Professional Documents
Culture Documents
فلسفة الاخلاق 2
فلسفة الاخلاق 2
الفصل الخامس
يعتبر كتاب " األخالق إلى نيقوماخوس" أول كتاب وضعو أرسطو في مجال األخالق ،
حيث تناول نظريتو األخالقية في عشر مقاالت ،قواميا دراسة أل فعال وسموكات وتصرفات
،من منظور اإلنسان وتوجيييا نحو ما ينبغي أ ن يكون .ألن كل فعل يقوم بو اإلنسان
أرسطو ،إال ويو دف إلى غاية ما،وال يمكن أن تكون ىذه الغاية سوى الخير األسمى ،مثل
أرسطو؟ "إن بصابة الضارب بالقوس ليدفو المحدد.فما ىو الخير وما طبيعتو عند
الغاية إ
الخير في كل واحد من األفعال والصناعات غيره في اآلخر،وذلك أن الخير يكون في الطب
غيره في تدبير الحرب،وكذا األمر في سائر الصناعات الباقية .فما ُيرى الخير في كل واحد
من الصناعات بو أقول انو الشئ الذي من أجمو تفعل الصناعة سائر ما تفعمو وىو :في
الطب :الصحة ،وفي تدبير الحرب :الظفر،وفي صناعة البناء :البيت.وىو في كل واحد من
1
األشياء غيره في آخر،وىو الغاية المقصودة في كل فعل واختيار،فإن جميع الناس إنما
يفعمون كل ما يفعمونو بسبب الغاية المقصودة" .1
ىكذا ميز أرسطو بين غايات األفعال وغايات المفعوالت ،فاألولى مثل صناعة السفن
ثمة يختمف الخير من تتمثل غايتيا في االنتصار،والثانية مثل الطب فغايتو الصحة ،ومن
فعل وصناعة إلى أخرى .وبتعدد الغايات واختالفيا تتفاضل الخيرات –التي ىي غاياتيا
المقصودة-حسب كماليا وتماميا.فيناك الخير الكامل والخير األقل كماال،فما ىو إذن الخير
الكامل؟ يعتبر أرسطو" الكامل بالجممة ىو الذي يؤثر لذاتو أبدا،وال يؤثر في وقت من
أن السعادة ىي التي ُنؤثرىا األوقات لغيره،وأولى األشياء بيذه الصفة :السعادة .وذلك
.2وبيذا يبرىن أرسطو عمى أن الخير لنفسيا ،وال نطمبيا في وقت من األوقات لغيرىا"
األسمى ىو السعادة التي ينتيي إلييا كل فعل أو سموك يقوم بو اإلنسان،ونستخمص مما
إن ظن البعض أن ىناك بعض سبق أن السعادة ىي وحدىا التي تؤثر لذاتيا ،حتى و
أ ن ىذه الفضائل تؤثر ىي الفضائل التي تؤثر لذاتيا كالكرامة والمذة ،ففي نظر أرسطو
األخرى من أجل بموغ السعادة،إذ نصل لمسعادة بتوسط ىذه الفضائل ،في حين ال تَُو ًسطُ
السعادة لمحصول عمى إحدى الفضائل األخرى .ففيما تتمثل سعادة اإلنسان إذن؟ وىل طمب
السعادة غاية كل الناس؟ وىل يجوز القول أن سعادة اإلنسان تتمثل في المذة فقط؟
و المفعوالت ،فيي أيضا تختمف إذا كانت الغايات تتعدد وتتنوع باختالف األفعال
باختالف الناس واختالف معيار السعادة عندىم ،لذا يصنفيم أرسطو إلى ثالثة فئات :فئة
العامة ،الذين يعتقدون أن السعادة تتمثل في شيء واحد وىي المذة ،وىؤالء يشبييم أرسطو
بالبيائم ،ثم فئة ُمدبري المنازل،الذين يعتبرون أن السعادة تتمثل في الكرامة والشرف.و أخي ار
1
-أرسطو،األخالق ،ترجمة أسحاق بن حنين ، ،تحقيق عبد الرحمان بدوي ، 2002ص.65،
2
-المرجع السابق ،ص.66 ،
2
ىذه فئة أصحاب المال والتجارة الذين يجدون سعادتيم في جمع المال والثروة .غير أن
إ نما ىي الفئات الثالث جميعا ال يظنيم أرسطو سعداء،ألن غاياتيم (المذة،الكرامة،والمال)
غايات تُطمب لغيرىا وليس لذاتيا .بينما تتمثل السعادة حسب أرسطو في التفكير والتفمسف
والتأمل العقمي ،فيدرك اإلنسان الخير بواسطة ىذا النوع من التفكير ،ألن الفيمسوف ييتدي
بنور العقل في سموكو وفعمو ،لذا فالسعادة مطمب القوة العاقمة التي ينفرد بيا اإلنسان ويتميز
القوة العاقمة قادرة عمى كبح جماح الشيوة،و توجيو سموك
بيا عن غيره من الكائنات الحية ،ف
اإلنسان وفعمو نحو الخير ،ومنع النفس من اقتراف الشر والقبح .ومن يعتقد من العامة
،حسب أرسطو ،أنو انسان سعيد بحصولو عمى المذات المادية أو الحسية فيو واىم،ألنيا
سعادة مؤقتة وفانية ،بدليل أن اإلنسان قد يفقدىا مرة ثانية.بينما سعادة التأمل و التفكير
سعادة دائمة ومستمرة لكونيا تقوم عمى لذة المعرفة.خاصة أن الخير األسمى الذي يصبو
إليو اإلنسان يتمثل في السعادة المتجمية في رضا النفس الدائم بما حصمت عميو من خي ،و
المختمف عن رضا النفس المؤقت المحصل عميو من المذة المادية،وذاك وجو االختالف بين
السعادة الدائمة والمذة المؤقتة ،فالمذة قد تكون خي ار ما كما قد يكون األلم والحزن حسب
أرسطو خي ار ما،لكن السعادة تتمثل في الخير األسمى المتحقق بالفضيمة الكاممة .فما السبيل
للفضيمة الكاممة ؟
الفضائل نوعان بالنسبة ألرسطو " منيا ما ىي فكرية ،ومنيا ما ىي ُخمقية :فالحكمة
والفيم والعقل فكرية .والحرية والعفة :خمقية .فإنا إذا وصفنا خمق اإلنسان لم نقل انو حكيم
أو عفيف .وقد يمدح الحكيم بالييئة التي لو،وما كان من أو فيم ،لكنا نقول انو حميم
الصفات ممدوحا سميناه فضائل ".3
أنيا حاالت يوصف فييا اإلنسان بالفضيمة يستطرد أرسطو في شرحو لمفضائل عمى
لقيامو بفعل وسموك فاضل ،فيناك من يغضب من أمر ما غضبا شديدا ،في حين ىناك من ال
3
-أرسطو ،األخالق ،ص .84 -83
3
يغضب حتى في أصعب المواقف،وفي ىذا الشأن ميز أرسطو بين ثالثة -1 :العوارض -2،
القوى -3،الحاالت.
أما العوارض فيعرفيا أرسطو بقولو "أعني بالعوارض :الشيوة والغضب والخوف والجرأة
أو أذى" .4وىذه العوارض ليست رذائل وال والحسد و( )...وبالجممة :كل ما كان يتموه لذة
فضائل بل ىي ما ينطبع في النفس،غير أن ىذا االنفعال ىو انطباع ال إرادي إذ قد يغضب
اإلنسان أو يفرح بغير إرادتو.
أما القوى فتعني قوى اإلنسان وطاقاتو لمقاومة ىذه العوارض،كما ال يمكن اعتبار القوى
فضائل وال رذائل من منظور أرسطو،ألن اإلنسان في تحممو لمعوارض أو مقاومتو ليا ال ُيمدح
إذا قوي عمى تحمميا،وال ُيذم إذا عجز عن ذلك ،فقد يصبح اإلنسان شري ار بالطبع أو خي ار بالطبع
.ليخمص أرسطو إلى أن الفضائل ليست عوارض وليست قوى بل ىي حاالت اإلنسان التي
يمدح أو يذم بسببيا،ألن الفضائل تصدر عن إرادة واختيا ر ،وحاالت اإلنسان الفاضل تكون
نتيجة اختيار السموك الفاضل .فلكي يكون اإلنسان مثال إنسانا عادال يجب أن يكون عادال مع
نفسو وعادال مع غيره،أي يحكم بالعدل بين الناس .فكيف السبيل لتحقيق فضيمة العدل؟
كانت إشكالية العدالة مثار نقاش طويل منذ بداية الفكر اإلنساني إلى اليوم،وذلك ف ي
إطار سياقات ونماذج متعددة .فقد حاول الفالسفة اليونان إيجاد أجوبة مقنعة لسؤال العدالة.
حيث كان السوفسطائيون مثال من أوائل المفكرين الذين قاموا بتحديد العدالة كاتفاقية بين
لىم تتمثل في ما يقرره الناس بعيدا عن قانون الطبيعة أو قانون اهلل.فالعدالة بالنسبة
الناس،استنادا إلى م بدئيم المعروف "اإلنسان مقياس كل شئ".وعمى خالف ذلك ظل
الفالسفة اليونان منذ أفالطون والى غاية الرواقيين يقرون أن العدالة ىي العدالة الطبيعية،
لذا فيي تتأسس من منظورىم عمى احترام ىذا النظام الطبيعي،الذي يمنح حق كل فرد حسب
4
-المرجع السابق ،صن.93
4
مؤىالتو ،لذا احتل مفيوم العدل الصدارة في محاورة"السياسة"الشييرة (بالجميورية)ألفالطون.
ففييا يسوق أفالطون فضيمة العدل كإحدى الفضائل األربعة:
إشكالية العدل في مقالتي"العدالة"و"المدينة الحكمة،الشجاعة،العفة،العدل.حيث عالج
5
* وىي Gyges السعيدة" ،فطرح أفالطون سؤال العدالة من خالل قصة خاتم جيجس
قصة توضح أن اإلنسان ليس عادال بطبيعتو ،لكونو ال يبحث عن العدالة لذاتيا،بل من أجل
تحقيق مصالحو ومنافعو الخاصة ،فالعدالة بيذا المعنى ليست فضيمة طبيعية،إذ ال يوجد
إنسان عادل إراديا وطوعا ،ما دام أن َّ
كل من يعتقد أنو قادر عمى اقتراف الظمم يقترفو،
خاصة إذا كان في منأى عن العقاب .ىكذا حاول أفالطون تحديد اإلنسان العادل واإلنسان
غير العادل.إال أن ىذا التصور المتشائم لمطبيعة اإلنسانية ارتبط بفكرة ضرورة وجود دولة أو
حكومة تممك القوة التي تجعل الجميع يحترم العدالة .ىكذا كان ىدف أفالطون األساسي ىو
تأسيس الدولة عمى العدل باعتباره أفضل مسمك لإلنسان .فتحقيق العدالة بالمدينة أو
المجتمع رىين بأن يقوم كل فرد في المجتمع بميامو التي تتناسب ومؤىالتو الطبيعية عمى
أحسن وجو .فحين يقوم كل فرد في المجتمع بالوظيفة التي عينتىا لو الطبيعة دون أن يتدخل
في شؤون غيره،آنذاك يتحقق االنسجام والتكامل بين فئات المجتمع من حكام وجنود وعامة
الناس ،فتتحقق سعادة الدولة والمدينة.ىذه ىي العدالة التي اعتبرىا أفالطون فضيمة من
الفضائل.غير أن تجسي د العدل في الحياة اليومية في نظر أفالطون يعد من باب
المستحيل،ألن العدالة تعني المساواة،في حين أن التفاوت ىو قانون الطبيعة ،فيناك القوي
وىناك الضعيف،ىناك الشجاع وىناك الجبان.لذا فميس من العدل حسب أفالطون أن نساوي
بين أناس ُخمقوا غير متساوين بالطبيعة،أوأن نعطي حصصا غير متساوية ألناس
5
متساوين.ولكي يحصل التناغم واالنسجام بين مختمف القوى في الكون،فالبد من الحفاظ عمى
طبيعة الناس،ألن اختالف الناس في أفعاليم وسموكاتيم ناجم عن تباين قدراتيم الطبيعية.
بالتالي ال يمكن من منظوره أن يطبق العدل عمى أرض الواقع،إذا فيمناه بمعنى المساواة.
ىذا،خاصة وأن رفضو لممساواة والعدالة يبدو أن أفالطون لم يكن عادال في تبريره
الواقعية،كان الدافع إليو ىو مطالبة العبيد في المجتمع اليوناني بحقيم في المساواة،السيما
يعاممون باالحتقار والدونية من طرف المجتمع اليوناني عامة،في وقت لم يؤمن أنيم كانوا َ
فيو أفالطون يوما بديمقراطية العدالة ،بل اعتبر طمبيم لممساواة مجرد وىم يعيش فيو ىؤالء
العبيد .كما كان ألرسطو نفس الموقف إزاء العبيد ،فاعتبرىم مجرد آالت حية تقوم بكل ما
فالمجتمع يحتاج إلى يطمب منيا .فالرق بالنسبة إليو ضروري القتصاد األسرة والمجتمع،
أسياد يحكمون ،كما يحتاج أيضا إلى عبيد يخدمون المجتمع.في ىذا المقام يتضح أن
أفالطون وأرسطو يتفقان معا في إضفاء طابع المشروعية عمى ظاىرة الرق التي كانت
متفشية في المجتمع اليوناني ،وان كان أرسطو يدعو ،بخالف أفالطون ،إلى حسن معاممة
األسياد لعبيدىم.
ىذه النظرة األرستقراطية لمعدل،التي تجمت بوضوح في محاورة أفالطون،وكذا في تحميل
أرسطو لمعدل،ىي نظرة حكمت عمى اإلنسان بما فُطر عميو بالطبيعة .إذ ميز أفالطون بين
العبيد واألسياد،وخص أرسطو توزيع األلقاب والمكافآت بذوي الكفاءات من األسياد .بذلك
تضمنت قيمة العدل الالعدل في المجتمع اليوناني،وأقيمت المساواة عمى الالمساواة الطبيعية
بين البشر.و من ثمة أصبح العدل معيا ار لما ينبغي أن يكون وليس لما ىو كائن في الواقع.
فمم يقض ىذا العدل المعياري عمى الظمم والجور الذي كان يمارس عمى العبيد في الواقع.
فالمجتمع العادل في نظر أفالطون يتمثل في مجتمع مثالي ،كما يجب أن يكون ،سواء
تحقق عمى أرض الواقع أم لم يتحقق ،إال أن استبعاد أفالطون لمعواطف ،حيث ال محبة وال
صداقة وال إحسان بين الناس ،جعل حياتيم اليومية ال يستقيم فييا خير وال يقوم فييا عدل .
بعد غرض فالسفة اليونان عن وصف نظام معين من الوقائع،واكتفوا بوضعىكذا ُ
مجموعة من المعايير التي تحدد ما ينبغي أن يكون وليس ما ىو كائن.فانحصرت ميمتيم
في الكشف عن"الخيراألسمى"دون االىتمام بمدى عالقة ىذه المفاىيم أوالمعايير بالواقع.ىكذا
6
شكل سؤال العدالة عند فالسفة اليونان النموذج السياسي لممدينة اليونانية ،فارتبطت العدالة
بالسياسة.
بالتالي قامت العدالة عند أرسطو عمى اعتبار أن السموك والتصرف الذي يكون وفقا
لمقوانين والتشريعات ىو السموك العادل،وىو الذي يحقق المساواة،في مقابل الظمم الذي يعتبر
خرقا لمقوانين ومنافاة لممساواة.لذا خص أرسطو المقالة الخامسة من كتاب"األخالق إلى
نيقوماخوس" لتحديد مفيوم العدل،إذ اعتبر العدالة ىي الفضيمة التامة بنحو غير مطمق،
فعرفيا بقولو "إنيا فضيمة تامة،ولكن ليس بنوع مبسوط،،وال يضاف إلى شئ آخر،ومن
أجل ىذا م ار ار كثيرة يظن بالعادلة (العدالة) إذا أضيفت إلى شئ آخر أنيا أقوى الفضائل
( )...وانما ىي تامة من أجل أن الذي ىي لو يقدر أن يستعمل الفضيمة،وفي غيره أيضا،
وليس في ذاتو فقط"(. )6
إن ما لفت انتباىنا في المقالة الخامسة من كتاب "األخالق إلى نيقوماخوس" التي
خصصيا أرسطو لتحديد مفيوم العدل،اعتمادا عمى نوع من التقابل بين العدل و الالعدل
،أي تقابل بالتضاد التام .وحتى نفيم غاية أرسطو من ىذا التقابل وجب التوقف عنده لنطرح
السؤال لما قابل أرسطو العدل بالالعدل ولم يقابمو بالظمم أو الجور ؟ في ىذا اإلطار نجد
اىتمام أرسطو بأنواع التقابالت الممكنة بين األقاويل او القضايا حيث يذكرىا في الفصل
الخامس من كتاب العبارة ليبين أييا أشد تقابال و تباينا وتضادا ،مستفس ار بقولو" وقد ينبغي
أن ننظر ىل ضد اإليجاب إنما ىو السمب،أو ضد اإليجاب أبدا إنما ىو اإليجاب ،وىل
قولنا كل إنسان عدل ىو ضد قولنا ال إنسان عدأل و إنما ضد قولنا كل إنسان جاير،كأنك
قمت سقراط عدل سقراط ليس بعدل ،سقراط جاير،فأي االثنين من ىذه ىما المتضادان ".7
أقر أرسطو أن التقابل بين اإليجاب والسمب ىو أكمل وأشد تباينا وتضادا من التقابل
بين الموجبتين كالعدل والجور،ألن التقابل من منظوره يجب أن يكون بماىية واحدة مثل
أرسطوطاليس ،األخالق ،ترجمة إ سحاق حنين،تحقيق عبد الرحمان بدوي ،الييئة العامة لقصورالثقافة،2007،ص
6
.176-175 -
7
-الفارابي ،أبو نصر،شرح كتاب ارسطوطاليس في العبارة ،ص195 ،
7
العدل و الالعدل،فيكون التقابل تقابال بالذات وليس بالعرض كما ىو حال تقابل العدل
والجور.ويؤكد لنا أرسطو أن تقابل اإليجاب والسمب أكمل من تقابل الموجبات التي توضع
محموالتيا أضدادا،وفي ىذا المقام يذكر لنا الفارابي أن أفالطون يخالف أرسطو في ىذا
القول "فانو يرى خالف ذلك بما وجد لو في كتاب السياسة ،أن الشر ىو اشد مضادة
لمخير من ما ليس بخير،فإنو لم يرد بو مضادتو في االعتقاد وال في المفظ وانما أراد بو
مضادتو لو في الوجود " .8فاإلنسان العادل من منظور أفالطون إذا لم يقم بفعل عادل ،فال
يعني ىذا بالضرورة أنو أصبح جائ ار او ظالما،بمعنى أن الالعدالة إما يترتب عنيا وقوع فعل
جائر أو ال يترتب عنيا أي جور .فنفي العدالة أو سمبيا عن اإلنسان ال تستمزم وجود الجور
فيو،فالتضاد مرتبط بتعاقب وجودىا من حيث ىي موجودة،فإذا لم يوجد الجور كانت
الالعدالة أقل وأضعف مضادة لمعدالة،ولذا فمن منظور أفالطون الجور اشد مضادة لمعدالة
من الالعدالة لمعدالة ،والشر أشد مضادة لمخير من الالخير لمخير.
أما قصد أرسطو من ىذا التقابل تبيان وجود التضاد التام بين العدالة والالعدالة ،والمراد
تضاد بين ىيئات األضداد ،أي التضاد بين ذوات وجزئيات كل ىيئة عمى حدى ،بمعنى
الالعدالة سمب لمعدالة كصفة ذاتية،مثال القضية "الحكم عادل" سمبيا "الحكم غير عادل "
فاذا كان صدق األولى َبينا فان كذب الثانية بين أيضا،في حين إذا اخذنا القضية "الحكم
جائر" يكون كذبيا أقل ظيو ار من سالبة النقيض،إذ تكون صادقة أيضا،فكيف يمكن أن يكون
الصدق ضد الصدق .
8
ولغيره حصة أكبر ،بل العادل ىو الذي يعطي لكل ذي حق حقو،وفقا لمبدأ تساوي النسب
بين الطرفين .فمثال إذا وجد شخصان نرمز ليما ب ك( ّسس) وك(عّس)،وىما متساويان في
درجة االستحقاق ،أي ك( ّسس)=ك(عّس) وكانت القيمتان ل(ن)=ل(د) متساويتين أيضا ،فينبغي
أن يتم توزيع ىاتين القيمتين وفقا لممعادلة التالية:
ك( ّسس) +ل(ن=ك(عّس)+ل(د)أو ك( ّسس)+ل(د) = ك(عّس)+ل(ن)
كما يمكن أن تطبق العدالة التوزيعية في معاممة مؤسسات الدولة مع المواطنين لكي
يحصل األعضاء عمى ما يستحقونو.
وقد أضاف أرسطو نوعا ثانيا إلى جانب العدالة التوزيعية ،وىي العدالة التصحيحية
،correctiveالتي يصبو من خالليا لتدبير المعامالت الخاصة عن طريق إرجاع الحقوق
المسموبة إلى أصحابيا في مجال التعامالت بين الناس،ومنيا :
المعامالت اإلرادية الطوعية :معامالت اختيارية تقوم بين أفراد المجتمع ،كالبيع والشراء
واإليجار والقروض والصفقات .ففي مثل ىذه الحاالت يقوم القاضي بتصحيح الضرر
الالحق بأحد المتنازعين،وذلك برد االعتبار لممتضرر.
إتالفيا ،والتعدي عمى المعامالت غير اإلرادية :المترتبة عن سمب ممتمكات الغير أو
حقوق أفراد المجتمع ،إما بالسرقة أو النيب أو النصب الخ .ففي مثل ىذه الحاالت يرى
أرسطو أن من واجب القاضي تصحيح الضرر بناءا عمى مبدأ التناسب الحسابي .ومثالو
في ذلك :
إذا نيب شخص ك( ّسس) القيمة ل (د) من شخص آخر ك(عّس) فعمى القاضي تصحيح ىذا
الوضع وذلك بإرجاع القيمة ل(د) إلى ك(عّس) حسب المعادلة التالية ( ك( ّسس) +ل(د) –
ل(د)) = ك(عّس) +ل(د)
9