Professional Documents
Culture Documents
مشكلات الفلسفة برتراند رسلvv
مشكلات الفلسفة برتراند رسلvv
مشكالت الفلسفة
ترجمة
سمي عبده
ر
Bertrand Russell
THE PROPLEMS OF PHILOSOPHY
اعتف لألشياء الخارجية جود مستقل عن وجود اإلنسان، وقد امتاز رسل بالواقعية الجديدة بحيث أنه ر
الخارج ال يعدو
ي المثاليي من الفالسفة الذين يديرون مذهبهم عىل محور رئيس ،هو أن الوجود ر ذلك أن
ً
أن يكون تمثال يف الذات العارفة ،وأنه ال سبيل أمام اإلنسان أن يخرج من إهابه لينظر يف الخارج بمعزل عن
ً ً
الخارج موجود وجودا مستقال عن اإلنسان ،وأن عملية
ي حي أن رسل يرى أن العالم نفسه وفكره .يف ر
الخارج ثم تطرق الحاسة ثم تنتقل عن طريق األعصاب إىل ر
الشء
ي ه سلسلة سببية تبدأ من ي اإلدراك ي
.المخ
إن الكالم عىل رسل وفلسفته يطول ويتطلب المجلدات وهو الذي ُعد عدو الخرافة وربيب العقل بحيث
الكبت :ي
إنت مدين بعدد ال يحىص من الساعات السعيدة لقراءة مؤلفات ر قال عنه ألتت أينشتاين العالم
علم معارص آخر سء ال أستطيع أن أقول مثيله عن أي كاتب ر
ي .رسل ،وهو ي
الماض من خالل ترجمات كتبه؛ ي وإذا كان هذا الفيلسوف قد عرف ربي قراء العربية منذ منتصف القرن
وبي تعريب أفكاره أو ر
(خاصة بعد نيله جائزة نوبل)؛ فقد تفاوتت التجمات ربي النقل لنصوصه فيما ندر ر
بالتجمة ،فإن الكتاب الذي نضعه ربي أيدي تلخيصها أو حذف بعض الفصول منها .ومع تقديرنا لمن قام ر
الكثت من
ر الماض ،محذوفا منه
ي القارئ هو ترجمة جديدة لنص سبق وترجم منذ ستينيات القرن
مشوع ترجمة مؤلفات هذا الفيلسوف ،وهو التاسع يف الصفحات والسطور ،وجاءت ترجمتنا له من خالل ر
.هذه السلسلة
ً
كان مقدرا لهذا الكتاب أن يصدر عام 1987بعد نيلنا الموافقة عىل طباعته؛ ولكن أحد األصدقاء طلب أن
عتت عىل النص ر ً
مفقودا إىل أن ر ر ر ر
المتجم بخط يدي عام وبق
يطلع عىل التجمة رقيل النش ،فأضاعه ،ي
ً
اف المركونة قبل طباعته عىل اآللة الطابعة ،وبذلك أصبح جاهزا للطبع 2015.من ربي أور ي
ً وقد ضمنا ر
الكثت من المصطلحات متخطي بها ر
ر التجمة ثبتا بالمصطلحات األجنبية المستعملة يف الكتاب،
اإلنكلتية؛
ر الت شاع استعمالها مع كونها ليست دقيقة بالضبط ،وكانت ترجمتنا (كاملة) لنص الطبعة ر
ً ي
بحيث لم نحذف شيئا من الكتاب ،أو نزيد عليه عىل أمل أن يتمكن قارئ الفلسفة من أن يطلع عىل
.مشكالت الفلسفة كما يراها رسل
.سمير عبده
دمشق
مقدمة المؤلف
التفكت
ر كثتة عىل أنها حقيقة عىل أساس الفحص الدقيق وال يمكننا إال بعد قر عظيم من إننا يف حياتنا اليومية نفرض أشياء ر
لبقي يصبح من ْ َ
ض البحث عن ا ر العميق أن نعرف ما الذي يمكننا أن نعتقد به ف ما يتعلق بالحقيقة هذا إىل أنه يف مع ِر ٍ
المعان يجب دون شك أن نستمد المعرفة منهاء ولكن أي حكم عما يمكن أن ي وف معت من الطبيع البدء بتجارينا الحارصة» ي ي
كرس حول منضدة عىل اآلن جالس أن ىل يبدو قد .للخطأ األرجح عىل معرض حكم هو معرفته» إىل ة ر
المباش تجاربنا تؤدي
ًي ي ي
المبان
ي أس أبرص خالل الناقذة عددا من .
ذات شكل محدود» حيث أرى فوقها صحائف مكتوبة أو مطبوعة وإذا أدرت ر ي
وتسعي مليون ميل عن األرضء وأنها كرة حارة أكت من األرض مرات
ً ر وإن ألعتقد أن الشمس تبعد ثالثة والسحب والشمس .ي
غت محدود يف المستقبل .وأعتقد أيضا أن أي ر
عديدة؛ وأنها بسبب دوران األرض تشق كل صباح؛ وستستمر يف ذلك إىل أجل ر
ه ذات ر ر
الت أراها ي والمناضد والكتب واألوراق» وأن المنضدة ي ي ً
غرفت هذه يرى نفس ما أرى من الكراس ي إنسان سوي يدخل
اع .كل ذلك بدو واضحا لدرجة تكاد أن ال تستحق الذكر ؛ إال يف جواب لرجل يشك رذ عىل تضغط بأنها أشعر ر
الت
ً ً ي المنضدة ي
يقتىص نقاشا دقيقا قبل أن ي بأنت ألم بأي قدر من المعرفة .ومع ذلك فكل هذا يمكن من الناحية العقلية الشك فيه؛ وهو ما ي
.تصل إىل الثقة بأننا قد أفصحنا عنه بصورة صحيحة كاملة
ر ر
للعي مستطيلة» بنية اللون المعة؛ فه ر الت تعتضنا واضحة دعنا تركز اهتمامنا عىل المنضدة .ي ولك نجعل الصعوبات ي ي
مع يف هذا الشأن أي شخص يرى هذه المنضدة وسيتفق .خشت صوت منها لخرج عليها طرقت ولو صلبةء باردة وللمس
حت ال تنشأ أية صعوية يف هذا الشأن»ي ولكن حالما نجرب أن نكون ر
أكت دقة تبدأ حي تطرق» ر
ي ويلمسها ويسمع صوتها ر
ر
الت تعكس الضوء ي اءها
ز أج فإن الواقع»» «ف
ي واحد لون ذات ائها
ز أج بجميع المنضدة أن أعتقد الظهور .ومع ي
أن
ً
متاعبنا يف
ر
بأنت إذا تحركت ف
وأن ألعلم ي تبدو أشد لمعانا من أجزائها األخرى وبعض تلك األجزاء تبدو بيضاء بسبب الضوء المتعكس .ي
حت ليختلف التوزي ع الظاهري لأللوان عىل وجه المنضدة .ويأخذ من ذلك أنه لو كان الت تعكس الضوء؛ ر ر
تختلف األجزاء ي
عدد من
10
الناس ينظرون إىل المنضدة يف لحظة واحدة لما اتفق إثتان متهم عىل ما يريان من توزي ع األلوان بدقة» ذلك ألنه يتعذر أن
الت ينعكس فيها الضوءر
تغيتا يف الطريقة ي
يقتىص ر
ي تغت يف وجهة النظر.يراها اثتان من وجهة نظر واحدة» وكل ر
يقىص عىل
ي إن هذه االختالفات ليست مهمة ألغلب األهداف العملية» ولكنها تتصف باألهمية الكاملة للرسام» إذ عليه أن
التفكت الذي يدعوه ألن يرى أن األجسام تبدو ولها من األلوان ما تراه الفطرة السليمة أنه ألوانها الحقة» وأن ر ما تعوده من
يعا ببداءة ذلك التميت الذي ر ً ر
التميت
ر وهو للفلسفة العناء من كثت
ر منه يأن ر ش نلتق نحن وها .تبدو كما ءاألشيا الصبار يتعود
ه .فأما ما يريد أن يعرفه الرسام فهو األشياء كما تبدو» التميت ربي األشياء كما تبدوء واألشياء كما ي
ر ربي «الظاهر» ودالواقم»
ر
الت تعتض الجواب التام للسؤال بعينه ر
عىل أن رغبة الفيلسوف ف المعرفة أشد من رغبة الرجل العادي؛ وعلمه بالصعاب ي ر
.أكت من صاحب الشأن
ر ً
الحقيق للمنفدة؛
ي غته كيما يكون اللون
إذا عدنا إىل المنضدة يتضح لنا مما رأيناه أن ثمة لونا يبدو بصورة بارزة بالنسبة إىل ر
معي منها فإنها تبدو ذات ألوان من مختلف وجوه النظر تتعدد بتعدد وجهات النظر إليهاء وليس هناك حت وال لون جزء ر ر
ر ر
سبب العتبار بعضها أكت واقعية من األخرى .بل نحن نعلم أنه حت نقطة رؤية معينة واحدة يبدو اللون مختلفا من جراء
تتغت
الضوء المصطنع؛ أو لرجل يستعمل نظارات زرقاء » ولو أن المنضدة يف الظالم ال لون لها عىل اإلطالق مع أنها ال ر
بسبب اللمس
11
12
ً
متفرجتي .ولو كانت «
ر وأخريي
ر حادتي
ر اويتي
يف الواقع»؛ فإنها سوف تبدو من جميع نقط الرؤية إليها تقريباء وكأن لها ز ر
متوازيتي» فإنهما تبدوان كأنهما تلتقيان يف نقطة بعيدا
ر ًالجهتان المتقايلتان
ان أطول من الجهة البعيدة وكل هذه أمور ال ر ر ر
ذان طول متساوء فإنهما تبدوان وكأن الجهة القريية من الر ي
ان» وإن كانتا ي
عن الر ي
«الواقع» من الشكل الظاهر» والشكل ي تالحظ عادة عند الرؤية للمنضدة» ذلك ألن التجربة علمتنا أن نؤلف الشكل
يتغت
ر اه
ر ت وما اه؛
ر ن مما مستنتج ء س ر وهو اه
ر «الواقع» ليس كما ت عمليي .ولكن الشكل
ر «الواقع» هو الذي يعيننا كأناس
ي ًي ي
شكله باستمرار حيثما نتحرك خالل الغرفة» فالحواس هنا أيضا ال تعطينا الحقيقة عن المنضدة ذاتهاء بل عىل ظاهرة
المنضدة فحسب
ً
ولو تأملنا حاسة اللمس لنشأت لنا صعاب مشابهة .فصحيح أن المنضدة تجعلنا نحس دوما بالصالبة» ونشعر أنها تقاوم
هذا الضغط» لكن ما نشعر به من إحساس يعتمد عىل مقدار ضغطنا وعىل الجزء الضاغط من جسمناء وعىل هذا
فاألحاسيس المتأتية من درجات متفاوتة من الضغوط أو من أجزاء مختلفة من الجسم » ال يمكن اعتبارها كاشفة بصورة
ً ر
ه المسببة ي تشت إىل صفة ماء ولعل هذه الصفة
مباشة عن صفة محددة من صفات المنضدة؛ بل غالبا ما تكون إشارات ر
لما نشعر به من أحاسيس؛ وإن لم تكن ف الواقع ظاهرة بالفعل ف تلك األحاسيس نفسها .ومثل هذا يصدق بوضوح ر
أكت ي ي
.عىل ما ينبعث من المنضدة من أصوات حينما يطرق عليها
13
ولهذاء فمن الجىل إن صحة هذه الصفة ف المنضدة الحقيقية ال تطابق ما نعانيه ر
مباشة من خالل البرص أو اللمس أو
ر ي ً
قطعا مما نعرفه ر
ي
المباشة. مباشة وال تعدو أن تكون نتيجة نستنتجها من تلك المعرفة السمع .إنها عىل فرض وجودها ليست
ً
عستان وهما
ر :ولذلك ينشا عن ذلك سؤاالئ
سء يا2-ر
إن كان الجواب إن فأي ي
واضحا محددة ولذلك فسنطلق لفظ «الحقائق الحسية» عىل تلك األشياء ر ً
الت نصل بعىص االصطالحات مما يكون ممناما
مباشة عن طريق األحاسيس :كاأللوان واألصوات والروائح والصالبة والخشونة وهلم جراء وسنطلق لفظ إىل معرفتها ر
حت نعرف هذه األشياء معرفة ر
مباشة بتلك األشياء .وهكذاء حينما نرى لونا ماء فإن ما نقوم به هو اإلحساس «اإلحساس» ر
الوع فهو
ي فأحد موضوعات الحس» وليس هو باإلحساسً .فاللون هو ما نكون عىل ي
وع به؛ أما
ً
باللون» أما اللون نفسه
ظاهرة حسية وليس إحساسا .ويتضح من هذا أنه إذا كان لنا أن نعرف شيئا عن المنضدة» فسبيلنا إىل ذلك إنما هو الحقائق
الحسية -اللون البتء الشكل المستطيل» النعومة… إلخ مما تعرفه عادة بالمنضدة؛ وال يمكنناء لما تقدم من األسباب
مباشة للمنضدة .ومن هناحت وال القول بأن الحقائق الحسية خصائص ر القول بأن المنضدة إنما ه الحقائق الحسية» ر
ي
.تتجم مشكلة العالقة ربي الحقائق الحسية والمتضدة الواقعية هذا عىل فرض وجودها
14
ر
«الشء المادي» .وعلينا أن ننظر ف العالقة ربي الحقائق الحسية أما المنضدة الواقعية» إذا وجدت؛ فسنطلق عليها
ً ر
يىل
اآلنق الذكر كما ي
ي الت يطلق عليها جميعا اصطالح «المادة» .وستعدل سؤالينا
:واألشياء المادية ي
هل هناك مادةة يف الوجود؟1-
ً
إن كان الجواب إثاتا؛ فما طبيعتها؟2-
غت مستقلة عنا هو الت تدعو لحسبان األشياء المؤثرة ف حواسنا ر
مباشة ر عت خاصة بذكر األسباب ر وقد كان أول فيلسوف ر
ي
المتتشككي والمالحدة
ر كىل ( .)1753 - 1685فقد حاول يف كتابه المحاورات الثالث ربي هيالس وفيلونوس إزاء األسقف ربت ي
سء يدع مادة قطء وأن العالم ال يتألف إال من العقول واألفكار» ويبدأ «هيالس» يف أن شد يثبت أن ليس هناك من ر
ً ي ً
الحوار مؤمنا بالمادة ولكنه لم يكن قرينا ل «فيلونوس» الذي يدفع به دون رحمة إىل جملة من المتضادات والنقائض»
خطت الت يستخدمها فذات رصوب مختلفة؛ منها ما هو ر وينته إىل تقرير إنكاره للمادة وكاية أمر فطري سليم .أما الت ر
ر اهي ي
كىل فضل أنه من ربي أن وجود المادة أمر يمكن واضح الحجة سليمهاء ومنها ما هو مضطرب أو ما يقوم عىل اإلبهام .لكن ر
لبت ي
ر
إتكاره دون أن يكون موضع سخف» وأنه إن كانت ثمة أشياء موجودة مستقلة عنا فه حتما ليست الموضوعات المباشة
١ألحاسيسنا.
ثمة مشكلتان مختلفتان ينطوي قيهما السؤال عما إذا كانت المادة موجودة؛ ومن المهم أن نوضحهما .ونحن ي
نعت عادة
ًبالمادة شيئا
15
ً ً
الوع .وب هذا
ي وغت قابل بصورة جذرية ألي شكل من أشكال الفكر أو يقابل العقل» شيثا نفكر فيه باعتباره يشغل مكانا ر
ه يف ر
الت نعدها عادة عالمات عىل وجود المنضدة ي كىل المادة» أي أنه ال يتكر أن الحقائق الحسية ي
المعت خاصة ينكر ربت ي
عقىل» أي الاهر بعقل وال بابتكار ينطوي عليها غتالشء هو ر ر ر
ي سء مستقل عناء ولكنه ال ينكر أن هذا ي الواقع عالمات عىل ي
عقل ماء وهو يقر أنه ال بد أن يكون هناك رسء ما مستمر الوجود إذا غادرنا الغرفة أو أغمضنا عيوناء وأن ما ندعوه رؤية
ر بشء ما يستمر وجوده ر ر
الشء ال يمكن
ً حي ال ننظر إليه .ولكنه يرى أن هذا ي حت ر ً المنضدة يحملنا يف الحقيقة عىل االعتقاد ي
أن يختلف يف جوهره عما نراه وال يمكنه أن يكون مختلفا بصورة جوهرية عما نرى» وإن كان من الالزم أن يكون مستقال عن
كىل بهذه الصورة إىل أن يعد المنضدة «الواقعية؟ فكرة يف عقل هللا .وهذه الفكرة تحتوي عىل الديمومة رؤيتنا .وينساق ربت ي
ً
ه الحال يف المادة شيئا ال يمكن معرفته بمعت أننا ال نستطيع إال أن تكون كما ي واالستقالل عن ذواتناء من دون أن
ر ً
.نستنتجه؛ وال يمكنا إال معرفته وشيكا ومباشة
ً
كىل أنه؛ بالرغم من أن وجود المنضدة مثال ال يعتمد عىل رؤيتنا لها فإنه يعتمد عىل أن يراها أو
وقد أقر فالسفة آخرون بعد ربت ي
ً
الجماع للكون .وهم يتمسكون بهذا ي العقل الغالب في ولكن هللا عقل يكون أن حتما وليس يدركها يف اإلحساس عقل ماء
ر
حقيق » وعىل كل حال يمكن أن يعلم أنه سءر
ي كىل ألنهم أوال يرون أنه ال يمكن أن يكون هناك ي
الرأيء كما يتمسك به ربت ي
ر
.حقيق العقول وما فيها من أفكار ومشاعر
ي
16
ر
الت يؤيدون فيها رأيهم يف
ويمكتنا اإلفصاح عن الحجة ي
ر
التفكت فيه سوى األفكار
ر سء يمكنيقة كهذه« :كل ما يمكن أن نتفكر فيه؛ هو رأي يف عقل الشخص الذي يفكر به» إذن ال ي
».يًف صميم العقول» وإذن فكل ما عدا ذلك ال يمكن تصوره وكل ما ال يمكن تصوره ال يكون موجودا
ً
كثتا؛ سواء أكان
أن وقد عرضته ر فه دليل فاسد يف رر ي
وهذه الحجةً وإن كان من يأخذون بها ال يعرضونها بالطبع بصورة فجةء ي
وكثت من الفالسفة» وريما أكتهم قد اعتقدوا بأن ال يوجد ذلك صحيحا أم الء وقد عرضت هذه الحجة بصورة مختلفة .ر
تفست المادة؛ إما أن يقولواء كما
ر (مثالي؟ وهم حينما يعالجون
ر واقع سوى العقول وأفكارها .ويسم مؤالء الفالسفة سء ر
»)1716إن ما يدو ( 1646قال بتكىل إن المادة ليست ف الحقيقة إال مجموعة من األفكار ‘وإما أن يقولوا كما قال ري ي
ليبنت ي ر ي
ر
.مادة هو يف الواقع مجموعة من العقول األكت أو األقل بدائية
عىل أن هؤالء الفالسفة بالرغم من أنهم ينكرون المادة باعتبارها مقابلة للعقل» فهم مع ذلك يقبلون المادة بمعت آخر.
سؤالي» وهما
ر :ولعلنا نتذكر أننا سألتا
17
ً
الثان .ويبدو يف الواقع أن كل الفالسفة تقريبا يتفقون عىل أن ثمة منضدة واقعية:
ي الناس العاديون يف الجواب عن السؤال
ً
فكلهم تقريبا يتفقون بأنه مهما تكن حقائقنا الحسية -كاللون والشكل والنعومة إل معتمدة عليناء فإن حدوثها عالمة عىل
ً
وجود رسء مستقل عناء رسء لعله يختلف تماما عن حقائقنا الحسية -ومع ذلك فإنه يعتت سببا يف حقائقنا الحسية كلما
.كنا عىل صلة مالئمة بالمنضدة الواقعية
ويبدو أن هذا الرأي الذي يتفق عليه الفالسصفة -أي أن هناك منضدة واقعية؛ مهما تكن طبيعتها -رأي حيوي» ومن
الجدير بالعناية أن نتحرى األسباب لقبول هذا الرأي قبل أن نتوجه بالسؤال عن طبيعة المتضدة الواقعية .ولذلك فسنعت
الت تدعو إىل وجود منضدة واقعية ر
الثان باألسباب ي
ي .يف الفصل
18
حت الفرضيات الغريية قد ال تكون صادقة .فالممضدة مثل هذه األسثلة تبدو مذهلة؛ ومن الصعب علينا أن نعلم أنه ر
ر
حت اآلن» أصبحت مشكلة مكتنفة باالحتماالت العجيبة .والشء الوحيد الذي نعلمه الت أثارت أقل األفكار فينا ر
المألوفة ر
ر
فليبت يقول التخمي. عنها هموأنها ليست كما تبدو .أما ما هو أبعد من تلك النتيجة المعتدلة» فإنا نجوز عىل أكمل حرية يف
ر
كىل يقول إنها فكرة يف عقل هللا» والعلم الحديث يكاد أن يكون أقل عجباء فه (المنضدة) وبت ي
إنها طائفة من النفوس» ر
.مجموعة عظيمة من الشحنات الكهربائية يف حركة عنيفة
ً وف ر
معتك هذه االحتماالت العجيبة؛ يوج بنا الشك بأن ليس ثمة منضدة مطلقا .والفلسفة إن لم تستطع اإلجابة عىل
تثت أسئلة تزيد من اهتمامنا بالكون وتكشف عن الغرابة والدهشة
كثتة كما نرغب» فإنها عىل األقل تستطيع أن ر
أسئلة ر
حت ف ر
أكت األشياء إلفة يف الحياة اليومية .الكامني وراء سطح األشياء ر
ي ر
19
أ لجا
وجود المادة
ذان مستمر حينما ر
المعان حقيقة وجود المادة» وهل هناك منضدة لها وجود ي ي يف هذا الفصل سنسائل أنفسناء بأي معت من
ه إال ما التال ينظر الر ران إليهاء آم ه منضدة خيالية ف حلم طويل األمدء وليست إال منضدة وهمية تبدو لنا ف حياتنا ر
ي ي ي ً ً ي ي ي
يقي من وجود األشياء وجودا مستقالء فكذلك ال تكون حلم ممتد؟ هذه مسألة بالغة األهمية» ذلك أننا إن لم نكن عىل ر
ً ً
يقي من أن ألجسام الناس وجودا مستقالء ولذلك فليس ثمة دليل لوجود عقول للناس إال ما هو مستمد من مشاهدة عىل ر
ً
تائهي يف يف الصحراء بمفردنا وقد ال يكونر كأننا فتصبح مستقال» وجودا لألشياء أن من الوثوق تستطع لم فإذا أجسامهم»
غت مري ح لما يبيعثه من شعور الخارج كله سوى حلم عابر » ونحن منفردون يف الوجود فحسب» وهذا المكان ر ي العالم
بالوحشة والمضايقة» وكما كان من المتعذر التهان عىل بطالن هذا الفرض؛ فليس لدينا أوه دليل عىل صدقه؛ وعىل ذلك
.ستى يف هذا الفصل ِل ْم كان األمر كذلكر
21
22
ً
إن ديكارت أدى خدمة جىل للقلسفة جعلته بصورة مستمرة دليال لكل طالب العلم الذين يتحرون عن الذات ألنا أفكر فأنا
اليقي من أنه اليوم هو نفسه باألمس؛ وهذا حق ال ريب فيه يف وجه من ر ويعت ذلك أن الواحد منا عىل تمام
ي إذن موجود)ء
يقي بالمنضدة الواقعية فهذه الذات عست عش الوصول إىل ر يقي مطلق يف الذات الواقعية أمر ر الوجوه .ولكن الوصول إىل ر
البت فالذي لونها وأرى ر
منضدن أرى فحينما الجزئية؛ للتجارب يكون الذي القاطع المطىل اليقي الواقعية ال يدو أن لها ذلك
ر
ي ً ي ً ً ً ً ً
يكون يقينا يف الحال ليس (أنا أرى لونا بنيا اآلن» بل إن لونا بنيا هو ف حالة الرؤية .وهذا القول يتضمن يف الحقيقة شيئا أو
ً ً
البت؛ ولكنه اليدل عىل وجود شخص عىل حال من الدوام والثبات نوعا ما يدع (أنا) فأقىص ما (إنسانا) يرى ذلك اللون ي
ر ً ر ر
الشء الذي
يقي المباش هنا هو أن نقول أن هذا الشء الذي يرى اللون البت مؤقت تماما؛ وأنه ليس ذات ي نصل إليه من ال ر
.يقوم عىل تجرية أخرى يف التهة التالية
يقي إنما هو أفكارنا ومشاعرنا الخاصةء ويصدق هذا عىل األحالم واألوهام كما يصدق عىل
ولهذا فإن ما نكون منه عىل ر
ر
حقيق وجود له بنا تمر أحاسيس من نظنه ما أن المؤكد فمن طيفاء تشاهد أو نحلم حينما فنحن اإلدراكات الحسية السوية:
ي ً
سء مادي يطابق تلك األحاسيس .ولهذاء فليس علينا ر
يف تجاربناء لكن هناك أسبابا متعددة تحمل عىل القول بأن ليس من ي
ر
اليقي الذي نصل إليه من معرفتنا بتجاربنا الخاصة عىل الحاالت العادية بل أنه ليشمل حت الحاالت الشاذة
أن نقترص ر
في أيدينا إذن أساس صلب ر
نشع منه بتتبع بم المعرفة ر واألوهام؛ .كاألحالم
23
ً
ه :لو فرضنا أننا متأكدون من حقالقنا الحسية» فهل لدينا أي سبب ألن نعدها دليال عىل وجود
إن المسألة الجديرة بالنظر ي
ر ً ً ر
الت يجب أن نعتتها مرتبطة بالمنضدة
غتها مما يمكن أن ندعوه شيئا ماديا» فإذا أحصينا ًكل الحقائق الحسية ي
سء أخر ر ي
ر
غتها ليس بالحقيقة الحسية؛ فما يمكن أن يياع ويشتىفهل هذا كل ما يجب أن ما نقوله عن المنضدة أم أن ثمة شيئا آخر ر
وينقل من مكان إىل مكان ويغىط بهذا الغطاء أو ذاك» ال يمكن أن يكون مجموعة من حقائق حسية فحسب إذا غطينا
ر
المنضدة بالغطاء ولم نقتبس أي حقائق من المنضدة؛ ولهذا لو كانت المنضدة حقائق حسية» النتقت عن الوجود ويق
ً ً
غت معقول» ولكن عىل منالغطاء معلقا ف القضاء قائما بمعجزة يف المكان الذي كانت تشغله المنضدة سابقا؛ وهو قول ر
غت المعقولة
.يصاب بالوجل أن يروض نفسه عىل أال تصده عن البحث األشياء ر
المختلفي.
ر غت الحقائق الحسية الجزئية الخاصة ر
الت تبدو مختلفة للناس الناس المختلفوت» فال بد أن تكون هذه األشياء ر
ولذا ما الذي يحملنا عىل االعتقاد بوجود أشياء عامة ملك الكل؟
ختلفي يمكن أن يختلفوا يف رؤيتهم ر وأول جواب يخطر بصورة طبيعية عىل بال اإلنسان» هو أنه عىل الرغم من أن الناس الم
ً
قواني
ر التغيتات فيما يرون تتبع ر للمنضدة فهم كلهم يرون أشياء متشابهة أبعد شبها حينما ينظرون إىل المنضدةء وهذه
حت أنه من السهل الوصول إىل رسء ثابت ينتطوي ف جميع حقائق الناس الحسية .فأنا حي ر
اشتيت المنظور وانعكاسه» ر
ر ي ي
ولكت ر
الت اختفث بتكه الغرفة» ر ر ر ر
ي غرفت لم أستطع أن أشتي حقاقه ًالحسية ي ي منضدن من الرجل الذي كان يسكن
ي
الت كانت لذلك الرجلء وعىل ر امستطعت أن ر
للحقائق الحسية ي
ً ً
أشتي ما توقعت أن يكون له حقائق حسية مشابهة تقريا
وف أوقات مختلفة يملك مختلفي يملكون حقائق حسية متشابهة وأن شخصا واحدا يف كل مكان ما ر هذا فإن كون أناس
يً ً ً
حقائق ف حسية متشابهة؛ هو الذي يحملنا عىل الظن بأن هناك فوق الحقائق الحسية شيئا عاما ثابتا يكمن وراء الحقائق
ً
.الحسية ويكون سببا فيما يراه الناس المختلفون يف األوقات المختلفة منها
ً
غتنا نحن يرمون إىل الجواب المطلوب نفسهء فإن ما -
واآلن بما أن االعتبارات السابقة ترتبط بظننا أن هناك أناسا آخرين ر
حقائق اللحسية» فليس لدي سبب لالعتقاد بأن ر الناس ار فا سا ا مادية مستفلة عن
ي
25
ه نقسها النامس اآلخرين موجودون إال كجزء من حلمء؛ والنستطيع أن نعود إىل شهادة اآلخرين ألن هذه الشهادة تتضمن ي
.
حقائق حسية وال تظهر تجارب الناس اآلخرين» إال إذا كانت حقائق أحاسيسنا ه عالمات عن األشياء المستقلة عنا من
ً
تبي أن ثمة يف العالم
تتمت بها هذه التجارب تتع إىل ر
أجل ذلك أصبح لزاما علينا إذا”أمكن أن نجد يف تجاربنا الرصفة صفات ر
ً أشياء غت ذواتنا وغت تجاربنا الخاصة .علينا أن ر
نعتف عىل وجه ما أننا ال نستطيع أبدا أن نتهن يف معت ما عىل وجود ر ر
تفش ومن أفكاري ومشاعري وأحاسيش وأن كل ما مت األشياء سوى وجودتنا وتجاربتاء فالفرض القائل بأن العالم مؤلف
ي يً ر
ولكت أجد عند اليقظة أنهي أمام
ي يمثل التعقيد شديد عالما منطقء فقد يبدو يف األحالم أن عدا ذلك ليس إال بهذر وسخف
الت نستنتج وجودها ر كان محض وهم (وبعبارة أخرى إن الحقائق الحسية يف األحالم ال بيدو أن لها ما يطابقها من األشياء
ي ً
بصورة طبيعية يف حالة البيقظة وصحيح أنه إذا فرضنا وجود العالم المادي كان من الممكن أن نجد أسبابا مادية للحقائق
ً
حي يغلق بشدة مثال إىل حلم بمعركة بحرية» ولكن عىل الرغم من أنه يوجد يف الحسية يف األحالم» فقد يبعث قرع الباب ر
الت تطابق بها معركة ر ر
سء مادي مطابق للحقائق الحسية بالكيفية ي هذه الحالة سبب مادي للحقائق الحسية فليس من ي
ه إال حلم نتخيل فيه بحرية حقيقية حقائقها الحسية) .وليس من استحالة منطقية ف الفرض القائل بأن الحياة كلها ما ي
الت تتمثل أمامناء إال أنه بالرغم من أن هذا الفرض ليس ر
بأنفسنا جميع األشياء ي
26
لتفست كل ما يقع يف حياتنا الخاصة لكان مستحيال منطقيا فليس من سبب ر
الفتاض صحته بل أنه فقرض لو اتخذناه وسيلة
ر
توج به الفطرة السليمة من وجود أشياء مستقلة عنا تماما يتسبب عن فعلها فينا أحاسيسنا
ي .أصعب من الغرض الذي
ً
حيوإذا كان األمر كذلك فإنه ليدو جليا لماذا نصف بالسهولة الغرض القائل بأن يف الحياة أشياء مادية حقيقية .مثل ذلك ر
الطبيع أن نظن أنه قفز من المكان
ي وف لحظة أخرى يقفز إىل مكان آخ قمن يظهر القط يف لحظة يف مكان ما من الحجرة ي
األول إىل مكان جديد مارا بمجموعة من األمكنة ربي المكان الذي بدأ منه والمكان الحسية نه ال يمكن أن يكون قد وجد
ً ً ً
مطلقا يف أي مكانأرا يه وبناء عىل ذلك» يجب أن نفرض أنه لم يكن موجودا مطلقا حينما لم أكن ناظرا إليه ؛ ولكنه قفز إىل
ً
تجارن كيف يجوع
ي فإن أستطيع أن أفهم من كان القط موجودا سواء رأيته ًأو لم أره ي الوجود فجأة فوجد يف مكان جديد؛ وإذا
ر ً
ربي وجبة وأخرى؛ ولكنه إذا لم يكن موجودا حينما ال أراه فإنه يدو غريا أن شهيته للطعام تنشأ من خالل فتة عدم وجوده
فتة وجوده؛ وإذا كان القط يتكون من حقائق حسية فقط فإنه ال يمكن أن يجوع ألن الجوع الت تنشأ بها خالل ر
ر
بالشعة ي
ر
الذي يكون حقيقة حسية ىل هو جوع أنا فقطء فهذه الحقائق الحسية الت تمثل يىل ما يقوم به القط وهو جائع بالرغم من
ستغتة مثلها
ر تفستها قط إذا اعتتناها مجرد حركاتء وبقع من اللون ر كتعبت عن الجوع ال يمكن
ر أنها تبدو يىل بصورة طبيعية
.ف عدم قابليتها للشعور بالجوع مثل المثلث يف عدم قابليته ألن يلعب كرة القدم ي
27
ً
تفست سلوك الناس .فعندما يتكلم الناس -أي ر تفست سلوك القط ال تعد شيئا إذا قورنت بالصعوبة يف ر عىل أن الصعوبة ف
ً
لتحابت الوه د فمن
ر وتغتات معينة
وف الوقت نفسه نرى حركات معينة للشفاه ر تسمع أصواتا معينة ُنقرنها باألفكار» ً ي حيثما:
ً
تعبتا عن فكرة؛ كما تعرف عن أنفسنا حينما نخرج من أفواهنا تلك األصوات الصعب جدا أن نظن أن ما تسمعه ليس ر
الت نكون فيها عىل خطأ فيما يتصل بوجود الناس اآلخرين واألشياء نفسها .ومثل هذه األشياء تحدث بالطبع ف األحالم؛ ر
ي ي ً
تفستها بمقتىص توج بها إىل درجة ما تسميه حياة البقظةء وممكن مما استلهاما المادية األخرى .ولكن األحالم ه ر
أكت
ر ي ً ي ً ً » إذا ر
افتضنا أن ثمة عالما حقيقيا يف الواقع .وإذا .كل مبدا للبساطة يدفعتنا إىل اختيار النظرة الطبيعية» ألن ٠مبادئ علمية
ً
وغت حقائقنا الحسية وأن لها وجودا ال يعتمد عىل إدراكنا لهاغت أنفسنا ر – …هنالك أشياء أخرى يف الحقيقة ر
خارج مستقل عن طريق إقامة الدليل؛ بل ي الطبيع أننا ال نستطيع عن طريق الحجة بأننا وصلنا يف اعتقادنا إىل عالم
ي ومن
التفكت وهو ما يمكن أن يدع باالعتقاد الغريزي» وما كان يجب علينا ر ر
أننا نجد هذا االعتقاد شيئا يف صميمنا حينما نشع يف
ه أنها بالغريزة اإلنسان يعتقد تأن نشك ف هذا االعتقاد لوال حالة الرؤية عىل األقل؛ كأنما الحقيقة الحسية نفسها ه ال ر
ي ً ي ي ي
الخارج ال يمكن أن يكون مطابقا للحقيقة الحسية .وهذا ء الش تبي لنا الحجة بأن ر
ر بينما » المستقل» الخارج ر
الشء
ي ي ً ي ي
االكتشاف -مع ذلك -الذي ال يتناقض أبدا يف حالة الشم والذوق والصوت
28
غت ناقص ألن هناك أشياء تقايل دقائق وإىل حد ضئيل يف حالة اللمس إن هذا االكتشاف مع ذلك يدع اعتقادنا الغريزي ر
تفستنا لتجارينا؛ فال يبدو أن
ر حسنا .ويما أن هذا االعتقاد ال يؤدي إىل أية مصاعب؛ بل عىل العكس يتع إىل اختصار منهج
ً ً
الخارج هو موجود يف
ي هناك سبا وجيها إلنكاره .نحن إذن نستطيع أن نقبل مع شك قليل مستمد من األحالم -بأن العالم
.الواقع وال يرتبط وجوده باستمرارنا إلدراكنا
29
ً
.المعتقدات الغريزية األخرى .ولكن إذا وجدت المعتقدات الغريزية متناغمة فالنظام بجملته يصبح جديرا بالقبول
ً
يست من الشك؛ ولكن ومن الممكن بالطبع أن كل المعتقدات أو بعضها قد يكون خطاء فالواجب أن نعتتها ,جميعا مع قدر ر
غته» ولهذا تستطيع بتنظيم معتقداتنا الغريزية ونتائجها وبالتأمل
ليس لدينا سيب لرفض معتقد إال عىل أساس معتقد آخر ر
فيما هو أحرى أن يعدل أو يرفض إذا اقتضت الرصورة عىل أساس قبول المعتقدات الغريزية وحدها أن نقبل حقائق وحيدة
ً
تبق فيها إمكانية الخطأ موجودة بحيث أن احتمالها يتناقص ربتابط الت قد ر
ر
نسق بمعرفتنا ي
ي
غريزيا بتنظيم نظام ر الت نؤمن بها
ي
ر
.أجزائها وبتدقيق الناققد الذي يسبق القبول بها
ً
إن الفلسفة تستطيع أن تؤدي هذه الوظيفة عىل األقلء وأغلب الفالسفة يعتقدون سواء كانوا خطأ أم صوابا أن الفلسفة
ر
الت ال يمكن الوصول إليهاء المعرفة المتعلقة ر
بكثت من هذاء أي أنها تستطيع أن تمنحنا المعرفة ي
تستطيع أن تعمل أكت ر
الت رأشنا إليها يمكن
ر
النهان .وسواء كان األمر كذلك أو لم يكن » فإن الخدمة المتواضعة ي
ي بالكون؛ والمتعلقة بطبيعة الواقع
أن تؤديها الفلسفة» وهذه خدمة تكق ف نظر هؤالء الذين يشكون ف كفاية الفطرة السليمة لتسوي غ الجهود الشاقة
الت تنطوي المشكالت الفلسفية عليها ر
.والحادة ي
30
طبيعة المادة
ً َ
اهي قاطعة أن من المعقول أن نؤمن بأن حقائقنا الحسية مثال تلك لقد اتفقنا يف الفصل السابق دون أن نستطيع إيجاد بر ر
سء مستقل عنا وعن مداركنا الحسية .ومعت ذلك أنت مقتنة بالمنضدة -ه ف الحقيقية إشارات عىل وجود ر الت تعدها ر ر
ي ي ي ً
وغت ذلك» الذي يؤلف مظهر المتضدة كما تبدو يىل؛ أفرض أن هناك شيئا ييخىط إحساسات اللون والصالبة والصخب ر
ر
عيت؛ وإحساس الشء .فإحساس اللون ينقطع عن الوجود إذا أغمضت ي وليست هذه الحقائق الحسية إال مظاهر لهذا ي
اع عن مالمسة المنضدة؛ وإحساس الصوت ينقطع عن الوجود إذا كففت عن نقر الصالبة ينقطع عن الوجود إذا أبعدت ذر ي
إن ألعتقد عىل العكس من ولكت ال أعتقد أن المنضدة تتقطع عن الوجود حينما تتقطع هذه األشياء؛ بل ي ي بأصابع.
ي المنضدة
اع
عيت أو أعيد وضع ذر ي
ذلك أنه بسبب استمرار ًوجود المنضدة ال بد أن يتكرر ظهور جميع الحقائق الحسية حينما أفتح ي
بأصابع والسؤال الذي يجب أن نبحثه ف هذا الفصل هو :ما طبيعة هذه المنضدة ي عىل المنضدة وحينما أبدا ثانية بنقرها
ً ر
الحش؟
ي الت يستمر وجودها مستقال عن إدراكنا .الحقيقية ي
ً ً
غت تام نوعا ماء وال يزال فرضيا يف بعض نواحيه؛ ومع
الطبيع عن هذا السؤال؛ وإن كان جوابه يف الحقيقة ر ي ويجيبنا العلم
الطبيع
ي العلم أن عىل .ما حد إىل بالتقدير جدير ذلك فهو
31
غت واعية دفع إىل األخذ بالرأي القائل أن جميع الظواهر الطبيعية يجب أن تتحول إىل حركات» فالضوء والحرارة بصورة ر
والصوت» ترجع كلها إىل حركات تموجية تنتقل من الجسم الذي تصدر عنه إىل الشخص الذي يرى الضوء أو يشعر بالحرارة
األثت وأما أن تكون ف المادة الفجةء أي فيما يدعوه الفيلسوف أو يسمع الصوت .وهذه الحركات التموجية إما أن تكون يف ر
الحالتي كلتيهما .والخاصيتان الوحيدتان اللتان ينسبهما العلم إىل المادة هما الوجود يف مكان والقدرة عىل الحركة
ر مادة يف
.
لقواني الحركة وال ينكر العلم أنه قد يكون لها خصائص أخرى» فإذا كان األمر كذلك» فإن مثل هذه الخصائص ر طبقا
ً ً
تفست الظواهر .يقال أحيانا «إن الضوء هو رصب من رصوب الحركة ر عىل مطلقا تساعده وال العلم» رجل تفيد ال األخرى
ً التموجية»» ولكن هذا القول مضلل ألن الضوء الذي نراه ف الحال والذي نعرفه ر
مباشة بأحاسيسنا ليس رصبا من الحركات ي
ً ً ً ً ر ر
سء نعرقه جميعا إذا لم نكن عمانا؛ ولو أننا ال تستطيع وصفه بحيث تقل سء يختلف عنها اختالفا تاما؛ ي التموجية بل هو ي
معرفتنا عنه إىل رجل رصير» والحركة التموجية عىل العكس من ذلك يمكن أن توصف وصفا دقيقا لرجل رصيرء؛ إذذ
يستطيع أن يفهم معرفة المكان بحاسة اللمس ويستطيع أن يجرب حركة تموجية يف رحلة بحرية» كما نستطيع أن نفعل»
ً
نعت بالضوء شيئا ال يستطيع الرصير أن يفهمهولكن ً هذا الذي يستطيع أن يفهمه الرصير» ليس ما نعنيه بالضوء» فنحن ي
مطلقا؛ كما ال نستطيع
ر ر
الخارج .إنما هو ي
سء ي الشء الذي يعرفه المبرصون منا ال يوجد يف الحقيقة .كما ر
يمت بذلك العلم» يف العالم وإن هذا ي
عيت وأعصاب ودماغ الرجل الذي يرى الضوء .حينما يقال بأن الضوء هو أمواج تأثت بعض التموجات عىل ي يتسبب بفعل ر
الشء الذي يجربهر
ألحاسيسنا بالضوءء ولكن الضوء نفسه» أي ي ً
لطبيع
ي ه السبب ا يقصد بذلك يف الحقيقة أن األمواج ر ي
المبرصون وال يجربه العميان؛ ال يفتض العلم أنه يؤلف جزءا من العالم المستقل عنا وعن حواستاء ومشل هذه المالحظات
ً
.تماما تنطبق عىل األنواع األخرى من األحاسيس
ً
وال يرى العلم أن األلوان واألصوات وما شاكلها وحدها خارجة عن المادة» بل المكان أيضا كما تتصل به عن طريق النظر
ً
واللمس .فمن الرصوري للعلم أن تشغل مادته مكانا ماء ولكن هذا المكان الذي تشغله ال يمكن أن يكون تماما المكان الذي
ً
نراه ونشعر به» فالمكان أوال كما نراه ليس هو المكان نفسه؛ كما ندركه بحاسة اللمس .وإنما نتعلم عن طريق التجربة يف
الت نشعر أنها تمسنا» ولكن المكان كما يعرفه العلم» ر ر
الت نراها أو كيف نرى األشياء ي
الطفولة فقطء كيف تلمس األشياء ي
.يختلف عن المكان المدرك باللمس وعن المدرك بالنظر» فال يمكن أن يكون هذا أو ذاك
ً ً ر
نقىص
ي الشء نفسه بأشكال مختلفة طبقا لوجهة نظرهم .خذ مثال قطعة النقد المستديرة؛ مع أنناإن ًمختلف الناس يرون ي
دائما يأنها مستديرة تبدو بيضاوية الشكل» إذا لم تكن أمامنا تماماء فنحن حينما نحكم بأنها مستديرة يكون معت ذلك أن لها
33
34
35
أما إذا فرضنا أنه بوجود مكان مادي وأنه يقابل األم كنة الخاصة عىل التحو الذي ذكرناه» فما الذي نستطيع أن نعرفه عن
يعت أننا ال نستطيع أن نعرف ما ر
الت بها ضمان المطابقة» وهذا ي هذا المكان؟ إننا تستطيع أن نعرف فقط األمور الرصورية ي
هو ذلك المكان المادي يف ذاته؛ ولكننا نستطيع أن نعرف نوع ترتيب األشياء المادية الذي ينتج من عالقاتها المكانية فنعرف
ً
مثال أن األرض والقمر والشمس تكون يف خط مستقيم واحد عند الخسوف ولو أننا ال نستطيع أن نعرف ما هو الخط
الطبيع يف ذاته مثل معرفتنا بشكل الخط المستقيم يف مكاننا التظري» وب هذه الصورة تعرف عن عالقات ي المستقيم
ر
المسافات يف المكان المادي أكت مما نعرف عن المسافات تفسهاء أي أننا نستطيع أن تعرف أن مسافة واحدة أطول من
مسافة أخرى أو أنها عىل امتداد الخط نفسه الذي عليه المسافة األخرى» ولكننا ال نستطيع أن نصل إىل معرفة ر
مباشة
غتها من الحقائق ر
الت نصل إليها بالمسافات ف أماكننا الخاصة أو باأللو ان أو األصوات أو ر
بالمسافات المادية كتلك ي
الحسية؛ فكل ما نستطيع أن نعرفه عن األشياء يف المكان المادي هو ما قد يعرفه رجل ولد رصيرا عن المكان كما يبدو للنظر
ً ً ر
الت ال يستطيع الرجل الذي ولد رصيرا أن يعرفها مطلقا عن المكان عن طريق ما يخته به الناس اآلخرون» أما تلك األشياء ي
كما يبدو للنظر فنحن أيضا ال نستطيع أن نعرفها كذلك عن المكان الماديء فنستطيع أن نعرف خواص تلك العالقات
ر
الت تقوم بينها تلك
الرصورية لضمان مطابقة األشياء المادية للحقائق الحسية ولكننا ال نستطيع أن نعرف طبيعة الحدود ي
.العالقات
36
غت موثوق بالنسية إىل الزمن الذي تسجله الساعةء فاألزمنة بمىص الوقت دليل ر
ي وفيما يخص الزمن فشعورنا بالديمومة أو
ً ر ً ر ر
منرصفي إىل عمل لذيذ ممتع تمر شاعاء
ر الت نكون فيها
نقاس منها آالما تمر بطيشة»؛ واألزمئة ي ي الت
الت تثقل علينا أو ي
ً ر
بالتميت ربي تقىص الت ننام فيها تمر وكأنها لم تكن موجودة؛ وعىل قدر ما يدو الزمن مؤلفا من مدة فإن الرصورة واألزمشة ي
رً ي
بالتميت ربي مكان عام ومكان خاص» ولكن بقدر ما يبدو الزمن مؤلفا من ر زمان عام وزمن خاص كما قضت الرصورة نفسها
مت الذي تبدو فيه الحوادث كما نشاهدها التميتء فالنظام الز ي
ر ترتيب سابق والحق ال نتكون يف حاجة إىل أن نقيم مثل هذا
النظامي مختلفان. أن اض بأية حال ر
الفت سبب يوجد وال الحقيقة؛ الزمت نفسه الذي تملكه هذه الخوادث يف هو النظام
ر ً ً ي
ومثل هذا يصدق غالبا عىل المكان» فإذا سارت كتيبة من الجنود فإن شكلها سيبدو مختلفا باختالف وجهات النظر
مرتبي يف النظام نفسه من جميع وجهات النظر ومن ثم فلنا أن نعد النظام يصدق أيضا ر المختلفة .ولكن الجنود سيظهرون
.عىل المكان الماديء أما الشكل فال يعد مطابقا للمكان المادي إال بقدر ما يكون رصوريا لضمان حصول النظام فقط
وف قولنا بأن ترتيب الزمن الذي يبدو بأن الحوادث تتصف به هو ترتيب نظام الزمن نفسه الذي يكون عليه الواقع؛ وهو ما
ي
يجعل من الرصوري عندئذ أن ر
نحتس من سوء الفهم الممكن» وال يجب أن نفرض أن الحاالت المختلفة لألشياء الطبيعية
ر
الت تولف ر
المتنوعة لها التتيب نفسه الذي للحقائق الحسية ي
37
المدركات الحسية لألشياء .ولنأخذ عىل سبيل المثال الرعد والتق من حيث هما شيئان ماديانء فهما يحدثان يف وقت
واحدء أي أن التق يحدث يف وقت واحد مع اضطراب الهواء ف المكان الذي يبدا فيه ذلك االضطراب أي حينما يحدث
الت ندعوها سماع الرعد ال تحدث إال بعد انتقال اضطراب الهواء ف المكان الذي نكون فيه؛ التق؛ ولكن الحقيقة الحسية ر
ر ً ي
الت مىصر ر
ثمان دقائق حت يصل إليتاء فحينما نرى الشمس فإننا نتى الشمس ي وشبيه بذلك ضوء الشمس» فهو يأخذ تقريبا ي
األختة
ر ثمان دقائق» والدليل الذي تهدينا به الحقائق الحسية إىل الشمس المادية عن الوجود خالل الدقائق الثمانعليها ي
ً ً ر
التميت ربي الحقائق
ر ورةرص عىل واضحا مثال لنا يقدم وهذا .الشمس رؤية نسميها الت
ي الحسية الحقيقة من ذلك غت
لما ر
:الحسية واألشياء المادية
38
ر
تأن إال من ر ال نستطيع أن نتكون عىل معرفة ر
الست ال ي
ي مباشة به؛ فلسنا عىل ألفة بالحركات التموجية الحقيقية» تلك األلفة
المعرفة بالعيان .وما يقال عن األلوان يقال عن الحقائق الحسية األخرى» وهكذا نجد أنه بالرغم من أن العالقات ربي
األشياء المادية لها جميع رصوب الخصائص القابلة للمعرفة المستنبطة من مقابلتها للعالقات الموجودة ربي الحقاثق
غت معروفة ف جوهرها بالنسبة إىل الحواس عىل األقل» ر
ويبق ربي أيدينا السؤال الحسيةء فإن األشياء المادية نفسها ر
ي تبق ر
.فيما إذا كان هناك وسيلة أخرى للكشف عن الماهية الذاتية لألشياء المادية
39
40
الثالية
الفلسق قد يتعون إىل رفض عقيدة كهذه لرأي غ رت مقبول .فليس من شك أن النظرة السليمة
ي هؤالء الذين لم يعتادوا التأمل
.
تعد المناضد والكراس والشمس والقمر واألشياء المادية عامة» قد يستمر ولو اختفت هذه العقول فنحن تفكر يف المادة
الذهت فقط؛ ومهما
ي العست علينا أن نعد المادة مجرد نتاج للنشاط
ر باعتبارها موجودة قبل وجود العقول بزمن طويل؛ ومن
جىل البهتان
.يكن تصيب هذا المذهب من صحة أو فساد فليس أمامنا ما يدعو إىل رفضه واعتباره ي
وسبق لنا أن رأينا ف األشياء المادية؛ ر
حت ولو كانت الطبيعة ذات وجود مستقل» ال بد أن تختلف بصورة واسعة عن
الحقائق الحسية» وليس لها سوى التطابق مع هذه الحقائق» بنفس الطريقة
41
الت يصارع فيها تقويم ما يقابله من األشياء الواردة يف هذا التقويم .إذن النظرة السليمة ال تهدينا إىل الطبيعة الذاتية لألشياء ر
ً ي
مشوعة ألنه يفاجئناالمادية» وإذا توافر لدينا سبب صحيح لحسبانها مدركات ذهنية؛ فإننا ال نجد مترا لرفضه بصورة ر
بغرائبه؛
ً ً
فحقيقة األشياء المادية يجب أن تكون شيئا غريبا؛ ولعلها مما يمكن الوصول إليه» ولكن إذا اعتقد أي فيلسوف أنه استطاع
ً ً
ينبع أن يتخذ سببا لمخالفة رأيه أو إتكاره
.معرفة كهنهاء فإن كون ما وصل إليه من حقيقة يبدو غريبا أمر ال ي
الت يجب أن تتوافر ف الشوط ر وقد قامت المثالية ودعمت عىل أسس مستمدة من نظرية المعرفة» أعت من مناقشة ر
ه محاولة األسقف لك تستطيع معرفتها .وكانت أول محاولة جدية إلقامة هذه المثالية عىل مثل هذه األسس ي األشياء ي
كىل؛ ودعواه هذه تكون إىل هذا الحد صحيحة» ولو لم تكن بعض أدلته بمثل هذه الصحة» ولكنه ذهب إىل أبعد «من؟» ربت ي
ر
الشء ر
الحش لهاء وقال إن معت أن يكون ي ي الت يؤكذ وجودها إدراكنا
يً
ه األشياء الوحيدة
ذلك ًفدلل عىل أن الحقائق الحسية ي
ه إال أمور ذعنية» ومن ثم استتجي ما األشياء أن ذلك ومعت .عقليا يكون أي العقول» معروفا هو أن يكون «ف عقل» من
سء يعرف ر ر
سء تمكن معرفته ال بد أن يكون يف ذهن من األذهانء وأن أي ي أن كل ي
ً ً بدون وجوده ف عقىل ال بد أن يكون ف عقل آخر .ر
وحت تدرك حجته نرى لزاما علينا أن نعرف أوال ما يعنيه بكلمة «فكرة ي ي ي
ً. ر
سء يعرف رشة كمعرقة الحقائق الحسية مثال فاللون الخاص الذي تراه فقد أطلق كلمة «فكرة» عىل أي ي
42
هو «فكرة» وكذلك الصوت الذي نسمعه وهكذا جميع الحقائق الحسية .ولكن كلمة فكرة ليست مقترصة عىل الحقائق
ً
أيضا أشياء تستذكر وتتخيل وتكون عىل معرفة ر
مباشة بها يف لحظة التذكر والتخيل» فهو يطلق عىل جميع الحسية؛ فهناك
ر
المباشة «األفكار ».الحقائق
يشع ف دراسة األشياء العامة كالشجرة؛ ويرينا أن كل ما تعرفه ر
مياشة حينما «ندرك» .الشجرة إدراكا حسيا يتكون من ثم ر
ي
حقيق يتعىل بالشجرة» ر سء ر ر
ي مدلول كلمته» ويقيم الدليل عىل وجود أي دعامة تدفعه إىل افتاض وجود يً
أفكار عىل حسب
ً
إال ما يدرك إدراكا حسيا» فوجودها يتألف من كونها مدركة» وف اللغة الالتينية ما يسميه الباحثون 25503كينونتها وتكون
ً حت لو أغمضنا عيونناء ولو لم يكن هنثالك ر ٌ إدراكها 3م 027ر
بش قريبا منهاء ولكن هذا الوجود المستمر يعزى إىل استمرارنا
ر ر
الالهث رف إدراكها .فالشجرة «الحقيقية» الت تطابق ما نسميه ي
الشء المادي تتألف من أفكار يف ذهن هللا؛ تشبه بصورة
حي رأينا الشجرةء ولكنها تختلف يف كونها دائمة يف ذهن هللا ما دامت الشجرة الت أحسسنا الواقعية بها ر أقل أو أكت تلك ر
ر
بمقتىص قوله تتألف من مشاركة جزئية .وبسبب هذه المشاركة تكون الشجرة ي
الت يراها لناس
ً
موجودة وكل إدراكاتنا الحسية
سء ر ر
غت العقول وأفكارها» وليس من الممكن أن يعرف أي ي سء ر المختلفون واحدة عند الجميع تقريا؛ وهكذا ليس يف العالم ي
.غتها ألن كل ما يعرف يكون بالرصورة فكرة ر
43
44
ر
الحسية ر ً
الت تؤلف إدراكنا ل* ١
ي كىل كان مصيبا يف معالجة الحقائق
كثتة أن ربت يواألشياء المادية؛ وقد رأينا ألسباب تفصيلية ر
ً ً بصورة ر
أكت أو أقل ذاتيا» بمعت أنها مرتبطة بنا مقدار ارتباطها بالشجرة وما كانت لتوجد لو لم تكن الشجرة مدركة حساء
الت حاول ربتكىل أن يتهن بها عىل أن كل ما يمكن معرفته ر ر ً
مباشة يجب أن ي ولكن هذه المسألة تختلف تماما عن المسألة ي
يكون
ر
فه كهذا الغرض عديمة الجدوى؛ ذلك أنه من الت تتصل بالتفاصيل حول كون الحقائق تعتمد علينا ي يف العقل .آما األدلة ي
كىل نفسه أنه قام به؛ فهذه
الرصوري التهنة بصفة عامة عىل أن األشياء تشكل ذهنية ما دامت معروضة وهو ما اعتقد ربت ي
ه ر
الت يجب أن نهتم بها اآلن» وليست المسألة السابقة المتعلقة بالفرق ربي الحقائق الحسية واألشياء المادية ي ه المسألة يي
.ما يجب أن يهمنا اآلن
45
معي بالنسبة إىل المنضدة ولكتها لم تثبت أن اللون نفسه يف ذهن المدرك
العي بحالتها الطبيعية يف وضع ر
.يوجد إذا كانت ر
الشء المدرك ر ر
تعت أن اللون يجب أن يوجد يف العقل يبدو أنها ترتبط بمعقوليتها عىل مزج ي الت ي
كىل ؛ ي
إن وجهة نظر ربت ي
كىل كان يطلق عىل كل منهما كلمة فكرة؛ ففعل بت
ر ي أن المرجح ومن «فكرة»؛ يسم أن يمكن منهما وكل بعملية اإلدراك»
اإلدراك بدون شك يف العقل ومن ثم حينما نتحدث عن فعل اإلدراك نسلم بالرأي القائل بأن «األفكار يجب أن تكون ف
العقل»»؛ ولكننا نتش أن هذا الرأي ال يصدق إال عىل األفكار إذا اعتتناها عمليات إدراك» فنتقل الحكم القائل بأن األفكار
توجد يف الذهن إىل األفكار بالمعت اآلخرء أي إىل األشياء المدركة بعملية اإلدراك .وعىل هذه الصورة تصل بمغالطة غ رت
كىل
مقصودة إىل استتتاج أن ًكل ما نستطيع إدراكه يجب أن يكون يف أذهاننا وهذا كما يدو هو التحليل الصحيح لتدليل ربت ي
.ولما يقوم عليه من خطأ وفساد يف الرأي
والشء المدرك موضوع بالغ األهمية ألن كل قدرتنا عىل اكتساب المعرفة متصلة التميت ربي فعل اإلدراك ر
ر ويبدو موضوع
ي ً ً
ر
الرئيش؛ ومعرفة
ي ه صفة العقل الت يمكن التعرف بواسطتها عىل األشياء الالذاتية يبهذه المسألة اتصاال وثيقا .فملكة العقل ي
وف هذا تتجىل قدرة العقل عىل . ر ر
غت العقل ي وسء آخر ر األشياء معرفة مباشة تتألف يف جوهرها من العالقة ربي العقل ي
غت
معرفة األشياء؛ فإذا قلنا األشياء المعروفة ال بد أن تكون «ف العقل» فنحن بهذا القول إما أن نكون قد حددنا بصورة ر
مالئمة قوة العقل يف
46
48
ً ً
يىل « :أننا ال نستطيع أن نحكم حكما صادقا عىل وجود بده يصبح حينما يعاد قوله كما ي
ي فهذا القول الذي يبدو وكأنه أمر
ً ر ر ر
بده» بل بالعكس» إنه ظاهر الخطأ .فأنا مثالي سء ال نتكون عىل معرقة مباشة به» .وال يمكن أن يقال عن هذا ي
الشء أنه
حكم هذا الطبيع أن يقال أن بأنت عرفته .ومن الصي معرفة ر
ي ً ي يقي ي ولكت أحكم عن ري مباشة؛ ر لم أسعد بمعرفة إمتاطور
مباشة .ولكن مثل هذا القول ال صلة له بالموضوع» ألنه إذا كان هذا المبدأ صحيحا فإنه مبتور من معرفة اآلخرين له معرفة ر
مباشة .وعدا هذا وذاك ليس لدينا من سبب يقتىص أنت ال أستطيع أن أعرف أن أي شخص آخر يعرف اإلمتاطور معرفة ر
ي ي
مباشة» وهذه نقطة مهمة وتتطلب الوقوف عندها يبي لنا لماذا ال نستطيع أن نعرف وجود رسء ال يعرقه أحد قط معرفة ر .ر
ي
ً ر حي أكون عىل معرفة ر
مباشة ر
تجعلت عالما بوجوده .وعىل عكس ذلك فليس ي المباشة بشء موجودء فإن هذه المعرفة ر
ً
صحيحا أن أقول أنه حينما أستطيع أن أعلم وجود ر
غتي عىل معرفة معي فال بد أن أكون أنا أو شخص آخر ر سء من رصب ر ي
الشء بالوصفء مباشة أنت أعرف رالت أحصل فيها عىل حكم صحيح بدون معرفة ر ر ر
ي ي مباشة به» فالذي يحدث يف الحاالت ي
ر
سء آخر أكون عىل معرفة مباشة به وذلك ر ر
ً الش ًء الذي ينطيق عليه هذا الوصف يمكن أن ب يستنتج من وجود ي وجود ي ً
وأن
ولك نفهم هذه النقطة عىل حقيقتها ال بد لنا من البحث أوال عن الفرق اعتمادا عىل مبدا بع الميادئ العامة ي
49
اليقي
ر ربي المعرفة بالعيان والمعرفة بالوصف » ثم تبحث بعد ذلك يف أي الميادئ العامة تصل معرفتنا بها إىل درجة
اليقي كدرجة يقيئنا يوجود تجاربنا الخاصة .وهذه
كدرجة يقيتتا بوجود تجاربنا العامة تصل معرفتنا بها إىل درجة ر
.الموضوعات ستتناولها يف الفصول القاأمة
50
نوعي من المعرفة :معرفة األشياء» ومعرفة الحقائق .وسيتحرص تناولنا يف هذا الفصلر تبي لنا من الفصل السابق أن هناكر
نوعي منها :معرفة األشياء عندما تكون من النوع الذي نسميه معرفة
ر بي نمت
ر ر أن علينا سيكون كما األشياء؛ معرفة يف
ً ٌ
عيانية» تكون بالرصورة أبسط من أي نوع من أنواع معرفة الحقاء ثقء؛ كما أنها منطقيا تكون مستقلة عنها وإن كان من
نفتض أن اإلنسان يحصل عىل معرفة األشياء العيانية؛ دون أن يعرف ف الوقت نفسه أية حقيقة عنهاء أما الشطط أن ر
معرفة األشياء بالوصف فعىل العكس من ذلك تتضمن» كما ستى يف هذا الفصل بعض معرفة الحقائق كأسس لها مصادنء
نعت بكلمة بالوصف نعت بكلمة المعرفة بالعيان وما ي
نبي بوضوح ماذا ي .وواجبنا اآلن أن ر
ر ً ً ر ر
مباشا دون وساطة أية عملية استنتاجية أو أية معرفة بالحقائق. بشء ماء لما تدركه إدراكا
معرفة مباشة ي حي نقول أن لنا
ر
الت تؤلف مظهر هذه المنضدة؛ وهذه ر الحسية بالحقائق ة ر
مباش معرفة عىل أكون فإن أمام ماثلة ر
منضدن كانت ذلك وف
ر ً ً ي
مباشا حينما أنظر إىل وإن ألدرك هذه الحقائق الحسية إدراكا الحقائق الحسية بلونها وشكلها وصالبتها ونعومتها إلخ» ي
منضدن وألمسهاء فالدرجة الخاصة للون الذي أراه ف هذه المنضدة أستطيع أن أحكم عليها بعدة أحكام -فقد أقول أنه لون ر
ي
بت وأنه ضارب إىل الدكنة وهكذا .ولكن هذه األحكام عىل الرغم من ي
51
تزيدن معرفة باللون ذاته .أما ً معرفة اللون من حيث هو لون؛ وهو ر
غت ي تهديت إىل معرفة بعض الحقائق عن اللون» ال
ي أنها
ر ً ر
ولكت ال أستطيع حت من ي :فإن أستطيع أن أصل إليه كامال من الوجوه جميعا حينما أنظر إليه معرفة بعض الحقائق ف عنه» ي
ه ىل بالنسبة ة المنضد مظهر تؤلف التالناحية النظرية أن أذهب إىل أبعد من ذللك ف معرفة ذاته .فالحقائق الحسية ر
ي ي ي ي
الت أعرفها كما ه ر
مباشة الت أكون عىل معرفة ر
مباشة بهاء أي األمور ر ر
ي ي .األمور ي
ر
المباشة» لكننا نصل إليها عن طريق المعرفة سء مادي يكون ذلك من حيث المعرفة ر
ه ي وف معرفة المنضدة من حيث ي ي
الت تؤلف مظهر المنضدة .وسبق ورأينا أن يف استطاعتنا أن نشك يف وجود منضدة عىل وجه ر
العياتية يف الحقائق الحسية ي
حي أنه ليس ف استطاعتنا أن نشك ف الحقائق الحسية لهذه المتضدة. اإلطالق دون أن يوصف كالمنا هذا بالعته؛ ف ر
ر ر
«الشء المادي الذي
ي ومعرفت بالمنضدة تكون من ذلك النوع الذي سنطلق عليه «المعرفة بالوصف» .فالمنضدة ي
ه
ر
سء عن المنضدة ال بد لنا من معرفة بعض حقائق تربط ولك نعرف أي ي نصدر عنه هذه أو تلك من الحقائق الحسية» .ي
ر المنضدة بأشياء أخرى نكون عىل معرفة ر
مباشة بها .نعم علينا أن نعرف أن هذه أو تلك من الحقائو ثت الحسية مسببة عن
ً ر ً ر
سء مادي وال توجد حالة عقلية ندرك بها المنضدة نفسها إدراكا مباشاء وكل علمنا بالمنضدة هو يف الحقيقة علم ببعض ي
ً ً ر
الشء الموجود بالفعل فهو المنضدة» إذا تحرينا الدقة فليس معروفا لنا عىل اإلطالق .أننا نعرف وصفا
الحقائق» أما ي
سء ينطبق عليه هذا الوصفء ر
ونتعرف أنه يوجد ي
52
ً
معروفا لنا معرفة مباششة .فمعرفتنا ر ر
بالشء المادي يف هذه القضية تكون معرفة
ي الشء المادي نفسه ليس
ولو أن ي
.بالوصف
وكل معرفة لنا سواء كانت معرفة باألشياء؛ أم معرفة بالحقائق» تقوم عىل المعرفة بالعيان كأساس لهاء ومن المهم إذن أن
ر
الت نكون عىل المعرفة العيانية بها
.نتأمل أنواع هذه األشياء ي
ر ر ً
وه يف الحقيقة تمدنا بأوضحوكما بينا آنفا» فإن الحقائق الحسية ه من ربي األشياء الت نكون عىل معرفة مباشة بهاء ي
ه النوع الوحيد الذي نكون عىل معرفة عيانية به فإن معرفتنا العيانية؛ ولكن إذا كانت الحقائق الحسية ي مثال وأبرزه للمعرفة
ً ر ً
الشء الذي يكون ماثال لحواستاء وال نستطيع أن ه عليه» ألننا حيتئذ ال نعرف إال ي تتحرص يف حدود ضيقة جدا بالنسبة لما ي
الماض -كما ال نعلم أية حقيقة تتصل بالحقائق الحسية» ألن اسمه ء س نعلم أي رسء يتعىل بالماض -بل ال نعلم وجود ر
ي ي ي ي
ستى» يتطلب المعرفة العيانية بأشياء تختلف يف صفاتها الجوهرية عن الحقاثق الحسية؛ الحقائقء كما ر كل علم بمثل هذه
ً
أي ما يسم أحيانا «األفكار المجردة»» وهو ما نسميه «الكليات» .فواجبنا إذن أن نتأمل المعرفة العيانية ف األشياء األخرى
.غت الحقائق الحسية إذا كنا نريد أن نحصل بقدر اإلمكان عىل تحليل واف للمعرفة ر
إن أول امتداد لدا ئرة المعرفة العيانية يتجاوز حدود الحقائق الحسية هو المعرفة بالعيان عن طريق الذاكرة» فمن الجىل إننا
ماثال ألية حاسة من حواسنا وإنا لنظل ف مثل هذه الحاالت عىل وع رً ً
مباش بما ي ي كثتا ما تتذكر ما رأيناه أو سمعناه أو ما كان
ر
53
ه المصدر لكل معرفة لنا
تذكرناء بالرغم من أنه يدو لنا كماض وليس كحارص؛ وهذه المعرفة العيانية عن طريق الذاكرة ي
بالماض .فبدونها ال نتستطيع أن نصل إىل معرفة بالماض عن طريق االستتتاج» ألننا ال يمكن أن نعرف أي رسء مىص ر
حت ي ي ي
‘ وليس ثمة ماض نستنتجة.
54
55
ر ر
الت تمشلناحية أخرى» الذات الت ترى هذه الحقيقة الحسية .وكل معرفة بالعيان كالمعرفة رالعيانية يف الحقيقة الحسية ي
ر ر
الشء المعروف .ي
فق حالة وبي ذلك يالشء معرفة شهودية ر إىل الشمس» تبدو بوضوح أنها عالقة ربي الشخص الذي عرف ي ي
الت تمثل الشمس الت أكون عىل علم عيان بها (كما أكون عىل معرفة عيانية بأن أعرف الحقيقة الحسية ر المعرفة بالعيان ر
ي ي ي ي
معرفة عيانية) كما يكون من الواضح أن الشخص الذي وصل إىل هذه المعرفة العيانية هو أنا نفش .وعىل ذلك فإذا كلت
العيان لحقيقة حسية ر
برؤيت للشمس فكل ما أنا عىل معرفة عيانية به هو «التعرف ».عىل معرفة عيانية
ي ي
ً ً
بأنت تعرقت عيانيا عىل هذه الحقيقة الحسية» ومن
ي يقيالقائلة وه «إن عىل ر وفضال عن ذلك فتحن نعرف هذه الحقيقة
ً
الصعب أن نفهم ما نعنيه إال إذا كنا تعرفنا عيانيا عىل رسء ندعوه باألناء إنه ليس من الرصوري فيما يبدو أن ر
نفتض أننا ي
ً ً
عيانيا بشخص ر
أكت أو أقل ديمومة» سواء أكان هذا اليوم أم باألمس» ولكن يبدو أن من الواجب أن نتعرف عيانيا عىل تعرفنا
. .
الشء مهما كانت طبيعته؛ وهو الذي يرى الشمس ويعايتها بالحقائق الحسية وب هذه الصورة يبدو عىل وجه من ر
ذلك ي
الوجوه أننا ال بد أن نكون عىل معرفة عيانية بذواتنا مقابل تجارينا الخا صة» وهذه مسألة شائكة يمكن أن تورد عليها أدلة
معقدة إلئباتها أو نفيها .ومن أجل هذا فالمعرفة العيانية بذواتنا بالرغم أنها مرجحة قليس من الحكمة أن تقرر أنها ال شك
.واقعة
56
بإمكاننا إذن تلخيص كل ما قيل.عن المعرفة العيانية بالموجودات وذلك يكون لنا معرفة عيانية عن طريق اإلحساس بحقائق
الباطت بما يمكن أن يسم حقائق الحاسة الباطنية -أي باألفكار
ي الحواس الخارجية .والمعرفة العيانية عن طريق التأمل
لتلك
والوجداتيات والرغبات إلخء وإن لنا معرفة عياتية عن طريق الذاكرة بأشياء كانت حقائق إما للحواس الخارجية وإما ِ
الحاسة الباطنية» وباإلضافة إىل هذا فمن المرجح إن لم يكن من المؤكد أننا عىل معرفة عيانية ب(الذات) باعتبارها عارفة
وه لها رغبات مقابل األشياء
.أشياء ي
ً
أما يف ما يتعلق بمعرفتنا العيانية بالموجودات الجزئية؛ فإندا نالحظ أيضا أن لنا معرفة عيانية بما يطل عليه الكليات أي
األفكار العامة .كالبياض والتنوع واألخوة وهكذا .وال بد أن تحتوي كل جملة تامة عىل األقل عىل كلمة ترمز إىل واحد من هذه
سء نكون عىل معرفة عيانية به ال بد أن يكون ر ر
وف الوقت الحارص علينا أن نتحفظ من افتاض أن أي ي الكليات يف فصل »9ي
ً
ً.خاصا» فإدراك الكليات هو ما يسم التصور والواحد من الكليات الذي ندركه تصورا
غتنا من الناس اآلخرين ليست من ربي ما وسيتبي لنا أن األشياء المادية باعتبارها «مقابلة للحقائق الحسية»» ر
وحت عقول ر ر
نكون عىل معرفة عيانية به؛ وإنما تكون معرفتنا بهذه األشياء عن طريق ما سميناه «المعرفة بالوصف» وهو ما يجب أن
.نتناوله اآلن
57
تأن عىل ر الفالن». ر تأن عىل هذه النصورة ر أعت بكلمة «وصف» أية عبارة ر
,وسأسم أية عبارة ً ي
ي ي «الشء
فالن» أو ر ي ي «اسء
ي ً ي
وصفا اغامضا)ء وأي عبارة ر ً ي
(ف حالة المقرد) سأدعوها وصفا محددا. » فالن ء «ستأن عىل كلمة ر » فالن ء «سصورة ر
ي ي
فكلمة «رج لء وصف غامض» وكلمة «الرجل ذو القناع الحديدي» وهو وصف محدد» وهناك مشكالت عديدة مشتلفة
وه طبيعة معرفتنا فيما يتعلق ر ر
ً الت نناقشها أال ي ولكت سأعدوها ألنها ال تتعلق مباشة بالمادة ي ي متصلة باألوصاف الغامضة
الشء .وهذا أمر ر ر
متعرفي عيانا بذلك ي
ر غت سء يتجاوب مع وصفنا المحدد» مع أننا ر باألشياء يف حاالت نعرف فيها وجود ي
.
يىل «األوصاف» حينما أعت بها «األوصاف المحددة» فالوصف مقصور عىل األوصاف المحددة» ولهذا ر -أتناول يف ما ي
الفالن» يف حالة المفرد. «الشء ر ١يعت أي عبارة من شكل
ي ي
ر ً
«الشء الفالن» إلخ؛ » أي حينما نعرف أن هناك ٠وستذهب يف القول إننا «نعرف شيئا ما بالوصف» حينما تعرف أنه
ي
واحدا فقط ينفرد بصفة معينة ويتضمن ذلك عادة أننا لسنا عىل معرفة عيانية بذلك ر ً ي ً
الشء نفسه» إننا نعرف أن ي شيئا
ً
كثتة ت :بهء عىل أننا ال نعرف من كان ذلك الرجلء وجل ما نعرفه أن ر أحكاما ونعرف موجود الحديدي القناع ذا الرجل
أكتية األصوات سينتخب» وربما نكون يف غالب الظن عىل معرفة عيانية بالمرشح (بالمعت المرشح الذي يحصل عىل ر
ر
بغتنا من الناس) الذي سينال أكتية األصوات» بيد أننا ال تعرف أي الوحبد الذي ربما يف غالب الظن عىل معرفة عيانية ر
المرشحي سوف
ر هؤالء
ً
يكون ذلك الرجل» أي أننا لن نتمكن من أن نصدر حكما عىل
58
المرشحي .وستذهب يف القول إن لدينا «معرفة بالوصف» أي « ر أ» الذي سينال أغلبية األصوات» إذا كان أ هو اسم أحد
المعي موجود؛ ورغم أننا قد تكون عىل معرفة عيانية بهذا ر الفالن» إذا كنا بالرغم من معرفتنا أن الشخص
ي بالشخص
ً ر
الفالن؟ إذا عنينا بأء شيئا نتكون عىل معرفة عيانية به
ي الشخص هو «أء أن عن حكم أي تعرف فإنتا .الشخص؛
ر ر ر ً ً ر
الفالن» وال
ي «بالشء
ي الفالن» أي أن أ» يتصف
ي الشء
إذا قلنا دسء فالن» موجود فإننا نقصد أن شيئا واحدا فقط هو ي
غته يشاركه يف هذه الصفة؛ فالقول «مرشح االتحادي لهذه الدائرة؟» وال أحد ر غته .فإذا قيل «أن أ هو المرشح
سء آخر ر ر
ً ي
غته يشاركه ف هذه الصفة» .وف يعت «أن شخصا ما هو مرشح اتحادي لهذه الدائرة وال أحد ر اتحادي لهذه الدائرة موجود» ي
الشءر ر ر ر
الفالن موجود» ولكننا نعلم أن ي
ي الشء
الفالن فإننا نعلم أن ي
ي بالشء
ي بشء موصوفحي نكون عىل معرفة عيانية ي ر
ر
الفالن ؛ وحت حينما ال تكون لنا معرفة عيانية ر
الشء ر
ي سء نعرف أنه يحي أنتا لسنا عىل معرفة عيانية بأي يالفالن موجود يف ر
ي
الفالن ء .بأي رسء هو ر
الش
ي ي ي
ه يف أغلب األحيان أوصاف حقيقية .وأن ما يكون يف العقل من فكرة تتصل
الشائعة» ال ًبل األسماء الخاصة» ي إن الكلمات
ً َّ
باسم َعلم اتصاال صحيحا يمكن اإلفصاح عنها تمام اإلفصاح إذا استبدل اسم العلم بوصف من األوصاف» وعالوة عىل
للتعبت به عن الفكرة يختلف باختالف الناس» أو باختالف الشخص نفسه يف أزمنة مختلفة.
ر ذلك؛ فإن الوصف الرصوري
ر
الشء ر
شء الوحيد الثابت (ما دام استعمال االسم يطابق الواقم) هو ي وال ي
59
ً ر
الشء ثابتا ال يؤثر يف
الذي ينطب عليه هذا االسمء ولكن الوصف المخاص الذي يتضمته هذا االسم العلم ما دام هذا ي
.صدق أو كذب الحكم الذي يرد فيه هذا االسم
افتضنا أن ف إمكان المرء أن يكون عىل معرفةولنذكر بعض األمثال عىل ذلك .إذا فرضنا قو ًال ما قيل عن بسمارك .فإذا ر
وف عيانية بنفسه» فبسمارك قد يكون استعمال اسمه ليدل به ر
المعي الذي هو عىل معرفة عيانية به ي
ر مباشة عىل الشخص
ً
هذه الحالة إذا أصدر بسمارك حكما عىل نفسه» فمن الجائز أن يكون هو نفسه مصدر هذا الحكم؛ وهنا يكون لالسم العلم
ر ر ً ً
الشء .ولكنمعي فقط وال يدل عىل وصف لذلك ي سء ر ينبع أن يكون له دائما باعتياره اسما يدل عىل ي
ي العيان الذي
ي مدلوله
الحالة تختلف إذا أصدر شخص ما حقائق حسية قرنها اإبصورة صحية كما نحسب)» بجسم بسمارك .فجسده كحقيقة
طبيعية؛ وعقله باألحرى عرف فقط كجسد وعقل بارتباطهما بهذه الحقائق الحسيةء أي أنهما عرفا عن طريق الوصف عرفه
ه أنه حقائق حسية قرنها «بصورة» صحيحة فيما نحسب «جسم بسمارك» .والنقطة الجوهرية ي هذا الشخص إنما ي
ه موضع ر
الت ي
األوصاف المختلفة كلها تنطبق عىل الذات نفسها بالرغم من عدم وجود معرفة عيانية بهذه الذات الحقيقية ي
.البحث
ً
حي تصدر نحن الذين ال نعرف بسمارك حكما عنه؛ فالوصف الذي يف عقولنا سيكون عىل األرجح كتلة من المعرفة إننا ر
ر ر ً ر
بكثت يف معظم الحاالت لمعرفة هويته .ولكن عىل سبيل التمثيل» دعنا نفتض
التاريخية أقل أو أكت إبهاما وأكت من ذلك ر
60
أننا نفكر فيه باعتباره «المستشار األول لإلمتاطورية األلمانية» .فكل الكلمات هنا كلمات مجردة سوى كلمة *«ألمانيا» فإنها
بدورها تختلف باختالف الناس .فقد تحمل بعض الناس عىل تذكر رحالت قاموا بها إىل ألمانيا .وقد تحمل البعض اآلخر عىل
ً
اف وهلم جرا .ولكن إذا كان لنا أن نحصل عىل وصف نعرف أنه منطبق تماما» فنحن مجتون تذكر ألمانيا عىل المصور الجغر ي
للماض والحارص .
الت تعرفنا عليها ومصدر كهذا ينطوي يف أي ذكر ر
ي ندىل بمصدر إلحدى الخصائص ي يف ناحية ما أن ي
والمستقبل (مقايل أزمئة محددة) كما تشمل أشياء من هنا وهناك أو ما رواه اآلخرون لناء وعىل ذلك يبدو بطريقة أو أخرى
الشء ر
يشتمل عىل إشارة إىل صفة أخرى ً نعرفها بالعيانء إذا ًكانت معرفتنا بذلك يً
عرف بانطباقه عىل صفة خاصة ال بد أن
ر
ه وصف يشتمل عىل .
الموصوف ليس مجرد نتيجة تتتب منطقيا عىل الوصف فهذه العبارة مثال «أطول ًالناس عمرا» ي
وه ال بد أن تنطبق عىل شخص ماء ولكنا ال نستطيع أن تصدر أحكاما تتعلق بهذا الشخص تتضمن معرفة به كليات فقط؛ ي
ً
أبعد مما نصل إلبه عن طريق الوصف» فإذا قلنا «أن المستشار األول لإلمتاطورية األلمانية كان ديلوماسيا لبقا فنحن نكون
الغت ر ً
الت نصل إليها -عن طريق السمع أو القراءة.
ي متأكدين فقط من صدق حكمنا اعتمادا عىل معرفة عيانية به هو شهادة ر
ر
الحقيق» مما يجعل لحكمنا الت نوصلها إىل اآلخرين» أو عما يمكن أن يعلم عن بسمارك وبغض النظر عن المعلومات ر
ً ي ي
الت تدور ف أذهاننا ف الحقيقة تحتوي صفة أو ر ر
أكت من الصفات الخاصة وتتألف فضال عن ذلك كلها من ي ي أهمية .فالفكرة ي
..التصورات
61
وانجلتا وأوربا واألرض والنظام الشمش -يشتمل حينما يستعمل عىل أوصاف تنبثق عن صقات ر فجمع اسم المكان كلندن
ر ً ر ر ر
الميتافتيقيا يشتمل عىل صفة كهذه
ر الت عرفتاها عيانا .ي
وإن ألتوقع أنه حت الكون كما تتناوله أكت أو أكت خصوصية من ي
المنطت؛ فعىل العكس من ذلك حيث ال نهتم بما هو موجود فحسب بل بما يجب أن يكونء فليس ر بالصفات الخاصة .أما
.ثمة إشارة لصفات واقعية خاصة منطوية فيها
ر ً
الت تتضمنششء ال نعرفه إال بالوصف» فغالبا نقصد بأن نجعل قولنا ليس يف الصيغة ي ي ويبدو أننا حينما نرصح بقولنا عن
ً
الواقع الموصوف»؛ ومعت ذلك حينما تقول أي رسء عن بسمارك فإنتا نرغب ما استطعنا أن نجعل الحكم ي الشء ر
وصفا بل ي
الذي يستطيع بسمارك وحده أن يعنيه ؛ أي الحكم الذي قوامه بسمارك نفسه» وال بد أن نبوء بالفشل يف هذا ما دام
ً ر ر
الشء يسم بسمارك وأن ب هذا كان دبلوماسيا لبقا .وب هذه الصورةغت معروف لناء ولكننا نعلم أن ي الحقيق ر
ي بسمارك
الشء الذي هو بسمارك. نستطيع أن نصف الحكم الذي نرغب أن نثبته وهو «لقد كان ب دبلوماسيا لبقا»» وب هنا هو ر
ي
فإذا وصفنا بمارك بأنه «المستشار األول لالمتاطورية األلمانية»» فالحكم الذي نريد أن نثبته يمكن أن يوصف هكذا
ً ر «الحكم الذي يؤكد فيما يتعلق ر
الحقيق الذي كان المستشار األول لإلمتاطورية دبلوماسيا لبقا» .ويمكتنا بذلك أن بالشء
الشء الذي بسمارك نفسه» ومهما اختلفنا يف ر
حي كان ب دبلوماسيا لبقا حيث يكون هو ي نصف الحكم الذي نود أن نثبته؛ ر
)ًالوصف (مادام هذا الوصف صحيحا
62
يبق هوهو .وهذا الحكم الذي يوصف ويعرف بصدقه هو ما يهمتاء ولكننا لسنا عىل فإن الحكم الذي عرضنا له بالوصف ر
.معرفة عياتية بالحكم نفسه» وال عىل معرفة به ولو أننا نعرف أنه حكم صادق
ويتبي من ذلك أن ثمة مراحل مختلقة ف االنتقال من الصفات الخاصة :فهناك بسمارك ألناس عرفوه» وهناك بسمارك ر
بالنسبة آلخرين عرفوه بوساطة التاري خ فقطء وهناك معرفة بالرجل ذي القناع الحديدي» وهناك المعرفة بأطول الناس
ً ً ً
ه بالتدري ج مختلفة اختالفا تدريجيا من المعرفة العيانية للصفات الخاصة .فالقضية األوىل أقرب ما عمرا .وهذه الصفات ي
يمكن إىل المعرفة العيانية حينما تتعلق المعرفة بشخص آخرء والقضية الثانية ه أن من عرف يسمارك من التاري خ يمكن
أن يقال عنه أنه يعرف «من كان بسمارك»؛ أما يف القضية الثلثة فنحن ال نعلم من كان الرجل ذو القناع الحديدي ولو كان يف
ً ً
كثتا من األحكام عنه ر
الت يمكن أن دآ تستنتج منطقيا من كونه كان ذا قناع حديدي» أما يف القضية ي امستطاعتنا أن نعلم ر
ً ر
المنطق من تعريف الرجل .وكما يوجد تدرج مشابه يف الجزئيات يوجد أيضا مثل ي الرابعة فإن معرفتنا ال تتعدى االستنتاج
وف حالة الكليات كما يف
كثت من الجزئيات نعرفها عن طريق الوصف» ي فكثت من الكليات مثلها مثل رهذا التدرج يف الكليات» ر
بالشء الموصوف يمكن إرجاعه يف النهاية إىل العلم الذي يعرف بالعيانية .حالة الجزئيات نرى أن العلم ر
ي
ه هكذا :كل حكم تستطيع أن نفهمه يجب أن يتألف بكامله ر
الت تتضمن األوصاف ي
األساس يف تحليل األحكام ي
ي إن المبدأ
ً.من أجزاء نعرفها عيانيا
63
وأهم ما يف المعرفة الوصفية أنه ا تمكننا أن نتجاوز حدود تجاربنا الخاصة» وبالرغم من ذلك فإننا ال نستطيع أن نعرف سوى
الت تؤلف بكاملها من عبارات ختتاها ف المعرفة العيانية عن طريق تجاربناء ومع ذلك نستطيع أن تصل إىل الحقائق ر
ر
المباشة فإن هذه اللتيجة حيوية وإىل أن ر
الت لم نختتها مطلقاء وبالنظر إىل المجال الضيق لتجاربنا
ً المعرفة الوصفية ي
الكثت من معرفتنا غامضا وهو لذلك موضع شك ر .تصبح مفهومة سيظل
64
يف كل مناقشاتنا االبقة تقر يبا ركزنا اهتمامنا عىل محاولة االستيضاح بشأن الحقائق الحسية المتعلقة بمعرفة الوجود .لقد
ً ر
الت نعلم وجودها يف هذا الكون اعتمادا عىل معرفتنا العيانية بها؟ وكان جوابنا إىل اآلن أننا
كان عندنا سؤال يتعلق باألشياء ي
ً
عىل معرفة عيانية بالحقائق الحسية» وأننا عىل األرجح عىل معرفة عيانيا بذواتنا .هذه أمور نعلم وجودها .كما أننا نعلم أن ما
ر
الت نتشدماء 0ا
نتذكره من حقائق حسية ماضية كانت موجودة ف الماض»؛ وهذه المعرفة تزودنا بالحقائق ي
عىل أننا إذا أردنا أن نكون قادرين عىل استخالص التتائج من هذه الحقائق أي إذا كان لنا أن نعرف وجود المادة؛ ووجود
الناس اآلخرين» ووجود ما كان ف الماض قبل أن تبدأ ذاكرتاء وما سيكون يف المستقبل» إذا كان لنا أن نفعل ذلك فيجب أن
ر
سء من نوع نعرف بعض مبادئ عامة نتمكن من خاللها أن نستخلص مثل تلك االستدالالت .كما علينا أن نعرف أن وجود ي
سء آخر هو (ب)؛ سواء أكان وجوده بنفس الوقت الذي يوجد فيه (أ) أو يف زمن مبكر أو متأخرء كما ر
ً عىل وجود ي ً
ما (أ) دليل
هو الحال مثال يف أن الرعد هو إشارة إىل الوجود السابق للتق؛ فإذا لم يكن هذا معلوما لدينا فال نستطيع أن نبسط معرفتنا
ر ً
هء أيكون يف وراء نطاق ختتنا الخاصة» وهذا مجال .كما رأينا سابقا .جد محدود .والقضية ي
الت علينا أن نتأملها اآلن ي
65
إمكاننا أن تتسع معرفتنا مثل هذا االتساع» وإذا كان األمر هكذا فكيف يتم لنا ذلك؟
ً
مثال ال يشعر واحدنا بأدن شك فيه حيث أننا كلنا قانعون بأن الشمس ر
ستشق ف الغد .ولماذا؟ أيكون هذا االعتقاد لنورد
ً
مجرد نتيجة عمياء للختة الماضية؛ أو هل يمكن أن يتر كاعتقاد معقول؟ إنه ليس من السهل أن تجد معيارا نحكم به عىل
تكق إذا كانت صادقة؛ ر
الت ي هذا المعتقد أهو معقول أم ال ولكننا نستطيع ً عىل األقل أن نتحقق من نوع المعتقدات العامة ي
كثتة تقوم عليها أعمالنا يف الحياة .لتسوي غ الحكم بأن الشمس سوف ر
تشق غداء؛ وكذلك ما يمائله من أحكام ر
غداء أجبنا بصورة عفوية «ألنها عىل الدوام رً ويبدو أننا إذا سألنا لماذا نخمن أن الشمس ر
تشق كل يوم)ء فنحن نؤمن ستشق
الماض .ولو تحدانا أحدهم بسؤالنا لماذا تعتقد أنها سوف
ي تشق ف المستقبلء ألنها رأشقت ف إيمانا راسخا بأنها سوف ر
ر ر
ه جسم دائر بصورة طليقة» وهذا قائلي :إن األرض ي
قواني الحركة ر ر ه حت اآلنء فإننا نعود به إىل تستمر يف الشوق كما ي
سء خارج نطاقه؛ وليس ثمة حائل خارج هذا النطاق للتدخل يف األرض ربي ر
الجسم ال ينقطع عن الدوران إال إذا تدخل ي
ر
سء يف الخارج يعتض حركة األرض؛ ولكن ر الحارص والغد .وقد يشك بالطبع يف كوننا عىل تمام
اليقي أن ليس هناك من ي ر
ر
قواني الحركة ستستمر يف عملها حت الغد .فإذا قام هذا الشك لوجدنا
ر ليس هذا هو الشك الهام؛ فالشك الهام ينحرص يف أن
ر
حي أطلقنا الشك يف شوق الشمس .أنفنا يف الموقف نفسه الذي بدأنا منه ر
66
قواني الحركة سوف تعمل عملها هو أنها بقيت تقوم بذلك من قبل إىل الحد الذي تمكندا ر والحجة الوحيدة يف االعتقاد أن
معرفتنا بالماض أن نحكم هذا الحكم .وبي أننا نملك الحجة مما حدث ف الماض ف تأبيد قواني ن الحركة ر
أكت مما لدينا ر ي ي ي ر ي
قواني الحركة؛ وهناك حاالت
ر من األدلة يف تأييد رشوق الشمس؛ ألن رشوق الشمس ال يعدو أن يكون حالة خاصة إلتجاز
ً الحقيق ر
ر
يبق ملحا وهو :أيكون حدوث أي عدد من الحاالت ي القواني» عىل أن السؤال
ر خاصة أخرى ال تحىص لفعل تلك
ً ً
الماض دليآل عىل أنها سوف تحدث يف المستقبل؟ وإذا كان الجواب نفيا فإن من الواضح أال نجد ربي أيدينا
ي لفعل قانون يف
ر
أي سبب يحملنا عىل أن نتوقع أن الشمس سوف تشق غداء أو أن نتوقع أن الخت الذي سستأكله ف وجبتنا المقبلة سوف
الوع تضبط حياتنا اليومية» أو أن نتوقع أي أمر سيحصل .ومن المالحظ أن ي لن يسبب لنا التسممء أو ألي توقعات نادرة
ه يف حدود األرجحية» ولذلك ليس لنا أن نفتش عن برهان يثبت أنها ستنجز» ألي سبب يؤيد الرأي هذه التوقعات كلها ي
.بأن من األرجح إتمامها
ً
يفىص ينا األمر إىل الواقع الذي ال أمل فيه .فقد بينت
ي تميتا مهماء بدونه ال بد أنوعلينا بصدد معالجة كهذه أن نقيم ر
ً ً حت اآلن تكرار حدوث * شيئي أو ر التجربة لنا ر
أكت معا بالتعايش بصورة مطردة مرات عديدة كان با ألن نتوقع مجيثهما معا ر
أو بالتعاقب
ً
المعي مذاقا خاصاء وتصاب توقعاتنا بصدمة قاسية إذا وجد أن المظهر
ر يف المرة المقبلة .فإن يف للغالب للطعام ذي المظهر
ٌ
مقرون بذوق غت معتاد .وما نبرصه من أشياء ر
تقتن ر المألوف
6
ر
الت ر
حي نلمس تلك األشياء» وأن من األهوال ي الت نتوقع أن نجدها ر
ه األحاسيس ي بتأثت العادة بأحاسيس لمسية معينة؛ ي
ر
وكثت من الناس الذين تنفعهم الثقافة
ر . ه أنها تفشل يف منحنا أحاسيس اللمسكثت من قصص األشباح) ي (ف رتبثها األشباح ي
غت مفهومة منر األصلية لغتهم أن يجدون حي
ر التصديق عليهم ليتعذر ر
حت يدهشون مرة أول ليالدهم عند مغادرتهم
.األجانب
َ ً إن هذا النوع من ر
االقتان ليس مقصورا عىل اإلنسان» بل أنه يف الحيوانات فعال قوي األثر .فالحصان ِإذا اعتاد أن يساق ف
حي تبرصمعي يقاوم أشد المقاومة محاولة سوقه يف اتجاه آخر .وتتظر الحيوانات الداجنة أن تظفر بالطعام ر طريق ر
الشخص الذي اعتاد إطعامها .وإنا للعلم كيف أن جميع هذه التوقعات الساذجة الطراد حدوث األشياء معرضة للخطأ
ً
أختا إىل لوي رقابوالفساد .فقد ينته األمر بيد الرجل الذي اعتاد أن يطعم الدجاجات كل يوم طوال حياتها أن يلجأ ر
ً
كثتا
ً.الدجاجات» مظهرا بذلك أن آراء الساذج باطراد وقوع الحوادث الطبيعية ال يجدي الدجاجات ر
68
ه أيوجد أي سبب لالعتقاد بما يسم االطراد يف «وقوع النمطية الطبيعية». ر
الت علينا أن نمعن يف مناقشتها ي
إن القضية ي
سء حدث أو سيحدث إنما هو حالة من حاالت فعل قانون عام ر
ً واإليمان باطراد وقوع الحوادث الطبيعية هو اإليمان بأن أي ي
ر
وه معرضة إذن ألن فه خاضعة للشذوذء ي ال يقبل الشذوذ والتوقف .أما رصوب التوقع الساذجة ي
الت استعرضتاها آنفا ي
الت لها شواذ يمكن أن يستبدل بها قواعدتخيب ظن من يتمسكون بهاء ولكن العلم قد درج عىل فرض أن القواعد العامة ر
ر
الت ال سند لهاء تسقط من الفضاء ء عىل األرض وهذه قاعدة عامة تشذ عنها البالونات عامة ال شواذ لها« .فاألجسام ي
والطائر ات .ولكن
ً ً ر
الت تفش معا سقوط أغلب األجسام» تفش أيضا استطاعة البالونات والطائرات االرتفاع قواني الحركة وقانون الجذب» ي ر
ً
قواني ,الحركة وقانون الجذب معا ال تخضع لهذا الشذوذ ر فإن وإذن ان».والطت
ر
ً واالعتقاد الذي يقول بأن الشمس ر
كبت يخرب عىل دورانها.ستشق غدا هو قول زائف إذا اصطدمت األرض فجأة بجرم ر
قواني
وقواني الجاذبية ال يتأثران بحادث كهذاء ومهمة العلم أن يكشف حاالت االطراد» مثل ً رر قواني ن الحركة
ر ولكن
ً الحركة وقانون الجاذبية ر
الت ليس فيها شذوذ إىل الحد الذي تمتد إليه تجاربنا .وقد كان نجاح العلم يف هذا نجاحا بارزاء وإننا
ي
لنسلم
69
70
ر
الت تؤلف األساس لحياتنا اليومية تقريا
ً.االستقراء بل تعتمد عليها يف الحقيقة؛ سائر معتقداتنا ي
يكق بذاته للتهان بصورة ر
شيئي معأ مرات متكررة وال يفتقان قط» أمر ال ي
ر وعلينا أن نسلم (بداية) بأن حقيقة حدوث
ً
.
ه موضع عبثنا وقصارى ما يمكن أن تأمل الوصول إليه هو أنه ر
الت ي
قاطعة عىل أنهما سوف يحدثان معا يف الحالة الجديدة ي
ً ً ً ً ً ر ر
الت يحدثان فيها معا؛ ازداد رجحان حدوثهما معا يف مرة أخرى .وكلما بلغت مرات حدوثهما معا حدا كافيا كلما كتت المرات ي
ً
زاد رجحان حدوثهما معا ف المرة األخرى ر
اليقي 7تقريباء وهذا االحتمال أو الرجحان ال يصل إىل درجة ر حت يصل إىل درجة ي
ً
كتة تكرار حدوثهما معأ فإن هناك أحيانا ما يخل بهذا ر اليقي المطلق؛ ألننا نعلم أنه بالرغم من ر
االقتان يف النهاية؛ كماهو ر
ر ر
الت تعتض هذا ينبع أن نسع يف طلبه .والحجة ي ي الحال يف الدجاج الذي لوى رقبته .ولذلك فاالحتمال أو الرجحان هو كل ما
القول الذي أيدتاه هو أننا نعرف أن جميع الظواهر الطبيعية تخضع لحكم القانونء وأننا نستطيع أحيانا» اعتمادا عىل
ر
االعتاض ه موضع امتحاننا .ولهذا ر
الت ي المالحظة» أن نجد أن قانونا واحدا فقط يمكن أن ينطبق عىل وقائع الحالة ي
ر ر
جوابان :األول هو أنه حت إذا كان هناك قانون ما ال يقبل الشذوذ ينطب عىل الحالة ي
الت ربي أيديناء فإنتا ال نستطيع أن
الثان هو أن
ي نكون يف الواقع عىل يقن قط؛ بأن ما اكتشقناه هو هذا القانون نفسه وليس قانونا آخر قابال للشذوذ .والجواب
ً حكم القانون ال ييدو ر
أكت من كونه محتمال فقط» وأن اعتقادنا
71
ً ً
الماض» اعتقاد قائم عىل هذا المبدأ الذي هو موضع بحثنا
ي سيبق نافذا يف المستقبل» أو ر يف حاالت لم نختتها يف
ر بأنه
.وسؤالنا
ر ً
يأن
:يمكننا أن ندعو هذا المبدا االستقران» ويمكن أن نعد قسميه كما ي
سء من نوع (ب)ء فإنه كلما زاد عددر مقت ًنا ر
أ -إذا وجد رسء من نوع (أ) ر
يوجد قط منفصال عن ي بشء من نوع آخر (ب) ولم
ً ي الت ي ر
اقتن فيها الشيئان (أ) و(ب) زاد احتمال ر
اقتانهما معا يف حالة جديدة نكون عىل معرفة بوجود أحدهما فيها .الحاالت ر
ً
ان لينطبق عىل وجه العموم يف الصورة التالية
قسم المبدا االستقر ي
ي :الحالة الخاصة» ولذا لنا أن نضع
ً
دائما ر بشء من نوع (ب) زاد احتمال ر
ر ر ر ر
(بشط أال اقتان (أ) ب (ب) سء من نوع () ي
الت يقتن فيها ي
أ -كلما زاد عدد الحاالت ي
ر
).تعرف حاالت يختل فيها االقتان
ً
تقريبا ر ب إن حدوث عدد كاف من ر
اقتان (أ) مع (ب) دائماء اقتان (أ) ب (ب) يف الظروف نفسها سوف يجعل من المؤكد
اليقي بال حد .ويجعل القانون العام ر
يقتب من
ر
ً
ويقتىص االنتباه إىل أن االحتمال إنما هو دائما احتمال بالنسبة إىل حقائق معينة .وهذه الحقائق يف مثالنا ليست إال ما يعلم
كثتا. من حاالت ر
اقتان (أ) مع (ب) .وقد
فتغت بذلك من درجة االحتمال ر بعي االعتبار ر يكون هناك حقائق أخرى» ريما تؤخذ ر ً ً
كبتا من البجع أبيض» وقد يكون دليله هذا عىل صواب .وال ينقصه كون بعض البجع فقد يحكم الشخص ًالذي رأى عددا ر
ً
فق حالة اليجع قد يعلم المرءي .الوقوع محتمل غت
ر ا
ر أم تجعله لحقائق ا أن من بالرغم أسودء وذلك ألن شيئا ما قد يحدث
كثتة من الحيوانات» ولذلك فإن أي استقراء حول ألوان الحيوانات استقراء معرض أن اللون صفة شديدة التباين يف أنواع ر
ً ً ً
للخطأ .ولكن هذه المعرفة تؤلف حقيقة جديدة ال تثبته مطلقا أن االحتمال بالنسبة إىل الحقائق األوىل كان احتماال قائما
ر ً
تأن مخالفة لما نتوقع ال ينهض حجة عىل أن توقعاتنا سوف ال تكون كثتا ما ي عىل تقدير خاط .ولذلك فإن كون األشياء ر
محتملة الوقوع يف حالة
73
ً
غت قابل عىل األقل ألن يدحض عىل كل حال معي من الحاالت .وهكذا فإن المبدا االستقر ي
ان ر .معينة أو نوع ر
ً
ان
صحة المبدأ االستقر ي غت قابل أيضا ألن تثبت صحته باللجوء إىل التجربة .ويمكن تصور أن التتجربة توكد لكن هذا المبدأ ر
ر ً ر
ان وحده هو الذي غت المغربلة فإن الميدأ االستقر يالت امتحنت وغربلت قبال؛ أما فيما يخص الحاالت ر فيما يخص الحاالت ي
الت تم غربلتها» فجميع رصوب ر
غت المغربلة بناء عىل الحاالت ي يمكن أن يسوغ الوصول إىل استدالل حول تلك الحاالت ر
تفتض صحة المبدأ الماض أو الحارصء ر اءز أج من يمكن لم ما عىل الت تحكم عىل المستقبل اعتمادا عىل التجربة أو ر
ي التدليل ي
ان» ومن ثم ال نستطيع أن نستخدم التجربة إلثبات المبدأ االستقران من دون أن نقرض صحة ما تريد إثباته .ولذلك االستقر ي
ً ً
ان بناء عىل صحته ذاتهاء وإما أن نتجاوز كل تتير لتوقعاتنا عن المستقبيل» فإن كان المبدا يلزمنا إما أن نسلم بالمبدا االستقر ي
ً
غداء أو أن نتوقع أن الخت ر غت سليم فليس لنا أن نتوقع أن الشمس ر
أكت تغذية من الحجر أو أن نتوقع أنتا إذا ألقينا تشق ر
ً
بأنفسنا من سطح سوف نسقط عىل األرض .وحيثما نبرص من يبدو لنا كأنه صديقنا العزيز مقبال عليناء فليس ربي أيدينا أي
ً
سبب ألن نفرض أن جسمه ال يحل فيه عقل أشد أعدائنا عداوة لناء أو عقل شخص غريب عنا تماما .فكل سلوكنا قائم عىل
الماض» ونعدها لذلك محتملة النجاح يف المستقبل؛ وإنما تعتمد صحة احتمال نجاحها عىل مقتنات كانت ناجحة يف ر
ي ً
ان
.المبدا االستقر ي
74
ر
ومبادئ العلم العامة كاالعتقاد بحكم القانون واالعتقاد بأن كل حادثة ال بد أن يكون لها سبب ماء تعتمد كل االعتماد عىل
القواني العامة إنما يعتقد فيها اإلنسان ر ً
البشي ر المبدا االستقراثت مثلما تعتمد عليه اعتقاداتنا ف حياتنا اليومية .وجميع هذه
ً ً
قد وجدت أمثاال ال تحىص لتحقيقها؛ ولم تجد أمثاال عن بطالنها .وليس يف هذا أية حجة لصدقها يف المستقبل» ما لم
ً
ان
.تفرض صحة المبدا االستقر ي
ه معرفة قائمة عىل اعتقاد ال تستطيع ر
سء لم يقع يف تجاربناء ي
وعىل هذا فإن كل معرفة تنبئنا بناء عىل التجربة؛ بأمر ما عن ي
التجربة أن تثبته أو تدحضه» ومع ذلك فهو اعتقاد يبدو عىل األقل يف تطبيقاته الخاصة الحسية شديد الرسوخ فينا مثل
ً
والمبدا االستقران» كما ر
ستى قرياء ليس ي كثت من حقائق التجربة نفسها ووجود مثل هذه المعتقدات وتتيرها - شدة رسوخ ر
ً بالمشل الوحيد -يثت بعض مشكالت من أصعب مشكالت الفلسفة ر
وأكتها مثارا للخالف والمنافسة .وف الفصل التاىل ر
تفست مثل هذه المعرفة وعن مداها ودرجتها
ر ستناول بإيجاز ما يقال يف
اليقي
ر .من
75
76
78
فذاك صادق» فإننا نقول أن هذا «ينطوي» ف ذاك» وأن ذاك «يصدر عنه» هذا .وهكذا فإن هذا المبدأ ينص عىل أنه إذا
ً
كان هذا يتضمن ذاك» وكان هذا صادقا فإن ذلك صادق»؛ وبكلمات أخرى «كل ما تتضمئه قضية صادقة فهو صادق»؛ أو
«».كل ما ريتتب عىل قضية صادقة فهو صادق
ً
اهي .فحيثما اتخذنا أمرا تعتقده إلثبات أمر آخرء يكون
إن هذه الحجة ً-أو عىل األقل أمثلتها المحسوسة -تدخل ف كل الت ر
هذا المبدأ مالئما .فإذا سأل شخص« :لماذا يتحتم أن تسلم بتتائج الدليل الصادق القائمة عىل مقدمات صادقة؟» فليس لنا
ً
وف الواقع؛ من المستحيل الشك يف صدق هذا المبداء وهو يصل من الوضوح إىل درجة أن نجيب إال باللجوء إىل هذا المبدأ .ي
يبدو فيها ألول نظرة أنه أمر تافه .عىل أن مشثل هذه المبادئ» ليست بسيطة يف نظر الفيلسوف؛ ألنها مبادئ تكشف لنا
.أننا قد نصل إىل معرفة ال يجوز الشك فيها ليست مستمدة بأي صورة من األشياء المحسوسة
ً
ربما كان هذا المبدأ ليس إال واحدا من المبادئ المنطقية الواضحة بذاتهاء وال بد من التسليم ببعض هذه األسس عىل األقل
ً
قبل أن يكون ممكنا أن يقوم المرء بأي تدليل أو يصل إىل أي برهان عليها .وإذا تم التسليم بيعضهاء كان من الممكن التهنة
ر ً
الت تم التسليم بصدقها .وقد
عىل صدق البعض األآخر» وإذا كان هذا البعض بسيطا فإنه يصبح واضحا وضوح المبادئ ي
لقواني الفكر الت توضع تحت اسم ر
ر تبيي ثالثة من هذه المبادئ ي
».جرت العادة دون حجة قوية عىل ر
79
ر
«الشء هو هو )(1 ».قانون الذاتية:
ي
ر
«الشء ال يمكن أن يكون وال يكون )(2 ».قانون التناص:
ي
١قانون استبعاد الوسط« :كل رسء يجب أن يكون إما كذا أو ال كذا»(3) , .
ً ً
وتعتت هذه المبادئ الثالثة نماذج للمبادئ المنطقية البينة بذاتها كالمبدا الذي استعرضناه آنفا والذي مضمونه أن ما ريتتب
ً
«قواني الفكر» اسم مضللء » ألن المهم فيها ليس يف كوننا نفكر تبعا لهذه ر ٠عىل مقدمة صادقة فهو صادق .إن اسم
ً ً ً ً
تفكتنا يكون صحيحا .ولكن هذه ر القواني فإن
ر تفكتا مطابقا لهذهالقواني بل ألن األشياء تجري وفقا لهاء أي إذا كنا تفكر ر
ر
كبتة ال بد أن تعود إليها يف مرحلة الحقة من البحث.مشكلة ر
ً ً ر
الت تمكتنا من التهنة اعتمادا عىل مقدمة معينة عىل أن أمرا ما صادق عىل وجه وتوجدء باإلضافة إىل المبادئ المنطقية ي
ً ً
اليقي مبادئ منطقية أخرى تمكننا من التهنة اعتمادا عىل مقدمة معيئة عىل أن هناك احتماال يزيد أو ينقص لصدق أمر ما ر
ان الذي بحثناه يف الفصل السابق ي ر االستق المبدأ لها مثل أهم ولعله لمبادئ ا هذه أمثلة ومن .
80
عن التجربة (أي أن التجربة ال يمكن التهنة عليها) تبعثه وتسببه التجربة .فنحن نعرف المبادئ العامة ف حاالت التقائنا
الت تمثل تلك المبادئ ما بينها من ارتباط .وأن من توافه األمور أن نفرض أن هناك مبادئ فطرية بمعتر
بالتجارب الخاصة ي
أن الطفل يولد وله معرفة تتصل بكل ما يعرفه الكبار دون أن تستنتج من التجاربء لهذاء فإن كلمة «فطرية» ال تستعمل
ً عتاض عليها أقل» وه ر اآلن لوصف معرفتنا بالمبادئ المنطقية .أما كلمة (قبلية» ««7و«7م 7ئ» فإن اال ر
أكت شيوعا ربي ي
المحدثي .ولذلك فإننا إذ تسلم بأن كل معرفة تبعثها وتشبهها التجربة نرى مع ذلك أن بعض المعرفة «قبلية»
ر الكتاب
تكق للتهنة عل صحتهاء ولكن التجربة تقترص عىل توجيه اهتمامنا إليها ر
التفكت فيها ال ي
ر الت تحملنا عىل
بمعت أن التجربة ي
ر
.حت لتى حقيقتها دونما حاجة إىل برهان تدعمه
81
82
ه معرفة فرضية؛ تهدينا إىل الصالت واالرتباطات ربي األشياء الموجودة أو الممكنة ر
سء ي ولذلك» فكل معرفة تقرر وجود ي
ر
الحقيق .الوجود؛ ولكنها ال تؤدي إىل معرفة الوجود
ي
ر
غت المنطقية؛المنطق الذي تناولناه إىل اآلن .ولعل أهم مثل عىل المعرفة القبلية ر
ي وقد ال تكون كل معرفة قبلية من النوع
إنما هو المعرفة بالقيمة الخلقية» ولست بصدد تناول األحكام المتعلقة بما هو مقيد ونافع وبما هو فاضل» وألن مشل هذه
ً
األحكام تحتاج إىل مقدمات تجريبية؛ وإنما سأتناول األحكام المتعلقة بما هو مرغوب بذاته من األشياء .فإذا كان رسء ما نافعا
ً ً
ال بد أن يكون نافعا ألنه يحقق غاية ماء أما هذه الغاية فال بد إذا مضينا يف التحليل بعيدا؛ أن تكون ذات قيمة بذاتهاء وليس
.ذلك ألنها نافعة لغاية بعيدة فحسب .وهكذا فإن كل األحكام عما هو ناقع تعتمد عىل أحكام حول ما هو ذو قيمة بحد ذاته
ً
مثال بأن السعادة مرغوية ر
أكت من التعاسة»؛ وأن المعرفة أفضل من الجهل» وأن اإلرادة الطيية أفضل من ونحن نحكم
ً ً
ه ككل أحكامنا القبلية يمكن استخالصها
ي و وقبلية؛ وشيكة األقل» عىل جزئيا تكون أن يجب كهذه أحكاما البغض .إن
سء ما بأنه ذو قيمة بذاته؛ ما لمر
غت ًالممكن أن نحكم عىل ي
بالتجريةء وكذلك يجب أن تكون يف الواقع» ألنه ييدو أن من ر
نكن قد مررنا يف تجاربتا عىل مثل من نوعه .ولكن من الواضح جدا أنه ال يمكن التهنة عىل هذه األحكام بالتجربة ألن كون
ً ر
ختا أو أنه واجب الوجود أو أنه رش .وبحث هذا األمر يتصل بعلم غت موجود ال يمكن أن يثبت كونه ر سء ما موجودا أو ر
ي
األخالق .حيث يكون عىل الباحث أن يقرر
83
84
حي رنتهن عىل خاصية ما يف جميع المثلشات» فإننا ترسم مثلقا ما ونبدأ ويمكنا يف ذلك االستشهاد بالهندسة .فحن ر
نتحاس االعتماد عىل أية خاصية ال يشارك فيها هذا المثلث المثلثشات األخرى» ر باستداللنا حوله» ولكنننا نستطيع أن
يقي يفوب هذه الصورة نصل» بناء عىل الحالة الخاصة إىل نتيجة عامةء وف ذلك ال نشعر يف الحقيقة بأن ما نحن عليه من ر
واثني هما أربعة يزيد بالنظر ف حاالت جديدة» ذلك ألننا أول ما ندرك صدق هذا الحكم» حيث يقيننا يصل إىل ر اثني
أن ر
واثني هما أربعة»
ر «اثني
ر بشء من الرصورة إىل أن الحكم كبتة ال يمكن أن يتجاوزها .وإضافة إىل ذلك» فإنتا نشعر ر
ر درجة
ي
ر ر
وهو ما ال نشعر به حت يف التعميمات التجريية الموثوق بهاء إن هذه التعميمات تبق لنا مجرد حقائق» وربما كان هناك
الواقع صحيحة .وعىل العكس فإننا نشعر أن محصلة ر
اثني ي عالم آخر تكون فيه هذه الحقائق مخطئةء وإن كانت يف العالم
سء موجودر ر ر
ه رصورة يجب أن يجري وفقها أي ي
سء واقع بل ي
واثني تبق أربعة يف أي عالم آخرء وليست هذه مجرد ي
ر
.بالفعل أو يحتمل وجوده
الحقيق كالحكم «كل الناس فانون» .فظاهر أننا نؤمن بهذا ر التجريت استشاف هذه القضية علينا بالتعميمر ر
وحت نتمكن من
ً ً ي ي
معي» وثانيا ألنه يظهر أن هناك أسبابا ألناس امتد بهم العمر إىل أبعد من مدى ر الحكم أو ال ألننا ال تعلم بحادث واحد
ً ً ً ً
عضويا كجسم اإلنسان ال بد أن ر ً
الشان جانباء
ي األمر ولنضع . آجال أو عاجال إن يفت فتيولوجية تدعو إىل أن نرى أن كائتار
ونقترص يف تأملنا عىل ما مر يف تجارينا عن فتاء اإلنسان» فظاهر
85
نكتق
ي حي أننا يف قضية «اثنان واثنان يساويان أربعة» ال نكتق بحالة واحدة لفناء شخص تلم بها تمام اإللمام» يف ر ي إننا ال
ر ً
االعتاف لدى مدفوعي إىل
ر أيضا انا
ر وت .أخرى حالة أية عىل يصدق الحكم هذا أن لنقتنع فيها النظر ننعم واحدة بحالة
ضئيال ف كل الناس فانون .ويتضح هذا بأن تحاول ر ً
عالمي
ر تخيل ي التأمل الدقيق بأنه ريما كان هناك يعض ائشك» مهما كان
وحي طلب إلينار .الثان يكون اثنان واثنان خمسة
ي مختلفي» يف أحدهما عالم واحد ال يعت الناس فيه؛ بينما يف العالم
ر
األديب األرلندي سويقت أن نتأمل يف ذلك الجنس من األحياء الذي أسماه ه( 0014أسماء أسطورية) الذي ال يموت قطء
الخياىل .عىل أن الكيان الذي فيه اثنان واثتان يساوي خمسة كيان آخر .فنحن نشعر أن ي ف استطاعتنا أن نسلم بهذا العالم
ً
.مثل هذا الكيان .لو كان موجودا؛ سوف يهدم بناء معرفتنا ويحيلنا إىل حال من الشك المقلق
ً
كثت من القضايا المنطقية أيضاء وف روالواقع أننا يف القضايا الرياضية البسيطة مثل «اثنان واثنان مجموعهما أربعة» » ي
تستطيع أن تصل إىل معرفة الحكم العام من دون أن نستنتجه من حاالت خاصةء ولو أنه ال بد لنا من حالة واحدة توضح لنا
ما يدل عليه هذا الحكم العام .ي
وف ذلك تكمن فائدة االستنتاج؛ وفيها يكون االنتقال من العام إىل العام أو من العام إىل
الخاص» باإلضافة إىل عملي ة االستقراء وفيه يكون االنتقال من األخص أو من الخاص إىل العام وقد ظل الفالسفة منذ القدم
ويتبي لنا اآلن أنه يف بعض
ر يتناقشون يف كون القياس يؤدي إىل معرفة جديدة.
86
87
باقتاب ر
أكت من الحقيقة إذا جعلنا وجهتنا استقرائية رصفة من أن نذهب عن ولذلك نصل إىل النتيجة بأن سقراط هو فان ر
ً
.طريق يقول أن «كل الناس قانون» قتلجأ بذلك إىل االستنتاج
ر ر
وبي التعميمات التجريبيةالت تعرفها بصورة قبلية مثل «اثنان واثنان أربعة»» ر
الرف ربي األحكام العامة ي
يتبي لنا ي
ومن هنا ر
مثل «كل الناس فانون»» فاالستتتاج للحالة األوىل هو الطريقة المناسية الصحيحة للحجة»؛ أما بالنسبة إىل األخرى
ً ر ً ً
ه أقل يقينيا من كلفاالمستقراء يكون دائما مفضال من الوجهة النظرية» ويضمن ثقة أكت ألن كل التعميمات التجريبية ي
.األمثلة األخرى
ً
ويتبي من ذلك أن هناك أحكاما تعرفها بصورة قبلية؛ وأن من ربي هذه األحكام؛ أحكام المنطق والرياضيات الرصفة؛ واألحكام ر
:
الت علينا أن نوجه إليها انتباهنا بعد هذا ه كيف يمكن أن تشغلنا مثل هذه المعرفة؟ ر .
األساسية يف األخالق والمشكلة ي
والت ال نستطيع فالت لم نمحص فيها جميع األمثلة ر وعىل وجه خاص» كيف تكون المعرفة باألحكام العامة ف الحاالت ر
ي ي ي
األلمان كنط ()1804 - 1724 الفيلسوف مرة ألول آثارها غت متناه؟ هذه األسثلة» ر
الت الحقيقة أن نمحصها ألن عددها ر
ي
.أسئلة عويصة ولها مكانة تاريخية
88
89
أما هيوم ( )1776 - 1711الذي سبق كنط» وقبل الوجهة السائدة حول رشوط المعرفة القبليةء فقد اكتشف أن الصلة
ً ر
الت كان يظن سابقا أنها تحليلية وخاصة يف حالة السبب والنتيجة .وقبل هيوم ظن العقليون أن كثت من الحاالت يتركيبية يف ر
ً ر
النتيجة يمكن استنتاجها من السبب إذا حصلنا عىل معرفة كافية .وقد ناقش هذا األمر وكان صحيحا كما هو مقبول اآلن
ر
األكت واألممن شكوكية بأن ال رسء يمكن معرفته بصورة شاملة ناقش بأن هذا ال يمكن أن يكون ولذا فقد استنتج الرأي
ً
العقليي» فجد ف
ر قبال عن الصلة ربي السبب والنتيجة .ولقد أثار شك هيوم القلق الشديد عند كط الذي ترن يف أحضان
ه تركيبية ال تحليلية:
أن يجد جوابا لهذا الشك .وقد أدرك الصلة ربي السبب والنتيجة يف أن األحكام الحسابية والهندسية ي
قق كل هذه األحكامي
90
يكت من إيراده هو 547-12حيث ربي بحق أن 7و5 ال يؤدي تحليل الموضوع إىل الكشف عن المحمول .والمثال الذي ر
ر
يجب أن تعطيا النتيجة :12فالفكرة 12ليست متضمنة يف مفهوم العدد 7أو مفهوم العدد .5وهكذا انته إىل النتيجة ي
الت
فه تركيبية؛ ولقد ولدت هذه النتيجة مشكلة جديدة سع كنط أن يجد
تذهب إىل أن كل الرياضيات المحضة ولو أنها قيلية ي
ً
حال لها
91
اشني آخرين سيؤلفون أربعة .فهذه القدرة الظاهرة لتوقع الحقائقاثني منهم أو ر لندن بعد ماثة سنة» ولكننا نعرف أن أي
ً رً ر
أن؛ فهو حل ممتع . .وكيفمار
ي يف صحيحا ليس أنه ولو للمشكلة كنط حل أما .حقا الت لم نجرب ها قدرة مدهشة
عن األشياء ي
ً كان األمر فهو حل شديد الصعوبة يدركه الفالسفة عىل وجوه ر
شت .وقصارى ما نستطيع أن نعرض هذه المشكلة عرضا
ً.موجزاء ولو أن أغلب أعالم الطريقة الكنطية يرون يف ذلك تضليال
متمتين» أحدهما يعود إىل الموضوع (أي ما نطلق وكانت وجهة نظر كنط تلخص يف أن كل تجربة من تجاربنا لها عنرصين ر
ر ر
عليه الشء المادي)» روالثان يعود إىل طبيعتنا الخاصة .وقد مر معنا عند الببحث يف المادة و الحقائق الحسية أن ي
الشء
الشء المادي المادي يختلف عما يقتن به من الحقائق الحسيةء وأن الحقائق الحسية يجب اعتبارها نتيجة للتفاعل ربي ر
الت يخصص فيها حصصا تخص ر ونفوسنا .وإىل هذا الحد ترانا
تمت به كنط طريقته ي متفقي مع كنط يف ذلك» ولكن أهم ما ر
ر
الشء المادي» وإنها ر الشء المادي بالتعاقب .فهو يرى ر
المادة األوىل كما تظهر يف األحاسيس اللون» الصالبة إل -راجعة إىل ي
ر ي
الشء وما نزوده نحن هو التتيب يف الزمان والمكان» وجميع الصالت ربي الحقائق الحسية تنجم عن المقارنة ر
تعزى إىل ي
بعضها ببعض أو باعتبار أحدها السبب لآلخر أو بأي طريقة أخرى .وحجته الرئيسة يف تأييد هذا الرأي ي
ه أن لنا كما بيدو
معرفة قبلية عن المكان والزمان والسببية والمقارنة» ولكن ليس لنا مثل هذه المعرفة القبلية عن المادة األوىل لألحاسيس.
يقي من أن أيوهو يقول» أننا يمكن أن نكون عىل ر
92
ر
الت أثبتناها له يف معرفتنا القبلية ذلك ألن هذه الصفات تعود إىل طبيعتنا الخاصة ر
سء نجربه ال بد أن تظهر له الصفات ي
ي
سء يف تجاربنا يدون أن يكتسب تلك الصفات ر
.ولذلك ال يمكن أن يمر ي
ً ً الشء المادي فقد دعاه كنط ر ويصدد ر
غت قابل للمعرفة مطلقا؛ أما ما يمكن أن يكون معروفا
ً ً (الشء ف ذاته)!” وهو يرى أنه ر
ر ر ر
الشء ء كما يدخل يف نطاق تجاربنا؛ وهو ما دعاه «الظاهرة» .فالظاهرة باعتبارها نسيجا مشتكا منا ومن ي
الشء لنا فهو ي
بذاته» ال بد أن يكون لها هذه الصفات ر
الت تعود إلينا» ولذلك ال بد أن تطابق هذه الظاهرة معرفتنا القبلية .وبعد ذلك نرى
أن هذه المعرقة ولو أنها تصدق عىل جميع تجاربنا الواقعية والممكنة علينا أن ال نذهب يف االفخراض أنها تنطبق عىل
ر ر ر
الشء الذي ال
الشء بذاته أو عن ي سء عن ي التجربة الخارجية .وبالرغم من وجود معرفتنا القبلية ال نستطيع أن نعرف أي ي
التجريييي
ر العقليي وحجج
ر .يمكن أن يدخل يف نطاق التجربة .وب هذه الوسيلة حاول أن يطابق ويوائم ربي آراء
أما إذا أغفلنا النظر عن األدلة الفرعية التي ريما يعرض لها النقد في فلسفة كنط» فإتنا نرى أن هناك اعتراضا ً أساسيا ً ييدو أنه
يقضي على أي محاولة لبحث مشكلة المعرفة القبلية بهذا المنهج .والسبب
الشء الماديء؛ أي سبب األحاسيس .وف الخصائص )(1 ي الشء يف ذاته هو متطابق يف التجديد عىلي أن رأي كنط من
الشء؛ ألن كنط اعتقد (وذلك بالرغم من عدم التماسك فيما يتعلق بالعلة ) المستتجة من التحديد نرى أنها ال تنطبق عىل ي
الشء يف ذاته
ي عىل تتطبق ال جميعها المقوالت أن نعرف أن تستطيع أننا .من
93
الذي يجب أن نعلله هو تيقننا أن الحقائق ال بد أن تجري دائما ً على معيار ما يقرره المنطق والحساب .والقول بأن المنطق والحساب
من نتاج أنفسنا ال يحل المشكلة» فطبيعتنا هي كأي حقيقة أخرى من حقائق العالم الموجود» وال يمكن أن نصل إلى يقين من أن
هذه الطبيعة ستبقى ثابتة بدون تغ ِيير .فقد يحدث إذا كان كنط على صواب أن طبيعتنا غداً ستتغير حتى نجعل االثنين واالثنين
تساوي خمسة .وإمكان هذا الغرض لم يخطر بباله قط» ومع هذا فبإمكانه أن يحطم تماما ً ما يثبته ويؤكده لألحكام الرياضية من
اليقين والشمول» ومن الواضح أن هذه اإلمكانية من الناحية الصورية ال تتسجم مع الرأي الكتطي بأن الزمن في ذاته هو شكل
تفرضه الذات على الظواهر» حتى أن الذات الحقيقية ليس لها زمن؛ وليس لها غد ولكن ال بد أن يضرض بأن النظام الزمني
.للظاهرات تقوره الصفات التي تكمن خلف الظواهرء وهذا يكفي لمحتوى حجتنا
وفوق هذا وذ اك» فإن التشكير يذهب با إلى أنه إذا كانت المعتقدات الحسابية صادقة فإنها تنطيق على األشياء بالتساوي سواء
أمعنا النظر فيها أو لم نمعن» فشيثان ماديان وشيئان ماديان آخران يجب أن يكون مجموعهما أربعة» حتى ولو لم تدخل
الموضوعات المادية في نطاق تجاربنا .وتقرير هذا يكفي بال ريب ضمن نطاق ما نقصده حينما تقرر أن اثنين والنين مجموعهما
أريعة» وصدق هذا القول ال يداخله شك كصدق الحكم بأن ظاهرتين أخريين يساويان أربع ظواهر .وهكذا نرى أن حل كنط
.يسرف في التحديد غير المالئم لدى اآلراء القبلية؛ فضالًا عن فشله في محاولة تفسير هذا اليقين
94
أما إذا تخطينا وجهات النظر الخاصة التى دعا إليها كنطء نرى أن الشائع بين الفالسفة زعمهم أن ما هو قبلي هو ذهني؛ أي يتعلق
بالطريقة التي ال بد أن نفكر بها أكثر مما يتعلق بأي حادثة من حوادث األلم الخارجي .وسبق لنا في الفصل الماضي مالحظة
المبادئ الثالثة التي تدعى عادة لقوانين الفكر» .والرأي الذي قادنا إلى تسميتها هكذا رأي طبيعىء ولكن هناك أسبابا ً أخرى قوية
الحجة تحملنا على االعتقاد بأن هذا الرأي خاطئ؛ ولتأخذ مثالً على ذلك في قانون التناقض .فهذا القانون يوضح عادة بالشكل
التالي «ال يمكن أن يكون الشيء وال يكون في وقت واحد»؛ ويقصد به بيان أن أي شيء ال يمكن أن تكون له في وقت واحد صفة
وال تكون» أي تثبت له صفة وتنقى فى وقت واحد .وإذا ضرينا مثالً لذلك نرى» إذا كان هناك شجرة وكانت شجرة زان فال يمكن
أال تكون شجرة زان .وإذا كانت منضدتى مستطيلة فهي بالتأكيد مستطيلة وهلم جراً ْ .إن الذي جعل من الطبيعي أن يعد هذا المبداً
من قوانين الفكرء هو أننا بالتفكير أكثر منا بالمالحظة بالخارجية ققد وصلنا إلى االقتناع بضرورة صدقه .فإذا تأكدنا من أن شجرة
ما هي شجرة زان فلستا في حاجة إلى أن نكرر النظر إليها لتتأكد من أنها ليست في نفس الوقت شجرة زان .فالفكر وحده يجعلنا
تعرف هذا المستحيل .ولكن القول بأن قانون التناقض قانون من قوانين الفكر قول مع ذلك غير صحيح» فما نعتقده حين نعتقد
قانون التناقض ليس هو» أن من طبيعة الفعل أن يعتقد قانون التناقض بالضرورة» فهذا االعتقاد هو نتيجة محصلة التفكير
السيكولوجي
95
الذي يفترض االعتقاد بقاتون التناقض .فاالعتقاد بقانون التناقفض هو اعتقاد يتعلق باألشياء» وليس باألفكار فقط» وبعبارة أخرى
أن اعتقادنا بهذا القانون ليس معناه اعتقادنا بأنتا إذا فكرنا بأن شجرة ما هي شجرة زان فإننا ال نستطيع أن نفكر فيها في الوقت
على أنها ليست بشجرة زان بل معناه االعتقاد بأنه إذا كانت شجرة ما هي شجرة زان فإنه ال يمكن أن تكون هذه الشجرة إال شجرة
زان فى نفس الوقت .ولذا فإن قانون التناقض يتعلق باألشياء وال يدور حول األفكار فقط .وعلى الرغم من أن االعتقاد بقانون
التناقض هو فكرة» ف القانون نفسه ليس بفكرة بل هو حقيقة تتعلق باألشياء الموجودة في العالم» ولذا كان قانون التناقض الذي
نعتقده ال يصدق على األشياء الموجودة في العالم» فإن كوننا ومن هذا يتضح أن هذا القانون ليس قانونا ً من قوانين الفكر .ومثل
هذه الحجة يمكن أن توافق أي حكم قبليء فح يث نحكم أن اثنين واثنين هما أربعة؛ فإن هذا الحكم ال يدور حول أفكارنا بل يدور
حول األشياء الزوجية الموجودة بالفعل أو الممكنة الوقوع .وكون أذهاننا مركبة بحيث نعتقد أن اثنين واثنين هما أربعة ولو كان
هذا صحيحا ً ال يعني ما نقصده بالتأكيد حينما نقرر أن اثنين واث نين هما أربعة .وما من حقيقة تتعلق بتركيب أذهاننا تكفل صدق
هذا الحكم» وهو أن اثنين واثنين يساويان أربعة» وعلى هذا فمعرفتنا القبلية إن لم تكن مغلوطة فهي ليست مجرد معرفة حول
تركيب عقولناء بل أنها يمكن أن تنطبق على أي شيء يحتوي عليه العالم» سواء كان عقليا ً أم غير
96
عقلى .وأنه ليبدو أن كل معارفنا القبلية تتعلق بذوات ليس لها وجود في العالم المادي أو العالم العقلي .وهي التي تتضمن العكيمات
.والعالقات» وهذه الذات ممكن أن تسمى بأجزاء من الكلم ال تتجاوز األسماء هي ذوات تتضمن ن صفات وصالت
فلنفرض مثالً أنني في غرفتي حيث أنا موجود وغرفتي موجودة» ومع هذاء فهل كلمة «في» موجودة وتدل على العالقة التي
تربط بيني وبين غرفتي .وهذه العالقة هي شيء ما ال نستطيع أن نقول أنه موجود بنفس المعنى الذي به أكون أنا والغرفة
موجودان .فالعالقة «في» هي شيء ما نستطيع أن نفكر فيه أو نفهمه؛ ذلك أننا إذا لم نستطع أن نفهمه ال نستطيع أن نفهم معنى
الجملة» «أنا في غرفتي»» وقد رأى كثير من الفالسفة الذين خلفوا كنط أن العالقات هي من عمل العقل وأن األشياء بذواتها ليس
.لها عالقات ولكن الفعل هو الذي يجمع بينها في عملية فكرية واحدة ويوجد بذلك العالقات التي يحكم على األشياء بأنها تتضمنها
ومهما يكن بعد هذا الرأي حقاء فهو يثير احتجاجات شبيهة باالحتجاجات التي أثرناها من قبل ضد كنط .فمن الجلي أن الفكر ليس
هو الذي ينتج صدق الحقيقة» ألن هذه الحقيقة تتعلق فقط بالغرفة» وال تعتمد على شيء آخر .فالعالقات كما سيتضح لنا في الفصل
القادم؛ ال بد أن يكون لها عالم آخر غير العالم المادي أو العالم العقلي» وهذا العالم أهميته كبيرة جداً للفلسفة؛ وفي األخص ما
يتعلق بمشكالت المعرفة القبلية .وفي الفصل القادم ستحاول رفع الستاررعن طبيعة هذا العالم وصصلته بالمشكالت التي درسناها
.بالتمحيص
97
98
عالم الكليات
عند نهاية الفصل السابق رأينا أن للعالقات وجوداً يختلف بعض االختالف عن وجود األشياء الطبيعية» وكذلك يختلف عن وجود
العقول والحقائق الحسية»؛ وفى الفصل الحالى علينا أن نتأمل في طبيعة هذا النوع من الكينونة؛ وما هي األشياء الستي تحوز
النوع نفسه من الكينونة؛ ونبتدئ بالقضية الثانية وبهذا
القسم األخر من المشكلة .والمشكلة التي تعني بها اآلن هي قديمة جداًء منذ أن حملها إلى الفلسقة أفالطون .و«نظرية األفكار»
ألفالطون هي محاولة لحل هذه المشكلة في الصميم؛ وفي تصوري أنها من أهم المحاوالت توفيقا حتى اآلن .والنظرية التي
مستقررها فيما يلي هي إلى درجة كبيرة نظرية أفالطون مع بعض التعديالت التي
كشف الزمن عن أهميتها .والصورة التى نشأت فيها هذه المشكلة لدى أفالطون هى إلى حد أقل أو أكثر كاآلئى :دعنا نتأمل فكرة
كفكرة العدالة» فإذا سألنا أنفسنا ما العدالة؟ فمن الطبيعى أن ننصرف إلى بحث أمثلة من األعمال العادلة واحداً واحداً حتى يتسنى
لنا أن نكتشف عما تشترك فيه كل هذه األعمال» وال بد أن تسهم جميعا ً في طبيعة مشتركة .وهذه الطبيعة التي تكون بها األمور
عادلة هي العدالة بذاتهاء أي الجوهر الخاص الذي ينتج عن مزيج بوقائع الحياة
99
العادية متعدد األعمال المختلفة .وتستطيع أن نقيس على ذلك أي كلمة يمكن أن تنطبق على الحقائق العامة «كالبياض» مثال .فإن
هذه الكلمة يمكن أن تنطبق على عدد من األشياء الخاصة ألنها كلها تشترك في طبيعة أو جوهر عام .وهذا الجوهر الخاص هو
الذي سماه أفالطون «الفكرة» أو «الصورة»( .ويجب أال يظن أن «األفكار» في رأيه موجودة في العقول وإن كان باإلمكان
إدراكها بواسطة العقول) .ف «فكرة» العدالة ليست هى بعينها الشىء العادل :بل هي شيء آخر يختلف عن األشياء الخاصة.
وتلك األشياء الخاصة» تشترك فيهاء وإذا لم تكن العدالة شيئا ً خاصا فال يمكن أن توجد بذاتها في عالم الحس .وفضالً عن ذلك
فهي ليست بالشىء الزائل أو العابر القابل للتغيير بل هى فى ذاتهاء أبدية ثابتة ال تقنى0 .
بهذه الطريقة اهتدى أفالطون إلى وجود عالم فوق المعقول؛ عالم أكثر واقعية في ظل الحس المشترك؛ عالم األفكار الذي ال يعتريه
تغيير» والذي هو وحده يمد العالم المعقول بما يملكه من ظل باهت للحقيقة .فالعالم الحقيقي تماما ً عند أفالطون هو عالم األفكار,
ألننا مهما حاولنا أن نتحدث عن أشياء في عالم الحس النتجح قط إال بقولنا أنها تشترك في هذه أو تلك من األفكار التي تؤلف منها
صفتها كلها؛ فقد نأمل في إشراق صوفي في أن نرى األفكار» كما نرى األشياء الحسية» وقد نتخيل بأن األفكار موجودة في
.السماء .وهذه التغيرات الصوفية هي جد طبيعية» ولكن القاعدة النظرية هي التي تستند إلى المنطق الذي علينا أن نناقشه
100
إن كلمة «فكرة» قد اكتسبت مع مضي الزمن؛ كثيراً من مقترنات الي هي مضللة تماما حينا تطبق على أفكار أفالطون” ولهذا
ستستعمل كلمة «كليات» بدالً من كلمة «فكر؛ لنصف ما عناه أفالطون بكلمته؛ وجوهر هذا النوع من الذوات الذي عناه أفالطون
مضاد لألشياء الخاصة التي تيدو للحس .وستتحدث عن أي شيء يبدوة في الحس أو هو من نفس الطبيعة كاألشياء التي
تشترك فيه خصوصيات كثرة؛ وله هذه الصفات التي تميز العدل
إنتا حين نمتحن الكلمات العامة نجد أن األعالم تدل بصورة واسعة على الخصوصيات :بيتما األسماء األخرى والصفات وحروف
الجر واألفعال تدل على الكليات .والضمائر تدل على الخصوصيات» ولكنها غامضة :وال نعرف الخصوصيات التى تدل عليها
هذه الضمائر إال بالقرائن والمالبسات .إن كلمة «اآلن» تدل على الخاص أي على اللحظات الحاضرة؛ ولكنها تشبه الضمائر في
ً.أنها تدل على خاص مشترك ألن الحاض ر يكون دائما ً متغيرا
101
العجيب أن يكون من التادر أن نرى غير طالب الفلسفة يدركون مثل هذه الكليات .قنحن عادة ال نتعم التظر في هذه الكلمات التي
ال تشير إلى خصوصيات حينما نراها في جملة ماء وإذا اضطررنا إلى إمعان النظر في كلمة نشير إلى كلي؛ فتحن عادة نفكر
فيها باعتبارها تدل على خاصة من الخصوصيات التي تتندرج تحت الكلي .إننا عادة» حين نسمع جملة كهذه «قطعت رأس شارل
األول»» فمن الطبيعي أن نفكر في شارل األول» وفي رأس شارل األولء وفي عملية قطع رأس شارل األول وهذه كلها
خصوصبيات» ولكننا ال نفكر عادة فيما يقصد بكلمة «رأس» أو كلمة «يقطع) وكالهما كلي .ونحن نشعر أن مشل هذه الكلمات
ناقصة»؛ وييدو أنها محتاجة إلى نص كيما تنستفيد مها في التعبير .ومن ثم تجد ما يبرر عدم وقوفنا أمام هذه الكلمات طويال حتى
.تفرضها علينا دراسة الفلسفة وتحملنا على تمحيصها
ومن الجائز القول» إن من الفالسقة من ال يفترضون عادة من الكليات إال تلك التي تشير عليها الصفات واألسماء غير األعالم»
في حين أن تلك التي تدل عليها األفعال و حروف الجر يتجاوزوها في الغالب األعي وال تحظى منهم سوى باإلهمال .ولسنا
بمبالغين حين نقول إن غالبية الدراسات الميتافيزيقية» منذ سبينوزا» تأثئرت بهذا اإلهمال .أما كيف حصل ذلك فهو بإيجاز كما
يأتي :يمكن القول إجماالً؛ أن الصفات واألسماء العامة تدل على كيفيات وخصائص األشياء المقررة» بينما حروف الجر واألفهال
تنصرف إلى الداللة على العالقات بين شيئين أو أكثر .فإهعمال حروف الجر واألفعال أدى إلى االعتقاد بأن كل حكم يمكن أن
102
يعد أنه ييسب صفة من الصفات إلى شيء مفرد أكثر من أن يعمد بأنه يدل على عالقة بين شيئين أو أكثرء ومن ثم كان هنالك من
يزعم وجود ما يعد عالقات بين األشياء .وبناء عليه يمكن أن يكون هناك شيء واحد في العالم» أو أن يكون في العالم أشياء كثيرة
ولكن ال يؤثر بعضها في بعض ألن أي تأثير لبعضها في بعض يدل على وجود عالقة والعالقات مستحيلة في ظنهم .إن الرأي
األو ل هو الذي عرضه سبيتوزاء وفي أيامنا هذه نادى به برادلى وفالسفة آخرون كثيرون وهو ما يدعى بمذهب الواحدية؛
والثاني» هو ما أعلنه ليبنتز ولكنه ليس شائعا ً في أيامناء ويسمى بمذهب الجوهر الفرد أو مذهب المونادات؛ ألن واحد من األشياء
المنفصلة يسمى جوهراً فدا .وكال ها تين الفلسفتين المتعارضتين مهما يكونا ممتعتين فإنهما في رأيي متأتيتان من اهتمام مبالغ فيه
.بنوع واحد من الكلياتء ذلك النوع الذي تمثله الصفات واألسماء غير األعالم وليس األفعال والحروف
وفي الواقع» إذا وجد من يحرص على أن ينكر إطالقا ً أن تكون هناك كلياتء فإننا نستطيع أن نبرهن بدقة عن وجود النعوت
إلخ» أي الكليات التي تتمثل في الصفات واألسماء غير األعالم» بينما نستطيع البرهنة على ضرورة وجود العالقات إلخ؛ أي
ذلك النوع من الكليات الممثلة عادة في األفعال وحروف الجر .وفي ذلك ستأخذ مثالً على الكلي وهو البياض .فنحن إذا اعتقدنا
بوجود مشل هذا الكلي فإنتا تقول أن األشياء تكون بيضاء» ألن فيها صفة البياض .على أن بيركلي وهيوم قد أنكرا بشدة هذا القول
وتبعهما في ذلك من أتى بعدهما من التجرييين
103
المتأخرين .وتجلى إنكارهما في شكل عدم االعتراف بوجود «األفكار المجردة» .إنهما يقوالن أنتا حينما نفكر في البياض تؤلف
صورة لشيء خاص موضع استداللنا بشرط أال نستتج أي شيء عنه ال يصدق على أي شيء أبيض غيره؛ وهذا وصف يصدق
بال شك على عملياتنا الذهنية الحقيقية .فقي الهندسة؛ على سبيل االستشهادء إذا أردنا أن نبرهن على شيء تشترك فيه المثلثئات
جميعها نرسم مثلكا ً ما ونحاول أن نثبت نثبت فيه ذلك الشيء مفضلين أي صفة ال يشارك فيها هذا المثلث المثلشات األخرى.
وغالبا ً يجد المبتدئ أن من المفيد له لكي يأمن الخطأ ً أن يرسم عدة ثلثات ال يشبه أحدها اآلخر بقدر اإلمكان ليتأكد من أن تدليله
ينطيق عليها جميعاً .على أن نا نلتقي بصعوية أول ما نبادر بسؤال أنفسنا عن كيفية معرفة ما هو أبيض أو م مثلثاء .حتى إذا أردنا
أن نتجنب كليا ً البياض والمثلثة؛ ينبغي أن نختار بقعة بيضاء أو مثلثا ً معينا ً ونقول أن أي شيء يكون أبيض أو مثلكا ً ألن يتشابه
تماما ً مع هذا الشيء الخاص الذي اخترناه؛ بيد أن هذا التشابه المطلوب ال بد أن يكون كلياً؛ فإذا وجدت أشياء كثيرة بيضاء فالتشابه
يجب أن يكون بين أزواج كثيرة من األشياء البيضاء الخاصة» وهذه صفة الكلي .ومن العيث أن نقول أن لكل زوج تشابها ً يختلف
عن تشابه الزوج اآلخر ألن علينا حينشذ أن نقول بأن هذه المتشابهات كل منها يشبه اآلخرء وهذا األمر سيرغمنا أخيراً على
االعتراف بأن التشابه شيء كلي .فعالقة التشابه إذن ال بد أن تكون كليا ً حقيقيا ً وباضطرارنا إلى االعتراف بهذا الكلي نرى أنه
.ليس بذي قيمة أن نلجأ ً إلى اختراع نظرية صعبة غير موائمة لتجنب اإلقرار بكليات مثل البياض والمثلتة
104
وإذا كان بيركلي وهيوم قد فشال في إدراك هذا الدحض لرفضهم «األفكار المجردة» فإنهما كخصومهما فكرا في الصفات وتجاهال
العالت ككليات .وهذه ناحية أخرى يبدو فيها العقليون أقرب إلى الصواب من التجريييين بالرغم من أن استنتاجات العقليين»
.بسبب إغفال أو إنكار العالقات» كانت أقرب إلى الخطأ من استنتاجات التجريبيين
أما وقد رأينا اآلن أنه ال بد أن يكون هناك أشياء تعد كلياتء فالموضوع الثاني الذي يتطلب البرهنة على أن وجود هذه الكليات
ليس ذهنيا ً فقطء هو أن وجود أي شيء من هذه الكليات مستقل عن كونه موضوع إدراك بأي شكل من األشكال .وقد المحنا إلى
.ذلك فى نهاية الفصل السابق» واآلن حان لنا من بسط البحث في نوع وجود هذه الكليات
وإذا أمعنا النظر في عبارة أن «ادتبره هي في شمال لندن» فتحن هنا إزاء صلة بين مكانين» وييدو واضحا ً أن هذه الصلة تبقى
مستقلة عن معرفتنا بها .فمتى وصلنا إلى المعرفة بأن أدثيره هي في شمال لندن فإننا تصل إلى شيء له اتصال بأدنيره ولندن فقط
:إن علمنا بهذا الشيء ال يكفي ألن يكون علة لصدق هذا الحكم» بل على العكس يقتصر على إدراك حقيقة موجودة من قبل أن
نعلمها .إن الجزء من سطح األرض الذي تقع فيه أدنبره يجب أن يكون شمال الجزء الذي تقع فيه مدينة لندن» حتى ولو لم يوجد
ًكائن من كان يعرف شيئا ً عن الشمال أو الجنوب؛ وحتى لو خال الكون من العقول .ومثل هذا الرأي ينكره طبعا
105
كثير من الفالسفة سواء كان هذا اإلنكار قائما ً على ما أدلى به بيركلي أم كنط من حجج .أما وقد تأملنا هذه الحجج وقدرنا أنها غير
كافية فلنا إذن أن نفترض صدق عدم وجود شيء عقلي في القول بأن أدنبره هي في شمال لندن .على أن هذا االدعاء يتضمن
عالقة «شمال ذلك»؛ وهو من الكليات»؛ وأنه لمن المستحيل أال يتضمن هذا الحكم جميعه شيئا ً عقليا ً إذا كانت العالقة «شمال
ذلك»» وهو من الكليات»؛ التي هي جزء مؤلف من الحكم تتضمن أي شيء عقلي .ومن ذلك نقرر أن العالقة .شأنها شأن المتعلقات
.التي تتصل بهاء ال تقدم على الفكر بل تتصل بعالم مستقل يدركه الفكر
إن هذه المحصلة في أي حال من األحوال تفترضها أن عالقة «شمال ذلك» ليست كما تبدو موجودة بنفس المعنى الذي تكون فيه
لندن وأدنبره موجودتين .فإذا سألنا «أين ومتى توجد هذه العالقة؟» فجواب ذلك يكون اليس لوجودها مكان وال زمان» .وال يوجد
مكان وال زمان نستطيع أن نجد فيه العالقة «شمال ذلك» .وهي ليست في أدنيره وال في لندن بل إنما تربط االثنين معاً .فقهي
محايدة بينهماء وكذلك ال نستطيع أن نقول أنها موجودة في زمن معين .ولكن أي شيء يمكن إدراكه باإلحساس أو باالستبطان
يكون موجوداً في زمن معين» ومن ثم فالعالقة «شمال ذلك» تختلف اختالفا ً أساسيا ً عن مثل هذه األشياء التي تدرك باألحاسيس
.أو باالستبطان فهي ليست في زمان وال في مكان وليست مادية وال ذهنية» ومع ذلك فهي شيء ما
106
وهي إلى حد بعيد نوع خاص جداً من الموجودات التي تمت إلى الكليات والتي ظن كثير من التاس أنها أمور عقلية في الحقيقة؛
فنحن نفكر في الكلي» وتفكيرنا تبعا ً لذلك موجود بالمعنى العادي تماما ً كأي عملية عقلية أخرى .لنفرض على سبيل المثال أننا
المياض موجود «في أذهاننا» .وهنا يعترضنا الغموض نفسه كما
ٍ نفكر في البياض .فنحن حيعذ نستطيع أن نقول على وجه ما أن
الحظنا سابقا ً عند مناقشة أقوال بيركلي في الفصل الرابع .وبمعنى أدق؛ ليس البياض هو الذي في عقولنا بل الذي في عقولنا عملية
في الوقت نفسه» يسبب هنا شيئا ً من الخلط ٠التفكير في البياض .فالغموض الذي اتصل بكلمة «فكرة» والذي الحظناه
واالضطراب أيضاً .ففي أحد معاني هذه ال كلمة أي المعنى الذي فيه تدل الكلمة على موضوع لعملية فكرة يكون البياض «ة ق».
ومن ثم» إذا لم تأخذ حذرنا أمام هذا الغموض فإننا قد نصل إلى التفكير بأن البياض هو «فكرة» بالمعنى اآلخرء أي أنه عملية من
عمليات التفكير» وهكذا نتهي إلى التكهن أن البياض شيء عقلي .ولك ننا بمثل هذا التفكير ننزع عن البياض صفته األساسية وهي
الشمول .فعملية تفكير لرجل واحد تختلف بالضرورة عن عملية تفكير لرجل آخرء وعملية التفكير لرجل معين في وقت محدد
تختلف عن عملية التفكير للرجل نفسه في وقت آخر .ومن ثم إذا كان البياض عملية تفكير وليس موضوعا ً للتفكير فال يمكن الثنين
مختلفين أن يتفقا في التفكير فيه .كما اليمكن لرجل واحد أن ينفق تفكيره فيه في وقت ما مع تفكيره في وقت آخر .ذلك أن ما
تشترك فيه جميع األفكار حول البياض؛ إنما هو موضوعهاء؛ وهذا الموضوع غير األفكار» بل يختلف عنها جميعاً .فالكليات إذن
.ليست أفكاراً ولكنها متى عرفت تكون موضوعات التفكير
107
وسيتبين لنا أن مما يسهل األمر أن نقتصر على وصف األشياء في أنها موجودة متى كان لها زمن» أي حينما نشير إلى زمن
تكون فيه موجودة (دون حسبان إمكان وجودها في كل األزمتة) فاألفكار والمشاعرء العقول واألشياء المادية كلها موجودة .ولكن
الكليات ليست موجودة بهذا المعنى؛ فنحن سنقول أن لها «كينونة» حين يراد بالكينونة شيء يقابل «الوجود» الذي ال زمن فيه.
فعالم الكليات؛ قد يوصف أنه عالم الوجود .وعالم الوجود غير قابل للتغير وهو محكم دقيق فيه متعة للرياضي» والمنطقي » وبناة
ا لنظم الميتافيزيقية .أما عالم الوجود فهو عابر وغامض .ليس له معالم واضحة وال يجري على نسق واضح من النظام والترتيب»
ولكنه يشتمل على كل األفكار والمشاعر وجميع الحقائق الحسية واألشياء المادية؛ وكل ما يمكن أن يصدر عنه الخير أو الشر
وكل ما يغير في قيّم الحياة وال عالم .والتطلع إلى هذا العالم أو ذاك واستشرافه أمر يعود إلى المزاج والطبع» فإذا كنا نؤثر النظر
في عالم الكليات بدا لنا العالم اآلخر كأنه ظل باهت لهذا العالم الذي تفضله؛ ومن العسير أن يستحتى وصفنا له بأنه عالم حقيقي
على أي وجه من الوجه .وفي الواقع فإن كال من العالمين يستدعي منا النظر واالهتمام من دون تحيزء فكالهما حقيقي وكالهما
.هام للباحث الميتافيزيقي .وقبل أن نميز بين عالمين يغدو من الضروري أن نتأمل في العالقات بينهما
ولكن قبل أي شيء علينا أن نمعن النظر في معرفتنا بالكليات .وهذا البحث هو محور حديثا في الفصل اآلتي ؛ حيث ترى فيه حالً
.لمشكلة المعرفة القبلية التي هدتنا إلى البحث في الكليات
108
معرفتنا بالكليات
فيما يتعلق بمعرفة الفرد في زمن معين يمكن أن تنقسم الكليات كالخصوصيات؛ إلى تلك التي تعرفها بالعيان أو تلك التي نعرفها
.بالوصف وتلك التي ال نعرفها ال بالعيان وال بالوصف
ولتتأمل بادئ ذي بدء الكليات بطريق العيان» فمن الجلي أوالً أننا على معرفة عيانية بالكليات كاألبيض واألحمر واألسود والحلو
والحامض» والصوت العالي إلخ .أي أنتا على معرفة بالصفات التي تتمثل بالحقائق الحسية .فحينما نرى بقعة بيضاء ألول مرة
تكون على محرفة عيانية بتلك البقعة؛ ولكننا برؤيتتا بقعا ً بيضاء كثيرة نستطيع بسهولة أن نصل إلى تجريد البياض الذي تشترك
فيه البقع البيضاء جميعها؛ ومتى استطعنا هذا التجريد نكون قد وصلنا إلى أن نكون على معرفة عيانية بالبياض .وعلى هذا النمط
نستطيع أن تصل إلى معرقة عيان ية بكليات أخرى مماثلة» وكليات هذا النوع هي التي تسمى «الصفات المحسوسة» .ويمكن فهمها
.بجهد أقل من التجريد بالنسبة إلى الصفات األخرى» ويبدو أنها أقل بعداً عن الخصوصبات من الكليات
في العودة إلى العالقات نجد أن أيسرها على الفهم تلك العالقات التى تربط بين أجزاء مختلفة لحقيقة حسية مركبة .فمثالً أستطيع
بلمحة واحدة أن أرى أن شمولية الصفحة التي أخط عليها ومعنى ذلك لي أن كل الصفحة قد احتوتها حقيقة حسية
109
واحدة» على أنني أشعر أن بعض أجزاء الصفحة يكون على يسار البعض اآلخرء وأن بعضها فوق البعض اآلخرء فعملية التجريد
في هذه الحالة توضع على النحو التالي :بما أنني أرى على التعاقب عددا من الجقاثق الحسية كل جزء منها يقع على يسار الجزء
اآلخر» فأنا أدرك» كما في حالة البقع البيضاءءء أن كل الحقائق الحسية تشترك في شيء ماء وأرى بعملية التجريد أن هذا الشيء
المشترك بينها إنما هو ع القة معينة تربط بين أجزائهاء أي العالقة التى أدعوها «كونه على يسار ذلك» .وفى هذه الحالة أصير
-على معرفة عيانية تتصل بالعالقة الكلية.
في مثل ذلك أكون على معرفة بعالقة القبل والبعد في الزمن .دعنا نفترض أنني أسمع قرع األجراس :فحينما أسمع رنين الجرس
األخير» فباستطاعتي أن أحتفظ بهذه السلسلة من الرنين» وهذا ما يمكنني أن أدرك أن رنين األجراس األولى كانت قبل رنين
األجراس األخيرة .ومثل هذا يقال من الذاكرة» فأنا أدرك أن ما أتذكره اآلن حدث في وقت سابق على الوقت الذي أنا فيه .إنني
أستطيع أن أجرد من أي واحد من هذه المصادر العالقة الكلية للقبل والبعد بنفس الطريقة التي «جددت بها العالقة» كونه على
.يسار ذلك .ومن هذا نرى أن العالقات الزمنية؛ كالعالقات المكانية هي مما نكون على معرفة عيانية به
وتوجد عالقة أخرى نكون على معرفة عيانية بها بالطريقة نفسها وهي عالقة المشابهة .فإذا رأيت ظلين من اللون األخضر في
وقت واحد فإني أستطيع أن أرى أن أحدهما يشبه اآلخرء وإذا رأيت
110
أيضا ً في الوقت نفسه لونا ً أحمر فإني أستطيع أن الحظ أن كالً من الظلين من اللون األخضر أكثر شبها ً باآلخر من اللون األحمر.
.وفي هذه الحالة أكون على معرفة كلية بعالقة التمائل والتشابه الكليين
وبما أنه تقوم بين الخصوصيات عالقات» كذلك تقوم بين الكليات عالقات يمكن أن تكون على وعي مباشر بها .وفي ذلك أصبحنا
نستطيع أن نعي أن التمائل بين ظلين من اللون األخضر أشد من التماثل بين لون أخضر وآخر أحمر .إننا في ذلك نتتاول تعالقا ً
بين عالقتين» يُدعى «أولق من» .فمعرفتنا بمشل هذه العالقات ولو أنها تتطلب جهداً في التجريد أعظم مما تتطلبه إلدراك صفات
الحقائق الحسية تبدو أنها معرفة مباشرة أيضا ً وأنها (ولو في بعض الحاالت) ال يخامرها الشك كما هي الحال في إدراك صفات
.الحقائق الحسية تفها .فهناك معرفة مباشرة بالكليات كما أن هناك معرفة مباشرة بالحقائق الحسية
وحيث إننا عدنا في ذلك إلى مسألة المعرفة القبلّة التي تركناها بدون حل حيتما بدأنا النظر فى الكليات» فإننا تجد أنفسنا في وضع
نستطيع فيه أن نعالجها عالجا ً مقنعا ً ما كنا لنستطيعه من قبل .ولنعدٌ ثانية إلى فكرة «اثنين واثنين يساويان أربعة» .فمن الجلى كما
قلنا سابقا ً أن هذه الفكرة تقرر وجود عالقة بين الكلى «النين» والكلي «أربعة» وهذا يوحي بالحكم الذي سنسعى إلى إثباته ويعني:
كل معرفة قبلية ال تتناول إال العالقات بين الكليات .وهذا الرأي عظيم األهمية؛ ألنه يمهد لنا السبيل إلى حل مشاكلنا السابقة التي
.تتصل بالمعرفة القيلية
111
إن الرأي الوحيد الذي يبدو فيه هذا الحكم ألول وهلة كأنه غي ر صحيح » هو الرأي الذي ينص فيه حكم قبلي على أن كل
الخصوصيات التي تتصل بجنس واحد يمكن أن تنسب إلى جنس آخرء أو (ما يماثل ذلك) فى أن كل الخصوصيات التى لها
خاصية معينة قد تكون لها خاصية أخرى .وهنا يتبين لنا أننا إنما نبحث في خصوصيات لها خاصية معينة وال تبحث في الخاصية
نفسها .فإذا أخذنا الفكرة التي كنا بصددها وهي «اثنان واثان يساويان أربعةة أو «أي مجموعة مؤلفة من تكرار اثنين مرتين هى
.مجموعة مؤلفة من أربعة»» وإذا استطعنا أن نبين أن هذه األقوال تتناول في الحقيقة البحث فإن رأينا قد يعتبر برهانا ً على ذلك
إن إحدى ال طرق للكشف عما تتناوله أي فكرة من األفكار هى أن نسأل أنفسنا ما الكلمات التى يجب أن نفهمها -وبعبارة أخرى»
ما األشياء التي يجب أن نتعرف عليهاء لتعرف ماذا يقصد بهذه الفكرة .ومتى علمنا ما ترمي إليه الفكرة ولو لم نعرف إن كانت
صادقة أو كاذبة» قمن الواضح أننا ال بد أن نكون على معرقة عيانية بأي شيء نبحث فيه هذه الفكرة»؛ وباستعمال هذا يتجلى لنا
أن كثيراً من األفكار التى تبدو أنها تدور حول الخصوصيات هى فى الحقيقة تتناول فقط الكليات .ففى الحالة الخاصة «اثثان
واثنات يساويان أربعة» حتى نفسرها بالصيغة التالية «أي مجموعة مؤلفة من اثنين مرتين هي مجموعة مؤلفة من أربعة» يبدو
واضحا ً أننا نستطيع أن نفهم الفكرة أي أننا نستطيع أن نهتدي إلى ما تقرره الفكرة حيتما نعرف المقصود من كلمات «مجموعة»
والثنين» و«أربعة» .وليس من الضروري أن نعرف كل زوجين في العالم؛
112
ولو كان ذلك ضروريا ً لكان من الواضح أننا ال نستطيع أن نفهم هذه الفكرة ألن هناك عددا من األزواج ال يتشاهى عديدها .وهكذاء
فبالرغم من أن الفكرة ة التي أبديناها إجماالً ال تتضمن أقواالً تخفي أزواجاً» .خاصة ما دمنا نعرف وجود هذه األزواج الخاصة»
إال أنها قى حد ذاتها ال تؤكد أو ال تت ضمن وجود مثل هذه األزواج الخاصة .كما أن هذه الفكرة تعجز عن أن تبين لنا أي وصف
.ألي زوجين في الواقع .فهذه الفكرة تتناول (الزوج) من حيث أنه كلي وال تتناول هذا الزوج أو ذاك
فالفكرة التي تقول بأن (اثنين واثنين يساويان أربعة» مقصورة على تناول الكليات» وإذن فهذه الفكرة قد يدركها أي إنسان يكون
على معرفة عيانية بالكليات المتعلقة بها ويستطيع أن يدرك العالقة بين هذه الكليات التي يتناولها ذلك الرأي .وال بد لنا أن نقرر
أن لنا قدرة على إدراك مثل هذه العالقات بين الكليات أحياناً؛ ويتبع ذلك قدرتنا على معرفة األحكام القبلية العامة كأحكام الحساب
والمنطق .وهذا أمر ثابت وصلنا إليه عن طريق التأمل في معرفتتاء والشيء الذي بدا لنا غامضا ً حينما بحثنا المعرفة القبلية؛ هو
أنها تبدو أنها تنيثنا بالتجربة وتضبطها .إال أن ذلك محض خطأ .فليس هناك من واقع يتصل بأي شيء يمكن أن يدخل في نطاق
التجربة نستطيع أن ندركه مستقالً عن ذلك .إننا نعرف قبليا ً أن شيئين وشيئين آخرين هما أربعة أشياء؛ ولكنا ال نعرف قبليا ً إذا
كان براون وجونسون يكونان انين وروبنسون وسميث يكونان اثنين؛ وعلى ذلك يكون براون وجونسون وروبنسون وسميث
أربعة .والسبب في ذلك أن هذا الرأي
113
ال يمكن أن يفهم مطلقا ً ما لم نعرف أن هناك أفراداً هم براون وجونسون وروبنسون وسميث» وال يتأتى ذلك إال عن طريق
التجرية فقط» ومن ثم» ولو أن الحكم الذي عرضتاه إجماال حكم قبلي» فكل تطبيق له على الخصوصيات الواقعة يتضمن تجربة»
ويترتب على ذلك أن هذا الحكم أو الرأي يشتمل على عنصر تجريبى .وبهذا فإن ما كان غامضا حول معرفتنا القبلية؛ يظهر لنا
.جليا ً أنه قائم على ضالل
ويمكننا أن نوضح هذه الناحية كثيراً إذا قابلنا الحكم القبلي البحت بالحكم القائم على التجربة مثل «كل الناس فانون»» وهنا كما
سبق» نستطيع أن نفهم ماذا ي رمي إليه هذا الرأي حينما نفهم الكليات التي يتضمنها رجل فان .ومن الجلي أنه ليس من الضروري
أن نكون على معرفة عيانية فردية بكل أفراد الجنس البشري لكي ندرك ما يرمي إليه هذا الرأي .فالفرق بين حكم قبي عام وحكم
تجريبي عام ال يتجلى في مدلول الحكم» بل في البرهان عل يه .ففى حالة التجربة» يتألف البرهان من أمثلة جزكية .ونتحن نعتقد
أن الرجال فانون ألننا نعرف أن أفراداً ال حصر لهم يموتون» وليس لدينا أمثلة على أنهم يعيشون بعد سن معينة؛ ذلك أن اعتقادنا
بهذا الرأي آتيا ً من إدراكنا للعالقة بين الكلى الرجل وبين الكلي فان .صحيح أنه إذا استطاعت الفيزيولوجبا (علم وظائف األعضاء)
أن تبرهن» مفترضة صحة القوانين العامة التي تتحكم في الكائنات الحية» فإن الكائن الحي ال يمكن أن يدوم باستمرارء ألن ذلك
يكشف لنا عن العالقة؛ بين اإلنسان والفتاء» تلك العالقة التي تجعلنا نصدر أحكامنا بدون اسستعانة
114
بدليل خاص على أن الناس يموتون» ولكن ذلك يعني فقط أن تصميمنا مندرج تحت تصميم أشمل يكون دليله أيضا ً من النوع نفسه
ولو أنه أكثر شموالً .وبذلك وضع لنا أساسا ً ثابتا ً قائما ً على االستقراء لغرض التقدم العلمي .وعلى الرغم من أن هذا يصل بنا إلى
درجة أعظم م ن البقين فإنه ال يكشف عن نوع مختلف منه :فالقاعدة النهائية تبقى استقرائية» أي مشتقة من األمثلة وليست صلة
.قبلية بين الكليات كما في المنطق والرياضيات
هناك نقطتان متقابلتان تتعلقان باألحكام العامة جديرتان بالمالحظة العامة القبلية .األولى أنه إذا عرف كثير من األمثلة الخاصة
فإن حكمنا العام يمكن التوصل إليه باستقراء للوهلة األولى» والعالقة بين الكليات يمكن فقط أن تدرك بعد ذلك .أننا نعرف أننا إذا
رسمنا أعمدة على أوضاع المثلث من الزوايا المقابلة فإن األعمدة الثالثة تلتقي في نقطة» وال بد أن يكون من الممكن لنا تماما ً أن
تهتدي إلى هذا الحكم أوالً بالرسم العملي لألعمدة في حاالت كثيرة حيث نجد أنها دائما ً تلتقي في نقطة» فهذه التجرية قد تهدينا
.إلى البحث عن البرهان العام حتى تصل إليه؛ وهذه حاالت مألوفة شائعة يمر بها كل رياضي في تجاربه
ويبدو أن التاحية األخرى هي أكثر أهمية فلسفية؛ ذلك أننا أحيانا ً تستطيع أن تصل إلى معرفة حكم عام في حاالت ال يكون لدينا
فيها مثال واحد .لتأخذ مثالً على ذلك في الحالة التالية : :أننا تعرف أن أي عددين يمكن أن يضرب أحدهما في اآلخر وينتجان
عدداً ثالثا ً يسمى حاصل الضرب .كما نعرف أن أي زوج من األعداد الصحيحة يكون حاصل ضربه أقل من ماثة قد ضرب
115
أحدهما في اآلخر في الواقع» ويحل حاصل الضرب في جدول الضرب .ولكننا تعلم أيضا ً أن األعداد ال متناهية وأن كل ما فكر
فيه اإلنسان أو ما يفكر فيه من أزواج األعداد هو أعداد صحيحة؛ ومن ثم فهناك أزواج من األعداد لم يفكر ولن يفكر فيها أي
إنسان وحاصل ضربهما يكون أكثر من 100وعلى هذا نستطبع أن نصل إلى الرأي التالي « :كل حاصل ضرب لعددين صحيحين
لم ولن يفكر فيهما اإلنسان يكون أكثشر من . 100هنا يكون الحكم العام ال مجال لالختالف في صدقه ولكننا بطبيعة الحال ال
.نستطيع أن نعطي مثاالً عنه؛ ألن أي عددين يمكن أن نفكر فيهما خارجان عن حدود الحكم
وهذه اإلمكانية لمعرفة األحكام العامة ال يمكن أن نجد مثل لهاء هي كثيراً ما تكون موضع اإلنكار» ألنه ال يتصور أن معرفة مثل
هذه األحكام تتطلب فقط معرفة بالعالقات بين الكليات وال تتطلب أي معرفة بأمثلة الكليات .ومع ذلك؛ فمعرفة مثل هذه األحكام
العامة هامة جداً لكثير من األمور التي تعد عادة أنها معروفة .وعلى سبيل المثال؛ رأينا فى الفصول األولى أن األشياء المادية
باعتبارها مخالفة الحقائق الحسية نحصل عليها فقط بطريق االستنتاج» وليست باألشياء التي نكون على معرفة عيانية بهاء ومن
ثم فنحن ال نستطيع أن نعرف مطلقا ً أي حكم في الصورة التالية «هذا شيء مادي»؛ حيث يكون «١هذا» شيئا نحن على معرفة
مباشرة به .ويترتب على ذلك أن كل معرفتنا التى تتعلق باألشياء المادية ال نستطيع أن نجد لها مثاالً واقعيا ً نطبقها عليه .ونحن
نستطيع أن نعطي أمثلة للحقائق الحسية المقترنة باألشياء
116
المادية» على أننا ال نستطيع أن نورد أمثلة لهذه األشياء المادية الحقيقية» ومن ثم فمعرفتنا فيما يتعلق باألشياء المادية تحتمد
بتمامها على هذه اإلمكانية للمعرفة العامة حيث ال يكون من المستطاع إيراد أي مثل عليها .وهذا نفسه ينطبتىق على معرفتنا بقول
.الناس اآلخرين أو بأي نوع من األشياء التي ال يعرف لها أي مثل خاص معرفة عيانية
اآلن نستطيع أن نلقي نظرة شاملة على مصادر معرفتنا كما تبينت لنا من خالل استعراضها وتحليلها .وال بد لنا أوالً أن نميز
معرقتنا باألشياء من معرفتنا بالحقائق» فكل معرفة هي اثنين إما مباشرة أو مكتسبة .فمعرفتنا المباشرة يطلق عليها المعرفة
العيانية وهي تتألف من نوعين تبعا ً لكون األشياء المعروفة لنا إما أن تكون جزثيات أو كليات .فمن الجزئيات التي نكون على علم
مباشر بها الحقائق الحسية» وفي «األرجح» أنفسنا .أما الكليات؛ فليس لدينا مبدأ نستطيع به أن نقرر ما يمكننا أن نعرفه متها
معرفة عيانية؛ ومن الجلي أن من بين هذه الكليات التي نستطيع معرفتها معرفة مباشرة النعوت المحسوسة» وعالقات الزمان
والمكان والمشابهة وبعض الكليات المنطقية المجردة .أما معرفتنا المكتسبة باألشياء وهي التي نسميها معرفة بالوصف؛ فهي
أيضا ً تتضمن معرفة عيانية باألشياء ومعرفة الحقائق .ال تسمى معرفتنا المباشرة بالحقائق المعرفة الحدسية» وهذه الحقائق التي
نعرفها بالحدس نستطيع أن نطلق عليها الحقائق الواضحة بذاتهاء ومن بينها تلك التي تقرر ما يرد إلينا عن طريق الحس»؛ وكذلك
)بعض المبادئ الحسابية والمنطقية المجردة» وأن (كانت هذه أقل إدراكا
117
بعض األحكام األخالقية .أما معرفتنا المكتسبة بالحقائق فتتألف من كل شيء يمكن أن نستنبطه بالقياس من الحقائق الواضحة
.بذاتها باستخدام قوانين االستنتاج الواضحة بذاتها
أما إذا كان ما أفضنا به صحيحاًء فإن كل معرفتنا بالحقائق تعتمد على معرفتنا الحدسية .ومن األهمية بمكان أن نتأمل طبيعة
المعرفة البدهية ومداها بالطريقة نفسها التى سلكناها آنفاء فى تناول طبيعة المعرفة العيانية ومداها .على أن المعرفة بالحقائق تتشأ
عنها مشكلة جديدة لم يظهر لها مثيل في معرفتنا باألشياء؛ وهذه هى مشكلة الخطأ .ذلك أن بعض معتقداتنا تبدو فيها أشياء من
الخطأ أو الفساد عند البحث» وإذن فمن الضروري أن تمعن النظر فى كيفية تميز المعرفة من الخطاء فهذه المسألة ال تتصل بالعلم
الذي يأتينا عن طريق المعرفة العيانية؛ ألن أي شيء يصح أن يكون موضوعا ً للمعرفة العيانية حتى في األحالم والهذيان .ال
يتضمن خطأ ما دمنا ال نذهب بعيداً عن الموضيع المباشر :ذلك أن الخطا ً ينجم حينما تتأمسل الموضوع المباشر أي الحقائق
الحسية» كدليل على الشيء المادي .وعلى هذا فالمسائل التي تتصل بمعرفة الحقائق أصعب من التي تتصل بمعرفة األشياء .وبما
.أن أولى هذه المشكالت تتصل بمعرفة الحقائق .فإن علينا أن نلتفت اآلن إلى غريلة ماهية األحكام الحدسية ومداها
118
هناك انطباع عام بأن كل شيء نؤمن به يجب أن يكون قابالً للبرهان .وعلى األقل أن يبين بأنه مرجح .ويشعر كثير من النداس
بأن اعتقاداً ال يدعمه سبب هو اعتقاد غير مقبول . .وبصورة رئيسة يكون هذا الرأي صحيحاً .فجميع معتقداتنا تقريبا ً إما أن تكون
مستنتجة من معتقدات أخرى يمكن أن تعد أسبابا ً لها وبراهين عليهاء وإما أن تكون قابلة لمثل هذا االستنباط» وقد ننى عادة السبب
الذي يقوم عليه المعتقد أو قد ال يكون قد خطر ببالنا قط .ونجد قلّة من األشخاص يسألون أنفسهم عن السبب الذي يدعوهم إلى
االعتقاد أن الطعام الذي هو مقدم إليهم ليس ساماً .ولكنا نشعر أننا نستطيع حين نطالب بإلحاح أن نجد سيا ً يؤيد معتقدناء ونحن
.على األرجح على صواب في هذا الشعور
ولنتصور رجالً ملحاحا ً كسقراط يتساءل عن سبب ما يعرض له ويستمر في السؤال عن سيب السيب» فال بد أن تدقع إلى نقطة
ال نستطيع أن نجد بعدها أي سبب؛ وحيث يصبح من المؤكد تقريبا ً بأن أي سبب آخر ال يمكن أن يكتكشف حتى من الوجهة
التظرية .فقد نبدأ بالمعتقدات العامة في الحياة اليومية فننتقل في الجواب من نقطة إلى نقطة حتى نصل إلى مبدأ من المبادئ العامة
أو إلى حالة من حاالت ذلك المبدأ حيث يبدو لنا جليا ً متألقاً؛ حتى أنه لييدو غير قابل بذاته ألن يستتتج من أي حقيقة أكثر وضوحا ً
منه» والمبدأ الذي نعتمد عليه في نهاية األمر
119
في معظم المشاكل المتعلقة بالحياة اليومية؛ كاعتقادنا بأن ما نحن مقدمون عليه من طعام مخذ وليس ساماء فنتدفع حيشذ عائدين
إلى المبدأ االستقرائي الذي ناقشناه قي الفصل السادس .ولكن يبدو أننا ال تستطيع أن ترجع أقصى من ذلك . .ونحن نستعمل في
استدالالتنا المبدأ نفسه باستمرار» نستعمله تارة عن وعي وتارة بدون وعيء غير أننا ال نستطيع أن نقوم باستدالل يبدأ من مبدأ
أبسط وأكثر بيانا ً بذاته ليتتهي بنا إلى مبداً االستقراء كتتيجة له .ومثل هذا يصدق على مبادئ منطقية أخرى .فحقيقتها واضحة لناء
.وتحن نستخدمها في تعليالتنا إما هي نفسهاء أو على األقل بعضها فغير قابلة للبرهان
ولعل كون الشيء بينا ً بذاته ليس مقصوراً على تلك األسس غير القابلة للبرهان فقطاء صحيحء إذا تم القبول بعدد من المبادئ
المنطقية أمكن استنتاج المبادئ اال ى منهاء ولكن هذه المي ادئ المستنتجة كثيرا ما تكون بيتة بذاتها كتلك التي تم افتراضها من
دون برهان؛ وفوق هذا فالحساب جميعه يمكن استنتاجه من مبادئ المنطق العامة ومع ذلك فاألحكام البسيطة فى الحساب مثل
«.اثنين واثنين يساويان أربعة» بينة بذاتها كما هى الحال في مبادئ المنطق
».ويبدو أن ذلك ت ُ َعدُ موضوعا ً للخالف ألن هناك بعض المبادئ األخالقية الواضحة بذاتها ك «يجب علينا أن نتبع ما هو خير
علينا مالحظة أن الحاالت الخاصة التي تتناول أموراً مألوفة أوضح من الميدأ العام الذي تنسحب تحته تلك الحاالت الخاصة .وإذا
أخذنا مثالً قانون التناقض الذي ينص على أنه
120
ال يمكن أن يملك شىء صقة ما وال يملكها فى الوقت نمسه» فإن هذا المبداً يتضح صدقه متى فهم المقصود منه؛ ولكن ليس أكثر
وضوحا ً من القول بأن وردة ما ال يمكن أن تكون حمراء وليست حمراء معا ً (في بعض األحيان تكون بعض أجزاء الوردة حمراء
ويعضها غير حمراء؛ أو أن تكون ظالً من اللون الوردي الذي نكاد ال ندري أن ندعوه أحمراً أم الء فأما في الحالة األولى فظاهر
أن الوردة بجملتها ليست حمراء وأما في الحالة الثانية فإن الجواب يصبح محدداً نظريا ً أول ما نقسر تعريقا ً معينا ً للفظ «أحمره).
وإنما نصل على األغلب إلى فهم المبداً العام عن طريق الحاالت الخاصة» وال نستطيع أن نحيط على الفور بمبداً عام من دون
.عون من النظر في الحاالت الخاصة» إال أولئك الذين تمرسوا على التفكير المجرد
وعالوة على المبادئ العامة فإن الحقائق ذات الداللة الذاتية من نوع آخر هي مستمدة مباشرة من الحس» ونحن ندعو هذه الحقائق
«حقائق اإلدراك» واألحكام التي تفصح عنها ندعوها «أحكام اإلدراك» .ولكن نحتاج هنا إلى شيء من العناية لتصل إلى معرفة
الطبيعة الدقيقة بالحقائق ذات البرهان الذاتيء فالحقائق الحسية الواقعية هي ليست حقيقية وال كاذبة .قإن بقعة خاصة من اللون
الذي أراه مثالً موجودة بصورة بسيطة :وليست هي نوع الشيء الحقيقي أو الخاطئ .فالحقيقة أن هنالك بقعة كهذه وهى فى الحقيقة
ذات شكل خاص ودرجة من التألق .والحقيقة أيضا ً أنها محاطة بألوان أخرى ولكن البقعة نفسها ككل شيء آخر في عالم الحس
هي من نوع مختلف بصورة جذرية عن
121
األشياء التي هي حقيقية أو خاطئة» ولهذا ال يمكن القول بشكل خاص بأنها حقيقية .لذا فإن أية حقائق قى بينة فى ذاتها يمكن
.الحصول عليها من أحاسيسنا يجب أن تختلف عن الحقائق الحسية التي استمدت منها
ويظهر أن هناك نوعين من حقائق اإلدراك الحسي الواضحة بذاتها وإن كان التوعان لدى التحليل النهائي قد يمتزج أحدهما
باآلخر .فهناك أوالً ذلك النوع الذي نؤكد به وجود حقيقة حسية فقط» من دون أن تحللها أي تحليل .فلقد نظر إلى بقعة من اللون
األحمر ثم تحكم «هناك نقطة حمراء أو بنوع ما» أو بصورة دقيقة «أنها موجودة»؛ وهذا نوع من أحكام اإلدراك الحدسي .أما
النوع اآلخر فينشأ حينما يكون الشيء الذي تدركه الحواس معقدا فتخضعه إلى شيء من التحليل .فإذا رأينا مثالً بقعة حمراء
مستديرة قلنا « :تلك البقعة الحمراء مستديرة» كان هذا حكما ً من أحكام اإلدراك أيضا ولكنه يختلف عن النوع السابق .فهنا في
هذا النوع األخير حقيقة حسية واحدة ذات لون وشكل» وبالنسبة للون فأحمر وأما الشكل فمستدير .وحكمنا يحلل هذا الموضوع
إلى لون وشكلء ثم يجمع بينهما حين يقدر أن اللون األحمر مستدير الشكل» ومشل ذلك قولنا« :أن هذا إلى يمين ذاك)؛ حيث يرى
«هذاء و«اذاك» في آن واحد .ف قي هذا النوع من الحكم يؤدي موضوع الحس على أجزاء أو مقومات يرتبط بعضها ببعض بعالقة
.ماء ويقرر الحكم على أن لهذه األجزاء تلك العالقة
إن هناك مثالً آخر من األحكام الحدسية؛ مشابه لتلك المتصلة بالحواس ولكنه مع ذلك متميز عنها وهو أحكام الذاكرة؛ ثمة
122
خطر من التشويش في ما يتعلق بطبيعة الذاكرة بالنظر إلى الواقع في أن تذكر شيء ما معرض لالقتران بشيء من ذلك وال يمكن
أن يقال إن هذه الصورة هي ما يتألف منه التذكر .ويتجلى ذلك بمالحظة أن الصورة تكون فى الحاضرء فى حين أن ما يتذكر
يعرف باعتباره قد حدث في الماضي» وفوق هذا فإننا قادرون على أن نقايل إلى حد ما بين الصورة والشيء خالفا ً للصورة إزاء
العقل بطريقة ما» وعلى هذا فجوهر الذاكرة ال يتألف من الصورة بل من وجود شيء إزاء العقل مباشرة يمكن تمييزه بأنه يعود
إلى الماضي .ومن دون الذاكرة بهذا المعنى ال يمكن أن نعرف أن هناك ماضيا ً فقطء وال يمكن أن نفهم المقصود من كلمة «ماض»
كما ال يستطيع رجل ولد أعمى أن يفهم لفظ «الضوء» .وبناء على ذلك ال بد أن تكون هناك أحكام حدسية تتصل بالذاكرة وإنما
.من يقوم عليها علمنا بالماضي في نهاية األمر
إن الذاكرة يتسبب عنها بعض الصعوية» ألنها كما هو معلوم معرضة لالحتماالت» وفي ذلك تلقى كثيراً من الشك في دارة
األحكام الحدسية عامة بالثقة وليست هذه الصعوبة باليسيرة؛ ويتطلب األمر أن نضيق من مجالها ما وسعنا ذلك .ويمكن االقتراض
إجماالً أن الذاكرة يصح االعتماد عليها بمقدار وضوح التجربة التي تتصل بها وقرب عهدها .فإذا افترضنا أنه نزلت بالبيت
المجاور لي صاعقة قبل دقيقة فدكته دكا فإن تذكري لما رأيت ولما سمعت يكون موثوقا ً بحيث يكون من السخف الشك في وجود
ما في الصاعقة من وميض شديد .ومشل هذا يصدق على تجارب أقل وضوحا ً في هذا المشثال» طالما كانت قريبة
123
العهد .فأنا على يقين راسخ أنني قبل مضي نصف دقيقة كلت جالسا ً على نفس الكرسي الذي أنا جالس عليه اآلن» وإذا عدنا إلى
الوراء من خالل ما حدث لي في هذا اليوم وجدت أموراً أنا على تمام اليقين منهاء وأموراً أكاد أكون على يقين منهاء وأموراً ال
أكون على يقين منها إال بالتأمل والتفكير وبعد استرجاع ما أحاط بها من ظروف ومالبسات» وأموراً أخرى لست على يقين منهاء
فأنا على يقين أنني تناولت فطوري هذا الصباحء ولكني لو كنت ال آبه بالفطور كما ال يأبه به الفيلسوف عادة لجاز لي الشك في
أنني تناولت ذلك الفطور .أما فيما يخص بما دار على مائدة اإلفط ار من حديث فإني أستطيع أن أسترجع بالذاكرة بعضه بيسر
وسهولة؛ وبعضه بشيء من المحاولة والجهد؛ وبعضه مع شيء كبير من الشك» أما البقية قال أستطيع أن أسترجعها بتاتا .وفي
.ذلك نرى تدرج مطرد في مراتب الوضوح بالذات لما أستطيع أن أتذكر» يقابله مثل هذا التدرج في الثقة به واالعتماد عليه
وعلى ذلك فأول جواب لتلك الصعوبة التى تنشا ً عن خطأ الذاكرة هو أنها درجات في كونها بينة بالذات» لها درجات في الثقة بها
واالعتماد عليهاء وأعلى الدرجات التي تكون فيها الذاكرة بينة بذاتها وهي أعلى درجات الثقة واالعتماد عليها إنما هي حين تتصل
.الذاكرة بحوادث شديدة الوضوح لم يمض عليها وقت طويل
124
يكون ماثالً أمام العقل مباشرة؛ هو شيء يختلف عما يعتقد به اعتقادا قائما على الخطأ ً والفسادء وإن كان مقترنا به على العموم.
ويروى أن جورج الرابع اعتقد في النهاية بأنه حضر موقعة واترلوء لكثرة ما تحدث بذلك وأكده .ولكن ما يتذكر مباشرة في هذه
الحالة إنما هو تأكيده المتكررء أما االعتقاد بما يؤكده (إن كان موجوداً) فيأتي من اقترانه بتأكيده وتقريره لذلك األمرء وهو لهذا
ليس مثال للذاكرة الخاصة .ومن المرجح تفسير جميع حاالت الذاكرة المخطئة على هذا النحوء أي أنها ليست حاالت للذاكرة
.الخالصة
والحديث حول الذاكرة يكشف عن نقطة مهمة تتصل بكون الشيء واضحا ً بذاته» تلك هي أن للوضوح بالذات درجات .فهو ليس
صفة تكون م وجودة أو ال تكون ولكته صفة موجودة أو تنقص فتأتي في تدرج يبتدئ من اليقين السام إلى أمر غامض ال يشعر به.
وحقائق اإلدراك الحسى وبعض مبادئ المنطق لها أعلى درجات الوضوح بالذات» وتكون مثل هذه الخطوة العالية من نصيب
حقائق الذاكرة مباشرة أيضاً .أما مبدأ االستقراء فحظه من الوضوح بالذات أقل من بعض مبادئ المنطتقى األخرى مثل مبدأ «إن
كل ما يترتب على مقدمة صحيحة فهو صحيح» ويتناقص حظ ما يتذكر من الوضوح بالذات كلما اتصل بحوادث غامضة وأكثر
شحوياً» ويقل حظ حقائق المنطق والرياضيات» وبصورة واسعة ذات برهان ذاتي ناقص حينما تصبح أكثر تعقيداً .أما المتعلقة
بالقيم األخالقية أو الجمالية الجوهرية فلها بعض الحظ
125
وحيث أن الوضوح بالذات على درجات أمر مهم في نظرية المعرفة ألنه أمكن (كما يبدو مرجحا) أن يكون لألحكام حظ أو درجة
من الوضوح بالذات من دون أن تكون أحكاما صادقة؛ فليس من الضروري أن نغفل كل صلة بين الوضوح بالذات وبين الصدق»
بل أن نقول في حالة الشك والتردد كلما كان الحكم واضحا بذاته لزم االحتفاظ به» وكلما كان على حظ قليل من الوضوح بالذات
.لزم رفضه وإنكاره
بيد أنه من المرجح أن تكون هناك فكرتين تدخالن في الوضوح بالذات كما شرحنا ذلك من قبلء أوالهما تلك التي تقابل أعلى
درجات الوضوح بالذات؛ وهي ضمان معصوم من الخطأ لصدق الحكم 1أما الثانية فتلك التي تقابل الدرجات الدتيا وهي ليست
ضمانا قاطعا لصدق الحكم؛ بل لحظة من االحتمال .وما ذكرناه إنما هو مجرد ظن نقترحه وال نستطيع اآلن أن نتوسع فيه»؛ ولكنا
.بعد أن نتتاول طبيعة الصدق سنعود إلى موضوع الوضوح بالذات بسبب صلته بالتمييز بين المعرفة والخطأ
126
إن معرفتنا بالحقائق ال تشبه معرفتنا باألشياء» فلها نقيض يسمى بالخطاء أما في ما يتعلتى باألشياء فيمكننا أن نعرفها أو ال
نعرقهاء ولكن ليس ثمة حالة إيجابية للعقل يمكن أن تسمى معرفة خاطئة باألشياء» طالما كنا على أية حال متحصرين فى المعرفة
العيانية .كل ما نعرفه بالعيان ال بد أن يكون شيثا ً من األشياء» قلقد نستمد استنتاجات خاطئة من معرفتنا العيانية؛ ولكن المعرفة
العيانية ذاتها ال يمكن أن تكون خادعة .ولهذا فإن هنالك ثنائية فى ما يتعلق بالمعرفة العيانية» أما ما يتعلتق بمعرفة الحقائق فهناك
معرفة ثنائية .فقد نعتقد ما هو خاطئ مثلما نعتقد ما هو حقيقي .ونحن نعلم أن اآلراء حول كثير من األمور تختلف باختالف
األشخاص» ومن ثم لزم أن تكون بعض هذه اآلراء غير متالئمة .والناس يتمسكون بالصالت الباطلة مشل تمسكهم بالصالت
الصحيحة؛ ولذلك كان من الصعب تميز هذين النوعين من الصالت» فإذا سألتاء كيف يتهيا ً لنا أن تعرف أن ما نعتقده يكون
حقيقياً؛ فإنما نسأل سؤاالً على جانب كبير من الصعوبة ال يمكن اإلجابة عنه إجابة شافية .غير أنه لديئا سؤاالً يصح أن يكون
تقدمة وتمهيداً لسؤالنا األول» والصعوبة قيه أقل من الصعوبة األولى وهذا السؤال هو :ما الذي يمير بين الحقيقة والخطأً؟ وهذا
.السؤال هو محور بحثنا في هذا الفصل
127
إننا سوف ال نتساءل في هذا الفصل عن كيف يتهيا ً لنا أن تكون على علم بحقيقة معتقد أو كذبه؛ بل سنقتصر بحثنا على ما تعنيه
بقولنا إن معتقداً من المعتقدات هو حقيقي أو خاطئ؛ ولقد نأمل أن يكون في الجواب الواضح عن هذا السؤال عونا ً لنا في اإلجابة
عن السؤال فيما أي المعتقدات حق؟ ولكنا نسأل اآلن لما هى الحقيقة؟» و«ما هو الخطاً؟»؛ والنسأل «أي المعتقدات حقيقية»
و«أيهما خاطئة» .ومن المهم جداً أن نفصل بين هذين السؤالين فصالً قاطعاً» ذلك ألن أي خلط بينهما ال بد أن يؤدي إلى جواب
.غير متطبيق على كليهما
هناك ثالثة أمور يجب مالحظتها فى محاولة الكشف عن طب يعة الحقيقة؛ وهذه األمور الثالثة ال بد أن تستوفيها أية نظرية في هذا
.الصدد
إذا أردنا أن نصوغ نظرية حول الحقيقة يجب أن تتكون بطريقة تنطوي عىل تقيل أن عكسها قد يكون خاطا .وقد فشل )(1
تقتض أن يكون ُجماع تفكينا تفكيا صادقا صجيحا
ي كثي من الفالسفة يف مالحظة هذا الشط :فأقاموا نظرياتهم بحيث 7
كيى يف أن يتناولوا الخطأ يف نظرياتهم .وال بد أن تختلف نظريتنا ف هذا الصدد عن تظريتنا ف المعرفة
ووجدوا صعوية ر
.العيانية؛ ذلك أنه يف حالة المعرقة العيانية لم يكن من المحتم علينا أن تتناول عكسها
ويبدو أن من البي تقريبا أنه إذا لم يكن ثمة معتقدات فلن يكون هنالك وجه للخطا .وأال تكون حقيقة أيضا يف المعن )(2
128
الذي فيه الحقيقة مشتركة بعالقة ما بالخطأ .إذاً؛ فلن يكون مكان للخطأ فيه» بالرغم من أن مثل هذا العالم يحتوي على ما يمكن
أن يدعى «حقائق واقعية» فإنه ال يسكن أن يحتوي على أية حقيقة؛ بالمعنى الذي تكون فيه الحقائق من نوع األخطاء نفسها.
متكونا ً من مادة خام ال يمكن أن تنضوي على اعتقادات أو آراء -
فالحقيقة والخطأ هما من صفات العقائد واآلراء» لذا فَإنَ عالما ً ْ
١من حيث المبدأ يمكن أن توصف بالحقيقة أو الخطاء وبالتالي عالم كهذا ال مجال فيه للحقيقة أو الخطأ.
129
العموم أكثر اآلراء في هذا الصدد شيوعا ً بين الفالسفة -بأن الحقيقة هي التطابق بين الطول والواقع .على أنه ليس من السهل أن
نجد نوعا ً من المطابقة ال يمكن أن توجه إليه اعتراضات الاتدحض .ولكن هذا من ناحية -ومن ناحية أخرى إن شعورنا إذا كانت
الحقيقة نَحة تتضمن ثقابالً بين الفكر وشيء خارج الفكرة فإن الفكر ال يمكن أن يعرف أبداً معرفة من حيث متى يتم الوصول إلى
الحقيقة فإن كثيراً من الفالسفة انصرفوا إلى محاولة إيجاد تعريف للحقيقة ال يقوم على عالقة بين المعتقد وشيء خارج عنه. .
وأهم محاولة لمثل هذا التعريف هي النظرية القائلة بأن الحقيقة تتألف من الترابط .فالعالمة الفارقة للخطأ تبعا ً لهذه النظرية هي
قصور المعتقد الخاطئ عن أن يلتثم مع مجموعة المعتقدات التي يعيها العقل؛ وأن من طبيعة ما هو حقيقي أن يؤلف جزءاً من
.المنظومة الكاملة التي هي الحقيقة أو الحتق بجملته
على أن هناك صعوبة كبيرة أو» باألحرى» صعوبتين تعترضان هذه النظرية .أوالهما أنه ليس من سبب ألن نفرض أنه ليس في
اإلمكان وجود أكثر من مجموعة واحدة من المعتقدات .فلقد يوفق قصصي على حظ من الخيال ألن يرسم صورة مبتكرة لماضي
العالم تلتثم تماما ً مع ما نعرفه عنه؛ ولكنها مع ذلك تختلف تماما ً عن الماضي الحقيقي كما وقع بالفعل .وكثيراً ما نجد تفسيراً
للحقائق ق المروفة عن بض المواضيع» وضع أن رجال العلم في كثير من الحاالت يسعون ليجدوا حقائق من شأنها أن تحذف
ً.كل الفرضيات ما عدا واحدة منهاء فليس هناك سبب يدعوهم إلى أن يؤدي ذلك بهم إلى النجاح دائما
130
من المعروف أنه في الفلسفة يوجد فرضان مختلفان كالهما يفسر جميع أنواع الواقع أيضاً .فمن الممكن مثالً أن الحياة ليست إال
حلما ً طويالً وأن ما للعالم الخارجي من حظ ٠ن الحفيقة ال يزيد على حظ مواد الحلم وموضوعاته منهاء ولكن بالرغم من أن هذا
الرأي ال يبدو أنه يناقض الواقع المعروف» فليس من سبب ألن نفضله على نظرة الفطرة السليمة القائلة بأن الناس اآلخرين
واألشياء في العالم موجودة في الحقيقة .وعلى هذه الصورة يكون تعريف الحقيقة بأنها تتألف من االرتباط بين المعتقدات» تعريف
.فيه نقص وقصور ألنه ليس هناك من برهان قاطع بوجود منظومة ملتئمة واحدة من المعتقدات فقط
واالعتراض الثانى فى هذا التعريف للحقيقة أنه يفتقرض أن معنى «الترابط» معروف بينما يفترض أن «الترابط» في الحقيقة
من قوانين المنطق .فإن حكمين من األحكام يكون أحدهما ملتئما ً مع اآلخر إذا كان كالهما صحيحا ً وصادقاً» أما إذا كان أحدهما
على األقل خاطا ً فإنهما غير ملكمين .ولكنا لكيما نعرف هل هذان الحكمان صحيحان صادقان معاً؟ ال بد لنا أن نعرف بعض حقائق
مثل قانون التناقض .فإن الحكمين «هذه الشجرة شجرة زان» واهذه الشجرة ليست بشجرة زان» مثالً حكمان غير ملثمين» وذلك
بسبب قانون التناقض .ولكنا إذا أخضعنا قانون التناقض نفسه لمعيار االلتثام فإننا نجدء إذا شئنا أن نفرض أنه قانون خاطئ؛ أنه
ال يمكن أن يلتثم أي ح كم مع حكم آخر .ويهذا الشكل تزودنا قوانين المنطق بالهيكل أو اإلطار الذي يمكن تطبيق معيار التماسك
.ضمن نطاقه؛ ولكن هذه القوانين ال يمكن أن تثبيت صحتها بذلك المعيار
131
وللسببين السابقين ال يمكن قبول التماسك باعتبار أنه يهدي إلى معنى الحقيقة بالرغم من أنه كثيراً ما يكون أهم معيار تقاس به
.الحقيقة وذلك بعد الوصول إلى معرفة حد معين من الحقائق
ولذا فنحن نعود إلى اتخاذ التقابل مع الواقعة باعتبار أنها العنصر الذي يؤلف طبيعة الحقيقة .ويبقى علينا بعد ذلك أن نحدد بدقة
ً.ما نعنيه بكلمة «حقيقة واقعة» وما هي طبيعة المطابقة التي يجب أن تقوم بين المعتقد والواقع لكيما يكون ذلك المعتقد صادقا
وفقا ً للمقتضيات الثالثة السالفة يلزمنا أن نبحث عن الحقيقة بحيث ( )1تسمح أن تجوز الحقيقة على أمر مضاد لها أي الخطأ)2( .
.أن الحقيقة صفة من صفات العقائد )3( .ولكنها صفة ترتبط كلتيها بالعالقة بين المعتقدات واألشياء الخارجية
والضرورة التي تقتضي وجود الخطأ تجعل من المستحيل أن نعد المعتقد بأنه يتألف من عالقة العقل بموضوع واحد بمفردة»
يمكن أن يقال عنه .ولذا فإن اعتقاده ال يمكن أن يتضمن أي عالقة بهذا الشكل «ديدمونا تحب كاسيو» موجود .ولذلك يحسن بنا
.أن نبحث عن نظرية للمعتقدات ال تجعل الواحد منها يتألف من عالقة العقل بموضوع واحد
ومن المألوف التفكير بأن الصالت ال تقوم إال بين طرفين ولكن الواقع ليس دائما مطابق .فبعض العالقات تستدعي ثاللة حدود
وبعضها أربعة أو أكثر وهكذا .خذ مثالً لذلك العالقة «بين» فإن هذه العالقة مستحيل أن تقوم ما دام هناك حدان فقط» وأقل ما
تستدعيه هذه الصلة هو ثالثة حدود .فتقول يورك بين
132
لندن وادنبرة» ولو كانت لندن وادتبرة المكانان الوحيدان في العالم» لما كان هناك مكان بينهما .وبالمثل تتطلب الغيرة ثالثة
أشخاص» فليس هنالك حالة من حاالت الغيرة ال يدخل فيها ثالثة على األقل .والقول بأن «أ» يرغبً في أن يعمل ب على تهيئة
زواج ث من د» قول يتضمن عالقة بين أربعة حدود» أي أن األشخاص األربعة أ؛ ب» ثء د كلهم تربطهم تلك العالقة التي ال
يمكن التعبير عنهاء » إال بذكرهم جميعاً .ويمكن أن نورد أمثل ة لذلك بال حد ولكنا ذكرنا ما فيه الكقاية ليتضح أن هناك صالت
.تتطلب أكثر من حدين قبل إمكان قيامها
بين أطراف متعددة ال بين طرقين؛ هذا إذا أحذنا الخطا بحي االعتبار .وحينما يعتقد عطيل بأن ديدمونا تحب كاسيوء فال يجب
يجب أن يضع نصب عينيه شيئا ً فريداً مثل «حب ديدمونا لكاسيو» أو «ديدمونا تحب كاسيو»؛ فلو كان األمر كذلك القتضى الحال
وجود مزاعم موضوعية» يمكن أن توجد مستقلة عن العقول المفكرة وهذا الرأي علينا أن نتجنبه كليا ً بالرغم من أنه ال يمكن
دحضه منطقياً .وعلى هذا يكون أيسر علينا أن نفسح المجال للخطا ً إذا ما أخذتا أن الحكم عالقة يشترك فيها العقل والموضوعات
المتعددة التي هي موضع االعتقادات جميعاء ويعنى هذا أن ديدمونا والحب وكاسيو ال بد أن تكون جميعها حدوداً للعالقة التي
تقوم حين يعتقد عطيل أن ديدمونا تحب كاسيو .فهذه العالقة إذن عالقة ذات أربيعة حدود ألن عطيل نفسه حد في هذه العالقة
أيضاً .أما إذا قلنا إنها عالقة من أربعة
133
حدود قإننا ال نقصد بذلك أن ل«عطيل» عالفة معينة بديدمونا وأن له هذه العالقة نفسها بالحب وبكاسيو أيضاً .وإذا كان هذا
يصدق على عالقات غير عالقة االعتقاد فإن االعتقاد كما هو ظاهر ليس عالقة بين عطيل وبين أي واحد من الحدود الثالثة التي
هي موضع االعتقاد» ولكنها عالقة تقوم بينه وبيتها كلها مجموعة وليس هناك إال حالة واحدة متضمنة لعالقة االعتقادء على أن
هذه الحالة تجمع الحدود األربحعة معا ً وتربطها بنسيج واحد .فما يحدث في الواقع حين يذهب بمعتقده هو أن العالقة التي تسميها
«االعتقاد» تجمع في منظومة معقدة واحدة الحدود األريعة :عطيل وديدمونا والحب وكاسيو .وما يقال له المعتقد أو الحكم ما هو
إال هذه العالقة .أي صلة االعتقاد أو الحكم التي تربط بين الذهن وبين عدة أشياء أخرى خارجة عنه .ولهذا فإن أي فعل من نوع
.االعتقاد أو الحكم يعني القيام به حصول صلة االعتقاد أو الحكم بين حدود معينة في وقت ما
إننا في ذلك أصبحنا في موقف نستطيع فيه أن نفهم ما الذي يميز بين حكم حقيقي وحكم خاطئ .ويقتضي الحال أن نتخذ بعض
التعريفات لهذا الغرض .ففي كل فعل من أفعال الحكم يوجد عقل يحكم وحدود يدور حكمه حولها .وهو ما ستدعوه العقل الذات
في هذا الحكمء؛ أما األبعاد األخرى قنسمها الموضوعات .فحين يحكم عطيل بأن ديدمونا تحب كاسيو فعطيل هو الذات بينما تكون
الموضوعات ديدمونا والحب وكاسيو .ويطلق على الذات والموضوعات جميعا ً تعبير عناصر الحكم .وقد يالحظ أن لعالقة الحكم
اتجاها ً معينا ً ولعلنا أن نقول
134
على سبيل المجاز أن هذه العالقة تضفى على الموضوعات «نظاماً» أو «ترتيبا ً معينا»؛ قد يظهر في ترتيب الكلمات في الجملة.
(ويبدو هذا في تصريف الكلمات في ال لغات التي تسير على التصريف وتغيير الكلمات من حالة ألخرى» كما هو الحال في الفرق
بين الفاعل والمفعول به) .فحكم عطيل أن كاسيو يحب ديدمونا يختلف عن حكمه أن ديدمونا تحب كاسيو بالرغم من أن مقومات
الحكم في الحالتين واحدة؛ ألن عالقة الحكم تضع المقومات في ترتيب يخت لف في الحالة األولى عنه في الحالة الثانية .وبالمقابل
إذا حكم كاسيو أن ديدموننا تحب عطيل» فالمقومات هي واحدة هنا أيضا ولكن الترتيب مختلف .وهذه الميزة التي تذهب في أن
يكون للعالقة اتجاه معين ميزة تشارك فيها عالقة االعتقاد سائر العالقات األخرى .و«اتجاه» العالقات هو المصدر األساسي لما
يبدو في التسلسل الرياضي وكثير غيره من التصورات الرياضية من نظام» وهذه ناحية ال يتطلب بحثها أكثر مما ذكرناه .وحين
تناولنا عالقة «الحكم» أو «االعتقاد» وقلنا إنها عالقة تجمع الذات والموضوعات معا في منظومة معقدة واحدة» فإن هذا هو
الشأن تماما ً في سائر العالقات األخرىء فحيثما تقوم عالقة بين حدين أو أكثر فإنها توجد بين الحدود في منظومة معقدة واحدة»
فإذا كان عطيل يحب ديدمونا فهذه المنظومة المعقدة هي «حب عطيل لديدمونا» وقد تكون معقدة وحيثما كانت هناك عالقة تربط
بين حدود معينة فال بد أن يكون هناك موضوع معقد مؤلف من اتحاد هذه الحدود واجتماعها معاً .ويصدق العكس أيضاء فكلما
كان هناك موضوع معقد فهناك
135
صلة تربط بين مقوماته» وحين يحصل فعل االعتقاد فهناك منظومة معقدة يكون فيها «االعتقاد» العالقة الموحدة بين الحدود
والجامعة بينهاء ويتم ترتيب «الذات» والموضوعات على حسب ترتيب معين وفقا ً لالتجاه الذي تتخذه صلة االعتقاد» وال بد أن
يكون من بين الموضوعات صلة مآ وذلك كما وجدنا في تدبر الحكم «عطيل يعتقد أن ديدمونا تحب كاسيو» والصلة في هذه الحالة
هي «الحب» .ولكن هذه الصلة كما تظهر في عملية االعتقاد ليست هي الصلة التى تنشأ ببببها الوحدة التى تتجلى فى المنظومة
المعقدة من الذات الفاعلة والموضوعات؛ ولكنهاء أي صلة الحب؛ كما تظهر في عملية االعتقاد؛ هي أحد الموضوعات» فهي لبئة
في البنيان التام وليست المالط الذي يربط األحجار المختلفة في ذلك البنيان .أما المالط فهو صلة «االعتقاد»» وحين يكون المعتقد
حقيقياً» فإن هناك وحدة مركبة أخرى تؤلف بين الموضوعات فيها تلك الصلة التي كانت أحد موضوعات االعتقاد وهي هذه
الصورة .إذا كان عطيل يعتقد اعتقاداً حقيقيا ً أن ديدمونا تحب كاسيو» فإن هناك حينئذ وحدة معقدة هي حب ديدمونا لكاسيو مؤلفة
من موضوعات االعتقاد فقطء وهذه الموضوعات تأتى فى هذه الوحدة بنفس الترتيب الذي ظهرت به فى المعتقد؛ أما الصلة التى
كانت أحد الموضوعات فهى هنا المالط الذي يربط بين موضوعات المعتقد األخرى .أما من التاحية األخرى حين يكون المعتقد
خاططا ً فليس هناك وحدة معقدة مؤلفة من موضوعات المعتقد» فإذا اعتقد عطيل اعتقاداً خاطئا ً أن ديدمونا تحب كاسيو فليس هناك
».وحدة معقدة كاحب ديدمونا لكاسيو
136
وعلى ذلك يكون المعتقد حقيقيا ً حين يطابق منظومة معقدة مرتبطة» وخاطا ً حين تعوزه هذه المطابقة .فإذا قرضنا لغرض الوضوح
والدقة أن م وضوعات االعتقاد التي تتألف منها المنظومة حدان وعالقة وأن الحدي ين يأتيان في ترتيب معين يقرره «االتجاه؟
الذي يتخذه االعتقاد» فالمعتقد حينشذ حقيقي إذا تم توحيد الحدين على ذلك الترتيب بتلك العالقة وانتظامها بواسطتها فى منظومة
معقدة معينة» أما إذا لم يتم ذلك ف المعتقد خاطئ .وهذا هو ما يؤلف ما نسعى إليه من تعريف الحقيقة والخطاء فالحكم أو االعتقاد
منظومة ذات وحدة معقدة معينة يكون العقل جزءاً منهاء وإذا تألف من األجزاء األخرى حين تؤخذ بالترتيب نفسه الذي أتت به
.في المعتقد منظومة أخرى ذات وحدة معقدة فالمعتقد حيتئذ حقيقي» وإال فهو خاطئ
ورغم هذا وذاك فإن الحقيقة والخطأ خاصيتان من خصائص المعتقدات إال أنهما على معنى ما خاصيتان تفرضان من الخارجء
ذلك ألن شرط حقيقة المعتقد شرط ال يتضمن المعتقدات أو أي عقل من العقول (فى اإلجمال)» بل موضوعات المعتقد فقط .فالعقل
الذي يحكم ويعتقدء يعتقد اعتقاداً حقيقيا ً حين تكون هناك منظومة مطابقة للمعتقد ال تتضمن العقل بل موضوعات فقط .فهذه
المطابقة هي التي يقوم عليها حقيقة المعتقد؛ ويعني انعدامها بطالن ذلك المعتقد .ومن ثم يمكننا أن نفسر في وقت واحد الحقيقتين
.االثنتين وهما (أ) تستمد المعتقدات وجودها من العقل (ب) على أنها ال تعتمد عليه في حقيقتها
137
مثل «عطيل يعتقد أن ديدمونا تحب كاسيو» فإنا نطلق على ديدمونا وكاسيو الحدين اللذين هما موضوعان من موضوعات المعتقد
ونسمي الحب العالقة؛ وهي أيضا ً موضوع من موضوعات المعتقد .فإذا كان هناك منظومة ذات وحدة معقدة ك «حب ديدمونا
لكاسيو» مؤلفة من الحدين الموضوعين قد ربطت بينهما العالقة التي هي الموضوع الثالث بنفس الترتيب الذي أتيا به في المعتقد»
فهذه المنظومة ذات الوحدة المعقدة تدعى إذن الواقعة المطا بقة للمعتقد .وعلى هذا فالمعتقد حقيقي إذا كانت هناك واقعة مطابقة له
.وخاطئ إذا لم تكن هناك واقعة مطابقة له
ويبدو أن العقول ال تخلق الحقيقة أو الخطاء بل هى تخلق المعتقدات .ولكن متى خلقت هذه المعتقدات يكون العقل عاجزاً عن أن
يجعلها حقيقية أو خاطئة» باستثناء تلك الحالة الخاصة التي تتصل هذه المعتقدات بأمور في المستقبل يكون في طاقة المرء أن
يقوم بهاء مثل اللحاق بالقطار وركويه في الوقت المعين» وما يجعل المعتقد حقيقيا إنما هو واقعة» وهذه الواقعة (باستثناء حاالت
.خاصة) ال تتضمن بأية صورة عقل المرء الذي يؤمن بذلك المعتقد
وبما أننا حددنا ما المقصود بالحقيقة والخطاء علينا أن نعير االنتباه إلى الطرق التي تعلم بها أحقيقي هذا المعتقد أو ذاك أم خاطئ؟
.وهذا ما سيدور عليه بحثنا في الفصل القادم
138
إن القضية التي تبحث عن معنى الحقيقة والخطأ والتي نظرنا إليها في الف صل السابق هي أقل أهمية بكثير من القضية التي نستطيع
بواسطتها أن نعرف ما هو حقيقي وما هو خاطئ .وستشغلنا هذه القضية بالفصل الحالي .وال شك أن بعض معتقداتنا خاطئة» ولذا
فنحن مضطرون إلى البحث عن اليقين الذي يمكن أن تصل إليه» وبأن هذا وذاك من المعتقدات ليس خاططا ً .وبعبارة أخرى هل
نستطيع أن نعرف أي شيء أبداًء أو نحن نعتقد فقط بمجرد حسن الحظ أحيانا ً بأنه حقيقى؟ وقبل معالجة هذه القضية يجب علينا
.مع ذلك أن تقرر ما نعنيه «بالمعرفة»» وهذه القضية ليست من السهولة كما يظن
ألول وهلة يمكننا أن نتصور بأن المعرفة قد تعرف على أنها «عقيدة حقيقية» .وإذا كان ما نعتقد فيه حقيقياً» فقد يظن بأننا قد
أنجزنا معرفة ما نؤمن به» ولكن هذا ال يتفق والطريقة التى تستعمل بها الكلمة عادة .لتضرب مثالً بسيطا ً لذلك :إذا كان شخص
يعتقد أن اسم رئيس الوزراء السابق يبدأ بحرف ب» فإن معتقده صادق» ذلك آلن رئيس الوزراء السابق هو السير هنري كامبل
بانيرمان”* .ولكنه إذا اعتقد أن رئيس الوزراء السابق هو
.يعني رسل بذلك القترة التي كتب بها هذا الكتاب والذي صدر عام («) 1912
139
المستر بلفور» فهو ال يزال يعتقد أن اسم رئيس الوزراء السابق يبدأ بحرف ب .ولكن معتقده وإن كان صادقا ً ال يمكن أن يقال
عنه إنه يؤلف معرفة .وإذا استطاعت جريدة يومية أن تسبق الحوادث فتعلن نهاية معركة من المعارك قبل أن تصل أية برقية
تكشف عن هذه النهاية حقيقة» فقد يكون ما نشرته بمبحض الصدفة هو النهاية الصحيحة» وبذلك تحمل قراءها من غير المجربين
على اال عتقاد بصحة ما تقول .على أنه بالرغم من صدق معتقدهم» فإنهم ال يمكن أن يقال لهم إنهم بذلك قد بلغوا المعرفة .ويتضح
.من ذلك أن الرأي الحقيقي حين يستنبط من رأي خاطئ ال يعتبر معرفة
وفى المقابل» ال يمكن أن يسمى معرفة المعتقد الصادق إذا كان قد استنبط باستدالل خاطىة» ولو كانت المقدمات التى استنتج منها
حقيقية .قإذا كنت أعلم أن كل اإلغريقيين بشرء وأن سقراط إنسان» ثم استتتجت من هاتين المقدمتين أن سقراط كان إغريقياً» فال
يمكن القول إنى أعرف أن سقراط كان إغريقياً» ألنه بالرغم من أن المقدمتين صحيحتان والتيجة صحيحة» فهذه النتيجة ال تترتب
.على هاتين المقدمتين
أيحق لنا القول أن ما يسمى معرفة هو ما استنبط باستدالل واقعي من مقدمات حقيقية؟ ظاهر القول أنه ال يمكن ذلك فهذا وصف
واسع من ناحية وضيق من طرف آخرء إنه في البدء واسع ألنه ال يكفى أن تكون المداخل صحيحة» بل أن تكون معروفة أيضاً.
فالشخص الذي أعتقد أن المستر بلفور كان رئيس الوزراء السابق قد يتصرف إلى أن يستخلص استنتاجات واقعية من
140
المقدمة الواقعية القائلة بأن اسم رئيس الوزراء السابق بيدأ بحرب ب ولكنه ال يمكن أن يقال عنه إنه يعرف النتائج التي يصل إليها
بذلك القياس» وهكذا يكون علينا أن نصحح تعريفتا» ويمكن أن نقول بأن المعرفة هي ما استنتج نتج باستدالل حقيقي من مقدمات
معروفة . .على أن هذا تعريف يدور في دائرة مفرغة؛ فهو يفرض أننا نعرف مقدما المقصود د «بالمداخل المعروفة» .وال يفيدنا
باستدالل ٠إال في تعريف المعرفة المكتسبة خالفا ً لل معرفة الحدسية .وعلى هذا نقول إن «المعرفة المشتقة هي ما استنبطناه
صحيح من مقدمات معروفة بصورة حدسية» .وال يتضمن هذا التعريف أي نقص شكلي»؛ ولكنه يدع تعريف المعرفة الحدسية
.أمراً غير مقطوع به ويحثنا على البحث عنه
وهنا ندع مسألة المعرفة الحدسية جانبا ً لتأمل في التعريف السابق للمعرفة المشتقة .أن أول اعتراض يمكن أن يوجه فى ذلك هو
أن يضيق المعرفة ويحددها أكثر مما ينبغى .فكثيراً ما يحدث أن يؤمن الناس بمعتقد حقيقي نشأ فيهم بسبب معرفة حدسية لهم.
وفي حين يكون المعتقد الحقيقي قابل لالستنتاج باستدالل صحيح من تلك المعرفة الحدسية على أن من يعتقدون به لم يختطوا في
.استنباطه واقعيا ً أية عملية منطقية
لهذا سنورد مثالً بما تؤول إليه القراءة من معتقدات في عقلية القارئ» وذلك إذا افترضنا أن الصحف أعلنت موت الملك .ففى ذلك
تكون على شىء من الحق فى االعتقاد بأن الملك قد ماتء ألن مثل هذا الخبر ال يمكن نشره إذا كان خاطاً .ونحن على حق في
االعتقاد بأن الصحف تؤكد موت الملك؛ ولكن
141
المعرفة الحدسية التي يقوم عليها معتقدنا هنا هي في المعرفة بوجود حقائق حسية مستمدة من النظر إلى العبارات المطبوعة التي
جاء بها الخبر .ومن النادر أ ن تظهر هذه المعرفة في مجال الشعور إال باستثناء شخص ال يحسن القراءة .فقد يعتي الطفل المبتدئ
بتعلم القراءة أشكال الحروف وينتقل رويداً رويداً وبشىء من العناء إلى تبين معانيها» على أن الشخص الذي اعتاد القراءة وأتقنها
يتقل فى الحال إلى ما تعنيه الحروف وال يعى هذا المعرفة التى حصل عليها إنما استمدها من الحقائق الحسية اللتى تأتي من النظر
إلى الحروف المطبوعة» إال حين يتأمل في ذلك عن دراية .هذاء وفي حين يكون االستتتاج الصحيح لمعاني الحروف من النظر
إليها أمر ممكن» ويستطيع الشخص أن يقوم به؛ إال أنه ال يقوم في الواقع في هذا الصدد بأية عملية يمكن أن تسمى استتاجا ً منطقياً.
.ومع ذلك فإن من الهرطقة القول إن القارئ ال يعلم أن الصحف قد أعلنت وفاة الملك
وفى ذلك ال بد من التأكيد أن ما جاء نتيجة لمعرفة حدسية معروفة مشتقة حتى إذا كانت تلك التيجة قائمة على محض التداعى
شريطة أن تكو ن هناك صلة منطقية صحيحة» وأن يكون الشخص المعتقد بإمكانه أن يعي هذه الصلة لدى التأمل فيها .وهناك في
الواقع عدة سبل بجانب االستتتاج المنطقي يستطيع أن ينتقل بها المرء من معتقد إلى آخرء واالنتقال من العيارات المكتوبة في
القراءة تصور هذه الطرق .وهو ما يمكن أن ن سميه «االستنتاج النفسي»» وسنعتبره إذن وسيلة للوصول إلى المعرفة المشتقة
على شريطة أن يكون هناك استتاج منطقي قابل ألن
142
يكشف عنه يوازي االستنتاج النفسي .وبذلك يصبح تعريفنا للمعرفة المشتقة تعريفا ً أقل دقة مما ترغب فيه » ألن جملة دقابل ألن
يكشف عنه» جملة غ امضة ال نستطيع أن نعرف منها مدى ما نحتاج إليه من تأمل لنصل إلى ذلك الكشف .لكن تصور المعرفة
في الواقع ليس بالتصور الدقيق» ألنها تتحد مع الرأي الراجح وتتلبس به كما سيمر بنا بصورة واقية في هذا الفصل .لهذا وذاك
.علينا أن نكف عن تعريف دقيق ألن ذلك يقودنا إلى الزيغ
على أن الصعوية الكبرى في ما يتعلق بالمعرفة ال تترتب على المعرفة المشتقة وإنما حول المعرفة الحدسية .فإذا ما تناولنا المعرفة
المشتقة فإن بين أيدينا معياراً عن المعرفة الحدسية نستخدمه ونعود إليه .أما فيما يخص المعتقدات الحدسية فليس من اليسير قطعا ً
أن نجد أي معيار يمكن أن نميز به ما هو حقيقي وما هو خاطئ منهاء ومن الصعوبة الوصول في هذه القضية إلى أية نتيجة دقيقة؛
فكل معرفتنا بالحقائق مشوبة بشيء من الشك وأية نظرية ال تأخذ بذلك هي نظرية يتلبسها الخطاء بيد أننا نجهد للتهوين من
.الصعوبات التي تقف عقبة حيال ذلك
ل قد زودتنا نظريتنا عن الحقيقة بادئ ذي بدء إمكان تمييز بعض الحقائق باعتبارها واضحة بذاتها بالمعنى الذي يضمن أن تكون
معصومة من الخطاء وقد ذهبنا فى القول إنه إذا كان المعتقد حقيقيا ً فإن له واقعة تطابقه تؤلف موضوعات الرأي المعتقد فيه
منظومة معقدة واحدة .ويقال عن الرأي أنه هو المعرفة بهذه الواقعة» شريطة أن يستكمل الشروط الغامضة نوعا ً ما تلك التى
بحثناها في هذا الفصل .ولكنا قد نصل أيضا ً في ما يتعلق بأية واقعة
143
إلى ذلك النوع من المعرفة الذي يتألف من اإلدراك الخسي (حين نتناول هذه الكلمة بأوسع معانيها) إلى جانب المعرفة التي يتألف
منها الرأي .فأنت إذا علمت مثالً بساعة غروب الشمس تمكنت أن تعرف في تلك الساعة واقعة أن الشمس تغرب؛ وهذا نوع من
معرفة الحقائقء ولكنك تستطيع أيضا ً إذا كان الجو صحواً أن تنظر إلى الغروب وتبصر الشمس الغاربة في الواقع فيتعين حيتئذ
.بالواقعة نفسها عن طريق المعرفة باألشياء
.عن طريق حكم نقرر به أن أجزاءها المختلفة متصل بعضها ببعض كاتصالها ف يف الواقع )(1
عن طريق المعرفة العيانية بالواقعة المعقدة نفسهاء تلك المعرفة العيانية التي يمكن أن تدعى (بمعنى شامل) إدراكا ً حسيا ً حتى )(
إذا لم يكن مقصوراً على موضوعات الحس» كما يالحظ أن الطريق الثانى للمعرفة بواقعة معقدة عن طريق المعرفة العيانية ال
يكون ممكنا ً إال إذا كان هناك شيء من هذه الواقعة في الواقع؛ بينما النوع األول من المعرفة شأنه شأن كل حكم معرض للخطأ.
ويؤدي بنا النوع الثاني إلى المعرفة بالمنظومة المغقدة بجملتهاء وهو لذلك ليس ممكنا ً إال إذا كان بين أجزاء المنظومة في الواقع
تلك العالقة التي تجعلها تؤلف مثل تلك المنظومة .أما ارج األول فعلى العكس يهدينا إلى األجزاء وإلى العالقة منتفصلة عن
األجزاء» وال يستدعي إال حقيقة وجود األجزاء وحقيقة وجود العالقة» وقد ال تربط العالقة األجزاء بنفس الكيفية التي تربط في
.الواقع» ومع ذلك فالحكم حاصل الوقوع
144
وقد سبق لنا القول في نهاية الفصل الحادي عشر إنه ريما كان هتاك نوعان من الوضوح بالذات يؤدي األول إلى ضمان مطلق
.بصدق المعرفة وال يؤدي الثاني إال إلى ضمان جزشي .ولنا اآلن أن نميز هذين النوعين
بعض األحيان نصف الحقيقة بأنها واضحة بذاتها بالمعنى المطلق األول حينما نكون على معرفة عيانية بالحالة الذي تدل على
الحقيقة؛ أعني التطابق بين القول والواقع .فعطيل حين يعتقد أن ديدمونا تحب كاسيو فالحادثة التى تطابق الحقيقة هى حين يكون
معتقده صادقا ً «حب ديدمونا لكاسيو» .وتلك حادثة ال يمكن ألحد أن يكون على معرفة عيانية بها إال ديدموناء ومن ثمة فحقيقة أن
ديدمونا تحب كاسيو (إذا كانت حقيقة) ال يمكن أن تكون بذاتها واضحة إال لديدموناء» ولكل الحقائق الذهنية المتعلقة بالحقائق
الحسية مثل هذه الخصوصية» فهناك شخص واحد فقط يمكن أن تكون له هذه األمور واضحة بذاتها بالمعنى الذي هو موضوع
بحثنا اآلن .ذلك ألن هناك شخصا ً واحداً يستطيع أن يكون على معرفة عيانية باألمور الذهنية أو الحقائق الحسية المخصوصة.
وإذن فليس من واقعة عن وجود خاص يمكن أن تكون واضحة بذاتها ألكثر من شخص واحد .وليس للواقع حول الكليات» من
الناحية الثانية مثل هذا الخصوص .فقد تعرف عقول كثيرة كليات واحدة معرفة مباشرةء ولذلك فالعالقة بين هذه الكليات قد تكون
معروفة من قبل أناس مختلفين معرفة عيانية ومن جميع الحاالت التي نعلم فيها عن طريق المعرفة العيانية بواقعة مركبة من
حدود معينة مرتبطة بعالقة معينة» فإننا
145
نقول إن حقيقة هذه الحدود مرتبطة فيما بينها بتلك العالقة حقيقة مطلقة واضحة بذاتها والحكم بأن هذه الحدود مرتبطة بتلك الكيفية
.في جميع الحاالت حكم ال بد أن يكون صادقاً .وهذا الوضوح بالذات ضمان مطل لحقيقة الحكم
إال أنه بالرغم من أن الوضوح بالذات ضمان مطلق لصدق الحكم» على أنه ال نستطيع في حالة أي حكم معين من أن نكون على
يقين تام بأن هذا الحكم حكم حقيقي .دعنا بادئ ذي بدء ندرك الشمس وهي تشرقء وتلك واقعة معقدة ونتصرف من ثم إلى أن
نحكم أن «الشمس مشرقة» .ومن الضروري في االنتقال من اإلدراك إلى الحكم أن نحلل الواقعة المعقدة؛ ولذلك علينا أن نعرف
بين «الشمس» وبين «مشرقها» باعتبارها جزتين يؤلفان تلك الواقعة .وقد يقع المرء في هذه العملية في خطأ ومن ثم فالحكم الذي
يعتقد أنه يطابق الواقعة حتى حين يكون للواقعة النوع األول أو المطلق من الوضوح بالذات ال يمكن أن يكون معصوما ً من الخطأ
ً.تماماًء ذلك ألنه قد يطابق الواقعة في الحقيقة .ولكنه حين يطابقها (بمثل ما بيناه ة في الفصل السابق) ال بد أن يكون صادقا
أما النوع الثاني من الوذ ضوح بالذات فهو الذي يتعلق باألحكام أوالً» وال يكون مستمداً من اإلدراك العياني لواقعة ما باعتبارها
.منظومة معقدة بجملتها .ولهذا النوع من الوضوح بالدذات مراتب ودرجات؛ من مرتبة عليا جداً إلى مجرد ميل إلى تأبيد ا المعتقد
146
الصلبة يقين تام في البدء» حتى تأتي تدريجا ً فترة نحسب فيها إذا أصغينا بدقة أن هذا الصوت ريما كان من صنع الخيال وأنه
صوت الستاثر في الطابق األعلى أو أنه صوت دقات قلبناء ثم يخالجنا الشك في أننا نسمع أي صوت أبداء ثم نزعم في القول أننا
ال نسمع أي صوت بتاتاء إلى أن نصل إلى معرفة أننا المع
أي صوت قطعاً .ففي هذا الموضرعء ثمة تسلسل مستمر في البيان بالذات من المرتبة العليا إلى الدنياء ويبدو ذلك في الحكم القائم
.على الحقائق الحسية
لتأخذ المثل التالي :نفرض أننا نقابل ظلي لوني ن أحدهما أزرق واآلخر أخضرء فتحن في البدء على يقين من أنهما ظالل مختلفا
اللون ولكنا إذا غيرتا اللون األخضر تدريجيا ً وزدنا فيه ليقترب شيئا ً فشيئا ً من اللون األزرق» فيكون أوالً مزيجا ً من األزرق
المائل إلى االخضرار ثم االخضرار المائل للزرققة؛ ثم أزرق تماماًء ف ال بد أن تأتي فترة نشك فيها أن يكون هناك أي فرق بين
اللونين ثم فترة أخرى نعرف فيها أننا ال نستطيع أن نجد فرقا ً بينهما . .ومثل هذا الوضع يحدث في تهيئة اآللة الموسيقية بشد
أوتارها مثالً بصورة متدرجة؛ أو في أية حالة أخرى يحصل فيها التدرج المطرد .فالوضوح بالذات من هذا النوع على مراتب»
.وجلي أن الثقة بالمراتب العليا أكبر منها بالمراتب الدنيا
وفي الواقع تتضمن المقدمات األساسية في المعرفة المكتسبة درجة من الوضوح بالذات» ومثل هذا يجب أن يكون للصلة بين
المقدمات والنتيجة .لتأخذ على سبيل المشال نموذجا ً من االستدالل في الهندسة» فال يكفي في هذا االستدالل أن تكون
147
البدهيات التى نبداً منها واضحة بذاتهاء بل من الضروري أن تكون الصلة بين المقدمات التتيجة في كل خطوة تخطوها بينة بذاتها
أيضاً .ولهذه الصلة فى األمثلة الصحيحة من االستدالل صلة ضئيلة من الوضوح بالذات» ومن ثم فاألخطاء في االستدالالت حين
ً.تكون الصعوبة كبيرة يبح احتمال وقوعها واردا
ويتبين مما شرحناء ما يخص المعرفة الحدسية أو فيما يخص المعرفة المكتسبة» هذا إذا فرضنا أن المعرفة الحدسية يمكن أن
يوثق بها بنسبة حظها من الوضوح بالذات ودرجتها منه؛ أن هناك تتايعا في اليقين يبتدئ من وجود الحقائق الحسية وحقائق النطق
والحساب البسيطة؛ وهذه يمكن اعتبارها ذات يقين تام» إلى األحكام التي تبدو أنها أكثر رجحانا ً من أضدادهاء وما تعتقده بأنه
اعتقاد جازم لذا صح؛ يدعي معرفة؛ بشرط أن يكون إما حدسيا ً وإما مستحجا ً (منطقيا ً أو حدسياً) من معرفة حدسية يترتب عليها
بصورة موضوعيةء ويدعى ما نعتقده اعتقاداً جازما ً أن كان باطالً خطأ .أما ما نعتقده اعتقاداً جازما ً إن لم يكن معرفة وال خطاء
وكذلك ما نعتقده ونحن مترددين ألنه ليس له مرتبة عالية من الوضوح بالذات فيدعى الرأي المرجح .وبناء على ذلك» فإن الكثرة
.الغالبة مما يدعى معرفة ما هي إال من الرأي المرجح وتصيبه من ذلك االحتمال قابل للزيادة أو النقصان
إننا نجد معرفة كبيرة فيما يخص الرأي المرجح من فكرة التماسك التي سبق ورفضناها كتعريف للحقيقة والتي قد نستفيد منها
كمعيار له .إذا كان لمجموعة من اآلراء المرجحة على انفراد تماسك بين بعضها وبعض فإنها تصبح أكثر رجحانا ً وهي مجتمعة
148
من أي واحد منها بمفرده .وبهذه الطريقة تكتسب الفرضيات العلمية أرجحيتها فهي إذ تنسجم في منظومة من اآلراء الراجحة
الملتغمة؛ تصبح بذلك أكثر رجحانا ً منها وهي منفصلة متفرقة؛ وشأن ذلك ما ي نطبق على الفروض الفلسفية العامة .ثرا ما تكون
مثل هذه الفروض مشكوكا فيها في حين أنها تصبح حين نتأمل الترابط الذي تضفيه على مجموعة م اآلراء المرجمة على نصيب
من اليقين التام تقريباً .ومثل هذا ينطبق خاصة على أمور مثل التمييز بين األحالم واليقظة؛ فلو كانت أحالمنا وهي تأتي ليلة بعد
ليلة على شيء من الترابط فيما بينها كما هي الحال في أحوال اليقظة يوما ً بعد يوم ألصبح من العسير علينا أن نعلم أيها نصدق
األحالم أو عالم اليقظة .على أن معيار الترابط يرفض األحالم ويؤيد عالم اليقظة» بل أن هذا المعيار بالرغم من أنه يزيد في
الرجحان حين يتم انطباقه» فإنه ال يؤدي إلى اليقين التام ما لم يكن هناك يقين سابق في قسم من أقسام المنظومة الملتثمة .وفي هذا
.وذاك ال يمكن القول أن مجرد انتظام الرأي المرجح في منظومة ملتمة ال يحول بذاته إلى علم مشكوك فيه على اإلطالق
149
1350
حدود المعرفة الفلسفقية
ما تحدثنا عنه حتى اآلن في ما يتعلق بالفلسفة لم نتطرق إال نادرا إلى كثير من الموضوعات التي تشغل حيزا كبيرا في كتابات
معظم الفالسفة» وأغلب الفالسفة على كل حال عدد كبير منهم -يدعون أنهم قادرين على البرهان بتفكير قبلي ميتافيزيقي كالعقائد
األساسية في الدين والعقالنية الجوهرية في الكون ووهمية وتجرد كل الشرور من القابلية الواعية وهلم جراء وذلك باالستدالل
األول فقط .وال شك أن الرغبة في الوصول إلى أسباب تبرر االعتقاد بمثل هذه اآلراء كانت الباعث لكثير من طالب القلسفة إلى
بذل جهود مضتية دائبة؛ وع ندي أن هذه الرغية هي من التمنيات الخاوية .ذلك أن المعرفة التي تتتاول الكون بجملته» كما يبدو»
ال يمكن الوصول إليها عن طريى الميتافيزيقا .وما يورد من براهين مقترحة تقوم بمقتضى المنطق لتثبت أن هذه األشياء أو تلك
ال بد أن تكون موجودة وأن أشياء أخرى ال يمكن أن تكون كذلك» براهين ال تتحمل التمحيص الدقيق والنقد النافذ .وفي هذا الفصل
سأتناول نوعية المسالك التي اتيعها الباحثون في محاولتهم مثل هذا االستدالل لتوضح إن كان يجوز لنا أن نتوقع في أن يكون مثل
ً.هذا االستدالل واقعيا
ويقف هيغل ( )1831-1770على رأس من يمثل هذا ا التجاه الذي نرغب في امتحانه وتمحيصه في العصور الحديثة .وفلسفة
هيغل
151
كثيرة التعقيد» وتع َّددٌ الشارحون حول ما يمكن أن يكون تفسيرها الصحيح .وتقوم الفكرة األساسية فيها طبقا ً للتفسير الذي نراه
وهو الذي سار عليه الكثير من الشارحين» إن لم يكن معظمهم؛ +أنه يبين نمطا مهما وممتعا ً من الفلسفة هي أن كل ما هو دون
الكل فهو ناقص وغير قابل للوجود من دون التكملة التي مدها به ما في العالم من أشياء أخرى غيره .فكما يهتدي العالم الذي
يشتغل بالتشريح المقارن من النظر في عظم واحد إلى الحيوان بجملته الذي ال بد أن يكون ذلك العظم جزءا منه؛ كذلك يصل
الفيلسوف الميتافيزيقي تبعا ً لهيغل من جزء الحقيقة إلى ما يجب أن تكون عليه الحقيقة كلهاء على األقل في حدودها البارزة العامة.
ذلك أن كل جزء من الحقيقة -منفصل في الظاهر إلى نتوءات تشتبك بالجزء اآلخر فيحدث الترابط معا .ولهذا الجزء اآلخر
ن توءات تربطه بجزء ثالث وهكذاء حتى يتم إعادة تأليف الكون بجملته» ويبدو هذا النقص والقصور األساسي كما يذهب هيغل؛
في عالم الفكر وفي عالم الواقع على السواء .ففي عالم الفكر إذا أخذنا أية فكرة مجردة أو ناقصة وجدنا إذا أغفلنا تقضها لدى
االتحان والتمحيص أننا نقع في كثير من التناقض الذي يحيل الفكرة إلى ضدها أو إلى ما يقابلهاء وال بد لنا لكي نخلص من هذا
التناقض أن نجد فكرة أخرى أقل نقصا ً من األولى تقف من األولى موقف المكملة والمقابلة لها .وهذه الفكرة الجديدة هى أقل
رجحانا ً من الفكرة التي بدأنا بهاء +إال أنها مع هذا أقل كماالً» وال بد لها من االنتقال إلى ما يقابلها لتتحد معها جاعلة تركيبا ً جديداً
وبهذه الطريقة يتابع هيغل حتى يصل إلى الفكرة المطلقة» وهي كما يرى ال تنطوي
152
على نقص أو قصور وال يوجد لها مضاد أو نقيض حاجة إلى زيادة النماء والتطور .ويذلك تكون الفكرة المطلقة هي التي تفي
بوصف الحقيقة المطلقة ولكن ما دونها من الحقائق إنما تصف الحقيقة كما تبدو لصاحب النظر المحدد الناقص فقط» ال لمن
يستعرض الكل في آن واحد» وفي ذلك يجعل هيغل الحقيقة المطلقة تؤلف منظومة منسجمة واحدة ليست في الزمان وال في المكان
وليس لها أي نصيب من الشرء بل هي عاقلة تماما ً روحية بتماثلها وأي شكل لهذه الحقيقة المطلقة تبدو فيه على العكس من ذلك
ألنه يمكن إثبات ذلك منطقيا ً -كما يعتقد هيغل -بإرجاعه بأكمله إلى نظرنا الجزئي الناقص الحدود للكون .ولو تطلعنا إلى الكون
بكامله كما يتطلع إليه هللا الختفى الزم ان والمكان والمادة والشر والسعي والكفاح؛ ولرأينا بدل ذلك وحدة روحية كاملة أزلية غير
.مستقرة
وفي هذا التطلع شيء من اإلجالل نود لو تسلم به ونرضاء؛ ومع هذاء فإنه إذا تم غربلة الشواهد التي تسنده؛ لتبين أنها تحوي
الكثير من االضطراب وأنها تتضمن تخمينات ليس لها ما يسندهاء والفكرة األساسية التي يقوم عليها نظام هيغل الفلسفي إنما هي؛
أن كل ما هو ناقص ال يعتمد في وجوده على ذاته بل يحتاج إلى برهان من األشياء األخرى قبل أن يتهيا ً له الوجود .وهو يرى أن
كل ما له صالت بأشياء خارجة عنه ال بد أن يحتوي فى طبيعته على صلة بهذه األشياء الخارجية» وإذن فال يمكن أن يكون كما
هو لو لم تكن هذه األشياء الخارجية موجودة .إن طبيعة اإلنسان هي مجموع ذكرياته ومعارفه وخواطره وما ينطوي عليه من
الحب والكراهيةء ولهذا ال يمكن أن يكون كما هو لوال هذه األشياء
153
.التي يعرفها أو يحبها أو يبغضها .فهو في أساسه دون أي ريب جزء ناقص :إذا عددتاه جماع الحقيقة فهو جزء من تناقض بذاته
بيد أن هذه النظرة الشاملة تدور حول فكرة «طبيعة» الشىء التي يبدو أنها تعني «جميع الحقائق المتصلة به» .وبالطبع ال تكون
الحقيقة التي تربط بين شيء وآخر موجودة لو لم يكن الشيء اآلخر موجوداً .على أن الحقيقة عن شيء ليست جزءاً من ذلك الشىء
نفسه ولو أنها طبقا ً للفظ «طبيعة» األنف الذكر هى جزءاً من طبيعة ذلك الشيء .فإذا عنينا «بطبيعة» الشيء جميع الحقائق
المتعلقة به قجلى أننا ال يمكن أن نعرف هذه «الطبيعة؛ ما لم تعرف جميع عالقات ذلك الشيء باألشياء األخرى في الكون .أما إذا
استعملنا كلمة «طبيعة» وفي كل الظروف من دون أن تعرف تماماً؛ فإن استعمال كلمة «طبيعة» بهذا المعنى» يؤدي إلى الزعزعة
ب بين المعرفة باألشياء والمعرفة بالحقائق تى ألننا قد نعرف شيئا ً عن طريق المعرفة العيانية حتى ولو لم نعرف إال أحكاما ً قليلة
عنه -بل أننا ال تحتاج من الناحية النظرية إلى أن نعرف أي حكم من هذه األحكام .وهذه الصيغة ال تتضمن المعرفة العيانية
بشيء» المعرفة «بطبيعته» بالمعنى السابق .وعلى الرغم من أن المعرفة العيانية بشيء تعني أن تكون داخلة في معرفة أي حكم
عنه»ء فالمعرفة «بطبيعته» بالمعنى السابق ليست داخلة فى معرفة هذا الحكم ومن ثم ( )1تكون المعرفة العيانية بشيء ال تشمل
منطقيا ً المعرفة بعالقاته ) 2( .كما أن المعرفة ببعض عالقاته ال تشمل المعرفة بجميع عالقاته وال المعرفة «بطبيعته» بالمعنى
السابق» ربما أكون على معرفة عيانية بألم في أسناني» وقد تبلغ
154
هذه المعرفة العيانية من التمام أقصى ما تصل إليه أية معرفة عيانية من دون أن أعرف كل ما يستطيع طبيب األستان (وهو ليس
على معرفة عيانية باأللم) أن يخبرني به عن سبب الداءء ولذلك ال أكون على معرفة «بطبيعته» بالمعنى السابق .وبهذا المعنى»
فإن وجود عالقات للشىء ال يبت أن هذه العالقات ضرورية منطقياً؛ أي أننا ال يمكن أن نستنتج من كون الشيء هو ذاته أنه ال بد
.أن تكون له مختلف العالقات التي له في الواقع وإنما يتبين هذا منطقيا ً في الظاهر فقط» ألننا على معرفة مسبقة به
يتبين من هذا أننا ال يمك ن أن نحكم بأن الكون بجملته يؤلف منظومة منسجمة واحدة؛ كما يذهب هيغل .وإذا لم نتمكن من أن تبرهن
على هذا فإننا ال نتمكن من أن نبرهن على عدم وجود حقيقة للزمان والمكان والمادة والشرء ألن هيغل إنما استخلص هذا لما
للزمان والمكان والمادة والشر من صفة الجزئية وكما في ذلك من عالقات باألشياء األخرى .وهكذا ال نرى بين أيدينا إال البحث
الجزئي للعالم ونحن لسنا بقادرين على معرفة صفات تلك األجزاء من الكون البعيدة عن نطاق تجارناء وهذه المحصلة المخييبة
لآلمال التي تتعلسق بالنظم الفلسفية» تبدو متسجمة مع روح العصر العلمية االستقرائية؛ وهي قائمة على االستدالل الكامل للمعرفة
اإلنسانية» ذلك االستدالل الذي كان محور أفكارنا في الفصول السابقة .وقد كانت بداية البحوث الطموحة لفالسقة ما وراء الطبيعة
.تبدأ بمحاولة البرهنة على أن الظواهر الخارجية في العالم الواقعي تنطوي بذاتها على تناقض بحيث ال يمكن أن تكون حقيقية
155
بيد أن وجهة التفكير الحديث بجملتها انصرفت إلى بيان أن التناقض المزعوم وهمي» وأن قليالً من األمور يمكن البرهنة عليه
بصورة قبلية وذلك بتأمل ما يجب أن تكون عليه األشياء .وخير ما يمثل هذاء الزمان والمكان .فالزمان والمكان يبدوان ال متناهيين
فى االمتداد» قابلين للتجزثة بال نهاية .فإذا سافرنا على خط مستقيم في أي اتجاه لبدا لنا أنه من الصعوبة بمكان أن نصل في النهاية
إلى نقطة أخيرةء ليس وراءها شىء؛ حتى وال المكان الخاوي .وكذلك لو استطعنا السفر في خيالنا جيشة وذهابا ً فى الزمان من
.الصعب أن نعتقد أننا ستصل للمرة األولى أو األخيرة .فالزمان والمكان كما يبدوان ال متناهيان في االمتداد
عالوة على هذا وذاك إذا أخذنا أي نقطتين على خط فمن الواضح أنه ال بد أن توجد نقاط أخرى بيتهماء ومهما تناهمت المسافة
بينهماء فكل مسافة يمكن أن تقسم إلى قسمين والقسمان يمكن أن ينقسما أيضا ً وهكذا بصورة غير متناهية .والحال كذلك في
الزمانت» بحيث أنه مهما كانت الفترة بين لحظتين قصيرة» فال بد أن تكون هناك لحظات أخرى بينهما .وإذن فالمكان والزمان
يبدوان قابلين للتجزتة بال نهاية ولكن الفالسفة فى معارضة هذه الوقائع الظاهرة -وهي االمتداد وقابلية التجزئة الالنهائيان -
أوردوا من البراهين ما يرجح بيان أنه ال يمكن أن توجد مجموعة غير متناهية من األشياء» ولهذا فإن النقاط فى المكان واللحظات
في الزمان ال بد أن تكون متناهية .وبهذا الشكل ينشأ تناقض بين طبيعة المكان والزمان الظاهرة وبين ما يظن من استحالة وجود
.مجموعات ال متناهية
156
وذهب كنط في استنتاجه؛ وهو أول من أكد هذا التناقضء إلى استحالة وجود المكان والزمان وقرر أنهما ذاتيان فقط» وقد أخذ
كثير من الفالسفة بعده بهذا الرأي معتقدين أن الزمان والمكان ليسا خاصيتين ذاتيتين للعالم كما هو في الحقيقة» بل هما مجرد
مظهر له» ولكن اتضح اآلن بفضل جهود الرياضيين وعلى رأسهم جورج كانتورء أن القول باستحالة وجود مجموعة ال متناهية
قول ال يجانب الواقع .فالمجموعات الالمتناهية ال تنطوي بذاتها على تناقض» ولكن تناقضها إنما هو بعض سوابق األحكام التي
برر اعتبار الزمان والمكان غير حقيقيين لم يعد صالحا ًيصر عليها أصحابها إصراراً قائما ً على الهوى العقلي .ومن أجل هذا فإن ُم َ
.وبذلك نضب منبع من المنابع الكبيرة التي تستمد منها المنظومات الميتافيزيقية مقوماتها
ومع ذلك؛ فالرياضيون لم يكتفوا بتبيين أن المكان كما يظن بشكل عام هو ممكن» فقد بينوا أيضا ً بأن كثيراً من أشكال المكان هي
أيضا ً ممكنة كما يبين لنا المنطقء وبعض بدهيات إقليدس التي تبدو ضرورية للفطرة السليمة والتي كان يظن فيما سبق أنها
ضرورية من قبل الفالسفة» قد عرف اآلنأنهار تشتق ظاهرها بالضرورة بمجرد ألفتنا للمكان الحقيقي» وليس على أي أساس
منطقي قبلي .وقد تصور الرياضيون عوالم تكون فيها هذه البدهيات خاطئة واستخدموا المنطق لينقضوا سوابق األحكام التي تتعلق
بها الفطرة السليمة وتصر عليها» وليكشفوا عن إمكان وجود أمكنة تختلف قليالً أو كثيراً عن المكان الذي نعيش فيه .وال يختلف
بعض هذه األمكنة عن المكان كما يتصوره إقليبدس
157
وهو يدور حول المسافات الممكن قياسهاء إال قليالً حتى أن من المستحيل أن تكشف بالمالحظة» عما إذا كان المكان الحقيقي الذي
نحن فيه يجري وفق تصور إقليدس تماماًء وأنه واحد من هذه األمكنة األخرى» وبهذا الوضع انعكست الصورة تماماً .فقد كان
» ثم كشف المنطق عن استحالة وجود هذا النوع من المكان ٠ .يبدو قبالً أن التجربة لم تدع إال نوعا ً واحداً من المكان للمنطق؛
أما اآلن فالمنطتق يبين أنواعا ً كثيرة للمكان ويعتبرها ممكنة الوجود مستقلة عن التجربة؛ وأن التجربة إنما تفصل بينها إلى حد ما
فقط .ولهذا بينما أصبحت معرفتنا بما هو موجود أقل مما كان يظن سابقاً»؛ فإن معرفتنا بما يمكن أن يكون قد زادت كثيراً» وبدالً
من أن نبقى محصورين ضمن حدود ضيقة يمكن أن يكتشف كل زواياها وأركانهاء نجد أنفنا في عالم رحب طليق ملىء بالممكنات»
.ال نعرف الكثير عنه ألن ما يمكن أن يعرف متناهي االتساع
إن ما جرى في حالة المكان والزمان جرى إلى حد ما في نواح أخرى .ذلك أنه فشلت المحاولة لتحديد الكون وحصره اعتماداً
ئ قبلية .وبدالً من أن يكون المنطق حاجزاً يقف في وجه ضروب اإلمكان ويحد منهاء كما كان سابقاً؛ أصبح المحرض على مباد ّ
على انطالق الخيال وتحرره حيث يبين عددا ال يحصى من الوجوه المحتملة الوجود» المحجوبة عن الفطرة السليمة التى تنأى
عن التأمل» تاركة للتجربة مهمة البت حينما يكون ذلك ممكناً»؛ في أمر هذه لسوال الكثيرة التي يعرض المنطق بين يديها» وبهذا
الشكل تصبح المعرفة بما هو موجود محدودة بما
158
نتمكن من أن نتعلمه من التجربة وليس بما نتمكن أن نجربه في الواقع؛ ألنه كما مر معنا توجد معرفة عن طريق الوصف واسعة
تتعلق بأشياء ليست لنا تجربة عيانية بهاء على أننا نحتاج في جميع حاالت المعرفة بالوصف إلى شيء من االرتباط والعالقة بين
الكليات تساعدنا على االستدالل بما يكون بين أيدينا من معلومات عن وجود شيء من نوع معين تتضمنه تلك المعلومات .ففى ما
يتعلق باألشياء المادية مثالء يكون المبداً الذي ينص على أن الحقائق الحسية إنما هى رموز ودالئل على األشياء المادية هو نقسه
عالق ة بين الكليات» ولكن تمكننا التجربة بفضل هذا المبدأ فقط من أن نتكسب معرفة حول األشياء المادية .ومثل هذا يصدق على
.قانون السببية» أوء إذا تدرجنا إلى ما هو أقل شموالًء على مبادئ مثل قانون الجاذبية
إن األسس العامة مثل قانون الجاذبية يرهن عليها أو يكشغف عن كبر رجحانها بالجمع بين التجربة وبين مبدأ قيلي خالص كمبداً
االستقراء .وهكذا فإن المعرفة الحدسية وهي مصدر جميع معرفتنا بالحقائق ذات نوعين :معرفة تجريبية خالصة تنبئنا بوجود
الخصوصيات التي نكون على معرفة عيانية بها وببعض خصائصهاء ومعرفة قبلية خالصة وهي التي تقودنا إلى العالقات
والصالت بين الكليات وتمكننا من أن نستنتج استنتاجات من الوقائع الخصوصية الواردة في المعرفة التجريبية» وتحتمد المعرفة
ً.المكتسبة دوما على شىء من المعرفة القبلية الخالصة» كما تعتمد عادة على شيء من المعرفة التجريبية الخالصة أيضا
159
إذا كان لنا أن تقول إن ما ذكرناه صحيحاً» فإن المعرفة الفلسفية ال تختلف في جوهرها عن المعرفة العلمية؛ ذلك أنه ليس هناك
من ينبوع للحكمة تنهل منه القلسفة وال ينهل منه العلم .والتائج التي تهتدي ٍ إليها الفلسفة ال تختلف في األساس عن تلك التي يحصل
عليّها العلم؛ ولكن السم ة األساسية للفلسفة التي تجعل منها دراسة متميزة عن العلم إنما هي التقدء فهي تعرض المبادئ التي
يستخدمها العلم وتبدو في الحياة اليومية على النقد الفاحص» وتبحث عما قد يكون فيها من تناقض» وال نقبلها بعد التمحيص الدقيق
إال بعد أن يتفي كل سبب لرفضهاء وإذا كانت هذ ه المبادئ التي يقوم عليها العلم قادرة» بعد أن تنتزع منها التفاصيل الزائدة غير
المناسية» على أن تمدنا بالمعرفة حول الكون بجملته كما يعتقد كثير من الفالسفة فإن هذه المعرفة جديرة بإيمانتا جدارة المعرفة
العلمية بها .لكن بحثنا السابق لم يبين مثل هذه المعرفة؛ وعلى هذا فاللتيجة منه فيما يتعلق بالمذاهب الخاصة للمقدامين من فالسقة
ما وراء الطبيعة نتيجة سالبة .أما فيما يخص ما يسلم به في العموم من المعرفة؛ فقد كانت نتيجة بحثنا إجماالً إيجابية؛ ومن النادر
أن نجد سببا ً لرقض هذه المعرفة ودحضها على أساس ماتوصال إليه من الن قدء ولم نر أي سبب الفتراض أن اإلنسان غير قادر
.على هذا النوع من المعرفة الذي يستطيع القدرة عليها في العادة
لكن من الضروري حين نتناول الفلسفة باعتبارها نقداً للمعرفة أن نضع بعض الحدود لهذا الوصف الذي تصفها به .فنحن إذا
اتخلنا موقف الشك الكامل» واضعين أنفسنا خارج نطاق المعرفة تماماًء
160
محاولين من هذا الموقف الخارجى أن نعود إلى حدود المعرفة وندخل ضمن دائرتهاء فإننا نكون بذلك كمن يطلب المستحيل .ذلك
أنه ال يمكن أن يدحض هذا الشك أو يرد ألن كل دحض له ال بد أن يبدأ بجزء من المعرفة يشترك في التسليم به جميع المتخاصمين»
وليس من برهان يمكن أن يبدأ من الشك الخالص .ولهذا فإن النقد الذي تصطعه الفلسفة يجب أال يكون من هذا النوع المخرب إذا
كان لنا أن نأمل الوصول إلى أية نتيجة منه .ففي مجابهة الشك المطلقء ال يمكن أن يقوم أي دليل منطقي بل من اليسير أن يتبين
المرء أن هذا الشك شك غير معقول .و«الشك المنهجي» الذي أوجده ديكارت وبدأت مته الفلسفة الحديثة ليس من هذا النوع» بل
هو النقد الذي أكدنا أنه عنوان الفلسفة وجوهرها .إن شكه المنهجي يتألف من الشك في كل ما يبدو موضعا ً للشك والسؤال» أي
من الوقوف لدى كل جزء من المعرفة ليسأل نفسه فيما إذا كان يشعر لدى التأمل فيه باليقين من أنه يعرفه سابقاً؛ وهذا هو النقد
الذي تتألف منه الفلسفة» فبعض المعرفة كمعرفة وجود الحقائق الحسية يبدو غير قابل للشك فيها مهما تأملنا بهدوء وبصورة
كاملة» والنقد الفلسفى ال يتطلب منا فى ما يتصل بمثل هذه المعرفة أن نكف عن االعتقاد بهاء ولكن هناك افتراضات كاالفتراض
الذي يذهب إلى أن األشياء المادية تشابه الحقائق الحسية تماما ً تقول بها حتى نبدأً بتأملهاء فإذا أخضعناها للتمحيص الدقيق تبددت
وذهيت هباء .ومثل هذه االفتراضات التي ال يورد عليها أي اعتراض» مهما مضينا في تمحيصها تمحيصا ً دقيقا ً أمر غير معقول»
.وليس هذا هدف الفلسقة بالتأكيد
161
إن النقد الذي تبغيه الفلسفة؛ بمختصر القول؛ ليس هو ما يصر على الرفض واإلنكار دون ما سبب واضح؛ بل هو الذي يتناول
بالبحث كل جزء من المعرفة حسب قدرته وأهميته؛ ويحتفظ بكل ما يصمد لهذا البحث ويخلص من االمتحان باعتياره معرفة
صحيحة .أ ًما التعرض للهفوات فأمر ال تنكره ألن اإلنسان غير معصوم من الخطأ .وقد تنسب الفلسفة لنفسها أنها تنقص من خطر
الزلل حتى لتجعل خشية الوقوع فيه في بعض الحاالت ضئيلة بحيث يمكن إغفالها عمليا .وليس بمستطاع الفلسفة أن تفعل أكثر
.من هذا فى دنيا ال بد أن يحصل فيها الخطاء وال يوجد داعية من دعاة الفلسفة يقول بأنها تستطيع القيام بأكثر من هذا
162
قيمة الفلسفة
في نهاية استعراضنا الموجز لمشكالت الفلسقة بما يتضمن من نقصء يجدر بنا في النهاية التمعن في قيمة الفلسفة والمبررات
التي تدعو إلى دراستهاء وأهمية ذلك أن الكثير من الناس يجنحون إلى الشك في الفلسفة بتأثير من العلم أو الشؤون العلمية .ولسان
حالهم يقول إنها ال تعدو أن تكون أكثر من تناول أمور ليست ذات قيمة وتحديدات محيرة مربكة تدور حول مسائل من الصعب
الوصول إلى معرفتها؟
وينجم هذا الرأي في الفلسفة إما بسبب تصور خاطئ عن أهداف الحياة وإما عن تصور خاطئ عن أنواع الخير التي تسعى الفلسفة
إلنجازه» والعلم الطبيعي في ذلك محصلة جيدة للالس الذين يجهلونه بواسطة المخترعات التي أوجدهاء ولهذا قدراسة العلم
الطبيعي ال يحض عليها لمجرد تأثيرها على دارسيها فقط؛ بل لما تتركه من أثر في الحياة اإلنسانية عامة؛ والفلسقة في ذلك يكون
محصور في دارسيهاء ومن هنا نلتمس قيمة الفلسفة بادئ ذي بدء
ٌ أثرها في دائرة طالبها وهو أثر غير مباشر فقط» ألن أثرها
.في هذا المجال
وفوق هذا إذا أردنا أن نتجنب الفشل في سعينا لتحديد قيمة الفلسفة يجب أوالً أن نحرر عقولنا من الهوى السابق لمن يدعون خطأ
أناس «عملين» .فاإلنسان «العملي» تبعا ً لالستعمال العام
163
لهذا اللفظ هو الذي ال يعترف إال بالحاجات الماديةء فيرى أن الناس يجب أن ينالوا غذاء الجسد وينسوا أن عقولهم تحتاج إلى غذاء
لها أيضاً .ولو كان جميع الناس على حال من اليسر والرخاء» وتم القضاء على الفقر والمرض إلى أقصى ما يمكن» لبقي الكثير
مما ال بد من القيام به إليجاد مجتمع فاضل» بل إن حاجات العقل حتى في العالم الحاضر ال تقل في أهميتها على األقل عن حاجات
الجسدء وإنما تكون قيمة الفلسفة فى صلت ها بحاجات العقل فقط» والذين يؤمنون بدراسة الفلسفة ويعطونها أبعادها وهي ليست لهم
.مضيعة للوقت؛ أولتك هم الذين يقدرونها ويشعرون بحاجة العقل لها
إن الفلسقة تهدف ككل الدراسات األخرى بادئ ذي بدء إلى المعرقة» والمعرفة التي تهدف إليها هي ذلك النوع من المعرفة الذي
يكسب مجموعة العلوم وحدة ونسقاء ذلك النوع الذي يأتي من التمحيص الدقيق والنقد المتين للقواعد التي تقو آراؤنا وأحكامنا
ومعتقداتنا .غير أنه ال يمكن أن يقال إن الفلسفة قد نجحت نجاحا ً كبيراً في محاولتها اإلجابة عن مث ٍل هذه القضايا إجابة دقيقة
محددة .ولو سألت رياضيا ً أو عالما ً في التعدين أو مؤرخا ً أو أي رجل آخر مختص بعلوم أخرى عما وصل إليه ذلك النوع من
العلوم الذي خصه برعايته من الحقائق المنظمة المحددة المتد جوابه ما وسعك أن تصغى إليه .أما إذا عرضت هذا السؤال نفسه
على فيلسوف ألقر إذا كان صريحا ً بأن دراسته لم تنته بنتائج إيجابية مثل تلك التي انتهت إليها العلوم األخرى .ويمكن تفسير ذلك
أنه إذا ما 7تم الوصول إلى معرفة محددة في
164
موضوع معين؛ لم يعد هذا الموضوع قسما ً من الفلسفة بل يصبح علما ً منفصالً عنها .لقد كانت دراسة األجرام السماوية قسما ً من
الفلسفة ولكنها أصبح ت فيما بعد علم الفلك حتى أن نيوتن سمى مؤلفه العظيم «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» .وقد كان الحال
كذلك في دراسة العقل اإلنساني حيث كانت حتى وقت قريب جزءا من الفلسفة بيد أنها انفصلت عنها وأصبحت علم النفس .ومن
هذا يتبين أن ما في الفلسفة من عدم اليقين إنما هو أمر ظاهر أكثر من كونه حقيقيا ً فتلك القضايا التي تم الوصول فيها إلى أجوبة
.محددة؛ قد ألحقت بالعلم» أما تلك التي لم يهتد في الوقت الحاضر إلى أجوبة محددة عنها فقد بقيت ما ندعوه بالفلسفة
لكن هذا يعتبر بعض الحق فيما يخص عدم اليقين في الفلسفة فقط .نعم توجد أسثلة كثيرة ومن بينها ما هو ذو متعة كبيرة لحياتنا
الروحية -ال بد أن تبقى بقدر ما يتهيا ً ال أنها غير قابلة للحل بالنسبة للعقل اإلنساني ما لم تستطع قواها تغيير نوع مختلف تماما ً
مما هي عليه اآلن . .ومن هذه األسئلةء اللكون أية وحدة في الخطة والقصد » أم أنه مجرد اختالط ذرات بعضها مع بعض
اختالطا ً اعتباطياً؟ هل الفكر جزء دائم ثابت في الكونء يفتح باب األمل في الوصول إلى نمو غير محدد في الحكمة والعقل أم هو
حادثة عارضة في كوكب صغير ال بد أن تكون الحياة عليه في النهاية أمراً مستحيالً؟ وهل للخير والشر أهمية للكون بأجمعه آم
لإلنسان فقط؟ هذه أسئلة تثيرها الفلسقة» وقد اختلفت اإلجابات عنها باختالف الفالسفة» لكن هذه اإلجابات الفلسفية تبدو في كل
األحوال غير صحيحة بالطبع .ومع هذاء
165
فمهما اضمحل األمل في الكشف عن جواب لهذه األسثلة؛ فإن من شأن الفلسفة أن تمعن النظر إليها بال انقطاع» وأن تبعث فينا
الشعور بأهميتها وأن تمبحص جميع ما يحيط بها من أفكار أو يؤدي إلى جواب عنها وأن تبقى فينا حماسة الشوق إلى تأمل الكون
.وتديره» ذلك الشوق المعرض للخطر إذا حصرنا أنفسنا في نطاق المعرفة التي تم تبينها
لقد آمن الكثير من الفالسقة بأنهم يستطيعون تقدير الحقيقة ببعض األجوبة لهذه األسئلة األساسية؛ وذهبوا في زعمهم أن ما هو
على جانب كبير من األهمية والخطورة من بين المعتقدات الدينية يمكن التدليل على صدقه بالبرهان الدقيق المضبوط .ولكنا حتى
نستطيع أن نحكم على مثل تلك المحاوالت في التدليل ال بد لنا من أن نستعرض استعراضنا شامال للمعرفة اإلنسانية بجملتها وأن
نكون رأيا ً حول مناهجها في البحث وحدودها التى تقف عندها .وأنه من الضالل التحدث فى مثل هذا الموضوع بلهجة اليقين
والتأكيد » ولكن إذا كانت البحوث التي سرنا عليها في الفصول السابقة لم تذهب بنا إلى مهاوي الخطاء فإننا ملزمين بأمل العثور
على براهين فلسفية للمعتقدات الدينية .وعلى هذا ال يمكن أن تدخل في نطاق الفلسفة ونحسبه من قيمتها أية مجموعة محدودة من
األجوبة عن تلك المسائل .ولهذا وذاك تكون قيمة القلسفة في اعتمادها على أية مجموعة محرفة من المعارف المحددة الممكن
.التحقق عنها والتي يخيل لدارس الفلسقة أن ينالها ويصل إليها
166
إن قيمة الفلسفة؛ هي في الحقيقة؛ بما تكون عليه من عدم يقين بالذات» واإلنسان الذي لم ينهل من الفلسفة تكون حياته أسيرة أحكام
سابقة استمدها من الفطرة السليمة المشاعة ومما أخذ به أهل عصره ه وقومه؛ ومما نش في ذهنه من آراء لم يص ٍل إليها بفضل
عقل نير أو نقد متميز . .وبذلك يبدو له العالم عدداً محصوراً واضحا ً جال وال تثير تثير فيه األشياء العادية أي سؤال» وكل ما
ليس مألوفا ً عارقا ً به فهو ال يأبه به .أما حين يبدا المرء يتفلسف فيكون على النقيض من ذلك .ألنه يجد كما وجدنا فى الفصول
األولى أنه حتى األشياء العادية المألوفة فى الحياة اليومية تثير من المشكالت التي ال يمكن اإلجابة عنها إجابة تامة قط؛ فإذا كانت
الفلسفة عاجزة عن أن تهدينا على وجه اليقين إلى الجواب الصحيح عم تثيره من شكوك» فهي قادرة على أن توحي بكثير من
الصور التي توسع عقولنا وتحررها من عقال العرف والتقاليد» فإذا أنقصت شعورنا باليقين من األشياء كما هي » زادت في
معرفتنا باألشياء كما قد تتكون» بل هي تقضي على الثقة واالطمثنان المشوبين بالزهو والخيالء ألولئك الذين لم يسلكوا دروب
.الشك المؤدي إلى ال تحرر واالنعتاق» وتزيد الرغبة في االطالع بما تبينه من أشياء قريبة منا في صور لم نعتادها
وبعيداً عما تكشفه لنا الفلسفة من صور لم نكن لتتصورهاء؛ تبقى لها قيمة -بل هي قيمتها الرئيسة التي يبدو من التأمل في
موضوعاتها من عظمة وخطورة» وما تؤدي إليه من حرية وان عتاق من المطالب الشخصية الضيقة المحدودة عن طريق ذلك
التأمل .إن حياة اإلنسان الذي تتحكم فيه الغريزة حياة محصورة في دائرة
167
ضيقة من الحاجات الخاصة» وهي داثرة قد تشمل األسرة واألصدقاء ولكنها ال تتعدى ذلك إلى العالم الخارجي الذي ال يؤبه به
إال بمقدار ما يع ني على تحقيق الرغبات الغريزية أو يعمل على صدهاء ففي هذه الحياة شيء من القلق والضيق يقابلهما في الحياة
الفلسفية الهدوء واالنطالق .والعالم الذي كب _وامع اليد أن يني على ذلك العالم اللصغير إن صاجا ً از آجالً فيحطمه ويقضي
عليه .وما لم تتمكن من توسيع دائرة حاجاتنا ومطالبنا حتى تمتد فتشمل العالم الخارجي بجملته؛ 7كالكتيبة التي تحاصر في قلعة
تلوذ بهاء وهي تعلم علم اليقين أن ْن العدو يحول بينها وبين الهرب وأن ال مقر من التسليم في النهاية .وليس في مثل هذه الحياة
سالم» بل هو النزاع الذي ال ينتقطع بين إلحاح الرغبة وعجر اإلرادة؛ وال بد لنا إن كنا نبغي الحياة الحرة الكريمة أن نفر من ذاك
.األسر وذلك التطاحن
هناك طريق واحد للهرب من التأمل الفلسفي؛ فهذا التأمل الفلسفي» في بحثه الواسع الشامل ال يقسم الكون إلى معسكرين متنازعين
-أصدقاء وخصوم» أنصار وأعدل :وأخيار وأشرار -بل أنه لينظر إليه نظرة التجرد عن الغرض والهوى .وليس غاية هذا التأمل
الفلسفي حين يكون خالصا إثبات شبه بين اإلنسان وغيره ومن األشياء في الكون» إن كل اكتساب للمعرفة هو توسيع للذات ومد
لحدودهاء ولكنه توسيع خير ما يكون حينما ال يقصد مباشرة وال يتم الوصول إليه إال حين تكون الرغبة في المعرفة هي وحدها
المؤثرة الفاعلة ععن طريسق الدوامسة الستى
168
ال تصبو مقدما ً إلى أن يكون لما تتناوله من موضوعات هذه الصفات أو تلك» بل تحمل الذات على أن تتكيف وفقا ً لما نجده في
تلك الموضوعات من صفات» وال يمكن بلوغ هذا التوسع للذات بأن يحاول المرء أن يبني» وهو ينظر إلى الذات كما هي؛ إن
العالم شبيه بهذه الذات بحيث أن معرفتها ممكنة من دون أن تتناول ما هو غريب عنها مخالف لها .والرغبة في البرهنة على هذا
القول نوع من تأكيد الذات وهي ككل نوع من تأكيد الذات يمكن أن يكون عقبة في سبيل نمو الذات» ذلك النمو الذي نطمح إليه؛
والذي تدرك الذات أنها قادرة عليه .إذن تأكيد الذات سواء في التأمل الفلسفي أو في غيره يكون في التطلع إلى العالم من حيث هو
وسيلة إلى غاياته؛ وهو بهذا يجعل العالم ذا أهمية أدنى من أهمية الذات» فكأنما الذات تضع حدوداً دون نمو أغراضها وحاجاتها.
واألمر في التأمل الفلسفي على العكس من ذلك ألننا نبدأ فيه بما ليس ذاتاً؛ وعن طريق ما فيه من العظمة والكبر تتسع حدود الذات
.وتمتدء فعن طريق ما في الكون من ال نهاية يبلغ الفكر الذي يتأمله بعض تلك الالنهاية
ومن أجل ذلك فإن رفعة النفس وسموها ال تأتياند عن طريق تلك الفلسفات التي تدمج الكون في اإلنسان وتلحقه به .ذلك أن المعرفة
نوع من االتحاد .وهناك نزعة فلسفية آخذة في االنتشار تميل إلى األخذ بالرأي القائل بأن اإلنسان هو الميزان الذي تقاس به األشياء
وأن الحقيقة من صنع اإلنسان» وأن الزمان والمكان والكليات كلها من خصائص العقل» وأنه إذا كان هناك شيء ليس من خلق
العقل فهو غير قابل للمعرفة وليس بذي قيمة لنا .وهذه
1069
النظرة غير صحيحة إذا اعتبرنا بحوثا السالفة صائبة ألنها عدا عن كونها غير صحيحة تفرغ التأمل الفلسفي من قِيَمهِ» ألنه يفيد
ذلك التأمل فى حدود الذات .وما يدعى معرفة تبعا ً لذلك الرأي ليس اتحاداً بين الذات وغيرهاء بل مجموعة من سوابق األحكام
والعادات والرغبات تكون كالمحاجز الذي يفصل بيننا وبين العالم الكبير الواسع .واإلنسان الذي يجد متعة في مثل هذه النظرية
.للمعرفة يكون كمن يأبى أن يبرح دائرة أسرته ومحيطه خشية أال تكون كلمته حيتئذ نافذة كنفاذ القانون
وعلى العكس من ذلك يكون التأمل الفلسفي الصحيح؛ متعة في ازدياد ماليس بالذاتء ويزيد موضوعات الذات المتأملة ويرتفع
بهاء فكل ما هو في التأمل شخصي وخاص» وكل ما يعتمد على العادة والحاجة الذاتية يحرف الموضوع وبيشوهه؛ وبذلك يسيء
إلى االتحاد الذي يسعى إليه الفكر .إن األمور الشخصية الخاصة هذه بما تصفه من حاجز بين الموضيع والذات تحبس الفكر
وتقيده .والفكر الحر الطليق يرى األشياء كما قد تراها اآللهة من دون أن يتقيد بهذا أو ذاك أو باآلمال والمخاوف» ومن دوت أن
تفسد تأمله العاطقة ورغيته فى ذلك المعرفة المعرفة الخالصة البعيدة عن األهواء الشخصية بمقدار ما يتهيا ذلك إلنسان .ومن ثم
فهذا الفكر الحر الطليق يقدر المعرفة المجردة الشاملة التي تقتحم حماها حوادث الحياة الخاصة أكثر مما يقدر المعرفة اآلتية عن
طريق الحواس» تلك المعرفة التي ال بد لها أن تعتمد على النظرة الشخصية المحضة المحصورة وعلى جسم تشوه أعضاء الحس
.فيه المعرفة التي تبسطها على ضوء ما بينها وتكشفها
170
إن العقل الذي اعتاد على الحرية والتجرد عن الهوى مما هو ضروري في التأمل الفلسفي يستبقي شيئا ً من هذه الحرية والتجرد
عن اله وى في مجال العمل والوجدان .فال ينظر إلى أغراضه ورغباته إال باعتبار ها أجز اء من الكل الشامل ومن دون ذلك
اإلصرار واإللحاح الذي يأتي من النظر إليها باعتبارها أجزاء ال متناهية في الصغر في عالم ال يكون ألفعال المرء أي أشر على
األشياء األخرى .وهذه الصوفية التي تظهر في التأمل بشكل الرغبة الخالصة في الحقيقة؛ تظهر في العمل في صورة العدل وفي
الوجدان في صورة المحبة التي يمكن أن تضفي على الجميع وال تقتصر على أولئك الذين يراد منهم النفع أو يدور حولهم اإلعجاب.
لهذا ال يوسع التأمل موضع التفكير فقط بل موضوعات العمل والوجدان أيضاء ويجعل منا مواطنين للكون أجمع ال لمدينة ضيقة
واحدة؛ تكون في حرب من األخريات .وفي هذه الوطنية العالمية تقوم حرية الفرد الحقة وتخلصه من العبودية لآلمال والمخاوف
.المحدودة
لهذا نوجز بحثنا فى قيمة الفلسفة فنقول :إن الفلسفة إنما تدرس ليس من أجل أية أجوبة محدودة بما تثير من أسئلة» ذلك ألنه ال
توجد عادة مشل هذه األجوبة المحدودة التي يمكن التحقق من صدقهاء لكن من أجل تلك المشكالت نفهاء ألن هذه األسثلة توسع
من تصورنا لما هو ممكن؛ وتغني الخيال الفكري فيناء وهي تنقص من االدعاء الخاوي باليقين الذي يحول بين العقل وبين التأمل
والتديرء ولهذه األسباب مجتمعة» وعبر عظمة الكون للتأمل الفلسفي» تدرس الفلسفة لتصبح قادرة على االتحاد بالكون الذي هو
.غاية الخير األعلى
171
172
الصطلحات األآساسية
اهل
ع
إه وهر
ام نه را
[ه مهما3
8
17/7/70
1/016
272/0
اا ار دا دزا
[ه-/2ورو70م /وين 11و[
22/2
173
1050710162-6/
110/7
72
م6377
0 02
77
1101001
ا
زىزم درمز
ع[1طوطورطم 7
60/01 11/2
دنع م 7
ع[ ي
1
بارس زا ف
أءى[
77
ام 2ر7
1174
جز
7721
ص127
)0
17702
ابدرا اسن
1
ل0
1/6
ه ع101ر1ر51
”آممم/7
275 112:001077/
دم ا موصبرط الرديته بر[
مقدمة المترجم ا ممم موي ممم مم 3مقدمة المؤلف ا الواقع والظاهر مجم مي عم قم ممعم ممع ومع ممم ممم ممه ممعي ممم اميه
9وجود المادة ململ ممعم مم ممم ممه عم ممم وميم ممو ميم 21طبيعة المادة ممه وم م معة مع قعة ممه مو وجوه ممعي مم
يميه مي مع يه 31المثالية ل المعرفة بالعيان والمعرفة بالوصف ممه مجم ممع ممعم 51فى االستقراء ممم م عم ممم ممم ممم
ممم ممم ومع ممم ممم مم وم وميه 63فى معرفتنا المبادئ العامة ا كيف تكون المعرفة القبلية ممكنة ل عالم الكليات لمم مم مم
ممه ممم م ممه عمو مجعة ممه مج فيه مم مايه 99معرفتنا بالكليات ل فى المعرفة الحدسية ا الحقيقة والخطأ ً ممه مع عم عق
ممم 127المعرفة والخطأ والرأي المرجح ا حدود المعرفة الفلسفية قيمة الفلسفة ل المصطلحات األساسية المستعملة في الكتاب
0
1175
ال ل 5
ل أن مانا
حاولت عب رهذه الصفحات االقتصار على الملشكالت الفلسفية التي يمكنني التحدث بشأنها بصورة إيجابية وبناءة؛ ألني أعتقد
أن النقد السلبي فقط هو خارج عن نطائى هذا البحث؛ ولبذا السبب احثلث نظرية المعرفة حيزاً هذا الكتاب أعظم مها احتلته
نظريات ما فزاء الطبيعة .ما الموشوعات الفلسشية التي تناولها الفالسفة كثيرا بالبحث والنقاش فقد عالجتها بإيجاز إذ جاز لي هذا
القول .ولقد حصلت على مساعدة قيمة من البحوث غير المنشورة للعالمةج .أ .مور والعالمة ج .م .كينز؛ فقد أفدت من األول
روابط الحقائق الحسية ب األشياء المادية .كما أني أفغدت من اآلخر ما يتعلق بمبدأي األرجسية واالستقراء .وأفدت أيضا ً إلى
.درجة عظمى من انتقادات ومقترحات البروفيسور؛ جلبرت مورى
ل
8”812 ‘ 9
“#9706
9-70-5