You are on page 1of 3

‫‪01 :‬‬ ‫الغة و الفكر‬

‫طرح المشكلة ‪:‬‬


‫تعددت تعاريف الفالسفة للغة فيعرفها الالند " انها كل جملة من االشارات يمكن ان تكون وسيلة لالتصال " اال‬
‫انها قد تعرف بانها عبارة عن نسق من االشارات و الرموز المنظمة يستعملها االنسان قصد التفاهم و الفكر‬
‫هو هو النشاط الذهني التي يتم بموجب فعالية العقل و يعتبر موضوع عالقة اللغة بالفكر من اهم االشكاليات‬
‫المعاصرة التي نالت حظها في النقاش الفلسفي و كانت محط اهتمام العديد من رواد علماء اللسانيات و قدظهر‬
‫نقاش و جدل بين المفكرين و الفالسقة فمنهم من يرى ان اللغة متصلة بالفكر اي انهما وحدة عضوية وال يمكن‬
‫تصور احدهما دون االخر و هذا ماقره االتجاه االحادي و علي النقيض‪ .‬من يرفض هذااإلتصال و يقر باالنفصال‬
‫اي ان اللغة عاجزة عن استيعاب كل افكارنا و هذا ماأقره االتجاه االنفصالي وعليه نتسائل ‪ :‬هل النشاط الفكري‬
‫يتم بصورة منفصلة عن اللغة ؟ وهل االنسان يفكر في شكل كلمات أم في شكل صور عقلية ؟ و هل الفكر منفصل‬
‫عن اللغة ام انهما عملية واحدة ؟‬
‫االطروحة االولى ‪:‬‬
‫إن عالقة اللغة و الفكرعالقة انفصال و تمايز هذا مايراه دعاة اإلتجاه الثنائي أواإلتجاه الحدسي على رأسهم‬
‫الفرنسي هنري برغسون ‪ .‬باالضافة الى أفالطون ‪.....‬‬
‫_ فال يوجد تناسب بين عالم االفكار و عالم األلفاظ ألن مايملكه اإلنسان من أفكار و معاني يفوق بكثير مايملكه‬
‫من كلمات هذا يعني ان اللغة ال تستطيع ان تستوعب الفكر أو تحتويه وبالتالي هي عاجزة عن التبليغ أو التعبير‬
‫عن ما يوجد لدينا من افكار و لقد وضعوا ادلة و براهين لتدعيم موقفهم ‪:‬‬
‫_ إن االنسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه ‪ :‬فالفكر سابق و متقدم عن اللغة ودليل ذلك ان المرء يفكر ثم‬
‫يبحث عن كلمات مناسبة ليعبر بها عن افكاره فكثيرا مايتردد الكاتب او المتكلم عند الكالم و يتوقف لبحث عن‬
‫الفاظا مناسبة الفكاره فلو لكانت االلفاظ هي نفسها االفكارلما تردد اإلنسان اثناء الكالم و التعبير ‪.‬‬
‫_ إن ماهية الفكر فردية و ذاتية و حر و غير خاضع لقواعد نحوية و صرفية ‪ ,‬و كما أن الفكر يتصف بالديمومة‬
‫و التجدد و ال يتوقف عن الجريان و غير محدود و أما اللغة فهي ظاهرة أجتماعية متنوعة و منه فوضع‬
‫األفكار في قوالب لفظية يفقدها حيويتها و اصالتها فااللفاظ تعيق تطور االفكار فقيل " االفاظ قبور المعاني"‬
‫و قال المارتين " إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تهوى بداخلها النيران "‬
‫_ كما ان اللغة قد وضعت للتعبير عن ما اتفق عليه افراد الجماعة بهدف تحقيق التواصل و تبادل المنافع فهي‬
‫اذن ال تعبر اال عن الطابع االجتماعي للفكر لكن يبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة و ذاتية من عواطف و‬
‫مشاعر و مخاوف و أحاسيس و أهواء ال يمكن التعبير عنها بالكلمات و األلفاظ و هذا ال يرجع الي قصور الفكر‬
‫بقدر مايعود الى قصور اللغة ‪ ,‬فهي ال تعطي المعنى الكامل للفكر لذلك يقول بول فاليري " أجمل االفكار تلك التي‬
‫ال نستطيع التعبير عنها " فالفكرة ترتبط بالشعور و تحمل كل مضامينه و معانيه و انفعاالته و عواطفه كالحزن و‬
‫السعادة و الخوف و الهلع ‪ ...‬فعندما يريد المرء التعبير عنها يخرجها على شكل قوالب لغوية خالية من الشعور‬
‫و الحياة وهذا مايجعل اللغة عاجزة عن تبليغ افكارنا‪ ,‬لذلك لجأ االنسان الى وسائل أخرى كالشعر و المسرح و‬
‫الموسيقى و الرسم ‪ ,‬اختراع لغة الصم و البكم ‪ ,,‬و غيرها من أجل التعبير عن مشاعره و أحاسيسه و هذا ميبرز‬
‫انفصال اللغة بالفكر فيقول هنري برغسون " اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر "‬
‫_ كما تجدر االشارة الى فلسفة اليوناني افالطون الذي اوضح أسبقية الفكر عن اللغة في تقسيمه للعالم وضح‬
‫ان االفكار مصدرها عالم المثل في حين تنتمي االلفاظ إلى عالم الحس و بما ان العالم المثالي افضل من الحسي‬
‫فكان الفكر ارقى من اللفظ ‪.‬‬
‫_ كما نجد الفرنسي رونيه ديكارت قد ميز بين الفكر و اللغة كونهما من طبيعتين مختلفين ‪ :‬فاللغة ذات طابع‬
‫مادي و الفكر ذو طابع روحي و نفس الرأي نجده عند شوبنهاو " إن األفكار تموت لحظة تجسيدها في كلمات "‬
‫و في قول أخر لبرغسون " االلفاظ قبور المعان"‬
‫النقد ‪:‬‬
‫بالرغم من االد لة التي قدمها اصحاب الموقف االتصالي اال نهم لم يسلموا من االنتقاد ‪ ,‬فما يعاب عليهم انهم‬
‫فصلوا فصال تاما بين اللغة و الفكر فاذا كان الفكر سابق عن اللغة فهو من الناحية الزمنية فقط فاالنسان يشعر‬
‫انه يفكر و يتكل في ان واحد ‪ ,‬كما انهم بالغوا في تمجيد الفكر على حساب اللغة االمر الذي جعل نشاط اخرس و‬
‫الواقع يؤكد أن أن التفكير ال يتم بدون لغة ‪ ,‬و الفكر بدون لغة مجرد شعور باطني بدون معنى كما انه اذا كانت‬
‫اللغة عاجزة عن التعبير عن افكارنا فقد ال يكون العيب فيها و انما في مستعملها ( قصور الثروة اللغوية )‬
‫كما ان د راسات علم النفس الطفل اثبتت ان تكوين المعاني و االفكار عند االطفال يتم في نفس اللحظة فحضور‬
‫الفكر يشترط حضور اللغة مايجعلهما و جهين لعملة واحدة‬
‫االطروحة النقيضة ‪:‬‬
‫العالقة بين اللغة و الفكر عالقة اتصال و هذا مانجده عند اصحاب االتجاه االحادي ‪ :‬دوالكروا ‪,‬هاملتون ‪ ,‬هيجل‬
‫بحيث أكدوا ان اللغة و الفكر شيء واحد ‪ ,‬و متطابقين وال وجود السبقية الحدهما على االخر وغير قابلين‬
‫لالنفصال‬
‫فال فكر بدون لغة وال وجود للغة بدون فكر‪ ,‬فال يمكن تصور افكار خارج إطار الكلمات ولهؤالء حجج و براهين‪:‬‬
‫_ ان اللغة هي التي تبرز الفكر و توضحه و تكشف معانيه و تطوره فاللغة هي التي تخرج الفكر من حيز‬
‫الكتمان إلى حيز التصريح فلو الها لبقي الفكر حبيس االنسان و تمنح الفكر صبغة موضوعية اجتماعية‬
‫أي أنها تنقله من طابعه الذاتي اإلنفعالي ليصبح معرفة انسانية قابلة لالنتقال بين األفراد يقول فيخته "ان اللغة‬
‫تالزم الفرد في حياته و تمتد الى اعماقه و تبلغ اخفى رغباته انها الرابطة الوحيدة الحقيقية بين عالم االجسام‬
‫و عالم االذهان "‬
‫_كما بينت دراسات علم اللسانيات ان الطفل يكتسب المعاني و االلفاظ في نفس الوقت الذي يتعلم التفكير‬
‫وعليه فان االرتقاء اللغوي مرتبط باالرتقاء الفكري و هذا ماكدته تجارب فيغوتسكي حيث اكد ان نمو فكر الطفل و‬
‫لغته يكونان متوازيان لمدة سنتين ثم يصبحان متطابقان بعدها بمعنى ان لهما نفس النمو ‪ ,‬وهذا دليل على ان‬
‫اللغة و الفكر شيء واحد‪ ,‬و بالضافة إلى أن أي فقد فقد اللغة يوازيه فقدان في التوازن العقلي وعليه يقول‬
‫كوندياك "إن فن التفكير يرتد الى فن إتقان الكالم "‬
‫و هكذا ان عالقة الفكر بالغة إتصال و تداخل و ترابط و تكامل و ال يمكن فصلهما فيقول االلماني هيجل " إننا نفكر‬
‫داخل كلمات " فالتفكير ضرب من الكالم و هذا جورج غوسدروف فيقول " إن التفكير ضاج بالكلمات " و يقول‬
‫ميرلو بونتي " اللغة ليست عالمة التفكير مثلما الدخان عالمة النار بل انهما متداخالن يضم احدهما االخر "‬
‫فقيل " االلفاظ حصون المعاني "‬
‫و لقد وضح فريديناند دوسوسير االرتباط بين اللغة و الفكر بورقة ذات وجهين الفكر ظهرها و اللغة وجهها‬
‫فكما ال يمكن تمزيق وجه الورقة هم ظهرها ال يمكن عزل اللغة عن الفكر يقول واطسن " اننا نفكر بلغتنا و‬
‫نتكلم بفكرنا "‬
‫و منه يؤكد اصحاب هذا التصور إستحالة التفكير بدون كلمات بحيث يقول هيجل " ان الرغبة في التفكير بدون‬
‫كلمات محاولة عديمة الجدوى فالكلمة هي التي تعطي للتفكير وجوده االسمى و االصلح " فال يمكن للمعنى ان‬
‫يستقيم ما لم يعتمد على اللغة "اللغة وعاء الفكر "حسب هيجل أي أن اللغة هي مسكن الفكر فلوالها لما استطعنا‬
‫التعبير عن أفكارنا بلغات متعددة و اساليب متنوعة‬

‫_ ويذهب واطسن في نفس الصدد وهو من رواد علم النفس الحديث إن " التفكير ضرب بين الكالم الصامت"‬
‫ونفس الراي نجده عند هاملتون " ان المعاني شبيهة بشرارة النار التي تومض اال لتختفي وال يمكن اظهارها اال‬
‫بااللفاظ " و يقول الفيل " اللغة ليست ثوب الفكر بل جسده "‬
‫النقد ‪:‬‬
‫صحيح ال يمكن انكاران اللغة تقدم فعاال للفكر باعتبارها الوعاء الذي تصب فيه االفكار لكن ذلك اليفسر إن‬
‫المقدرة اللغوية تتماشى مع القدرة الفكرية فالشعراء و االدباء رغم ثروتهم اللغوية الهائلة إال أنهم يعجزون عن‬
‫االفصاح عن خواطرهم و تصوراتهم و أحاسيسهم الدفينة و العميقة و الحساسة‬
‫كما ان الطالب في االمتحان كثيرا ما تخونه اللغة في ايصال اجابته للمصحح ‪ ,‬و كيف نفسر عجز الفرد عن‬
‫التبليغ عما يختلج فؤاده و أعماقه النفسية و لماذا نجد اخترع وسائل بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى الغناء‬
‫اذا كانت كافية للتعبير عن كل افكارنا‬
‫التركيب ‪:‬‬
‫من خالل ماسبق مكننا القول بانه حتى و ان كان الفكر في بعض االحيان سابق عن اللغة فهذا ال يعني انه اوسع‬
‫منها أو أهم منها النه في الواقع انهما متداخالن متكامالن متصالن و كا منهما يأثر في االخر فليس هناك أي‬
‫معنى للغة لوحدها و ال للفكر لوحده ‪ ,‬فاللغة بدون الفكر مجرد هذيان و الفكر بدون لغة حالة وهمية فالفكر‬
‫يتحقق بالغة و اللغة تتجلى قيمتها فيم تحمله من افكار و دالالت ‪.‬‬
‫حل المشكلة‬
‫اخيرا نوجز القول بانه رغم االختالف الموجود بين اللغة و الفكر اال اننا ال نستطيع تصور تباعد و انفصال بينهما‬
‫فهما يشكالن كال متجانسا ال يقبل التجزئة و كل منهما تكمن قيمته في االخر فاالنسان كائن مفكر يمتلك لغة‬
‫واعية يعبر بها من خاللها عن افكاره و مشاعره‬

You might also like