You are on page 1of 3

‫األستاذة ‪ :‬سلطاني مريم‬ ‫اإلشكالية‪ :‬ادراك العالم الخارجي‬

‫المشكلة ‪ :‬اللغة والفكر‬

‫هل يمكن الفصل بين اللغة و الفكر؟‬


‫هل يمكن التفكير بدون لغة ؟‬
‫هل كل ما نفكر فيه يمكن التعبير عنه؟‬

‫‪ -1 -‬طرح المشكلة ‪ :‬لقد إقترن وجود اإلنسان بقدرته على التواصل مع بني جنسه من خالل ملكة اللغة التي‬
‫يميل عدد من الفالسفة والمفكرين إلى تعريفها بأنها ذلك النسق المنظم من اإلشارات و الرموز التي تصلح‬
‫للتواصل بين بني البشر مع القصد في إستعمالها و تطويرها‪ ,‬و كما يعرفها الجرجاني (هي كل ما يعبر بها كل‬
‫قوم عن أغراضهم) ‪ ,‬إال أن تطور مفهوم اللغة إرتبط بماهية الفكر باعتباره نشاط ذهني معقد تتشابك فيه‬
‫القدرات العليا من إدراك و تخيل وتذکر و تحلیل و ترکیب و تأويل‪ ,‬فالتفكير يعتمد على أدوات هي المعاني و‬
‫يقابلها في اللغة األلفاظ ‪ ,‬مما أثار إهتمام الفالسفة و العلماء حول طبيعة العالقة بين اللغة و الفكر فإنقسمو إلى‬
‫موقفين متعارضين ‪ :‬فريق أول يرى بأن العالقة بينهما هي عالقة إنفصال باعتبارهما شيئين مختلفين‪ ,‬وفريق‬
‫ثان يؤكد بإن العالقة بينهما هي عالقة إتصال بإعتبارهما شيء واحد‪ ,‬فطرحو التساؤل‪ :‬هل هناك تطابق بين‬
‫نظام األفكار و نظام الكلمات؟ و هل كل ما نفكر فيه بالذهن يمكن التعبير عنه باأللفاظ ؟ وبصيغة أخرى هل‬
‫اللغة والفكر متصالن أم منفصالن؟‬

‫‪ -2-‬محاولة حل المشكلة‪:‬‬
‫أ ) األطروحة‪ :‬يجب الفصل و التمييز بين اللغة والفكر (اإلتجاه الثنائي (‬
‫يذهب أنصار اإلتجاه الثنائي و خاصة النزعة الحدسية بزعامة الفرنسي برغسون أنه يجب الفصل و التمييز‬
‫بين اللغة والفكر‪ ,‬فاللغة وسيلة ينتجها الفكر تعيقه و تشوهه وال تستطيع التعبير عنه يقول برغسون ‪ ( :‬اللغة‬
‫عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر)‪ .‬حجتهم في ذلك أن الفكر أسبق من اللغة زمنيا بحيث أن اإلنسان يفكر بعقله‬
‫أوال ثم يعبر يلسانه ثانيا كما أنه كثيرا ما تعجز اللغة عن التعبير عن أفكارنا و مشارنا و عواطفنا و إنفعاالتنا‬
‫خاصة بالنسبة للرومنسيين و المبدعين و الفنانين فيلجلون إلى الرسم و الموسيقى و التمثيل و النحت للتعبير‬
‫عن مشاعرهم وأفكارهم‪ ,‬يقول الشاعر الفرنسي فاليري ‪ ( :‬يأتي الفن ليكمل ما تعجز عنه اللغة) فالتأمل‬
‫العميق و الشعور الحدسي الباطني يبقى تجربة ذاتية أصيلة يعيشها الفرد لوحده وتعجز اللغة عن نقلها‬
‫لآلخرين‪ ,‬لهذا قيل ‪ ( :‬ما أرخس الحب حين يتحول إلى كلمات‪ ( ,‬وهذا ما أكده الشاعر العربي نزار قباني‬
‫بقوله‪ '' :‬الحزن يا بلقيس بعصر مهجتي كالبرتقالة…‪ .‬ولست أعرف مأزق الكلمات‪ ....‬أنا الذي اخترع‬
‫الرسائل‪ ......‬لست أعرف كيف أبدأ الرسالة‪'' .‬‬
‫فاللغة غير قادرة على إحتواء المعاني العميقة والمشاعر الدافئة والعواطف الجياشة‪ .‬لذلك قيل‪ ( :‬إذا كانت‬
‫كلماتي من ثلج فكيف تحتوي بداخلها النيران)‪ ,‬كما أن األفكار متصلة في تطور مستمر بينما األلفاظ مركبة‬
‫منفصلة جامدة محدودة ‪ ,‬لهذا قيل‪( :‬األلفاظ قبور المعاني) أي تؤدي إلى قتل األفكار وتجميد حيويتها‪ ,‬يقول‬
‫الشاعر الفرنسي فاليري ( أجمل األفكار هي التي ال تستطيع التعبير عنها)‪ .‬إضافة أن اللغة تشكل خطرا على‬
‫الفكر أحيانا مثلما يحدث في حالة سوء التفاهم ‪ ,‬فكثيرا ما يتوقف الخطيب أو األستاذ عن الكالم لعجز األلفاظ‬
‫عن التعبير عن أفكاره‪ ,‬ضف إلى ذلك التوقف أثناء الكتابة و التردد في التعبير و تعويض ألفاظ بأخرى دليل‬
‫على عدم التناسب بين المعاني و األلفاظ وهذا ما اكده الفرنسي ديكارت أن اللغة تعيق الفكر وال تستطيع‬
‫‪1‬‬
‫التعبير عنه حيث يقول‪ ( :‬ألفاظ اللغة تضللني ) ويضيف ايضا ‪( :‬الفكر سابق عن اللغة فهي األداة التي‬
‫يستعملها للخروج من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل وجعله مدركا من طرف الغير)‪ ,‬كما أنه لو سألنا‬
‫األدباء و الشعراء كم إستهلكو من األوراق لكتابة قصصهم و مؤلفاتهم لوجدنا أن األوراق التي رموها أكثر من‬
‫التي كتبو عليها‪ ,‬يقول األلماني شوبنهاور‪( :‬تموت األفكار لحظة تجسيدها في كلمات(‪ ,‬فالعبارة تضيق حدود‬
‫المعنى و تجعل الفكرة في أذهاننا تبدو أوسع وأجمل يقول ديدرو ‪ ( :‬أعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نملك‬
‫أصواتا) ولقد أشار افالطون قديما إلى أسبقية الفكر عن اللغة الطولوجيا (وجوديا)‪ .‬ذلك أن األفكار مصدرها‬
‫عالم المثل في حين تنتمي األلفاظ إلى العالم الحسي و بما أن المعالم األول أسبق من الثاني فإن الفكر أسبق من‬
‫اللغة و أوسع منها‪ ,‬كما أن الفكرة إذا قمنا بترجمتها من لغة إلى أخرى يختل معناها لهذا قبل‪ ( :‬كل مترجم‬
‫خائن) مثل إيطالي إضافة أن الطفل الصغير ترسخ في ذهنه الصور واألشكال البدوية أكثر من األلفاظ‬
‫والكلمات لهذا قيل ( الصورة خير من ألف كلمة( مثل صيني‪ ,‬ونفس الموقف نجده عند الجاحظ بأن اللغة تقف‬
‫عاجزة عن مسايرة زخم األفكار حيث يقول ‪ ( :‬إن حكم المعاني خالف حكم األلفاظ ألن المعاني مبسوطة إلى‬
‫غير نهاية و أسماء األلفاظ محدودة ومعدودة‪ ) .‬ضف إلى ذلك أن الكلمات تأني غير متوافقة ومتاخرة و ففي‬
‫ذروة األلم ال نملك غير الصباح فقط وال تتكلم عن األلم لنصفه أو باألحرى لنصف ذكرياته ومخلفاته إال بعد‬
‫هدونه و زواله كما أن األم ال تستطيع اللغة التعبير عن فرحتها بنجاح إبنها أو إبنتها في شهادة البكالوريا‬
‫فتنفعل وتلجا إلى البكاء و الدموع يقول برغسون‪( :‬إن اللغة ال تقوى على وصف المعطيات المباشرة للحدس‬
‫وصفا حيا فهي ال تصف العواطف والمشاعر المرهقة إال وصفا خارجيا)‪ .‬فلو سألنا العشاق والمحبين عن‬
‫اللغة فإنهم لن يترددو في وصفها بالعاجزة طالما ال تبلغ لهم مرادهم ‪ ,‬وقد حدث لي مرة اني إلتقيت صديق‬
‫الطفولة صدفة الذي لم اراه منذ مدة طويلة فتلعثم لساني ولم أستطع التعبير عن مشاعر االشتياق نحوه بلغة‬
‫األلفاظ ولكني وجدت نفسي مهروال مسرعا نحوه و إحتضنته بقوة‪ ،‬كما يؤكد الصوفية انهم يعيشون حاالت‬
‫وجدانية ال يمكن لأللفاظ أن تعبر عنها وال يمكن للكلمات أن تستوعب المعرفة اإلشراقية والدرجة العرفانية ‪،‬‬
‫يقول المتصوف العربي الحالج (المعرفة ديمومة دائمة طرقها مسدودة ما إليها سبيل‪ ،‬معانيها بينة ما عليها‬
‫دليل ال تلحقها أوصاف الناس‪ ،).‬أي أن المعرفة الصوفية تتميز بالديمومة تتجلى كمعان واضحة حدسية بدون‬
‫دليل ولكن ال يمكن وصفها بالكلمات‬
‫مناقشة ‪ :‬لقد بالغ أنصار اإلتجاه الثنائي في تمجيد الفكر و التقليل من شأن اللغة ألن معطيات علم النفس‬
‫الحديث أثبتت أن الطفل يتعلم اللغة والفكر في أن واحد‪ ،‬فالفكر بدون لغة مجرد شعور‪ ،‬كما أن العجز الذي‬
‫توصف به اللغة هو عجز في التفكير اإلفتقار المتكلم للثروة اللغوية‪.‬‬
‫ب) نقيض األطروحة ال يمكن الفصل و التمييز بين اللغة والفكر (االتجاه األحادي)‬
‫و هذا ما ذهب إليه أنصار اإلتجاه األحادي بأنه ال يمكن الفصل و التمييز بين اللغة و الفكر ألن هناك تطابقا‬
‫تاما بينهما فال يمكن أن يوجد فكر بدون لغة كما ال توجد لغة من دون فكر‪ ,‬فاللغة ليست أداة للتبنيغ والتعبير‬
‫فحسب‪ ,‬بل هي األساس الذي يقوم عليه الفكريقول ستالين‪( :‬ال وجود ألفكار عارية مستقلة عن مواد اللغة)‪.‬‬
‫وهذا ما أكده الفيل بقوله ‪ ( :‬ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر و لكن جسمه الحقيقي) حجتهم في ذلك‬
‫أنه كلما اتسعت ثروة الفرد اللغوية كلما زادت قدرته على التفكير و‬
‫التبليغ والتعبيرو أن وضوح األفكار ناتج عن وضوح األلفاظ يقول هاملتون ‪ ( :‬األلفاظ حصون المعاني )‪ .‬كما‬
‫أن اللغة تصبغ الفكر بصبغة إجتماعية موضوعية تنقله من طابعه اإلنفعالي الذاتي ليصير خبرة إنسانية قابلة‬
‫للتحليل و الفهم واإلنتقال بين الناس‪ ,‬يقول هيجل ‪ ( :‬اللغة وعاء الفكر ) ويضيف ايضا ( نحن نفكر داخل‬
‫الكلمات ) حيث أثبت علم نفس الطفل أن تكوين المعاني عاد الطفل يتم في نفس الوقت الذي يكتسب فيه اللغة‬
‫وأن نمو الفكر عنده مرتبط بنموه اللغوي ‪ .‬يقول اآلن‪( :‬إن الطفل يكتشف أفكاره في العبارات التي يتعلمها)‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فحتى عندما نفكر فإن هذا التفكير حسب انصار اإلتجاه األحادي يعتبر حوارا داخليا ال يمكن أن يكون ما لم‬
‫تكن هناك لغة إضافة أن األستاذ يقيم التالميذ من خالل الواجبات والمشاركة في القسم‪ ,‬ألنه عندما يتكلم التلميذ‬
‫يستطيع األستاذ أن يقدر ذكاته فالعالقة وطيدة بين اللغة والفكر يقول دوالكروا ‪ ( :‬إن الفكر يصنع اللغة في‬
‫نفس الوقت الذي يصنع فيه الفكر من طرف اللغة‪ ).‬وهذا ما عبر عنه األمريكي واطسن بقوله‪( :‬التفكير ما هو‬
‫إال ضرب من الكالم الصامت) اذن هناك تالزم بين ما تفكر فيه وما تعبر عنه إذ يمكن تشبيه العالقة بين اللغة‬
‫والفكر بالقطعة النقدية وجهها الفكرو ظهرها اللفظ يقول المفكر العربي زكي نجيب محمود‪( :‬الفكر هو‬
‫التركيب اللفظي أو الرمز ال أكثر وال أقل) إضافة أن اإلصابات الدماغية تسبب العجز عن الكالم‪ ,‬فإصابة‬
‫منطقة بروكا يؤدي إلى مرض الحبسة الحركية أي عدم القدرة على النطق و فقدان اللغة ومعانيها‪ .‬مما يثبت‬
‫صلة كل من الفكر و اللغة و إستحالة الفصل بينهما يقول هيجل‪ ( :‬إن الكلمة تعطي للفكرة وجودها األسمى و‬
‫الرغبة في التفكير بدون كلمات محاولة عديمة المعنى) و نفس الموقف نجده لدى زعيم الفلسفة الظواهرية‬
‫مرلوبونتي بقوله ‪ ( :‬الفكر ال يوجد خارج عن العالم و بمعزل عن الكلمات)‪ .‬كما اكد ارسطو قديما أن العالقة‬
‫بين اللغة والفكر عالقة إتصال بحيث يمثالن وحدة عضوية كما أشار إلى ذلك في كتابه ‪ :‬األرغنون في مبحث‬
‫الحدود والتصورات وكذا في مبحث القضايا واألحكام‪ ,‬حيث يقول‪ ( :‬ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية)‪.‬‬
‫ولهذا سمو المسلمين قديما علم المنطق بـ ‪ :‬علم الكالم السليم و هذا لتأكيدهم أن اللفظ والمعنى شئ واحد‪،‬‬
‫فبفضل اللغة إستطاع اإلنسان القيام بمختلف العمليات العقلية مثل التحليل‪ ,‬التركيب‪ ,‬المقارنة‪ .‬كما إستطاع أن‬
‫يرتقي من المستوى الحسي إلى المستوى العقلي المجرد و يكشف عن المعاني المجردة كما يبدو لنا ذلك في‬
‫فلسفة الرياضيات‪ ,‬يقول إميل بنفنيست‪ ( :‬إن التفكير ليس من الداخل في شيء وال وجود له خارج عالم‬
‫األلفاظ)‪ ،‬و هذا ما أكدته جوليا كريستيفا بقولها ‪( :‬اللغة مادة الفكر فهما متالزمان)‪.‬‬

‫مناقشة ‪ :‬لو كانت اللغة و الفكر شيء واحد إلكتفينا بإحضار أحدهما دون األخر‪ ,‬ولكانت أفكارنا و لغتنا‬
‫واحدة ولو كان اإلتحاد بين اللغة والفكر مطلقا لوجدنا انفسنا بين مشكلة هي إما أن تكون أفكارنا جامدة ثابتة‬
‫لثبات االلفاظ وإما أن تصبح اللغة متغيرة بتغير المعاني وهنا نفقد اإلثنين معا‪.‬‬
‫ج) التركيب ‪ :‬من خالل طرحنا للموقفين المتعارضين يتضح لنا أننا ال نستطيع أن نفصل عمليا بين اللغة‬
‫والفكر‪ ,‬وال يوجد فاصل زمني بين عملية التفكير وعملية التعبير‪ ,‬فإذا كانت بينهما أسبقية فهي منطقية ال‬
‫زمنية‪ ,‬وإن كان بينهما تمييز فهو نظري ال عملي‪ ،‬فالتفكير الخالص بدون لغة كالشعور الفارغ ال وجود له‬
‫فكل فكرة تتكون في قالب رموز يحتويها و يعطي لها وجودها المضمون وهذا ما عبر عنه هاملتون بقوله‪:‬‬
‫(إن المعاني شبيهة بشرار النار ال تومض إال لتغيب‪ ،‬فال يمكن إظهارها و تثبيتها إال باأللفاظ)‪ ،‬فالعالقة بين‬
‫اللغة والفكر هي عالقة إتصال فاإلنسان هو الكائن الوحيد القادر على ترجمة أفكاره ونقلها إلى غيره مع وعي‬
‫هذا الفعل وما يقصد إليه‪ ,‬و إذا كانت اللغة خاصية إنسانية فهذا أكبر دليل على إرتباطها الوثيق بالفكر‪,‬‬
‫وتميزها عن منطق الحيوان و أشكال التعبيراإلنفعالي‪.‬‬
‫‪ -3-‬حل المشكلة ‪ :‬من كل مما سبق نستنتج أن العالقة بين اللغة والفكر هي عالقة تكاملية وطيدة فكالهما‬
‫يؤثر و يتأثر باآلخر‪ ,‬فبالرغم أن الفكر هو عمل العقل الذي يحدث في الذهن و أن اللغة اصوات و رموز‬
‫خارجية يتلفظ بها اإلنسان‪ ,‬فإن العالقة بينهما هي عالقة تكامل وتفاعل‪ ,‬فالفكر بالنسبة لـ اللغة كالروح بالنسبة‬
‫للجسد‪ ,‬يقول دوالكروا ‪ ( :‬نحن ال نفكر بصورة حسنة أو سيئة إال ألن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة)‪.‬‬
‫أي أنه يستحيل الفصل بينهما عمليا ألنهما يمثالن جوهر اإلنسان و السبب الرئيسي في إخراجه من الحظيرة‬
‫الحيوانية إلى الحظيرة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like