You are on page 1of 24

www.mominoun.

com
‫ترجمة‬
‫قسم الدراسات الدينية‬
‫‪ 16‬يناير ‪2024‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة © ‪2024‬‬


‫القرآن رزقهم؟‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫كيف كان يكسب ُمرشكو‬

‫تأليف‪ :‬باتريشيا كرون‬


‫ّ‬
‫الوظاف‬ ‫ترجمة‪ :‬عبد الكريم‬
‫‪4‬‬

‫ُمقدمة املُ رتجم‬

‫صدرت هذا املقالة‪ ،‬واملوسومة بـ «‪ ،»?How Did the Quranic Pagans Make a Living‬يف مجلة‬
‫«‪ ،»Bulletin of the School of Oriental and African Studies‬يف املجلد ‪ ،68‬العدد الثالث‪ ،‬الصادر عام‬
‫‪ ،2005‬من الصفحة ‪ ،399-387‬والصادرة عن جامعة لندن ‪ ،University of London‬ونرشته مطبوعات‬
‫جامعة كامربدج ‪.Cambridge University Press‬‬

‫واألستاذة الدكتورة باتريشيا كــرون ‪ ،Patricia Crone‬هي عاملة ومؤلفة ومسترشقة ومؤرخة‬
‫اإلسالمي‪ .‬ولدت عام ‪ ،1945‬و ُتوفيت بالرسطان يف ‪ 11‬يوليو ‪2015‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للتأريخ‬

‫بعد إجرائها االمتحان التمهيديّ يف جامعة كوبنهاغن ‪University of Copenhagen‬؛ ذهبت كرون‬
‫إىل باريس لتعلم اللغة الفرنس َّية‪ ،‬ثم إىل لندن‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬حيث كانت مصممة عىل االلتحاق بجامع ٍة‬
‫لتتحدث اإلنجليز َّية بطالق ٍة‪ .‬ويف عام ‪ ،1974‬حصلت عىل درجة الدكتوراه يف الفلسفة من كلية الدراسات‬
‫الرشق َّية واإلفريق َّية ‪ School of Oriental and African Studies‬بجامعة لندن بأطروحة بعنوان‪« :‬املوايل يف‬
‫العرص األمويّ ‪ .»The Mawali in the Umayyad period ،‬وكانت‪ ،‬آنذاك‪ ،‬زميل ًة باحث ًة أوىل يف معهد واربورغ‬
‫‪ Warburg Institute‬حتى عام ‪.1977‬‬

‫ع ِملت كرون يف الفرتة من سنة ‪ 1997‬حتى تقاعدها يف عام ‪ 2014‬يف معهد الدراسات املتقدمة ‪Institute‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد تعاملت‬
‫ّ‬ ‫وعرفت باعتبارها مؤرخة للدين‬ ‫‪ for Advanced Study‬يف برينستون يف نيو جرييس‪ُ ،‬‬
‫وتأريخي‪ ،‬كام هو الحال مع الكتاب املقدس (العهدين القديم والجديد)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قدس‬
‫مع القرآن ك ِكتاب ُم ٍ‬

‫اإلسالمي‪ ،‬واشتهرت بكتابتها الفريدة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ُتع ّد كرون من ضمن طبقة املراجعني أو املنقحني الغربيني للرتاث‬
‫ومن ذلك كتابها الهاجريون ‪ Hagarism‬الصادر عام ‪ ،1977‬باالشرتاك مع األستاذ الدكتور ميخائيل كوك‬
‫‪ ،Michael Cook‬كام صدر لها العديد من الكتب واملقاالت‪ ،‬وتم جمع مقاالتها يف ‪ 3‬مجلدات؛ إحيا ًء لذكراها‪،‬‬
‫وهذه واحد ًة من مقاالتها‪.‬‬

‫ُتسلط هذه املقالة عىل املهن والحرف واألعامل التي مارستها ُقريش قبل عند ظهور اإلسالم‪ .‬وقد اعتمدت‬
‫كرون عىل قراءة ودراسة القرآن الكريم‪ ،‬فحسب‪ ،‬ومل تكن دراستها لوسيلة كسب العيش لدى قريش عادية‪،‬‬
‫بل درست املسألة من خالل تحليل الخطاب آليات القرآن الكريم؛ أي قراءة ما وراء النص‪ .‬وتناولت يف دراستها‬
‫الحالية املهن اآلتية‪ :‬الزراعة‪ ،‬والسفر ب ًرا وبح ًرا‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وصيد السمك‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫العلمي‪ ،‬أن تكون محايد ًة؛ لذا ُينظر يف هذا العمل احرتامها الكامل للقرآن‬
‫ّ‬ ‫حاولت كرون‪ ،‬حسب املنهج‬
‫قدس؛ ولذا جاءت آرائها ونتائجها الواردة هنا غري جارح ٍة ملشاعر أو اعتقادات املسلمني‪ ،‬بقدر‬
‫ككتاب ُم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الكريم‬
‫ما تفتح لهم أبعادًا للتفكري يف كتابهم ا ُملقدس‪ ،‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫تنويه للقارئ‪:‬‬

‫تصويب؛ فقد وضعتْه َب ْي معقوفتني [ ]‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫يق مني أو إِضافة أو‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬ما كان ِمن َتع ِل ٍ‬
‫ثان ًيا‪ :‬فيام يتعلق برتجمة اآليات القرآن َّية؛ فقد ُ‬
‫أتيت بها كام هي يف املصحف الرشيف‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬ما ورد من أسامء ألعالم أجانب‪ ،‬ألول مرة يف ثنايا هذا العمل؛ فقد ُ‬
‫ذكرت االسم باللغة العرب َّية‬
‫(الشكل الصويت لالسم)‪ ،‬ثم أعقبته بذكر اسمه كام هو باللغة األجنب َّية‪ ،‬وإذا تكرر ذكر اسمه فيام بعد‪ ،‬فقد‬
‫ُ‬
‫اكتفيت بذكر االسم بالرسم الصويت بالعرب َّية‪.‬‬

‫مت بصنع قامئة املصادر واملراجع‪ ،‬وفرزتها عىل ‪ 3‬قوائم‪ ،‬فام كانت مصادر عرب َّية؛ وضعتها يف‬ ‫راب ًعا‪ُ :‬ق ُ‬
‫القامئة الخاصة باملصادر واملراجع باللغة العرب َّية‪ ،‬وما كانت مصادر بغري اللغة العرب َّية؛ فقد جعلتها يف قامئة‬
‫املصادر واملراجع التي باللغة األجنب َّية‪ ،‬وجعلت القامئة األخرية ملصادر الشبكة العنكبوت َّية‪.‬‬

‫وأخ ًريا‪ ...‬عند ذكر مصادر الكتاب‪ ،‬باللغة األجنب َّية‪ ،‬يف الهامش‪ ،‬فإذا كانت مصادر عرب َّي ٍة‪ ،‬فقد ُ‬
‫أتيت‬
‫بتعريفها باللغة العرب َّية‪ ،‬وما كان باللغة األجنب َّية‪ ،‬فقد ترجمت اسم املؤلف وعنوان الكتاب أو البحث أو‬
‫املقال الرئيس باللغة العرب َّية‪ ،‬ثم أتبعته بذكر معلوماته‪ ،‬كام جاءت يف أصل هذا العمل‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫[مقدمة]‪:‬‬

‫من بني األسئلة املقال َّية‪ ،‬األكرث شهر ًة‪ ،‬والتي تم وضعها لطلبة الدراسات اإلسالم َّية يف اململكة املتحدة‪ ،‬هو‬
‫السؤال الذي يطلب التعليق عىل القول املأثور إن «القرآن هو املصدر الوحيد املوثوق به لظهور اإلسالم»‪.‬‬
‫وتعليق مفاده‪ :‬إنه كيفام كان تصورنا لهذه العمل َّية‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ويستجيب الطلبة‪ ،‬عاد ًة‪ ،‬برس ٍد لتكوين النص القانو ّين‬
‫فإن القرآن ليس مصد ًرا غن ًيا باملعلومات التأريخ َّية‪ ،‬قليلون قد يختلفون مع هذ النتيجة‪ .‬ويستخدم مؤرخو‬
‫موضح يف التفاسري‪ ،‬والذي ُيوفر األسامء والتواريخ والقصص وغريها من البيانات‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬كام هو‬ ‫سرية ال َّن ِب ّي‬
‫التكميل َّية التي يحتاجون إليها‪ ،‬ومييلون‪ ،‬عن غري قص ٍد‪ ،‬إىل القيام بذلك حتى عندما يعتقدون أنهم يستخدمون‬
‫القرآن وحده‪ ،‬ولكننا رمبا وصلنا إىل حد التقليل من أهم َّية القرآن كمصد ٍر‪ .‬قد ال يكون القرآن غن ًّيا باألدلة‬
‫معلومات إضافية‪ ،‬رمبا ألن الوفرة الهائلة يف‬
‫ٍ‬ ‫التأريخ َّية؛ ولكننا لسنا معتادين عىل الضغط عليه للحصول عىل‬
‫والسرية‬‫رضوري‪ .‬ومع وجود الكثري من أعامل التفسري والحديث ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫املواد التفسري َّية تبدو وكأنها تجعل األمر غري‬
‫ات‪ ،‬إال أنه‬ ‫التي يجب االهتامم بها؛ يصل التفكري باملرء‪ ،‬فيام يتعلق باملقاطع القرآن َّية‪ ،‬باعتبارها مجرد تفسري ٍ‬
‫مكان آخر‪ .‬وهذا كله من أجل فهم املؤرخني لردود فعل ال ُقراء تجاه القرآن‪،‬‬ ‫يجب البحث عن جوهرها يف ٍ‬
‫ولكن من الواضح أن هذا لن ُيناسب املهتمني باملجتمع الذي ظهر فيهم القرآن‪ .‬وفيام ييل‪ ،‬سأتجاهل الرتاث‬
‫التفسرييّ ‪ ،‬حتى يتسنى يل النظر إىل القرآن لوحده‪ ،‬بهدف اإلجابة عن سؤال واحد وبسيط‪ :‬كيف يتصور القرآن‬
‫كسب املرشكني لرزقهم؟‬

‫‪ .1‬الزراعة‪:‬‬

‫قوم مل ُينذر آباؤهم وكانوا غافلني وغري مستجيبني‪َ ( :‬و َس َوا ٌء َع َل ْي ِه ْم‬ ‫يف سورة يس ُيطلب من ال َّن ِب ّي تحذير ٍ‬
‫ون) (سورة يس‪ ،‬اآليات ‪،10-6‬‬ ‫ُون)؛ و( َما َي ْأ ِتي ِه ْم ِمنْ َر ُسولٍ إِ َّل َكا ُنوا ِب ِه َي ْس َت ْه ِز ُئ َ‬ ‫أَأَ ْن َذ ْر َته ُْم أَ ْم َل ْم ُت ْن ِذ ْرهُ ْم َل ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ال ْر ُض ا ْل َم ْي َت ُة أَ ْح َي ْينَاهَ ا َوأَ ْخ َر ْجنَا‬
‫‪ .)30‬ومن اآليات التي ُيحاول بها الرسول إقناع هؤالء املعاندين‪َ ( :‬وآ َي ٌة َله ُُم ْ َ‬
‫ون ‪ِ #‬ل َي ْأ ُك ُلوا ِمنْ َ َث ِر ِه َو َما‬ ‫َاب َو َف َّج ْر َنا ِفيهَا ِم َن ا ْل ُع ُي ِ‬‫يل َوأَ ْعن ٍ‬‫َّات ِمنْ َن ِخ ٍ‬ ‫ون ‪َ #‬و َج َع ْلنَا ِفيهَا َجن ٍ‬ ‫ِم ْنهَا َح ًّبا َف ِم ْن ُه َي ْأ ُك ُل َ‬
‫ون) (سورة يس‪ ،‬اآليات ‪ .)35-33‬والنقطة نفسها موجودة يف اآلية ‪ ،63‬وما بعدها‪،‬‬ ‫َع ِم َل ْت ُه أَ ْي ِدي ِه ْم أَ َف َل َي ْش ُك ُر َ‬
‫فالكفار هم‬ ‫ون) ويف هذه املقاطع‪ُ ،‬‬ ‫ون ‪ #‬أَأَ ْنت ُْم َت ْز َرعُ و َن ُه أَ ْم َن ْح ُن الزَّا ِرعُ َ‬
‫من سورة الواقعة‪( :‬أَ َف َرأَ ْيت ُْم َما َت ْح ُر ُث َ‬
‫فالحون يظنون‪ ،‬بحامقة‪ ،‬أنهم من يزرعون الحبوب والنخيل والعنب ونحوها؛ فهم ُيعانون من النزعة البرش َّية‬
‫إىل الغطرسة؛ ألن الله هو ا ُملسبب لهذه األشياء‪.‬‬

‫قليل بهذه املقاطع‪ ،‬بالنظر إىل أن املكيني‪ ،‬الذين ُيعرفون تراث ًيا بالشعب العنيد‪ ،‬معروفون‬ ‫إن املرء ل ُيفاجأ ً‬
‫آيات كثرية يف‬
‫جيدًا لدى كل ُمسلم أنهم تجار‪ ،‬تقع مدينتهم يف ُبقع ٍة قاحل ٍة‪ ،‬ولكنهام مجرد مقطعني من ٍ‬
‫القرآن‪ُ ،‬تشري إىل أن خصوم ال َّن ِب ّي كانوا مزارعني‪ ،‬مهام كانت مهنتهم اإلضاف َّية‪ .‬إن إحياء الله لألرايض امليتة هو‬
‫وكدليل عىل البعث‪ ،‬وتكون اإلشارة‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬إىل النباتات املزروعة‪ ،‬وليس‬
‫ٍ‬ ‫كربهان عىل ُقدرته‬‫ٍ‬ ‫موضوعٌ بار ٌز‪،‬‬
‫‪7‬‬

‫ات َبه َْج ٍة) (سورة‬ ‫(حدَا ِئ َق َذ َ‬ ‫إىل الزهور التي تظهر يف الصحراء يف الربيع أو غريها من الزهور الرب َّية‪ .‬فالله ُينشئ َ‬
‫ات ُك ِّل َ ْ‬
‫ش ٍء‬ ‫الس َم ِء َما ًء َف َأ ْخ َر ْجنَا ِب ِه َن َب َ‬
‫النمل‪ ،‬اآلية ‪60‬؛ وراجع‪ :‬سورة عبس‪ ،‬اآلية ‪ .)30‬و( َوهُ َو ا َّل ِذي أَ ْنز ََل ِم َن َّ‬
‫َّات ِمنْ أَ ْعن ٍ‬
‫َاب َوال َّز ْيت َ‬
‫ُون‬ ‫َف َأ ْخ َر ْجنَا ِم ْن ُه َخ ِ ً‬
‫ضا ُن ْخ ِر ُج ِم ْن ُه َح ًّبا ُم َ َتا ِك ًبا َو ِم َن الن َّْخ ِل ِمنْ َط ْل ِعهَا ِق ْن َو ٌان دَا ِن َي ٌة َو َجن ٍ‬
‫ات) (سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪57‬؛ وراجع‪ :‬سورة‬ ‫ان) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،)99‬أو‪ ،‬ببساطة‪ِ ( ،‬منْ ُك ِّل ال َّث َم َر ِ‬ ‫َوال ُّر َّم َ‬
‫ونباتات أخرى (سورة النبأ‪ ،‬اآلية ‪ ،)15‬والحدائق والحبوب‬ ‫ٍ‬ ‫الحب‬ ‫إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪ .)32‬وتذكر مقاطع أخرى َ‬
‫والنخيل (سورة ق‪ ،‬اآلية ‪ ،9‬وما بعدها)‪ ،‬والنخيل والعنب (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪67‬؛ وسورة املؤمنون‪ ،‬اآلية ‪،)19‬‬
‫والنخيل‪ ،‬والحبوب‪ ،‬والعنب‪ ،‬والزيتون (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،)11‬والعنب والتمر والزيتون والفاكهة واألعالف‪،‬‬
‫الكفار‬‫وكل ذلك ( َمتَاعًا َل ُك ْم َو ِ َل ْن َعا ِم ُك ْم) (سورة عبس‪ ،‬اآليات ‪ .)32-27‬ومع ذلك‪ ،‬ال ُيقال هنا‪ ،‬رصاح ًة‪ ،‬إذا كان ُ‬
‫يزرعون مثل هذه األشياء بأنفسهم‪.‬‬

‫طقوسا زراع َّية ُيعارضها الرسول بشد ٍة‪َ ( :‬و َج َع ُلوا‬ ‫ً‬ ‫وضوحا عن حقيقة أن لديهم‬ ‫ً‬ ‫إن كونهم مزارعني ال يقل‬
‫ش َكا ِئ ِه ْم َف َل َي ِص ُل‬ ‫ش َكا ِئنَا َف َم َك َ‬
‫ان ِل ُ َ‬ ‫ِل َّل ِه ِم َّم َذ َرأَ ِم َن ا ْل َح ْر ِث َو ْ َ‬
‫ال ْن َع ِام َن ِصي ًبا َف َقا ُلوا هَ َذا ِل َّل ِه ِب َز ْع ِم ِه ْم َوهَ َذا ِل ُ َ‬
‫ش َكا ِئ ِه ْم) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ .)136‬و( َو َقا ُلوا هَ ِذ ِه أَ ْن َع ٌام َو َح ْر ٌث ِح ْج ٌر َل‬ ‫إِ َل ال َّل ِه َو َما َك َ‬
‫ان ِل َّل ِه َف ُه َو َي ِص ُل إِ َل ُ َ‬
‫َي ْط َع ُمهَا إِ َّل َمنْ َن َشا ُء ِب َز ْع ِم ِه ْم) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ .)138‬يبدو أن الطقوس تتكون من تكريس أول الثامر‬
‫الزراع َّية والنتاج األويل من الحيوانات األليفة إىل اإلله‪ ،‬وهي واحد ٌة من املقاطع العديدة التي ُتبني أن املرشكني‬
‫و«شكائه» ُتركت كام‬ ‫آمنوا باإلله نفسه الذي آمن به الرسول(‪ .)1‬وعىل ما يبدو‪ ،‬فإن األصناف املخصصة لله ُ‬
‫حرمة‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬عىل ماليك الثامر‪/‬‬ ‫هي‪(َ :‬ل َي ْط َع ُمهَا إِ َّل َمنْ َن َشا ُء)‪ ،‬رمبا يعني الفقراء واملسافرين‪ .‬وكانت ُم ٌ‬
‫النتاج األويل أنفسهم‪.‬‬

‫ويرد الرسول‪ ،‬جزئ ًيا‪ ،‬بإنكار أن الله سوف يتلقى أ ًيا منها (سيذهب كل ذلك إىل «الرشكاء»؛ أي الكائنات‬
‫الروحان َّية األقل‪ ،‬الذين تم تحديدهم‪ ،‬ضمن ًيا‪ ،‬عىل أنهم شياطني‪ ،‬هنا)‪ ،‬وجزئ ًيا ِمن ِخالل تحديد الطريقة‬
‫التي يجب أن يترصف بها املرء‪ ،‬فعل ًيا‪ .‬و ُيؤكد أن الله هو املسؤول عن إمناء الحدائق والنخل والزرع‪ ،‬بأنواعه‪،‬‬
‫س ِف َ‬
‫ني‬ ‫والزيتون والرمان‪ ،‬و ُيضيف‪ُ ( :‬ك ُلوا ِمنْ َ َث ِر ِه إِ َذا أَ ْ َث َر َوآ ُتوا َح َّق ُه َي ْو َم َح َصا ِد ِه َو َل ُت ْ ِ‬
‫س ُفوا إِ َّن ُه َل ُي ِح ُّب ا ْل ُم ْ ِ‬
‫ان) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪،141‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫ات َّ‬ ‫‪َ #‬و ِم َن ْ َ‬
‫ال ْن َع ِام َح ُمو َل ًة َو َف ْر ًشا ُك ُلوا ِم َّم َر َز َق ُك ُم ال َّل ُه َو َل َت َّت ِب ُعوا ُخ ُط َو ِ‬
‫وأنعام؛‬
‫ٍ‬ ‫حقول وحدائقٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الكفار واملؤمنني‬ ‫ولكل من ُ‬ ‫اعي‪ٍ .‬‬ ‫مجتمع زر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وما يليها)‪ .‬ومجددًا‪ ،‬فمن الواضح أننا يف‬
‫كل منهام وجهات نظ ٍر مختلف ٍة حول الطريقة التي ُيريد‬ ‫كالهام يحصد الحبوب والزيتون والرمان‪ ،‬ولكن لدى ٍ‬
‫الله أن يتم بها التعامل مع الحصاد‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬وليام مونتغمري واط‪« ،‬اإليمان بـ «اإلله األعلى» في مكة قبل اإلسالم»‪W. M. Watt, ‘Belief in a High God’ in Pre-Islamic ،‬‬
‫‪Mecca’, Journal of Semitic Studies 16, 1971‬؛ وجيرالد ر‪ .‬هوتنغ‪ ،‬فكرة عبادة األصنام وظهور اإلسالم‪R. Hawting, The Idea of ،‬‬
‫‪.)Idolatry and the Emergence of Islam (Cambridge, 1999‬‬
‫‪8‬‬

‫طقوس أخرى تتعلق باملاشية‪ .‬فقد كانت هناك حيوانات َيحرم الركوب عليها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وكان للمرشكني‪ً ،‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫وأخرى ال يذكرون اسم الله عليها (أي عند ذبحها)؛ ومن الواضح أن الذبح كان عاد ًة مقدس ًة (سورة األنعام‪،‬‬
‫أيضا‪ُ ،‬عرف بحجز صغار بعض الحيوانات لرجال املجتمع‪ ،‬ومنع زوجاتهم من األكل‬ ‫اآلية ‪ .)138‬وكان هناك‪ً ،‬‬
‫منها؛ مامل ُتولد الصغار ميت ًة‪ ،‬ويف هذه الحالة‪ ،‬يتقاسمونها (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ .)139‬والظاهر‪ ،‬أنها كانت‬
‫أزواج من الغنم‬ ‫أزواجا من الحيوانات التي ُعزلت يف واحد ٍة من هذه الشعائر أو كلها؛ فيأيت رد الرسول برسد ٍ‬ ‫ً‬
‫واملعز واإلبل والبقر‪ ،‬ويسأل‪ ،‬بسخري ٍة‪ :‬ما الذي من املفرتض أن يحرمه الله بالضبط‪ :‬الذكرين أم األنثيني‪ ،‬أم‬
‫جنني األنثيني؟ وهل كان الكافرون حارضين عندما أمر الله مبثل هذا األمر؟ ويقول‪َ ( :‬ف َمنْ أَ ْظ َل ُم ِم َّم ِن ا ْف َ َتى‬
‫َّاس ِب َغ ْ ِي ِع ْل ٍم) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،143‬وما بعدها)‪ .‬و ُيجيب‪ ،‬مجددًا‪ ،‬بتوضيح‬ ‫ع ََل ال َّل ِه َك ِذ ًبا ِل ُي ِض َّل الن َ‬
‫وحا أَ ْو َل ْح َم‬‫ون َم ْي َت ًة أَ ْو َد ًما َم ْس ُف ً‬ ‫الحقيقة‪ُ ( :‬ق ْل َل أَ ِج ُد ِف َما ُأ ِ‬
‫وح َي إِ َ َّل ُم َح َّر ًما ع ََل َطا ِع ٍم َي ْط َع ُم ُه إِ َّل أَ ْن َي ُك َ‬
‫مثل تحذير ًيا‬ ‫مكان آخر‪ ،‬يروي ً‬ ‫ِخ ْن ِزي ٍر َفإِ َّن ُه ِر ْج ٌس أَ ْو ِف ْس ًقا ُأ ِه َّل ِل َغ ْ ِي ال َّل ِه ِب ِه) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ .)145‬ويف ٍ‬
‫يبلغ ذروته مع القواعد نفسها (سورة النحل‪ ،‬اآليات ‪.)116-112‬‬
‫أيضا‪ ،‬باألغنام واملاعز واألبقار والثريان‪َ ( :‬و ْ َ‬
‫ال ْن َعا َم‬ ‫الكفار مل يحتفظوا باإلبل فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫وهنا‪ ،‬إذن‪ ،‬نرى أن ُ‬
‫ون)‪ ،‬كام تقول اآلية ‪ 5‬من سورة النحل؛ و( َو َل ُك ْم ِفيهَا َج َم ٌل ِح َ‬
‫ني‬ ‫َخ َل َقهَا َل ُك ْم ِفيهَا ِد ْف ٌء َو َمنَا ِف ُع َو ِم ْنهَا َت ْأ ُك ُل َ‬
‫ون) (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ .)]6/[5‬واإلشارة‪ ،‬هنا‪ ،‬هي إىل القطعان التي ال يزال بإمكان‬ ‫س ُح َ‬ ‫ني َت ْ َ‬
‫ون َو ِح َ‬ ‫يح َ‬‫ُت ِر ُ‬
‫يومي يف الرشق األوسط‪ ،‬واملالحظة التي مفادها إن أصحابها‬ ‫بشكل ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫املرء رؤيتها‪ ،‬وهي ُتساق ِمن وإىل القرى‬
‫أيضا‪ .‬وعندما ُيقال إن مال ّ‬
‫يك‬ ‫ريفي من حيث القيم‪ً ،‬‬ ‫مجتمع ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫خاص‪ :‬بأننا يف‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫موحية‬ ‫وجدوها جميل ًة؛ هي‬
‫املاشية يستمدون الدفء من ماشيتهم؛ فهي إشار ٌة إىل البضائع املصنوعة ( َو ِمنْ أَ ْص َوا ِفهَا َوأَ ْو َبا ِرهَ ا َوأَ ْش َعا ِرهَ ا)‪،‬‬
‫مقطع آخر (حيث ال ُيوصفون فيها بأنهم أصحابها)‪( ،‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.)80‬‬ ‫ٍ‬ ‫واملدرجة ضمن فوائد املاشية يف‬
‫ويوم القيامة ستكون الجبال «كالصوف املنفوش» (سورة القارعة‪ ،‬اآلية ‪ .)5‬و ُيقال للناس أن ال ينقضوا عهودهم‬
‫الكفار أن املاشية‬ ‫مع الله‪ ،‬كاملرأة التي تحل خيط غزلها (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،91‬وما بعدها)‪ ،‬بينام يتم تذكري ُ‬
‫ُتوفر لهم الطعام والرشاب‪ ،‬وأنهم يركبون عليها (سورة املؤمنون‪ ،‬اآلية ‪21‬؛ وسورة يس‪ ،‬اآليات ‪ ،73-71‬حيث‬
‫يتم وصفهم‪ ،‬رصاح ًة‪ ،‬بأنهم ميلكونها)‪ .‬وكان لديهم‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬الخيل والبغال والحمري لريكبوا عليها‬
‫(سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.)8‬‬

‫اعي ِمن خالل َمثلني؛ أحدهام يتعلق مبجموع ٍة من األشخاص ميتلكون‬ ‫مجتمع زر ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫تم تأكيد وجودنا يف‬
‫حديق ًة‪ ،‬و ُيقررون قطف مثارها يف صباح اليوم التايل؛ وقرروا القيام بذلك دون أن يقولوا‪« :‬إن شاء الله»؛‬
‫اف َع َل ْيهَا َطا ِئ ٌف ِمنْ َر ِّب َك)؛ وجاهلني بذلك؛ انطلقوا يف صباح ذلك اليوم‪،‬‬
‫فتدمرت الحديقة أثناء الليل ( َف َط َ‬
‫أول‪ ،‬وعندما وجدوها خرب ًة؛ رجعوا إىل الله بالتوبة‪ُ ،‬معربين عن‬ ‫عازمني عىل منع الفقراء من دخول الجنة ً‬
‫‪9‬‬

‫رجائهم يف أن مينحهم جن ًة أفضل من هذه (أي يف اليوم اآلخر‪ ،‬سورة القلم‪ ،‬اآليات ‪ .)2()33-17‬والعربة‪ ،‬كام هو‬
‫الحال يف كث ٍري من األحيان‪ ،‬هي أن البرش يجب أن يتعلموا االعرتاف بعجزهم تجاه الله‪ ،‬الذي تتجىل هنا قوته‬
‫ِمن ِخالل بعض القوة التدمري َّية للطبيعة‪ .‬واملثل اآلخر‪ ،‬وهو أطول بكث ٍري‪ ،‬ويتعلق برجلني‪ :‬مؤمن وكافر (سورة‬
‫الكهف‪ ،‬اآليات ‪ .)44-32‬لقد منح الله جنتني ألحدهام (وليس‪ ،‬كام يتوقع املرء‪ ،‬أن يكون لكل منهام حديق ًة‪،‬‬
‫عىل الرغم من أن هذه رمبا تكون رواية سابقة)‪ .‬وكانت الحدائق من العنب‪ ،‬وكل حديق ٍة ُمحاط ٍة بالنخل‪،‬‬
‫منتجات وفري ٍة‪ .‬ومل ُيخربنا مبا حصل عليه الرجل اآلخر‪ ،‬ولكن من‬ ‫ٍ‬ ‫وبينهام زرع ونهر‪ .‬وأنتجت كلتا الحديقتني‬
‫الواضح أن وضعه كان عىل غري ما يرام؛ ألن صاحب الجنتني كان يتفاخر أمامه برثوته وقوته الفائقة‪ .‬وظلم‬
‫أيضا‪ ،‬بدخوله مبفرده إىل حديقته‪ ،‬وهو يقول‪َ ( :‬ما أَ ُظنُّ أَ ْن َت ِبي َد هَ ِذ ِه أَ َبدًا ‪َ #‬و َما أَ ُظنُّ‬ ‫الرجل الرثي نفسه‪ً ،‬‬
‫السا َع َة َقائِ َ ًة َو َل ِ ْئ ُر ِدد ُْت إِ َل َر ِّب َ َل ِجد ََّن َخ ْ ًيا ِم ْنهَا ُم ْن َق َل ًبا)‪ ،‬فرد الرجل الفقري بسؤاله إياه عام إذا كان ال يؤمن‬
‫َّ‬
‫بالله الذي خلقه من نطفة‪ ،‬عىل الرغم من أن الرجل الرثي مل ُينكر وجود الله‪ :‬وهنا‪ ،‬كام هو الحال يف كث ٍري من‬
‫الكفر؛ بل‪ ،‬باألحرى‪ ،‬يف عدم مراعاة الله يف فكره وعمله‪ .‬ويبدو أن الرجل‬ ‫الكفر ال يكمن يف ُ‬
‫األحيان‪ ،‬يبدو أن ُ‬
‫ش ُك‬ ‫الرثي قد ضاعف غطرسته بالرشك‪ ،‬لكن الرجل الفقري استمر يف التأكيد عىل أنه ( َل ِكنَّا هُ َو ال َّل ُه َر ِّب َو َل ُأ ْ ِ‬
‫ِب َر ِّب أَ َحدًا)‪ ،‬كام أخرب الرجل الفقري الرجل الرثي أنه كان ينبغي عىل األخري أن يقول‪َ ( :‬ما َشا َء ال َّل ُه َل ُق َّو َة إِ َّل‬
‫ِبال َّل ِه)‪ ،‬عندما دخل حديقته وهو يظن أنها لن تهلك أبدًا‪ ،‬وأنه عىل الرغم من أن الرجل الفقري مل يكن ذا مال‬
‫وبنني؛ فعىس الله أن يرزقه خ ًريا من هذه الدنيا (أي يف اليوم اآلخر)‪ .‬و ُيضيف الرجل الفقري أن الله قد ُيرسل‪،‬‬
‫رمل‪ ،‬أو قد يجعل املياه تتدفق تحت األرض حتى‬ ‫أيضا‪ ،‬صاعق ًة عىل حديقة الرجل الرثي؛ ف ُيحولها إىل مجرد ٍ‬ ‫ً‬
‫ال يتمكن من العثور عليها مر ًة أخرى‪ .‬ويبدو أن الله قد فعل ذلك؛ ألن مع املتابعة ُيخربنا الله أنه قد ُأحيط‬
‫ش ْك ِب َر ِّب أَ َحدًا)‪ ،‬ومل يكن هناك‬ ‫بثامر الرجل الرثي‪ ،‬وأنه كان يتجول‪ ،‬وهو يفرك يديه ويندب‪َ ( :‬يا َل ْي َت ِني َل ْم ُأ ْ ِ‬
‫من ُيعينه إال الله نفسه‪ ،‬مصدر الحامية الوحيد‪.‬‬

‫مكان آخر يف القرآن‪ ،‬فهو ٌ‬


‫رجل ذو مالٍ وبنني‬ ‫النموذجي‪ .‬هنا‪ ،‬كام هو الحال يف أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫للمرشك‬‫هذه صورة ُ‬
‫(سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪14‬؛ وراجع‪ :‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪28‬؛ وسورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪46‬؛ وسورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪،)20‬‬
‫ُيؤمن بالله‪ ،‬ولكنه ُيرشك به‪ ،‬فقط ليكتشف أن الرشكاء املفرتضني ال يستطيعون أو لن يستطيعوا مساعدته يف‬
‫مواجهة الله (عىل سبيل املثال‪ :‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪27‬؛ وسورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪ ،92‬وما يليها؛ وسورة القصص‪،‬‬
‫مكان آخر ً‬
‫أيضا‪ُ ،‬ينكر أن القيامة ستقوم أو أنها‬ ‫اآلية ‪ ،62‬وما بعدها؛ وسورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪ .)5‬وهنا‪ ،‬كام يف أي ٍ‬
‫عىل وشك أن تأيت (عىل سبيل املثال‪ :‬سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪51‬؛ وسورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪11‬؛ وسورة األحزاب‪ ،‬اآلية‬
‫شكوك حول يوم القيامة‪ .‬وغال ًبا ما يرفض ا ُملرشكون فكرة البعث الجسديّ‬
‫ٌ‬ ‫‪3‬؛ وسورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪ ،)32‬ولديه‬
‫ً‬
‫رفضا قاط ًعا (عىل سبيل املثال‪ :‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪5‬؛ وسورة اإلرساء‪ ،‬اآليات ‪98 ،52-49‬؛ وسورة الحج‪ ،‬اآلية ‪5‬؛‬
‫وسورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،)78‬أو رمبا حتى الحياة اآلخرة (عىل سبيل املثال‪ :‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪150 ،29‬؛ وسورة سبأ‪،‬‬
‫‪ 2‬يُؤخذ المثل لإلشارة إلى القطفة األولى من الفواكه في جوناثان بينثال‪« ،‬بواكير الفاكهة في القرآن»‪J. Benthall, ‘Firstfruits in the Quran’, ،‬‬
‫‪ ،)in A. I. Baumgarten (ed.), Sacrifice in Religious Experience (Leiden 2002) (following Décobert‬ولم يناقش اآلية ‪136‬‬
‫من سورة األنعام‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫اآلية ‪)8‬؛ عىل األقل مل يخشوا حسا ًبا (سورة النبأ‪ ،‬اآلية ‪ .)27‬وهنا ال ُتوجد إشارة إىل الشكل الذي قد تتخذه‬
‫بشكل إيجايبٍّ؛ ولكن يتم رفض إمكان َّية العقاب األخروي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة اآلخرة‪ ،‬وال يتم استبعاد فكرة العودة إىل الله‬
‫اض عن نفسه‪ ،‬وواثقٌ جدًا يف‬ ‫وكام هو الحال يف كث ٍري من األحيان‪َ ،‬يظلم املرشك نفسه بسبب تكربه(‪ :)3‬فهو ر ٍ‬
‫قوته البرش َّية‪ ،‬و َيفتقر إىل الخوف من الله؛ لدرجة أنه ال يستمع إىل التحذيرات عندما تأتيه‪َ ( :‬ي ْح َس ُب أَ َّن َما َل ُه‬
‫أَ ْخ َلدَهُ )‪ ،‬كام جاء يف اآلية ‪ 3‬من سورة الهمزة‪ .‬و ُيلحق الله به كارث ًة‪ ،‬و ُيدمر حديقته بالطريقة نفسها التي دمر‬
‫الكفار من أن كارث ًة مامثل ًة ستحل بهم قري ًبا‪ً ،‬‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫بها األمم املاض َّية‪ .‬ويحذر الرسول‪ ،‬مرا ًرا وتكرا ًرا‪ ،‬خصومه ُ‬

‫النموذجي هو مزارع‪ ،‬ومتاش ًيا مع هذا؛ فقد تم تصوير األمم التي ُأرسل إليها األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫إذن فا ُملرشك‬
‫وجنات وينابيع (سورة‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬عىل أنهم مزارعون‪ .‬وأخرب هود قومه أن الله قد وهبهم أنعا ًما وبنني‬ ‫السابقني‪ً ،‬‬
‫الشعراء‪ ،‬اآلية ‪ ،133‬وما بعدها)‪ ،‬ووعدهم بأمطا ٍر غزيرة إذا هم تابوا (سورة هود‪ ،‬اآلية ‪)52‬؛ وسأل صالح‬
‫قومه عام إذا كانوا يأمنون عىل بساتينهم وعيونهم وحقولهم ونخيلهم ذات العذق الذي يكاد ينكرس من وزن‬
‫الثمر (سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪ .)148-146‬ويتساءل الرسول‪( :‬أَ َو َل ْم َي ِس ُريوا ف ْ َ‬
‫ال ْر ِض َف َين ُْظ ُروا َك ْي َف َك َ‬
‫ان عَا ِق َب ُة‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ين ِمنْ َق ْب ِل ِه ْم)‪ُ ،‬مش ًريا إىل أن األمم املعن َّية قد ظلمت نفسها‪ ،‬ووصلت إىل نهاية مأساوية؛ مع أنهم (كا ُنوا‬ ‫ا َّل ِذ َ‬
‫ال ْر َض َو َع َم ُروهَ ا أَ ْك َ َث ِم َّم َع َم ُروهَ ا)‪ ،‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪ ،9‬وجاء الوصف باختصار أكرث‬ ‫أَ َشدَّ ِم ْنه ُْم ُق َّو ًة َوأَ َثا ُروا ْ َ‬
‫يف سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪ .)21‬وكان لسبأ جنتان‪ ،‬وقيل لهم‪ُ ( :‬ك ُلوا ِمنْ ِر ْز ِق َر ِّب ُك ْم)؛ فاعرضوا عن الله؛ فأرسل طوفا ًنا‬
‫أيضا‪ ،‬مزارعني‪:‬‬ ‫فأهلك جنتيهم (سورة سبأ‪ ،‬اآلية ‪ ،15‬وما يليها)‪ .‬وكان الشعب الذي أخرجهم موىس من ِمرص‪ً ،‬‬
‫وع) (سورة الدخان‪ ،‬اآلية ‪ ،25‬وما بعدها؛ وراجع‪ :‬سورة الشعراء‪ ،‬اآليات‬ ‫ون ‪َ #‬و ُز ُر ٍ‬ ‫( َك ْم َت َر ُكوا ِمنْ َجن ٍ‬
‫َّات وَعُ ُي ٍ‬
‫‪.)59-57‬‬

‫خالف حول اآلية ‪ 141‬من‬ ‫تم تصنيف السور املذكورة حتى اآلن عىل أنها مك َّية؛ عىل الرغم من وجود ٍ‬
‫سورة األنعام ( ُك ُلوا ِمنْ َ َث ِر ِه إِ َذا أَ ْ َث َر َوآ ُتوا َح َّق ُه َي ْو َم َح َصا ِد ِه)(‪ .)4‬إن تقسيم السور إىل مك َّية ومدن َّية؛ يأيت‪،‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬من األحاديث واآلثار النبو َّية‪ ،‬ومل ُيهتم بها حتى اللحظة؛ ولكن القراء الذين يتساءلون عام إذا‬
‫كانت اإلشارات العديدة إىل الزراعة ُيكن أن تعود إىل ما بعد هجرة ال َّن ِب ّي إىل الواحة الزراع َّية يف يرثب؛ فيجب‬
‫أن يعلموا أنه بقدر ما يتعلق األمر باألحاديث واآلثار النبو َّية؛ فإن اإلجابة هي «ال»‪.‬‬

‫ون‬‫ين ُي ْن ِف ُق َ‬ ‫أيضا‪َ ( :‬م َث ُل ا َّل ِذ َ‬


‫ومع ذلك‪ ،‬فإننا نسمع عن الزراعة يف السور التي تم تحديدها عىل أنها مدن َّية‪ً ،‬‬
‫يل ال َّل ِه َك َم َث ِل َح َّب ٍة أَ ْن َبت َْت َس ْب َع َسنَا ِب َل ِف ُك ِّل ُس ْن ُب َل ٍة ِما َئ ُة َح َّب ٍة َوال َّل ُه ُي َضا ِع ُف ِل َمنْ َي َشا ُء) (سورة‬ ‫أَ ْم َوا َله ُْم ِف َس ِب ِ‬
‫ات ال َّل ِه َو َت ْث ِبيتًا ِمنْ أَ ْن ُف ِس ِه ْم َك َم َث ِل َج َّن ٍة ِب َر ْب َو ٍة‬
‫ون أَ ْم َوا َله ُُم ا ْب ِت َغا َء َم ْر َض ِ‬ ‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)261‬أو ( َو َم َث ُل ا َّل ِذ َ‬
‫ين ُي ْن ِف ُق َ‬
‫ي َفإِ ْن َل ْم ُي ِص ْبهَا َوا ِب ٌل َف َط ٌّل) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)265‬و( َكا َّل ِذي ُي ْن ِف ُق َما َل ُه ِر َئا َء‬ ‫أَ َصا َبهَا َوا ِب ٌل َفآ َت ْت ُأ ُك َلهَا ِض ْع َف ْ ِ‬
‫‪ 3‬راجع‪ :‬موسوعة القرآن‪ ،‬مادة «الغطرسة»‪Encyclopaedia of the Qur’an (ed. J. D. McAuliffe), (Leiden, 2001-), s.v. ‘ar� ،‬‬
‫‪.)rogance’ (Nasr Abu Zayd‬‬
‫‪ 4‬كانت المشكلة في العالقة بين الحكم المفروض‪ ،‬في هذه اآلية‪ ،‬والزكاة المفروضة في المدينة المنورة‪ ،‬وليس في تصوير المؤمنين بالمزارعين‪ .‬انظر‪،‬‬
‫على سبيل المثال‪ :‬فخر الدين الرازيّ ‪ ،‬التفسير الكبير (طهران‪1413 ،‬هـ)‪213/3 ،‬‬
‫‪11‬‬

‫ون ع ََل‬ ‫اب َف َأ َصا َب ُه َوا ِب ٌل َف َ َت َك ُه َص ْلدًا َل َي ْق ِد ُر َ‬ ‫َّاس َو َل ُي ْؤ ِم ُن ِبال َّل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْال ِخ ِر َف َم َث ُل ُه َك َم َث ِل َص ْف َو ٍان َع َل ْي ِه ُت َر ٌ‬
‫الن ِ‬
‫ص أَ َصا َب ْت َح ْر َث‬ ‫يح ِفيهَا ِ ٌّ‬ ‫ون ِف هَ ِذ ِه ا ْل َح َيا ِة الدُّ ْن َيا َك َم َث ِل ِر ٍ‬ ‫ش ٍء) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)264‬و( َم َث ُل َما ُي ْن ِف ُق َ‬ ‫َ ْ‬
‫َّاس َمنْ ُي ْع ِج ُب َك َق ْو ُل ُه ِف ا ْل َح َيا ِة الدُّ ْن َيا‬ ‫َق ْو ٍم َظ َل ُموا أَ ْن ُف َسه ُْم َف َأهْ َل َك ْت ُه) (سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)117‬و( َو ِم َن الن ِ‬
‫ال ْر ِض ِل ُي ْف ِس َد ِفيهَا َو ُي ْه ِل َك ا ْل َح ْر َث َوالن َّْس َل)‬ ‫َو ُي ْش ِه ُد ال َّل َه ع ََل َما ف َق ْل ِب ِه َوهُ َو أَ َلدُّ ا ْل ِخ َصام ‪َ #‬وإِ َذا َت َو َّل َس َعى ف ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاب َت ْج ِري ِمنْ‬ ‫َ‬
‫يل َوأ ْعن ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ون َل ُه َجنَّة ِمنْ َن ِخ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪/[205‬اآليتان ‪ ،)]295-204‬و(أ َي َو ُّد أ َح ُدك ْم أ ْن َتك َ‬
‫ات َوأَ َصا َب ُه ا ْل ِك َ ُب َو َل ُه ُذ ِّر َّي ٌة ُض َع َفا ُء َف َأ َصا َبهَا إِع َْصا ٌر ِفي ِه َنا ٌر َف ْاح َ َت َق ْت َك َذ ِل َك‬ ‫ال ْنهَا ُر َل ُه ِفيهَا ِمنْ ُك ِّل ال َّث َم َر ِ‬ ‫َت ْح ِتهَا ْ َ‬
‫ات) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ .)266‬وهذا كله كام كان من قبل‪ ،‬باستثناء أن القنوات يف املقطع‬ ‫ُي َب ِّ ُي ال َّل ُه َل ُك ُم ْال َي ِ‬
‫أيضا‪ ،‬وليس بينها (عىل شكل عيون وينابيع) كام يفعل‬ ‫األخري تجري تحت الحدائق‪ ،‬كام يحدث يف الجنة‪ً ،‬‬
‫ال ْر َض َو َل َت ْس ِقي ا ْل َح ْر َث)‬ ‫ول ُت ِث ُري ْ َ‬‫ا ُملرشكني‪ .‬و ُتص ّور البقرة‪ ،‬التي ُأمر بني ارسائيل بالتضحية بها‪ ،‬عىل أنها َ(ل َذ ُل ٌ‬
‫(سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)71‬وال تزال مرغوبات الدنيا تشمل األنعام واألرض (سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.)14‬‬

‫يقول واينز ‪ ،Waines‬يف مقالٍ ‪ ،‬متضمنًا معظم ما قلته حتى اآلن‪« :‬وتحتل الزراعة والغطاء النبايت مكان ًة‬
‫بارز ًة يف القرآن؛ مام يعكس أهميتهام يف البيئة التي نزل فيها الوحي»(‪ ،)5‬وهذا ما يحدث بالفعل؛ فكيف ُيكن‬
‫التوفيق بني هذا واالدعاء الرتا ّيث بأن ا ُملرشكني كانوا يعيشون يف وا ٍد ٍ‬
‫قاحل؟ ويالحظ واينز أن «القرآن ُيشري إىل‬
‫تقشف أقل حد ٍة»‪ .‬ورمبا كانت املنطقة‪ ،‬بأكملها‪ ،‬أكرث خصوب ًة مام تبدو عليه بفضل تقنيات الري املتطورة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ويضيف هيك ‪ :Heck‬ال تزال بقايا ما يصل إىل تسعة عرش سدًا‪ ،‬أو أكرث‪ ،‬موجود ًة يف منطقة الحجاز(‪ .)6‬ولكن‬
‫بغض النظر عن أن هذه السدود ُبنيت‪ ،‬إىل ح ٍد كبري‪ ،‬أو تم بناؤها بالكامل بعد ظهور اإلسالم؛ فإنه ال يبدو أن‬
‫أ ًّيا منها يف مكة‪ ،‬ولكن ُيكننا حل هذه اإلشكالية‪ ،‬يف الواقع‪ِ ،‬من ِخالل افرتاض أن مكة كانت خصب ًة؛ ألن القرآن‬
‫اهيمي بأنه يقع يف وا ٍد غري مزروع (سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية‪ ،)37‬كام أن القرآن‬
‫نفسه هو الذي يصف الحرم اإلبر ّ‬
‫نفسه هو الذي يضع ا ُملرشكني يف بيئ ٍة خصب ٍة‪.‬‬

‫للمرشكني‪ .‬ومن‬‫اهيمي كمقر إقام ٍة ُ‬


‫بوضوح‪ ،‬مسألة ما إذا كان القرآن يتصور الحرم اإلبر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا يطرح‪،‬‬
‫مستحيل؛ إذ طلب إبراهيم من الله‪ ،‬عندما استقرت ذريته عند الحرم‪ ،‬أن ُيطعمهم من‬ ‫ً‬ ‫املؤكد أن هذا ليس‬
‫وبدل من ذلك‪ ،‬هل ُيصور‬ ‫الثمر (سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪ :)37‬ورمبا الفرض‪ ،‬هنا‪ ،‬هو أن الزراعة ظهرت الح ًقا‪ً .‬‬
‫اهيمي مهجو ًرا باستثناء عائل ٍة صغري ٍة من األوصياء يسكنها الحجاج وغريهم من الزوار؛ مام‬
‫القرآن الحرم اإلبر ّ‬
‫مكان آخر؟ وهذا ممكنٌ ‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ .‬ففي الواقع‪ ،‬يبدو‬ ‫للمرشكني كان موجودًا يف ٍ‬ ‫اعي ُ‬
‫يعني‪ ،‬ضمنًا‪ ،‬أن املجتمع الزر ّ‬
‫رواية تقول إن مكة كانت خصب ًة‬
‫أن كال االحتاملني قد اقرتحا نفسيهام عىل القراء األوائل للقرآن؛ ألن هناك ٌ‬
‫وجرهم والعامليق وقيص (ولكن ليس عىل ما يبدو‬ ‫عادي‪ ،‬وهذا ما كان عليه الحال يف عهد قطورة ُ‬ ‫بشكل غري ٍّ‬
‫ٍ‬

‫‪ 5‬ديفيد واينز‪ ،‬موسوعة القرآن‪ ،‬مادة ‹الزراعة›‪.D. Waines, ‘Agriculture’, in Encyclopaedia of the Qur’an, 40 ،‬‬
‫‪ 6‬جين دبليو هيك‪»« ،‬الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪ :‬فرضيَّة بديلة»‪G. W. Heck, ‘ “Arabia without spices”: an alternate hypoth� ،‬‬
‫‪esis’, Journal of the American Oriental Society 123, 2003, 566‬‬
‫‪12‬‬

‫عاصفة من االحتجاج‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف زمن ال َّن ِب ّي)(‪ ،)7‬وظل حر ًما صحراو ًّيا حتى بدأ ُمعاو َية بالحفر والبناء فيها؛ فثارت‬
‫مكان وصفه الله نفسه بأنه خالٍ من الزراعة‪ .‬وينبغي أن تظل مكة مكا ًنا به‬ ‫فليس له أن يزرع حدائق يف ٍ‬
‫ينصب فيه الحجاج خيامهم‪ ،‬كام فعلوا يف املايض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مساحات واسع ٍة غري مبن َّية‪ ،‬وتكون يف متناول الجميع‪ ،‬ومكا ًنا‬
‫ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬إن الله قد أنشأ حر ًما آمنًا‪ ،‬بينام كان الناس‬ ‫وليست واحد ًة من املدائن والقصور(‪ .)8‬ولكن القرآن يقول‪ً ،‬‬
‫الكفار يتم اختطافهم بعيدًا (سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪ ،)67‬وإذا امتنع الناس عن ال ًهدى بحجة أنهم‬ ‫ِمن حول ُ‬
‫س ُينتزعون من أرضهم إذا اتبعوه؛ فالرد عليهم هو‪) :‬أَ َو َل ْم ُ َن ِّكنْ َله ُْم َح َر ًما آ ِمنًا ُي ْج َبى إِ َل ْي ِه َ َث َر ُ‬
‫ات ُك ِّل َ ْ‬
‫ش ٍء ِر ْز ًقا‬
‫الكفار كانوا يعيشون يف حرمهم؛‬ ‫دليل أن ُ‬ ‫ويكن أن يؤخذ هذا عىل أنه ٌ‬ ‫ِمنْ َل ُد َّنا( (سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪ُ .)57‬‬
‫لكنهم كانوا يعيشون دون تطويره زراع ًّيا‪ :‬فالثامر جاءت من خارجه(‪ .)9‬وكان هذا هو الحل الذي استقر عليه‬
‫استجابة لدعوة إبراهيم؛ أقام الله رحلتي تجارة‪ ،‬واللتني حرر بهام قريش‬ ‫ٌ‬ ‫الرتاث‪ .‬وذهب بعض العلامء إىل أنه‬
‫من الجوع والخوف(‪ ،)10‬أو كانت استجاب ًة لدعوة إبراهيم أنه نقل الطائف من الشام إىل الجزيرة العرب َّية(‪)11‬؛‬
‫أو إن الثامر تأيت من القرى والبلدات املجاورة كام يذهب الكثريون(‪ .)12‬والحقيقة‪ ،‬أنه ِمن ِخالل جعل القرى‬
‫قريشا من التوقف عن رحلتيهام التجاريتني‪ ،‬وف ًقا‬ ‫والبلدات املجاورة ملكة تحمل زادًا إليها؛ فقد م ّكن الله ً‬
‫وقت ما قبل ظهور اإلسالم(‪.)13‬‬ ‫لوجهة النظر القائلة إن التجارة املك َّية قد انتهت يف ٍ‬

‫إذن‪ ،‬كيف يتعامل املفرسون مع اآليات التي ُيوصف فيها ا ُملرشكون‪ ،‬ضمنًا أو رصاح ًة‪ ،‬بأنهم مزارعون؟‬
‫التأريخي للوحي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومن الغريب أنهم يتجاهلون املشكلة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬إذا كان اهتامم املرء هو مجرد السياق‬
‫الكفار‪ ،‬فإن القرآن سيظهر ألي قارئ آخر عىل أنه ُيقدم ً‬
‫نقاطا واضح ًة‬ ‫دون غرابة األمثلة ا ُملستخدمة إلقناع ُ‬
‫التأريخي‪ .‬ومن املؤكد أن الرتاث التفسرييّ‬
‫ّ‬ ‫عامل ًيا ذات صالح َّي ٍة أبد َّي ٍة‪ .‬ولكن املفرسين األوائل اهتموا بالسياق‬
‫واسع‪ ،‬حيث ال ُيكن الجزم مبا هو فيه وما ليس فيه‪ ،‬خاص ًة عندما يتعلق األمر ٍ‬
‫بآيات قرآن َّي ٍة كثري ٍة؛ فمن الصعب‬ ‫ٌ‬

‫‪ 7‬انظر المصادر المذكورة في باتريشيا كرون‪ ،‬تجارة مكة وظهور اإلسالم‪P. Crone, Meccan Trade and the Rise of Islam (Oxford ،‬‬
‫‪.and Princeton, 1987), 198, n. 134‬‬
‫‪ 8‬الكلبيّ في البكريّ ‪ ،‬معجم ما استعجم‪ ،‬تحقيق‪ :‬فردينائد فيستنفيلد (اليبزيغ‪1858 ،‬م)‪ ،‬ص‪58‬؛ ومير جاكوب كيستر‪« ،‬بعض التقارير المتعلقة بمكة من‬
‫الجاهليَّة إلى اإلسالم»‪M. J. Kister, ‘Some reports concerning Mecca from Jāhiliyya to Islam’, Journal of the Economic ،‬‬
‫‪ ..and Social History of the Orient 15, 1972, 86ff‬وكالهما مذكورُ في كرون‪ ،‬تجارة مكة‪ .Crone, Meccan Trade, 197f ،‬ولمزي ٍد‬
‫أيضا‪ ،‬أدناه‪ ،‬الهامش‪14‬‬
‫من االطالع على التنميَّة الزراعيَّة التي قام بها مُعاويَة في المنطقة؛ انظر‪ً ،‬‬
‫‪ 9‬القراءة البديلة هي أنهم‪ ،‬ببساطة‪ ،‬لجأوا إلى الملجأ أثناء بعض األزمات‪ ،‬عندما تعرضوا لخطر «االختطاف» من األرض التي كانوا يعيشون ويعلمون‬
‫فيها عادةً‪.‬‬
‫‪ 10‬ذُكر في الزمخشريّ ‪ ،‬الكشاف (بيروت‪1947 ،‬م)‪ :803/4 ،‬سورة قريش‪ ،‬اآلية ‪ ،4‬حيث ورد ذكر الرحلتين (دون وصفهما بأن لهما عالق ًة‬
‫بالتجارة‪ ،‬راجع أدناه‪ ،‬الهامش‪.)25‬‬
‫أيضا‪ ،‬ومير جاكوب كيستر‪،‬‬
‫‪ 11‬على سبيل المثال‪ ،‬انظر‪ :‬الطبريّ ‪ ،‬جامع البيان (بيروت‪1988 ،‬م)‪ :235/8 ،‬سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪37‬؛ وراجع‪ً ،‬‬
‫«بعض التقارير المتعلقة بالطائف»‪M. J. Kister, ‘Some reports concerning Ta’if, Jerusalem Studies in Arabic and Islam, ،‬‬
‫‪.i, 1979, n. 77‬‬
‫‪ 12‬انظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬الطبريّ ؛ والماورديّ ؛ وفخر الدين الرازيّ ‪ :‬سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪37‬‬
‫‪ 13‬مُقاتل بن سُ ليمان‪ ،‬التفسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا محمود شحاتة (القاهرة‪1979 ،‬م)‪ ،861/4 ،‬وما بعدها‪ :‬سورة قريش؛ والكلبيّ في ابن حبيب‪ ،‬المنمق‬
‫(حيدر أباد‪1964 ،‬م)‪ ،‬ص‪ ،262‬وما يليها؛ راجع‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪.Crone, Meccan Trade, 205ff ،‬‬
‫‪13‬‬

‫تصديق أن املشكلة مرت دون أن يالحظها أحد‪ ،‬ولكن القيام بفحص عين ٍة عادل ٍة من املؤلفات التفسري َّية حول‬
‫الكفار عىل أنهم مزارعي زيتون؛ مل ُيسفر عن يش ٍء‪.‬‬ ‫بشكل صارخ‪ ،‬تلك التي ُتقدم ُ‬
‫ٍ‬ ‫املقاطع األكرث إشكال َّية‬

‫والجواب الذي كان يتوقع املرء أن يأيت به املفرسون هو أن املقاطع املتعلقة بالزراعة ُتشري إىل أماكن‬
‫خارج مكة‪ ،‬وقبل كل يش ٍء إىل الطائف‪ ،‬حيث كان املكيون ميلكون حدائق‪ .‬ما هو الحل اآلخر الذي ُيكن أن‬
‫حل مفاده أن النخيل والرمان والعنب كلها ُتناسب جو الطائف بسهولة‪ ،‬لكن الحبوب والزيتون‬ ‫يكون؟ ويأيت ٌ‬
‫ُتثل مشكلة أكرب‪ .‬وبعد الفتوحات‪ ،‬عندما بدأ ُمعاو َية وغريه من األثرياء القرشيني تنم َّي ًة زراع َّي ًة ضخمة يف‬
‫نطاق واسع(‪ ،)14‬ورمبا ُيكن القول إن بعضها كان ُيزرع هناك‬ ‫الحجاز؛ أصبحت الحبوب ُتحصد هناك عىل ٍ‬
‫بسور َية(‪ .)15‬ورمبا كانت هناك‪ ،‬عىل حد علمنا‪،‬‬ ‫أيضا‪ .‬ولكن الروايات تربط الحبوب‪ ،‬دامئًا‪ُ ،‬‬ ‫قبل ظهور اإلسالم‪ً ،‬‬
‫ألسباب واضح ٍة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬بعد الفتوحات(‪)16‬؛ ولكن إذا حدثت؛ فإنها مل تنجح؛‬ ‫محاوالت لزراعة الزيتون يف الحجاز‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫فالزيتون (‪ )Olea europaeana‬يف شكله املزروع هو شجر ٌة تتكيف مع ظروف البحر األبيض املتوسط‪.‬‬
‫وهو ينمو بر ًيا يف الغابات الجبل َّية والشجريات يف الجزيرة العرب َّية‪ ،‬مبا يف ذلك منطقة الطائف‪ ،‬ولكنه يتم‬
‫بدل من البحر األبيض املتوسط‪ ،‬يف شكل‬ ‫كذلك كجز ٍء من الغطاء النبا ّيت الذي يربط الجزيرة العرب َّية بإفريقيا ً‬

‫‪ 14‬بالنسبة إلى حفر مُعاويَة اآلبار والقنوات وزراعة الحدائق في مكة (يُقال إنه أول من فعل ذلك)؛ انظر‪ :‬كيستر‪« ،‬بعض التقارير»‪Kister, ،‬‬
‫‪.‘Some reports’, 89f‬؛ وراجع‪ ،‬كذلك‪ ،‬السد الذي أقامه في الطائف (جي سي مايلز‪« ،‬النقوش اإلسالميَّة المُبكرة بالقرب من الطائف في الحجاز»‪،‬‬
‫‪ ،)G. C. Miles, ‘Early Islamic inscriptions near Ta’if in the Hijaz’, Journal of Near Eastern Studies 7, 1948‬والسدود‬
‫المذكورة في هيك‪« ،‬الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪ .Heck, “Arabia without spices”, 566 ،‬وبالنسبة لمؤسسات مُعاويَة الزراعيَّة في المدينة‬
‫المنورة في الحجاز والتوترات التي أثارتها؛ انظر‪ :‬مير جاكوب كيستر‪« ،‬معركة الحَ رة‪ :‬بعض الجوانب االجتماعيَّة واالقتصاديَّة»‪M. J. Kister, ،‬‬
‫‪‘The Battle of the Ḥarra: some socioeconomic aspects’, in M. Rosen-Ayalon (ed.), Studies in Memory of Gaston‬‬
‫‪ ،.Wiet (Jerusalem, 1977), 38ff‬راجع‪ :‬الهامش‪ ،8‬أعاله؛ وبالنسبة للقريشيين اآلخرين؛ انظر‪ :‬هيك‪« ،‬الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪Heck, ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬أبا طالب‪ ،‬الذي كان ينتمي‬ ‫‪ ،“Arabia without spices”, 565‬الذي يفترض‪ ،‬عن غير قصد‪ ،‬أن أنشطتهم كانت قبل اإلسالم‪ .‬كما يُقدم هيك‪ً ،‬‬
‫إلى عصر ما قبل اإلسالم‪ ،‬كمثالٍ لفئ ٍة من رجال األعمال الذين كانوا «أثرياء لدرجة كافيَّةٍ؛ بحيث لم يكن هناك حاجة إلى رأس مال استثماريّ خارجيّ‬
‫لضمان مشاريعهم اإلنتاجيَّة»‪ ،‬مُدعيًا أنه كان «من بين مزارعي القمح المكيين الذين باعوا منتجاتهم الخاصة»‪ ،‬وأنه «باإلضافة إلى كونه سمسارً ا كبيرً ا‬
‫للحبوب؛ كان أبو طالب تاجرً ا للعطور» («الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪ .)Heck, “Arabia without spices”, 561, 571 ،‬وعلى الرغم من كل‬
‫هذا؛ فإنه يُحيل القارئ إلى ابن قتيبة‪ ،‬الذي يكتفي بقوله‪« :‬كان أبو‌طالب يبيع العطر‪ ،‬وربما باع‌البُر»‪( .‬ابن قتيبة‪ ،‬المعارف‪ ،‬تحقيق‪ :‬ويستنفيلد (ليدن‪،‬‬
‫‪1850‬م)‪ ،‬ص‪283‬؛ وبتحقيق‪ :‬ثروت عُ كاشة (القاهرة‪1969 ،‬م)‪ ،‬ص‪575‬؛ وبتحقيق‪ :‬محمد اسماعيل عبدهللا الصاويّ (بيروت‪1970 ،‬م)‪ ،‬ص‪249‬؛‬
‫وفي الرواية الموازيَّة التي قدمها ابن رُ ستا‪ ،‬تم استبدال كلمة البُر باللبان؛ راجع‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪ .).Crone, Meccan Trade, 53n ،‬وأين يجد‬
‫هيك المعلومات التي تُفيد بأنه كان سمسار حبوب (على عكس التاجر)‪ ،‬وأنه كان من كبار التجار‪ ،‬وأنه قام بزراعة منتجاته الخاصة‪ ،‬أو أنه كان ثريًّا‬
‫خارجي؟‬
‫ٍّ‬ ‫استثماري‬
‫ٍّ‬ ‫بما يكفي إلدارته دون رأس مالٍ‬
‫أيضا‪ ،‬تأتي الحبوب في جميع األمثلة‬
‫‪ 15‬راجع‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪ .Crone, Meccan Trade, 98, 104, 139--41, 150, 160 ،‬ومن سُ وريَة‪ً ،‬‬
‫التي ذكرها هيك‪« ،‬الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪( Heck, “Arabia without spices”, 573 ،‬فيما يتعلق بعبد هللا بن جُ دعان‪ ،‬ولم يحدد مكان‬
‫المنشأ‪ ،‬انظر‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪ .)Crone, Meccan Trade, 104 ،‬ومع ذلك‪ ،‬يقترح هيك أن المكيين يمكنهم استيراد وتصدير مثل هذه األصناف‬
‫(بعد أن أنتجوها في الطائف وأماكن أخرى)‪ ،‬اعتمادًا على «الوظيفة األساسيَّة القتصاديات السوق الحرة»‪ ،‬مُقدمًا أنماط التجارة بين ميشيغان الحديثة‬
‫مثال («الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪ .)Arabia without spices”, 573“ ،‬ولكن بغض النظر عن أننا ال نرى المكيين‬ ‫وويسكونسن‪ ،‬باعتبارها ً‬
‫حديث قائ ٍم على التوزيع السريع للمعلومات والسلع‪ ،‬وانخفاض تكاليف‬
‫ٍ‬ ‫رأسمالي‬
‫ٍّ‬ ‫يُصدّرون مثل هذه األصناف أبدًا؛ فإنهم لم يكونوا مشاركين في اقتصا ٍد‬
‫النقل‪ ،‬وشراء السكان لبضائعهم (بما في ذلك المواد الغذائيَّة) في السوق المفتوحة‪.‬‬
‫‪ 16‬يُفترض إجراء الكثير من التجارب الزراعيَّة‪ ،‬في أعقاب الفتوحات‪ ،‬من خالل انتشار المحاصيل الذي قام بدراستها أندرو‪ .‬إم‪ .‬واتسون‪ ،‬االبداع‬
‫الزراعيّ في العالم اإلسالميّ المُبكر‪.)A. M. Watson, Agricultural Innovation in the Early Islamic World (Cambridge, 1983 ،‬‬
‫‪14‬‬

‫عيب‪ ،‬من وجهة نظر عرب َّية‪ ،‬أنه يحتاج إىل برد الشتاء من أجل اإلزهار‬ ‫الالت إفريق َّية(‪ .)17‬وللزيتون املزروع ٌ‬
‫ُس ٍ‬
‫واإلمثار(‪ ،)18‬ومل يكن من املمكن أن ًينتج الكثري من املحصول يف مكة أو املدينة املنورة(‪ ،)19‬وعىل الرغم من أن‬
‫الطائف تبدو واعد ًة أكرث‪ ،‬إال أن تقارير ُتفيد أن زراعة الزيتون قد نجحت يف العرص الحديث يف واحة الجوف‬
‫الشامل َّية (دومة الجندل ساب ًقا)(‪ .)20‬وتصف املصادر الخاصة بالجزيرة العرب َّية عش َّية اإلسالم بأن الزيتون يأيت‬
‫الكفار بأمثل ٍة تتعلق بزراعة الحبوب والزيتون؛ لذلك َّ‬
‫يتعي علينا‬ ‫من ُسور َية(‪ .)21‬وعندما ُيحاول القرآن إقناع ُ‬
‫أن نفرتض أن اإلشارة هي إىل ُقرىً يف ُسور َية؛ مر بها املكيون يف رحالتهم التجار َّية و‪/‬أو إىل العقارات التي‬
‫اكتسبوها هناك‪ ،‬والتي زرعوا فيها هذه املحاصيل بأنفسهم‪.‬‬

‫ولسبب واحد‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وسور َية ال يحل املشكلة بالكامل‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن اإلشارة إىل املقاطع املعن َّية بالطائف ُ‬
‫مزروع‪ ،‬به ينبوعٌ واحدٌ أن ُيحافظ عىل استمرارية الغنم واملاعز والبقر‬
‫ٍ‬ ‫يبقى السؤال حول كيف ُيكن لوا ٍد غري‬
‫مرعى‬
‫والثريان واإلبل والبغال والحمري والخيول التي ُينسب إليها املرشكني يف القرآن‪ ،‬أو كيف ُيكن العثور عىل ً‬
‫مفتعل حول هذه القراءة؛ إذ إنه عاد ًة ما ُيحاول‬
‫ٌ‬ ‫يومي‪ .‬ومن ناحي ٍة أخرى‪ ،‬هناك يش ٌء‬
‫بشكل ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫لهم خارج مكة‬
‫واضح متا ًما أنه مهام‬
‫الواعظ الوصول إىل الناس ِمن ِخالل التحدث معهم عن األشياء التي تهمهم كث ًريا‪ ،‬والرتاث ٌ‬
‫‪ 17‬شاهينا‪ .‬آي غضنفر وم‪ .‬فيشر (محرران)‪ ،‬الغطاء النباتيّ للجزيرة العربيَّة‪S. A. Ghazanfar and M. Fisher (eds), Vegetation of ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬أنتوني ميلر وتوماس آي كوب‪ ،‬نباتات‬ ‫‪the Arabian Peninsula (Dordrecht, 1990), 69, 91-93, 130‬؛ وبشكل أكثر إيجازً ا‪ ،‬انظر‪ً ،‬‬
‫الجزيرة العربيَّة وسُ قطرى‪A. G. Miller and T. Cope, Flora of the Arabian Peninsula and Socotra, vol. i (Edinburgh, ،‬‬
‫‪ .1996), 20f., 26‬ومن الواضح أن هذا هو النبات المعروف عند العرب باسم «الزيتون الجبليّ »‪ ،‬الذي نما في الشرات و(بشكل أطول) في عُ مان؛‬
‫ويحتوي على ثمر ٍة سوداءٍ‪ ،‬كالعنب‪ ،‬ال تؤكل‪ ،‬أو ال تُثمر‪ ،‬وكان يُستعمل في الطب‪ ،‬وكذلك كمسواك لألسنان (أبو حنيفة الدينوريّ ‪ ،‬كتاب النبات‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد حميد هللا (القاهرة‪1973 ،‬م)‪ ،‬اللوحات‪ ،686 ،574 :‬مادة «شحس»‪ ،‬وعُ تم»‪ .‬وقارن التوزيع في غضنفر وفيشر‪ ،‬الغطاء النباتيّ ‪Ghazanfar ،‬‬
‫‪ ،and Fisher, Vegetation, 91-93, 130‬مع اإلشارة إلى االستخدام الطبيّ في ص‪.)250‬‬
‫‪ 18‬يلزم األمر إلى أسبوعين في درجات حرارة أقل من ‪ 14‬درجة مئويَّة (‪ 57‬درجة فهرنهايت) من أجل تحفيز بعض اإلزهار في معظم األصناف‬
‫(بي شيفر وبي سي أندرسن (محرران)‪ ،‬دليل الفسيولوجيا البيئيَّة لمحاصيل الفاكهة‪B. Schaffer and P. C. Andersen (eds), Handbook ،‬‬
‫‪ ،)of Environmental Physiology of Fruit Crops (Boca Raton, Fl., 1994), i, 171‬ولكن درجات الحرارة الباردة مطلوبة للمحاصيل‬
‫الجديرة باالهتمام‪ .‬وتتحدث منظمة األغذيَّة والزراعة عن فترة سكون مدتها حوالي شهرين مع متوسط درجات حرارة أقل من ‪ 10‬درجات مئويَّة‬
‫(‪ 50‬فهرنهايت) (‪)www.fao.org/ag/agVaglw/cropwater/olive.stm‬؛ وتحدد إحدى الشركات في كاليفورنيا أفضل درجات الحرارة في‬
‫فصل الشتاء بأنها تتراوح بين ‪ 2.8-‬إلى ‪ 3.9-‬درج ًة مئويَّ ًة (‪ 25‬إلى ‪ 27‬درجة فهرنهايت)‪ ،‬بينما نادرً ا ما تنخفض إلى أقل من ‪ 6.1-‬درج ًة مئويَّ ًة‬
‫(‪ 21‬فهرنهايت)‪ .‬وتُوصف المناطق التي تصل درجات الحرارة فيها إلى ‪ 12.2‬درج ًة مئويَّ ًة (‪ 54‬درجة فهرنهايت)‪ ،‬والتي نادرً ا ما تتجمد أو تصل‬
‫إلى ‪ 2.2-‬درجة (‪ 28‬درجة فهرنهايت)‪ ،‬بأنها غير مناسب ٍة أو هامشيَّ ٍة لبساتين الزيتون التجاريَّة («إمدادات مزرعة الوادي السلميَّة» على ‪www.‬‬
‫‪.)Groworganic.com/d/d3_205.html‬‬
‫درجات مئويَّ ٍة (‪ 50‬درجة فهرنهايت) و‪3‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ 19‬أدنى درجات الحرارة المسجلة في مكة والمدينة المنورة خالل إحدى عشرة سنة ‪ 1995-1985‬كانت ‪10‬‬
‫درجات مئويَّ ٍة (‪ 37‬درجة فهرنهايت) على التوالي‪( .‬كانت درجات الحرارة القصوى ‪ 49.5‬درجة (‪ 121‬درجة فهرنهايت) و‪ 47.5‬درجة (‪ 18‬درجة‬‫ٍ‬
‫فهرنهايت)‪ ،‬بمتوسط ‪ 30.8‬درج ًة (‪ 87‬درجة فهرنهايت) و‪ 27.9‬درج ًة (‪ 82‬درجة فهرنهايت) على التوالي)‪ .‬انظر الرسم البيانيّ في غضنفر وفيشر‪،‬‬
‫الغطاء النباتيّ ‪.Ghazanfar and Fisher, Vegetation, 22 ،‬‬
‫‪ 20‬كانت أدنى درجات الحرارة في الطائف والجوف‪ ،‬في الفترة المذكورة في الهامش السابق‪ 1.2- ،‬درج ًة مئويَّ ًة (‪ 30‬درجة فهرنهايت) و‪ 7.0-‬درج ًة‬
‫(‪ 19‬درجة فهرنهايت) على التوالي‪( .‬كانت أعلى درج ٍة ‪ 39.5‬درج ًة (‪ 103‬درجة فهرنهايت) و‪ 46.0‬درج ًة (‪ 117‬درجة فهرنهايت)‪ ،‬بمتوسط ‪22.9‬‬
‫درج ًة (‪ 73‬درجة فهرنهايت) و‪ 21.2‬درج ًة (‪ 70‬درجة فهرنهايت) على التوالي)‪ .‬ولمزيد من المعلومات بشأن زيتون الجوف؛ انظر‪« :‬خريطة المملكة‬
‫العربيَّة السعوديَّة» الخريطة» على ‪ .www.scf.use.edu/~muzain/itp104/project/introduction.htm.supplementary result‬ولسوء‬
‫الحظ‪ ،‬فإن أ‪ .‬م‪ .‬مجاهد‪ ،‬نباتات السعوديَّة‪( ii ،‬الرياض‪ ،)1989 ،‬ص‪ ،74‬والذي يُوضح أن الزيتون األوروبيّ مزروعٌ في السعودية؛ ويُعطي التوزيع‬
‫للصنف البريّ ‪ ،‬فحسب‪.‬‬
‫‪ 21‬راجع‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪Crone, Meccan Trade, 104, 139 ،‬؛ وهيك‪« ،‬الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪Heck, “Arabia without ،‬‬
‫‪( spices”, 573‬يُصور المكيين الذين يحملون النفط من سُ وريَة على متن قافلة الجمال كنسخة مُبكر ٍة من «شركة النفط المتنقلة»)‪ .‬ويرتبط الزيتون‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬بسُ وريَة في الدينوري‪ ،‬كتاب النباتات‪ ،‬أ‪-‬ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬ب‪ .‬لوين‪ ،‬وأوبساال وفيسبادن (جامعة أوبساال أرسكريفت) ‪ ،1953‬رقم ‪ ،466‬مادة‬ ‫ً‬
‫«زيتون»‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫كان ما تفعله قريش قبل اإلسالم؛ فقد كانوا يف املقام األول ُتجا ًرا‪ .‬ولن ُيحاول املرء تحويل سامرسة األوراق‬
‫املال َّية يف مانهاتن ِمن ِخالل اللعب عىل مخاوفهم بشأن مشاريعهم الفرع َّية أو استحضار روائع املنتجات التي‬
‫شاهدوها يف رحالتهم التجار َّية‪ ،‬بل ُيكن للمرء أن يتحدث إليهم عن انهيار سوق األوراق املال َّية‪ ،‬والكساد‪،‬‬
‫كرسة للسعي وراء الرثوة‪ .‬ومع مراعاة ما يقتضيه‬ ‫والبطالة‪ ،‬والخراب املا ّيل‪ ،‬وانعدام القيمة ا ُملطلقة لحياة ُم ٌ‬
‫أيضا‪ ،‬فهو ُيخاطب الناس الذين كانت ُسبل‬ ‫اختالف الحال؛ فمن الواضح أن هذا ما يفعله الداع َّية القرآ ّين‪ً ،‬‬
‫هائل من التفاصيل املحل َّية التي ُتظهره أنه يف منزله يف‬ ‫عيشهم يف بساتينهم وحقولهم‪ ،‬وهو يفعل ذلك مبقدا ٍر ٍ‬
‫يل‬ ‫ات) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪)141‬؛ و( َو َن ِخ ٌ‬ ‫ات َو َغ ْ َي َم ْع ُر َ‬
‫وش ٍ‬ ‫هذا الوسط نفسه‪َ ( :‬وهُ َو ا َّل ِذي أَ ْن َش َأ َجن ٍ‬
‫َّات َم ْع ُر َ‬
‫وش ٍ‬
‫ِص ْن َو ٌان َو َغ ْ ُي ِص ْن َو ٍان) (سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪)22()4‬؛ و ُتروى جميع املساحات املجاورة وبساتني العنب وأشجار‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫النخيل والحقول مبصد ِر ميا ٍه واح ٍد (سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪)4‬؛ وكانت الحدائق‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬ورمبا‬
‫وقنوات (سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪ ،32‬وما بعدها)؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫مزروعة‬ ‫ٌ‬
‫حقول‬ ‫دائم‪ ،‬محاط ًة بأشجار النخيل‪ ،‬والتي تفصل بينها‬
‫أرض؛ كان الكابوس النها ّيئ يف أن تغور املياه تحت‬ ‫ومن بني جميع الكوارث التي ُيكن أن ُتصيب قطعة ٍ‬
‫مفردات غن َّية تتعلق بالنخيل‪ ،‬باإلضافة إىل‬‫ٌ‬ ‫األرض وال ُيكن اسرتدادها (سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪ .)41‬وكانت هناك‬
‫َّات أَ ْل َفا ًفا) (سورة‬
‫(جن ٍ‬
‫مصطلحات الربسيم‪ ،‬وأوراق أو سيقان الحبوب‪ ،‬والقش‪ ،‬والحدائق ذات األشجار الكثيفة َ‬
‫النبأ‪ ،‬اآلية ‪ ،)16‬وأكرث من ذلك(‪.)23‬‬

‫‪ .2‬السفر يف الرب والبحر‪:‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬مل تكن الزراعة النشاط االقتصاديّ الوحيد الذي مارسه ا ُملرشكون؛ فكام أنهم سافروا ب ًّرا وبح ًرا‪،‬‬
‫الص ْي ِف) يف اآلية ‪ 2‬من سورة قريش‪ ،‬وإشارة‬ ‫غامضة إىل ( ِر ْح َل َة ِّ‬
‫الشتَا ِء َو َّ‬ ‫ٌ‬ ‫رمبا بغرض التجارة؛ فهناك إشار ٌة‬
‫مسافات أطول بني رحالتهم‪َ ( :‬ر َّبنَا َبا ِع ْد َب ْ َ‬
‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬إىل األشخاص الذين ظلموا أنفسهم بسؤال الله‬ ‫غامضة‪ً ،‬‬
‫أَ ْس َفا ِر َنا)‪ ،‬سورة سبأ‪ ،‬اآلية ‪ .19‬وال ُيكن للمرء معرفة ما إذا كانت هذه الرحالت متت عن طريق الرب أو البحر‪،‬‬
‫ال ْن ُف ِس) (سورة النحل‪ ،‬اآلية‬ ‫ولكن من فوائد األنعام أنها ( َو َت ْح ِم ُل أَ ْث َقا َل ُك ْم إِ َل َب َل ٍد َل ْم َت ُكو ُنوا َبا ِل ِغي ِه إِ َّل ِب ِش ِّق ْ َ‬
‫(ج َع َل َل ُك ْم ِمنْ ُج ُلو ِد ْ َ‬
‫ال ْن َع ِام ُب ُيو ًتا‬ ‫‪ .)7‬كام أن الرحالت الرب َّية هي ما يتبادر إىل الذهن عندما يخربنا الله‪َ :‬‬
‫الكفار كانوا ينامون يف‬ ‫َت ْست َِخ ُّفو َنهَا َي ْو َم َظ ْع ِن ُك ْم َو َي ْو َم إِ َقا َم ِت ُك ْم) (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪)80‬؛ عىل الرغم من أن ُ‬
‫ال ْر ِض‬ ‫الكفار‪( :‬أَ َو َل ْم َي ِس ُريوا ف ْ َ‬‫أيضا‪ ،‬وكث ًريا ما يسأل القرآن ُ‬ ‫الخيام عندما وصلوا إىل وجهتهم عن طريق البحر‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫ين ِمنْ َق ْب ِل ِه ْم)‪ ،‬أو أنه يأمرهم بذلك (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪36‬؛ وسورة النمل‪ ،‬اآلية‬ ‫َف َين ُْظ ُروا َك ْي َف َك َ‬
‫ان عَا ِق َب ُة ا َّل ِذ َ‬
‫‪69‬؛ وسورة الروم‪ ،‬اآليتان ‪42 ،9‬؛ وسورة غافر‪ ،‬اآلية ‪82‬؛ وسورة محمد‪ ،‬اآلية ‪10‬؛ وراجع‪ :‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.)46‬‬

‫‪ 22‬كما هو الحال‪ ،‬في كثيرٍ من األحيان‪ ،‬مع المصطلحات التقنيَّة؛ يتم تقديم تفسيرات وترجمات مختلفةٍ‪ .‬والنقطة الرئيسة هنا هي طبيعتها التقنيَّة‪.‬‬
‫‪ 23‬واينز‪« ،‬الزراعة»‪.Waines, ‘Agriculture’, 41f ،‬‬
‫‪16‬‬

‫إن اإلشارات إىل اإلبحار والبحر عديد ٌة وحيو َّي ٌة (مام ُيوحي بأن ال َّن ِب ّي قد ذهب إىل البحر‪ ،‬كام ذكرنا من‬
‫أيضا‪ ،‬عىل منت السفن (سورة املؤمنون‪ ،‬اآلية ‪22‬؛ وسورة‬ ‫قبل)(‪ .)24‬ومل يركب الناس عىل املاشية فحسب؛ بل‪ً ،‬‬
‫غافر‪ ،‬اآلية ‪80‬؛ وسورة الزُخرف‪ ،‬اآلية ‪ ،)12‬وكانوا يهتدون بالنجوم يف ظلمة الرب والبحر (سورة األنعام‪ ،‬اآلية‬
‫أيضا‪ ،‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ .)22‬ول ُيذكرهم الله أنه أرسل الرياح‪ِ ( :‬لت َْج ِريَ ا ْل ُف ْل ُك ِب َأ ْم ِر ِه َو ِل َت ْبت َُغوا‬ ‫‪97‬؛ وراجع‪ً ،‬‬
‫ِمنْ َف ْض ِل ِه) (سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪ ،)46‬و( َو َت َرى ا ْل ُف ْل َك َم َو ِاخ َر ِفي ِه َو ِل َت ْبت َُغوا ِمنْ َف ْض ِل ِه) (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪14‬؛‬
‫وسورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪)12‬؛ و( َر ُّب ُك ُم ا َّل ِذي ُيز ِْجي َل ُك ُم ا ْل ُف ْل َك ِف ا ْل َب ْح ِر ِل َت ْبت َُغوا ِمنْ َف ْض ِل ِه) (سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪،)66‬‬
‫أيضا‪ ،‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪65‬؛ وسورة لقامن‪ ،‬اآلية ‪ .)31‬وعندما كان األشخاص‬ ‫وكام تقول اآليات األخرى (راجع‪ً ،‬‬
‫املخاطبون يتعرضون لعواصف يف البحر؛ كانوا يدعون الله وحده؛ لكنهم كانوا يرشكون به عندما يصلون إىل‬
‫الكفار‬ ‫اليابسة (سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،22‬وما يليها؛ وسورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪65‬؛ وسورة لقامن‪ ،‬اآلية ‪)32‬؛ و ُيقارن ُ‬
‫الظ ْم ُن‬‫اب ِب ِقي َع ٍة َي ْح َس ُب ُه َّ‬ ‫س ٍ‬ ‫بالبرش يف الرحالت الرب َّية والبحر َّية‪ ،‬عىل ح ٍد سواء‪ ،‬يف سور ٍة مدن َّي ٍة‪( :‬أَع َْم ُله ُْم َك َ َ‬
‫اب ‪ #‬أَ ْو َك ُظ ُل َم ٍت ِف‬ ‫يع ا ْل ِح َس ِ‬ ‫س ُ‬ ‫َما ًء َحتَّى إِ َذا َجا َءهُ َل ْم َي ِجدْهُ َش ْي ًئا َو َو َج َد ال َّل َه ِع ْندَهُ َف َو َّفا ُه ِح َسا َب ُه َوال َّل ُه َ ِ‬
‫اب ُظ ُل َم ٌت َب ْع ُضهَا َف ْو َق َب ْع ٍض إِ َذا أَ ْخ َر َج َيدَهُ َل ْم َي َك ْد‬ ‫َب ْح ٍر ُل ِّج ٍّي َي ْغ َشا ُه َم ْو ٌج ِمنْ َف ْو ِق ِه َم ْو ٌج ِمنْ َف ْو ِق ِه َس َح ٌ‬
‫َي َراهَ ا) (سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،39‬وما يليها)‪.‬‬

‫ورمبا كانت بعض هذه الرحالت تجار َّي ًة بطبيعتها‪ .‬ومن املؤكد أن عبارة (أَ ْن َت ْبت َُغوا َف ْض ًل ِمنْ َر ِّب ُك ْم)‬
‫تبدو تعب ًريا عن التجارة يف بعض املقاطع (راجع سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪198‬؛ وسورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪ ،10‬التي متت‬
‫مناقشتها أدناه)‪ ،‬ولكن عىل نقيض االنطباع الذي كث ًريا ما ينقله الرتاث الثانويّ ؛ فإن القرآن ال يربط أ ًيا من هذه‬
‫مرتبطا باملرعى‪ ،‬ويبدو أن الرحالت عن طريق البحر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الرحالت بالتجارة(‪ . )25‬رمبا يكون بعض التنقل يف األرض‬
‫(س َّخ َر َل ُك ُم ا ْل َب ْح َر ِلت َْج ِريَ ا ْل ُف ْل ُك ِفي ِه ِب َأ ْم ِر ِه َو ِل َت ْبت َُغوا ِمنْ َف ْض ِل ِه)‬
‫أحيا ًنا‪ ،‬تكون لصيد األسامك؛ ولذلك جاء يف آية‪َ :‬‬
‫(سورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪ ،)12‬ويف آية أخر يقول‪َ ( :‬وهُ َو ا َّل ِذي َس َّخ َر ا ْل َب ْح َر ِلت َْأ ُك ُلوا ِم ْن ُه َل ْح ًم َط ِر ًّيا َو َت ْست َْخ ِر ُجوا ِم ْن ُه‬
‫ِح ْل َي ًة َت ْل َب ُسو َنهَا) (سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ .)14‬وينبغي أن نتصور ا ُملرشكني‪ ،‬إذن‪ ،‬عىل أنهم أكل ًة للسمك‪ ،‬و ُيزينون‬
‫مكان آخر‪ُ ،‬يوصف املجتمع بأنه‬ ‫أنفسهم باألصداف البحر َّية‪ ،‬أو رمبا (كام يقرتح املفرسون) باللؤلؤ‪ .‬ويف ٍ‬
‫شا ُب ُه َوهَ َذا ِم ْل ٌح‬
‫ات َسا ِئ ٌغ َ َ‬ ‫كل من املياه العذبة واملالحة‪َ ( :‬و َما َي ْس َت ِوي ا ْل َب ْح َر ِان هَ َذا َع ْذ ٌب ُف َر ٌ‬ ‫يستخدم منتجات ٍ‬
‫ون ِح ْل َي ًة َت ْل َب ُسو َنهَا َو َت َرى ا ْل ُف ْل َك ِفي ِه َم َو ِاخ َر ِل َت ْبت َُغوا ِمنْ َف ْض ِل ِه)‬ ‫ُأ َج ٌاج َو ِمنْ ُك ٍّل َت ْأ ُك ُل َ‬
‫ون َل ْح ًم َط ِر ًّيا َو َت ْست َْخ ِر ُج َ‬
‫مذهلة أن املكيني كان يتعني أن يكونوا صيادين‪ ،‬ناهيك عن أن يأكلوا‬ ‫ٌ‬ ‫(سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪ .)12‬وإنها لفكر ٌة‬
‫أسامك املياه العذبة؛ عىل الرغم من أن قد ُيعتقد بذلك أنه قد تم حل إشكاليته‪ .‬فأي نه ٍر أو بحري ٍة ُيكن أن‬

‫‪ 24‬تشارلز كاتلر توري‪ ،‬المصطلحات التجاريَّة الالهوتيَّة في القرآن‪C. C. Torrey, The Commercial-Theological Terms in the 27 ،‬‬
‫‪)Koran (Leiden, 1892, 2n‬؛ ولمزي ٍد من التعمق؛ فاسيلي فالديميروفتش بارتولد‪« ،‬القرآن والبحر»‪W. W. Barthold, “Der Koran und ،‬‬
‫‪.das Meer”, Zeitschrift der Deutschen Morgenliindischen Gesellschaft, 1929‬‬
‫‪ 25‬ويزعم توري أن سورة قريش «قد تكون كلمات تاجرٍ ألصحابه‪ ،‬يدعوهم فيها إلى االعتراف بخير هللا في رخاء قوافلهم الشتويَّة والصيفيَّة»‬
‫أيضا‪ ،‬أن «القرآن «يتحدث عن قوافل تجاريَّ ٍة سنويَّ ٍة إلى اليمن وسُ وريَة» («الجزيرة العربيَّة بال بهارات»‪،‬‬
‫(المصطلحات‪ ،)Terms, 2 ،‬ويرى هيك‪ً ،‬‬
‫“‪ .)Arabia without spices”, 572‬ولكن هذا مجرد تفسير بسيط لآلية الثانية من سورة قريش‪ ،‬وهو تفسيرٌ واحد‪ ،‬فقط‪ ،‬من بين العديد من‬
‫التفسيرات (راجع‪ :‬كرون‪ ،‬تجارة مكة‪.).Crone, Meccan Trade, 205ff ،‬‬
‫‪17‬‬

‫مثل عن الصيادين يف القرآن‪َ ( :‬و ْاس َأ ْله ُْم ع َِن ا ْل َق ْر َي ِة ا َّل ِتي َكا َن ْت َح ِ َ‬
‫اض َة‬ ‫يكون املقصود به يف هذا املقطع؟ هناك ٌ‬
‫الس ْب ِت) (األعراف‪ ،)163 :‬ولكن قد يعترب املرء أن هذه القصة تدور حول اليهود‪ ،‬ورمبا‬ ‫ا ْل َب ْح ِر إِ ْذ َي ْع ُد َ‬
‫ون ِف َّ‬
‫أيضا؛ رغم أن هذه السورة ُم ٌ‬
‫صنفة عىل أنها مك َّية‪.‬‬ ‫موجهة إليهم‪ً ،‬‬

‫‪ .3‬التجارة‪:‬‬

‫ات ضد الغش يف األوزان‬ ‫تأيت اإلشارة الرصيحة الوحيدة إىل التجارة يف السور املك َّية يف شكل تحذير ٍ‬
‫سوا ا ْل ِميز ََان) (سورة‬ ‫واملكاييل‪ .‬وقد وضع الله امليزان (أَ َّل َت ْط َغ ْوا ِف ا ْل ِميز َِان ‪َ #‬وأَ ِق ُيموا ا ْل َو ْز َن ِبا ْل ِق ْسطِ َو َل ُت ْخ ِ ُ‬
‫مقطع؛ ُيشري إىل خلق الله للنخيل والحبوب والريحان‪ ،‬ويقول يف‬ ‫ٌ‬ ‫الرحمن‪ ،‬اآلية ‪ ،]8/[7‬وما بعدها)‪ ،‬ويتلوه‬
‫يم) (سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪)35‬؛ و( َوأَ ْو ُفوا ا ْل َك ْي َل‬ ‫آية أخرى‪َ ( :‬وأَ ْو ُفوا ا ْل َك ْي َل إِ َذا ِك ْلت ُْم َو ِز ُنوا ِبا ْل ِق ْس َط ِ‬
‫اس ا ْل ُم ْس َت ِق ِ‬
‫َوا ْل ِميز ََان ِبا ْل ِق ْسطِ ) (سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ .)152‬وقد ورد أن شعيب يقول اليشء نفسه تقري ًبا (سورة األعراف‪،‬‬
‫ون‬‫َّاس َي ْس َت ْو ُف َ‬‫ين إِ َذا ا ْكتَا ُلوا ع ََل الن ِ‬
‫اآلية ‪85‬؛ وسورة هود‪ ،‬اآلية ‪ 84‬وما يليها؛ وسورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪ ،)181‬و(ا َّل ِذ َ‬
‫ون) (سورة املطففني‪ ،‬اآليات ‪ .)9-1‬قد يأخذ املرء هذه التحذيرات لإلشارة‬ ‫س َ‬ ‫‪َ #‬وإِ َذا َكا ُلوهُ ْم أَ ْو َو َز ُنوهُ ْم ُي ْخ ِ ُ‬
‫إدانات مامثل ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ملسافات طويل ٍة‪ .‬وهناك‬ ‫ٍ‬ ‫بدل من التجارة مع الغرباء‪ ،‬ناهيك عن التجارة‬ ‫إىل التبادالت الداخل َّية ً‬
‫للغش باملكاييل واألوزان يف العهد القديم‪ ،‬حيثام يكون الوضع زراع ًيا‪.‬‬

‫اعي السائد يف السور املك َّية هو كل ما هو أكرث غراب ًة من حيث إن لغة ال َّن ِب ّي مليئ ًة‬ ‫إن الجو الزر ّ‬
‫باالستعارات التجار َّية منذ البداية‪ ،‬وعىل وجه الخصوص فيام يتعلق بالثواب والعقاب(‪ .)26‬و ُينظر إىل البرش عىل‬
‫ني ال يغفل عن يش ٍء (سورة يونس‪ ،‬اآلية‬ ‫كتاب مب ٍ‬
‫أن الله س ُيحاسبهم و ُيجازيهم حسب أعاملهم املرصودة يف ٍ‬
‫‪61‬؛ وسورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪49‬؛ وسورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪94‬؛ وسورة سبأ‪ ،‬اآلية ‪3‬؛ وسورة يس‪12 ،‬؛ وسورة الجاثية‪،‬‬
‫يظ)‪ ،‬يف اآلية ‪ 4‬من سورة ق)‪ .‬و ُينظر إىل كل‬ ‫َاب َح ِف ٌ‬
‫اآلية ‪ ،28‬وما بعدها؛ وسورة النبأ‪ ،‬اآلية ‪29‬؛ وراجع‪ِ ( :‬كت ٌ‬
‫كضامن للديون التي تراكمت عليها (سورة املدثر‪ ،‬اآلية‪ ،38‬وراجع‪ :‬سورة الطور‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫رهينة لله؛ أي‬ ‫نفس عىل أنها‬
‫ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬بأنها ُتقدم إىل الله يوم القيامة‪( :‬هُ نَا ِل َك َت ْب ُلو ُك ُّل َن ْف ٍس َما أَ ْس َل َف ْت َو ُردُّوا‬
‫اآلية ‪ ،)27()21‬و ُتوصف األعامل‪ً ،‬‬
‫إِ َل ال َّل ِه َم ْو َلهُ ُم ا ْل َح ِّق) (سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪30‬؛ وسورة الحاقة‪ ،‬اآلية ‪ .)24‬ويف يوم الحساب سيالقي كل فر ٍد‬
‫دفرت حساباته‪ ،‬أو ستالقي كل أم ٍة سجلها (سورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪ ،28‬وما يليها)‪ .‬وس ُيؤىت األبرار كتابهم يف أيديهم‬
‫والخطاة يف أيديهم اليرسى أو من الخلف (بطريق ٍة غري مزعجة يستخدمها الدائنون) (سورة الحاقة‪،‬‬ ‫اليمنى‪ُ ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬سورة الواقعة‪ ،‬اآلية ‪ ،8‬وما بعدها)(‪،)28‬‬ ‫اآليتان ‪25 ،19‬؛ وسورة االنشقاق‪ ،‬اآلية ‪ ،7‬وما يليها؛ وراجع‪ً ،‬‬
‫بصوت عالٍ (سورة الحاقة‪ ،‬اآلية ‪19‬؛ وسورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪ ،13‬وما بعدها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وس ُيطلب من الجميع قراءة سجالتهم‬
‫(ا ْق َر ْأ ِكتَا َب َك؛ وتعترب معرفة القراءة والكتابة أم ًرا مفرو ًغا منه‪ .‬ويف استعار ٍة بديل ٍة‪ :‬توزن النفوس؛ فينجح من‬
‫‪ 26‬فيما يتعلق بهذا؛ انظر‪ :‬توري‪ ،‬المصطلحات‪..Torrey, Terms, 8ff ،‬‬
‫‪ 27‬في اآلية ‪ 21‬من سورة الطور‪ ،‬يبدو أن كل إنسان رهينٌ ‪ ،‬بمعنى معهو ٌد أن هللا سوف يُجازيه مقابل أعماله الصالحة‪.‬‬
‫اب ا ْل َيمِينِ (‪.‬‬
‫نفس رهينة )إ َِّل أ َْصحَ َ‬
‫‪ 28‬ومن هنا جاء تعبير أصحاب اليمين في اآلية ‪ 39‬من سورة المدثر‪ ،‬حيث كل ٍ‬
‫‪18‬‬

‫ثقلت أعاملهم يف امليزان‪ ،‬ويخرس من خفت أعامله (سورة املؤمنون‪ ،‬اآلية ‪ ،102‬وما يليها؛ وسورة األعراف‪ ،‬اآلية‬
‫‪ ،8‬وما بعدها؛ وسورة القارعة‪ ،‬اآلية ‪ .)5‬وعىل خالف ا ُملرشكني‪ ،‬يستخدم الله املوازين العادلة (سورة األنبياء‪،‬‬
‫كامل‪ ،‬سوا ًء أكان ثوا ًبا أم عقا ًبا‪ُ ( :‬ت َو َّف ُك ُّل َن ْف ٍس َما َك َس َب ْت()(‪ .)29‬وبرصف النظر عن‬
‫اآلية ‪ ،)47‬و ُيعطي الكيل ً‬
‫مثن زهيد (سورة النحل‪،‬‬ ‫هذه االستعارات الشائعة االستخدام؛ ينصح أحد املقاطع بعدم بيع ميثاق الله مقابل ٍ‬
‫ومقطع آخر يتحدث‬ ‫ٌ‬ ‫اآلية ‪95‬؛ وقارن التعبري ا ُملستخدم للبيع الحر ّيف يف قصة يوسف‪ :‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪،)20‬‬
‫عن من يشرتي الحكايات الباطلة (سورة لقامن‪ ،‬اآلية ‪ ،)6‬ولكن االستعارات املتعلقة بالبيع والرشاء كثري ًة‪ ،‬وأكرث‬
‫شيو ًعا يف السور ا ُملصنفة عىل أنها مدن َّية(‪.)30‬‬

‫ومن حيث املبدأ‪ ،‬كان من املمكن أن ُتشكل هذه االستعارات‪ ،‬ببساط ٍة‪ ،‬جز ًءا من اللغة الدين َّية املوروثة؛‬
‫موثق قبل ظهور اإلسالم‪ ،‬ويف بعض الحاالت حتى يف الشعر العر ّيب(‪ .)31‬ولكن استخدامها يف السور‬ ‫ألن معظمها ُ‬
‫املك َّية متسقٌ وحيويٌّ للغاية؛ لدرجة أن للمرء أن يفرتض أنها تعكس الظروف الراهنة‪ ،‬أو‪ ،‬عىل األقل‪ٍ ،‬‬
‫ماض‬
‫قريب(‪ .)32‬ومع ذلك‪ ،‬فإن املعامالت التجار َّية‪ ،‬الواردة فيها‪ ،‬قد تكون داخل َّي ًة‪ ،‬إىل ح ٍد كبري‪ ،‬أو كل ًّيا‪.‬‬
‫تجاري ٍ‬
‫ٍّ‬

‫‪ .4‬مجتمع املُ رشكني‪ :‬خالصة‬

‫وبشكل عام‪ ،‬فإن اآليات القرآن َّية‪ ،‬ا ُملوجهة إىل ا ُملرشكني أو املعن َّية بهم‪ ،‬تأخذنا إىل اقتصا ٍد ُمختلطٍ ؛ تم‬
‫ٍ‬
‫الجمع فيه بني زراعة الحبوب والعنب والزيتون والنخيل مع تربية األغنام واملاعز واإلبل واألبقار والثريان‬
‫وغريها من الحيوانات‪ .‬وكذلك مع النشاط البحريّ ‪ ،‬عىل األقل جزئ ًيا يف صيد األسامك‪ .‬وكان املجتمع متاميزًا مبا‬
‫مهم بدرجة كافية‬ ‫نطاق ٍ‬‫أيضا‪ ،‬ولكن ليس عىل ٍ‬ ‫يكفي للتبادالت الداخل َّية‪ ،‬ورمبا كانت هناك تجار ًة خارج َّي ًة‪ً ،‬‬
‫حتى ُيحاول الداعية أو الواعظ جذب قلوب ا ُملرشكني عرب هذا املوضوع‪ .‬مل ُيوصف اللهُ‪ ،‬أبدًا‪ ،‬بأنه ُيعاقب‬
‫الناس بإفساد املشاريع التجار َّية‪ ،‬أو السامح بنهب القوافل أو دفنها يف العواصف الرمل َّية‪ ،‬وال توجد ٌ‬
‫أمثال عن‬
‫نظام ُمتطو ٍر لحفظ الحسابات املكتوبة؛ مام ُيشري إىل‬ ‫التجارة يف القرآن‪ .‬ومع كل ذلك‪ ،‬تشهد االستعارات عىل ٍ‬
‫مجتمع يتمتع ببعض التطور يف جميع بيئته الريف َّية‪ .‬و َيفرتض وجود مستوى عالٍ من معرفة القراءة والكتابة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪ .5‬مجتمع املؤمنني‪:‬‬

‫ُيكننا‪ ،‬اآلن‪ ،‬أن ننتقل إىل النصوص التي ُتنظم سلوك املؤمنني بطريق ٍة ُتظهر أنهم قد توصلوا إىل تكوين‬
‫مجتمع؛ إن مل يكن‪ ،‬بالرضورة‪ُ ،‬مجتم ًعا ُم ً‬
‫ستقل سياس ًّيا‪ .‬وقد سبق أن واجهنا بعض هذه املقاطع‪ :‬فهي ُتشري‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫استعارات أخرى تتعلق بالوزن في الصفحة‪.15‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ 29‬توري‪ ،‬المصطلحات‪ ،.Torrey, Terms, 22f., 32f ،‬مع‬
‫‪ 30‬عندما يُطلق على يوم القيامة (يَوْ ٌم َل َب ْي ٌع فِيهِ) (سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪ ،31‬ومر ًة أخرى في السورة المدنيَّة‪ :‬البقرة‪ ،‬اآلية ‪)254‬؛ فإن المعنى يبدو أنه‬
‫لن يكون هناك فدا ٌء أكثر من أنه لن يكون هناك بي ٌع وال شراء (توري‪ ،‬المصطلحات‪.)Torrey, Terms, 42 ،‬‬
‫‪ 31‬توري‪ ،‬المصطلحات‪.Torrey, Terms, 9f ،‬‬
‫‪ 32‬توري‪ ،‬المصطلحات‪.Torrey, Terms, 13f ،‬‬
‫‪19‬‬

‫ضمنًا‪ ،‬إىل أن املؤمنني كانوا مزارعني مثل ا ُملرشكني‪ ،‬ولكن هذا ليس ما يفعله كلهم؛ إذ يصف عددًا ال بأس به‬
‫من أولئك املؤمنني‪ ،‬وكلهم‪ ،‬تقري ًبا‪ ،‬من سكان املدينة املنورة‪ ،‬بأنهم ُتجار‪.‬‬

‫اض ِمن ُْك ْم) (سورة النساء‪،‬‬ ‫ون ِت َجا َر ًة َعنْ َت َر ٍ‬ ‫اط ِل إِ َّل أَ ْن َت ُك َ‬ ‫ين آ َمنُوا َل َت ْأ ُك ُلوا أَ ْم َوا َل ُك ْم َب ْين َُك ْم ِبا ْل َب ِ‬ ‫( َيا أَ ُّيهَا ا َّل ِذ َ‬
‫طيب‪ .‬وألجل ذلك؛ ينبغي أن يتذكر املؤمنون أنه ال يشء أهم من الله‬ ‫اآلية ‪ ،)29‬و ُيعلن أن التجارة يش ٌء ٌ‬
‫ان آ َبا ُؤ ُك ْم َوأَ ْبنَا ُؤ ُك ْم َوإِ ْخ َوا ُن ُك ْم َوأَ ْز َو ُاج ُك ْم َوع َِش َري ُت ُك ْم َوأَ ْم َو ٌال ا ْق َ َت ْفت ُُموهَ ا َو ِت َجا َر ٌة َت ْخ َش ْو َن‬ ‫ورسوله‪ُ ( :‬ق ْل إِ ْن َك َ‬
‫َك َسادَهَ ا َو َم َسا ِك ُن َت ْر َض ْو َنهَا أَ َح َّب إِ َل ْي ُك ْم ِم َن ال َّل ِه َو َر ُسو ِل ِه َو ِجهَا ٍد ِف َس ِبي ِل ِه َف َ َت َّب ُصوا َحتَّى َي ْأ ِ َت ال َّل ُه ِب َأ ْم ِر ِه)‬
‫(سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،)24‬ويصف املؤمنني املثاليني بأنهم‪ِ ( :‬ر َج ٌال َل ُت ْل ِهي ِه ْم ِت َجا َر ٌة َو َل َب ْي ٌع َعنْ ِذ ْك ِر ال َّل ِه َوإِ َق ِام‬
‫ين‬‫الص َل ِة َوإِيتَا ِء ال َّز َكا ِة) (سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ .)37‬ولكن هذا أكرث مام ُيكن أن ُيقال عن أكرثهم‪َ ( :‬يا أَ ُّيهَا ا َّل ِذ َ‬ ‫َّ‬
‫ون ‪#‬‬ ‫لص َل ِة ِمنْ َي ْو ِم ا ْل ُج ُم َع ِة َف ْاس َع ْوا إِ َل ِذ ْك ِر ال َّل ِه َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذ ِل ُك ْم َخ ْ ٌي َل ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُْم َت ْع َل ُم َ‬ ‫آ َمنُوا إِ َذا ُنو ِديَ ِل َّ‬
‫ون ‪َ #‬وإِ َذا َرأَ ْوا‬ ‫ال ْر ِض َوا ْبت َُغوا ِمنْ َف ْض ِل ال َّل ِه َوا ْذ ُك ُروا ال َّل َه َك ِث ًريا َل َع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُح َ‬ ‫َشوا ف ْ َ‬
‫الص َل ُة َفا ْنت ِ ُ ِ‬ ‫َفإِ َذا ُق ِض َي ِت َّ‬
‫وك َقائِ ًا ُق ْل َما ِع ْن َد ال َّل ِه َخ ْ ٌي ِم َن ال َّل ْه ِو َو ِم َن الت َِّجا َر ِة َوال َّل ُه َخ ْ ُي ال َّرا ِز ِقنيَ) (سورة‬ ‫ِت َجا َر ًة أَ ْو َل ْه ًوا ا ْن َف ُّضوا إِ َل ْيهَا َو َت َر ُك َ‬
‫مكان آخر‪ ،‬نسمع عن مؤمنني يسريون يف األرض؛ يبتغون من فضل الله (سورة‬ ‫الجمعة‪ ،‬اآليات ‪ .)11-9‬ويف ٍ‬
‫الجمعة‪ ،‬اآلية ‪ ،)10‬وعىل األرجح أنهم تجا ٌر(‪ . )33‬وقال يف شأن مواسم الحج‪َ ( :‬ل ْي َس َع َل ْي ُك ْم ُجن ٌَاح أَ ْن َت ْبت َُغوا َف ْض ًل‬
‫أيضا‪ ،‬قراءة املقطع عىل أنه ُيشري إىل التجارة (وهكذا قرأه‬ ‫ِمنْ َر ِّب ُك ْم) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)198‬وهنا ُيكن‪ً ،‬‬
‫أيضا)‪ ،‬إذ ال ُيكن أن يكون هناك العديد من الطرق األخرى لتحقيق الكسب أثناء الحج‪ .‬وكان يتم‬ ‫املفرسون‪ً ،‬‬
‫كامل مود ًعا لديه‪،‬‬ ‫إيداع الذهب‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬لدى أهل الكتاب‪ :‬حيث كان بعضهم ُيعيد‪ ،‬بأمان ٍة‪ ،‬قنطا ًرا ً‬
‫امات‬
‫بينام يرفض آخرون إعادة دينا ٍر واح ٍد ما مل ُيرص صاحبه عىل استعادته؛ مدع ًيا اآلخر أنه ليس لديه أية التز ٍ‬
‫أخالق َّي ٍة تجاه غري اليهود (سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.)75‬‬

‫شك يف أن املؤمنني كانوا يعملون يف التجارة‪ ،‬بل كانوا منشغلني بها‪ .‬ومتشيا مع‬ ‫وبالتايل‪ ،‬فال ُيساورنا أدىن ٍ‬
‫وح ّرم الربا (سورة‬
‫هذا؛ فهناك قد ٌر ال بأس به من تنظيم املعامالت التجار َّية‪ .‬وقد أحل الله البيع والرشاء‪َ ،‬‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،275‬وما بعدها)‪ ،‬ومع أن املؤمنني لهم حقٌ يف رؤوس أموالهم؛ إال أنهم يجب أن يرفقوا بأهل‬
‫املدينة املنورة‪ ،‬ويتوقوا يو ًما‪ ،‬حيث ( ُت َو َّف ُك ُّل َن ْف ٍس َما َك َس َب ْت) (سورة البقرة‪ ،‬اآليات ‪ .)281-279‬واستحب‬
‫كاتب يدون العقد كام ميليه املدين أو من ينوب عنه‪ ،‬ويشهد عليه‬ ‫للناس إذا اقرتضوا املال أن يكون لهم ٌ‬
‫رجل وامرأتان؛ ومن األفضل أن تكون كل املعامالت التجار َّية مكتوبة؛ إال إذا متت عىل الفور‪ ،‬وينبغي‬ ‫رجالن‪ ،‬أو ٌ‬
‫أن تكون مشهود ًة‪ ،‬سواء أكانت مكتوب ًة أم غري مكتوب ٍة (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)282‬ولكن إذا كان املؤمنون عىل‬
‫(بدل من السجل)‪ .‬ويجب إرجاع الوديعة إىل أصحابها (سورة‬ ‫سف ٍر ومل يجدوا كات ًبا؛ فالرهن سيفي بالغرض ً‬

‫‪ 33‬سورة المُزمل‪ ،‬اآلية ‪ .20‬وهذه السورة مكيَّة‪ ،‬ولكن كما تَظهر اإلشارة إلى الحرب المقدسة؛ فإن النهاية موجه ٌة إلى أعضاء المجتمع الناشط سياسيًّا‪.‬‬
‫كما تختلف نهاية السورة عن الجزء السابق من السورة؛ بعدم وجود أي قافيةٍ‪ .‬فجميع أقسام اآليات في القرآن تترك المقطع بأكمله كآي ٍة واحد ٍة طويل ٍة‬
‫الفت للنظر (راجع‪ :‬أنطوان سبيتالير‪ ،‬عدد آيات القرآن‪A. Spitaler, Die Verszählung des Koran, Munich, 1935, 66 ،‬؛ وأنا مدينة‬ ‫ٍ‬ ‫بشكلٍ‬
‫بهذه اإلشارة إلى ميخائيل كوك ‪.)Michael Cook‬‬
‫‪20‬‬

‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ .)283‬وعىل عكس تنظيم طقوس الحصاد واألوامر املتعلقة باألوزان واملقاييس العادلة؛ تم وضع‬
‫هذه القواعد‪ ،‬دون جدال‪ ،‬ضد الطرائق الوثن َّية لفعل هذه األشياء‪.‬‬

‫بدل‬ ‫أيضا‪ ،‬الكثري من الصور التجار َّية يف السور املدن َّية‪ ،‬التي تتعلق‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬بالبيع والرشاء ً‬ ‫وهناك‪ً ،‬‬
‫من املحاسبة(‪ .)34‬و ُيستخدم الكثري منها ضد اليهود وا ُملرشكني‪ ،‬الذين ُيقال إنهم يبيعون آيات الله أو يتعاقدون‬
‫قليل‪ ،‬أو يتم تحذيرهم من القيام بذلك (سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪41‬؛ وسورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪187‬؛‬ ‫بثمن ٍ‬ ‫مقابلها ٍ‬
‫وسورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪44‬؛ وسورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪9‬؛ وراجع‪ :‬السورة املك َّية‪ :‬النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،)95‬أو املدح عىل عدم‬
‫بثمن زهي ٍد (سورة‬ ‫القيام بذلك (سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)199‬أو الذين يكتمون الوحي أو يختلقونه ليبيعوه ٍ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)174 ،79‬أو الذين يبيعون إميانهم أو أنفسهم بهذا الثمن البخس (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪102 ،90‬؛‬
‫وسورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،)77‬أو رشاء الدنيا باآلخرة (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)86‬وهم وآخرون يشرتون الضاللة‬
‫أو الباطل بالهدى‪ ،‬أو الكفر باإلميان (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪16‬؛ وسورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،177‬وسورة النساء‪ ،‬اآلية‬
‫أناس يبيعون أنفسهم ابتغاء مرضاة‬ ‫أيضا‪ ،‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪ .)106‬وعىل النقيض من ذلك‪ ،‬فهناك ٌ‬ ‫‪44‬؛ وراجع‪ً ،‬‬
‫يل‬ ‫الله (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪)207‬؛ ال سيام أولئك الذين يبذلون أنفسهم وأموالهم يف سبيل الله‪َ ( :‬ف ْل ُي َقا ِت ْل ِف َس ِب ِ‬
‫ني أَ ْن ُف َسه ُْم‬ ‫ون ا ْل َح َيا َة الدُّ ْن َيا ِب ْال ِخ َر ِة) (سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪)74‬؛ و(إِ َّن ال َّل َه ْاش َ َتى ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ش َ‬ ‫ين َي ْ ُ‬ ‫ال َّل ِه ا َّل ِذ َ‬
‫آن‬‫يل َوا ْل ُق ْر ِ‬‫ال ْن ِج ِ‬‫ون َو ْعدًا َع َل ْي ِه َح ًّقا ِف ال َّت ْو َرا ِة َو ْ ِ‬ ‫يل ال َّل ِه َف َي ْق ُت ُل َ‬
‫ون َو ُي ْق َت ُل َ‬ ‫ون ِف َس ِب ِ‬ ‫َوأَ ْم َوا َله ُْم ِب َأ َّن َله ُُم ا ْل َج َّن َة ُي َقا ِت ُل َ‬
‫شوا ِب َب ْي ِع ُك ُم ا َّل ِذي َبا َي ْعت ُْم ِب ِه) (سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،)111‬أو (هَ ْل أَ ُد ُّل ُك ْم ع ََل‬ ‫َو َمنْ أَ ْو َف ِب َع ْه ِد ِه ِم َن ال َّل ِه َف ْاس َت ْب ِ ُ‬
‫يل ال َّل ِه ِب َأ ْم َوا ِل ُك ْم َوأَ ْن ُف ِس ُك ْم َذ ِل ُك ْم‬
‫ون ِف َس ِب ِ‬ ‫اه ُد َ‬ ‫ُون ِبال َّل ِه َو َر ُسو ِل ِه َو ُت َج ِ‬ ‫يم ‪ُ #‬ت ْؤ ِمن َ‬ ‫ِت َجا َر ٍة ُتن ِْج ُيك ْم ِمنْ َع َذ ٍ َ‬
‫اب أ ِل ٍ‬
‫ون) (سورة الصف‪ ،‬اآلية ‪ ،10‬وما بعدها)‪ :‬إن تكريس ثروة املرء و‪/‬أو حياته له؛ أصبح‪،‬‬ ‫َخ ْ ٌي َل ُك ْم إِ ْن ُك ْنت ُْم َت ْع َل ُم َ‬
‫َف َله ُْم‬ ‫ات َوأَ ْق َر ُضوا ال َّل َه َق ْر ًضا َح َسنًا ُي َضاع ُ‬ ‫ني َوا ْل ُم َّص ِّد َق ِ‬‫قرض؛ س ُيعيده الله ُمضاع ًفا‪( :‬إِ َّن ا ْل ُم َّص ِّد ِق َ‬ ‫اآلن‪ ،‬مبثابة ٍ‬
‫يل ال َّل ِه َوا ْع َل ُموا أَ َّن ال َّل َه‬
‫يم) (سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪18‬؛ وسورة ا ُملزمل‪ ،‬اآلية ‪ ،))35(20‬و( َو َقا ِت ُلوا ِف َس ِب ِ‬ ‫َو َله ُْم أَ ْج ٌر َك ِر ٌ‬
‫يم ‪َ #‬منْ َذا ا َّل ِذي ُي ْق ِر ُض ال َّل َه َق ْر ًضا َح َسنًا َف ُي َضا ِع َف ُه َل ُه أَ ْض َعا ًفا َك ِث َري ًة) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،244‬وما‬ ‫يع َع ِل ٌ‬ ‫َس ِم ٌ‬
‫بعدها)‪ ،‬و( َمنْ َذا ا َّل ِذي ُي ْق ِر ُض ال َّل َه َق ْر ًضا َح َسنًا َف ُي َضا ِع َف ُه َل ُه) (سورة الحديد‪ ،‬اآلية‪11‬؛ وسورة التغابن‪ ،‬اآلية‬
‫ون) (سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪ .)60‬ويوصف‬ ‫يل ال َّل ِه ُي َو َّف إِ َل ْي ُك ْم َوأَ ْنت ُْم َل ُت ْظ َل ُم َ‬ ‫ش ٍء ِف َس ِب ِ‬ ‫‪ ،)17‬و( َو َما ُت ْن ِف ُقوا ِمنْ َ ْ‬
‫الض َل َل َة ِبا ْل ُهدَى َف َم‬ ‫ين ْاش َ َت ُوا َّ‬ ‫املؤمنون الجالسني عىل الحياد بأنهم يتاجرون بالسوء مع الله‪(ُ :‬أو َل ِئ َك ا َّل ِذ َ‬
‫الص َل َة‬‫َاب ال َّل ِه َوأَ َقا ُموا َّ‬ ‫ون ِكت َ‬ ‫ين َي ْت ُل َ‬
‫َر ِب َح ْت ِت َجا َر ُته ُْم) (سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ .)16‬وعىل النقيض من ذلك‪( :‬إِ َّن ا َّل ِذ َ‬
‫ون ِت َجا َر ًة َلنْ َت ُبو َر) (سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.)36()29‬‬ ‫سا َوع ََل ِن َي ًة َي ْر ُج َ‬ ‫َوأَ ْن َف ُقوا ِم َّم َر َز ْقنَاهُ ْم ِ ًّ‬

‫‪ 34‬تم مالحظة هذا التحول مِن قِبل توري‪ ،‬المصطلحات‪.Torrey, Terms, 35 ،‬‬
‫‪ 35‬لالطالع على زمن اآلية ‪ 20‬من سورة المُزمل؛ انظر‪ ،‬أعاله‪ ،‬الهامش‪33‬‬
‫‪ 36‬سورة المُزمل مُصنف ٌة على أنها مكيَّة‪ ،‬ولكن هذه اآلية‪ ،‬على وجه التحديد‪ ،‬تعكس وضع مجتمعٍ من المؤمنين (دون افتراض المسبق لالستقالل‬
‫السياسيّ )‪.‬‬
‫‪21‬‬

‫‪ .7‬الخامتة‪:‬‬

‫كل من ا ُملرشكني واملؤمنني‪ ،‬ولكن النتيجة محرية‪ ،‬فيصف‬ ‫غني جدًا باملعلومات حول ُسبل عيش ٍ‬ ‫إن القرآن ٌ‬
‫بشكل كب ٍري‪ ،‬عىل الزراعة‪ ،‬بينام ُيصور املؤمنني‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مجتمع يعتمد‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫القرآن الجامعتني بأنهام يعيشان م ًعا يف‬
‫خاصا بهم‪ ،‬حيث تكون التجارة مهن ًة بارز ًة‪ .‬وبعبار ٍة أكرث فظاظة‪ ،‬فهو يصف‬ ‫عىل أنهم ُيشكلون مجتم ًعا ً‬
‫ا ُملرشكني باملزارعني واملؤمنني بالتجار‪ :‬والوضع هو عىل النقيض ما يتوقعه املرء‪ .‬وال ينبغي أن يكون من‬
‫الصعب التوفيق بني صورة مجتمع املؤمنني‪ ،‬الواردة يف القرآن‪ ،‬وصورة املدينة النبو َّية ا ُملقدَّمة يف مصادر أخرى‪،‬‬
‫ولكن وصف القرآن للمجتمع الذي يتقاسمه ا ُملرشكون واملؤمنون؛ ال ُيكن أن ُيوحي أنه مبكة‪ ،‬كام نعرفه من‬
‫الروايات‪ .‬فإىل أين نذهب من ذلك؟ ال أريد أن ُأثقل هذه الورقة بالتخمني؛ لذلك أترك‪ ،‬ببساطة‪ ،‬هذا السؤال‬
‫للقارئ‪.‬‬

‫شكر وتقدير‪:‬‬
‫ٌ‬

‫أنا ممتنة مليخائيل كوك عىل تعليقاته عىل هذا املقال‪.‬‬


22

:‫قامئة املصادر واملراجع‬

ً
‫ املصادر واملراجع باللغة العرب َّية‬:‫أول‬
.)‫م‬1858 ،‫ فردينائد فيستنفيلد (اليبزيغ‬:‫ تحقيق‬،‫ معجم ما استعجم‬، ّ‫ البكري‬.1
.)‫م‬1964 ،‫ املنمق (حيدر أباد‬،‫ ابن حبيب‬.2
1953 )‫ وأوبساال وفيسبادن (جامعة أوبساال أرسكريفت‬،‫ لوين‬.‫ ب‬:‫ تحقيق‬،‫ كتاب النبات‬،‫ أبو حنيفة‬، ّ‫ الدينوري‬.3
.)‫م‬1973 ،‫ محمد حميد الله (القاهرة‬:‫ تحقيق‬،‫ كتاب النبات‬،___ .4
.)‫هـ‬1413 ،‫ التفسري الكبري (طهران‬،‫ فخر الدين‬، ّ‫ الرازي‬.5
.)‫م‬1947 ،‫ الكشاف (بريوت‬، ّ‫ الزمخرشي‬.6
.)‫م‬1988 ،‫ جامع البيان (بريوت‬، ّ‫ الطربي‬.7
.)‫م‬1969 ،‫ ثروت عُ كاشة (القاهرة‬:‫ تحقيق‬،‫ املعارف‬،‫ ابن قتيبة‬.8
.)‫م‬1970 ،‫ محمد اسامعيل عبدالله الصاويّ (بريوت‬:‫ تحقيق‬،‫ املعارف‬،___ .9
.)‫م‬1850 ،‫ ويستنفيلد (ليدن‬:‫ تحقيق‬،‫ املعارف‬،___ .10
.)‫م‬1979 ،‫ عبد الله محمود شحاتة (القاهرة‬:‫ تحقيق‬،‫ التفسري‬،‫ ُمقاتل بن ُسليامن‬.11

‫ املصادر واملراجع باللغات األجنب َّية‬:‫ثان ًيا‬


12. Barthold, W. W. “Der Koran und das Meer”, Zeitschrift der Deutschen Morgenliindischen
Gesellschaft, 1929
13. Benthall, J. ‘Firstfruits in the Quran’, in A. I. Baumgarten (ed.), Sacrifice in Religious Experience
(Leiden 2002) (following Décobert).
14. Crone, P. Meccan Trade and the Rise of Islam (Oxford and Princeton, 1987).
15. Ghazanfar and M. Fisher (eds), Vegetation of the Arabian Peninsula (Dordrecht, 1990).
16. Hawting, R., The Idea of Idolatry and the Emergence of Islam (Cambridge, 1999).
17. Heck, G. W. ‘ “Arabia without spices”: an alternate hypothesis’, Journal of the American Oriental
Society 123, 2003
18. Kister, M. J. ‘Some reports concerning Mecca from Jāhiliyya to Islam’, Journal of the Economic
and Social History of the Orient 15
19. Kister, M. J. ‘Some reports concerning Ta’if, Jerusalem Studies in Arabic and Islam, i, 1979
20. Kister, M. J. ‘The Battle of the Ḥarra: some socioeconomic aspects’, in M. Rosen-Ayalon (ed.),
Studies in Memory of Gaston Wiet (Jerusalem, 1977).
21. McAuliffe, J. D. (ed.) Encyclopaedia of the Qur’an, (Leiden, 2001), s.v. ‘arrogance’ (Nasr Abu
Zayd).
23

22. Miles, G. C. ‘Early Islamic inscriptions near Ta’if in the Hijaz’, Journal of Near Eastern Studies 7,
1948).
23. Miller, A. G. and T. Cope, Flora of the Arabian Peninsula and Socotra, vol. i (Edinburgh, 1996).
24. Schaffer, B. and P. C. Andersen (eds), Handbook of Environmental Physiology of Fruit Crops
(Boca Raton, Fl., 1994).
25. Spitaler, A. Die Verszählung des Koran, Munich, 1935
26. Torrey, C. C. The Commercial-Theological Terms in the Koran (Leiden, 1892, 2n).
27. Waines, D. ‘Agriculture’, in Encyclopaedia of the Qur’an, 40
28. Watson, A. M. Agricultural Innovation in the Early Islamic World (Cambridge, 1983).
29. Watt, W. M., ‘Belief in a High God’ in Pre-Islamic Mecca’, Journal of Semitic Studies 16, 1971

‫ مواقع الشبكة العنكبوت َّية‬:‫ثال ًثا‬

30. www. Groworganic.com/d/d3_205.html.


31. www.fao.org/ag/agVaglw/cropwater/olive.stm.
32. www.scf.use.edu/~muzain/itp104/project/introduction.htm.supplementary result.
info@mominoun.com

You might also like