You are on page 1of 21

‫دراسات إعالمية‬

‫الصحافة الورقية العربية ‪:‬‬


‫الرقْمَنَة ؟‬
‫صراع البقاء ورهانات َّ‬

‫د‪.‬المعز بن مسعود*‬

‫‪Al Jazeera Centre for Studies‬‬


‫‪Tel: +974-44663454‬‬
‫‪ 6‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪2016‬‬
‫‪jcforstudies@aljazeera.net‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net‬‬
‫(الجزيرة)‬

‫ملخص‬
‫تبحث الدراسة في مسارات التحوالت التي تشهدها الصحافة الورقية في العالم العربي‪ ،‬وتُفِ ِّكر في األجوبة العلمية التي ينبغي صياغتها عند الحديث عن تحديات‬
‫بقائها ورهانات َر ْق َمنَتِها؛ فالحلم بانتقال سلمي للطباعة من الورق إلى اإلنترنت يجب أن يُناقَش‪ ،‬في نظر الباحث‪ ،‬خارج إطار نظرية "الكارثية المستنيرة"‬
‫للفيلسوف الفرنسي جان بيير دوبي (‪ ،)Jean-Pierre Dupuy‬إذا ما سلمنا بأن األسوأ سيُحْ ِدق بالصحافة الورقية في صورة استسالمها إلرهاصات شبكة‬
‫اإلنترنت‪ .‬فهذه النظرية رغم سعيها إلى تحطيم الحدود‪ ،‬فإنها ال تُقَ ِّدم َم ْد َخ اال نظرياا واضحاا؛ ُمفَ ِّسراا لعالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫يستند الباحث إلى نظرية النشوء التعايشي التكافلي ‪ -‬ولئن كانت مثلها مثل استراتيجية النزعة الكارثية المستنيرة تجد مرتكزاتها وأصولها الفكرية في علم‬
‫البيولوجيا التطورية‪ -‬فإنها تساعد على فهم العالقة بين الصحافة الورقية والر ْق ِمية‪ ،‬باعتبارهما " َخلِيتَ ْين" ال يمكن إلحداهما أن تعيش دون وجود األخرى؛ فـ"هذه‬
‫النزعة النفعية التي تحفِّ ز البحث عن األدوات اإلبستمولوجية (المعرفية)‪ ،‬تسمح بتحييد التوتر عبر الحلول التقنية" التي تُجسِّد أساس تَفَوق الصحافة الرقمية على‬
‫الصحافة الورقية‪ .‬وتجد هذه النظرية جذورها في المقاربة الن سقية باعتبار "االرتباط الوثيق بين ظهور فكرة "المعلومات" واألبحاث البيولوجية" ‪.‬كما تستند‬
‫الدراسة إلى العقالنية التقنية‪ ،‬أحد مكونات النظرية النقدية‪ ،‬للمساعدة على تفسير اإلشكاليات التي تطرحها المنظومة اإلعالمية التقليدية التي أصبحت غير قادرة‬
‫على مواكبة تحوالت المنظومة االتصالية الجديدة‪ ،‬وفهم عالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما‪.‬‬

‫وحاول الباحث في دراسته االقتراب من مفهوم اإلعالم اإللكتروني في عالقته بالصحافة الورقية‪ ،‬وتناول وضعيته في العالم العربي‪ُ ،‬م ْستَ ْك ِشفاا تاريخ بداية دخوله‬
‫ض احا أشكاله ومشاكله وإمكانياته الحالية‪ ،‬وفرص تطورها‪ .‬كما حاول البحث في ظاهرة اندماج‬
‫ضمن العادات االستهالكية االتصالية للمجتمعات العربية‪ ،‬و ُم َو ِّ‬
‫الورقي واإللكتروني‪ ،‬وتطور الصحف اإللكترونية إلى بوابات إعالمية‪ ،‬واستقصاء رهانات الرقْ َمنَة‪ ،‬وتطور طبيعة عالقة انتشار اإلعالم اإللكتروني بتراجع‬
‫نسب توزيع الصحافة الورقية في العالم العربي وكيف أَثرت فيه وتَأَثرت به‪ُ ،‬م ْستَ ْش ِرفاا مستقبل اإلعالم اإللكتروني العربي في ظل الصعوبات والعراقيل التي‬
‫يواجهها‪ ،‬ومدى قدرة اإلعالم الورقي تحدي ادا على تطويع مضامينه بما يواكب متطلبات المرحلة ورهاناتها‪.‬‬

‫وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من االستنتاجات لعل أهمها أن دُور النشر الصحفي في العالم بأسره تتجه إلى تنويع نشاطاتها اإلعالمية؛ ففي الوقت الذي يتحدث‬
‫فيه الناشرون العرب عن الجدوى االقتصادية من إنشاء مواقع إلكترونية فإن نظراءهم في الغرب استوعبوا الجانب االقتصادي للنشر اإللكتروني‪ ،‬معتبرين أن‬
‫العامل المشترك الرئيس بين صناعتي النشر التقليدي واإللكتروني هو المحتوى المتميز‪ .‬كما توصلت الدراسة إلى حصول تغيير ُم ِهم في مفهوم الصحيفة‬
‫اإللكترونية؛ حيث تطورت هذه الصحف من كونها نس اخا مطبوعة إلى بوابات إخبارية وإعالمية وترفيهية ذات شخصية مستقلة‪ ،‬لذلك يميل الباحث إلى اإلقرار‬
‫بأن المستقبل سيكون للتجمعات اإلعالمية‪ ،‬ومن ثم لن يكون للصحف الورقية أي مستقبل "إذا لم تكن قادرة على خلق تكتالت أو تجمعات ما‪ ،‬تجعلها تصمد‬
‫وتستمر‪ ...‬كما لم يعد مناسباا االكتفاء بإنتاج محتويات فحسب‪ ،‬بل يجب التمكن من القيام بدور الوسيط والمو ِّحد والمح ِّرك للتجمعات على شبكة اإلنترنت"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫تواجه الصحافة الورقية منذ بضع سنوات أزمة حقيقية أخذت تتفاقم من سنة إلى أخرى في العديد منن الندول‪ ،‬خاصنة الندول‬
‫الغربية المتقدمة وبدرجة أقل العربية‪ ،‬نتيجة ظهور شنبكة اإلنترننت وثنورة االتصنال والمعلومنات‪ ،‬لِتَتَغَينر خريطنة المنافسنة‬
‫في عالم الصحافة بين صحف ورقية فيما بينها‪ ،‬إلنى صنحف ورقينة وأخنرى إلكترونينة‪ .‬وقند اكتسنب هنذا الننوم الجديند منن‬
‫الصحافة أهمية بالغة منذ ظهنوره فني أوائنل تسنعينات القنرن العشنرين بعند أن لُنوحر تَغَينر فني سنلوك العنادات االسنتهالكية‬
‫للقُراء خاصة مع ظهور جيل اإلنترنت الذي لم يعد يتعامل مع الصحف الورقية بنفس شغف تعامله مع الصحف اإللكترونينة‬
‫التني تتمينز بسننرعة نقلهنا للمعلومننات وإبهارهنا‪ .‬فقنند أتاحنت الصننحف اإللكترونينة للمسننتخدم فرصنة متابعننة األحنداث لحظننة‬
‫حندوثها ونقننل المعلومنات بالصننوت والصنورة فنني الوقنت الننذي تضنطر فيننه الصنحيفة الورقيننة لالنتظنار ‪ 24‬سنناعة لطباعننة‬
‫الخبر؛ فتَ ْفقِد بذلك السبق الصحفي الذي ظل لعدة سنوات أحد مؤشرات نجاح الصحيفة ‪.‬‬

‫ومع انتشار اإلنترنت وارتفام أعداد مسنتخدميه‪ ،‬سنعى العديند منن المؤسسنات الصنحفية فني العنالمين الغربني والعربني إلنى‬
‫إنشاء مواقع إلكترونية لصحفها ومطبوعاتها الورقية؛ حيث يعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالم إلى عام ‪ 1993‬بعند‬
‫أن أطلقت صحيفة "سان جوزيه ميركوري" األميركية نسختها اإللكترونية‪ ،‬تالها ‪-‬وبعند عنام واحند فقنط‪ -‬تأسنيس صنحيفتي‬
‫ديلي تليغراف )‪ (Daily Telegraph‬والتايمز )‪ (Times‬البريطانيتين لنُ ْس َختِهما اإللكترونية ‪.‬‬

‫عربياا‪ ،‬وتزامناا مع إصدار صحيفة النهار اللبنانينة لنسنختها اإللكترونينة‪ ،‬أصندرت صنحيفة الشنرق األوسنط اللندنينة نسنختها‬
‫اإللكترونيننة عننام ‪ ،1995‬بينمننا تُعتبننر صننحيفة إيننالف‪ ،‬الصننادرة فنني لننندن عننام ‪ ،2001‬أول ِمنَصننة إلكترونيننة عربيننة‪ .‬ومننع‬
‫تطور اإلمكانات المتاحة على اإلنترنت ظهرت المواقع اإلخبارية التي كانت في البداية تابعنة لمؤسسنات وشنبكات إعالمينة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬موقع "الجزيرة ننت" و"العربينة ننت"‪ ،‬قبنل أن يُفنتح البناب علنى مصنراعيه مالف المواقنع اإللكترونينة‪ ،‬وهنو منا َمهن َد‬
‫الطريق لظهور المدونات التي تُ َمثِّل أبرز أنوام اإلعالم البديل؛ األمر الذي دفع باتجناه ضنرورة التميينز بنين منا يطلنق علينه‬
‫اسم صحيفة إلكترونية وموقع إخباري إلكتروني‪ ،‬ومدونة ‪(Blog).‬‬

‫أما اليوم وبعد ُمضي حوالي خمسة عشر عا اما على هذه التجربة‪ ،‬فإن بإمكان مستخدم اإلنترنت الوقوف على عنناوين كثينرة‬
‫لصحف إلكترونية عربية حديثنة لنم يتعند تناريخ إنشنائها أشنه ارا قليلنة‪ ،‬منا يؤكند ازدهنار الصنحف غينر التقليدينة أو الصنحف‬
‫اإللكترونية التي يقتصر إصدارها على النسخة اإللكترونية‪ ،‬وهو منا يُؤَ ِّشنر إلنى ارتفنام عندد قنراء هنذه الصنحف فني مقابنل‬
‫انخفاض نسبة قراءة الصحف الورقية بشكل عام‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬أكد تقرير صدر عن مركز بيو لألبحناث تنناول تحنديات‬
‫الصننحافة الورقيننة واإللكترونيننة ومسننتقبلها‪ ،‬أن مزي نداا مننن األميننركيين يتجهننون إلننى اإلنترنننت لمعرفننة األخبننار‪ ،‬فنني مقابننل‬
‫انخفاض قراء الصنحف الورقينة‪ ،‬وكنذلك بالنسنبة للعديند منن الندول العربينة التني تعنرف فيهنا اسنتخدامات اإلنترننت تطنورا ا‬
‫ُمط ِرداا يُبَيِّنُه الجدول رقم (‪ )1‬في قائمة ملحق ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ا‬
‫أوًل‪ :‬اإلطار المنهجي للدراسة‬

‫أ‪ .‬مشكلة الدراسة‬


‫َكثُر الحديث في السنوات األخيرة عن تهديد الصحافة اإللكترونية واإلعالم اإللكتروني بشكل عام للصحافة الورقية‪ ،‬واعتبر‬
‫البعض في العالم العربي ‪-‬على ضوء ما يحدث في العالم الغربي‪ -‬أن "الصحافة اإللكترونية ستكون ا‬
‫بديال للصنحافة الورقينة‬
‫ق إلنى محامنل‬
‫التي تمضي إلى الزوال ال محالة"‪ ،‬تماشياا مع واقع العصر الذي نعيشه‪ ،‬وظهنور جينل جديند منن الشنباب تنوا م‬
‫إعالمية تتحدث لغتهم وتفهم تطلعاتهم وتستوعبها‪.‬‬

‫وفي مقابل هذه النظرة المتشائمة‪ ،‬ينرى خخنرون أن الصنحافة الورقينة قنادرة علنى اسنتيعاب التطنورات الحاصنلة فني مجنال‬
‫اإلعننالم الرقمنني وأن الجننزم باختفائهننا أو اننندثارها لننيس لننه مننا يُبَ ن ِّررُه‪ ،‬بعنند أن نجننح المطبننوم فنني التعننايش مننع الراديننو‪،‬‬
‫والتليفزيون‪ .‬وهنا‪ ،‬تبرز مشكلة الدراسة في إمكانيات اإلعالم الرقمي بخصوصياته التفاعلية والتشاركية والتزامنينة لتجناوز‬
‫الصحافة الورقية‪ ،‬ومدى قدرة هذا الوسيط التقليندي النورقي علنى حماينة نفسنه منن رهاننات الر ْق َمنَنة ليكنون ُمنَافِسانا ل عنالم‬
‫اإللكتروني ولنيس فقنط ُمتَ َعايِ اشنا معنه‪ ،‬وهنو منا يسنتدعي البحنث فني ننوم العالقنة المحتملنة بينهمنا فني ظنلِّ اإلشنكاليات التني‬
‫تطرحها المنظومة اإلعالمية التقليدية التني أصنبحت غينر قنادرة علنى مواكبنة تحنوالت المنظومنة االتصنالية الجديندة‪ ،‬وفهنم‬
‫عالقة الصحافة الورقية باإلعالم اإللكتروني ومستقبلهما‪.‬‬

‫ب‪ .‬أسئلة الدراسة‬


‫تحاول الدراسة اإلجابة عن األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬هننل باتننت الصننحف الورقيننة فنني العننالم العربنني تعنناني تبعننات هَجْ ِرهننا مننن قبننل قرائهننا الننذين تغيننر سننلوكهم االتصننالي‬
‫بـ"االعتماد" على اإلعالم الرقمي واستخدام ِمنَصاتِه المختلفة؟‬
‫‪ .2‬هل المنظومة اإلعالمية التقليدية التي أصبحت غينر قنادرة علنى مواكبنة تحنوالت المنظومنة االتصنالية الجديندة تقنف الينوم‬
‫وراء اإلشكاليات التي تعاني منها الصحافة الورقية‪ ،‬ومن ثم السلوك االتصالي الجديد للمستخدم الذي بات اإلعنالم الرقمني‬
‫يُ ْشبِ ُع احتياجاته المعرفية والسياسية والترفيهية؟‬
‫‪ .3‬أي دور يلعبه المستخدم المنتج للمحتوى وصحافة المواطن عمو امنا فني ظهنور بيئنة اتصنالية جديندة وسنلوك اتصنالي جديند‬
‫لدى مستخدم اإلنترنت؟‬
‫‪ .4‬كيف تبدو طبيعة العالقة بين الصحف الورقية واإلعالم الرقمي؟ وأي مستقبل ينتظر المحملين معاا؟‬

‫ج‪ .‬أهمية الدراسة‬


‫تكمن أهمية الدراسة في رصدها لشكل العالقة المستقبلية بين الصحافة الورقية واإللكترونية في ظل التحديات التي تواجهها‬
‫الصحافة المطبوعة على صعيد بقائها واستمراريتها‪ .‬كما تحاول رسم حندود أهميتهنا منن خنالل تشنخين رهاننات الرقمننة‪،‬‬
‫والصعوبات والعراقيل التي تواجه الصحافة اإللكترونية باعتبارها أحد الوسائل اإلعالمية الجديدة في العالم العربي‪ .‬وتزداد‬
‫أهمية الدراسة أيضا ا في ظل حاجة المكتبة العربية إلى دعم األبحاث العلمية التي تتناول هذه القضايا واإلشكاليات ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬أهداف الدراسة‬
‫تسعى الدراسة إلى‪:‬‬
‫تشخين دقيق و ُمفَصل للتحوالت التي تشهدها الصحافة الورقية في العالم العربي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫معرفة مدى تطور طبيعة عالقة انتشار اإلعالم اإللكترونني بتراجنع الصنحافة الورقينة‪ ،‬وتنأثير ذلنك علنى مسنتقبل‬ ‫‪‬‬
‫كل منهما‪.‬‬
‫دراسننة طبيعننة الصننعوبات والعراقيننل التنني تواجههننا الصننحافة الورقيننة واإلعننالم الرقمنني‪ ،‬ومنندى قنندرتهما علننى‬ ‫‪‬‬
‫مواجهة متطلبات المرحلة ورهاناتها ‪.‬‬

‫ه‪ .‬مدخل نظري‬


‫اقتحمت الصحافة الرقمية عالم اإلعالم والمعلومات واألخبار واالتصنال‪ ،‬وانتزعنت منن الصنحافة الورقينة عندداا كبين ارا منن‬
‫جماهيرها الذين تغيرت لديهم عادات االستهالك االتصالية لِيَت ِجهُوا نحنو الكمبينوتر واأللنواح اإللكترونينة والهواتنف الجوالنة‬
‫للحصول على األخبار والمعلومات‪ ،‬ولِيَتَغَير بذلك دور الوسيط والتفاعل في البناء الجماعي للموضنوم التقنني فني إطنار منا‬
‫صنن لهمنا نظرينة السوسنيولوجيا الوظيفينة َحيِّن ازا مهمانا منن اهتماماتهنا‪ .‬وقند‬
‫يُسمى بـ"االستخدامات واإلشباعات" اللتين تخ ِّ‬
‫أظهر الباحثون في هذا السياق "أن تشكل االستخدام االجتماعي لهذه التقنيات يسنتند إلنى السنيرورة المعقندة التني تتنيح التقناء‬
‫التجديد التقنني بالتجديند االجتمناعي(‪ )1‬لتجعنل منهنا (أي التقنينات) ضنرورة‪ ،‬بعند أن بيننت التقييمنات خطنر االنغنالق داخنل‬
‫النزعة اإلمبريقية"(‪.)2‬‬

‫في سياق هذا الطرح النظري‪ ،‬فإن انغالق المنظومة اإلعالمية التقليدية على نفسها بطريقة جعلتهنا غينر قنادرة علنى مواكبنة‬
‫تحوالت المنظومة االتصالية الجديدة يُعد في ح ِّد ذاته خطرا ا على الصحافة الورقية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن تلك المنظومة مطالبة بالعمنل‬
‫علننى التكيننف مننع البيئننة اإلعالميننة الجدينندة‪ ،‬التنني فرضننت تَغَيننرا ا فنني عننالم مهنننة الصننحافة‪ ،‬وكرسننت أسنناليب جدينندة لِتَلَقِّنني‬
‫الجمهور لألخبار والمعلومات‪ ،‬و َح َر َمت الصحافة الورقية من االحتكار الذي كانت تنعم به‪.‬‬

‫إن تحسن إدراك المؤسسنات اإلعالمينة ألثنر تكنولوجينا اإلنترننت علنى الصنحافة التقليدينة قند يسنتمد مشنروعيته ممنا تنوفره‬
‫المصادر الرقمية المختلفة من معلومات تُع ِّزز من محتنوى ومضنامين النورقي‪ ،‬تما امنا كمنا وفنرت للصنحافيين أدوات جديندة‬
‫لتطوير مهنتهم‪ .‬في إطار هذا الطرح قند تسناعد نظرينة النشنوء التعايشني ‪-‬التني تسنتمد أصنولها الفكرينة منن علنم البيولوجينا‬
‫التطورية‪ -‬على فهم العالقة بين الصحافة الورقية والرقمينة‪ ،‬باعتبارهمنا " َخلِيتَنيْن" ال يمكنن إلحنداهما أن تعنيش دون وجنود‬
‫األخرى‪ .‬وفي السياق نفسه‪ ،‬قد تساعد أيضا ا مقاربة العقالنية التقنية ‪-‬في إطار النظرية النقدية لهربرت ماركوز ‪(Herbert‬‬
‫)‪Marcuse‬الشخصية األكثر حضو ارا وبرو ازا ضنمن مدرسنة فرانكفنورت‪ -‬علنى فهنم طبيعنة هنذه العالقنة منن حينث َع ْقلَنَنةُ‬
‫العالم وتطويعه تدريجياا باستثمار التكنولوجيا والعلم‪ ،‬حتى وإن كان ذلك يُخفي أحيانانا مظناهر اسنتعباد أو يُلغني فضناء الفكنر‬
‫الناقد‪.‬‬

‫ويكمن دور الشبكة هنا في "نسيان المجتمع الذي يعيش التباين والتمايز‪ ،‬واقتراح رؤية منسجمة لنه"(‪ )3‬تسنعى إلنى تكنريس‬
‫هيمنة االتصال‪ ،‬والتوفيق بين البحث اإلمبريقي والنقندي‪ .‬ففني الوقنت النذي بنرزت فينه اإلقصناءات االجتماعينة بقنوة "تقنوم‬
‫أيديولوجيا االتصال‪ ،‬والنزعة المساواتية الجديدة بواسطة االتصال‪ ،‬بدور ُمضيف للشرعية"(‪.)4‬‬

‫‪5‬‬
‫ثانياا‪ :‬اإلعالم اإللكتروني واستخداماته‬

‫تعود نشأة الصحافة اإللكترونية إلى بداية السبعينات مع ظهور خدمة التيليتكست(‪ )5‬عام ‪ 1976‬كثمرة تعاون بنين مؤسسنتي‬
‫"بني بني سني" و"اإلندبنندنت برودكاسنتينم"‪ .‬ثنم منع ظهنور نظنام بريسنتيل )‪ (Prestel‬ووالدة خدمنة الفيديوتكسنت(‪ )6‬عنام‬
‫‪ 1979‬علننى ينند مؤسسننة ‪ British Telecom Authority‬البريطانيننة "وبننناء علننى النجنناح الننذي أحرزتننه المؤسسننات‬
‫المننذكورة فنني تننوفير خدمننة النصننوص التفاعليننة للمسننتفيدين‪ ،‬دخلننت بعننض المؤسسننات الصننحفية األميركيننة فنني منتصننف‬
‫الثمانينات علنى الخنط‪ ،‬وبندأت فني العمنل علنى تنوفير النصنوص الصنحفية بشنكل إلكترونني إلنى المسنتفيدين عبنر االتصنال‬
‫الفوري المباشر" (‪.)7‬‬

‫وبالنظر إلى درجة استفادة اإلعالم اإللكتروني من تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت‪ ،‬مثل‪ :‬األقمار الصناعية واالتصناالت‬
‫الرقميننة واالتصننناالت السننلكية والالسنننلكية والوسنننائط المتعننددة‪ ،‬تعنننددت تعريفننات البننناحثين فننني اإلعننالم واالتصنننال لهنننذا‬
‫المصطلح؛ حيث برز مفهومان ل عالم اإللكتروني‪)8( :‬‬

‫األول‪ :‬وهو المفهوم الضيق الذي يعتبر أن ظاهرة اإلعالم اإللكتروني تتحقق بتوفر عدد منن الشنروط والضنوابط والمعنايير‬
‫أولها ما يتصل بالجانب المهني‪ ،‬ومنها استعمال قوالب العمل الصحفي مثل الخبر والتحقيق والحنوار‪ ،‬أو إنتناج موضنوعات‬
‫تتصننل بالتغطيننة الميدانيننة‪ .‬كمننا يتضننمن هننذا المعيننار ضننرورة تننوفر الجانننب االحترافنني‪ ،‬والتفننر والخبننرة‪ ،‬والمهنيننة فنني‬
‫الصحفيين العاملين في المؤسسة الصحفية على شبكة اإلنترنت‪.‬‬

‫أما المعيار الثاني فهو فني تقني يتعلق بالنظام المتبع من قبل المؤسسة التي تملك الموقع اإللكتروني‪ ،‬وهنو نظنام منؤمن ضند‬
‫كل اختراق‪ ،‬إضافة إلى معايير مالية تتصل بنظام التمويل‪ ،‬وقانونية تتعلق بالوضعية القانونية للمؤسسنة‪ .‬وفني هنذا السنياق‪،‬‬
‫يعتبر الباحث ماجد سالم الصحافة اإللكترونية "عملية اتصال صحفي عبر شبكة اإلنترننت تنتم منن خنالل وسنائط إلكترونينة‬
‫متعنددة؛ مسننتفيدة بمننا تقدِّمننه شنبكة اإلنترنننت مننن مزايننا تكنولوجينة‪ ،‬وتصنندر بشننكل دوري‪ ،‬ولهننا موقنع محنندد علننى الشننبكة‪،‬‬
‫وتعتمد على تكنولوجيا الحاسب املي في تحليل وصياغة محتويات الصحيفة وتقديمها إلى القارئ عبنر اإلنترننت لخلنق جنو‬
‫من التفاعل معه وذلك بما تُوفِّره له من إمكانيات التفاعل مع النن‪ ،‬والقدرة على تصفحه واسنتدعائه والبحنث فني محتوياتنه‬
‫وتخزينه واسترجاعه بأيسر الطرق وأسهلها "(‪.)9‬‬

‫وفي مقابل المفهوم األول يتسم المفهوم الثاني بالشمولية "ويُس َمح في ضوء صعوبة تنزيل المعنايير السنابقة علنى الكثينر منن‬
‫المواقع التي يعسر تصنيفها أحياناا سواء من حيث خصائصها الشكلية أو الموضنوعية أو أطرهنا القانونينة" بإدراجهنا ضنمن‬
‫ظاهرة اإلعالم اإللكتروني؛ مثل المدونات‪.‬‬

‫إن الرغبننة إذن فنني تحدينند تعريننف ل عننالم اإللكتروننني تنندفعنا إلننى الحننديث عننن الحاجننة إلننى تحدينند ضننوابط ومعننايير لهننذا‬
‫المصطلح غير ما ذكرناه‪ ،‬والتي تجعلنا نميِّز "بينه وبين هذا الكم الهائل من مواقع اإلنترننت التني تعمنل فني كافنة المجناالت‬
‫وفنني جميننع التخصصننات وإال فننإن البننديل أن نعتبننر كننل موقننع علننى اإلنترنننت موق اعننا صننحفياا"‪ .‬ولكننن بننالنظر إلننى المعننايير‬
‫والضوابط التي يمكن حصر ها‪ ،‬قند تعترضننا مجموعنة منن المحناذير التني تتصنل بطبيعنة المحتنوى أو الخدمنة التني يقندمها‬
‫الموقع اإللكتروني والتي قد ال تقتصر على العمل اإلعالمي على اإلنترنت‪ ،‬بنل تتجناوزه إلنى خندمات أخنرى‪ .‬أمنا المحناذير‬

‫‪6‬‬
‫األخرى‪ ،‬فهي ذات طابع مهني تتعلق بالغموض الذي يشوب مفهوم الصحافة والصنحيفة والصنحفي عمو امنا‪ ،‬ومنا الزم ذلنك‬
‫من جدل حول من يحق له أن نطلق عليه اسم صحفي من عدمه‪.‬‬

‫وعلننى الننرغم مننن تعنندد تعريفننات اإلعننالم اإللكتروننني عمو امننا فإنننه يمكننن تحدينند مجموعننة مننن الفروقننات بننين "الصننحيفة‬
‫اإللكترونيننة" و"الموقننع اإلخبنناري" بنند اءا بطبيعننة النشننأة؛ "فأصننل الصننحيفة اإللكترونيننة أنهننا نشننأت علننى الننورق بالصننورة‬
‫التقليدية كأي صحيفة عادية‪ ،‬لكن القائمين عليها ارتأوا ضرورة مجاراة لغة العصر ببعث نسخة إلكترونية من هذه الصحيفة‬
‫على اإلنترنت‪ ،‬فأنشأوا لها موقعاا على الشبكة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فنإن الصنحيفة اإللكترونينة تمثِّنل نسنخة منن الصنحيفة‪ ،‬التني تصندر‬
‫بطبعاتها المختلفة ورقياا‪ ،‬في السياسة واالتجاه والتحرير؛ أي إنها تُدار بضنوابط الصنحافة الورقينة نفسنها بينمنا لنيس للموقنع‬
‫اإلخبناري اإللكتروننني علننى الشنبكة أصننل ورقنني‪ ،‬وإنمنا يخضننع إلننى قنوانين البيئننة االفتراضننية الالمتناهينة المسننماة بفضنناء‬
‫اإلنترنت وضوابطها"(‪.)10‬‬

‫إضافة إلى هذين الصنفين‪ ،‬هناك صنف ثالث يقترن بـالصحف اإللكترونية البحتة "التي ليس لهنا صنحيفة مطبوعنة وتُغطِّني‬
‫مجاالت األخبار كافة‪ :‬سياسية واقتصادية ورياضنية وسنينمائية وموسنيقية‪ ،‬وتحناول أن تسنتفيد منن تقنينات تصنميم الصنفحة‬
‫لمزيد من التنوم؛ وهي صحف يومية يتم تحديث موادها اإلخبارية خنياا وصفحاتها يوميانا‪ .‬إذن‪ ،‬خالصنة القنول‪ :‬هنناك مواقنع‬
‫تابعة لمؤسسات صحفية تقليدية (وهي مواقع كربونية)‪ ،‬ثم المواقع اإلخبارية‪ ،‬ثم الصحف اإللكترونية"(‪.)11‬‬

‫إن اختالف طبيعة الموقع اإللكتروني ومجاالت نشاطاته أفرز اختالفاا في تعدد اختصاصات األشخاص العناملين فني الموقنع‬
‫اإللكترونني؛ حيننث نجنند‪ ،‬فضن انال عننن الصنحفيين ومنندققي اللغننة‪ ،‬مجموعننة التقنيننين العناملين فنني مجنناالت متعننددة كالصننوت‪،‬‬
‫والصورة‪ ،‬واإلخراج الفني‪...‬إلخ‪ .‬أما منن حينث المحتنوى‪ ،‬فنإن المضنمون الصنحفي اإللكترونني اسنتطام أن يُحندث الفنارق‬
‫مقارنة بالصحافة الورقية في سرعة نقل الخبر وطريقة تحريره وبنائه؛ فالتركيز واالختصار اللذان يعتبنران السنمة الممينزة‬
‫لـ"الخبر اإللكتروني"‪ ،‬إضافة إلى تحديثه‪ ،‬هما المرتكزان الفارقان في الموقع اإلخباري مقارنة بالصحيفة اإللكترونينة التني‬
‫يرتبط زمن التحديث فيها بضوابط الصحيفة الورقية‪.‬‬

‫وكثي ارا ما تتفوق المواقع اإللكترونية على التليفزيون واإلذاعنة فيمنا "يتعلنق بنزمن النشنر قياسانا بنزمن حندوث الخبنر‪ ،‬إال أن‬
‫تلك المواقنع قند تقنع فني أحينان كثينرة فني فنخ مصنداقية الخبنر وعندم حياديتنه عنندما يتعلنق األمنر بعندم التثبنت منن مصنادر‬
‫الخبر(‪.)12‬‬

‫ثالثاا‪ :‬تَ َدفُّق اإلعالم اإللكتروني وانحسار الورقي‬

‫تختلننف مقاربننة أزمننة الصننحافة الورقيننة بننين بلنندان العننالم الغربنني وبلنندان المجننال العربنني؛ فبينمننا نجحننت الصننحف العالميننة‬
‫الغربية في توظيف التطور التكنولوجي قصد إنشاء مواقع إلكترونينة تحتنوي أزمتهنا‪ ،‬وتواجنه منن خاللهنا احتنداد المنافسنة‪،‬‬
‫ظلت الصحف العربية ‪-‬في ظل غياب ثقافة حقيقية لدى أصحاب المؤسسات الصحفية تعني أهمينة منا يُنشنر علنى اإلنترننت‪-‬‬
‫تنظر إلى المواقع اإللكترونية باعتبارهنا إِ ْك ِسسْنوارات للنسنخة الورقينة دون أينة رؤينة اسنتراتيجية‪ .‬يضناف إلنى ذلنك طبيعنة‬
‫الواقع السياسي المعقد الذي يعيشنه العنالم العربني بعند أن فرضنت السنلطة السياسنية حصنارا ا علنى شنبكة اإلنترننت يُضناهي‬
‫الحصار المفروض على بعض الصحف الورقية لسنوات عدة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لكن بتغير واقع استخدامات اإلنترنت في العالم العربني تغينرت المعادلنة؛ حينث بلنم عندد مسنتخدمي شنبكة اإلنترننت حنوالي‬
‫‪ 140‬مليون مستخدم سنة ‪ 2015‬من تعداد نحو ‪ 390‬مليون نسمة يمثلون إجمالي سنكان العنالم العربني‪ ،‬مقابنل ‪ 110‬مالينين‬
‫مستخدم سنة ‪ ،2012‬و‪ 29‬مليون مستخدم في عام ‪ ،2007‬أي بزيادة قدرها خمس مرات بين ‪ 2007‬و‪ ،2015‬بينما لنم يكنن‬
‫إجمالي عدد مستخدمي اإلنترنت العرب في عام ‪ 1997‬يتجاوز ‪ 600‬ألف مستخدم؛ مما خلق ُمتَنَفساا افتراضنياا علنى الشنبكة‬
‫في ظل تواصل الحصار المفروض على عالم الصحافة الورقينة وخاصنة تلنك "الممولنة سياسنياا" التني ظلنت مرتهننة بتغينر‬
‫الخارطة السياسية وانهيار أنظمة وصعود أخنرى‪ .‬فني المقابنل‪ ،‬حاولنت الصنحف الورقينة المسنتقلة مواجهنة غيناب مصنادر‬
‫التموينل وتراجنع مسناهمة المعلنننين بنالتقلين فني عندد الصننحف المطبوعنة‪" ،‬وقند تكنون مصننر المثنال األبنرز لنذلك؛ حيننث‬
‫انخفضت كمية الصحف المطبوعة إلى ‪ 800‬ألنف نسنخة فني العنام ‪ ،2015‬بعند أن قُندِّرت بحنوالي ملينوني نسنخة يوميانا فني‬
‫العام ‪.)13( 2010‬‬

‫كما وجدت صحف لبنانية كـ"السفير" و"النهار" و"اللواء" نفسها مضنطرة إلنى التوقنف عنن الصندور بالنسنخة الورقينة بعند‬
‫تأزم الظروف السياسية واالقتصادية في لبنان وانعكاساتها على الدخل اإلعالني واالشتراكات والبينع‪ .‬وممنا زاد منن تعمينق‬
‫أزمة الصحف الورقية‪ ،‬وشجع في امن نفسه عدداا من المؤسسات الصحفية العربية على إنشاء مواقع إلكترونية‪ ،‬هنو عندول‬
‫الكثير من القُراء عن الصحيفة الورقية في العالم العربي ‪-‬التي أصبحت عاجزة عن مالحقة األحداث المتسنارعة علنى مندار‬
‫الساعة‪ -‬واتجاههم نحو الصحف اإللكترونية والمواقنع اإلخبارينة التفاعلينة التني تقندم التغطينة الخبرينة المتواصنلة لألحنداث‬
‫المحلية والعالمية لحظة وقوعها بتكلفة تكاد ال تُ ْذ َكر مقارنة بتكلفة الصحف الورقية(‪.)14‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬واستجابة لهنذا المعطنى الجديند أنشنأت مؤسسنة التحرينر للطباعنة والنشنر موقعانا لهنا‪ ،‬فني ‪ 16‬فبراير‪/‬شنباط‬
‫‪ ،1997‬ضم النسخ اإللكترونية لصحف الجمهورية والمساء ومصر اليوم والـ "‪"Gazette‬باللغنة اإلنجليزينة‪ ،‬تلتهنا صنحيفة‬
‫الشعب التي صدرت في نسختها اإللكترونية في أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ ،1997‬ثم األهرام األسنبوعي )‪(Ahram Weekly‬‬
‫باللغة اإلنجليزية في منتصف شهر يونيو‪/‬حزيران ‪ ،1998‬ثم النسخة اإللكترونية لجريدة األهرام الصباحية التي انطلقت في‬
‫أغسطس‪/‬خب ‪ .1998‬ومن الصحف العربية التي حرصت على إنشاء مواقع إلكترونية لها‪ :‬الوطن الكويتية واأليام البحرينية‬
‫والدستور والبيان والرأي األردنية وجريدة الحياة‪ ،‬والقبس السعودية‪ ،‬وصحيفة الشرق األوسط وعدد من الصنحف األخنرى‬
‫في قطر وتونس والجزائر والمغرب والكثير من البلدان العربية األخرى‪.‬‬

‫إن الزيادة في عدد المستخدمين ل نترنت في هذه الدول نتيجة التطور التكنولوجي وتنوفر خندمات اإلنترننت المهينأة للتعامنل‬
‫ا‬
‫فضال عن تطور البنية األساسية لالتصاالت في أغلب البلدان العربية‪ ،‬وتراجع كلفة االتصال‪ ،‬تُعد من أهم‬ ‫مع اللغة العربية‪،‬‬
‫العوامل التي أدت إلى تحو ل الصحف الورقية إلى النسنخة الرقمينة وانتشنار ظناهرة صندور الصنحف العربينة عبنر المواقنع‬
‫اإللكترونية؛ مما جعل مؤشر التوقعات بصمود الصحافة الورقية أمام إغراءات شبكة اإلنترنت يتضاءل شيئاا فشنيئاا‪ ،‬خاصنة‬
‫بعد الوقوف على حقيقة مصنير عشنرات الصنحف والمجنالت العريقنة فني أوروبنا وأميركنا التني شنرعت بالفعنل فني إيقناف‬
‫نسختها الورقية خالل السنوات العشر الماضية واكتفت بالصدور عبر مواقعها اإللكترونية‪ .‬وكانت البداية في أميركا بتوقف‬
‫صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن إصدار نسختها الورقية التي انخفضت فني البداينة إلنى ‪ 200‬ألنف نسنخة‪ ،‬واكتفنت‬
‫فنني نهايننة األمننر بمنصننتها الرقميننة التنني يزورهننا أكثننر مننن مليننون مسننتخدم‪ ،‬ومجلننة "نيوزويننك" و"اإلندبننندنت" اللندنيننة‬
‫األسبوعية التي صدرت في العام ‪ ،1986‬وهي أول صحيفة بريطانية تتحول فقط إلى الصيغة الرقمية‪ ،‬كمنا أعلننت صنحيفة‬
‫"الغارديان" البريطانية اعتزامها التخلي عن ‪ 100‬موظف بعد انخفاض عائداتها من اإلعالنات بنسبة ‪ ،%25‬وعزمها علنى‬
‫االنتقال إلى الصيغة الرقمية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ضا كبريات الصحف األميركية التي تَ َكبدَت ديوناا بماليين الدوالرات‪ ،‬مثل‪" :‬نيوينورك تنايمز" التني‬
‫هذه الوضعية تشهدها أي ا‬
‫أرهقتهننا ديننون تجنناوزت مليننار دوالر‪ ،‬وسننجلت أسننهمها تراج اعننا بنسننبة ‪ %55‬فنني العننام ‪ ،2015‬ممننا اضننطر الصننحيفة إلننى‬
‫تخفننيض رواتننب معظننم موظفيهننا بنسننبة ‪ ،%5‬بينمننا تراجننع عنندد محرريهننا إلننى ‪ 1250‬بعنند أن كننان يُقَنندر عننددهم بـننـ‪1330‬‬
‫مح ِّر ارا"(‪ .)15‬وأوقفت صحيفة "الواشنطن بوست" إصدار عددها األسنبوعي الخناص‪ ،‬وعمنره ‪ 27‬عا امنا‪ ،‬بعندما انخفضنت‬
‫نسبة مبيعاته‪ ،‬بينما اتجهت صحف أخرى مثل "لوس أنجلوس تايمز" إلى تسريح عدد كبير من موظفيها (‪.)16‬‬

‫وفي فرنسا‪ ،‬عرف عدد من المؤسسات اإلعالمية المصير نفسه وبدأ التراجع عن الحديث حول "االستثناء الفرنسي" بعد أن‬
‫توقفت صحيفة "فرانس سوار" نهائياا عنن الصندور‪ ،‬مننذ شنهر نوفمبر‪/‬تشنرين الثناني ‪ ،2011‬واكتفنت بطبعتهنا اإللكترونينة‬
‫إثر تراجع مبيعاتها إلى أقل من ‪ 40‬ألف نسخة في اليوم‪ .‬أما الصحف والمجنالت األقنل صنيتاا فقند قامنت بتسنريح عندد كبينر‬
‫منن العناملين فيهنا؛ منا جعنل الكاتنب والخبينر الفرنسني برننار بولينه )‪ (Bernard Poulet‬يشنير فني كتابنه "نهاينة الصنحف‬
‫ومسنتقبل اإلعنالم )‪" (La fin des journaux et l’avenir de l’ information‬إلنى أن نهاينة الصنحف المطبوعنة‬
‫وشيكة و"تبقى مسألة وقت"(‪ )17‬ال غير‪.‬‬

‫وللبَرْ هَنَة على هذه الفكرة ينقل الكاتب تصري احا لـ"إيريك فوتورينو)‪ ،" (Éric Fottorino‬مدير صحيفة "لوموند" الفرنسنية‬
‫المشهورة‪ ،‬الذي يعتبر أن "النموذج االقتصادي الذى بُنِي عليه مجد الصحافة منذ عقود عدة بدأ يتآكل وأن هذه الحالة المثبتة‬
‫تنطبق بحق على معظم الصحف اليومية في الواليات المتحندة األميركينة‪ ،‬وبناقي دول أوروبنا"‪ ،‬مضنيفاا‪" :‬فني ‪ 2001‬بلغنت‬
‫اإليرادات اإلعالنية لصحيفة لوموند مسنتوى قياسنياا وصنل ‪ 100‬ملينون ينورو‪ ،‬أمنا الينوم فهني بالكناد ال تتجناوز ‪ 50‬ملينون‬
‫يورو"‪ ،‬مشي ارا إلى أن "عائدات لوموند من اإلعالنات بلغت بعد الحرب العالمية الثانينة ‪ ،%40‬وفنى السنبعينات ‪%60‬؛ أمنا‬
‫اليوم فإنها ال تتجاوز ‪.)18( %.20‬‬

‫إن الدفام إذن عن فكرة "االستثناء الفرنسي" يبدو طوباوياا بنالنظر إلنى حقيقنة أوضنام الصنحافة الفرنسنية‪ .‬فمسنتوى توزينع‬
‫الصحف غير المجانية "انخفض من ‪ 3.8‬مليون صحيفة يومية كانت تبام كل يوم سننة ‪ 1974‬إلنى ‪ 1.9‬ملينون عنام ‪،2007‬‬
‫ليتراجع بذلك عدد الصفحات اإلعالنينة فني الصنحف اليومينة إلنى معندل ‪ % 32.5‬فني أقنل منن عشنر سننوات نتيجنة انهينار‬
‫سوق اإلعالنات المبوبة‪ ،‬ومنافسة الصحف المجانية التني ارتفعنت إينرادات اإلعالننات فيهنا بمعندل ‪ %30‬مننذ عنام ‪.2002‬‬
‫وأصبحت صحيفة "فان مينوت )‪" (Vingt Minutes‬المجانية هي الصحيفة اليومية الوطنية األولى في فرنسنا عنام ‪2007‬‬
‫بعدد قُراء بلم ‪ 2.617.000‬قارئ " (‪.)19‬‬

‫وباإلضننافة إلننى تراجننع عائنندات اإلعننالن فنني الصننحف الورقيننة الفرنسننية‪ ،‬ذكننر برنننار بوليننه عوامننل أخننرى صنننفها ضننمن‬
‫األسننباب الرئيسننية ألزمننة الصننحف الورقيننة‪ ،‬منهننا‪" :‬ارتفننام تكنناليف صننناعة الننورق وسننعره والمننواد األوليننة ومصنناريف‬
‫التوزيع والعدد الضعيف لنقاط البيع (‪ 29.000‬في فرنسا مقابل ‪ 105.000‬في ألمانيا)‪ ،‬وعدم اإلقبال المتزايد من قِبَل القراء‬
‫الشباب على قراءة المطبوم؛ إذ تراجعت نسبة الفرنسيين‪ ،‬الذين يبلم سنهم أكثر من خمسنة عشنر عا امنا‪ ،‬ممنن كنانوا يقنرأون‬
‫صحيفة يومية من ‪ %59‬عام ‪ 1967‬إلى ‪ %34‬سنة ‪ ،)20("2005‬ويُتَ َوقع أن تكون النسبة اليوم في حدود ‪%. 25‬‬

‫إن العوامل والمؤشرات التي قادت إلى تراجع َمجْ ِد الصحف الورقية الفرنسية هي نفسها التي قادت إلى تراجع نسنب توزينع‬
‫الصحف الورقية العربية وخاصة المصرية باعتبارها األكثر تضنررا ا فني المنطقنة العربينة وفني مقندمتها الصنحيفة األعنرق‬

‫‪9‬‬
‫واألقدم األهرام التي تَ َرا َج َع عدد ما تطبعه يومياا إلى قرابة ‪ 180‬ألف نسنخة‪ ،‬ليرتفنع المطبنوم منن اإلصندار األسنبوعي ينوم‬
‫الجمعة إلى ‪ 220‬ألف نسخة‪ ،‬بينما تبلم نسبة المرتجع منه ‪.)21( %25‬‬

‫و"باالنتقال إلى الصحف المصرية المستقلة‪ ،‬نجد أن "المصري اليوم" تطبع ‪ 110‬خالف نسخة يومياا‪ ،‬يُبام نحو الثلثنين منهنا‬
‫تقريباا‪ ،‬بحسب إحصاءات غير رسمية صادرة عن المؤسسة‪ .‬أما جريندة الشنروق‪ ،‬فقند باتنت تكتفني بطباعنة ‪ 25‬ألنف نسنخة‬
‫يومياا‪ ،‬يُبام منها ‪ 10‬خالف نسنخة فقنط‪ ،‬معتمندة علنى مقناالت النرأي وعندد منن الكتناب النذين تعاقندت معهنم المؤسسنة قصند‬
‫تنشيط بيع النسخة الورقية‪ .‬وطالت أزمات انخفاض نسب التوزيع أحدث الصحف اليومية المستقلة على السناحة مثنل جريندة‬
‫"الوطن" التي باتت تكتفي بطباعة ‪ 65‬ألف نسخة‪ ،‬يُبام منها ‪ 40‬ألف نسخة تقريباا ‪.‬‬

‫إن أزمة التوزيع لم تكن الوحيدة التي طالت الصحف المصرية‪ ،‬لكن األزمات المالية كانت السنبب النرئيس فني إغنالق عندد‬
‫من الصحف‪ ،‬وعلى رأسها صنحيفة "النوادي" التني صندرت بعند ‪ 25‬يناير‪/‬كنانون الثناني ‪ ،2011‬والتني أعلننت عنن توقنف‬
‫إصنندارها فنني مننارس‪/‬خذار ‪ .2014‬وخننالل سننبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،2015‬أعلننن مجلننس إدارة صننحيفة "التحريننر" وقننف اإلصنندار‬
‫الورقي‪ ،‬واالكتفاء بنالموقع اإللكترونني نظن ارا لنبعض األزمنات المالينة التني تمنر بهنا المؤسسنة‪ .‬وخنالل العنام نفسنه‪ ،‬أعلننت‬
‫صنحيفة "البنديل"‪ ،‬المعروفنة بميولهنا اليسنارية‪ ،‬التوقنف عنن اإلصندار النورقي األسنبوعي‪ ،‬ليكنون خخنر عندد لهنا هنو العنندد‬
‫الصادر في نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪. )22( 2015‬‬

‫ولئن كانت التكنولوجيا الحديثة قد أعادت تشكيل كل مظناهر الننظم االتصنالية األساسنية‪ ،‬فنإن البنينة االتصنالية الراهننة التني‬
‫تعمل في إطارها المؤسسات اإلعالمية العربية وكذلك المنظومات اإلعالمية التقليدية‪ ،‬لم تتمكن بعد ‪-‬فني ظنل تبندل وظنائف‬
‫اإلنترنت التفاعلية واإلعالم المتعدد الوسائط‪ -‬من إعادة النظر في معظنم المفناهيم الجوهرينة حنول أسناليب جمنع المعلومنات‬
‫ونشر األخبار‪ ،‬أو فرض أنماط جديدة لممارسة المهنة الصحفية؛ تما اما مثلما عجز اإلعالم التقليدي عن النتخلن منن تبعيتنه‬
‫للسلطة السياسية‪ُ ،‬م َك ِّرساا بنذلك خطابانا أينديولوجياا يطغنى علينه التمناهي بنين عمنل الصنحافيين وعمنل النخنب السياسنية‪ ،‬فني‬
‫سياق عال قة عمودية كشفت تفوق البنية االتصالية الرقمية على نظيرتها التقليدية وخلخلتها‪ ،‬وفشل هنذا اإلعنالم التقليندي فني‬
‫عملية الوساطة بين المجتمع والدولة ‪.‬‬

‫إن إعادة المبتكرات التكنولوجية تشكي َل المشه ِد جعل العمل اإلعالمي العربي الجديند يواجنه مجموعنة منن التحنديات المهنينة‬
‫التي غالباا ما ترتبط بما تأتي به هذه المبتكرات من أجهزة جديدة‪ ،‬وبسرعة مدهشة‪ ،‬لتكرِّس خينارات متنوعنة وعديندة‪ ،‬قند ال‬
‫يكون الصحافيون وجمهورهم قنادرين علنى توقعهنا‪ .‬فقند أغننت هنذه الحندود المفتوحنة مصنادر األخبنار واإلعنالم‪ ،‬وأعنادت‬
‫ترتيب ما كان ِمل اكا للصحفي التقليدي ومذيع األخبار ووكاالت األنباء‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إلى المستقبل‪ ،‬فبإمكاننا أن نتوقع مشهداا إعالمياا يسيطر عليه جمهنور ُم َجنزأ ا‬
‫جندا‪ ،‬لكننه حينوي‪ .‬كمنا نتوقنع أيضا نا‬
‫منافسة إعالمية شنديدة‪...‬وبإمكان اإلعنالم المهنني‪ ،‬إذا اعتمند التكنولوجينا الجديندة‪ ،‬أن يحنتفر بندوره‪ ،‬بصنفته مصندر إعنالم‬
‫حيننوي‪ ،‬فيواصننل العمننل أداةا لديمقراطيننة ناجحننة‪ ،‬وأيضا ننا لحنندوث ثننورة فنني مجننال ممارسننة المهنننة الصننحفية؛ حيننث يمكننن‬
‫للمواطن أن يشارك فني إنتناج المضنمون‪ ،‬ويعنارض التينار الغالنب فني مواضنع افتراضنية‪ .‬وبنذلك ينشنأ نمنوذج جديند علنى‬
‫الشننبكة إلنتنناج األخبننار يأخننذ فنني الحسننبان ديناميننة صنننع المعلومننات ونشننرها واسننتهالكها علننى الشننبكة(‪ )23‬لِتَتَحننرر بننذلك‬
‫النصوص اإلعالمية من أَس ِ‬
‫ْر المادة‪ ،‬أي من شكلها المادي المطبوم ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫راب اعا‪ :‬الصحافة تالحق العالم اًلفتراضي‪ :‬مالمح رهانات ال َّر ْق َمنَة‬

‫إن االنتقنال منن النورقي إلنى الرقمني يطنرح رهاننات اقتصنادية وسياسنية ومهنينة واحترافينة جديندة‪ ،‬كمنا يطنرح الكثينر منن‬
‫األسئلة حول دور الصحف المكتوبة في المستقبل مع االنتشار الكبينر للمواقنع اإللكترونينة واهتمنام المحركنات الكبنرى بهنذا‬
‫المجال‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن استثمارات اإلعالن التي كانت إحندى الندعائم األساسنية للصنحف المكتوبنة قند تراجعنت لفائندة‬
‫المحامل الرقمية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يؤكد برننار بولينه أن جريندة "لوفيغنارو" الفرنسنية تُبنام فيهنا اإلعالننات الصنغيرة علنى‬
‫موقع الويب بأثمان أقل سبع مرات عما كانت عليه فني اليومينة الورقينة‪ ،‬وهنو منا يجعنل الصنحف اإللكترونينة أو المنصنات‬
‫الرقمية أكثر منافَ َسة في مجال اإلعالنات من الصحف الورقية‪.‬‬

‫إن انخفناض االسننتثمارات اإلعالنيننة فنني الصننحف التقليديننة واتجاههننا نحنو وسننائل اإلعننالم اإللكترونيننة مننرده باألسنناس إلننى‬
‫"صعود قوى اقتصادية احتكارية ال ترى في اإلعالم الرقمي إال مجرد سلعة ضمن منتجات أخرى‪ ،‬لكنها في الواقع تصنو‬
‫مستقبل البشرية‪ .‬أمنا ديمقراطينة اإلنترننت فقند فرضنت فنر ازا ل عنالم يفصنل منن جهنة بنين معلومنات غنينة لألغنيناء منتقناة‬
‫ومنظمة ومحققة‪ ،‬ومن جهة أخرى معلومات فقيرة للفقراء مجانية وسريعة ومكررة‪ ،‬لكنها خلية وخاضعة للعملينات الحسنابية‬
‫ألباطرة اإلنترنت الذين يُقدِّمون خدمات مجانية تسنمح لهنم بتسنجيل بياننات كنل مسنتخدم للشنبكة وتستشنف منا يبحثنون عننه‪،‬‬
‫ومن ثم تحقيق المكاسب (‪. )24‬‬

‫أما من الناحية المهنية االحترافية فقند خلقنت الصنحف اإللكترونينة ا‬


‫جنيال جدينداا منن الصنحفيين ينقلنون األخبنار ويصنورونها‬
‫وينشرونها لحظة بلحظة‪ ،‬تما اما كما فرضت المواقع اإلعالمية نوعاا من الكتابة المختصرة والسنريعة‪ ،‬الشنيء النذي أثنر فني‬
‫العمق التحليلي للمضامين اإلعالمية وجعل منها نظرة سطحية للعالم‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬ومنع تطنور المندونات العربينة خنالل‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬وتنامي عدد المنشورات اإللكترونية التي أصبحت جز اءا ال يتجزأ من الصحافة اإللكترونينة التني تتصندر‬
‫المندونين النذين‬
‫ِّ‬ ‫اإلعالم تأثيرا ا وفاعلية‪ ،‬تحولت المعلومة ‪-‬من خالل اإلنترنت‪ -‬إلى ُم ْنتَج إعالمي تصبغه أحياناا رؤينة بعنض‬
‫يبحثون عن فضاء افتراضي يُعبِّرون فيه عن ذواتهم‪.‬‬

‫وقنند "بنندأ تننأثير المنندونات العربيننة منننذ العننام ‪ 2005‬وازداد مننع بنندء حننراك سياسنني فنني المنطقننة‪ ،‬وبدايننة ارتفننام األصننوات‬
‫ا‬
‫بارزا وشاركوا بقنوة فني الندفع‬ ‫المطالبة بالتغيير واإلصالح‪ ،‬قبل انطالق ما يُعرف بالثورات العربية‪ .‬ولعب المد ِّونون دو ارا‬
‫نحو التغيير وزينادة النوعي السياسني واالجتمناعي‪ ،‬خاصنة بنين الشنباب‪ .‬وحمنل المندونون لنواء المبنادرة‪ ،‬واسنتطاعوا رفنع‬
‫هامش حرية التعبير عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كانت تُعد سابقاا من "التابوهات"‪ ،‬كما استطاعوا دفع‬
‫قطننام كبيننر مننن مسننتخدمي اإلنترنننت‪ ،‬معظمهننم مننن الشننباب‪ ،‬إلننى التفاعننل مننع مننا يطرحونننه‪ ،‬وتشننجيعهم علننى المشنناركة‬
‫اإليجابية‪ .‬وتُمثِّل مصر أكبر تجمع للمدونات ويُقَدر بثلث المدونات العربية‪ ،‬تليها السعودية‪ ،‬ثم الكويت‪ ،‬ثم المغرب(‪.)25‬‬

‫ويختلف صحفيو المدونات والمواقع اإللكترونية عن صحفيي الصحف اإللكترونية‪" ،‬سنواء منن حينث المهنارات والقندرات‪،‬‬
‫أو من حيث طريقة العمل والمهنية‪ ،‬وكيفية الصياغة والسياسة التحريرية؛ حيث يعتمد محررو المواقع أكثر على االختصار‬
‫وتركيز المعلومة لسرعة إصدارها‪ ،‬بينما يركز صحفيو الصحف على المحتوى التحرينري والمضنمون‪ ،‬وااللتنزام بالمهنينة‬
‫وضنوابط العمنل الصننحفي‪ .‬وقند فتحنت المنندونات البناب علننى مصنراعيه لمسناهمة الجميننع فني صننع الحنندث‪ ،‬والتفاعنل مننع‬
‫الجمهور وأصبحت من أهم أنوام الصحافة على مستوى العالم وأبرزها‪ ،‬وأكثرها تأثي ارا‪ ،‬واسنتطاعت أن تخلنق ا‬
‫جنيال جدين ادا‬
‫من الصحفيين المتطوعين والهواء(‪.)26‬‬

‫‪11‬‬
‫وباإلضننافة إلننى المنندونات‪ ،‬فننإن مواقننع التواصننل االجتمنناعي أثننرت أيضا ننا فنني صننناعة الخبننر باعتبارهننا قننوة تننأثير واسننعة‬
‫االنتشار رغم ما تثيره أحياناا من تباين في امراء حول "حقيقنة ممارسنة حرينة التعبينر" فني فضناءاتها‪ .‬فقند تحولنت "مواقنع‬
‫التواصل االجتماعي إلى أحد أهم مصادر المعلومات األولية لوسنائل اإلعنالم‪ ،‬باعتبنار أن العديند منن المؤسسنات اإلعالمينة‬
‫والصحفيين يتابعون هذه المواقع وما ينشر فيها من معلومات وأفكار‪ ،‬ربما تقودهم إلى خبر أو قصة مهمة" (‪.)27‬‬

‫ويُعد "اإلقبال على مواقع التواصل االجتماعي ظاهرة عالمية تشكلت بسبب ثورة االتصاالت وتقنينة المعلومنات التني مكننت‬
‫شعوب العالم من التواصنل منع بعضنها وأفنرزت منا يُسنمى بصنحافة المنواطن‪ ،‬التني مكننت اإلنسنان منن تمثينل نفسنه بنفسنه‬
‫والتعبيننر عننن رأيننه عبننر مواقننع التواصننل االجتمنناعي والمنتننديات‪ .‬وتشننير اإلحصننائيات إلننى أن عنندد المتصننفحين للشننبكات‬
‫االجتماعية ينمو بنسبة عالية ا‬
‫جندا تصنل إلنى ‪ %250‬سننوياا‪ ،‬ويصنل العندد حاليانا إلنى أكثنر منن ‪ 800‬ملينون مسنتخدم نشنط‪،‬‬
‫وأكثر من نصف هذا العدد يدخلون على الشبكات االجتماعينة يوميانا"(‪ .)28‬وتلعنب مواقنع التواصنل دور الرقينب علنى أداء‬
‫وسائل اإلعنالم والصنحفيين حتنى إن "الكثينر منن مسنتخدمي تلنك المواقنع يبنادرون إلنى تصنحيح معلومنات تنرد فني وسنائل‬
‫إعالم‪ ،‬أو تفنيدها أو توضيحها أو تطويرها‪ ،‬تما اما مثلما تُ َم ِّكن من التعرف على مدى تفاعل القُنراء والمسنتمعين والمشناهدين‬
‫مع ما يُنشر من نصوص‪ ،‬أو يُبَث من مقاطع مسموعة أو مرئية"(‪ )29‬في مواقع اإلنترنت المختلفة‪.‬‬

‫ا‬
‫عامال محدداا الختيار وسيلة إعالم‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يعتبر المختصون في مجال اإلعالن أن مواقـع التواصل قد تكون أحياناا‬
‫دون أخرى من قبنل الشنركات المعلننة وذلنك اسنتناداا إلنى نتنائج الندور الرقنابي النذي تقنوم بنه هنذه المواقنـع لحجنم المتنابعين‬
‫للوسيلة المعنية‪ ،‬وتقييماتهم لها‪ ،‬مما جعل بعض وسائل اإلعالم تولي أهمية خاصنة لمواقنع تواصنلها االجتمناعي بتخصنين‬
‫فرق ل شراف عليها ومتابعتها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مواقع التواصل االجتماعي قد تكون أكثر روا اجا أحياناا من منافذ إعالمينة تقليدينة فني الشنبكة العنكبوتينة‬
‫"فإن الطابع الشخصني النذي يُهنيمن علنى منا تنشنره هنذه المواقنع قند يعنوق اسنتخدامها بوصنفها منواد صنحفية‪ ،‬لنذلك يبحنث‬
‫المدونون المعروفون عادة عن وسائل إعنالم فاعلنة تنشنر إنتاجناتهم لمنحهنا صنفة المنادة اإلعالمينة‪ ،‬حتنى وإن كاننت مواقنع‬
‫التواصنل تتننيح قنند ارا أكبننر مننن حريننة التعبيننر‪ ،‬نظن ارا للقيننود المختلفننة والمتباينننة المفروضننة علننى الصننحفيين فنني المؤسسننات‬
‫اإلعالمية الرسمية أو الخاصة (‪.)30‬‬

‫إن "بعض المؤسسات‪ ،‬السيما ذات الطابع الرسمي أو شبه الرسمي‪ ،‬تمارس نوعاا من الرقابة على منا ينشنره منسنوبوها فني‬
‫مواقننع التواصننل االجتمنناعي‪ ،‬لكننن هننذا األمننر لننم يمنننع عنندداا مننن الصننحفيين مننن التعبيننر عننن وجهننات نظننرهم الخاصننة فنني‬
‫صفحاتهم الشخصية التي تتقناطع أحيانانا منع توجهنات المؤسسنات الصنحفية التني يعملنون فيهنا"(‪ )31‬حتنى وإن كنان تمناهي‬
‫الصحفي أو الكاتب مع المؤسسنة اإلعالمينة التني يعمنل فيهنا هنو الصنفة الغالبنة فني عالقنة منا يَ ْكتُنب بوجهنة نظنر المؤسسنة‬
‫اإلعالمية التي يعمل فيها والتي غالباا ما تلعب دور الرقيب عليه‪.‬‬

‫أما بالنسبة لمستخدمي اإلنترنت‪ ،‬فإن مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬مثل‪ :‬فيسبوك وتويتر ومناي سنبيس وغيرهنا منن المواقنع‪،‬‬
‫قد وف َرت للمستخدم مجاالت كبيرة للتفاعل مع مضامين الشبكة العنكبوتية وخاصنة اإلعالمينة منهنا‪ ،‬ومكننتهم منن المشناركة‬
‫في التعبير عن مواقفهم وانطباعاتهم من خالل نشر تعليقاتهم وأسئلتهم وعرض مقناالتهم ومقناطع الفينديو والصنور الخاصنة‬

‫‪12‬‬
‫بهم‪...‬إلخ‪ ،‬حتى أصبحوا مصد ارا للمعلومة وأحياناا أخرى لشائعات تتناقلها مواقع إلكترونية لصحف معروفنة دون التأكند منن‬
‫مصداقية المعلومة ‪.‬‬

‫إن توصيفاا لهذه المدخالت والمتغيرات يتقناطع منع فكنرة اإلقنرار بنأن المنواطن فني العنالم العربني يسنتخدم مواقنع التواصنل‬
‫االجتماعي وسيلة شخصية ال إعالمية‪ ،‬مما يجعل الحنديث عنن تبنوء هنذه المواقنع مكاننة مهمنة ‪-‬لتكنون بنديالا عنن الصنحافة‬
‫سواء المكتوبة أم المسموعة أم المرئية‪ -‬أمرا ا يصعب تحققه‪.‬‬

‫سا‪ :‬اندماج الورقي واإللكتروني‬


‫خام ا‬

‫لم يمنع الجدل الدائر حول موضوم احتمال نهاية عصر الصحيفة المطبوعنة النذي هنو مندار بحنث أكناديمي ومهنني مسنتمر‬
‫منننذ ظهننرت المواقننع اإلخباريننة فنني أوائننل التسننعينات مننن الوقننوف علننى حقيقننة التقننارب بننين الننورقي واإللكتروننني بعنند أن‬
‫أصننبحت "غالبيننة الصننحف اليوميننة فنني الغننرب وفنني العننالم العربنني تنندير مواقننع إلكترونيننة خاصننة بهننا وتُصنندر طبعننات‬
‫إلكترونية‪ .‬وتشير إحصائيات مؤسسة نيوزلينك األميركية )‪ (News Link‬في نهاية عام ‪ 1998‬إلى أن عندد الصنحف التني‬
‫تدير مواقنع علنى الشنبكة فني العنالم وصنل إلنى ‪ 4900‬صنحيفة منهنا حنوالي ‪ 2000‬صنحيفة أميركينة بينمنا لنم يتجناوز عندد‬
‫الصحف اإللكترونية الثمانين صحيفة في نهاية عام ‪ .1994‬وتشمل هذه األرقام الصنحف اليومينة واألسنبوعيات والندوريات‬
‫والمجالت وغيرها من المطبوعات‪ .‬وبينما تتبوأ المطبوعات األميركية مركز الصندارة منن حينث عندد المواقنع اإللكترونينة‬
‫فإن المطبوعات غير األميركية تُش ِّكل نسبة ‪ %43‬من إجمالي هذه المواقنع(‪ ،)32‬ال تسنتأثر فيهنا البلندان العربينة بنسنبة ذات‬
‫داللة كما هي الحال في دول أخرى مثل الواليات المتحدة؛ حيث أغلقت مؤسسات ورقية عريقة ا‬
‫جدا أبوابها ‪-‬كما أشنرنا إلنى‬
‫ذلننك سننابقاا‪ -‬واسننتثمرت ماليننين النندوالرات فنني اإلعننالم الجدينند بعنند وصننول شننبكة اإلنترنننت إلننى أغلننب الننناس فنني بلنند ذي‬
‫مساحات جغرافية شاسعة‪.‬‬

‫لعله إذن من المب ِّكر الحديث عن تنأثيرات ملموسنة ذات بنال يمكنن الوقنوف عليهنا ‪-‬فني المندى القرينب‪ -‬ل عنالم اإللكترونني‬
‫على حساب الصحافة الورقية في سياق المنظومة اإلعالمية التقليدية العربية‪ ،‬السيما وأننا في منطقة ال تزال فيهنا الصنحافة‬
‫المطبوعة هي السائدة‪ ،‬وال يزال فيها الفصل بين نسخة الصحيفة الورقية ونسنختها اإللكترونينة منن حينث اإلدارة والتحرينر‬
‫وطبيعة المحتوى ومصادر الدخل‪ ،‬أم ارا ال يُمثِّل أهمية كبرى في سلم أولوينات مؤسسنات اإلعنالم العربينة التني نجندها وفينة‬
‫لقاعدة استشراف تأثير مباشر ل عالم اإللكترونني علنى المطبنوم فني غضنون السننوات العشنر المقبلنة حينمنا يتوسنع نطناق‬
‫اإلنترنت ويصل إلى نسب عالمية في البلدان العربية‪ ،‬وخاصة في منطقة الشرق األوسط ‪.‬‬

‫وخالفاا لواقع عالقة الصحف اإللكترونية بالصحف المطبوعة القائمة على عدم الفصل بنين النسنختين فني الكثينر منن الندول‬
‫العربيننة‪ ،‬يعتمنند العدينند مننن كبريننات الصننحف فنني أميركننا وأوروبنا واليابننان "الفصننل مننا بننين الصننحيفة المطبوعننة والنسننخة‬
‫اإللكترونيننة مننن حيننث اإلدارة والتحريننر وطبيعننة المحتننوى ومصننادر النندخل واإلنفنناق لكننل منهمننا"‪ ،‬حتننى أصننبحت النسننخ‬
‫اإللكترونية "بوابات إعالمية شاملة تُ َجدِّد محتواها على مدار الساعة طيلة أيام األسبوم وتسبق في كثينر منن األحينان النسنخ‬
‫المطبوعننة فنني نشننر األخبننار"(‪ )33‬علننى غننرار صننحف الواشنننطن بوسننت ونيويننورك تننايمز وشننيكاغو تريبيننون األميركيننة‬
‫والفايننشيال تايمز اللندنية‪...‬إلخ ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ويعد بعض المواقع اإللكترونية المملوكة لدور النشر الصنحفية منن أنجنح البوابنات اإللكترونينة علنى الشنبكة منن حينث عندد‬
‫الزوار أو المشتركين وحجم الدخل اإلعالني‪" ،‬وأصبحت هذه البوابات مستقلة تما اما عنن النسنخة المطبوعنة وتُقندِّم خندماتها‬
‫على مدار الساعة"(‪ ،)34‬لكن يجدر القول "استناداا إلى تقرير مؤسسة نيوزلينك‪ :‬إن أقل من ثلث الصحف اإللكترونينة علنى‬
‫الشبكة حالياا يجني أرباحا ا بينما اضطُر عدد ال بأس به من الصنحف إلنى إغنالق مواقعنه اإللكترونينة بسنبب الخسنائر"(‪.)35‬‬
‫كما أن مواقع إخبارية نشأت في بيئة اإلنترنت أو ما يسمى اليوم بـ"الفضاء التفاعلي" حققت نجا احا باهرا ا منا دفعهنا للخنوض‬
‫في عالم النشر التقليدي متوخية نهج "الهجرة المعاكسة" ولعل مجلة "دبليو إي خر خيه دي" خير مثال على ذلك‪.‬‬

‫إن جاذبية اإلنترنت وما تتيح من إمكانيات تفاعلية "تمكنن المسنتخدم منن حرينة التصنفح وإبنداء رأينه واختينار منا يرينده منن‬
‫معلومات‪ ،‬باإلضافة إلى أنها وسيلة اتصال تتيح لنه خندمات مثنل البريند اإللكترونني واالتصنال بالهناتف عنن طرينق الشنبكة‬
‫وسمام الموسيقى وحتى مشاهدة األفالم"‪ ،‬جعلت االنتفام بالشنبكة ال يقتصنر علنى الصنحف اإللكترونينة‪ ،‬وإنمنا يتعندى ذلنك‬
‫إلنننى حينننز أكبنننر شنننمل البوابنننات اإلعالمينننة‪ ،‬والحكومنننة اإللكترونينننة (دبننني‪ ،‬وقطنننر‪ ،‬والبحنننرين‪ ،‬واألردن‪ ،)...‬والتجنننارة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬ومدن اإلنترنت وجامعات اإلنترننت‪...‬إ لخ‪ .‬بنل إن الصنحف الورقينة نفسنها قند اسنتفادت منن الندخول نحنو عنالم‬
‫اإلنترنت من خالل طبعات إلكترونية خاصة ومجانية في معظم األحيان؛ أي بمعنى خخر‪ ،‬إن هنذه المطبوعنات سنواء العامنة‬
‫منها أو المتخصصة استفادت إعالنيانا منن انتشنار المواقنع اإللكترونينة المختلفنة علنى شنبكة اإلنترننت‪ ،‬تما امنا مثلمنا اسنتفادت‬
‫المواقع اإللكترونية الخدمية والتجارية من الصحف المطبوعة؛ حينث اتجهنت إلنى الصنحف والمجنالت ل عنالن عنن نفسنها‬
‫والوصول إلى مستخدمين جدد‪.‬‬

‫لعننل هننذا يُ ن َذ ِّكرُنا بالتحننديات التنني واجهتهننا الصننحافة الورقيننة فنني بنندايات القننرن الماضنني مننع اختننرام التلغننراف والهنناتف‬
‫والراديو‪ ،‬ومنن بعند ذلنك‪ ،‬فني منتصنف القنرن العشنرين‪ ،‬عنندما بندأ التليفزينون بَنث برامجنه بشنكل تجناري؛ حينث "نجحنت‬
‫الصحف المطبوعة في التعامل مع معظم هذه التحديات بل إنها اعتمدت وسائل االتصنال الجديندة‪ ،‬مثنل‪ :‬التلغنراف والهناتف‬
‫في تطوير أدائها وتحسينه‪ .‬وحتى الراديو لم ينجح ‪-‬رغم انتشاره السريع ووصوله إلى فئة من المستخدمين األميين النذين لنم‬
‫تستطع الصحيفة الوصول إليهم‪ -‬في زحزحة الصحف عن قمة هرم وسائل االتصال الجماهيري (‪.)36‬‬

‫إن اندماج التقليدي باإللكتروني إذن ليس سوى امتداد طبيعي لسياق تطور تكنولوجي جديد تلعب فيه اإلنترننت دورا ا رئيسنياا‬
‫مما فسح المجال لبداية حقبة دخول المطبوعات إلى الشبكة اإللكترونينة وظهنور البوابنات والمواقنع اإلخبارينة المسنتقلة عنن‬
‫هذه المطبوعات في العنالم العربني‪ .‬وأغلنب الظنن أن العنالم العربني لنن يبقنى بعينداا عمنا يحندث فني الغنرب منن انندماج بنين‬
‫عالمي المطبوم التقليدي والنشر اإللكتروني وذلك ألسباب اقتصادية عديدة(‪ ،)37‬منها‪:‬‬

‫تتجننه دور النشننر الصننحفي فنني العننالم بأسننره إلننى تنويننع نشنناطاتها اإلعالميننة وذلننك بنندخول مجنناالت الراديننو والتليفزيننون‬
‫والمطبوعنات المتخصصنة وإعنداد المنؤتمرات واإلنترننت‪ ،‬ولعنل أبنرز مثنال علنى ذلنك شنركة تريبينون )‪ (Tribune‬التني‬
‫صا في شنركات‬ ‫تُصدر صحيفة شيكاغو تريبيون وتملك أي ا‬
‫ضا محطات تليفزيون وإذاعات ومجالت ومواقع إلكترونية وحص ا‬
‫ترفيه واتصال بالشبكة اإللكترونية‪ .‬وقد بدأت هذه الظاهرة في التبلور في عالمنا العربي رغم وجود بعض القينود الحكومينة‬
‫على امتالك وسائل االتصال‪.‬‬

‫العامل المشنترك الرئيسني بنين صنناعتي النشنر التقليندي واإللكترونني هنو المحتنوى المتمينز؛ فبدوننه ال تننجح مطبوعنة وال‬
‫ينتشر تليفزيون وال يستمر موقع على اإلنترنت‪ .‬لذلك تُزاوج شركات االتصال أو المينديا الكبنرى فني الغنرب بنين منا تنتجنه‬

‫‪14‬‬
‫وسائل اتصالها بأنواعها التقليدية وغير التقليدية لتقوم بتوظيف االستخدام األمثل لذلك المحتوى عن طريق المواءمة وإعنادة‬
‫االستخدام‪ ،‬ما دفع شركة أميركا أون الين )‪ (America Online‬التي تدير أنجح بوابة إلكترونية فني أميركنا إلنى االنندماج‬
‫مع شركة تايم وورنر‪ (Time Warner) -‬وهي واحدة من أكبر شنركات النشنر واالتصنال والترفينه فني العنالم‪ -‬منن خنالل‬
‫صفقة قُدِّرت بمئة وعشرين مليار دوالر‪ .‬وعندما نتكلم عنن المحتنوى فإننه ال يسنتثني شنيئاا بند اءا باألخبنار السياسنية ومنرورا ا‬
‫بأنباء الفن والعلم‪...‬إلخ‪ ،‬وانتهاء بالملتيميديا أو الوسائط المتعددة من موسيقى وأفالم وألعاب تفاعلية‪.‬‬

‫إضافة إلى المحتوى‪ ،‬فإن دخول شركات النشر التقليدينة عنالم النشنر اإللكترونني يعتمند أيضا نا ‪-‬وإلنى حند كبينر‪ -‬علنى نجناح‬
‫االسم التجاري )‪ (Brand‬وانتشاره عند المستهلك‪ .‬وما يجعل هذا األمر ممكناا هو ما يمكن تسميته بالترويج المتقاطع؛ حينث‬
‫يقوم المطبوم بالترويج للموقع اإللكتروني الشقيق والعكس بالعكس‪ .‬ولعنل خينر مثنال علنى نجناح هنذا األسنلوب منا تقنوم بنه‬
‫شبكة "سي إن إن" التي تُر ِّوج لموقعها اإلخباري على اإلنترنت(‪ ،)38‬من خالل برامجها التليفزيونية بشكل دائم‪.‬‬

‫في الوقت الذي يتحدث فيه الناشرون العرب عن الجدوى االقتصادية من إنشاء مواقع إلكترونية فإن نظراءهم في الغرب قد‬
‫استوعبوا الجانب االقتصادي للنشر اإللكتروني‪ .‬ويُعد ارتفام كلفة االتصال وبطء الخدمة من حينث سنرعة التحمينل ووجنود‬
‫عقبات سياسية واجتماعية من أهم العوامل التي تقف عائقاا أمام تطور عدد المواقع العربية الناجحة على الشبكة‪.‬‬

‫ا‬
‫نسنخا مطبوعنة إلنى ظهورهنا‬ ‫لقد حصل تغيير مهم في مفهوم الصحيفة اإللكترونية؛ حيث تطورت هذه الصنحف منن كونهنا‬
‫كبوابات إخبارية وإعالمية وترفيهية ذات شخصية مستقلة‪ .‬فموقع صحيفة نيويورك تايمز على الشنبكة يقندم ا‬
‫منثال خندمات ال‬
‫توفرها‪ ،‬وقد ال تستطيع أن توفرها‪ ،‬النسخة الورقية من الصحيفة‪ ،‬مثل‪ :‬حالة الطقس وأسعار العمنالت واألسنهم وحجنوزات‬
‫الفنادق والطيران والسنوق اإللكترونني للتبضنع والشنراء ومقارننة أسنعار الحاجينات‪...‬إلخ‪ .‬وقند أدى نجناح تجربنة نيوينورك‬
‫تايمز على الشبكة إلى إطالقها لموقع شقيق أسمته‪ :‬نيويورك تنودي)‪ ، (New York Today‬وهنو أشنبه بندليل لعنالم مديننة‬
‫نيويورك يُقدِّم كل منا يحتاجنه الزائنر أو المقنيم فني المديننة منن معلومنات بند اءا منن دلينل الهناتف وعنناوين المطناعم وبنرامج‬
‫التليفزيون وحالة الطرق وخرائط لألحياء والشنوارم وانتهناء بمنا يحندث فني المديننة منن نشناطات ثقافينة وترفيهينة مختلفنة‪.‬‬
‫وكذلك فعلت الواشنطن بوست وغيرها م ن كبريات الصنحف فني أميركنا وبريطانينا والعديند منن الصنحف فني الغنرب‪ .‬هنذه‬
‫المواقع أصبحت شركات شقيقة تدار من قبل طواقم متخصصة لها إداراتها المستقلة من التحرير واإلعالن والتسويق‪ ،‬وتُن ِدر‬
‫هذه المواقع أرباحا ا على مالكيها ال تقل أهمية في بعض األحيان عن أرباح نشاطات النشر التقليدي‪.‬‬

‫تسهم الهواتف واللوحات الذكية اليوم مساهمة فعالة في الولوج إلى اإلنترنت في الدول العربية (انظر الملحنق رقنم ‪ )2‬تما امنا‬
‫مثلما تسهم فني المسناعدة علنى القينام بأعمنال تتصنل بالميندان اإلعالمني‪ ،‬بعند أن أحندثت ثنورة فني عنالم الصنحافة واألفنالم‬
‫والتصوير الفوتوغ رافي‪ ،‬حتى أصبحت قادرة على إنتاج أعمال إعالمية متكاملنة‪ .‬وقند دخلنت الهواتنف الذكينة ميندان العمنل‬
‫اإلعالمي تدريجياا ابتداء من خدمات الرسائل العاجلة قبل عدة سنوات‪ ،‬وأخذت بالتطور حتى أصنبح الهناتف النذكي مؤسسنة‬
‫كاملة لصناعة األخبار‪ ،‬استفادت منه وسائل اإلعالم المختلفة(‪.)39‬‬

‫حسب هذا الطرح‪ ،‬فإن المستقبل إذن سيكون للتجمعات اإلعالمية ومن ثم لن يكون للصحف الورقية أي مستقبل "إذا لم تكن‬
‫ت ما تجعلها تصمد وتستمر‪...‬كما أننه لنم يعند مناسنباا االكتفناء بإنتناج محتوينات فحسنب بنل‬
‫قادرة على خلق تكتالت أو تجمعا م‬
‫يجب التمكن من القيام بدور الوسيط والمو ِّحد والمحرِّك للتجمعات علنى شنبكة اإلنترننت"(‪)40‬؛ ألن كنل منا تُقَ ِّد ُمنه الصنحافة‬
‫الورقية من محتوى مرة في اليوم أو األسبوم تُقَ ِّد ُمه الصنحف الرقمينة مجانانا وفنو ارا وبكنل سنهولة‪ .‬ولعنل حصنول الصنحيفة‬

‫‪15‬‬
‫اإللكترونية هافنغتون بوست )‪ (Huffington Post The‬على جنائزة بنوليتزر للصنحافة عنام ‪ ،2012‬وهني الجنائزة األهنم‬
‫في اإلعالم األميركي‪ ،‬بعد أن تخطت صحفاا عريقة‪ ،‬هو اعتراف صريح بالتفوق الرقمي على الورقي التقليدي ‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إذا كانت الصحف الورقية غير قنادرة علنى مجناراة الصنحف اإللكترونينة كوسنيط نقنل جديند للمعلومنة واإلعنالن‪ ،‬ومنافسنة‬
‫مواقع التواصل االجتماعي على اإلنترنت التي تستقطب مئات المالينين منن المسنتخدمين منوفرة سنرعة نشنر الخبنر للقنارئ‬
‫وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة‪ ،‬وإتاحة المجنال لهنم للمشناركة فني التعبينر عنن خرائهنم ومناقشنتها منع قنراء خخنرين بكنل‬
‫حرية على نحو لم يسبق له مثيل‪ ،‬فإن ذلك ال يعني بأية حال من األحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة فني المسنتقبل‬
‫المنظور‪ ،‬خاصة بالنسبة للعالم العربي حيث كثر الحديث عن إمكانات تعايش الورقي مع الرقمي‪.‬‬

‫فخالفاا للعالم الغربي؛ حيث يعتقد فيليب ماير)‪ ، (Mayer Philippe‬وهو مؤلِّف كتاب "النهاينة الحتمينة ل عنالم النورقي"‪،‬‬
‫ا‬
‫تفناؤال تعتبنر أن‬ ‫بأن خخر مطبوم ورقي سيصدر فني عنام ‪ ،2043‬فنإن المختصنين فني العنالم العربني يطرحنون رؤينة أكثنر‬
‫"الوسننائط األكثننر حداثننة ال تننؤدي بالضننرورة إلننى انقننراض الوسننائل القديمننة وأن الصننحافة الرقميننة ال تلغنني دور الصننحافة‬
‫الورقية"(‪ ،)41‬وأن "الصحف الورقية باقية لكن بال ورق باعتبار أن الصحيفة شكل ورقني لكنهنا فني واقنع األمنر مضنمون‬
‫ومحتوى‪ ،‬أي إنها إنتاج مكتوب سواء كان على ورق أو جدران‪ ،‬تما اما مثلما كان يفعل الصنينيون فني الماضني؛ حينث تُ َعلنق‬
‫ورقة على لوح في الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقن الورق وكثافنة السنكان‪ ،‬أو مثلمنا تَغَينر فعنل قنراءة‬
‫الصحف اليوم من خالل الصفحات اإللكترونية"(‪.)42‬‬

‫هذه الرؤية قد تصطدم بمعطى مهم وهو أن ليس لكنل المؤسسنات الصنحفية فني البلندان العربينة القندرة نفسنها علنى مواجهنة‬
‫زحف الرقمي‪ ،‬و"أن النهاية قد تكون حتمية وإن اختلف المحللون حنول المندة الزمنينة؛ فكمنا ظهنرت الصنحافة الورقينة فني‬
‫أوروبا في القرن السابع عشر ووصلتنا نحنن العنرب فني القنرن التاسنع عشنر‪ ،‬فنإن النهاينة سنتكون ا‬
‫أوال فني أوروبنا‪ ،‬وربمنا‬
‫صننمدت عننندنا بعننض الوقننت ألسننباب لهننا عالقننة بوظيفننة الصننحافة الورقيننة وأنمنناط الملكيننة وارتبنناط الحكومننات واألنظمننة‬
‫العربية بالصحيفة الورقية‪ ،‬واعتبارها المتحدث الرسمي باسمها واألداة التي تُ َوثِّق بها قراراتها وتوجهاتها"(‪.)43‬‬

‫كما أن توزيع الصحف في البلدان العربية انخفض إلى مستوى قياسي‪ ،‬بينمنا تراجعنت القيمنة المضنافة للنمنوذج االقتصنادي‬
‫القائم على عائدات اإلعالنات مما حدا برجال األعمال العاملين في مجاالت اإلعالم الجديدة إلى االتجاه نحو االستثمار أكثنر‬
‫في عالم اإلنترنت؛ هذا العالم الذي يسير على وتيرة متسارعة ويُقَدِّم أخبا ارا تتدفق كل ثانية عبنر أجهنزة المحمنول واألجهنزة‬
‫اللوحية والتكنولوجيا المتطورة لجيل جديد ال يقنرأ الخبنر الطوينل وال التحلينل المفصنل‪ ،‬ويحبنذ التفاعنل منع الخبنر والتعلينق‬
‫عليه‪.‬‬

‫فهل يكون مالذ الصحافة الورقية في العالم العربي في االهتمام بالشأن المحلي كما فعلت الصحف عدة في أوروبا وأميركنا؛‬
‫حيث اتجهت نحو "األخبار المحلية والخدمية التني تهنتم بالتفاصنيل التني تتعلنق بحيناة المنواطنين اليومينة‪ ،‬وخندمات المنرور‬
‫والبورصننة والعقننارات وإصنندار مالحننق بهننا دليننل للمنندارس والمستشننفيات وأمنناكن الترفيننه وكيفيننة حجننز بطاقننات دخننول‬
‫المباريننات الرياضننية وتننذاكر السننفر والسننياحة‪ ،‬وإعالنننات للعننروض الترويجيننة للمجمعننات والمحننالت التجاريننة المختلفننة‬
‫والمطاعم والمقاهي القريبة من سكن القارئ‪)44(.‬‬

‫‪16‬‬
‫قد يكون الحل كذلك في التوجنه نحنو صنحافة النرأي والمقنال والتحلينل والصنحافة االستقصنائية‪ ،‬أو ابتكنار مضنامين جديندة‬
‫تكون بمثابة مواد تفاعلية‪ ،‬وتشاركية وفئوية لألجيال الناشئة التي فَقَدَت الصحف الورقية جز اءا كبي ارا منهم‪ .‬وفي هذا السنياق‬
‫يؤكد نائب رئيس غوغل في المملكة المتحدة‪ ،‬نيكس أيرور) ‪ ، (Nikesh Arour‬أن العالم "يمر بمرحلة انتقالية بين نموذج‬
‫ُمتَسلِّط تسقط فيه المعلومة من األعلى ونموذج تشاركي‪ ،‬وعليه يجب علينا أن نتخلن من غطرستنا القديمة وإفساح المجنال‬
‫للقراء ليشاركونا تجاربنا(‪.)45‬‬

‫ويتطلب االستعداد لمواكبة التطور واالنتقال إلى مرحلة جديدة من الرقمنة في عالمنا العربي ا‬
‫عمال كبينرا ا للنهنوض بمسنتوى‬
‫أدوات الصحف الورقية وامتالك أدوات جديدة تسمح لها بمنافسة السوق اإلعالمية من حيث استقطاب شنريحة الشنباب التني‬
‫يعنول عليهننا االقتصنناديون فني إضننفاء مكاسننب جديندة لهننذه الصننحف‪ ،‬فنني وقنت يننتكهن فيننه النبعض مننن المفكننرين الغننربيين‬
‫بإمكانية إنشاء شنبكتين متنوازيتين علنى اإلنترننت "الشنبكة الحالينة التني سنتُترك فني فوضناها‪ ،‬وشنبكة أخنرى ممينزة أسنرم‬
‫وأقننوى وأغلننى سننتركز علننى تميننز الخنندمات‪ ،‬ممننا سننيوفر لكننل فننرد إمكانيننة النندفع بحجننم مننا يسننتهلك‪ ،‬كمننا هنني الحننال فنني‬
‫المطعم"(‪ ،)46‬وإن كانت إمكانية الدفع مقابل القراءة خاصية قد تتأخر ا‬
‫قليال فني العنالم العربني النذي يعناني منن شنيء اسنمه‬
‫"ادفع مقابل خدمة ‪".‬‬

‫وإذا كان التطور صفة حياتية البند منن مواكبتهنا‪ ،‬فإننه يجنب أن تكنون هنناك أدوات تقنيس الفائندة اإليجابينة جنراء االسنتعانة‬
‫بتكنولوجيات االتصال الحديثة في شتى مجاالت اإلعالم علنى غنرار اسنتخدام الهواتنف الذكينة التني أصنبحت مصندرا ا مهمانا‬
‫لألخبار؛ وظفها الكثير من المؤسسات الصحفية للوصول من خاللها لشريحة جديدة من القراء تتمثل في قطام الشباب النذي‬
‫يبحث عن المعلومة السريعة‪.‬‬

‫فالتأسيس للغة مشتركة بين الصحيفة وقرائهنا الشنباب النذين يمثلنون العصنب الرئيسني النتشنار وسنائل اإلعنالم اإللكترونينة‬
‫مرحلة مهمة في اتجاه تكريس عالقنة يشنعر منن ورائهنا الشنباب بنأن هنناك منن "يتحندث لغنتهم ويفهنم همنومهم ويسنتوعبها‪،‬‬
‫ا‬
‫فضال عن اإليفاء بمتطلباتهم‪ ،‬وهو ما يجب أن تنتبه إليه الصحف الورقينة لتفنادي أينة عراقينل قند تقن ِّوض انتشنارها وتندفعها‬
‫إلى االنعزال واالنحسار تدريجياا"(‪ )47‬بدل االستمرار‪.‬‬

‫وقد ال يستطيع االستمرار هنا إال من كان "عض اوا في مجموعة أو دائرة صناعة إعالمية متكاملة‪ ،‬تضم اإلذاعنات والمواقنع‬
‫اإلخبارية وغيرها من الوسائط اإلعالمية‪ ،‬حتى يمكنها التغلب على مصاعبها المختلفة وعلنى رأسنها االقتصنادية"(‪ .)48‬إن‬
‫ضننا عبننر اإلسننرام بتطننوير المحتننوى وتطويعنه الحتياجننات القننارئ العربنني الجدينند؛ ألن "التغييننر قننادم ال‬
‫االسنتمرار يمننر أي ا‬
‫محالة ومن يقف مكانه سيتجمد أو يختفي كما اختفت وانقرضت مهن وصناعات كثينرة فني لمنح البصنر وكننا نظنن اسنتحالة‬
‫االستغناء عنها‪)49(.‬‬

‫إن االعتراف إذن بأن اإلعالم الرقمي أصبحت لديه شنعبية ال يمكنن االسنتهانة بهنا‪ ،‬وبنات مقصنداا للبناحثين عنن المعلومنات‬
‫امنية السريعة ‪-‬على الرغم منن عجنزه أحيانانا عنن تقنديم التحلنيالت وامراء المعمقنة‪ -‬أصنبح أمنرا ا واقعانا‪ ،‬ولكننه يحتناج إلنى‬
‫الكثير من األطر التي يجب أن تحكم عمله عبر تنظيمه و َمأْ َس َستِه حتى نتمكن من مساءلته إن تطلب األمر ذلك‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وال نقصد هنا بالتنظيم والـ َمأْ َس َسة الطريقةَ الفرنسيةَ حين تم تكوين هيئة تفكير في هذا الشأن تسنمى "الهيئنة العامنة للصنحافة‬
‫المكتوبة" في خريف ‪ 2008‬التي "لم تقم في نهاية المطاف بأكثر من إجراء تعديل فني عملينة التنظنيم‪ ،‬وبالتنالي فنإن كنل منا‬
‫قَد َمتنه هنذه الهيئنة كنان عبنارة عننن عملينة إصنالح فقنط وإعنادة التنظنيم الننوظيفي والمنالي منن دون البحنث فني واقنع وحقيقننة‬
‫الصحافة الورقية اليوم‪ ،‬التي بات اإلعالن يغيب عن صفحاتها وينأى عنها القارئ على تعندد اهتماماتنه؛ منا دعنا الكثينر منن‬
‫مسؤولي الصحافة والنقابات المهنية إلى بذل ما بوسعهم للتفكير في رسم استراتيجيات جديدة‪ ،‬قادرة على تجنيب المؤسسنات‬
‫الصننحفية مخنناطر تلننك التغيننرات السننلبية وخثارهننا‪ ،‬بينمننا كننان األمننر يتطلننب اإلسننرام بابتكننار وإيجنناد أسنناليب جدينندة تعننالج‬
‫المشكلة من جذورها وليس فقط اإلجراءات الشكلية التي ال تتخطى الترميم وتقديم المعونات"(‪.)50‬‬

‫وفنني سننياق متصننل‪ ،‬فإنننه يجننب اإلعننداد الجينند لهننذا االنتقننال السننلس للصننحف الورقيننة نحننو اإللكترونيننة التنني بننالرغم مننن‬
‫المؤشرات اإليجابية الكثيرة التي تصب في صالحها في العالم العربي‪" ،‬فإن كثي ارا منن الصنعوبات والتحنديات والسنلبيات ال‬
‫تننزال تُشن ِّكل حجننر عَثننرة أمامهننا ممننا يُو ِجننب علننى المهتمننين بهننذه الصننناعة العمننل علننى تالفيهننا فنني المسننتقبل إذا مننا أرادوا‬
‫النهوض بها‪)51(.‬‬

‫وتتلخن هذه العراقيل(‪ )52‬في الصعوبات المالية التي تتعلق بالتمويل‪ ،‬وعدم وضوح الرؤينة المتصنلة بمسنتقبل هنذا الننوم‬
‫من اإلعالم‪ ،‬باإلضافة إلى عدم خضنوعها للرقابنة فني ظنل ضنعف األنظمنة واللنوائح والقنوانين التني تنظمهنا؛ إذ لنم تواكنب‬
‫التشننريعات فنني عنندد مننن البلنندان العربيننة علننى غننرار المغننرب أو األردن أو الكويت‪...‬أسنناليب عمننل الصننحافة اإللكترونيننة‬
‫وتطورها حتى تتمكن من ضبط أساليب مراقبتها في حال قيامها بتجناوزات‪ ،‬خاصنة إنهنا باتنت مصندرا ا للشنائعات واألخبنار‬
‫المثيرة للجدل في الكثير من األحيان‪ .‬كما يُال َحر في العديد من الصنحف اإللكترونينة خنرق واضنح للملكينة الفكرينة باعتبنار‬
‫هذه الصحف تنتهج سياسة االستنساخ من الصحف المحلية والعالمية‪ ،‬ووكاالت األنباء‪ ،‬واستبدال أسماء المحررين وال ُكتناب‬
‫بأسماء أخرى ال عالقة لها بإنتاج تلك المضامين في أحيان كثيرة‪.‬‬

‫ما يمكن اإلقرار به إذن‪ ،‬هو أنه إذا كان أكثر من ‪ 2.7‬مليار شخن يقرؤون اليوم الصحافة الورقية في العالم‪ ،‬مقابل حوالي‬
‫‪ 3.2‬ملينارات يسننتخدمون اإلنترنننت وصننحافته اإللكترونينة(‪ ،)53‬فننإن السننيطرة علننى اإلعنالم اإللكتروننني والشننبكة الرقميننة‬
‫عمو اما ستبقى بيد من يتحكم في النظم المعلوماتية لتستأثر الندول المتقدمنة فني نهاينة األمنر وعلنى رأسنها "حنارس الشنبكة"‪:‬‬
‫الواليننات المتحنندة‪ ،‬بأرباحهننا االجتماعيننة واالقتصننادية مننن خننالل سننيطرتها علننى تكنولوجيننا تصنننيع المكتننوب والمسننموم‬
‫والمرئي بشكل شبه مطلق؛ مما يُ َمثِّل خط ارا على حرية اإلعالم والديمقراطية‪ ،‬ويجعل السلطة الرابعة سلطة خانعنة لسنلطتي‬
‫السياسة والمال‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مالحـق‬

‫أكبر عشر دول عربية استخدا اما لإلنترنت (ملحق رقم ‪)1‬‬

‫النسبة‪/‬عدد السكان‪%‬‬ ‫عدد مستخدمي اإلنترنت‬ ‫الدولة‬ ‫المرتبة‬

‫‪35‬‬ ‫‪29,809,724‬‬ ‫مصر‬ ‫‪1‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪16,456,856‬‬ ‫المغرب‬ ‫‪2‬‬

‫‪46‬‬ ‫‪14,323,234‬‬ ‫السعودية‬ ‫‪3‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪6,876,233‬‬ ‫السودان‬ ‫‪4‬‬

‫‪70‬‬ ‫‪5,817,553‬‬ ‫اإلمارات‬ ‫‪5‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪5,632,040‬‬ ‫الجزائر‬ ‫‪6‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪5,465,113‬‬ ‫سوريا‬ ‫‪7‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪4,201,896‬‬ ‫تونس‬ ‫‪8‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪3,961,688‬‬ ‫اليمن‬ ‫‪9‬‬

‫‪38‬‬ ‫‪2,572,635‬‬ ‫األردن‬ ‫‪10‬‬

‫األجهزة المستخدمة للوصول إلى اإلنترنت (ملحق رقم ‪)2‬‬

‫المصدر‪https:// blog.bayt.com :‬‬

‫‪19‬‬
‫_______________________________________________________________________‬
‫* المعز بن مسعود‪ ،‬أستاذ جامعي وباحث في علوم اإلعالم واالتصال بالجامعة التونسية‪.‬‬

‫المصادر و المراجع‬
‫‪.Boullier,‬‬ ‫(‪Dominique, " Usages du Vidéotex et Utopie Techniciste ", Réseaux (28), Avril 1984 )1‬‬
‫‪Pierre, Moeglin, "Télématique : De la recherche sur les Usages aux Usages de la Recherche", bulletin du CERTEIC, N 12, Mai 1991,‬‬
‫‪et André, Vitalis, dir, "Médias et nouvelles technologies : Pour une socio politique des usages", Collection Médias et nouvelles‬‬
‫)‪.technologies, (Rennes, Editions Apogée, 1994‬‬
‫‪Miège, Bernard, "L’Evolution des médias confrontés à la recherche", Dossier de l’audiovisuel ; la recherche‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪en information et communication en France, N 85, Mai-Juin 1999, et Josiane, Jouet "Retour critique sur la sociologie des usages",‬‬
‫‪Réseaux, N 100, 2000.‬‬
‫متالر‪ ،‬أرمان وميشال‪ ،‬تاريخ نظريات االتصال‪ ،‬ترجمة نصر الدين لعياضي والصادق رابح‪( ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،)2005 ،‬ص ‪.176‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪Armand, Mattelart et Michele, Mattelart, Penser les médias, Textes à l’appui, (La découverte, Paris, 1986).‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫"ماهية الصحافة اإللكترونية وعوامل تطورها"‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 30 :‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪http://diae.net/6790 :)2016‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫يُعد التيليتكست ا‬
‫نقال للنن إلى المشاهدين في اتجاه واحد‪ ،‬وذلك عبر إشارة تليفزيونية لخطوط المسح غير المستخدمة‪ ،‬وتقوم خلة خاصة موجودة بجهاز التليفزيون بفك شفرة‬ ‫(‪)6‬‬
‫البيانات‪ ،‬لتظهر هذه البيانات في شكل صفحات من النن يستطيع المشاهد أن يتخير من بينها ما يشاء‪.‬‬
‫بال‪ ،‬فرنسيس‪ ،‬إيميري‪ ،‬جيرار‪ ،‬وسائط اإلعالم الجديدة‪( ،‬عويدات‪ ،‬لبنان‪ ،)2001 ،‬ط ‪ .1‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫المصدر السابق‪.7 ،‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫المدونون األحرار‪" ،‬اإلعالم اإللكتروني ومستقبل الصحافة المطبوعة في العالم العربي"‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 20 :‬سبتمبر‪ /‬أيلول ‪:)2016‬‬ ‫(‪)9‬‬
‫‪http://khaledfayyad.blogspot.qa/2009/09/blog-post.html‬‬
‫(‪ )10‬سالم تربان‪ ،‬ماجد‪ ،‬اإلنترنت والصحافة اإللكترونية‪ :‬رؤية مستقبلية‪( ،‬الدار المصرية اللبنانية‪ ،‬مصر‪ ،)2008 ،‬ص ‪.98‬‬
‫(‪ )11‬عبد القادر‪ ،‬أحمد‪" ،‬بين الصحيفة اإللكترونية والموقع اإللكتروني‪...‬فروقات ال يمكن تجاهلها"‪ ،‬البوابة العربية لألخبار التقنية‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 2 :‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪:)2016‬‬
‫‪/https://aitnews.com/2006/03/06/3802‬‬
‫(‪ )12‬محمد الدليمي‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬اإلعالم الجديد والصحافة اإللكترونية‪( ،‬دار وائل‪ ،‬األردن‪ ،)2011 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.220‬‬
‫(‪ )13‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪".220‬هل تنقرض الصحف الورقية ا‬
‫فعال في الـ‪2040‬؟"‪،‬‬
‫(تاريخ الدخول‪ 1 :‬أغسطس‪/‬خب ‪http://raseef22.com/life/2016/03/16:)2016‬‬
‫(‪ )14‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )15‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )16‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪Poulet, Bernard, La fin des journaux et l'avenir de l'information, )17‬‬
‫‪(Gallimard, 2009), p. 221.‬‬
‫(‪Ibid, p. 17 )18‬‬
‫(‪Ibid, p. 98. )19‬‬
‫(‪Ibid, p. 131. )20‬‬
‫(‪ )21‬انظر‪" :‬رغم األزمات‪..‬الصحافة الورقية في مصر تصارم من أجل البقاء"‪ ،‬العين‪ 22 ،‬مارس‪/‬خذار ‪( ،2016‬تاريخ الدخول‪ 30 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪https://al-:)2016‬‬
‫‪ain.com/article/99726‬‬
‫(‪ )22‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )23‬كاول‪ ،‬فينيت‪" ،‬الصحافة في عصر التكنولوجيا الرقمية"‪ ،‬القافلة‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 30 :‬يونيو‪/‬حزيران ‪:)2016‬‬
‫‪http://qafilah.com/ar‬‬
‫(‪Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p 158. )24‬‬
‫(‪" )25‬المدونات العربية ثورة على تابوهات الصحافة التقليدية"‪ ،‬العرب‪ ،‬فبراير‪/‬شباط ‪( ،2016‬تاريخ الدخول‪ 10 :‬سبتمبر‪ /‬أيلول ‪:)2016‬‬
‫(‪ )26‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )27‬القيسي‪ ،‬منتظر‪" ،‬مواقع التواصل االجتماعي‪ :‬الصحافة تالحق العالم االفتراضي"‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 30 :‬يوليو‪/‬تموز ‪/http://www.imh-org.com :2016‬‬
‫(‪ )28‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )29‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )30‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )31‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪" )32‬ثورة اإلنترنت ومستقبل الصحف المطبوعة اإللكترونية في العالم العربي"‪ ،‬الشرق األوسط‪ 2 ،‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪( ، 2001‬تاريخ الدخول‪ 22 :‬يوليو‪/‬تموز ‪:)2016‬‬
‫‪http://archive.aawsat.com/details.asp?article=19805&issueno=8071#.WDth6tLJzIU‬‬
‫(‪ )33‬الفيصل‪ ،‬عبد األمير‪ ،‬الصحافة اإللكترونية في الوطن العربي‪( ،‬دار الشروق‪ ،‬األردن‪ ،)2006 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.174‬‬
‫(‪" )34‬ثورة اإلنترنت ومستقبل الصحف المطبوعة اإللكترونية في العالم العربي"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )35‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫(‪ )36‬المرجع السابق‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )37‬المرجع السابق‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )38‬المرجع السابق‪ ،‬بتصرف‪.‬‬
‫‪Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p 185.‬‬ ‫(‪)39‬‬
‫(‪" )40‬صحافة الموبايل تقتحم عالم اإلنتاج اإلعالمي"‪ ،‬العرب‪ ،‬مارس‪/‬خذار ‪( ،2015‬تاريخ الدخول‪ :‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪/ http://alarab.co.uk/article:)2016‬‬
‫(‪ )41‬هوشيار‪ ،‬جودت‪" ،‬هل انتهى زمن الصحافة الورقية؟"‪ ،‬الراكوبة‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 20 :‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪:)2016‬‬
‫‪http://www.alrakoba.net/news.php?action=show&id=101884‬‬
‫(‪ )42‬الراشد‪ ،‬عبد الرحمن‪" ،‬لن تموت الصحف"‪ ،‬الشرق األوسط‪ 2 ،‬يونيو‪/‬حزيران ‪( ،2015‬تاريخ الدخول‪ 1 :‬أغسطس‪/‬خب ‪:)2016‬‬
‫‪http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11509&article=572215#.WCrEINLJzIU‬‬
‫(‪ )43‬عبد الصادق‪ ،‬محمد‪" ،‬مستقبل الصحافة الورقية في الوطن العربي"‪ ،‬الوطن‪ 12 ،‬إبريل‪/‬نيسان ‪،2016‬‬
‫(تاريخ الدخول‪ 1 :‬أغسطس‪/‬خب ‪http://alwatan.com/details/107639 :)2016‬‬
‫(‪ )44‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p182. )45‬‬
‫(‪Ibid, p. 205. )46‬‬
‫(‪ )47‬أحمد‪ ،‬يحيى‪ ،‬صبح‪ ،‬فاتن‪" ،‬الصحف الورقية تتطلب تطويرا ا واإللكترونية تحتاج توثيقاا"‪ ،‬البيان‪ 13 ،‬مايو‪/‬أيار ‪( ،2016‬تاريخ الدخول‪ 1 :‬أغسطس‪/‬خب ‪:)2016‬‬
‫‪.http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/‬‬
‫(‪ )48‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )49‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪Poulet, La fin des journaux et l'avenir de l'information, Op.cit, p. 215. )50‬‬
‫(‪ )51‬سيد‪ ،‬محمد‪" ،‬تأثير الصحافة اإللكترونية على مستقبل الصحف الورقية"‪ ،‬األلوكة‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 20 :‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪:)2016‬‬
‫‪/http://www.alukah.net/culture/0/50101‬‬
‫(‪ )52‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )53‬رغم األزمات‪ ،‬الصحافة الورقية في مصر تصارم من أجل البقاء"‪ ،‬مرجع سابق‬

‫انتهى‬

‫‪21‬‬

You might also like