You are on page 1of 9

‫جامعة ابن طفيل‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫مسلك الفلسفة‬ ‫القنيطرة‬

‫الفصل الخامس‬

‫التدريس عن بعد الموسم الجامعي‬


‫الدورة الخريفية ‪2021- 2020‬‬

‫األستاذة أمال ابريطل‬


‫وحدة الفلسفة األخالقية‬
‫المحاضرة الثانية‬
‫‪- 1‬أخالق االسعادة ألرسطو‬
‫‪ 1‬طبيعة الخير عند أرسطو‬
‫‪- 1‬‬

‫يعتبر كتاب " األخالق إلى نيقوماخوس" أول كتاب وضعو أرسطو في مجال األخالق ‪،‬‬
‫حيث تناول نظريتو األخالقية في عشر مقاالت ‪ ،‬قواميا دراسة أل فعال وسموكات وتصرفات‬
‫‪،‬من منظور‬ ‫اإلنسان وتوجيييا نحو ما ينبغي أ ن يكون‪ .‬ألن كل فعل يقوم بو اإلنسان‬
‫أرسطو‪ ،‬إال ويو دف إلى غاية ما‪،‬وال يمكن أن تكون ىذه الغاية سوى الخير األسمى‪ ،‬مثل‬
‫أرسطو؟ "إن‬ ‫بصابة الضارب بالقوس ليدفو المحدد‪.‬فما ىو الخير وما طبيعتو عند‬
‫الغاية إ‬
‫الخير في كل واحد من األفعال والصناعات غيره في اآلخر‪،‬وذلك أن الخير يكون في الطب‬
‫غيره في تدبير الحرب‪،‬وكذا األمر في سائر الصناعات الباقية‪ .‬فما ُيرى الخير في كل واحد‬
‫من الصناعات بو أقول انو الشئ الذي من أجمو تفعل الصناعة سائر ما تفعمو وىو‪ :‬في‬
‫الطب‪ :‬الصحة‪ ،‬وفي تدبير الحرب ‪:‬الظفر‪،‬وفي صناعة البناء ‪:‬البيت‪.‬وىو في كل واحد من‬

‫‪1‬‬
‫األشياء غيره في آخر‪،‬وىو الغاية المقصودة في كل فعل واختيار‪،‬فإن جميع الناس إنما‬
‫يفعمون كل ما يفعمونو بسبب الغاية المقصودة" ‪.1‬‬

‫ىكذا ميز أرسطو بين غايات األفعال وغايات المفعوالت‪ ،‬فاألولى مثل صناعة السفن‬
‫ثمة يختمف الخير من‬ ‫تتمثل غايتيا في االنتصار‪،‬والثانية مثل الطب فغايتو الصحة ‪،‬ومن‬
‫فعل وصناعة إلى أخرى‪ .‬وبتعدد الغايات واختالفيا تتفاضل الخيرات –التي ىي غاياتيا‬
‫المقصودة‪-‬حسب كماليا وتماميا‪.‬فيناك الخير الكامل والخير األقل كماال‪،‬فما ىو إذن الخير‬
‫الكامل؟ يعتبر أرسطو" الكامل بالجممة ىو الذي يؤثر لذاتو أبدا‪،‬وال يؤثر في وقت من‬
‫أن السعادة ىي التي ُنؤثرىا‬ ‫األوقات لغيره‪،‬وأولى األشياء بيذه الصفة‪ :‬السعادة ‪.‬وذلك‬
‫‪ .2‬وبيذا يبرىن أرسطو عمى أن الخير‬ ‫لنفسيا‪ ،‬وال نطمبيا في وقت من األوقات لغيرىا"‬
‫األسمى ىو السعادة التي ينتيي إلييا كل فعل أو سموك يقوم بو اإلنسان‪،‬ونستخمص مما‬
‫إن ظن البعض أن ىناك بعض‬ ‫سبق أن السعادة ىي وحدىا التي تؤثر لذاتيا ‪،‬حتى و‬
‫أ ن ىذه الفضائل تؤثر ىي‬ ‫الفضائل التي تؤثر لذاتيا كالكرامة والمذة ‪،‬ففي نظر أرسطو‬

‫األخرى من أجل بموغ السعادة‪،‬إذ نصل لمسعادة بتوسط ىذه الفضائل‪ ،‬في حين ال تَُو ًسطُ‬
‫السعادة لمحصول عمى إحدى الفضائل األخرى ‪ .‬ففيما تتمثل سعادة اإلنسان إذن؟ وىل طمب‬
‫السعادة غاية كل الناس؟ وىل يجوز القول أن سعادة اإلنسان تتمثل في المذة فقط؟‬

‫‪ -2‬عالقة السعادة بالفضيمة والمذة‬

‫و المفعوالت‪ ،‬فيي أيضا تختمف‬ ‫إذا كانت الغايات تتعدد وتتنوع باختالف األفعال‬
‫باختالف الناس واختالف معيار السعادة عندىم ‪ ،‬لذا يصنفيم أرسطو إلى ثالثة فئات‪ :‬فئة‬
‫العامة ‪،‬الذين يعتقدون أن السعادة تتمثل في شيء واحد وىي المذة‪ ،‬وىؤالء يشبييم أرسطو‬
‫بالبيائم‪ ،‬ثم فئة ُمدبري المنازل‪،‬الذين يعتبرون أن السعادة تتمثل في الكرامة والشرف‪.‬و أخي ار‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬أرسطو‪،‬األخالق ‪ ،‬ترجمة أسحاق بن حنين ‪، ،‬تحقيق عبد الرحمان بدوي ‪، 2002‬ص‪.65،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.66 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫ىذه‬ ‫فئة أصحاب المال والتجارة الذين يجدون سعادتيم في جمع المال والثروة‪ .‬غير أن‬
‫إ نما ىي‬ ‫الفئات الثالث جميعا ال يظنيم أرسطو سعداء‪،‬ألن غاياتيم (المذة‪،‬الكرامة‪،‬والمال)‬
‫غايات تُطمب لغيرىا وليس لذاتيا‪ .‬بينما تتمثل السعادة حسب أرسطو في التفكير والتفمسف‬
‫والتأمل العقمي‪ ،‬فيدرك اإلنسان الخير بواسطة ىذا النوع من التفكير ‪،‬ألن الفيمسوف ييتدي‬
‫بنور العقل في سموكو وفعمو‪ ،‬لذا فالسعادة مطمب القوة العاقمة التي ينفرد بيا اإلنسان ويتميز‬
‫القوة العاقمة قادرة عمى كبح جماح الشيوة‪،‬و توجيو سموك‬
‫بيا عن غيره من الكائنات الحية‪ ،‬ف‬
‫اإلنسان وفعمو نحو الخير ‪ ،‬ومنع النفس من اقتراف الشر والقبح‪ .‬ومن يعتقد من العامة‬
‫‪،‬حسب أرسطو‪ ،‬أنو انسان سعيد بحصولو عمى المذات المادية أو الحسية فيو واىم‪،‬ألنيا‬
‫سعادة مؤقتة وفانية‪ ،‬بدليل أن اإلنسان قد يفقدىا مرة ثانية‪.‬بينما سعادة التأمل و التفكير‬
‫سعادة دائمة ومستمرة لكونيا تقوم عمى لذة المعرفة‪.‬خاصة أن الخير األسمى الذي يصبو‬
‫إليو اإلنسان يتمثل في السعادة المتجمية في رضا النفس الدائم بما حصمت عميو من خي‪ ،‬و‬
‫المختمف عن رضا النفس المؤقت المحصل عميو من المذة المادية‪،‬وذاك وجو االختالف بين‬
‫السعادة الدائمة والمذة المؤقتة‪ ،‬فالمذة قد تكون خي ار ما كما قد يكون األلم والحزن حسب‬
‫أرسطو خي ار ما‪،‬لكن السعادة تتمثل في الخير األسمى المتحقق بالفضيمة الكاممة ‪ .‬فما السبيل‬
‫للفضيمة الكاممة ؟‬

‫الفضائل نوعان بالنسبة ألرسطو " منيا ما ىي فكرية ‪،‬ومنيا ما ىي ُخمقية ‪ :‬فالحكمة‬
‫والفيم والعقل فكرية ‪ .‬والحرية والعفة ‪ :‬خمقية ‪.‬فإنا إذا وصفنا خمق اإلنسان لم نقل انو حكيم‬
‫أو عفيف‪ .‬وقد يمدح الحكيم بالييئة التي لو‪،‬وما كان من‬ ‫أو فيم‪ ،‬لكنا نقول انو حميم‬
‫الصفات ممدوحا سميناه فضائل "‪.3‬‬

‫أنيا حاالت يوصف فييا اإلنسان بالفضيمة‬ ‫يستطرد أرسطو في شرحو لمفضائل عمى‬
‫لقيامو بفعل وسموك فاضل‪ ،‬فيناك من يغضب من أمر ما غضبا شديدا ‪،‬في حين ىناك من ال‬

‫‪3‬‬
‫‪-‬أرسطو ‪ ،‬األخالق ‪ ،‬ص ‪.84 -83‬‬

‫‪3‬‬
‫يغضب حتى في أصعب المواقف‪،‬وفي ىذا الشأن ميز أرسطو بين ثالثة ‪-1 :‬العوارض ‪-2،‬‬
‫القوى ‪ -3،‬الحاالت‪.‬‬
‫أما العوارض فيعرفيا أرسطو بقولو "أعني بالعوارض‪ :‬الشيوة والغضب والخوف والجرأة‬
‫أو أذى" ‪ .4‬وىذه العوارض ليست رذائل وال‬ ‫والحسد و(‪ )...‬وبالجممة ‪:‬كل ما كان يتموه لذة‬
‫فضائل بل ىي ما ينطبع في النفس‪،‬غير أن ىذا االنفعال ىو انطباع ال إرادي إذ قد يغضب‬
‫اإلنسان أو يفرح بغير إرادتو‪.‬‬
‫أما القوى فتعني قوى اإلنسان وطاقاتو لمقاومة ىذه العوارض‪،‬كما ال يمكن اعتبار القوى‬
‫فضائل وال رذائل من منظور أرسطو‪،‬ألن اإلنسان في تحممو لمعوارض أو مقاومتو ليا ال ُيمدح‬
‫إذا قوي عمى تحمميا‪،‬وال ُيذم إذا عجز عن ذلك‪ ،‬فقد يصبح اإلنسان شري ار بالطبع أو خي ار بالطبع‬
‫‪ .‬ليخمص أرسطو إلى أن الفضائل ليست عوارض وليست قوى بل ىي حاالت اإلنسان التي‬
‫يمدح أو يذم بسببيا‪،‬ألن الفضائل تصدر عن إرادة واختيا ر‪ ،‬وحاالت اإلنسان الفاضل تكون‬
‫نتيجة اختيار السموك الفاضل‪ .‬فلكي يكون اإلنسان مثال إنسانا عادال يجب أن يكون عادال مع‬
‫نفسو وعادال مع غيره‪،‬أي يحكم بالعدل بين الناس ‪ .‬فكيف السبيل لتحقيق فضيمة العدل؟‬

‫طبيعة العدل عند أرسطو‬


‫‪- 3‬‬

‫كانت إشكالية العدالة مثار نقاش طويل منذ بداية الفكر اإلنساني إلى اليوم‪،‬وذلك ف ي‬
‫إطار سياقات ونماذج متعددة‪ .‬فقد حاول الفالسفة اليونان إيجاد أجوبة مقنعة لسؤال العدالة‪.‬‬
‫حيث كان السوفسطائيون مثال من أوائل المفكرين الذين قاموا بتحديد العدالة كاتفاقية بين‬
‫لىم تتمثل في ما يقرره‬ ‫الناس بعيدا عن قانون الطبيعة أو قانون اهلل‪.‬فالعدالة بالنسبة‬
‫الناس‪،‬استنادا إلى م بدئيم المعروف "اإلنسان مقياس كل شئ"‪.‬وعمى خالف ذلك ظل‬
‫الفالسفة اليونان منذ أفالطون والى غاية الرواقيين يقرون أن العدالة ىي العدالة الطبيعية‪،‬‬
‫لذا فيي تتأسس من منظورىم عمى احترام ىذا النظام الطبيعي‪،‬الذي يمنح حق كل فرد حسب‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬المرجع السابق ‪،‬صن‪.93‬‬

‫‪4‬‬
‫مؤىالتو‪ ،‬لذا احتل مفيوم العدل الصدارة في محاورة"السياسة"الشييرة (بالجميورية)ألفالطون‪.‬‬
‫ففييا يسوق أفالطون فضيمة العدل كإحدى الفضائل األربعة‪:‬‬
‫إشكالية العدل في مقالتي"العدالة"و"المدينة‬ ‫الحكمة‪،‬الشجاعة‪،‬العفة‪،‬العدل‪.‬حيث عالج‬
‫‪5‬‬
‫* وىي‬ ‫‪Gyges‬‬ ‫السعيدة"‪ ،‬فطرح أفالطون سؤال العدالة من خالل قصة خاتم جيجس‬
‫قصة توضح أن اإلنسان ليس عادال بطبيعتو‪ ،‬لكونو ال يبحث عن العدالة لذاتيا‪،‬بل من أجل‬
‫تحقيق مصالحو ومنافعو الخاصة‪ ،‬فالعدالة بيذا المعنى ليست فضيمة طبيعية‪،‬إذ ال يوجد‬
‫إنسان عادل إراديا وطوعا‪ ،‬ما دام أن َّ‬
‫كل من يعتقد أنو قادر عمى اقتراف الظمم يقترفو‪،‬‬
‫خاصة إذا كان في منأى عن العقاب‪ .‬ىكذا حاول أفالطون تحديد اإلنسان العادل واإلنسان‬
‫غير العادل‪.‬إال أن ىذا التصور المتشائم لمطبيعة اإلنسانية ارتبط بفكرة ضرورة وجود دولة أو‬
‫حكومة تممك القوة التي تجعل الجميع يحترم العدالة‪ .‬ىكذا كان ىدف أفالطون األساسي ىو‬
‫تأسيس الدولة عمى العدل باعتباره أفضل مسمك لإلنسان‪ .‬فتحقيق العدالة بالمدينة أو‬
‫المجتمع رىين بأن يقوم كل فرد في المجتمع بميامو التي تتناسب ومؤىالتو الطبيعية عمى‬
‫أحسن وجو‪ .‬فحين يقوم كل فرد في المجتمع بالوظيفة التي عينتىا لو الطبيعة دون أن يتدخل‬
‫في شؤون غيره‪،‬آنذاك يتحقق االنسجام والتكامل بين فئات المجتمع من حكام وجنود وعامة‬
‫الناس‪ ،‬فتتحقق سعادة الدولة والمدينة‪.‬ىذه ىي العدالة التي اعتبرىا أفالطون فضيمة من‬
‫الفضائل‪.‬غير أن تجسي د العدل في الحياة اليومية في نظر أفالطون يعد من باب‬
‫المستحيل‪،‬ألن العدالة تعني المساواة‪،‬في حين أن التفاوت ىو قانون الطبيعة‪ ،‬فيناك القوي‬
‫وىناك الضعيف‪،‬ىناك الشجاع وىناك الجبان‪.‬لذا فميس من العدل حسب أفالطون أن نساوي‬
‫بين أناس ُخمقوا غير متساوين بالطبيعة‪،‬أوأن نعطي حصصا غير متساوية ألناس‬

‫* يعني لفظ العدالة بالالتينية ‪Justicia‬‬


‫عمى المساواة وممارسة الواجبات‬ ‫ويعبر عنيا بالقسطاس‪،‬كما نجدىا في اإلصطالح المغوي تدل كل مشتقاتيا‬
‫والتصرف بعدل‪،‬وتدل في عموم مختمفة عمى نفس الغاية والقصد‪،‬كأن نجد التعادل في مجال الرياضة‪ ،‬المعادالت الرياضية‪،‬‬
‫االعتدال في الشرعيات‪،‬في السموك‪ ،‬في الييئة‪ ،‬ثم التعديل بمعنى اإلصالح أو تقويم اإلعوجاج في شتى المجاالت‪ ،‬أيضا‬
‫أخذت نفس الداللة في العدالة القانونية‪ ،‬والعدالة السياسية‪.‬‬
‫‪ . Gyges -* 1‬ىو بطل قصة كتاب الجميورية ألفالطون‪ ،‬تحكي قصة جيجس راعيا لألغنام تسببت عاصفة‬
‫رعدية في إنزالو لعمق األرض داخل كيف فيو كنز وىدايا‪ ،‬أىميا خاتم من ذىب يصبح حاممو مختفيا عن األنظار إذا أراد‬
‫ذلك‪ ،‬وبيذا يمنحو القوة والجاه‪ ،‬ومن ثمة يمكن أن يستخدمو في الخير أو الشر‪ .‬والحكمة في ذلك أن حامل ىذا الخاتم‬
‫يمكنو اقتراف الشر والظمم ألنو يعمم أنو لن يعاقب مادام لن يراه أحد‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫متساوين‪.‬ولكي يحصل التناغم واالنسجام بين مختمف القوى في الكون‪،‬فالبد من الحفاظ عمى‬
‫طبيعة الناس‪،‬ألن اختالف الناس في أفعاليم وسموكاتيم ناجم عن تباين قدراتيم الطبيعية‪.‬‬
‫بالتالي ال يمكن من منظوره أن يطبق العدل عمى أرض الواقع‪،‬إذا فيمناه بمعنى المساواة‪.‬‬
‫ىذا‪،‬خاصة وأن رفضو لممساواة والعدالة‬ ‫يبدو أن أفالطون لم يكن عادال في تبريره‬
‫الواقعية‪،‬كان الدافع إليو ىو مطالبة العبيد في المجتمع اليوناني بحقيم في المساواة‪،‬السيما‬
‫يعاممون باالحتقار والدونية من طرف المجتمع اليوناني عامة‪،‬في وقت لم يؤمن‬ ‫أنيم كانوا َ‬
‫فيو أفالطون يوما بديمقراطية العدالة‪ ،‬بل اعتبر طمبيم لممساواة مجرد وىم يعيش فيو ىؤالء‬
‫العبيد‪ .‬كما كان ألرسطو نفس الموقف إزاء العبيد‪ ،‬فاعتبرىم مجرد آالت حية تقوم بكل ما‬
‫فالمجتمع يحتاج إلى‬ ‫يطمب منيا‪ .‬فالرق بالنسبة إليو ضروري القتصاد األسرة والمجتمع‪،‬‬
‫أسياد يحكمون‪ ،‬كما يحتاج أيضا إلى عبيد يخدمون المجتمع‪.‬في ىذا المقام يتضح أن‬
‫أفالطون وأرسطو يتفقان معا في إضفاء طابع المشروعية عمى ظاىرة الرق التي كانت‬
‫متفشية في المجتمع اليوناني‪ ،‬وان كان أرسطو يدعو‪ ،‬بخالف أفالطون‪ ،‬إلى حسن معاممة‬
‫األسياد لعبيدىم‪.‬‬
‫ىذه النظرة األرستقراطية لمعدل‪،‬التي تجمت بوضوح في محاورة أفالطون‪،‬وكذا في تحميل‬
‫أرسطو لمعدل‪،‬ىي نظرة حكمت عمى اإلنسان بما فُطر عميو بالطبيعة‪ .‬إذ ميز أفالطون بين‬
‫العبيد واألسياد‪،‬وخص أرسطو توزيع األلقاب والمكافآت بذوي الكفاءات من األسياد‪ .‬بذلك‬
‫تضمنت قيمة العدل الالعدل في المجتمع اليوناني‪،‬وأقيمت المساواة عمى الالمساواة الطبيعية‬
‫بين البشر‪.‬و من ثمة أصبح العدل معيا ار لما ينبغي أن يكون وليس لما ىو كائن في الواقع‪.‬‬
‫فمم يقض ىذا العدل المعياري عمى الظمم والجور الذي كان يمارس عمى العبيد في الواقع‪.‬‬
‫فالمجتمع العادل في نظر أفالطون يتمثل في مجتمع مثالي‪ ،‬كما يجب أن يكون‪ ،‬سواء‬
‫تحقق عمى أرض الواقع أم لم يتحقق‪ ،‬إال أن استبعاد أفالطون لمعواطف‪ ،‬حيث ال محبة وال‬
‫صداقة وال إحسان بين الناس‪ ،‬جعل حياتيم اليومية ال يستقيم فييا خير وال يقوم فييا عدل ‪.‬‬
‫بعد غرض فالسفة اليونان عن وصف نظام معين من الوقائع‪،‬واكتفوا بوضع‬‫ىكذا ُ‬
‫مجموعة من المعايير التي تحدد ما ينبغي أن يكون وليس ما ىو كائن‪.‬فانحصرت ميمتيم‬
‫في الكشف عن"الخيراألسمى"دون االىتمام بمدى عالقة ىذه المفاىيم أوالمعايير بالواقع‪.‬ىكذا‬

‫‪6‬‬
‫شكل سؤال العدالة عند فالسفة اليونان النموذج السياسي لممدينة اليونانية‪ ،‬فارتبطت العدالة‬
‫بالسياسة‪.‬‬

‫بالتالي قامت العدالة عند أرسطو عمى اعتبار أن السموك والتصرف الذي يكون وفقا‬
‫لمقوانين والتشريعات ىو السموك العادل‪،‬وىو الذي يحقق المساواة‪،‬في مقابل الظمم الذي يعتبر‬
‫خرقا لمقوانين ومنافاة لممساواة‪.‬لذا خص أرسطو المقالة الخامسة من كتاب"األخالق إلى‬
‫نيقوماخوس" لتحديد مفيوم العدل‪،‬إذ اعتبر العدالة ىي الفضيمة التامة بنحو غير مطمق‪،‬‬
‫فعرفيا بقولو "إنيا فضيمة تامة‪،‬ولكن ليس بنوع مبسوط‪،،‬وال يضاف إلى شئ آخر‪،‬ومن‬
‫أجل ىذا م ار ار كثيرة يظن بالعادلة (العدالة) إذا أضيفت إلى شئ آخر أنيا أقوى الفضائل‬
‫(‪ )...‬وانما ىي تامة من أجل أن الذي ىي لو يقدر أن يستعمل الفضيمة‪،‬وفي غيره أيضا‪،‬‬
‫وليس في ذاتو فقط"(‪. )6‬‬

‫إن ما لفت انتباىنا في المقالة الخامسة من كتاب "األخالق إلى نيقوماخوس" التي‬
‫خصصيا أرسطو لتحديد مفيوم العدل‪،‬اعتمادا عمى نوع من التقابل بين العدل و الالعدل‬
‫‪،‬أي تقابل بالتضاد التام ‪ .‬وحتى نفيم غاية أرسطو من ىذا التقابل وجب التوقف عنده لنطرح‬
‫السؤال لما قابل أرسطو العدل بالالعدل ولم يقابمو بالظمم أو الجور ؟ في ىذا اإلطار نجد‬
‫اىتمام أرسطو بأنواع التقابالت الممكنة بين األقاويل او القضايا حيث يذكرىا في الفصل‬
‫الخامس من كتاب العبارة ليبين أييا أشد تقابال و تباينا وتضادا ‪ ،‬مستفس ار بقولو" وقد ينبغي‬
‫أن ننظر ىل ضد اإليجاب إنما ىو السمب‪،‬أو ضد اإليجاب أبدا إنما ىو اإليجاب‪ ،‬وىل‬
‫قولنا كل إنسان عدل ىو ضد قولنا ال إنسان عدأل و إنما ضد قولنا كل إنسان جاير‪،‬كأنك‬
‫قمت سقراط عدل سقراط ليس بعدل‪ ،‬سقراط جاير‪،‬فأي االثنين من ىذه ىما المتضادان "‪.7‬‬
‫أقر أرسطو أن التقابل بين اإليجاب والسمب ىو أكمل وأشد تباينا وتضادا من التقابل‬
‫بين الموجبتين كالعدل والجور‪،‬ألن التقابل من منظوره يجب أن يكون بماىية واحدة مثل‬

‫أرسطوطاليس‪ ،‬األخالق ‪ ،‬ترجمة إ سحاق حنين‪،‬تحقيق عبد الرحمان بدوي‪ ،‬الييئة العامة لقصورالثقافة‪،2007،‬ص‬
‫‪6‬‬
‫‪.176-175 -‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬الفارابي ‪ ،‬أبو نصر‪،‬شرح كتاب ارسطوطاليس في العبارة ‪ ،‬ص‪195 ،‬‬

‫‪7‬‬
‫العدل و الالعدل‪،‬فيكون التقابل تقابال بالذات وليس بالعرض كما ىو حال تقابل العدل‬
‫والجور‪.‬ويؤكد لنا أرسطو أن تقابل اإليجاب والسمب أكمل من تقابل الموجبات التي توضع‬
‫محموالتيا أضدادا‪،‬وفي ىذا المقام يذكر لنا الفارابي أن أفالطون يخالف أرسطو في ىذا‬
‫القول "فانو يرى خالف ذلك بما وجد لو في كتاب السياسة ‪ ،‬أن الشر ىو اشد مضادة‬
‫لمخير من ما ليس بخير‪،‬فإنو لم يرد بو مضادتو في االعتقاد وال في المفظ وانما أراد بو‬
‫مضادتو لو في الوجود " ‪ .8‬فاإلنسان العادل من منظور أفالطون إذا لم يقم بفعل عادل‪ ،‬فال‬
‫يعني ىذا بالضرورة أنو أصبح جائ ار او ظالما‪،‬بمعنى أن الالعدالة إما يترتب عنيا وقوع فعل‬
‫جائر أو ال يترتب عنيا أي جور‪ .‬فنفي العدالة أو سمبيا عن اإلنسان ال تستمزم وجود الجور‬
‫فيو‪،‬فالتضاد مرتبط بتعاقب وجودىا من حيث ىي موجودة‪،‬فإذا لم يوجد الجور كانت‬
‫الالعدالة أقل وأضعف مضادة لمعدالة‪،‬ولذا فمن منظور أفالطون الجور اشد مضادة لمعدالة‬
‫من الالعدالة لمعدالة ‪،‬والشر أشد مضادة لمخير من الالخير لمخير‪.‬‬
‫أما قصد أرسطو من ىذا التقابل تبيان وجود التضاد التام بين العدالة والالعدالة‪ ،‬والمراد‬
‫تضاد بين ىيئات األضداد ‪،‬أي التضاد بين ذوات وجزئيات كل ىيئة عمى حدى‪ ،‬بمعنى‬
‫الالعدالة سمب لمعدالة كصفة ذاتية‪،‬مثال القضية "الحكم عادل" سمبيا "الحكم غير عادل "‬
‫فاذا كان صدق األولى َبينا فان كذب الثانية بين أيضا‪،‬في حين إذا اخذنا القضية "الحكم‬
‫جائر" يكون كذبيا أقل ظيو ار من سالبة النقيض‪،‬إذ تكون صادقة أيضا‪،‬فكيف يمكن أن يكون‬
‫الصدق ضد الصدق ‪.‬‬

‫‪ 1-3‬العدالة التوزيعية والعدالة التصحيحية أو التعويضية عند أرسطو‬


‫ميز أرسطو بين نوعين من العدالة‪،‬عدالة توزيعية وعدالة تصحيحية‪ ،‬وذلك حسب معايير‬
‫االستحقاق كما يراىا أرسطو في تمك الحقبة‪ ،‬والتي قد ال تتناسب بالضرورة مع السياسات‬
‫الحديثة والمعاصرة‪.‬‬
‫فالعدالة بالنسبة ألرسطو ىي الحالة التي يكون فييا الشخص قاد ار عمى القيام بالعدل‬
‫عن طواعية‪،‬كمما قام بتوزيع الخيرات‪ ،‬سواء بينو وآخر‪،‬أو بين أشخاص آخرين‪،‬عمى أال‬
‫يعطي لنفسو من الخير حصة أكبر‪،‬ولغيره حصة أقل‪،‬وال يعطي لنفسو من الشر حصة أقل‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬المصدر السابق ‪،‬ص‪.223 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫ولغيره حصة أكبر‪ ،‬بل العادل ىو الذي يعطي لكل ذي حق حقو‪،‬وفقا لمبدأ تساوي النسب‬
‫بين الطرفين‪ .‬فمثال إذا وجد شخصان نرمز ليما ب ك( ّسس) وك(عّس)‪،‬وىما متساويان في‬
‫درجة االستحقاق ‪ ،‬أي ك( ّسس)=ك(عّس) وكانت القيمتان ل(ن)=ل(د) متساويتين أيضا‪ ،‬فينبغي‬
‫أن يتم توزيع ىاتين القيمتين وفقا لممعادلة التالية‪:‬‬
‫ك( ّسس) ‪+‬ل(ن=ك(عّس)‪+‬ل(د)أو ك( ّسس)‪+‬ل(د) = ك(عّس)‪+‬ل(ن)‬
‫كما يمكن أن تطبق العدالة التوزيعية في معاممة مؤسسات الدولة مع المواطنين لكي‬
‫يحصل األعضاء عمى ما يستحقونو‪.‬‬
‫وقد أضاف أرسطو نوعا ثانيا إلى جانب العدالة التوزيعية‪ ،‬وىي العدالة التصحيحية‬
‫‪ ،corrective‬التي يصبو من خالليا لتدبير المعامالت الخاصة عن طريق إرجاع الحقوق‬
‫المسموبة إلى أصحابيا في مجال التعامالت بين الناس‪،‬ومنيا ‪:‬‬
‫المعامالت اإلرادية الطوعية ‪:‬معامالت اختيارية تقوم بين أفراد المجتمع‪ ،‬كالبيع والشراء‬
‫واإليجار والقروض والصفقات‪ .‬ففي مثل ىذه الحاالت يقوم القاضي بتصحيح الضرر‬
‫الالحق بأحد المتنازعين‪،‬وذلك برد االعتبار لممتضرر‪.‬‬
‫إتالفيا‪ ،‬والتعدي عمى‬ ‫المعامالت غير اإلرادية ‪:‬المترتبة عن سمب ممتمكات الغير أو‬
‫حقوق أفراد المجتمع‪ ،‬إما بالسرقة أو النيب أو النصب الخ ‪ .‬ففي مثل ىذه الحاالت يرى‬
‫أرسطو أن من واجب القاضي تصحيح الضرر بناءا عمى مبدأ التناسب الحسابي‪ .‬ومثالو‬
‫في ذلك ‪:‬‬
‫إذا نيب شخص ك( ّسس) القيمة ل (د) من شخص آخر ك(عّس) فعمى القاضي تصحيح ىذا‬
‫الوضع وذلك بإرجاع القيمة ل(د) إلى ك(عّس) حسب المعادلة التالية ( ك( ّسس) ‪+‬ل(د) –‬
‫ل(د)) = ك(عّس) ‪ +‬ل(د)‬

‫فما السبيل الختيار الفعل الفاضل ولتحقيق العدالة ؟‬

‫‪9‬‬

You might also like