You are on page 1of 13

‫‪:‬‬ ‫المقدمة‬

‫يواجه الإنسان منذ ولادته إلى حين وفاته جملة من المخاطر تهدده كالفقر و‬
‫الحاجة والبطالة‪ ،‬و الأمراض وغيرها من المخاطر التي قد تحول دون قدرته على‬
‫الكسب أو على الأقل قد تقلل من هاته القدرة‪ .‬و لأن الإنسان بطبعه يخاف من‬
‫المستقبل حيث يرغب دائما أن يكون في منأى عن الحاجة]‪ ،[1‬الأمر الذي دفعه إلى‬
‫السعي إلى مواجهة تلك المخاطر‪ ،‬بدأ بالوسائل البدائية كالإذخار و التضامن في شكل‬
‫قبائلي ووصولا إلى فكرة الحماية الاجتماعية‪ ،‬التي تعتبر الدليل القاطع على الرغبة‬
‫الجامحة في القضاء على ما يهدد الإنسان من أخطار في حياته‪.‬‬
‫ولقد عملت مجموعة من الدول و خاصة منها المتقدمة إلى اقرار الحماية الاجتماعية‪،‬‬
‫هذا النظام الذي يشمل في معناه الواسع والحقيقي أنظمة التقاعد والتربية و التكوين‬
‫وأنظمة التغطية الصحية‪ ،‬أو ما يصطلح عليه بالوضعيات “التبعية‪”[2].‬‬
‫و يعتبر مفهوم الحماية الاجتماعية بكونه “نسق منظم من الخدمات و الأجهزة التي‬
‫يتم إعدادها لمساعدة الأفراد و الجامعات على تحقيق مستويات مناسبة للصحة‬
‫والمعيشة‪ ،‬ولتدعيم العلاقات الشخصية و الاجتماعية بما يمكنهم من تنمية قدراتهم‪،‬‬
‫وكذا ملائمة مستوى حياتهم مع احتياجاتهم‪”.‬‬

‫وقد كانت الحماية الاجتماعية تجد أساسها في العادات و التقاليد‪ ،‬وكذلك الدين‬
‫الإسلامي الحنيف الذي يحث على قيام التعاون و التآزر من بر والمساعدة الاجتماعية‪،‬‬
‫كواجب الزكاة على القادرين عليها‪ ،‬وهاته الحماية تجد أساسها كذلك في إعلان‬
‫العالمي لحقوق الإنسان لسنة ‪ ،1948‬وكذلك في العهد الدولي لحقوق الاقتصادية و‬
‫الاجتماعية و الثقافية من خلال المواد ‪ 9‬و ‪ 12‬منه ‪ ،‬ونجد تم التنصيص كذلك في‬
‫اتفاقية ‪ 118‬المتعلقة بالمساوة في المعاملة بين الوطنين و الغير الوطنين في ميدان‬
‫الضمان الاجتماعي‪ ،‬و اتفاقية ‪ 143‬التي أكدت على حق الأجير في الحماية الاجتماعية و‬
‫]‪[3‬‬
‫غيرها من الاتفاقيات الأخرى‬

‫أما فيما يخص الحماية الاجتماعية على الصعيد المغربي فبعد فرض الحماية عليه فقد‬
‫سعة سلطات الاستعمار إلى إقرار بعض القوانين التي تضمنت ولو في جزء منها‬
‫“الحماية الاجتماعية” بغاية تشجيع المعمرين على الاستقرار في المغرب‪ ،‬ومن بين‬
‫هاته القوانين على سبيل المثال‪ ،‬ظهير ‪ 1917‬المتعلق بإحداث صندوق الاحتياط‬
‫المغربي‪ ،‬و الظهرين الصادرين ‪ 1930‬المتعلقين بنظام المعاشات المدنية‪ ،‬و بإحداث‬
‫الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬و ظهير الصادر سنة ‪ 1927‬المتعلق بالتعويض عن‬
‫]‪[4‬‬
‫حوادث الشغل‪ ،‬و ظهير الصادر سنة ‪1943‬المتعلق بالتعويض عن الأمراض المهنية‪.‬‬
‫وبحصول المغرب على الاستقلال فقد بادر لإدخال مجموعة من الإصلاحات‬
‫التشريعية التي تهم بالأساس نظام الحماية الاجتماعية‪ ،‬كإحداث الصندوق الوطني‬
‫للضمان الاجتماعي سنة ‪ 1959‬والذي عدل سنة ‪ .1972‬أما بخصوص حوادث الشغل‬
‫فقد صدر ظهير ‪ 1963‬و الذي تم تعويضه بموجب قانون ‪12‬ـ‪ ،[5]18‬أما فيما يتعلق‬
‫]‪[6‬‬
‫بالصحة فقد صدرت مدونة التغطية الصحية ‪00‬ـ‪.65‬‬
‫ويحظى موضوع أسس الحماية الاجتماعية بأهمية بالغة‪ ،‬تتجلى هاته الحماية في‬
‫كونها حق من حقوق الإنسان الأساسية‪ ،‬كما أنها تحظى بنقاش كبير على المستوى‬
‫الوطني و الدولي و لا أدل على ذلك مجموعة من القوانين والنصوص القانونية‬
‫المنجزة حول هذا الموضوع]‪ ،[7‬و كذالك تتجلى هاته الحماية في كونها تساهم في‬
‫تحقيق الأهداف المجتمعية و الاقتصادية الكبرى‪ ،‬كما أنها أداة مهمة لمنع المخاطر‬
‫وصون التماسك الاجتماعي و كذا التقليل من الفوارق الاجتماعية من خلال إعادة توزيع‬
‫دخل‪،‬‬
‫ومن هنا فإن موضوع الحماية الاجتماعية‪ ،‬لفهم اسسه و مبادئه فإنه يستشف الإشكال‬
‫التالي‪:‬‬

‫إلى أي حد استطاع المشرع المغربي إرساء أسس الحماية الاجتماعية بالمغرب في ظل‬
‫المنظومة الترسنة؟‬

‫المطلب الأول ‪:‬تعدد المبادئ و النصوص القانونية المؤطرة للحماية الاجتماعية‬

‫تعتبر الحماية الاجتماعية مجموعة من السياسات و البرامج التي تهدف إلى تقليص‬
‫الفقر و الهشاشة‪ ،‬من خلال دعم سوق العمل وتقليص تعرض الأفراد للمخاطر وتعزيز‬
‫قدرتهم على حماية أنفسهم من احتمال فقدان الدخل‪ .‬أو أنها مجموعة من الأليات التي‬
‫]‪[8‬‬
‫تروم مساعدة الأفراد على موجهة أثار المخاطر الاجتماعية‪ ،‬كالشيخوخة و المرض‪.‬‬
‫وتقوم هاته الحماية الاجتماعية على مجموعة من المبادئ التي تدعو إلى بناء مجتمع‬
‫ديمقراطي يتمتع بالعدل و المساواة والتضامن و التكافل الاجتماعي‪ ،‬وهذا ما سنحاول‬
‫إبرازه من خلال تبيان أهم المبادئ التي تقوم عليهم هاته الحماية‪ ،‬كمبدأ التضامن و كذا‬
‫المساواة و الولوجية و الإنصاف (الفقرة الاولى )وكذلك تتعدد وتشتت النصوص‬
‫القانونية المنظمة لها(الفقرة الثانية‪).‬‬
‫الفقرة الاولى ‪:‬مبادئ الحماية الاجتماعية‬

‫تعتبر الحماية الاجتماعية من أهم الحقوق الإنسان الأساسية‪ ،‬المنصوص عليها في‬
‫إعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة‪ 1948‬حيث جاء في المادة ‪ 22‬من هذا الإعلان أنه‬
‫كأهم لكل فرد من أي أفراد المجتمع في التمتع بضمان الاجتماعي‪ ،‬حيث هذا‬
‫المبدأ(الحماية الاجتماعية كحق من حقوق الإنسان) يتفرع عليه مجموعة من المبادئ‬
‫التي تدعو إلى بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع بالعدل و المساواة و التكافل الاجتماعي‪،‬‬
‫وتتجلى هاته المبادئ في التضامن (أولا )و المساواة (ثانيا )و الإنصاف (ثالثا )و‬
‫الولوجية (رابعا)‬
‫أولا ‪:‬مبدأ التضامن‬
‫يعكس مبدأ التضامن التعبير عن إرادة الجماعة لحل الأوضاع الفردية داخل مجتمع‬
‫معين عبر تحمل المخاطر التي تهدد كل شخص وسط البيئة التي يوجد بها‪ ،‬وهو ما‬
‫كرسه قانون ‪00‬ـ‪ 65‬بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية حيث نص في المادة‬
‫الأولى “يقوم تمويل الخدمات المتعلقة بالعلاجات الصحية على مبدأ التضامن”‪،‬‬
‫ويتجسد هذا التضامن من خلال مساهمة كل عضو من أجل تغطية مخاطر المرض‬
‫بالنسبة لباقي أعضاء المنخرطين في التعاضد‪ ،‬دون ربط استفادتهم بمقدار‬
‫مساهمتهم في التمويل بل تربط بالمقدار اللازم الذي تتطلبه الحاجة الناشئة عن تحقق‬
‫خطر المرض المؤمن عليه‪ ،‬وهو ما يعني التغييب الكلي لأي تمييز بسبب المرض أو‬
‫الإمكانيات المالية‪.‬‬

‫فتمويل التعاضديات يقوم على تشارك جميع المنخرطين في أداء الاشتراكات‪ ،‬حيث‬
‫تستقي مواردها من اشتراكات أرباب العمل و اشتراكات النشطين‪ ،‬وهو ما يحقق‬
‫التضامن التعاضدي بين مختلف المنخرطين أي بين النشطين و المتقاعدين‪ ،‬و أيضا‬
‫بين ذوي الدخل المنخفض وذوي الدخل المرتفع‪ ،‬ومن جهة أخرى يوفر تضامنا بين‬
‫المنخرطين المساهمين في النظام‪ ،‬و المؤمنين الغير المساهمين أي ذوي حقوقه‪.‬‬

‫وقد ساهم كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و النظام الجماعي للمنح و‬


‫الرواتب و الصندوق الوطني للمنظمات الاحتياط الاجتماعي‪ ،‬في تعزيز قيم التضامن‬
‫عن طريق اشتراكات التي تقطع من الرواتب و التي تساهم في تكوين الاحتياطي‬
‫]‪[9‬‬
‫الضروري لتغطية مصاريف وتكاليف الخدمات المقدمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ المساواة‬
‫يسعى القانون بصورة عامة إلى تنظيم الحياة الاجتماعية بصورة تحقق مبدأ المساواة‪،‬‬
‫و العدل بين الأفراد بهدف تحقيق التوازن الاجتماعي]‪ ،[10‬وإن ضمان هذه المساواة و‬
‫العمل على تحقيق الإنصاف لجميع فئات المجتمع في الاستفادة من الحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬يعتبر من أولويات الدولة في هذا المجال‪ ،‬و هو واحب يقع على عاتقها‬
‫اتجاه مواطنيها‪ ،‬اذا تم تكريسه في دستور‪ ،[11]2011‬من خلال الفصل ‪“ 31‬تعمل الدولة‬
‫و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير‬
‫أسباب استفادة المواطنات و المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج و‬
‫العناية الصحية‪:‬‬
‫• الحماية الاجتماعية و التغطية الصحية‪ ،‬والتضامن التعاضدي أو المنظم من‬
‫لدن الدولة؛‬
‫”‪…….‬‬ ‫•‬

‫كما أقرت مبدأ المساواة مجموعة من المواثيق الدولية‪ ،‬كالعهد الدولي للحقوق‬
‫الاقتصادية و الاجتماعية الثقافية‪ ،‬حيث نص على حق المعاقين في تقلد الوظائف و‬
‫المناصب العامة انطلاقا من مبدأ المساواة و تكافؤ الفرص‪ .‬كما أقرته المادة الاولى‬
‫من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ أكدت أن جميع الناس قد ولدوا أحرار و‬
‫متساويين في الكرامة و الحقوق]‪ ،[12‬و كذلك نصت المادة ‪ 32‬من هذا الإعلان على أن‬
‫لكل شخص الحق في العمل وفي حرية اختيار عمله وفي شروط عمل عادلة ومرضية‬
‫و في الحماية من البطالة‪.‬‬
‫كما أقرت مدونة الشغل مبدأ المساواة بين الأجراء في مادتها العاشرة حيث منعت‬
‫التمييز بين الأجراء على أساس الجنس و الحالة العائلية يكون من شأنه خرق أو تحريف‬
‫مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو تعاطي مهنة‪ ،‬لاسيما‬
‫فيما يتعلق بالاستخدام و إدارة الشغل وتوزيعيه والتكوين المهني و الأجر و الترقية و‬
‫الاستفادة من الامتيازات الاجتماعية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مبدأ الإنصاف‬


‫يقتضي مبدأ الإنصاف من الدولة العمل على توفير الحماية الاجتماعية لجميع‬
‫المواطنين ‪،‬حيث يجب أن تكون الخدمات موزعة توزيعا كافيا على سائر التراب الوطني‬
‫من أجل توفير هاته الخدمات لمختلف شرائح المجتمع‪ .‬وهذا المبدأ مكرس بالدستور‬
‫المملكة المغربية لسنة ‪ 2011‬في الفصل ‪ 154‬حيث ينص على أن “يتم تنظيم المرافق‬
‫العمومية على أساس المساواة بين المواطنين و المواطنات في الولوج إليها‪ ،‬و‬
‫الإنصاف في تغطية التراب الوطني و الاستمرارية في أداء الخدمات‪“.‬‬
‫كما نجد أن هذا المبدأ منصوص عليه في كل من الدباجة و المادة الأولى من قانون‬
‫‪00‬ـ‪ ،[13]65‬و التي تفرض على الدولة التزاما بتوفير الخدمات الصحية الوقائية مجانا‬
‫لفائدة جميع الأفراد والجماعات بالإضافة إلى سهرها على تنظيم مجال تقديم خدمات‬
‫طبية نوعية على سائر اقاليم و كذا جهات المملكة‪ ،‬وضمان الاستفادة من هذه‬
‫الخدمات لفائدة جميع الفئات الاجتماعية عن طريق التكفل الجماعي والتضامني‬
‫بالنفقات الصحية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مبدأ الولوجية‬
‫يقوم مبدأ الولوجية على أربع عناصر أساسية تتمثل في عدم التمييز و إمكانية‬
‫الوصول المادي وكذا إمكانية الوصول بالمنظور الاقتصادي‪ ،‬وامكانية الوصول‬
‫للمعلومات‪ .‬إذ يجب أن يتمتع كل فرد بإمكانية الوصول للمرافق و الخدمات الصحية‬
‫لا سيما الفئات الأكثر تضررا دون تميز على أي سبب غير مشروع‪ ،‬كما يجب أن تكون‬
‫المرافق متيسر الوصول إليها سواء بالمنظور المادي بأن تكون متواجدة بالعدد الكافي‪،‬‬
‫أما بالمنظور الإقتصادي فيجب أن يتمكن الجميع من إمكانية تحمل نفقة المرافق و‬
‫السلع والخدمات المرتبطة بالصحة و ذلك بالمراعاة الوضعية المالية بالنسبة للأسر‬
‫الفقيرة عند سداد هاته النفقات‪ ،‬وفي الأخير يتعين على الدولة أن تكفل لكل شخص‬
‫الحق في التماس المعلومات]‪[14‬المتعلقة بالمسائل الصحية و الحصول عليها‪.‬‬
‫وتعاني المنظومة الصحية بالمغرب من إشكالية الولوجية‪ ،‬حيث هناك تباين في توزيع‬
‫البنيات و مالية القطاع العمومي ما بين المواطنين‪ ،‬وما بين سكان الوسط الحضري و‬
‫]‪[15‬‬
‫القروي‪.‬‬
‫هذا في ما يخص المبادئ التي تقوم عليها الحماية الاجتماعية‪ ،‬فماذا عن الإطار‬
‫التشريعي و المؤسساتي لهاته الحماية؟‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الاطار التشريعي و المؤسساتي للحماية الاجتماعية‬

‫سعى الإنسان منذ وجوده إلى الاحتماء من المخاطر المحدقة به و الغير المتوقعة‬
‫بعدة وسائل بدائية‪ ،‬في البداية كالادخار الفردي و التضامن الأسري أو العشائري أو‬
‫القبلي‪ ،‬وانتهت بتدخل الدولة التي عمدت إلى وضع مجموعة من النصوص‬
‫القانونية(أولا )بغاية توفير الحماية لمواطنيها‪ .‬بالإضافة إلى وضع مؤسسات لتمكينهم‬
‫الانتفاع من الخدمات الاجتماعية(ثانيا‪).‬‬
‫أولا ‪:‬الاطار التشريعي‬
‫تعتبر الحماية الاجتماعية مقياس لمدى تقدم المجتمع و نهضته ومؤشر تماسك‬
‫مكوناته المتعلقة‪ :‬بالمعاش‪ ،‬العجز‪ ،‬الأمومة‪ ،‬التعويض عن حوادث الشغل‪ ،‬وعن‬
‫البطالة و التعويضات العائلية وكذا التغطية الصحية‪ ،‬و يتجلى الاطار التشريعي‬
‫المنضم للحماية الاجتماعية في كل من نظام حوادث الشغل و الأمراض‬
‫المهنية )‪(1‬ونظام التغطية الصحية الأساسية ‪(2).‬‬
‫‪1:‬نظام حوادث الشغل و الأمراض المهنية‪.‬‬
‫لم يعرف المغرب قبل الحماية أي نص قانوني يحمي العامل أو الأجير من حوادث‬
‫الشغل إلى غاية سنة ‪ ،1913‬التي تم خلالها صدور قانون الالتزامات و العقود ]‪[16‬الذي‬
‫أقر في الفصل ‪ ،750‬مسؤولية المخدوم عن الحوادث التي يقع ضحيتها الأجير‪ ،‬إلا أنه‬
‫سرعان ما تبين عدم كفاية هذا النص لتوفير الحماية الكافية للأجير‪ ،‬لأنه لم يكن بوسعه‬
‫الحصول على التعو يض إلا إذا أثبت أن المؤجر ارتكب خطأ جسيم يمكن اعتباره سبب‬
‫لارتكاب الحادثة‪ ،‬ومع تطور ونمو الصناعة و الأخطار المرافقة لها أصبح من الضروري‬
‫إصدار تشريع أكثر حماية للأجير وهذا ما تم من خلاله إصدار سنة ‪ 1927‬ظهير المتعلق‬
‫بحوادث الشغل و الذي خضع لمجموعة من التعديلات كان أهمها سنة ظهير‪ ،[17]1963‬و‬
‫الذي بموجبه تم رفع الحيف عن الأجراء حيث أصبحت مسؤولية المشغل‪ ،‬مسؤولية‬
‫بدون خطاء أي تقوم على نظرية التبعية]‪ ،[18‬و كذا التعديل الذي تم سنة ‪2014‬من خلال‬
‫صدور قانون ‪12‬ـ‪.18‬‬
‫يستفيد من هذا القانون حسب المادة الخامسة منه المتدربون و المأجورون والعاملون‬
‫لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين في المقاولات الصناعية العصرية و التقليدية و‬
‫التجارية ومقاولات الصيد البحري وتربية الأحياء المائية و الاستغلاليات الفلاحية و‬
‫الغابوية‪ ،‬و المشتغلون مع الجمعية أو التعاونية أو هيئة سياسية أو نقابة أو رابطة أو‬
‫منظمة أو شركة مدنية و المشتغلون في قطاع الخدمات‪ ،‬بالإضافة إلى المادة‬
‫السادسة و الثامنة و التاسعة الذي بدورهم اهتموا بتحديد نطاق الاستفادة من أحكام‬
‫هذا القانون‪.‬‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن المادة ‪29‬من قانون ‪12‬ـ‪ ،[19]18‬ألزمت المشغلين الخاضعين لنظام‬
‫الضمان الاجتماعي إبرام عقد التأمين لدى مقاولات التأمين المرخص لها قصد‬
‫ضمان أداء المصاريف و التعويضات‪ ،‬حيث تحل هاته المقاولات محل المشغل في‬
‫أداء المصاريف والتعويضات الناتجة عن حوادث الشغل أو بسببها‪ .‬كما أنه طبق‬
‫للمادة ‪ 34‬من نفس القانون يمكن للمشغل الغير المؤمن أن يبرم مع مصاب بحادثة‬
‫الشغل أو ذوي حقوقه صلح قضائي بالمحكمة الابتدائية المختصة من أجل تمكينهم‬
‫]‪[20‬‬
‫من الحصول على المصاريف و التعويضات التي يقرها هذا القانون‪.‬‬
‫وسواء تم أداء هاته المصاريف من المشغل أو مقاولات التأمين‪ ،‬فإن هاته الأداءات‬
‫تتمثل في ما يلي‪:‬‬

‫المصاريف المحتملة‪ ،‬وهي حسب المادة ‪ 37‬مصاريف التشخيص و‬ ‫•‬


‫المستلزمات الطبية ومصاريف نقل المصاب ومصاريف الجنازة في حالة‬
‫الوفاة؛‬
‫التعويضات اليومية في حالة العجز المؤقت‪ ،‬حيث في هاته الحالة‬ ‫•‬
‫تعويضات يومية تعادل ثلثي الأجر اليومي ابتداء من اليوم الموالي لوقوع‬
‫الحادثة دون تميز بين أيام العطل و الراحة الأسبوعية إلى غاية يوم الشفاء أو‬
‫الوفاة؛‬
‫الإيراد الممنوح للأجير المصاب بعجز دائم‪ ،‬حيث يستحق الأجير إيراد يساوي‬ ‫•‬
‫الأجرة السنوية مضروبة في مقدار العجز؛‬
‫الإيراد الممنوح لذوي الحقوق في حالة وفاة الأجير جراء اصابته بحادثة‬ ‫•‬
‫الشغل أو بحادثة طريق أو مرض مهني استحق ذوي حقوقه ايراد سنوي‬
‫]‪[21‬‬
‫ويتعلق الأمر بكل من الزوج المتوفى عنه ولأبناء و الأصول و الكافلين‪.‬‬
‫‪2:‬نظام التغطية الصحية الأساسية‬
‫تعتبر الصحة أهم حق من حقوق الإنسان التي أجمعت على حمايته العديد من‬
‫الاتفاقيات الدولية‪ ،‬هذا الحق يفرض على الحكومات تهيئة الظروف التي تتيح لكل فرد‬
‫إمكانية الاستفادة من أكبر مستوى ممكن من الصحة ]‪ ،[22‬ورغبة من المشرع المغربي‬
‫في تغطية أكبر عدد ممكن من المستفيدين وكذلك ذوي حقوقهم أقر سنة ‪2002‬‬
‫قانون ‪00‬ـ‪ 65‬والذي بموجبه تم إحداث لأول مرة بالمغرب نظام التغطية الصحية‬
‫الأساسية أحدهما قائم على تقنيات التأمين الاجتماعي‪ ،‬وهو “نظام التأمين الاجباري‬
‫عن المرض“ موجه للقطاع العمومي والخاص‪ ،‬و الثاني يعتمد على مبدأ المساعدة‬
‫الاجتماعية و التضامن الوطني و هو “نظام المساعدة الطبية‪”[23].‬‬
‫ويقوم نظام التأمين الإجباري على مبدأ المساهمة في التمويل عن طريق واجب‬
‫الاشتراك‪ ،‬كما أن الدولة تساهم كذلك باعتبارها مشغلة وهو ما يوفر دخل القار للفئة‬
‫المحمية‪ ،‬و هذا النظام لا يهدف إلى تحقيق الربح‪ ،‬إلا أن ما يعاب على هذا النظام أنه‬
‫لا يوفر الحماية للفئات الضعيفة‪ ،‬لكونه يشترط العمل مقابل الحماية الاجتماعية‬
‫ويستفيد من هذا النظام الموظفون و أعوان الدولة المؤقتون والمياومون‬
‫والمتقاعدون و القضاة و أعضاء القوات المساعدة و متصرفي وزارة الداخلية و‬
‫موظفو الجماعات المحلية ومستخدمي المؤسسات العمومية وأشخاص المستفيدون‬
‫من معاشات الشيخوخة أو الزمانة‪ ،‬كما يستفيد من هذا النظام أفراد عائلات أشخاص‬
‫المشار إليهم أعلاه وهم كل من الزوج أو الزوجة و الأولاد المتكفل بهم إلى غاية سن‬
‫‪21‬سنة و الذين يتابعون دراستهم إلى غاية ‪ 26‬سنة‪ ،‬كما يستفيد من هذا النظام‬
‫أصحاب المهن الحرة و الأشخاص المزاولون للنشاط غير المأجور ‪[24].‬ويقدم هذا النظام‬
‫مجموعة من الخدمات‪ ،‬أهمها تتبع الولادة وكذلك تتبع الطفل البالغ أقل من ‪ 12‬سنة و‬
‫تتبع الأمراض المزمنة المكلفة الطويلة الأمد‪ ،‬بالإضافة إلى الإستشفاءات أخرى]‪ ،[25‬وما‬
‫يجب الإشارة إليه في هذا المقام أن المشرع المغربي عمل من خلال قانون ‪00‬ـ‪ 65‬في‬
‫المادة الثامنة من استثناء حالات من التغطية الصحية كالجراحات التجميلية وغيرها من‬
‫]‪[26‬‬
‫الحالات الأخرى التي نهجها كذلك المشرع الفرنسي في هذا المنوال‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق نظام المساعدة الطبية فهو نظام يقوم على مبادئ المساعدة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬و التضامن الوطني لفائدة المعوزين حيث يعتمد بالأساس على مساهمة‬
‫الدولة و الجماعات المحلية و المستفيدين كوسيلة لتمويل العلاجات الصحية التي من‬
‫خلالها يقوم هذا النظام على مبدأ التضامن على المستوى الوطني‪ ،‬وليس على‬
‫مستوى فئة اجتماعية فقط ]‪ ،[27‬وقد حددت المادة ‪ 116‬الأشخاص المستفيدين من هذا‬
‫النظام وهم كل شخص غير خاضع لتأمين الاجباري الأساسي على المرض و غير‬
‫المتوفرين على موارد كافية لمواجهة نفقة المترتبة على الخدمات الصحية‪ ،‬ثم‬
‫أزواجهم‪ ،‬وكذلك أولادهم الغير المأجورين تخت كفالتهم إلى غاية ‪ 21‬سنة و اللذين‬
‫يتابعون دراستهم إلى غاية ‪ 26‬سنة‪ .‬ويوفر هذا النظام مجموعة من الخدمات الطبية‬
‫التي تتمثل في الطب العام و التخصصات الجراحية و العلاجات المتعلقة بالحمل و‬
‫]‪[28‬‬
‫الولادة و التحاليل البيولوجية و الأدوية المقدمة في العلاج‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الإطار المؤسساتي‬

‫أناط المشرع المغربي مهمة تقديم الخدمات الاجتماعية لمجموعة من المؤسسات و‬


‫الأجهزة‪ ،‬التي تتمثل في كل من صناديق التقاعد )‪(1‬والهيئات المكلفة بالتأمين‬
‫الإجباري الأساسي عن المرض‪(2).‬‬
‫‪1:‬صناديق التقاعد‬
‫يعتبر الشغل بصورة عامة أهم ظاهرة إنسانية‪ ،‬اجتماعية و اقتصادية‪ ،‬فهو يشكل‬
‫عنصر أساسي من عناصر الحياة الإنسانية في جميع المجتمعات سواء القديمة أو‬
‫الحديثة]‪ ،[29‬نظرا لفاعلية العنصر البشري في بناء الاقتصاديات الحديثة‪ ،‬توجب على‬
‫الدول البحث عن عناصر لترغيب و تشجيع العنصر البشري و ذلك عن طريق ضمان‬
‫الحق في التقاعد ليتمكن من أن يسدد حاجياته عند نهاية الخدمة‪ ،‬فالإنسان يملك طاقة‬
‫عقلية و عصبية محدودة تتناقص شيء فشيء مع مرور الزمن‪ ،‬حيث يصبح الفرد أكثر‬
‫عرضة للأمراض المزمنة و التعب العقلي و الفكري و العضلي لذلك وجب عليه‬
‫التوقف عن العمل نهائيا‪ ،‬مقابل الحصول على المعاش‪ ،‬ويعتبر هذا الأخير من أهم‬
‫الأليات الذي يوفر الحماية الاجتماعية للعامل أو الموظف من جهة‪ ،‬ولذوي حقوقهم من‬
‫]‪[30‬‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫و يساهم نظام التقاعد في إعادة توزيع الثروات و الحفاظ على السلم الاجتماعي‪،‬‬
‫وتوطيد مبدأ التضامن‪ .‬ويتضمن قطاع التقاعد بالمغرب مجموعة من الصناديق التي‬
‫سنقتصر على أهمها‪:‬‬

‫• الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي‪CNSS:‬‬


‫أنشئ سنة ‪1959‬والهدف من هذا النظام توفير الحماية الاجتماعية للأجراء‪ ،‬وهو يعتبر‬
‫حق من حقوق الأنسان نصت عليه عدة مواثيق دولية‪ ،‬كالإعلان العالمي للحقوق‬
‫الإنسان من خلال المادة]‪ 22 ،[31‬منه وكذلك اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪157‬‬
‫]‪[32‬‬
‫سنة ‪ 1982‬في المادة الثانية منها‪.‬‬
‫• الصندوق المغربي للتقاعد‪CMR:‬‬
‫تأسس هذا الصندوق بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪ ،1930‬الذي أعيد تنظيمه بمقتضى قانون ‪43‬ـ‪.95‬‬

‫حيث يتكلف بتدبير نظام المعاشات المدنية بالنسبة لموظفي الدولة و موظفي‬
‫الجماعات الترابية وبعض المؤسسات العمومية بالإضافة إلى نظام المعاشات‬
‫العسكرية بالنسبة للأفراد القوات المسلحة الملكية و القوات المساعدة‪ ،‬حيث يضمن‬
‫لفائدة منخرطيه معاشات التقاعد‪ ،‬معاشات الزمانة‪ ،‬التعويضات العائلية ومعاشات‬
‫]‪[33‬‬
‫ذوي الحقوق‪.‬‬
‫• النظام الجماعي لمنح و الرواتب التقاعد‪RCAR:‬‬
‫أحدث بتاريخ ‪ 4‬أكتوبر ‪ ،1977‬حيث يتوجه بخدماته لفائدة الأجراء الغير المرسمين و‬
‫المؤقتين و المياومون و العرضين العاملين بالإدارات العمومية و المؤسسات العامة و‬
‫]‪[34‬‬
‫الجماعات الترابية و المستخدمين‪ ،‬ويقوم بتسييره صندوق الإيداع و التدبير‪.‬‬
‫‪2:‬الهيئات المكلفة بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض‬
‫أناط المشرع مهمة التأمين الإجباري عن المرض‪ ،‬إلى كل من الوكالة الوطنية لتأمين‬
‫الصحي و منظمة الاحتياط الاجتماعي‪.‬‬

‫فالنسبة للوكالة الوطنية للتأمين الصحي‪ ،‬فهي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية و الاستقلال المالي وتزاول مهامها تحت وصاية الدولة‪ ،‬وتتجلى اختصاصاتها‬
‫في تأطير التقني للتأمين الإجباري عن المرض‪ ،‬و ذلك من خلال التأكد من ملاءمة تدبير‬
‫أنظمة التأمين الإجباري عن المرض مع الأهداف التي ترغب الدولة في تحقيقها في‬
‫مجال الصحة‪ ،‬كما أنها تشرف على المفاوضات المتعلقة بإعداد الاتفاقيات بين الهيئات‬
‫المكلفة بتدبير انظمة التأمين الإجباري ومقدمي العلاجات و الخدمات الطبية‪ .‬بالإضافة‬
‫إلى ذلك تعمل الوكالة على تقديم اقتراحات للتحكم في تكاليف التأمين الإجباري‬
‫]‪[35‬‬
‫الأساسي عن المرض‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمنظمات الاحتياط الاجتماعي‪ ،‬فتختص بتدبير نظام التأمين الإجباري‬
‫الأساسي عن المرض بالنسبة لموظفي الدولة و أعوانها و الجماعات المحلية‪ ،‬و‬
‫مستخدمي المؤسسات العمومية‪ ،‬و الأشخاص المعنو ية الخاضعة للقانون العام و‬
‫ذوي حقوقهم و أصحاب المعاشات بالقطاع العام‪ .‬و يتولى هذا الصندوق القيام‬
‫بمجموعة من المهام منها البث‪ ،‬بتنسيق مع جمعيات التعاضدية في طلبات الانخراط‬
‫المشغلين وتسجيل الأشخاص التابعين لهم‪ .‬و تحصيل اشتراكات المأجورين و‬
‫مساهمات المشتغلين‪ ،‬كذلك يختص صندوق بإرجاع مصاريف الخدمات المضمونة أو‬
‫]‪[36‬‬
‫تحملها مباشرة ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬محدودية الحماية الاجتماعية‬

‫تهدف القاعدة القانونية إلى تنظيم سلوك الفرد داخل المجتمع في الزمان و المكان‬
‫معين مع اقترانها بجزاء يفرض على من يخالف أحكامها‪ ،‬و نظرا لتحديد هاته العلاقات‬
‫الاجتماعية التي تقوم بها‪ ،‬كان لابد من ظهور فروع تتناسب مع كل من هاته العلاقة‬
‫المنظمة‪ ،‬وفي هذا الإطار هناك علاقة بين الأجير و المشغل التي تعتبر من العلاقات‬
‫الاجتماعية‪ .‬بغض النظر عن كون هاته العلاقة منظمة قانونا وإذا كان من المفترض أن‬
‫يتمتع كل فرد من المجتمع بالحماية الاجتماعية إلا أن الواقع أفرز ضعف و محدودية‬
‫هاته الحماية سواء بالنسبة للأجراء القطاع الخاص (الفقرة الأولى )أو بالنسبة لبعض‬
‫فئات المجتمع(الفقرة الثانية‪).‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬تجليات محدودية الحماية الاجتماعية بالنسبة للأجراء‬
‫تتجلى هاته المحدودية في الأجراء الذين يشتغلون بالقطاع التقليدي‬
‫الصرف(أولا )وضعف جهاز أو هيئة تفتيش الشغل بالمغرب(ثانيا‪).‬‬
‫أولا‪ :‬محدودية بالنسبة للأجراء الصناعة التقليدية الصرفة‬
‫يعرف الأجراء الذين يشتغلون في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف ب”‬
‫الشخص أو الأشخاص الذين يعملون بيدهم عملا خاصا بغرض نافع” و كذلك يقول ابن‬
‫خلدون بأن “الصناعة هي ملكة في أمر عملي‪ ،‬و الملكة صفة راسخة للحصول عن‬
‫استعمال ذلك العمل و تكراره مرة بعد الأخرى لرسخ الصورة‪”[37].‬‬
‫و تساهم الصناعة التقليدية بدور كبير في الاقتصاد الوطني و الناتج الداخلي الخام و‬
‫ذلك بما تحققه من مساهمات في هذا المجال‪ ،‬و هذا جليا يتجسد في إنعاش‬
‫القطاعي السياحي بالبلاد‪.‬‬

‫ولكن نلاحظ رغم وزنه الفعلي في خلق قيمة اقتصادية ومضافة لوحدات و مناصب‬
‫الشغل‪ ،‬إلى أن هذ القطاع التقليدي الصرف بالمغرب ظل يعرف لفترة طويلة بأنه‬
‫عبارة عن قطاع اجتماعي‪ ،‬ولو أن أنشطته تمارس بقاع يشكو من قلة التنظيم‪ .‬وينظر‬
‫إليها كمكون من مكونات المجتمع التقليدية المحكوم عليها بإطار من البقاء في‬
‫مخالفات تهميشيه و لازال هذا القطاع كذلك يخلو من طابع هيكلي متأثر بإكراهات‬
‫]‪[38‬‬
‫التطور الذي يشهده الاقتصاد العالمي‪.‬‬
‫ونلاحظ أن هناك عوائق يشكو منها‪ ،‬وهي كالآتي‪:‬‬

‫غياب تعريف قانوني لنشاطات الصناعية و الحرفية؛‬ ‫•‬

‫ضعف الموارد البشرية للمؤسسات التقليدية الصرفة؛‬ ‫•‬

‫غياب نظام التكوين بهذا القطاع‪.‬‬ ‫•‬

‫ونجد هذا القطاع التقليدي الصرف أهم إخلال به يتجسد في أنه يخلو من تكريس‬
‫للحماية الاجتماعية للحرفين‪ ،‬و هذا راجع إلى أن الضمان الاجتماعي لا يهم سوى الفئة‬
‫السوسيو‪-‬مهنية‪.‬‬

‫وكذلك نلاحظ الاستبعاد لحقوق التي اكتسبها القطاع قبل صدور مدونة الشغل سنة‬
‫‪ 2004‬ودخولها إلى حيز التطبيق‪ ،‬على غرار الحقوق التي كان يتمتع بها ضمن قانون‬
‫الالتزامات و العقود المغربي و التي لازال يطبق عليهم إلى يومنا هذ]‪[39‬ا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬محدودية صلاحيات مفتش الشغل‬
‫تتجلى صلاحيات و السلطات القانونية المخولة لمفتش الشغل خلال مرحلة‬
‫“المصالحة”‪ ،‬حيث هاته الأخيرة باعتبارها من الوسائل السلسة لتسوية النزاعات الشغل‬
‫الجماعية‪ ،‬وتحدد هاته المستويات التي تمر منها هاته المصالحة من درجات المخول‬
‫لها الإحاطة بظروف النزاع و تسويته‪.‬‬

‫حيث صلاحيات المصالحة لم تحدد لكل من عون المكلف بتفتيش الشغل على مستوى‬
‫المقاولة‪ ،‬و كذلك مفتش الشغل على مستوى العمالة أو الإقليم الذين يتمتعون‬
‫]‪[40‬‬
‫بصلاحيات لتقصي أوضاع المقاولة و أوضاع الأجراء المعنين بالنزاع‪.‬‬
‫وتتمثل كذلك هاته المحدودية في هيئة تفتيش الشغل أن هناك تزايد كبير للمقاولات‬
‫بالمغرب بشكل مستمر‪ ،‬بمقابل هذا نجد أن هاته الهيئة تتناقص شيء فشيء‪ ،‬وأن عدد‬
‫هذه الهيئة تفتيشية قليلة جدا مقارنة بالمهام و الصلاحيات الملقاة على عاتقهم ‪،‬‬
‫كذلك هذه الهيئة تعاني من ضعف التكوين وهو ما يتسبب في محدودية هذا النظام‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يمكن القول أن هناك غياب للحماية الاجتماعية بالنسبة للأجراء نظرا‬
‫]‪[41‬‬
‫لضعف جهاز تفتيش الشغل بالمغرب المكلف بإقرار السلم الاجتماعي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية الحماية الاجتماعية لبعض فئات المجتمع‬


‫أولا‪ :‬الطلبة‬
‫يعتبر تمديد الحماية الاجتماعية لفئة الطلبة أمر مهم بالنسبة لهم‪ ،‬إلا أن ما يثير الانتباه‬
‫هو أن مقتضيات الضمان الاجتماعي لا تشمل هاته الفئة و تعتمد على الفئة‬
‫]‪[42‬‬
‫الشغيلة‪.‬‬
‫موسعا لمدلول الضمان الاجتماعي‬ ‫ً‬ ‫وفي تفسير لهاته المقتضيات نجد هناك تفسيرا‬
‫هو أنه يسعى إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي لكل السكان بما فيهم الطلبة‪ ،‬وقد قامت‬
‫التشريعات المقارنة مثل فرنسا ألمانيا و بلجيكا…‪ ،‬بتمديد الضمان الاجتماعي لفئة‬
‫الطلبة‪ ،‬ولكن بالتشريع الحالي نجد أن هاته الفئة لم تحظى بنفس الاهتمام مقارنة مع‬
‫التشريعات المقارنة‪ ،‬إلا مناقشة مجلس النواب المغربي خلال الدورة‬
‫الربيعية لسنة‪ 1986‬بعد الاقتراح الذي تقدم به أحد أعضاء مجلس النواب بشأن تمديد‬
‫مقتضيات الضمان الاجتماعي لفئة الطلبة الجامعيين ‪[43].‬غير أنه في هذا الوقت لاتزال‬
‫هاته الفئة لم تستفيد من الضمان الاجتماعي على غرار الطبقة الشغيلة التي يقتصر‬
‫فقط عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ذوي الاحتياجات الخاصة‬
‫عرفت المادة الاولى من الاتفاقية الدولية للحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة سنة ‪2006‬‬
‫بأنهم “الأشخاص الذين يعانون من عاهات بدنية أو عقلية أو حسية أو ذهنية مما قد‬
‫يمنعهم من مشاركة بصورة كاملة و فعالة في المجتمع على قدم المساوة مع‬
‫الآخرين”‪ ،‬وقد جاءت هذه الاتفاقية لتعزيز الاستفادة الأشخاص المعاقين من حقوق‬
‫]‪[44‬‬
‫الإنسان و الحريات الأساسية و تعزيز احترام كرامتهم‪.‬‬
‫وقد صادق المغرب على هاته الحماية سنة ‪ ،2009‬كما نص المشرع المغربي على حق‬
‫هذه الفئة من المجتمع في الاستفادة من الحماية الاجتماعية بموجب المادة‪ 34‬من‬
‫دستور ‪ ،2011‬ويبلغ عدد المعاقين بالمغرب حوالي ‪2,2‬مليون شخص أي حوالي ‪%6,8‬‬
‫]‪[45‬‬
‫من إجمالي الساكنة‪.‬‬
‫وتعاني هذه الفئة من محدودية في الاستفادة من الخدمات الصحية حيث‬
‫تشير الأرقام إلى أن فقط ‪ 19,04‬في وضعية الإعاقة التي تستفيد من الحماية‬
‫الاجتماعية أي حوالي ثلثي الأشخاص لا يستفدون من هاته الحماية‪ ،‬و بغاية تحسين‬
‫ولوج هذه الفئة للخدمات الصحية‪ .‬تم من خلال هذا تعبئة صندوق دعم‬
‫التماسك الاجتماعي بغاية سنة‪ 2014‬لتحسين تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة و‬
‫اقتناء الأجهزة الخاصة و تشجيع الاندماج المهني و الأنشطة المدرة للدخل و المساهمة‬
‫إلى تحسين مراكز الاستقبال‪ .‬إلا أن الواقع أثبت أن ‪ %60‬من الأشخاص المعاقين لا‬
‫يستطيعون الولوج إلى الخدمات الصحية و هذا راجع إما لأسباب مالية أو بسبب وجود‬
‫مؤسسات طبية بعيدة عنهم ذلك أن الإحصائيات تشير إلا أن ‪ %38‬من المعاقين‬
‫]‪[46‬‬
‫يعيشون في الوسط القروي مما يحول دون استفادتهم من الرعاية الصحية‪.‬‬
‫و تجدر الإشارة إلى أن الأجير المعاق بدوره يستفيد من الحماية الاجتماعية نتيجة‬
‫لحادثة الشغل التي قد يتعرض لها‪ ،‬إلا أن هاته الحماية تبقى مجردة لذوي الاحتياجات‬
‫الخاصة وعلى المجتمع أن يسعى جاهدا لإدماجهم في و إسهامهم في التنمية‬
‫]‪[47‬‬
‫الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫صفوة القول أن تحقيق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية‪ ،‬لا يمكن أن يتم بمعزل عن‬
‫الحماية الاجتماعية‪ ،‬حيث حاول المغرب توفير هاته الحماية من خلال إصدار مجموعة‬
‫من النصوص التشريعية و التنظيمية و كذلك إحداث مؤسسات تعنى بتوفير هاته‬
‫الحماية لسائر أفراد المجتمع‪ .‬إلا أن نظام الحماية الاجتماعية بالمغرب يعاني بمجموعة‬
‫من الصعوبات التي تتجلى في عدم توفر المؤسسات المكلفة بتقديم هاته الخدمات‬
‫بشكل كافي‪ ،‬وبشكل متوازن في كل أرجاء التراب الوطني وهو ما يعيق ولوج‬
‫المواطنين للاستفادة من هاته الخدمات سواء كانت خدمات صحية أو بغيرها من‬
‫الخدمات الاجتماعية‪ ،‬ولإنجاح نظام التغطية الصحية يفرض تمكينه من إمكانيات مالية‬
‫هائلة‪ ،‬الأمر الذي لم تغفله مدونة التغطية الصحية الأساسية‪ ،‬إلا أن هذه الموارد‬
‫المالية لا تكفيني لإنجاز هذا النظام‪ ،‬وذلك لكون هذه الموارد تعتمد أساسا على‬
‫اشتراكات المنخرطين‪.‬‬

‫ومن خلال ما سبق توصلنا إلى التوصيات الأتية‪:‬‬

‫الحق في الصحة حق مقدس ينبغي أن يعلو على كل الاعتبارات‪ ،‬وهو ما‬ ‫•‬
‫يقتضي بضرورة تدخل الدولة بشكل قوي لحمايته و للإعطاء الأولوية التي‬
‫يستحقها‪.‬‬
‫ينبغي تعديل مقتضيات المادة ‪ 73‬من قانون ‪00‬ـ‪ 65‬التي تنص على أن تدبير‬ ‫•‬
‫نظام التأنين الاجباري عن المرض يتم من طرف هيئتين وهما‪ ،‬الصندوق‬
‫الوطني للضمان والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي‪ ،‬لكي‬
‫يكون هذا النظام أكثر فعالية ‪،‬يجب العمل جمع شمله في هيئة واحدة‪.‬‬
‫تنمية الموارد البشرية في هذا المجال‪.‬‬ ‫•‬

‫توسيع مجال التغطية الصحية ليشمل جميع الفئات السوسيو‪ -‬مهنية‪.‬‬ ‫•‬

‫تعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص‪.‬‬ ‫•‬

‫كانت هذه هي الحماية الاجتماعية التي يتمتع به كل مواطن بصفته فرد من أفراد هذا‬
‫المجتمع‪ ،‬فماذا عن الحماية الاجتماعية المقررة لبعض الفئات الخاصة كالسجناء أو‬
‫كالمرأة العاملة؟‬

You might also like