You are on page 1of 2

‫أوهام السوق‪ :‬هي التي تنشأ من التبادل والتواصل بين الناس بواسطة اللغة‪ ،‬والتي تكون مصدرا للخطأ

والوهم‪ .‬فاللغة تحتوي‬


‫‪ .‬على كلمات وألفاظ ال تعبر عن معان حقيقية أو محددة‪ ،‬بل تستخدم للزخرفة أو التضليل أو التشبث باألسماء دون معرفة باألشياء‬

‫ـ اوهام السوق‪ ،‬وهي اوهام اللغة‪ .‬فااللفاظ اللغوية تتوسط في التعامل بين الناس فينشأ عنها االستخدام الخاطئ عبر «كلمات ‪3‬‬
‫سيئة بليدة تعيق العقل‪ ،‬فال تجدي فيها تعريفات وال شروح قد دأب المثقفون على التحصن بها احيانًا»‪ .‬فهناك خلط ومغالطات‬
‫‪.‬توقع الناس في مجادالت ال حصر لها‪ .‬وهي اكثر االوهام ازعاجًا‪ ،‬اذ تتسرب الى الذهن من خالل تداعيات االلفاظ‬

‫ثالثًا‪ :‬من حيث التحليل ان اوهام الكهف لدى بيكون تعتمد على صنفين من العوامل الداعية لها‪ ،‬هما العوامل التكوينية والمكتسبة‪.‬‬
‫واذا كانت العوامل المكتسبة واضحة بمصادرها البيئية المختلفة؛ فان العوامل التكوينية تعبر عن ميول وامزجة طبعية تلد مع‬
‫الفرد وفق تكوينه النفسي والبايولوجي والجيني دون ان تعزى الى البيئة اساسًا‪ ،‬ومن ثم انها تفضي الى االوهام المناطة بها‪ .‬فمثًال‬
‫كثيرًا ما نرى االشقاء لدى االسرة الواحدة يتصفون بطبائع مزاجية مختلفة تؤثر على ميولهم المعرفية‪ ،‬رغم تشابه الظروف التي‬
‫يعيشون في ظلها‪ .‬فقد تجد بعضهم يميل الى االنغالق او الشدة والحدة في التفكير فيما يميل االخر الى االنفتاح والهدوء والتسامح‪.‬‬
‫فالمزاج يؤثر في التفكير‪ ،‬ومن كان حاد المزاج فانه يغلب عليه التسرع في االحكام المعرفية والقيمية ومن ثم الوهم‪ .‬وكل ذلك قد‬
‫يكون ضمن تركيبة الفرد من الناحية التكوينية او البايولوجية‪ .‬وهو ما قد يلقي ضوءًا على طبيعة الشخصيات العلمية التي سادت‬
‫ماضيًا وحاضرًا‪ ،‬فبعضهم يتصف بالحدة والتشديد على مستوى الفكر والعقيدة كما هو حال ابن حزم وابن تيمية مثًال‪ ،‬فيما يتصف‬
‫‪.‬البعض االخر باالعتدال والتسامح‪ ،‬وبينهما درجات متفاوتة بال حدود‬

‫تنشأ أوهام السوق عن تواصل الناس واجتماعهم ومداوالتهم‪ ،‬وهي أخطر أنواع األوهام‪ ،‬تلك هي األوهام التي تنشأ عن اللغة‬
‫وتتسلل إلى الذهن من خالل تداعيات األلفاظ واألسماء‪ .‬يميل الناُس إلى قبول أفكاٍر معَّينة وُيسِّلمون بها تسليًم ا‪ ،‬وما َيدرون أنها‬
‫ُم بَّيَتة في صميم اللغة نفسها‪ ١٢.‬يظن الناُس أن عقلهم يتحَّك م في األلفاظ‪ ،‬بينما الحقيقة أيًض ا أن األلفاظ تعود وتشن هجوًم ا ُم ضاًّد ا‬
‫على الفْهم؛ ذلك أن األلفاظ تكَّونت في األصل لكي تالئم قدرَة عامة الناس‪ ،‬وهي تحِّدد األشياء بخطوط تقسيم تسهل على الذهن‬
‫العامي‪ ،‬وحالما أراد الذهن العلمي أن يغِّير هذه الخطوط لتالئم التقسيمات األصوب للطبيعة فإن األلفاظ تعترض الطريق وتقاوم‬
‫التغيير‪« ،‬األلفاُظ ال ُتحَّد د مدلوالتها بكل دقة ولسنا في حياتنا اليومية بحاجٍة إلى تلك الدقة‪ ،‬ولكن إذا استخدمنا تلك األلفاظ في‬
‫الحياة العلمية باَن قصوُرها‪ ١٣».‬ومن َثَّم تنتهي كثير من الحوارات العلمية والفكرية إلى خالفات حول ألفاٍظ وأسماء َبَد اًل من أن‬
‫تدخل في صميم موضوعاتها؛ لذا فإن علينا أن نواجه األشياء مباشرة‪ ،‬وال نكتفي بمواجهة األشياء من خالل األلفاظ اللغوية‪١٤،‬‬
‫يقول بيكون‪« :‬ما الكلمات إال صور المادة‪ ،‬أن تقع في حب الكلمات هو أن تقع في حب صورة‪ ».‬وفي كتابه‪« :‬موسيقى الحوت‬
‫األزرق» يقول د‪ .‬علي أحمد سعيد (أدونيس)‪« :‬إنها ثقافٌة مؤَّسسٌة على خلٍل أصلي في العالقات بين األسماء واألشياء‪ ،‬بل ليس‬
‫في هذه الثقافة أشياء‪ ،‬كلها ألفاٌظ واستيهامات‪ ،‬والمعرفة فيها ال تنشأ من استقراء الطبيعة واألشياء وتغُّيراتها‪ ،‬وإنما تنشأ على‬
‫العكس من استقراء المقروء‪ :‬النصوص وتأويلها‪١٥».‬‬

‫يذكر بيكون نوعين من األخطاء تفرضهما اللغُة على الفْهم‪ ،‬فإما أسماء ألشياء ال وجود لها‪( ١٦‬كالَقَدر والمحِّرك األَّول وعنصر‬
‫النار)‪ ،‬وإَّم ا أسماء ألشياء موجودة ولكنها مختلطة غير محددة؛ ألنها ُجِّرَدت من األشياء على َع َج ل ودون تدقيق (مثل كلمة‬
‫َر طب)‪ ،‬وتتدرج األسماء في قصورها وافتقارها إلى الِّدقة‪ ،‬فأقل األلفاظ خطًأ أسماء المواد‪ ،‬تليها أسماء األفعال‪ ،‬أَّم ا أكثرها خطًأ‬
‫‪.‬فأسماء الكيفيات أو الصفات‬

‫كان بيكون إًذ ا مستبًقا لتياٍر كامٍل في الفلسفة‪ :‬هو التيار التحليلي الذي جعل الفلسفة ِبُر َّم تها تحلياًل للغة يكشف غموضها والتباسها‪،‬‬
‫ويضع يده على مكامن الخطأ في استخدامها‪ ،‬ولكن بيكون ال ُيغِر ق في ذلك (إغراَق المدرسة التحليلية) بحيث يسوخ في مشكالت‬
‫‪.‬لفظية فتفوته المشكالت الحقيقية‬
done

You might also like