Professional Documents
Culture Documents
صراعات الصحافة في ضل التحول الرقمي
صراعات الصحافة في ضل التحول الرقمي
د.المعز بن مسعود*
ملخص
تبحث الدراسة في مسارات التحوالت التي تشهدها الصحافة الورقية في العالم العربي ،وتُفِ ِّكر في األجوبة العلمية التي ينبغي صياغتها عند الحديث عن تحديات
بقائها ورهانات َر ْق َمنَتِها؛ فالحلم بانتقال سلمي للطباعة من الورق إلى اإلنترنت يجب أن يُناقَش ،في نظر الباحث ،خارج إطار نظرية "الكارثية المستنيرة"
للفيلسوف الفرنسي جان بيير دوبي ( ،)Jean-Pierre Dupuyإذا ما سلمنا بأن األسوأ سيُحْ ِدق بالصحافة الورقية في صورة استسالمها إلرهاصات شبكة
اإلنترنت .فهذه النظرية رغم سعيها إلى تحطيم الحدود ،فإنها ال تُقَ ِّدم َم ْد َخ اال نظرياا واضحاا؛ ُمفَ ِّسراا لعالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما .لذلك،
يستند الباحث إلى نظرية النشوء التعايشي التكافلي -ولئن كانت مثلها مثل استراتيجية النزعة الكارثية المستنيرة تجد مرتكزاتها وأصولها الفكرية في علم
البيولوجيا التطورية -فإنها تساعد على فهم العالقة بين الصحافة الورقية والر ْق ِمية ،باعتبارهما " َخلِيتَ ْين" ال يمكن إلحداهما أن تعيش دون وجود األخرى؛ فـ"هذه
النزعة النفعية التي تحفِّ ز البحث عن األدوات اإلبستمولوجية (المعرفية) ،تسمح بتحييد التوتر عبر الحلول التقنية" التي تُجسِّد أساس تَفَوق الصحافة الرقمية على
الصحافة الورقية .وتجد هذه النظرية جذورها في المقاربة الن سقية باعتبار "االرتباط الوثيق بين ظهور فكرة "المعلومات" واألبحاث البيولوجية" .كما تستند
الدراسة إلى العقالنية التقنية ،أحد مكونات النظرية النقدية ،للمساعدة على تفسير اإلشكاليات التي تطرحها المنظومة اإلعالمية التقليدية التي أصبحت غير قادرة
على مواكبة تحوالت المنظومة االتصالية الجديدة ،وفهم عالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما.
وحاول الباحث في دراسته االقتراب من مفهوم اإلعالم اإللكتروني في عالقته بالصحافة الورقية ،وتناول وضعيته في العالم العربيُ ،م ْستَ ْك ِشفاا تاريخ بداية دخوله
ض احا أشكاله ومشاكله وإمكانياته الحالية ،وفرص تطورها .كما حاول البحث في ظاهرة اندماج
ضمن العادات االستهالكية االتصالية للمجتمعات العربية ،و ُم َو ِّ
الورقي واإللكتروني ،وتطور الصحف اإللكترونية إلى بوابات إعالمية ،واستقصاء رهانات الرقْ َمنَة ،وتطور طبيعة عالقة انتشار اإلعالم اإللكتروني بتراجع
نسب توزيع الصحافة الورقية في العالم العربي وكيف أَثرت فيه وتَأَثرت بهُ ،م ْستَ ْش ِرفاا مستقبل اإلعالم اإللكتروني العربي في ظل الصعوبات والعراقيل التي
يواجهها ،ومدى قدرة اإلعالم الورقي تحدي ادا على تطويع مضامينه بما يواكب متطلبات المرحلة ورهاناتها.
وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من االستنتاجات لعل أهمها أن دُور النشر الصحفي في العالم بأسره تتجه إلى تنويع نشاطاتها اإلعالمية؛ ففي الوقت الذي يتحدث
فيه الناشرون العرب عن الجدوى االقتصادية من إنشاء مواقع إلكترونية فإن نظراءهم في الغرب استوعبوا الجانب االقتصادي للنشر اإللكتروني ،معتبرين أن
العامل المشترك الرئيس بين صناعتي النشر التقليدي واإللكتروني هو المحتوى المتميز .كما توصلت الدراسة إلى حصول تغيير ُم ِهم في مفهوم الصحيفة
اإللكترونية؛ حيث تطورت هذه الصحف من كونها نس اخا مطبوعة إلى بوابات إخبارية وإعالمية وترفيهية ذات شخصية مستقلة ،لذلك يميل الباحث إلى اإلقرار
بأن المستقبل سيكون للتجمعات اإلعالمية ،ومن ثم لن يكون للصحف الورقية أي مستقبل "إذا لم تكن قادرة على خلق تكتالت أو تجمعات ما ،تجعلها تصمد
وتستمر ...كما لم يعد مناسباا االكتفاء بإنتاج محتويات فحسب ،بل يجب التمكن من القيام بدور الوسيط والمو ِّحد والمح ِّرك للتجمعات على شبكة اإلنترنت".
2
مقدمة
تواجه الصحافة الورقية منذ بضع سنوات أزمة حقيقية أخذت تتفاقم من سنة إلى أخرى في العديد منن الندول ،خاصنة الندول
الغربية المتقدمة وبدرجة أقل العربية ،نتيجة ظهور شنبكة اإلنترننت وثنورة االتصنال والمعلومنات ،لِتَتَغَينر خريطنة المنافسنة
في عالم الصحافة بين صحف ورقية فيما بينها ،إلنى صنحف ورقينة وأخنرى إلكترونينة .وقند اكتسنب هنذا الننوم الجديند منن
الصحافة أهمية بالغة منذ ظهنوره فني أوائنل تسنعينات القنرن العشنرين بعند أن لُنوحر تَغَينر فني سنلوك العنادات االسنتهالكية
للقُراء خاصة مع ظهور جيل اإلنترنت الذي لم يعد يتعامل مع الصحف الورقية بنفس شغف تعامله مع الصحف اإللكترونينة
التني تتمينز بسننرعة نقلهنا للمعلومننات وإبهارهنا .فقنند أتاحنت الصننحف اإللكترونينة للمسننتخدم فرصنة متابعننة األحنداث لحظننة
حندوثها ونقننل المعلومنات بالصننوت والصنورة فنني الوقنت الننذي تضنطر فيننه الصنحيفة الورقيننة لالنتظنار 24سنناعة لطباعننة
الخبر؛ فتَ ْفقِد بذلك السبق الصحفي الذي ظل لعدة سنوات أحد مؤشرات نجاح الصحيفة .
ومع انتشار اإلنترنت وارتفام أعداد مسنتخدميه ،سنعى العديند منن المؤسسنات الصنحفية فني العنالمين الغربني والعربني إلنى
إنشاء مواقع إلكترونية لصحفها ومطبوعاتها الورقية؛ حيث يعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالم إلى عام 1993بعند
أن أطلقت صحيفة "سان جوزيه ميركوري" األميركية نسختها اإللكترونية ،تالها -وبعند عنام واحند فقنط -تأسنيس صنحيفتي
ديلي تليغراف ) (Daily Telegraphوالتايمز ) (Timesالبريطانيتين لنُ ْس َختِهما اإللكترونية .
عربياا ،وتزامناا مع إصدار صحيفة النهار اللبنانينة لنسنختها اإللكترونينة ،أصندرت صنحيفة الشنرق األوسنط اللندنينة نسنختها
اإللكترونيننة عننام ،1995بينمننا تُعتبننر صننحيفة إيننالف ،الصننادرة فنني لننندن عننام ،2001أول ِمنَصننة إلكترونيننة عربيننة .ومننع
تطور اإلمكانات المتاحة على اإلنترنت ظهرت المواقع اإلخبارية التي كانت في البداية تابعنة لمؤسسنات وشنبكات إعالمينة،
مثل :موقع "الجزيرة ننت" و"العربينة ننت" ،قبنل أن يُفنتح البناب علنى مصنراعيه مالف المواقنع اإللكترونينة ،وهنو منا َمهن َد
الطريق لظهور المدونات التي تُ َمثِّل أبرز أنوام اإلعالم البديل؛ األمر الذي دفع باتجناه ضنرورة التميينز بنين منا يطلنق علينه
اسم صحيفة إلكترونية وموقع إخباري إلكتروني ،ومدونة (Blog).
أما اليوم وبعد ُمضي حوالي خمسة عشر عا اما على هذه التجربة ،فإن بإمكان مستخدم اإلنترنت الوقوف على عنناوين كثينرة
لصحف إلكترونية عربية حديثنة لنم يتعند تناريخ إنشنائها أشنه ارا قليلنة ،منا يؤكند ازدهنار الصنحف غينر التقليدينة أو الصنحف
اإللكترونية التي يقتصر إصدارها على النسخة اإللكترونية ،وهو منا يُؤَ ِّشنر إلنى ارتفنام عندد قنراء هنذه الصنحف فني مقابنل
انخفاض نسبة قراءة الصحف الورقية بشكل عام .وفي هذا السياق ،أكد تقرير صدر عن مركز بيو لألبحناث تنناول تحنديات
الصننحافة الورقيننة واإللكترونيننة ومسننتقبلها ،أن مزي نداا مننن األميننركيين يتجهننون إلننى اإلنترنننت لمعرفننة األخبننار ،فنني مقابننل
انخفاض قراء الصنحف الورقينة ،وكنذلك بالنسنبة للعديند منن الندول العربينة التني تعنرف فيهنا اسنتخدامات اإلنترننت تطنورا ا
ُمط ِرداا يُبَيِّنُه الجدول رقم ( )1في قائمة ملحق .
3
ا
أوًل :اإلطار المنهجي للدراسة
وفي مقابل هذه النظرة المتشائمة ،ينرى خخنرون أن الصنحافة الورقينة قنادرة علنى اسنتيعاب التطنورات الحاصنلة فني مجنال
اإلعننالم الرقمنني وأن الجننزم باختفائهننا أو اننندثارها لننيس لننه مننا يُبَ ن ِّررُه ،بعنند أن نجننح المطبننوم فنني التعننايش مننع الراديننو،
والتليفزيون .وهنا ،تبرز مشكلة الدراسة في إمكانيات اإلعالم الرقمي بخصوصياته التفاعلية والتشاركية والتزامنينة لتجناوز
الصحافة الورقية ،ومدى قدرة هذا الوسيط التقليندي النورقي علنى حماينة نفسنه منن رهاننات الر ْق َمنَنة ليكنون ُمنَافِسانا ل عنالم
اإللكتروني ولنيس فقنط ُمتَ َعايِ اشنا معنه ،وهنو منا يسنتدعي البحنث فني ننوم العالقنة المحتملنة بينهمنا فني ظنلِّ اإلشنكاليات التني
تطرحها المنظومة اإلعالمية التقليدية التني أصنبحت غينر قنادرة علنى مواكبنة تحنوالت المنظومنة االتصنالية الجديندة ،وفهنم
عالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما.
4
د .أهداف الدراسة
تسعى الدراسة إلى:
تشخين دقيق و ُمفَصل للتحوالت التي تشهدها الصحافة الورقية في العالم العربي.
معرفة مدى تطور طبيعة عالقة انتشار اإلعالم اإللكترونني بتراجنع الصنحافة الورقينة ،وتنأثير ذلنك علنى مسنتقبل
كل منهما.
دراسننة طبيعننة الصننعوبات والعراقيننل التنني تواجههننا الصننحافة الورقيننة واإلعننالم الرقمنني ،ومنندى قنندرتهما علننى
مواجهة متطلبات المرحلة ورهاناتها .
في سياق هذا الطرح النظري ،فإن انغالق المنظومة اإلعالمية التقليدية على نفسها بطريقة جعلتهنا غينر قنادرة علنى مواكبنة
تحوالت المنظومة االتصالية الجديدة يُعد في ح ِّد ذاته خطرا ا على الصحافة الورقية .لذلك ،فإن تلك المنظومة مطالبة بالعمنل
علننى التكيننف مننع البيئننة اإلعالميننة الجدينندة ،التنني فرضننت تَغَيننرا ا فنني عننالم مهنننة الصننحافة ،وكرسننت أسنناليب جدينندة لِتَلَقِّنني
الجمهور لألخبار والمعلومات ،و َح َر َمت الصحافة الورقية من االحتكار الذي كانت تنعم به.
إن تحسن إدراك المؤسسنات اإلعالمينة ألثنر تكنولوجينا اإلنترننت علنى الصنحافة التقليدينة قند يسنتمد مشنروعيته ممنا تنوفره
المصادر الرقمية المختلفة من معلومات تُع ِّزز من محتنوى ومضنامين النورقي ،تما امنا كمنا وفنرت للصنحافيين أدوات جديندة
لتطوير مهنتهم .في إطار هذا الطرح قند تسناعد نظرينة النشنوء التعايشني -التني تسنتمد أصنولها الفكرينة منن علنم البيولوجينا
التطورية -على فهم العالقة بين الصحافة الورقية والرقمينة ،باعتبارهمنا " َخلِيتَنيْن" ال يمكنن إلحنداهما أن تعنيش دون وجنود
األخرى .وفي السياق نفسه ،قد تساعد أيضا ا مقاربة العقالنية التقنية -في إطار النظرية النقدية لهربرت ماركوز (Herbert
)Marcuseالشخصية األكثر حضو ارا وبرو ازا ضنمن مدرسنة فرانكفنورت -علنى فهنم طبيعنة هنذه العالقنة منن حينث َع ْقلَنَنةُ
العالم وتطويعه تدريجياا باستثمار التكنولوجيا والعلم ،حتى وإن كان ذلك يُخفي أحيانانا مظناهر اسنتعباد أو يُلغني فضناء الفكنر
الناقد.
ويكمن دور الشبكة هنا في "نسيان المجتمع الذي يعيش التباين والتمايز ،واقتراح رؤية منسجمة لنه"( )3تسنعى إلنى تكنريس
هيمنة االتصال ،والتوفيق بين البحث اإلمبريقي والنقندي .ففني الوقنت النذي بنرزت فينه اإلقصناءات االجتماعينة بقنوة "تقنوم
أيديولوجيا االتصال ،والنزعة المساواتية الجديدة بواسطة االتصال ،بدور ُمضيف للشرعية"(.)4
5
ثانياا :اإلعالم اإللكتروني واستخداماته
تعود نشأة الصحافة اإللكترونية إلى بداية السبعينات مع ظهور خدمة التيليتكست( )5عام 1976كثمرة تعاون بنين مؤسسنتي
"بني بني سني" و"اإلندبنندنت برودكاسنتينم" .ثنم منع ظهنور نظنام بريسنتيل ) (Prestelووالدة خدمنة الفيديوتكسنت( )6عنام
1979علننى ينند مؤسسننة British Telecom Authorityالبريطانيننة "وبننناء علننى النجنناح الننذي أحرزتننه المؤسسننات
المننذكورة فنني تننوفير خدمننة النصننوص التفاعليننة للمسننتفيدين ،دخلننت بعننض المؤسسننات الصننحفية األميركيننة فنني منتصننف
الثمانينات علنى الخنط ،وبندأت فني العمنل علنى تنوفير النصنوص الصنحفية بشنكل إلكترونني إلنى المسنتفيدين عبنر االتصنال
الفوري المباشر" (.)7
وبالنظر إلى درجة استفادة اإلعالم اإللكتروني من تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت ،مثل :األقمار الصناعية واالتصناالت
الرقميننة واالتصننناالت السننلكية والالسنننلكية والوسنننائط المتعننددة ،تعنننددت تعريفننات البننناحثين فننني اإلعننالم واالتصنننال لهنننذا
المصطلح؛ حيث برز مفهومان ل عالم اإللكتروني)8( :
األول :وهو المفهوم الضيق الذي يعتبر أن ظاهرة اإلعالم اإللكتروني تتحقق بتوفر عدد منن الشنروط والضنوابط والمعنايير
أولها ما يتصل بالجانب المهني ،ومنها استعمال قوالب العمل الصحفي مثل الخبر والتحقيق والحنوار ،أو إنتناج موضنوعات
تتصننل بالتغطيننة الميدانيننة .كمننا يتضننمن هننذا المعيننار ضننرورة تننوفر الجانننب االحترافنني ،والتفننر والخبننرة ،والمهنيننة فنني
الصحفيين العاملين في المؤسسة الصحفية على شبكة اإلنترنت.
أما المعيار الثاني فهو فني تقني يتعلق بالنظام المتبع من قبل المؤسسة التي تملك الموقع اإللكتروني ،وهنو نظنام منؤمن ضند
كل اختراق ،إضافة إلى معايير مالية تتصل بنظام التمويل ،وقانونية تتعلق بالوضعية القانونية للمؤسسنة .وفني هنذا السنياق،
يعتبر الباحث ماجد سالم الصحافة اإللكترونية "عملية اتصال صحفي عبر شبكة اإلنترننت تنتم منن خنالل وسنائط إلكترونينة
متعنددة؛ مسننتفيدة بمننا تقدِّمننه شنبكة اإلنترنننت مننن مزايننا تكنولوجينة ،وتصنندر بشننكل دوري ،ولهننا موقنع محنندد علننى الشننبكة،
وتعتمد على تكنولوجيا الحاسب املي في تحليل وصياغة محتويات الصحيفة وتقديمها إلى القارئ عبنر اإلنترننت لخلنق جنو
من التفاعل معه وذلك بما تُوفِّره له من إمكانيات التفاعل مع النن ،والقدرة على تصفحه واسنتدعائه والبحنث فني محتوياتنه
وتخزينه واسترجاعه بأيسر الطرق وأسهلها "(.)9
وفي مقابل المفهوم األول يتسم المفهوم الثاني بالشمولية "ويُس َمح في ضوء صعوبة تنزيل المعنايير السنابقة علنى الكثينر منن
المواقع التي يعسر تصنيفها أحياناا سواء من حيث خصائصها الشكلية أو الموضنوعية أو أطرهنا القانونينة" بإدراجهنا ضنمن
ظاهرة اإلعالم اإللكتروني؛ مثل المدونات.
إن الرغبننة إذن فنني تحدينند تعريننف ل عننالم اإللكتروننني تنندفعنا إلننى الحننديث عننن الحاجننة إلننى تحدينند ضننوابط ومعننايير لهننذا
المصطلح غير ما ذكرناه ،والتي تجعلنا نميِّز "بينه وبين هذا الكم الهائل من مواقع اإلنترننت التني تعمنل فني كافنة المجناالت
وفنني جميننع التخصصننات وإال فننإن البننديل أن نعتبننر كننل موقننع علننى اإلنترنننت موق اعننا صننحفياا" .ولكننن بننالنظر إلننى المعننايير
والضوابط التي يمكن حصر ها ،قند تعترضننا مجموعنة منن المحناذير التني تتصنل بطبيعنة المحتنوى أو الخدمنة التني يقندمها
الموقع اإللكتروني والتي قد ال تقتصر على العمل اإلعالمي على اإلنترنت ،بنل تتجناوزه إلنى خندمات أخنرى .أمنا المحناذير
6
األخرى ،فهي ذات طابع مهني تتعلق بالغموض الذي يشوب مفهوم الصحافة والصنحيفة والصنحفي عمو امنا ،ومنا الزم ذلنك
من جدل حول من يحق له أن نطلق عليه اسم صحفي من عدمه.
وعلننى الننرغم مننن تعنندد تعريفننات اإلعننالم اإللكتروننني عمو امننا فإنننه يمكننن تحدينند مجموعننة مننن الفروقننات بننين "الصننحيفة
اإللكترونيننة" و"الموقننع اإلخبنناري" بنند اءا بطبيعننة النشننأة؛ "فأصننل الصننحيفة اإللكترونيننة أنهننا نشننأت علننى الننورق بالصننورة
التقليدية كأي صحيفة عادية ،لكن القائمين عليها ارتأوا ضرورة مجاراة لغة العصر ببعث نسخة إلكترونية من هذه الصحيفة
على اإلنترنت ،فأنشأوا لها موقعاا على الشبكة ،ومن ثم ،فنإن الصنحيفة اإللكترونينة تمثِّنل نسنخة منن الصنحيفة ،التني تصندر
بطبعاتها المختلفة ورقياا ،في السياسة واالتجاه والتحرير؛ أي إنها تُدار بضنوابط الصنحافة الورقينة نفسنها بينمنا لنيس للموقنع
اإلخبناري اإللكتروننني علننى الشنبكة أصننل ورقنني ،وإنمنا يخضننع إلننى قنوانين البيئننة االفتراضننية الالمتناهينة المسننماة بفضنناء
اإلنترنت وضوابطها"(.)10
إضافة إلى هذين الصنفين ،هناك صنف ثالث يقترن بـالصحف اإللكترونية البحتة "التي ليس لهنا صنحيفة مطبوعنة وتُغطِّني
مجاالت األخبار كافة :سياسية واقتصادية ورياضنية وسنينمائية وموسنيقية ،وتحناول أن تسنتفيد منن تقنينات تصنميم الصنفحة
لمزيد من التنوم؛ وهي صحف يومية يتم تحديث موادها اإلخبارية خنياا وصفحاتها يوميانا .إذن ،خالصنة القنول :هنناك مواقنع
تابعة لمؤسسات صحفية تقليدية (وهي مواقع كربونية) ،ثم المواقع اإلخبارية ،ثم الصحف اإللكترونية"(.)11
إن اختالف طبيعة الموقع اإللكتروني ومجاالت نشاطاته أفرز اختالفاا في تعدد اختصاصات األشخاص العناملين فني الموقنع
اإللكترونني؛ حيننث نجنند ،فضن انال عننن الصنحفيين ومنندققي اللغننة ،مجموعننة التقنيننين العناملين فنني مجنناالت متعننددة كالصننوت،
والصورة ،واإلخراج الفني...إلخ .أما منن حينث المحتنوى ،فنإن المضنمون الصنحفي اإللكترونني اسنتطام أن يُحندث الفنارق
مقارنة بالصحافة الورقية في سرعة نقل الخبر وطريقة تحريره وبنائه؛ فالتركيز واالختصار اللذان يعتبنران السنمة الممينزة
لـ"الخبر اإللكتروني" ،إضافة إلى تحديثه ،هما المرتكزان الفارقان في الموقع اإلخباري مقارنة بالصحيفة اإللكترونينة التني
يرتبط زمن التحديث فيها بضوابط الصحيفة الورقية.
وكثي ارا ما تتفوق المواقع اإللكترونية على التليفزيون واإلذاعنة فيمنا "يتعلنق بنزمن النشنر قياسانا بنزمن حندوث الخبنر ،إال أن
تلك المواقنع قند تقنع فني أحينان كثينرة فني فنخ مصنداقية الخبنر وعندم حياديتنه عنندما يتعلنق األمنر بعندم التثبنت منن مصنادر
الخبر(.)12
تختلننف مقاربننة أزمننة الصننحافة الورقيننة بننين بلنندان العننالم الغربنني وبلنندان المجننال العربنني؛ فبينمننا نجحننت الصننحف العالميننة
الغربية في توظيف التطور التكنولوجي قصد إنشاء مواقع إلكترونينة تحتنوي أزمتهنا ،وتواجنه منن خاللهنا احتنداد المنافسنة،
ظلت الصحف العربية -في ظل غياب ثقافة حقيقية لدى أصحاب المؤسسات الصحفية تعني أهمينة منا يُنشنر علنى اإلنترننت-
تنظر إلى المواقع اإللكترونية باعتبارهنا إِ ْك ِسسْنوارات للنسنخة الورقينة دون أينة رؤينة اسنتراتيجية .يضناف إلنى ذلنك طبيعنة
الواقع السياسي المعقد الذي يعيشنه العنالم العربني بعند أن فرضنت السنلطة السياسنية حصنارا ا علنى شنبكة اإلنترننت يُضناهي
الحصار المفروض على بعض الصحف الورقية لسنوات عدة.
7
لكن بتغير واقع استخدامات اإلنترنت في العالم العربني تغينرت المعادلنة؛ حينث بلنم عندد مسنتخدمي شنبكة اإلنترننت حنوالي
140مليون مستخدم سنة 2015من تعداد نحو 390مليون نسمة يمثلون إجمالي سنكان العنالم العربني ،مقابنل 110مالينين
مستخدم سنة ،2012و 29مليون مستخدم في عام ،2007أي بزيادة قدرها خمس مرات بين 2007و ،2015بينما لنم يكنن
إجمالي عدد مستخدمي اإلنترنت العرب في عام 1997يتجاوز 600ألف مستخدم؛ مما خلق ُمتَنَفساا افتراضنياا علنى الشنبكة
في ظل تواصل الحصار المفروض على عالم الصحافة الورقينة وخاصنة تلنك "الممولنة سياسنياا" التني ظلنت مرتهننة بتغينر
الخارطة السياسية وانهيار أنظمة وصعود أخنرى .فني المقابنل ،حاولنت الصنحف الورقينة المسنتقلة مواجهنة غيناب مصنادر
التموينل وتراجنع مسناهمة المعلنننين بنالتقلين فني عندد الصننحف المطبوعنة" ،وقند تكنون مصننر المثنال األبنرز لنذلك؛ حيننث
انخفضت كمية الصحف المطبوعة إلى 800ألنف نسنخة فني العنام ،2015بعند أن قُندِّرت بحنوالي ملينوني نسنخة يوميانا فني
العام .)13( 2010
كما وجدت صحف لبنانية كـ"السفير" و"النهار" و"اللواء" نفسها مضنطرة إلنى التوقنف عنن الصندور بالنسنخة الورقينة بعند
تأزم الظروف السياسية واالقتصادية في لبنان وانعكاساتها على الدخل اإلعالني واالشتراكات والبينع .وممنا زاد منن تعمينق
أزمة الصحف الورقية ،وشجع في امن نفسه عدداا من المؤسسات الصحفية العربية على إنشاء مواقع إلكترونية ،هنو عندول
الكثير من القُراء عن الصحيفة الورقية في العالم العربي -التي أصبحت عاجزة عن مالحقة األحداث المتسنارعة علنى مندار
الساعة -واتجاههم نحو الصحف اإللكترونية والمواقنع اإلخبارينة التفاعلينة التني تقندم التغطينة الخبرينة المتواصنلة لألحنداث
المحلية والعالمية لحظة وقوعها بتكلفة تكاد ال تُ ْذ َكر مقارنة بتكلفة الصحف الورقية(.)14
في هذا السياق ،واستجابة لهنذا المعطنى الجديند أنشنأت مؤسسنة التحرينر للطباعنة والنشنر موقعانا لهنا ،فني 16فبراير/شنباط
،1997ضم النسخ اإللكترونية لصحف الجمهورية والمساء ومصر اليوم والـ ""Gazetteباللغنة اإلنجليزينة ،تلتهنا صنحيفة
الشعب التي صدرت في نسختها اإللكترونية في أكتوبر/تشرين األول ،1997ثم األهرام األسنبوعي )(Ahram Weekly
باللغة اإلنجليزية في منتصف شهر يونيو/حزيران ،1998ثم النسخة اإللكترونية لجريدة األهرام الصباحية التي انطلقت في
أغسطس/خب .1998ومن الصحف العربية التي حرصت على إنشاء مواقع إلكترونية لها :الوطن الكويتية واأليام البحرينية
والدستور والبيان والرأي األردنية وجريدة الحياة ،والقبس السعودية ،وصحيفة الشرق األوسط وعدد من الصنحف األخنرى
في قطر وتونس والجزائر والمغرب والكثير من البلدان العربية األخرى.
إن الزيادة في عدد المستخدمين ل نترنت في هذه الدول نتيجة التطور التكنولوجي وتنوفر خندمات اإلنترننت المهينأة للتعامنل
ا
فضال عن تطور البنية األساسية لالتصاالت في أغلب البلدان العربية ،وتراجع كلفة االتصال ،تُعد من أهم مع اللغة العربية،
العوامل التي أدت إلى تحو ل الصحف الورقية إلى النسنخة الرقمينة وانتشنار ظناهرة صندور الصنحف العربينة عبنر المواقنع
اإللكترونية؛ مما جعل مؤشر التوقعات بصمود الصحافة الورقية أمام إغراءات شبكة اإلنترنت يتضاءل شيئاا فشنيئاا ،خاصنة
بعد الوقوف على حقيقة مصنير عشنرات الصنحف والمجنالت العريقنة فني أوروبنا وأميركنا التني شنرعت بالفعنل فني إيقناف
نسختها الورقية خالل السنوات العشر الماضية واكتفت بالصدور عبر مواقعها اإللكترونية .وكانت البداية في أميركا بتوقف
صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن إصدار نسختها الورقية التي انخفضت فني البداينة إلنى 200ألنف نسنخة ،واكتفنت
فنني نهايننة األمننر بمنصننتها الرقميننة التنني يزورهننا أكثننر مننن مليننون مسننتخدم ،ومجلننة "نيوزويننك" و"اإلندبننندنت" اللندنيننة
األسبوعية التي صدرت في العام ،1986وهي أول صحيفة بريطانية تتحول فقط إلى الصيغة الرقمية ،كمنا أعلننت صنحيفة
"الغارديان" البريطانية اعتزامها التخلي عن 100موظف بعد انخفاض عائداتها من اإلعالنات بنسبة ،%25وعزمها علنى
االنتقال إلى الصيغة الرقمية.
8
ضا كبريات الصحف األميركية التي تَ َكبدَت ديوناا بماليين الدوالرات ،مثل" :نيوينورك تنايمز" التني
هذه الوضعية تشهدها أي ا
أرهقتهننا ديننون تجنناوزت مليننار دوالر ،وسننجلت أسننهمها تراج اعننا بنسننبة %55فنني العننام ،2015ممننا اضننطر الصننحيفة إلننى
تخفننيض رواتننب معظننم موظفيهننا بنسننبة ،%5بينمننا تراجننع عنندد محرريهننا إلننى 1250بعنند أن كننان يُقَنندر عننددهم بـننـ1330
مح ِّر ارا"( .)15وأوقفت صحيفة "الواشنطن بوست" إصدار عددها األسنبوعي الخناص ،وعمنره 27عا امنا ،بعندما انخفضنت
نسبة مبيعاته ،بينما اتجهت صحف أخرى مثل "لوس أنجلوس تايمز" إلى تسريح عدد كبير من موظفيها (.)16
وفي فرنسا ،عرف عدد من المؤسسات اإلعالمية المصير نفسه وبدأ التراجع عن الحديث حول "االستثناء الفرنسي" بعد أن
توقفت صحيفة "فرانس سوار" نهائياا عنن الصندور ،مننذ شنهر نوفمبر/تشنرين الثناني ،2011واكتفنت بطبعتهنا اإللكترونينة
إثر تراجع مبيعاتها إلى أقل من 40ألف نسخة في اليوم .أما الصحف والمجنالت األقنل صنيتاا فقند قامنت بتسنريح عندد كبينر
منن العناملين فيهنا؛ منا جعنل الكاتنب والخبينر الفرنسني برننار بولينه ) (Bernard Pouletيشنير فني كتابنه "نهاينة الصنحف
ومسنتقبل اإلعنالم )" (La fin des journaux et l’avenir de l’ informationإلنى أن نهاينة الصنحف المطبوعنة
وشيكة و"تبقى مسألة وقت"( )17ال غير.
وللبَرْ هَنَة على هذه الفكرة ينقل الكاتب تصري احا لـ"إيريك فوتورينو) ،" (Éric Fottorinoمدير صحيفة "لوموند" الفرنسنية
المشهورة ،الذي يعتبر أن "النموذج االقتصادي الذى بُنِي عليه مجد الصحافة منذ عقود عدة بدأ يتآكل وأن هذه الحالة المثبتة
تنطبق بحق على معظم الصحف اليومية في الواليات المتحندة األميركينة ،وبناقي دول أوروبنا" ،مضنيفاا" :فني 2001بلغنت
اإليرادات اإلعالنية لصحيفة لوموند مسنتوى قياسنياا وصنل 100ملينون ينورو ،أمنا الينوم فهني بالكناد ال تتجناوز 50ملينون
يورو" ،مشي ارا إلى أن "عائدات لوموند من اإلعالنات بلغت بعد الحرب العالمية الثانينة ،%40وفنى السنبعينات %60؛ أمنا
اليوم فإنها ال تتجاوز .)18( %.20
إن الدفام إذن عن فكرة "االستثناء الفرنسي" يبدو طوباوياا بنالنظر إلنى حقيقنة أوضنام الصنحافة الفرنسنية .فمسنتوى توزينع
الصحف غير المجانية "انخفض من 3.8مليون صحيفة يومية كانت تبام كل يوم سننة 1974إلنى 1.9ملينون عنام ،2007
ليتراجع بذلك عدد الصفحات اإلعالنينة فني الصنحف اليومينة إلنى معندل % 32.5فني أقنل منن عشنر سننوات نتيجنة انهينار
سوق اإلعالنات المبوبة ،ومنافسة الصحف المجانية التني ارتفعنت إينرادات اإلعالننات فيهنا بمعندل %30مننذ عنام .2002
وأصبحت صحيفة "فان مينوت )" (Vingt Minutesالمجانية هي الصحيفة اليومية الوطنية األولى في فرنسنا عنام 2007
بعدد قُراء بلم 2.617.000قارئ " (.)19
وباإلضننافة إلننى تراجننع عائنندات اإلعننالن فنني الصننحف الورقيننة الفرنسننية ،ذكننر برنننار بوليننه عوامننل أخننرى صنننفها ضننمن
األسننباب الرئيسننية ألزمننة الصننحف الورقيننة ،منهننا" :ارتفننام تكنناليف صننناعة الننورق وسننعره والمننواد األوليننة ومصنناريف
التوزيع والعدد الضعيف لنقاط البيع ( 29.000في فرنسا مقابل 105.000في ألمانيا) ،وعدم اإلقبال المتزايد من قِبَل القراء
الشباب على قراءة المطبوم؛ إذ تراجعت نسبة الفرنسيين ،الذين يبلم سنهم أكثر من خمسنة عشنر عا امنا ،ممنن كنانوا يقنرأون
صحيفة يومية من %59عام 1967إلى %34سنة ،)20("2005ويُتَ َوقع أن تكون النسبة اليوم في حدود %. 25
إن العوامل والمؤشرات التي قادت إلى تراجع َمجْ ِد الصحف الورقية الفرنسية هي نفسها التي قادت إلى تراجع نسنب توزينع
الصحف الورقية العربية وخاصة المصرية باعتبارها األكثر تضنررا ا فني المنطقنة العربينة وفني مقندمتها الصنحيفة األعنرق
9
واألقدم األهرام التي تَ َرا َج َع عدد ما تطبعه يومياا إلى قرابة 180ألف نسنخة ،ليرتفنع المطبنوم منن اإلصندار األسنبوعي ينوم
الجمعة إلى 220ألف نسخة ،بينما تبلم نسبة المرتجع منه .)21( %25
و"باالنتقال إلى الصحف المصرية المستقلة ،نجد أن "المصري اليوم" تطبع 110خالف نسخة يومياا ،يُبام نحو الثلثنين منهنا
تقريباا ،بحسب إحصاءات غير رسمية صادرة عن المؤسسة .أما جريندة الشنروق ،فقند باتنت تكتفني بطباعنة 25ألنف نسنخة
يومياا ،يُبام منها 10خالف نسنخة فقنط ،معتمندة علنى مقناالت النرأي وعندد منن الكتناب النذين تعاقندت معهنم المؤسسنة قصند
تنشيط بيع النسخة الورقية .وطالت أزمات انخفاض نسب التوزيع أحدث الصحف اليومية المستقلة على السناحة مثنل جريندة
"الوطن" التي باتت تكتفي بطباعة 65ألف نسخة ،يُبام منها 40ألف نسخة تقريباا .
إن أزمة التوزيع لم تكن الوحيدة التي طالت الصحف المصرية ،لكن األزمات المالية كانت السنبب النرئيس فني إغنالق عندد
من الصحف ،وعلى رأسها صنحيفة "النوادي" التني صندرت بعند 25يناير/كنانون الثناني ،2011والتني أعلننت عنن توقنف
إصنندارها فنني مننارس/خذار .2014وخننالل سننبتمبر/أيلول ،2015أعلننن مجلننس إدارة صننحيفة "التحريننر" وقننف اإلصنندار
الورقي ،واالكتفاء بنالموقع اإللكترونني نظن ارا لنبعض األزمنات المالينة التني تمنر بهنا المؤسسنة .وخنالل العنام نفسنه ،أعلننت
صنحيفة "البنديل" ،المعروفنة بميولهنا اليسنارية ،التوقنف عنن اإلصندار النورقي األسنبوعي ،ليكنون خخنر عندد لهنا هنو العنندد
الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني . )22( 2015
ولئن كانت التكنولوجيا الحديثة قد أعادت تشكيل كل مظناهر الننظم االتصنالية األساسنية ،فنإن البنينة االتصنالية الراهننة التني
تعمل في إطارها المؤسسات اإلعالمية العربية وكذلك المنظومات اإلعالمية التقليدية ،لم تتمكن بعد -فني ظنل تبندل وظنائف
اإلنترنت التفاعلية واإلعالم المتعدد الوسائط -من إعادة النظر في معظنم المفناهيم الجوهرينة حنول أسناليب جمنع المعلومنات
ونشر األخبار ،أو فرض أنماط جديدة لممارسة المهنة الصحفية؛ تما اما مثلما عجز اإلعالم التقليدي عن النتخلن منن تبعيتنه
للسلطة السياسيةُ ،م َك ِّرساا بنذلك خطابانا أينديولوجياا يطغنى علينه التمناهي بنين عمنل الصنحافيين وعمنل النخنب السياسنية ،فني
سياق عال قة عمودية كشفت تفوق البنية االتصالية الرقمية على نظيرتها التقليدية وخلخلتها ،وفشل هنذا اإلعنالم التقليندي فني
عملية الوساطة بين المجتمع والدولة .
إن إعادة المبتكرات التكنولوجية تشكي َل المشه ِد جعل العمل اإلعالمي العربي الجديند يواجنه مجموعنة منن التحنديات المهنينة
التي غالباا ما ترتبط بما تأتي به هذه المبتكرات من أجهزة جديدة ،وبسرعة مدهشة ،لتكرِّس خينارات متنوعنة وعديندة ،قند ال
يكون الصحافيون وجمهورهم قنادرين علنى توقعهنا .فقند أغننت هنذه الحندود المفتوحنة مصنادر األخبنار واإلعنالم ،وأعنادت
ترتيب ما كان ِمل اكا للصحفي التقليدي ومذيع األخبار ووكاالت األنباء.
وإذا نظرنا إلى المستقبل ،فبإمكاننا أن نتوقع مشهداا إعالمياا يسيطر عليه جمهنور ُم َجنزأ ا
جندا ،لكننه حينوي .كمنا نتوقنع أيضا نا
منافسة إعالمية شنديدة...وبإمكان اإلعنالم المهنني ،إذا اعتمند التكنولوجينا الجديندة ،أن يحنتفر بندوره ،بصنفته مصندر إعنالم
حيننوي ،فيواصننل العمننل أداةا لديمقراطيننة ناجحننة ،وأيضا ننا لحنندوث ثننورة فنني مجننال ممارسننة المهنننة الصننحفية؛ حيننث يمكننن
للمواطن أن يشارك فني إنتناج المضنمون ،ويعنارض التينار الغالنب فني مواضنع افتراضنية .وبنذلك ينشنأ نمنوذج جديند علنى
الشننبكة إلنتنناج األخبننار يأخننذ فنني الحسننبان ديناميننة صنننع المعلومننات ونشننرها واسننتهالكها علننى الشننبكة( )23لِتَتَحننرر بننذلك
النصوص اإلعالمية من أَس ِ
ْر المادة ،أي من شكلها المادي المطبوم .
10
راب اعا :الصحافة تالحق العالم اًلفتراضي :مالمح رهانات ال َّر ْق َمنَة
إن االنتقنال منن النورقي إلنى الرقمني يطنرح رهاننات اقتصنادية وسياسنية ومهنينة واحترافينة جديندة ،كمنا يطنرح الكثينر منن
األسئلة حول دور الصحف المكتوبة في المستقبل مع االنتشار الكبينر للمواقنع اإللكترونينة واهتمنام المحركنات الكبنرى بهنذا
المجال .من جهة أخرى ،فإن استثمارات اإلعالن التي كانت إحندى الندعائم األساسنية للصنحف المكتوبنة قند تراجعنت لفائندة
المحامل الرقمية .وفي هذا السياق ،يؤكد برننار بولينه أن جريندة "لوفيغنارو" الفرنسنية تُبنام فيهنا اإلعالننات الصنغيرة علنى
موقع الويب بأثمان أقل سبع مرات عما كانت عليه فني اليومينة الورقينة ،وهنو منا يجعنل الصنحف اإللكترونينة أو المنصنات
الرقمية أكثر منافَ َسة في مجال اإلعالنات من الصحف الورقية.
إن انخفناض االسننتثمارات اإلعالنيننة فنني الصننحف التقليديننة واتجاههننا نحنو وسننائل اإلعننالم اإللكترونيننة مننرده باألسنناس إلننى
"صعود قوى اقتصادية احتكارية ال ترى في اإلعالم الرقمي إال مجرد سلعة ضمن منتجات أخرى ،لكنها في الواقع تصنو
مستقبل البشرية .أمنا ديمقراطينة اإلنترننت فقند فرضنت فنر ازا ل عنالم يفصنل منن جهنة بنين معلومنات غنينة لألغنيناء منتقناة
ومنظمة ومحققة ،ومن جهة أخرى معلومات فقيرة للفقراء مجانية وسريعة ومكررة ،لكنها خلية وخاضعة للعملينات الحسنابية
ألباطرة اإلنترنت الذين يُقدِّمون خدمات مجانية تسنمح لهنم بتسنجيل بياننات كنل مسنتخدم للشنبكة وتستشنف منا يبحثنون عننه،
ومن ثم تحقيق المكاسب (. )24
وقنند "بنندأ تننأثير المنندونات العربيننة منننذ العننام 2005وازداد مننع بنندء حننراك سياسنني فنني المنطقننة ،وبدايننة ارتفننام األصننوات
ا
بارزا وشاركوا بقنوة فني الندفع المطالبة بالتغيير واإلصالح ،قبل انطالق ما يُعرف بالثورات العربية .ولعب المد ِّونون دو ارا
نحو التغيير وزينادة النوعي السياسني واالجتمناعي ،خاصنة بنين الشنباب .وحمنل المندونون لنواء المبنادرة ،واسنتطاعوا رفنع
هامش حرية التعبير عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كانت تُعد سابقاا من "التابوهات" ،كما استطاعوا دفع
قطننام كبيننر مننن مسننتخدمي اإلنترنننت ،معظمهننم مننن الشننباب ،إلننى التفاعننل مننع مننا يطرحونننه ،وتشننجيعهم علننى المشنناركة
اإليجابية .وتُمثِّل مصر أكبر تجمع للمدونات ويُقَدر بثلث المدونات العربية ،تليها السعودية ،ثم الكويت ،ثم المغرب(.)25
ويختلف صحفيو المدونات والمواقع اإللكترونية عن صحفيي الصحف اإللكترونية" ،سنواء منن حينث المهنارات والقندرات،
أو من حيث طريقة العمل والمهنية ،وكيفية الصياغة والسياسة التحريرية؛ حيث يعتمد محررو المواقع أكثر على االختصار
وتركيز المعلومة لسرعة إصدارها ،بينما يركز صحفيو الصحف على المحتوى التحرينري والمضنمون ،وااللتنزام بالمهنينة
وضنوابط العمنل الصننحفي .وقند فتحنت المنندونات البناب علننى مصنراعيه لمسناهمة الجميننع فني صننع الحنندث ،والتفاعنل مننع
الجمهور وأصبحت من أهم أنوام الصحافة على مستوى العالم وأبرزها ،وأكثرها تأثي ارا ،واسنتطاعت أن تخلنق ا
جنيال جدين ادا
من الصحفيين المتطوعين والهواء(.)26
11
وباإلضننافة إلننى المنندونات ،فننإن مواقننع التواصننل االجتمنناعي أثننرت أيضا ننا فنني صننناعة الخبننر باعتبارهننا قننوة تننأثير واسننعة
االنتشار رغم ما تثيره أحياناا من تباين في امراء حول "حقيقنة ممارسنة حرينة التعبينر" فني فضناءاتها .فقند تحولنت "مواقنع
التواصل االجتماعي إلى أحد أهم مصادر المعلومات األولية لوسنائل اإلعنالم ،باعتبنار أن العديند منن المؤسسنات اإلعالمينة
والصحفيين يتابعون هذه المواقع وما ينشر فيها من معلومات وأفكار ،ربما تقودهم إلى خبر أو قصة مهمة" (.)27
ويُعد "اإلقبال على مواقع التواصل االجتماعي ظاهرة عالمية تشكلت بسبب ثورة االتصاالت وتقنينة المعلومنات التني مكننت
شعوب العالم من التواصنل منع بعضنها وأفنرزت منا يُسنمى بصنحافة المنواطن ،التني مكننت اإلنسنان منن تمثينل نفسنه بنفسنه
والتعبيننر عننن رأيننه عبننر مواقننع التواصننل االجتمنناعي والمنتننديات .وتشننير اإلحصننائيات إلننى أن عنندد المتصننفحين للشننبكات
االجتماعية ينمو بنسبة عالية ا
جندا تصنل إلنى %250سننوياا ،ويصنل العندد حاليانا إلنى أكثنر منن 800ملينون مسنتخدم نشنط،
وأكثر من نصف هذا العدد يدخلون على الشبكات االجتماعينة يوميانا"( .)28وتلعنب مواقنع التواصنل دور الرقينب علنى أداء
وسائل اإلعنالم والصنحفيين حتنى إن "الكثينر منن مسنتخدمي تلنك المواقنع يبنادرون إلنى تصنحيح معلومنات تنرد فني وسنائل
إعالم ،أو تفنيدها أو توضيحها أو تطويرها ،تما اما مثلما تُ َم ِّكن من التعرف على مدى تفاعل القُنراء والمسنتمعين والمشناهدين
مع ما يُنشر من نصوص ،أو يُبَث من مقاطع مسموعة أو مرئية"( )29في مواقع اإلنترنت المختلفة.
ا
عامال محدداا الختيار وسيلة إعالم وفي هذا السياق ،يعتبر المختصون في مجال اإلعالن أن مواقـع التواصل قد تكون أحياناا
دون أخرى من قبنل الشنركات المعلننة وذلنك اسنتناداا إلنى نتنائج الندور الرقنابي النذي تقنوم بنه هنذه المواقنـع لحجنم المتنابعين
للوسيلة المعنية ،وتقييماتهم لها ،مما جعل بعض وسائل اإلعالم تولي أهمية خاصنة لمواقنع تواصنلها االجتمناعي بتخصنين
فرق ل شراف عليها ومتابعتها.
وعلى الرغم من أن مواقع التواصل االجتماعي قد تكون أكثر روا اجا أحياناا من منافذ إعالمينة تقليدينة فني الشنبكة العنكبوتينة
"فإن الطابع الشخصني النذي يُهنيمن علنى منا تنشنره هنذه المواقنع قند يعنوق اسنتخدامها بوصنفها منواد صنحفية ،لنذلك يبحنث
المدونون المعروفون عادة عن وسائل إعنالم فاعلنة تنشنر إنتاجناتهم لمنحهنا صنفة المنادة اإلعالمينة ،حتنى وإن كاننت مواقنع
التواصنل تتننيح قنند ارا أكبننر مننن حريننة التعبيننر ،نظن ارا للقيننود المختلفننة والمتباينننة المفروضننة علننى الصننحفيين فنني المؤسسننات
اإلعالمية الرسمية أو الخاصة (.)30
إن "بعض المؤسسات ،السيما ذات الطابع الرسمي أو شبه الرسمي ،تمارس نوعاا من الرقابة على منا ينشنره منسنوبوها فني
مواقننع التواصننل االجتمنناعي ،لكننن هننذا األمننر لننم يمنننع عنندداا مننن الصننحفيين مننن التعبيننر عننن وجهننات نظننرهم الخاصننة فنني
صفحاتهم الشخصية التي تتقناطع أحيانانا منع توجهنات المؤسسنات الصنحفية التني يعملنون فيهنا"( )31حتنى وإن كنان تمناهي
الصحفي أو الكاتب مع المؤسسنة اإلعالمينة التني يعمنل فيهنا هنو الصنفة الغالبنة فني عالقنة منا يَ ْكتُنب بوجهنة نظنر المؤسسنة
اإلعالمية التي يعمل فيها والتي غالباا ما تلعب دور الرقيب عليه.
أما بالنسبة لمستخدمي اإلنترنت ،فإن مواقع الشبكات االجتماعية ،مثل :فيسبوك وتويتر ومناي سنبيس وغيرهنا منن المواقنع،
قد وف َرت للمستخدم مجاالت كبيرة للتفاعل مع مضامين الشبكة العنكبوتية وخاصنة اإلعالمينة منهنا ،ومكننتهم منن المشناركة
في التعبير عن مواقفهم وانطباعاتهم من خالل نشر تعليقاتهم وأسئلتهم وعرض مقناالتهم ومقناطع الفينديو والصنور الخاصنة
12
بهم...إلخ ،حتى أصبحوا مصد ارا للمعلومة وأحياناا أخرى لشائعات تتناقلها مواقع إلكترونية لصحف معروفنة دون التأكند منن
مصداقية المعلومة .
إن توصيفاا لهذه المدخالت والمتغيرات يتقناطع منع فكنرة اإلقنرار بنأن المنواطن فني العنالم العربني يسنتخدم مواقنع التواصنل
االجتماعي وسيلة شخصية ال إعالمية ،مما يجعل الحنديث عنن تبنوء هنذه المواقنع مكاننة مهمنة -لتكنون بنديالا عنن الصنحافة
سواء المكتوبة أم المسموعة أم المرئية -أمرا ا يصعب تحققه.
لم يمنع الجدل الدائر حول موضوم احتمال نهاية عصر الصحيفة المطبوعنة النذي هنو مندار بحنث أكناديمي ومهنني مسنتمر
منننذ ظهننرت المواقننع اإلخباريننة فنني أوائننل التسننعينات مننن الوقننوف علننى حقيقننة التقننارب بننين الننورقي واإللكتروننني بعنند أن
أصننبحت "غالبيننة الصننحف اليوميننة فنني الغننرب وفنني العننالم العربنني تنندير مواقننع إلكترونيننة خاصننة بهننا وتُصنندر طبعننات
إلكترونية .وتشير إحصائيات مؤسسة نيوزلينك األميركية ) (News Linkفي نهاية عام 1998إلى أن عندد الصنحف التني
تدير مواقنع علنى الشنبكة فني العنالم وصنل إلنى 4900صنحيفة منهنا حنوالي 2000صنحيفة أميركينة بينمنا لنم يتجناوز عندد
الصحف اإللكترونية الثمانين صحيفة في نهاية عام .1994وتشمل هذه األرقام الصنحف اليومينة واألسنبوعيات والندوريات
والمجالت وغيرها من المطبوعات .وبينما تتبوأ المطبوعات األميركية مركز الصندارة منن حينث عندد المواقنع اإللكترونينة
فإن المطبوعات غير األميركية تُش ِّكل نسبة %43من إجمالي هذه المواقنع( ،)32ال تسنتأثر فيهنا البلندان العربينة بنسنبة ذات
داللة كما هي الحال في دول أخرى مثل الواليات المتحدة؛ حيث أغلقت مؤسسات ورقية عريقة ا
جدا أبوابها -كما أشنرنا إلنى
ذلننك سننابقاا -واسننتثمرت ماليننين النندوالرات فنني اإلعننالم الجدينند بعنند وصننول شننبكة اإلنترنننت إلننى أغلننب الننناس فنني بلنند ذي
مساحات جغرافية شاسعة.
لعله إذن من المب ِّكر الحديث عن تنأثيرات ملموسنة ذات بنال يمكنن الوقنوف عليهنا -فني المندى القرينب -ل عنالم اإللكترونني
على حساب الصحافة الورقية في سياق المنظومة اإلعالمية التقليدية العربية ،السيما وأننا في منطقة ال تزال فيهنا الصنحافة
المطبوعة هي السائدة ،وال يزال فيها الفصل بين نسخة الصحيفة الورقية ونسنختها اإللكترونينة منن حينث اإلدارة والتحرينر
وطبيعة المحتوى ومصادر الدخل ،أم ارا ال يُمثِّل أهمية كبرى في سلم أولوينات مؤسسنات اإلعنالم العربينة التني نجندها وفينة
لقاعدة استشراف تأثير مباشر ل عالم اإللكترونني علنى المطبنوم فني غضنون السننوات العشنر المقبلنة حينمنا يتوسنع نطناق
اإلنترنت ويصل إلى نسب عالمية في البلدان العربية ،وخاصة في منطقة الشرق األوسط .
وخالفاا لواقع عالقة الصحف اإللكترونية بالصحف المطبوعة القائمة على عدم الفصل بنين النسنختين فني الكثينر منن الندول
العربيننة ،يعتمنند العدينند مننن كبريننات الصننحف فنني أميركننا وأوروبنا واليابننان "الفصننل مننا بننين الصننحيفة المطبوعننة والنسننخة
اإللكترونيننة مننن حيننث اإلدارة والتحريننر وطبيعننة المحتننوى ومصننادر النندخل واإلنفنناق لكننل منهمننا" ،حتننى أصننبحت النسننخ
اإللكترونية "بوابات إعالمية شاملة تُ َجدِّد محتواها على مدار الساعة طيلة أيام األسبوم وتسبق في كثينر منن األحينان النسنخ
المطبوعننة فنني نشننر األخبننار"( )33علننى غننرار صننحف الواشنننطن بوسننت ونيويننورك تننايمز وشننيكاغو تريبيننون األميركيننة
والفايننشيال تايمز اللندنية...إلخ .
13
ويعد بعض المواقع اإللكترونية المملوكة لدور النشر الصنحفية منن أنجنح البوابنات اإللكترونينة علنى الشنبكة منن حينث عندد
الزوار أو المشتركين وحجم الدخل اإلعالني" ،وأصبحت هذه البوابات مستقلة تما اما عنن النسنخة المطبوعنة وتُقندِّم خندماتها
على مدار الساعة"( ،)34لكن يجدر القول "استناداا إلى تقرير مؤسسة نيوزلينك :إن أقل من ثلث الصحف اإللكترونينة علنى
الشبكة حالياا يجني أرباحا ا بينما اضطُر عدد ال بأس به من الصنحف إلنى إغنالق مواقعنه اإللكترونينة بسنبب الخسنائر"(.)35
كما أن مواقع إخبارية نشأت في بيئة اإلنترنت أو ما يسمى اليوم بـ"الفضاء التفاعلي" حققت نجا احا باهرا ا منا دفعهنا للخنوض
في عالم النشر التقليدي متوخية نهج "الهجرة المعاكسة" ولعل مجلة "دبليو إي خر خيه دي" خير مثال على ذلك.
إن جاذبية اإلنترنت وما تتيح من إمكانيات تفاعلية "تمكنن المسنتخدم منن حرينة التصنفح وإبنداء رأينه واختينار منا يرينده منن
معلومات ،باإلضافة إلى أنها وسيلة اتصال تتيح لنه خندمات مثنل البريند اإللكترونني واالتصنال بالهناتف عنن طرينق الشنبكة
وسمام الموسيقى وحتى مشاهدة األفالم" ،جعلت االنتفام بالشنبكة ال يقتصنر علنى الصنحف اإللكترونينة ،وإنمنا يتعندى ذلنك
إلنننى حينننز أكبنننر شنننمل البوابنننات اإلعالمينننة ،والحكومنننة اإللكترونينننة (دبننني ،وقطنننر ،والبحنننرين ،واألردن ،)...والتجنننارة
اإللكترونية ،ومدن اإلنترنت وجامعات اإلنترننت...إ لخ .بنل إن الصنحف الورقينة نفسنها قند اسنتفادت منن الندخول نحنو عنالم
اإلنترنت من خالل طبعات إلكترونية خاصة ومجانية في معظم األحيان؛ أي بمعنى خخر ،إن هنذه المطبوعنات سنواء العامنة
منها أو المتخصصة استفادت إعالنيانا منن انتشنار المواقنع اإللكترونينة المختلفنة علنى شنبكة اإلنترننت ،تما امنا مثلمنا اسنتفادت
المواقع اإللكترونية الخدمية والتجارية من الصحف المطبوعة؛ حينث اتجهنت إلنى الصنحف والمجنالت ل عنالن عنن نفسنها
والوصول إلى مستخدمين جدد.
لعننل هننذا يُ ن َذ ِّكرُنا بالتحننديات التنني واجهتهننا الصننحافة الورقيننة فنني بنندايات القننرن الماضنني مننع اختننرام التلغننراف والهنناتف
والراديو ،ومنن بعند ذلنك ،فني منتصنف القنرن العشنرين ،عنندما بندأ التليفزينون بَنث برامجنه بشنكل تجناري؛ حينث "نجحنت
الصحف المطبوعة في التعامل مع معظم هذه التحديات بل إنها اعتمدت وسائل االتصنال الجديندة ،مثنل :التلغنراف والهناتف
في تطوير أدائها وتحسينه .وحتى الراديو لم ينجح -رغم انتشاره السريع ووصوله إلى فئة من المستخدمين األميين النذين لنم
تستطع الصحيفة الوصول إليهم -في زحزحة الصحف عن قمة هرم وسائل االتصال الجماهيري (.)36
إن اندماج التقليدي باإللكتروني إذن ليس سوى امتداد طبيعي لسياق تطور تكنولوجي جديد تلعب فيه اإلنترننت دورا ا رئيسنياا
مما فسح المجال لبداية حقبة دخول المطبوعات إلى الشبكة اإللكترونينة وظهنور البوابنات والمواقنع اإلخبارينة المسنتقلة عنن
هذه المطبوعات في العنالم العربني .وأغلنب الظنن أن العنالم العربني لنن يبقنى بعينداا عمنا يحندث فني الغنرب منن انندماج بنين
عالمي المطبوم التقليدي والنشر اإللكتروني وذلك ألسباب اقتصادية عديدة( ،)37منها:
تتجننه دور النشننر الصننحفي فنني العننالم بأسننره إلننى تنويننع نشنناطاتها اإلعالميننة وذلننك بنندخول مجنناالت الراديننو والتليفزيننون
والمطبوعنات المتخصصنة وإعنداد المنؤتمرات واإلنترننت ،ولعنل أبنرز مثنال علنى ذلنك شنركة تريبينون ) (Tribuneالتني
صا في شنركات تُصدر صحيفة شيكاغو تريبيون وتملك أي ا
ضا محطات تليفزيون وإذاعات ومجالت ومواقع إلكترونية وحص ا
ترفيه واتصال بالشبكة اإللكترونية .وقد بدأت هذه الظاهرة في التبلور في عالمنا العربي رغم وجود بعض القينود الحكومينة
على امتالك وسائل االتصال.
العامل المشنترك الرئيسني بنين صنناعتي النشنر التقليندي واإللكترونني هنو المحتنوى المتمينز؛ فبدوننه ال تننجح مطبوعنة وال
ينتشر تليفزيون وال يستمر موقع على اإلنترنت .لذلك تُزاوج شركات االتصال أو المينديا الكبنرى فني الغنرب بنين منا تنتجنه
14
وسائل اتصالها بأنواعها التقليدية وغير التقليدية لتقوم بتوظيف االستخدام األمثل لذلك المحتوى عن طريق المواءمة وإعنادة
االستخدام ،ما دفع شركة أميركا أون الين ) (America Onlineالتي تدير أنجح بوابة إلكترونية فني أميركنا إلنى االنندماج
مع شركة تايم وورنر (Time Warner) -وهي واحدة من أكبر شنركات النشنر واالتصنال والترفينه فني العنالم -منن خنالل
صفقة قُدِّرت بمئة وعشرين مليار دوالر .وعندما نتكلم عنن المحتنوى فإننه ال يسنتثني شنيئاا بند اءا باألخبنار السياسنية ومنرورا ا
بأنباء الفن والعلم...إلخ ،وانتهاء بالملتيميديا أو الوسائط المتعددة من موسيقى وأفالم وألعاب تفاعلية.
إضافة إلى المحتوى ،فإن دخول شركات النشر التقليدينة عنالم النشنر اإللكترونني يعتمند أيضا نا -وإلنى حند كبينر -علنى نجناح
االسم التجاري ) (Brandوانتشاره عند المستهلك .وما يجعل هذا األمر ممكناا هو ما يمكن تسميته بالترويج المتقاطع؛ حينث
يقوم المطبوم بالترويج للموقع اإللكتروني الشقيق والعكس بالعكس .ولعنل خينر مثنال علنى نجناح هنذا األسنلوب منا تقنوم بنه
شبكة "سي إن إن" التي تُر ِّوج لموقعها اإلخباري على اإلنترنت( ،)38من خالل برامجها التليفزيونية بشكل دائم.
في الوقت الذي يتحدث فيه الناشرون العرب عن الجدوى االقتصادية من إنشاء مواقع إلكترونية فإن نظراءهم في الغرب قد
استوعبوا الجانب االقتصادي للنشر اإللكتروني .ويُعد ارتفام كلفة االتصال وبطء الخدمة من حينث سنرعة التحمينل ووجنود
عقبات سياسية واجتماعية من أهم العوامل التي تقف عائقاا أمام تطور عدد المواقع العربية الناجحة على الشبكة.
ا
نسنخا مطبوعنة إلنى ظهورهنا لقد حصل تغيير مهم في مفهوم الصحيفة اإللكترونية؛ حيث تطورت هذه الصنحف منن كونهنا
كبوابات إخبارية وإعالمية وترفيهية ذات شخصية مستقلة .فموقع صحيفة نيويورك تايمز على الشنبكة يقندم ا
منثال خندمات ال
توفرها ،وقد ال تستطيع أن توفرها ،النسخة الورقية من الصحيفة ،مثل :حالة الطقس وأسعار العمنالت واألسنهم وحجنوزات
الفنادق والطيران والسنوق اإللكترونني للتبضنع والشنراء ومقارننة أسنعار الحاجينات...إلخ .وقند أدى نجناح تجربنة نيوينورك
تايمز على الشبكة إلى إطالقها لموقع شقيق أسمته :نيويورك تنودي) ، (New York Todayوهنو أشنبه بندليل لعنالم مديننة
نيويورك يُقدِّم كل منا يحتاجنه الزائنر أو المقنيم فني المديننة منن معلومنات بند اءا منن دلينل الهناتف وعنناوين المطناعم وبنرامج
التليفزيون وحالة الطرق وخرائط لألحياء والشنوارم وانتهناء بمنا يحندث فني المديننة منن نشناطات ثقافينة وترفيهينة مختلفنة.
وكذلك فعلت الواشنطن بوست وغيرها م ن كبريات الصنحف فني أميركنا وبريطانينا والعديند منن الصنحف فني الغنرب .هنذه
المواقع أصبحت شركات شقيقة تدار من قبل طواقم متخصصة لها إداراتها المستقلة من التحرير واإلعالن والتسويق ،وتُن ِدر
هذه المواقع أرباحا ا على مالكيها ال تقل أهمية في بعض األحيان عن أرباح نشاطات النشر التقليدي.
تسهم الهواتف واللوحات الذكية اليوم مساهمة فعالة في الولوج إلى اإلنترنت في الدول العربية (انظر الملحنق رقنم )2تما امنا
مثلما تسهم فني المسناعدة علنى القينام بأعمنال تتصنل بالميندان اإلعالمني ،بعند أن أحندثت ثنورة فني عنالم الصنحافة واألفنالم
والتصوير الفوتوغ رافي ،حتى أصبحت قادرة على إنتاج أعمال إعالمية متكاملنة .وقند دخلنت الهواتنف الذكينة ميندان العمنل
اإلعالمي تدريجياا ابتداء من خدمات الرسائل العاجلة قبل عدة سنوات ،وأخذت بالتطور حتى أصنبح الهناتف النذكي مؤسسنة
كاملة لصناعة األخبار ،استفادت منه وسائل اإلعالم المختلفة(.)39
حسب هذا الطرح ،فإن المستقبل إذن سيكون للتجمعات اإلعالمية ومن ثم لن يكون للصحف الورقية أي مستقبل "إذا لم تكن
ت ما تجعلها تصمد وتستمر...كما أننه لنم يعند مناسنباا االكتفناء بإنتناج محتوينات فحسنب بنل
قادرة على خلق تكتالت أو تجمعا م
يجب التمكن من القيام بدور الوسيط والمو ِّحد والمحرِّك للتجمعات علنى شنبكة اإلنترننت"()40؛ ألن كنل منا تُقَ ِّد ُمنه الصنحافة
الورقية من محتوى مرة في اليوم أو األسبوم تُقَ ِّد ُمه الصنحف الرقمينة مجانانا وفنو ارا وبكنل سنهولة .ولعنل حصنول الصنحيفة
15
اإللكترونية هافنغتون بوست ) (Huffington Post Theعلى جنائزة بنوليتزر للصنحافة عنام ،2012وهني الجنائزة األهنم
في اإلعالم األميركي ،بعد أن تخطت صحفاا عريقة ،هو اعتراف صريح بالتفوق الرقمي على الورقي التقليدي .
خاتمة
إذا كانت الصحف الورقية غير قنادرة علنى مجناراة الصنحف اإللكترونينة كوسنيط نقنل جديند للمعلومنة واإلعنالن ،ومنافسنة
مواقع التواصل االجتماعي على اإلنترنت التي تستقطب مئات المالينين منن المسنتخدمين منوفرة سنرعة نشنر الخبنر للقنارئ
وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة ،وإتاحة المجنال لهنم للمشناركة فني التعبينر عنن خرائهنم ومناقشنتها منع قنراء خخنرين بكنل
حرية على نحو لم يسبق له مثيل ،فإن ذلك ال يعني بأية حال من األحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة فني المسنتقبل
المنظور ،خاصة بالنسبة للعالم العربي حيث كثر الحديث عن إمكانات تعايش الورقي مع الرقمي.
فخالفاا للعالم الغربي؛ حيث يعتقد فيليب ماير) ، (Mayer Philippeوهو مؤلِّف كتاب "النهاينة الحتمينة ل عنالم النورقي"،
ا
تفناؤال تعتبنر أن بأن خخر مطبوم ورقي سيصدر فني عنام ،2043فنإن المختصنين فني العنالم العربني يطرحنون رؤينة أكثنر
"الوسننائط األكثننر حداثننة ال تننؤدي بالضننرورة إلننى انقننراض الوسننائل القديمننة وأن الصننحافة الرقميننة ال تلغنني دور الصننحافة
الورقية"( ،)41وأن "الصحف الورقية باقية لكن بال ورق باعتبار أن الصحيفة شكل ورقني لكنهنا فني واقنع األمنر مضنمون
ومحتوى ،أي إنها إنتاج مكتوب سواء كان على ورق أو جدران ،تما اما مثلما كان يفعل الصنينيون فني الماضني؛ حينث تُ َعلنق
ورقة على لوح في الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقن الورق وكثافنة السنكان ،أو مثلمنا تَغَينر فعنل قنراءة
الصحف اليوم من خالل الصفحات اإللكترونية"(.)42
هذه الرؤية قد تصطدم بمعطى مهم وهو أن ليس لكنل المؤسسنات الصنحفية فني البلندان العربينة القندرة نفسنها علنى مواجهنة
زحف الرقمي ،و"أن النهاية قد تكون حتمية وإن اختلف المحللون حنول المندة الزمنينة؛ فكمنا ظهنرت الصنحافة الورقينة فني
أوروبا في القرن السابع عشر ووصلتنا نحنن العنرب فني القنرن التاسنع عشنر ،فنإن النهاينة سنتكون ا
أوال فني أوروبنا ،وربمنا
صننمدت عننندنا بعننض الوقننت ألسننباب لهننا عالقننة بوظيفننة الصننحافة الورقيننة وأنمنناط الملكيننة وارتبنناط الحكومننات واألنظمننة
العربية بالصحيفة الورقية ،واعتبارها المتحدث الرسمي باسمها واألداة التي تُ َوثِّق بها قراراتها وتوجهاتها"(.)43
كما أن توزيع الصحف في البلدان العربية انخفض إلى مستوى قياسي ،بينمنا تراجعنت القيمنة المضنافة للنمنوذج االقتصنادي
القائم على عائدات اإلعالنات مما حدا برجال األعمال العاملين في مجاالت اإلعالم الجديدة إلى االتجاه نحو االستثمار أكثنر
في عالم اإلنترنت؛ هذا العالم الذي يسير على وتيرة متسارعة ويُقَدِّم أخبا ارا تتدفق كل ثانية عبنر أجهنزة المحمنول واألجهنزة
اللوحية والتكنولوجيا المتطورة لجيل جديد ال يقنرأ الخبنر الطوينل وال التحلينل المفصنل ،ويحبنذ التفاعنل منع الخبنر والتعلينق
عليه.
فهل يكون مالذ الصحافة الورقية في العالم العربي في االهتمام بالشأن المحلي كما فعلت الصحف عدة في أوروبا وأميركنا؛
حيث اتجهت نحو "األخبار المحلية والخدمية التني تهنتم بالتفاصنيل التني تتعلنق بحيناة المنواطنين اليومينة ،وخندمات المنرور
والبورصننة والعقننارات وإصنندار مالحننق بهننا دليننل للمنندارس والمستشننفيات وأمنناكن الترفيننه وكيفيننة حجننز بطاقننات دخننول
المباريننات الرياضننية وتننذاكر السننفر والسننياحة ،وإعالنننات للعننروض الترويجيننة للمجمعننات والمحننالت التجاريننة المختلفننة
والمطاعم والمقاهي القريبة من سكن القارئ)44(.
16
قد يكون الحل كذلك في التوجنه نحنو صنحافة النرأي والمقنال والتحلينل والصنحافة االستقصنائية ،أو ابتكنار مضنامين جديندة
تكون بمثابة مواد تفاعلية ،وتشاركية وفئوية لألجيال الناشئة التي فَقَدَت الصحف الورقية جز اءا كبي ارا منهم .وفي هذا السنياق
يؤكد نائب رئيس غوغل في المملكة المتحدة ،نيكس أيرور) ، (Nikesh Arourأن العالم "يمر بمرحلة انتقالية بين نموذج
ُمتَسلِّط تسقط فيه المعلومة من األعلى ونموذج تشاركي ،وعليه يجب علينا أن نتخلن من غطرستنا القديمة وإفساح المجنال
للقراء ليشاركونا تجاربنا(.)45
ويتطلب االستعداد لمواكبة التطور واالنتقال إلى مرحلة جديدة من الرقمنة في عالمنا العربي ا
عمال كبينرا ا للنهنوض بمسنتوى
أدوات الصحف الورقية وامتالك أدوات جديدة تسمح لها بمنافسة السوق اإلعالمية من حيث استقطاب شنريحة الشنباب التني
يعنول عليهننا االقتصنناديون فني إضننفاء مكاسننب جديندة لهننذه الصننحف ،فنني وقنت يننتكهن فيننه النبعض مننن المفكننرين الغننربيين
بإمكانية إنشاء شنبكتين متنوازيتين علنى اإلنترننت "الشنبكة الحالينة التني سنتُترك فني فوضناها ،وشنبكة أخنرى ممينزة أسنرم
وأقننوى وأغلننى سننتركز علننى تميننز الخنندمات ،ممننا سننيوفر لكننل فننرد إمكانيننة النندفع بحجننم مننا يسننتهلك ،كمننا هنني الحننال فنني
المطعم"( ،)46وإن كانت إمكانية الدفع مقابل القراءة خاصية قد تتأخر ا
قليال فني العنالم العربني النذي يعناني منن شنيء اسنمه
"ادفع مقابل خدمة ".
وإذا كان التطور صفة حياتية البند منن مواكبتهنا ،فإننه يجنب أن تكنون هنناك أدوات تقنيس الفائندة اإليجابينة جنراء االسنتعانة
بتكنولوجيات االتصال الحديثة في شتى مجاالت اإلعالم علنى غنرار اسنتخدام الهواتنف الذكينة التني أصنبحت مصندرا ا مهمانا
لألخبار؛ وظفها الكثير من المؤسسات الصحفية للوصول من خاللها لشريحة جديدة من القراء تتمثل في قطام الشباب النذي
يبحث عن المعلومة السريعة.
فالتأسيس للغة مشتركة بين الصحيفة وقرائهنا الشنباب النذين يمثلنون العصنب الرئيسني النتشنار وسنائل اإلعنالم اإللكترونينة
مرحلة مهمة في اتجاه تكريس عالقنة يشنعر منن ورائهنا الشنباب بنأن هنناك منن "يتحندث لغنتهم ويفهنم همنومهم ويسنتوعبها،
ا
فضال عن اإليفاء بمتطلباتهم ،وهو ما يجب أن تنتبه إليه الصحف الورقينة لتفنادي أينة عراقينل قند تقن ِّوض انتشنارها وتندفعها
إلى االنعزال واالنحسار تدريجياا"( )47بدل االستمرار.
وقد ال يستطيع االستمرار هنا إال من كان "عض اوا في مجموعة أو دائرة صناعة إعالمية متكاملة ،تضم اإلذاعنات والمواقنع
اإلخبارية وغيرها من الوسائط اإلعالمية ،حتى يمكنها التغلب على مصاعبها المختلفة وعلنى رأسنها االقتصنادية"( .)48إن
ضننا عبننر اإلسننرام بتطننوير المحتننوى وتطويعنه الحتياجننات القننارئ العربنني الجدينند؛ ألن "التغييننر قننادم ال
االسنتمرار يمننر أي ا
محالة ومن يقف مكانه سيتجمد أو يختفي كما اختفت وانقرضت مهن وصناعات كثينرة فني لمنح البصنر وكننا نظنن اسنتحالة
االستغناء عنها)49(.
إن االعتراف إذن بأن اإلعالم الرقمي أصبحت لديه شنعبية ال يمكنن االسنتهانة بهنا ،وبنات مقصنداا للبناحثين عنن المعلومنات
امنية السريعة -على الرغم منن عجنزه أحيانانا عنن تقنديم التحلنيالت وامراء المعمقنة -أصنبح أمنرا ا واقعانا ،ولكننه يحتناج إلنى
الكثير من األطر التي يجب أن تحكم عمله عبر تنظيمه و َمأْ َس َستِه حتى نتمكن من مساءلته إن تطلب األمر ذلك.
17
وال نقصد هنا بالتنظيم والـ َمأْ َس َسة الطريقةَ الفرنسيةَ حين تم تكوين هيئة تفكير في هذا الشأن تسنمى "الهيئنة العامنة للصنحافة
المكتوبة" في خريف 2008التي "لم تقم في نهاية المطاف بأكثر من إجراء تعديل فني عملينة التنظنيم ،وبالتنالي فنإن كنل منا
قَد َمتنه هنذه الهيئنة كنان عبنارة عننن عملينة إصنالح فقنط وإعنادة التنظنيم الننوظيفي والمنالي منن دون البحنث فني واقنع وحقيقننة
الصحافة الورقية اليوم ،التي بات اإلعالن يغيب عن صفحاتها وينأى عنها القارئ على تعندد اهتماماتنه؛ منا دعنا الكثينر منن
مسؤولي الصحافة والنقابات المهنية إلى بذل ما بوسعهم للتفكير في رسم استراتيجيات جديدة ،قادرة على تجنيب المؤسسنات
الصننحفية مخنناطر تلننك التغيننرات السننلبية وخثارهننا ،بينمننا كننان األمننر يتطلننب اإلسننرام بابتكننار وإيجنناد أسنناليب جدينندة تعننالج
المشكلة من جذورها وليس فقط اإلجراءات الشكلية التي ال تتخطى الترميم وتقديم المعونات"(.)50
وفنني سننياق متصننل ،فإنننه يجننب اإلعننداد الجينند لهننذا االنتقننال السننلس للصننحف الورقيننة نحننو اإللكترونيننة التنني بننالرغم مننن
المؤشرات اإليجابية الكثيرة التي تصب في صالحها في العالم العربي" ،فإن كثي ارا منن الصنعوبات والتحنديات والسنلبيات ال
تننزال تُشن ِّكل حجننر عَثننرة أمامهننا ممننا يُو ِجننب علننى المهتمننين بهننذه الصننناعة العمننل علننى تالفيهننا فنني المسننتقبل إذا مننا أرادوا
النهوض بها)51(.
وتتلخن هذه العراقيل( )52في الصعوبات المالية التي تتعلق بالتمويل ،وعدم وضوح الرؤينة المتصنلة بمسنتقبل هنذا الننوم
من اإلعالم ،باإلضافة إلى عدم خضنوعها للرقابنة فني ظنل ضنعف األنظمنة واللنوائح والقنوانين التني تنظمهنا؛ إذ لنم تواكنب
التشننريعات فنني عنندد مننن البلنندان العربيننة علننى غننرار المغننرب أو األردن أو الكويت...أسنناليب عمننل الصننحافة اإللكترونيننة
وتطورها حتى تتمكن من ضبط أساليب مراقبتها في حال قيامها بتجناوزات ،خاصنة إنهنا باتنت مصندرا ا للشنائعات واألخبنار
المثيرة للجدل في الكثير من األحيان .كما يُال َحر في العديد من الصنحف اإللكترونينة خنرق واضنح للملكينة الفكرينة باعتبنار
هذه الصحف تنتهج سياسة االستنساخ من الصحف المحلية والعالمية ،ووكاالت األنباء ،واستبدال أسماء المحررين وال ُكتناب
بأسماء أخرى ال عالقة لها بإنتاج تلك المضامين في أحيان كثيرة.
ما يمكن اإلقرار به إذن ،هو أنه إذا كان أكثر من 2.7مليار شخن يقرؤون اليوم الصحافة الورقية في العالم ،مقابل حوالي
3.2ملينارات يسننتخدمون اإلنترنننت وصننحافته اإللكترونينة( ،)53فننإن السننيطرة علننى اإلعنالم اإللكتروننني والشننبكة الرقميننة
عمو اما ستبقى بيد من يتحكم في النظم المعلوماتية لتستأثر الندول المتقدمنة فني نهاينة األمنر وعلنى رأسنها "حنارس الشنبكة":
الواليننات المتحنندة ،بأرباحهننا االجتماعيننة واالقتصننادية مننن خننالل سننيطرتها علننى تكنولوجيننا تصنننيع المكتننوب والمسننموم
والمرئي بشكل شبه مطلق؛ مما يُ َمثِّل خط ارا على حرية اإلعالم والديمقراطية ،ويجعل السلطة الرابعة سلطة خانعنة لسنلطتي
السياسة والمال.
18
مالحـق
أكبر عشر دول عربية استخدا اما لإلنترنت (ملحق رقم )1
19
_______________________________________________________________________
* المعز بن مسعود ،أستاذ جامعي وباحث في علوم اإلعالم واالتصال بالجامعة التونسية.
المصادر و المراجع
.Boullier, (Dominique, " Usages du Vidéotex et Utopie Techniciste ", Réseaux (28), Avril 1984 )1
Pierre, Moeglin, "Télématique : De la recherche sur les Usages aux Usages de la Recherche", bulletin du CERTEIC, N 12, Mai 1991,
et André, Vitalis, dir, "Médias et nouvelles technologies : Pour une socio politique des usages", Collection Médias et nouvelles
).technologies, (Rennes, Editions Apogée, 1994
Miège, Bernard, "L’Evolution des médias confrontés à la recherche", Dossier de l’audiovisuel ; la recherche ()2
en information et communication en France, N 85, Mai-Juin 1999, et Josiane, Jouet "Retour critique sur la sociologie des usages",
Réseaux, N 100, 2000.
متالر ،أرمان وميشال ،تاريخ نظريات االتصال ،ترجمة نصر الدين لعياضي والصادق رابح( ،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،)2005 ،ص .176 ()3
Armand, Mattelart et Michele, Mattelart, Penser les médias, Textes à l’appui, (La découverte, Paris, 1986). ()4
"ماهية الصحافة اإللكترونية وعوامل تطورها"( ،تاريخ الدخول 30 :أكتوبر/تشرين األول http://diae.net/6790 :)2016 ()5
يُعد التيليتكست ا
نقال للنن إلى المشاهدين في اتجاه واحد ،وذلك عبر إشارة تليفزيونية لخطوط المسح غير المستخدمة ،وتقوم خلة خاصة موجودة بجهاز التليفزيون بفك شفرة ()6
البيانات ،لتظهر هذه البيانات في شكل صفحات من النن يستطيع المشاهد أن يتخير من بينها ما يشاء.
بال ،فرنسيس ،إيميري ،جيرار ،وسائط اإلعالم الجديدة( ،عويدات ،لبنان ،)2001 ،ط .1ص .7 ()7
المصدر السابق.7 ، ()8
المدونون األحرار" ،اإلعالم اإللكتروني ومستقبل الصحافة المطبوعة في العالم العربي"( ،تاريخ الدخول 20 :سبتمبر /أيلول :)2016 ()9
http://khaledfayyad.blogspot.qa/2009/09/blog-post.html
( )10سالم تربان ،ماجد ،اإلنترنت والصحافة اإللكترونية :رؤية مستقبلية( ،الدار المصرية اللبنانية ،مصر ،)2008 ،ص .98
( )11عبد القادر ،أحمد" ،بين الصحيفة اإللكترونية والموقع اإللكتروني...فروقات ال يمكن تجاهلها" ،البوابة العربية لألخبار التقنية( ،تاريخ الدخول 2 :نوفمبر/تشرين الثاني :)2016
/https://aitnews.com/2006/03/06/3802
( )12محمد الدليمي ،عبد الرزاق ،اإلعالم الجديد والصحافة اإللكترونية( ،دار وائل ،األردن ،)2011 ،ط ،1ص .220
( )13المصدر السابق ،ص ".220هل تنقرض الصحف الورقية ا
فعال في الـ2040؟"،
(تاريخ الدخول 1 :أغسطس/خب http://raseef22.com/life/2016/03/16:)2016
( )14المرجع السابق.
( )15المرجع السابق.
( )16المرجع السابق.
(Poulet, Bernard, La fin des journaux et l'avenir de l'information, )17
(Gallimard, 2009), p. 221.
(Ibid, p. 17 )18
(Ibid, p. 98. )19
(Ibid, p. 131. )20
( )21انظر" :رغم األزمات..الصحافة الورقية في مصر تصارم من أجل البقاء" ،العين 22 ،مارس/خذار ( ،2016تاريخ الدخول 30 :يونيو/حزيران https://al-:)2016
ain.com/article/99726
( )22المرجع السابق.
( )23كاول ،فينيت" ،الصحافة في عصر التكنولوجيا الرقمية" ،القافلة( ،تاريخ الدخول 30 :يونيو/حزيران :)2016
http://qafilah.com/ar
(Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p 158. )24
(" )25المدونات العربية ثورة على تابوهات الصحافة التقليدية" ،العرب ،فبراير/شباط ( ،2016تاريخ الدخول 10 :سبتمبر /أيلول :)2016
( )26المرجع السابق.
( )27القيسي ،منتظر" ،مواقع التواصل االجتماعي :الصحافة تالحق العالم االفتراضي"( ،تاريخ الدخول 30 :يوليو/تموز /http://www.imh-org.com :2016
( )28المرجع السابق.
( )29المرجع السابق.
( )30المرجع السابق.
( )31المرجع السابق.
(" )32ثورة اإلنترنت ومستقبل الصحف المطبوعة اإللكترونية في العالم العربي" ،الشرق األوسط 2 ،يناير/كانون الثاني ( ، 2001تاريخ الدخول 22 :يوليو/تموز :)2016
http://archive.aawsat.com/details.asp?article=19805&issueno=8071#.WDth6tLJzIU
( )33الفيصل ،عبد األمير ،الصحافة اإللكترونية في الوطن العربي( ،دار الشروق ،األردن ،)2006 ،ط ،1ص .174
(" )34ثورة اإلنترنت ومستقبل الصحف المطبوعة اإللكترونية في العالم العربي" ،مرجع سابق.
( )35المرجع السابق.
20
( )36المرجع السابق ،بتصرف.
( )37المرجع السابق ،بتصرف.
( )38المرجع السابق ،بتصرف.
Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p 185. ()39
(" )40صحافة الموبايل تقتحم عالم اإلنتاج اإلعالمي" ،العرب ،مارس/خذار ( ،2015تاريخ الدخول :سبتمبر/أيلول / http://alarab.co.uk/article:)2016
( )41هوشيار ،جودت" ،هل انتهى زمن الصحافة الورقية؟" ،الراكوبة( ،تاريخ الدخول 20 :سبتمبر/أيلول :)2016
http://www.alrakoba.net/news.php?action=show&id=101884
( )42الراشد ،عبد الرحمن" ،لن تموت الصحف" ،الشرق األوسط 2 ،يونيو/حزيران ( ،2015تاريخ الدخول 1 :أغسطس/خب :)2016
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11509&article=572215#.WCrEINLJzIU
( )43عبد الصادق ،محمد" ،مستقبل الصحافة الورقية في الوطن العربي" ،الوطن 12 ،إبريل/نيسان ،2016
(تاريخ الدخول 1 :أغسطس/خب http://alwatan.com/details/107639 :)2016
( )44المرجع السابق.
(Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p182. )45
(Ibid, p. 205. )46
( )47أحمد ،يحيى ،صبح ،فاتن" ،الصحف الورقية تتطلب تطويرا ا واإللكترونية تحتاج توثيقاا" ،البيان 13 ،مايو/أيار ( ،2016تاريخ الدخول 1 :أغسطس/خب :)2016
.http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/
( )48المرجع السابق.
( )49المرجع السابق.
(Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p. 215. )50
( )51سيد ،محمد" ،تأثير الصحافة اإللكترونية على مستقبل الصحف الورقية" ،األلوكة( ،تاريخ الدخول 20 :سبتمبر/أيلول :)2016
/http://www.alukah.net/culture/0/50101
( )52المرجع السابق.
( )53رغم األزمات ،الصحافة الورقية في مصر تصارم من أجل البقاء" ،مرجع سابق
انتهى
21