Professional Documents
Culture Documents
المستند
المستند
األحادي)
#السؤال :أثبت بالحجة والدليل صحة األطروحة القائلة بأن":األلفاظ حصون المعاني"؟
#طريقة_معالجة_السؤال :استقصاء بالوضع
#طرح_المشكلة :
يقوم اإلنسان بعدة أنشطة ذهنية كاإلدراك والذاكرة والتخيل والذكاء...إلخ ،وهذا يدل على أنه كائن عاقل أو
حيوان ناطق بإمكانه إنشاء Hرموز واشارات تعبر عن تواصله مع اآلخرين والتكيف مع العالم الخارجي ،وهذا ال يتم إال
بواسطة اللغة التي يتبعها الوعي والتفكير ،وإذا كانت اللغة هي ذلك الكل المتكامل من اإلشارات والرموز والحركات
واأللفاظ واإليماءات Hالتي يقوم بها اإلنسان من أجل التواصل مع غيره من خالل تبادل األفكار والمشاعر والعواطف والقيم
الجمالية والفنية ،فإن الفكر نشاط عقلي معقد تتداخل فيه مختلف القدرات العقلية إلنشاء المفاهيم والمعاني
والتصورات...إلخ ،أو كما ع ّر فه "ديكارت" بقوله":إنه الشيء الذي يشك ،ويفهم ،ويثبت ،ويريد ،أو ال يريد ،"...وما دامت
اللغة خاصية انسانية ،واإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر ،فال بد أن هناك عالقة بين اللغة والفكر ،ومن الشائع
والمتعارف عليه لدى العديد من الفالسفة وعلماء اللغة واللسانيات فإن الفكر منفصل عن اللغة (اإلتجاه الثنائي) ،لكن
ظهرت فكرة أخرى مفادها أن اللغة متصلة بالفكر (اإلتجاه األحادي) ،ومن هذا المنطلق فإنني مطالب بالدفاع عن
مصداقية هذه األطروحة بحجج وأدلة شخصية وفلسفية ،ومنه نطرح المشكلة ونقول:
كيف يمكنني الدفاع عن مشروعية الرأي القائل بأن":عالقة اللغة بالفكر
تالزم وتبعية" بالحجة والدليل؟ وبصيغة أخرى :إذا ٌ
كنت مطالبا بتأكيد وتبرير صدق الفكرة القائلة بأن":األلفاظ حصون
المعاني" ،فما هي الحجج واألدلة التي أستند إليها؟
#محاولة_حل_المشكلة :
يرى فالسفة األطروحة وهم أنصار النظرية األحادية أمثال (جون لوك – هيجل – هاملتون – جوليا كرستيفا –
لويس الفيل – ميرلوبونتي – هنري دوالكروا – غوسدورف – زكي نجيب محمود – نعوم شومسكي – جون واطسن –
جان بياجي – كوندياك – سيروس – إميل بينفنيست) أن اللغة ٌتعبّر عن كل أفكارنا ،فاللغة والفكر متصالن دائما ،مما
يعني استحالة الفصل بينهما ،ألن طبيعة اللغة والفكر واحدة ،إذ هناك تطابقا بينهما ،فال يوجد فكر دون لغة ،وال توجد لغة
دون فكر ،وهذا ما أكده "هنري دوالكروا" بقوله":الفكر يصنع اللغة ،واللغة تصنع الفكر" ،أو كما يقول
"ميرلوبونتي" ":الفكر يحتوي اللغة ،واللغة تحتوي الفكر" ،ونفس الفكرة أكدها "جون واطسن" بقوله":إننا نفكر بلغتنا
ونتكلم بفكرنا" ،ولهذا فاللغة ليست مجرد أداة للتعبير والتبليغ فقط ،بل هي أساس التفكير ،فكما Hيؤكد "جون واطسن" بأن
التفكير هو":ضرب من الكالم الصامت" ،ويقول "هيجل" في هذا الشأن":اللغة وعاء الفكر".
كما يساند "هاملتون" هذا الرأي بقوله":األلفاظ حصون المعاني" ،أما "جوليا كرستيفا" فقد اعتبرت العالقة Hبين اللغة والفكر
عالقة تالزم وتبعية ،وهذا ما أكدته بقولها":إن اللغة هي جسم الفكر" ،وفي نفس السياق يقول "لويس الفيل" ":ليست اللغة
ثوب الفكر ،بل هي جسده...ففي غياب اللغة ال وجود للفكر".
فاللغة عند "جون لوك" تمثل انطباعات حسية تدل على المعاني والمفاهيم
الموجودة في العقل (الفكر) ،مما يعني أن هناك تطابقا بين تلك األفكار التي تشير إليها األلفاظ ،وبين داللتها الحقيقية ،وهذا
ما أكده "جون لوك" بقوله":اللغة هي عالمات حسية معينة تدل على األفكار الموجودة في الذهن" ،أو كما يقول
"كوندياك" ":المعاني المجردة تولد من الحواس".
إذن ،عندما نتكلم نحن نفكر ،وعندما نفكر نحن نتكلم.
#عرض_منطق_الخصوم :أما فالسفة األطروحة النقيض (الخصوم) وهم أنصار النظرية الثنائية أمثال (أبو حيان
التوحيدي – ديكارت – شوبنهاور – وايتهيد – بول فاليري – دوبونالد – هنري برغسون) فقد أكدوا أن العالقة بين اللغة
والفكر انفصال وقطيعة مطلقة ،وهذا يعني ضرورة التمييز والفصل التام بين اللغة والفكر ،ألن طبيعة اللغة والفكر ليست
واحدة ،فالفكر جوهر معنوي (روحي أو عقلي) قائم بذاته وهو فردي ،أما اللغة فهي مادية (أصوات ،إشارات...إلخ)
واجتماعية ،وهذا ما أكده "برغسون" بقوله":الفكر ذاتي وفردي ،واللغة موضوعية واجتماعية" ،مما يوحي بأسبقية الفكر
على اللغة ألن اإلنسان يفكر بعقله قبل أن يٌعبّر بلسانه فالفكر متقدم على اللغة ،وهذا ما أكده "دوبونالد" في القرن التاسع
عشر بقوله":يفكر اإلنسان فيما سيقول قبل أن يقول ما يفكر فيه".
كما أثبت "ديكارت" أن اللغة وسيلة للتعبير عن األفكار فقط ،وليست هي جوهر الفكر ،ألن األخرس (الذي ال يتكلم) ال
يمتلك لغة ،لكن هذا ال يمنعه من التفكير ،كما رفض "وايتهيد" اعتبار اللغة هي الفكر في ذاته وماهيته .من هذا المنطلق
يقول "برغسون" ":الفكر متقدم عن اللغة فهي عاجزة ألنها منفصلة ،بينما الفكر متصل".
وعلى هذا األساس فاللغة عاجزة عن التعبير على األفكار والمشاعر ،ألن اإلنسان أثناء الكالم أو الكتابة غالبا ما يتوقف
بحثا عن اللفظ المناسب للتعبيرعن مشاعره وأفكاره ،وقد يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى الكلمة التي تعبّر بصدق عن
الفكرة ،فال يوفق إلى ذلك إطالقا ،وكما يقول "برغسون" ":اللغة تحجر للفكر" ،ويقول أيضا":إن األلفاظ قبور المعاني".
#نقد_الخصوم :ومهما كانت مبررات فالسفة األطروحة النقيض (الخصوم) ،فإن أنصار هذا اإلتجاه الثنائي بالغوا في
تمجيد الفكر والتقليل من شأن اللغة ،كما أنهم أنكروا وتجاهلوا عالقة اإلتصال بين اللغة والفكر من خالل تمييزهم بين
اللغة والفكر ،ألنه إذا كان الفكر سابقا عن اللغة من الناحية المنطقية فهو ليس سابقا عليها من الناحية الزمنية ،ألن اإلنسان
يشعر أنه يفكر ويتكلم في نفس الوقت ،كما أن المشكل ليس في اللغة ،إنما في اإلنسان الذي ال يمتلك قاموسا لغويا للتعبير
عن أفكاره ومشاعره ،بل كيف نفسر تعدد األلفاظ والكلمات لمعنى واحد؟ ،أضف إلى ذلك أن العجز اللغوي يمكن أن
يكون سببه العجز الفكري ،ألننا لو بحثنا أكثر في اللغة لوجدنا ربما األلفاظ المناسبة ألفكارنا ،وواقعيا عملية التفكير ال تتم
خارج إطار اللغة ،وهذا ما أكده "أرسطو" بقوله":ليس ثمة تفكير بدون صور ذهنية" ،وكيف نفسر اإلرتقاء اللغوي الذي
يتزامن مع اإلرتقاء الفكري للطفل كما أثبت لنا علم النفس ذلك؟ ،ولو كان الفكر أوسع من اللغة ،لماذا تساهم اللغة في
تنمية الجانب الفكري لإلنسان؟ ،وإذا كانت اللغة بألفاظها وحروفها وقواعدها ورموزها...إلخ ،عاجزة عن التعبير على
األفكار والمشاعر ،فكيف نعتمد على وسائل التواصل البديلة كالرسم والموسيقى...إلخ؟ ،بل إننا أثناء الممارسة Hالفكرية أو
اللغوية ال نستطيع الفصل بين ما هو مادي (لغوي) وما هو معنوي (فكري) عند اإلنسان ،وإذا كان الفكر أرقى من اللغة
وأوسع منها ،لماذا أكد لنا الفالسفة بأن":اإلنسان معجزة لغوية"؟
إن الدفاع عن هذه األطروحة القائلة بأن":اللغة والفكر متصالن" يتطلب مني تبريرها وتأكيدها بحجج وأدلة
شخصية وفلسفية.
ففيما يتعلق بالحجج الشخصية فإن العالقة بين اللغة والفكر متصلة
دائما ،ألنني عندما أفكر أعبّر عن أفكاري بواسطة اللغة ،أي أنه ال يوجد فرق بين اللغة والفكر ،بل إنني في بعض
األحيان أتوجه إلى ذاتي ونفسي وأمارس حوارا داخليا (مونولوج) حول موضوع معين أو فكرة معينة ،وهذا ما يتماشى
مع قول أحد المفكرين":عندما نفكر فإننا نتكلم بصوت هافت ،وعندما نتكلم فإننا نفكر بصوت عال" ،أو كما يقول
"هيجل" ":نحن نفكر داخل الكلمات" H،ومن هذا المنطلق فإن لغة "النحات" هي الفكرة المتجسدة في الحجر ،ولغة "الرسام"
هي الفكرة المتجسدة في األلوان ،وفكرة "الشاعر" هي اللغة المتجسدة في قصيدته...إلخ ،وهذا ما أكده "هنري دو الكروا"
بقوله":إن اللغة هي مرحلة من مراحل تكوّ ن األفكار في الذهن" ،مما يعني أننا عندما نتكلم فنحن نفكر ،وعندما نفكر فنحن
نتكلم ،وكما يقول "غوسدورف" ":إن الفكر ضاج بالكلمات" ،وبالتالي لوال اللغة لتبعثر واندثر الفكر.
إذن ،فاللغة والفكر شيء واحد ،ألن العبارة الصريحة ذات معنى ،أما العبارة المبعثرة فكرة غامضة ال معنى لها .أما فيما
يتعلق بالحجج الفلسفية فقد أثبت "بينفنيست" أن الفكر يقبل األلفاظ التي تدل على معنى ،فكما يقول":أن الذهن...ال يحتوي
على مفاهيم غير مسماة".
كما أ ّك د علماء النفس اللغوي وعلماء النفس النمو أمثال "جان بياجي" أن تكوين المعاني لدى األطفال يتزامن (يتم) مع
اكتسابهم للغة ،ونمو الفكر عند الطفل مرتبط بنمو رصيده اللغوي ،فكما يقول "جان بياجي" ":الطفل يتعلم الكالم في نفس
اللحظة التي يتعلم بها الفكر" ،وهذا يعني أن الطفل كلما إكتسب ألفاظا جديدة استطاع أن يٌعبّر أكثر عن ميوله ورغباته،
وبذلك يكون واعيا لذاته ولغيره ،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن حضور الفكر يقتضي بالضرورة حضور اللغة
ألنها تعبر عن اإلنفعال والفكر والماضي والحاضر والمستقبل ،فاإلنسان يفكر باللغة حتى ولو لم ينطقها ،ألن اإلنسان
حسب "شومسكي" مبرمج سلفا لتعلم اللغة بطريقة سريعة ومنهجية ،وبالتالي فاللغة والفكر متداخالن ،وهذا ما أكده "زكي
نجيب محمود" بقوله":الفكر هو التركيب اللفظي أو الرمزي ال أكثر وال أقل" ،أو كما يقول "سيروس" " :إن الفكر ال
ينفصل عن اللغة".
إذن ،فاإلتجاه األحادي قد أعاد اإلعتبار للغة ،وبيّن دورها في صنع األفكار.
#حل_المشكلة :
ونستنتج من كل ما سبق تحليله أنه بالرغم من أن الفكر هو عمل العقل ،واللغة عبارة عن كلمات ورموز...إلخ،
إال أن العالقة بينهما إتصال وترابط دائما ،فهما شيء واحد ،ألن كالهما في تطور مستمر ،أو باألحرى أثناء الممارسة
العملية ال نستطيع التفكير بعيدا عن إطار اللغة ،ألن العالقة بين اللغة والفكر تضمن واحتواء ،فهما وجهين مختلفين لعالم
انساني واحد ،ومن هنا نفهم بأن اللغة والفكر متكامالن ،ألنه حتى وإن كانت هناك حاالت من الفكر الخالص ،إال أن
التفكير المفهومي أي المعتمد على المفاهيم ال بد وأن يرتبط باللغة ،وهذا ما نجده في قول "هيجل" " :إن الرغبة في
التفكير بدون كلمات Hهي محاولة عديمة المعنى".
على هذا األساس فاللغة والفكر متداخالن ألن كالهما ساهم في بناء الثقافة اإلنسانية والحفاظ على التراث الحضاري عبر
العصور.
وأخيرا ،فاألطروحة القائلة بأن":عالقة اللغة بالفكر متصلة دائما" صحيحة وصادقة ،يجب الدفاع عنها ،واألخذ برأي
مناصريها ألنها قائمة على حجج وأدلة مقبولة عقال وواقعا.
إذن ،فهي مشروعة ،وذات مصداقية بالضرورة.