You are on page 1of 27

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/327690347

‫اﻟﺴﻨﻦ اﻻﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎرات ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ دراﺳﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ‬

Research · September 2018


DOI: 10.13140/RG.2.2.12341.32488

CITATIONS READS

0 320

1 author:

‫اﺣﻤﺪ رﺷﻴﺪ ﺣﺴﻴﻦ اﺣﻤﺪ‬


University of Baghdad
4 PUBLICATIONS 0 CITATIONS

SEE PROFILE

All content following this page was uploaded by ‫ اﺣﻤﺪ رﺷﻴﺪ ﺣﺴﻴﻦ اﺣﻤﺪ‬on 17 September 2018.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫‪1‬‬

‫بحث بعنوان‬

‫السنن االلهية في بناء الحضارات‬


‫في القرآن الكريم‬
‫دراسة موضوعية‬

‫اعداد‬

‫م‪.‬د‪ .‬احمد رشيد حسين‬


‫‪2‬‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى أله‬
‫وصحبه وسلم اما بعد ‪:‬‬

‫فان البحث في سنن التخلق الحضاري في القران الكريم ‪،‬له اهميته ذلك انه يعطينا‬
‫التصور الحق للتخلق الحضاري فالحضارة تظل من اضخم انجازات الكائن البشري‬
‫ذلك وقف منها موقفين متباينين الرهبة والعجز او التفهم‬ ‫و اخطرها ‪،‬و ألجل‬
‫والتخطيط‪ ،‬ان الوقوف على قوانين الحضارة وسنن وجودها وحركتها وتطورها‬
‫وانطفائها في عالقتها بالمتغير البشري يجعلنا نحيط علما بالطرق الصحيحة في‬
‫المحافظة على بنائنا الحضاري بهدي من تعاليم القران الكريم وتوجيهاته ‪،‬ذلك ان‬
‫للحضارة االسالمية خصوصية في التخلق وااليجاد ‪.‬ان الدراسات الحضارية اليوم‬
‫تتصدر قائمة اهتمامات المفكرين العرب والمسلمين ‪،‬فبعد قرن كامل من التجارب‬
‫وجدت األمة أن الحصيلة عاجزة عن أن تقدم اجابات جوهرية فيما يتعلق بقضية‬
‫النهوض الحضاري ‪ ،‬وتفسير العلل الحقيقية وراء المأزق الذي تعيشه هذه االمة ‪،‬‬
‫باإلضافة الى أن سلسلة التجارب الفاشلة واالنكسارات المتالحقة وما كرسته من‬
‫خيبات افقدت الثقة في االجتهادات التي قدمت واالختبارات التي تم تطبيقها ‪.‬ان هذه‬
‫الورقة البحثية تحاول دراسة مواجهة الظاهرة الحضارية على ضوء النص القرآني ‪،‬‬
‫وتحاول ان تعطي اجابة واضحة عن سنن البناء الحضاري في القران الكريم بعيدا‬
‫عن سلطان المأزق الذي يوجه الدراسات العربية غالبا ويقودها في المسار الخاطئ‬
‫الن األزمات الحضارية تعرض تجليات خادعة لحقيقتها واشكالياتها تنبع من صميم‬
‫سنة البناء الحضاري وتقدم غير شروطه فما يكون علة يصير نتيجة وتنعكس‬
‫المعادلة في المنقلب ‪ .‬ان سنة البناء الحضاري الذي ّ‬
‫ركز عليه القران الكريم‬
‫كأساس لبناء حضارة اسالمية مثلى هو الذي يعطي االجابات الصحيحة لالزمات‬
‫التي تعصف باألمة االسالمية ‪،‬كما انه يرسم الخطوط لبناء حضاري اسالمي متين‬
‫‪3‬‬

‫ان الحضارة االسالمية ما افل نجمها اال بسبب غياب القانون القرآني في البناء‬
‫الحضاري ‪.‬اذن هذا البحث ينتمي الى فلسفة الحضارة فهو يهتم بتحديد مفهوم‬
‫الحضارة ويبحث في قضية الدور الحضاري وشروط بناء الظاهرة الحضارية‬
‫وانهيارها على ضوء القوانين القرآنية والسنن اإللهية الماضية لذا وسمت هذه الورقة‬
‫البحثية بـ(السنن االلهية في بناء الحضارات وزوالها في القرآن الكريم –دراسة‬
‫موضوعية) حاولت فيها االستعانة بهذا القانون القرآني من اجل الكشف عن اسباب‬
‫انهيار الحضارة االسالمية ومالبسات انحطاطها منذ هجمة المغول وحتى سقوط‬
‫الخالفة وتأتي اهمية هذا البحث الستجابته لمتطلبات المرحلة الحضارية التي تعيشها‬
‫هذه االمة المتحرقة الى ما ينتشلها من وهدة االنحطاط التي علقت فيها واضاعت‬
‫خزان طاقتها الولودة‬
‫السبيل الى ذلك فتواكلت على االسباب المفقودة وغفلة عن ّ‬
‫واقعدتها المها والمحن ناسية ان ال شيء يجعلنا اقوياء مثل االلم ان غفلة االمة عن‬
‫السنن القرآنية الثابتة هو الذي اوقعها في االلم وجعلها اسيرة الماضي دون عمل‬
‫مثمر لتثوير هذا الماضي واستئناف البناء من جديد ‪ .‬قسمت البحث على مبحثين‬
‫جاعل المبحث االول للحديث عن مفهوم الحضارة والسنن الحضارية ‪ ،‬والمبحث‬
‫الثاني لسنن البناء الحضاري في القران الكريم شروطه واسسه ‪ ،‬وقد افاد البحث من‬
‫كثير من النظريات واآلراء المتوافرة فيما يتعلق بقضية الحضارة اال انه قدم الرؤيا‬
‫القرآنية عن طريق السنن االلهية المنثورة في كتاب هللا تعالى وقوانينه الكونية التي ال‬
‫تتخلف ‪.‬وبعد فالحمد هلل الذي افاض علينا من تيسيره و ّايدنا به من هدايته ‪ ،‬وانعم‬
‫علينا من اسباب خدمة كتابه المعجز وكالمه الهادي للتي هي اقوم ‪.‬‬
‫ّ‬

‫الباحث‬
‫‪4‬‬

‫المبحث االول‬

‫مفهوم الحضارة و السنن الحضارية‬

‫ان تحديد المفاهيم اولوية مهمة في البحث العلمي ذلك ان الوقوف على المفهوم‬
‫لمضمون ما تعريفا وتصو ار سوف يفتح االفق لفهم التطور التركيبي والمضموني لهذا‬
‫المفهوم ‪ ،‬ومفهوم الحضارة من أكثر المفاهيم صعوبة في التحديد‪ ،‬وذلك بفعل‬
‫التطور الداللي الذي حظي به عبر تاريخ الحضارة نفسها‪ ،‬ولعل من أهم أسباب‬
‫أيضا ما يرجع إلى الخلفية الفكرية لصاحب كل تعريف‪،‬‬‫االختالف في تعريفها ً‬
‫والمنظور الذي يقدم من خالله تعريفه‪ ،‬وكذلك تكوينه العلمي وزاده المعرفي؛‬
‫فالمؤرخ‪ ،‬واألنثربولوجي‪ ،‬وعالم االجتماع‪ ،‬واللغوي‪ ،‬وعالم النفس‪،‬كل يعرفها انطال ًقا‬
‫من أرضيته الفلسفية ومنظوره المعرفي الذي ينظم أفكاره ‪ ،‬ونتيجة لحيوية التنقيب‬
‫والبحث في حقل الدراسات الحضارية‪ ،‬ظهرت تعريفات متعددة ومتنوعة لظاهرة‬
‫الحضارة‪ ،‬كما أن هناك تعريفات ولدت ضمن إطار الوعي العقدي الغربي وأخرى‬
‫صيغت استجابة للوعي العقدي التوحيدي‪ .‬ولذلك نحاول تناول مفهوم الحضارة من‬
‫الوجهتين؛اللغوية‪ ،‬واالصطالحية‪ ،‬وتحديد مفهوم السنن االلهية في بناء الحضارات‬
‫للتمكن من الوقوف على سنن التخلق الحضاري في القران الكريم و تحديده ضمن‬
‫منظور الدراسة الذي نحاول صياغته‪.‬‬

‫المطلب االول‬

‫مفهوم الحضارة لغة واصطالحا‬

‫‪ -‬الفرع االول ‪ :‬الحضارة لغة ‪-:‬‬

‫ضر خالف‬ ‫الح َ‬


‫الحاء‪ ،‬والضاد‪ ،‬والراء إيراد الشيء‪ ،‬ووروده‪ ،‬ومشاهدته‪ ،‬و َ‬
‫البدو‪ ،‬والحاضر‪ :‬خالف البادي‪ ،‬أي المقيم في المدن والقرى‪ ،‬والبادي‪ :‬المقيم‬
‫‪5‬‬

‫ضري‪،‬‬
‫بالبادية‪ ،‬ويقال‪ :‬فالن من أهل الحاضرة‪ ،‬وفالن من أهل البادية‪ ،‬وفالن َح َ‬
‫وفالن َب َدوي‪ ،‬والحضارة اإلقامة في الحضر‪ ،‬وروي عن األصمعي كان يقول‪:‬‬
‫ض َارة‪ ،‬بالفتح‪ ،‬قال القطامي‪:‬‬
‫الح َ‬
‫َ‬
‫فأي رجال ِ‬
‫بادَية ترانا‬ ‫َع َجَب ْته‬
‫ضارة أ ْ‬
‫الح َ‬
‫فمن تكن َ‬
‫والحضر‪ ،‬والحضرة‪ ،‬و ِ‬
‫الحاض َرة‪ :‬خالف البادية‪ ،‬وهي المدن‪ ،‬والقرى‪،‬‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬
‫حضروا األمصار‪ ،‬ومساكن الديار التي تكون لهم‬
‫والريف‪ ،‬سميت بذلك ألن أهلها َ‬
‫بها قرار‪.1‬فالحضارة في عرف اللغة كما رأينا ترتبط بالحضر‪ ،‬والعمران‪ ،‬أي أن‬
‫المصطلح من ناحية اللغة العربية ذاتها يحمل المعنى االجتماعي‪ ،‬وذلك عند‬
‫اعتبار الحضارة عالمة على الحضور واإلقامة واالستقرار‪ ،‬وهذه كلها تحمل‬
‫معاني اجتماعية‪ ،‬فإذا سكن الناس واستقروا نشأت بينهم صالت اجتماعية‬
‫أكثر‪،‬وارتبطت مصالحهم‪ ،‬ونشأت بينهم سبل التعاون‪ ،‬واتجهوا إلى بناء المدن‬
‫واإلبداع واالنتظام والتنظيم ‪ ،‬وكأن اللغة تشير إلى أن الحضارة مفهوم اجتماعي‬
‫منذ نشأته‪ ،‬كما أنها ال تكون إال حيث توجد عالقات اجتماعية متبادلة بين الناس‬
‫تظهر فيها معاني التعاون والتنظيم و االنتظام في إطار مكاني محدد هو‬
‫المدينة‪ ،‬ولعل هذا فيه إشارة الهتمام النبي –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بتسمية‬
‫(يثرب) باسم (المدينة)‪ ،‬بما يتضمنه لفظ المدينة من قيم اجتماعية وحضارية‬
‫بعيدة األثر في النفس اإلنسانية‪.2‬‬

‫أما مصطلح "الحضارة" في اللغات األوربية‪ ،‬واللغة اإلنجليزية بخاصة‪ ،‬فمشتقة‬


‫من الالتينية‪ ،‬فلفظ "‪ "Civilization‬لغويًّا يرجع إلى الجذر "‪ "civites‬بمعنى‬
‫مدينة‪ ،‬و"‪ "Civis‬بمعنى ساكن المدينة‪ ،‬أو "‪ "civilis‬بمعنى مدني أو ما يتعلق‬
‫بساكن المدينة‪ 3‬كما أنها تقرن أحيانا بمصطلح "‪ "Culture‬التي في معناها‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪:‬معجم مقاييس اللغة – ابن فارس احمد بن فارس بن زكريا‪ -‬تحقيق عبد السالم هارون‪ -‬مكتبة الخانجي القاهرة‪1442 -‬هـ‪-‬‬
‫‪1891‬م‪ -‬ج‪ -2‬ص‪ -57-55‬مادة حضر‪ ،‬وتهذيب اللغة – دمحم بن احمد االزهري‪ -‬دار احياء التراث – بيروت ‪2441-‬م ج‪-115 -4‬‬
‫‪ -119‬مادة حضر‪ ،‬ولسان العرب – جمال الدين دمحم بن مكرم بن منظور االفريقي المصري‪ -‬دار صادر –بيروت‪ -‬ط‪-1885 -1‬‬
‫ج‪-2‬ص ‪ -142،143‬مادة حضر‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬في مفهوم الحضارة – د‪ -‬بدران بن الحسن ص‪ – 1‬موقع االسالم اليوم محرك البحث –‪PrIntart 40-‬‬
‫‪httP://WWW.ISlamtoday.net/naWaFeth/SerVICeS/3205.htm‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬في فلسفة الحضارة – احمد محمود صبحي – مؤسسة الثقافة الجامعية – االسكندرية‪ -‬ص‪، 3‬وفي مفهوم الحضارة – د‪-‬‬
‫بدران بن الحسن ص‪1‬‬
‫‪7‬‬

‫الالتيني تفيد اإلنماء والحرث‪ ،‬واستمر مفهومها في حراثة األرض وتنميتها‪ ،‬إلى‬
‫نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬حيث كما يذكر معجم أكسفورد أنها اكتسبت معنى‬
‫يشير إلى المكاسب العقلية واألدبية والذوقية‪ ،‬وتقابل في العربية مصطلح‬
‫ثقافة‪.4‬فالمصطلح نفسه لم يأخذ معناه المعروف لدينا اليوم عن الحضارة في‬
‫اللغات األوربية‪ ،‬إال مع القرن الثامن عشر‪ ، 5‬باعتبار ما اقترن به من‬
‫مصطلحات داللية أخرى‪ ،‬وأقرب المعاني اللغوية المستعملة اليوم أن الحضارة‪:‬‬
‫(مرحلة متقدمة من النمو الفكري والثقافي والمادي في المجتمع اإلنساني)‪ ، 6‬أو‬
‫هي‪( :‬مرحلة متقدمة من التقدم االجتماعي اإلنساني‪ ،‬أو هي ثقافة وطريقة حياة‬
‫‪7‬‬
‫شعب أو أمة أو فترة من مراحل التطور في مجتمع منظم)‬

‫فمصطلح الحضارة في الالتينية واللغات األوربية أيضا يتضمن معنى المدينة‪،‬‬


‫تشابها في المعنيين‬
‫ً‬ ‫واالستقرار‪ ،‬والتنظيم الذي تقتضيه حياة المدينة‪ ،‬وكأن هناك‬
‫اللغويين في كل من العربية والالتينية‪ ،‬باعتبار أن اإلنسان اجتماعي بطبعه‬
‫حسب التعبير الخلدوني‪ 8‬أي أن النـزوع إلى التجمع والتنظيم واالنتظام فطرة‬
‫إنسانية تحكم السلوك اإلنساني في إطاره الجماعي‪ ،‬وأن التحضر مطلب إنساني‬
‫متصل بالسعي اإلنساني في مختلف العصور‪.‬‬

‫‪ -‬الفرع الثاني ‪ :‬الحضارة اصطالحا‪-:‬‬

‫أما من الناحية االصطالحية؛ فإن للحضارة تعاريف مختلفة ‪ -‬كما سبقت‬


‫اإلشارة‪ -‬فهي عند ابن خلدون (الحضارة هي نهاية العمران وخروجه إلى الفساد‬
‫ونهاية الشر والبعد عن الخير)‪ 9‬وابن خلدون هنا يشير إلى المرحلة األخيرة التي‬
‫تمر بها الدولة أو المجتمع عندما تتفكك العصبية ‪ ،‬وتضمحل قوة الرابطة التي‬
‫تجمع الناس على بناء المجتمع‪ ،‬فيصير المجتمع في حالة الترف التي أشار إليها‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬في معركة الحضارة – قسطنطين زريق‪ -‬دار العلم للماليين – بيروت –ط‪ -1891-4‬ص‪33-32‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬الحضارة – الثقافة – المدنية – سلسة المفاهيم والمصطلحات – نصر دمحم عارف‪ -‬المعهد العالمي للفكر االسالمي –‬
‫هيرندن‪،‬فرجينيا‪1414 -‬هـ‪1884 -‬م‪ -‬ص‪ 33‬و في مفهوم الحضارة‪ -‬د‪ -‬بدران بن الحسن ص‪2-1‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬في مفهوم الحضارة – د‪ -‬بدران بن الحسن – ص‪2‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬في معركة الحضارة – قسطنطين زريق‪ -‬ص‪34‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬مقدمة ابن خلدون‪ -‬عبد الرحمن بن خلدون‪ -‬دار القلم –بيروت‪ -‬ط‪ -1894 -5‬ص‪455‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ -‬ص‪.455‬‬
‫‪5‬‬

‫ابن خلدون في مقدمته‪،‬وتقل أخالق البناء‪ ،‬وتظهر أخالق الفتور‪ ،‬فالحضارة بهذا‬
‫‪10‬‬
‫التعبير الخلدوني درجة من التقدم تبلغها المجتمعات ‪ .‬ويزيد ابن خلدون تعريفاً‬
‫آخر للحضارة يسميها "سر هللا في ظهور العلم والصنائع" وذلك في الفصل الذي‬
‫يفسر فيه لماذا أن "حملة العلم في اإلسالم أكثرهم العجم" مما يجعل من العلم‬
‫والصناعة منتوجات حضارية ‪ ،‬كما أن الحضارة تصطبغ بذلك الطابع‬
‫ض ِر ‪ ،‬وإن‬ ‫االجتماعي العمراني‪ ،‬يقول ابن خلدون‪( :‬إن الصنائع من منتحل َ‬
‫الح َ‬
‫الحضر لذلك العهد هم‬
‫العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوملذلك حضرية‪ ..‬و َ‬
‫العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم‬
‫في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف)‪.11‬‬

‫أساسا (الفرس) الذين‬


‫ً‬ ‫ويعلل ابن خلدون ذلك برسوخ الحضارة في العجم‪،‬ويعني‬
‫تحولوا إلى اإلسالم‪ ،‬فيقول‪( :‬ألنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ‬
‫دولة الفرس‪ ..‬وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن‬
‫‪12‬‬
‫البداوة فشغلتهم الرئاسة في الدولة وحاميتها وأولي سياستها)‬

‫فالعرب حسب ابن خلدون كانوا في بدايات اتصالهم بهذه المنجزات الحضارية‬
‫من علوم وصنائع غير أنهم شغلوا عنها بمهمات بناء الدولة الجديدة‪ ،‬والتي كانت‬
‫إحدى مراحل بناء الحضارة التي ابتدأها النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في المدينة‬
‫بل من غار حراء عندما اتصلت األرض بالسماء عن طريق الوحي‪ ،‬لكن ابن‬
‫خلدون ال يقف عند هذه المرحلة من تطور الحضارة‪ ،‬بل يرصد حركتها‪ ،‬حيث‬
‫يجعل استمرار العلوم والصنائع والتطور العمراني نتيجة الستمرار عمل قانون‬
‫سببا في استمرارها‪ ،‬حيث يقول‪( :‬فلم يزل ذلك‬
‫الحضارة في تلك األمصار وليس ً‬
‫في األمصار ما دامت الحضارة في العجم وبالدهم من العراق وخراسان وما وراء‬

‫‪14‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬في مفهوم الحضارة – د‪ -‬بدران بن الحسن – ص‪3‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬المقدمة ‪ -‬ص‪.544‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه – ص‪544‬‬
‫‪9‬‬

‫النهر‪ ،‬فلما خربت تلك األمصار وذهبت منها الحضارة التي هي سر هللا في‬
‫‪13‬‬
‫حصول العلم والصنائع ذهب العلم من العجم)‬

‫فالحضارة سر هللا في وجود العمران والعلم‪،‬وإذا فقدت شروطها فإنها تنتقل إلى‬
‫مكان آخر تتوفر فيه شروطها الموضوعية‪ ،‬ولعل تعبير ابن خلدون عن الحضارة‬
‫بالسر‪ ،‬نستشف منه معنى القانون الذي يتحكم في انتقالها‪ .14‬وعرفها العالم‬
‫الغربي (ديورانت) (نظام اجتماعي يعين اإلنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي‪،‬‬
‫وإن الحضارة تتألف من عناصر أربعة ‪:‬الموارد االقتصادية‪ ،‬والنظم السياسية‪،‬‬
‫والتقاليد الخلقية‪ ،‬ومتابعة العلوم والفنون‪،‬وهي تبدأ حيث ينتهي االضطراب‬
‫والقلق)‪ ،15‬ويعرفها تايلور بأنها‪( :‬درجة من التقدم الثقافي‪ ،‬تكون فيها الفنون‬
‫والعلوم والحياة السياسية في درجة متقدمة)‪.16‬وعرف مالك بن نبي الحضارة من‬
‫الجانب التحليلي يرى ان الحضارة عبارة عن‬ ‫عدة جوانب فمن‬
‫(إنسان‪+‬تراب‪+‬وقت‪ ،‬وتحت هذا الشكل تشير الصيغة إلى أن مشكلة الحضارة‬
‫تنحل إلى ثالث مشكالت أولية‪ :‬مشكلة اإلنسان‪ ،‬مشكلة التراب‪ ،‬مشكلة الوقت ‪،‬‬
‫فلكي نقيم بناء حضارة ال يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل‬
‫المشكالت الثالثة من أساسها‪ .17)..‬فمالك بن نبي يجمل أي جهد أو منتج‬
‫حضاري‪ ،‬في صورة هذا التفاعل األولي بين عنصر اإلنسان صاحب الجهد‬
‫المنجز‪ ،‬وعنصر التراب بصنوفه التي هي مصدر اإلنجاز المادي‪ ،‬وعنصر‬
‫الزمن الذي هو شرط أساسي ألي عملية إنجازية يقوم بها اإلنسان‪ ،18‬وباعتبار‬
‫أن الحضارة إنجاز موجه في التاريخ؛ فإنه ال شك إنتاج لفكرة تطبع صبغتها على‬
‫جهد اإلنسان فتميزها في التاريخ‪ ،‬ولهذا فمالك بن نبي ال يكتفي بهذه العناصر‬
‫ِّ‬
‫المركَبة؛ التي هي الفكرة‬ ‫التركيبية األولية للحضارة فقط‪ ،‬بل يضيف إليها الفكرة‬
‫مركب القيم االجتماعية‪ ،‬ويقوم الدين بهذا الدور في حالته‬ ‫الدينية (الدين)‪ِّ ،‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه – ص‪545‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬قصة الحضارة‪ -‬ول ديورنت‪ -‬جامعةالدول العربية‪1855 ،‬م‪ -‬ج‪/1‬ص‪،4‬و في مفهوم الحضارة – د‪ -‬بدران بن الحسن –‬
‫ص‪3‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬قصة الحضارة –ج‪/1‬ص‪5‬‬
‫‪17‬‬
‫‪ ، -‬شروط النهضة – مالك بن نبي‪ -‬ترجمة‪ :‬عبد الصبور شاهين‪ : -‬دار الفكر – دمشق‪ -1887 -‬ص‪45‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬وجهة العالم اإلسالمي‪ -‬مالك بن نبي – ترجمة عبد الصبور شاهين – دار الفكر – دمشق‪ -‬ص‪32‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ : :‬في مفهوم الحضارة – د‪ -‬بدران بن الحسن – ص‪5‬‬
‫‪8‬‬

‫الناشئة‪ ،‬حالة انتشاره وحركته‪ ،‬عندما يعبر عن فكرة جماعية أي ال يكون فكرة‬
‫هم جماعي وأداء اجتماعي مشترك‪ .19‬اما من الناحية‬
‫مجردة بعيدة عن صياغة ّ‬
‫الوظيفية فقد عرف مالك بن نبي الحضارة بانها (مجموع الشروط األخالقية‬
‫والمادية التي تتيح لمجتمع معين‪ ،‬أن يقدم لكل فرد من أفراده‪ ،‬في كل طور من‬
‫أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة‪ ،‬المساعدة الضرورية له في هذا الطور‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫فهي ذلك العمل االجتماعي الذي يقوم به المجتمع في‬ ‫أو ذاك من أطوار نموه)‬
‫سبيل توفير الضمانات التي تؤهل الفرد لممارسة دوره في التاريخ ‪ .‬انطالقا مما‬
‫تقدم يمكن القول ان اي امة من االمم مهما كانت ‪-‬بدائية او متقدمة – ال تخلو‬
‫من ان تكون لها ثقافة ما تربطها وتكسبها طابعها المتميز ‪،‬والثقافة هي طريقة‬
‫في العيش وموقف من الحياة والوجود ونظام قيمي واجتماعي يحكم مظاهر‬
‫الحياة ومفرداتها جميعها وينعكس في اشكال النشاط والسلوك كلها ‪،‬ويمنح‬
‫المجتمع هويته ويحافظ على تماسكه ‪ .‬اما الحضارة فوصف زائد على الوجود‬
‫الثقافي للجماعة ‪ ،‬يتضمن معنى التقدم ‪،‬والتفوق النوعي والكمي ‪،‬واالنجاز على‬
‫مستوى الواقع ‪،‬ودرجة ملحوظة من التأثر في المحيط التاريخي ‪ ،‬وفعالية في‬
‫صنع احداثه وتوجيهها ‪،‬فعالية قد تصل حد تشكيل منعطف ومفصل مشع فيه‬
‫‪،‬زمانيا ومكانيا ‪ .‬ويمتاز اللفظ العربي (حضارة ) المشتق من الحضور كما اشرنا‬
‫في المعنى اللغوي في الداللة على معنى الفعالية فالعالمة الفارقة في الفعل‬
‫الحضاري هي حضور المشهد التاريخي وشهوده وعدم الغياب عنه ولعب دور‬
‫فيه (وكثير من المجتمعات االنسانية تقتصر على مجرد الوجود دون الحضور‬
‫‪،‬ومن ثم ال يمكن اطالق مفهوم الحضارة عليها مهما كان نتاجها الذهني والمادي‬
‫‪21‬‬
‫واذا كانت كل حضارة تمتلك ‪ ،‬شرطا ‪،‬‬ ‫‪ ،‬طالما وقفت فقط عند مجرد الوجود)‬
‫خصوصي ًة ثقافية هي بمثابة الروح لها ‪ ،‬فإن الحضارة ليست الزمة لوجود االمة‬
‫الثقافي‪ .22‬وعلى اساس هذا الفهم للحضارة يمكننا القول بم اررة ان التحدي‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬ميالد مجتمع‪ -‬مالك بن نبي ‪ -‬ترجمة‪ :‬عبد الصبور شاهين ‪ -‬دار الفكر‪ -‬دمشق – ط‪ -1897 -3‬ص‪.25‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -‬آفاق جزائرية‪ -‬مالك بن نبي ‪ -‬مكتبة عمار‪ -‬القاهرة – ‪ -1851‬ص‪39‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ -‬الحضارة – الثقافة – المدنية ‪ -‬سلسة المفاهيم والمصطلحات – نصر دمحم عارف‪ -‬ص‪74‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ -‬على عتبات الحضارة – بحث في السنن وعوامل التخلق واالنهيار ‪ -‬د‪ -‬بنول احمد جندية – دار الملتقى‪ -‬سورية – حلب –‬
‫ط‪1432 -1‬هـ‪2411 -‬م‪ -‬ص‪27‬‬
‫‪14‬‬

‫الخطير الذي تواجهه االمة العربية واالسالمية اليوم ‪،‬يتمثل في انه على الرغم‬
‫من غيابها عن المشهد التاريخي ‪،‬وفقدانها القدرة على التأثير فيه ‪،‬بله توجيهه‪،‬‬
‫فإنها تتعرض الزمة هوية خطيرة وبلبلة ثقافية متفاقمة ما يعني أن أزمتها أزمة‬
‫حضارية وجودية في آن ‪ ،‬الن هوية االمة الثقافية هي جوهر وجودها نفسه ‪،‬ال‬
‫درجة هذا الوجود‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫مفهوم السنن وخصائصها‬

‫الفرع االول‪ :‬تعريف السنن لغة واصطالحا‬

‫سن له اصل واحد مطرد وهو‬ ‫‪ -1‬السنن لغة ‪:‬يرى صاحب مقاييس اللغة ان لفظ ّ‬
‫جريان الشيء واطراده في سهولة ويسر‪ ،23‬واالصل فيه قولهم ‪ :‬سننت الماء‬
‫‪24‬‬
‫على وجهي أسنه سناً إذا أرسلته إرساالً ‪ ،‬ويرى الزمخشري ان ّ‬
‫سن عبارة‬
‫عن مطلق الطريق خي اًر كان أو ش اًر ‪ ،‬فيقال ‪ :‬سن سنة حسن ًة ؛ أي طرق‬
‫‪25‬‬
‫‪ ،‬اذن السنة من ناحية اللغة تطلق على الطريقة أو السيرة ‪،‬‬ ‫طريق ًة حسن ًة‬
‫قال الشاعر الهذلي‪:26‬‬

‫فأول راضي سنة من يسيرها‬ ‫أنت سرتَها‬


‫عن من سنة َ‬
‫فال تجز ّ‬

‫وانما سميت بذلك ألنها تجري جرياً‪ .‬ومن ذلك قولهم ‪ :‬امض على سنتك و‬
‫‪27‬‬
‫سننك ؛أي على وجهك‬

‫‪ -2‬السنة اصطالحا‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪:‬معجم مقاييس اللغة – ابو الحسين احمد بن فارس بن زكريا –‪ -‬ج‪/17/3‬مادة سن‬
‫‪24‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ج‪17/3‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬أساس البالغة – جار هللا أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري‪ -‬ت‪539 -‬هـ ‪ -‬تحقيق‪ -‬األستاذ عبد الرحيم محمود –‬
‫مطبعة أوالد أورفاند – القاهرة – ص‪1352 -1‬هـ‪1853 -‬م‪ -‬ص‪ /311‬مادة سن‬
‫‪27‬‬
‫‪ -‬هو خالد بن زهير أبو ذؤيب الهذلي – ينظر ‪ :‬ديوانه – دار بيروت للطباعة والنشر‪1388 -‬هـ‪1858 -‬م ‪ -‬ص‪155‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية – إسماعيل بن حماد الجوهري – تحقيق – أحمد عبد الغفور عطار‪ -‬ط‪1892 -2‬م‪-‬‬
‫ج‪/5‬ص‪/2138‬مادة سن‬
‫‪11‬‬

‫ال ريب ان بين المصطلحات الشرعية ‪ ،‬و أصولها اللغوية وشائج قوية ‪ ،‬وقد‬
‫تتطابق أحياناً في كل شيء ‪،‬وقد يزيد اإلطالق الشرعي إضافات جديدة يتطلبها‬
‫عرفه‪ .‬ومع تنوع الفنون الشرعية ‪،‬وتعدد المدارس العلمية ‪ ،‬اختلفت وجهات نظر‬
‫كل مدرسة عن غيرها في تعريف السنن االلهية ‪ ،‬االّ اني سأركز على مفهوم‬
‫السنن عند علماء التفسير لصلته بموضوع البحث‪ .‬والمفسرون قد اختلفت وجهات‬
‫نظرهم في تعريف السنن حسب ورود اللفظة في النص القرآني ومالبسات سياق‬
‫النص ‪ ،‬فقد عرف ابن جرير السنة بانها (مثالت سير بها ‪،‬فيهم – اي في االقوام‬
‫السابقة‪ -‬و فيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم بإمهالي أهل التكذيب‬
‫‪28‬‬
‫‪ ،‬وقال القرطبي ( إن السنة تعني‬ ‫بهم‪ ،‬واستدراجي إياهم ‪...........‬الخ)‬
‫‪29‬‬
‫‪ ،‬وقال الشوكاني ‪:‬‬ ‫طريقة هللا وعادته السالفة في نصر أوليائه على أعدائه)‬
‫‪30‬‬
‫‪ ،‬وقال االمام الرازي (إن السنة‬ ‫(المراد بالسنن ما سنه هللا في األمم من وقائع)‬
‫هي الطريقة المستقيمة والمثال المتبع)‪ ،31‬وعرفها صاحب تفسير المنار بانها‬
‫(النظام الذي جرى عليه أمر األمم ‪ ،‬و إن ما يقع للناس في كل زمن من‬
‫األزمان ‪ ،‬وفي كل مكان من الوجود في شؤون اجتماعهم و حياتهم مطابق لتلك‬
‫السنن التي ال تتحول وال تتبدل)‪ ،32‬ويرى سيد قطب ‪( :‬أًن السنن هي النواميس‬
‫التي تحكم حياة البشر وفق مشيئة هللا الطليقة ‪ ،‬وأن ما وقع في الماضي يقع في‬
‫الحاضر إذا أصبحت حال الحاضرين مثل حال السابقين)‪ .33‬مما سبق يمكننا‬
‫القول أن اقرب التعريفات الى مفهوم السنن اإللهية بمعناها العام هو ما ذهب اليه‬
‫سيد قطب رحمه هللا وهو أن السنن اإللهية عبارة عن النواميس التي تحكم حياة‬
‫‪34‬‬
‫البشر وفق مشيئة هللا ‪.‬فهي الناموس األزلي الذي وضعه هللا عز وجل للكون‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن المشهور بتفسير الطبري – ابو جعفر دمحم بن جرير الطبري – ت‪314 -‬هـ‪ -‬تحقيق االستاذ‬
‫أحمد شاكر‪ -‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده – مصر – ط‪1399 -3‬هـ‪ -‬ج‪88/4‬‬
‫‪2828‬‬
‫‪ -‬الجامع ألحكام القرآن – ابو عبد هللا دمحم بن أحمد األنصاري – دار الشعب – ج‪7144/5‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدرية من علم التفسير – دمحم بن علي بن دمحم الشوكاني – ت‪1254 -‬هـ‪ -‬شركة ومطبعة‬
‫مصطفى البابي الحلبي وأوالده بمصر – ط‪1393 -2‬هـ‪1874 -‬م‪ -‬ج‪/1‬ص‪93‬‬
‫‪31‬‬
‫‪ -‬مفاتيح الغيب – التفسير الكبير‪ -‬دمحم الرازي فخر الدين ابن العالمة ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري – ت‪744 -‬هـ‪ -‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – ط‪1441 -1‬هـ‪1891 -‬م‪-‬ج‪22/15‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار – دمحم رشيد رضا‪ -‬دار المعرفة بيروت‪ -‬لبنان – ج‪141/4‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -‬في ظالل القرآن – سيد قطب – دار الشروق – ط‪1388 -2‬هـ‪1858 -‬م‪ -‬ج‪458/1‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬حديث األحاديث – علي فهمي خشيم – الدار العربية للكتاب – طرابلس الغرب‪1859 -1389 -‬م‪ -‬ص‪131‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ -3‬مفهوم التخلق الحضاري ‪:‬‬

‫عرفنا الحضارة والسنن‪ ،‬نأتي لكي نقف على مفهوم سنة التخلق الحضاري‬
‫بعد أن ّ‬
‫بمعناها التركيبي فنقول ‪ :‬ان سنن التخلق الحضاري هي تلك القوانين التي أودعها‬
‫هللا في هذا الكون‪ ،‬وأخضعه لها بما فيه من مخلوقات‪ ،‬لتكون تلك السنن حاكمة لكل‬
‫صغيرة وكبيرة‪ ،‬وتتصف تلك السنن بمجموعة من الصفات التي تعطيها صفة القانون‬
‫الرياضي الصارم‪ ،‬فهي من جهة ال تتبدل وال تتحول‪ ،‬ومن جهة أخرى فهي مطردة‪،‬‬
‫تتكرر على الوتيرة نفسها كلما توفرت الشروط‪ ،‬وانتفت الموانع‪ ،‬قال تعالى (سن َة ّللاِ‬
‫ين َخَل ْوا ِم ْن َقْبل َوَل ْن تَ ِج َد لِسن ِة ّللاِ تَ ْب ِديال)‪ ،35‬وهذه السنن والقوانين هي وفق‬ ‫ِ ِ‬
‫في الذ َ‬
‫إرادة هللا الكونية‪ ،‬ومشيئته النافذة‪ ،‬ولذلك ال تختل‪ ،‬وال تتبدل‪ ،‬والتحابي أحداً‪ِ(،‬إنا كل‬
‫‪ ،‬ويعلمنا القرآن الكريم أن للبناء الحضاري قوانينه وسننه‪ ،‬وأن‬ ‫َشيء َخَلْقَناه ِبَق َدر)‬ ‫‪36‬‬
‫ْ‬
‫التخلف والتأخر ليسا إال ثمرة لغياب هذه السنن والقوانين‪ ،‬فليس التقدم والبناء أماني‬
‫وأحالماً للكسالى والقاعدين‪ ،‬حتى ولو حسنت منهم النيات‪ ،‬وصحت لديهم المعتقدات‬
‫النظرية‪ ،‬فحتى اإليمان الديني ال يكتمل إال إذا جاء العمل ليجسد التصديق‪ ،‬وشواهد‬
‫القرآن الكريم على هذه الحقيقة تتعدى اقتران اإليمان بالعمل في آيات الكريمةالكثيرة‪-‬‬
‫وهو ملحظ له داللته الكبرى‪ -‬وإنما نرى هذه الشواهد في مثل قوله تعالى ( َل ْي َس‬
‫اب َم ْن َي ْع َم ْل سوءاً ي ْج َز ِب ِه َوال َي ِج ْد َله ِم ْن دو ِن ّللاِ َوِلّياً‬
‫َه ِل اْل ِكتَ ِ‬ ‫ِبأَم ِانِيكم وال أ ِ‬
‫َمان ِّي أ ْ‬
‫َ ّ ْ َ َ‬
‫‪38 37‬‬
‫صي ار ) ‪.‬‬ ‫والن ِ‬
‫َ َ‬

‫إن معرفة هذه السنـن في البناء الحضاري جزء من معرفة الدين‪ ،‬وهي معرفة‬
‫ضرورية ومن الواجبات الشرعية ألنها تبصرنا بكيفية السلوك الصحيح في الحياة‬
‫حتى ال نقع في الخطأ‪ ،39‬ثم إن اكتشافها‪ ،‬وحسن التعامل معها ضروري لعملية‬
‫اإلستخالف‪ ،‬وعمارة األرض التي كلفنا هللا تعالى بها‪.40‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬سورة االحزاب – اآلية ‪72‬‬
‫‪37‬‬
‫‪ -‬سورة القمر اآلية ‪48 -‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -‬سورة النساء – اآلية ‪123‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬هل اإلسالم هو الحل لماذا وكيف – دمحم عمارة – دار الشروق – القاهرة – ط‪1419 -2‬هـ‪1889 -‬م‪ -‬ص‪38‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪:‬السنن اإللهية في األمم والجماعات واألفراد في الشريعة اإلسالمية – د‪ -‬عبد الكريم زيدان‪ -‬مؤسسة الرسالة – ط‪-3‬‬
‫‪1415‬هـ‪1887 -‬م‪ -‬ص‪17‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬أثر اإليمان في بناء الحضارة اإلنسانية – أحمد معاذ علوان حقي – مجلة المنارة – المجلد ‪ -12‬العدد ‪-2447 - 1‬‬
‫ص‪15-17‬‬
‫‪13‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬خصائص السنن اإللهية ‪-:‬‬

‫التي ذكرت السنن اإللهية وبينت‬ ‫الكثير من اآليات‬ ‫وردت في القرآن الكريم‬
‫خصائصها ‪ ،‬وحددت نواميسها في الكون والحياة اإلنسانية ‪ ،‬ويمكن اجمال هذه‬
‫الخصائص على النحو اآلتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬الثبات ‪ -:‬إن النظار المتفحص للتاريخ الحضاري ولسير األقدمين ‪ ،‬المؤمنين‬


‫السائرين على منهج هللا ‪،‬أو الكافرين المتنكبين لمنهجه ‪ ،‬يجد أن هناك قوانين‬
‫وسنناً ثابتة تحكم حياة البشر ‪،‬وفق تعاملهم مع المنهج اإللهي الذي ارتضاه‬
‫هللا نظاماً لهذه البشرية ‪ .‬فالثبات في السنن اإللهية أمر مالحظ يدل عليه‬
‫التاريخ ‪ ،‬ويشهد له الواقع ‪ ،‬وقد قرر هللا عز وجل هذه الحقيقة ‪ ،‬وأكدها في‬
‫غير ما آية من كتابه الكريم ؛ فأما عن عدم التبدل فقد قال عز من قائل ‪:‬‬
‫يال)‪ ،41‬وقال تعالى في‬ ‫ين َخَل ْوا ِم ْن َقْبل َوَل ْن تَ ِج َد لِسن ِة ّللاِ تَْب ِد ً‬ ‫ِِ ِ‬
‫(سن َة ّللا في الذ َ‬
‫يال َوَل ْن تَ ِج َد لِسن ِت ّللاِ تَ ْح ِو ً‬
‫يال)‪ 42‬واآلية‬ ‫آية أخرى ‪َ( :‬فَل ْن تَ ِج َد لِسن ِت ّللاِ تَْب ِد ً‬
‫تفيد عدم تبدل سنة هللا؛ ألن (لن تجد) تنفي أن يكون هناك إمكانا لتبدل‬
‫السنن‪ ،‬ألن (لن) حرف نفي لالستقبال‪،43‬وهذا يعني نفي أن يكون هناك‬
‫تبديل السنة في المستقبل ‪.‬‬
‫‪ -2‬الشمول والعموم ‪ -:‬ومن خصائص السنن اإللهية أنها شاملة عامة لكل‬
‫البشر ‪ ،‬ال تنخرم في أمة من األمم او حال من االحوال ‪ ،‬لوجود فرد معين‬
‫او صفة خاصة‪.‬فليس هناك قوم أو أمة معينة مستثناة من سنن هللا ‪ ،‬فال‬
‫‪44‬‬
‫‪ ،‬فالسنة هي العادة‬ ‫تحقق فيهم سواء أ كانت سنن ثواب ‪ ،‬أو سنن عقاب‬
‫في األشياء المتماثلة فاذا فعلت أمة مثلما فعلت أمة سابقة حلت بها سنة هللا‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬سورة االحزاب – اآلية‪72‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ -‬سورة فاطر‪ -‬من اآلية ‪43‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب – جمال الدين هشام االنصاري – ت ‪ -572‬تحقيق الدكتور – مازن المبارك ودمحم علي‬
‫حمد هللا – دار الفكر بيروت ط‪ 3‬ص‪353‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬في ظالل القرآن – سيد قطب – ‪2247/4‬‬
‫‪14‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ .‬وقد جاءت نصوص كثيرة تؤكد طابع‬ ‫نفسها التي حلت باألمة السابقة‬
‫االستمرار واالطراد في سنن هللا تعالى ‪ ،‬وتستنكر أن يكون هناك استثناء‬
‫‪46‬‬
‫( فمن سار على‬ ‫ألحد ‪ ،‬فسنة هللا مطردة ‪ ،‬من التزمها تحقق له الجزاء‬
‫ال‪ -‬ظفر بمشيئة هللا ‪ ،‬وان كان ملحدا ‪ ،‬أو وثنياً ‪ ،‬من‬
‫سنته في الحرب –مث ً‬
‫تنكبها خسر وان كان صديقاً نبياً ‪ ،‬وعلى هذا يتخرج انهزام المسلمين في‬
‫َه ِل‬‫أ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫(ًليس ِبأَم ِانِيكم وَال أَم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫النصوص‬ ‫هذه‬ ‫ومن‬ ‫‪47‬‬
‫وقعة أحد )‬
‫َْ َ ّ ْ َ َ ّ ْ‬
‫ير)‪، 48‬‬ ‫ص ًا‬ ‫اب من يعمل سوءا يج َز ِب ِه وَال ي ِجد َله ِمن دو ِن ّللاِ وِليًّا وَال ن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫اْلكتَ َ ْ َ ْ َ ْ ً ْ‬
‫ين َخَل ْوا ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن تَ ْدخلوا اْل َجن َة َوَلما َيأْتك ْم َمَثل الذ َ‬
‫وقوله تعالى ‪( :‬أ َْم َحس ْبت ْم أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنوا َم َعه َمتَى‬ ‫ين َ‬
‫ول الرسول َوالذ َ‬ ‫ْساء َوالضراء َوزْل ِزلوا َحتى َيق َ‬ ‫َقْبلك ْم َمس ْتهم اْلَبأ َ‬
‫ص َر ّللاِ َق ِريب)‪49‬فهذه اآليات وامثالها تستنكر على من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صر ّللا أ ََال إن َن ْ‬ ‫َن ْ‬
‫يطمع في أن يكون في حالة استثنائية من سنن هللا تعالى‪ .50‬هكذا اثبتت لنا‬
‫نصوص التنزيل الحكيم عموم وشمول هذه السنن الحضارية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحكمة والعدل ‪ -:‬ومن خصائص سنن هللا سبحانه وتعالى في التخلق‬
‫الحضاري انها تتسم بالحكمة والعدل ألنها من فعله عز وجل ‪ ،‬وفعل هللا هذه‬
‫صفته دائماً ‪ ،‬ألن من اسماء هللا الحسنى عز وجل الحكيم والعدل فهو عز‬
‫‪51‬‬
‫وجل حكيم في افعاله ‪ ،‬بل انه عز وجل له الغاية والكمال األتم في ذلك‬
‫‪.‬فكل ما يقع من تغيرات او تطورات او نتائج ‪ ،‬انما يقع بفعل هللا تعالى وقدره‬
‫على مقتضى حكمته‪ ،‬وعدله فال خالق اال هللا ‪ ،‬و ال مصرف لشؤون الكون ‪،‬‬
‫وال مقدر لسننه اال هو سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬جامع الرسائل – ابن تيمية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم – المجموعة االولى – تحقيق دمحم رشاد سالم –‬
‫ط‪1398 -1‬هـ‪1878 -‬م‪ -‬ص‪55‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬السنن اإللهية في الحياة اإلنسانية واثر اإليمان بها في العقيدة والسلوك – د‪ -‬شريف الشيخ صالح احمد الخطيب‪ -‬مكتبة‬
‫الرشد للنشر والتوزيع – السعودية – ط‪1425 -1‬هـ‪2444 -‬م‪ -‬ج‪ -1‬ص‪51-54‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -‬تفسير المنار – دمحم رشيد رضا – ‪141/4‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ -‬سورة النساء –آالية ‪123‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬سورة البقرة – آالية ‪214‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن – السيد دمحم باقر الصدر – دار التوجيه اإلسالمي – بيروت – ط‪1444 -1‬هـ‬
‫‪1894 -‬م ‪ -‬ص‪71‬‬
‫‪51‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬المقصد األسنى في شرح معاني اسماء هللا الحسنى – حجة اإلسالم أبو حامد دمحم بن دمحم الغزالي – ت ‪545‬هـ ‪-‬تحقيق‬
‫فضلة شحادة – دار المشرق – بيروت ص‪131-134‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ -4‬الواقعية ‪ :‬ومن خصائص سنن هللا في التكوين الحضاري انها تترتب وفق‬
‫معتقدات البشر وافعالهم ‪ ،‬فأفعال الناس الصدرة عن معتقدات معينة هي التي‬
‫‪52‬‬
‫وحتى بعض السنن‬ ‫يجعلها هللا عز وجل سبباً في ترتب بعض السنن عليها‬
‫التي ال تترتب مباشرة على ذلك كسنته سبحانه وتعالى في ابتالء الناس‬
‫ان‬ ‫بالتكاليف ‪ ،‬انما تقع ابتداء من غير فعل ‪ ،‬أو اعتقاد سابق (ِإنا َخَلْقَنا ِْ‬
‫اإل ْن َس َ‬ ‫ً‬
‫ير) فان موقف الناس من هذا‬ ‫‪53‬‬ ‫ِ‬
‫يعا َبص ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِم ْن ن ْ‬
‫طَفة أ َْم َشاج َن ْبَتليه َف َج َعْلَناه َسم ً‬
‫االبتالء يستتبع سنن معينة ‪ ،‬فان اطاع الناس تحققت فيهم سنن الثواب‬
‫والدوام الحضاري ‪،‬وان لم يطيعوا حلت بهم سنن العقاب والتداول الحضاري‪.‬‬
‫و ال شك ان هذه منحة الهية لإلنسان ان يكون مسؤول عن اعماله وان‬
‫تتحقق في الناس سننه تعالى باعتبار اعمالهم‪.‬‬
‫سنن هللا الحضارية النفذ وعدم‬ ‫‪ -5‬النفذ وعدم التخلف ‪ -:‬ومن خصائص‬
‫اهر َف ْو َق ِعَب ِادِه َوه َو‬ ‫( وهو اْلَق ِ‬
‫التخلف‪ ،54‬فهي قاهرة لمن يتعرض لها ‪،‬‬
‫َ َ‬
‫اْل َح ِكيم اْل َخِبير)‪ 55‬نافذة ال تتخلف ‪ ،‬متحققة‬
‫ضى أ َْم ًار َفِإن َما َيقول‬ ‫الوقوع (ِإ َذا َق َ‬
‫ين )‪ 57‬وال يحول‬ ‫َغرْقناهم أ ِ‬
‫ونا ْانتََق ْمَنا ِم ْنه ْم‬ ‫‪56‬‬
‫َج َمع َ‬
‫َفأ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫َله ك ْن َفَيكون) (َفَلما َ‬
‫آسف َ‬
‫دون هذا النفذ جهل األمم ‪،‬فمن تعرض لسنة من سننه – والتي جهلها‬
‫‪58‬‬
‫َص َاب ْتك ْم‬
‫بتقصيره – حلت به تلك السنة ‪،‬وال يعذر بذلك الجهل (أ ََوَلما أ َ‬
‫ّللا َعَلى ك ِّل‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص ْبت ْم م ْثَل ْي َها قْلت ْم أَنى َه َذا ق ْل ه َو م ْن ع ْند أ َْنفسك ْم إن َ‬
‫مص َيبة َق ْد أ َ‬
‫َشيء َق ِدير)‪ 59‬فسنة هللا في التخلق والتداول الحضاري نافذة فكم من أمة‬
‫ْ‬
‫كانت متمكنة في األرض صاحبة جبروت وقوة اهلكها هللا وحلت بها سنته في‬
‫التداول الحضاري‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬في ظالل القرآن – سيد قطب – ج‪1519/1‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬سورة األنسان – االية‪2‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬في ظالل القرآن – ج‪457/1‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬سورة األنعام – اآلية ‪19‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬سورة أل عمران‪ -‬من اآلية ‪45‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬سورة الزخرف‪ -‬آية ‪55‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬في ظالل القرآن ج‪457/1‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ -‬سورة أل عمران‪ -‬اآلية ‪175‬‬
‫‪17‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫سنن البناء الحضاري في القران الكريم شروطه واسسه‬

‫ليس تنشأ حضارة إال في فضاء اجتماعي صلب ومتماسك ‪ ،‬بحيث يحقق هذا‬
‫المجتمع معنى األمة ‪ ،‬و إن العوامل الالزمة لصياغة أمة صلبة من الداخل هي‬
‫‪60‬‬
‫ذاتها الالزمة للتخلق الحضاري ‪.‬فما هي عوامل تكوين أمة ذات صالبة وتماسك‬
‫والتي هي نفسوها سنن التخلق الحضاري؟ نحاول تبين ذلك عبر مطالب هذا‬
‫المبحث‪.‬‬

‫المطلب األول‬

‫االساس االول الفكرة الدافعة‬

‫إن تاريخ الحضارات هو تاريخ االفكار ‪،‬وكل أمة او حضارة تطفو على سطح‬
‫التاريخ تقدم فكرة خاصة او روحاً فريداً يتحقق في نظام وعمران وعلوم وفنون‬
‫وعادات وأساليب قانون عام يحكم في الجماعات كما يحكم في االفراد فاإلنسان‬
‫ردود أفعاله ‪ .‬إننا ال نبالغ و ال‬
‫موجه بخارطته الذهنية ويملي عليه وعيه أفعاَله و َ‬
‫نتبنى االتجاه المثالي حين نعزو الطاقة المحركة الى الفكرة ‪،‬بل إن العالم يتجه اليوم‬
‫الى اعتماد فكر اقتصادي يقوم على الرأسمال البشري ويرضى بالدافعية اإلنسانية‬
‫‪74‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪:‬على عتبات الحضارة – د‪ -‬بتول أحمد جندية – ص‪33‬‬
‫‪15‬‬

‫ضماناً ومحركاً للعالم المادي ‪ ،‬مع عدم إنكار تدخل العناصر األخرى ؛ المادية‬
‫والمعنوية ‪ .‬ولذلك فإن العناصر الجوهرية في هذا الفكر هي ‪ :‬الهدف والقيادة‬
‫والموارد البشرية والمعلومات ‪.‬ما يعني أن هذا الطرح ال يطعن في ذلك الطرح اآلخر‬
‫‪61‬‬
‫‪.‬الن الفكرة او‬ ‫الذي يقول ‪ :‬إن التاريخ يتحرك من خالل سير العظماء أو الصفوة‬
‫نزوع الجماعة وتطلعاتها تتمثل عادة في شخصية ف ّذ أو عبقري من الناس تقدم نفسها‬
‫من خالله وتجسد معانيها فيه ‪،‬وذاك العبقري يحرص على ان يحرك الناس بفكره‬

‫ولفكره ‪،‬بل ان الفرد ليصبح ذلك العبقري عندما تكون فكرته ّ‬


‫محركة ‪ .‬فعملية النهضة‬
‫الحضارية ال بد لها من باعث قوي يحمل أفراد األمة على النهوض‪ ،‬ودارسو‬
‫الحضارات تكلموا عن هذا الباعث‪ ،‬فيرى ابن خلدون أن العصبية القائمة على القربى‬
‫وصلة الدم هي العامل‪ ،‬أو الدافع إلى نشأة الحضارة‪ ،‬فيقول‪( :‬ذلك أن الرئاسة ال‬
‫تكون إال بالغلب‪ ،‬والغلب إنما يكون بالعصبية‪ ،...‬فال بد في الرئاسة على القوم أن‬
‫تكون من عصبية غالبة لعصبياتهم واحدة واحدة)‪ ،62‬ويحدد ع ْمر الدولة في الغالب‬
‫بأعمار ثالثة أجيال‪ ،‬ثم تنهار الدولة‪ ،‬والجيل هو عمر شخص واحد من العمر‬
‫الوسط‪ ،‬فيكون أربعين‪ ،‬وهذه األجيال الثالثة عمرها مائة وعشرون سنة‪ ،63‬بينما يرى‬
‫شبنجلر أن التاريخ يتكون من كائنات حية هي الحضارات‪ ،‬وكل حضارة كالكائن‬
‫العضوي يولد‪ ،‬ثم ينمو‪ ،‬وأخي اًر يموت‪ ،‬وتتولد الحضارة في اللحظة التي تستيقظ فيها‬
‫روح كبيرة‪ ،‬وتنفصل عن الحالة الروحية األولية للطفولة اإلنسانية‪ ،64‬يرى توينبي أن‬
‫الحضارة تنشأ عن األديان‪ ،‬وأن وراء كل حضارة من حضارات اليوم ديانة عالمية‪،‬‬
‫فالعقائد الدينية هي التي تسير مجرى التاريخ‪ ،‬وال يعتبر اإلمبراطوريات مقياساً‬
‫للحضارة‪ ،‬بل تمثل بداية مرحلة انهيار الحضارة‪ ،‬إذ تلجأ األقلية المسيطرة إلى‬
‫التوسع حين تفقد مقومات اإلبداع‪ ،‬ويرى أن شخصيات التاريخ لن تكون قابلة للفهم‬
‫إال إذا نظر إليها باعتبارها أدوات للنشاط الروحاني‪ ،‬أما نقطة التحول في النهضة‬
‫الحضارية كما يراها توينبي ففي عنصر التحدي واالستجابة‪ ،‬فقد يكون هذا التحدي‬

‫‪71‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬في معركة الحضارة – زريق قسطنطين – ص‪ 132-131‬و على عتبات الحضارة – د‪ -‬بتول أحمد جندية – ص‪34-33‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ ، -‬مقدمة ابن خلدون‪ -‬أبن خلدون ‪ -‬ص‪.84‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬المصدر نفسه – ص ‪122-121‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ، :‬مدخل إلى تاريخ الحضارة‪ -‬شحادة الناطور وآخرون‪ : -‬دار الكندي‪ ، -‬عمان‪1881 -‬م ‪،‬و الحضارة اإلسالمية‪ -‬دمحم‬
‫ضيف هللا البطاينة ‪ -‬دار الفرقان‪ -‬عمان –ص‪1423 - 1‬هـ‪ -2442/‬ص‪24-18‬‬
‫‪19‬‬

‫ناتجاً عن الضربات الداخلية أو الخارجية‪ ،‬فقد يحدث أن تنهزم أمة ما فتمثل هذه‬
‫الهزيمة صدمة قاسية‪ ،‬فإذا استطاعت هذه األمة أن تستجيب لهذا التحدي بنجاح فإن‬
‫المجتمع يستثير طاقاته اإلبداعية الكامنة‪ ،‬وتنهض مدافعة عن نفسها بقوة‬
‫مضاعفة‪ .65‬نستخلص مما سبق أن نهضة الحضارة تبدأ بباعث قوي يحمل أفراد‬
‫األمة على النهوض‪ ،‬وأن أعظم باعث على النهوض في التصور القرآني هو‬
‫اإليمان‪ ،‬ألنه الروح الوثابة‪ ،‬وهو معين ال ينضب من القوة‪ ،‬التصاله باهلل تعالى‪،‬‬
‫وهذا ما يحمل المؤمن على الشهود الحضاري‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وَك َذلِ َك أ َْو َح ْيَنا ِإَل ْي َك روحاً‬
‫اإليمان َوَل ِك ْن َج َعْلَناه نو اًر َن ْه ِدي ِب ِه َم ْن َن َشاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن أ َْمرَنا َما ك ْن َت تَ ْدري َما اْلكتَاب َوال َ‬
‫ول ِإ َذا َد َعاك ْم لِ َما‬ ‫ين آمنوا استَ ِجيبوا ِلِلِ ولِلرس ِ‬ ‫ِمن ِعب ِادنا(‪ ،66‬وهو حياة (يا أَيُّها ال ِ‬
‫ذ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ي ْحِييك ْم(‪ ،67‬فاإليمان يفجر الطاقات والمعارف في نفس المؤمن‪ ،‬بل يحِّفزه إلى العال‬
‫بما يزرع في نفسه من العزة واإلباء‪ ،‬وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته فقال‪:‬‬
‫( إن الدولة العامة االستيالء العظيمة الملك أصلها الدين‪ ،‬إما من نبوة‪ ،‬أو دعوة‬
‫حق)‪ ،68‬ومن جهة أخرى فإن المؤمن يعلم أن هللا خلقه لغاية سامية‪ ،‬وجعله خليفة‬
‫ض َخِل َيف ًة )‪، 69‬ومن‬ ‫اعل ِفي األ َْر ِ‬ ‫الئ َك ِة ِإِني ج ِ‬
‫في هذه األرض‪( ،‬وِإ ْذ َقال ربُّك لِْلم ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫استَ ْع َم َرك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المهمات الرئيسة التي أنيطت به عمارتها‪( ،‬ه َو أ َْن َشأَك ْم م َن األ َْرض َو ْ‬
‫يها(‪ ،70‬وأي تقصير في هذا الجانب سيسأل عنه‪ ،‬واآليات تؤكد على استم اررية‬ ‫ِ‬
‫فَ‬
‫استََقاموا َعَلى‬ ‫ِ‬
‫الجزاء على الفعل‪ ،‬وتواصله في األرض والسمـاء‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وأَلو ْ‬
‫اء َغ َدقاً)‪(.71‬ومن المعلوم أن جزيرة العرب مثالً لم يكن بها قبل‬ ‫ِ‬
‫الط ِريَقة أل ْ‬
‫َسَق ْيَناه ْم َم ً‬
‫نزول القرآن إال شعب بدوي يعيش في صحراء مجدبة يذهب وقته ً‬
‫هباء ال ينتفع به‪،‬‬
‫لذلك فقد كانت العوامل الثالثة‪ :‬اإلنسان والتراب والوقت راكدة خامدة‪ ،‬وبعبارة أصح‪،‬‬
‫مكدسة ال تؤدي دو اًر ما في التاريخ؛ حتى إذا ما تجلت الروح بغار حراء ‪ ...‬نشأت‬
‫من بين هذه العناصر الثالثة المكدسة حضارة جديدة‪ ،‬فكأنما ولدتها كلمة (اق أر) التي‬
‫‪75‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬في فلسفة الحضارة االسالمية – عفت الشرقاوي – دار النهضة العربية – بيروت – ط‪ -1895 -4‬ص‪،248-249‬و‬
‫أسس مفهوم الحضارة في االسالم – سليمان الخطيب – الزهراء لالعالم العربي – ط‪1447 -1‬هـ‪1897 -‬م‪ -‬ص‪59 -55‬‬
‫‪77‬‬
‫‪ -‬سورة الشورى – اآلية‪52 -‬‬
‫‪75‬‬
‫‪-‬سورة االنفال – اآلية‪24 -‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -‬مقدمة ابن خلدون‪ -‬ص‪112‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬سورة البقرة – اآلية‪34 -‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬سورة هود – اآلية ‪71 -‬‬
‫‪51‬‬
‫‪ -‬سورة الجن – اآلية ‪17 -‬‬
‫‪18‬‬

‫أدهشت النبي األمي‪ ،‬وأثارت معه وعليه العالم‪ ،‬فمن تلك اللحظة وثبت القبائل‬
‫العربية على مسرح التاريخ‪ ،‬حيث ظلت قروناً طواالً تحمل للعالم حضارة جديدة‪،‬‬
‫وتقوده إلى التمدن والرقي)‪( ،72‬فاإليمان هو الذي يعطي الحضارة اإلسالمية هويتها‪،‬‬
‫هو الذي يربط بين أجزائها‪ ،‬وهو الذي يطبع كل ما يدخل إليها من عناصر فيزنها‬
‫بميزان الحق عز وجل ‪ ،‬فتخرج من عبورها خالل العقيدة اإلسالمية متجانسة مع‬
‫كل ما حولها)‪ .73‬ودور العقيدة في تكوين الحضارات‪ ،‬وبناء األنفس‪ ،‬والمجتمعات‬
‫قضية مسلمة في كل المذاهب الفكرية والتاريخية‪ ،‬وهو الذي يخرج القوى الكامنة في‬
‫النفس البشرية إلى واقع عملي‪ ،74‬وهذا ما حمل علم االجتماع أن يقول في تعريف‬
‫اإلنسان بأنه حيوان ديني‪ ،75‬ومعلومات القوانين الطبيعية فقط‪ ،‬ال يمكن أن تكون‬
‫ألن هذه المشاهدات والمعلومات ال تجعل اإلنسان إال‬
‫أساساً لحضارة إنسانية سامية‪ّ ،‬‬
‫في منـزلة حيوان عاقل‪ ،‬وال تعين إال على أن تتخذ للحياة تلك النظرية التي هي‬
‫أن حياة اإلنسان تنحصر كلها في هذه الدنيا‪ ،‬وغايته النهائية‬
‫الماديين‪ ،‬وهي ّ‬
‫ّ‬ ‫نظرية‬
‫أن يحقق رغباته الحيوانية بأكثر ما يكون من الجودة والكمال‪ ،‬وأن الوجه الحقيقي‬
‫الستعمال القوة هو أن ينسجم اإلنسان مع ما يجري في هذا الكون من قانون التنازع‬
‫للبقاء‪ ،‬واالنتخاب الطبيعي‪ ،‬وبقاء األصلح‪ ،‬والحضارة الغربية اتخذت هذه النظرية‬
‫في الحياة‪ ،‬وكانت عاقبة أمرها أن جميع القوى التي تسلحت بها غدت تستعمل‬
‫لهالك اإلنسانية ال لسعادتها‪ ،‬وعاد الغربيون يشعرون بأنهم في حاجة إلى حضارة‬
‫إنسانية أسمى مما هم فيه من الحضارة الحيوانية‪.76‬ولن تستطيع الفكرة ان تتحول الى‬
‫قوة محركة ما لم تتحقق جملة من الشروط اشار اليها القرآن الكريم يمكن اجمالها في‬
‫االتي ‪:‬‬

‫‪ -‬ان تكون فكرة وجودية تحمل تفسي ار كليا للحياة والعالم ‪ ،‬ونسقا متكامال من‬
‫الغايات والوسائل والمواقف تستغرق تفاصيل الحياة كلها ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬شروط النهضة – مالك بن نبي – ص‪55 -57‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬أسس مفهوم الحضارة في االسالم – سليمان الخطيب – ص‪124‬‬
‫‪54‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها – دمحم هيشور‪ -‬دار الوفاء المنصورة – ط‪1415 -1‬هـ‪1885 -‬م‪ -‬ص‪125‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬ميالد مجتمع‪ -‬مالك بن نبي – ص‪78‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬نحن والحضارة الغربية – ابو االعلى المودودي – الدار السعودية للنشر – والتوزيع – جدة – ‪1444‬هـ‪1894 -‬م‪-‬‬
‫ص‪ ،85‬و اثر االيمان في بناء الحضارة االنسانية – أحمد حقي – ص‪25-24‬‬
‫‪24‬‬

‫‪ -‬الشمول واالستغراق فعلى قدر شمول الفكرة واستغراقها للعناصر الضرورية في‬
‫الحياة االنسانية تمد سلطانها‪.‬‬
‫‪ -‬أن تصير الفكرة عقيدة تبلغ في النفوس درجة من االيقان بحيث ال يعرض لها‬
‫شك أو نسبية أو تردد ‪ ،‬ويحمل االيمان بها على البذل والتضحية والتنافس‬
‫فيها لتصير هدفا مركزيا وحاجة ضرورية في حياة الناس وأفعالهم وتطلعاتهم‬
‫اليها يحتكم وبها تقاس االمور ولها االولوية في سلم القيم والسلطات‬
‫والمرجعيات‬
‫‪ -‬أن تتحد الفكرة بالمصلحة ‪ ،‬وتضمن تأمين الضرورات االنسانية‬
‫‪ -‬أن تكون فكرة حية تتمثل في صفوة مختارة او قيادة مخلصة رشيدة ‪.‬‬
‫أمة أو جماعة ‪.‬‬ ‫‪ -‬أن تكون فكرة حية في ّ‬
‫‪ -‬أن تكون فكرة حية متحققة أو قابلة للتحقق في دولة ونظام اجتماعي متكامل‪.‬‬
‫وتشد من وحدة‬
‫تعزز الوالء الجماعي للفكرة ّ‬
‫ومعصبة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أن تكون الفكرة جامعة‬
‫االمة وتمتّن أواصرها‪.77‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫االساس الثاني االنسان محور التخلق الحضاري‬

‫الحضارة نهر عظيم متدفق ومتجدد‪ ،‬واألفراد قطرات من هذا النهر‬


‫العظيم‪ ،‬وعلى هذا فاإلنسان هو أساس بناء الحضارات ألنها ثمرة مجهوده‬
‫لتحسين ظروف حياته على وجه األرض‪ ،‬وهو أيضاً معول هدمها‪ ،‬فهو‬
‫الركن األساسي في بناء الحضارة أو هدمها‪ ،‬والمتأمل في نصوص الكتاب‬
‫والسنة يجد عناية فائقة باإلنسان‪ ،‬واهتماماً به‪ ،‬فهو مخلوق مكرم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫( وَلَقد َكرمنا بِني آدم وحمْلناهم ِفي اْلب ِر واْلبح ِر ورزْقناهم ِمن الطِيب ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ضيالً)‪، 78‬وهو محور هذا الكون وقد سخر‬ ‫وَفضْلناهم عَلى َكِثير ِممن خَلْقنا تَْف ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬على عتبات الحضارة – بحث في السنن وعوامل التخلق واالنهيار‪ -‬د‪ -‬بتول أحمد جندية – ص‪41 -35‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -‬سورة االسراء – اآلية ‪54 -‬‬
‫‪21‬‬

‫ض َج ِميعاً ِم ْنه ِإن ِفي َذلِ َك‬ ‫ِ‬


‫ات وما ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫لخدمته‪َ ( ،‬و َسخ َر َلك ْم َما في الس َم َاو َ َ‬
‫آليات لَِق ْوم َيتََفكرو َن)‪ ،79‬فاإليمان الحق أعطى اإلنسان الدور الرائد في‬
‫األرض‪ ،‬وخالفتها‪ ،‬وهو دور مركزي في نظام الكون كله‪ ،‬يمنحه مجاالً هائالً‬
‫للعمل‪ ،‬والفاعلية‪ ،‬والتأثير‪ .‬إن الشخصية اإلنسانية السوية ال تتكون إال من‬
‫خالل اإليمان الصحيح‪ ،‬سواء نظرنا في ذلك إلى معاني الحياة التي يقدمها‬
‫اإليمان‪ ،‬أو إلى تحقيق طموح العقل‪ ،‬أو االستجابة ألشواق الروح التي ال‬
‫توجد إال في رحاب اإليمان‪ ،‬فهو المحرك األقوى إلى الخير‪ ،‬وخير دليل على‬
‫أثر اإليمان في صياغة اإلنسان‪ ،‬وصناعته ما ذكره الحق سبحانه في محكم‬
‫ين آمنوا استَ ِجيبوا ِلِلِ ولِلرس ِ‬
‫ول ِإ َذا َد َعاك ْم لِ َما‬ ‫تنـزيله فقال‪( :‬يا أَي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّها الذ َ َ‬
‫َ َ‬
‫ي ْحِييك ْم(‪ ،80‬فهذا اإليمان دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة‪ ،‬وبكل معاني‬
‫الحياة‪ ،‬وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى‪ ،‬من نماء‪ ،‬وحيوية‪ ،‬وعطاء‪ ،‬هذا‬
‫اإليمان هو دعوة إلى منهج للحياة‪ ،‬وعودة للوعي والفكر إلى حد تستحيل فيه‬
‫صير َوال‬ ‫المقارنة بين المؤمن وغيره‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وما يستَ ِوي األَعمى واْلب ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫َحَياء َوال األ َْم َوات(‪.81‬‬ ‫النور َوال ال ِّ‬
‫ظ ُّل َوال اْل َحرور َو َما َي ْستَ ِوي األ ْ‬
‫ُّ‬
‫الظلمات َوال ُّ‬
‫َ‬
‫بناء سوياً في أن هللا تعالى حين‬ ‫وتتجلى أهمية اإليمان في بناء الفرد ً‬
‫أرسل رسله تترى أمرهم بادئ ذي بدء بإصالح العقيدة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أ َْرَسْلَنا م ْن َقْبل َك م ْن َرسول ِإال نوحي ِإَل ْيه أَنه ال ِإَل َه ِإال أََنا َف ْ‬
‫اعبدو ِن(‪،82‬‬
‫فاإليمان هو القضية األولى التي يتصدى لها األنبياء منذ اليوم األول في‬
‫الدعوة‪ ،‬فقد بدأ الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أولى خطواته في دعوة الناس إلى أن يشهدوا أن‬
‫لب دعوته ‪ ،‬وظل يركز عليها‬
‫ال إله إال هللا وأن دمحماً رسول هللا‪ ،‬هذه هي ُّ‬
‫طوال ثالث عشرة سنة‪ ،‬يركز جل جهده في تربية النفوس لتحمل أكبر طاقة‬
‫إيمانية يتسع لها القلب البشري‪ ،‬وهي القضية الكبرى واألساسية في هذا الدين‬
‫الذي سيقوم عليه ذلك البناء الضخم‪ ،‬ألن األمور األخرى هي نتيجة منطقية‪،‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬سورة الجاثية – اآلية ‪13-‬‬
‫‪94‬‬
‫‪ -‬سورة االنفال – اآلية ‪24 -‬‬
‫‪91‬‬
‫‪ -‬سورة فاطر – اآلية – ‪22 -18‬‬
‫‪92‬‬
‫‪-‬سورة االنبياء – اآلية ‪25 -‬‬
‫‪22‬‬

‫ألنه متى استقر اإليمان في النفس‬‫أو ثمرة من ثمار هذا اإليمان السليم‪ّ ،‬‬
‫استقر معه في الوقت ذاته النظام الذي تمثل فيه هذا اإليمان‪ ،‬ولما بدأ البناء‬
‫بالفعل ‪ -‬في المدينة المنورة ‪ -‬شمخ خالل سنوات قالئل‪ ،‬بل إن الحضارة‬
‫اإلسالمية بسطت نفوذها على العالم القديم بسرعة مذهلة حتى عد ذلك‬
‫معجزة‪ ،83‬ولوال هذا األساس لما تحقق ذلك كله( ولقد كانت حركة هذه األمة‬
‫بإيمانها في مجاالت الحياة المختلفة أعظم حركة في التاريخ‪ ،‬فلزم في أن‬
‫يكون األساس الذي يقوم عليه بناؤها أرسخ األساس‪ ،‬وأعمقها‪ ...‬كانت الهداية‬
‫إلى التوحيد هي قمة العطاء الرباني لهذه األمة‪ ،‬وهي كذلك قمة العطاء الذي‬
‫قدمته هذه األمة للبشرية)‪ ،84‬لقد كانت الجزيرة العربية تعيش جاهلية جهالء‪،‬‬
‫وفي ظالم دامس‪ ،‬دون أن تستفيد من الحضارات األخرى التي كانت تبسط‬
‫نفوذها على أطرافها‪ ،‬بل تكون أحياناً عرضة لتصارع نفوذ تلك الحضارات‬
‫فما أن شع نور اإلسالم حتى كون اإلسالم أعظم حضارة‪ ،‬وهذه الحضارة‬
‫ولدت في ظل اإليمان‪ ،‬بل انبثقت منه‪ ،‬ونمت وازدهرت في ظله‪ ،‬ولم تخرج‬
‫من ظله‪ ،‬إال حينما أصابها االنحراف‪ ،‬وكما قال اإلمام مالك ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬
‫(ن يصلح آخر هذه األمة إال ما صلح به أولها)‪.85‬‬
‫وإذا كان محور الدين هو إخالص العبادة هلل‪ ،‬وهو تزكية للنفس‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وتطهير لها من األدران‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬ق ْد أَْفَل َح َم ْن تََزكى(‪ ،86‬وهي‬
‫من مهام الرسل ‪-‬عليهم السالم – (وليست تزكية النفس بدورها إال الشرط‬
‫األساسي لتحمل اإلنسان مسؤولياته الحضارية بصدق وجد‪ ...‬فبمقدار ما‬
‫تتزكى النفس وتصفو كدورات األهواء‪ ،‬والرعونات‪ ،‬يخلص صاحبها في تحمل‬
‫كل ما يجب أن يتحمله في سبيل بني جنسه من المهام‪ ،‬والواجبات المختلفة‪،‬‬
‫وبمقدار ما تنطوي تلك النفس على شوائبها ورعوناتها‪ ،‬يغدو صاحبها مجرد‬
‫أداة لإلفساد في األرض‪ ،‬وإلهالك الحرث والنسل‪ ،‬ابتغاء مصالحه‪ ،‬وأهوائه‬

‫‪93‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬أثر االيمان في بناء الحضارة – أحمد حقي – ص‪27‬‬
‫‪94‬‬
‫‪ -‬رؤية اسالمية ألحوال العالم المعاصر – دمحم قطب – دار الوطن للنشر – الرياض ط‪1411 -1‬هـ‪1881 -‬م‪ -‬ص‪135 -131‬‬
‫‪95‬‬
‫‪ -‬تنقيح أحاديث التعليق – ابن عبد الهادي – يوسف بن عبد الهادي الحنبلي – تحقيق – أيمن صالح شعبان‪ -‬دار الكتب العلمية –‬
‫بيروت – ج‪442 --3‬‬
‫‪97‬‬
‫‪-‬سورة االعلى اآلية ‪14‬‬
‫‪23‬‬

‫الشخصية‪ ،‬مهما تحلى ظاهره بالصفات الحميدة واألخالق الفاضلة‪ ،‬وإذاً‬


‫فالوظيفة التي يحملها القرآن لإلنسان في الحقيقة‪ ،‬إنما هي عمارة األرض)‪.87‬‬
‫اذن الحضارة تبنى على الصفوة المختارة التي تستنقذ األمة من براثن‬
‫التخلف‪ ،‬والبد لهذه الصفوة من صفات تؤهلها لتقود األمة إلى التغيير‪،‬‬
‫واالنبعاث من الرقدة من جديد‪ ،‬وانتشالها من الجهل‪ ،‬والكسل‪ ،‬وال تزال‬
‫الجماعة من الناس بخير ما دامت الصفوة القائدة تشعر بثقل التكليف‬
‫وتتحمل أعباءه‪ ،‬وهذا أمر متفق عليه عند علماء الحضارة من (تستافيكو) إلى‬
‫(توينبي)‪ ،‬ويرى توينبي‪ :‬أنه البد لكل جماعة إنسانية من صفوة قائدة لكي‬
‫تتقدم وتتحسن أحوالها‪ ،‬وال يتم تقدم إذا عدمتها الجماعة‪ ،‬فكأنها خميرة التقدم‬
‫والنهوض‪.88‬‬
‫ومن هنا جاء اهتمام الرسل ‪-‬عليهم السالم‪ -‬باإلنسان حتى ينشأ النشأة‬
‫الصالحة‪ ،‬ألن المؤمن يترك بصمات واضحة في كل شيء حوله‪ ،‬بل هو‬

‫َه َل اْلق َرى َ‬


‫آمنوا‬ ‫المحور الرئيس في التغيير إلى األصلح‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وَل ْو أَن أ ْ‬
‫َخ ْذَناه ْم ِب َما َكانوا‬ ‫اء واألَر ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوَلك ْن َكذبوا َفأ َ‬ ‫َواتَق ْوا َلَفتَ ْحَنا َعَل ْي ِه ْم َب َرَكات م َن الس َم َ ْ‬
‫َي ْك ِسبو َن(‪ ،89‬فبناء الحضارة أحد الوظائف األساسية التي حملها اإلنسان‪ ،‬قال‬
‫يها)‪، 90‬أي كلفكم بعمارتها‪، 91‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ ْع َم َرك ْم ف َ‬‫تعالى‪ ( :‬ه َو أ َْن َشأَك ْم م َن األ َْرض َو ْ‬
‫ض َخلِ َيف ًة(‪ ،92‬فإقامة‬ ‫اعل ِفي األ َْر ِ‬ ‫الئ َك ِة ِإِني ج ِ‬ ‫وقال تعالى ( وإِ ْذ َقال ربُّك لِْلم ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الحضارة اإلنسانية هي إحدى الوظائف التي تقوم بها العصبة المؤمنة‪ ،‬قال‬
‫ض َوَن ْج َعَله ْم أَِئم ًة‬
‫ض ِعفوا ِفي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫است ْ‬
‫ين ْ‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ون ِريد أ ْ‬
‫َن َنمن َعَلى الذ َ‬
‫ين(‪ ،93‬وعلى هذا فإن اإليمان أحد الشروط األساسية إلقامة‬ ‫َوَن ْج َعَلهم اْل َو ِارِث َ‬
‫الحضارة اإلنسانية السوية‪ ،‬ولالستخالف في هذه األرض‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬منهج الحضارة االنسانية في القرآن – دمحم سعيد رمضان البوطي – دار الفكر – دمشق ط‪1418 -2‬هـ‪1889 -‬م‪ -‬ص‪24‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪:‬أثر االيمان في بناء الحضارة – أحمد حقي – ص‪31‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ -‬سورة االعراف – اآلية ‪87 -‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ -‬سورة هود‪ -‬اآلية ‪71 -‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -‬ينظر ‪ :‬تفسير القرطبي – ج‪ -8‬ص‪57‬‬
‫‪82‬‬
‫‪-‬سورة البقرة – اآلية ‪34 -‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ -‬سورة القصص‪ -‬اآلية ‪5 -‬‬
‫‪24‬‬

‫والقرآن الكريم يبين لنا أن األنبياء هم الرواد األوائل‪ ،‬والقدوة الحسنة‪،‬‬


‫والصفوة المختارة إلقامة الحضارة اإلنسانية السامية‪ ،‬بما امتازت به‬
‫شخصياتهم من صفات قيادية‪ ،‬وتمثل فيهم الكمال اإلنساني‪ ،‬فقاموا ‪-‬عليهم‬
‫السالم‪ -‬بألوان من األنشطة االقتصادية والصناعية باإلضافة إلى مهمتهم‬
‫الرئيسة الدعوة إلى عبادة هللا‪ ،‬وتربية األمم ورعايتها‪ ،‬وهذه المهام مجتمعة‬
‫هي التي يبني بها اإلنسان مختلف جوانب الحضارة‪ .‬فاالنسان هو محور‬
‫التخلق الحضاري الثاني بعد الفكرة ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫الخاتمة والتوصيات‬

‫بعد أن وقفنا في هذا البحث المختصر على سنن التخلق الحضاري في القرآن الكريم‬
‫يمكن لنا تلخيص اهم النتائج التي خرج بها البحث على النحو األتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عناية القرآن الكريم ببيان السنن اإللهية في التخلق الحضاري عناية كبيرة‬
‫وعرضه لهذه السنن بأساليب متنوعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ان السنن اإللهية في بناء الحضارات وتخلقها ثابتة ال تتحول وال تتغير بل‬
‫هي أكثر ثباتا من سنن هللا الكونية ثم هي شاملة عامة ال تحابي أحدا واقعية‬
‫قاهرة قائمة على مبدأ العدل والحكمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬سنن هللا في بناء وتكوين الحضارات تقوم على ارتباط االسباب بالمسببات‬
‫وسلبا على ارتفاع موانع تلك السنن وقيامها على مبدأ السببية ال ينافي القدر‬
‫اإللهي فقدر هللا مبني على علم هللا االزلي باألسباب والمسببات جميعا‪.‬‬
‫‪ -4‬يعد القرآن الكريم مستودع لقوانين وسنن ربانية في قيام الحضارات واندثارها‪.‬‬
‫‪ -5‬ان الحضارة تولد من رحم فكرة يقينية كلية جامعة هي روحها وخ ّزان طاقتها ‪،‬‬
‫وتؤول الى االنحدار اذا انقطعت صلتها بتلك الفكرة او ضعفت ‪.‬‬
‫‪ -6‬من السمات البارزة للحضارة اإلسالمية أنها حضارة إنسانية سامية‪ ،‬إنها‬
‫حضارة العلم واإليمان‪ ،‬ولم ترتق إلى هذا السمو حضارة أخرى‪.‬‬
‫‪ -7‬ان االنسان يعد في التصور القرآني احد شروط التخلق الحضاري وان هذا‬
‫االنسان يجب ان يحمل مواصفات معينة حتي يكون له الدور المنشود في‬
‫البناء الحضاري واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -8‬القرآن الكريم يؤكد على ان الحضارة لن تموت اال اذا فقدت الدافع والدافع‬
‫فكرة ومصلحة ‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫‪ -‬التوصيات ‪:‬‬
‫‪ -1‬لعل اهم ما نوصي به هو ان تتجه عناية الدارسين والباحثين الى القرآن‬
‫الكريم لصياغة تصور وفلسفة قرآنية خاصة عن التخلق الحضاري بناء‬
‫وهدما فالقرآن حث ونبه على هذا االمر في الكثير من آياته‪.‬‬
‫اهتماما يليق بها‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬أن تنال دراسة السنن الربانية في الكون والحياة واإلنسان‬
‫في الدراسات القرآنية بخاصة‪ ،‬وفي سائر الدراسات العلمية‪ ،‬ويساعد على‬
‫ذلك أن تكون مقر اًر دراسياً في أقسام الدراسات اإلسالمية واإلنسانية‪.‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like