتاب الجديد المتحدة ،لبنان ،ط 2009 ، 1
،ص210-209
- 2بول ريكور ،الزمان و السرد( الحبكة و السرد التاريخي) ،تر :سعيد الغانمي وفالح رحيم ،دار الكتاب الجديد
المتحدة ،لبنان ،ط، 2006 ، 1ج، 1ص213
-3بول ريكور ،الذاكرة ،التاريخ ،النسيان ،ص213
-4بول ريكور ،الزمان و السرد ،ص158 ،157
24
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
العالقات السببية والغائية ،على أساس المعاني و القيم" ،1ويذهب ريكور إلى أبعد من
هذا ،حيث جعل من "األسطورة اصل التاريخ" ،2فهي المنبع األول للوعي التاريخي.
-1المرجع نفسه،ص159
-2بول ريكور ،الذاكرة ،التاريخ ،النسيان ،ص217
-3بول ريكور ،الزمان و السرد ،ص149
-4بول ريكور ،الزمان و السرد ،ص149
-5المرجع نفسه ،ص279
25
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
عالقة المباشرة بين السرد والتاريخ ،كما تطرق ريكور أيضا الى "موضوع التاريخ
الذي ال يقبل االختزال ذو الطابع االجتماعي ،التاريخ ينظر الى االفراد ومشاعرهم
وافعالهم في سياق بيئتهم االجتماعية" ،1فهاذا واضح كون التاريخ مرتبط بمجتمع
فالتاريخ يسرد لنا احداث ووقائع مرتبطة باألفراد وبالبيئة التي يعشون فيها (مواقفهم
وعواطفهم وافعالهم).
26
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
بطريقة مزدوجة سلبية و إيجابية ،بَّناءة و هَّد امة" ،4أي ان األيديولوجيا تحمل جوانب و
أليات سلبية واجتماعية في نفس الوقت.
ذهب ريكور في مقال آخر إلى القول بأن "نصف شيًئا بأَّنه أيديولوجي ليس ابًد ا
مجَّر د حكم نظري ،لكنه ينطوي عل ممارسة معينة ورأي في الواقع تقّد مه لنا هذه
الممارسة" ،1ونظرَّية بول ريكور فيما يخص أَّن األيديولوجيا كونها إضفاء للشرعّية
هنالك ثالث نقاط "األولى اَّن مشكلة األيديولوجيا هنا تتعلق بالفجوة بين االدعاء
واالعتقاد حقيقة اَّن اعتقاد المحكوم البد أّن يسهم بأكثر مّم ا يضمنه عقليا ادعاء السلطة
الحاكمة الثانية ،إّن وظيفة األيديولوجيا تتمثل في سد الفجوة ،وأما الثالثة فهي مطلب أن
تسَّد األيديولوجيا الفجوة بوحي بالحاجة الى نظرية جديدة في فائض القيمة التي ترتبط
بالقوة ويؤكد ريكور بأن هذا التعارض بين االدعاء واالعتقاد ملمح دائم في الحياة
السياسية ،وأَّم ا دور األيديولوجيا المستمر فهو توفير التكملة التي يتطلبها االيمان لتسد
هذه الفجوة" ،2ومنه فاإليديولوجيا تدور حول السلطة ،و تسد الفجوة -كما يقول ريكور-
حيث أّن لها وظيفة إيجابية واستمرارية حل هذا التعارض القائم بين االدعاء واالعتقاد
رغم ان هذا األخير دائم في الحياة السياسية ،ومنه فإن "وظيفة االدماج األيديولوجي في
هوية تاريخية واحدة تقوم على البنية رمزية للذاكرة الجماعية ،ألن الحدث المؤسس ال
يمكن أن ُيعايش مرة أخرى ،وهنا يصبح السرد التاريخي ضرًبا من األيديولوجيا"،3
فنفهم من هذا الكالم كله أن األيديولوجيا تحافظ على الهوية الفكرية والدينية والسياسية
والثقافية للحياة االجتماعية ،كون األيديولوجيا بحد ذاتها مجموعة أفكار ،فالمجتمع في
األصل يحمل في طياته أفكار ومعتقدات يؤمن بها ،حيث تتشكل على ارض الواقع،
- 4جنات بلخن ،نظرية السرد التاريخي عند بول ريكور ،أطروحة ماجستير ،كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية -
قسم الفلسفة ،جامعة قسنطينة ،2009/2010 ،ص106
-1بول ريكور ،محاضرات في األيديولوجيا و اليوتوبيا ،ص12
- 2بول ريكور ،محاضرات في األيديولوجيا و اليوتوبيا ،ص14
-3جنات بلخن ،نظرية السرد التاريخي عند بول ريكور ،ص111
27
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
فيصبح بذلك جزء من حياته الشخصية واالجتماعية ،وبالتالي فاأليديولوجيا جزء من
التاريخ ،حيث أنه ال يمكن لمجتمع ما أن يصِّو ر حياته دون اللجوء إلى السرد التاريخي
فهو يمّثل ذاكرته وهوَّيته ووجوده في العالم الواقعي ،وهذا ما أقَّر ه كٌّل من جورج
لوكاتش وبول ريكور في دراستهم للتاريخ البشري حيث أَّن هناك عالقة بين
األيديولوجيا والتاريخ .
يعتبر عنصر التخييل من أهم العناصر السردية في الكتابة األدبية ،فال يخلو نص من
هذا العنصر ،فهو يضفي للنص ميزة جمالَّية وفنّي ة تخلق صور إبداعية ضمن حيثيات
النص ،وكون األيديولوجيا جزء من هذا النص ،فهي تحتك بعنصر التخييل وهذا يخلق
نوعا من الديناميكية المتحركة -إن صح التعبير-في ثنايا النص فاإليديولوجيا هي
عبارة عن أفكار ومعتقدات جماعة او طبقة ما تتسلل النص لتثبت وجودية وهوية تلك
الجماعة ،والكاتب يعبر ويسرد لن تصوراته عن تلك األيديولوجيا المتصارعة في
الواقع ،ولهذا نجد أن هناك نوع من المفارقة في التعبير عن الواقع باالستعمال عنصر
التخييل ،و لهذا نجد أن افضل جنس ادبي للمزج بين الواقع والتخييل هي
الرواية ،فالرواية هي أجدر جنس يعتبر عن أيديولوجيا مجتمع أو طبقة ما بشكل فني
جمالي .
هن ;;اك ع ;;دة دراس ;;ات ح ;;ول عالق ;;ة اإلي ;;ديولوجيا بالتخيي ;;ل ،وأهمه ;;ا دراس ;;ات (ك ;;ارل
مانهايم وألتوسير).
تطرق كارل مانهايم لمصطلح األيديولوجيا في كتابه الموسوم ب "األيديولوجيا
واليوتوبيا "والذي نشره عام 1936وبفضل "كارل مانهايم" أصبح لعلم اجتماع المعرفة
28
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
مجاال إلعادة تقدير الفعل المعرفي وايعاده عن حصيلة الوعي النظري الصرف ،حيث
يؤكد مانهايم أن المعرفة ترتبط بالوضع ومجموعة الظروف االجتماعية التاريخية ،وإ َّن
كل عصر يعرض أسلوبه وطريقته الخاصة في التفكير بحيث ال يمكن المقارنة بين هذه
األساليب في كل عصر فاألولى تنتج اإليديولوجيا والثانية تنتج الطوباويات ،ألن هناك
ميوال متعارضة إزاء المحافظة والتغيير.1
يذهب مانهايم إلى القول "أن كل أشكال التفكير ذات طابع إيديولوجي
فاإليديولوجيات نسق ألفكار الجماعة ترتبط بالمصلحة ،وفي صدد نفسه يذهب إلى
القول بأن "األفكار ال تنبثق بين البناءات االقتصادية و الطبقية فحسب ،بل ترجع أيضا
الى خبرات الحياة ،ونماذج السلوك التي تتجسد في الجماعات االجتماعية المختلفة"،2
ويعني هذا "أن األيديولوجيا مرتبطة بطبقة االجتماعية حينما تكون في الحكم ،وتقابلها
اليوتوبيا هي فكر الطبقة المحكومة" ،3وفي سياق نفسه يذهب مانهايم رؤية أن أي
معالجة البد فيها الباحث أن يميز بين معنيين لإليديولوجيا هما" :المعنى الجزئي"،
"المعنى الكلي" ،ويقصد بالمعنى الجزئي للفظة األيديولوجيا على-حد قول مانهايم– هو:
"عندما تدل الكلمة على أننا نتخذ موقفا متشككا اتجاه األفكار وتصورات التي يتقدم بيها
خصمنا ،إذ نعتبرها تمويهات واعية تخفي الطبيعة الحقيقية لوضع لن يكون االعتراف
بحقيقته متفقا مع مصالح هذا الخصم ...وتتراوح هذه التحريفات بين األكاذيب
المقصودة ،والتمويهات شبه المقصودة أو غير مقصودة ،وبين المحاوالت المتعمد
لخداع األخرين أو خداع الَّنفس" ،4أَّم ا فيما يتمثل عن المعني الِّك لي فذهب مانهايم إلى
القول بأَّن ه" :إيديولوجيا عصر ما أو إيديولوجيا جماعة تاريخَّية-اجتماعية محَّد دة
- 1بكري خليل ،األيديولوجيا و المعرفة ،دار الشروق ،األردن ،ط،2002 ، 1ص96
-2محمد عاطف غيث ،قاموس علم االجتماع ،ص234
- 3سعيد عموري ،الرؤية األيديولوجية والتشكيل الفني في رواية شرق المتوسط لعبد الرحمان منيف ،أطروحة
ماجستير ،كلية اآلداب واللغات -قسم اللغة العربية وآدابها ،-جامعة الحاج لخضر ،باتنة ،2011،2010 ،ص12
-4كارل مانهايم ،األيديولوجية واليوتوبيا ،ص129
29
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
كإيديولوجيا طبقة مثّال ،عندما يكون هدفنا هو أن نوِّض ح سمات وتركيب البناء الكِّلي
لعقلية ذلك العصر أو هذه الجماعة" ،1نالحظ أَّن هناك عناصر مشتركة في هذين
المفهومين حيث أَّن الذات تعّب ر عن أفكارها ،وهاته األخيرة هي السبب في وجودها،
وبالّتالي فإَّن الوضع المعاش يعود عليها بالّتأثير في أراءها و إدراكاتها و تفسيراتها،
ومنه فإَّن أفكار الشخص تعّبر عن ذاته.
كما تطرق مانهايم في كتابة "األيديولوجيا و اليوتوبيا" إلى التمييز بين األيديولوجيا
واليوتوبيا ،حيث يرى أن األيديولوجيا "تهدف الى الدفاع عن الوضع الفعلي الراهن ،
والمحافظة على استمرارية الواقع ،واإليديولوجيا فعالية في الميدان السياسي مرتبطة
بمصالح الفئات التي تتصارع لتصل إلى السلطة السياسية والمصلحة هنا تعنى
المصلحة االقتصادية الجلية ،حيث ترى ذاتها حقيقة مطلقة ومنافسها غلطا تدليسيا،
وااليديولوجيا تحفظ هوية الجماعة " ،2و"األيديولوجي يتعامل مع الواقع و يسعى إلى
تغييره" ،3ومعناه اإليديولوجيا مجموعة أفكار ترتبط ارتباطا وثيقا ،فكل ما يهُّم الجماعة
هو مصلحتها سواًء اكانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية .
أما اليوتوبيا في نظر مانهايم فهي مرتبطة بفكر الطبقة المحكومة وهي نوع من
الَّتفكير يتمحور حول تمُّثل المستقبل ،4و هناك تعريف آخر لليوتوبيا من خالل نظرة
مانهايم أنها" هي ذلك النوع من التفكير الذي يركز على الَّنظر الى المستقبل بصورة
مستمَّر ة ،وأحد أهم وظائفها هو زلزلة النظام الذي يحاول أنصار األيديولوجيا المحافظة
عليه ،أي أنها أحالم تلهم الجماعات المعارضة التي تهدف تغيير المجتمع تغييرا
كامال،5يرى مانهايم أن "كل من المفهومين ُي لح على وجوب أن تقاس كل فكرة بمدى
30
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
31
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
ومن أهم النقاد الذين حاولوا تطوير النظرية الماركسية وتجديدها نجد ألتوسير
وهو فيلسوف ماركسي فرنسي ،حيث ذهب للقول على االدب أن يبتعد عن األيديولوجيا
فهو يعتبر معاٍد لإليديولوجيا وفاضح لها وهو ال يعبر عن تماسكها و تكاملها"،1ويرى
حميد الحميداني أّن تحديد ألتوسير لمفهوم األيديولوجيا يلتقي مع المفهوم الماركسي
كونها وعي زائف ،حيث يميز ألتوسير بين العلم وااليديولوجيا من جهة ،وبين الوهم
واأليديولوجيا من جهة أخرى ،حيث يعتقد ان األيديولوجيا هي انعكاس غير واقع لعالقة
إنسان بعالمه ،وهي تركز على الجانب العملي ،غرضها تكييف االنسان لواقعه وهي
أيضا تحتوي على حقائق و تنطوي على تزييف ،و بالتالي فهي تضم "مقوالت عقالنية
أو ال عقالنية" ،2ومنه نرى أن مفهوم ألتوسير لأليديولوجيا مختلف عن مفاهيم
سابقية ،ويقول ألتوسير في هذا الصدد أن "خصوصية األيديولوجيا هي التي تقنع الناس
بحريتهم وسيادتهم ،وكل األيديولوجيات لديها وظائف ،بل اعتقد أن األيديولوجيا تكون
أبدية أو خالدة مثل عدم الوعي فاإليديولوجيا في أحد معانيها هي شعور أساسي لربط
االجتماعي" ،3وهنا يبين ألتوسير أهمية األيديولوجيا بالنسبة للجماعة ،فهي مرتبطة
بحريتهم وسيادتهم وسلطتهم فهي تشكل وتبني ترابط بين جماعة ما.
يرى ألتوسير أن "الفن ال يمكن اختزاله الى مجرد أيديولوجيا ،أن له عالقة
فاإليديولوجيا تدلنا على الطرائق الخيالية التي يختبر الناس بواسطتها العالم الواقعي،
وهذا بالضبط ما يفعله االدب ،حيث يشعرنا أننا نعيش ظروفا معينة بدال من أن يقدم لنا
تحليال مفهوميا لهذه الظروف ،أن االدب عالق بشبكة أيديولوجيا ،ولكنه يعمل في الوقت
نفسه على تبعيد نفسه عنها الى درجة ندرك فيها المنابع األيديولوجيا التي تصدر عنها،
بقيامه بذلك ال يعلم الفن ،واالدب كذلك على تمكننا من معرفة الحقيقة التي تحجبها
32
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
إلى الوجود تكون األيديولوجيا قد حددت من قبل مجموعة نوعَّية من األدوار ،ومنه فإّن
3
"كل األيديولوجيا تنادي أو تستدعي افراد ملموسين ،بصفتهم ذوات ملموسة ،عبر وظيفة
مقولة (الذات)" ،4ومعناه ان الفرد يعبر عن موقفه وفكره للعالم وللمجتمع الذي ينشأ
-2زكريا إبراهيم ،مشكلة البنية (أضواء على البنيوية) ،مكتبة مصر ،مصر ،د ط ،1990 ،ص219
-3ديفيد هوكس ،األيديولوجية ،ص100
-4بول ريكور ،محاضرات في األيديولوجية واليوتوبيا ،ص222
33
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
فيه من خالل ربط هذا الواقع لهذا المجتمع و تصوراته بالبنية التي يحتويها الفرد
فيصبح بذلك ذوات في صلة مع ذات الفرد.
لقد ذهب ألتوسير حول مفهومه لأليديولوجية ،إلى القول بأّنه" :الطريقة المتخيلة
التي يزاول فيها الناس تجربة حياتهم الواقعية ،أي تمثيل المثالي لعملية مادية"،1
يمكن القول أَّن اإليديولوجيا عند ألتوسير تمثل صور وأفكار خيالية وهمية وعموما
تنتج عمليات ودوافع ال يدركها الفرد بوعيه لها (ال واعية) ،فاإليديولوجيا ال تعبر عن
عالقة حقيقة للناس بظروف عيشهم ،بل هي تعبر عن تصورات وتخيالت هذه الجماعة
حول ظروفهم ومستقبلهم ومعناتهم في هذا العالم الواقعي.
وفي األخير يمكن القول ان لإليديولوجيا معنى آخر تمت صيانته وبلورته عبر
العديد من النظريات و الدراسات و التصورات ،فقد اكتسب هذا المفهوم مع الوقت
خصائص ومميزات ،مكنت له التحول الدائم في مختلف المجالت المعرفية،
منها(الفلسفية ،السياسة ،األدبية و الفكرية) كون هذا المفهوم مرتبط بفكر جماعة أو
طبقة الفئة اجتماعية ما تحاول البحث عن مكانها في العالم الواقعي الكبير ،فهناك من
اعتبرها مفهوم سلبي ،أي وهم وزيف ،ومنهم من اعتبرها إيجابية تحاول التعبير عن
الواقع من حركيته وفي سعيه في نهضة المجتمع وتطوره ،وبالتالي فاإليديولوجيا هي
التي تحدد مصالح الفرد والمجتمع نحو تحقيق أهدافه التي يرسمها ،والتي يحدد طبيعتها
ودرجة وعيها الحامل لهذه األيديولوجيا سواء أكانت سلبية او إيجابية ،وبذلك اعتبر
مفهوم األيديولوجيا من أهم المفاهيم وأكثرها تدوال في الحياة االجتماعية ،والفكرية
والسياسية .وقد اعتبر هذا المفهوم من أكثر المفاهيم مثير للجدل ،حيث تعددت معانيه
واستعماالته النص األدبي ،فتشكلت عالقة بين األيديولوجيا وبين هذا النص وتعتبر
الرواية أفضل جنس أدبي احتواء للقيم واألفكار التي تسود جماعة أو طبقة معينة
فاستطاعة الرواية أن تخلق من التناقض بين الواقع وبين المكون الجمالي عالما منسجما
ديفيد هوكس ،األيديولوجية ،ص102 1
34
األيديولوجية و العمل الفني الفصل الثاني:
يعبر عن رؤى وتصورات الجماعة بشكل أدبي جمالي وعلى هذا األساس تدخل
األيديولوجيا الى الرواية باعتبارها مكونا جماليا في يد الكاتب ،وهذا األخير الذي يصنع
منها ما يشاء وبطريقته الخاصة في التعبير عن هذا العالم الواقعي بشكل أدبي جمالي .
35
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
الفصل الثالث:
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية أميركا
المبحث األول :ملخص الرواية
المبحث الثاني :دراسة البنية السردية للرواية
36
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
رواية "أميركا" هي رواية تحتوي على 430صفحة و 126فصل ،حيث يلخص فيها
ربيع جابر قصة حياة شابة فقيرة جميلة من أصول سورية تدعى "مرتا اندراوس حداد"
حيث هاجرت إلى أمريكا في بدايات القرن الماضي بحثا عن زوجها اّلذي انقطعت اخباره
ورسائله ،هذا األخير الذي سبقها الى هناك ،ولم يسأل عنها ،فقد تعَّر ف على امرأة
أمريكية وتزوج معها ،وعاش حياته ولم يفكر في أمر زوجته اَّال بعد فترة من الزمن
لقد بدأت رحلة مرتا إلى أميركا سنة 1913م ،ولقد وصلت إليها وهي وحيدة ليس معها
إال كيس به زّو ادة بسيطة وقليل من المال ،و كان اتجاهها الوحيد هو مكان عمل زوجها
عند السيد هارمان(تاجر أمريكي) ،فالجميع ال يعرف(خليل) أو(جو) كما يطلقون عليه
هناك ولكن لم ُي سمع عليه أي خبر ،وال أحد يعرف مكانه أو ما حدث له ،فتقرر مارتا
العمل عند تاجر أمريكي له معمل خياطة ،في انتظار أن تسمع أخبا ار عن زوجها ،تمُّر
األيام وتكتشف مرتا أنه تزوج غيرها ،وقد علمت بهذا بعد صراعات و معاناة مرت بها
أثناء رحلتها إلى أميركا ،ففي هذه أثناء شاهدت أناًس ا كثر من مختلف األصناف ،وكان
في كل مرة يظهر لها من يساعدها أو يقضي لها حاجتها ،بعد رحلة مليئة بالمصاعب
وهي تنتقل من مدينة إلى أخرى ،من بيروت إلى اإلسكندرية ،إلى مارسيليا ،مرو ار بالكثير
من األماكن األخرى ،وصوال إلى أليس أيالند" ،أول محطة لها في أميركا ،ولقد دارت فيه
معظم أحداث الرواية ،حيث شكلت نقاط تحول في حياة مرتا( البطلة).
تحكي الرواية قَّص ة "مارتا حداد" ،كما تحكي أيضا عدة قصص أخرى لشخصيات
مختلفة ،يستعرض ربيع جابر في هذه الرواية أحداث شيقة ومغامرات التي واجهتها بطلة
37
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
الرواية مارتا برباطة جأش ،رغم المعاناة والتغيرات التي شهدها العالم في خضم تداعيات
الحربين العالميتين ووباء األنفلون از واألزمة االقتصادية العالمية في عام ،1929كما
تناولت الرواية التطورات االقتصادية واالجتماعية و تأثيرها على المهاجرين السوريين،
وتضمنت الرواية العديد من المعلومات التاريخية القِّيمة التي تخص الجالية السورية
خصوصا ،مثل األسباب التي دعت إلى ارتفاع عدد السوريين المغتربين إلى خمسة
االف ،وذلك عندما رفعت "مصانع فورد" األجور ،واشتباك السوريين بالسكاكين في
مانهاتن سنة 1945م ،بسبب خالفات وانقسامات دينية والعديد من الحقائق
التاريخية ،كأن الروائي يؤرخ لنا الَّتاريخ .
بعد أن عرفت مرتا مكان زوجها (خليل) تقرر سفر إليه ،لتصل إلى مزرعة ،حيث تراه
متبخت ار بجانب سيدة أمريكية ،محاطا بسيدات اخريات ،في صورة لم تعهد مارتا أن تراه
فيها فيلمحها ،ولكن مرتا ترفض النزول من العربة ،وتعود أدراجها وهي في حالة من
الجمود والدهشة ،ولكنها تقِّر ر تجاهل األمر وبناء حياتها من جديد ،فتكافح وتعمل حتى
نراها في نهاية الرواية قد وصلت إلى سن الثمانين ولها أوالد واحفاد في كاليفورنيا ،ولقد
أصبحت ثرية لها أمالك وتجارة.
المبحث الثاني :دراسة البنية السردية للرواية
-1العنوان:
يعتبر العنوان من أهم العناصر الداللية في الكتابة الروائية ،كونه يعُّد عنص ار مهما
في دراسات األدبية على وجه العموم ،والسيميائية على وجه الخصوص ،فهو العتبة
األولى التي يستقرؤها القارئ للنص األدبي ،إذ هو يمدنا بزاد ثمين لتفكيك النص ودراسته،
ونقول أنه يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه وهو المحور
38
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه" ،1و منه فالعنوان مرتبط ارتباطا شديدا بالنص،
يخلق نوعا من الوساطة بين النص و خارجه.
أ-العنوان الرئيسي:
يجدر بنا في هذه الدراسة ان ننطلق من المعنى اللغوي للكلمات التي يشكل منها
العنوان ،وقد جاء عنوان الرواية كلمة واحدة تحيل إلى اسم بلد وهو "أميركا" ،و قد اكتفى
الكاتب بهذه الكلمة ،كونه رأى أنها تشبع نصه ،فكلمة "أميركا" كما جاءت في المعجم
الوسيط مقسمة إلى قسمين (أميركة الجنوبية) :وهي إحدى قارات الدنيا السبع ،اكتشفت
كـأمريكا الشمالية في نهاية القرن الخامس عشر وهي بين المحيطين :األطلسي و الهادئ
وفي جنوبّي أميركة الشمالية ،وبين خطّي العرض 8الشمالي 55 ،الجنوبي ،وهي على
شكل مثلث كبير تقريبا ،رأسه الى الجنوب ،وجزؤها الشمالي في المنطقة الحارة ،و النسبة
إليها :أمريكي جنوبي.
أما القسم الثاني منها ،فهي (أمريكا الشمالية) :احدى قارات الدنيا السبع ،اكتشفت
كأمريكا الجنوبية في نهاية القرن الخامس عشر ،وهي بين محيطين :األطلسي و الهادئ
وفي شمالها المحيط الجامد الشمالي ،وهي كذلك على شكل مثلث كبير ،رأسه إلى
الجنوب ،وتقع بين خطي العرض 10و 83الشماليين ،و تمتّد من المنطقة الحارة إلى
المنطقة الجامدة الشمالية ،و بالنسبة اليها :أمريكي شمالي.2ومنه نرى أن الروائي وظف
لفظة اميركا كعنوان لنصه ،وهذا ليس اختيا ار اعتباطيا ،إو نما هو داللة على مكان تدور
فيه معظم أحداث الرواية ،أو باألحرى مكان الذي تتواجد في الشخصية البطلة ،كما تدُّل
أميركا على أنها مدينة التحُّض ر والتطور الصناعي ،وكانت ملجأ للعديد من القادمين من
دول العالم الثالث ،وهذا ما سنكتشفه أثناء تجولنا في أعماق الرواية .
- 1محمد مفتاح ،دينامية النص ،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء ،ط ،1990 ، 2ص72
-2المعجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر ،ط ،2004 ، 4باب (امر) ،ص26
39
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
-2الشخصيات:
احتلت الشخص ;;ية أهمي ;;ة بالغ ;;ة في الد ارس ;;ات واألبح ;;اث األدبي ;;ة ،فهي حص ;;يلة لع; ;َّد ة
معطي ;;ات داخلَّي ة في الرواي ;;ة ،فالشخص ;;يات هي من ص ;;نع أنام ;;ل ال; ;ِّر وائي ونت ;;اج مخِّيلت ;;ه
اإلبداعَّية ،كما يقول تدوروف" :هي من قبل كّل شيء قضية لسانَّية فالشخصيات ال وج;ود
له; ;;ا خ; ;;ارج الكلم; ;;ات ،ألنه; ;;ا ليس; ;;ت س; ;;وى كائن; ;;ات من ورق" ،1أن الشخص; ;;ية هي المح; ;;ور
األساسي الذي تنبني عليه االحداث ب;;دونها يك;;ون الَّنص ص;;امت وال حي;;اة في;;ه ،كم;;ا ي;;ذهب
ك;;ل من اوس;;تن وارين وريني;;ه ويلي;;ك الى الق;;ول ب "أَّن شخص;;ية م;;ا في الرواي;;ة تختل;;ف عن
الشخص;;ية تاريخي;;ة او الشخص;;ية موج;;ودة في الحي;;اة الواقعي;;ة ،فالشخص;;ية في الرواي;;ة إنم;;ا
تتألف فقط من الجمل التي وضعها المؤلف على لسانها-وليس له;;ا أحياًن ا حي;;اة مس;;تمرة"،2
ومعناه أن الشخصية التي يخلقها الَّراوي هي مجرد ممثل للشخصّية الواقعّية ،والشخص;;يات
في الرواي;;ة معظمه;;ا تك;;ون خيالي;;ة ،أو تك;;ون بالص;;دفة تمث;;ل شخص;َّية من الواق;;ع ،وه;;ذا م;;ا
ش;;هدناه في رواي;;ة "ربي;;ع ج;;ابر" ،وق;;د أوض;;ح ذل;;ك في بداي;;ة كتاب;;ه ،ومن;;ه فالشخص;;يات هي
من تصنع الروائي ،كذلك فعل ربيع جابر حين أبدع في خلق شخص;;يات "اميرك;;ا" ،تن;;وعت
الشخص;;يات وتع;;ددت وظه;;رت في ت ارب;;ط ف;;ني ارئ;;ع ،حيث أنه;;ا ج;;اءت متناس;;قة م;;ع مس;;ار
الس ;;ردي للرواي ;;ة ،فك ;;ل شخص ;;ية تحم ;;ل أي ;;ديولوجيا معين ;;ة ،وم ;;ع تق; ;َّد م الحكي ي ;;زداد ع ;;دد
الشخص;;يات ،فالشخص;;يات في "اميرك;;ا" لعبت دوًرا ريادي;;ا في تط;;وير العم;;ل ال;;روائي ،وفي
تحريك االحداث السردية ،فال يظهر حدث جديد في رحل;ة "مرت;ا" إَّال و تظه;ر لن;ا شخص;ية
جديدة ،و من هذه الشخصيات نذكر:
-مرتا اندراوس حّد اد ،خليل مرتا ،السيد هرمان ،قمر الدين ،دلزي ،اليزابيث ،قاس;;م عب;;د
الب;اقي ،علي ج;ابر ،جوزي;ف اس;طفان ،الحاج;ة م;اري ،ج;رجي إب;راهيم...وهنال;ك العدي;د من
الشخصيات التي لعبت دو ار مهًم ا في تشكيل أحداث الرواية.
- 1ناصر الجيالن ،الشخصية في قصص االمثال العربية (دراسات في االنساق الثقافية للشخصية العربية ) ،المركز
الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ،ط ،2007 ، 1ص.60
- 2اوستن وارين ورينيه ويليك ،نظرية االدب ،المجلس األعلى لرعاية الفنون و اآلداب و العلوم االجتماعية ،تر:
محي الدين صبحي ،د.ط ،1972 ،ص26
40
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
لق; ;;د قمن; ;;ا بتقس; ;;يم الشخص; ;;يات إلى قس; ;;مين (شخص; ;;يات رئيس; ;;ية ،وشخص; ;;يات ثانوي; ;;ة)
وسندرجها في جدول:
أ-الشخصيات الرئيسية:
تمثلت في :شخصية "مارتا أندراوس حّد اد" :وهي الشخص;;ية ال;;تي أنبت عليه;;ا ربي;;ع
جابر االحداث الروائية ،فالشخصية الرئيسية " هي التي تق;;ود الفع;;ل وتدفع;;ه إلى األم;;ام في
ال ;;دراما والرواي ;;ة ،أو أي أعم ;;ال أدبي ;;ة أخ ;;رى ،وتع ;;ني الكلم ;;ة في أص ;;لها اليون ;;اني "المقات ;;ل
االّو ل"،1فالرواي;;ة تع;;الج االنس;;ان في ح ;ّد ذات;;ه في نزاعات;;ه المختلف;;ة من حب واغ;;تراب وألم،
وكل هذا تشّك ل في شخصية مرتا البطلة الرئيسية في الرواية.
صفاتها الشخصية
مرتا اندراوس حّد اد :هي سورية من قري;;ة وال;;تي ع;;رفت بنفس;;ها "س@@ورية ،أن@@ا من قري@@ة
بتاتر ،من عائلة مسيحية محافظة ،والتي بتاتر في جبل لبنان ،بتاتر قريبة من عالي@@ة
تس ;;افر بح ; ار الى اميرك ;;ا من اج ;;ل البحث وبحمدون".2
عن زوجه; ; ; ;;ا "خلي; ; ; ;;ل" ،ال; ; ; ;;ذي ذهب الى "لكن عيوًن ا كث@ @@يرة تتأم@ @@ل وجهه@ @@ا ،الك@ @@نزة
هناك و لم يعد يسأل عنها ،فقد تزوج من الص @ @@وفية طويل @ @@ة وتخفي مالمح جس @ @@مها.
امرأة أمريكية األصل وعاش حياته ونسي لكن ه @@ذا يض @@اعف جماله @@ا :ه @@ل نق @@ول إن
زوجت ; ;;ه "مارت ; ;;ا" ،بع ; ;;د بحث مط ; ;;ول رأت ن@@@@@@@@و ار يتحَّل ق حوله@@@@@@@@ا؟ ...إلى كتفيه@ @ @ @@ا
مرتا زوجها مع زوجته االمريكية ،فهذا لم المبرومين إو لى جبهتها العريضة.3
يمث ;;ل ص ;;دمة أبدي ;;ة له ;;ا ،ب ;;ل جعلت من "هي تعرف كيف تتكلم"4بلسان خالها
ذلك المشهد نقطة تحّو ل بالنسبة لحياته;ا" ،كانت تط@رز المنادي@@ل ،وي@@أتي السمس@@ار من
- 1إبراهيم فتحي ،معجم المصطلحات األدبية ،المؤسسة العربية للناشرين المتحدين ،التعاضدية العمالّية للطباعة و
النشر ،صفاقس -تونس ،ط ،1986 ،1ص.212-211
- 2ربيع جابر ،اميركا ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط ،2010، 2ص12
-3الرواية ،ص18
-4الرواية ،ص19
41
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
حيث أنه;;ا لم تل;;ق ب;;ال ل;;ه ،فأسس;;ت عمال ب@@@@@@يروت ويأخ@@@@@@ذ المنادي@@@@@@ل ويختم عليه@@@@@@ا
له; ; ;;ا في بل; ; ;;د الغرب; ; ;;ة ،و ك; ; ;;ونت ث; ; ;;روة ،الص@ @ @@ندوق ويرس@ @ @@لها م@ @ @@ع البض@ @ @@اعة إلى
وت; ;;زوجت من رج; ;;ل لبن; ;;اني ي; ;;دعى "علي اميركا" .1تفحَّص ت "ش@@غلها" أيض@@ا .أرادت أن
ج;;ابر" ،و ك;;ان زواجهم;;ا أَّو ل زواج م;;دني تخرج الص@@نارة وك@@رة الخيط@@ان والقطع@@ة ال@@تي
في أمريك; ; ;;ا ،وانجبت من; ; ;;ه أربع; ; ;;ة أبن; ; ;;اء تطرزه @@ا"،2دالل; ;;ة على أنه; ;;ا ك; ;;انت تعم; ;;ل في
ذك; ; ; ;;وًرا إو ناَث ا ،م; ; ; ;;اتت في 1973م عن مجال التطريز.
3
"هي لم تخرج في حياته@@ا لم ت@@ركب القط@@ار" عمر يناهز الثمانين عاما.
يدل هذا على انغالقها في مكان واح;;د ،حيث
أن "مرتا" لم تسافر ولو مرة واحدة في حياته;;ا
فك;;ان س;;فرها الى اميرك;;ا تح ;ٍّد كب;;ير من ام ;رأة
عربَّية ،وهذا ألَّنها عاشت في مجتم;ع ذك;وري
وتش ; ; ; ;َّبعت بتقالي; ; ; ;;د عربي; ; ; ;;ة فرض; ; ; ;;ها عليه; ; ; ;;ا
المجتمع العربي.
"ب;;دت الم@رأة فاتن@ة الجم@ال .ه@ذه مرت;;ا ونحن
نعرفه; ; ; ; ;;ا لكَّنهم يرونه; ; ; ; ;;ا للم ; ; ; ; ;َّرة األولى :من
وجهه@@ا الم @دَّو ر ش ;;ع ض ;;وء غ ;ريب...عيناه@@ا
الواسعتان تج;;اوزت الِّر ج;;ال والنس;;اء"،4وص;;ف
لجم ; ;;ال مرت ; ;;ا ،حيث لمح العدي ; ;;د في أمريك ; ;;ا
جمالها وأعجبوا بها.
"ال@@رّب يس@@اعدني ،ق@@الت مرت@@ا" ،5دالل ;;ة على
-1الرواية ،ص19
-2الرواية ،ص67
-3الرواية،ص21
-4الرواية،ص55
-5الرواية،ص67
42
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
ب -الشخصيات الثانوَّية:
تمثلت في العديد من الشخصيات ،والتي مَّر ت في حياة "مرتا حَّد اد “ ،فكان لها دور
مهم في تحريك األحداث السردية للرواية ،فالشخصيات الثانوية دوًرا ال يقُّل أهمية عن
الشخصَّية الرئيسية ،كونها شخصيات مساعدة للبطلة الرئيسَّية ،ومن هذه الشخصيات
نجد:
صفاتها الشخصَّية
-1خلي@@@ل ح@@@َّداد(ج@@@و) :ش ; ;;اب س ; ;;وري في "يش@@تغل عن@@د الس@ِّيد هرم@@ان ،ي@@بيع بض@@اعة
العش; ;رينات من العم ;;ر ،زوج بطل ;;ة الرواي ;;ة في نيويورك وبروكلين ،وأماكن أخرى".2
"مرتا حَّد اد" ،وه;;و اله;;دف اّل ذي تس;عى إلي;;ه "ت@@@@رى خلي@@@@ل بقامت@@@@ه الَّطويل@@@@ة وض@@@@حكته
المحبَّبة".3 هذه البطَّلة.
"خليل حّد اد قال إنه يتعلم بسرعة".4
ق@@ال الس@@يد هرم@@ان أَّن ه ك@@ان أس@@رع وأنش@@ط
الب@ @@ائعين...اقت@ @@نى عرب@ @@ة وحص@ @@انا وب@ @@ات
-1الراوية ،ص67
-2الرواية ،ص42
-3الرواية ،ص60
-4الرواية ،ص61
43
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
-1الرواية ،ص62
-2الرواية،ص56-55
-3الرواية،ص61
-4الرواية،ص58-57
-5الرواية،ص58
-6الرواية،ص59
44
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
مه; ; ;;اجر ،وم ارف; ; ;;ق للبطل; ; ;;ة أثن; ; ;;اء هجرته; ; ;;ا القوي @@ة...رج @@ل في الس @@ابعة والعش @@رين أو
ألميرك ; ;;ا وه ; ;;و شخص; ; ;َّية ثانوي ; ;;ة مس ; ;;اعدة ،الثامن@@@ة والعش@@@رين ،مل@@@ون العي@@@نين مث@@@ل
دروز كثر في جبل لبنان".1 عمل عند السيد هرمان.
-1الرواية،ص66
-2الرواية ،ص74
-3الرواية ،ص77
-4الرواية ،ص75
45
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
ابن طبري@@@@@ة مل@@@@@ون العي@@@@@نين ...اس@@@@@مه .7قمر الدين :شخصية ثانوية مساعدة
سليمان وينادونه "قمر الدين "
"(خش@@ن البش@@رة) ...يحم@@ل عص@@ا في ي@@ده
وط@ @وال ال @@وقت يبرمه @@ا بين أص @@ابعه وه @@و
2
يتكلم "
في عروقها تمتزج دماء زنجي@@ة ومكس@@يكية .8دلزي :شخصية ثانوية ،مدبرة منزل
3
"
"خ@ @@رجت بقميص@ @@ها األبيض وعلى كتفيه@ @@ا .9اليزابيث :شخصية ثانوية ،زوجة جو
ش @@ال ص @@وف بمربع @@ات خض@@راء وص @@فراء. حداد
-1الرواية ،ص85
-2الرواية ،ص41
-3الرواية ،ص42
46
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
1
لفت ذراعيها الطويلتين "
"كثير المتاعب هذا الفتى :يضرب ويس@@رق :10مارون :شخصية ثانوية مساعدة،
2
كأنه ليس ابنه ،وال ينفع معه عالج " وحفيد جوزف اسطفان
"مارون أسود الشعر ،بني العينين ،وجه@@ه
3
يميل الى البياض ،وال يبدو سوريا "
وه;;ذه أهم الشخص;;يات الثانوي;;ة ال;;تي س;;اعدت "مرت;;ا" في رحلته;;ا نح;;و البحث عن زوجه;;ا
في أميرك;;ا ،كم;;ا نج;د ع;;دد من الشخص;;يات الثانوي;;ة ال;;تي لم يكن له;;ا دو ار ب;;ار از في تحري;;ك
أح ;;داث الرواي ;;ة ،فك ;;ان ظهوره ;;ا م ;;ؤقت ،منه ;;ا( :خ ;;ال (مرت ;;ا) ،ج ;;رجى إب ;راهيم ،أخت ;;ان من
بشمزين حنة يافث ،هنري أوزبون ،جميل طرزي ،الس;يد توم;;اس ،معم;;ر باش;ي ،إميلي;;ا
وكاميلي ; ;;ا بش ; ;;ار الس ; ;;يد س ; ;;كياس ،واخ ; ;;رون ) ،فلك ; ;;ل واح ; ;;د من ك ; ;;ل ه ; ;;ذه الشخص ; ;;يات
أيديولوجي ;;ة ،تس ;;عى إلى تحقي ;;ق ه ;;دف معين في بل ;;د أجن ;;بي ،يم ;;تزج بمختل ;;ف الثقاف ;;ات
والديانات ،ومليئة بالصراعات من كل الجوانب
.1الزمن:
ال;;زمن ال ;ِّر وائي ه;;و عنص;;ر إب;;داعي آخ;;ر إلى ج;;انب الشخص;;يات ،حيث أص;;بح له;;ذا
العنص;;ر أهمَّي ة في بن;;اء األح;;داث الروائَّي ة الس;;يما اّل تي تحم;;ل في ُج عبته;;ا أح;;داث تاريخَّي ة
وتنقالت زمنَّي ة طويل;;ة ،ولق;;د أص;;بح الزم;;ا ألي كتاب;;ة س;;ردية ،ك;;ون ال;;زمن ه;;و المعِّب ر عن
إيديولوجيات الشخص;;يات ،وعن ح;االتهم و ن ازع;;اتهم فمع;;نى "ال;;زمن في الرواي;;ة ه;;و مع;;نى
الحي; ;;اة الداخلي; ;;ة ،مع; ;;نى الحي; ;;اة اإلنس; ;;انية العميق; ;;ة ،والخ; ;;برة الذاتَّي ة للف; ;;رد اّل تي تمَّثل في
مجموعها الخبرة الجماعَّية ،فالزمن الِّر وائي زمن نفسي...و ال;;زمن ال;;روائي يتجلى في اللغ;;ة
-1الرواية ،ص44
-2الرواية ،ص117
-3الرواية ،ص178
47
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
لغ ;;ة ال ;;وعي و الالوعي ،فه ;;و "داخلي" ك ;;امن في طبيع ;;ة الُّلغ ;;ة المعَّب ر له ;;ا في الخط ;;اب
ال;ِّر وائي"،1ومن;;ه ف;الزمن لم يع;;د مج;رّد عنص;;ر هامش;ي ،ب;;ل ل;;ه دالالت تجع;;ل من الَّنص ل;;ه
مع;;نى ي;;دور في;;ه عن طري;;ق العملَّي ة الحكائَّي ة الس;;ردَّية ،فعلي;;ه ت;;دور مح;;ور البنّي ة الروائي;;ة،
فعلى الروائي أن يبدع في تصميمه لهذا العنصر وهذا ما أبدع فيه "ربيع ج;;ابر" في روايت;;ه
"أميرك;;ا" ،حيث أص;;بحت الِّر واي;;ة مس;;رًد ا ذا بع;;د زم;;ني طوي;;ل ع;;بر ق;;رن من ال;;زمن ،طيل;;ة
القرن العشرين ،منذ بدايته التي كانت مرحلة مخاضات كبرى ،م;;رو ار ب;;الحربين الع;;الميتين
فاإلس;;تباق واللحظ;;ة واالس;;ترجاع هي جمالي;;ات زمنَّي ة ع;;رف من خالله;;ا ربي;;ع ج;;ابر كي;;ف
ي;روي لن;ا حكاي;ة "مرت;ا ان;درواس ح;ّد اد" ،تل;ك الحكاي;ة الطويل;ة الم;رأة تبحث عن الحب في
زمن الخيان;;ة ،فط;;ول الم;َّد ة اّل تي عاش;;تها مرت;;ا ح;ّد اد في رحلته;;ا للبحث عن الحلم الض;;ائع،
واّل تي دامت م; ; ; ;ّد ة زمنَّي ة طويل ; ; ;;ة زاوج خالله ; ; ;;ا ربي ; ; ;;ع ج ; ; ;;ابر بين االس ; ; ;;تباقات ت ; ; ;;ارة ،و
االس ;;ترجاعات ت ;;ارة عدي ;;دة ،ففي ك; ;ّل ح ;;دث ك ;;ان يظه ;;ر الح ;;نين والش ;;وق في حي ;;اة مرت ;;ا
فتتساقط الذكريات كسكاكين من حين إلى آخر ،وهنا نجد:
أ-االسترجاعات:
كل رواية ذات مقومات سردَّية ،فهي ال تخلو بأي حال من األحوال من اإلس;ترجاع فه;و
عنص ; ;;ر مهم في التش; ;;كيل الس; ;;ردي ،وه ; ;;و متف ; ;;اوت من ناحي ; ;;ة االس; ;;تخدام من ارٍو ألخ; ;;ر
واالسترجاع هو العودة إلى ذكر أحداث ماضية في الرواية ،حيث أّنه "مفارقة زمنَّي ة تعي;;دنا
إلى الماضي بالنسبة للحظة الَّراهنة ،استعادة لواقعة او وقائع حدثت قبل الَّلحظة الراهنة"،2
و تتمّي ز رواية "اميركا" بالكثير من هذه االسترجاعات ،فال يرد حدث إَّال و يعصف الش;;وق
و الحنين ب"مارتا" إلى حياتها الماضية ،إو لى ذكرياتها م;;ع زوجه;;ا في الماض;;ي ،فق;;د أب;;دع
- 1نورة بنت محمد،البنية السردية في الرواية السعودية-دراسة فنية لنماذج من الرواية السعودية ،دكتوراه في االدب
الحديث ،جامعة أم القرى ،كلية االغة العربية ،قسم الدراسات العليا -فرع األدب ،المملكة العربية السعودية ،
،2008ص26
- 2جيرالد برنس ،المصطلح السردي (معجم مصطلحات) ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،ط،2003، 1ص25
48
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
ربي;;ع ج;;ابر في زخرف;;ة روايت;;ه باالس;;ترجاعات ،واّل تي تص;;لح أن تس;;مى في "اميرك;;ا" أش ;واق
الماضي ونذكر منها ما يلي:
(-ولهذه النَّي ة أي في الي@وم الخ@امس عش@ر من ش@هر ذي القع@دة من ش@هور س@نة أل@ف
وثالث مائ@@ة و س@@تة وأربعين للهج@@رة النبوي@@ة حض@@رت عن@@د الش@@يخ أبي علي بش@@ير زين
الدين جابر...فطلب مني أن أحرر عن لسانه هذه الوصية).1
(-خاله@@ا لم يص@@ِّدق أذني@@ه عن@@دما أخبرت@@ه...ك@@انت تحم@@ل س @ّلة ممل@@وءة ب@@بيض ال@@دجاج
المسلوق جلبته إلى المرأة ال@تي تبيع@ه لع@ابري المحّط ة...ك@انت تطلب بركت@ه وه@و س@ألها
كيف يبارك رحلتها وهو يع@رف أن م@ا تفعل@ه غ@ير مقب@ول وغ@ير معق@ول ولم يس@مع بمثل@ه
من قبل)،2
هذه المقاطع ألحداث ماضية جرت ،وتطَّر ق إليها ربيع جابر من أج;;ل االس;;تذكار بوق;;ائع
ح; ;;دثت قب; ;;ل الحادث; ;;ة الك; ;;برى ،وهي س; ;;فر مرت; ;;ا إلى أميرك; ;;ا ،ورحلته; ;;ا المليئ; ;;ة بالمطّب ات
والصعوبات اّلتي عاشتها أثن;اء ف;ترة رحلته;ا إلى اميرك;ا ،فاالس;ترجاع هن;ا من أج;ل أن يق;دم
للقارئ صو ار ماضية ،من أجل تسهيل فهمه لألحداث اآلتية.
( -في محّط ة بحمدون قالت " قلبي سيفقع " ...وأودعت فيه الرسالة األخيرة من اميرك@@ا
والرس@@الة اّل تي س@@بقتها؟""،ك@@برت وج@@اء خلي@@ل ح @ّد اد وطلب ي@@دها ،أخ@@ذت إلى فراش@@ه ون@@ام
عليه@@ا ثم ذهب إلى أميرك@@ا .ك@@ان يكتب له@@ا ،وك@@انت تط @ّر ز المنادي@@ل...لكن من@@ذ س@@نة لم
تصل من خليل رسالة) ،3يص;;ور ال;;روائي في ه;;ذا المقط;;ع ،حي;;اة مرت;;ا عن;;دما ك;;ان زوجه;;ا
بالقرب منها ،وكيف تركها وهي مازالت تعيش حياتها األولى معه وتتحسر على نفس;;ها من
قّلة مراسلته لها فهي أحداث تركت في نفسية مرتا نوازع مختلفة في حياته;ا الجدي;دة من ألم
-1الرواية ،ص13
-2الرواية ،ص18-17
-3الرواية ،ص19
49
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
واشتياق لما كان من قبل ،فالعودة بالسرد إلى الوراء ،وبتتابعنا ألحداث الرواية يجعلن;;ا نفهم
نفسية مرتا في المستقبل ،ونفهم الن ازع;;ات اّل تي ك;;انت تعيش;ها من قب;;ل وفي المس;تقبل اثن;;اء
رحلتها إلى اميركا.
تتم;;يز رواي;;ة اميرك;;ا بتش;;بعها بالعدي;;د من االس;;ترجاعات ،وم;;ا اكثره;;ا في ه;;ذا النص لكنن;;ا
س ;;نحاول التط ;;رق ألهمه ;;ا ،وال ;;تي ت ;;ركت بص ;;مة في حي ;;اة مرت ;;ا ،والى االس ;;ترجاعات ال ;;تي
حركت مضامين النص ،فنجد منها:
( -كانت عندما يأتي الى المحطة كي تزور خالها تستغرب هؤالء الناس من القطار ...
ماذا تفعل إذا حصل لها شيء ،من يساعدها).1
(-ش @@عرت بح @@نين ال يح @@د الى الطراح @@ة تحت الناف @@ذة ،في ال @@بيت حيث عاش @@ت س @@نوات
حياتها .لم تبقى خارج ال@@بيت اك@@ثر من ش@@هور .ثم ج@@اء خلي@@ل أص@@لح الس@@قف وب@@نى قن@@ا
كبي ار للدجاج جنب شجرة رمان وصار البيت _حيث وضعتها امه _بيتها هي وزوجها).2
ه;;ذه المق;;اطع هي أح;;داث ماض;;ية م;;رت على مخيل;;ة مرت;;ا اثن;;اء رحلته;;ا إلى أميرك@@ا حيث
اس ;;تذكرت حياته ;;ا الماض ;;ية في ق ;;الب من الش ;;وق والح ;;نين الى الماض ;;ي ،فك ;;ان الب ;;د من
الروائي ذكرها ،من أجل تصويره وتذكيرنا لحي;اة مرت;ا القديم;ة ،فه;ذا يس;اعد في فهم التغي;ير
الذي سيحدث لمرت البطلة الروائية في قصة سردية.
ومن اإلس;;ترجاعات أيض;;ا نج;;د اإلس;;ترجاعات لشخص;;يات مبثوث;;ة في الرواي;;ة منه;;ا من
كانت تحكي عن نفسها:
( -كنت صغيرة ،قال جوزف لمرتا ،و "م@@ع ذل@@ك بقي@@ة احم@@ل الكش@@ة ،وح@@دي من بيت الى
بيت حتى اعطاني السيد هرم@@ان عمال في ش@@ركته :كنت أتكلم العربي@@ة واالنجليزي@@ة ووج@@د
ان العمال يتكلمون معي بسهولة ...هذا كان قبل سنوات).3
-1الرواية ،ص21
-الرواية ،ص22 2
50
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
( -عندما ت@@ركت الجب@@ل ك@@ان ال@@وقت خريف@@ا وثم@@ار الخرم@@ة (الك@@اكي)تنض@@ج على األش@@جار
رويدا رويدا).1
( -زارت نيويورك في ذلك الصيف .واستقبلها ج@@وزف اس@@طفان على الف@@داء في بيت@@ه في
ه@@ارم...ك@@انت تت@@ذكر زوجت@@ه والبنت ال@@تي رأته@@ا بمعط@@ف أحم@@ر وقبع@@ة حم @راء في "ال@@بيت
الحاجة ماري ").2
( -ق @@ال ان @@ا ه @@نري اوزب @@ون ،من ترنت @@ون _نيوجرس @@ي ،التقين @@ا قب @@ل س @@نوات في القط @@ار
وتح@@دثنا كنت ذاهب@@ة الى ني@@و أورلي@@نز ،اص@@طدم القط@@ار بأبق@@ار كس@@رت الس@@ياج الس@@كة،
توقفنا في الليل وتكلمنا ،أال تتذكرون ).3
كانت هذه معظم اإلسترجاعات وأبرزها ،والتي وظفها الروائي في نصه ،فالرواية تزخ;ر
به ;;ذا العنص ;;ر الزمن ;;ة ،ال ;;ذي إض ;;افة جمالي ;;ة تجع ;;ل من الق ;;ارئ يس ;;تمع ب ;;النص اإلب ;;داعي
فاالس;;ترجاع أص;;بح مك;;ون أساس;;ي في تش;;كيل النص األدبي ،وه;;و يتف;;اوت من ك;;اتب الى
آلخر.
ب .االستباقات:
االس ;;تباق عنص ;;ر من عناص ;;ر المهم ;;ة في البن ;;اء الس ;;ردي للنص األدبي ،كون ;;ه مرتب ;;ط
ب ;;زمن ال ;;روائي ،فه ;;و مك ;;ون جم ;;الي يخبرن ;;ا بأح ;;داث في التسلس ;;ل ال ;;روائي لم تح ;;دث بع ;;د
اإلستباق "أن يعلن السارد مسبقا عما سيحدث قبل حدوثه ،حين يقوم االستباق ب;;القفز على
زمن القص;;ة وذك;;ر أح;;داث نف;;ترض منطقي;;ا أنه;;ا لم تق;;ع بع;;د" ،4وق;;د زخ;;رت "اميرك;;ا" بتن;;وع
استباقي رائع (استشراق فني) ،نذكر منها:
-3الرواية ،ص252
- 4سليمة عذاوري ،شعرية التناص في الرواية العربية ،الرواية والتاريخ ،رؤية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر
،2012ط،1ص162
51
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
1
...( -بعد سنوات عرفت انه لم يكذب عليها)
( -قب@@ل ان ت@@نزل من الب@@اخرة س@@تبحث عن البح@@ار كي تش@@كره لكنه@@ا لن تع@@ثر علي@@ه بع@@د
س@@نوات طويل@@ة س@@تحكي عن@@ه ألوالده@@ا"" ،م@@رات كث@@يرة في حياته@@ا س@@يحدث له@@ا ه@@ذا""،
ستحكي ألوالدها أيضا عن الحساء الساخن الذي شربته في تلك القاعة ...س@@تقول أن@@ه
2
كان اطيب حساء اكلته في حياتها)
( -بع@@د س@@نوات طويل@@ة ،وهي تجلس بين ش@@جيران ياس@@مين فواح@@ة العط@@ر في باس@@ادينا
(كاليفورنيا) ،ستقول الجدة مرتا).3
(-بعد سنوات طويلة ،وهي تساعد حفيدها المفضل على دروسه في الجغرافيا ،اكتشفت
سر هذا الرقم الغامض :قطر األرض .4)miles8000
( -ربم@@ا بع@@د أي@@ام ،إذا ظلت ه@@ذه الش@@مس الص@@فراء س@@اطعة ،يتص@@اعد هن@@ا غب@@ار أحم@@ر.
أستطيع ان أرى الطريق ،حمراء رطبة وتمتد كنهر بين حقول مخضرة).7
-1الرواية ،ص20
الرواية ،ص33 2
-3الرواية ،ص51
-4الرواية ،ص53
-5الرواية ،ص72
-الرواية،ص73 6
52
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
( -بعد سنوات طويلة ،محاطة باألحب@@ة في حديق@ة ال@بيت باس@@ادينا ،ك@انت ذاك@رة العج@وز
لمارتا حداد خيالية _أو ش@به خيالي@ة _من تفاص@يل تل@ك الرحل@ة الحزين@ة الى نيواورلي@نز.
1
لكن هذا محجوب في المستقبل البعيد)
( -اختفت آشا كما ظهرت .لكن على م@ر الس@نوات االتي@ة س@تظل تظه@ر في خي@ال مرت@ا،
بيضاء وساكتة وتسير على مهل).2
تص ;;ور لن ;;ا ه ;;ذه المق ;;اطع ق ;راءات مس ;;تقبلية أدرجه ;;ا ال ;;روائي من اج ;;ل إض ;;افة عنص ;;ر
التش;;ويق للق;;ارئ ،ح;;تى يجع;;ل من ه;;ذه الق;راءة ق;راءة ممتع;;ة تتم;;يز بمخيل;;ة إبداعي;;ة ،فيك;;ون
هناك تجديد من الناحية القرائية ،فاالس;تباق أهمي;ة كب;يرة ،كون;ه عنص;ر زم;اني وجم;الي في
الوقت نفسه.
أعطت الدراسات األدبية أهمية كبيرة للزمن الذي يتم توظي;;ف في ثناي;;ا النص ال;;روائي
من ع; ; ;;دة ن ; ; ;واحي ،خاص; ; ;;ة الناحي; ; ;;ة السوس ; ;;يولوجيا ،وله; ; ;;ذا س ; ;;نلج الى تحلي; ; ;;ل ال; ; ;;دالالت
األي ;;ديولوجيا ال ;;تي ينتجه ;;ا ال ;;زمن في النص االدبي ،فاألح;;داث التاريخي ;;ة له ;;ا عالق;;ة كب ;;يرة
ب;الزمن كون;ه مك;ون االس;اس له;ا ،وس;تكون رواي;ة "اميرك;ا " هي مص;درنا في اس;تخراج ه;ذه
الدالالت ،سواء متعلقة بالزمن التاريخي ،او الزمن االجتماعي ،وهذا ما الحظنا في رواية
"اميرك ;;ا "فهي ازخ; ;رة باألح ;;داث السياس ;;ية واالجتماعي ;;ة ،والوق ;;ائع التاريخي ;;ة ،ك ;;ون الرواي ;;ة
تتناول حالة المهاجرين السوريين في بلد اجنبي ،هذا األخير ال;;ذي س;;ماه الك;;اتب ب "الع;;الم
الجديد".
ال يوجد نص دون أن يكون له خلفية تاريخيا يتكأ عليها ،وكما ذهبنا في ح;;ديثنا عن
رؤي ;;ة ج@@ورج لوك@@اتش للت ;;اريخ ه ;;و إع ;;ادة س ;;رد االح ;;داث التاريخي ;;ة الكب ;;يرة ه ;;و من أج ;;ل
-1الرواية ،ص137
-2الرواية ،ص275
53
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
الش;;عور اإلنس;;اني ،حيث يعت;;بر الت;;اريخ أس;;اس ومص;;در األجي;;ال ،وحافظ;;ة لس;;لوكه وأفك;;اره
والعالم يشهد تطورات وتغيرات على مستوى تاريخي ،فتحدث واحداث وصراعات ق;;د تغ;;ير
الواق;;ع ،وق;;د تبقى علي ;;ه كم ;;ا ه ;;و ،ومن ;;ه ف;;المكون الت ;;اريخي ذا أهمي ;;ة كب ;;يرة في النص ;;وص
الروائي ;;ة ،فه ;;و م ;;ا يمنحه ;;ا المص ;;داقية والجمالي ;;ة الفني ;;ة ،فلك ;;ل نص مرجعي ;;ات ،وه ;;ذا م ;;ا
ش ;;هده النص ال ;;روائي "اميرك ;;ا" ،حيث تع ;;الج ه ;;ذه األخ ;;يرة قض ;;ايا إنس ;;انية واجتماعي ;;ة،
وسياسية وتتناول قصص شخصيات خيالية قد يكون لديها شبيهها في الواق;;ع من تص;;رفات
وأفك;;ار فحين قراءت;;ك للرواي;;ة ق;;د تش;;عر ان شخص;;ية تمثل;;ك على ارض الواق;;ع وتحم;;ل ه;;ذه
الشخص ;;يات أفك ;;ار وتص ;;ورات وقيم تمث ;;ل م ;;ا يوج ;;د في واقعن ;;ا ،وتزخ ;;ر المدون ;;ة الس ;;ردية
بأي;;ديولوجيا متنوع;;ة ومتع;;ددة ،ش;;ملت اح;;داث تاريخي;;ة مهم;;ة ،فم;;رت الرواي;;ة ع;;بر مس;;ارات
زمني;;ة س;;ردية مختلف;;ة ض;;من مس;;ار س;;ردي اب;;دع الك;;اتب في تش;;كيليه ،ويمكن التط;;رق الى
هذه المسارات على النحو التالي:
.1المسار األول :تمث;ل في انطالق نح;و المجه;ول للشخص;ية البطل;ة "مارت;ا ح;داد" لتنطل;ق
ع;;بر رحل;;ة طويل;;ة تتع;َّر ض أثناءه;;ا للعدي;;د من المص;;ائب واالزم;;ات فتس;;افر ب;ًرا من ب;;يروت
إلى اإلس ;;كندرية إلى مارس ;;يليا فك ;;انت ه ;;ذه بداي ;;ة الرحل ;;ة (.نحن في خري@@ف 1913وهن@@ا
يتق@@رر ك@@ل ش@@يء ام@@ا دخ@@ول او الع@@ودة) 1وك ;;انت محط ;;ة بحم ;;دون أول محط ;;ة تب ;;دأ فيه ;;ا
رحلته;;ا ال;;تي تمث;;ل له;;ا بداي;;ة جدي;;دة الى ع;;الم مجه;;ول ال تع;;رف عن;;ه ش;;يء فك;;انت الرحل;;ة
رحل; ;;ة تح ; ;ٍّد من ام ; ;رأه عربي; ;;ة ن ; ;زلت من أع; ;;الي جب; ;;ال بت; ;;اتر( في محط @@ه بحم @@دون ق @@الت
لخالها ...انها لم تعد تقدر قالت قلبي سيفقع) 2فك;;انت ه;;ذه بداي;;ة لرحل;;ة مارت;;ا ،وانطالق;;ة
ألحداث الرواية.
المسار الثاني :تمثل في الوصول الى العالم الجديد فكانت الطبع األولى ،هي "أليس 2-
أيالند" ،وعبورها على الحاجز االمني من أجل الفحص الطبي (طوال الوقت ظلت تدمدم
صلواتها وهي تنزل من الباخرة الى "أليس أيالند" .المهاجرون تدافعوا على "السقالة"
-1الرواية ،ص13
-2الرواية ،ص19
54
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
الخشب)، 1وهنا تبدأ مغامرة "مرتا" في العالم الجديد حيث تلتقي بشخصيات تساعدها
والتي كانت سببا في الكثير من التغيرات التي طرأت في حياتها فتستمر رحلة مارتا في
هذا البلد الغريب عنها ،والتي تأمل أن تجد فيه زوجها ظننا منها أنه سيستقبلها بصدر
رحب وبفرحه غامره ومع مرور الوقت ستاتيها صدمة كبيره بعد البحث الطويل ،وبعد
.المصائب الكثيرة التي حصلت لها اثناء بحثها عن زوجها
-3المسار الثالث :تمثل في نقطه التحول التي حدثت في حياه "مارتا" ،وما حدث له;;ا من
تغي;;ير ج;;دري في حياته;;ا ،من اول لق;;اء له;;ا بزوجه;;ا في "اميرك;;ا" وال;;ذي أح;;دث له;;ا ه;;ذا من
تحُّس رات واش ;واق وح;;نين وألم ،اجتمعت في أن واح;;د (نظرت إليه في البدلة البيض@@اء ،م@@ع
أنه @@ا لم ت @@ره أب @@دا في مث @@ل ه @@ذه الثي @@اب عرفت @@ه من النظ @@رة األولى كي @@ف ال تعرف @@ه؟ إذا
اغمضت عينيها ال ترى اال وجهه .خليل زوجها كيف ال تعرفه؟ عندما رفع راس@@ه ،عن@@دما
نظ@@ر اليه@@ا وهي ت@راه بع@@د ه@@ذه الس@@نوات الطويل@@ة ...ك@@انت هي رأت@@ه وعرفت@@ه .وه@@و ايض@@ا
خليل(جو) حداد -رآها وعرفها .لم يقف من مقعده وهي لم تترج@@ل من العرب@@ة ...وذهبت
عائده باتجاه نيو اور لينز) ، 2هن;;ا ب;;دأت رحل;;ة التح;;ول بالنس;;بة لحي;;اة مارت;;ا ولكن ه;;ذا لم
يجعله;;ا منكس ;رة ،ب;;ل جعلت;;ه مص;;در قوته;;ا لتنهض من جدي;;د وتب;;ني حي;;اة جدي;;دة وه;;ذا م;;ا
فعلته وقد سرد لنا تفاصيل هذا التحول الذي ط; ار في حي;اة البطل;ة بطريق;ة مش;وقة وممتع;ة،
ام ;;تزج س ;;رده بين الح ;;ديث عنه ;;ا ،وبين الح ;;ديث عن أح ;;داث تاريخي ;;ة ال ;;تي وقعت آن ;;ذاك.
معان; ; ;;اة مارت; ; ;;ا ومعان; ; ;;اة المه; ; ;;اجرين الس; ; ;;وريين ،أثن; ; ;;اء الح ; ; ;ربين الع; ; ;;الميتين .ف; ; ;;امتزجت
االي;ديولوجيات والوق;ائع التاريخي;ة في ق;الب ف;ني يح;اكي حال;ه ال;زمن آن;ذاك ،وم;ا ح;دث من
تغيرات سياسية فامتأل النص بالعديد من االحداث التي غيرت مجرى البشرية مثل الح;ربين
الع;;الميتين ووب;;اء االنفل;;ون از اإلس;;بانية ،والكس;;اد االقتص;;ادي ،وغيره;;ا من األح;;داث سياس;;ية
واجتماعية التي حدثت آنذاك.
-1الرواية ،ص11
-الرواية ،ص135-134 2
55
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
-4المس@@ار الراب@@ع :تمث ;;ل في االس ;;تقرار ال ;;ذي ش ;;هدته البطل ;;ة كونه ;;ا ش ;;كلت ث ;;روة له ;;ا في
"اميركا" (كاليفورنيا) ،فكانت هذه نهاية قصتها .حين وصولها للثمانين من العم;;ر وهي بين
أوالده;;ا وأحفاده;;ا ،وبع;;د مروره;;ا بالعدي;;د من المص;;ائب والمش;;اكل (في صيف ،1973بعد
ستين عام@@ا على نزوله@@ا في "أليس أيالن@@د" حامل@ة كيس الجنفيص ال@ذي يح@وي حياته@@ا،
أثمرت األشجار التي زرعتها في باسادينا ،تفاح@ا...أح@د أحفاده@@ا اق@ترح زراع@ة ص@@ف من
أشجار األرز األحمر (،1)Redكانت في الثمانين ،أو تدنو منها.2)...
رس;;م لن ;;ا "ربي ;;ع ج;;ابر" م ;;دارات زمني ;;ة مختلف ;;ة ،فك ;;انت رواي ;;ة ملحمي ;;ة طويل ;;ة ،تكس;;وها
جمالي;;ات فني;;ة س;;ردية اس;;تطاع فيه;;ا الك;;اتب ان يخل;;ق من الت;;اريخ أس;;طورة ام;رأة إن -ص;;ح
التعب;;ير -عاش;;ت مغ;;امرات وأح;;داث مليئ;;ة ب;;األحزان ،واالف;راح والش;;وق والح;;نين الى ال;;وطن
اميرك; ;;ا المالذ االخ; ;;ير ال; ;;ذي لج; ;;ات الي; ;;ه ولج; ;;ا المغ; ;;تربون الي; ;;ه من اج; ;;ل عيش ك ; ;ريم لهم
وألهاليهم في الوطن األصل.
ب-المكان:
تع ;;دد د ارس ;;ة المك ;;ان من أب ;;رز الد ارس ;;ات النقدي ;;ة في الس ;;احة األدبي ;;ة .لك ;;ون عنص ;;ر
المكان هو العمود الفقري الذي يربط أج;زاء النص بعض;;ها ببعض ،فه;;و مك;;ون مح;وري في
تشكيل البنية الروائية ،لكونه جمالية من جماليات النص الروائي وهو بمثابة خشبة المس;;رح
ال ;;تي تتح ;;رك عليه ;;ا الشخص ;;يات ،فمن خالل المك ;;ان يعطي ال ;;وطن والتواج ;;د للشخص ;;يات
فيكون بذلك مكونا قصصيا جوهريا وعنص ار متحكما في الوظيف;ة الحكائي;ة والرمزي;ة الس;يما
تلك الروايات التي تتداخل وتتن;وع به;ا األمكن;ة ،كم;ا ه;و الح;ال في الرواي;ة ال;تي بين أي;ديها
والتي زاوج "ربيع جابر" تب;ادل األم;اكن وتبادله;ا في قص;ة الهج;رة و االغ;تراب ،حيث ص;ال
وج;ال ال;روائي من بل;د لبل;د ،من ق;ارة الى ق;ارة كأن;ه دلي;ل س;ياحي للق;ارئ ،ولق;د ذك;ر للق;ارئ
االم ;;اكن بالتفاص ;;يل الدقيق ;;ة ،من خالل عن ;;اوين تفص ;;يلية دقيق ;;ة اس ;;م الش ;;ارع ،البل ;;دة ،رقم
56
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
ال;;بيت ،الوالي;;ة الق;;ارة ،اب;;دع حق;;ا "ربي;;ع ج;;ابر" ال س;;يما في ذك;ره للوالي;;ات األمريكي;;ة الواح;;دة
تل ;;و االخ ;;رى ،حيث اخت ;;ار مارت ;;ا بطل ;;ة لمغامرت ;;ه ،ام ;رأة عربي ;;ة بس ;;يطة تس ;;افر باحث ;;ة عن
الحب الى ع ;;الم جدي ;;د ع ;;الم م ;;ا وراء البح ;;ار ،تنقلت من مك ;;ان هويته ;;ا ب "بت ;;اتر" س ;;ورية
الوطن العربي ،هذا المكان ال;ذي س;يرافقها في رحلته;ا في ش;كل ح;نين وش;وق ،بين مش;اعر
مختلط ; ; ;;ة ،ت ; ; ;;رك ال ; ; ;;وطن المك ; ; ;;ان ال ; ; ;;ذي يحم ; ; ;;ل الهوي ; ; ;;ة والتغ ; ; ;;رب في أمكن ; ; ;;ة معَّج ج ; ; ;;ة
باإلي ;;ديولوجيات المختلف ;;ة والتقالي ;;د المخالف ;;ة لتقالي ;;دها ،أم ;;اكن فيه ;;ا االغ ;;تراب ،البع ;;د عن
الوطن ،والتشرد -إن صح القول -في مك;;ان جدي;;د ،حيث تنتق;;ل الرواي;;ة مكاني;;ا في أمريك;;ا،
أي األمريكيتين الشمالية والجنوبية ،مرو ار قبل ذلك بكل من ب;;يروت واإلس;;كندرية ثم فرنس;;ا،
كأنها رحلة سياحية جال من خاللها الروائي في أوروب;;ا -لكنه;;ا ليس;;ت ك;;ذلك -فرحل;;ة مارت;;ا
أجبرتها على التواجد في أك;ثر من مك;ان ح;تى أص;بح المك;ان بط;ول الم;دة ال;تي مكثت في;ه
ه;;و مك;;ان الهوي;;ة بع;;د أن ك;;ان االغ;;تراب ،فاص;;بح مك;;ان اقام;;ة بع;;د أن ك;;ان مك;;ان ش;;تات،
وهذا ما سنراه من خالل صفحات الرواية ،ومن هذه األمكنة نجد ما يلي:
(.1سوريا):
ُيع ;ُّد المك;;ان األص;;لي في الع;;الم القصص;;ي وال;;روائي .مك;;ان المنش;;أ ال;;ذي ينتمي إلي;;ه
الشخص :مولده نشأته ،طفولت;;ه ،ذكريات;;ه ،وفي س;وريا ك;;انت بل;;ده بت;;اتر هي المك;;ان الهوي;;ة
للبطل ;;ة مرت ;;ا ،وال ;;ذي ظلت تت ;;ذكره ط; ;وال رحلته ;;ا البعي ;;دة ،ب"بت ;;اتر" قري ;;ة في جب ;;ل لبن ;;ان
( سورية .انا من قرية بتاتر في جبل لبنان ،بتاتر قريبه من العالية بحمدون).1
ك;;انت االنطالق;;ة من بت;;اتر مك;;ان الهوي;;ة ،لتتوج;;ه ابن;;ه بت;;اتر إلى المين;;اء لتمض;;ي في
رحل; ; ;;ة مجهول; ; ;;ة من مدين; ; ;;ة الى مدين; ; ;;ة ،من ب; ; ;;يروت إلى اإلس; ; ;;كندرية (:من ب@ @@يروت الى
اإلس @@كندرية ت @@وقفت الب @@اخرة في ثالث محط @@ات ،حيف @@ا ثم ياف @@ا ثم ب @@ور س @@عيد ،2)...من
-1الرواية ،ص12
-2الرواية ،ص22
57
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
اإلس;كندرية الى "أليس ايالن;د" ،وهن;ا الص;راط المس;تقيم من مارس;يليا الى ارض االحالم الى
1
العالم جديد" أميركا"( .نزلت في فندق يملكه بيروتي جبلي)
ت ;وِّد ع بطلتن;;ا اوروب;;ا وت;;ركب أك;;بر ب;;اخرة في الع;;الم: من هن;;ا من اله@@افرla Havre
( ق@@ال إَّن الرحل@@ة ع@@بر األتالنت@@ك تس@@تغرق تس@@عه اي@@ام ،2)...رحالت بطلتن ;;ا الى المك ;;ان
المقصود" العالم الجديد"
لقد اعتبرن;ا مك;ان الهوَّي ة في الس;ابق ه;و المك;ان ال;ذي يول;د وينش;ا في;ه الش;خص ح;تى
ل ; ;;و لم يكن ينتمي ل ; ;;ذلك المك ; ;;ان ،ومن خالل ه ; ;;ذا أراد ال ; ;;روائي ان ي ; ;;بين لن ; ;;ا أن أميرك ; ;;ا
أص ;;بحت م ;;وطن لمارت ;;ا ،فتش ;;بعت باإليديولوجي ;;ة المك ;;ان و تقالي ;;ده ،حيث ذابت في ;;ه بك ;;ل
تفاص;;يله فأص;;بحت أمريكي;;ة التفك;;ير ،ب;;ه ت;;زوجت وك;;ونت عائل;;ة( ك@@ان بيت@@ا خش@@بيا مربع@@ا
يتوسط بساتين البرتقال ،انتقلت العائلة نهائيا الى هن@@ا اثن@@اء ربي@@ع )1931فالمك;;ان هن;;ا
اضفى عليه الكاتب سمات الهوية ،ومن هنا نقول الفترة والم;دة ال;تي عاش;تها مارت;ا في ه;ذا
المكان الغريب عنها ،يعتبر هذا المكان االن هو مكان الهوية بالنسبة للبطلة.
وهنا ننتقل من مكان الهوية الى مكان االيديولوجيا إنه" العالم الجديد"
ع;;رف اب ;راهيم خلي;;ل على أن;;ه" المك;;ان ال;;ذي يحق;;ق المش;;هد أو االط;;ار ال;;ذي الب;;د من;;ه
إلض;;فاء الواق;;ع الحس;;ي على الح;وادث إلى اعتب;;ار أخ;;ر ،وظيف;;ة اإليديولوجي;;ة ،ويك;;ون ذل;;ك
باتج;;اه المك;;ان وس;;يلة تعب;;ير أو تش;;خيص للواق;;ع االجتم;;اعي ،والطبقي للش;;خوص" ،3فمن
خالل رواي; ;;ة أميرك; ;;ا ن; ;;رى أن ال; ;;روائي ربي; ;;ع ج; ;;ابر جع; ;;ل البطل; ;;ة تس; ;;افر من "بت; ;;اتر" الى
-1الرواية ،ص23
-2الرواية ،ص29
- 3إبراهيم خليل ،بنية النص الروائي ،دار العربية للعلوم ناشرون ،منشورات االختالف ،بيروت ،لبنان ،ط،1
،2010ص141
58
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
"اميرك;;ا" ،مك;;انين مختلفين ذا أبع;;اد إيديولوجي;;ة مختلف;;ة ،لكن;;ه اس;;تطاع أن يجع;;ل في نهاي;;ة
الرواي;ة" أميرك;ا" هي المك;ان االي;ديولوجي ،ومك;ان الهوي;ة لمارت;ا ،ب;الرغم من أن;ه احتف;ظ في
نهاية الرواية ببعض مالمح الهوية األولى كنقط;;ه انطالق أولى فق;;ط ،ومن;;ه فأميرك;;ا و بك;;ل
ما تحمله من إيديولوجيا مختلفة عن "مرت;;ا" اس;تطاعت البطل;;ة أن تجع;;ل منه;;ا مكان;ًا يص;;لح
للعيش ،مك ;;ان غرب ;;ة مك ;;ان هج; ;رة الى مك ;;ان اس ;;تقرار ،دون أن ننس ;;ى م ;;ا عانت ;;ه قب ;;ل أن
تستقَّر .
(شرح لها أن المدن في أميركا ،مقسمة إلى مدن بدورها مدينة داخ@@ل مدين@@ة وك@@ل مدين@@ة
تتألف من خمسة شوارع وأحيانا أكثر ،ولكل شارع رقم ،والبيوت كلها مرقم@@ة) ،1هن;;ا ن;;رى
أن ربي;;ع ج;;ابر ب;;دأ يع;;رف بطلتن;;ا مارت;;ا ش;;يئا فش;;يئا عن عالمه;;ا الجدي;;د (ك@انت خارج@ه من
الب@@اب الكب@@ير إلى الع@@الم الجدي@@د ال@@ذي ينتظره@@ا)2حيث فض ;;ل ربي ;;ع ج ;;ابر أن يطل ;;ق على
أمريكا العالم الجديد ألنه سيمنح مرتا حياة جديدة من هذا العالم الجدي;;د وس;تكون انطالقته;;ا
للحياة الجديدة ومصير آخر.
ليعرفن ;;ا بع ;;د ذل ;;ك ب ;;الحي الس;;وري نيوي ;;ورك (ك@@ل نس@@اء الحي الس@@وري م@@اذا يفعلن ه@@ذا
هنا ...ومع ذلك لم تخرج مرتا من الدوام@@ة اال بع@@د قب@@ل وعناق@@ات ش@@ريعة وغامض@@ة .لك@@ل
ام@@رأة ثالث @@ة قب @@ل .على ع @@ادة اه @@ل البالد) ،3في أميرك; ;;ا يوج; ;;د حي في; ;;ه ن; ;;وع من الهوي; ;;ة
الس ;;ورية والعربي ;;ة تع ;;ارف وج ;;يرة وتع ;;اون ،تع ;;رفت من خالل ;;ه إلى أم ;;اكن متنوع ;;ة إلى أن
استقرت قليال من بيت الحاجة ماري (بيت الحاجة ماري غير بعيد من ضفة النهر).4
ليطغى مك ;;ان المتج ;;ر على حي ;;اة "مرت ;;ا" ،ففي ;;ه ع ;;رفت االس ;;تقراءات ،وبنت في ;;ه حياته ;;ا
ومن;;ه ك;;انت بداي;;ة حياته;;ا العملي;;ة في الع;;الم الجدي;;د (المتجر أعطاها ق@وة .ال@بيع والش@راء.
وراء المنضدة وتامل الزبائن داخلين خارجين).5
59
تمثالت االنساق اإليديولوجية في رواية الفصل الثالث:
أميركا
60
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
:الفصل الثالث
61
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
لطالم;;ا ك;;ان الت;;اريخ م;;ادة الخص;;بة ال;;تي تَّفنن الك;;اتب والروائي;;ون في نس;;ج حك;;ايتهم من
خالل;;ه ،فالت;;اريخ ه;;و الحي;;اة ،ومن ال ت;;اريخ ل;;ه ال مس;;تقبل ل;;ه ،فمن التص;;ور الت;;اريخي يب;;ني
أفكاره وقصصه وحكاياته ،فالتاريخ هو الواقع ،والرواي;;ة ال;;تي بين أي;;دينا هي ولي;;دة حقب;;ة زمني;;ة
تفنن "ربيع جابر" في بناء شخصيات "أميركا" من خاللها.
شكل الروائي روايته ضمن إطار زمني طويل المدى أكثر من عقديين من الزمن فيه
التسلسل من الحرب العالمية األولى إلى الحرب العالمية الثانية ،ليتناول مأساة الحرب من
جهة ،وقضية الهجرة نحو الشمال من جهة أخرى.
انطلقت أح;داث رواي;ة "أميرك;ا" من المطل;ع الق;رن العش;رين إلى منتص;فه تقريب;ا ،تن;اول فيه;ا
"ربيع جابر" رحلة الهجرة اللبنانية إلى أميركا ،ليشخص لنا تاريخ تل;;ك الف;;ترة في تجرب;;ة فردي;;ة،
تمثلت في شخصية "مارت;ا ح;داد" ،ال;تي تس;ير على خ;ط مس;تقيم محاذي;ة للوق;ائع التاريخي;ة في
تل ;;ك الحقب ;;ة الزمني ;;ة ،فب ;;دأت من أزمن ;;ة تاريخي ;;ة ع ;;رفت في جب ;;ل لبن ;;ان وهي س ;;وء األوض ;;اع
االجتماعية ال;تي دفعت بالس;كان إلى الهج;رة ،وكمختلف;ات لتل;ك األوض;اع تس;افر "مارت;ا ح;داد"
نحو المجهول باحثة عن زوجها في العالم الجديد "أميركا".
ه ;;ذا الع ;;الم الجدي ;;د ال ;;ذي ب ;;دأ يرس ;;م تاريخ ;;ه بي ;;ده ،حيث ظه ;;ر كط ;;رف فع ;;ال في الح ;;رب
العالمية األولى نظ ار لتدخالته في الدول الضعيفة ،وال;;تي أص;;بحت ملج;أ للمه;;اجرين باعتباره;;ا
منطق ;;ة آمن ;;ة بعي ;;دة عن حلب ;;ة الص; ;راع ،وكم ;;ا يق ;;ول ج ;;ورج لوك ;;اتش "أن م ;;ا يهم في الرواي ;;ة
التاريخية ليس إعادة سرد األحداث التاريخية الكبيرة ،بل اإليقاظ الشعوري للناس ال;;ذين ي;;برزوا
في تلك األحداث ،وم;ا يهم ه;و أن نعيش م;رة أخ;رى ال;دوافع االجتماعي;ة واإلنس;انية ال;تي أدت
1
بهم أن يفكروا ويشعروا ،ويتصرفوا كما فعلوا في الواقع التاريخي".
62
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
انطالق;;ا من مقول;;ة ج;;ورج لوك;;اتش نس;;تطيع الق;;ول أن ال;;روائي ق;;ام بالفع;;ل بتن;;اول الحادث;;ة
التاريخي;;ة ليس كالت;;اريخ البحث فق;;ط ،ال ب;;ل لُيع;;ايش تل;;ك الف;;ترة من البداي;;ة إلى النهاي;;ة خالل
مدة زمنية متسلسلة ،فمن الهجرة التي كانت مربط الفرس إلى االغ;تراب والتش;ُّتت م;ع الح;رب،
من خالل شخصيه مرتا وأصدقائها وتداعيات الحرب العالميتين األولى والثاني;ة ومقت;ل زوجه;ا
الس;ابق ج;و ح;داد في الح;رب ،حيث أص;بح ه;ذا الخ;بر ذا إي;ديولوجيا أمريكي;ة باعتب;اره مواطًن ا
أمريكي;;ا ب;;التجنس ،إلى الوص;;ول إلى شخص;;ية "م;;روان" ال;;ذي وَّظف;;ه "ربيع جابر" بطريق;;ة غ;;ير
مباشرة كشاهد الحرب حيث وصف لنا احوال الحرب العالمية االولى وامتداده للحرب العالمي;;ة
الثانية هذا كله من جهة ،ومن جهة اخرى حم;ل لن;ا ط;ابع الواقعي;ة ،ال;تي تمث;ل القلب الن;ابض
في التاريخ.
سافرت مرتا حداد باحثه عن المجه;ول في نقط;ة مهم;ه من الت;اريخ ،وس;فرها ه;ذا ك;ان في
ف;;تره معين;;ه قب;;ل الح;;رب العالمي;;ة االولى لتع;;ايش مرت;;ا بع;;د ذل;;ك زمن;;ا مفعم;;ا باألح;;داث وكأنه;;ا
س;;تبدأ في كتاب;;ه تاريخه;;ا الخ;;اص ،ت;;اريخ م;وازي للت;;اريخ الع;;المي في تل;;ك اآلون;;ة ،م;;اذا تق;;اطع
البعض التغ;;يرات الحياتي;;ة لمرت;;ا م;;ع الت;;اريخ ال;واقي في الع;;الم الجدي;;د ،عربي;;ه ج;;ابر أن يس;;ميه
اميركا.
1913بداي;;ة البداي;;ة ،من الت;;اريخ تب;;نى الحق;;ائق ،فت;;اريخ يس;;ير في تق;;دم حتمي ،فمن الرواي;;ة
تب;;دا االنطالق;;ة إم;;ا ال;;دخول إو م;;ا الع;;ودة ،هن;;ا يب;;دا التفاع;;ل االي;;ديولوجي ،وه;;و التع;;رف على
العالم -بدأت رحلتك يا مارت;ا -من هن;ا حم;ل ربي;ع ج;ابر فرش;اته وب;دا في رس;م الت;اريخ روايت;ه
متك;;ًأ على الت;;اريخ والواق;;ع ،حيث تفنن في تل;;وين روايت;;ه ب;;الوان من نس;;ق خيال;;ه(من هنا تدخل
أمواج المهاجرين إلى أمريكا ،نحن في خري@@ف ،1913وهن@@ا يتق@@رر ك@@ل ش@@يء إم@@ا ال@@دخول
1
إو ما العودة)
-1الرواية ،ص13
63
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
بدأت مارتا رحلتها في صدمتها مع الواقع الُم ر ،من خيان;ة زوجه;ا له;ا ،الخيان;ة ال;تي ألغت
وجودها ،وألغت تاريخها ،من نقطة االنكسار التي عاشتها عن;د وص;ولها إلى غايته;ا المنش;ودة
برؤيه زوجها ،من هنا بدأت حياة مارتا الجديدة مارتا الكشاشة( في األسبوع األّو ل من كانون
االول(ديسمبر) ،1)1914بدأت حياة جديدة ودعت الطريق واستقبلت االستقرار ه;ذا تاريخه;ا
هي ،أم ;;ا الت ;;اريخ الع ;;الم في تل ;;ك الف ;;ترة فك ;;ان ت ;;اريخ ص; ;راعات وح ;;روب ،حيث( ك@@ان الع@@الم
يتحرك على محور يهتز وهي تتحرك على محور يخصها...سمعت ش@@يئا عن ح@@رب ألماني@@ة
وفرنس@@ا) ،2س ;;معت "مارت@@ا" عن الح ;;رب ،ال ت ;;دري ه ;;ل هي حقيق ;;ه؟ أم يتح ;;دثون عن الت ;;اريخ،
لترمي بها االقدار في تفاصيل هذه الحرب لتفقد فيها أغلى ما ملكت في حياتها لتتعرف أك;;ثر
فأكثر على شعوب مقه;;ورة في ظ;;ل اقط;;ار المعم;;ورة ،وذل;;ك من خالل تعامله;;ا م;;ع الكشاش;ين،
فتتعرف على الحرب وويالت الحرب.
يم ;;وت زوجه ;;ا الس ;;ابق خلي ;;ل ح ;;داد اله ;;دف ال ;;ذي غ ;;يرت ألجل ;;ه حياته ;;ا (في ذل@@ك الي@@وم
الخريفي 28ايلول /س@بتمبر 1918خلي@ل ح@داد يلف@ظ ال@روح في المستش@فى ك@ان من قب@ل
دي@را) ،3لق;;د أخ;;ذت الح;;رب من مارت@@ا أع;;ز م;;ا تمل;;ك ،لكنه;;ا لم تأخ;;ذ طموحه;;ا واس;;تمرارها في
الحي; ;;اة ،حيث أنه; ;;ا تخلت في أواخ ;;ر ص; ;;يف 1919عن لبس األس ;;ود ،لكنه; ;;ا لم ت; ;;نزع خ ;;اتم
ال ;;زواج من ي ;;دها ،فك ;;انت ه ;;ذه بعض مالمح الح ;;رب ال ;;تي تق ;;اطعت م ;;ع حي ;;اة مارت@@ا في تل ;;ك
اآلون;;ة لتع;;ود لحياته;;ا من جدي;;د ،فهي أكملت حياته;;ا ،وع;;ادت لطبيعته;;ا العادي;;ة ك;;أي ش;;خص
في هذا العالم.
سيتس ;;لل الت ;;اريخ والتوجه ;;ات السياس ;;ية ش ;;يئا فش ;;يئا إلى حي ;;اة "مارت@@ا" ،لتنص ;;دم بسياس ;;ة
الحرب التجويعَّية ،هذه األخيرة التي دم;;رت عالمه;;ا األَّو ل(س;وريا ولبن;;ان) ،سياس;ات اس;تعمارَّية
وص ;;لت مخلفاته ;;ا من أع ;;الي جب ;;ال بت ;;اتر إلى أميرك ;;ا ،فالكَّش اش ;;ون هرب; ;وا من الح ;;رب وس ;;وء
-1الرواية ،ص183
-2الرواية ،ص184
-3الرواية ،ص301
64
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
السلطة ،فبدأت حياتهم تتق;;اطع م;;ع حي;;اة "مارتا" ه;;ذه األخ;;يرة أص;;بحت مس;;اعدة بع;;د م;;ا ك;;انت
تحتاج إلى المساعدة ( مازلنا في ،1915نهاية الحرب الكبرى وخالل األعوام التي أعقبت
تج@@دد الهج@@رة من س@@وريا إلى أميرك@@ا م@@ع فتح البح@@ار والمحي@@ط ،س@@تغدو مارت@@ا أهم "ممول@@ة"
أله@@ل الكش@@ة) ،ن;;رى أن شخص;;ية البطل;;ة ب;;دأت تحت;;ك بض;;حايا الح;;رب ،وأهمه;;ا ابن ش ;ريكها
"جوزيف اسطفان" الذي شارك في الحرب ،وت;;رك خلف;;ه عائلت;;ه تتخَّب ط في ص;راع الخ;;وف(أخذ
مارون في تشرين األول/أكتوبر 1917إلى معسكر الت@@دريب في ن@@ورث كارولين@@ا ...ه@@ا أن@@ا
جندي في الجيش اآلن ،أقعد في خيمة صغيرة الحجم أكتب لك من مدينه الجيش .في ه@@ذه
أثناء انشغل بال العائلة عليه).1
من هن;;ا ب;;دأت مارت;;ا تتع;;رف على الح;;رب وت;;داعياتها ،قف;;د أراد الك;;اتب أن ي;;برز لن;;ا من
خالل س; ;;رده لألح; ;;داث التاريخي; ;;ة والسياس; ;;ية ،أن يتط; ;;رق إلى خباي; ;;ا وخفاي; ;;ا الح; ;;روب ال; ;;تي
اجت ;;احت الع ;;الم ،وخاص ;;ة خالل الح ;ربين الع ;;الميتين األولى والثاني ;;ة ،وم ;;ا آل إلي ;;ه الع ;;الم من
تغ ;;يرات على ع ;َّد ة مس ;;تويات(اجتماعي ;;ه ثقافَّي ة ،دينَّي ة أخالقَّي ة وفكرَّي ة...إلخ) ،م ;;ا أدى به ;;ذه
التغي;;يرات إلى تع;;دد اإلي;;ديولوجيات في ه;;ذا الع;;الم ،م;;ا ش;;كل ص ;راعات داخلي;;ة وه;;ذا أدى إلى
ظه;;ور م;;ا يس;;مى بالطبقَّي ة والتمي;;يز العنص;;ري ،وه;;ذا كل;;ه أدرج;;ه ربي@@ع ج@@ابر في روايت;;ه على
ش;;كل س;;ردي يح;;اكي الواق;;ع بطريق;;ة فني;;ة تخيلي;;ة رائع;;ة ،تسلس;;ل األح;;داث والطريق;;ة المم;;يزة في
استخدام التقنيات السردية في سرد هذه األحداث.
- 2النسق المجتمع والثقافة:
هو نس;ق يرتك;ز على القيم والمعتق;دات ال;تي تحمله;ا طبق;ة أو جماع;ة م;ا ض;من مجتم;ع
م; ;;ا ،ورواي; ;;ة "أميرك; ;;ا" مثلت ه; ;;ذه الطبق; ;;ات (البرجوازي; ;;ة ،والبروليتارَّي ة) ،فالبرجوازي; ;;ة مَّثلته; ;;ا
شخصيات الفئة الغنَّي ة صاحبة النفوذ والسلطة ،ونجد منها في الرواية (الس;;يد هرم;;ان والحاج;;ة
ماري) ،وغيرها من الشخصيات ذات المكانة الرفيعة في المجتمع البرجوازي والتي ت;وفر عمًال
-1الرواية ،ص256-255
65
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
للطبق ;;ة ال ;;دنيا من المجتم ;;ع ،هي الطبق ;;ة البروليتارَّي ة ،ه ;;ذه األخ ;;يرة ال ;;تي مثله ;;ا المه ;;اجرون
الس;;وريون ،ال;;ذين ع;;انوا األم;رين في أميرك;;ا (الع;;الم الجدي;;د) ،فق;;د ُح ظيت ه;;ذه الطبق;;ة باهتم;;ام
الك;;اتب له;;ا ،من خالل س;;رده ووص;;فه له;;ذه الفئ;;ة ،وق;;د ك;;انت العنص ;رية س;;ائدة في تل;;ك الف;;ترة
(خالل الحربين العالميتين) ،وقد أوضح ذلك في عدة مواضع من الرواية ،حيث أبدع ال;;روائي
"ربيع جابر" في وص;;ف معان;;اة ه;ذه الطبق;;ة الكادح;ة ،وال;;تي تع;;اني من الج;وع والتش;رد والفق;;ر،
ومثلتها شخصية مرت;;ا ح;داد من خالل معاناته;;ا ،وِّش دة اآلمه;;ا من بداي;;ة وص;;ولها إلى أميرك;;ا،
والمه;;اجرون الس;;وريون وع;;ذابهم في بالد الغرب;;ة (المه@@اجرون الس@@وريون ذاب @وا في بح@@ر من
مهاجري أوروبا ،فجأة اختفوا ورجعت وحدها أعداد البشر مفزعة من أين ي@@أتي ه@ؤالء كلهم
دفعها المناكب وأوشكت أن تقع هي وكيسها تمسكت باألجسام بالحبال بالهواء ،ح@@تى بلغت
ظهر الباخرة ..وزاد ضيقها األعداد المتدافعة الكل يتدافع ويصيح ويشتم وه@@و يش@@ق طريق@@ه
وي @@نزل الس @@اللم إلى بطن الس @@فينة ...الض @@ربة على ظهره @@ا (حقيب @@ة خش @@ب أم ص @@ندوق)
أخ@@رجت األنف@@اس من ص@@درها .داس@@ت أق@@دام على مداس@@ها وخ@@افت أن تفق@@ده ،أن يقلت من
ق@@دمها ويض@@يع ،ح@@اولت تتمه@@ل ...كلم@@ا بلغت طبق@@ة وح@@اولت العث@@ور على س@@رير وج@@دت
المك@@ان ممل@@وءا ن@@اس ف@@وق ن@@اس .ال@@رعب ه @ّد ها .تخ@@اف أن تختن@@ق...في مك@@ان عمي@@ق من
رأسها كانت تحصي الطبقات ...طوال أيام األتالنتيك بلياليه الجليد لم تر وجها أليفا واحدا
أقفل@وا األب@واب بين طبق@@ات الب@@اخرة ومنع@وا خ@@روج الرك@@اب في تظه@@ر الس@@فينة)،1ه;;ذا المش;;هد
وص ;;ف لمعان ;;اة الق ;;ادمين من دول الع ;;الم الث ;;الث إلى أميرك ;;ا ،م ;;ا يظه ;;ر وج ;;ود الطبيعي ;;ة بين
أوس;;اط المجتم;;ع األم;;يركي ،فالبطل;;ة الروائي;;ة "مرتا ح@داد" في س;;يرورة األح;;داث المرئي;;ة تعيش
في هذا العالم الجديد حيث تعرفت فيه عن ثقافات جديدة ،فهي تخوض حي;;اة جدي;;دة في ع;;الم
مليء بالمفاج;;آت ،فاكتس;;بت وتع;;رفت من خالل;;ه على مع;;الم ثقافي;;ة ،وخلفي;;ات معرفي;;ة وفكري;;ة
تغيير كليًا في معيش;;تها وفي حياته;;ا كك;;ل وعلى ه;;ذا
ًا أول مرة تتعرف عليها ،والتي أحدثت لها
األساس ارتسمت صور وعي هذه الشخصية ،كشخصية تعي بعمق تأزم;ات الع;الم ،وق;د أب;دع
-1الرواية ،ص31-30
66
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
"ربيع جابر" في وص;فه له;ذا الع;الم لكن يوض;ح لن;ا الفروق;ات بين الع;والم مين الناحي;ة الثقافي;ة
والحضارية بين العالمين العالم الث;الث(أص;حاب الطبق;ة البروليتارَّي ة) والع;الم الجدي;د (أص;حاب
الطبقة البورجوازية) ،وقد وصف الك;اتب مالمح الع;الم الجدي;د بطريق;ة وص;فية س;ردية بس;يطة،
وبأسلوب سهل (وما ضاعف اإلحساس بالض@خامة والزحم@ة واجه@ات المت@اجر والزج@اج وك@ل
تل@@ك النواف@@ذ الفس@@يحة إلى أي ناحي@@ة التفتت ك@@انت مرت@@ا ت@@رى وجهه@@ا في الزج@@اج منعكس@@ا
وضائعا بين مئات الوجوه الغربية .وكل الن@@اس يركض@@ون وال تعلم من أين ي@@أتون ...عرب@@ات
بأحصنة وسيارات فورد ودودج وقطارات أصغر من القطارات تمر في هدير ق@@وي مف@@زع على
ش@@بكات حدي@@د معلق@@ة في اله @واء بين األرض الموحل@@ة والس@@ماء القائم@@ة ....أوجعه@@ا عنقه@@ا
وهي ترف@@ع وجهه@@ا وتح@@اول أن تحص@@ي ع@@دد الطبق@@ات في البناي@@ات الش@@اهقة العل@@و( :رج@@ال
عابرون في بدالت ،على رؤوسهم قبعات عالية س@@وداء ،وفي قبض@@اتهم شماس@@ي أنيق@@ة))،1
مَّثل هذا المشهد بالنسبة لمرتا عالم غريب المعالم ،وهو عالم ض;خم كونه;ا فت;اة فق;يرة ،عاش;ت
في قرية متواضعة مختلفة تمامًا عن هذا العالم الجدي;;د (رأت بناية حمراء الل@ون ،كله@@ا مبني@@ة
من القرميد األحمر .ما هذا؟ في سوريا ال أحد يب@@ني عم@@ارة كامل@ة بالقرمي@@د األحم@@ر القرمي@@د
تصنع منه السقوف الهرمية الشكل في بيروت وجب@@ل لبن@@ان ،ه@@ذه الس@@قوف الهرمي@@ة عالم@@ة
الثراء ...لكن بناي@ة كامل@ة من القرمي@د الحم@ر! ه@ذا لم تتخي@ل مثل@ه يوم@ا) ،2وه;;ذا م;;ا يش;;كل
الفروقات بين الع;;المين ،فق;;د اكتس;;حت الطبق;;ة البرجوازي;;ة ه;;ذا الع;;الم المس;َّم ى "أميركا" ،وك;;انت
الحض;;وض قليل;;ة بالنس;;بة للطبق;;ة البروليتاري;;ة (ويع@ني ذل@ك في كث@ير من الح@االت أنهم باع@ة
متجول@@ون ،ولن@@ا أن نتخي@@ل بس@@هولة مالمح الب@@ائع الس@@وري المؤلوف@@ة ال@@ذي يرت@@اد الط@@رق
3
الترابية في الريف األميركي)
-1الرواية ،ص48
-2الرواية ،ص49
-3الرواية،ص51
67
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
ق;;ام ك;;اتب ه;;ذا النص بوص;;ف الع;;الم الجدي;;د (أميركا) بطريق;;ة دقيق;;ة ،وال;;ذي يعت;;بر ع;;الم
غ;;امض ومبه;;ر بالنس;;بة للمه;;اجرين الس;;وريين ،ووص;;فه له;;ذا الع;;الم وبه;;ذه الطريق;;ة ،ليس بني;;ة
تحبيب هذا العالم للناس ،بل من أجل غاي;ة أخ;رى ،ففي ع;دة وقف;ات س;ردية ينب;ه الك;اتب له;ذا
النص عن الجوانب السيئة لهذا الع;;الم رغم أن;;ه ع;;الم الم;;ال والعم;;ل والف;;رص للعدي;;د من الن;;اس
(يا إخوتي وأصحابي اعلموا أن طرقات أميرك@@ا غ@@ير مفروش@@ة بال@@ذهب فك@@ل من اعتق@@د بينكم
أن المال هنا ال يتطلب مشقات ومتاعب كثيرة فهو جاهل وأب@@وه جاه@@ل وابن@@ه س@@يكون مثل@@ه،
فكل من تعود على راحة جس@@مه وبال@ه في البل@د ال ننص@@ح ل@ه أن ي@@أتي إلى هن@@ا ألن العاقب@@ة
وخيمة والندم ال ينفع .أعرف ناسا عضوا أصابعهم حتى از رقت وما نالهم من ذل@@ك خ@@ير.
وأعرف آخرين جمعوا الدوالر على الدوالر ولكن بمشقة تفلج الجمل). 1
كما تطرق الروائي إلى وصف مظاهر اجتماعية كثيرة تم;;يز به;;ا المجتم;;ع الع;ربي بص;;فة
عامة ،والمجتمع السوري بصفة خاصة ،حيث أن ه;ؤالء لم يتخل;وا عن ع;;اداتهم أثن;;اء هج;رتهم
إلى أميرك;;ا (حين أطلت على البه@@و ...ك@@انت أطب@@اق الطع@@ام تغطي المائ@@دة والبخ@@ار يتع@@الى
من أك@@واب كث@@يرة روائح القه@@وة والش@@اي والحليب ام@@تزجت في رأس@@ها ..قبالته@@ا تمام@@ا بع@@د
صحون الجبنة والبيض وسلة الخبز).2
-3النسق الديني:
أك ;;ثر م ;;ا يج ;;ذب الق ;;ارئ في الرواي ;;ة أنه ;;ا تتط ;;رق إلى ع ;;دة قض ;;ايا (اجتماعي ;;ة ،سياس ;;ية،
تاريخية ،ثقافية و دينية ) ،وهذا ما الحظناه في مرت;;ا الشخص;;ية البطل;;ة في الرواي;;ة الشخص;;ية
التي حافظت على مبادئها ،و أفكارها ،فهي ولدت مسيحية من عائلة محافظة تتسم باألخالق
الكريم;ة ،وبحبه;ا لوطنه;ا ،ف;تربت مارت;ا على ه;ذه األس;س ،ولكن رحلته;ا إلى أميرك;ا لم تنس;يها
أص;;لها ،وعاداته;;ا ،رغم م;;ا يش;;هده ه;;ذا الع;;الم الجدي;;د من تع;;دد في ال;;ديانات و األع ;راف ،فق;;د
ش; ;;هدت البطل; ;;ة ع ; ;ّد ة مض; ;;ايقات من ط; ;;رف أش; ;;خاص أج; ;;انب عنه; ;;ا ،لكن ه; ;;ذا لم يح; ;;ط من
-1الرواية ،ص158
-2الرواية ،ص74
68
االنساق المضمرة في الفصل الرابع:
الرواية
عزيمتها ،وال من عقيدتها ،وقد شكلها لنا ربيع جابر في ع;ّد ة محط;;ات من الرواي;;ة تمثلت في:
(هذه العيون ال تعرف عادات س@@وريا :في س@@وريا يس@@ير الرج@@ل أوًال و الم@رأة تتبع@@ه ،و ليس
العكس .النظرة المستغربة في هذه العيون ال عالقة له@ا به@ذا االنقالب المب@اغت في التقلي@د
الش@@رقي)(،1ال@@رب يس@@اعدني ،ق@@الت مارت@@ا)،2وه ;;ذه ت ;;بين القيم ال ;;تي تحمله ;;ا مارت ;;ا ح ;;داد في
طياته ;;ا ،ك ;;ذلك عكس ;;ت رواي ;;ة أميرك ;;ا في ثناياه ;;ا العدي ;;د من األع ;راف والتقالي ;;د ال ;;تي يعتنقه ;;ا
االمريكيون حيث وصف لنا طريقة دفن أمواتهم في وس;;ط البح;;ر ،كم;;ا ج;;اء في الرواي;;ة (وقف
ك@@اهن على رأس الجث@@ة قب@@ل رميه@@ا في المحي@@ط على ش@@رفات الطبق@@ة العالي@@ة (ه@@ذه الدرج@@ة
األولى؟) وق@@ف الرج@@ال في ب@@دالت أنيق@@ة وعلى رؤوس@@هم قبع@@ات .أح@@دهم فتح مظل@@ة بيض@@اء
فوق رأسه) ،وصف الروائي وصف دقي;;ق لع;;اداتهم في دفن الجث;;ة في عم;;ق البح;;ر ،حيث أَّن
مش ;;اغلهم وك ;;ثرة موت ;;اهم جعلتهم يس ;;تخدمون تل ;;ك الطريق ;;ة في دفن موت ;;اهم ،ولق ;;د أب ;;دع ربي ;;ع
جابر في وصف تلك المشاهد.
-1الرواية ،ص55
-2الرواية ،ص67
69
الخاتمة
الخاتمة
70
الخاتمة
:الخاتمة
ختام ;;ا له ;;ذه التجرب ;;ة البحثي ;;ة الموس ;;ومة بتمثالت األنس ;;اق األيديولوجي ;;ة وص ;;لنا إلى أهم
النتائج التي تتعلق بمحاور البحث أجملناها في النقاط االتية:
-تع;;ددت مف;;اهيم المص;;طلحات النس;;ق والنق;;د الثق;;افي واألي;;ديولوجيا ،حيث تط;;رقت إلي;;ه ع;;دة
دراسات فلسفية ولغوية وبنيوية ،وغيرها من الدراسات.
-النقد الثقافي هو أحد علوم اللغة وحقول األلسنية معنّي بنقد األنساق المضمرة التي
ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه ،ما هو غير رسمي وغير
مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء.
-إن التاريخ مرتبط بالمجتمع;ات (مش;اعرهم ،أفع;الهم ،م;واقفهم) ،فالت;اريخ يس;رد لن;ا أح;داث
ووقائع مرتبطة باألفراد.
-إن اإليديولوجيا واليوتوبيا كالهما مجموعة أفكار وأراء تتعلق بالطبقات االجتماعية
المتصارعة فيما بينها ،وكُّل منهما هدف معين تسعى إليه ،فاإليديولوجيا تهدف إلى الدفاع
عن الواقع الراهن ،وعن مصالح الفئات الحاكمة ،أما اليوتوبيا فلديها رؤية مستقبلية لهذا
الواقع.
-إن الرواية هي الجنس األدبي األجدر لحمل األفكار ،فقد استطاعت تجسيد الصراعات
االجتماعية ،واألزمات التي يعيشها باللغة ،والروائي يطمح دائما لتحقيق رؤية وإ براز
المشاكل االجتماعية والقضايا السياسية واالقتصادية من خالل كتاباته وهذا ما الحظناه في
رواية أميركا ل ربيع جابر ،حيث مثلت هذه الرواية الصراعات اإلنسانية وتداخالتها
المكانية والتاريخية.
-تعدد الدالالت الفكرية ،أضاف على الرواية جمالية فنية ،فقد فتحت للقارئ أبواب عديدة
منها باب المتعة في القراءة ،وباب المعرفة لما شملته من أحداث ووقائع تاريخية تعلقت
بما جرى في العالم ،وقد كشفت الرواية بعض التوجهات اإليديولوجية السائدة في فترات
71
الخاتمة
زمنية ما- .شكلت الراوية مسارات سردية متنوعة ،مكنتها لتتبوأ إمكانية كونها رواية
ملحمية فنص الرواية هو محاولة ألرشفة الذاكرة وفق بنيات سردية تحاول رصد واقع
المهاجرين السوريين بصفة خاصة ،وواقع العالم بصفة عامة ،فقد جسدت رواية أميركا"
الصراعات العالمية بشكل سرّد ي مشوق ،من خالل سردها لألزمات والصراعات التي
حدثت خالل الحربين العالميتين األولى والثانية.
-أراد الكاتب لهذا النص أن ُيبرز لنا من خالل سرده لألحداث التاريخية والسياسية
التطرق إلى خبايا وخفايا الحروب التي اجتاحت العالم ،وما آل إليه العالم من تغییرات
على عدة مستويات (اجتماعية ثقافية ،دينية ،أخالقية وفكرية...إلخ) ،ما ادى بهذه
التغييرات إلى تعدد اإليديولوجيات في هذا العالم ،ما شكل صراعات داخلية ،وهذا أدى
إلى ظهور ما يسمى بالطبقية والتمييز العنصري ،وهذا كله أدرجه ربيع جابر في روايته
على شكل سردي يحاكي الواقع بطريقة فنية تخيلية رائعة من خالل تسلسل األحداث
والطريقة المميزة في استخدام التقنيات السردية في سرد هذه األحداث.
72
خ المصادر والمراجع
73
خ المصادر والمراجع
أوال :المصادر
-ربيع جابر ،اميركا ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط.2010، 2
ثانيا :المراجع بالعربية
-عب;;د العزي;;ز حم;;ودة ،المراي;;ا المحدب;;ة ،سلس;;لة ع;;الم المعرف;;ة ،المجلس الوط;;ني للثقاف;;ة
والفنون ،ع ،232الكويت. 1998 ،
-ف;ؤاد خلي;ل ،الماركس;ية في البحث النق;دي (الراهّني;ة ،الت;اريخ ،النس;ق ) دار الف;ارابي ،
بيروت ،ط. 2010 ، 1
-محم; ; ;;د علي الب; ; ;;دوي ،علم االجتم; ; ;;اع األدب (النظري; ; ;;ة و المنهج و الموض; ; ;;وع)،دار
المعرفة الجامعية القاهرة ،د .ط .2003،
- -نبيل رمزي ،سوسيولوجيا المعرفة (جدل الوعي والوجود االجتماعي) ،دار الفكر
الجامعي ،اإلسكندرية ،د .ط
-نعم ;;ان ب ;;وقرة ،المص ;;طلحات األساس ;;ية في لس ;;انيات النص وتحلي ;;ل الخط ;;اب ،ج ;;دار
للكتاب العالمي ،عمان ،األردن ،ط.2009 ،1
-إبراهيم خليل ،بنية النص الروائي ،دار العربية للعل;وم ناش;رون ،منش;ورات االختالف،
بيروت ،لبنان ،ط،2010 ،1
-جمال شحيد ،في البنيوية التركيبية (دراسة في منهج لوسيان غولدمان) ،دار بن رشد،
بيروت ،ط.1982 ،2
-جمي;;ل الحمي;;داني ،الس;;ميوطيقا والعنون;;ة ،مجل;;ة ع;;الم الفك;;ر ،الك;;ويت ،المجل;;د ،25ع
،23يناير/مارس.1997 ،
74
خ المصادر والمراجع
-زكريا إبراهيم ،مشكلة البنية( ،أضواء على البنيوية) ،مكتبة مصر ،مصر ،دط،
،1990
-سليمة عذاوري ،شعرية التناص في الرواية العربية ،الرواية والتاريخ ،رؤية للنشر
والتوزيع ،القاهرة ،مصر ،2012ط.1
-عبد اهلل العروي ،مفهوم األيديولوجيا ،دار التنوير ،بيروت ،ط1993 ،1
-عب;;د اهلل الغ;;ذامي ،النق;;د الثق;;افي ،ق;;راءة في االنس;;اق الثقافي;;ة العربي;;ة ،المرك;;ز الثق;;افي
العربي ،بيروت ،ط.2005 ،3
-عب ;;د اهلل ول ;;د اب ;;اه ،الت ;;اريخ و الحقيق ;;ة ل ;;دى ب ;;ول ريك ;;ور (الهوي ;;ة الس ;;ردية و ال ;;ذاكرة
الحية) ،مجلة يتفكرون (فصيلة ،فكرية ثقافية) ،ع. 2014، 3
-محمد مفتاح ،دينامية النص ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،ط.1990 ،2
-محمد نديم خشفة ،تأصيل النص (المنهج البنيوي لدى لوسيان غولدمان) ،مركز
االنماء الحضاري ،حلب ط .1997، 1
-ميجان الرويلي ،سعيد البازعي ،دليل الناقد االدبي ،المركز الثقافي العربي ،الدار
البيضاء ،المغرب ،ط.2002. ،3
-ناصر الجيالن ،الشخصية في قصص االمثال العربية (دراسات في االنساق الثقافية
للشخصية العربية) ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان ،ط.2007 ، 1
-يمنى العيد ،تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي ،دار الفارابي ،بيروت،
ط.2،1999
ثالثا :المراجع المترجمة
-اوستن وارين ورينيه ويلي;;ك ،نظري;;ة االدب ،المجلس األعلى لرعاي;;ة الفن;;ون
واآلداب والعلوم االجتماعية ،تر :محي الدين صبحي ،د .ط.1972 ،
-ب; ;;ول ارون وَاالن في; ;;اال ،سوس; ;;يولوجيا االدب ،ت; ;;ر :محم; ;;د علي مقل; ;;د ،دار
الكتاب الجديد المتحدة ن بيروت ،ط.2013 ،1
75
خ المصادر والمراجع
-ب ;;ول ريك ;;ور ،الزم ;;ان و الس ;;رد (الحبك ;;ة و الس ;;رد الت ;;اريخي) ،ت ;;ر :س ;;عيد الغ ;;انمي
وفالح رحيم ،دار
-بيير زيما ،النقد االجتماعي ،تر عايدة لطفي ،دار الفكر ،القاهرة ،ط.1991 ،1
-ج;;ورج لوك ;;اتش ،دراس;;ات في الواقعي ;;ة ،ت ;;ر :ن ;;ايف بل ;;وز ،المؤسس;;ة الجامعي ;;ة للنش;;ر
والتوزيع ،بيروت ،ط.1985، 5
-جورج لوكاتش ،ماركسية ام الوجودية ،تر :جورج طرابيش ،دار اليقظ;;ة العربي;;ة ،
دمشق ،د .ط ،د.ت.
-جورج لوكاتش ،نظرية الرواية ،تر :نزيه الشوقي ،دمشق ،ط.1987 ،1
-ديفيد هوكس ،األي;;ديولوجيا ،ت;;ر :إب;;راهيم فتحي ،المجلس األعلى للثقاف;ة ،الك;;ويت د،
ط .2000،
-ديفي; ; ;;د ه; ; ;;وكس ،األيديولوجي; ; ;;ة ،ت; ; ;;ر إب; ; ;;راهيم فتحي ،المجلس األعلى للثقاف; ; ;;ة ،د ط،
.2015
-ه;;نري أيكن عص;;ر اإليديولوجي;;ة ،ت;;ر ف;;ؤاد زكري;;ا ،مكتب;;ة األنجل;;و المص;;رية ،د .ط،
،1963
-آرث; ;;ر ايزابرج; ;;ر ،النق; ;;د الثق; ;;افي تمهي; ;;د مب; ;;دئ للمف; ;;اهيم الرئيس; ;;ية ،ت; ;;ر وف; ;;اء
إبراهيم ،رمضان بسطاويسي المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،ط .2003، 1
-ب; ;;ول ريك; ;;ور ،ال; ;;ذاكرة ،الت; ;;اريخ ،النس; ;;يان ،ت; ;;ر :ج; ;;ورج زين; ;;اتي ،دار الكت; ;;اب الجدي; ;;د
المتحدة ،لبنان ،ط .2009 ،1الكتاب الجديد المتحدة ،لبنان ،ط ،2006 ،1ج.1
-ب; ;;ول ريك; ;;ور ،محاض; ;;رات في األي ;;ديولوجيا واليوتوبي; ;;ا ،ت; ;;ر :فالح رحيم ،دار الكت; ;;اب
الجديد المتحدة ،لبنان ،ط.2002 ،1
-جورج لوكاتش ،الرواية التاريخية ،تر :صالح جواد كاظم ،دار الطليعة ،بيروت ،د.ط
.1978،
-فنسنت ليتش ،النقد الثقافي (النظرية األدبية وما بعد البنيوية) تر :هشام زغلول،
المركز القومي للترجمة ،ط.2022 ،1
76
خ المصادر والمراجع
-لوسيان غولدمان وآخرون ،البنيوية التكوينية والنقد االدبي ،تر :محمد سبيال ،مؤسسة
األبحاث العربية ،بيروت ،ط1986، 2
77
المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
الصفحة العنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوان الرقم
شكر وعرفان
االهداء
أ مقدمة
مفاهيم االصطالحية الفصل األول:
5 النسق 1
7 النقد الثقافي 2
9 األيديولوجيا 3
األيديولوجيا والعمل الفني الفصل الثاني:
12 األيديولوجيا ،الواقع وتمثالت االجتماعية 1
17 األيديولوجيا وسردية التاريخ 2
28 األيديولوجيا والمفارقة بالّتخييل 3
الفصل الثالث :تمثالت االنساق األيديولوجية في الرواية
36 ملخص الرواية 1
37 دراسة البنية السردية للرواية 2
37 العنوان 2-1
37 العنوان الرئيسي
38 الشخصيات 2-2
39 الشخصيات الرئيسية أ
42 الشخصيات الثانوية ب
46 بنية الزمان والمكان 2-3
46 الزمان أ
79
فهرس الموضوعات
خ
80