You are on page 1of 17

‫‪1‬‬

‫االتحاد العام التونسي للشغل‬

‫األكاديمية النقابية‬

‫نشأة الضمان االجتماعي وتطوره‬

‫في العالم وفي تونس‬

‫إعداد د‪ .‬بدر السماوي‬

‫دكتورا تاريخ معاصر‬

‫سبتمبر ‪2020‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪2‬‬

‫التخطيط‬

‫مقدمة‪ :‬لماذا دراسة تاريخ الضمان االجتماعي؟‬

‫الجزء األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في العالم وتطوره‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في العالم‬

‫‪ -1‬في المجتمع التقليدي‬

‫‪ -2‬في المجتمع الصناعي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تطور الضمان االجتماعي في العالم‬

‫‪ -1‬تطور أنظمة الضمان االجتماعي عبر مختلف الدول‬

‫‪ -2‬الضمان االجتماعي في اإلعالنات والمواثيق الدولية‬

‫الجزء الثاني‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في تونس وتطوره‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في تونس‬

‫‪ -1‬في القطاع العمومي‬


‫‪ -2‬في القطاع الخاص‬
‫الفصل الثاني‪ :‬دور االتحاد العام التونسي للشغل في تأسيس منظومة الضمان االجتماعي‬
‫‪ -1‬نضاالت االتحاد خالل الفترة االستعمارية‬
‫‪ -2‬دور االتحاد خالل السنوات األولى لالستقالل‬

‫المالحق‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪3‬‬

‫مقدمة‪ :‬لماذا دراسة تاريخ الضمان االجتماعي؟‬


‫تندرج دراسة نشأة الضمان االجتماعي وتطوره في العالم وفي تونس في إطار‬
‫تمكين النقابيين من االلمام بالدور الذي لعبته النقابات في العالم واالتحاد العام التونسي للشغل‬
‫في تونس في تأسيس أنظمة الضمان االجتماعي‪ .‬كما أن االطالع على هذا المجال من شأنه‬
‫أن يوفر المعطيات الضرورية لمواكبة اإلشكاليات الحالية ألنظمة الضمان االجتماعي ذلك‬
‫أن التاريخ مثلما قال ابن خلدون " في ظاهره ال يزيد عن اإلخبار وفي باطنه نظر وتحقيق"‪.‬‬

‫لقد كان للنقابات في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان الرأسمالية حيث نمت‬
‫وتطورت الطبقة العاملة دور هام في بلورة المطالب وتأطير النضاالت في مجال الضمان‬
‫االجتماعي وكذلك كان األمر في البلدان المستعمرة أو ما يسمى ببلدان العالم الثالث سواء في‬
‫مرحلة النضال ضد االستعمار أو في مرحلة بناء الدولة الوطنية‪.‬‬

‫وفي تونس كان للحركة النقابية دور كبير في تبني المطالب المتعلقة بالضمان‬
‫االجتماعي خالل الفترة االستعمارية بداية بنضاالت العمال في ظل جامعة عموم العملة‬
‫التونسية تحت قيادة الزعيم محمد علي الحامي أو في ظل االتحاد العام التونسي للشغل تحت‬
‫قيادة الشهيد فرحات حشاد‪ .‬كما كان لقادة االتحاد العام التونسي للشغل دور في تأسيس أنظمة‬
‫الضمان االجتماعي في نهاية الخمسينات من القرن الماضي في ظل مسار بناء الدولة‬
‫الوطنية ونخص بالذكر الزعيم أحمد بن صالح رحمة هللا عليه‪.‬‬

‫لذلك تسعى هذه الدراسة إلى التعريف بأهم المحطات التي مرت بها أنظمة‬
‫الضمان االجتماعي في العالم ومميزاتها‪ .‬كما تستعرض أبرز تواريخ نشأة الضمان‬
‫االجتماعي في تونس مع إبراز دور الحركة النقابية في هذا المجال بالذات والذي لم ينل حظه‬
‫من قبل المؤرخين إلى حد الساعة‪.‬‬

‫وعسى أن تنجح األكاديمية النقابية في تدارك هذا النقص وإبراز دور االتحاد‬
‫العام التونسي للشغل في تأسيس أنظمة الضمان االجتماعي في تونس‪.‬‬

‫وفي الختام الشكر موصول لقسم التكوين النقابي واألنشطة الثقافية ولألمين العام‬
‫المساعد األخ محمد المسلمي‪.‬‬
‫د‪ .‬بدر السماوي‬
‫‪4‬‬

‫الجزء األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في العالم وتطوره‬


‫يعرف الضمان االجتماعي كمجموعة اآلليات التي تواجه بها المجموعة في إطار‬
‫التكافل االجتماعي األخطار التي تهدد كل شخص مهما كانت وضعيته المادية والتي تقعده‬
‫عن العمل بصفة وقتية مثل المرض والوضع والبطالة أو مستمرة مثل العجز والشيخوخة‬
‫وحادث الشغل والمرض المهني‪ .‬كما يمكن للخطر االجتماعي أن يزيد في نفقات العمال مثل‬
‫األبناء في الكفالة أو أن تفقد عائلته كل مورد رزق مثل الوفاة‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في العالم‬

‫عرف الضمان االجتماعي منذ نشأته أشكاال متنوعة بداية من المجتمع التقليدي إلى‬
‫المجتمع المعاصر واختلف تطبيقه من بلد إلى بلد آخر‪.‬‬

‫‪ -1‬في المجتمع التقليدي‬

‫منذ أن وجد اإلنسان على وجه األرض وهو يصارع من أجل البقاء معتمدا أساسا على‬
‫مواجهة قوى الطبيعة وساعيا إلى توفير القوت والملبس والمأوى وغيرها من وسائل الحياة‬
‫الضرورية‪ .‬لقد كان العمل هو سالح اإلنسان للمحافظة على وجوده وكان انقطاعه عنه‬
‫خطرا مباشرا يتهدده‪.‬‬

‫وإن كان العمل مرتبطا بقدرة اإلنسان على بذل الجهد فإن هذه القدرة كثيرا ما تتعرض‬
‫إلى مخاطر والى عراقيل ال مفر منها مثل المرض أو العجز أو اإلصابة‪ ،‬لذلك لجأ اإلنسان‬
‫إلى وسائل متعددة لتوقي هذه المخاطر أو لعالج آثارها‪.‬‬

‫ولو عدنا إلى الوسائل التي اعتمدها اإلنسان منذ أن وجد على وجه البسيطة نجدها ال‬
‫تخرج عن وسيلتين اثنتين وهما التضامن االجتماعي واالدخار أو تركيم الثروة‪ .‬وقد تواصل‬
‫االعتماد على هذين الوسيلتين إلى أن ظهر المجتمع الرأسمالي في أوروبا في أخر القرن‬
‫الثامن عشر حيث تحللت العالقات التقليدية وتطور نمط جديد من العالقات قائم على الفردية‪.‬‬

‫أ‪ -‬وسائل تحقيق األمان االجتماعي القائمة على التضامن‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪5‬‬

‫وأولها المساعدة الفردية وتتمثل في تقديم العون بصفة فردية من شخص إلى شخص‬
‫آخر وتكمن حدود هذه الوسيلة في أنها محدودة الفاعلية‪.‬‬

‫أما الطريقة الثانية فهي التعاون العائلي وتتمثل في تقديم مساعدات من بعض أفراد‬
‫األسرة إلى البعض اآلخر بحكم صلة القرابة‪ .‬ولئن كان هذا الشكل يصلح في بعض الحاالت‬
‫البسيطة إال أنه ال يمكن أن يمثل حال دائما للمخاطر التي تتسبب في أضرار طويلة المدى أو‬
‫عميقة التأثير‪.‬‬

‫وأخيرا يمثل التعاون الجماعي وسيلة تقوم بها الجمعيات الخيرية ولكن تدخلها غير‬
‫إلزامي وبالتالي فهي محدودة التأثير‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وسائل تحقيق األمان االجتماعي القائمة على االدخار‬

‫وأول هذه الوسائل هي االدخار الفردي والمتمثل في قيام الفرد بادخار جزء من دخله‬
‫لوقت الحاجة‪ .‬إال أن هذه الوسيلة غير مضمونة نظرا إلى أن اإلنسان قد ال يجد ما يدخره كما‬
‫أن ما ادخره قد يفقد قيمته بمرور الوقت‪.‬‬

‫وثاني هذه الوسائل جمعيات العون التبادلي وهي جمعيات أنشأت للقيام بادخار‬
‫جماعي من قبل مجموعة من األفراد وما يميزها عن التعاون العائلي أنها ال تنتظر الخطر بل‬
‫تحتاط له مسبقا بجمع مال أو ما قد يصلح عينا عند الحاجة‪.‬‬

‫وأخيرا نشير إلى التأمين التجاري الذي يتميز بوجود وسيط مهمته جمع االشتراكات‬
‫ودفع التعويضات لمن يستحقها وذلك مقابل ربح يحصل عليه‪.‬‬

‫‪ -2‬في المجتمع الصناعي‬

‫مثل قيام المجتمع الصناعي على المستوى االقتصادي وقيام الثورة الفرنسية على‬
‫المستوى السياسي نقطة تحول كبيرة في تاريخ البشرية أثرت في الجوانب االجتماعية‪ .‬فقد‬
‫تفككت العالقات االجتماعية التقليدية المرتبطة بالمجتمع الزراعي ونشأت طبقات اجتماعية‬
‫جديدة‪ .‬ورفعت البورجوازية شعارات الحرية الفردية واالقتصاد الحر مما شجع الرأسماليين‬
‫على استغالل العمال وهضم حقوقهم‪ .‬كما انهارت في ظل هذه الظروف أشكال التضامن‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪6‬‬

‫وتراجعت أساليب التأمين التقليدية وساءت أحوال العمال وازدادت أخطار المهنة وارتفع عدد‬
‫حوادث الشغل وعجز العمال عن القيام بأعبائهم العائلية‪.‬‬

‫إال أن تحركات العمال الموالية التي اضطروا للقيام بها والنضاالت التي خاضوها‬
‫فرضت على البورجوازية االستجابة إلى بعض المطالب من أجل الحفاظ على وجودها‪.‬‬
‫فبدأت تظهر في هذا اإلطار أول المكاسب في شكل تأمينات اجتماعية‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تطور الضمان االجتماعي في الفترة المعاصرة‬

‫‪ -1‬تطور أنظمة الضمان االجتماعي عبر مختلف الدول‬

‫تطورت أغلب أنظمة الضمان االجتماعي في البلدان الرأسمالية وخاصة منها‬


‫األوروبية‪.‬‬

‫أ‪ -‬ألمانيا ‪ :‬نمت الرأسمالية بسرعة في ألمانيا ونمت معها طبقة عاملة ناضجة وقوية مما أدى‬
‫إلى صعود االشتراكيين إلى البرلمان في سبعينات القرن التاسع عشر‪ .‬وقد اضطر المستشار‬
‫األلماني بسمارك ‪ Bismarck‬إلى سحب البساط من تحت أرجل االشتراكيين فقدم بعض‬
‫التنازالت مثل إقرار قانون التأمين على المرض سنة ‪ 1883‬وقانون التأمين على حوادث‬
‫الشغل سنة ‪ 1884‬وقانون التأمين على الشيخوخة والعجز سنة ‪.1889‬‬

‫ب ‪ -‬فرنسا‪ :‬كانت فرنسا من أول البلدان التي تأثرت بالتشريع األلماني فقد صدر سنة ‪1898‬‬
‫قانون التأمين على حوادث الشغل‪ .‬أما بعد الحرب العالمية األولى وبعد استرجاع فرنسا‬
‫لمقاطعتي االلزاس واللوران فقد أصبح العمال الفرنسيون يطالبون بتنظيرهم بما هو معمول‬
‫به في المقاطعتين‪ .‬فاضطرت السلطات الفرنسية إلى إصدار قانون للتأمينات االجتماعية سنة‬
‫‪.1928‬‬

‫ثم عرفت فرنسا إصدار مذكرة ‪ 4‬أكتوبر ‪ 1945‬حول الضمان االجتماعي االجباري‬
‫والشامل على يدي حكومة المقاومة برئاسة شارل ديغول الذي قد يكون تأثر باقتراح بيفردج‬
‫سنة ‪ 1942‬لما كان مقيما في منفاه في لندن‪ .‬وساندها في هذا التوجه الحزب الشيوعي‬
‫الفرنسي والجامعة العامة للشغل‪ .‬كما أن فرنسا وجدت نفسها في أشد الحاجة إلى النهوض‬
‫بقواها العاملة من أجل إعادة اعمار ما خلفته الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫د‪ .‬بدر السماوي‬
‫‪7‬‬

‫ج ‪ -‬الواليات المتحدة األمريكية‪ :‬تعتبر الواليات المتحدة من البلدان التي تأخر فيها ظهور‬
‫الضمان االجتماعي نسبيا‪ .‬وقد يعود ذلك إلى التقدم االقتصادي الذي وفر ازدهارا اجتماعيا‬
‫و ظروفا مريحة للعمال ولمجموع السكان‪ ،‬إضافة إلى عدم دخول الواليات المتحدة الحرب‬
‫العالمية األولى‪ .‬إال أن األزمة التي عصفت بها في ‪ 1929‬جعلت عمالها يعرفون البطالة‬
‫والتشرد وتزامن ذلك مع صعود البديل السوفياتي بما يحمله من أفكار اشتراكية تغري الطبقة‬
‫العاملة‪ .‬فصدر سنة ‪ 1935‬قانون الضمان االجتماعي‪ .‬وكانت أهم أهدافه تلبية الحاجة عن‬
‫طريق إقامة تأمين على البطالة وتأمين على الشيخوخة‪.‬‬

‫د ‪ -‬بريطانيا‪ :‬شهدت بريطانيا صدور أول قانون سنة ‪ 1911‬وهو قانون التأمين الوطني الذي‬
‫أقر بالتأمين في حاالت المرض واألمومة والعجز والبطالة‪ .‬إال أن أهم إضافة تحسب لهذا‬
‫البلد التقرير الذي أعده اللورد " بيفريدج" ‪ Beveridge‬حول الضمان االجتماعي والذي‬
‫قدمه إلى البرلمان سنة ‪ .1942‬فقد نادى بيفريدج باعتبار الضمان االجتماعي " نظام القضاء‬
‫على الحاجة " ودعا الدولة إلى إتباع سياسة تعتمد على توفير العمل لكل من هو قادر عليه‪.‬‬
‫ويتم التوصل إلى ضمان القدرة على العمل بواسطة االهتمام بصحة العمال ووقايتهم‬
‫وعالجهم‪ .‬وبصفة عامة فقد تميزت دعوته بضرورة توحيد المساهمات والمنافع والهياكل‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬االتحاد السوفياتي‪ :‬برزت التجربة السوفياتية على نقيض تام مع كل التجارب السابقة‬
‫مكرسة مفهوما جديدا لتنظيم المجتمع قائما على الملكية المشتركة لوسائل اإلنتاج على‬
‫أنقاض المجتمع الرأسمالي‪ .‬لذلك طبق االتحاد السوفياتي التغطية الشاملة لكافة أفراد‬
‫المجتمع ضد األخطار التي يمكن أن تهددهم أو تلحق بهم‪ .‬وصدر سنة ‪ 1933‬قانون‬
‫التأمينات االجتماعية الذي تموله الدولة دون اللجوء إلى أي اقتطاع من أجور العمال‪.‬‬

‫‪ -2‬الضمان االجتماعي في اإلعالنات والمواثيق الدولية‬

‫أدت التحوالت الكبرى التي عرفتها البشرية خاصة في القرن العشرين وبسبب‬
‫الحربين العالميتين إلى تبلور مفهوم جديد للضمان االجتماعي باعتباره وسيلة تضمن‬
‫استقرار هذه المجتمعات وتقيها من أخطار التقلبات‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الضمان االجتماعي حق من حقوق اإلنسان‪:‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪8‬‬

‫صدر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان سنة ‪ 1948‬وقد خصص فصله الثاني‬
‫والعشرون للضمان االجتماعي‪:‬‬
‫" لكل شخص باعتباره عضوا في المجتمع الحق في الضمان االجتماعي وله الحق في‬
‫الحصول على إشباع حاجاته االقتصادية واالجتماعية والثقافية التي ال غنى عنها لكرامته‬
‫وللتطور الحر لشخصيته وذلك بفضل المجهود الوطني والتعاون الدولي مع مراعاة ظروف‬
‫كل دولة ومصادرها "‪.‬‬

‫كما نصت المادة ‪ 25‬على‪:‬‬

‫" لكل شخص الحق في مستوى معيشة كاف لتأمين صحته وحاجته المادية وصحة وحاجات‬
‫أسرته وخاصة تلك المتعلقة بالمأكل والملبس والمسكن والخدمات الصحية والخدمات‬
‫االجتماعية الضرورية وله الحق في الضمان في حالة البطالة والمرض والعجز والترمل‬
‫والشيخوخة أو في الحاالت األخرى التي يفقد فيها وسائل العيش نتيجة ظروف خارجة عن‬
‫إرادته"‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحد األدنى للضمان االجتماعي ‪:‬‬

‫أقرت المنظمة الدولية للشغل االتفاقية الدولية عدد ‪ 102‬لسنة ‪ 1952‬المعروفة بالحد‬
‫األدنى لل ضمان االجتماعي والصادرة عن المؤتمر الدولي الخامس والثالثون سنة ‪1952‬‬
‫والتي دخلت حيز التطبيق سنة ‪ .1955‬وقد حددت هذه االتفاقية تسعة مخاطر يتعين مواجهتها‬
‫عن طريق الضمان االجتماعي وهي‪ :‬العناية الطبية‪ ،‬المرض ( التعويض عن األجر‬
‫المفقود)‪ ،‬البطالة‪ ،‬الشيخوخة‪ ،‬حوادث الشغل واألمراض المهنية‪ ،‬الوالدة‪ ،‬العجز‪ ،‬الوفاة‪،‬‬
‫األعباء العائلية‪.‬‬

‫وتلتزم كل دولة موقعة على االتفاقية بضمان ثالثة مخاطر على األقل من المخاطر‬
‫التسعة المذكورة على أن يكون من بينها بصورة إجبارية أحد المخاطر الخمسة التالية‪:‬‬
‫البطالة‪ ،‬الشيخوخة‪ ،‬العجز‪ ،‬حوادث الشغل واألمراض المهنية‪ ،‬الوفاة‪.‬‬

‫وتميزت هذه االتفاقية بمرونة من حيث تطبيقها على األشخاص فهي تقتضي أن تشمل‬
‫التغطية إما ‪ % 50‬من مجموع العمال أو ‪ % 20‬من مجموع المقيمين‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪9‬‬

‫ج – العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية والذي اعتمد وعرض‬
‫للتوقيع والتصديق واالنضمام بموجب قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة ‪ 2200‬المؤرخ في‬
‫‪ 16‬ديسمبر ‪ 1966‬حيث تنص المادة ‪ 9‬على ما يلي‪ :‬تقر الدول األطراف في هذا العهد بحق‬
‫كل شخص في الضمان االجتماعي‪ ،‬بما في ذلك التأمينات االجتماعية‪.‬‬

‫د‪ -‬أرضية الحماية االجتماعية‬

‫أشار تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية سنة ‪ 2011‬أن ثلث البلدان فقط ( يسكنها‬
‫‪ % 28‬من السكان في العالم ) توفر أنظمة للحماية االجتماعية تشمل كافة المنافع المنصوص‬
‫عليها في االتفاقية الدولية عدد ‪ 102‬الصادرة سنة ‪ .1952‬أما بقية البلدان فال يتوفر فيها‬
‫سوى جزء من المنافع وال يستفيد بالتغطية االجتماعية سوى جزء من السكان‪ .‬وإذا أخذنا‬
‫بعين االعتبار العدد الجملي للسكان بما في ذلك أولئك غير الناشطين فإن ‪ % 20‬فقط من‬
‫السكان في سن العمل في العالم يتمتعون هم وعائالتهم بالحماية االجتماعية الحقيقية والشاملة‪.‬‬
‫ونظ را لتواصل حرمان عدد ال بأس به من السكان في العالم من الحماية االجتماعية‬
‫في بداية القرن الواحد والعشرين أصدرت منظمة العمل الدولية التوصية عدد ‪ 202‬لسنة‬
‫‪ 2012‬المتعلقة باألرضية الدنيا للحماية االجتماعية‪ .‬وتتضمن هذه األرضية مجموعة من‬
‫التعهدات األساسية في مجال الضمان االجتماعي على الصعيد الوطني من شأنها أن تحد من‬
‫الفقر والفاقة واإلقصاء االجتماعي‪ .‬وتوفر هذه التعهدات أيضا لكل إنسان طيلة حياته الحق‬
‫في الصحة وحدا أدنى من وسائل العيش‪ .‬وينطبق هذا االلتزام أيضا على من هم في سن‬
‫العمل وحرموا من الحصول على دخل محترم بسبب المرض أو األمومة أو العجز أو‬
‫البطالة‪ ،‬وكذلك توفير دخل أدنى للمسنين‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪10‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في تونس وتطوره‬


‫الفصل األول‪ :‬نشأة الضمان االجتماعي في تونس وتطوره‬

‫تزامن ظهور الضمان االجتماعي في تونس بمفهومه المعاصر مع دخول االستعمار‬


‫الفرنسي الذي حرص على تمتيع رعاياه بنفس االمتيازات التي يتمتع بها نظراؤهم بفرنسا‪ .‬ثم‬
‫تطور الضمان االجتماعي ليشمل بعض التونسيين أمام ضغوط الحركة النقابية‪ .‬وتميز‬
‫الضمان االجتماعي في تونس بتقسيمه بين القطاعين العمومي والخاص الذي ما زال معموال‬
‫به إلى اليوم‪.‬‬

‫‪ -1‬في القطاع العمومي‬

‫تمثلت أهم المنافع في المنح العائلية واألجر الوحيد والجرايات والتأمين على المرض‪.‬‬

‫أ‪ -‬المنح العائلية‪ :‬استفاد الموظفون مباشرة إثر الحرب العالمية األولى بإسنادهم المنح العائلية‬
‫وذلك سنة ‪ 1918‬حيث سعت السلطات الفرنسية لتشجيع الوالدات لتعويض ما خسرته‬
‫خالل الحرب العالمية األولى وحث الموظفين الفرنسيين على االستقرار في تونس بضمان‬
‫مستوى عيش الئق بهم‪.‬‬

‫ب‪ -‬الزيادة عن األجر الوحيد‪ :‬كانت تسمى " منحة الزوجة في البيت" وأسندت إلى موظفي‬
‫القطاع العمومي سنة ‪ .1944‬وكان الهدف من ذلك تحسين المقدرة الشرائية لألعوان‬
‫العموميين التي تدهورت جراء الحرب العالمية الثانية‪ .‬وكانت هذه المنحة تسند بصفة‬
‫متالزمة مع المنح العائلية لكل رجل ال تشتغل زوجته‪.‬‬

‫ت‪ -‬الجرايات‪ :‬كانت البداية باألمر العلي الصادر في ‪ 20‬جانفي ‪ 1898‬الذي أحدث نظاما‬
‫للتقاعد والعجز للموظفين واألعوان التونسيين وأسس " الجمعية االحتياطية للموظفين‬
‫واألعوان التونسيين"‪ .‬وقد شملت الموظفين والمستخدمين المدنيين والعسكريين التابعين‬
‫للحكوم ة التونسية وكذلك الموظفين العاملين في األحباس والبلديات والمدرسة الصادقية‪.‬‬
‫غير أن أهم شريحة بعثت ألجلها هذه الجمعية كانت الموظفين الفرنسيين خاصة بعد أن تم‬
‫حشر اإلدارة بهم في السنوات األولى التي عقبت دخول االستعمار الفرنسي لتونس‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪11‬‬

‫وكان النظام المعتمد هو الرسملة ويغطي الشيخوخة فقط‪ .‬وكانت الجمعية تتمتع‬
‫بالشخصية المدنية المستقلة لكن ما لبثت أن حولتها السلط االستعمارية إلى صندوق تقاعد‬
‫تابع للدولة منذ سنة ‪.1908‬‬

‫وتم إثر ذلك إنشاء صندوق تقاعد عمال التبغ سنة ‪ 1914‬وأسند التصرف فيه إلى‬
‫الجمعية االحتياطية وآخر للسكك الحديدية سنة ‪ .1925‬كما تم سنة ‪ 1948‬إحداث صندوق‬
‫للتقاعد ألعوان مؤسسات النقل والمؤسسات التي لها امتياز إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز‬
‫وعهد له بالتصرف في أنظمة التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة بعد‬
‫وفاة المنتفع بالنسبة إلى المستخدمين والعملة للمؤسسات التالية التي يكون انخراطهم فيها‬
‫إجباريا‪ :‬شركة شمال افريقيا للكهرباء والغاز والماء (صفاقس) واتحاد الكهرباء التونسي‬
‫(سوسة) وشركة الطاقة الكهربائية لمدينة بنزرت وشركة الطاقة الكهربائية لمنطقة فيفريفيل‬
‫واتحاد الكهرباء الكولونيال وأمنيون تونس للكهرباء ثم أصبح يعرف بصندوق مستخدمي‬
‫المصالح العمومية للكهرباء والغاز والنقل‪ .‬وقد تمتع هذا الصندوق بضمان الدولة‪.‬‬

‫ث‪ -‬أحدث نظام للحيطة االجتماعية لفائدة القطاع العام وأعوانه بمقتضى األمر العلي المؤرخ‬
‫في ‪ 12‬أفريل ‪ 1951‬ليشمل العمال واألعوان القارين التابعين للمؤسسات العمومية‬
‫والبلديات‪ .‬وتتمثل الحيطة االجتماعية التي جاء بها هذا األمر في التعويض الجزئي عن‬
‫مصاريف العالج الخاص باألمراض الطويلة المدى والعمليات الجراحية كما تضمن إحداث‬
‫رأس مال عند الوفاة‪ .‬وقد أسند التصرف فيه إلى الجمعية االحتياطية إلى أن تم تعويضها‬
‫بصندوق الحيطة االجتماعية المحدث سنة ‪.1959‬‬

‫‪ -2‬في القطاع الخاص‬

‫اقتصرت المنافع االجبارية على المنح العائلية والتعويض عن أضرار حوادث الشغل‬
‫واقتصرت المنافع االختيارية على التقاعد‪.‬‬

‫أ‪ -‬المنح العائلية‪ :‬ت م إحداث نظام للتعويض عن المنح العائلية بمقتضى األمر المؤرخ في ‪8‬‬
‫جوان ‪ .1944‬وكان الهدف جلب الفرنسيين لالستقرار بتونس من ناحية واستنهاض‬
‫العمال في القطاع الخاص لحثهم على المساهمة في مجهود إعادة االعمار في تونس على‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪12‬‬

‫غرار ما قامت به في بقية المستعمرات مثل الجزائر والمغرب‪ .‬وقد كلفت ثالثة صناديق‬
‫بالتصرف فيه وهي‪:‬‬

‫‪ -‬صندوق التعويض للمنح العائلية للبناء واألشغال العامة والرصيف والموانئ‪.‬‬


‫‪ -‬صندوق التعويض للمنح العائلية للصناعة االستخراجية والمسابك‪.‬‬
‫‪ -‬الصندوق المهني للتعويض عن المنح العائلية بتونس‪.‬‬

‫وقد كانت هذه الصناديق النواة التي أسست الصندوق المركزي للمنافع العائلية سنة‬
‫‪ 1958‬والذي تحول إلى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي سنة ‪.1960‬‬

‫ب‪ -‬التعويض عن األضرار الناجمة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية‪ :‬تم بمقتضى‬
‫األمر المؤرخ في ‪ 15‬مارس ‪ 1921‬إحداث نظام للتعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث‬
‫الشغل‪ .‬وهو يكاد يكون نسخة مطابقة للقانون الفرنسي الصادر سنة ‪ .1898‬وقد كانت أسباب‬
‫إصدار أمر ‪ 1921‬في تونس اضطرار السلطات الفرنسية إلى تأمين شروط استغالل اليد‬
‫العاملة إلنجاح المشروع االستعماري خاصة في قطاعي المناجم والرصيف حيث كانت تكثر‬
‫حوادث الشغل وألن السلطات الفرنسية كانت تعول على هذين القطاعين لتحسين مداخيلها‬
‫بعد الحرب العالمية األولى‪ .‬وتواصل العمل بهذا القانون حتى سنة ‪ 1957‬حيث قامت السلطة‬
‫التونسية الجديدة بتنقيحه مضيفة إليه حوادث الطريق واألمراض المهنية‪.‬‬

‫ت‪ -‬التقاعد‪ :‬لم ي وجد في الفترة االستعمارية أي نظام قانوني للتأمين على الشيخوخة أو‬
‫العجز أو الباقين على قيد الحياة بعد وفاة المنتفع بجراية‪ .‬بل وجدت أنظمة تعاقدية أي‬
‫اختيارية كان يتصرف فيها الصندوق التونسي للتقاعد المحدث سنة ‪ 1949‬وجمعية شمال‬
‫افريقيا للحيطة بتونس ويعمل الصندوقان تحت نظام الجمعيات‪ .‬وفي فترة الحقة تم ادماج‬
‫هذه المؤسسات في " الشركة االحتياطية العامة للحيطة االجتماعية وذلك سنة ‪ 1962‬والتي‬
‫تم إدماجها في صندوق التأمين على الشيخوخة سنة ‪ .1978‬ومن أهم القطاعات التي‬
‫استفادت من هذا النظام التعاقدي البنوك والمؤسسات المالية التي كان يشتغل فيها أساسا‬
‫الفرنسيون‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪13‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬دور االتحاد العام التونسي للشغل في تأسيس منظومة الضمان االجتماعي‬
‫كان لالتحاد العام التونسي للشغل دور أساسي في تأسيس منظومة التغطية االجتماعية‬
‫سواء من خالل نضاالته ضد السلطات الفرنسية أو عبر مساهمته في وضع أسس الضمان‬
‫االجتماعي خالل السنوات األولى لالستقالل‪.‬‬
‫‪ -1‬نضاالت االتحاد ومطالبه خالل الفترة االستعمارية‬
‫اهتم االتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه بالمسألة االجتماعية وتحديدا التغطية‬
‫االجتماعية من ذلك ما ورد في التقرير األدبي الذي تقدم به فرحات حشاد أمام أول مؤتمر‬
‫لالتحاد والذي تحول إلى برنامج قاد النقابيين في نضاالتهم في السنوات الموالية‪ .‬ومن بين‬
‫نقاط هذا البرنامج المطالبة " بالترفيع في المنح العائلية ومنحة التقاعد للعملة المسنين ومنح‬
‫البطالة وتطبيق التشريع االجتماعي على العملة الفالحيين"‪.‬‬

‫وتفطن االتحاد إلى أالعيب النقابات الفرنسية التي كان أول همها توفير المنافع‬
‫االجتماعية لجاليتها وعند االقتضاء تمكين بعض التونسيين من بعض المنافع في محاولة‬
‫المتصاص الغضب وهو ما حذر منه فرحات حشاد عندما قال‪ " :‬إن نظام الحماية الذي شعر‬
‫بخطر الموت واالضمحالل قام بمحاوالت بائسة إلدخال إصالحات اجتماعية غير متماسكة‬
‫األجزاء ال ترمي إال لحمل الطبقة الشغيلة على العدول عن أحد أعز طلباتها أال وهو إحداث‬
‫نظام حقيقي للضمان االجتماعي مطابق لحالة البالد االقتصادية واالجتماعية "‪.‬‬

‫فقد مارست النقابات الفرنسية التي كان يسيطر عليها االشتراكيون ويهيمن على‬
‫قيادتها الموظفون تأثيرا كبيرا في تلك الفترة في اتجاه محاولة إنقاذ وضعيتهم خاصة بعد أن‬
‫زاد ضغط التونسيين الحاصلين على شهادات والمطالبين بالعمل في اإلدارة التونسية‪ .‬وكانت‬
‫الجامعة العامة للموظفين وهي نقابة فرنسية تستميت في الدفاع عن الموظفين الفرنسيين‬
‫الذين تعتبرهم " الركائز األكثر صالبة في هيكلة الحضور الفرنسي بتونس وإلدارة البالد "‪.‬‬
‫وكان حشاد مدركا للخطر الذي كانت تمثله هذه الجامعة على مصالح الموظفين التونسيين‬
‫فكتب " لقد أصبنا حين وقفنا في وجه جامعة المتوظفين الفرنسية إلحباط مساعيها الشيطانية‬
‫التي حاولت ولم تزل تحاول تدعيم أسباب السيطرة على هاته البالد"‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪14‬‬

‫وكانت مواقف االتحاد نابعة من قناعته بارتباط سوء األحوال االجتماعية بتدهور‬
‫الظروف االقتصادية مثلما أن الظروف االقتصادية ناشئة عن االستعمار السياسي‪ .‬فقد توجه‬
‫فرحات حشاد في خطاب إلى العمال التونسيين يوم ‪ 26‬جويلية ‪ 1952‬قائال‪ " :‬أين هي‬
‫ضماناتكم المشتركة وما ينبغي أن تجره عليكم من فوائد؟ وأين هو نظام األمن واإلسعاف‬
‫االجتماعي ؟ فإن انعدامه ألبلغ اعتراف وأكبر حجة على قلة اهتمام اإلدارة وأصحاب‬
‫رؤوس األموال بحياتكم نفسها‪".‬‬

‫و من أهم المحطات التاريخية في تطور التغطية االجتماعية ما أنجزه االتحاد خالل‬


‫المؤتمر الرابع لالتحاد المنعقد في مارس ‪ 1951‬عندما صاغ الخطوط العامة لبرنامج‬
‫اقتصادي واجتماعي للخروج بالبالد من الحالة التي كانت عليها مع الوعي التام بضرورة‬
‫التخلص من الهيمنة االستعمارية وإقامة سلطة وطنية كشرط لتحقيق النمو االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪ .‬وتصدر مطلب الضمان االجتماعي لوائح االتحاد العام التونسي للشغل حيث‬
‫لخص زعيم الحركة النقابية مطالب االتحاد آنذاك في موضوع الضمان االجتماعي بهذه‬
‫الكلمات‪ " :‬ضمان اجتماعي نعتبره مطلبا من مطالبنا الحيوية إذ هو الكفاح ضد البطالة وهو‬
‫إلى ذلك يتمثل في إعطاء منح للعاطلين وفي تأسيس مصلحة خاصة باليد العاملة وفي تحقق‬
‫غرامة تمنح للعامل بسبب المرض وفي مد العملة بوسائل العالج واألدوية وجعلهم بمأمن من‬
‫سائر العاهات االجتماعية "‪.‬‬
‫يتضح إذن مميزات السياسة الفرنسية التي وظفتها لتشجيع جاليتها على االستيطان من‬
‫خالل آلية التغطية االجتماعية وهو ما تفطن له االتحاد العام التونسي للشغل فجعله محورا‬
‫أساسيا في نضاالته ومن ثمة في صياغة تصوراته الالحقة بالتعاون مع بقية المنظمات‬
‫واألحزاب الوطنية‪.‬‬

‫‪ -2‬دور االتحاد خالل السنوات األولى لالستقالل‬

‫وجدت السلطة التونسية نفسها بعد االستقالل أمام تشريعات مبعثرة وغير مالئمة‬
‫لألوضاع االقتصادية للبالد في أغلبها‪ .‬وكانت أنظمة الضمان االجتماعي تركة من تركات‬
‫االستعمار الفرنسي الذي وضعها على قياس جاليته‪ .‬واعترفت الحكومة الجديدة بهذا الفراغ‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪15‬‬

‫في تقرير صدر سنة ‪ 1957‬حول واقع الضمان االجتماعي بعد خروج االستعمار جاء فيه "‬
‫ال يوجد في تونس نظام متقن في هذا الميدان وإن كان بعض أصحاب العمل مثل البنوك‬
‫وشركات المناجم وشركات البترول قد وضعوا لعملتهم نظاما يضمن لهم األمن وسالمة‬
‫العيش عند الشيخوخة أو السقوط (العجز) أو اإلصابة بغير األمراض المتولدة عن المهنة‬
‫ويضمن لذويهم العيش الكريم في حالة الوفاة " ‪.‬‬
‫وكان للبرنامج االقتصادي واال جتماعي الذي تبناه االتحاد العام التونسي للشغل في‬
‫مؤتمره السادس في سبتمبر ‪ 1956‬الفضل في ما شهدته تونس في الفترة الموالية من‬
‫انجازات في المجال االجتماعي‪ .‬وقد اعتبر هذا التقرير وثيقة أساسية تبناها االتحاد ليناضل‬
‫من أجل تحقيقها إيمانا منه بأن التحرر االجتماعي ال يمكن أن يتم دون تحرر سياسي‪ .‬وليس‬
‫من المبالغة ال قول أن االتحاد العام التونسي للشغل كان له برنامج أوضح من الحكومة بل‬
‫وأشمل بحيث تضمن مجموعة من اإلجراءات الواجب اتخاذها لمكافحة التخلف وتحسين‬
‫المداخيل بل إنه كان مصرا على إثبات كون االتحاد أصبح قوة من واجبها أن تتحمل‬
‫مسؤولياتها في بناء الدولة حسب ما ورد في التقرير األدبي للمؤتمر السادس المنعقد في‬
‫سبتمبر ‪ 1956‬أي بعد بضعة أشهر فقط من االستقالل‪.‬‬

‫وقد لعب أحمد بن صالح األمين العام السابق لالتحاد العام التونسي للشغل دورا هاما‬
‫في تنفيذ البرامج االجتماعية بعد تعيينه وزيرا للصحة ثم وزيرا للشؤون االجتماعية‪ .‬وقد‬
‫عمل خالل توليه وزارة الصحة العمومية على تطهير البالد من عدة أمراض معدية مثل‬
‫السل والرمد وغيرها‪ .‬وتم في ظرف ثالث سنوات ونصف مضاعفة التجهيزات الصحية‪.‬‬
‫وكان هذا العمل يندرج في إطار مجهود وطني اشترك فيه قادة نقابيون تولوا مناصب‬
‫وزارية إلى جانب أحمد بن صالح منهم عز الدين العباسي ومحمود الخياري ومصطفى‬
‫الفياللي واألمين الشابي‪ ،‬وكان جميعهم مدركين أن هذه التدابير كانت تمثل " الشروط األولية‬
‫إلعداد سياسة اقتصادية متجانسة بدأ تطبيقها في الستينات "‪ .‬وقد شرعت الحكومة في اتخاذ‬
‫عديد اإلجراءات التي كانت تصب بشكل أو بآخر في اتجاه توفير الظروف المالئمة لتأسيس‬
‫منظومة متكاملة للتغطية االجتماعية قادرة أن تكون رافدا للتنمية االقتصادية‪ .‬فقد " أرادت‬
‫السلطات الرسمية أن تنشئ ضمانا اجتماعيا منسقا عندما تسمح الظروف االقتصادية والمالية‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬


‫‪16‬‬

‫" ‪ .‬ومن بين اإلجراءات التي اندرجت ضمن هذا التوجه إصدار مجلة األحوال الشخصية‬
‫وإلغاء األوقاف وتنظيم النسل وهي إجراءات تسير في نسق النموذج المجتمعي الذي بدأ‬
‫بورقيبة بتكريسه‪ .‬وقد لخص بن صالح اإلجراءات المتخذة بعد االستقالل واضعا الضمان‬
‫االجتماعي في نفس مستوى المجلس التأسيسي‪ .‬فقد اعتبر أن أهم اإلصالحات بعد االستقالل‬
‫كانت " تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي وإصدار مجلة األحوال الشخصية والنصوص‬
‫المختلفة حول التعليم وإلغاء أمر فرنسي يمنع استعمال حبوب منع الحمل وأخيرا بعث‬
‫الصندوق الوطني للضمان االجتماعي الذي يبقى إلى اليوم أهم بنك ادخار في تونس "‪.‬‬

‫ومن أولى التشريعات التي صدرت بعد االستقالل القانون المتعلق بالتعويض عن‬
‫أضرار حوادث الشغل في ديسمبر ‪ 1957‬الذي عوض األمر العلي لسنة ‪ 1921‬وأضاف‬
‫التعويض عن األمراض المهني وحوادث الطريق‪ .‬لذلك اعتبر أحمد بن صالح أثناء مشاركته‬
‫في الدورة ‪ 42‬لمنظمة العمل الدولية يوم ‪ 19‬جوان ‪ 1958‬أن أهم إنجاز تم منذ ‪ 1956‬هو‬
‫إصدار قانون التعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية‪.‬‬

‫وفي مجال الضمان االجتماعي وتحديدا في القطاع العمومي تم سنة ‪ 1959‬تأسيس"‬


‫الصندوق القومي للتقاعد " ليوكل له التصرف في جرايات التقاعد المدنية والعسكرية في‬
‫القطاع العمومي‪ .‬وفي نفس السنة تم إحداث صندوق الحيطة االجتماعية للتكفل بالتصرف في‬
‫نظام الحيطة االجتماعية للموظفين‪ .‬وقد تم سنة ‪ 1975‬توحيد هذين الصندوقين في الصندوق‬
‫القومي للتقاعد والحيطة االجتماعية‪.‬‬

‫أما في م جال الضمان االجتماعي في القطاع الخاص فقد تم اللجوء إلى خبراء من‬
‫منظمة العمل الدولية الذين أوصوا بإحداث منح المرض واألمومة والوفاة وكذلك بتوفير‬
‫العالج كما دعو ا إلى إحداث جرايات الشيخوخة والعجز والباقين بعد وفاة المنتفع‪ .‬وكان‬
‫الهدف من إحداث هذه المنافع توفير ما من شأنه أن يحث العمال على العمل والكد من ناحية‬
‫وعلى االطمئنان على المستقبل من ناحية أخرى‪ .‬وقد عبر عن ذلك أحمد بن صالح في‬
‫عرضه ألهداف المشروع المعد للغرض‪ " :‬لئن تشبث العامل بهذا الضمان ذلك أنه أكثر‬
‫تعرضا من سواه لألخطار فإذا تحقق له أنه عندما يكون مريضا ال يلحق أبناءه الجوع وإن‬
‫مرض هؤالء األطفال يقع عالجهم مجانا وأنه بالتالي سوف ينتفع – عندما تميل شمسه إلى‬
‫د‪ .‬بدر السماوي‬
‫‪17‬‬

‫الغروب‪ -‬بجراية تقاعد قلنا إذا تحقق فإن ضميره يحمله ال محالة على العمل بأكثر نزاهة‬
‫وإخالصا"‪ .‬وهكذا صدر سنة ‪ 1960‬القانون المؤسس للصندوق القومي للضمان االجتماعي‬
‫ولنظام الضمان االجتماعي في القطاع الخاص الذي أقر بحق العالج للمضمونين‬
‫االجتماعيين في المؤسسات العمومية مجانا‪ .‬كما تم في نفس الوقت إصدار قانون يقر بحق‬
‫األجراء في القطاع الخاص بالحصول على جراية شيخوخة‪.‬‬

‫لم يكن أمام الدولة غير الشروع في تقديم بعض المنافع بما يمكنها من السيطرة على‬
‫الوضع السياسي‪ ،‬وكان االتحاد العام التونسي للشغل آنذاك متماشيا مع هذا التوجه حيث ساند‬
‫مجلسه الوطني المنعقد يوم ‪ 26‬افريل ‪ 1959‬برنامج الحكومة في مختلف المجاالت وخاصة‬
‫قرارها بتوحيد صناديق الضمان االجتماعي في صندوق واحد " بما يساهم في تخفيف‬
‫مصاريف التصرف واالستجابة لمطالب العمال‪ . ".‬كما أصدر المجلس الئحة تحتوي على‬
‫ست نقاط نصت النقطة األولى منها على مطالبة السلط العمومية بمواصلة الدراسة المتعلقة‬
‫بتوسيع الضمان االجتماعي في إطار المخطط االقتصادي للتنمية‪.‬‬

‫وهكذا تمكنت السلطة الجديدة بمساهمة فعالة من االتحاد العام التونسي للشغل من‬
‫وضع األسس األولية لنظام الضمان االجتماعي كشرط أساسي للنهوض باالقتصاد وبداية‬
‫إنجاز المخططات التنموية في بداية الستينات بما توفره المنافع االجتماعية من زرع‬
‫الطمأنينة في نفوس السكان الذين ظلوا يعيشون تحت وطأة البؤس لمدة عقود على أمل الظفر‬
‫بمستقبل زاهر وحياة حرة‪.‬‬

‫د‪ .‬بدر السماوي‬

You might also like