You are on page 1of 78

‫العدد ( ‪ ) 10‬رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫متابعات إفريقية‬

‫تحرير‪ :‬الدكتور محمد السبيطلي‬

‫• د‪ .‬مادي إبراهيم كانتي‬ ‫• محمدو بمب درامي‬


‫• د‪ .‬حمدي بشير‬ ‫• شيماء سمير محمد حسين‬
‫• مصطفى زهران‬ ‫• رشا رمزي‬
‫• محمد العربي‬ ‫• تقى النجار‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪www.kfcris.com‬‬


‫متابعات إفريقية‬
‫العدد ( ‪) 10‬‬
‫المحتويات‬

‫متابعات إفريقية‬
‫سلسلة أوراق متخصصة يضمها تقرير شهري يصدر عن مركز‬
‫امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية بالرياض‪ .‬تناقش‬
‫السلسلة امللفات والقضايا السياسية واالقتصادية واألمنية‬
‫املختلفة التي تهم ُس ّكان القارة اإلفريقية وانعكاساتها اإلقليمية‬
‫والدولية من خالل مقاربات متعددة التخصصات وزوايا النظر‪.‬‬

‫للتواصل‪afrstudies@kfcris.com :‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ .‬العنارص املغيَّبة يف مقاربات دول منطقة الغرب اإلفريقي ملكافحة اإلرهاب‪:‬‬
‫سياسة تدبري الحقل الديني وتطوير سياسات فك عزلة األقاليم النائية اقتصاديا وإداريا‬
‫‪٨‬‬ ‫‪ .‬محمدو بمب درامي ‪ -‬باحث متخصص يف الشؤون اإلفريقية ‪ -‬دكار‪. ..........................‬‬

‫‪ .‬إسرتاتيجية التنظيمات اإلرهابية املضادة بغرب إفريقيا ومواجهة التدابري األمنية‬


‫‪١٤‬‬ ‫‪ .‬شيماء سمري محمد حسني ‪ -‬باحثة مختصصة يف شؤون اإلرهاب الدويل ‪ -‬القاهرة‪. ..........‬‬

‫‪ .‬الجهود الدولية واإلقليمية ملحاربة اإلرهاب غرب إفريقيا‪ :‬بوكو حرام يف نيجرييا‬
‫‪٢٤‬‬ ‫‪ .‬رشا رمزي ‪ -‬باحثة متخصصة يف الشؤون اإلفريقية ‪ -‬القاهرة‪. ................................. .‬‬

‫العالقة بني «القاعدة» و«داعش» يف منطقة الساحل‬ ‫‪.‬‬


‫‪34‬‬ ‫تقى النجار – باحثة باملركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية ‪ -‬القاهرة‪. ..............‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬اإلدارة العسكرية واألمنية لإلرهاب يف مايل‬


‫‪ .‬د‪ .‬مادي إبراهيم كانتي ‪ -‬محارض يف كلية العلوم اإلدارية والسياسية –‬
‫‪42‬‬ ‫جامعة العلوم القانونية والسياسية ‪ -‬بماكو‪. ..........................................................‬‬

‫‪ .‬مستقبل نشاط حركة الشباب الصومالية يف كينيا‬


‫‪50‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬حمدي بشري ‪ -‬باحث متخصص يف قضايا األمن واإلرهاب ‪ -‬القاهرة‪. ....................... .‬‬

‫‪ .‬مصادر تمويل الجماعات الجهادية يف القارة اإلفريقية‬


‫‪58‬‬ ‫‪ .‬مصطفى زهران ‪ -‬باحث متخصص يف الجماعات املتشددة ‪ -‬القاهرة‪. ..........................‬‬

‫‪ .‬حزب الله يف غرب إفريقيا‪ :‬خريطة التمدد والنفوذ اإلسرتاتيجي‬


‫‪68‬‬ ‫‪ .‬محمد العربي ‪ -‬باحث يف الشؤون الدولية ‪ -‬القاهرة‪. ................................................‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪5‬‬
‫ح‬
‫مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪144٢ ،‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬

‫مجموعة مؤلفني‬
‫متابعات إفريقية‪ /.‬مجموعة مؤلفني‪ -.‬الرياض‪١٤٤٢ ،‬هـ‬
‫‪ 78‬ص‪23 x 16.5 ،‬سم (سلسلة؛ ‪)10‬‬
‫ردمك‪978_603_٨٢٦٨_81_0 :‬‬

‫‪ -1‬إفريقيا ‪ -‬تاريخ أ‪ .‬العنوان ب‪ .‬السلسلة‬


‫‪144٢/5355‬‬ ‫ديوي ‪٩٦٠‬‬

‫رقم اإليداع‪144٢/5355 :‬‬


‫ردمك‪978_603_٨٢٦٨_81_0 :‬‬

‫بدر الخرعان‬ ‫ساره الجشي‬


‫مراجع لغوي‬ ‫تحرير‬

‫متابعات افريقية‬

‫إخالء مسؤولية‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫تعكس هذه املقاالت ومحتوياتها تحليالت الكاتب وآراءه‪ ،‬وال ينبغي أن تُنسب وجهات النظر‬
‫واآلراء الواردة فيها إىل مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬والكاتب وحده هو‬
‫املسؤول عما يرد فيها من استنتاجات أو إحصاءات أو أخطاء‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كلمة المحرر‬

‫منذ سنوات اتجهت أنظار املتابعني والباحثني واملهتمني بمختلف خلفياتهم السياسية والفكرية نحو تنامي‬
‫نفوذ الحركات اإلرهابية وانتشارها يف القارة اإلفريقية‪ .‬خريطة التطرف والتشدد الديني ما انفكت تتمدد‬
‫وتتحرك يف اتجاهات جديدة لم تصبها سابقا ظاهرة الحركات الدينية املسلحة؛ مما شكل تهديدا جديا لألمن‬
‫اإلقليمي والدويل‪ .‬وذلك رغم خطط واسرتاتيجيات محلية وإقليمية مدعومة دوليا خاصة يف منطقة الساحل‬
‫ورشق إفريقيا‪ ...‬لذلك أضحى التساؤل عن أسباب فشل الحكومات واملجموعات اإلقليمية والجهود الدولية‬
‫يف لجم التشدد ومنع تمدده إىل مناطق ومساحات جديدة ‪ -‬أم ًرا ملحًّ ا‪ ،‬وذلك عرب تقييم سياسات وجهود‬
‫مكافحة اإلرهاب‪ .‬ولكن أيضا بمساءلة الحكومات اإلفريقية يف املناطق املعنية عن فشلها يف إقامة الحكم الرشيد‬
‫وتحقيق أكرب قدر من التنمية بصفتها رشوط إيجاد بيئة مناسبة تمنع تحول بلدانها ومجتمعاتها ألرضية‬
‫خصبة تستجيب للخطاب املتشدد ومن ثم للخروج عىل الدولة والتعاون مع املجموعات اإلرهابية‪.‬‬
‫لقد كشفت خريطة تمدد الحركات اإلرهابية يف إفريقيا ثغرات اسرتاتيجية وتكتيكية عدة يف منظومة مكافحة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬قد يعود بعضها إىل العجز والفشل الذي أصيبت به األجهزة واملؤسسات املحلية‪ .‬والذي تبني يف ظاهرة‬
‫الفساد الذي استرشى يف مختلف مفاصل الدولة اإلفريقية املدنية منها واألمنية‪ ،‬بما يف ذلك تلك التي يعهد إليها‬
‫قيادة املواجهة املبارشة مع التنظيمات املتشددة والحركات املسلحة املتمردة عىل رشعية الدولة‪ .‬وهذا بدوره‬
‫يعود إىل محدودية اإلمكانات املادية للحكومات‪ ،‬ولكن أيضا إىل تآكل رشعية أنظمة حاكمة منذ عقود دون‬
‫تحقيق التنمية املنتظرة واإلخفاق يف توسيع املشاركة السياسية املوعودة‪ ،‬بسبب استنادها إىل مجموعات إثنية‬
‫دون غريها‪ ،‬وإىل نخب سياسية قطعت روابطها مع املجتمعات املحلية وانخرطت يف الشأن العام اعتمادا عىل‬
‫والءاتها وتبعيتها للنظم الحاكمة أو القوى الدولية؛ مما أفقدها مصداقيتها لدى قطاعات واسعة من شعوبها‪.‬‬
‫هذا عالوة عىل قصور يف فهم أسباب وعوامل التطرف املحلية واإلقليمية‪ ،‬وعدم تمكن القوى الدولية املتصدية‬
‫ملهمة مكافحة اإلرهاب لطبيعة املشاكل الحقيقية التي تعانيها املجتمعات املحلية‪.‬‬
‫يف هذا العدد من «متابعات إفريقية» توجه االهتمام نحو تقييم العمل املحيل واإلقليمي والدويل يف مواجهة تمدد‬
‫الجماعات اإلرهابية وتجذرها؛ وذلك يف جانبه املرحيل وكذلك االسرتاتيجي‪ ،‬فاهتُ َّم بالتمويل والتسليح‪ .‬كما‬
‫اشتغل بعض الباحثني يف أوراقهم املنشورة يف هذا العدد لدراسة طبيعة العالقة والتنافس بني تنظيمي القاعدة‬
‫وداعش يف إفريقيا‪ .‬ثم تركز االنتباه ملدى مواكبة واستجابة الجماعات املتطرفة يف عملها العسكري‪ ،‬لتطوّ َر‬
‫خطط واسرتاتيجيات جهود مكافحة اإلرهاب والنجاح يف اخرتاقها واستثمار الثغرات التي تركتها؛ لذلك كان‬
‫لزوما االهتمام بتقييم شامل لالسرتاتيجيات العامة ملواجهة التشدد الديني يف خطابه وأدوات عمله وانتشاره‬
‫ومدى قابليتها لدى القطاعات املجتمعية املستهدفة‪ .‬وتبقى محاور عدة مرتبطة بهذا السياق تستدعي البحث‬
‫الدقيق‪ ،‬خصوصا العوامل التي ساعدت الجماعات اإلرهابية يف اكتساب موضع قدم لها يف مساحات إفريقية‬
‫جديدة مثل املوزمبيق وكينيا وساحل العاج وغريها‪...‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪7‬‬
‫العناصر المغيَّبة في مقاربات دول منطقة الغرب‬
‫اإلفريقي لمكافحة اإلرهاب‪:‬‬
‫سياسة تدبير الحقل الديني وتطوير سياسات فك‬
‫عزلة األقاليم النائية اقتصاديا وإداريا‬
‫محمدو بمب درامي ‪ -‬باحث متخصص في الشؤون اإلفريقية ‪ -‬دكار‪.‬‬

‫يف يوم ‪ 14‬ديسمرب لعام ‪2020‬م‪ ،‬عند خطف مئات التالميذ من مدرسة تَ َقع شمال نيجرييا‪ ،‬شدت‬
‫انتباهنا عبارة لفظتها إحدى السيدات اللواتي كان أبناؤهن من ضحايا هذه العملية اإلرهابية‪،‬‬
‫حيث ألقت كلمات محمولة بكل معاني األىس واألسف‪« :‬الحكومة ال تبادر إىل حل املشكل‪ ،‬ألن‬
‫(((‬
‫الضحايا ليسوا أوالدهم»!‬
‫وهذه الحادثة تذ ِّكرنا بما حدث سنة ‪2014‬م؛ إذ اختُ ِطفت أيضا مئات التلميذات يف مقتبل العمر‬
‫بالطريقة نفسها‪ .‬وإن نحن ألحقنا هذه الحادثة إىل سياقها العام‪ ،‬فسنجد أنها ليست إال استمرارا‬
‫لسلسلة من االستفزازات اإلرهابية التي صارت منطقة الغرب اإلفريقي تحت قبضتها‪.‬‬
‫وت دِ ُ‬
‫يفوَا ْر‪،‬‬ ‫مدينة ب ََّسا ْم ( ‪ )Grand Bassam‬بدولة ُك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فوجئت‬ ‫ففي شهر مارس من عام ‪2016‬م‪،‬‬
‫مدينة واغادوكو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فوجئت‬ ‫بأوَّل هجوم إرهابي يف تاريخها‪ ،‬وقبل ذلك بشهرين‪ ،‬أي يف شهر يناير‪،‬‬
‫اسو ( ‪ )Burkina Fasso‬بأول هجوم إرهابي يف تاريخها أيضا‪،‬‬ ‫( ‪ِ )Wagadougou‬بدولة بُركِينا َف ُ‬
‫ض ًة لهجومات‬ ‫فاسو ُمنْذُ ذلك عُ ْر َ‬
‫ُ‬ ‫بأحد الفنادق الكبرية بالعاصمة‪ .‬ولم تَ َز ْل دولة بُركينا‬

‫متابعات افريقية‬
‫إرهابية‪.‬‬
‫إرهابي خ َّلف أيضا العديد‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫عاصمة دولة مَ ايل لهجو ٍم‬ ‫فندق بمدينة باماكو‬‫ٌ‬ ‫وقبل هذا وذاك‪ ،‬تع َّرض‬
‫فريسة للحركات‬‫ً‬ ‫من القتىل والجرحى‪ .‬وقد كان شما ُل دولة مايل قبل ذلك (سنة ‪2013-2012‬م)‬
‫االنفصالية وللجماعات اإلرهابية التي استولت عىل الجزء الشمايل من البلد‪ ،‬وأعلنت استقالل هذا‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫الجزء عن الدولة وقيا َم «دولة إسالمية» فيها‪.‬‬


‫((( صدر هذا الترصيح أثناء مقابلة مع قناة فرانس ‪ ،24‬ضمن إحدى حلقات الربنامج اإلخباري ‪( ،Le Journal d’Afrique‬حلقة‪ ،15 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م)‪.‬‬
‫االسرتجاع يف‪ ،27 :‬يناير‪2021 ،‬م‪ ،‬رابط الحلقة‪:‬‬
‫‪https://youtu.be/Xf__s -qiXt0?t=130.‬‬

‫‪8‬‬
‫ُ‬
‫املعنية بهذه التوترات مجموعة من التدابري ملواجهة هذه التحديات األمنية‪.‬‬ ‫اتخذت الدو ُل‬
‫ِ‬ ‫وقد‬
‫إال أن املقاربة التي اعتُ ِمدَت تبدو ‪-‬يف نظري‪ -‬قارصة عن مناهضة التحديات اإلرهابية ا ُملحدِقة‪.‬‬
‫وتأتي هذه الورقة لتكشف عن الحلقات املفقودة يف هذه االسرتاتيجيات املعتمدة‪ ،‬وتلقي الضوء‬
‫عىل بعض الجوانب املغفول عنها‪ ،‬والتي أجدها مركزية يف كل مساعي مكافحة اإلرهاب‪ ،‬خاصة يف‬
‫سياقات منطقة الغرب اإلفريقي‪.‬‬
‫املشاركة ستنحو نحو محاولة تحليل بعض أسباب فشل املقاربات‬‫َ‬ ‫بناء عىل ما سبق‪ ،‬فإن هذه‬
‫املعتمدة إىل اآلن ملكافحة اإلرهاب‪ .‬وسيُح َّلل ذلك من خالل رصد املقاربة املعتمدة من طرف دول‬
‫املنطقة ملناهضة تحديات اإلرهاب وتسليط الضوء عليها؛ ثم بعد ذلك‪ ،‬سنتطرق إىل رصد العنارص‬
‫الغائبة يف تلك املقاربة‪.‬‬

‫رصد المقاربة المعتمدة لدى دول الغرب اإلفريقي لمكافحة اإلرهاب‬


‫إن دول الغرب اإلفريقي‪ ،‬يف سبيلها نحو مناهضة تحدي اإلرهاب‪ ،‬انساقت مع املقاربة العامة التي اعتمدتها‬
‫منظمة األمم املتحدة لـ«محاربة اإلرهاب»‪ .‬فإن األمم املتحدة قد وضعت منذ سنة ‪2006‬م اسرتاتيجية عاملية‬
‫عُ رفت تحت اسم «اسرتاتيجية األمم املتحدة العاملية ملكافحة اإلرهاب»(((‪ .‬وهذه االسرتاتيجية ‪-‬عىل أهميتها‪-‬‬
‫لم تنجح إىل اآلن يف إيقاف النزيف الناتج عن اإلرهاب الدويل‪ .‬فقد نشأ بني ظهرانيها كيان داعش؛ ولم تنجح‬
‫َ‬
‫األيديولوجية (أي أيديولوجية داعش) ملنعها من أن تترسب إىل البلدان اإلفريقية التي‬ ‫أيضا يف محارصة هذه‬
‫لم تكن تعرف من قضية اإلرهاب إال ما كانت تسمع وما كانت تشاهد ُه من وراء شاشة التلفاز‪ ،‬ومن تلك‬
‫البلدان اإلفريقية دولة مايل‪ ،‬ودولة نيجرييا ودولة كوت ديفوار‪ ،‬ودولة بركينا فاسو‪...‬‬
‫إننا إذا رجعنا البرص إىل هذه املقاربة التي اعتمدتها منظمة األمم املتحدة‪ ،‬ودرسناها دراسة موضوعية وبكل‬
‫تج ُّرد‪ ،‬وذلك بربطها بالواقع اإلفريقي‪ ،‬نجد أنها قارصة عن حل مشكلة اإلرهاب يف الواقع االفريقي‪ .‬ولعل‬
‫سبب ذلك هو ضعف استحضارها لجانب القوة الناعمة املتمثلة يف الخطاب املتطرف الذي يؤدي إىل اقتحام‬
‫أوىل عتبات التطرف‪ .‬كما أن هذه االسرتاتيجية بُنِيت‪ ،‬يف كثري من أجزائها‪ ،‬عىل منطق استخدام ما يسمى بـ‬
‫‪( Hard Power‬أي القوة الصلبة املتمثلة يف القوة العسكرية واالقتصادية)((( ملعالجة مشكلة اإلرهاب الدويل‪،‬‬
‫وهذه الدول اإلفريقية‪ ،‬بالنظر إىل مستواها االقتصادي‪ ،‬تفتقد العدة األساسية التي يتوقف عليها تنفيذ هذه‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬وبذلك أتت االسرتاتيجية غري متجانسة مع واقع املنطقة‪.‬‬
‫((( وهي قرار اتخذته الجمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ ‪ 8‬سبتمرب ‪2006‬م‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،27 :‬يناير‪2021 ،‬م‪ ،‬رابط النسخة العربية من القرار‪:‬‬
‫‪https://undocs.org/ar/A/RES/60/288.‬‬
‫((( وهذا يف حق منظمة األمم املتحدة أم ٌر غري مستغرب؛ ألن األمم املتحدة تعمل يف إطار أقطاب ثالثة‪ :‬الحقوق والحريات؛ السلم واألمن الدوليني؛ التنمية والتطور‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪9‬‬
‫ويتجسد واقع هذا الضعف يف عجز مجموعة دول الساحل الخمسة (‪ )G5 SAHEL‬يف مكافحة اإلرهاب‪ .‬فقد‬ ‫َّ‬
‫كانت هذه املجموعة تَعُ ُّد أوىل أ َ ْو َل ِويَّاتها النهوض أمام التحديات األمنية واإلرهاب‪ ،‬لكونها تعيش جميعا تحت‬
‫وطأة التهديد اإلرهابي‪ .‬ومن ثمَّ‪ ،‬وقع االتفاق عىل إنشاء قوة مشرتكة بني هذه الدول ملناهضة اإلرهاب يف‬
‫منطقة الساحل والصحراء‪ .‬ولكي تقوم هذه القوة وتؤدي دورها املنوط بها‪ ،‬فإنها تحتاج إىل ميزانية ال تقل‬
‫املجموعة أن العائق األكرب أمام تحقيق متطلبات‬ ‫ُ‬ ‫عن ‪ 400‬مليون أورو (‪ ،((()Euro‬ولهذا االعتبار أدركت هذه‬
‫قيام هذه القوة هو العجز االقتصادي‪.‬‬
‫من ثم‪ ،‬فإن هذه املجموعة لم تُ ْخ ِف ولم تُتَمْ ِت ْم يف شأن امليزانية الالزمة إلقامة مثل هذه القوة‪ ،‬بل رصحت أنها‬
‫تعوِّل رأسا عىل السند الخارجي‪ ،‬خاصة من قِ بَل االتحاد األوروبي‪ ،‬واألمم املتحدة‪ ،‬والدول القوية مثل أمريكا‬
‫والصني وروسيا‪ .‬ولم تستطع أعضاء هذه املجموعة أن توفر بنفسها حتى ثلث هذه امليزانية! مما دفع برئيس‬
‫(((‬
‫تشاد أن يرصح أن دولته قد تسحب رجالها‪ ،‬إذا لم تحصل املجموعة عىل الدعم املايل الالزم ملثل هذه العملية‪.‬‬
‫وهذا ما يفتح املجال واسعا للتدخالت الخارجية‪ ،‬مما يطرح إشكالية السيادة واالستقالل والتدبري الذاتي‪.‬‬
‫تلقت هذه القو ُة‪ ،‬يف قلب مركزها بمنطقة قريبة من عاصمة دولة‬ ‫وقد تجىل هذا العجز يف أوضح تجلياته ملا َّ‬
‫مايل‪ ،‬هجوما إرهابيا خ َّلف خسائر وضحايا‪ .‬قو ٌة عسكرية مكونة من خمس دول‪ ،‬ومزودة بوسائل مادية‬
‫ولوجستية من أجل أن تكافح اإلرهاب يف منطقة الساحل هي من تتحول لتكون هي ضحية اإلرهاب يف قلب‬
‫ثكنتها! ما ذا ي َّ‬
‫ُتوقع منها أن تفعل؟‬
‫حاجة إىل اعتماد مقاربة بديلة منسجمة مع الواقع‬ ‫ٌ‬ ‫ولهذا يحق لنا أن نطرح بجد سؤال‪ :‬ألم تكن ثَمَّ ة‬
‫اإلفريقي؟‬
‫إن أي مقاربة النتشال اإلرهاب العضال من السياق اإلفريقي ينبغي أن تكون منبثقة من السياق اإلفريقي‪.‬‬
‫مسبوقة بإجراء عملية فحص دقيقة تُنتِج صور ًة واضحة املعالم‪ ،‬يُمكِن من خاللها‬ ‫ً‬ ‫بمعنى‪ :‬ينبغي أن تكون‬
‫ُ‬
‫املشكلة‬ ‫اإلحاطة بخبايا املشكلة وبزواياها‪ .‬ومن غري ذلك‪ ،‬فيوشك أن يبقى الدوران خارج الفلك‪ ،‬ولن تالمَ س‬
‫يف أ ُ ِّسها وحقيقتها‪.‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫َ‬
‫املشكلة‪ ،‬وبعْ َد التَّ ُّبي من أن أحد‬ ‫بالنظر إىل أن هذه املقاربة التي اعتمدتها الدو ُل اإلفريقية لم تحُ َّل إىل اآلن‬
‫ٍ‬
‫بديلة للخروج‬ ‫دروب‬
‫ٍ‬ ‫الحلول هو غياب املناسبة بني املقاربة والحل‪ ،‬فإن البحث عن‬ ‫ِ‬ ‫أسباب عدم نجاعة هذه‬
‫من هذه األزمة يكون خيارا حتميا‪.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫((( حسب ما رصح به أحد مسؤويل نيجر لجريدة يُنظر مقالة‪:‬‬


‫‪Benjamin Roger, “G5 Sahel: enfin une force conjointe à l’issue du sommet Bamako?”, Jeune Afrique, June 30, 2017,‬‬
‫‪https://2u.pw/eOfl3.‬‬
‫‪(5) Laurent Larcher, “Emmanuel Macron dans le bourbier sahélien,” July 2, 2017, https://2u.pw/gjjWE.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -1‬فما الجوانب المغيبة في المقاربات المعتمدة؟‬
‫إن من الجوانب التي ينبغي أن تشملها بالرضورة تدابريُ مكافحة اإلرهاب يف سياق الغرب اإلفريقي‪:‬‬
‫تطوير سياسات فك العزلة االقتصادية واإلدارية لألقاليم النائية‪ ،‬وتبني سياسة تدبري الحقل الديني‪:‬‬
‫• تطوير سياسات فك العزلة االقتصادية واإلدارية لألقاليم النائية‬
‫وه ًّشا الشعو َر بالتهميش الذي يَنتُج عن ضعف حضور السلطات‬ ‫حس االنتماء للوطن ضعيفا َ‬ ‫إن مما يجعل َّ‬
‫وضعف االهتمام االقتصادي بتلك األقاليم‪ ،‬مما يتخذه ذوو النزعات االنفصالية‬ ‫ِ‬ ‫اإلدارية يف األقاليم النائية‪،‬‬
‫لبث دعوة االستقالل‪ ،‬ورفع دعوة الحق يف تقرير املسري‪.‬‬ ‫ذريعة ِّ‬
‫ولقد رأينا ذلك يف شمال دولة مايل‪ ،‬ونراه أيضا يف شمال دولة بركينا فاسو؛ حيث إن الذين يقومون بالهجمات‬
‫اإلرهابية يف دولة بركينا يُ َر ِّكزون أنشطتهم اإلجرامية عىل شمال الدولة‪ ،‬يف املنطقة التي تسمَّ ى باملنطقة‬
‫الساحلية لربكينا فاسو‪ ،‬حيث نجد حضورا ضعيفا للسلطات‪ ،‬وحيث تكون األوضاع االقتصادية متدهورة‪.‬‬
‫ف سلسلة املقاالت الذي خصصتْه جريد ُة لوموند الفرنسية((( لألزمة اإلرهابية يف دولة بركينا‬ ‫ويكشف ِم َل ُّ‬
‫فاسو أن الذين يقومون بهذه األعمال العدوانية‪ ،‬عندما تالحقهم السلطة األمنية للدولة يَفِ ُّرون ليقتحموا دولة‬
‫مايل‪ ،‬فال تقدر السلطات األمنية لدولة بركينا فاسو أن تلحق بهم‪ ،‬وهم خارج املساحة الوطنية‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن من املهم أن تبادر السلطات الوطنية يف املنطقة بملء مثل هذا النوع من الفراغ اإلداري الخطري‪،‬‬
‫وذلك بتحقيق نفوذ وحضور ُسلطوي قوي يتمثل يف العناية بالثروة البرشية لهذه النواحي‪ ،‬وإعداد البنية‬
‫التحتية لها‪ ،‬خاصة عىل مستوى املدارس واملرافق الصحية‪ .‬وهذا سيحقق للقادة والء املواطنني‪.‬‬
‫• تبني سياسة تدبري الحقل الديني‬
‫قضية تدبري الشأن الديني يف مثل هذه الدول ِ‬
‫ذات علمانية‬ ‫ُ‬ ‫فأول ما يقال يف هذا الباب أن الكثري عندما تثار‬
‫الدستور‪ ،‬يستشكلون األمر بدعوى أن طبيعة دساتري هذه الدول ال تو َِّفر هذه اإلمكانية؛ والحال أن الطابع‬
‫العلماني للدولة َليْس حاجزا دون القيام بالتدبري املحكم للشأن الديني‪ ،‬فدولة مثل تركيا عىل سبيل املثال‬
‫علمانية الدستور‪ ،‬ومع ذلك فالدولة هي التي ترشف عىل شأنها الديني؛ وكذلك دولة النمسا علمانية‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ظم الشأن الديني الخاص بها؛ ودولة بلجيكا أيضا‪ ،‬حيث إن كبار رجال الديانات املعرتف بها‬ ‫فإن الدولة تُن ِّ‬
‫ظفني يتقاضون من الدولة أجرتهم عىل وظائفهم الدينية‪.‬‬ ‫يف دولة بلجيكا يُعدُّون مو َّ‬
‫فاملشكلة ليست يف الالئكية يف حد ذاتها‪ ،‬وإنما املشكلة يف صورة الالئكية التي تبنتها دولة ما‪ .‬فالالئكية ينبغي‬
‫وجعل الالئكية تراعي مدى‬ ‫ِ‬ ‫أن تُلبس ثوب الواقع االجتماعي والثقايف‪ ،‬باستحضار الرتكيبة الدينية للمجتمع‪،‬‬
‫حضور الدين يف املجال العام‪ .‬فهذه عوام ُل هي التي تعطي لالئكية صبغتها الوطنية الخاصة‪ ،‬ومنسجمة مع‬
‫‪(6) “Le Burkina Faso à l’épreuve du terrorisme,” Le Monde, April 9, 2017, https://2u.pw/XAXyf.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪11‬‬
‫واقعها‪ ،‬وأن تؤدي دورها املفرتض‪ .‬والحال أن دول هذه املنطقة لم تبذل بع ُد الجهد الفكري الالزم لصياغة‬
‫نموذج الئكي خاص؛ ولربما يرجع األمر إىل تأثُّرها بدولة فرنسا املستعمرة يف بناء نظام الحكم‪ (((،‬بما فيها‬
‫العالقة بني السلطة والدين‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬وبناء عىل قراءة للواقع اإلفريقي‪ ،‬ولتَ ْشكيلتِه االجتماعية املتصفة بالتعددية اإلثنية والثقافية والدينية‪،‬‬
‫مع استحضار الطابع العلماني للدساتري فالسياسية الدينية املقرتحة لتدبري املجال الديني تشمل أساسا‬
‫املجاالت التالية‪ :‬املؤسسات الدينية (املساجد والكنائس)؛ والخطاب الديني (الخطب والفتاوى)؛‬
‫والقوانني التنظيمية (مأسسة الشأن الديني)؛ والتعليم الداخيل والخارجي‪.‬‬

‫‪ -2‬المؤسسات الدينية (دور العبادة)‬


‫ألن دول الغرب اإلفريقي‪ ،‬من غري موريتانيا‪ ،‬بدافع احرتام حرية االعتقاد واملمارسة تركت أمر دور‬ ‫وذلك َّ‬
‫َاج من الضبط والتنظيم واملراقبة‪ ،‬فتنقلب‬ ‫العبادة إنشا ًء وتسيريا عىل يد الطوائف الدينية‪ ،‬ولم تُسيِّجْ ها ِب ِسي ٍ‬
‫هذه املؤسسات الدينية أحيانا إىل بؤر يصدر منها ما يؤدي إىل العنف‪ ،‬كالخطاب التحرييض‪.‬‬
‫فالعناية باملؤسسات الدينية تشمل ثالثة مستويات‪ :‬مستوى اإلنشاء؛ ومستوى التسيري؛ ومستوى املراقبة‪.‬‬
‫• جانب الخطاب الديني‬
‫حس مرهف‬ ‫أن بعض من ليس عنده ٌّ‬ ‫ومشكلة عدم اعتناء السلطات بضبط الخطاب الديني تكمن يف َّ‬
‫باملسؤولية قد يستغل الخطاب الديني الذي يحمله يف تسفيه أو غمط بعض الذين يخالفونه يف الدين أو يف‬
‫املذهب الفقهي أو العقدي‪ ،‬أو يح ِّرض عىل بعضهم‪ ،‬مما قد يؤدي إىل مفسدة‪ .‬ولتفادي مثل هذه املخاطر‪،‬‬
‫يلزم وضع ضوابط تخص الخطاب الديني الذي يصدر من دور العبادة عموما‪.‬‬
‫• جانب القوانني التنظيمية (مأسسة الشأن الديني)‬
‫فإن معظم اإلصالحات والتدابري والضوابط إنما تُمهَّ د وتُدعم بقوانني تنظيمية‪ ،‬مثل التنصيص عىل املرجعية‬
‫الدينية الرسمية يف املراجع القانونية‪ .‬وبدون ذلك‪ ،‬فإن الحرية املطلقة يف مجال التدين‪ ،‬إذا لم تُسيَّج بسياج‬

‫متابعات افريقية‬
‫من الضوابط‪ ،‬قد تنقلب يف كثري من األحيان إىل عامل مؤ ٍد إىل اضطرابات مجتمعية‪.‬‬
‫• جانب التعليم‬
‫التعليم الداخيل‬
‫إن من أبرز االختالالت التي تعانيها النظم يف دول املنطقة غيابَ السلطة املركزية عن شأن التعليم الديني‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫توفريا وتأطريا ومراقبة‪ .‬مما ترك فراغا خوَّل لبعض املؤسسات التعليمية الدينية الخصوصية يف داخل البالد‬
‫((( ومن أحسن من صور هذا الواقع برتران بادي يف كتابه (الدولة املستوردة)‬
‫‪Bertrand Badie, L’État importé. Essai sur l’occidentalisation de l’ordre politique (Paris: Fayard, 1992), 334.‬‬

‫‪12‬‬
‫يحقق املصلحة العامة‬‫أن يترصفوا يف برامجهم التعليمية كما يشاؤون‪ ،‬لغياب الرقابة عىل مدى مراعاتهم ملا ِّ‬
‫ويحفظ للبلد أمنه الروحي‪.‬‬
‫غياب عنرص الرتبية الدينية يف املدارس الحكومية للتحريض عىل‬ ‫ِ‬ ‫وتستغل بعض التوجهات املتطرفة واق َع‬
‫هذا املدارس‪ ،‬وللتشكيك يف رشعيتها‪ ،‬ويقدمونها عىل أنها هي التي تغ ِّرب النشء (أي هي التي تحوِّلهم إىل‬
‫غربيني فكرا وسلوكا)‪ ،‬وهذا ما يفرس لنا أن «الحركات الجهادية» يف هذه املناطق تجعل من أهم أهدافها التي‬
‫تتوخاها يف هجماتها املدارس الحكومية(((‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فمن باب سياسة تأليف القلوب ومن باب مراعاة قوة سلطة الدين يف املجال العام استحضار عنرص‬
‫حكومية خاصة بذلك‪ ،‬حتى ال يكون ثمة مدخل‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫مدارس‬ ‫الرتبية الدينية عند صياغة الربامج املدرسية‪ ،‬أو توفري‬
‫للطعن يف رشعية النظام كله‪.‬‬
‫وأما التعليم الخارجي‬
‫طي الحاجة‪ -‬الدِّراسات العليا لحاميل الشهادات‬ ‫ً‬
‫‪-‬أصالة أو بالقدر الذي يغ ِّ‬ ‫فلما كان معظ ُم هذه الدول ال تُ ِّ‬
‫وفر‬
‫فإن هؤالء املستعربني غالبا ما يصابون بالتِّيه بعد الحصول عىل الباكالوريا‪،‬‬ ‫العربية واإلسالمية من أبناء الدولة‪َّ ،‬‬
‫فيقفون سادرين ال يملكون أي حيلة ملتابعة التكوين العايل يف مجال تخصصهم‪ ،‬فيستهويهم أول رياح التوجهات‬
‫الدينية األجنبية التي تمر بهم‪ .‬فتبقى الدولة هي الضحية يف ظل هذه النعرات الطائفية واملذهبية املستوردة‪.‬‬
‫والحل لذلك‪ ،‬هو أن تستحرض الدو ُل هذا األم َر‪ ،‬وأن تعتمد حلوال هي بمثابة سياسات دينية‪ ،‬بنا ًء عىل ٍ‬
‫نظر‬
‫فاحص وممحِّ ص لهذا الواقع‪ .‬وأن تسبق إىل ثروتها البرشية وتُعنى بها من جانب الرتبية الدينية التي‬ ‫ٍ‬
‫يحتاجون إليها توفريا وتأطريا ورقابة‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫ضع ‪-‬بناء عىل معرفتي بواقع الغرب اإلفريقي‪ -‬معال َم املقرتحات‬ ‫الورقة أن أ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حاولت من خالل هذه‬ ‫لقد‬
‫يف مجال السياسة الدينية‪ ،‬وهي بمثابة اسرتاتيجية ذات وظيفتني اثنتني‪ :‬وظيفة الحماية‪ ،‬ووظيفة البناء؛‬
‫حماية مجتمعاتنا من كل الفتن ذات الطابع الديني التي تنشأ أحيانا عن الخلل الناشئ عن غياب الضبط‬
‫للشأن الديني‪ ،‬ضبطا يمنع تحريف الغالني‪ ،‬وانتحال املبطلني‪ ،‬وتأويل الجاهلني‪ ،‬وبناء نظام محكم ‪ ،‬ال‬
‫ٍ‬
‫مبنية عىل أسس‬ ‫ً‬
‫ذريعة وال نافذة يتذرع منها الفساد وال الدمار؛ وذلك بوضع ُخطة واضحة املعالم‪،‬‬ ‫يرتك‬
‫علمية متينة‪ ،‬تستلهم من خصوصية املكان‪ ،‬والتجارب السابقة‪ ،‬ومن قاعدة «درء املفاسد وجلب املصالح»‪.‬‬

‫((( ومن هذا القبيل تسمية الجماعة اإلرهابية النيجريية ببوكو حرام‪ ،‬بمعنى‪« :‬املدرسة حرام»‪ .‬وكذلك الحال يف دولة بركينا فاسو‪ ،‬حيث إن اإلرهابيني يستهدفون‬
‫املدارس الحكومية يف الجهة الشمالية للبلد‪ ،‬ويقتلون املعلمني فيها باللغة األجنبية غري العربية‪ ،‬بدعوى أنهم يغربون األوالد ويج ِّردونهم من القيم املوروثة‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪13‬‬
‫إستراتيجية التنظيمات اإلرهابية المضادة‬
‫بغرب إفريقيا ومواجهة التدابير األمنية‬

‫شيماء سمير محمد حسين ‪ -‬باحثة متخصصة في شؤون اإلرهاب الدولي ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫تشري الوقائع األخرية يف غرب القارة اإلفريقية إىل تزايد قدرات التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬عالوة‬
‫عىل استحداث نمط وتكتيك للعمليات والتجنيد واالنتشار والتسليح بما يواكب التدابري األمنية‬
‫والعسكرية الحديثة املتبعة‪.‬‬
‫مما خلق تساؤالت عن‪ :‬كيف تستطيع التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا الحفاظ عىل هيكلها‬
‫وأنشطتها‪ ،‬وما سبل التكيف التي تتبعها تجاه التدابري األمنية والعسكرية التي تواجهها؟‪ ،‬ومن‬
‫ثم تهدف الورقة إىل فهم التطور الذي تحظى به التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا‪ ،‬والذي يوضح‬
‫مدى قدرة تلك التنظيمات عىل التعلم من البيئة املحيطة وما يطرأ عليها من مستجدات؛ مما‬
‫يجعلها أكثر قدرة عىل التكيف تجاه ما تواجهه من إجراءات أمنية وعسكرية‪ ،‬األمر الذي يساهم‬
‫يف تصاعد عملياتها والحفاظ عىل قدراتها التنظيمية‪.‬‬
‫وانطالقا ً مما سبق سوف تتكون الورقة من أربعة أقسام؛ القسم األول يختص بتكتيك التسليح‬
‫والدعم اللوجيستي‪ ،‬بينما يناقش القسم الثاني تكتيك العمليات اإلرهابية‪ ،‬أما القسم الثالث فهو‬
‫يتناول تكتيك التمدد واالنتشار‪ ،‬يف حني يعرض القسم الرابع التجنيد‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تكتيك التسليح والدعم اللوجيستي‬ ‫ً‬

‫متابعات افريقية‬
‫تعد عملية التسليح والدعم اللوجيستي بمثابة رشيان يمد التنظيمات اإلرهابية بمقومات البقاء والنشاط‪،‬‬
‫فسهولة الحصول عليه يرتبط بتزايد قدرات التنظيمات التشغيلية‪.‬‬
‫ولقد لوحظ مؤخرا ً أنه عىل الرغم من تكثيف التدابري األمنية للقوات العسكرية ومتعددة الجنسيات مع‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫رفع كفاءة القوات الوطنية لدول غرب إفريقيا‪ ،‬إال أنه ما زالت التنظيمات اإلرهابية باملنطقة قادرة عىل سد‬
‫احتياجاتها من التسليح‪ ،‬ولقد اتخذت تلك التنظيمات تدابري مضادة الستغالل الفجوات األمنية يف عملية‬
‫اإلمداد والتسليح‪ ،‬وكان من ضمنها‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫أ‪ -‬ضعف تأمني الحدود‬
‫شكل ضعف تأمني الحدود الوطنية لدول غرب إفريقيا مأزقا ً استطاعت التنظيمات اإلرهابية توظيفه‬
‫لصالحها؛ حيث سهل تسلل الجهاديني واألسلحة إىل داخل البالد‪ ،‬إضافة إىل ظاهرة الفساد املحيل املنترشة‬
‫التي ساهمت يف مساعدة املهربني لعبور املخدرات واألسلحة عالوة عىل مرور الجهاديني(((‪.‬‬
‫ليس ذلك فحسب بل ما زاد من األمر صعوبة هو تورط عنارص من الجيش البوركيني يف دعم التنظيمات‬
‫اإلرهابية‪ ،‬فوفقا ً لتقرير مجموعة األزمات الدولية ُفصل ما يقرب من ‪ 566‬فردا عسكريا من عنارص الجيش‬
‫والقوات الجوية يف عام ‪2011‬؛ نتيجة لتوفريهم الدعم اللوجيستي واالستخباراتي بجانب االنخراط يف‬
‫أعمال تابعة لتنظيمات إرهابية(((‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مهاجمة قوات األمن‬
‫أكد محمد بن شمباس رئيس مكتب األمم املتحدة بغرب إفريقيا والساحل أنه عىل الرغم من الجهود‬
‫املبذولة ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬إال أن التنظيمات اإلرهابية تواصل مهاجمة قوات األمن يف بوركينا فاسو ومايل‬
‫والنيجر ونيجرييا(((‪.‬‬
‫فالهجمات التي تنفذها التنظيمات اإلرهابية القائمة عىل الساحل ساهمت يف الحصول عىل املعدات‬
‫العسكرية بما فيها من ذخائر وأسلحة حديثة‪ ،‬وذلك من خالل الهجوم عىل الثكنات العسكرية املعزولة‬
‫التي تفتقر إىل التأمني وال تجيد السيطرة‪ ،‬باستغالل نقاط ضعفها واستخدام عنرص املفاجأة واالعتماد‬
‫عىل أعداد الجهاديني الكبرية وأسلحتهم املتطورة‪ ،‬حيث تحارص الكمائن أو الثكنات بقذائف الهاون‬
‫أو الصواريخ لتعطيل دفاعات الثكنة‪ ،‬كما تستخدم العبوات الناسفة يف تمهيد الطريق من أجل‬
‫محارصة الجنود وتسهيل الهجوم عىل جبهات متعددة‪ ،‬واالستيالء عىل ما تحتويه الثكنات من أسلحة‬
‫ومعدات عسكرية‪ ،‬وهو ما يؤكده فيديو بثته جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني والدولة اإلسالمية يف‬
‫الصحراء الكربى‪ ،‬حيث أظهر كميات كبرية من األسلحة التي استويل عليها من خالل هجمات إرهابية‬
‫عىل ك ٍّل من معسكر (إيناتيس) يف النيجر‪ ،‬ومعسكر (إنديليماني) يف مايل وكوتوغو يف بوركينافاسو‬
‫عام ‪2019‬م(((‪.‬‬

‫‪(1) James Blake, “West Africa is Increasingly Vulnerable to Terrorist Group,” Foreign Policy, April 4, 2020, https://2u.pw/vkVIU.‬‬
‫((( محمد الدابويل‪« ،‬التوجه صوب بوركينافاسو‪ ..‬اسرتاتيجية جديدة للتنظيمات اإلرهابية يف الساحل“‪ ،‬مركز فاروس لالستشارات والدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬
‫(‪ ،31‬مارس‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،15 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/b4Sn7.‬‬
‫‪(3) “Intercommunal Violence, Terrorist Attacks Inflame Tensions in West Africa,” UN News, July 9, 2020, https://2u.pw/GzAdY‬‬
‫‪(4) Hassan Kone, “Where do Sahel Terrorists get Their Weapons?” Institute for Security Studies, February 12, 2020,‬‬
‫‪https://2u.pw/fMZrT.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪15‬‬
‫ج ‪ -‬استغالل طائرات الدرونز‬
‫وصل استخدام طائرة الدرونز ضمن التطور الذي حظيت به أسلحة التنظيمات اإلرهابية؛ وذلك نتيجة‬
‫النخفاض تكاليفها وسهولة التشغيل وخفة الوزن‪ ،‬عالوة عىل صعوبة التعقب وعدم وجود قيود أمنية‬
‫رصيحة عىل استخدامها‪.‬‬
‫فعىل الرغم من نجاح الرضبات التي استخدمت فيها الدرونز للقضاء عىل القيادات اإلرهابية‪ ،‬إال أنها‬
‫أصبحت سالحا ً ذا حدين وظف لخدمة األغراض اإلرهابية‪ ،‬ففي عام ‪2017‬م اكتشف مركز مكافحة اإلرهاب‬
‫األمريكي أن تنظيم الدولة اإلسالمية يمتلك نظاما ً معتمدا ً إلدارة العمليات العسكرية والقيام بهجمات‬
‫باستخدام الدرونز‪ ،‬وهو ما دفع بعض الحكومات ملحاولة دراسة فرض بعض القيود عىل استخدامات‬
‫الدرونز للحد من خطورة استخدامها من قبل التنظيمات اإلرهابية(((‪.‬‬
‫د ‪ -‬تصنيع التنظيمات اإلرهابية للسالح محليا ً‬
‫اعتمدت التنظيمات اإلرهابية عىل مخازن السالح الليبية يف الوقت الذي تال سقوط نظام القذايف‪ ،‬حيث‬
‫فقدت فيه ليبيا السيطرة عىل مخازن أسلحتها عىل ضوء التدخل العسكري والحرب األهلية التي اجتاحت‬
‫البالد‪ ،‬وعملت عىل نقلها حركات التمرد املسلحة يف مايل يف عام ‪2012‬م‪ ،‬وبالتايل كان من السهل وقوعها‬
‫يف قبضة تنظيمات إرهابية كالقاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي وحركة التوحيد والجهاد يف غرب إفريقيا‪،‬‬
‫ومع مرور الوقت انخفض تدفق األسلحة الليبية بسبب التعزيزات العسكرية عىل حدود النيجر والجزائر‬
‫والوجود العسكري يف مايل‪ ،‬وتضييق الخناق عىل شحنات األسلحة القادمة عرب الحدود؛ ومن ثم اتجهت‬
‫التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا إىل سد بعض احتياجاتها عن طريق اإلنتاج املحيل للسالح‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق حرفيني يصنعون األسلحة الصغرية‪ ،‬والتي تتميز بانخفاض تكلفتها النسبية‪.‬‬
‫كما يالحظ أن بعض التنظيمات اإلرهابية بالبالد عملت عىل إنشاء مرافق إلنتاج السالح خاصة بهم‪ ،‬ولعل‬
‫أبرزها تنظيم بوكوحرام الذي كشف من قبل عن مصنع صواريخ خاص به يف شمال رشق نيجرييا(((‪.‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫ثانيا‪ :‬تكتيك العمليات اإلرهابية‬ ‫ً‬
‫اتبعت التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا أسلوب العمليات استطاعت تطويره لتتكيف مع ظروف البيئة‬
‫املحيطة والتدابري األمنية املستحدثة‪ ،‬ولقد اتضح ذلك من خالل‪:‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫((( سارة عبد العزيز‪« ،‬السالح القاتل‪ :‬اتجاهات ردع تهديدات الدرونز ألمن الدول»‪ ،‬املستقبل لألبحاث والدراسات املتقدمة‪ ،8( ،‬أغسطس‪2018 ،‬م)‪.‬‬
‫االسرتجاع يف‪ ،25 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪, ،‬‬
‫‪https://2u.pw/fzAzY.‬‬
‫((( «بوكو حرام تكشف عن مصنع صواريخ يف شمايل رشق نيجرييا»‪ ،‬بي بي يس نيوز عربي‪ ،2( ،‬نوفمرب‪2015 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،28 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪, ،‬‬
‫‪https://2u.pw/k5FWQ.‬‬

‫‪16‬‬
‫أ‪ -‬نمط العمليات والفئات املستهدفة‬
‫تنوع نمط العمليات املستخدم للتنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا‪ ،‬فكانت السمة الغالبة للعمليات التي تتم‬
‫عن طريق استخدام املتفجرات والعمليات االنتحارية واحتجاز الرهائن‪ ،‬فنجد مثالً جماعة التوحيد والجهاد‬
‫قد سعت إىل استهداف القوات الفرنسية واإلفريقية يف (جاو وكيدال) باستخدام األلغام والعبوات الناسفة‬
‫والعمليات االنتحارية(((‪.‬‬
‫بينما استهدفت جماعة بوكوحرام أهدافا ً عسكرية ومدنية شملت قرى ومدارس ومطاعم ومالعب ومؤسسات‬
‫أمنية وأسواقا ً ودور العبادة‪ ،‬واتبعت عدة أساليب مثل الخطف والتفجريات االنتحارية والهجمات املسلحة‪،‬‬
‫كما لم تتورع عن استخدام النساء واألطفال يف عمليات انتحارية أحيانا ً باإلجبار والقوة؛ نظرا ً ملا يمثله‬
‫العنرص النسائي يف هذه البيئة من خصوصية تصعب من اكتشاف العملية‪ ،‬عىل عكس العمليات املستخدم‬
‫فيها الذكور والتي غالبا ً ما تثري شكوك رجال األمن‪ ،‬وبالفعل تكون حصيلة العمليات التي تتم بواسطة‬
‫النساء واألطفال يف األسواق أو ضد الحافالت أكرب من التي ينفذها الرجال(((‪.‬‬
‫واملالحظ أن كالً من حركتي بوكوحرام وحركة الشباب يستخدم تكتيكا ً خاصا ً يف عملياتهم‪ ،‬حيث لم‬
‫تقترص عملياتهم عىل األعداء فقط‪ ،‬ولكن شملت أيضا ً استهداف املدنيني والفتيات واألطفال‪ ،‬وأبرز نموذج‬
‫ما قامت به بوكوحرام من اختطاف ‪ 276‬فتاة عام ‪2014‬م يف هجوم عىل مدرسة (شيبوك) بوالية بورنو ‪-‬‬
‫نيجرييا(((‪ ،‬ال سيما استهداف عمال اإلغاثة واعتبارهم أهدافا ً مرشوعة‪ ،‬ونجد هذا واضحا ً فيما قام به تنظيم‬
‫الدولة اإلسالمية من إعدام ألربعة عمال إغاثة من منظمة العمل ضد الجوع‪ ،‬عالوة عىل استخدام الخطف‬
‫لعمال اإلغاثة والقطاع الخاص خاصة يف شمال رشق نيجرييا‪ ،‬فلقد تميزت جماعات مثل نرصة اإلسالم‬
‫واملسلمني‪ ،‬وتنظيم الدولة اإلسالمية يف غرب إفريقيا‪ ،‬والقاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي‪ ،‬وأنصار الدين‬
‫وبوكوحرام بممارسة االختطاف كأحد مصادر التمويل‪ ،‬كما قد تتعاون مع عصابات الجريمة املنظمة من‬
‫أجل تنفيذ بعض عمليات االختطاف لصالحها(‪.((1‬‬
‫ب ‪ -‬تطور تكتيك العمليات‬
‫طورت التنظيمات اإلرهابية من تكتيك عملياتها ليشمل استخدام الهجمات الصاروخية واالغتيال‪ ،‬عالوة‬
‫عىل استخدام الزي العسكري واملركبات العسكرية تمويها ً لالقرتاب من الهدف‪.‬‬

‫‪(7) “Terrorism in North and West Africa,” Counter Terrorism Guide, National Counter Terrorism Center, no date, https://2u.pw/gfa1i.‬‬
‫‪(8) Lweendo Kambela, “Conflict Trends 2019/1—Terrorism in Africa. A Manifestation of New Wars,” Accord, no date,‬‬
‫‪https://2u.pw/Pi9S3.‬‬
‫((( عيل نوار‪« ،‬ما هي الجماعات اإلرهابية األخطر عىل مستوى العالم»‪ ،‬موقع حفريات‪ ،24( ،‬ديسمرب‪2014 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،22 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/xa6pt.‬‬
‫‪(10) “Foreign Travel Advice: Nigeria,” GOV.UK, no date, https://2u.pw/nIkcK.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪17‬‬
‫كذلك يالحظ استخدام (تكتيك الكمائن) من قبل بعض التنظيمات اإلرهابية كتنظيم الدولة اإلسالمية‬
‫الذي عمل عىل استفزاز القوات العسكرية واستهداف الكمائن خاصة القوات الفرنسية يف منطقة‬
‫الساحل والصحراء‪ ،‬كما قامت حركة الشباب ببعض الهجمات عىل األهداف العسكرية فيما أطلق‬
‫عليها (هجمات رفيعة املستوى)‪ ،‬مثل ما قامت به من هجوم عىل قاعدة للجيش الوطن الصومايل يف ‪7‬‬
‫أغسطس من خالل عملية تبادل ناري أسفر عن قتل ‪ 17‬إرهابيا ً وجرح ‪ 23‬آخرين واستشهاد خمسة‬
‫جنود بينهم ضابط(‪.((1‬‬
‫ويف إطار استغالل التنظيمات اإلرهابية لوجود القوات األجنبية باملنطقة عملت بوكوحرام عىل استثمار‬
‫الرفض الشعبي لهذا‪ ،‬واستخدمت أسلوب الهجمات ضد القوات األجنبية بجانب توجيه رضبات موجعة‬
‫ضد الجيش التشادي والنيجريي‪ ،‬األمر الذي ساهم يف إضعاف القوات األجنبية وجعلها ال تبادر بعمليات‬
‫هجومية ضد مواقع تمركز اإلرهابني‪ ،‬ناهيك عن محاوالت بوكوحرام استغالل جائحة كورونا وما نتج‬
‫عنها من تقلص لدور القوات الدولية يف منطقة الساحل اإلفريقي فيما أطلق عليه الخرباء األمنيون (بثغرة‬
‫كورونا)‪ ،‬وبنا ًء عليه عملت عىل زيادة أنشطتها اإلرهابية كنوع من استعراض قدراتها العملياتية واستغالل‬
‫الفراغ األمني وانشغال الجيوش خاصة يف منطقة الساحل والصحراء(‪.((1‬‬

‫ثالثا‪ :‬تكتيك التمدد واالنتشار‬ ‫ً‬


‫مثلت تحديات البقاء للتنظيمات اإلرهابية عامالً محفزا ً استغلته يف مواصلة التمدد واالنتشار من خالل عدة‬
‫آليات‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫أ‪ -‬بناء شبكات واسعة من التحالفات‬
‫استطاعت بعض التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا بناء شبكة من التحالفات متخطية بذلك الحواجز‬
‫الفكرية واأليديولوجية فيما بينهم‪ ،‬وهو ما اتبعته شبكة القاعدة من تحالف مع حركات أنصار الدين‬

‫متابعات افريقية‬
‫وجبهة تحرير ماسينا يف شمال مايل‪ ،‬وتنظيم أنصار اإلسالم يف بوركينافاسو‪ ،‬وفصيل بوكوحرام الذي‬
‫يقوده أبوبكر شيكاو والذي نتج عنه جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني(‪ ،((1‬كما يالحظ أنه عىل الرغم من‬
‫الرصاعات التي اشتهرت بها ك ٌّل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة اإلسالمية خاصة يف منطقة الرشق‬
‫& ‪(11) “Africa Recorded a Total of 183 Terrorist Attacks Resulting in a Total of 763 Deaths,” African Centre for the Study‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪Research on Terrorism ACSRT/CAERT, October 18, 2020, https://caert.org.dz/?p=3508.‬‬


‫(‪ ((1‬يونس بورنان‪« ،‬ثغرة كورونا األمنية‪ ..‬رضبات إرهابية لجيوش الساحل والصحراء»‪ ،‬العني اإلخبارية‪ ،27( ،‬مارس‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪،16 :‬‬
‫ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://al-ain.com/article/terrorist-operations-boko-haram-corona‬‬
‫(‪« ((1‬كيف يحاول تنظيم القاعدة إعادة بناء قدراته؟»‪ ،‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫األوسط‪ ،‬إال أن وضع التنظيمني بغرب إفريقيا قد اتسم بالتنسيق يف بعض األحيان‪ ،‬فمثالً عملت الجماعتان‬
‫عىل محاولة لعزل (واغادوغو) عاصمة بوركينافاسو عن طريق تكتيك قصف الجسور وقطع الطرق‬
‫ومهاجمة الثكنات العسكرية(‪.((1‬‬
‫ولقد أكد الجنرال (داغفني أندرسون) رئيس العمليات الخاصة للجيش األمريكي يف إفريقيا قائالً‪« :‬ما‬
‫رأيناه ليس مجرد أعمال عنف عشوائية تحت راية إرهابية‪ ،‬بل حملة متعددة تحاول وضع هذه الجماعات‬
‫املختلفة تحت قضية مشرتكة ثم يشكل هذا الجهد تهديدا ً للواليات املتحدة»‪.‬‬
‫فصحيح أنه قد يوجد بني التنظيمني تنسيق مشرتك وربما يتجنب ك ٌّل من التنظيمني قصف أماكن اآلخر‪ ،‬إال‬
‫أن األمر ال يخلو من املناوشات بني الطرفني‪ ،‬فمثالً غضبت القاعدة من الدولة اإلسالمية عند محاوالت تجنيد‬
‫بعض األفراد من مناطق اعتربتها القاعدة خاصة بها‪.‬‬
‫وربما ما دعم التحالف بني أكثر تنظيمني دموية وعداوة هو أن منطقة غرب إفريقيا تعتمد تنظيماتها‬
‫اإلرهابية يف والئها عىل القبلية أكثر من التمسك باأليديولوجية‪.‬‬
‫وعىل األرجح فهناك ما يؤكد أن قادة التنظيمات اإلرهابية يجتمعون يف مخابئ بالقرب من الحدود الثالثية‬
‫ملايل والنيجر وبوركينافاسو؛ وذلك بغرض التخطيط املشرتك وتبادل املعلومات االستخباراتية وفقا ً ملا نسب‬
‫لقادة الجيش املايل(‪.((1‬‬
‫ولم يقترص االندماج عىل التنظيمات اإلرهابية فيما بينهم‪ ،‬ولكن عملت جماعات مثل القاعدة عىل‬
‫االندماج القبيل عن طريق دراسة متطلبات املجتمعات املحلية وطبيعتها‪ ،‬واللجوء إىل مساعدة املجتمع‬
‫عن طريق توفري الحماية وتسهيل عمل املستشفيات ومرور سيارات اإلسعاف عرب الطرق الخاضعة‬
‫لهم‪ ،‬عالوة عىل توطيد العالقات مع األرس املحلية من خالل عالقات النسب التي سهلت إىل حد كبري‬
‫يف الحصول عىل بعض الدعم من أموال وأسلحة‪ ،‬وهو ما يوضح قدرة الجماعات اإلرهابية يف منطقة‬
‫الساحل عىل التكيف من خالل االندماج سواء مع مجموعات منافسة أو مجموعات أخرى‪ ،‬نظرا ً ملا‬
‫تميزت به من مرونة جعلتها تتنازل عن الصورة النمطية التي عرفت عن التشدد األيديولوجي لهذه‬
‫النوعية من التنظيمات(‪.((1‬‬

‫(‪ ((1‬صالح حسن‪« ،‬واشنطن بوست‪ :‬تحالف داعش والقاعدة بغرب إفريقيا ينذر بأزمة عاملية»‪ ،‬العني اإلخبارية‪ ،23( ،‬فرباير‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪،18 :‬‬
‫ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/FhXOu‬‬
‫‪(15) Danielle Paquette and Joby Warrick, “Al-Qaeda and Islamic State Groups are Working Together in West Africa to Grab Large‬‬
‫‪Swaths of Territory,” The Washington Post, February 22, 2020, https://2u.pw/pHdQ9.‬‬
‫‪(16) Méryl Demuynck and Julie Coleman, “The Shifting Sands of the Sahel’s Terrorism Landscape,” International Centre for‬‬
‫‪Counter Terrorism—The Hague, March 12, 2020, https://2u.pw/w42eu.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪19‬‬
‫ب‪ -‬األثر السلبي للعمليات العسكرية‬
‫تركت اإلجراءات العسكرية تجاه التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا بعض اآلثار السلبية‪ ،‬فصحيح أن‬
‫التدخل الفرنيس من خالل عمليتي الرسفال وبرخان مع التدابري األمنية اإلقليمية واملحلية وجهود مجموعة‬
‫‪ G5‬ساهمت يف الحد من قدرة التنظيمات اإلرهابية؛ إال أن تلك اإلجراءات العسكرية ساهمت يف زحف‬
‫التنظيمات اإلرهابية إىل األماكن الجبلية اآلمنة‪ ،‬كذلك محاولة إيجاد أماكن أخرى لها يف دول مجاورة تتميز‬
‫بالضعف األمني وانتشار املطالب واملظالم االجتماعية‪ ،‬مما جعل بعض الخرباء يربطون بني ضعف عملية‬
‫برخان وزيادة النشاط اإلرهابي وجدية حضور القوات الدولية يف منطقة الساحل‪.‬‬
‫ج‪ -‬جائحة كورونا وسلوك التنظيمات اإلرهابية‬
‫شهدت منطقة غرب إفريقيا تصاعدا ً يف عدد إصابات فريوس كورونا‪ ،‬ال سيما اإلصابات التي حدثت يف‬
‫صفوف الجنود‪ ،‬حيث بلغت اإلصابات داخل الجيش الفرنيس حوايل ‪ 4000‬حالة‪ ،‬يف حني إصابة ما يقرب‬
‫من ‪ 26‬جنديّا ً من بعثة األمم املتحدة يف مايل والتي تضم قوات من ‪ 57‬دولة‪ ،‬ناهيك عن استغالل التنظيمات‬
‫انخراط األجهزة األمنية يف عملية مكافحة الفريوس وتوجيه الحكومات لجزء من مواردها املحدودة للجانب‬
‫الصحي‪ ،‬وهو ما عزز التنظيمات اإلرهابية ودفعها ملواصلة عملياتها وتصعيد هجماتها األخرية(‪.((1‬‬
‫د ‪ -‬استغالل انسحاب القوات الدولية‬
‫تدرس واشنطن خطط استبدال القوات العسكرية بمدربني عسكريني لتدريب القوات املحلية وتعزيز‬
‫قدراتها‪ ،‬وذلك استكماال ً لعملية تقليص القوات العسكرية التي بدأت يف فرباير املايض‪ ،‬ولقد قلصت واشنطن‬
‫من وجودها العسكري يف إفريقيا من ‪ 6‬آالف إىل ‪ 5‬آالف و‪ 100‬عسكري أغلبهم يف جيبوتي‪ ،‬مما ساهم يف‬
‫وجود مخاوف من قبل مسؤولني بالبنتاجون بسبب تزايد تهديد الجماعات اإلرهابية يف منطقة الساحل‬
‫وغرب إفريقيا(‪((1‬؛ لتصل خسارة الجنود األمريكيني يف عام ‪2019‬م ألكثر من ‪ 10400‬حالة قتل وفقا ً‬
‫إلحصائية أجراها مركز إفريقيا للدراسات اإلسرتاتيجية بجانب الخسائر يف املعدات(‪.((1‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫(‪ ((1‬حمدي بشري‪« ،‬مخاطر تفيش وباء كورونا عىل جهود مكافحة اإلرهاب يف منطقة غرب إفريقيا»‪ ،‬مركز اإلمارات للسياسات‪ ،4( ،‬مايو‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع‬
‫يف‪ ،20 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫;‪https://2u.pw/zB5wS‬‬
‫ملزيد من املعلومات راجع‪ :‬محمد السبيطيل‪ ،‬مبارك أحمد‪(« ،‬تقدير موقف) التداعيات االقتصادية واألمنية لجائحة كورونا يف إفريقيا»‪( ،‬الرياض‪ :‬مركز‬
‫امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪2020 ،‬م)‪ ،‬ص‪ .13 - 11 .‬االسرتجاع يف‪ ،26 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪https://2u.pw/xgJ0O.‬‬
‫(‪« ((1‬للرتكيز عىل الصني وروسيا‪ ..‬واشنطن تتجه لسحب قواتها من إفريقيا (تحليل)»‪ ،4( ،‬ديسمرب‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،25 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪,،‬‬
‫‪https://soundcloud.app.goo.gl/uXYRp.‬‬
‫(‪ ((1‬زينب مصطفى‪« ،‬دوافع وتداعيات خروج الواليات املتحدة من الساحل اإلفريقي»‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،4( ،‬فرباير‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪،25 :‬‬
‫ديسمرب‪2020 ،‬م‪,،‬‬
‫‪https://2u.pw/3iYMV.‬‬

‫‪20‬‬
‫فلقد شهدت إفريقيا يف ظل وجود العديد من قوات مكافحة اإلرهاب ‪ 1168‬عملية إرهابية يف الفرتة من يناير‬
‫إىل أغسطس ‪2020‬م بواقع زيادة عملياتية بنسبة ‪ % 18‬عن الفرتة نفسها من ‪2019‬م‪ ،‬وهو ما يؤكد مرونة‬
‫تلك التنظيمات وقدرتها عىل التكيف العملياتي حتى يف ظل أصعب الظروف األمنية‪ ،‬فهي قادرة عىل شن‬
‫هجمات والحفاظ عىل مستوى عملياتها(‪.((2‬‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬التجنيد‬
‫إن من الطبيعي أن تلجأ التنظيمات اإلرهابية لتعويض الفقد يف عنارصها إىل تجنيد عنارص أخرى لضخ‬
‫دماء جديدة للتنظيم‪ ،‬ويف ظل التهديدات والحصار األمني الذي تواجهه التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا‬
‫عملت عىل استغالل جميع الوسائل املتاحة لها واستنباط طرق جديدة لجذب املجندين الجدد‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬التجنيد باستخدام اللغة املحلية‬
‫اتجهت التنظيمات اإلرهابية مؤخرا ً إىل الرتكيز عىل اللغة املحلية كأداة مهمة للتواصل والتجنيد والحشد‪،‬‬
‫خاصة إذا ما كان يتحدث بها قطاع كبري من السكان‪ ،‬فنجد مثالً تنظيم الدولة اإلسالمية مع وصول‬
‫قائده الجديد (أبو إبراهيم الهاشمي القريش) قد أمر بالتوسع وضم املزيد من األرايض‪ ،‬وظهر ذلك من‬
‫خالل إسرتاتيجية جديدة بإطالق صحيفة إلكرتونية عرفت باسم (‪ )Wakiliar labarai‬ناطقة بلغة الهوسا‬
‫والتي يقدر عدد الناطقني بها إىل حوايل ‪ 44‬مليون شخص يقطنون مناطق يف نيجرييا والنيجر وتشاد‬
‫والكامريون مبيتا ً النية إلصدار العديد من املجالت الخاصة بغرب إفريقيا بعدة لغات منها اللغة الفوالني‬
‫أو الفولفول‪ ،‬كذلك الفرنسية وغريها من اللغات بهدف جذب العديد من املجندين خاصة يف مناطق مايل‬
‫والنيجر وبوركينافاسو وتشاد(‪.((2‬‬
‫ب‪ -‬استغالل شبكات التواصل االجتماعي يف التجنيد‬
‫ساهمت شبكات التواصل االجتماعي يف توفري الدعايا الالزمة للمنظمات اإلرهابية بما تتضمنه من إعالنات‬
‫ممولة يتم فيها التحكم بالفئة املستهدفة؛ مستخدمة تطبيقات مثل فيسبوك وتيليغرام وتويرت ومؤخرا ً‬
‫زوم وشبكة الديب ويب‪ ،‬حيث عملت التنظيمات اإلرهابية عىل استغالل الحظر الناتج عن تفيش كورونا‬
‫ووجود األشخاص بصفة مستمرة عىل مواقع التواصل والتطبيقات يف عملية نرش أفكارها واستقطاب‬
‫مجندين جدد‪.‬‬

‫‪(20) Shewit Woldemichael, “Counter-terrorism in Africa Must Adapt to New Realities,” Institute for Security Studies, November‬‬
‫‪4, 2020, https://2u.pw/zo2L0.‬‬
‫(‪ ((2‬خوسيه لويس‪« ،‬تغريات عىل مستوى الجماعات اإلرهابية يف غرب إفريقيا»‪ ،‬شبكة العني اإلخبارية‪ ،3( ،‬أبريل‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،22 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪,،‬‬
‫‪https://2u.pw/JoXrq‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪21‬‬
‫ج‪ -‬ظاهرة تجنيد األطفال‬
‫لجأت التنظيمات اإلرهابية بغرب إفريقيا إىل استغالل األطفال من خالل تجنيدهم بعدة طرق شملت‪:‬‬
‫االختطاف والرتهيب والرتغيب‪ ،‬عالوة عىل استغالل األيتام ومن ال أهل لهم وأطفال الشوارع‪ ،‬مثل ما قامت‬
‫به داعش والقاعدة وبوكوحرام وحركة الشباب الصومالية وحركة التوحيد والجهاد‪ ،‬حيث يُخضع األطفال‬
‫لربامج تدريبية تجعلهم قادرين عىل االنضمام ملجموعات قتالية يف عمر ال يتجاوز ‪ 16‬عاماً‪ ،‬وغالبا ً ما‬
‫يُسند إليهم عمليات انتحارية أو يُستخدمون كجواسيس لصعوبة الشك بهم‪ ،‬فمثالً أجربت بوكوحرام ما ال‬
‫يقل عن ‪ 135‬طفالً عىل القيام بعمليات انتحارية عام ‪2017‬م‪ ،‬ولم يقترص األمر عىل األطفال فقط‪ ،‬حيث‬
‫تُجنّد الفتيات أيضا ً بإجبارهن بالزواج من أعضاء التنظيم ومن ثم تكليفهن بأعمال إرهابية انتحارية(‪.((2‬‬
‫د ‪ -‬استغالل جائحة كورونا يف الحشد والتجنيد‬
‫استغلت التنظيمات اإلرهابية فريوس كورونا من خالل توظيفه ملا يخدم أهدافها املتأسلمة وعملية الحشد‬
‫لعنارص جديدة تنضم لها‪ ،‬حيث وصفت الفريوس يف خطاباتها بأنه نتيجة للمظالم وعىل أنه عقاب من‬
‫الله‪ ،‬ففي العدد رقم (‪ )226‬الصادر يف ‪ 19‬مارس ‪2020‬م من مجلة (النبأ) األسبوعية وصفت افتتاحية‬
‫العدد الفريوس باعتباره (عذاب أرسله الله إىل أعدائه)‪ ،‬كذلك عملت القاعدة عىل إصدار بيانات تؤكد‬
‫استهداف الفريوس لغري املسلمني يف محاولة لكسب العديد من العنارص(‪.((2‬‬
‫هـ‪ -‬استغالل املظالم وعدم استقرار املجتمعات‬
‫تعاني منطقة غرب إفريقيا عدة ظواهر‪ ،‬منها الفوىض وعدم االستقرار السيايس وارتفاع معدل البطالة‬
‫والتميز العرقي والفقر‪ ،‬تلك السلبيات التي تحاول التنظيمات اإلرهابية استغاللها يف تجنيد العنارص‬
‫الجديدة خاصة بني فئة الشباب التي توهمهم بمناصب ومرتبات مجزية‪ ،‬كذلك ما وقع مؤخرا ً من‬
‫استغالل التدخل العسكري يف غرب إفريقيا واإلصابات التي تنتج يف صفوف املدنيني كفتيل يهيج الشعور‬
‫ويستغل الغضب ليدفع بعنارص جديدة لالنضمام للتنظيمات اإلرهابية التي كثريا ً ما تتنكر يف شكل‬

‫متابعات افريقية‬
‫مقاومة لالحتالل‪.‬‬

‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫(‪« ((2‬اإلرهاب‪ ...‬وتنامي ظاهرة تجنيد األطفال يف إفريقيا»‪ ،‬مرصد األزهر‪ ،1( ،‬يناير‪2019 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،12 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/aUV2r.‬‬
‫(‪ ((2‬أرشف العيسوي‪« ،‬التنظيمات املتطرفة والتوظيف الديني لكوفيد ‪ :19 -‬األبعاد والتداعيات املحتملة عىل اإلرهاب الدويل»‪ ،‬مركز تريندز للبحوث والدراسات‪،‬‬
‫(‪ ،6‬يوليو‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،25 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/jEs4g.‬‬

‫‪22‬‬
‫الخاتمة‬
‫أثبتت التنظيمات اإلرهابية الحديثة أنها كالفريوسات تتطور وفق البيئة الحاضنة لها‪ ،‬فهي مرنة وقادرة‬
‫عىل التكيف والهجوم حتى يف أصعب البيئات‪ ،‬ومع أعىل درجات االستعداد واملكافحة‪ ،‬وهو ما يدعو إىل‬
‫تفعيل آلية لدراسة مقومات كل تنظيم عىل حدة والتطور الذي يلحق به من حني آلخر‪ ،‬خاصة من حيث‬
‫تكتيك التسليح والتجنيد والعمليات‪ ،‬مع عدم الثبات أو االعتماد عىل إسرتاتيجية أمنية موحدة ملواجهتها‪،‬‬
‫وبنا ًء عليه تقدم الدراسة تلك التوصيات‪:‬‬
‫أ‪ -‬رضورة تفعيل الرضبات اإلجهاضية ملعاقل التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬وهو ما يحتاج لقدرات أمنية وعسكرية‬
‫عىل قدر من الكفاءة واألسلحة املتطورة‪ ،‬مما يستلزم الرتكيز عىل التدريب ورفع الكفاءة األمنية للقوات‬
‫املحلية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الدعوة إىل التعاون بني دول املنطقة فيما يخص تبادل املعلومات األمنية الحساسة املتعلقة بوضع تلك‬
‫الجماعات وقدرتها‪ ،‬حيث إن دول الساحل الخمس ما زالت تعاني قصورا ً معلوماتيّا ً وضعف آلية‬
‫مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫ج‪ -‬محاولة التغلب عىل ضعف تأمني الحدود وفساد املراقبني‪ ،‬وهو ما يلزم تطوير آلية للمراقبة مع تفعيل‬
‫استخدام الطائرات بدون طيار للمساعدة يف كشف عمليات التهريب ودخول األسلحة‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪23‬‬
‫الجهود الدولية واإلقليمية لمحاربة اإلرهاب غرب إفريقيا‪:‬‬
‫بوكو حرام في نيجيريا‬
‫رشا رمزي ‪ -‬باحثة متخصصة في الشؤون اإلفريقية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫ما برح اإلرهاب يشكل تحديا دوليا وإقليميا كبريا يهدد األمن والسلم الدوليني يف القرن املايض‬
‫ومستمر يف العقدين األولني من القرن الحايل‪ ،‬هذا بالرغم من كل الجهود التي بُذِلت‪ ،‬وما زالت‬
‫تبذل للحد منه ومعالجة آثاره‪ .‬أحد أخطر التهديدات التي تواجه السلم واألمن الدوليني هي اآلثار‬
‫االقتصادية واالجتماعية وتكلفتها التي تؤثر عىل االستقرار الدويل‪ .‬من هنا جاءت أهمية رصد‬
‫الجهود الدولية والتعاون اإلقليمي ملكافحة اإلرهاب بل أصبحت حتمية‪ ،‬حتى يمكن تقييمها‬
‫وتعديل املسار‪ ،‬وحتى تحتفظ بالقدر نفسه من التصميم وااللتزام‪.‬‬

‫بوكو حرام‬
‫ظهرت بوكو حرام يف أوائل العقد األول من القرن الحادي والعرشين كطائفة إسالمية سنية صغرية تدعو‬
‫إىل تفسري وتطبيق صارم للرشيعة اإلسالمية يف نيجرييا‪ .‬وأطلقت عىل نفسها اسم «جماعة أهل السنة‬
‫للدعوة والجهاد»‪ ،‬لكنها اشتهرت أكثر ب«بوكو حرام» كون أحد أهم مرتكزاتها اعتبار «التعليم الغربي‬
‫حراما»‪ ،‬وهو لقب أطلقته املجتمعات املحلية الناطقة بلغة الهوسا لوصف وجهة نظر الجماعة يف التعليم‬
‫والثقافة الغربيني اللذين أفسدا املجتمعات اإلسالمية بموجب تفسريها املحافظ لإلسالم‪ .‬ويف عام ‪2015‬م‪،‬‬
‫بعد إعالن الوالء للدولة اإلسالمية (داعش)‪ ،‬سعى التنظيم إىل إعادة تسمية نفسه ب«مقاطعة غرب إفريقيا»‬

‫متابعات افريقية‬
‫التابعة للدولة اإلسالمية (‪.)ISWAP‬‬
‫واصلت بوكو حرام شن حملة عمليات إرهابية مميتة يف نيجرييا والدول املجاورة يف منطقة حوض بحرية‬
‫تشاد‪ .‬حيث لفتت الجماعة‪ ،‬التي صنفتها وزارة الخارجية األمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية منذ نوفمرب‬
‫ً‬
‫انتباها دوليًّا واسع النطاق بسبب ارتفاع ضحاياها ملا فوق ‪ 1000‬شخص‪ ،‬الختطافها يف أبريل‬ ‫‪2012‬م‪،‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪2014‬م ملا يقرب من ‪ 300‬تلميذة‪ .‬هذا باإلضافة إىل مبايعتها لتنظيم الدولة اإلسالمية (املعروف باسم‬
‫داعش) يف مارس ‪2015‬م‪ ،‬حيث ُقتل أكثر من ‪ 15000‬شخص يف هجمات بوكو حرام ‪-‬بما يف ذلك أكثر‬
‫من ‪ 6500‬يف عام ‪2015‬م وحده‪ -‬وقد تسبب النزاع يف حالة طوارئ إنسانية حول بحرية تشاد‪ ،‬مما‬

‫‪24‬‬
‫أدى إىل نزوح أكثر من ‪ 2.8‬مليون شخص وقطع وصول املساعدات اإلنسانية إىل ما يقرب من ثالثة‬
‫ماليني آخرين(((‪.‬‬
‫من هنا تطلبت مكافحة بوكو حرام عمال جادا يرتكز إىل العمل الجماعي وتبادل املعلومات االستخباراتية‬
‫للعثور عىل مرتكبي العمليات اإلرهابية وتحديد هوياتهم‪ ،‬وتحديد مواقعهم وفهم إسرتاتيجياتهم وأهدافهم‬
‫وتحديد طرق التجنيد‪ ،‬كل ذلك بصفة فردية‪ ،‬إضافة إلطار التعاون الثنائي واإلقليمي والدويل‪ ،‬وتبادل‬
‫الدروس املستفادة‪.‬‬

‫الجهود الدولية‬
‫لقد أوجد تنظيم بوكو حرام بيئة من الخوف وعدم االستقرار من خالل تبني أسلوب االختطاف بغرض‬
‫الحصول عىل فدية لتمويل عملياته اإلرهابية‪ .‬ونظرا ألن جريمة االختطاف تعد تهديدا متزايدا للسلم واألمن‬
‫الدوليني‪ ،‬وتحديا كبريا للمجتمع الدويل آنيا ومستقبال؛ تضافر الجميع ملواجهة هذا التهديد‪ ،‬ويمكن رصد‬
‫الجهود الدولية يف التايل‪:‬‬
‫• دور األمم املتحدة كمنظمة دولية معنية بحفظ األمن والسلم الدوليني‪.‬‬
‫• دور القوى العظمى يف الحفاظ عىل األمن والسلم الدوليني‪.‬‬
‫• الجهود اإلقليمية الخاصة باملؤسسات اإلقليمية (االتحاد اإلفريقي – اإليكواس)‪.‬‬

‫إستراتيجية األمم المتحدة العالمية لمكافحة اإلرهاب‬


‫تبنت األمم املتحدة عام ‪2006‬م بعد مسرية طويلة من القرارات ضد اإلرهاب ‪ ،‬إسرتاتيجية عاملية ملكافحة‬
‫(((‬

‫اإلرهاب أطلقت عليها (‪ .)A/RES/60/288‬تكونت هذه اإلسرتاتيجية‪ ،‬التي تتخذ شكل قرار وخطة عمل‬
‫مرفقة من أربع ركائز(((‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬معالجة الظروف املؤدية إىل انتشار اإلرهاب‪.‬‬
‫‪ -2‬تدابري ملنع اإلرهاب ومكافحته‪.‬‬

‫‪(1) John Campbell, “Why Not to Designate Boko Haram a Foreign Terrorist Organization,” The Council on Foreign Relations,‬‬
‫‪May 24, 2012, https://2u.pw/LKia1.‬‬
‫((( قرار الجمعية العامة ‪ ٦٠/٤٩‬املتعلق بالتدابري الرامية إىل القضاء عىل اإلرهاب الدويل ديسمرب ‪1994‬م‪ ،‬واإلعالن املكمل الوارد يف مرفق قرار الجمعية العامة‬
‫‪ ٢١/٥١‬ديسمرب ‪1996‬م‪ ،‬قرارات مجلس األمن املتعلقة باألخطار التي تهدد السالم واألمن الدوليني من جراء األعمال اإلرهابية‪.‬‬
‫((( األمم املتحدة‪ :‬مكتب مكافحة اإلرهاب‪« ،‬اسرتاتيجية األمم املتحدة العاملية ملكافحة اإلرهاب»‪ ،‬تُحدَّث بانتظام‪ ،‬وكان آخر تحديث يف شهر يونيو ‪2020‬م‪.‬‬
‫االسرتجاع يف‪ ،6 :‬يناير‪2021 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/i9M5v.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪25‬‬
‫‪ -3‬تدابري لبناء قدرة الدول عىل منع اإلرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظمة األمم املتحدة يف هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ -4‬اتخاذ تدابري لضمان احرتام حقوق اإلنسان الواجبة للجميع وسيادة القانون بوصفه األساس الجوهري‬
‫ملكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫ويف هذا السياق حُ ثَّت الدول األعضاء يف األمم املتحدة وغريها من املنظمات الدولية واإلقليمية املعنية عىل دعم‬
‫تنفيذ هذه اإلسرتاتيجية‪ ،‬بوسائل أمنية وغري أمنية‪ ،‬منها تعبئة املوارد والخربات‪ ،‬واتخاذ التدابري الرامية‬
‫ملعالجة الظروف املؤدية إىل انتشار اإلرهاب‪ .‬ومن هذه األسباب‪ :‬الرصاعات الطويلة األمد التي لم تحل بعد‪،‬‬
‫وغياب سيادة القانون وانتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬والتمييز عىل أساس االنتماء العرقي والوطني والديني‪،‬‬
‫واالستبعاد السيايس‪ ،‬والتهميش االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬واالفتقار إىل الحكم الرشيد‪ .‬ومن هنا فيمكن‬
‫تلخيص عماد هذه اإلسرتاتيجية يف املحاور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬مواصلة تعزيز قدرات األمم املتحدة ملنع نشوب الرصاعات الدولية طويلة األمد التي يصعب حلها وذلك‬
‫عرب التفاوض والوساطة والتوفيق والتسوية القضائية وسيادة القانون وحفظ وبناء السالم‪ .‬كون حل‬
‫هذه الرصاعات بالوسائل السلمية سيسهم يف تعزيز مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫‪ -٢‬تعزيز الحوار والتسامح والتفاهم فيما بني الحضارات والثقافات والشعوب واألديان‪ ،‬وتعزيز االحرتام‬
‫املتبادل لألديان والقيم واملعتقدات الدينية والثقافات‪.‬‬
‫‪ -٣‬الرتويج لثقافة السالم والعدالة والتنمية البرشية‪ ،‬وللتسامح العرقي والوطني والديني‪ ،‬والحرتام جميع‬
‫األديان والقيم الدينية واملعتقدات والثقافات‪ ،‬عن طريق القيام بوضع وتشجيع برامج للتثقيف والتوعية‬
‫العامة تشمل جميع قطاعات املجتمع‪.‬‬
‫‪ -٤‬مواصلة العمل عىل اتخاذ تدابري بموجب القانون الدويل‪ ،‬تحظر التحريض عىل ارتكاب عمل إرهابي أو‬
‫أعمال إرهابية وتمنع ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫تحقيقا كامال‬ ‫‪ -5‬تحقيق األهداف اإلنمائية التي أقرتها األمم املتحدة‪ ،‬ومن بينها األهداف اإلنمائية لأللفية‬

‫متابعات افريقية‬
‫يف الوقت املناسب‪ .‬وااللتزام بالقضاء عىل الفقر وتعزيز النمو االقتصادي املتواصل وتحقيق التنمية‬
‫املستدامة‪.‬‬
‫‪ -6‬السعي إىل تحقيق وتعزيز خطط التنمية واإلدماج االجتماعي عىل جميع األصعدة‪.‬‬
‫‪ -7‬تشجيع منظومة األمم املتحدة عىل رفع مستوى التعاون واملساعدة اللذين تقدمهما يف مجاالت سيادة‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫القانون وحقوق اإلنسان والحكم الرشيد؛ دعما للتنمية االقتصادية واالجتماعية املتواصلة‪.‬‬
‫كما قدمت كل من اليونسكو ومرصف التنمية اإلفريقي الدعم ملرشوع تابع للجماعة االقتصادية لدول غرب‬
‫إفريقيا (اإليكواس) يف مجال السالم والتنمية‪ ،‬يهدف إىل استحداث أدوات تعليمية لتعزيز التثقيف يف مجال‬

‫‪26‬‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬واملواطنة ونرش ثقافة السالم والديمقراطية‪ ،‬وكان تركيزها عىل نيجرييا‪ .‬أيضا يف السياق‬
‫نفسه عقدت اليونسكو مؤتمرا دوليا يف نيجرييا‪ ،‬موضوعه‪« :‬زيادة الدراية اإلعالمية واملعلوماتية كوسيلة‬
‫لتعزيز التنوع الثقايف»(((‪.‬‬
‫من هنا نجد أن األمم املتحدة ساهمت يف بناء التوافق عىل إسرتاتيجية عاملية ملكافحة اإلرهاب وتقديم‬
‫املساعدات التقنية لتعزيز القدرات املدنية يف مجال مكافحة اإلرهاب حول العالم‪.‬‬

‫دور القوى العظمى في الحفاظ على األمن والسلم الدوليين‬


‫نيجرييا قوة إقليمية‪ ،‬لذا ال يمكن أن تستغني عنها الواليات املتحدة للحفاظ عىل السالم واألمن اإلقليميني؛‬
‫وذلك كونها مصدرا رئيسا للنفط العاملي واألمريكي‪ .‬لذلك حظي انتشار بوكو حرام باهتمام دويل‪ ،‬ففي‬
‫مؤتمر القمة العاملي لعام ‪٢٠٠٥‬م أكد زعماء العالم التزامهم بمؤازرة جميع الجهود الرامية لدعم احرتام‬
‫سالمة الدول اإلقليمية واستقاللها السيايس‪ ،‬واالمتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها بأي‬
‫وجه يتعارض مع مقاصد األمم املتحدة ومبادئها‪ ،‬ودعم تسوية املنازعات بالوسائل السلمية‪ ،‬وفقا ملبادئ‬
‫العدالة والقانون الدويل‪ ،‬وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬واحرتام حقوق اإلنسان والحريات‬
‫األساسية‪ ،‬واحرتام املساواة يف الحقوق بني الجميع دون تمييز عىل أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو‬
‫الدين‪ ،‬والتعاون الدويل يف حل املشاكل الدولية ذات الطابع االقتصادي أو االجتماعي أو الثقايف أو اإلنساني‪،‬‬
‫والوفاء بااللتزامات التي قطعتها الدول عىل نفسها وفقا لهذا امليثاق(((‪ .‬ومن هنا اعتمد الرئيس أوباما نهجا‬
‫إسرتاتيجيا شامال‪ ،‬يجمع بني كل أداة من أدوات القوة األمريكية ‪ -‬املدنية والعسكرية واالقتصادية‪ ،‬حيث‬
‫ترأست الواليات املتحدة مناقشة موضوعية بشأن تأمني الحدود يف وجه أنشطة االتجار يف البرش والحركة‬
‫غري املرشوعة عرب الحدود التي تعد أحد أهم مصادر تمويل بوكو حرام(((‪.‬‬
‫كما أعيد تقديم الدعم العسكري لنيجرييا الذي كان قد توقف يف الفرتة من ‪2006-2003‬م‪ ،‬كجزء من‬
‫جهد أكرب لتعزيز األمن يف خليج غينيا‪ .‬شمل هذا الربنامج زيارات إىل املوانئ النيجريية وتدريبات بحرية‬
‫إقليمية مع نظرائهم النيجرييني واألوروبيني‪ .‬كما حرصت وزارة الخارجية عىل إرشاك نيجرييا ً‬
‫أيضا يف‬
‫برنامجها ألمن السواحل والحدود اإلفريقية (‪ )ACBS‬ملساعدتها عىل دعم حفظ السالم والتدريب‪ ،‬وأمن‬
‫((( األمم املتحدة‪ :‬مكتب مكافحة اإلرهاب‪« ،‬اسرتاتيجية األمم املتحدة العاملية ملكافحة اإلرهاب»‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪(5) Lauren Ploch Blanchard, “Nigeria’s Boko Haram: Frequently Asked Questions,” Congressional Research Service, March 29,‬‬
‫‪2016, https://2u.pw/nTmNu.‬‬
‫‪(6) Ugwueze Michael Ikechukwu, Vincent Onah Chidi, and Chikodiri Nwangwu, “The United States’ National Interests and the‬‬
‫‪Fight Against Boko Haram Terrorism,” Mediterranean Journal of Social Sciences 7, no. 3 (May 2016): 479–85, https://2u.‬‬
‫‪pw/sWEF0.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪27‬‬
‫الحدود والبحرية‪ ،‬وزيادة االحرتاف العسكري(((‪ .‬أيضا قامت بتسمية بوكو حرام منظمة إرهابية عام‬
‫‪2013‬م وفقا لقسم ‪ 219‬من قانون الهجرة والجنسية (‪ )INA‬لعام ‪2001‬م(((‪.‬‬
‫تُصنف نيجرييا دائما من بني أعىل املتلقني للمساعدات الخارجية األمريكية عىل مستوى العالم‪ .‬خصصت‬
‫وزارة الخارجية والوكالة األمريكية للتنمية الدولية ‪ 451.4‬مليون دوالر كمساعدات ثنائية لنيجرييا يف‬
‫السنة املالية ‪2020‬م‪ ،‬كما طلبت إدارة ترامب ‪ 472.1‬مليون دوالر لنيجرييا للسنة املالية ‪2021‬م‪ ،‬وهي‬
‫حالة نادرة يف إفريقيا إلدارة ترامب أن تطلب تخصيص مساعدات أكثر من العام السابق(((‪.‬‬

‫‪ 2021 2020‬تقديري‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪2017‬‬


‫‪0‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪74,5‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪80,5‬‬ ‫املساعدة يف حاالت الكوارث‬
‫صناديق الدعم االقتصادي‪/‬صناديق الدعم‬
‫‪34‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪45,5‬‬
‫االقتصادي والتنمية‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0,5‬‬ ‫التمويل العسكري األجنبي‬
‫‪300‬‬ ‫‪181,2‬‬ ‫‪353,4‬‬ ‫‪199,6‬‬ ‫‪224,8‬‬ ‫برامج الصحة العاملية‪-‬من الحكومة‬
‫‪134,1‬‬ ‫‪212‬‬ ‫‪222,5‬‬ ‫‪199‬‬ ‫برامج الصحة العاملية‪-‬من برنامج املعونة األمريكي ‪203,5‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1,2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1,1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫التعليم والتدريب العسكري الدويل‬
‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫املراقبة الدولية للمخدرات وإنفاذ القانون‬
‫‪472.1‬‬ ‫‪451.4‬‬ ‫‪658.4‬‬ ‫‪497.7‬‬ ‫‪560.8‬‬ ‫إجمايل املساعدات‬
‫املصدر‪ :‬الحسابات املختارة ملساعدات غري إنسانية‪ ،‬مقدرة بالسعر الحايل للدوالر باملاليني ومخصصة حسب سنة التخصيص‪ ،‬مرتجم من تقرير‬
‫وزارة الخارجية و وكالة التنمية الدولية للواليات املتحدة املساعدة لنجرييا‪ ،‬ميزانية الكونجرس لسنة ‪ FY2021 - 2019‬و ‪(653‬أ)‪.‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫كل تلك املساعدات املقدمة من الواليات املتحدة لنيجرييا لبناء مؤسسات مدنية دائمة‪ ،‬ودعم حقوق اإلنسان‬
‫وسيادة القانون‪ ،‬ملكافحة اإلرهاب ومحركات التطرف العنيف‪ ،‬كما قدمت مساعدات ملعالجة الظروف التي‬
‫تؤدي لإلرهاب يف نيجرييا‪ .‬هذا عىل قبيل املساعدات لغري األغراض العسكرية؛ أما املساعدات العسكرية فقد‬
‫‪(7) Subcommittee on Counterterrorism and Intelligence, “Boko Haram Emerging Threat to the US Homeland,” Committee on‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪Homeland Security House of Representatives, 112th Congress, First Session, December 2011, https://2u.pw/UKaxj, 11–15 .‬‬
‫”‪(8) Ikechukwu, et al., “The United States’ National Interests and the Fight Against Boko Haram Terrorism.‬‬
‫يخول هذا القسم لوزير خارجية الواليات املتحدة بموافقة الرئيس‪ ،‬تسمية أي جماعة عنيفة يتبني أنها متورطة يف أنشطة إرهابية خارج الواليات املتحدة‬
‫ً‬
‫إرهابية أجنبية‪ ،‬مما يقلل من فرص تلقي التمويل‪.‬‬ ‫ً‬
‫منظمة‬
‫‪(9) Tomas F. Husted and Lauren Ploch Blanchard, “Nigeria: Current Issues and US Policy,” Congressional Research Service,‬‬
‫‪September 18, 2020, https://2u.pw/zki8B, 8.‬‬

‫‪28‬‬
‫تمويل ملكافحة اإلرهاب من وزارة الدفاع ‪ 2.2‬مليون دوالر لتطوير وحدة مشاة‬ ‫ً‬ ‫تلقى الجيش النيجريي‬
‫ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬و‪ 6.2‬مليون دوالر أخرى مخصصة لالتصاالت التكتيكية وقابلية التشغيل البيني داخل‬
‫وحدة مكافحة اإلرهاب عام ‪2011‬م‪ .‬وصلت عام ‪2020‬م ل‪ 50‬مليون دوالر كمساعدة أمنية وعسكرية‬
‫يف إطار برنامج «التدريب والتجهيز العاملي»‪ ،‬واملرصح به حاليًا بموجب البند ‪ 333‬من قانون الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬والخاص باملساعدات الفيدرالية لحكومة الواليات املتحدة ‪ Federal aid for State governments‬فيما‬
‫يخص عمليات الفضاء اإللكرتوني‪ .‬كما أعادت إدارة ترامب النظر يف طلب رشاء ‪ 12‬طائرة هجومية من‬
‫طراز (‪ )A-29 Super Tucano‬لنيجرييا كانت قد جُ مِّ دت من قبل إدارة أوباما يف أوائل عام ‪2017‬م‪ ،‬بعد أن‬
‫رضبت طائرة نيجريية مخيما للنازحني خالل غارة‪ ،‬وتم البيع يف أواخر عام ‪2017‬م(‪.((1‬‬
‫ومن الجهود التي قامت بها مؤسسات األمم املتحدة وضع تحالف الحضارات التابع لألمم املتحدة برامج‬
‫يف إفريقيا ملنع زرع التطرف يستهدف الشباب والنساء وقادة املجتمع املحيل حتى ال يسهل تجنيدهم‪ .‬كما‬
‫أجريت دراسات حول كيفية إعادة تأهيل وإدماج املتطرفني يف املجتمع يف منطقة نفوذ بوكو حرام بدأ من‬
‫عام ‪2013‬م؛ بل قدم املشورة لوزارة الداخلية النيجريية ملساعدتها عىل الحد من التطرف(‪.((1‬‬

‫الجهود اإلقليمية الخاصة بالمؤسسات اإلقليمية (االتحاد اإلفريقي ‪ -‬اإليكواس)‬


‫اعتمدت منظمة الوحدة اإلفريقية يف دورتها العادية الثالثني املنعقدة يف تونس العاصمة يف يونيو ‪1994‬م‪،‬‬
‫إعالن مدونة السلوك للعالقات بني البلدان اإلفريقية التي وضعت مسودتها يف دكار ‪1992‬م‪ ،‬والتي أدين‬
‫فيها جميع أشكال التطرف واإلرهاب سواء بحجة الطائفية أو القبلية أو اإلثنية أو الدين(‪.((1‬‬
‫كما كوِّنت فرقة أمنية وعسكرية مشرتكة متعددة الجنسيات أنشأها االتحاد اإلفريقي عام ‪2015‬م‪،‬‬
‫تضم ‪ 8700‬فرد من كل من نيجرييا وتشاد والكامريون والنيجر وبنني للعمل عىل ضبط األمن والقيام‬
‫بحمالت عسكرية ضد معسكرات بوكو حرام الحدودية‪ ،‬لتحل محل القوات متعددة الجنسيات التابعة‬
‫لألمم املتحدة(‪ .((1‬كما اعتُمدت اتفاقية الجزائر ملنع اإلرهاب ومكافحته لعام ‪١٩٩٩‬م وبروتوكولها اإلضايف‬
‫”‪(10) Committee on Homeland Security House of Representatives, “Boko Haram Emerging Threat to the US Homeland.‬‬
‫(‪ ((1‬تقرير األمني العام عـن األعمال التي تضطلع بها األمم املتحدة ملساعدة الدول والكيانات اإلقليميـة ودون اإلقليميـة يف إفريقيا يف مجال مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫االسرتجاع يف‪ ،1 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://undocs.org/ar/A/72/840.‬‬
‫‪(12) Francis Mbawini Abugbilla, “Boko Haram and the African union’s Response,” International Relations and Diplomacy 5, no.‬‬
‫‪4 (2017): 234–6, https://2u.pw/swgP4.‬‬
‫(‪ ((1‬عباس محمد صالح عباس‪« ،‬الجهود اإلقليمية ملكافحة تهديد «بوكو حرام» املحددات واآلفاق»‪ ،‬مجلة‪ :‬رؤية‪( ،‬إسطنبول‪ :‬ديسمرب ‪2015‬م )‪ .‬االسرتجاع‬
‫يف‪ ،29 :‬ديسمرب‪2020،‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/53JkH‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪29‬‬
‫لعام ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬أيضا استمرت دول غرب إفريقيا يف عقد قمم ملواجهة بوكو حرام منها قمة ‪2015‬م وقمة‬
‫‪2018‬م‪ .‬ثم أنشئ املركز اإلفريقي للدراسات والبحوث املتعلقة باإلرهاب التابع لالتحاد اإلفريقي‪ ،‬الذي‬
‫يقوم بدراسات مشرتكة مع نظريه يف األمم املتحدة‪.‬‬
‫أما عىل مستوى اإليكواس (الجماعة اإلقليمية يف غرب إفريقيا)؛ فمن املالحظ أنه عىل مدى العقود القليلة‬
‫املاضية‪ ،‬كانت اإليكواس واحدة من أكثر املجموعات االقتصادية اإلقليمية نشاطا يف إفريقيا عندما يتعلق‬
‫األمر بحل النزاعات‪ .‬لكن منذ ظهور التهديد الجهادي‪ ،‬طورت اإليكواس إسرتاتيجية ثالثية األبعاد ملكافحة‬
‫اإلرهاب لتوجيه العمل اإلقليمي ملنع ومتابعة وإعادة بناء األنشطة املتطرفة العنيفة‪ .‬وعىل الرغم من وجود‬
‫إطار إقليمي‪ ،‬فقد استمرت أنشطة بوكو حرام يف منطقة الساحل يف االزدياد عامً ا بعد عام منذ عام‬
‫‪2016‬م‪ .‬لذا تعاونت اإليكواس مع الجهات الفاعلة الحكومية وغري الحكومية عىل الصعيدين اإلقليمي‬
‫والدويل‪ .‬عىل املستوى اإلقليمي‪ ،‬كانت اإليكواس منربًا للتعاون بني الدول األعضاء لتطوير وتنفيذ تدابري‬
‫مكافحة اإلرهاب‪ .‬يف عام ‪2006‬م‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ناقش رؤساء دول وحكومات اإليكواس القضايا‬
‫املتزايدة لإلرهاب وغسيل األموال يف املنطقة ووجهوا جميع الدول األعضاء إىل سن قوانني الستيعاب‬
‫التعديل املنقح ملكافحة غسل األموال‪ .‬ومن أهم اتفاقيات الحد من تمويل اإلرهاب (‪ )AM/CFT‬والصكوك‬
‫الدولية ذات الصلة بشأن مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب (‪ .)GIABA 2006, 22‬كما أنشأت اإليكواس‬
‫مجموعة عمل حكومية إقليمية ملكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب يف غرب إفريقيا (‪ )GIABA‬يف ‪10‬‬
‫ديسمرب ‪1999‬م بهدف مكافحة غسيل األموال‪ ،‬لكنها وسعت واليتها لتشمل مكافحة تمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫ويف عام ‪2006‬م يف ضوء اإلرهاب املتزايد يف املنطقة والدور الذي تلعبه األموال غري املرشوعة يف تعزيزه‪.‬‬
‫كما أبرمت اإليكواس اتفاقية أمن وتنمية متعددة السنوات (‪ )2019-2015‬مع حكومة الواليات املتحدة‬
‫يف عام ‪2015‬م‪ ،‬وركزت االتفاقية عىل تعزيز املؤسسات الديمقراطية وتعزيز التجارة واالستثمار وكذلك‬
‫السالم واألمن‪ ،‬بما يف ذلك مكافحة اإلرهاب عرب الصحراء‪ .‬أيضا طورت اإليكواس عددا من التدابري‪ ،‬بما يف‬

‫متابعات افريقية‬
‫ذلك إنشاء مؤسسات وأدوات مكافحة اإلرهاب تماشيا مع رشاكة (‪ )ECOWAS 2016a‬للجنة األمم املتحدة‬
‫ملكافحة اإلرهاب (‪.((1()CTC‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(14) Olajide O. Akanji, “Sub-regional Security Challenge: ECOWAS and the War on Terrorism in West Africa,” Insight on Africa‬‬
‫‪11, no. 1 (2019): 94–112, https://2u.pw/PxHd2.‬‬
‫لجنة أنشأها قرارا مجلس األمن التابع لألمم املتحدة ‪ )2001( 1373‬و‪ )2005( 1624‬لتعزيز قدرة الدول األعضاء يف األمم املتحدة عىل منع األعمال‬
‫اإلرهابية داخل حدودها وخارجها‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الجهود المحلية‬
‫يف عام ‪2013‬م‪ ،‬شن الرئيس جودالك جوناثان هجومً ا كبريًا ضد بوكو حرام‪ ،‬وأعلن حالة الطوارئ يف‬
‫واليات أداماوا وبورنو ويوبي‪ .‬أدت العمليات التي قامت بها القوات اإلقليمية النيجريية‪ ،‬إىل قلب التقدم‬
‫النوعي الذي حققته بوكو حرام من منتصف عام ‪ 2014‬إىل أوائل عام ‪2015‬م يف اإلقليم‪ ،‬عندما سيطرت‬
‫اسميًّا عىل مساحات شاسعة من األرايض يف شمال رشق نيجرييا يف ظل خالفة إسالمية مستقلة بذاتها‪.‬‬
‫ومن ثم عادت الجماعة منذ ذلك الحني إىل شن هجمات غري متكافئة‪ ،‬إىل حد كبري ضد أهداف سهلة يف‬
‫شمال رشق نيجرييا‪ .‬ومن ثم فقد قامت نيجرييا بعقد رشاكة مكافحة اإلرهاب عرب الصحراء التابعة لوزارة‬
‫الخارجية (‪ ، )TSCTP‬وهي جهد مشرتك بني الوكاالت لبناء قدرات وتنسيق إقليمي ملكافحة اإلرهاب)(‪.((1‬‬
‫وعىل مستوى الدولة اتخذ الرئيس النيجريي محمد بخاري نهجً ا أكثر استباقية تجاه مواجهة بوكو حرام‬
‫من سلفه الرئيس جودالك جوناثان‪ ،‬الذي تعرض النتقادات عىل نطاق واسع بسبب ما وُصف بأن إدارته‬
‫متعسة‪ .‬فقد اعتمد بوخاري إصالحات لتحسني فاعلية الجيش النيجريي؛ وذلك بنقل املقار‬ ‫ّ‬ ‫لألزمة كانت‬
‫العسكرية من أبوجا إىل مايدوجوري وزيادة التمويل للعمليات يف املنطقة‪ ،‬وتعيني قيادة عسكرية جديدة‪.‬‬
‫فقد اعتقلت الحكومة العديد من كبار املسؤولني السابقني بتهم الفساد‪ ،‬بما يف ذلك مستشار األمن القومي‬
‫للرئيس السابق جوناثان‪ ،‬ووزير الدفاع الذي اتهم برسقة ‪ 20‬مليون دوالر من القوات الجوية‪ .‬وحتى‬
‫أواخر مارس ‪ 2016‬كان هناك حوايل ‪ 300‬فرد‪ ،‬بمن فيهم ضباط الجيش والرشكات قيد التحقيق بتهمة‬
‫االختالس بني عامي ‪ 2011‬و‪2015‬م بما يقدر ب‪ 240‬مليون دوالر‪ ،‬يف عقود احتيالية أو مبالغ يف أسعارها‬
‫أكثر من الالزم‪ .‬وعىل مستوى الشعب النيجريي ش َّكلت املجتمعات املحلية شبكات مقاومة ومجموعات أهلية‬
‫يف عام ‪2013‬م لحماية أنفسهم‪ .‬ففي بورنو‪ ،‬عملت بعض هذه الجماعات مع حكومة الوالية وقوات األمن‬
‫لهزيمة بوكو حرام وأطلقت عىل نفسها «قوة املهام املدنية املشرتكة» (‪.((1()C-JTF‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال يزال مدى «سيطرة» قوات األمن النيجريية عىل األرايض املسرتدة من املجموعة موضع نقاش‪ ،‬وقد‬
‫تعرضت نيجرييا النتقادات من جماعات حقوق اإلنسان بسبب االنتهاكات ضد املدنيني عىل أيدي قوات األمن‬
‫أثناء عمليات مكافحة التمرد‪ .‬كما أقدم الرئيس بوخاري عىل وضع خطة طموحة إلعادة إعمار منطقة الشمال‬
‫الرشقي تحت إرشاف لجنة برئاسة امللياردير النيجريي وفاعل الخري أليكو دانغوت هو من بني أعضائها(‪.((1‬‬

‫‪(15) Husted and Ploch Blanchard, “Nigeria: Current Issues and US Policy,” 14–16.‬‬
‫‪(16) Modu Lawan Gana, “Strategy of Civilian Joint Task Force Militia in Combating Boko Haram in Northern Nigeria,” International‬‬
‫_‪Journal of Legal Studies 7, no. 1 (2020): 345–60, https://www.researchgate.net/publication/342885127_STRATEGY_OF‬‬
‫‪CIVILIAN_JOINT_TASK_FORCE_Militia_in_COMBATING_BOKO_HARAM_IN_NORTHERN_NIGERIA‬‬
‫‪(17) Lauren Ploch Blanchard, “Nigeria’s Boko Haram: Frequently Asked Questions,” Congressional Research Service, 9-10, 4.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪31‬‬
‫‪14,000‬‬ ‫‪1,000‬‬
‫‪900‬‬
‫‪12,000‬‬
‫‪800‬‬
‫‪10,000‬‬ ‫‪700‬‬
‫اصابات‬ ‫‪8,000‬‬ ‫‪600‬‬

‫اصابات‬
‫‪500‬‬
‫‪6,000‬‬ ‫‪400‬‬
‫‪4,000‬‬ ‫‪300‬‬
‫‪200‬‬
‫‪2,000‬‬
‫‪100‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪2011‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2018‬‬ ‫‪2019‬‬
‫وفيات‬ ‫اصابات‬

‫املصدر‪ :‬حوادث و إصابات من تمرد بوكو حرام ‪2019-2011‬م‪ ،‬مجلة العالقات الخارجية تعقب األمن‪ ،‬مجموعة بيانات املوقع ‪ACLED‬‬

‫تقييم نتائج هذه الجهود‬


‫«هزمت‬ ‫وفقا لترصيحات وزير اإلعالم النيجريي الي محمد‪ ،‬الذي أعلن يف أكتوبر ‪2020‬م أن بوكو حرام ُ‬
‫تقنيًا»‪ .‬وإىل حد ما‪ ،‬لدى محمد وجهة نظر؛ حيث إن بوكو حرام تعرضت للرضب واالنقسام‪ ،‬كما ُف َّك‬
‫االرتباط بينها وبني تنظيم الدولة اإلسالمية (داعش) وفقا للمساحة التي يسيطر عليها التنظيم وأنها‬
‫أصبحت أقل مما سبق‪ ،‬وقد أودى بحياة عدد أقل بكثري مما كان عليه يف عامي ‪ 2014‬و‪2015‬م‪ ،‬مما‬
‫يعني اضمحالل الجماعة‪ .‬لكن الحقيقة أن املعاملة الوحشية التي مارستها الجماعة مع املدنيني بمن فيهم‬
‫السكان املحليني من املسلمني أيضا‪ ،‬يف قلب الكثري من السكان املحليني ضدهم‪ ،‬مما سهل إنشاء مجموعات‬
‫ميليشيا مدنية تعاونت مع الدولة ضد املسلحني‪.‬‬
‫وعىل الرغم من خسارة بوكو حرام لألرايض‪ ،‬إال أنها احتفظت بالقدرة عىل التحرك وشن الهجمات يف منطقة‬
‫تمتد من منطقة ديفا جنوب النيجر جنوبًا إىل شمال الكامريون‪ .‬والجدير بالذكر أنه كانت هناك زيادة‬
‫كبرية خالل ‪ 2019‬يف استخدام املفجرين االنتحاريني ومعظمهم من النساء واألطفال‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن مزاعم‬

‫متابعات افريقية‬
‫النرص هذه سابقة ألوانها‪ ،‬ففي اآلونة األخرية‪ ،‬ارتفعت الهجمات واإلصابات لتصل ل‪ 750‬ضحية لقوات‬
‫األمن يف عام ‪2019‬م‪ ،‬أي ما يقارب ضعف عدد ضحايا أي عام سابق‪.‬‬
‫لكن التقييم الحقيقي ملا حدث ويحدث عىل األرض بعد هذه الجهود الدولية واإلقليمية واملحلية يف مسألة‬
‫محاربة تنظيم بوكو حرام ينتج عنه ظهور صورة واضحة من عدم فاعلية هذه الجهود بدليل استمرار‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫التنظيم يف العمل والتهديد حتى وقتنا الحايل‪ .‬هذا مرجعه لعدد أسباب‪ ،‬هي‪:‬‬
‫• تأخر طلب نيجرييا للمساعدة الدولية فقد أعلنت غري مرة عن أن مشكلة بوكو حرام ما هي إال شأن‬
‫داخيل وذلك يف والية الرئيس جوناثان‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫• ضعف املوارد املالية النيجريية بسبب انخفاض أسعار البرتول‪.‬‬
‫• التزام القوات املشرتكة غري املتسق والتخطيط املفكك أعاقا فاعليتها‪.‬‬
‫• االفتقار إىل التنسيق والتعاون بني األجهزة األمنية‪.‬‬
‫• الفساد وسوء تخصيص املوارد‪.‬‬
‫• عدم كفاية قواعد البيانات‪.‬‬
‫• بطء النظام القضائي‪.‬‬
‫• نقص التدريب الكايف للمدعني العامني والقضاة لتنفيذ قوانني مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫• استمرار التقارير عن االنتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات العسكرية يف نيجرييا تحت مظلة‬
‫محاربة بوكو حرام؛ مما تسبب يف إحجام املانحني عن الدعم والتعاون‪.‬‬
‫وبعد كل هذه الجهود؛ غالبًا ما يعيد الجهاديون تجميع صفوفهم عندما تنسحب القوات‪ ،‬هذا لكون ما يُركز‬
‫عليه هو الحلول األمنية‪ ،‬عىل الرغم من تنفيذ بعض الحلول غري األمنية لكنها ما زالت غري كافية‪ .‬فحل هذه‬
‫األزمة لن يتم إال بتحسني الحالة املعيشة وكسب ثقة السكان املحليني‪.‬‬
‫يجب عىل االتحاد اإلفريقي واملانحني‪ ،‬دعم الخطوات املذكورة أعاله‪ ،‬والضغط من أجل إجراء مثل هذه‬
‫التحسينات االقتصادية دون خلق بريوقراطية ثقيلة‪ .‬ومن األمور العاجلة ً‬
‫أيضا أن يتوصل املانحون واالتحاد‬
‫اإلفريقي إىل إجماع دائم حول الدعم املايل‪.‬‬

‫العجز في التعاون المتعدد األطراف‬


‫كهيئة قارية‪ ،‬تبنى االتحاد اإلفريقي موقف البطة العرجاء تجاه املأزق النيجريي؛ حيث عانى مبدأ مشكلة‬
‫العمل الجماعي مع عدم وجود قائد يوجهه يف األمور األمنية‪ .‬وهذا ما عرب عنه الرئيس التشادي إدريس‬
‫ديبي «لقد رأينا اجتماعات كثرية جدًا ولم يكن هناك أي عمل ملموس‪ .‬اليوم‪ ،‬هناك أربع دول مترضرة من‬
‫بوكو حرام‪ ،‬ولكن غدا قد تتحول ملشكلة قارية»(‪.((1‬‬
‫يف حالة تهديد بوكو حرام‪ ،‬لم تتمكن املجموعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا من لعب دور رئيس جزئيًا‬
‫بسبب موقع نيجرييا املهيمن يف املنطقة والتعقيدات التي ستحيط برد فعل نيجرييا عىل مثل هذه الخطوة‪.‬‬
‫إن احرتام القوى اإلقليمية وقضايا الكرامة الوطنية يجعل من الصعب عىل الجريان «الصغار» حشد الجهود‬
‫ملواجهة التهديدات يف البلدان «الكبرية» حتى عندما تتطلب هذه التهديدات استجابة إقليمية‪.‬‬
‫‪(18) “At UN Assembly, Chadian President Urges Global Push to Tackle Terrorism, ‘the Threat of the Century’,” UN News,‬‬
‫‪September 20, 2016, https://news.un.org/en/story/2016/09/539452-un-assembly-chadian-president-urges-global-push-‬‬
‫‪tackle-terrorism-threat-century.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪33‬‬
‫العالقة بين «القاعدة» و«داعش»‬
‫في منطقة الساحل‬

‫تقى النجار – باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات االستراتيجية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫تميزت العالقة بني تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يف منطقة الساحل باالستثنائية؛ حيث التعايش‬
‫املشرتك والتمدد بال رصاع‪ ،‬وذلك عىل عكس التناحر السائد بينهما يف كل من‪ :‬العراق‪ ،‬وسوريا‪،‬‬
‫واليمن‪ .‬غري أنه وبمطلع عام ‪2020‬م‪ ،‬شهدت منطقة الساحل تلك عدة اشتباكات بني الطرفني‪،‬‬
‫وهي االشتباكات التي تطورت إىل قتال‪ ،‬ثم تحولت إىل حرب شاملة‪ .‬ومن ثَمّ‪ ،‬تسعى هذه الورقة‬
‫إىل محاولة فهم العالقة بني كال التنظيمني يف منطقة الساحل عرب تناول الجذور املشرتكة لكل‬
‫منهما‪ ،‬واستعراض التحوالت التي طرأت عىل طبيعة عالقتهما‪ ،‬مع استعراض دوافع الرصاع‬
‫وتداعياته املحتملة‪.‬‬

‫طبيعة العالقة‬
‫يتطلب فهم طبيعة العالقة بني تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يف منطقة الساحل العودة ألصولهما املشرتكة؛‬
‫إذ يرجع أصل تنظيم «داعش الصحراء الكربى» إىل «حركة التوحيد والجهاد يف غرب إفريقيا»‪ ،‬حيث انشقت‬
‫األخرية عن تنظيم «القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي» يف عام ‪2011‬م‪ .‬وقد أسسها كل من‪« :‬سلطان ولد‬
‫بادي»‪ ،‬و«أحمد التلميس»‪ ،‬و«حمادة ولد الخري»‪ ،‬و«عدنان أبو وليد الصحراوي»‪ .‬وقد واصلت «حركة‬

‫متابعات افريقية‬
‫التوحيد والجهاد» العمل مع تنظيم «القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي» خاصة خالل فرتة سيطرة تنظيم‬
‫«القاعدة» عىل شمال مايل يف عام ‪2012‬م(((‪.‬‬
‫ويف أعقاب التدخل الفرنيس الذي أزاح «القاعدة» عن شمال مايل يف يناير ‪2013‬م‪ ،‬اندمج جزء كبري من‬
‫«حركة التوحيد والجهاد يف غرب إفريقيا» مع جماعة أخرى تابعة للقاعدة يف املنطقة‪ ،‬وهي جماعة «امللثمون»‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫(التي انشقت عن تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي يف ‪2012‬م بقيادة «مختار بلمختار») ليشكال معً ا‬
‫‪(1) Héni Nsaibia and Caleb Weiss, “The End of the Sahelian Anomaly: How the Global Conflict between the Islamic State and‬‬
‫‪al-Qa`ida Finally Came to West Africa,” Combating Terrorism Center 13, no. 7 (July 2020), https://ctc.usma.edu/the-end-of-‬‬
‫‪the-sahelian-anomaly-how-the-global-conflict-between-the-islamic-state-and-al-qaida-finally-came-to-west-africa/.‬‬

‫‪34‬‬
‫جماعة جديدة يف أغسطس ‪2013‬م جاءت تحت اسم «املرابطون» التي بايعت «أيمن الظواهري» (زعيم‬
‫تنظيم القاعدة)‪ ،‬وركزت هجماتها اإلرهابية ضد أهداف فرنسية وغربية عدة(((‪.‬‬
‫بدأ انقسام جماعة «املرابطون» خالل عام ‪2015‬م‪ ،‬حني أعلن «عدنان أبو الوليد الصحراوي» (القيادي يف‬
‫تلك الجماعة) بيعته «ألبو بكر البغدادي» (زعيم تنظيم «داعش» آنذاك) يف منتصف عام ‪2015‬م‪ .‬وقد أثارت‬
‫تلك البيعة غضب «مختار بلمختار» (القيادي البارز يف جماعة «املرابطون») الذي أكد أن بيعة «الصحراوي»‬
‫لتنظيم «داعش» ال تعدو كونها قرا ًرا فرديًّا‪ ،‬ما أسفر عن انشقاق فصيل مؤيد لتنظيم «القاعدة» بقيادة‬
‫«بلمختار»‪ ،‬وآخر مؤيد لتنظيم «داعش» بقيادة «الصحراوي»‪ ،‬ثم انفصل األخري بمجوعته معلنًا عن تنظيم‬
‫«داعش يف الصحراء الكربى»‪ .‬ويمكن القول إن مع إعالن «الصحراوي» مبايعته لتنظيم «داعش»‪ ،‬أصبح‬
‫للتنظيم أول وجود فعيل يف منطقة الساحل(((‪.‬‬
‫وقد سعى «عبد املالك دروكدال» (القائد السابق لتنظيم القاعدة يف املغرب اإلسالمي) إىل هندسة أكرب تحالف‬
‫يدين بالوالء لتنظيم «القاعدة»‪ .‬ومن ث َ ّم تأسست «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» يف منطقة الساحل خالل‬
‫عام ‪2017‬م‪ ،‬وضمت ‪ 4‬جماعات إرهابية‪ ،‬وهي‪« :‬املرابطون»‪ ،‬و«إمارة منطقة الصحراء الكربى»‪ ،‬و«جماعة‬
‫أنصار الدين» (أغلب عنارصها من الطوارق شمايل مايل)‪ ،‬و«كتائب تحرير ماسينا» (أغلب عنارصها من‬
‫قبيلة الفالني وسط مايل)‪ .‬وأصبحت الجماعة تحت قيادة «إياد أغ غايل» (زعيم أنصار الدين)(((‪.‬‬
‫وعىل الرغم من مبايعة «الصحراوي» لتنظيم «داعش»‪ ،‬فإن هذا لم يحل دون التعاون بينه وبني الجماعات‬
‫ظا عىل عالقاته الشخصية معهم‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬تجدر اإلشارة‬ ‫املوالية لتنظيم «القاعدة» يف الساحل‪ ،‬حفا ً‬
‫إىل حوار «يحيى أبو الهمام» (أمري إمارة الصحراء الكربى وهي إحدى الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة»)‬
‫يف يناير ‪2016‬م مع صحيفة «األخبار» املوريتانية‪ ،‬عندما ُسئل عن عالقة تنظيم «القاعدة» مع «صحراوي»‬
‫وجماعته‪ ،‬فأفاد بوجود عالقة طبيعية معهم واتصال دائم بهم(((‪.‬‬
‫ويمكن القول إن تلك العالقات الوثيقة أسفرت عن تنسيق هجمات مشرتكة؛ حيث أكد الجنرال «برونو‬
‫غيربت» (القائد العام السابق لعملية برخان الفرنسية يف منطقة الساحل) يف عام ‪2018‬م‪ ،‬أن «جماعة‬
‫نرصة اإلسالم واملسلمني» وتنظيم «داعش الصحراء الكربى» قد شنوا هجمات مشرتكة يف منطقة‬
‫‪(2) Katherine Zimmerman, “Salafi-Jihadi Ecosystem in the Sahel,” American Enterprise Institute, April 22, 2020, https://www.‬‬
‫‪aei.org/wp-content/uploads/2020/04/Salafi-Jihadi-Ecosystem-in-the-Sahel.pdf.‬‬
‫((( تقى النجار‪« ،‬تحوالت خريطة اإلرهاب يف إفريقيا»‪ ،‬املركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية‪ ،8( ،‬مارس‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،3 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://www.ecsstudies.com/8358/.‬‬
‫‪(4) Daniel Eizenga and Wendy Williams, “The Puzzle of JNIM and Militant Islamist Groups in The Sahel,” Africa Center for‬‬
‫_‪Strategic Studies, December 1, 2020, https://africacenter.org/publication/puzzle-jnim-militant-islamist-groups sahel?utm‬‬
‫‪source=ASB+38&utm_campaign=ASB+38&utm_medium=email.‬‬
‫”‪(5) Nsaibia and Weiss, “The End of the Sahelian Anomaly.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪35‬‬
‫الساحل(((‪ .‬كما أشار الجنرال «داغفني أندرسون» (رئيس العمليات الخاصة يف الجيش األمريكي يف‬
‫إفريقيا) ‪-‬يف مقابلة نُرشت يف فرباير ‪2020‬م‪ -‬إىل أن الواليات املتحدة تعاونت مع «جماعة نرصة اإلسالم‬
‫واملسلمني» و تنظيم «داعش الصحراء الكربى» يف شن بعض الهجمات(((‪.‬‬
‫طا بما سبق‪ ،‬يمكن تفسري العالقة االستثنائية بني تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يف منطقة الساحل‬ ‫وارتبا ً‬
‫يف ضوء ثالثة عوامل؛ يتعلق أولها بالعالقات الشخصية بني قيادات التنظيمني‪ .‬وينرصف ثانيها إىل األهداف‬
‫املشرتكة التي جمعت بينهما‪ .‬ويتصل ثالثهما بالتاريخ املشرتك لكل منهما يف ضوء أصولهما املتشابكة‪ .‬ومن ثَمّ‪،‬‬
‫مثلت تلك العوامل اإلطار الحكام لعالقتهما يف املراحل السابقة‪ ،‬إال أن تلك العالقة شهدت خالل عام ‪2020‬م‬
‫جملة من املستجدات التي ترتب عليها معارك بني الطرفني لتمتد إىل مناطق مختلفة يف منطقة الساحل‪.‬‬

‫تحوالت العالقة‬
‫سعى تنظيم «داعش» إىل إيجاد مناطق نفوذ جديدة بعد تراجعه يف سوريا والعراق بهدف تجاوز هزائمه‪،‬‬
‫لذلك كان االنتقال االسرتاتيجي للتنظيم إىل غرب إفريقيا (منطقة الساحل والصحراء عىل وجه الخصوص)‪ ،‬ملا‬
‫يتوافر فيها من عوامل محفزة لإلرهاب؛ حيث الرصاعات الطائفية‪ ،‬واالنقسامات العرقية‪ ،‬والتباينات الدينية‪.‬‬
‫غري أن ذلك التحول التكتيكي للتنظيم أسفر عن مواجهات مفتوحة مع تنظيم «القاعدة» يف منطقة الساحل(((‪.‬‬
‫فمع مطلع عام ‪2020‬م‪ ،‬بدأ تنظيم «داعش الصحراء الكربى» يف التمدد يف مايل حيث املناطق الخاضعة لنفوذ‬
‫«جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني»‪ .‬ويف البداية‪ ،‬استطاع تحقيق نجاحات أولية يف منطقة «جورما» عىل جانبي‬
‫الحدود بني مايل وبوركينا فاسو‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬جاء رد «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» عىل تحركات «داعش»‬
‫خالل شهري مارس وإبريل ‪2020‬م‪ ،‬حيث شنت األوىل هجومً ا مضادًا نجحت من خالله يف استعادة سيطرتها‬
‫عىل مناطق نفوذها وطرد تنظيم «داعش» إىل جنوب رشق بوركينا فاسو عىل الحدود مع بنني(((‪.‬‬
‫وبالتوازي مع عمليات «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» ضد «داعش»‪ ،‬بدأ األخري يف شن هجوم إعالمي عىل‬
‫األوىل حيث َس ّلط العدد ‪ 233‬من صحيفة «النبأ» التابعة لتنظيم «داعش» والصادر يف ‪ 7‬مايو ‪2020‬م الضوء‬

‫متابعات افريقية‬
‫‪(6) Vincent Hugeux, “Face à Barkhane, un ennemi aux abois,” L’Express, April 20, 2018, https://www.lexpress.fr/actualite/‬‬
‫‪monde/afrique/face-a-barkhane-un-ennemi-aux-abois_2001343.html.‬‬
‫‪(7) Jason Warner, “A View from the CT Foxhole: Brigadier General Dagvin R.M. Anderson, Commander, US Special Operations‬‬
‫‪Command Africa,” Combating Terrorism Center 13, no. 2 (February 2020), https://ctc.usma.edu/view-ct-foxhole-brigadier-‬‬
‫‪general-dagvin-r-m-anderson-commander-u-s-special-operations-command-africa/.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫((( تقى النجار‪“ ،‬مستقبل ساحة الجهاد العاملي‪...‬سيناريوهات أربعة”‪ ،‬املركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية‪ ،24( ،‬أكتوبر‪2019 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع‬
‫يف‪ ،23 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪،‬‬
‫‪https://www.ecsstudies.com/7388/.‬‬
‫((( تقى النجار‪“ ،‬من املواءمة إىل الرصاع‪ :‬تحوالت العالقة بني “القاعدة” و “داعش” يف غرب إفريقيا”‪ ،‬املركز املرصي للفكر والدراسات االسرتاتيجية‪،12(،‬‬
‫سبتمرب ‪2020 ،‬م)‪ .‬االسرتجاع يف‪ ،3 :‬ديسمرب‪2020 ،‬م‪,،‬‬
‫‪https://www.ecsstudies.com/8358/.‬‬

‫‪36‬‬
‫عىل الهجمات التي شنتها األوىل ضده يف منطقة الساحل‪ ،‬ووجه انتقادات مبارشة إىل اثنني من كبار قادة‬
‫«جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني»‪ ،‬وهما «أمادو كوفا» (زعيم جبهة تحرير ماسينا) و«إياد أغ غايل» (زعيم‬
‫جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني)‪ ،‬وذلك لسعيهما إىل شن حرب ضد مقاتيل التنظيم عىل حد وصف الصحيفة‪.‬‬
‫كذلك نرشت مؤسسة «الفرقان» الجناح اإلعالمي التابع لتنظيم «داعش» يف ‪ 28‬مايو ‪2020‬م‪ ،‬مقطعً ا‬
‫صوتيًّا للمتحدث الرسمي باسم التنظيم «أبو حمزة القريش» تحت عنوان «وسيعلم الكفار ملن عقبى الدار»؛‬
‫ليؤكد أن «والية غرب إفريقيا» قررت «تأجيل» املواجهة مع «القاعدة» هناك‪ ،‬إال أن «مرتدي القاعدة» بادروا‬
‫إىل قتال «داعش» نيابة عن دول وحكومات املنطقة خاصة‪ :‬مايل‪ ،‬والنيجر‪ ،‬وبوركينافاسو‪ ،‬والجزائر‪ .‬وقد‬
‫جاء رد تنظيم «القاعدة» عرب شبكات التواصل االجتماعي‪ ،‬حيث نرش خريطة ملنطقة غرب إفريقيا يوضح‬
‫فيها املناطق التي يسيطر عليها‪ ،‬وذلك بغرض إرسال رسالة لتنظيم «داعش» مفادها أن التمدد يف تلك‬
‫املناطق يسبب اندالع املواجهات املبارشة بينهما‪.‬‬
‫ويف إطار تصاعد الرصاع العملياتي واإلعالمي بينهما‪ ،‬أشار العدد ‪ 238‬من صحيفة «النبأ» الصادر يف ‪11‬‬
‫يونيو ‪2020‬م إىل االشتباكات التي وقعت بني «داعش» وجماعة «أنصار اإلسالم» (التي أسست بدعم من‬
‫الجماعات املكونة لحركة نرصة اإلسالم واملسلمني)‪ ،‬حيث لفتت الصحيفة إىل ما أفاد به «جعفر ديكو»‬
‫مقاتل يف ضوء االشتباكات التي حدثت‬‫ً‬ ‫(زعيم جماعة أنصار اإلسالم) حول فقدان تنظيمه أكثر من ‪170‬‬
‫أواخر مايو ‪2020‬م مع مقاتيل «داعش» يف املنطقة الحدودية بني مايل وبوركينا فاسو‪.‬‬
‫بيد أن األذرع اإلعالمية التابعة لتنظيم «القاعدة» عىل تطبيق «تلغرام» كانت لها رواية مختلفة لألحداث؛‬
‫فقد جادل املؤيدون لتنظيم «القاعدة» بأن رواية «النبأ» لألحداث كانت «كاذبة»‪ ،‬وذلك يف ضوء نجاح‬
‫«جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» يف قتل العديد من أعضاء تنظيم «داعش الصحراء الكربى» يف بوركينا‬
‫فاسو خالل االشتباكات سالفة الذكر‪.‬‬
‫ويف مرحلة الحقة سلط العدد ‪ 246‬من صحيفة «النبأ» الصادر يف ‪ 6‬أغسطس ‪ ،2020‬الضوء عىل العمليات‬
‫التي حدثت خالل «غزوة االستنزاف ‪»4‬؛ إذ أشارت الصحيفة إىل سقوط عرشات القتىل من عنارص تنظيم «‬
‫القاعدة» يف مايل‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬نرشت وكالة «ثبات» التابعة لتنظيم «القاعدة» خالل شهر أغسطس تقري ًرا‬
‫مصوّ ًرا جاء تحت عنوان «حملة نوعية لطرد بقايا فلول الخوارج يف غرب إفريقيا»‪ ،‬حيث أكد التقرير أن‬
‫«جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» أطلقت حمالت واسعة لطرد تنظيم «داعش» من مناطق مختلفة يف مايل‬
‫وأنهم قتلوا أعدادًا كبرية من عنارصه‪.‬‬
‫كذلك أشار العدد ‪ 252‬من صحيفة «النبأ» الصادر يف ‪ 7‬سبتمرب ‪2020‬م‪ ،‬إىل اعتماد تنظيم «القاعدة» يف منطقة‬
‫غرب إفريقيا عىل سياسة التجنيد اإلجباري لسد النقص يف صفوفه‪ .‬ولفتت الصحيفة إىل سقوط نحو ‪ 200‬قتيل‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪37‬‬
‫من صفوف األخري يف ضوء املواجهات التي دارت بينهما يف منطقة غرب إفريقيا خالل شهري يوليو وأغسطس‪.‬‬
‫وقد استمر الرصاع العملياتي واإلعالمي بينهما حتى نهاية عام ‪2020‬م‪ ،‬إذ نرش العدد ‪ 260‬من صحيفة «النبأ»‬
‫الصادر يف ‪ 12‬نوفمرب ‪2020‬م‪ ،‬حوا ًرا مع «أبي الوليد الصحراوي» (قائد تنظيم داعش الصحراء الكربى)‪ ،‬ليؤكد‬
‫خوفا عىل نفوذها‪ .‬كما استعرضت الصحيفة‬ ‫فيه أن الجماعات املوالية للقاعدة ناصبت تنظيم «داعش» العداء ً‬
‫أيضا حصيلة آخر مواجهات مع تنظيم «القاعدة»‪ ،‬والتي أسفرت عن سقوط ‪ً 76‬‬
‫قتيل من عنارص األخري‪.‬‬ ‫ً‬
‫ويف املقابل‪ ،‬انتقد العدد الرابع من صحيفة «ثبات» التابعة لتنظيم «القاعدة» (الصادر يف ‪ 13‬نوفمرب‬
‫‪2020‬م) ممارسات تنظيم «داعش» يف منطقة غرب إفريقيا‪ ،‬حيث تهجري املسلمني‪ ،‬وفرض اإلتاوات‪،‬‬
‫والتوسع يف استخدام العنف‪ .‬ويف السياق ذاته‪ ،‬أشار العدد السابع من الصحيفة ذاتها (الصادر يف ‪4‬‬
‫ديسمرب ‪2020‬م) إىل نجاح العنارص التابعة لتنظيم «القاعدة» يف صد هجمات قامت بها عنارص «داعش»‪،‬‬
‫ما أسفر عن مقتل وإصابة ما يزيد عىل ‪ 30‬عنرصًا من عنارص األخري‪.‬‬
‫ويمكن القول إن عام ‪2020‬م شهد حالة من تصاعد الرصاع العملياتي واإلعالمي بني التنظيمني يف محاولة‬
‫من «داعش» لتعزيز صورته الجهادية من جهة‪ ،‬وإعادة التموضع يف ساحات بديلة من جهة أخرى‪ ،‬يف‬
‫مقابل محاوالت تنظيم «القاعدة» للحفاظ عىل نفوذه يف معاقله الرئيسة من ناحية‪ ،‬ولتأكيد قدرته عىل‬
‫الصمود أمام منافسه التقليدي من ناحية أخرى‪.‬‬

‫دوافع متعددة‬
‫هناك جُ ملة من الدوافع التي تُفرس ذلك الرصاع‪ ،‬ويمكن تناولها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -1‬االختالفات العقائدية‪ :‬عىل الرغم من نجاح التنظيمني يف تنحية االختالفات العقائدية بينهما لفرتة‪،‬‬
‫إال أن تلك االختالفات بدأت يف الظهور إىل السطح مرة أخرى‪ .‬إذ أصدرت مؤسسة «الزالقة لإلنتاج‬
‫اإلعالمي» التابعة لتنظيم «القاعدة « كتيبًا يف أواخر يناير ‪2020‬م تحت عنوان «الرد عىل شبهة أنكم ال‬
‫تنهون عن املنكر»‪ ،‬ليوجه إىل الذين انتقدوا تطبيق «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» للرشيعة يف إشارة‬

‫متابعات افريقية‬
‫مستهدفا تقديم تصور عن نهج «القاعدة» البطيء يف تطبيق الرشيعة من‬ ‫ً‬ ‫ضمنية لتنظيم «داعش»‪،‬‬
‫أجل حشد الدعم الشعبي بوصفه مضادًّا لنهج «داعش» الرسيع والقايس يف كثري من األحيان ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬

‫ويف الوقت ذاته تقريبًا‪ ،‬إصدار قادة «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» كثريًا من الرسائل الصوتية باللغات‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫املحلية التي ركزت عىل االختالفات العقائدية بني «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني»‪ ،‬وتنظيم «داعش يف‬

‫‪(10) Caleb Weiss, Analysis: JNIM Addresses Detractors, Sends Message of Unity, FDD’s Long War Journal, February 10, 2020,‬‬
‫‪https://www.longwarjournal.org/archives/2020/02/analysis-jnim-addresses-detractors-sends-message-of-unity.php.‬‬

‫‪38‬‬
‫الصحراء الكربى»‪ .‬وأوردت تلك الرسائل تحذيرات من وصول «الخوارج» مؤخ ًرا إىل منطقة الساحل يف‬
‫إشارة إىل عنارص تنظيم «داعش»‪.‬‬
‫ويف السياق ذاته‪ ،‬نرشت «والية اليمن» التابعة لتنظيم «داعش» يف ‪ 30‬إبريل ‪2020‬م إصدا ًرا مرئيًّا بعنوان‬
‫مقسمً ا إىل جزأين؛ يتعلق أولهما بتعامل تنظيم «القاعدة» مع ثورات‬ ‫«معذرة إىل ربكم» (ملدة ‪ 52‬دقيقة) ّ‬
‫الربيع العربي‪ .‬وينرصف ثانيهما إىل الهجوم عىل «القاعدة» يف شبه جزيرة العرب‪ .‬حيث يتّهم تنظيم‬
‫«داعش» تنظيم «القاعدة» بالرتدد يف القضية الحاسمة املتمثلة يف إقامة دولة «إسالمية»‪ ،‬كذلك أشار الفيلم‬
‫ً‬
‫حرصا عىل الرأي العام‪.‬‬ ‫إىل رفض األخري تطبيق قوانني الرشيعة يف املناطق التي تسيطر عليها‬
‫اختالفا بني وجهتي نظر التنظيمني حول إقامة الدولة اإلسالمية؛ إذ يرى تنظيم‬ ‫ً‬ ‫ويمكن القول إن هناك‬
‫«القاعدة» أن إقامة دول إسالمية ليست أولوية يف ظل الظروف الحالية‪ ،‬وأنه يجب دعم الثورات ضد‬
‫األنظمة املعادية‪ ،‬بل واالمتناع عن السياسات املثرية لشعوب تلك الدول‪ .‬بينما ينشد تنظيم «داعش» إقامة‬
‫دولة الخالفة اإلسالمية عىل الحدود التي كانت موجودة قبل معاهدة «سايكس بيكو»‪ ،‬دون وضع أدنى‬
‫اعتبار لشعوب تلك الدول أو مصالح الدول الخارجية(‪.((1‬‬
‫‪ -2‬توجه القيادة املركزية‪ :‬مع وصول «أبو إبراهيم الهاشمي القريش» (القائد الجديد لداعش) سعى‬
‫التنظيم لهيكلة نهجه اإلقليمي عرب نقل مركز ثقله إىل القارة اإلفريقية‪ .‬ومن ث َ ّم تغريت اسرتاتيجية‬
‫«التعايش املشرتك» يف منطقة الساحل‪ ،‬وتحولت إىل اسرتاتيجية «الرصاع»‪ .‬ومنذ مارس ‪2019‬م‪ ،‬أكدت‬
‫القيادة املركزية لتنظيم «داعش» إدراج فرع «داعش الصحراء الكربى» ضمن والية «داعش غرب‬
‫إفريقيا»‪ ،‬وأصبح األول واقعً ا تحت سلطة األخري‪ .‬وعليه‪ ،‬أسفرت عملية إعادة الهيكلة عن اندماج األول‬
‫يف الهيكل العام لتنظيم «داعش»‪.‬‬
‫وبعد إعادة الهيكلة الرسمية للفرع يف مارس ‪ ،2019‬ن ُ ِش معظم البيانات اإلعالمية التي أنتجتها «داعش‬
‫الصحراء الكربى»‪ ،‬من خالل األجهزة اإلعالمية الرسمية لتنظيم «داعش»‪ .‬وقد سمح هذا التحرك للقيادة‬
‫املركزية لتنظيم «داعش» بإرسال رسائل تستهدف «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» لتناسب الرواية‬
‫الجديدة القائمة عىل الرصاع مع «القاعدة» يف منطقة الساحل‪.‬‬
‫‪ -3‬األطماع الداعشية‪ :‬يسعى «داعش الصحراء الكربى» إىل تعزيز نفوذه عرب التمدد االسرتاتيجي يف منطقة‬
‫الساحل‪ .‬ويُمكن مالحظة ذلك عرب أربعة تحركات رئيسة للتنظيم؛ يتعلق أولها باستغالل الخالفات‬
‫الداخلية بني «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني» و«جبهة تحرير ماسينا»‪ ،‬وتجنيد أعضاء من األخرية‪.‬‬
‫‪(11) Mohammed Hafez, “The Crisis Within Jihadism: The Islamic State’s Puritanism vs. al-Qa`ida’s Populism,” Combating‬‬
‫‪Terrorism Center 13, no. 9 (September 2020), https://ctc.usma.edu/the-crisis-within-jihadism-the-islamic-states-puritanism-‬‬
‫‪vs-al-qaidas-populism/.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪39‬‬
‫ويتصل ثانيها بتنفيذ عدد من الهجمات الكبرية عىل مواقع عسكرية يف منطقة الساحل بهدف الحصول‬
‫عىل األسلحة‪ .‬وينرصف ثالثها إىل الرغبة يف السيطرة عىل املناطق االسرتاتيجية الغنية باملواد الطبيعية‬
‫(كمناجم الذهب واملراعي)‪ ،‬حيث تقع تلك املناطق ضمن نفوذ «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني»‪.‬‬
‫ويأتي رابعها بإطالق التنظيم صحيفة إلكرتونية بلغة الهوسا تُسمى (‪ )Wakiliar Labarai‬وتصدر كل‬
‫أسبوعني‪ .‬ويهدف التنظيم من هذه التحركات إىل الوصول إىل السكان الناطقني بلغة الهوسا والذين‬
‫يعيشون يف نيجرييا والنيجر وتشاد والكامريون(‪.((1‬‬
‫‪ -4‬النهج التفاويض‪ :‬أعلنت جماعة «نرصة اإلسالم واملسلمني» عن استعدادها للتفاوض مع الحكومة‬
‫نزول عند رغبة‬‫املالية‪ .‬حيث نرشت يف مارس ‪ 2020‬بيانًا حول “قبول التفاوض مع الحكومة املالية ً‬
‫الشعب املظلوم”‪ ،‬لكنها اشرتطت انسحاب القوات الفرنسية وبعثة األمم املتحدة من مايل‪ .‬ومؤخ ًرا‪،‬‬
‫دخلت يف مفاوضات مع الحكومية املالية لتحرير بعض األرسى‪ ،‬وأسفرت تلك املفاوضات عن إطالق‬
‫رساح نحو ‪ 200‬إرهابي من عنارصها مقابل أربع رهائن لديها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬استغل «داعش» هذه التحركات من جانب “القاعدة” لريوج ألطروحاته باعتبارها األكثر التزامً ا من‬
‫الناحية العقائدية‪ .‬وبدأ بانتهاج اسرتاتيجية إعالمية قائمة عىل انتقاد وفضح «جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني»‬
‫نتيجة لسعيها لعقد اتفاقيات مع العدو‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يمكن القول إن سيناريو مفاوضات «طالبان» مع‬
‫الواليات املتحدة سيصبح نموذجً ا يحتذى يف الحالة اإلفريقية‪ ،‬حيث عملت «والية خراسان» عىل شن هجمات‬
‫جماعية بهدف تقويض املفاوضات‪ ،‬ما يُشري إىل احتمالية اتباع «داعش الصحراء الكربى» النهجَ نفسه‪.‬‬

‫تداعيات محتملة‬
‫بناء عىل ما تقدم هناك جُ ملة من التداعيات التي يمكن استعراضها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬يُجادل البعض بأن الرصاع بني التنظيمات اإلرهابية يُعد مشهدًا إيجابيًّا ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬غري أن من‬

‫متابعات افريقية‬
‫املمكن أن ينخرط التنظيمان يف عملية تسمى «املزايدة»‪ ،‬حيث يهدف كل منهما إىل إظهار قدرة أكرب عىل‬
‫محاربة املنافسني عرب تصعيد الهجمات اإلرهابية‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يمكن أن يقود الرصاع بني التنظيمني‬
‫إىل محاولة التفوق عىل بعضها البعض بهجمات متزايدة عىل املدنيني‪ ،‬األمر الذي ستنرصف تداعياته إىل‬
‫الوضع األمني​​املضطرب يف منطقة الساحل من خالل زيادة مستويات العنف‪.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫ثانيًا‪ :‬من ا ُملرجح أن يؤثر الرصاع بني تنظيمي «القاعدة» و«داعش» عىل تحقيق أهدافهما؛ حيث تُشري عديد من‬
‫الدراسات واألبحاث إىل أن التنظيمات املوحدة تستطيع تحقيق أهدافها أكثر من التنظيمات املنقسمة؛ ألن األوىل‬
‫(‪ ((1‬تقى النجار‪« ،‬من املواءمة إىل الرصاع‪ :‬تحوالت العالقة بني «القاعدة» و «داعش» يف غرب إفريقيا»‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫تكون أكثر قدرة عىل تسخري املوارد ضد الخصوم‪ ،‬عىل عكس الثانية التي تهدر مواردها يف قتالهم‪ .‬ومن ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬تشجع الرصاعات بني التنظيمات عىل تزايد حدة االنشقاقات داخلها األمر الذي ينتقص من رشعيتها(‪.((1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يشهد النظام البيئي السلفي يف منطقة الساحل جملة من املستجدات؛ يتعلق أولها بتكثيف النشاط‬
‫اإلرهابي من قبل كل من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»‪ .‬وينرصف ثانيها إىل زيادة حدة املنافسة بينهما‬
‫سواء عىل النفوذ أو العنارص املقاتلة‪ .‬ويتصل ثالثها بحالة االنشقاقات والتصدعات الداخلية التي تشهد‬
‫املجموعات املرتبطة بكليهما‪ .‬ومن ثَمّ‪ ،‬تلقي كل تلك املستجدات بظاللها عىل تغريات قد يشهدها النظام‬
‫البيئي السلفي يف منطقة الساحل خالل عام ‪2021‬م‪ ،‬ما يُوحي بحالة من الترشذم والتشظي بني التنظيمات‬
‫يف مناطق‪ ،‬يف مقابل حالة من التكيف والتماهي بينها يف مناطق أخرى‪.‬‬
‫رابعً ا‪ :‬يفتح تصاعد املنافسة بني تنظيمي «القاعدة « و «داعش» يف منطقة الساحل الباب أمام تدفق متزايد‬
‫للمقاتلني األجانب يف إفريقيا جنوب الصحراء الكربى خالل عام ‪2021‬م‪ .‬وتكمن خطورة هؤالء يف نقل‬
‫خرباتهم التكتيكية والعملياتية إىل التنظيمات التي ينضمون إليها‪ ،‬ما يزيد من قدرتها عىل شن هجمات‬
‫إرهابية متطورة من ناحية‪ ،‬ويزيد من موجة العنف املوجه للمدنيني من ناحية أخرى(‪.((1‬‬
‫خامسا‪ :‬يُمثل ضعف قبضة الدولة فرصة لتصاعد حدة املنافسة بني التنظيمات اإلرهابية؛ ففي حالة‬ ‫ً‬
‫ضعف الدولة تلجأ التنظيمات إىل التنافس والرصاع سعيًا للسيطرة عىل مساحات جغرافية شاسعة‪.‬‬
‫وبالنظر إىل حالة الدول الواقعة يف منطقة الساحل اإلفريقي نجد أن جائحة «كوفيد‪ »19-‬ألقت بظاللها‬
‫فضل عن الحاجة امللحة‬ ‫ً‬ ‫عىل العديد من اقتصاديات املنطقة؛ ومن ث َ ّم يف ظل ظروف ضعف قدرة الدولة‪،‬‬
‫لالستثمار يف مبادرات الصحة‪ ،‬قد يكافح القادة األفارقة لتوفري التمويل الكايف لجيوشهم وقواتهم األمنية‪.‬‬
‫وبالتايل تتضاءل قدرة الدول عىل مراقبة حدودها‪ ،‬األمر الذي يساعد عىل تصاعد التنافس بني التنظيمني‪.‬‬
‫مجمل القول‪ ،‬تجادل العديد من التحليالت بأن «إفريقيا سوف تكون ساحة اإلرهاب العاملية خالل السنوات‬
‫العرشين القادمة»‪ ،‬ويمكن تفسري ذلك يف ضوء جملة من املتغريات؛ يتعلق أولها ببحث تنظيم «داعش» عن‬
‫ساحات بديلة للتمدد‪ .‬وينرصف ثانيها إىل احتمالية تقليص الوجود العسكري الفرنيس يف منطقة الساحل‪.‬‬
‫ويتصل ثالثها بانعكاسات جائحة «كوفيد‪ »19-‬عىل القطاعني الصحي واألمني لدول منطقة الساحل‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تمثل تلك املعطيات محفزات أساسية لتعزيز نشاط التنظيمات اإلرهابية ال سيما تنظيمي «القاعدة»‬
‫و«داعش» يف القارة اإلفريقية عىل وجه العموم‪ ،‬ومنطقة الساحل عىل وجه الخصوص‪ .‬ويرتبط بذلك التمدد‬
‫تصاعد املنافسة بينهما من أجل إثبات النفوذ والوجود‪.‬‬
‫”‪(13) Hafez, “The Crisis Within Jihadism.‬‬
‫‪(14) Austin C. Doctor, “The Looming Influx of Foreign Fighters in Sub-Saharan Africa,” War on the Rocks, August 18, 2020,‬‬
‫‪https://warontherocks.com/2020/08/the-looming-influx-of-foreign-fighters-in-sub-saharan-africa/.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪41‬‬
‫اإلدارة العسكرية واألمنية لإلرهاب في مالي‬

‫د‪ .‬مادي إبراهيم كانتي ‪ -‬محاضر في كلية العلوم اإلدارية والسياسية –‬


‫جامعة العلوم القانونية والسياسية ‪ -‬بماكو‪.‬‬

‫تُعد ظاهرة اإلرهاب املتزايدة يف غرب إفريقيا من أخطر أشكال التهديد األمني التي تواجه هذه‬
‫الدول؛ ألنها تستهدف يف جانب مهم منها أمن واستقرار ومستقبل مجتمع غرب إفريقيا‪ ،‬ويجمع‬
‫الفعل اإلرهابي بني مطامع وأهداف القوى الخارجية التي ال تريد استخدام أدواتها املبارشة‪ ،‬بل‬
‫االعتماد عىل محركات يف خلق األزمات داخل الدول املستهدفة‪ ،‬أو استغالل حدودها‪ ،‬أو الظروف‬
‫السياسية املحيطة‪ ،‬أو يف أحيان أخرى تمزيق لحمة ونسيج املجتمع داخل تلك الدولة‪ ،‬أو تشجيع‬
‫فئة من فئاته إىل سلوك يلحق الرضر باملجتمع مما يهدد سالمته‪ ،‬بما يف ذلك استخدام العنف‬
‫للوصول إىل تحقيق أهداف سياسية أو مصالح فئوية قد تعكس يف جانب منها خدمة أطراف‬
‫خارجية إقليمية أو دولية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد أصبح اإلرهاب خط ًرا حقيقيًّا يواجه مسار التنمية للجماعة االقتصادية لدول غرب‬
‫إفريقيا (إيكواس ‪ )ECOWAS -‬منذ بداية األلفية الجديدة‪ ،‬وأصبحت األنشطة اإلرهابية تنترش‬
‫يف جميع أنحائها‪ ،‬وتهدد مستقبلها‪ ،‬بعد أن كانت مقترصة عىل دول شمال إفريقيا (املغرب‬
‫اإلسالمي) خالل التسعينيات من القرن املايض‪.‬‬
‫وعندما أُضعِ ف تنظيم القاعدة يف بالد املغرب العربي بحلول نهاية عام ‪2012‬م انتقلت الشبكات‬
‫اإلرهابية إىل املناطق الشمالية لغرب إفريقيا (شمال مايل والنيجر)‪ ،‬وظهرت فصائل القاعدة يف‬

‫متابعات افريقية‬
‫ً‬
‫وخصوصا يف مايل ونيجرييا باإلضافة إىل موريتانيا‪ .‬ويرى مراقبون أن غرب‬ ‫دول غرب إفريقيا‪،‬‬
‫إفريقيا والساحل أصبحت أرض الجيل الثالث لتنظيم «القاعدة»‪ ،‬بحيث باتت تكوِّن «أفغانستان‬
‫جديدة»‪ ،‬وتمثل أحد أخطر التهديدات عىل استقرار العالم‪.‬‬
‫ويتغلغل يف غرب إفريقيا خمس تنظيمات إرهابية عىل صلة بـ«القاعدة وداعش»‪ ،‬هي‪« :‬بوكو‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫حرام» النيجريية‪ ،‬و«القاعدة يف املغرب اإلسالمي» شمال الصحراء الكربى‪ ،‬وحركة «أنصار الدين»‬
‫السلفية الجهادية يف مايل‪ ،‬وحركة «التوحيد والجهاد»‪ ،‬وحركة «املرابطون» يف غرب إفريقيا‪،‬‬
‫والتي يقودها منشقون عن تنظيم القاعدة يف املغرب العربي (‪ .)AQMI‬وبحسب املحللني فإن‬

‫‪42‬‬
‫كثريًا من الدول التي بها فصائل القاعدة مجرد وسيلة وليست غاية للقاعدة ولداعش‪ ،‬أما الهدف‬
‫النهائي فهو السيطرة عىل «خزان الطاقة العاملي»‪ ،‬وبذلك تكون حربًا ضد الغرب‪ ،‬وال يمكن‬
‫القيام بذلك إال بالسيطرة الكاملة عىل منطقة غرب إفريقيا والساحل‪.‬‬
‫فمع بداية األلفية الجديدة انترشت ظاهرة اإلرهاب يف غرب إفريقيا ويف الساحل‪ ،‬ويف مطلع‬
‫عام ‪2012‬م سيطرت ثالث جماعات إرهابية (القاعدة يف املغرب اإلسالمي‪ ،‬وحركة الجهاد‬
‫والتوحيد يف غرب إفريقيا‪ ،‬وأنصار الدين) عىل شمال مايل بأكمله‪ ،‬ويف ذلك الوقت كان اإلرهابيون‬
‫خصوصا من دول شمال إفريقيا‪ ،‬ولكن منذ سنوات قليلة لم يعد‬ ‫ً‬ ‫وأيديولوجياتهم مستوردة‪،‬‬
‫دمج السكان املحليون يف الجماعات‬ ‫اإلرهاب ظاهرة مستوردة‪ ،‬بل أصبح صناعة محلية بعد أن أ ُ ِ‬
‫اإلرهابية‪.‬‬
‫عىل الرغم من األزمة األمنية والسياسية التي تعانيها البالد‪ ،‬إال أن الجيش املايل قاد انقالبا‬
‫ضد الرئيس املنتخب إبراهيم بوبكر كيتا يف ‪ 18‬أغسطس ‪2020‬م‪ ،‬بعد التظاهرات الشعبية‬
‫ضد النظام‪ ،‬باتهامه بالفساد وسوء اإلدارة‪ ،‬ومن ثم تدهورت األوضاع األمنية تدهو ًرا كبريًا‪،‬‬
‫وتوسعت العمليات اإلرهابية يف جميع أنحاء البالد‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هل االنقالب‬
‫كان حال لعدم استقرار األوضاع األمنية؟ وما مدى فاعلية إصالح القوات األمنية؟ وقد تتناول‬
‫هذه الدراسة حرب مايل عىل اإلرهاب‪ ،‬من حيث التدخل العسكري وبرامج إصالح قوات األمن‬
‫إلدارة تحديات اإلرهاب يف البالد‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬التدخل العسكري في ظل وجود الجماعات اإلرهابية‬


‫منذ بداية ظاهرة اإلرهاب يف مايل‪ ،‬حاولت الدولة أن تواجه التنظيمات اإلرهابية بالقوة العسكرية‪،‬‬
‫ولكن لم تكن جهوزيتها للمواجهة كافية‪ ،‬ورسعان ما سيطرت التنظيمات عىل ثلثَي البالد وانترشت‬
‫الظاهرة إىل الدول الجوار‪ ،‬إذ أصبح اإلرهاب تحديا لإلقليم أجمع‪ ،‬حيث شكلت الجماعات اإلرهابية‬
‫تهديدًا حقيقيا لدول املنطقة؛ لذا اضطرت الجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا لالستعداد للتدخل‬
‫عسكريا ملنع انتشار اإلرهاب‪ ،‬إذ تدخلت يف مايل‪ ،‬وبدأت بتكوين القوة العسكرية (القوة االحتياطية‬
‫إليكواس –‪ )ECOWAS Stand-by Force‬لحماية املدنيني من العمليات اإلرهابية التي تهدد حياتهم‪.‬‬
‫ويرى إبراهيم بونكانا((( أن إيكواس أول منظمة إقليمية تعتقد أن الحرب عىل اإلرهاب تحتاج إىل قوة‬

‫((( حوار مبارش أجراه الكاتب مع إبراهيم بونكانا‪ ،‬املساعد الخاص لرئيس لجنة املصالحة والعدالة والقضايا اإلنسانية‪ ،‬الجماعة االقتصادية لدول غرب‬
‫إفريقيا‪ ،‬ببماكو‪ ،19( ،‬أبريل‪2016 ،‬م)‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪43‬‬
‫فريقا للمراقبني والقوة‬‫ً‬ ‫تتكون من عنارص الجيش والرشطة واملدنيني‪ ،‬وحسن اإلدارة‪ ،‬أثر ذلك أسست‬
‫االحتياطية لإليكواس(((‪.‬‬
‫انتهزت الجماعات اإلرهابية الفرصة‪ ،‬خالل االنقالب العسكري يف مارس ‪2012‬م يف مايل‪ ،‬للسيطرة عىل‬
‫األقاليم الشمالية‪ ،‬والتوجه نحو العاصمة بماكو‪ .‬فأطلقت الحكومة االنتقالية ‪-‬يف حينه‪ -‬نداء من أجل‬
‫إنقاذ البالد من الجماعات اإلرهابية بسالحها وقوتها البرشية‪ .‬أثبت ذلك أن القوات املسلحة كانت يف حالة‬
‫سيئة ومنقسمة بسبب االنقالب العسكري‪ ،‬باعتبار أن مجموعة من الجيش كانت ضد االنقالب‪ ،‬ومن ثم‬
‫اندلعت معارك داخل الجيش نفسه‪ ،‬نتج عن كل ذلك فقدان البالد السيطرة عىل الحدود‪ ،‬وتقدم التنظيمات‬
‫اإلرهابية‪ .‬أثار هذا املشهد مخاوف املجتمع الدويل والجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا وكذلك االتحاد‬
‫اإلفريقي‪ ،‬وكان الخيار الوحيد الحرب ضد اإلرهابيني وإعادة سيطرة للحكومة املالية عىل األوضاع(((‪.‬‬
‫وبحسب إبراهيم بونكانا‪ ،‬عندما بدأت األزمة يف مايل‪ ،‬لم يكن لدى الدولة املالية القوة أو القدرة عىل مواجهة‬
‫الجماعات اإلرهابية‪ ،‬لذلك تحولت الحرب إىل معركة ضد اإلرهاب العاملي مع التدخالت من املجتمع الدويل‬
‫ومنظمة اإليكواس‪ ،‬ألن التهديدات ال تتوقف عىل مستوى مايل فقط كدولة‪ ،‬إنما املنطقة كلها واملصالح‬
‫الغربية يف مايل ويف املنطقة أصبحت مهددة من قبل الجماعات اإلرهابية(((‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬خاصة من‬ ‫ويأتي التدخل العسكري األجنبي يف الحقيقة إلنقاذ الدولة املالية وإن جاء هذا الرد متأخرا ً‬
‫الجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا (اإليكواس)‪ -‬مما أدى إىل اغتيال عدد كبري من جنود الجيش املايل‬
‫وسيطرة التنظيمات اإلرهابية عىل ثلثي البالد (ثالثة أقاليم البالد يف الشمال) و«تطبيق الرشيعة اإلسالمية»‬
‫بحسب مفهوم الحركات اإلرهابية‪ ،‬مما أدى إىل نرش «الفكر الجهادي» لدى السكان املحليني وانضمامهم إىل‬
‫التنظيمات اإلرهابية‪ .‬لذلك‪ ،‬عند التدخل العسكري‪ ،‬بدأ السكان املحليون بإنشاء «جماعاتهم الجهادية» ضد‬
‫الدولة املالية والقوات األجنبية؛ ألنهم قد اقتنعوا بفكرة الجهاد‪.‬‬
‫وشهدت املنطقة استمرار وتقدم الجماعات اإلرهابية تجاه الجنوب‪ ،‬مع السيطرة عىل بعض املدن يف وسط‬
‫البالد‪ .‬يف ضوء هذه األحداث‪ ،‬أصبح التدخل العسكري أمرا ً رضورياً‪ ،‬سواء من املستوى اإلقليمي أو الدويل‪.‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫بنا ًء عىل هذه النتائج املأساوية‪ ،‬قررت فرنسا التدخل عسكريًا‪ ،‬من ثم فقد بدأت التدخل يف مايل بالعملية‬
‫(سريفال ‪ ،)Serval -‬بعد إصدار القرار ‪ 2085‬من األمم املتحدة بالتدخل يف مايل‪ ،‬حيث قامت قوات إيكواس‬
‫‪(2) Boncana Ibrahim, Assistance Spécial du Représentant du Président de la Commission Co-président sous Comite‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫”‪Réconciliation, justice et questions Humanitaires, CEDEAO, “Bamako, Entretien 19 avril 2016,‬‬


‫حوار غري منشور أجراه الكاتب‪.‬‬
‫‪(3) Marc-André Boisvert, “Forces armées maliennes, une lente reconstruction,” Afrique contemporaine 260, no. 4 (2016): 87–90.‬‬
‫”‪(4) Ibrahim, “Bamako, Entretien 19 avril 2016,‬‬
‫حوار أجراه الكاتب‬

‫‪44‬‬
‫بالتدخل الربي بالتعاون مع الجيش املايل تحت غطاء جوي كثيف من فرنسا‪ ،‬وكان هذا التدخل الفرنيس‬
‫مع الجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا يف مايل ضد التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬حيث قال رئيس الحكومة‬
‫الفرنسية إن التدخل يف مايل يهدف إىل تحقيق ثالثة أهداف‪ :‬إيقاف زحف املجموعات اإلرهابية نحو الجنوب‪،‬‬
‫والحفاظ عىل وجود الدولة املالية‪ ،‬واستعادة وحدة ترابها‪ ،‬والتحضري لنرش قوة التدخل اإلفريقية املرخص‬
‫لها بموجب قرار مجلس األمن‪ ،‬لكن هذه األهداف الرسمية محدودة جغرافيًّا بالرتاب املايل‪ ،‬ولكن األهداف‬
‫الحقيقية غري ذلك؛ ألن اإلرهاب ظاهرة عابرة للحدود‪ ،‬إذ إن الهدف االسرتاتيجي للتدخل يف مايل هو حماية‬
‫املصالح الفرنسية (األمنية واالقتصادية) يف الساحل وما وراءه‪.‬‬
‫وهناك أسئلة كثرية‪ ،‬وأبعاد أكثر يطرحها التدخل العسكري الفرنيس يف مايل‪ ،‬والذي يبدو أن باريس اتخذت‬
‫خصوصا مع زحف مقاتيل حركتي التوحيد والجهاد يف غرب إفريقيا املرتبطة‬ ‫ً‬ ‫قرارها بشأنه عىل عجل‪،‬‬
‫بتنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي‪ ،‬وحركة أنصار الدين جنوبًا نحو العاصمة باماكو‪ ،‬وما يحمله‬
‫ذلك من انعكاسات خطرية يف عدة اتجاهات‪ ،‬أبرزها املصالح الفرنسية والغربية يف مايل الدولة الغنية‬
‫بالنفط والثروات املعدنية‪ ،‬ويف دول جوار مايل التي بها أيضا املصالح الفرنسية مثل النيجر وموريتانيا‬
‫والجزائر وكوت ديفوار‪ .‬إن القتال يف مايل هو تأمني للنيجر‪ ،‬وتشاد‪ ،‬وبوركينا فاسو‪ ،‬وموريتانيا‪ .‬وقد‬
‫فهمت فرنسا لعبة الدومينو التي تلعبها الجماعات اإلرهابية يف مايل‪ ،‬إن سقطت مايل يف أيديها فستسقط‬
‫آجل‪ .‬وال ريب يف أن التخوف من استقرار الجماعات اإلرهابية يف الساحل لوقت طويل‬ ‫عاجل أو ً‬‫ً‬ ‫دول أخرى‬
‫هاجسا أمنيًّا لفرنسا‪ ،‬ورسعان ما حُ وِّلت عملية سريفال من مايل إىل‬
‫ً‬ ‫(مايل‪ ،‬النيجر‪ ،‬موريتانيا‪ )...‬يشكل‬
‫عملية برخان يف الساحل ‪-‬القوة الفرنسية مع القوات اإلقليمية ضد اإلرهاب يف دول الساحل‪ -‬ورأت فرنسا‬
‫أن جميع دول الساحل أصبحت تعاني بسبب اإلرهاب الذي بدأ ينترش من مايل إىل باقي دول إفريقيا‬
‫الساحلية‪ ،‬ومن ثم قررت جمهورية فرنسا تشكيل قوة عسكرية ملساعدة هذه الدول أطلق عليها اسم «قوات‬
‫برخان» (‪ )Force Barkhane‬وتكون قيادتها يف تشاد من أجل محاربة الجماعات اإلرهابية‪ ،‬والتخلص منها‬
‫باعتبارها بدأت تهدد أمن واستقرار اإلقليم‪ .‬فالقوة بدأت أعمالها امليدانية يف دولتي مايل وبوركينا فاسو‬
‫ويف دعم ومساعدة قوات دول الساحل الخمس (‪ )G5 Sahel‬ملحاربة الجماعات اإلرهابية‪ ،‬والجرائم عابرة‬
‫الحدود كتجارة السالح واملخدرات ومهربي البرش عرب الرشيط الساحيل(((‪ .‬وتعمل قوات برخان وتنشط‬
‫من أجل التصدي ملختلف أنواع الجرائم اإلرهابية‪ ،‬والتصدي لإلرهابيني‪ ،‬وتعطيل نشاطهم بغرض بسط‬
‫السالم يف إقليم الساحل‪ .‬وعملية برخان هي عملية جارية ملكافحة التمرد يف منطقة الساحل اإلفريقي‪ ،‬وقد‬

‫((( موقع‪ :‬أحوال تشاد‪ .‬رئيس الجمهورية يستقبل قائد قوات الربخان‪ ،‬تاريخ النرش ‪ 21‬يناير ‪ .2020‬تاريخ االسرتجاع ‪ 22‬يناير ‪2021‬م‪،‬‬
‫‪https://2u.pw/RSI0V.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪45‬‬
‫بدأت يف ‪ 1‬أغسطس ‪2014‬م‪ ،‬تتألف من ‪ 3000‬من القوات الفرنسية ستكون دائمة‪ ،‬ومقرها يف نجامينا‬
‫عاصمة تشاد‪ ،‬وقد صممت العملية مع خمسة بلدان من املستعمرات الفرنسية السابقة التي تمتد عىل طول‬
‫الساحل؛ بوركينا فاسو‪ ،‬تشاد‪ ،‬مايل(((‪ ،‬موريتانيا والنيجر‪ ،‬وهذه البلدان املشار إليها إجمال ً باسم «جي‬
‫‪ 5‬الساحل» (‪ ،)G5 Sahel‬وهو إطار مؤسيس لتنسيق ورصد التعاون اإلقليمي يف سياسات التنمية واألمن‪،‬‬
‫أنشئ يف قمة عقدت يف الفرتة من ‪ 15‬إىل ‪ 17‬فرباير ‪2014‬م(((‪ ،‬وتضم قوة «جي ‪ 5‬الساحل» قوات من (مايل‬
‫والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا)‪ ،‬وتتوىل مهمة حراسة املنطقة بالتعاون مع ‪ 4‬آالف جندي‬
‫فرنيس ينترشون هناك منذ تدخل فرنسا يف شمال مايل عام ‪2013‬م ملواجهة تمرد بشمال البالد‪ .‬وتواجه‬
‫القوة الجديدة عددًا من التحديات أبرزها التمويل‪ ،‬ويتعاون جي ‪ 5‬الساحل مع الجماعة االقتصادية لدول‬
‫غرب إفريقيا يف كثري من املجاالت التنموية ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬وخالل زيارة الباحث للمقر الرئيس لـ«جي‬
‫‪ ،»5‬ومن خالل املقابالت مع مسؤويل اللجان نجد أن املنظمة تتناسق مع إيكواس يف جميع الربامج التي‬
‫تخص الدول األعضاء الثالث يف إيكواس(((‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬يمكن القول أن التدخل العسكري يف مايل قد سجل بعض النجاحات األولية مثل االستيالء عىل املدن‬
‫املهمة‪ ،‬وتخليص الحكومة االنتقالية الضعيفة يف باماكو من براثن غزو املتمردين اإلسالميني‪ ،‬لكن األزمة‬
‫أخذت طابع النزاع اإلثني ‪-‬الحرب بني اإلثنيات‪ -‬يف إقليم موبتي بني الفوالنيني والدجون‪ ،‬ويف إقليم سيجو‬
‫وسيكاسو بني البمبارا والفوالني‪ ،‬أما يف تمبكتو وجاو ففي ناحية بني الطوارق والعرب‪ ،‬ويف ناحية أخرى‬
‫بني الطوارق والصنغي‪ .‬إذن لم يتضح بعد ما إذا كانت «األزمة يف مايل» ستنتهي قريبًا‪ ،‬أو تمتد لفرتة‬
‫طويلة جدًّا‪ .‬ويمكن للقوات الفرنسية ‪-‬وبخاصة القوات الجوية‪ -‬تحقيق النجاح يف العملية التي بدأتها يف‬
‫مايل‪ ،‬ففرنسا حرصت مشاركة وحداتها الربية بعدد قليل؛ ألن الرتكيز عىل القوة الجوية يحد من خسائرها‪،‬‬
‫ويكثف من خسائر الجماعات املسلحة عىل األرض‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬إصالح قوات األمن بعد التدخل العسكري‬

‫متابعات افريقية‬
‫بعد التدخل العسكري يف مايل‪ ،‬وصلت البالد إىل نسبة من االستقرار األمني‪ ،‬من حيث استعادة املناطق‬
‫التي كانت تحت سيطرة الجماعات اإلرهابية إىل سلطة الدولة‪ .‬ومن ثم وضعت الدولة املبادرات ملكافحة‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(6) BBC News, “France Sets up Anti-Islamist Force in Africa’s Sahel,” July 14, 2014, https://2u.pw/G9B8i.‬‬
‫‪(7) G5 Sahel, “Communiqué final du sommet de Nouakchott pour le suivi de la feuille de route du sommet de Pau,” June 30,‬‬
‫‪2020, https://2u.pw/Xt0vJ.‬‬
‫‪(8) Interview with M. Kouldjim Guidio, Expert Résilience et Développement Humain, S.P. du G5 Sahel, Nouakchott, July 26, 2018‬‬
‫حوار مبارش غري منشور أجراه الكاتب‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫اإلرهاب؛ أولها‪ ،‬اسرتاتيجية شاملة إلصالح وإعادة بناء الجيش وقوات األمن‪ .‬لكن السؤال هو ما إذا كانت‬
‫الحكومة املالية قادرة عىل بناء جيش قوي وجهاز أمني قادر عىل مواجهة العمليات اإلرهابية املنترشة يف‬
‫جميع أنحاء البالد‪.‬‬
‫وملعالجة املشاكل واألسباب التي أدت بالدولة إىل االنهيار يف ‪2012‬م‪ِ ،‬زيدت ميزانية القوات املسلحة‪ ،‬إضافة‬
‫إىل تكثيف التدريبات العسكرية والتكتيكية‪ ،‬وإدارة املوارد البرشية(((‪ .‬وكجزء من بناء قدرات قوات الدفاع‬
‫واألمن‪ ،‬ال تزال املؤسسة تجند عنارص جديدة يف مختلف الهيئات العسكرية والرشطية‪ ،‬وتنظم التدريبات‬
‫العسكرية(‪ .((1‬من خالل هذه الدورات التدريبية‪ ،‬يتعلمون كيفية التعامل مع التهديدات اإلرهابية التي‬
‫تُحدَّث بصفة مستمرة(‪ .((1‬عىل الرغم من الجهود الكبرية التي تبذلها القوات الدولية‪ ،‬إال أنه تُسجَّ ل هجمات‬
‫بانتظام يف شمال ووسط مايل‪ ،‬وتجد قوات الدفاع واألمن املالية صعوبة يف مكافحة العمليات اإلرهابية حتى‬
‫يومنا هذا‪ .‬يف نهاية هذه العملية‪ ،‬حُ دِّد الهدف املطلوب تحقيقه بحلول عام ‪2025‬م‪ ،‬أي يف نهاية عملية‬
‫اإلصالح التي تستمر من ‪ 12‬إىل ‪ 15‬عامً ا‪ ،‬والتي تتطلب ثالثة قوانني لربمجة الجيش‪ :‬أن يكون الجيش‬
‫قاد ًرا عىل الدفاع عن سالمة األرض‪ ،‬قاد ًرا عىل الدفاع عن السيادة الوطنية‪ ،‬قاد ًرا عىل املشاركة يف حماية‬
‫األشخاص واملمتلكات إىل جانب قوى األمن الداخيل‪.‬‬
‫طا أمنية أخرى؛ فمنذ أزمة عام ‪2012‬م‪ ،‬أصبحت بعض املناطق‬ ‫وضعت وزارة األمن والحماية املدنية خط ً‬
‫هدفا لإلرهابيني‪ ،‬بناء عىل ذلك‪ ،‬اضطرت الحكومة وضع الخطة األمنية املتكاملة للمناطق يف‬ ‫يف وسط البالد ً‬
‫وسط البالد‪ ،‬وقد شارك يف تنفيذ هذه الخطة عدد كبري من الرشكاء الدوليني يف مجال األمن‪ ،‬من أجل منع‬
‫أي هجوم إرهابي أو أي هجوم مسلح‪.‬‬
‫يف أوائل عام ‪2018‬م‪ ،‬أطلقت السلطات املالية «خطة أمنية متكاملة» للمناطق الوسطى‪ ،‬تنص عىل تعزيز‬
‫‪ 4000‬جندي وموارد إضافية‪ ،‬والواقع أن هذه الخطة األمنية املتكاملة لم تعد اسرتاتيجية مناسبة ملكافحة‬
‫اإلرهاب رغم هدفها األسايس وهو محاربة اإلرهاب بأسلوب فعال؛ لذا‪ ،‬ترى املنظمات الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫أن العمليات التي قام بها الجيش املايل من خالل الخطة «خطة أمنية متكاملة»‪ ،‬أدت إىل انتهاكات ودوامة‬
‫من العنف وتهميش مجتمعات معينة‪ ،‬مما شكل عائقا ً أمام عودة الدولة يف مناطق معينة‪ ،‬يف طريقها‬
‫لتصبح القواعد الخلفية ملناورات زعزعة االستقرار التي لوحظت يف بعض املناطق‪.‬‬

‫”‪(9) Boisvert, “Forces armées maliennes.‬‬


‫‪(10) Humanitarian News, “Mali: la situation sécuritaire se détériore à un rythme alarmant sur fond de lents progrès dans le‬‬
‫‪processus politique,” 17 January, 2020, https://2u.pw/iBl84.‬‬
‫‪(11) UN Peacekeeping, “Gao: Les forces de défense et de sécurité malienne formées à la prévention et à la lutte contre le‬‬
‫‪terrorisme,” August 5, 2018, https://2u.pw/oZhMp.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪47‬‬
‫ويف هذه الحرب غري املتكافئة التي أظهر فيها حدودهم جنود قوة برخان الفرنسية وعنارص بعثة األمم املتحدة يف‬
‫مايل (مينوسما ‪ )MUNISMA -‬والجيش املايل؛ من حيث استخدام جميع الوسائل املمكنة للقضاء عىل اإلرهاب يف‬
‫وسط البالد‪ .‬لكن األمر األكثر خطورة هو إحباط جزء كبري من السكان‪ ،‬الذي لم يزل يتمسك بالقيم الوطنية(‪.((1‬‬
‫لم تتوقف السلطة املالية عند مستوى املشاريع والخطط األمنية فقط‪ ،‬لكنها تجاوزت ذلك‪ ،‬وأخذت تسن‬
‫ترسانة قانونية ومؤسسية‪ .‬لذلك‪ ،‬ستساعد هذه اآلليات يف تعزيز قدرة االستجابة األمنية‪.‬‬
‫اإلدارة القانونية لإلرهاب يف مايل‪ :‬اعتمدت مايل يف مكافحتها لإلرهاب‪ ،‬العديد من القوانني بما يف ذلك قانون‬
‫‪2008‬م بشأن قمع اإلرهاب‪ ،‬وقانون إنشاء محكمة متخصصة للحكم عىل الجرائم اإلرهابية‪ ،‬وقانون آخر‬
‫اعتمد يف عام ‪2016‬م‪ ،‬ضد غسيل األموال وتمويل اإلرهاب(‪ .((1‬تمتلك مايل اآلن ترسانة قانونية ملواجهة‬
‫الجرائم اإلرهابية‪ .‬كان هذا أول قانون اعتمد يف مايل لقمع اإلرهاب‪ .‬أما االتفاقيات والربوتوكوالت املربمة‬
‫تحت رعاية األمم املتحدة ومنظمة الوحدة اإلفريقية (االتحاد اإلفريقي) والجماعة االقتصادية لدول غرب‬
‫إفريقيا‪ ،‬ومنظمة املؤتمر اإلسالمي واملنظمة الدولية للدفاع املدني‪ ،‬فقد انضمت مايل وصدقت تقريبًا عىل‬
‫جميع الصكوك القانونية الدولية يف مكافحة اإلرهاب وتمويل اإلرهاب‪ .‬ولذلك‪ ،‬من الرضوري اعتماد ترشيع‬
‫جنائي للجريمة اإلرهابية وإدماجها يف القانون الجنائي الوطني وكذلك اتخاذ بعض الصكوك القانونية‬
‫واملؤسسية لتعزيز العمليات العسكرية واألمنية​​يف مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫اإلدارة املؤسسية لإلرهاب‪ :‬تبنت الحكومة املالية مرشوعني قانونني يتعلقان بالتصديق عىل اتفاقيتني بشأن‬
‫مكافحة اإلرهاب والجريمة العابرة للحدود يف عام ‪2001‬م‪ .‬ثم يف عام ‪2008‬م‪ ،‬اعتمد قانون قمع اإلرهاب‪.‬‬
‫واستكملت هذه الرتسانة القانونية بالقانون رقم (‪ )016-2013‬يف ‪ 21‬مايو ‪2013‬م‪ ،‬الذي ينص عىل‬
‫إنشاء مركز قضائي متخصص‪.‬‬
‫من ثم‪ ،‬وُضعت االسرتاتيجية الوطنية التي تهدف إىل مكافحة غسيل األموال وتمويل اإلرهاب من خالل‬
‫تحديد سبل ووسائل مكافحة هذه اآلفات‪ .‬ولتنفيذ االسرتاتيجية‪ُ ،‬شكلت لجنة توجيهية برئاسة رئيس‬

‫متابعات افريقية‬
‫اللجنة الوزارية ملكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وسائر أعضاء املجتمع املدني(‪ .((1‬تعد االسرتاتيجية‬
‫‪(12) Morin, “Lutte Contre Le Terrorisme Au Mali: Attention à La Stigmatisation!” WakatSéra, June 24, 2018, https://2u.pw/9tsCH.‬‬
‫‪(13) Association Malienne des Droits de l’Homme (AMDH), Association pour le Progrès et la Défense des Droits des Femmes‬‬
‫‪(APDF), Femmes & Droits Humains (F&DH), Women in Law and Development in Africa (WILDAF), Association des Juristes‬‬
‫‪Maliennes (AJM), le Collectif Cri de Coeur, appuyés par la Fédération Internationale des ligues des Droits de l’Homme‬‬
‫‪(FIDH), “Contribution au Rapport national du Gouvernement de La République du Mali, 29ème session du 3ème cycle de‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪l’Examen Périodique Universel du Conseil des Droits de l’homme des Nations Unies,”June 29, 2017, https://2u.pw/8VLsr/.‬‬
‫تاريخ االسرتجاع‪ 27 ،‬يناير ‪.2021‬‬
‫‪(14) Mali, stratégie nationale de lutte contre le blanchiment de capitaux et le financement du terrorisme et son plan d’action‬‬
‫‪(2013–2015), 19–25.‬‬
‫نسخة ورقية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الوطنية ملكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب أداة من أدوات املؤسسات الوطنية العاملة عىل مكافحة غسل‬
‫األموال وتمويل اإلرهاب‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫عىل الرغم من كل هذه اإلجراءات التي نفذتها القوات املسلحة املالية وبعثة األمم املتحدة لحفظ السالم (مينوسما‬
‫‪ )MUNISMA -‬وقوة برخان يف مايل‪ ،‬تستمر األعمال اإلرهابية يف استهداف القوات العسكرية واألمنية والسكان‪،‬‬
‫ال سيما من خالل الهجمات بالسيارات املفخخة‪ ،‬وكذلك األلغام األرضية التي تقتل الكثري من الناس يف كل مرة‪.‬‬
‫فيمكن القول‪ ،‬أن استمرارية هذه الهجمات تبني عدم فاعلية خطط واسرتاتيجيات مكافحة اإلرهاب يف مايل‪.‬‬
‫كما تواصل قوات برخان دعم دول الساحل الخمس (‪ )G5 Sahel‬من أجل تعزيز تنسيقها يف مكافحة‬
‫اإلرهاب يف منطقة الساحل‪ .‬وال تزال بعثة األمم املتحدة املتكاملة املتعددة األبعاد لتحقيق االستقرار يف مايل‬
‫من أجل حفظ السالم‪ .‬بعد فرتة واليتها األوىل التي دامت ‪ 5‬سنوات‪ ،‬مددت الوالية مرات أخرى‪ ،‬وظل الشعب‬
‫املايل يتساءل متى يعود السالم واألمن إىل ربوع البالد‪.‬‬
‫ال يمكن أن تكون مكافحة اإلرهاب فعالة ما لم يكن هناك جيش قوي ومنظم بصفة جيدة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل رشطة وطنية قوية بتدريب وتجهيز كامل‪ .‬بدأت مايل عملية إصالح قطاع األمن بهدف سد الثغرات‬
‫والتصدي بفاعلية للتحديات األمنية الجديدة‪ ،‬كما اتخذت الحكومة خطوات لتقوية نظام املخابرات‪ ،‬الذي‬
‫يفرتض أن يكون قاد ًرا عىل منع أي تهديد يف جميع أنحاء البالد‪.‬‬
‫لكي تكون جزءًا من حرب فعالة ضد اإلرهاب‪ ،‬من الرضوري زيادة قوات الدفاع واألمن بالوسائل املناسبة‬
‫من حيث اللوجستيات والتدريبات الحديثة‪ ،‬وإدخال مفهوم «اإلرهاب» يف برنامج التكوين األسايس للرشطة‬
‫والدرك والحرس الوطني‪ .‬من ثم سيؤدي إنشاء الرشطة املجتمعية إىل تقليل التهديدات يف املناطق التي تبعد‬
‫فيها نقاط التفتيش مئات الكيلومرتات‪.‬‬
‫عىل الرغم من كل هذه الجهود‪ ،‬ال تزال الهجمات اإلرهابية مستمرة ليس يف الشمال فقط‪ ،‬ولكن ً‬
‫أيضا يف‬
‫وسط البالد وحتى يف العاصمة‪ .‬يمكن القول إن دولة مايل فشلت يف استعادة سلطتها عىل األقاليم بأكملها‪،‬‬
‫حتى بعد قيادة الجيش انقالبا مرة أخرى يف ‪ 18‬أغسطس ‪2020‬م إلطاحة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا‪،‬‬
‫إلدانته بفشل إدارة شؤون الدولة‪ ،‬فيما أن مشكلة مايل الرئيسة ذات أبعاد أمنية‪ .‬واتخذت اللجنة العسكرية‬
‫إجراءات جديدة‪ ،‬تطمح من خاللها إىل كسب ثقة جميع األطراف‪ ،‬بدءا ً بإجبار الرئيس عىل تقديم استقالته‪،‬‬
‫قصد تمهيد الطريق ملرحلة انتقالية‪ .‬ولكن حتى يومنا هذا لم تتغري األوضاع األمنية يف مايل‪ ،‬والعمليات‬
‫اإلرهابية مستمرة يف وسط وشمال البالد‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪49‬‬
‫مستقبل نشاط حركة الشباب الصومالية في كينيا‬

‫د‪ .‬حمدي بشير ‪ -‬باحث متخصص في قضايا األمن واإلرهاب ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫ال تزال حركة الشباب الصومالية تشكل تهديدا ً داخل كينيا‪ ،‬ففي ‪ 13‬يناير ‪2021‬م‪ ،‬رصح عيل روبا‬
‫محافظ مدينة مانديرا شمال رشقي كينيا أن حركة الشباب اإلرهابية استولت عىل نصف املدينة(((‪.‬‬
‫وتشري تقارير دولية إىل أن الحركة تكثف من هجماتها يف املقاطعات الشمالية‪ ،‬فخالل الفرتة‬
‫من ديسمرب ‪ 2019‬حتى يوليو ‪2020‬م شنت الحركة ‪ 67‬هجوما ً يف املنطقة الحدودية بني كينيا‬
‫والصومال‪ .‬ويف ‪ 5‬يناير ‪2020‬م‪ ،‬شنت عنارص الحركة هجوما ً عىل معسكر سيمبا التابع للواليات‬
‫املتحدة األمريكية يف خليج ماندا‪ ،‬وقتلت ثالثة أمريكيني ودمرت طائرات ومركبات أمريكية(((‪.‬‬
‫وما من شك يف أن التطورات الدولية تلقي بظالل كثيفة عىل نشاط حركة الشباب الصومالية يف‬
‫كينيا‪ ،‬ال سيما بعد إعالن إدارة ترامب السابقة سحب القوات األمريكية من الصومال‪ ،‬إضافة إىل‬
‫التطورات اإلقليمية وخاصة التطورات يف منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬ال سيما الحرب اإلثيوبية مع‬
‫جبهة التيجراي‪ ،‬ومخاطر تمددها واتساعها‪ ،‬والتطورات عىل صعيد العالقات الكينية الصومالية‬
‫التي اتجهت للتوتر من جديد بسبب الخالف عىل ترسيم الحدود البحرية بني البلدين‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬تثري هذه الورقة العديد من التساؤالت حول التهديد الذي تشكله حركة الشباب‬
‫يف كينيا‪ ،‬وأهداف الحركة من توسيع عملياتها‪ ،‬واسرتاتيجية الحركة للتمدد‪ ،‬والفرص والتحديات‬
‫املاثلة أمامها لتوسيع نشاطها‪ ،‬والسيناريوهات املحتملة ملستقبل نشاطها داخل األرايض الكينية‪.‬‬
‫وسوف تحاول الورقة اإلجابة عىل هذه التساؤالت من خالل دراسة وتحليل املؤرشات واملعطيات‬

‫متابعات افريقية‬
‫الراهنة ودراسة تأثريها عىل نشاط الحركة والتنبؤ بمستقبل نشاطها داخل األرايض الكينية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الوجود التنظيمي لحركة الشباب داخل األراضي الكينية‬ ‫ً‬


‫أدرجت وزارة الخارجية األمريكية‪ ،‬يف نوفمرب ‪2020‬م‪ ،‬اثنني من قادة حركة الشباب؛ عبد الله عثمان محمد ومعلم‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(1) The Standard, “Heed Governor Roba’s Cry on Insecurity in Mandera,” January 13, 2021, https://www.standardmedia.co.ke/‬‬
‫‪editorial/article/2001399910/heed-governor-robas-cry-on-insecurity-in-mandera.‬‬
‫((( مجلس األمن‪ :‬رسالة مؤرخة ‪ 28‬سبتمرب ‪2020‬م موجهة إىل رئيس مجلس األمن من رئيس لجنة مجلس األمن العاملة بموجب القرار رقم ‪)1992( 751‬‬
‫بشأن الصومال‪ ،2020/9/28 ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪50‬‬
‫أيمن‪ ،‬عىل الئحة اإلرهاب األمريكية(((‪ ،‬ما يشري إىل أن الحركة ال تزال تشكل تهديدا ً داخل كينيا‪ .‬وتشري املعلومات‬
‫إىل أن عبد الله عثمان محمد هو أحد كبار قادة حركة الشباب ويعرف أيضا بكنية «املهندس إسماعيل»‪ ،‬وهو‬
‫كبري خرباء املتفجرات يف صفوف الحركة ويتوىل اإلدارة العامة لعمليات التفجري وصناعة املتفجرات التي تقوم‬
‫بها‪ .‬وهو أيضا ً املستشار الخاص ملن يسمى بـ«أمري» حركة الشباب ويتوىل قيادة جناحها اإلعالمي «الكتائب»‪.‬‬
‫أما معلم أيمن فهو قائد جيش أيمن‪ ،‬الذي هو وحدة تابعة للشباب تنفذ هجمات وعمليات إرهابية يف كينيا‬
‫والصومال‪ ،‬وهو املسؤول عن التحضري للهجوم الذي استهدف معسكر سيمبا يف خليج ماندا يف يناير ‪2020‬م(((‪.‬‬
‫أيضا باسم دوبو عبدالعزيز عيل)‪،‬‬ ‫والواقع أن تسمية «جيش أيمن» جاءت عىل اسم معلم أيمن (املعروف ً‬
‫وهو من أصل صومايل من مقاطعة مانديرا‪ .‬واملحتمل أنه قد عُ ِّي يف هذا املنصب عىل أمل أن يؤدي وجود‬
‫كيني مسؤوال ً عن جناح الحركة يف كينيا إىل تخفيف التوترات‪ ،‬ووفقا ً لبعض التقارير‪ ،‬يواصل «معلم أيمن»‬
‫تدريب مقاتيل الحركة عىل تنفيذ عمليات إرهابية داخل األرايض الكينية(((‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إىل أن «جيش أيمن» قد تشكل يف البداية من جماعة صغرية‪ ،‬ضمت العديد من الكينيني‪،‬‬
‫ويرجح أن أغلبهم من املقاطعات الشمالية واملناطق الساحلية يف كينيا‪ ،‬إضافة إىل مواطنني من رشق‬
‫إفريقيا‪ ،‬سافروا إىل الصومال يف وقت سابق لالنضمام إىل اتحاد املحاكم اإلسالمية يف مقديشو‪ ،‬حيث توجَّ ه‬
‫العديد منهم‪ ،‬بعد اإلطاحة باملحاكم اإلسالمية‪ ،‬نحو ما يعرف بـ«قطاع ماجيمو» التابع لحركة الشباب‬
‫يف جنوب الصومال؛ وهي منطقة عمليات مخصصة يف الغالب ملجاهدي رشق إفريقيا تحت قيادة «معلم‬
‫أيضا باسم «معلم كينيا»‪ .‬وكان لعدد من املجندين يف قطاع ماجيمو عالقات وثيقة مع‬ ‫خالد»‪ ،‬املعروف ً‬
‫أيضا باسم «تحالف الشباب املسلم»‪ ،‬الجماعة اإلرهابية التي نشأت من منطقة‬ ‫«حركة الهجرة» املعروفة ً‬
‫بومواني يف نريوبي‪ .‬ومن ثم تطور «جيش أيمن» ليصبح قوة قتالية وذراع عسكري لحركة الشباب لتنفيذ‬
‫الهجمات اإلرهابية عرب الحدود بني الصومال وكينيا(((‪.‬‬
‫وتشري بعض التقارير إىل أن «جيش أيمن» قد ضم لفرتة طويلة مقاتلني أجانب‪ ،‬وانترشوا يف حزام الكتا‬
‫املتاخم لغابة بوني يف المو يف منطقة الساحل الكيني لتنفيذ الهجمات اإلرهابية يف كينيا‪ .‬وقد كان الكينيون‬
‫يشكلون يف البداية غالبية جيش األيمن‪ ،‬لكن يف السنوات األخرية‪ ،‬نمت املجموعة لتشمل املتحولني من‬
‫‪(3) Federal Register, “Designation of Maalim Ayman as a Specially Designated Global Terrorist … Designation of Abdullahi‬‬
‫‪Osman Mohamed as a Specially Designated Global Terrorist,” Vol. 85, No. 227, November 24, 2020, https://www.govinfo.‬‬
‫‪gov/content/pkg/FR-2020-11-24/pdf/2020-25861.pdf.‬‬
‫‪(4) Nyambega Gisesa, “The Shadowy World of Maalim Ayman, The Leader of Jaysh Ayman Terror Unit,” Nation, November 27,‬‬
‫‪2020, https://nation.africa/kenya/news/the-shadowy-world-of-maalim-ayman-the-leader-of-jaysh-ayman-terror-unit-3211594.‬‬
‫‪(5) Sunguta West, “Jaysh al-Ayman: A ‘Local’ Threat in Kenya,” Terrorism Monitor 16, no. 8 (April 23, 2018), https://jamestown.‬‬
‫‪org/program/jaysh-al-ayman-a-local-threat-in-kenya/.‬‬
‫‪(6) Nyambega Gisesa, “Inside Jaysh Ayman: Al-Shabaab’s Terror Wing in Kenya,” Nation, November 27, 2020, https://nation.‬‬
‫‪africa/kenya/news/inside-jaysh-ayman-al-shabaab-s-terror-wing-in-kenya-3211526.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪51‬‬
‫املسلمني من بعض املجتمعات غري املسلمة يف كينيا‪ .‬وعىل الرغم من أن عمليات «جيش أيمن» قد بدأت يف‬
‫الصومال‪ ،‬فال يزال هذا الفصيل يروج لنفسه عىل أنه حركة كينية أسست قواعد لها يف غابة بوني‪ ،‬وهي‬
‫مساحة من الغابات يف مقاطعة المو الساحلية يف كينيا‪ ،‬والتي تمتد إىل الحدود مع الصومال(((‪.‬‬
‫وقد أشارت تقارير عدة إىل دور الشخصيات البارزة يف جيش أيمن‪ ،‬ال سيما القيادي السابق بشري محمد‬
‫فرغاب‪ ،‬والذي قتلته القوات األمريكية يف فرباير ‪2020‬م‪ ،‬حيث كان املسؤول عن عمليات حركة الشباب‬
‫داخل كينيا‪ ،‬وقد توىل ما ال يقل عن ثالث وحدات عسكرية من الوحدات العسكرية التابعة للحركة يف كينيا‪،‬‬
‫بما فيها وحدة جيش أيمن‪ ،‬وعمل يف مجلس شورى حركة الشباب يف السنوات التأسيسية للحركة(((‪.‬‬
‫وأشارت تقارير أخرى إىل دور القيادي «رمضان كوفونغوا»‪ ،‬حيث ينحدر معظم مقاتيل جيش أيمن من‬
‫قرية بونغوي يف مسمبويني يف مقاطعة كوايل‪ ،‬مسقط رأس كوفونغوا‪ ،‬وتعتقد مصادر أمنية أن كوفونغوا‬
‫سافر إىل الصومال يف عام ‪2011‬م بعد أن خضع لدراسات دينية يف مدرسة اجتهاد ومدرسة التوحيد‬
‫اإلسالمية يف ماجانياكولو يف مقاطعة كوايل‪ .‬وهو يقود اآلن خلية تجنيد تمتد بني كينيا وتنزانيا‪ .‬وقد جند‬
‫مئات الرجال من قريته وست قرى مجاورة يف مسمبويني وأقنعهم باالنضمام إىل جيش أيمن(((‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهداف حركة الشباب من التمدد داخل األراضي الكينية‬ ‫ً‬


‫تهدف حركة الشباب الصومالية من توسيع نشاطها داخل األرايض الكينية إىل تحقيق عدد من األهداف‬
‫الرئيسة‪ ،‬والتي يمكن إيجازها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -١‬التمدد اإلقليمي والسيطرة عىل املقاطعات الشمالية من كينيا‪ ،‬وقد أشارت تقارير أمنية كينية إىل نشاط‬
‫دائم لحركة الشباب عرب الحدود مع كينيا‪ ،‬وقد اعرتف محافظ مدينة مانديرا‪ ،‬عيل روبا‪ ،‬كما سبقت اإلشارة‪،‬‬
‫بوجود الحركة وسيطرة عنارصها عىل نصف املدينة‪ ،‬وأنه طلب من الحكومة املركزية إرسال مساعدات‬
‫وتعزيزات إىل املحافظة‪ ،‬حيث يتعاظم وجود الحركة يف املنطقة يوما ًبعد يوم‪ ،‬وأن عنارصها يقطعون الطرقات‬

‫متابعات افريقية‬
‫وينهبون أموال املارة‪ .‬وقد عملت الحركة عىل تعزيز وجودها وحضورها يف املنطقة من خالل توسيع هجماتها‬
‫شخصا يف حوايل ‪ 14‬اشتبا ًكا‬‫ً‬ ‫التي كثفتها بني ديسمرب ‪2019‬م وأبريل ‪2020‬م‪ ،‬وقتلت ما ال يقل عن ‪38‬‬
‫وحادثًا يف مقاطعات غاريسا والمو ومانديرا وواجري(‪ .((1‬وتحتفظ الحركة بقدرتها عىل شن هجمات عىل طول‬
‫الحدود بني كينيا والصومال والتي تمتد ملسافة ‪ 700‬كيلو مرت من مانديرا يف الشمال إىل المو يف الجنوب(‪.((1‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫”‪(7) West, “Jaysh al-Ayman.‬‬


‫((( مجلس األمن‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫”‪(9) Gisesa, “The Shadowy World of Maalim Ayman.‬‬
‫”‪(10) Gisesa, “Inside Jaysh Ayman.‬‬
‫(‪ ((1‬مجلس األمن‪ ،‬ص‪.20 ،19 .‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -٢‬استهداف القوات الكينية‪ ،‬حيث تعمل الحركة عىل استهداف قوات األمن الكينية يف مختلف املدن‬
‫الكينية بما يف ذلك نريوبي‪ ،‬وذلك من أجل الضغط عىل الحكومة الكينية وإجبارها عىل سحب قواتها من‬
‫الصومال‪ ،‬حيث ال تزال كينيا تشارك بقوات يف بعثة االتحاد اإلفريقي لحفظ السالم يف الصومال‪ ،‬وتؤكد‬
‫عزمها عىل عدم سحب قواتها حتى يتحقق االستقرار يف الصومال‪.‬‬
‫حث زعيم حركة الشباب أحمد عمر‪ ،‬يف نوفمرب ‪2019‬م‪ ،‬أعضاء‬ ‫‪ -٣‬استهداف القوات األمريكية‪ ،‬حيث َّ‬
‫التنظيم عىل شن هجمات مكثفة ضد األهداف األمريكية ردا ً عىل هجمات الواليات املتحدة بالطائرات‬
‫املسرية عن بعد يف الصومال‪ .‬وقد عملت إدارة الرئيس األمريكي السابق‪ ،‬دونالد ترامب‪ ،‬عىل توجيه‬
‫رضبات عسكرية مركزة ملواقع الحركة يف الصومال‪ ،‬وقتلت العديد من قيادتها وكبدتها خسائر كبرية‪،‬‬
‫ولعل أبرزها تصفية القيادي السابق بشري محمد فرغاب‪ ،‬الذي اعتربته الحكومة األمريكية العقل املدبر‬
‫للهجوم الذي وقع عىل خليج ماندا يف ‪ 5‬يناير من العام املايض(‪.((1‬‬
‫‪ -٤‬تجنيد املقاتلني وتشكيل الخاليا اإلرهابية‪ ،‬حيث تهدف الحركة من توسيع نشاطها يف كينيا إىل تجنيد‬
‫املقاتلني الجدد‪ ،‬ال سيما من سكان املقاطعات الشمالية‪ .‬وتعمل عىل تشكيل خاليا لجمع املعلومات وتنفيذ‬
‫العمليات اإلرهابية‪ ،‬وقد أعلنت أجهزة األمن الكينية عن تفكيكها العديد من الخاليا التابعة للحركة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬استراتيجية حركة الشباب للتمدد داخل األراضي الكينية‬ ‫ً‬


‫تعمل حركة الشباب الصومالية عىل تنفيذ أهدافها يف كينيا عرب جناحها العسكري؛ جيش أيمن والخاليا‬
‫الرسية األخرى‪ ،‬بمختلف اآلليات والوسائل‪ ،‬وذلك عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -١‬تكثيف الهجمات عىل املواقع العسكرية‪ ،‬فقد انتقلت الحركة من تنفيذ العمليات االنتحارية إىل‬
‫تنفيذ عمليات نوعية تستهدف قوات األمن واملواقع العسكرية‪ ،‬وهو ما يشري إىل تنامي القدرات القتالية‬
‫لجيش أيمن يف كينيا‪ ،‬ومثال ذلك الهجوم الذي شنه جيش أيمن عىل «معسكر سيمبا» يف ‪ 5‬يناير‬
‫‪2020‬م‪ ،‬مستخدما ً قذائف صاروخية وأسلحة صغرية(‪ .((1‬وقد عكس هذا الهجوم اسرتاتيجية الحركة‬
‫أهدافا عسكرية أفضل دفاعً ا‪ .‬ويف نفس اليوم الذي وقع فيه الهجوم‬ ‫ً‬ ‫املتمثلة يف توسيع أهدافها لتشمل‬
‫عىل معسكر سيمبا‪ ،‬ألقت الرشطة الكينية القبض عىل ثالثة أشخاص حاولوا الدخول إىل وحدة تدريب‬
‫الجيش الربيطاني يف نانيوكي‪ ،‬وسط كينيا‪ .‬كما ألقت الرشطة الكينية القبض عىل رجل يشتبه يف قيامه‬
‫باستطالعات معادية يف قاعدة موي الجوية يف إيستيل‪ ،‬نريوبي(‪.((1‬‬
‫(‪ ((1‬مجلس األمن‪ ،‬ص‪.20 ،19 .‬‬
‫‪(13) William Farmer, “Al-Shabaab Attacks Kenya,” IHS Markit, January, 16 2020, https://ihsmarkit.com/research-analysis/‬‬
‫‪alshabaab-attacks-kenya.html.‬‬
‫”‪(14) Farmer, “Al-Shabaab Attacks Kenya.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪53‬‬
‫‪ -2‬إيقاظ فكرة القومية الصومالية يف املقاطعات الشمالية‪ ،‬تتطلع الحركة إىل ترسيخ نفسها يف شمال رشق‬
‫كينيا‪ ،‬ودمج املنطقة تحت حكمها‪ ،‬وليس استخدامها كقاعدة خلفية فقط(‪ .((1‬ولذلك تتبنى الحركة خطابا ً‬
‫يثري فكرة القومية الصومالية‪ ،‬وغالبا ً ما توظف خطابا ً استقطابيا ً الستمالة السكان يف مواجهة السلطات‬
‫الكينية(‪ .((1‬وتعد املنطقة واحد ًة من أفقر املناطق الكينية‪ ،‬حيث يستطيع حوايل ‪ 1‬يف املائة من األرس يف الشمال‬
‫الرشقي الوصول املبارش إىل مياه الرشب‪ ،‬مقابل ‪ 33‬يف املائة يف نريوبي‪ .‬ويسجل جميع األطفال املؤهلني تقريبا ً‬
‫يف وسط كينيا يف املدارس االبتدائية‪ ،‬لكن هذه النسبة تنخفض إىل ‪ 18‬يف املائة يف الشمال الرشقي‪ .‬ويسجل‬
‫شمال رشق كينيا ً‬
‫أيضا أسوأ بطالة يف البالد ‪ ،‬فهناك حوايل ‪ 35‬يف املائة من السكان عاطلون عن العمل(‪.((1‬‬
‫‪ -3‬عزل السكان يف املقاطعات الشمالية‪ ،‬وذلك من خالل استهداف املعلمني والعاملني يف القطاع الصحي‪،‬‬
‫ً‬
‫أغراضا‬ ‫وهم من تعتربهم من غري السكان املحليني‪ ،‬حيث تخدم الهجمات عىل املعلمني واملراكز الصحية‬
‫متعددة‪ ،‬ال سيما طرد غري املحليني الذين يعملون يف املنطقة‪ ،‬وتعميق املظالم بشأن نقص الخدمات(‪.((1‬‬
‫ولذلك قامت حركة الشباب بحملة قتل ضد املعلمني‪ ،‬مما أدى إىل حرمان أطفال الشمال الرشقي من فرصة‬
‫الحصول عىل التعليم‪ .‬وردا ً عىل ذلك‪ ،‬قامت السلطات الكينية بإجالء جميع املعلمني غري األصليني من الشمال‬
‫الرشقي‪ .‬وأدت هذه اإلجراءات إىل توقف النظام املدريس لصالح حركة الشباب من خالل زيادة إبعاد السكان‬
‫الساخطني‪ .‬والواقع‪ ،‬أن أزمة التعليم تعزز من الشعور القائم بالتهميش يف شمال رشق كينيا‪ .‬ويمكن أن‬
‫يشكل اآلالف من الشباب غري امللتحقني باملدارس مجموعة جذابة من املجندين لحركة الشباب(‪ ،((1‬ال سيما‬
‫بعد أن اتجهت السلطات الكينية إىل إغالق جميع املدارس املتبقية‪ .‬ويف ‪ 7‬يوليو ‪2020‬م‪ ،‬أعلنت السلطات‬
‫أنه سيُلغى بقية العام الدرايس‪ ،‬وتؤجل االمتحانات الوطنية حتى عام ‪2021‬م(‪.((2‬‬

‫رابعا‪ :‬فرص وتحديات التمدد لحركة الشباب الصومالية داخل األراضي الكينية‬ ‫ً‬
‫تعمل اسرتاتيجية حركة الشباب عىل استغالل نقاط الضعف يف جهود مكافحة اإلرهاب واستثمارها لتحقيق‬
‫أهدافها‪ ،‬ومن ثم فهناك بعض الفرص والثغرات التي يمكن أن تستغلها حركة الشباب لتوسيع نفوذها يف كينيا‪.‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬ال تزال الحركة تواجه بعض التحديات لتوسيع نشاطها‪ ،‬وما من شك يف أن هذه الفرص وتلك‬
‫التحديات سوف تؤثر يف نشاطها يف املستقبل‪ ،‬ويمكن اإلشارة إىل هذه الفرص وتلك التحديات عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪(15) Mohammed Yusuf, “Civilians in Kenya’s Northeast Targeted by both Jihadists and the State,” The New Humanitarian, June‬‬
‫‪16, 2020, https://www.thenewhumanitarian.org/news/2020/06/16/Kenya-Somalia-al-Shabab-conflict-human-rights.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫(‪ ((1‬مجلس األمن‪ ،‬ص‪.20 ،19 .‬‬


‫‪(17) International Crisis Group, “How to Shield Education from Al-Shabaab in Kenya’s North East,” Briefing 159, July 22, 2020,‬‬
‫‪https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/kenya/b159-how-shield-education-al-shabaab-kenyas-north-east.‬‬
‫”‪(18) Yusuf, “Civilians in Kenya’s Northeast Targeted by both Jihadists and the State.‬‬
‫”‪(19) International Crisis Group, “How to Shield Education from Al-Shabaab in Kenya’s North East.‬‬
‫”‪(20) International Crisis Group, “How to Shield Education from Al-Shabaab in Kenya’s North East.‬‬

‫‪54‬‬
‫• فرص التمدد‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫ً‬
‫ووفقا ألندرو‬ ‫أ‪ -‬الفساد الذي يخرتق املؤسسات األمنية والذي يسمح للحركة بالتسلل داخل األرايض الكينية‪،‬‬
‫فرانكلني‪ ،‬مستشار أمني سابق يف مشاة البحرية األمريكية‪ ،‬فإن الوجود األمني يف الشمال الرشقي ضعيف‬
‫التجهيز ويتقاىض الضباط رواتب منخفضة‪ ،‬وتستغل حركة الشباب هذه األوضاع يف توسيع نشاطها(‪.((2‬‬
‫ب‪-‬حالة عدم االستقرار يف منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬ال سيما الحرب اإلثيوبية مع جبهة التيجراي‪ ،‬ومخاطر‬
‫تمددها واتساعها‪ ،‬وتوتر العالقات الكينية الصومالية بسبب الخالف عىل ترسيم الحدود البحرية بني‬
‫البلدين‪ ،‬والتوترات املتنامية عىل الحدود السودانية – اإلثيوبية‪ ،‬وهو ما قد يدفع حركة الشباب الستغالل‬
‫هذا املناخ املضطرب يف تكثيف هجماتها اإلرهابية يف الصومال وكينيا‪.‬‬
‫ج‪ -‬انخراط األجهزة األمنية يف تطبيق إجراءات التباعد االجتماعي جراء تفيش وباء كورونا‪ ،‬حيث أدى تطبيق‬
‫اإلجراءات االحرتازية يف كينيا إىل الحد من حركة الطرق‪ ،‬لكن الهجمات اإلرهابية لم تتوقف(‪.((2‬‬
‫• تحديات التمدد‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أ‪ -‬االنشقاقات التنظيمية داخل صفوف جيش أيمن‪ ،‬حيث أفاد تقرير أمني كيني أن عبد الفتاح أبو بكر عبدي‪،‬‬
‫املعروف بموىس املهاجر‪ ،‬قد انشق عن جيش أيمن وانضم إىل تنظيم الدولة اإلسالمية (داعش) يف الصومال‪.‬‬
‫وكان عبد الفتاح نائبا ً ملعلم أيمن‪ ،‬وجاء انشقاقه بعد تزايد السخط واالنشقاق لدى املقاتلني األجانب‪ ،‬واتهام‬
‫عبد الفتاح بعقد اجتماعات رسية لتحريض العنارص األجنبية‪ .‬والجدير بالذكر أن قيادة حركة الشباب‬
‫كانت تميز علنا ً ضد املقاتلني األجانب‪ ،‬الذين تعتربهم انتهازيني‪ ،‬ولذلك لم يسمحوا لهم بتويل القيادة‪ .‬وعىل‬
‫مر السنني‪ ،‬كانت هناك تقارير تفيد بأن اإلرهابيني األجانب داخل الصومال قد همشوا وأرسلوا إىل الخطوط‬
‫األمامية كوسيلة للقضاء عليهم(‪ .((2‬وتشري تقارير أمنية كينية إىل اعتقال حركة الشباب لعدد من املقاتلني‬
‫األجانب وقطع رؤوسهم بعد اتهامهم بالتجسس‪ .‬وهو ما أدى إىل تصاعد االنشقاقات داخل حركة الشباب(‪.((2‬‬
‫ب‪ -‬الدعم األمني والعسكري األمريكي لكينيا‪ ،‬فعىل الرغم من إعالن إدارة ترامب سحب القوات األمريكية من‬
‫الصومال‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن إدارة بايدن سوف تتخىل عن جهود مكافحة اإلرهاب يف املنطقة‪ ،‬وقد سبق‬
‫أن دافع جون بايدن خالل إدارة الرئيس األمريكي األسبق عن اسرتاتيجية «مكافحة اإلرهاب الزائد»‪ ،‬التي‬
‫تركز عىل الرضبات الجوية ملواقع التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬ولذلك من املتوقع أن تتبع إدارة بايدن نهج الرضبات‬
‫العسكرية ملواقع الحركة يف كينيا‪ .‬وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز يف سبتمرب ‪2020‬م أن القيادة األمريكية‬
‫”‪(21) International Crisis Group, “How to Shield Education from Al-Shabaab in Kenya’s North East.‬‬
‫”‪(22) Yusuf, “Civilians in Kenya’s Northeast Targeted by both Jihadists and the State.‬‬
‫‪(23) Nation, “Terrorists on the Run After Defecting to ISIS,” December 20, 2020, https://nation.africa/kenya/news/terrorists-on-the-run-‬‬
‫‪after-defecting-to-isis-3234156.‬‬
‫”‪(24) Nation, “Terrorists on the Run After Defecting to ISIS.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪55‬‬
‫يف إفريقيا (أفريكوم) تسعى للقيام بهجمات بطائرات من دون طيار يف كينيا ضد جماعة الشباب اإلرهابية‬
‫املتمركزة يف الصومال(‪ .((2‬إضافة إىل اهتمام الحكومة األمريكية بعرقلة أساليب التمويل غري املرشوعة التي‬
‫تعتمدها حركة الشباب‪ ،‬ال سيما بعد إدراج معلم أيمن عىل الئحة اإلرهاب كما سبقت اإلشارة(‪.((2‬‬

‫خامسا‪ :‬السيناريوهات المحتملة لنشاط حركة الشباب الصومالية في كينيا‬ ‫ً‬


‫‪ -1‬السيناريو األول‪ ،‬نجاح الحركة يف السيطرة الجغرافية عىل املقاطعات الشمالية من كينيا‪.‬‬
‫ويساعد عىل ذلك الشعور املتنامي لدى سكان هذه املقاطعات بالتهميش االقتصادي‪ ،‬وتعاطف قطاع‬
‫عريض من السكان مع حركة الشباب‪ ،‬كما أن اتجاه الحكومة إىل إغالق العديد من املدارس يساعد عىل‬
‫تنامي عمليات التجنيد والتوظيف من جانب حركة الشباب لهذه األوضاع املرتدية بما يساعد عىل تعزيز‬
‫وجودها يف املنطقة‪ .‬ويضاف إىل ما سبق الفساد داخل أجهزة األمن الكينية الذي يسمح بتسلسل عنارص‬
‫الحركة عرب الحدود‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الدعم العسكري واألمني األمريكي لكينيا ال يزال يمثل تحديا لهذا‬
‫السيناريو‪ ،‬وثمة اتجاه عسكري أمريكي متنا ٍم لتوجيه رضبات عسكرية مركزة ملواقع الحركة داخل كينيا‪.‬‬
‫‪ -2‬السيناريو الثاني‪ :‬استمرار الحركة يف تنفيذ عمليات إرهابية يف كينيا‪ ،‬فمن املتوقع أن تتجه الحركة‬
‫يف حال فشل اسرتاتيجيتها يف السيطرة عىل مناطق من شمال كينيا إىل تكثيف العمليات اإلرهابية‪ ،‬وبصفة‬
‫خاصة استهداف الوجود العسكري األجنبي يف كينيا‪ ،‬الذي ال يزال يشكل تهديدا ً لنشاط الحركة يف‬
‫الصومال وكينيا‪ .‬وسوف تحاول الحركة العمل عىل تجنيد مقاتلني جدد من شمال كينيا‪ ،‬وبرغم الخالف‬
‫داخل حركة الشباب حول مزايا هذه االسرتاتيجية‪ ،‬إذ يعارض البعض مهاجمة الوجود العسكري يف‬
‫كينيا بحجة أن الخطط ملهاجمة أهداف عسكرية محصنة مثل املطارات والقواعد العسكرية(‪ ،((2‬لكن‬
‫نجاح الهجوم عىل معسكر سيمبا واألرضار التي لحقت بالعسكريني األمريكيني من املتوقع أن يحفز‬
‫عنارص الحركة يف كينيا عىل تكرار الهجوم‪ ،‬حتى يف ظل اسرتاتيجية الواليات املتحدة يف استهداف قيادات‬
‫الحركة(‪ .((2‬ومن املرجح ً‬

‫متابعات افريقية‬
‫أيضا أن تستمر حركة الشباب يف زرع األلغام األرضية والعبوات البدائية الصنع‬
‫التي تنفجر بالضغط عىل طول الطرق الربية الرئيسة يف رشق كينيا‪ ،‬مما يؤثر عىل املواصالت العامة‬
‫وقوافل ودوريات قوات األمن الكينية(‪.((2‬‬
‫”‪(25) Abdullahi Halakhe and Anjli Parrin, “The US may be Readying Drone Strikes in Kenya. That Might Increase The Violence,‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪The Washington Post, October 1, 2020, https://www.washingtonpost.com/politics/2020/10/01/us-may-be-readying-drone-‬‬


‫‪strikes-kenya-that-might-increase-violence/.‬‬
‫”‪(26) Federal Register, “Designation of Maalim Ayman … Designation of Abdullahi Osman Mohamed.‬‬
‫”‪(27) Farmer, “Al-Shabaab Attacks Kenya.‬‬
‫”‪(28) Farmer, “Al-Shabaab Attacks Kenya.‬‬
‫”‪(29) Farmer, “Al-Shabaab Attacks Kenya.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -3‬السيناريو الثالث‪ :‬تفاوض الحكومة الكينية مع حركة الشباب ووقف الهجمات اإلرهابية‪ ،‬حيث‬
‫تجد الحكومة الكينية نفسها يف حال انسحاب بعثة االتحاد اإلفريقي لحفظ السالم من الصومال أمام خيار‬
‫االنسحاب‪ ،‬ولذلك يرجح بعض الخرباء أن تسعى الحكومة الكينية إىل التوصل إىل اتفاق مع حركة الشباب‬
‫يضمن توقف الهجمات اإلرهابية داخل كينيا‪ .‬وبرغم أن كينيا قد عربت أكثر من مرة عن التزامها بعدم سحب‬
‫قواتها‪ ،‬حيث أكد الرئيس أوهوروكينياتا أن كينيا لن تسحب قواتها حتى عودة االستقرار‪ ،‬لكن ثمة مؤرشات‬
‫طا داخلية لسحب قواتها‪ ،‬ال سيما الضغوط املالية واالقتصادية‪ .‬ومع ذلك ليس ثمة‬ ‫عىل أن كينيا تواجه ضغو ً‬
‫ما يشري إىل أن التوصل إىل تفاهم أو اتفاق مع حركة الشباب هو أم ٌر سهل املنال‪ ،‬فمن غري املتوقع أن تتخىل‬
‫الحركة عن أطماعها يف السيطرة عىل املقاطعات الشمالية الرشقية التي تعتربها جزءا ًمن األرايض الصومالية‪.‬‬
‫بينما ستعمل الواليات املتحدة عىل توثيق عالقاتها العسكرية واألمنية مع كينيا‪ ،‬التي تحتفظ بوجود عسكري‬
‫بها‪ ،‬كما أن لكينيا مصالح سياسية ترغب يف حمايتها تجعلها ترتدد يف سحب قواتها من الصومال‪.‬‬
‫لذلك يبدو أن السيناريو الثاني (استمرار الحركة يف تنفيذ عمليات إرهابية يف كينيا) هو السيناريو املرجح‪ ،‬إذ‬
‫ال تملك الحركة القدرات الكافية لفرض سيطرتها عىل املقاطعات الشمالية من كينيا‪ ،‬لذلك من املرجح أن يمتد‬
‫نشاطها إىل املدى الذي يسمح لها بتجنيد املتطرفني مستغلة حالة التهميش االقتصادي والسيايس يف هذه املناطق‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫يبدو أن مستقبل نشاط حركة الشباب يف كينيا سيظل مدفوعا ً بالرغبة يف االنتقام من الوجود العسكري‬
‫الكيني يف الصومال الذي كبد حركة الشباب خسائر كبرية‪ ،‬ومما يحفز الحركة ويشجع نشاطها يف كينيا حالة‬
‫االستياء والسخط السائدة بني السكان يف املقاطعات الشمالية الرشقية من كينيا‪ ،‬إذ توظف الحركة خطابا ً‬
‫استقطابيا ً الستمالة السكان وتجنيد الشباب للقتال يف صفوفها‪ ،‬وقد أعلنت يف أكثر من مناسبة أن معركتها‬
‫تهدف إىل تحرير «جميع أرايض املسلمني الواقعة تحت االحتالل الكيني»‪ ،‬بما يف ذلك «املقاطعة الشمالية‬
‫الرشقية والساحل»‪ ،‬وهذه اللغة تتناغم مع الشعارات القومية والصومالية الوحدوية يف هذه املقاطعات‪.‬‬
‫وتأمل حركة الشباب بهذه الطريقة يف إثارة سياسة قمعية ومتشددة من جانب الحكومة الكينية تزيد من شعور‬
‫مناهض لهذه املمارسات يف الشمال الرشقي من البالد‪ .‬ولذلك من املتوقع أن تستمر يف خطابها الطائفي الذي‬
‫يستقطب املسلمني يف مواجهة الجماعات املسيحية والسلطات الكينية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن سياسة الحكومة الكينية‬
‫الحالية بغلق املدارس ومطالبة املعلمني بمغادرة هذه املناطق تتيح الفرصة لحركة الشباب لتوسيع وجودها‬
‫يف املقاطعات الشمالية كقاعدة لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف قوات األمن الكينية وأيضا ً الوجود العسكري‬
‫األمريكي والربيطاني يف كينيا‪ ،‬يف الوقت الذي ستواصل فيه كينيا جهودها األمنية مدعومة من الواليات املتحدة‬
‫يف مواجهة حركة الشباب‪ ،‬وخاصة يف ضوء االلتزام األمريكي بمكافحة اإلرهاب وحماية الحلفاء يف املنطقة‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪57‬‬
‫مصادر تمويل الجماعات الجهادية في القارة اإلفريقية‬

‫مصطفى زهران ‪ -‬باحث متخصص في الجماعات المتشددة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫دأبت الجماعات والتيارات اإلسالمية‪ ،‬بشقيها السيايس والراديكايل‪ ،‬منذ ظهورهما عىل مرسح‬
‫األحداث كفواعل سياسية ومجتمعية «دينية» خاصة يف منطقة الرشق األوسط وإفريقيا‪ ،‬عىل‬
‫سلك مسارين اثنني بهدف الحصول عىل مصادر لتمويل أنشطتها الدعوية والسياسية فضال‬
‫عن الراديكالية‪ ،‬كان أولهما‪ :‬العمل عىل تدشني مرشوعات ربحية مختلفة تعود بالنفع املادي‬
‫عىل التنظيم (الجماعة) التيار‪ ،‬ومن ثم االنخراط يف املجاالت االقتصادية‪ ،‬إن سمحت لها النظم‬
‫الحاكمة بذلك‪ ،‬مع تلقي الدعم من مؤسسات خارجية تابعة لدول أو منظمات أجنبية وغريهما‪،‬‬
‫ويعرب اإلسالم السيايس والحركي عن هذه الحالة تعبريًا دقيقا‪.‬‬
‫فيما يتشكل ثاني هذين املسارين من خالل تلقي الدعم غري املبارش من جمعيات ومؤسسات‪،‬‬
‫تعمل لصالح أفراد ودول تشتغل متوارية عن األنظار تحت الفتات شتى‪ ،‬إما خريية دعوية أو‬
‫ُ‬
‫التنظيمات اإلسالمية الجهادية‪.‬‬ ‫تجارية وغريهما‪ ،‬ومعني بها بصفة رئيسة‬
‫بيد أنه ومع التضييق الذي مورس خالل العقد األخري من قبل أنظمة الحكم املختلفة والقائم حتى‬
‫اللحظة يف املنطقة‪ ،‬من تحجيم ألدوار اإلسالم السيايس خاصة «االقتصادية» منها‪ ،‬إضافة إىل‬
‫تزايد الخربات األمنية يف التعامل مع مثل هذه الشبكات واكتشاف حيل املمولني‪ ،‬ساهم ذلك كله‬
‫يف تجفيف عدد كبري من منابع تمويل التنظيمات اإلرهابية عىل اختالف مسمياتها وتشكالتها‪.‬‬
‫وتسعى هذه املقالة البحثية نحو تسليط الضوء عىل املنجز الذي حققته التنظيمات الجهادية‬

‫متابعات افريقية‬
‫خاصة تنظيمي القاعدة وداعش‪ ،‬وأفرعهما والحركات التابعة لهما‪ ،‬يف تحقيق قدر كبري من‬
‫االكتفاء املايل واالعتماد عىل الذات‪ ،‬وذلك عرب تناول الطرق واملسارات والوسائل التي انتهجتها‪ ،‬يف‬
‫غمار البحث عن مصادر تمويل ثابتة ودائمة‪ ،‬وذلك دون التقيد بحليف أو داعم‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫عىل مستوى األفراد أو الجماعات والدول‪ ،‬وتحديدا يف دول الساحل اإلفريقي ومساحات جغرافية‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫أخرى داخل القارة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مصادر تمويل الجماعات اإلرهابية في إفريقيا‬
‫فطنت التنظيمات الجهادية‪ ،‬إىل أن السبيل نحو تعزيز وجودها وترسيخ أقدامها ويؤصل لوجودها‪ ،‬لن‬
‫يتأتى إال من خالل االعتماد عىل الذات‪ ،‬عرب توسيع دائرة مواردها املالية وتنويعها‪ ،‬باألسلوب الذي يتيح‬
‫لها القدرة عىل البقاء والتجذر يف البنى املجتمعية هناك‪ ،‬وهو ما سنعرض له بالتفصيل عىل النحو التايل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عائدات التهريب وتنوع المواد المهربة واختالف طرقه وآلياته‬


‫شكلت الطبيعة التضاريسية املعقدة لجغرافية منطقة الساحل اإلفريقي والصحراء‪ ،‬بعدًا تأثرييا مهما‪ ،‬تقاطع‬
‫مع إشكاالت املشهد السيايس واملجتمعي واالقتصادي؛ ليمثال حافزا رئيسا لتصاعد العنف املسلح يف دول‬
‫الساحل والصحراء‪ ،‬ساهم يف تشكله عامالن رئيسان‪ ،‬أولهما‪ :‬هشاشة الدولة وضعف سلطتها وانهيار االقتصاد‬
‫الرعوي يف بعض منه والفساد‪ ،‬وضعف نظم العدالة‪ ،‬وثانيهما تحول تلك الطرق عىل امتداد الرشيط املحاذي‬
‫لدول الساحل والصحراء للتجارة والهجرة غري املرشوعتني‪ ،‬من سالح ومخدرات واتجار بالبرش وغريها(((‪.‬‬
‫يف مقابل ذلك عملت التنظيمات الجهادية عىل توظيف سياقات هذا املشهد‪ ،‬من غياب لدور فعال لدول‬
‫الساحل والصحراء وغض الطرف عن طرق التهريب عىل طول الرشيط الحدودي املحاذي لدوله‪ ،‬لتتحول‬
‫شيئا فشيئا املنطقة بأرسها ملصدر قلق متزايد‪ ،‬يتجاوز محيطها املحيل واإلقليمي(((‪.‬‬
‫مع مرور الوقت تحولت التنظيمات الجهادية مثل‪« :‬تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي»‪« ،‬الحركة الوطنية‬
‫لتحرير أزواد» (‪ )MNLA‬و«حركة التوحيد والجهاد» يف غرب إفريقيا و«أنصار الدين» إىل سلطة فعلية أخضعت‬
‫الكثري من الطرق التي يستخدمها املهربون تحت سيطرة مبارشة لهم((( وليس ذلك وحسب إنما عملوا بني‬
‫املوانئ عىل ساحل املحيط األطليس‪ ،‬مثل الغوس وكوتونو ونواذيبو‪ ،‬والشواطئ الجنوبية للبحر األبيض املتوسط‪.‬‬
‫إذ كانت لديهم القدرة الكاملة عىل التكيف بسهولة مع االضطرابات الجيوسياسية الداخلية ودون اإلقليمية(((‪.‬‬
‫ساهم إخضاع الجماعات الجهادية طرق التهريب لسيطرتهم يف تحقيق منجزين مهمني‪ ،‬عادا عليها‬
‫بالنفع الكبري‪ ،‬تمثل أولهما يف الحصول عىل العائد املادي جراء عمليات التهريب بتنويعاته املختلفة‪،‬‬
‫وثانيهما السيطرة الكاملة التي من شأنها يرست له تدفق املقاتلني األجانب‪ ،‬ومن ثم االنضمام إىل مناطق‬

‫((( مستقبل التطرف يف أفريقيا‪ :‬إرهاب املالذات اآلمنة‪ ،‬الكتاب الخامس والستون بعد املئة‪ ،‬باحثون‪ ،‬سبتمرب (أيلول) ‪ ،2020‬أسواق العنف يف الساحل‬
‫األفريقي‪ :‬الرصاعات املحلية وعالقتها باإلرهاب‪ ،‬مصطفى زهران‪.‬‬
‫‪https://2u.pw/co6y8‬‬
‫((( «مستقبل التطرف يف أفريقيا‪ :‬إرهاب املالذات اآلمنة»‪.‬‬
‫”‪(3) Serigne Bamba Gaye, “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel,‬‬
‫‪Friedrich-Ebert-Stiftung, 2018, https://library.fes.de/pdf-files/bueros/fes-pscc/14176.pdf.‬‬
‫”‪(4) Serigne Bamba Gaye, “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel,‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪59‬‬
‫تمركزهم الجديدة والعبور بهم نحو مالذات آمنة‪ ،‬وتشري التقديرات إىل ما يقرب من ‪ 2600‬وأكثر من‬
‫املقاتلني األجانب التابعني لتنظيم الدولة اإلسالمية داعش غادروا سوريا والعراق ومنها إىل ليبيا باستخدام‬
‫شبكات التهريب غري املرشوعة لاللتحاق بنظرائهم يف دول الساحل والصحراء(((‪ ،‬خاصة خالل السنوات‬
‫الثالث األخرية‪.‬‬
‫ومع الوقت باتت الجماعات الجهادية تفرض سلطتها عىل طرق التهريب وجمع ما يمكن وصفه‬
‫بـ«الرضائب»‪ ،‬وتشري التقديرات أن بوكو حرام ‪-‬عىل سبيل املثال ال الحرص‪ -‬قد جمعت ما يقدر بنحو‬
‫‪ 10-5‬ماليني دوالر أمريكي بصفة رئيسة من الرضائب يف السنوات األخرية(((‪ ،‬األمر ذاته يتحقق مع حركة‬
‫الشباب أو أنصار السنة يف موزمبيق املوالية لداعش التي تقوم هي األخرى بفرض إتاوات وجبايات عىل‬
‫(((‬
‫السكان يف مناطق نفوذها واملناطق الخاضعة لسيطرتها‪ ،‬بجوار تحقيق األمن والعدالة‪ ،‬حسب وصفهم‬
‫تهريب املخدرات‬
‫عمل الجهاديون يف إطار سعيهم نحو ترسيخ وجودهم يف عالم التهريب واالتجار غري املرشوع نحو استمالة‬
‫املهربني عىل اختالف ألوانهم وأشكالهم‪ ،‬يف سبيل عدم التصادم مع املهربني‪ ،‬خاصة وأنهم األقدم واألكثر‬
‫دراية بدروب الصحراء الوعرة وحكامها السابقني‪ ،‬وذلك عن طريق غض الطرف عن الكثري مما تحمله املواد‬
‫املهربة وخاصة املخدرات‪ ،‬وانتقلوا بها بعد ذلك إىل االستفادة من عوائدها املالية‪ ،‬وتدلل حركة التهريب يف‬
‫قطاع املخدرات بدول الساحل والصحراء عىل أن التعامل الرباجماتي وامليكافيلية التي رشعنت للجماعات‬
‫الجهادية التعاطي املبارش‪ ،‬من حيث االتجار أو تمرير صفقات التهريب الخاصة باملخدرات‪ ،‬يؤكد ‪-‬بال‬
‫مجال للشك‪ -‬أن التيارات الجهادية ال تجد مشكالً يف التعامل مع املخدرات كإحدى أدوات ومصادر التمويل‬
‫املهمة لتنظيماتهم يف اللحظة الراهنة‪ .‬خاصة وأنها تحقق لهم وتدر عليهم أمواال وأرباحا كبرية‪ ،‬مقارنة‬
‫ً‬
‫ووفقا لتقرير مكتب األمم املتحدة املعني‬ ‫بغريها من املوارد األخرى‪ ،‬خاصة الغذائية منها واملستهلكة(((‪.‬‬
‫باملخدرات والجريمة‪ ،‬يقدر سعر كيلوجرام الكوكايني الذي يُفرغ يف غرب إفريقيا ‪ 15000‬يورو‪ ،‬وتشرتك‬

‫متابعات افريقية‬
‫مع منطقة الساحل يف كونهما مناطق يُستهلك فيها الكوكايني بقدر كبري(((‪.‬‬
‫حينما أُحكم الخناق عىل تجارة املخدرات والكوكايني يف الواليات املتحدة األمريكية وأوروبا القادمة من دول‬

‫‪(5) Mark Shaw, Christian Nellemann, and Jürgen Stock, “World Atlas of Illicit Flows: Organized Crime Underpins Major Conflicts‬‬
‫‪and Terrorism,” Global Initiative, September 26, 2018, https://globalinitiative.net/analysis/world-atlas-of-illicit-flows/.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫”‪(6) Shaw, Nellemann, and Stock, “World Atlas of Illicit Flows: Organized Crime Underpins Major Conflicts and Terrorism,‬‬
‫‪(7) Tom Keatinge, “Finances of Jihad: How Extremist Groups Raise Money,” BBC News, December 12, 2014, https://www.bbc.‬‬
‫‪com/news/world-middle-east-30393832.‬‬
‫”‪(8) Gaye “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫”‪(9) Gaye “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬

‫‪60‬‬
‫أمريكا الالتينية وآسيا ‪ -‬املصدر‪ ،‬خاصة فرتة الثمانينيات والتسعينيات من القرن املايض‪ ،‬بعد سلسلة من‬
‫اإلجراءات األمنية تلتها ترشيعات للحد منه ووقف إنتاجه وبيعه ونقله‪ ،‬الذي كانت تنتجه كارتالت قوية‬
‫للغاية يف أمريكا الجنوبية‪ ،‬وال سيما يف كولومبيا وبوليفيا وبريو واإلكوادور لجأ ا ُمل ِ‬
‫تاجرون يف أمريكا الجنوبية‬
‫إىل البحث عن طرق أخرى لتزويد أوروبا بالكوكايني مع بدايات العقد األول من القرن الحادي والعرشين(‪.((1‬‬
‫ومن هنا ظهرت أهمية العبور اإلفريقي‪ ،‬وتحديدا من غرب إفريقيا التي أضحت جرسا مهما نحو الدول‬
‫الغربية‪ ،‬تبدأ مع شحن العقار بواسطة قارب أو طائرة إىل دول ساحلية‪ ،‬مثل‪« :‬غينيا بيساو» و«سرياليون»‬
‫و«غينيا «و«غانا» و«نيجرييا» وغريها‪ ،‬ثم شحنها مرة أخرى نحو أوروبا‪ ،‬ونظرا للتضييق عىل الشحن‬
‫الجوي أصبح النقل الربي هو الوسيلة األساسية للنقل(‪ .((1‬وهو ما استفادت منه الجماعات الجهادية‬
‫استفادة كبرية حتى هذه اللحظة‪.‬‬
‫واعتاد تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي عىل تحصيل عموالت ‪-‬إن جاز الوصف‪ -‬عىل املخدرات التي‬
‫ُحصل عليه من املهربني من أموال نظري الحماية والتأمني التي يحصلون‬ ‫تمر عرب «أراضيها» إضافة إىل ما ي َ‬
‫عليها من مقاتيل التنظيم(‪.((1‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسواق السالح السوداء والجهاديون‬


‫نظرا ألهمية السالح للمقاتلني وحاجتهم إليه‪ ،‬حظيت تجارة السالح وتهريبها بمساحة كبرية من اهتمامات‬
‫وأنشطة التنظيمات الجهادية‪ ،‬بل مثّلت عائداتها ركنا رئيسا ضمن مصادر تمويلها التي اعتمدت عىل‬
‫أرباحها بدرجة كبرية‪.‬‬
‫انطالقا من ذلك‪ ،‬أصبح تهريب األسلحة واالتجار بها يف دول منطقة الساحل للتنظيمات الجهادية مالذًا‬
‫آمنًا وجغرافية مهمة يف هذا النوع من املتاجرة‪ ،‬إذ يوفر املهربون األسلحة لجميع الجهات الفاعلة غري‬
‫الحكومية املوجودة يف املنطقة‪ ،‬سواء كانت ميليشيات أم مافيات‪ ،‬فضالً عن التنظيمات الجهادية(‪ .((1‬ولعل‬
‫املؤثر األبرز والفاعل األكثر تأثريا‪ ،‬الذي ساهم يف تدفق السالح بكل أشكاله وتنويعاته عىل دول الساحل‬
‫سقوط نظام القذايف ‪2011‬م ونهب مخزونات الجيش الليبي من األسلحة الثقيلة والخفيفة ووقوعها يف‬
‫أيدي املسلحني وامليليشيات ما بني عام ‪ 2011‬و‪2012‬م‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت ازدهرت السوق السوداء يف‬

‫)‪(10‬‬ ‫”‪Gaye “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫)‪(11‬‬ ‫”‪Gaye “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫)‪(12‬‬ ‫”‪Gaye “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫)‪(13‬‬ ‫‪Djallil Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,” MENARA Working Papers‬‬
‫‪No. 25, November 2018, 30/11/2018 Rome, IAI, November 2018, https://www.iai.it/sites/default/files/menara_wp_25.pdf.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪61‬‬
‫الجنوب الليبي‪ ،‬وأصبحت مركزا رئيسا لتهريب السالح واالتجار به‪ ،‬ومن ثم االنتقال به نحو دول الساحل‬
‫والصحراء وعىل الرشيط الحدودي الجزائري – التونيس(‪.((1‬‬
‫وهناك مورد آخر وكان سببا لتدفق األسلحة يف أيدي املهربني والجهاديني يف دول الساحل والصحراء‪،‬‬
‫وذلك ما تبقى من مخلفات الحروب السابقة واستجالبها من رجال السلطة األمنيني املعروفني بفسادهم‬
‫وصالتهم الوثيقة بالجماعات ومنظمات التهريب املختلفة‪ ،‬خاصة الجهادية منها واملرتبطة بالقاعدة‪ ،‬مثل‬
‫«القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي»(‪.((1‬‬
‫ساهم انعدام األمن وعدم االستقرار إىل الحاجة إىل السالح وزيادة الطلب عليه؛ ما أدى إىل تداول األسلحة‬
‫عىل نطاق واسع‪ ،‬بعد أن تزاحم عىل اقتنائه العسكري واملدني عىل حد سواء‪ ،‬وطفت عىل السطح تبعا لذلك‬
‫ميليشيات الدفاع عن النفس ومجموعات الحراسة‪ ،‬ونظرا لندرة إلنتاجه ومحدوديته ازدهرت سوق السالح‬
‫السوداء وارتفعت أسهم املهربني(‪.((1‬‬
‫وتشري التقديرات إىل وجود أكثر من ‪ 80.000‬بندقية كالشينكوف تتداول يف املنطقة تأتي من مصادر عدة‬
‫(منطقة نهر مانو وتشاد ودارفور والسودان)‪ ،‬وأولت الجماعات اإلجرامية والتنظيمات الجهادية لهذه‬
‫املسارات التي تتبعها هذه األسلحة أهمية اسرتاتيجية كبرية(‪ .((1‬فعىل سبيل املثال يقدر سعر الكالشينكوف‬
‫يف منطقة الساحل بني ‪ 150‬و‪ 1000‬دوالر أمريكي‪ ،‬ويتوقف ذلك اعتمادًا عىل جودة السالح(‪.((1‬‬
‫وبمرور الوقت وثق الجهاديون صالتهم مع تجار السالح يف املنطقة من املهربني وعصابات االتجار غري‬
‫املرشوع خاصة يف الشمال املايل‪ ،‬ولعب تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي دورا مهما يف تنامي ظاهرة‬
‫تهريب األسلحة يف منطقة الساحل(‪.((1‬‬
‫ويذكر أن من أسباب تنامي قوة تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي من الناحية العسكرية تملكها لعدد‬
‫كبري من األسلحة املتنوعة التي حصلت عليها من مخزونات الجيش املايل من خالل شبكات الفساد القائمة‬
‫يف السلطة عىل مدار السنوات العرش األخرية‪ ،‬إضافة إىل ما تحصلوا عليه أعقاب استيالء الجهاديني عىل‬

‫متابعات افريقية‬
‫شمال مايل عام ‪2012‬م‪ .‬ولعبت املصاهرة الجهادية مع القبائل من خالل سلسلة من الزيجات أقبل عليها‬
‫تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي مع املنظمات القبلية دورا يف توثيق الصلة معها من جهة وتيسري‬
‫”‪(14) Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,‬‬
‫”‪(15) Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,‬‬
‫‪(16) Méryl Demuynck, Tanya Mehra, and Reinier Bergema, “The Use of Small Arms & Light Weapons by Terrorist‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪Organisations as a Source of Finance in West Africa and the Horn of Africa,” ICCT Situation Report, International‬‬
‫‪Centre for Counter-Terrorism, June 30, 2020, https://www.jstor.org/stable/resrep25263.‬‬
‫”‪(17) Gaye, “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫”‪(18) Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,‬‬
‫”‪(19) Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,‬‬

‫‪62‬‬
‫الروابط التجارية املتمثلة يف حيازة األسلحة وتهريبها من جهة أخرى(‪.((2‬‬
‫وعىل الشاكلة ذاتها تتحصل «بوكو حرام» هي األخرى عىل األسلحة والذخرية من القوات الحكومية النيجريية‬
‫والكامريونية والتشادية من طرق عدة‪ ،‬منها ما يغتنمونه أثناء معاركهم معهم أو خالل الهجمات‪ ،‬فضال‬
‫عن الفساد الذي سهل بقدر كبري حيازة األسلحة (‪.((2‬‬

‫ثالثا‪ :‬عمليات االختطاف من أجل الحصول على فدية‬


‫حظر القانون الدويل أخذ الرهائن واعتربها جريمة من جرائم الحرب‪ ،‬وحدد االختطاف من أجل الحصول‬
‫عىل فدية‪ ،‬إحدى وسائل تمويل اإلرهاب‪ ،‬التي تنشط يف كثري من األحيان يف الدول غري املستقرة سياسيا‪،‬‬
‫حيث تكون السلطة املركزية ضعيفة‪ ،‬فضال عن استرشاء الفساد وتغلغله يف مفاصل مؤسسات تلك الدول‬
‫وتعود مدفوعات الفدية عىل التنظيمات الجهادية بماليني الدوالرات‪ ،‬التي يلعب الوسطاء دورا بارزا فيها‬
‫بني الطرفني‪ ،‬الدول واألفراد واملؤسسات التي ينتمي لها املختطفون من جهة والجماعات والتنظيمات‬
‫الجهادية من جهة أخرى‪ ،‬وال يقترص األمر عىل هذا النحو وحسب وإنما تنقل عائدات الخطف أيضا من‬
‫خالل أنظمة تحويل بديلة‪ ،‬ولكن بأسلوب أكثر خطورة‪ ،‬من خالل املؤسسات املالية الرشعية مثل البنوك‬
‫ومراكز الرصافة(‪ .((2‬ولكن تخضع لعمليات شديدة الدقة اعتادت التنظيمات الجهادية سلكها وال يُكشف‬
‫عنها يف الغالب‪ ،‬وتقترص عىل اإلدارات االستخباراتية لبلدان املختطف ويرضب عليها الرسية التامة‪.‬‬
‫وكشف تقرير سابق لألمم املتحدة عن أن التنظيمات اإلرهابية قد جنت من وراء االختطاف ما يقارب من‬
‫‪ 120‬مليون دوالر من مدفوعات الفدية يف الفرتة ما بني ‪ 2004‬و‪2012‬م(‪ ،((2‬ويعني ذلك أن هذه العمليات‬
‫تحقق للتنظيمات الجهادية القدرة عىل التوسع وتمويل أنشطتها بسهولة ويرس‪ ،‬ففي عام ‪2012‬م حذر‬
‫ديفيد كوهني‪ ،‬وكيل وزارة الخزانة األمريكية لشؤون اإلرهاب واالستخبارات املالية‪ ،‬من تنامي قوة القاعدة‬
‫يف مايل واليمن‪ ،‬والقاعدة يف شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وذكر أن ما يقرب من نصف ميزانية التنظيم جاءت من‬
‫احتجاز الرهائن بعد أن بات االختطاف يمثل «تجارة مربحة وكن ًزا ثمينًا» يف شمال إفريقيا(‪ .((2‬وهو ما يمكن‬
‫تلمسه يف قوة التنظيم يف الساحل اإلفريقي عنه يف أي جغرافية أخرى رغم ارتدادات التنظيم يف العقد األخري‪.‬‬
‫”‪(20) Lounnas, “The Links between Jihadi Organizations and Illegal Trafficking in the Sahel,‬‬
‫”‪(21) Gaye, “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫‪(22) Financial Action Task Force-and Groupe d’action financière, “Organised Maritime Piracy and Related Kidnapping for‬‬
‫‪Ransom,” FATF Report, July 2011, https://www.fatf-gafi.org/media/fatf/documents/reports/organised%20maritime%20‬‬
‫‪piracy%20and%20related%20kidnapping%20for%20ransom.pdf.‬‬
‫”‪(23) Keatinge, “Finances of Jihad.‬‬
‫‪(24) Christopher Mellon, Peter Bergen, and David Sterman, “To Pay Ransom or Not to Pay Ransom? An Examination of Western‬‬
‫‪Hostage Policies,” January 2017, https://na-production.s3.amazonaws.com/documents/hostage-paper-final.pdf,‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪63‬‬
‫وما يدلل عىل ذلك ويشدد عليه الدور املحوري الذي لعبته مدفوعات الفدية يف نمو تنظيم القاعدة يف بالد‬
‫املغرب اإلسالمي (‪ .)AQIM‬ففي عام ‪2003‬م‪ ،‬نفذت الجماعة السلفية للدعوة والقتال سلسلة من عمليات‬
‫اختطاف السياح وعمال اإلغاثة‪ ،‬وحصلت عىل أكثر من ‪ 6‬ماليني دوالر كفدية التي مكنتها من التوسع إقليميًّا‬
‫إىل أن أصبحت القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي‪ ،‬ومثّل االختطاف أحد أهم عوائدها املالية لدرجة أن رسالة‬
‫من تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي اكتشفها مراسل صحيفة نيويورك تايمز روكميني كاليمايش يف‬
‫مايل اعتربت فدية تبلغ حوايل مليون دوالر ضئيلة(‪ ،((2‬وهو ما جعله يجمع ما يقارب من ‪ 89‬مليون دوالر من‬
‫عائدات الخطف والرهائن‪ ،‬ما بني عامي ‪ 2003‬و‪2012‬م(‪ .((2‬إذ إنه ومن أجل البقاء‪ ،‬قام تنظيم القاعدة يف‬
‫بالد املغرب اإلسالمي بنوعني من األنشطة‪ :‬خطف الغربيني وتوفري الحماية واألمن لقوافل املخدرات مقابل‬
‫نسبة مئوية كما ذكرنا آنفا(‪.((2‬‬
‫عَ بَّ َد تنظي ُم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي‪ ،‬الطريق‪ ،‬لكل من جاء بعده‪ ،‬وكان بمثابة الع ّراب لكل‬
‫التنظيمات الجهادية التي سلكت ذات الطريق‪ ،‬فقد نجح التنظيم إىل ‪2016‬م يف تحقيق عائدات مالية من‬
‫عمليات اختطاف الرهائن الغربيني يف مايل وموريتانيا والنيجر والجزائر‪ ،‬ما يقدر بـ‪ 60‬مليون يورو كفدية‬
‫دفعتها البلدان األصلية للرهائن‪ ،‬وجاءت التنظيمات الجهادية التي انترشت بعد ذلك مثل أنصار اإلسالم‬
‫واملسلمني واملرابطني وحركة التوحيد والجهاد وغريها‪ ،‬لتسري عىل ذات الطريق وذلك منذ أن بدأت العمل يف‬
‫شمال مايل عام ‪2012‬م(‪.((2‬‬
‫مع الوقت أصبحت عمليات االختطاف للحصول عىل فدية مالية تقوم بأسلوب جماعي بني املجموعات‬
‫الجهادية املختلفة‪ ،‬خاصة يف منطقة الساحل والصحراء‪ ،‬نقطة التمركز الكربى لها‪ ،‬ومع بدايات عام‬
‫‪2015‬م لوحظت هذه العمليات بقوة كما الحال يف عملية احتجاز الرهائن يف شمال بوركينا فاسو يف العام‬
‫نفسه‪ ،‬الذي ن ُ ِّفذ باالشرتاك بني القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي واملرابطني(‪.((2‬‬
‫ودأبت «بوكو حرام» يف السنوات األخرية عىل ممارسة الخطف الجماعي من أجل الحصول عىل فدية‪،‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫بعد أن أصبحت تمثل موردا ماليا رئيسا لدى التنظيمات الجهادية‪ ،‬ففي أواخر العام املنرصم ‪2020‬م‬
‫قام الفصيل التابع ألبوبكر شيكاو باختطاف ‪ 344‬طالبًا من مدرسة العلوم الحكومية يف كانكارا شمال‬

‫”‪(25) Mellon, Bergen, and Sterman, “To Pay Ransom or Not to Pay Ransom? An Examination of Western Hostage Policies,‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(26) Centre for Security Studies, ETH Zurich, “Kidnapping for Ransom as a Source of Terrorism Funding,” No. 141, October 2013,‬‬
‫‪https://css.ethz.ch/content/dam/ethz/special-interest/gess/cis/center-for-securities-studies/pdfs/CSS-Analysis-141-EN.pdf.‬‬
‫”‪(27) Gaye, “Connections between Jihadist Groups and Smuggling and Illegal Trafficking Rings in the Sahel.‬‬
‫”‪(28) Centre for Security Studies, ETH Zurich, “Kidnapping for Ransom as a Source of Terrorism Funding,‬‬
‫”‪(29) Centre for Security Studies, ETH Zurich, “Kidnapping for Ransom as a Source of Terrorism Funding,‬‬

‫‪64‬‬
‫غرب نيجرييا(‪ ،((3‬ولعل أبرز عمليات االختطاف مؤخرا‪ ،‬إطالق رساح الرهينة الفرنسية صويف برتونني بعد‬
‫احتجازها يف مايل منذ ‪2016‬م بعد عملية تفاوض كبرية مع جماعة نرصة اإلسالم واملسلمني بمايل‪ ،‬جنت‬
‫من ورائه ثمنا باهظا(‪.((3‬‬
‫يف الوقت الذي لعبت فيه عمليات االختطاف دورا محوريا ومصدرا رئيسا يف تمويل التنظيمات الجهادية‬
‫القاعدية وخاصة تمثالتها يف منطقة الساحل اإلفريقي والصحراء‪ ،‬إال أنها مثلت محورا ثانويا ولعبت دو ًرا‬
‫أقل أهمية يف اعتماد داعش عليها كمصدر من مصادر التمويل املالية(‪.((3‬‬

‫رابعا‪ :‬السطو على مناطق تعدين الذهب‬


‫جذب بريق الذهب التنظيمات الجهادية من كل حدب وصوب‪ ،‬وأصاب ملعانه أعينهم‪ ،‬فزحفوا نحو مناطق‬
‫تعدين الذهب خاصة بعد اكتشاف لعروق صحراوية عام ‪2012‬م تمتد من السودان إىل موريتانيا‪ ،‬رافقها‬
‫ازدهار تعدين الذهب الحريف‪ ،‬األمر الذي جعل من منطقة الساحل اإلفريقي منطقة رصاع دولية‪ ،‬أضحت‬
‫التنظيمات الجهادية تنافس الدول الغربية جميعا‪ ،‬وعىل رأسها الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وهرولوا نحو‬
‫مناطق تعدين الذهب‪ ،‬رغبة يف توسعهم الجهادي(‪.((3‬‬
‫يف البدء انتهجت الجماعات الجهادية أسلوب اإلغارات والهجوم عىل مناطق التعدين‪ ،‬ومع الوقت صعدت من‬
‫عمليات السطو والقتل والخطف للعاملني يف هذه املناجم‪ ،‬ومع بدايات عام ‪2016‬م دخل تصعيد الجماعات‬
‫الجهادية مرحلة جديدة تمثلت يف إخضاع الكثري من مناطق تعدين الذهب الصغرية واملحلية لسلطتها يف‬
‫شكل سيطرة كاملة لها‪ ،‬خاصة الكائنة يف كل من «مايل» و«بوركينا فاسو» و«النيجر» ووفرت لعمال املناجم‬
‫األمن والحماية التي كانوا يفتقدونها فضال عن رواتب دائمة ومستقرة‪ ،‬نظري خدماتهم وأعمالهم‪ ،‬التي‬
‫عجزت السلطة املحلية عن توفريها يف كثري من دول الساحل ما سمح للجهاديني بأن يحلوا كبدالء عنهم(‪.((3‬‬
‫وموازاة لذلك عملوا عىل عقد شبكات مصالح ورشاكات غري مبارشة مع مسؤويل مناطق التعدين‪ ،‬سواء كانوا‬
‫عىل صلة مبارشة مع حكومات دول الساحل أو غري مبارشة‪ ،‬عن طريق وسطاء سمارسة الفساد املنترشين‬

‫‪(30) Joe Parkinson and Gbenga Akingbule, “Kidnapped Nigerian Schoolboys Say Ransom Was Paid, Tell of Beatings,” The Wall‬‬
‫‪Street Journal December 23, 2020 https://www.wsj.com/articles/kidnappednigerianschoolboys-say-ransom-was-paid-tell-of-‬‬
‫‪beatings-11608747119.‬‬
‫‪(31) FRANCE 24, “French Hostage Sophie Pétronin Released After Being Held in Mali Since 2016,” October 8, 2020 https://‬‬
‫‪www.france24.com/en/20201008-french-hostage-sophie-p%C3%A9tronin-released-after-being-held-in-mali-since-2016.‬‬
‫”?‪(32) Mellon, Bergen, and Sterman, “To Pay Ransom or Not to Pay Ransom‬‬
‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪ ،‬ذهب الساحل اإلفريقي‪ ..‬تمويل سخي يف يد جماعات العنف‪ ،‬دراسة‪ ،‬ذات مرص‪ ،7( ،‬يوليو‪2020،‬م)‪ ،‬االسرتجاع يف‪ :‬ما بني ‪11‬و‪2020 ،12‬م‪.‬‬
‫‪https://cutt.us/JGKZy‬‬
‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪« ،‬ذهب الساحل اإلفريقي‪ ..‬تمويل سخي يف يد جماعات العنف‪».‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪65‬‬
‫جراء غياب الدولة وضعفها‪ ،‬فأصبح الجهاديون يف مناطق التعدين التي تعثر إخضاعها‪ ،‬وتدريجيا حصد‬
‫املقاتلون اإلسالميون من خالل ذلك الكثري من املال والنفوذ(‪.((3‬‬
‫يف الواقع لقد عكس زحف الجهاديني نحو مناجم ومناطق التعدين‪ ،‬فهما كبريا لجغرافية الساحل وإدراك‬
‫مواردها الطبيعية‪ ،‬فدول مثل بوركينا فاسو ومايل والنيجر‪ ،‬تصدر ما قيمته مليارا دوالر من الذهب سنويًّا‪ ،‬فيما‬
‫تلعب السوق السوداء دورا كبريا يف مبيعات الكميات املتبقية من الذهب‪ ،‬وبعيدًا عن أنظار وسلطة الدولة(‪.((3‬‬
‫سلك الجهاديون مسارات عدة يف التعامل مع مناجم الذهب وأماكن تعدينه‪ ،‬إذ سارع الجهاديون املرتبطون‬
‫بالقاعدة وتنظيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬نحو خلق بيئة حاضنة عىل املستويني املجتمعي واألمني مستفيدة من‬
‫سياق افتقار مناطق التعدين للحماية األمنية وغارات املهربني واللصوص املتكررة عليها‪ ،‬وتعرض العاملني‬
‫فيها للقتل والخطف‪ ،‬وسلب ما يحصلون عليه من أموال تجاه عمالتهم هناك‪ ،‬وذلك يحدث بصفة دائمة‬
‫مع املناجم الصغرية وغري املرخصة فقط‪ ،‬يف حني نظريتها الكبرية تخضع عادة إلرشاف دويل‪ ،‬ويعد منجم‬
‫«تامبورا» نموذجا داال عىل هذه الخطوات‪ ،‬التي اتخذتها التنظيمات الجهادية لخلق واقع مغاير يجذر‬
‫عال‪.‬‬
‫لوجودها هناك ويكرس لنفوذها عىل مستوى ٍ‬
‫يف موازاة ذلك‪ ،‬أطلقت التنظيمات الجهادية ما سمته بـ«رضيبة الحماية» عىل املجتمعات املالصقة ملناطق‬
‫التعدين وسط قبول كبري لها‪ ،‬رافقه إجبار عمال املناجم عىل بيع الذهب حرصيًّا لهم ومن ثم تهريبه وبيعه‬
‫عرب الحدود ألماكن متفرقة‪ ،‬مثل‪« :‬بنني» أو«غانا» أو «توغو»‪.‬‬
‫وللحد من توغل التنظيمات الجهادية وتقديم نفسها كبديل عن الدولة عمدت السلطة السياسية نحو‬
‫غلق أعداد كبرية من هذه املناجم يف الشمال املضطرب وأخرى يف الرشق‪ ،‬للحؤول دون وصول الجماعات‬
‫الجهادية لها واستخدامها لتمويل املزيد من الهجمات(‪ ،((3‬األمر الذي أثار سخطا متزايدا من قبل العاملني‬
‫يف مثل هذه املناجم الصغرية خاصة مع غياب تقديم البديل أو حل مشكالتهم‪ ،‬ويصب مجمل ذلك كله يف‬
‫صالح التنظيمات الجهادية التي تتأمل املشهد عن كثب وترقبه‪.‬‬
‫ومن الذهب إىل األحجار الكريمة‪ ،‬حيث تنتعش تجارة وتهريب أحجار األملاس وتحديدا يف منطقة كابو‬

‫متابعات افريقية‬
‫ديلجادو املتاخمة لتنزانيا يف شمال غرب موزمبيق‪ ،‬حيث تزدهر صناعة تعدين الجواهر‪ ،‬التي توجد فيها‬
‫أكرب رواسب للياقوت األزرق الوردي يف العالم(‪.((3‬‬ ‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪« ،‬ذهب الساحل اإلفريقي‪ ..‬تمويل سخي يف يد جماعات العنف‪».‬‬
‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪« ،‬ذهب الساحل اإلفريقي‪ ..‬تمويل سخي يف يد جماعات العنف‪».‬‬
‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪« ،‬ذهب الساحل اإلفريقي‪ ..‬تمويل سخي يف يد جماعات العنف‪».‬‬
‫(‪ ((3‬مصطفى زهران‪ ،‬كنوز موزمبيق الغاز والياقوت يف يد اإلرهاب‪ ،‬دراسة‪ ،‬ذات مرص‪ ،20( ،‬أغسطس‪2020 ،‬م)‪ ،‬االسرتجاع يف‪ :‬ما بني ‪ 11‬و‪2020 ،12‬م‪.‬‬
‫‪https://cutt.us/cjVZF‬‬

‫‪66‬‬
‫الخالصة‬
‫خلصت الدراسة إىل أن الجماعات والتنظيمات الجهادية قد تشهد يف السنوات القادمة‪ ،‬موجة من الربوز‪،‬‬
‫والصعود‪ ،‬قد يكون مغايرا عن سابقه‪ ،‬خاصة بعد انتقال تمركزها من منطقة الرشق األوسط وشمال‬
‫إفريقيا إىل منطقة الساحل والصحراء‪ ،‬فضال عن رشق وغرب إفريقيا‪ ،‬وذلك بفعل عوامل عدة‪ ،‬أبرزها‬
‫النجاحات التي حققها كل من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» وتمظهراتهما يف املشهد اإلفريقي يف العقد‬
‫األخري‪.‬‬
‫إذ يعمل تنظيم القاعدة ‪-‬يف اللحظة الراهنة‪ -‬عىل إعادة تموضعه مجددا‪ ،‬وضخ الدماء يف قلب التنظيم‪ ،‬من‬
‫خالل تقديم وجوه قيادية جديدة‪ ،‬خلفا ملن تواروا عن األنظار أو من لقي مرصعه‪.‬‬
‫وبات خطر تنظيم الدولة يف الساحل اإلفريقي فضال عن رشق وغرب إفريقيا‪ ،‬مماثال ملا كان عليه يف الرقة‬
‫واملوصل‪ ،‬ما بني عامي ‪ 2014‬و‪2017‬م‪ ،‬سواء عىل املستوى الجغرايف أو العملياتي‪ ،‬بعد أن أصبح متجذرا‬
‫يف البنى السياسية واملجتمعية‪ ،‬خاصة بعد تدشينه لعدة واليات يف رشق إفريقيا وغربها‪.‬‬
‫وتقف هذه االسرتاتيجيات الجديدة والتغيريات التي تشهدها التنظيمات الجهادية‪ ،‬خاصة «القاعدة»‬
‫و«داعش» يف اللحظة الراهنة‪ ،‬عىل قاعدة صلبة وأرضية ممهدة‪ ،‬نظري الخطوات التي عملت عليها خالل‬
‫السنوات األخرية من البحث عن مصادر تمويلية وموارد مالية‪ ،‬تضمن لها البقاء‪ ،‬ما يعني أن املزاوجة بني‬
‫املتغري االسرتاتيجي املعني بإعادة تموضع هذه التنظيمات عسكريًّا وأيديولوجيًّا‪ ،‬من جهة‪ ،‬ووفرة الجانب‬
‫االقتصادي‪ ،‬بتنويعاته التي ذكرناها بالتفصيل‪ ،‬وتعددها عىل هذا النحو من التهريب واالختطاف من أجل‬
‫الفدية والسطو عىل مناطق تعدين الذهب وغريها‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬يقودنا إىل االقرتاب من استنساخ نموذج‬
‫تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام مرة أخرى‪ ،‬ولكن يف قلب إفريقيا‪.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪67‬‬
‫حزب الله في غرب إفريقيا‪:‬‬
‫خريطة التمدد والنفوذ اإلستراتيجي‬

‫محمد العربي ‪ -‬باحث في الشؤون الدولية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫تعد القارة اإلفريقية إحدى ساحات نفوذ حزب الله اللبناني‪ ،‬وإحدى عُ قد الشبكة الدولية للحزب‬
‫التي تمتد من أمريكا الالتينية والشمالية إىل غرب إفريقيا وأوروبا وصوال ً إىل املرشق العربي والخليج‪.‬‬
‫يرتكز هذا النفوذ عىل مصالح اقتصادية‪ ،‬إال أنه ال يخلو من أهداف إسرتاتيجية أوسع‪ ،‬يحاول من‬
‫خالل الحزب أن يبنـي قواعد قوة تجابه خصومه الغربيني خاصة الواليات املتحدة وإرسائيل‪ .‬وتعد‬
‫الجاليات الشيعية اللبنانية يف غرب إفريقيا إحدى ركائز وجود الحزب يف القارة‪ ،‬حيث مد الحزب‬
‫صالته معها يف مرحلة مبكرة منذ تأسيسه‪ ،‬وزاد الحزب من وجوده مع اتضاح املزايا االقتصادية‬
‫والسياسية الناتجة عن عوائد املهجر الشيعي عىل الداخل اللبناني‪ ،‬وعىل قوة حزب الله‪.‬‬
‫وعىل الرغم من إسرتاتيجية حزب الله اإلفريقية التي تعمل بآليات داخلية تركز عىل زيادة نفوذ‬
‫الحزب الذي يرى يف نفسه أكثر من مجرد وكيل أو ميليشيا محلية‪ ،‬إال أنه من املؤكد أن هذه‬
‫اإلسرتاتيجية تتقاطع مع مصالح إيران يف املنطقة‪ ،‬بفعل التحالف العضوي بني طهران وحزب الله‪.‬‬
‫يحاول هذا املقال تبيان أهداف حزب الله من الوجود يف إفريقيا خاصة يف الغرب‪ ،‬والروابط التـي‬
‫بناها من خالل الجالية الشيعية املوجودة يف مختلف دول املنطقة‪ ،‬وطبيعة األنشطة االقتصادية‬
‫الرشعية وغري الرشعية التـي ينخرط فيها‪ ،‬وكذلك الصالت التـي بناها مع التنظيمات اإلسالمية‬

‫متابعات افريقية‬
‫املتطرفة يف املنطقة‪ ،‬خاصة يف نيجرييا‪ ،‬وحدود التقاطع بني إسرتاتيجية الحزب يف إفريقيا مع‬
‫املصالح اإليرانية‪.‬‬

‫أهداف حزب الله اإلستراتيجية في إفريقيا‬


‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫لفهم أهداف حزب الله اإلسرتاتيجية من الوجود يف القارة اإلفريقية‪ ،‬فمن الرضوري إدراك تحول الحزب‬
‫من مجرد ميليشيا محلية‪ ،‬كما تأسس عىل يد عنارص الحرس الثوري اإليراني أثناء الحرب األهلية اللبنانية‬
‫ويف أعقاب الغزو اإلرسائييل للبنان (‪ ،)١٩٨٢‬إىل تنظيم يقارب الدولة يف وظائفها‪ ،‬ويف طبيعة تحركاتها‬

‫‪68‬‬
‫الخارجية(((‪ .‬إذ بعد انتهاء الحرب األهلية اللبنانية‪ ،‬وتأكيد الوضعية العسكرية والسياسية للحزب يف الداخل‬
‫اللبناني‪ ،‬سعى التنظيم إىل مراكمة أسباب القوة السياسية واالقتصادية التي تخدم وظائفه املتعددة يف‬
‫الداخل اللبناني؛ لذا كان توطيد العالقات مع الجاليات اللبنانية الشيعية يف غرب إفريقيا وأمريكا الالتينية‬
‫ً‬
‫هدفا إسرتاتيجيًّا للحزب(((‪ .‬لذا‪ ،‬يمكن القول إن مساعي الحزب اإلسرتاتيجية من الوجود يف إفريقيا تتمثل يف‪:‬‬
‫أ‪ -‬بناء قاعدة للنفوذ االقتصادي والسيايس والعسكري عىل أساس اإلفادة من الجالية اللبنانية الشيعية يف‬
‫دول غرب إفريقيا‪ ،‬ومن العالقات مع الجماعات اإلسالمية املتطرفة خاصة تلك التـي تحولت إىل املذهب‬
‫الشيعي‪ ،‬وعىل رأسها الحركة اإلسالمية يف نيجرييا‪ ،‬كما سيأتي ذكره‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلفادة من املصادر التمويلية الهائلة التـي تقدمها الجاليات اللبنانية الشيعية‪ ،‬والتي تمثل مكونًا‬
‫ً‬
‫رئيسا يف البنية االقتصادية لكثري من دول املنطقة مثل سرياليون وغامبيا والكونغو وليربيا والسنغال‪،‬‬
‫وذلك عن طريق جمع التربعات املالية‪ ،‬والتحويالت النقدية املبارشة‪ ،‬أو املساهمة املبارشة يف تجارة‬
‫األملاس‪ ،‬بطرق مرشوعة أو غري مرشوعة‪ ،‬أو غري ذلك من قطاعات مربحة‪.‬‬
‫ت‪ -‬خلق نطاق ملجابهة النفوذ الغربي وإرسائيل بعيدًا عن املرشق العربي‪ ،‬وبالتايل كسب أوراق تهدد املصالح‬
‫الغربية يف تلك املنطقة يف حال استهداف الحزب أو املرتبطني به يف الداخل اللبناني أو يف سوريا‪.‬‬
‫ث‪ -‬اإلفادة من غياب حكم القانون وعدم انضباط املناطق الحدودية يف تلك املنطقة‪ ،‬بما يخدم مساعي‬
‫الحزب لتكوين روابط مع الجماعات املتطرفة داخل املنطقة‪ ،‬وعمليات التهريب التـي قد يشارك فيها‪.‬‬

‫الجالية اللبنانية وتطور نفوذ الحزب في غرب إفريقيا‬


‫بدأت موجة الهجرة اللبنانية إىل غرب إفريقيا منذ القرن التاسع واتسعت أثناء االنتداب الفرنسـي ‪ ،‬حيث‬
‫(((‬

‫كانت تلك املنطقة الوجهة األوىل للهجرة من القرى واملدن الشيعية املوجودة يف الجنوب وسهل البقاع‪ ،‬قبل‬
‫أن تتجه إىل الخليج العربي يف الخمسينيات والستينيات(((‪ .‬وتحولت هذه األقليات إىل الهيمنة عىل األسواق‬
‫‪ Market-Dominant Minority‬يف العديد من دول املنطقة وعىل رأسها سرياليون(((‪ .‬وقد ساعد تضاؤل‬
‫التنافسية وحاجة االقتصاديات النامية يف املنطقة إىل االستثمارات األجنبية‪ ،‬وبالتايل اتجاهات الحكومات إىل‬

‫((( محمد العربي‪« ،‬أكثر من مجرد وكيل‪ :‬تطور االسرتاتيجية العسكرية لحزب الله»‪ ،‬مركز اإلنذار املبكر‪ ،١٧( ،‬أغسطس‪٢٠٢٠ ،‬م)‪ .‬تاريخ االسرتجاع‪2021 /1/27 :‬‬
‫‪https://2u.pw/KumAr.‬‬
‫‪(2) Joseph Daher, Hezbollah: The Political Economy of the Party of God, 1st ed. (London: Pluto Books, 2016).‬‬
‫‪(3) Andrew Arsan, Interlopers of Empire: Lebanese Diaspora in Colonial West Africa, 1st ed. (Oxford: Oxford University Press, 2014).‬‬
‫‪(4) Daher, Hezbollah, 17.‬‬
‫‪(5) Amy Chua, World on Fire: How Exporting Free Market Democracy Breeds Ethnic Hatred and Global Instability (London:‬‬
‫‪Arrow Books, 2003), 95–125.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪69‬‬
‫تقليل القيود اإلدارية عىل حركة األموال‪ ،‬باإلضافة إىل املهارة التـي أظهرها معظم املهاجرين اللبنانيني يف‬
‫املنطقة‪ ،‬إىل تفوق دورهم االقتصادي ونجاحهم يف الهيمنة عىل عديد من القطاعات االقتصادية‪ .‬وعىل العكس‬
‫من املهاجرين اللبنانيني إىل أوروبا والواليات املتحدة‪ ،‬عاد الكثري من املهاجرين الشيعة إىل لبنان‪ ،‬حيث‬
‫شكلوا قطاعً ا كبريا من طبقة األغنياء الجدد خاصة يف سنوات ما بعد الحرب األهلية‪ ،‬واستثمروا ثرواتهم يف‬
‫قطاعات عديدة مثل البنوك والعقارات والصناعات‪ .‬وهو ما ساهم يف تغيري الرتكيبة االقتصادية يف الداخل‬
‫اللبناني‪ ،‬خاصة من وضعية الطائفة الشيعية التـي كانت تعاني قبل سني الحرب األهلية الفق َر املدقع(((‪.‬‬
‫ويغلب عىل النشاط االقتصادي لشيعة املهجر نمط العائالت والعشائر التي تعمل عرب الحدود يف غرب‬
‫إفريقيا‪ ،‬ويمتد نشاطها للداخل اللبناني‪ .‬وبحكم األسبقية السياسية والقوة العسكرية السابقة لحركة‬
‫أفواج املقاومة اللبنانية «أمل»‪ ،‬تمكنت الحركة من نسج عالقات مبارشة مع تلك العائالت خاصة التي تعمل‬
‫يف تجارة األملاس‪ ،‬وعىل رأسها عائلة «جميل» و«أحمد» حلفاء سياكا ستفينز وجوزيف ساديو موموه رؤساء‬
‫سرياليون السابقني‪ .‬إال أن اندالع الحرب األهلية يف سرياليون (‪ ،)٢٠٠٢-١٩٩١‬وتراجع مكانة أمل لصالح‬
‫حزب الله‪ ،‬أديا إىل إفساح الساحة لألخري‪ .‬استثمر الحزب يف العالقات التـي كونتها حركة أمل من قبله‪ ،‬إال‬
‫أيضا وسع من دائرة العالقات مع عوائل شيعية أخرى يتجاوز نشاطها تجارة األملاس‪ ،‬لتشمل أنشطة‬ ‫أنه ً‬
‫أخرى أقل إثارة للجدل(((‪.‬‬
‫من بني هذه العائالت عائلة تاج الدين التـي تمتلك إمرباطورية تجارية بني غامبيا والكونغو‪ ،‬وارتبط أفرادها‬
‫وعىل رأسهم اإلخوة عيل وحسني وقاسم بعالقات مبارشة بحكام الدولتني مثل ديكتاتور غامبيا السابق يحيى‬
‫جامع وعائلة كابيال يف الكونغو(((‪ .‬ووُضع عدد من أفراد العائلة عىل الئحة العقوبات األمريكية‪ ،‬وألقي القبض‬
‫عىل قاسم تاج الدين يف ‪٢٠١٧‬م قبل أن يفرج عنه مؤخ ًرا بتهمة تمويل «أنشطة إرهابية»(((‪ .‬وتربز ً‬
‫أيضا يف‬
‫وفقا للمخابرات البلجيكية بأنه «مسلم شيعي‬ ‫املنطقة عائلة نصور‪ ،‬وعميدها خليل إبراهيم‪ ،‬الذي يوصف ً‬
‫متعصب له صالت قوية بحزب الله»(‪ .((1‬باإلضافة إىل صالتها بعائلة أحمد ذات النفوذ الكبري يف سرياليون‪،‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫وصاحبة الرشكات العديدة التـي تعمل يف تجارة املجوهرات يف بلجيكا‪ .‬ومن بني العائالت األخرى التـي‬
‫تعمل بني جنوب لبنان وغرب إفريقيا عائلة حجيج‪ ،‬وعميدها قاسم حجيج زعيم الجالية اللبنانية يف الجابون‪،‬‬
‫‪(6) Daher, Hezbollah, 15–19.‬‬
‫‪(7) Carl Anthony Wege, “Hizbollah in Africa,” ISPSW Strategy Series: Focus on Defense and International Security, Issue No.‬‬
‫ ‪197 (August 2012), https://www.files.ethz.ch/isn/151792/197_Wege.pdf.‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(8) Dan Levy, “Hezbollah’s Fundraising Activity in Africa: Focus on the Democratic Republic of Congo,” International Center‬‬
‫‪for Countering Terrorism, Working Paper 12 (March 2013), https://www.ict.org.il/UserFiles/ICTWPS%20-%20Dan%20‬‬
‫ ‪Levy%20-%2012.pdf.‬‬
‫‪(9) “Tajeddine Back to Beirut After Early release from US,” The Daily Star, July 8, 2020, https://www.dailystar.com.lb/News/‬‬
‫‪Lebanon-News/2020/Jul-08/508703-tajeddine-back-in-beirut-after-early-release-from-us.ashx.‬‬
‫”‪(10) “Tajeddine Back to Beirut After Early release from US,‬‬

‫‪70‬‬
‫وصاحب بنك الرشق األوسط وإفريقيا صاحب ‪ MEAB‬الذي دعم أعمال مجموعة اإلنماء التابعة لحزب الله‬
‫والتي تعمل يف لبنان والعراق‪ ،‬وقد وضعته الخزانة األمريكية عىل الئحة العقوبات يف ‪٢٠١٥‬م(‪.((1‬‬
‫يدير الحزب عالقته بهذه الجاليات من خالل وحدة الشؤون الخارجية يف الحزب التي يتزعمها عضو‬
‫املجلس التنفيذي للحزب الشيخ عيل دعموش‪ .‬وتتكون اللجنة من رجال أعمال ودين تدعم الحزب داخل‬
‫أيضا التربعات املقدمة من رجال األعمال‬ ‫أوساط الجاليات اللبنانية يف إفريقيا والغرب‪ ،‬وتنظم وتجمع ً‬
‫واألفراد(‪ .((1‬كذلك‪ ،‬تُجمع التربعات من خالل التحويالت املقدمة إىل الجمعيات األهلية التابعة لحزب الله‬
‫يف الجنوب وضاحية بريوت الجنوبية مثل لجنة اإلمداد وجمعية جهاد البناء وجمعية الشهيد االجتماعية‪،‬‬
‫وغريها‪ ،‬سواء من خالل الحواالت البنكية أو من خالل األموال النقدية كما اتضح يف حادثة تحطم الطائرة‬
‫املتجهة من بينني إىل لبنان يف ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬حيث وجد مع ممثيل الحزب يف بينني أموال تقدر بمليوني دوالر(‪.((1‬‬
‫وفقا للمصارف التي يحددها مجلس شورى‬ ‫وفور وصول هذه األموال إىل لبنان‪ ،‬يُعيد الحزب توزيعها ً‬
‫الحزب‪ .‬وال توجد معلومات دقيقة عن موازنة الحزب ومصارف التربعات التي يقوم بها(‪.((1‬‬

‫األنشطة االقتصادية لحزب الله في غرب إفريقيا‬


‫تشري أغلب التقارير الدولية إىل تورط «حزب الله» يف عدد من األنشطة غري املرشوعة يف منطقة غرب إفريقيا‪،‬‬
‫وعىل رأس هذه األنشطة تهريب األملاس(‪ .((1‬إال أن معظم هذه التقارير تؤكد أن القائمني عىل هذه األنشطة‬
‫إما عنارص من العائالت سابقة الذكر أو متعاطفني مع الحزب‪ ،‬وهو ما يجعل من محاولة تحديد مدى‬
‫«مسؤولية الحزب املبارش» عن هذه األنشطة أم ًرا صعبًا‪ ،‬وإن كان ال ينفي أن هذه األنشطة وغريها تصب‬
‫يف قنوات التمويل املعقدة التـي تعزز موارد حزب الله االقتصادية دوليًّا ومحليًّا‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬نجح‬
‫وفقا للتقارير ذاتها يف دمج هذه األنشطة مع عدد آخر من األنشطة املرشوعة سواء من خالل قنوات‬ ‫الحزب ً‬
‫بنكية أو تعاقدات تقوم بها العائالت الحليفة يف املنطقة مع حكومات املنطقة‪.‬‬
‫يرى بعض الخرباء يف األمن أن التعامالت غري الرسمية التـي تختلط فيها الروابط األرسية باألعمال األهلية‬
‫تصعب من عملية تعقب األموال املتدفقة وتحديد ما إذا كانت تمول أنشطة الحزب أم ال‪ .‬أما أجهزة مكافحة‬
‫اإلرهاب وتمويله يف الغرب‪ ،‬خاصة يف واشنطن‪ ،‬فإن وجود أي روابط‪ ،‬حتى لو غري تنظيمية‪ ،‬بني أفراد من‬
‫‪(11) Daher, Hezbollah, 81.‬‬
‫‪(12) Daher, Hezbollah, 71.‬‬
‫‪(13) Peter Pham, “Hizbollah’s African Network,” Foundation for Defense of Democracies, August 10, 2006, https://www.fdd.org/‬‬
‫‪analysis/2006/08/10/hezbollahs-african-network/‬‬
‫‪(14) Patrick Gros, “Kassem Hejiej’s Story: The Enemy of My Enemy May or May Not Be My Friend,” Forbes, October 11, 2016,‬‬
‫‪https://www.forbes.com/sites/realspin/2016/10/11/kassem-hejeijs-story-the-enemy-of-my-enemy-may-or-may-not-be-my-friend/.‬‬
‫‪(15) Eddy Maloka, “Africa and the War on Terror,” New England Journal of Public Policy 19, no. 2 (2005), https://2u.pw/QHk66.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪71‬‬
‫حزب الله والجاليات الشيعية يف غرب إفريقيا كفيلة بتأكيد انخراط الحزب يف عمليات التجارة غري املرشوعة‬
‫والتهريب‪ .‬ومن خالل فرض عقوبات عىل هذه العائالت‪ ،‬تتصور واشنطن أن هذا يضعف تأثري حزب الله‬
‫يف الداخل اللبناني‪ ،‬وتشمل العقوبات التـي طالت مواطنني لبنانيني من دول غرب إفريقيا مثل غامبيا‬
‫وليربيا وسرياليون والكونغو والسنغال وضعهم عىل اللوائح السوداء‪ ،‬ودعم اإلرهاب‪ ،‬ومنعهم من التعامل‬
‫مع البنوك األمريكية أو الحصول منها عىل دوالرات أمريكية(‪.((1‬‬

‫ومن بين هذه األنشطة التي ارتبط اسم حزب الله بها في غرب إفريقيا‪:‬‬
‫• تجارة األملاس‪ :‬اتجه حزب الله مع بداية األلفية إىل االنخراط املبارش يف التجارة من خالل التعامل مع‬
‫أصحاب املناجم املحليني والتجار اللبنانيني يف أماكن معروفة يف رشق سيرياليون وأخرى معزولة يف ليربيا‬
‫والكونغو ووسط إفريقيا(‪ .((1‬يصدر عمالء الحزب األحجار عالية الجودة إىل أنتويرب يف بلجيكا واألحجار‬
‫األقل جودة يف مراكز التقطيع والصقل يف الهند‪ ،‬وهو ما يعود يف كلتا الحالني بعوائد ضخمة للحزب(‪ .((1‬يف‬
‫الوقت نفسه تدير عائالت مثل «أحمد» و«نصور» رشكات مجوهرات عديدة يف مدينة «أنتويرب» البلجيكية‬
‫املعروفة بعاصمة األملاس يف العالم كواجهة رشعية لعديد من عمليات التهريب التـي تتم عرب الحدود‪.‬‬
‫ووفقا لتقارير أمريكية‪ ،‬فانخراط الحزب املبارش أو غري املبارش يف تلك التجارة‪ ،‬ليس الهدف منه مجرد‬‫ً‬
‫أيضا الحصول عىل مصادر تمويل مبارشة(‪.((1‬‬ ‫غسيل األموال‪ ،‬كما قامت القاعدة يف عهد بن الدن‪ ،‬بل ً‬
‫• عمليات التهريب‪ :‬أصبح غرب إفريقيا يف السنوات األخرية منطقة اللجوء األكثر أهمية للبنانيني‬
‫الذين يضيق عليهم خناق الواليات املتحدة يف أمريكا الالتينية‪ ،‬حيث توفر املنطقة فرصة جديدة إلعادة‬
‫االستثمار‪ ،‬وبالتايل دعم عمليات تمويل الحزب‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬كانت املنطقة معرب تجارة املخدرات‬
‫والبضائع املهربة من أمريكا الالتينية إىل أوروبا والتـي تورط فيها عدد من العنارص اللبنانية العاملة‬
‫يف منطقة الحدود الثالثية بني األرجنتني والربازيل والبارغواي وعىل رأسها عائلة بركات املوضوعة عىل‬
‫الئحة العقوبات األمريكية(‪ .((2‬كذلك‪ً ،‬‬

‫متابعات افريقية‬
‫وفقا للتقارير ارتبط اسم بعض عنارص الحزب بشبكات تهريب‬

‫‪(16) David Lewis, “Insight: US and Allies Target Hezbollah’s Financing, Ties in Africa,” Reuters, September 20, 2013, https://‬‬
‫‪www.reuters.com/article/us-syria-crisis-hezbollah-africa-insight/insight-u-s-and-allies-target-hezbollah-financing-ties-in-‬‬
‫‪africa-idUSBRE98J04L20130920.‬‬
‫‪(17) “Hezbollah and the West African Diamond Trade,” Middle East Intelligence Bulletin 6, nos 6–7 June/July 2004), https://‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪www.meforum.org/meib/articles/0407_l2.htm.‬‬
‫”‪(18) Wege, “Hizbollah in Africa.‬‬
‫”‪(19) Pham, “Hizbollah’s African Network”; Levy, “Hezbollah’s Fundraising Activity in Africa.‬‬
‫‪(20) Emanuele Ottolenghi, “From Latin America to West Africa: Hezbollah’s Complex Web of Connections is Fuelling its‬‬
‫‪Terrorist Activity,” The National, August 29, 2019, https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/from-latin-america-‬‬
‫‪to-west-africa-hezbollah-s-complex-web-of-connections-is-fuelling-its-terrorist-activity-1.904231.‬‬

‫‪72‬‬
‫البرش بني مايل‪ ،‬واتهمت السلطات األمريكية يف ‪ ٢٠١١‬البنك اللبناني الكندي ‪ LCB‬بغسيل أموال من‬
‫تجارة السيارات املهربة عرب العنارص املرتبطة بحزب الله من خالل قنوات البنك يف غرب إفريقيا(‪.((2‬‬
‫• التعاقدات الحكومية‪ :‬يف ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬منحت حكومة الكونغو الديمقراطية رشكة ترانس‪ -‬إم اململوكة‬
‫لعائلة تاج الدين امتيا ًزا يقدر بحوايل ‪ ٢٥٠‬ألف هكتار ملدة خمس سنوات‪ .‬وتعترب هذه الرشكة وكيالً‬
‫لرشكة أخرى هي كونغو فوتور‪ ،‬وهي رشكة اعتربتها وزارة الخزانة األمريكية مجرد واجهة ألعمال‬
‫حزب الله يف ‪٢٠١٠‬م‪ .‬وتعمل هذه الرشكة يف قطاعات عديدة؛ العقارات واالسترياد والتصدير والبناء‬
‫وإنتاج األوكسجني وقطع الغابات‪ ،‬وتعتمد الرشكة عىل شبكة صغرية من رجال األعمال الشيعة املقربني‬
‫من حزب الله والذين يديرون رشكات أصغر مثل تاجكو ليميتد وأولفاس التجارية(‪.((2‬‬

‫بناء قاعدة للتشيع السياسـي في غرب إفريقيا‬


‫بدأ الوجود الشيعي يف نيجرييا يف أواخر السبعينيات وتزامن مع الثورة اإلسالمية يف إيران‪ ،‬حيث توافد عدد‬
‫من الشباب من ذوي التوجهات اإلسالموية عىل إيران التـي قامت بتمويلهم وتدريبهم‪ ،‬لتتأسس الحركة‬
‫اإلسالمية يف نيجرييا عىل يد إبراهيم زكزاكي الذي تحول إىل التشيع‪ ،‬ونجحت جهود إيران وزكزاكي يف تحويل‬
‫عدد كبري من مسلمي نيجرييا إىل املذهب الشيعي االثني عرشي‪ ،‬وساعد عىل ذلك انتشار الطرق الصوفية‬
‫ً‬
‫تعاطفا مع دعوى آل البيت‪ .‬دعا زكزاكي‪ ،‬الذي تأثر يف شبابه بأيديولوجيا‬ ‫القادرية والتيجانية التـي تحمل‬
‫اإلخوان املسلمني وسيد قطب‪ ،‬إىل إقامة جمهورية إسالمية تحكمها الرشيعة عىل نحو ما يوجد يف إيران‪ ،‬وهو‬
‫ما أدى إىل صدامه مع الحكومة النيجريية واعتقاله عدة مرات(‪ .((2‬من ناحية أخرى‪ ،‬أخذت الحركة يف التسلح‬
‫والتدريب لتحقيق هذا الهدف لتسفر عن توجهات جهادية تحاول إقامة جمهورية شيعية‪ .‬أدى اتساع نطاق‬
‫الحركة وزيادة وترية التشيع إىل دخول الحركة يف صدام دموي مع الحكومة النيجريية وهو ما أسفر عن‬
‫وقوع مذبحة زاريا عىل يد الجيش النيجريي بحق عدد من املدنيني الشيعة يف ‪٢٠١٥‬م‪ ،‬وكذلك الصدام مع‬
‫جمعية «اإلزالة» السلفية التي تحاول الحد من نفوذ التشيع والتصوف يف غرب إفريقيا(‪.((2‬‬
‫كان لحزب الله دور يف دعم الحركة اإلسالمية يف نيجرييا وكذلك دعوى التشيع؛ إذ استقبل الحزب يف‬
‫السنوات األخرية عددًا من قيادات الحركة اإلسالمية‪ ،‬حيث انخرط هؤالء يف برامج دينية وتدريب عسكري‪،‬‬
‫ويبدو أن هذا الربنامج محدود ويعمل بأسلوب هرمي‪ ،‬حيث من املتصور أن يقود هؤالء عمليات التدريب يف‬
‫”‪(21) Levy, “Hezbollah’s Fundraising Activity in Africa.‬‬
‫”‪(22) Wege, “Hizbollah in Africa.‬‬
‫‪(23) Mona Alami, “Hezbollah Allegedly Training Nigerian Shiites to Expand Influence in West Africa,” Middle East Institute, July‬‬
‫ ‪5, 2018, https://www.mei.edu/publications/hezbollah-allegedly-training-nigerian-shiites-expand-influence-west-africa.‬‬
‫”‪(24) Alami, “Hezbollah Allegedly Training Nigerian Shiites to Expand Influence in West Africa,‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪73‬‬
‫نيجرييا‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬تعمل الحركة اإلسالمية يف نيجرييا عىل إعادة إنتاج نموذج حزب الله من حيث‬
‫إدارة األنشطة التعليمية واالجتماعية‪ ،‬فتدير الحركة ‪ ٣٠٠‬مدرسة ومركز إسالمي‪ ،‬وعددًا من املشايف‪ ،‬وكذلك‬
‫تدير آلة إعالمية قوية للدعوى والتجنيد تحاول فيها استلهام أساليب حزب الله؛ فتصدر جريدة امليزان‪،‬‬
‫وتطلق إذاعة عىل اإلنرتنت بلغة الهوسا «الشهداء»‪ ،‬كما أن الحركة كانت تخطط إلطالق محطة تلفزيونية‬
‫تشابه تلفزيون املنار اللبناني‪.‬‬
‫وجاء نفوذ حزب الله إىل الواجهة يف ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬عندما قبضت السلطات النيجريية يف مدينة كانو الشمالية‬
‫عىل شخصني اتضح انتماؤهما للحزب وكان بحوزتهما عدد هائل من األسلحة الخفيفة واألخرى املضادة‬
‫للدبابات واملتفجرات(‪ .((2‬ويبدو أن هذه األسلحة كانت يف سبيلها لعدد من املتمردين من داخل نيجرييا‬
‫وخارجها‪ .‬وهو ما رفع درجات حذر حكومات املنطقة من األنشطة «األمنية» املحتملة لحزب الله يف املنطقة‪.‬‬

‫إيران وحزب الله في إفريقيا‪ :‬تقاطع اإلستراتيجية‬


‫تمثل الحالة النيجريية نموذجً ا للتقاطع بني مصالح كل من حزب الله وإيران يف غرب إفريقيا‪ ،‬حيث يبنـي‬
‫الحزب وجوده عىل جهود دعوة التشيع عىل مدار عقود؛ إال أنه من الواضح أن الحزب يعمل بمعزل عن‬
‫السياسة اإليرانية تجاه املنطقة‪ ،‬ويحظى بفرص نجاح أكرب نظ ًرا العتماده عىل قاعدة العائالت الشيعية‬
‫املوالية له املنترشة عرب بلدان املنطقة‪ ،‬والتـي تحظى بوضع اقتصادي متميز داخل كل بلد‪ .‬وتمثل القيمة‬
‫املضافة من استثمارات وأنشطة اقتصادية رضورة للعديد من حكومات املنطقة؛ وهو ما يجعلها تتساهل‬
‫مع أي شكوك حول األنشطة غري الرشعية أو املشبوهة‪.‬‬
‫أما إيران‪ ،‬فتقابل جهودها بتشكك كبري من دول املنطقة؛ نظ ًرا ملحاولتها بناء طرق لتهريب األسلحة التـي‬
‫تؤدي لزعزعة استقرار املنطقة(‪ .((2‬ويف أحيان كثرية أدت هذه املحاوالت إىل نتائج عكسية تتمثل يف تدهور‬
‫العالقات بني دول املنطقة وإيران‪ .‬أبرز األمثلة عىل ذلك حادثة اكتشاف أجهزة األمن النيجريية لسفينة‬

‫متابعات افريقية‬
‫األسلحة اإليرانية بأحد موانئ أبوجا يف ‪٢٠١٠‬م‪ .‬أدت التحقيقات التالية إىل اكتشاف تورط أفراد من الحرس‬
‫الثوري اإليراني وراء حمولة األسلحة وأنها كانت يف طريقها لتسليح ميليشيات جهادية يف شمال نيجرييا‪،‬‬
‫ً‬
‫حليفا إليران يف املنطقة‪.‬‬ ‫وحركات معارضة يف جنوب السنغال ولنظام يحيى جامع يف غامبيا الذي كان يعترب‬
‫دفعت هذه الحادثة إىل قطع غامبيا والسنغال للعالقات الدبلوماسية مع إيران يف ‪.((2( ٢٠١١‬‬
‫رجب ‪144٢‬هـ ‪ -‬فرباير ‪2021‬م‬

‫‪(25) Dawit Giorgis, “Nigeria’s Hezbollah Problem,” CNN Special Report, June 14, 2013.‬‬
‫‪(26) Cameron Evers, “Iran’s Other Shadow War is in Africa,” War is Boring, May 1, 2016, https://warisboring.com/irans-other-‬‬
‫‪shadow-war-is-in-africa/.‬‬
‫‪(27) “Senegal Sever Ties with Iran Over Rebel Weapons,” Reuters, February 22, 2011, https://www.reuters.com/article/ozatp-‬‬
‫‪senegal-iran-20110223-idAFJOE71M01A20110223?edition-redirect=uk.‬‬

‫‪74‬‬
‫ربما دفع هذا اإلخفاق إيران لرتكيز جهودها عىل محاولة اخرتاق أمن منطقة القرن اإلفريقي ملا تمثله من‬
‫ً‬
‫سابقا إقناع نظام البشري ببناء‬ ‫أهمية قصوى للمعابر يف مضيق باب املندب والبحر األحمر(‪ .((2‬حاولت إيران‬
‫قاعدة لتمرير األسلحة عرب رشق السودان‪ ،‬إال أن محاولتها باءت بالفشل‪ ،‬كما أن قوات التحالف العربي‬
‫يف حرب اليمن نجحت يف قطع سبل تهريب السالح إىل اليمن عرب املنطقة‪ .‬كما أن الحرب أدت إىل تقليص‬
‫وجودها العسكري يف إريرتيا‪ ،‬مع التحاق األخرية بالتحالف العربي‪ .‬وظهرت مؤخ ًرا دالئل عىل تورط إيران‬
‫يف تسليح حركة الشباب الصومايل‪ ،‬وغريها من الحركات املتطرفة يف املنطقة(‪ .((2‬ويبقى أن قصور القدرات‬
‫عائقا أمام بنائها ألي حضور حقيقي يف املنطقة‪ ،‬ومن‬‫العسكرية إليران‪ ،‬وعجز أدواتها االقتصادية يقعان ً‬
‫ثم يف بقية القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫نجح حزب الله يف بناء شبكة تمويل وقاعدة للنفوذ السيايس بناء عىل قوة العالقات مع الجالية اللبنانية‬
‫يف غرب إفريقيا والعوائل الشيعية النافذة يف املنطقة‪ .‬تعمل هذه الشبكة عىل تأمني موارد التمويل الالزم‬
‫لدعم أنشطة التنظيم يف الداخل اللبناني‪ ،‬إىل جانب مصدر التمويل الرئيس القادم من طهران‪ .‬وتعترب هذه‬
‫الشبكة حلقة يف شبكة أوسع تمتد غربًا من األمريكتني وصوال ً ألوروبا‪ .‬تتضمن موارد التمويل التربعات‬
‫التـي يتلقاها التنظيم من رجال األعمال والعائالت الشيعية‪ ،‬إىل جانب انخراط عنارصه‪ ،‬والعائالت واألفراد‬
‫املرتبطة به يف أنشطة اقتصادية يختلط فيها الرشعي بغري الرشعي‪ .‬وعىل الرغم من حذر حزب الله لبناء‬
‫وجود أمنـي يف معظم دول غرب إفريقيا‪ ،‬إال أنه نجح يف بناء عالقات مع التنظيمات الشيعية املتطرفة‬
‫ً‬
‫خصوصا‬ ‫خاصة يف نيجرييا‪ ،‬حيث توجد أقلية شيعية معتربة ومسيسة‪ .‬هناك محاوالت غربية وأمريكية‬
‫الستهداف مصادر تمويل حزب الله يف غرب إفريقيا‪ ،‬من خالل وضع العديد من رجال األعمال عىل قائمة‬
‫العقوبات بدعوى املساهمة يف تمويل اإلرهاب‪ ،‬إال أن تعقد شبكة التمويل وتجذر األنشطة االقتصادية‬
‫للجالية اللبنانية يف غرب إفريقيا‪ ،‬فضالً عن ضعف حوكمة وضبط الحدود يف املنطقة ال يشري ذلك إىل قدرة‬
‫الجهود األمريكية عىل اجتثاث وجود حزب الله يف املنطقة‪.‬‬

‫(‪ ((2‬محمد العربي‪« ،‬ماذا تريد إيران من التواجد يف القرن اإلفريقي والبحر األحمر‪ »،‬مركز اإلنذار املبكر‪ ،٧( ،‬سبتمرب‪٢٠٢٠ ،‬م)‪ .‬تاريخ االسرتجاع ‪2021/1/27‬‬
‫‪https://2u.pw/jsDOq.‬‬
‫‪(29) Muhammad Frazer-Rahim and Mo Fatah, “In Somalia, Iran is Replicating Russia’s Afghan Strategy,” Foreign Policy, July‬‬
‫‪17, 2020, https://foreignpolicy.com/2020/07/17/iran-aiding-al-shabab-somalia-united-states/.‬‬

‫‪www.kfcris.com‬‬ ‫‪75‬‬
‫متابعات افريقية‬
www.kfcris.com
78

You might also like