You are on page 1of 2

‫كان االهتمام بالخدمات االجتماعية من أولويات الحكومة الرشيدة منذ بداية النهضة الحديثة في عام ‪ 1970‬وقد تم تنفيذ العديد‬

‫من البرامج التي تستهدف الحماية االجتماعية‪ ،‬كبرامج تمكين ودعم األسرة‪ ،‬واإلعانات االجتماعية التي تهدف لتوفير‬
‫المساعدات االجتماعية للفئات المحتاجة‬
‫وتقوم الحماية االجتماعية على مبادئ المساواة‪ ،‬وعدم التميز بين أفراد المجتمع‪ ،‬وهي من الخدمات المهمة للمواطن كونها نسقا‬
‫من الخدمات االجتماعية والمؤسسات االجتماعية ومنظومة من اإلجراءات والبرامج المصممة من أجل تقديم المساعدة لألفراد‬
‫والجماعات ليتمتعوا بمستويات جيدة من الحياة‪ ،‬وتعرفها األمم المتحدة بأنها "النسق المنظم من الهيئات والمؤسسات والبرامج‬
‫التي تهدف إلى دعم أو تحسين الظروف االقتصادية أو الصحية أو القدرات الشخصية المتبادلة للسكان"‪ .‬لهذا تحرص معظم‬
‫دول العالم المتقدمة والنامية على تقديم هذه الخدمات والبرامج المرتبطة بها للمجتمع بصورة عامه ولبعض الفئات الخاصة‬
‫ككبار السن‪ ،‬واألشخاص ذوي اإلعاقة‪ ،‬واأليتام واألرامل‪ ،‬والباحثون عن العمل‪ ،‬واألطفال بهدف تحقيق االستقرار المجتمعي‬
‫والذي بدوره سيسهم في تنمية المجتمعات‪.‬‬
‫كما ان النظام األساسي للدولة يؤكد على المبادئ االجتماعية الموجهة لسياسات الحماية االجتماعية في سلطنة عمان "العدل‬
‫والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين‪ ،‬والتأكيد على أهمية األسرة كأساس للمجتمع‪ ،‬وينظم القوانين لحمايتها والحفاظ على‬
‫كيانها الشرعي‪ ،‬وتوفير المعونة لها في حالة الطوارئ والمرض والعجـز والشيخـوخـة‪ ،‬وفقـا لنظـام الضمان االجتماعي‪،‬‬
‫باإلضافة إلى التزام الدولة بتوفير الخدمات الصحية ووسائل الوقاية والعالج من األمراض واألوبئة لكل مـواطن‪ ،‬وإيجاد‬
‫منظومة القوانين التي تحمي العامل وصاحب العمل وتنظم العالقة بينهما‪ ،‬وحماية المواطن خالل ممـارسة العمل الذي يختاره‪.‬‬
‫وشهدت المنظومة التشريعية إضافات في مجال الحماية شملت إصدار قانون الطفل في عام ‪2014‬م‪ ،‬وقانون اإلسكان‬
‫االجتماعي في ‪2010‬م‪ ،‬وسن قانون حماية وسالمة العمال في عام ‪2011‬م‪ ،‬باإلضافة إلى نظام تأمين يشمل أصحاب المهن‬
‫الخاصة والحرة في عام ‪2013‬م‪ ،‬وغيرها من القوانين‪ ،‬ونظًر ا لحاجة هذه المنظومة للتكيف مع األوضاع االقتصادية المتقلبة‬
‫والعوامل السكانية المتغيرة فالمنظومة التشريعية في مجال الحماية االجتماعية تخضع إلى المراجعة المستمرة والتحديث‬
‫المتواصل لتتوائم مع المتغيرات المجتمعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة‪.‬‬
‫ويتطلع المواطن العماني في عصر النهضة المتجددة أن تواكب برامج الحماية االجتماعية الوضع الراهن‪ ،‬حيث تضع رؤية‬
‫عمان ‪ 2040‬في محور "اإلنسان والمجتمع" ضمن أولوية "الرفاه والحماية االجتماعية" هدًف ا استراتيجًيا رئيسًيا‪ ،‬يتجسد في‬
‫الوصول إلى حماية متكاملة موجهة للفئات األكثر احتياًج ا‪ .‬تماشيا مع الخطاب السامي لحضرة صاحب الجاللة السلطان هيثم‬
‫بن طارق المعظم في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،2020‬حيث أكد جاللته على ضرورة اإلسراِع في إرسِاء نظِام الحماِية للمواطنين‪.‬‬
‫وقد ترجمت الخطة الخمسية العاشرة (‪ )2025–2021‬ذلك التوجه من خالل البرنامج االستراتيجي (منظومة حماية اجتماعية‬
‫متكاملة) وموحدة لنظام الحماية االجتماعية تسهم في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بكافة جوانب الحماية االجتماعية‪ .‬وتوسيع‬
‫نطاق الحماية االجتماعية بتأمين التغطية التدريجية للجميع‪ ،‬واستكمالها بمستحقات إضافية بنظـام مناسـب للتمويـل وباتخاذ‬
‫تدابير توفر االستدامة المالية لتضمن تدريجًيا حصول جميع المحتاجين من كبار السن والعاطلين عن العمل واألشخاص ذوي‬
‫اإلعاقة والنساء والعمال غير النظاميين‪ ،‬على الدعم الكافي للدخل وخدمات التعليم والرعاية الصحية‪ .‬والمرسوم السلطاني رقم‬
‫(‪ ) 33/2021‬في شأن أنظمة التقاعد والحماية االجتماعية أكد على التقارب والمساواة ويفتح اآلفاق لتوسيع نطاق المنظومة‬
‫والحيـز المالـي للحمايـة االجتماعية‪ .‬وقانون الحماية االجتماعية المنتظر صدوره يعول عليه لمعالجة التحديات التي تواجه‬
‫منظومات الحماية االجتماعية‪ ،‬وإيجاد حماية للمواطنين منذ الطفولة حتى الشيخوخة ضمن منظومة الحماية‪.‬‬
‫وتوجد العديد من العوامل التي تؤثر على منظومة الحماية االجتماعية منها التوزيع الديموغرافي للسكان كالعمر والنوع‬
‫االجتماعي والمناطقي‪ ،‬والنمو السكاني ونسب الوالدة والوفاة وتغيرها‪ ،‬الهجرة الداخلية أو الخارجية‪ ،‬وعدد األشخاص ذوي‬
‫اإلعاقة‪ ،‬ونسب الفقر وتوزيعها على مختلف الفئات‪ ،‬والفئات التي تواجه تحديات صحية واجتماعية واقتصادية‪ .‬حيث ينبغي‬
‫على منظومة الحماية االجتماعية التفاعل والتكيف مع هذه المتغيرات من خالل دراسة وتحليل البيانات االجتماعية واالقتصادية‬
‫والمؤسساتية والتشريعية‪ ،‬وفهم العوامل المؤثرة والمتأثرة بالحماية االجتماعية عند تطوير وتنفيذ سياسة الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫لمواءمة البرامج مع االحتياجات المجتمعية بما يحقق التوجيه المناسب لهذه البرامج والمتوافق مع طبيعة البلد‪.‬‬
‫إن ملف الحماية االجتماعية أصبح اليوم في مقدمة أولويات السياسة االجتماعية في مختلف دول العالم وسلطنة عمان ترصد‬
‫بشكل مستمر ما يكتب في التقارير الدولية إزاء الحماية االجتماعية وما تقترحه الدول سواء كانت في المنطقة أو العالم من‬
‫سياسات ومنظومات لتعزيز شبكات الحماية واألمان االجتماعية‪ .‬كما أن هذا الملف يتقدم اآلن للواجهة بفعل ثالثة محركات‬
‫رئيسية أولها الجائحة التي أبانت عن الكثير من أوجه القصور في برامج وشبكات الحماية االجتماعية عالمًيا‪ ،‬ودفعت الكثير‬
‫من الدول إلى مراجعة تلك البرامج وتقويمها أو في أبسط األحوال حفزها بالمزيد من حزم الدعم واإلعفاءات الموجهة‬
‫لمستحقيها‪ .‬أما المحرك الثاني فهو تداعيات التأثير على السلع العالمية بفعل اضطراب سالسل اإلمداد والتوريد وهو ما يشير‬
‫إلى المزيد من موجات التضخم في األسعار سواء للسلع االستهالكية أو أسعار الطاقة عموًما‪ ،‬ويلقي عبئا جديدا على الفئات‬
‫األكثر ضعًفا واحتياًج ا في مختلف مجتمعات العالم‪ .‬أما ثالث المحركات فهو سعي الدول الدائم والمستمر لمراجعة عموم‬
‫السياسات االجتماعية بوصفها المرتكز األساس الذي يقوم عليه العقد االجتماعي باختالف األنظمة السياسية"‪.‬‬
‫وتم رصد ما جاء به آخر تقرير للحماية االجتماعية صادر عن منظمة العمل الدولية والواقع أن األرقام والبيانات التي حملها‬
‫تشير إلى الكثير من التحديات ليس فقط على المستوى المحلي وإنما على المستوى العالمي أيضا‪ .‬فالمشمولون على األقل‬
‫بواحدة من مزايا الحماية االجتماعية عالمًيا ال يتعدون ‪ %47‬من سكان العالم‪ .‬أي أن ما يزيد على ‪ 4‬مليارات من السكان ال‬
‫تصلهم أو ال تشملهم منافع الحماية االجتماعية في أدنى حدودها ومستوياتها‪ .‬وفي السياق العربي ال تتعدى النسبة ‪ %40‬من‬
‫سكان المنطقة‪ .‬وعلى مستوى األطفال فهناك واحد فقط من كل ‪ 4‬أطفال يتلقون معونات يمكن تصنيفها على أنها حماية‬
‫اجتماعية على مستوى دول العالم‪ .‬وفيما يتصل بإعانات البطالة التي هي شكل مهم من أشكال الحماية االجتماعية فعالمًيا ال‬
‫يحصل عليها سوى ‪ %18.6‬من الباحثين عن العمل عالمًيا‪ .‬أما فئة اإلعاقات الشديدة فشخص واحد من كل ‪ 3‬أشخاص من‬
‫هذه الفئة يتحصل على منافع الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫والواقع أن ما نود أن نشير إليه هو مفهوم الحماية االجتماعية يتطور ويتغير حسب مقتضيات الظروف وتعقيدات المجتمعات‬
‫العالمية‪ ،‬واليوم يمكن اإلشارة إلى نظام الحماية االجتماعية الفاعل من خالل قدرته على تغطية كافة مراحل دورة الحياة للفرد‬
‫وذلك لتالفي سقوط الفرد في تأزم أو احتياج ما أو تعطل خالل دورة الحياة المكتملة‪.‬‬
‫هناك العديد من البرامج واإلعانات التي تقع تحت مفهوم الحماية االجتماعية استحدثت في سلطنة ُعمان منذ السبعينيات من‬
‫القرن الماضي‪ ،‬واتسمت بقدرتها على تغطية الفئات األكثر احتياًج ا‪ ،‬وخاصة الفئات الواقعة تحت نظام الضمان االجتماعي‪ .‬إال‬
‫أن الحماية االجتماعية في ُعمان تواجه خمسة تحديات رئيسية وهي‪:‬‬
‫التحدي المتعلق بشتات البرامج‪ ،‬وعدم مركزيتها وبالتالي اختالف موجهات وسياسات كل برنامج‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫والتحدي المتعلق بمعايير االستهداف وتباينها بين المؤسسات التي تعمل على هذه البرامج‪ ،‬وتطوير محددات ذات‬ ‫‪)2‬‬
‫ديمومة لمراجعة هذه المعايير اتساًق ا مع المتغيرات االقتصادية واالجتماعية المحلية والدولية‪.‬‬
‫والتحدي المتصل بضمانات ديمومة كفاءة األنظمة وقدرتها على التمويل خاصة في أوقات األزمات المالية‬ ‫‪)3‬‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫والتحدي المتصل بكفاءة البيانات ووجود قواعد بيانات متكاملة قادرة على تتبع أوضاع المستفيدين من منظومة‬ ‫‪)4‬‬
‫الحماية االجتماعية واستشراف ونمذجة المتغيرات الطارئة عليها مستقباًل ‪.‬‬
‫والتحدي المتصل بمدى تكاملية المنظومة وتغطيتها لكافة مراحل دورة الحياة ووجود سياسة اجتماعية واضحة‬ ‫‪)5‬‬
‫لمراجعتها بشكل مستمر مع التفريق بينها وبين شبكات األمان االجتماعي‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬المرجو من الجهد الراهن لتأطير منظومة الحماية االجتماعية هو العمل على خمسة أبعاد رئيسية‪ ،‬وهي شمول المنظومة‬
‫وتغطيتها لدورة الحياة المتكاملة باإلضافة إلى مرونة المنظومة وقابليتها للمراجعة الدورية مع المتغيرات واستجابتها للتحوالت‬
‫المعيشية التي قد تطرأ على دورة حياة الفرد وثالثها هو تأسس القرار المتصل بها على بيانات مولدة ومتحدثة بشكل دوري‬
‫ورابعها هو تكاملها مع بقية أوجه التنمية االجتماعية بما فيها استفادة الواقعين تحت مظلتها من أشكال الدعم األخرى أو المنافع‬
‫أو توجيههم للبرامج التنموية التي تنعكس بشكل مباشر وفاعل على تحقيق احتياجاتهم الرئيسة‪ .‬وخامس تلك المحددات هو‬
‫تأطيرها التشريعي الضامن لعدم تعريضها ألي مخاطر متعلقة بأوجه التمويل أو المنافع المقدمة‪.‬‬
‫كذلك مسألة تمويل المنظومة هي من المسائل الملحة‪ ،‬وتقرير الحماية االجتماعية العالمي الذي أشرنا إليه يوضح أن الفجوة‬
‫التمويلية لنظم الحماية االجتماعية عالمًيا قد زادت إلى نحو ‪ %30‬خالل العامين الفائتين‪ .‬وهذا يتطلب وضع رؤية دقيقة‬
‫لموارد تمويل المنظومة سواء كان عن طريق اإلنفاق الحكومي المباشر أو عن طريق االستثمارات التي ستعمل عليها‬
‫الصناديق الممولة‪ .‬أو عن طريق االستفادة من الضرائب الحالية أو المحتملة‪ .‬األهم هو أن يكون التمويل مستداًما وأقل عرضة‬
‫للتأثر بتقلبات األوضاع المالية أو ما يمكن أن يحدث على مستوى المالية العامة من تأثير عوارض األزمات المالية العالمية‬
‫واإلقليمية‪.‬‬

‫‪/https://www.omandaily.om‬عمان‪-‬اليوم‪/na/‬الحماية‪-‬االجتماعية‪-‬تعزز‪-‬االستقرار‪-‬وضعف‪-‬التنسيق‪-‬ومشكالت‪-‬‬
‫التمويل‪-‬أبرز‪-‬التحديات‬

You might also like