You are on page 1of 15

‫وجهة نظرة شرعية‬

‫يف انتخاابت رئيس اجلمهورية اإلندونيسية ‪2024‬‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬

‫فهذا خمتصر من رساليت يف وجهة نظري عن أمر االنتخاابت ‪ 2024‬اليت على األبواب ‪ ،‬اختصرهتا مع زايدة‬
‫بعض الفوائد ليسهل الوصول اىل صلب املوضوع ‪ ،‬فأقول ‪:‬‬

‫اعلموا ابرك هللا فيكم إن أمر االنتخاابت مما يعم به البلوى يف جل البالد االسالمية ‪ ،‬فهي الطريق الوحيد‬
‫املعترب قانونيا لتنصيب اإلمامة يف مثل بلدان إندونيسيا ‪ ،‬ومسألة اإلمامة من أعظم مسائل الدين وضرورة من‬
‫ضرورايته حىت أخر الصحابة الكرام دفن جسد النيب الكرمي حىت متت البيعة خلليفة النيب صلى هللا عليه وسلم‬

‫ورتبت مسائل هذه القضية على املباحث االتية ‪:‬‬

‫املقدمة‬

‫األول ‪ :‬معىن اإلمامة‬


‫الثاين ‪ :‬حكم وأمهية نصب اإلمامة يف االسالم‬

‫الثالث ‪ :‬طرق انعقاد اإلمامة‬


‫الرابع ‪ :‬االنتخاابت وما موقفنا منها ؟‬

‫اخلامس ‪ :‬فتاوى العلماء حول االنتخاابت‬

‫السادس ‪ :‬انتخاابت رئيس اجلمهورية على االبواب‬

‫اخلامتة‬

‫هذا ‪ ،‬وهللا املوفق‬

‫‪1‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬معىن اإلمامة‬

‫االمامة تطلق على ثالثة معان وهي ‪:‬‬


‫‪ -1‬اإلمامة الكربى ‪ :‬وهي والية األمر العام للمسلمني من اخلالفة ‪ ،‬أو امللك ‪ ،‬أو رائسة الدولة‬
‫‪ -2‬اإلمامة الصغرى ‪ :‬وهي إمامة الصالة ‪ ،‬ومن ذلك قول النيب ﷺ ‪ ( :‬إمنا جعـل اإلمـام ليؤمت به ‪ ،‬فال‬
‫‪1‬‬
‫ختتلفوا عليه ‪ ،‬فإذا كرب فكربوا )‬
‫‪2‬‬
‫اه ْم أَئِ َّمةً يـَ ْه ُدو َن ِِب َْم ِرَان )‬
‫(و َج َع ْلنَ ُ‬
‫‪ -3‬العامل املقتدى به ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل ‪َ :‬‬
‫واملقصود هنا من هذه املعاين الثالث ‪ ،‬هو املعىن األول‬
‫وقال املاوردي ‪ « :‬اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين‪ ،‬وسياسة الدنيا »‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬حكم وأمهية نصب اإلمامة يف االسالم‬

‫إن اإلمامة من أعظم واجبات الدين‪ ,‬والب ّد للمسلمني من إمام يقيم شعائر الدين ويقيم العدل ويسوس أحوال‬
‫الناس‪ ،‬وينتصف للمظلومني‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪ ":‬جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من‬
‫أعظم واجبات الدين‪ ،‬بل ال قيام للدين إال هبا‪ ،‬فإن بين آدم ال تتم مصلحتهم إالّ ابالجتماع حلاجة بعضهم‬
‫إىل بعض" واالدلة على ذلك ‪:‬‬

‫االول ‪:‬‬

‫ُوِل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم﴾ [النساء‪.]59 :‬‬


‫ول َوأ ِ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ُس َ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫﴿ايأَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا أَطيعُوا ََّ َ‬ ‫قول هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫واملراد ِبوِل األمر على القول الراجح هم الوالة واألمراء والعلمـاء‬
‫ووجه االستدالل من اآلية ظاهر جدا حيث إن هللا تعاىل أوجب على املسلمـني طاعة أوِل األمر منهم‪ ،‬واألمر‬
‫ابلطاعة دليل على وجوب نصبهم؛ أل ّن هللا تعـاىل ال أيمر بطاعة من ال وجود له‪ ،‬فاألمر بطاعته يقتضي األمر‬
‫إبجيــاده‪ ،‬فدل على أن إجياد إمام للمسلمني واجب عليهم‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البخاري ‪722 :‬‬


‫‪ 2‬سورة االنبياء ‪73 :‬‬

‫‪2‬‬
‫الثاين ‪:‬‬

‫قول النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ‪":‬إذا خـرج ثالثةٌ يف سف ٍر ّ‬
‫فليؤمروا أح َدهم" ‪.3‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪" :‬فإذا كان قد أوجب يف أقل اجلماعات وأقصر االجتماعات أن يُوىل‬
‫أحدهم‪،‬كان هذا تنبيهاً على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك‬ ‫ُ‬
‫الثالث ‪:‬‬

‫اهلِيَّةٌ» ‪ ،4‬وقولَه‪َ « :‬م ْن‬


‫اع ٍة فَِإ َّن موتَـتهُ موتَةٌ ج ِ‬
‫َْ َ َْ َ‬ ‫ام ََجَ َ‬ ‫ِ‬
‫س َعلَْيه إِ َم ُ‬ ‫قولَه صلَّى هللا عليه وسلَّم‪َ « :‬وَم ْن َم َ‬
‫ات َول َْي َ‬
‫ات ِميتةً ج ِ‬
‫اهلِيَّةً» ‪،5‬‬ ‫ِِ‬ ‫َخلَ َع يَ ًدا ِم ْن طَ َ‬
‫اع ٍة ل َِق َي هللاَ يَـ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة َال ُح َّجةَ لَهُ‪َ ،‬وَم ْن َم َ‬
‫س ِيف عُنُقه بَـ ْيـ َعةٌ َم َ َ َ‬ ‫ات َول َْي َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شىت‬ ‫إمام جيمعهم على دي ٍن ويتألَُّفهم على رأ ٍي واحد‪ ،‬بل كانوا طو َ‬
‫ائف َّ‬ ‫أن أهل اجلاهلية مل يكن هلم ٌ‬ ‫وذلك َّ‬
‫ِ‬
‫وطاعة األزالم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األصنام‬ ‫وفِرقًا خمُْتلِفني‪ ،‬آر ُاؤهم متناقِضةٌ وأداي ُُنم متبايِنةٌ؛ وذلك الذي دعا كثريا منهم إىل عبادةِ‬
‫ََ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫فمفهوم املخالفة منه ان اهل االسالم عندهم امام يبايعونه‬

‫الرابع ‪:‬‬

‫ألن هللا أوجب األمر ابملعروف والنهي عن املنـكر‪ ،‬وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة‪ ,‬وكذلك سائر ما أوجبه هللا من‬
‫تتم إال ابلقوة واإلمارة‪ ،‬فما ال يتم‬
‫اجلهاد والعدل وإقامة احلج واجلمع واألعياد ونصر املظلوم وإقامة احلدود ال ّ‬
‫الواجب اال به فهو واجب‬

‫اخلامس ‪:‬‬

‫وقد أمجعت األمة على أمهية اإلمامة ووجوهبا‪ ،‬ويف مقدمتهم الصحابة فقد أمجعوا على تعيني خليفة‬
‫للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم بعد وفاته قبل دفنه وجتهيزه‪ ،‬إىل أن وقع اختيارهم على الصديق أمجعني‬

‫‪ 3‬أخرجه أبو داود يف كتاب اجلهاد‪ ،‬ابب يف القوم يسافرون يؤمرون أحدهم برقم(‪ )2609‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫وصححه األلباينُّ يف «السلسلة الصحيحة» (‪ )٦٧٧ /٢‬رقم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حديث عبد هللا ب ِن عمر رضي هللا عنهما‪َّ .‬‬ ‫«م ْستَ ْدَركه» (‪ِ )٤٠٣ ،٢٥٩‬م ْن‬
‫احلاكم يف ُ‬
‫ُ‬ ‫‪ 4‬أخرجه‬
‫(‪)٩٨٤‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلم يف «اإلمارة» (‪ )١٨٥١‬م ْن حديث عبد هللا ب ِن عمر رضي هللا عنهما‬ ‫‪5‬‬
‫أخرجه ٌ‬
‫‪3‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬طرق انعقاد اإلمامة‬
‫يتم إبحدى الطُُّرق التالية ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اإلمامة الكربى ُّ‬ ‫انعقاد‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األول‪ :‬االختيار والبيعة م ْن أهل ِّ‬
‫احلل والعقد‪:‬‬ ‫الطريق َّ‬
‫خموٌل هلم اختيار ِ‬
‫إمام‬ ‫ُ‬ ‫الرأي واملشورة والتوجيه ‪ ،‬وهم َّ‬ ‫َّص ُفون ابلعلم و َّ‬ ‫َ‬ ‫أهل احلَ ِّل والعقد هم قادةِ َّ‬
‫األم ِة الذين يـت ِ‬
‫ت ُمبايَعةُ أيب بك ٍر الص ِّديق‬ ‫ِ‬
‫ومعاي ِري اإلمامة الكربى ‪ ،‬وهبذا الطر ِيق متَّ ْ‬
‫ِ‬
‫املسلمني ـ نيابةً عن األ َُّمة ـ َوفْ َق شروط َ‬
‫ت‬‫ساع َدةَ‪ ،‬قال القرطيب ـ رمحه هللا ـ‪« :‬وأمجع ِ‬ ‫سقيفة بين ِ‬
‫ِ‬ ‫ت خالفتُه ابلبَـْيعة واالختيار يف‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫رضي هللا عنه؛ فثَـبَـتَ ْ‬
‫سقيفة بين ِ‬
‫ساع َدةَ يف التعيني»‬ ‫ِ‬ ‫اختالف وقَع بني امل ِ‬
‫هاجرين واألنصا ِر يف‬ ‫ٍ‬ ‫تقدمي الص ِّديق بعد‬
‫الصحابةُ على ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ول العهد‪:‬‬ ‫الطريق الثاين‪ :‬ثبوت البيعة بتعيني ِّ‬


‫وسياسة الدنيا فيَ ْخلَُفه ِم ْن بـَ ْع ِده؛‬
‫ِ‬ ‫محاية ال ِّدين‬
‫وِل األم ِر إىل من يـراه أَقْ َدر على مه َّم ِة ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ْ ََ ُ َ‬ ‫وذلك ِبَ ْن يـَ ْع َه َد ُّ‬

‫بوالية العهد‪ ،‬وقد َع ِه َد أبو بكر اىل الفاروق وكذا ُمعاويةُ إىل ابنه يَز َ‬
‫يد‬ ‫األمةُ على ِ‬
‫انعقاد اإلمامة ِ‬ ‫ت َّ‬ ‫وقَ ِد اتـَّ َف َق ِ‬
‫كما َع ِه َد غريُهم‬

‫ف فيه‬ ‫ِ‬ ‫«فاالستخالف سنَّةٌ اتـَّ َف َق عليها امل ََلُ ِم َن الصحابة‪ ،‬وهو اتِّ ُ‬ ‫قال اخلطَّ ُّ‬
‫األمة‪ ،‬مل ُُيال ْ‬
‫فاق َّ‬ ‫ُ‬ ‫ايب ـ رمحه هللا ـ‪:‬‬
‫َ‬
‫وخلَعُوا ِربْـ َقةَ الطاعة»‪.‬‬ ‫صا َ‬ ‫َّإال اخلوار ُج واملارقةُ الذين َش ُّقوا َ‬
‫الع َ‬

‫ول العهد‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫َجاعة ختتار َّ‬ ‫الطريق الثالث‪ :‬ثبوت البيعة بتعيني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وِل األم ِر َّ‬ ‫وذلك ِبَ ْن يـَ ْع َه َد ِ ُّ‬
‫األو ُل إىل مجاعة معدودة تَتوفَّـُر فيها شرو ُط اإلمامة العُظْمى؛ ل َ‬
‫تقوم ابختيار ِّ‬
‫وِل‬
‫بن اخلطَّاب رضي هللا عنه‪ ،‬حيث َع ِه َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫عمر ُ‬‫العهد املُناسب فيما بينهم يَتوالَ ْون عليه ويُبايعونه‪ ،‬كمثْ ِل ما فَـ َع َل ُ‬
‫إىل نـَ َف ٍر ِمن أهل الشورى الختيا ِر و ٍ‬
‫احد منهم‬ ‫ْ‬
‫فائدة ‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا انعقدت االمامة ابلطرق غري الشرعية كالقهر والغلبة فثبتت هبا االمامة اليت جيب له السمع‬
‫والطاعة وال جيوز اخلروج عليه‬
‫‪ -2‬إذا انعقدت االمامة لرجل ال تتوفر فيه شروط االمامة كالعبد فثبتت هبا االمامة أيضا‬

‫‪4‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬االنتخاابت وما موقفنا منها ؟‬

‫هذا االمر مبين على املسائل االتية ‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬

‫األصل أن النظم الدميقراطية اليت من مواليدها االنتخاابت ليس من النظم الشرعية لنصب الوالة وال الختيار‬
‫أعضاء أهل احلل والعقد كما مر بيانه ‪ ،‬وهي خمالفة لكثري من مسلمات الشرع ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪ -‬أن التشريع من الشعب للشعب مع أن هللا قال ‪ :‬ان احلكم اال هلل‬
‫‪ -‬تسوية الذكر واألنثى يف التصويت مع قوله تعاىل ‪ :‬وليس الذكر كاالنثى‬
‫‪ -‬تسوية العامل ابجلاهل ‪ ،‬وهذا ُيالف قوله تعاىل ‪ :‬قل هل يستوي الذين يعلمون واللذين ال يعلمون‬
‫‪ -‬جواز تنصيب االمام الذي ال يتوفر فيه الشروط الشرعية يف االمامة ‪ ،‬ولو كان كافرا‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬وغري ذلك من املخالفات الكثرية‬

‫فعليه ‪ ،‬األصل عدم املشاركة يف اي نظام من نظامها ‪ ،‬وال ُيرج عن هذا األصل اال بضوابط شرعية معتربة‬

‫املسألة الثانية ‪:‬‬

‫ال يصار إىل اعتماد وسيلة االنتخاابت إال يف حالة حتقق وقوع املصلحة الراجحة على مفسدة املشاركة ؛ ذلك‬
‫أن يف هذه اجملالس من املخالفات الشرعية الشئ الكثري‪ -‬كما مر بيانه امجاال‬

‫واخلروج عن حكم األصل اىل حكم اخر ألدلة وقرينة راجحة مسلك شرعي معترب مثل بيع العرااي وبيع السلم‬
‫والنظر اىل األجنبية عند اخلطبة وغريها كثري‬

‫وقال الشيخ العباد –حفظه هللا ‪" :‬االنتخاابت ليست من الطرق الشرعية‪ ،‬وإمنا هي من الطرق الوافدة على‬
‫املسلمني من أعدائهم‪ ،‬واحلكم فيها للغلبة ولو كانت األغلبية من أفسد الناس‪ ،‬أو كان الذي ينتخبونه من‬
‫أفسد الناس؛ ألُنم ينتخبون واحداً منهم‪ ،‬واحلكم للغلبة‪ ،‬وحيث يكون الغلبة أشراراً فإُنم سيختارون شريراً‬
‫منهم‪ .‬والدخول يف االنتخاابت إذا مل حيصل من ورائه فائدة ومصلحة فال يصلح‪ " .‬وقال ايضا ‪" :‬واحلاصل‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫انظر ‪ :‬تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات االنتخاابت للشيخ حممد بن عبد هللا االمام‬

‫‪5‬‬
‫أن الدخول يف االنتخاابت ليس على إطالقه‪ ،‬واألصل أال يدخل فيها إال إذا حصل يف الدخول مصلحة‪" .‬‬
‫املسألة الثالثة ‪:‬‬

‫األصل اختيار الكامل املتوفر عنده مواصفات االمامة الشرعية ‪ ،‬ولكن يف حال انعدام املرشح الكامل ؛‬
‫فيصار إىل اختيار األمثل فاألمثل ‪ ,‬وما ال يدرك كماله ال يرتك من أصله ؛ وال يقال برتك اختيار األكمل لعدم‬
‫وجود الكامل على قاعدة جلب املصلحة خالصة أو راجحة ودرء املفاسد خالصة أو راجحة‬

‫املبحث اخلامس ‪ :‬فتاوى العلماء حول االنتخاابت‬

‫قد أفىت مجهور العلماء املعاصرين مبا ذكران ‪ ،‬منهم ‪ :‬اللجنة الدائمة و الشيخ عبد العزيز بن ابز و الشيخ حممد‬
‫بن صاحل العثيمني و الشيخ األلباين و الشيخ عبد احملسن العباد و الشيخ عبد الرمحن الرباك و الشيخ صاحل‬
‫اللحيدان و الشيخ عبد هللا العبيالن و الشيخ وصي هللا عباس واملشايخ يف مركز اإلمام األلباين و الشيخ‬
‫عبيد اجلابري و الشيخ فاحل احلريب و الشيخ أمحد بن حيىي النجمي‬

‫وهذه بعضها ‪:‬‬


‫فتوى الشيخ حممد بن صاحل العثيمني –رمحه هللا ‪-‬جوااب عن السؤال التاِل املوجه إليه يف لقاء الباب املفتوح‬
‫(ش\‪" : )211‬السؤال‪ :‬ما حكم االنتخاابت املوجودة يف الكويت ‪ ,‬علماً ِبن أغلب من دخلها من‬
‫اإلسالميني ورجال الدعوة فتنوا يف دينهم؟ وأيضاً ما حكم االنتخاابت الفرعية القبلية املوجودة فيها اي شيخ؟!‬
‫اجلواب‪ :‬أان أرى أن االنتخاابت واجبة‪ ,‬جيب أن نعني من نرى أن فيه خرياً‪ ,‬ألنه إذا تقاعس أهل اخلري من‬
‫حيل حملهم؟ أهل الشر‪ ,‬أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم ال خري وال شر‪ ,‬إتباع كل انعق‪ ,‬فالبد أن خنتار‬
‫من نراه صاحلاً فإذا قال قائل‪ :‬اخرتان واحداً لكن أغلب اجمللس على خالف ذلك‪ ,‬نقول‪ :‬ال ِبس‪ ,‬هذا الواحد‬
‫إذا جعل هللا فيه بركة وألقى كلمة احلق يف هذا اجمللس سيكون هلا أتثري والبد‪ ,‬لكن ينقصنا الصدق مع هللا‪,‬‬
‫نعتمد على األمور املادية احلسية وال ننظر إىل كلمة هللا عز وجل‪ ,‬ماذا تقول يف موسى عليه السالم عندما‬
‫طلب منه فرعون موعداً ليأيت ابلسحرة كلهم‪ ,‬واعده موسى ضحى يوم الزينة ‪-‬يوم الزينة هو‪ :‬يوم العيد؛ ألن‬
‫الناس يتزينون يوم العيد‪ -‬يف رابعة النهار وليس يف الليل‪ ,‬يف مكان مست ٍو‪ ,‬فاجتمع العامل‪ ،‬فقال هلم موسى‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫(عليه الصالة والسالم)‪[ :‬ويـلَ ُكم ال تَـ ْفرتوا علَى َِّ ِ‬
‫اَّلل َكذابً فَـيُ ْسحتَ ُك ْم بِ َع َذاب َوقَ ْد َخ َ‬
‫اب َم ِن افََْرتى] كلمة‬ ‫َُ َ‬ ‫َْ ْ‬
‫أمره ْم بـَْيـنَـ ُه ْم] الفاء دالة على الرتتيب والتعقيب والسببية‪ ,‬من‬ ‫واحدة صارت قنبلة‪ ,‬قال هللا عز وجل‪[ :‬فَـتَـنَ َازعُوا ُ‬

‫‪6‬‬
‫[وال تَـنَ َازعُوا‬
‫وقت ما قال الكلمة هذه تنازعوا أمرهم بينهم‪ ,‬وإذا تنازع الناس فهو فشل‪ ,‬كما قال هللا عز وجل‪َ :‬‬
‫َّج َوى]‪ ,‬والنتيجة أن هؤالء السحرة الذين جاءوا ليضادوا موسى‬ ‫َسُّروا الن ْ‬
‫أمره ْم بـَْيـنَـ ُه ْم َوأ َ‬
‫فَـتَـ ْف َشلُوا] ؛ [فَـتَـنَ َازعُوا ُ‬
‫وسى] ‪ ,‬وفرعون إمامهم‪ ,‬أثرت كلمة احلق من واحد‬ ‫ب َه ُارو َن َوُم َ‬‫[آمنَّا بَِر ِّ‬
‫صاروا معه‪ ,‬ألقوا سجداً هلل‪ ,‬وأعلنوا‪َ :‬‬
‫إمام أمة عظيمة زعيمها أعىت حاكم‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬حىت لو فرض أن جملس الربملان ليس فيه إال عدد قليل من أهل احلق والصواب سينفعون‪ ,‬لكن عليهم‬
‫أن يصدقوا هللا عز وجل‪ ,‬أما القول‪ :‬إن الربملان ال جيوز وال مشاركة الفاسقني‪ ,‬وال اجللوس معهم‪ ,‬هل نقول‪:‬‬
‫جنلس لنوافقهم؟ جنلس معهم لنبني هلم الصواب‪.‬‬
‫بعض اإلخوان من أهل العلم قالوا‪ :‬ال جتوز املشاركة‪ ,‬ألن هذا الرجل املستقيم جيلس إىل الرجل املنحرف‪ ,‬هل‬
‫هذا الرجل املستقيم جلس لينحرف أم ليقيم املعوج؟! نعم ليقيم املعوج‪ ,‬ويعدل منه‪ ,‬إذا مل ينجح هذه املرة جنح‬
‫يف املرة الثانية‪".‬‬
‫وقال –رمحه هللا‪ -‬مؤكدا فتواه جبواز املشاركة يف االنتخاابت كما يف األسئلة القطرية () ‪ ,‬جوااب على السؤال‬
‫التاِل ‪" :‬فضيلة الشيخ ‪ ,‬سائل يقول ‪ :‬هل أفتيتم جبواز اإلنتخاابت ؟ وما حكمها؟‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬نعم أفتينا بذلك– وال بد من هذا – ألنه إذا فُِق َد صوت املسلمني ؛ معناه ‪ :‬متََ ُّحض اجمللس ألهل‬
‫الشر ‪ ,‬وإذا شارك املسلمون يف اإلنتخاابت ؛ انتخبوا من يرون أُنم أهل لذلك ‪ ,‬فيحصل هبذا خري وبركة‪".‬‬
‫وقال الشيخ أمحد بن عبد الرمحن القاضي يف كتابه املاتع مثرات التدوين من مسائل ابن عثيمني ‪" :‬مسألة (‬
‫‪1420/6/29 ( ) 593‬هـ ) ‪ :‬سألت شيخنا رمحه هللا ‪:‬عن املسلمني يف أمريكا ‪ ،‬هل يشاركون يف‬
‫االنتخاابت اليت جتري يف الوالايت لصاحل مرشح يؤيد مصاحل املسلمني ؟‪.‬‬
‫فأجاب ابملوافقة ‪ ،‬دون تردد‪" .‬‬
‫فتوى الشيخ عبد احملسن العباد ‪,‬حيث قال كما يف درس شرحه على سنن أيب داود (ش\‪ )488‬جوااب عن‬
‫السؤال التاِل ‪" :‬السؤال‪ :‬هل املشاركة يف االنتخاابت من تغيري املنكر ابليد‪ ،‬حيث إن اإلنسان ُيتار الرجل‬
‫الصاحل ليكون حاكماً؟‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬هذه االنتخاابت ليست من الطرق الشرعية‪ ،‬وإمنا هي من الطرق الوافدة على املسلمني من أعدائهم‪،‬‬
‫واحلكم فيها للغلبة ولو كانت األغلبية من أفسد الناس‪ ،‬أو كان الذي ينتخبونه من أفسد الناس؛ ألُنم ينتخبون‬
‫واحداً منهم‪ ،‬واحلكم للغلبة‪ ،‬وحيث يكون الغلبة أشراراً فإُنم سيختارون شريراً منهم‪.‬‬
‫والدخول يف االنتخاابت إذا مل حيصل من ورائه فائدة ومصلحة فال يصلح‪.‬‬
‫ولكن إذا كان سيرتتب عليه مصلحة من أن األمر يدور بني شخصني أحدمها سيء والثاين حسن‪ ،‬ولو مل‬
‫يشارك يف أتييد جانب ذلك احلسن فإنه تغلب كفة ذلك السيئ‪ ،‬فإنه ال ِبس ابملشاركة من أجل حتصيل تلك‬
‫‪7‬‬
‫املصلحة ودفع املضرة‪.‬‬
‫بل لو كان األمر يدور بني شخصني أحدمها شرير والثاين دونه يف الشر كما حيصل يف بعض البالد اليت فيها‬
‫أقليات إسالمية واحلكم فيها للكفار‪ ،‬فإذا صار األمر يدور بني كافرين أحدمها شديد احلقد على املسلمني‪,‬‬
‫وشديد املعاداة هلم‪ ،‬ويضيق عليهم‪ ،‬وال ميكنهم من أداء شعائرهم‪ ،‬والثاين مسامل‪ ،‬ومتعاطف مع املسلمني‪،‬‬
‫وليس عنده احلقد الشديد عليهم‪ ،‬فال شك أن ترجيح جانب من يكون خفيفاً على املسلمني أوىل من ترك‬
‫األمر حبيث يتغلب ذلك الكافر الشديد احلقد على املسلمني‪.‬‬
‫ومعلوم أنه جاء يف القرآن أن املسلمني يفرحون ابنتصار الروم على الفرس‪ ،‬وهم كفار كلهم‪ ،‬لكن هؤالء‬
‫أخف؛ ألن هؤالء ينتمون إىل دين‪ ،‬وأولئك يعبدون األواثن وال ينتمون إىل دين‪ ،‬وإن كان اجلميع كفاراً‪ ،‬لكن‬
‫بعض الشر أهون من بعض‪.‬‬
‫ومن قواعد الشريعة ارتكاب أخف الضررين يف سبيل التخلص من أشدمها‪ ،‬فإذا ارتكب أخف الضررين يف‬
‫سبيل التخلص من أشدمها فإن هذا أمر مطلوب‪.‬‬
‫فاحلاصل أن االنتخاابت يف األصل هي وافدة على املسلمني وليست مما جاء به دينهم‪ ،‬واملشاركة فيها إذا كان‬
‫سيرتتب على ذلك ترجيح جانب من فيه خري على من فيه شر ولو ترك ترجح جانب من فيه شر‪ ،‬فال ِبس‬
‫بذلك‪ ،‬وكذلك عندما يكون كل منهما شرير‪ ،‬ولكن أحدمها أخف‪ ،‬وأريد ترجيح جانب من كان أخف‪ ،‬كما‬
‫ذكرت يف حق الكافرين اللذين يرجح جانب أحدمها من أجل عدم حصول الضرر من ذلك الذي يكون أشد‬
‫خبثاً وحقداً على املسلمني‪ ،‬فإنه واحلالة هذه يسوغ االنتخاب هلذه القاعدة ابرتكاب أخف الضررين يف سبيل‬
‫التخلص من أشدمها‪.‬‬
‫فال جيوز أن يشارك يف االنتخاابت إال إذا كان األمر يدور بني خري وشر‪ ،‬وإذا مل يشارك يف أتييد اخلري سيتق ّدم‬
‫الشرير على غريه‪ ،‬فيجوز الدخول يف االنتخاابت من أجل حتصيل هذه املصلحة‪ ،‬أو يكوان اثنني خبيثني لكن‬
‫أحدمها أخف على املسلمني من اآلخر‪ ،‬ومي ِّكنهم من إقامة شعائرهم‪ ،‬فمثل هذا إذا رجح جانبه من قبل‬
‫األقليات اإلسالمية ال ِبس بذلك؛ ألُنم ال ُيتارون إماماً للمسلمني‪ ،‬وإمنا ُيتارون واحداً متعاطفاً معهما‪،‬‬
‫فهما شران ال بد منهما‪ ،‬وبعض الشر أهون من بعض‪ ،‬فمن كان أصلح هلم وأخف ضرراً عليهم فإن ارتكاب‬
‫أخف الضررين يف سبيل التخلص من أشدمها أمر مطلوب‪.‬‬
‫واحلاصل‪ :‬أن الدخول يف االنتخاابت ليس على إطالقه‪ ،‬واألصل أال يدخل فيها إال إذا حصل يف الدخول‬
‫مصلحة ِبن كان األمر دائراً بني شرير وطيب‪ ،‬أو بني شريرين أحدمها أخف من اآلخر‪ ،‬وكان ترك املشاركة‬
‫يؤدي إىل تغلب من هو أخبث وأشد؛ ففي هذه احلالة ال ِبس بذلك من أجل ارتكاب أخف الضررين يف‬
‫سبيل التخلص من أشدمها‪".‬‬
‫‪8‬‬
‫فتوى أهل العلم يف مركز اإلمام األلباين وهم املشايخ ‪( :‬الشيخ حممد موسى آل نصر ‪ ,‬والشيخ ابسم اجلوابرة ‪,‬‬
‫والشيخ مشهور بن حسن آل سلمان ‪ ,‬والشيخ علي بن حسن احلليب ‪ ,‬والشيخ حسني العوايشة ‪ ,‬والشيخ‬
‫زايد العبادي) ‪ ,‬حيث أصدروا جمموعني البيان التاِل ‪" :‬فتوى يف انتخاابت العراق القادمة‪...‬‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ات الواردةُ إلينا يف (مركز اإلمام األلباين) بشأن بيان احلكم‬ ‫االتصاالت‪ ،‬واألسئلةُ‪ ،‬واالستفسار ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقد َكثُـَرت‬
‫الشرعي املتعلِّق ابملشاركة يف االنتخاابت العراقية؛ لِما لذلك من ِصلَة بـ(السنة) ونُصرِهتا ‪-‬خصوصاً‪ ،-‬وصالح‬
‫العراق وتعمريهِ ‪-‬عُموماً‪-.‬‬
‫نقول ‪-‬وابهلل التوفيق‪-:‬‬ ‫وجواابً على ذلك ُ‬
‫ال ُيفى على ذي نظ ٍر ما تُعانيه األ َُّمةُ اإلسالميَّةُ من واق ٍع َمري ٍر ألي ٍم ُم ْؤٍذ‪.‬‬
‫يقول‪{ :‬وما أصابكم ِمن‬ ‫جهة أعدائها ‪-‬كما قد يُظَ ُّن!‪-‬؛ فاهلل ‪-‬تعاىل‪ُ -‬‬ ‫وليس البالء كلُّه ‪-‬يف هذا‪ِ -‬من ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ويقول ‪ُ -‬سبحانَهُ‪{ :-‬قل هو من عند‬ ‫مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثري} [الشورى‪ُ ،]30:‬‬ ‫ٍ‬
‫أنفسكم} [آل عمران‪.]165:‬‬ ‫ِ‬
‫أرض (العر ِاق )‬ ‫عقود‪َ -‬ما جيري على ِ‬ ‫حال األ َُّم ِة اإلسالميَّ ِة ‪-‬مْن ُذ ٍ‬ ‫ك عن ِ‬ ‫ولعل ِمن أعظ ِم ِ‬
‫البالء الذي َمل يـَْنـ َف َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫زول القوات األجنبيّة فيه‪ ،‬وإعانةُ أهل الباطل هلم‪.‬‬ ‫آخرها نُ ُ‬ ‫ِمن ف ٍ‬
‫ومصائب؛ كان َ‬ ‫َ‬ ‫نت‬
‫بعد‪ -‬فتاوى ُمتَـ َع ِّد َدةٌ‬ ‫ومن ُ‬ ‫العام ‪ِ -‬من قبل ِ‬
‫ُ‬ ‫الشخصي و ِّ‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األلباينّ) ‪-‬على املستوى‬ ‫ولقد كانت لنا يف (مرك ِز ِ‬
‫اإلمام‬
‫ِ‬ ‫وحترمي ما جرى ‪-‬وال يز ُال َجيري‪ -‬يف العر ِاق ِمن ِ‬
‫عما‬‫يك َّ‬ ‫القوات األجنبيَّة –الصا ِرم‪-‬؛ َانه َ‬ ‫انتهاك َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫يف استنكا ِر ِ‬
‫ارب‪ ،‬بني ذك ٍر‬ ‫وحم ٍ‬‫ومسا ٍمل ُ‬‫تقتيل وتفج ٍري ‪-‬أعمى‪ -‬ال يـُ َفِّرق بني مسلم وغ ِري مسلم‪ ،‬بني صغ ٍري وكب ٍري‪ُ ،‬‬ ‫يـَ َق ُع ِمن ٍ‬
‫اإلسالم واملسلمني!‬‫ِ‬ ‫ابس ِم‬
‫وأنثى‪ُ ...‬ك ُّل ذلك ْ‬
‫(السنَّة) يف العراق؛ ِم َّـما‬
‫إضعاف دور ُّ‬ ‫َ‬ ‫(سنَةَ ‪)2005‬‬ ‫ِ‬
‫ت يف العراق َ‬ ‫االنتخاابت السابقةُ اليت َجَر ْ‬‫ُ‬ ‫ولقد أفْـَرَزت‬
‫دوُنم فوقَهم‪!!.‬‬ ‫وج َع َل كلمةَ َم ْن َ‬
‫جودهم‪َ ،‬‬ ‫أفقدهم ُو َ‬ ‫فَـَّر َق كلمتَهم‪ ،‬و َ‬
‫اجلليل ِ‬ ‫الصحايب ِ‬ ‫النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪« :-‬ال يـ ْل َدغُ املؤمن ِمن جح ٍر مَّرتَ ْني»‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫عبد‬ ‫ِّ‬ ‫وقول‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اظر يف قول ِّ‬ ‫والنّ ُ‬
‫ب‬‫املفاسد حبَس ِ‬ ‫يد من و ِع َظ بغ ِريه»؛ يـ ْلزمه أن ينظر يف احلال املشهود‪ ،‬ويقارنَه ابملصا ِحل و ِ‬ ‫هللا ب ِن مسعود‪ِ َّ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫«السع ُ َ ْ ُ‬
‫لزوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتطبيقاهتا الواقعيَّ ِة‪ ،‬ليكو َن منه ‪ُ -‬‬ ‫األدلة الشَّرعيَّ ِة‪،‬‬
‫يرتجح له ِمن ِ‬
‫حاسم يؤّك ُد فيه َ‬
‫ٌ‬ ‫شرعي‬
‫بعد‪ -‬بيا ٌن ٌّ‬ ‫ما َّ ُ َ‬
‫ض ِع (العر ِاق)‪ ،‬وأحو ِاهلا الطائفيَّ ِة‪،‬‬ ‫بسبب خصوصيَّ ِة َو ْ‬ ‫االنتخاابت العراقيَّ ِة القادمة ‪-‬قريباً‪ِ -‬‬ ‫ِ‬ ‫(السن َِّة) يف‬
‫كة ُّ‬ ‫مشار ِ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫البالغ يف َرفْ ِع لو ِاء ُّ‬
‫(السن َِّة )‪ ،‬ومجَْ ِع كلمتِهم‪،‬‬ ‫األثر ُ‬ ‫ِ‬
‫وظروف َها السياسيَّة؛ ممَّا سيكو ُن له ‪-‬إبذن هللا‪ -‬فيما نرجو‪ُ -‬‬
‫ِ‬
‫اإلجيايب يف ِ‬ ‫وأتث ِريهم‬
‫بالدهم‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪9‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حمافظة ‪-‬حبسب ظروفها‪-.‬‬ ‫مع النَّظَر إىل واقع ِّ‬
‫كل‬
‫خري‬
‫ف َ‬ ‫لكن الفقيهَ الذي يـَ ْع ِر ُ‬ ‫اخلري ِمن ِّ‬
‫الشر‪ ،‬و َّ‬ ‫عرف َ‬ ‫َوَرِح َم هللاُ َمن قال ِمن عُلمائنا‪« :‬ليس الفقيهُ الذي يَ ُ‬
‫جيتهد‬
‫الشر الذي نراهُ ‪-‬مجيعاً‪ -‬دفعاً‪ :-‬أ ْن َ‬ ‫وشر الشََّّريْ ِن» ‪ :‬فاخلريُ الذي نراهُ ‪-‬مجيعاً‪َ -‬ج ْلباً‪ ،-‬و ُّ‬ ‫اخلَْ َرييْ ِن‪َّ ،‬‬
‫ت كلمةُ‬ ‫وص ْد ٍق‪ ،‬وأُلْ َف ٍة و ِ ٍ‬ ‫إبخالص ِ‬
‫ٍ‬ ‫كة االنتخابية ِ‬ ‫(السنَّة) يف املشار ِ‬
‫لتظهر كلمتُهم‪ ،‬وتُكْبَ َ‬‫اجتماع كلمة‪َ -‬‬ ‫اآلتية ‪-‬‬ ‫ُّ‬
‫عادوُنُم ‪-‬سياسةً وعقيدةً‪ ،‬واترُياً مشهوداً مشهوراً ال يُن َكُر‪-.‬‬ ‫ُمنا ِوئِي ِه ْم ِممَّن يُ َ‬
‫اص ِة‪...‬‬
‫العام ِة واخلَ َّ‬
‫(السن َِّة) ِمن َّ‬
‫موم إخوانِنا ِم ْن ُّ‬ ‫هبذا نُوصي عُ َ‬
‫عظ ‪ِ -‬من أهل السنة‪-:‬‬ ‫طلبة العل ِم ‪ِ -‬من الدُّعاة‪ ،‬واألئمة‪ ،‬وأهل ال ُفتيا والو ِ‬
‫َ‬
‫َّأما خصوص ِ‬
‫ُ ُ‬
‫فنصيحتُنا هلم أن يـَْبـ َق ْوا يف إطا ِرهم الذي َّبوأهم هللاُ َّإايهُ ‪-‬بعيداً عن املنا َكفات السياسية‪ ،‬واملناقَضات احلزبيَّة؛ مع‬
‫ُ‬
‫األقل مفسدةً على اإلسالم‬ ‫(العام) ابختيار الشخص األكثر مصلحةً للدنيا والدين‪ ،‬و ّ‬ ‫ُّصح والتوجيه ّ‬ ‫الن ِ‬
‫واملسلمني‪.‬‬
‫وِل التوفيق‪.‬‬ ‫وهللاُ ُّ‬
‫هات املؤمنني‪،‬‬ ‫آله الصادقني‪ ،‬وعلى خلفائِه الراشدين‪ ،‬وأ َُّم ِ‬ ‫وابرك على نبيِنا األمني‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫وصلَّى هللاُ وسلَّ َم َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حابة ‪-‬أمجعني‪-.‬‬‫الص ِ‬ ‫الع َشَرةِ املبَ َّش ِرين‪ ،‬و َّ‬ ‫وبقيَّ ِة‬
‫ُِ‬ ‫َ‬
‫ب العاملني‪.‬‬ ‫احلمد هللِ ر ِّ‬ ‫أن‬ ‫وآخر دعواان‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫جلنة الفتوى يف (مركز اإلمام األلباين)‬
‫الثالاثء ‪ /4‬رمضان‪1429/‬هـ‪".‬‬
‫فتوى الشيخ مشهور سلمان ملا سأله الشيخ خالد ابوزير عن انتخاابت رئيس اجلمهورية االندونيسية ‪2024‬‬
‫يف تسجيل صويت ‪ ،‬قال حفظه هللا ‪" :‬مرحبا ِبخينا احلبيب الشيخ زايد وأخينا الفاضل أبو أمحد الشيخ خالد‬
‫وحتيايت إلخواننا مجيعا يف اندونيسيا ‪ ،‬مشاُينا علموان أن ننتخب وخنتار األصلح أصلح املوجود ولو كان هذا‬
‫األصلح هو خري املوجود ‪ ،‬ولكن هنا أنبه على مسألة مهمة ِبننا ال نعني أحدا ‪ ،‬فإننا نعبد هللا تعاىل على‬
‫حسب قناعاتنا ‪ ،‬فأان مثال يف اندونيسيا وأخوان أبو أمحد يف اندونيسيا ‪ ،‬فأان أختار شخصا وأنت ختتار‬
‫شخصا ‪ ،‬وحىت اذا كان كبري منا له منزلة وهو ُيتار فالان فال جيوز له ان يلزم االخرين يف اختيار فالان ولكن له‬
‫ان يبني فيقول ‪ :‬فالن مصلحته كذا ويفصل ‪ ،‬مث بعد ذلك ننتخب ما نراه أصلح واالقل ضررا ‪ ،‬واما االلزام‬
‫فال نعرف االلزام من غري النص ‪ ،‬فااللزام هذه املشكلة وهي العالمة الفارقة بيننا وبني احلزبيني ‪ ،‬فاحلزبيون‬
‫عندهم أوامر النتخاب فالن ‪ ،‬سواء أكنت مقتنعا او مل تكن ‪ ،‬اان ممكن أن أقول ال يوجد اخلري يف اجلميع فال‬
‫أريد أن أنتخب ‪ ،‬واالخ اخر يقول ‪ :‬ال اان أرى فالان فيجري مباحثة وبيان مث حنن نعبد هللا تعاىل مبا تطمئن به‬
‫نفوسنا وكل على حسب قناعاته ‪ ،‬مع التنبيه أن اجلاهل ال بد أن يتهم رأيه ويقول أن فالان أعلم مين وأكثر‬
‫‪10‬‬
‫داينة مين ‪ ...... ،‬وأما أن نرتك االنتخاابت ابلكلية ونبقى يف معزل عن تعيني أولياء األمور فهذا مدعى‬
‫لعواقب خطرية ‪ ،‬هكذا صنع إخواننا يف العراق مث ندموا بعد ذلك ندما شديدا وكتبنا حنن من مركز االمام‬
‫االلباين مع جمموعة من إخواننا رسالة خاصة اىل أخواننا يف العراق ان ينتخب وال يرتك ويقاطع االنتخاابت وان‬
‫ُيتاروا األحسن ووقعها مجاعة منهم مشاُينا يف االردن مجيعا ‪.......‬وجزاكم هللا خريا "‬

‫املبحث السادس ‪ :‬انتخاابت رئيس اجلمهورية على أبواب‬

‫فعلى ضوء ما سبق بيانه ‪ ،‬تبني لنا ان الدخول يف االنتخاابت له وجهة نظر شرعي قوي معترب ‪ ،‬وعليه فتاوى‬
‫كثري من العلماء املعاصرين مع اعرتايف بوجهة نظر آخر وهو عدم الدخول واملشاركة مطلقا متسكا ابألصل‬

‫والذي يطمئن به نفسي هو املشاركة ابختيار األفضل واألصلح من املوجودين‬

‫وعليه ‪ ،‬ما هو الضابط لالختيار ؟‬

‫الضابط يف هذا األمر ضابطان ‪ :‬ضابط الوجوب وضابط الرتجيح‬

‫ضابط الوجوب‬

‫فلما كانت اإلمامة العظمى أرفع املناصب الدينية؛ إذ حيل القائم هبا حمل الرسول صلى هللا عليه وسلم يف‬
‫صيانة ال ِّدين‪ ،‬وسياسة الدنيا به؛ ولذا كثرت‪ ،‬واشتدت الشروط املطلوبة يف اإلمام؛ لعظم اخلطب‪ ،‬وحنن‬
‫نذكر ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬ما اتفق األئمة على شرطيته من هذه الشروط هي ‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫‪-‬اإلسالم‪ :‬فال تصح والية الكافر‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬ولَن َجيعل َّ ِ ِ‬
‫ني‬ ‫اَّللُ ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َ ْ َْ َ‬
‫َسبِ ًيال [النساء‪ ،]141:‬واإلمامة كما يقول ابن حزم ‪:‬أعظم السبيل ‪.‬فهي أوىل ابلنفي‪ ،‬وعدم اجلواز‪.‬‬

‫‪-‬التكليف‪ :‬ويشمل العقل‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬فال تصح إمامة الصيب‪ ،‬واجملنون؛ ألُنما يف والية غريمها‪ ،‬فال يوليان‬
‫على املسلمني‪.‬‬

‫‪-‬الذكورة‪ :‬فال تصح إمارة النساء؛ حلديث ‪:‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ‪.‬رواه البخاري من حديث أيب‬
‫بكرة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وألن هذا املنصب تناط به األعمال اخلطرية‪ ،‬واألعباء اجلسيمة؛ مما يتناىف مع طبيعة املرأة‪ ،‬وأنوثتها‪،‬‬
‫وصوان له هو اثنيًا من‬
‫أوال‪ً ،‬‬ ‫فاقتضت حكمة الشرع صرفها عنه‪ ،‬وعدم تكليفها به؛ رمحة هبا‪ ،‬وشفقة عليها ً‬
‫أن يوكل إىل من ال يستطيع القيام به‪ ،‬فيضيع‪.‬‬

‫قيما ِبمر احلرب‪ ،‬والسياسة‪،‬‬


‫‪-‬الكفاية‪ ،‬ولو بغريه‪ :‬والكفاية هي اجلرأة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والنجدة‪ ،‬حبيث يكون ً‬
‫و ِّ‬
‫الذب عن األمة‪ ،‬أو مستعينًا ِبهل الكفاية يف ذلك‪.‬‬

‫‪-‬احلرية‪ :‬فال يصح عقد اإلمامة ملن فيه رق؛ ألنه مشغول خبدمة سيده‪ .‬وهذا القدر من الشروط متفق‬
‫عليه‪.‬‬

‫ضابط الرتجيح‬

‫إذا كان يف االمامة الصغرى ورد احلديث ‪:‬‬


‫اب هللاِ‪ ،‬فإ ْن َكانُوا يف ِ‬
‫القَراءَةِ َس َواءً‪،‬‬ ‫عن أيب مسعود عقبة بن عمر‪ :‬قال رسول هللا ‪" :‬ويـ ُؤُّم ال َقوَم أَقْـرُؤُهم لِ ِكتَ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫السن َِّة َس َواءً‪ ،‬فأقْ َد ُم ُه ْم ِه ْجَرةً‪ ،‬فإ ْن َكانُوا يف اهلِ ْجَرةِ َس َواءً‪ ،‬فأقْ َد ُم ُه ْم ِس ْل ًما‪َ ،‬وَال‬
‫ابلسن َِّة‪ ،‬فإ ْن َكانُوا يف ُّ‬
‫فأعلَ ُم ُه ْم ُّ‬
‫ْ‬
‫الر ُج َل يف ُس ْلطَانِِه‪َ ،‬وَال يـَ ْقعُ ْد يف بـَْيتِ ِه علَى تَ ْك ِرَمتِ ِه َّإال إب ْذنِِه‪[ .‬ويف ِرَوايٍَة] َمكا َن ِس ْل ًما‪ِ :‬سنًّا"‪ .‬رواه‬
‫الر ُج ُل َّ‬
‫يـَ ُؤَّم َّن َّ‬
‫مسلم‬

‫ففي االمامة الكربى وردت االية ‪:‬‬

‫ني﴾ القصص ‪ 26 :‬والنصوص األخرى ما حاصلها ِبنه‬ ‫قال هللا تعاىل ‪﴿ :‬إِ َّن خري م ِن استَأْجرت الْ َق ِو ُّ ِ‬
‫ي ْاألَم ُ‬ ‫َ َْ َ ْ َ ْ َ‬
‫ينبغي لالمام ان يكون ‪:‬‬

‫االول ‪ :‬أن يكون مؤمنا تقيا نقيا‬

‫ني ﴾ النساء ‪144 :‬‬‫َّخ ُذوا الْ َكافِ ِر ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿ :‬ايأَيـُّها الَّ ِذين آمنُوا َال تَـت ِ‬
‫ين أ َْوليَاءَ م ْن ُدون الْ ُم ْؤمن َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫الثاين ‪ :‬ان يكون قوي البدن‬

‫اصطََفاهُ َعلَْي ُك ْم َوَز َادهُ بَ ْسطَةً ِيف الْعِْل ِم َوا ْجلِ ْس ِم ﴾ البقرة ‪247 :‬‬ ‫ال إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ ْ‬ ‫قال تعاىل ‪﴿ :‬قَ َ‬

‫‪12‬‬
‫الثالث ‪ :‬ان يكون ذا علم واسع‬

‫ظ َعلِ ٌيم ﴾ يوسف ‪55 :‬‬


‫ض إِِّين َح ِفي ٌ‬
‫اج َع ْل ِين َعلَى َخَزائِ ِن ْاأل َْر ِ‬
‫ال ْ‬
‫قال تعاىل ‪﴿ :‬قَ َ‬

‫الرابع ‪ :‬اي يكون أمينا‬

‫ني﴾ القصص ‪26 :‬‬ ‫قال تعاىل ‪﴿ :‬إِ َّن خري م ِن استَأْجرت الْ َق ِو ُّ ِ‬
‫ي ْاألَم ُ‬ ‫َ َْ َ ْ َ ْ َ‬
‫اخلامس ‪ :‬أن يكون حليما رفيقا‬

‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ما كان الرفق يف شيئ اال زانه وما نزع عن شيئ اال شانه‬

‫قال شيخ االسالم ابن تيمية ‪" :‬وينبغي أن يعرف األصلح يف كل منصب‪ ،‬فإن الوالية هلا ركنان‪ :‬القوة‪،‬‬
‫ني} [القصص‪ ،]26 :‬وقال صاحب مصر‬ ‫واألمانة‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬إِ َّن خري م ِن استَأْجرت الْ َق ِو ُّ ِ‬
‫ي ْاألَم ُ‬ ‫َ َْ َ ْ َ ْ َ‬
‫َّك الْيـوم لَ َديـنَا م ِك ِ‬
‫ني} [يوسف‪ ،]54 :‬وقال تعاىل يف صفة جربيل‬ ‫ني أَم ٌ‬ ‫ليوسف عليه الصالة والسالم‪{ :‬إِن َ َ ْ َ ْ َ ٌ‬
‫ني} [التكوير‪.]21 - 19 :‬‬ ‫ول َك ِرٍمي ِذي قُـ َّوةٍ ِعْن َد ِذي الْ َع ْر ِش َم ِك ٍ‬
‫ني ُمطَ ٍاع َمثَّ أ َِم ٍ‬ ‫عليه السالم‪{ :‬إِنَّه لََقو ُل رس ٍ‬
‫ُ ْ َُ‬
‫والية حبسبها‪ ،‬فالقوة يف إمارة احلرب ترجع إىل شجاعة القلب‪ ،‬وإىل اخلربة ابحلروب‪ ،‬واملخادعة‬ ‫والقوة يف كل ٍ‬
‫فيها ـ فإن احلرب خدعة ـ و [إىل] القدرة على أنواع القتال؛ ِمن رم ٍي وطعن وضرب‪ ،‬ور ٍ‬
‫كوب وكٍّر وفٍّر‪ ،‬وحنو‬
‫استَطَ ْعتُ ْم ِم ْن قُـ َّوةٍ َوِم ْن} [األنفال‪ .]60 :‬وقال النيب ‪ -‬صلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬يـُ ْعجُزو َن َوأَع ُّدوا َهلُْم َما ْ‬
‫الرمي مث نسيه فليس ِمنَّا»‪ .‬ويف‬ ‫إِل من أن تركبوا‪َّ َ ،‬‬
‫ومن تعل َم َ‬ ‫أحب َّ‬
‫هللا عليه وسلم ‪« :-‬ارموا واركبوا‪ ،‬وأن ترموا ّ‬
‫رواية‪« :‬فهي نعمةٌ َج َحدها» رواه مسلم‪.‬‬

‫والقوة يف احلكم بني الناس ترجع إىل العلم ابلعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وإىل القدرة على تنفيذ‬
‫األحكام‪.‬‬

‫قليال‪ ،‬وهذه اخلصال الثالث اليت‬ ‫واألمانة ترجع إىل خشية هللا تعاىل وترك خشية الناس‪ ،‬وأال يشرتي آبايته مثنًا ً‬
‫اخ َش ْو ِن َوَال تَ ْش َرتُوا ِآب َايِيت َمثَنًا‬
‫َّاس َو ْ‬
‫أخذها هللا على كل َمن َح َكم على الناس يف قوله تعاىل‪{ :‬فَ َال َختْ َش ُوا الن َ‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن} [املائدة‪ .]44 :‬وهلذا قال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬ ‫قَلِ ًيال َوَم ْن َملْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْـَزَل َّ‬
‫اَّللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ورجل‬
‫احلق وقضى خبالفه فهو يف النار‪ٌ ،‬‬ ‫عرف َّ‬ ‫فرجل َ‬ ‫‪« :-‬القضاة ثالثة‪ :‬قاضيان يف النار وقاض يف اجلنة‪ٌ .‬‬
‫احلق وقضى به فهو يف اجلنة» رواه أهل السنن فالقاضي اسم‬
‫علم َّ‬
‫ورجل َ‬
‫قضى للناس على جهل فهو يف النار‪ٌ ،‬‬

‫‪13‬‬
‫منصواب ليقضي ابلشرع‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫سلطاان أو انئبًا أو واليًا‪ ،‬أو كان‬
‫ً‬ ‫لكل َمن حكم بني اثنني‪ ،‬سواء ُِسّ َي خليفةً أو‬
‫أصحاب رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫ُ‬ ‫انئبًا له‪ ،‬حىت َمن حيكم بني الصبيان يف اخلطوط إذا ختايروا‪ .‬هكذا ذكر‬
‫وسلم ‪ ،-‬وهو ظاهر" أهـ‬

‫وكذلك على اإلمام ينبغي ان يكون له حظ من صفات النبوة ‪ ،‬ألن اإلمامة خالفة النبوة يف حراسة الدين‬
‫وسياسة الدنيا ‪ ،‬ومن أظهر صفات النبوة ‪ :‬الصدق واألمانة والتبليغ والفطانة‬

‫ولكن ال بد من التنبيه على املسألة املهمة وهي إذا افتقدت هذه املواصفات الختيار االمام ‪ ،‬فال جيوز ترك‬
‫التصويت ابلكلية ولكن ليصوت من كان أخف ضررا على االسالم واملسلمني على قاعدة أخف الضررين‬

‫اخلامتة‬

‫يف ختام هذا البحث ‪ ،‬أود ذكر بعض النتائج ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬أمر االنتخاابت مما يعم به البلوى يف جل البالد االسالمية ‪ ،‬فهي الطريق الوحيد املعترب قانونيا‬
‫لتنصيب اإلمامة يف مثل هذا البلد‬
‫‪ -2‬املقصود ابالمامة هنا األمامة الكربى ال الصغرى‬
‫‪ -3‬اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين‪ ،‬وسياسة الدنيا‬
‫‪ -4‬إن اإلمامة من أعظم واجبات الدين‬
‫يتم إبحدى الطُُّرق الشرعية التَّالية‬ ‫ِ‬
‫اإلمامة الكربى ُّ‬ ‫انعقاد‬
‫‪ُ -5‬‬
‫ِ‬
‫‪ -‬االختيار والبيعة م ْن أهل ِّ‬
‫احلل والعقد‬

‫‪ -‬ثبوت البيعة بتعيني ِّ‬


‫وِل العهد‬
‫وِل العهد‬ ‫‪ -‬ثبوت البيعة بتعيني ٍ‬
‫مجاعة ختتار َّ‬
‫ابلقوة والغلبة والقهر ‪ ،‬ومنها التصويت يف االنتخاابت‬
‫‪ -6‬ثبتت االمامة ولو ابلطرق غري الشرعية ‪ ،‬مثل َّ‬
‫‪ -7‬االنتخاابت من مواليد النظم الدميقراطية اليت ال يعرفها االسالم‬
‫‪ -8‬االصل عدم املشاركة فيها‬

‫‪14‬‬
‫‪ -9‬إذا ظهرت مصلحة املشاركة يف االنتخاابب فيجوز بل يشرع املشاركة فيها مع احرتام من رأى عدم‬
‫االشرتاك مطلقا لَلصل‬
‫القضية سياسية فقهية أصولية مقاصدية ‪ ،‬ال منهجية فال يبىن عليها الوالء والرباء‬ ‫‪-10‬‬
‫الواجب يف ابب الوالايت هو تعيني األمثل واألكمل فإن تعذر الكامل تعني الصريورة إىل‬ ‫‪-11‬‬
‫من هو مقارب له‬
‫هذا فتوى مجهور العلماء املعاصرين ‪ ،‬منهم ‪ :‬اللجنة الدائمة و الشيخ عبد العزيز بن ابز و‬ ‫‪-12‬‬
‫الشيخ حممد بن صاحل العثيمني و الشيخ األلباين و الشيخ عبد احملسن العباد و الشيخ عبد الرمحن‬
‫الرباك و الشيخ صاحل اللحيدان و الشيخ عبد هللا العبيالن و الشيخ وصي هللا عباس واملشايخ يف‬
‫مركز اإلمام األلباين و الشيخ عبيد اجلابري و الشيخ فاحل احلريب و الشيخ أمحد بن حيىي النجمي‬
‫أفىت الشيخ مشهور خبصوص أمر انتخاابت اندونيسيا ‪ 2024‬ابلتصويت لَلفضل واألصلح‬ ‫‪-13‬‬
‫ضابط اختيار الرئيس الواجب ‪ :‬االسالم والتكليف والذكورة والكفاية ولو ابلغري واحلرية‬ ‫‪-14‬‬
‫ضابط الرتجيح للتصويت ‪ :‬القوة واالمانة والصدق والتبليغ والفطانة والعلم والرفق‬ ‫‪-15‬‬
‫ان افتقدت هذه املواصفات ‪ ،‬فالضابط الشرعي هو أخف الضررين‬ ‫‪-16‬‬

‫رب ِجربائيل‪،‬‬
‫اللهم َّ‬
‫ويف اخلتام ‪ ،‬وهللا أسأل ان يرزقنا علما انفعا وعمال صاحلا فإنه وِل ذلك والقادر عليه‪َّ ،‬‬
‫فاطر السماوات واألرض‪ ،‬عاملَ الغيب والشهادة‪ ،‬أنت حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه‬ ‫ِ‬
‫وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل‪َ ،‬‬
‫ُيتلفون‪ ،‬اهدان ملا اختُلِف فيه من احلق إبذنك‪ ،‬إنَّك هتدي من تشاء إىل صر ٍ‬
‫اط مستقي ٍم‬ ‫َ‬
‫وصل هللا وسلم وابرك على خامت النبيني وسيد االنبياء واملرسلني وعلى اله وصحبه ومن اهتدى هبديه اىل يوم‬
‫الدين‬

‫مت حترير هذه الرسالة يف سيدايو جاوى الشرقية ‪ 8 ،‬رجب ‪ 1445‬ه ـ‬


‫بقلم العبد الضعيف‬
‫الراجي توفيق ربه اللطيف‬
‫أيب يوسف أمحد سابق بن عبد اللطيف‬

‫‪15‬‬

You might also like