You are on page 1of 38

‫محاضرات السنة الثالثة تخصص أصول الفقه‬

‫مقياس أصول الفقه‬

‫مباحث االجتهاد‬

‫االجتهاد واجلهاد كلمتني مشتقتني من مادة جهد‪ ،‬وكل من االجتهاد واجلهاد مكمل لآلخر‬
‫وخادم له‪ .‬فاالجتهاد ميدانه الفكر والنظر‪ ،‬واجلهاد ميدانه العمل والسلوك‪ .‬ومثرة االجتهاد تكون هباء‬
‫إذا مل تنفذ من أهل القوة واجلهاد العملي‪ ،‬كما أن اجلهاد يضيع إذا مل يتخذ من العلم نرباسا يضيء له‬
‫الطريق‪.‬‬

‫تعريف االجتهاد لغة‪ :‬االجته??اد م??أخوذ من اجله??د وه??و املش?قة والطاق?ة‪ ،‬فيختص مبا في?ه مش?قة ليخ?رج‬
‫إرش?اد الفح?ول ‪ ،‬اإلم??ام‬ ‫‪2/289‬‬ ‫عنه ما ال مشقة فيه (حاشية السعد التفتازاين على خمتص??ر ابن احلاجب‬
‫الش ??وكاين ‪ ،‬ص ‪. )370‬وقي ??ل بأن ??ه‪ :‬افتع ??ال من اجله ??د‪ ،‬واختل ??ف يف ض ??م اجليم أو فتحه ??ا‪ ،‬وكالمها‬
‫حيمل معىن الوسع والطاق?ة‪ ،‬قي?ل‪ :‬املض?موم اجله?د‪ :‬الطاق?ة‪ ،‬أم?ا اجله?د ب?الفتح‪ :‬املش?قة‪ .‬وقي?ل‪ :‬مها لغت?ان‬
‫‪ 1/386‬ويف المعجم‬ ‫يف الوس ??ع والطاق ??ة‪ ،‬واالجته ??اد والتجاه ??د ب ??ذل الوس ??ع واجمله ??ود‪ .‬الق ??اموس احملي ??ط‬
‫الوسيط تفريق بني اَجلهد ‪:‬املشقة والنهاية والغاية ‪ ،‬واُجلهد ‪ :‬الوسع والطاقة‪.) 142 / 1 (.‬‬

‫واملع ??ىن اللغ ??وي أوس ??ع جماًال من املع ??ىن االص ??طالحي‪ ،‬وهلذا ف ??إن االجته ??اد يش ??مل ب ??ذل أي جه ??د دون‬
‫حص ??ر يف األم ??ور الش ??رعية (مع ??امل وض ??وابط االجته ??اد عن ??د ش ??يخ اإلس ??الم ابن تيمي ??ة ‪ ،‬د‪ .‬عالء ال ??دين‬
‫حس ??ني رح ??ال ‪ )52 ، 51‬وعّر ف ??ه الغ ??زايل ‪ :‬ب ??ذل اجمله ??ود واس ??تفراغ الوس ??ع يف فع ??ل من األفع ??ال‪ ،‬وال‬
‫يستعمل إال فيما فيه كلفة وجهد‪ ،‬فيقال اجتهد يف محل حج?ر الرح?ا‪ ،‬وال يق?ال اجته?د يف محل خردل?ة‬
‫(املستصفى من علم األص?ول ‪ ،‬اإلم?ام الغ?زايل ‪ .)350 / 2‬وقي?ل ‪ :‬اس?تفراغ الوس?ع يف حتص?يل الش?يء ‪،‬‬
‫وال يكون إال فيما فيه مشقة وكلفة(اإلهباج يف شرح املنهاج ‪ ،‬اإلمام السبكي ‪.)246 /3‬‬

‫تعريف االجتهاد اصطالحًا‪:‬‬

‫هناك اتجاهات لتعريف االجتهاد عند األصوليين‬


‫االتجاه األول‪ :‬يرى التعميم يف التعريف سواء كان اجله?د املب?ذول ل?درك حكم ش?رعي أو غ?ري ش?رعي‬
‫و س ??واء ك ??ان احلكم الش ??رعي علمي أو عملي‪ .‬ومن ??ه م ??ا عرف ??ه ب ??ه إم ??ام احلرمني اجلوي ??ين حيث عرف ??ه‬
‫بقوله‪ ":‬هو بذل الوسع يف يف بلوغ الغرض املقصود من العلم ليحصل له" انظر الورقات له‪.‬‬

‫االتج‪66‬اه الث‪66‬اني‪ :‬ي??رى التعميم يف احلكم الش??رعي فق??ط س??واء األحك??ام العلمي??ة أو العملي??ة س??واء ك??انت‬
‫قطعية أو ظنية وميثل هذا االجتاه الغزايل حيث عرف?ه بقول?ه‪ ":‬ب?ذل اجملته??د وس?عه يف طلب العلم بأحك?ام‬
‫‪(.2/350‬‬ ‫الشريعة" )املستصفى‬

‫االتجاه الثالث‪ :‬يرى قصر التعريف على حتصيل األحكام الشرعية فقط‪ ،‬مع إضافة قيد الظن يف‬
‫التعريف‪ ،‬وهذا االجتاه ميثله كثري من األصوليني ‪ ،‬منهم اإلمام السبكي حيث عرفه بأنه‪ :‬استفراغ‬
‫الوسع في درك األحكام الشرعية ‪ .‬فقوله‪ :‬الشرعية‪ ،‬خيرج اللغوية والعقلية واحلسية‪ .‬واألحكام‬
‫الظن‪( .‬اإلهباج يف شرح‬ ‫الشرعية تتناول األصول والفروع ‪ ،‬ودركها أعم من كونه على سبيل القطع أو‬
‫املنهاج ‪ ،‬السبكي ‪.)246 / 3‬‬

‫واإلمام اآلمدي حيث عّر فه بقوله‪":‬استفراغ الوسع يف طلب الظن بشيء من األحكام الشرعية على‬
‫وجه حيس من النفس العجز عن املزيد فيه (اإلحكام في أصول األحكام ‪ ،‬اآلمدي ‪ .)396 / 4‬فاآلمدي‬
‫رمحه اهلل جعل اإلحساس بالعجز جزءا من احلد والتعريف‪ ،‬مع أن العبارة األوىل يف احلد‬
‫كافية"استفراغ الوسع"‬

‫قال القرضاوي‪":‬وإمنا قالوا ذلك ليسدوا الطريق على املتسرعني واملقصرين‪ ،‬الذين خيطفون األحكام‬
‫خطفا دون أن جيهدوا أنفسهم يف مراجعة األدلة‪ ،‬والتعمق فيها‪ ،‬واالستنباط منها‪ ،‬والنظر فيما‬
‫يعارضها‪....‬ومما يدل على هذا املعىن ما جاء يف حديث إرسال معاذ إىل اليمن ‪...‬أجتهد رأيي وال‬
‫آلو أي ال أقصر"‪ .‬االجتهاد يف الشريعة اإلسالمية ص ‪ 12-11‬قال الشيخ حممد حسنني خملوف‪ ":‬وقد‬
‫اغرت كثري من الناس بأنفسهم فحسبوا أن أمر االجتهاد يف الشريعة هني‪ ،‬وهو عند اهلل عظيم" )بلوغ‬
‫ص‪(.110‬‬ ‫السول يف مدخل علم األصول‬

‫وُعّر ف االجتهاد بأنه‪ :‬بذل الطاقة من الفقيه لتحصيل حكم ظين شرعي عملي على وجه حيس من‬
‫النفس العجز عن املزيد عليه(االجتهاد يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬د‪ .‬حسن أمحد مرعي ‪ ،‬ص ‪.)14‬‬
‫وقيل ‪ :‬بذل الطاقة من الفقيه يف حتصيل حكم شرعي وتطبيقه ‪ ،‬عقليًا كان أو نقليًا ‪ ،‬قطعيًا كان أو‬
‫ظنيًا (معامل وضوابط االجتهاد عند شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬د‪ .‬عالء الدين حسني رحال ص ‪. )59‬‬

‫و" قيد الفقيه" ال بد منه كما قال الشوكاين فإن بذل غري الفقيه وسعه اليسمى اجتهادا اصطالحا‪.‬‬
‫واملراد بالفقيه اجملتهد املتأهل لالستنباط من النصوص الشرعية وقواعد الشريعة الكلية‪.‬‬

‫واملالح??ظ أن املع??ىن االص??طالحي مل يبتع??د عن املع??ىن اللغ??وي‪ ،‬ف??التوافق ظ??اهر‪ ،‬ونقط??ة االلتق??اء بينهم??ا‪:‬‬
‫المبالغة في كال االستعمالين‪ .‬وبني املعنيني عموم وخص?وص مطل?ق‪ ،‬فاس?تعماهلا اللغ?وي ه?و العم?وم‪،‬‬
‫وه??و مطل??ق الكلف??ة واملش??قة‪ ،‬وأم??ا اس??تعماهلا االص??طالحي األص??ويل فه??و خمتص بب??ذل الوس??ع الس??تنباط‬
‫احلكم الشرعي )االجتهاد نادية شريف العمري ص‪.( 33‬‬

‫فاالتج‪66‬اه الث‪66‬الث ه‪66‬و المرتض‪66‬ى فيك‪66‬ون تعري‪66‬ف االجته‪66‬اد بـ ـ ـ ـــأنه‪ ":‬ب??ذل الطاق??ة من الفقي??ه يف حتص??يل‬
‫حكم ظين شرعي عملي بطريق االستنباط على وجه حيس من النفس العجز على املزيد"‪ .‬وعليه‪:‬‬

‫‪-‬فإص??دار األحك??ام الش??رعية العملي??ة دون ب??ذل طاق??ة‪ ،‬واس??تفراغ وس??ع‪ ،‬وإمع??ان نظ??ر يف األدل??ة اليطل??ق‬
‫عليه اجتهاد‪.‬‬

‫‪-‬بذل اجلهد من غري أهله أي من غري فقيه جمتهد ال يسمى اجتهادا‪ ،‬بل هو تقليد‪.‬‬

‫‪-‬بذل الطاقة واجلهد يف األدلة القطعية ال يعترب اجتهادا‪ ،‬ألنه ال اجتهاد مع النص قاطع أو إمجاع‪.‬‬

‫مشروعية االجتهاد‪ :‬يعترب االجتهاد أصل من أصول الشريعة‪ ،‬وقد دلت أدل??ة كث??رية على مش??روعيته‪،‬‬
‫إما بطريق اإلشارة أو بطريق التصريح‪ ،‬ومن هذه األدلة‪:‬‬

‫أ‌‪ -‬الق??رآن الك??رمي قول??ه تع??اىل‪ِ" :‬إَّنا َأنَز ْلَن ا ِإَلْي َك اْلِكَت اَب ِب اَحْلِّق ِلَتْح ُك َم َبَنْي الَّناِس َمِبا َأَر اَك الّل ُه ‪" ...‬‬
‫(النس ? ??اء‪ )١٠٥:‬وقول ? ??ه تع ? ??اىل ‪ِ ..." :‬إَّن يِف َذِل َك آَل َي اٍت ِّلَق ْو ٍم َيَتَف َّك ُر وَن "ال ? ??روم‪ ،21‬و"يعقل ? ??ون"‬
‫"يتفك ??رون"‪ ،‬ال ??روم‪21 :‬والزم ??ر‪ 42 :‬وه ??ذه اآلي ??ات تنص ص ??راحًة على إق ??رار مب ??دأ االجته ??اد بطري ??ق‬
‫القي ??اس (أص ??ول الفق ??ه اإلس ??المي وهب ??ة ال ??زحيلي ‪.) 1067 / 2‬وقول ??ه تع ??اىل‪َ ":‬و ِإَذا َج اَءُه ْم َأْم ٌر ِم َن اَأْلْم ِن َأِو‬
‫اَخْلْو ِف َأَذاُع وا ِب ِه َو َل ْو َر ُّدوُه ِإىَل الَّر ُس وِل َو ِإىَل ُأويِل اَأْلْم ِر ِم ْنُه ْم َلَعِلَم ُه اَّل ِذ يَن َيْس َتْنِبُطوَنُه ِم ْنُه ْم َو َل ْو اَل‬
‫َفْض ُل الَّل ِه َعَلْيُك ْم َو َر َمْحُت ُه اَل َّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإاَّل َقِلياًل " فاالس ??تنباط ه ??و االس ??تخراج وه ??وا الجته ??اد إذا‬
‫عدم النص أو اإلمجاع كما قال اإلمام القرطيب رمحه اهلل)‪.(292-5/291‬‬
‫ب‌‪ -‬الس ??نة ‪:‬ح ??ديث رس ??ول اهلل‪ -‬ص ??لى اهلل علي ??ه وس ??لم ‪ " :-‬إذا حكم احلاكم فاجته ??د فأص ??اب فل ??ه‬
‫أجران ‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد مث أخطأ ‪ ،‬فله أجر " البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص ‪.‬‬

‫ج‪-‬حديث معاذ – رضي اهلل عنه ‪" : -‬حيث أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ملا أراد أن‬
‫يبعث معاذًا إىل اليمن ‪ ،‬قال ‪ :‬كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال ‪ :‬أقضي بكتاب اهلل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فإن مل جتد يف كتاب اهلل ! قال ‪ :‬فبسنة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬قال ‪ :‬فإن مل جتد يف‬
‫سنة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وال يف كتاب اهلل ! قال ‪ :‬أجتهد رأي وال آلو ‪ ،‬فضرب‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬صدره وقال ‪ :‬احلمد هلل الذي وفق رسول رسول اهلل ملا يرضي‬
‫رسول اهلل"‪ .‬رواه أبو داود وغريه قال ابن كثري يف تفسريه‪ :‬وهذا احلديث يف املسند والسنن بإسناد جيد‪.‬وقال‬
‫ابن املنري يف البدر‪َ :‬ه َذ ا اَحلِد يث كثريا َم ا يَتَك َّر ر يِف كتب اْلُفَق َه اء َو اُأْلُصول واحملدثني ويعتمدون َعَلْيِه ‪َ ،‬و ُه َو َح ِد يث‬
‫َض ِعيف ِبِإَمْجاع أهل الَّنْق ل ‪ِ -‬فيَم ا أعلم ‪َ .9/534-‬قاَل اْبُن َطاِه ٍر يِف َتْص ِنيٍف َلُه ُمْف َر ٍد يِف اْلَكاَل ِم َعَلى َه َذ ا احلديث‪:‬‬
‫اعلم أين َفَح ْص ت َعْن َه َذ ا اَحْلِديِث يِف املسانيد اْلِكَباِر َو الِّص َغاِر َو َس َأْلت َعْنُه َمْن َلِق يته ِم ْن َأْه ِل اْلِعْلِم ِبالَّنْق ِل ‪َ ,‬فَلْم َأِج ْد‬
‫َلُه َغْيَر َطِر يِق َني ‪َ ,‬أَح َد َمُها َطِر يُق ُش ْع َبَة‪َ ,‬و اُأْلْخ َر ى َعْن َحُمَّم ِد ْبِن جابر‪ ,‬عن أشعت ْبِن َأيِب الَّش ْع َثاِء ‪َ ,‬عْن َرُج ٍل ِم ْن َثِق يٍف ‪,‬‬
‫َعْن ُمَعاٍذ‪َ ,‬و ِكاَل َمُها اَل َيِص ُّح ‪َ ,‬قاَل ‪َ :‬و َأْقَبُح َم ا َر َأْيت ِفيِه َقْو ُل إَم اِم اَحْلَر َم ِنْي يِف ِكَتاِب "ُأُصوِل اْلِف ْق ِه"‪َ .‬و اْلُعْم َد ُة يِف َه َذ ا‬
‫ِذِه‬ ‫ِل ِب‬ ‫ِذِه ِم‬ ‫ِد ِث ٍذ‬ ‫ِب‬
‫اْلَبا َعَلى َح ي ُمَعا ‪َ ,‬قاَل ‪َ :‬و َه َز َّلٌة ْنُه‪َ ,‬و َلْو َك اَن َعا ًم ا الَّنْق ِل َلَم ا اْر َتَك َب َه اَجْلَه اَلَة‪ُ .‬قْلت‪َ :‬أَس اَء اَأْلَد َب‬
‫ِم ِذِه ِع‬ ‫ِك‬
‫َعَلى "إَم اِم اَحْلَر َم ِنْي "‪َ ,‬و َك اَن ْمُي ُنُه َأْن ُيَعِّبَر ِبَأْلَنَي ْن َه اْل َباَر ِة‪َ ,‬مَع َأَّن َك اَل َم إَم اِم اَحْلَر َم ِنْي َأَش ُّد َّمِما َنَق َلُه َعْنُه‪َ ,‬فِإَّنُه‬
‫ِط‬ ‫ِه‬ ‫ِص ِتِه‬ ‫يِف‬ ‫ِد‬
‫َقاَل ‪َ :‬و اَحْل يُث ُمَد َّوٌن الِّص َح اِح ُمَّتَف ٌق َعَلى َّح ‪ ,‬اَل َيَتَطَّرُق إَلْي الَّتْأِو يُل؛ َك َذ ا َقاَل َر َمِحُه الَّلُه َو َقْد َأْخ َر َجُه اَخْل يُب‬
‫يِف ِكَتاِب "اْلَف ِق يِه َو اْلُم َتَف ِّق ِه" ِم ْن ِر َو اَيِة َعْبِد الَّر َمْحِن ْبِن َغْنٍم ‪َ ,‬عْن ُمَعاِذ ْبِن َجَبٍل ‪َ ,‬فَلْو َك اَن اِإْل ْس َناُد إىَل َعْبِد الَّر َمْحِن‬
‫ِئ ِة ِف ِه اِل ِت ِد‬ ‫ِص ِتِه‬ ‫ِف ِص ِة ِد ِث‬
‫َثاِبًتا‪َ ,‬لَك اَن َك ا ًيا يِف َّح اَحْل ي ‪َ ,‬و َقْد اْس َتَنَد َأُبو اْلَعَّباِس ْبِن اْلَق اِّص يِف َّح ‪ -‬إىَل َتَلِّقي َأ َّم اْل ْق َو ا ْج َه ا َلُه‬
‫َنِظ َأ ِدِه ِد يِث ‪" :‬اَل ِص َّيَة ِل اِر ٍث "‪َ ,‬ك ِن اِو يِه‬ ‫ِة‬ ‫ِد‬ ‫ِل‬
‫َمَع ْو َر‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫ِباْلَق ُبو ‪َ ,‬قاَل ‪َ :‬و َه َذ ا اْلَقْد ُر ُمْغٍن َعْن َجُمَّر الِّر َو اَي ‪َ ,‬و ُه َو ُري َح ْم َحِب‬
‫إَمْساِعيَل ْبِن َعَّياٍش ‪) .‬التلخيص احلبري البن حجر‪ (4/445‬وممن صححه ابن القيم يِف ِإْع اَل م املوقعني (‪- 1/202‬‬
‫‪ )203‬قال‪َ ":‬فَه َذ ا َح ِد يث َو ِإن َك اَن َعن غري مسمني‪ ،‬فهم َأْص َح اب مَعاذ‪َ ،‬فاَل يضّر ُه َذِلك‪َ ،‬أِلَّنُه يدل َعَلى شهرة‬
‫اَحلِد يث‪َ ،‬و َأن اَّلِذ ي حدث ِبِه اَحْلاِر ث بن َعْم رو َعن َمجاَعة من َأْص َح اب مَعاذ‪ ،‬اَل َو اِح د ِم ْنُه م‪َ ،‬و َه َذ ا أبلغ يِف الُّش ْه َر ة‬
‫من َأن يكون َعن َو اِح د ِم ْنُه م َلو مسي‪َ ،‬ك يَف وشهرة َأْص َح اب مَعاذ ِباْلعلِم َو الّد ين َو اْلفضل والصدق ِباْلمحل اَّلِذي‬
‫اَل خيفي؟ َو اَل يعرف يِف َأْص َح ابه ُمَّتهم َو اَل َك َّذ اب َو اَل ْجَمُر وح‪ ،‬بل َأْص َح ابه من أفاضل اْلُم سلمني وخيارهم‪ ،‬اَل يشك‬
‫أهل اْلعلم ِبالَّنْق ِل يِف َذِلك‪َ ،‬ك يَف شْع َبة َح اِم ل ِل اء َه َذ ا اَحلِد يث؟ قد َقاَل بعض َأِئَّم ة اَحلِد يث‪ِ :‬إذا َر َأْيت ُش ْع َبة يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫ِإْس َناد َح ِد يث فاشدد َيديك ِبِه ‪.‬‬
‫َقاَل َأُبو بكر اَخْلِط يب‪َ :‬و قد قيل‪ِ :‬إن عَباَد ة بن نسي َرَو اُه َعن عبد الَّر َمْحن بن غنم َعن مَعاذ‪َ ،‬و َه َذ ا ِإْس َناد ُمَّتِص ل‪،‬‬
‫َو ِر َج اله معروفون بالثقة‪َ .‬عَلى َأن أهل اْلعلم قد نقلوه َو اْح َتُّج وا ِبِه‪ ،‬فوقفنا بذلك َعَلى ِص َّح ته ِعْندهم‪َ ،‬ك َم ا وقفنا َعَلى‬
‫ِص َح ة َقول َرُس ول اهلل َصَّلى الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلمَ ‪« :‬اَل َو ِص َّية لَو ارث» َو َقوله يِف اْلَبْح ر‪ُ« :‬ه َو الّطُه ور َم اُؤ ُه‪ ،‬احْل ل ميَتته»‬
‫َو َقوله‪ِ« :‬إذا اْخ تلف اْلُم َتَبايَعاِن يِف الّثمن والسلعة َقاِئَم ة َحتالفا وترادا البيع) َو َقوله ‪« :‬الِّد َية َعَلى اْلَعاِقَلة»‪.‬‬
‫َو ِإن َك اَنت َه ِذ ه اَأْلَح اِد يث اَل تثبت من ِج َه ة اِإْل ْس َناد‪َ ،‬و لكنَه ا ملا تلقتها الكافة َعن الكافة غنوا ِبِص َّح ِتَه ا ِعْندهم َعن‬
‫طلب اِإْل ْس َناد َهَلا"‪.‬‬

‫ت‌‪ -‬إمجاع الصحابة‪ :‬أمجع الصحابة على مشروعية االجتهاد‪ ،‬قال اجلصاص‪ ":‬ال خالف بني الصدر‬
‫األول والتابعني وأتباعهم يف إجازة االجتهاد‪ ...‬وما نعلم أحدا نفاه من أهل هذه األعصر املتقدمة"‬
‫الفصول‪ .‬فإذا حدثت هلم حادثة شرعية‪ ،‬ومل جيدوا هلا يف كتاب اهلل أو سنة رسوله شيئًا‪ ،‬اجتهدوا‪.‬‬
‫واشتهر عنهم ذلك (أصول الفقه اإلسالمي‪.)1068 ،‬‬

‫حكم االجتهاد‪ :‬يطلق العلماء "احلكم" ويريدون به أمرين أحدمها‪ :‬حكمه‪ ،‬مبع??ىن‪ :‬وص??ف الش??ارع ل??ه‬
‫من الوج ??وب واحلرم ??ة وغريمها‪ .‬واآلخ ??ر‪ :‬حكم ??ه من حيث أث ??ره الث ??ابت ب ??ه‪ ،‬أي الص ??واب واخلط ??أ يف‬
‫االجته ??اد االجته ??اد‪ ،‬نادي ??ة العم ??ري‪ .121‬وميكن تقس ??يم حكم االجته ??اد بالنس ??بة إىل العلم ??اء ال ??ذين‬
‫ت? ??وافرت فيهم مؤهالت? ??ه وش? ??روطه وك? ??انوا أهًال ل? ??ه‪ ،‬وبالنس? ??بة إىل ال? ??ذين مل يت? ??وافر فيهم مؤهالت? ??ه من‬
‫العلماء‪ ،‬وكذلك بالنسبة إىل جمموع األمة‪ .‬األول‪ :‬حكم االجتهاد بالنسبة إىل العلماء املؤهلني له‪.‬‬

‫‪ - 1‬الوج‪66‬وب العي‪66‬ني وع ??ادة م ??ا يك ??ون يف ح ??ق اجملته ??د نفس ??ه‪ ،‬فال جيوز ل ??ه التقلي ??د؛ ألن لدي ??ه آل ??ة‬
‫االجته??اد وملك?ة اس?تنباط األحك?ام‪ ،‬وك?ذلك يك?ون ف?رض عني علي?ه يف ح?ق غ??ريه عن?د س?ؤاله عن‬
‫حادث??ة وليس هن??اك من يف??يت غ??ريه‪ ،‬ويف احلالتني إم??ا أن يك??ون على الف??ور إذا خ??اف ف??وت احلادث??ة‪،‬‬
‫العمري ص ‪) 122‬‬ ‫أو على الرتاخي إذا مل يكن هناك خوف الفوات (نادية‬

‫‪ -2‬الوجوب الكفائي‪ ،‬وذلك عند ع??دم خ??وف ف??وات احلادث??ة وك??ان هن??اك غ??ريه من اجملته??دين‪ ،‬ف??إذا‬
‫اجتهد أحدهم سقط الوجوب عن الباقني‪ ،‬وإال أمثوا مجيعًا‪.‬‬

‫ال ‪.‬‬ ‫‪ -3‬الندب‪ ،‬وهو االجتهاد يف حكم حادثة مل تقع‪ ،‬ويتساوى األمر يف أن يستفتيه سائل أم‬
‫‪ -4‬الكراه‪66‬ة؛ فيك??ون االجته??اد مكروه?ًا يف املس??ائل ال??يت ال يتوق??ع وقوعه??ا‪ ،‬ومل جتر الع??ادة حبدوثها‪،‬‬
‫وك ??ان اجته ??اده من ب ??اب األلغ ??از‪ ،‬فمث ??ل ه ??ذا ال مثرة في ??ه وأدىن م ??ا يق ??ال في ??ه إن ??ه مك ??روه‪( .‬نادي ??ة‬
‫العمري ‪)123‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬حكم االجتهاد بالنسبة لغير المؤهلين له‪.‬حكم??ه التح??رمي ‪ ،‬ألهنم م??ا دام??وا ليس??وا أهًال‬
‫للنظ??ر يف األدل??ة الش??رعية‪ ،‬وفهم األحك??ام الش??رعية منه??ا‪ ،‬فلن يوص??لهم نظ??رهم يف األدل??ة إىل حكم‬
‫اهلل‪ ،‬بل يفضي هبم إىل الضالل‪ ،‬ومن القواعد الشرعية املقررة أن كل م‪66‬ا أّدى إلى الح‪66‬رام ح‪66‬رام‪،‬‬
‫ول??ذلك جيب على ه??ؤالء أن يس??ألوا عن أحك??ام اهلل من يعلمه??ا‪ ،‬عمًال بقول??ه ع??ز وج??ل‪َ" :‬فاْس َأُلوْا‬
‫َأْه َل ال?ِّذ ْك ِر ِإن ُك نُتْم َال َتْع َلُم وَن "(النح?ل‪ ،)43 :‬مث ه?ذا ه?و م?ا يس?عهم ‪ ،‬وق?د ق?ال اهلل تع?اىل ‪َ":‬ال‬
‫ُيَك ِّل ُف الّل ُه َنْف س ?ًا ِإَّال ُو ْس َعَه ا " ( البق??رة‪ ( )286 :‬امليس??ر يف أص??ول الفق??ه اإلس??المي د إب??راهيم‬
‫حمم?د س?لقيين ‪ .)382‬ه?ذا باإلض?افة إىل أن?ه ق?د يق?ع االجته?اد يف مقابل?ة دلي?ل ق?اطع من كت?اب أو‬
‫سنة أو إمجاع نتيجة جلهلهم‪ .‬ألنه ال اجتهاد مع نص قاطع أو إمجاع‪.‬‬

‫القس‪66‬م الث‪66‬الث‪ :‬حكم االجته‪66‬اد بالنس‪66‬بة إلى مجم‪66‬وع األم‪66‬ة‪ :‬أي حكم وج??ود اجملته??دين فيه??ا‪ ،‬فه??ل‬
‫جيب أن يكون يف املسلمني يف كل عص?ر جمته?د أو أك?ثر‪ ،‬حبيث ت?أمث األم??ة إذا خال عص?ر من عص?ورها‬
‫عن أه??ل االجته??اد‪ ،‬أو جيوز خل??و عص??ر عن اجملته??دين‪ .‬إن احلكم ه??و وج??وب االجته??اد وجوب?ًا كفائي?ًا‬
‫على األمة يف كل عصر من عصورها‪ ،‬فليس جائزًا أن خيلو عصر من عص??ورها عن أه??ل االجته??اد ول?و‬
‫واح ??دا (الميسر في أص‪//‬ول الفق‪//‬ه ص ‪ .)382‬وق ??د ذك ??ر اإلم ??ام الس ??يوطي نصوص? ?ًا للعلم ??اء من مجي ??ع‬
‫املذاهب املتفقة على القول بفرضية االجتهاد وذم التقليد والنهي عنه‪ ،‬وأنه ال جيوز شرعًا إخالء العص??ر‬
‫منه‪ .‬الرد على من أخلد إىل األرض‪.‬‬

‫ق??ال اإلم??ام الش??افعي رمحه اهلل‪ ":‬إن االجته??اد فيم??ا ين??وب عن العب??اد من ف??روع الف??رائض ف??رض كفاي??ة‪،‬‬
‫شأنه شأن اجلهاد وغريه من ف?روض الكفاي?ة إذا ق?ام ب?ه البعض س?قط اإلمث عن الب?اقني‪ ،‬وإذا ترك?وه أمثوا‬
‫مجيع ??ا‪...‬يس ??ع العام ??ة أن جيهل ??وه وال يس ??ع الفقه ??اء أن يهمل ??وه")الرس ??الة ص‪ 360‬وم ??ا بع ??دها مبعن ??اه‬
‫ملخصا(‬

‫أركان االجتهاد‪ :‬لالجتهاد ثالثة أركان االجتهاد واجملتهد واجملتهد فيه‪.‬‬

‫فأما الركن األول فهو نفس االجتهاد الذي هو عبارة عن بذل اجملهود واستفراغ الوسع‪.‬‬
‫الركن الثاني وهو المجتهد وه??و الفقي?ه املس?تفرغ للوس?ع يف درك األحك?ام الش?رعية‪ .‬وق?د أطل?ق علي?ه‬
‫الغ??زايل اس??م املس??تثمر وأطل??ق على األحك??ام الثم??رات‪ .‬ق??ال الش??اطيب‪ ":‬وه??و ق??ائم يف األم??ة مق??ام الن??يب‬
‫ص ??لى اهلل علي ??ه وس ??لم جبمل ??ة أم ??ور منه ??ا الوراث ??ة يف علم الش ??ريعة بوج ??ه ع ??ام‪ ،‬ومنه ??ا إبالغه ??ا للن ??اس‪،‬‬
‫وتعليمه??ا للجاه??ل‪ ،‬واإلن??ذار هبا ك??ذلك‪ ،‬ومن??ه ب??ذل الوس??ع يف اس??تنباط األحك??ام يف م??واطن االس??تنباط‬
‫املعروفة‪(244/ 4 ) "..‬‬

‫ال ‪66‬ركن الث ‪66‬الث وه ‪66‬و المجته ‪66‬د في ‪66‬ه‪ .‬وه? ??و كم? ??ا ق? ??ال الغ? ??زايل‪ ":‬ك? ??ل حكم ش? ??رعي ليس في? ??ه دلي? ??ل‬
‫قطعي" )املستص ??فى‪(2/350‬وق ??ال اآلم ??دي‪ ":‬م ??ا ك ??ان من األحك ??ام الش ??رعية دليل ??ه ظ ??ين")اإلحك ??ام‬
‫‪(4/164‬‬

‫ش ‪66‬روط االجته ‪66‬اد‪ :‬الش ??روط العام ??ة للمجته ??د هي ش ??روط التكلي ??ف ‪ ،‬مث ??ل ‪ :‬اإلس ??الم ‪ ،‬والبل ??وغ ‪،‬‬
‫والعقل‪.‬‬

‫‪ -‬اإلسالم‪ :‬وهذا شرط عام بديهي وضروري‪ ،‬ولذلك مل يذكره كثري من األصوليني‪ ،‬فال يعتد بكالم‬
‫الك??افر‪ ،‬على اف??رتاض بلوغ??ه رتب?ة االجته??اد‪.‬ألنن??ا إذا كن??ا ال نقب??ل فت??وى الفاس??ق واجته??اده‪ ،‬كم??ا س??يأيت‬
‫معن ??ا‪ ،‬ف ??أن ال نقب ??ل فت ??وى الك ??افر واجته ??اده من ب ??اب أوىل‪ .‬واإلس ??الم ش ??رط يف قب ??ول فت ??وى الك ??افر‬
‫واجتهاده‪ ،‬وليس شرطا يف بلوغ رتبة االجتهاد‪ ،‬فقد يبلغ رتبة االجتهاد وهو كافر‪ ،‬إال انه ال عربة ب?ه‪،‬‬
‫وه??ذا على اف??رتاض ج??وازه عقال‪ ،‬ول??و وق??ع فال ع??ربة ب??ه كم??ا ذكرن??ا‪.‬وق??د نق??ل ابن محدان اإلمجاع على‬
‫ه ??ذا‪ ).‬أدب الفت ??وى ‪ (35‬لكن الش ??اطيب ق ??ال يف املوافق ??ات‪ ":‬وق ??د أج ??از النظ ??ار وق ??وع االجته ??اد يف‬
‫الشريعة من الكافر املنكر لوجود الصانع والرس?الة والش?ريعة إذا ك?ان االجته?اد إمنا ينب?ين على مق?دمات‬
‫تف ??رض ص ??حتها ك ??انت ك ??ذلك يف نفس األم ??ر أوال وه ??ذا أوض ??ح من إطن ??اب" ‪ 5/80‬وقال ??ه ك ??ذلك‬
‫الط??ويف‪":‬وال يش??رتط عدال??ة اجملته??د يف كون??ه جمته??دا‪ ،‬ألن تص??ور األحك??ام واقتناص??ها باألدل??ة يص??ح من‬
‫العدل والفاسق بل والكافر‪...‬وإمنا تشرتط عدالت?ه لقب?ول فتي?اه")ش?رح خمتص?ر الروض?ة ‪( 3/583‬فم?راد‬
‫الش??اطيب والط??ويف أن الك??افر ق??د يق??ع من??ه االجته??اد يف األحك??ام لكن نس??بة تل??ك األحك??ام إىل الش??ارع‬
‫التصح منه لع?دم أهليت?ه‪ .‬وقي?ل ب?أن م?راد الش?اطيب باالجته?اد ه?و االجته?اد مبعن?اه الع?ام‪ ،‬ومن املعل?وم أن‬
‫الكافر العنيد بلغ مراتب كبرية يف علوم الدنيا كالطب اهلندس?ة واحلس?اب والفل?ك وغريه?ا ق?ال تع?اىل‪":‬‬
‫فأعرض عن من توىل عن ذكرنا ومل يرد اال احلياة الدنيا ذل?ك مبلغهم من العلم" وق?ال تع?اىل‪ ":‬يعلم?ون‬
‫ظاهرا من احلي?اة ال?دنيا وهم عن االخ?رة غ?افلون"‪ .‬ق?ال ص?احب ف?واتح الرمحوت‪ ":‬ص?حة اإلميان ش?رط‬
‫يف كل عبادة" وال شك أن االجتهاد من أعظم العبادات‪.‬‬

‫‪ -2‬العقل‪ :‬فال يعتد بكالم اجملنون‪ ،‬ولو كان قبل اجلنون جمتهدا‪ ،‬ألنه ال عقل له يهتدي به إىل التمييز‬
‫بني احلق والباطل حال جنونه‪ .‬ويف احلديث الذي رواه أمحد وأبو داود واحلاكم عن عمر وعلي‬
‫رضي اهلل عنهما‪ ":‬عن الصيب حىت يبلغ‪ ،‬وعن النائم حىت يستيقظ‪ ،‬وعن اجملنون حىت يفيق"‪ .‬وأما ما‬
‫قاله قبل اجلنون‪ ،‬فإنه يعتد به‪ ،‬ويعول عليه‪ ،‬وكذلك لو زال جنونه‪ ،‬وعادت إليه ملكاته العقليه‪ ،‬فإنه‬
‫يقبل كالمه واجتهاده‪ .‬ولو كان جنونه متقطعا يصحو تارة‪ ،‬ويذهب عقله تارة اخري‪ ،‬فالظاهر الذي‬
‫تقتضيه النظائر الفقهيه أنه ال يعول على كالمه‪ ،‬لعدم الثقه به‪ ،‬بسبب اضطراب متييزه وعدم‬
‫اضطراده‪.‬‬

‫‪ -3‬البلوغ ‪ :‬فانه يشرتط يف اجملتهد أن يكون بالغا‪ ،‬أما الصيب فال يقبل اجتهاده‪ ،‬ولو بلغ رتبه‬
‫االجتهاد‪.‬‬

‫وذلك لعدم اكتمال ملكاته العقليه‪ ،‬اليت هبا يتم االدراك والتمييز‪ ،‬فعدم بلوغه يعدم الثقه بنظره‪.‬‬

‫‪ -4‬العدالة‪ :‬وهي ملكة حتمل صاحبها على اجتناب الكبائر‪ ،‬وترك اإلصرار على الصغائر‪ ،‬والبعد‬
‫عما فيه خرم للمروءة‪ .‬والعدالة ليست شرطا يف بلوغ املرء رتبة االجتهاد‪ ،‬إذ ال مانع أن يبلغ رتبة‬
‫االجتهاد بعض الفسقة‪ .‬ولكن العدالة شرط يف قبول فتوى اجملتهد والعمل بقوله‪ ،‬فال تقبل فتوى‬
‫الفاسق‪ ،‬وال يعمل بقوله‪ ،‬كما قاله الغزايل يف "املستصفى" وإمام احلرمني يف" الربهان" وتبعهما عليه‬
‫األصوليون‪.‬وهذا نظري ما ذكرناه يف اجتهاد الكافر واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ -5‬فق‪66‬ه النفس‪ :‬وه??و أن يبل??غ اإلنس??ان مرحل?ة من الفهم للنص??وص‪ ،‬ودق??ه االس??تنباط منه??ا‪ ،‬وحض??ور‬
‫البديه ??ة فيه ??ا‪ ،‬والق ??درة على التمي ??يز بني املتش ??ابه من الف ??روع‪ ،‬بإب ??داء الف ??روق واملوان ??ع‪ ،‬واجلم ??ع بينه ??ا‬
‫بالعل??ل واألش??باه والنظ??ائر – أن يبل??غ مرحل??ه عالي??ة‪ ،‬حبيث تص??بح ه??ذه األم??ور ملك??ة قائم??ه يف نفس??ه‪ ،‬ال‬
‫حيتاج معها إىل جهد يف الوصول إليها‪.‬‬
‫وذلك كمن يع?رف مجع األع?داد‪ ،‬وض?رهبا‪ ،‬وتقس?يمها‪ ،‬وتربيعه?ا‪ ،‬وتكعيبه?ا‪ ،‬وج?ذرها مبج?رد‬
‫عرضها على ذهنه‪ ،‬دون احلاجة إىل ورقة وقلم‪ ،‬ودون إبداء جمهود يف معرفة النتائج فهذا يقال فيه‪ :‬إنه‬
‫فقي ??ه النفس يف احلس ??اب‪ ،‬وأم ??ا من يع ??رف نت ??ائج تل ??ك العملي ??ات الرياض ??ية‪ ،‬ولكن ليس بالبديه ??ة‪ ،‬ب ??ل‬
‫باحلس ??اب البطيء‪ ،‬عن طري ??ق الورق ??ة والقلم واآلل ??ة احلاس ??بة‪ ،‬فه ??ذا ال يق ??ال في ??ه‪ :‬ان ??ه فقي ??ه النفس يف‬
‫احلساب‪ ،‬وال يقال‪ :‬إن احلساب عنده ملكة ‪ ،‬وإن كان يسمى عارفا باحلساب وعاملًا‪.‬‬

‫وكذلك الفقه يف مسائل الشرع‪ ،‬يقال لإلنس?ان‪ :‬إن?ه فقي?ه النفس‪ ،‬إذا وص?ل إىل مرحل?ة تص?بح‬
‫فيه??ا عل??وم الش??رع ملك ?ة يف نفس??ه‪ ،‬يس??تطيع أن يص??ول فيه??ا وجيول‪ ،‬مبج??رد عرض??ها علي??ه‪ ،‬وإال فليس‬
‫جبلي?ةً ‪ ،‬جيب?ل عليه?ا اإلنس?ان‪ ،‬كال?ذكاء والبالدة‪ ،‬وق?د يبلغه?ا‬
‫مبجته?د‪ .‬وه?ذه املرحل?ة يف الغ?الب تك?ون ِّ‬
‫ال ??ذكي باحلف ??ظ‪ ،‬والدرب ?ة على االقس ??ية‪ ،‬واس ??تنباط العل ??ل‪ ،‬وإب ??داء املناس ??بات‪ ،‬واب ??داء الف ??روق واملوان ??ع‬
‫وإظهار األشباه والنظائر‪ ).‬انظر االجتهاد وطبقات اجملتهدين عند الشافعية د حسن هيتو ص‪.(16‬‬

‫قال إمام احلرمني يف الربهان "مث يش?رتط وراء ذل?ك كل?ه فق?ه النفس فه?و رأس م?ال اجملته?د – وال يت?أتى‬
‫الكتب"‪. 1332 / 2.‬‬ ‫كسبه – فإن جبل على ذلك فهو املراد‪ ،‬وإال فال يتأتى حتصيله حبفظ‬

‫الش ‪66‬روط الغ ‪66‬ير عام ‪66‬ة‪ :‬هن ??اك أيض? ?ًا ش ??روط غ ??ري عام ??ة ‪ ،‬منه ??ا تأهيلي ??ة وأخ ??رى تكميلي ??ة ‪ ،‬الس ??تنباط‬
‫األحكام الشرعية ‪ ،‬وميكن تصنيف بعض الشروط التأهيلية يف جمموعتني ‪:‬‬

‫الشروط المتعلقة بالكتاب والسنة ‪:‬‬

‫أ‌‪ -‬الش‪66‬روط المتعلق‪66‬ة ب‪66‬القرآن‪ :‬العلم الت ??ام بالتش ??ريع العملي يف الق ??رآن ‪ ،‬كليات ??ه وجزئيات ??ه ووج ??وب‬
‫ك??ون اجملته??د عاملًا مبنط??وق الق??رآن ومفهوم??ه‪ ،‬أي عاملًا علم ?ًا تام ?ًا باألحك??ام الش??رعية ال??يت ج??اء هبا‬
‫القرآن وبطبيعتها‪ .‬هل هي بصيغة األمر املوجب؟ أم بصيغة النهي احملرم ؟ وهل هي بصيغة العم??وم‬
‫املطل ??ق؟ أم بص ??يغة اإلطالق ال ??يت ت ??دل على أي ف ??رد ؟ ومعرف ??ة الناس ??خ واملنس ??وخ ‪ ،‬وغريه ??ا‪ ،‬وال‬
‫يشرتط حفظ اآليات ال?يت يتق?رر علي?ه معرفته?ا كم?ا أش?ار الغ?زايل إىل ه?ذا التخفي?ف‪ ،‬ب?ل يكفي أن‬
‫يك ??ون اجملته ??د عاملًا هبا ‪ ،‬ومبا تق ??دم منه ??ا وم ??ا ت ??أخر من جه ??ة التالوة وال ??نزول‪ ،‬وأن يك ??ون عاملًا‬
‫مبعانيه??ا‪ ،‬عاّم ه??ا وخاّص ها‪ ،‬مطلقه??ا ومقي??دها‪ ،‬ناس??خها ومنس??وخها‪ .‬وق??د الغ??زايل ومن وافق??ه آي??ات‬
‫األحك??ام يف الق??رآن الك??رمي خبمس??مائة آي??ة‪ ،‬وه??ذا باعتب??ار اآلي??ات الدال??ة على األحك??ام دالل??ة أولي??ة‬
‫بال ??ذات‪ ،‬ال بطري ??ق التض ??من واالل ??تزام(االجته ??اد يف اإلس ??الم د‪ .‬نادي ??ة العم ??ري ص ‪ .)71‬وق ??د‬
‫اشرتط بعض األصوليني‪ :‬معرفة أسباب النزول فهي تعني على فهم النصوص فهمًا دقيقًا‪ ،‬ومعرفة‬
‫منه ??ا واملت ??أخر(امليس? ??ر يف أص? ??ول الفق? ??ه‬ ‫مكي اآلي ??ات وم ??دنيها أيض? ?ًا‪ ،‬فهي هام ??ة للتمي ??يز بني املتق ??دم‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم حممد سلقيين ‪ ،‬ص ‪.)378‬‬

‫ب‌‪ -‬الش‪66 6 6 6‬روط المتعلق‪66 6 6 6‬ة بالس‪66 6 6 6‬نة ‪ :‬العلم الت? ? ? ? ??ام بالتش? ? ? ? ??ريع العملي يف الس? ? ? ? ??نة كليات? ? ? ? ??ه‬
‫وجزئياته(امليسر يف أصول الفقه اإلسالمي ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم حممد سلقيين ‪ ،‬ص ‪ ،)378‬سواء أكانت الس??نة‬
‫قولي? ??ة أو فعلي? ??ة أو تقريري? ??ة وه? ??ذه الش? ??روط تتمث? ??ل يف وج? ??وب ك? ??ون ط? ??الب االجته? ??اد عاملًا بالس? ??نة‬
‫وباحلديث وأنواع ??ه ومراتب ??ه يف الوثاق ??ة ‪ :‬ص ??حيح – حس ??ن – ض ??عيف – مش ??هور – مت ??واتر – حبيث‬
‫يتيسر ل?ه عن?د احلاج?ة معرف?ة األحك?ام الش?رعية ال?يت ج?اءت هبا الس?نة س?واء ك?ان ذل?ك يف املع?امالت أو‬
‫األح?وال الشخص?ية أو العب?ادات اخل ‪ ...‬ه?ذا فض?ًال عن معرفت?ه بت?اريخ الرج?ال وال?رواة ملعرف?ة الص?حيح‬
‫والضعيف من احلديث ‪ ،‬وكذلك معرفة أسباب اجلرح وأنواعه أو التعديل وشروطه ‪ ،‬اخل ‪...‬‬

‫فالعلم بالسنة يعني أمور‪:‬‬

‫‪-‬علم احلديث دراية ورواية‪.‬‬

‫‪-‬معرفة الناسخ واملنسوخ من احلديث‪.‬‬

‫‪-‬معرفة أسباب ورود احلديث‬

‫مجموع‪66‬ة الش‪66‬روط المتعلق‪66‬ة باللغ‪66‬ة العربي‪66‬ة وتتمث??ل يف أن يك??ون اجملته??د عاملًا باللغ??ة العربي??ة من حيث‬
‫بني??ة الكلم??ات وإعراهبا‪ ،‬وفص??احتها ومن حيث معناه??ا ظه??ورًا وخف??اًء‪ ،‬حقيق?ًة وكناي?ًة‪ ،‬إف??رادًا وعموم?ًا‬
‫واشرتاكًا‪ ،‬حبيث يتمكن نتيجًة هلذا العلم من القطع مبا تدل عليه كل كلمة‪ ،‬وبطريق?ة داللته?ا عب?ارة أو‬
‫إش??ارة‪ ،‬أو فح??وى أو اقتض??اء‪ .‬فالفقي??ه يف أش??د احلاج??ة إىل معرف??ة م??ا س??بق‪ ،‬باإلض??افة إىل معرف??ة مع??اين‬
‫حروف اللغة العربية‪ ،‬ألن عليها مدار الكث?ري من مس?ائل الفق?ه واس?تنباط األحك?ام من نص?وص الكت?اب‬
‫والسنة‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال‪ :‬قوله تعاىل‪َ" :‬و اْم َس ُح وْا ِبُر ُؤ وِس ُك ْم " (املائدة‪ .)6:‬فلوال مكان الب??اء‬
‫يف اآلي??ة‪ ،‬ل??وجب مس??ح ال??رأس كل??ه ال بعض??ه‪ .‬وغريه??ا من األمثل??ة‪ .‬وق??ال إم??ام احلرمني يف "الغي??اثي"يف‬
‫صفة املفيت‪ :‬جيب أن يكون مستقال باللغة العربية ‪ ،‬ف?إن ش?ريعة املص?طفى ص?لي اهلل علي?ه وس?لم متلقاه?ا‬
‫ومستقاها الكتابُ‪ ،‬والسننُ‪ ،‬وآثار الصحابة ووقائعهم وأقضيتهم يف األحك?ام‪ ،‬وكله?ا بأفص?ح اللغ?ات‪،‬‬
‫ص‪(.400‬‬ ‫وأشرف العبارات‪ ،‬وال بد من االرتواء من العربيه‪ ،‬فهي الذريعه إىل مكارم الشريعة) الغياثي‬

‫وقد ذكر الغ?زايل يف ه?ذا الش?رط ختفيف?ا وه?و أن?ه اليش?رتط يف اجملته?د أن يبل?غ درج?ة اخللي?ل واملربد‪ ،‬ب?ل‬
‫القدر الذي يتعلق بالكت?اب والس?نة ويس?تويل ب?ه على مواق?ع اخلط?اب ودرك حق?ائق املقاص?د‪.‬وعلى ه?ذا‬
‫كثري من األصوليني كاآلمدي والس?بكي وعب?د العزي?ز البخ?اري وغ?ريهم‪ .‬لكن الش?اطيب ذهب أبع?د من‬
‫هذا وقال البد للمجتهد أن يبلغ يف العربية مبلغ األئمة فيها‪ ،‬ألن الشريعة عربية فال يفهمها ح??ق الفهم‬
‫إال من فهم العربي?ة‪ .‬ق?ال‪ ":‬ف?إذا فرض?نا مبت?دئا يف فهم العربي?ة فه?و مبت?دئ يف فهم الش?ريعة‪ ،‬أو متوس?طا‬
‫مقب??وال")‪-4/114‬‬ ‫فه??و متوس??ط يف فهم الش??ريعة ‪...‬وك??ل من قص??ر فهم??ه مل يع??د حج??ة وال ك??ان قول??ه‬
‫‪(115‬‬

‫فهن??اك ارتب??اط عض??وي بني اإلس?الم والعربي??ة‪ ،‬فالعربي??ة هي لس??ان اإلس??الم ووع??اء ثقافت??ه‪ ،‬وال س??بيل إىل‬
‫فهم اإلسالم فهما صحيحا بغري إتقان العربية‪.‬‬

‫العلم بمواقع اإلجماع ومسائله حىت ال يفيت خبالفه‪ ،‬وال يلزمه حفظ مجي??ع مواق??ع اإلمجاع واخلالف‪،‬‬
‫بل كل مسألة يفيت فيها ينبغي أن يعلم أن فتواه ليس?ت خمالف?ة لإلمجاع‪ ،‬إم?ا ب?أن يعلم أن?ه مواف?ق م?ذهبًا‬
‫من م ??ذاهب العلم ??اء أيهم ك ??ان أو يعلم أن ه ??ذه واقع ??ة متول ??دة يف العص ??ر مل يكن أله ??ل اإلمجاع فيه ??ا‬
‫خوض (المستصفى من علم األصول اإلمام الغزالي‪ .)351 / 2‬فاملسائل اجلديدة والنوازل اليت هي من‬
‫مستحدثات العصر كنقل الدم وزراعة األعضاء وبنوك األجنة اجملمدة وغريها من املسائل ال حتت??اج إىل‬
‫البحث عن رأي أه ??ل اإلمجاع فيه ??ا إذ ليس هلم فيه ??ا رأي‪ .‬واملهم ه ??و أن يثبت اإلمجاع بيقني الش ??ك‬
‫فيه‪ ،‬فإذا أمجعت األمة على أمر واستقر عليه الفقه املتصل بعمل األمة كان حج??ة ال جيوز خمالفت??ه‪ ،‬ألن??ه‬
‫كثريا ما ادعي اإلمجاع يف مسائل اخلالف فيها ثابت‪.‬‬

‫وأن من اإلمجاع م ??ا يقب ??ل اإلبط ??ال بإمجاع جدي ??د‪ ،‬وذل ??ك فيم ??ا إذا ب ??ين اإلمجاع على ع ??رف تب ??دل أو‬
‫مصلحة تغريت‪ ،‬ألن احلكم يدور مع علته وجودا وعدما‪.‬‬

‫العلم بعلم أص‪66 6‬ول الفق‪66 6‬ه ‪ ،‬فه ? ??و عم ? ??اد االجته ? ??اد وأساس ? ??ه ال ? ??ذي تق ? ??وم علي ? ??ه أرك ? ??ان بنائه‪ .‬ق ? ??ال‬
‫الشوكاين‪:‬وعليه أن يطول الباع فيه‪ ،‬ويطلع على خمتصراته ومطوالته مبا تبل?غ ب?ه طاقت?ه‪ ،‬ف?إن ه??ذا العلم‬
‫أس ??اس فس ??طاط االجته ??اد‪...‬وإذا قص ??ر يف ه ??ذا الفن ص ??عب علي ??ه ال ??رد وخب ??ط في ??ه وخل ??ط" (إرش ??اد‬
‫الفح??ول اإلم??ام الش??وكاين ‪ .)373‬والع??امل بأص??ول الفق??ه ميكن??ه من أن يك??ون ص??احب رأي يف مس??ائل‬
‫ه??ذا العلم ‪ ،‬م??ا يتص??ل منه??ا حبجي??ة الظ??واهر‪ ،‬وخ??رب الواح??د‪ ،‬وأحك??ام الع??ام واخلاص‪ ،‬واملطل??ق واملقي??د‪،‬‬
‫وقواع ??د التع ??ارض وال ??تزاحم‪ ،‬واألص ??ول العملي ??ة‪ ،‬وغ ??ري ذل ??ك من أمه ??ات مس ??ائله ال ??يت يتوق ??ف عليه ??ا‬
‫االس??تنباط‪ .‬وق??د ق??رر الش??افعي أن االجته??اد ه??و القي??اس(الرسالة ‪ .)477‬وعّل ق على ذل??ك الش??يخ أب??و‬
‫زه ??رة بقول??ه‪ :‬ألن العلم بالقي??اس يقتض ??ي العلم بثالث??ة أم ??ور‪ :‬أوهلا‪ :‬العلم باألص ??ول من النص ??وص ال??يت‬
‫يبىن عليه?ا والعل?ل ال?يت ق?امت عليه?ا أحك?ام ه?ذه النص?وص‪ ،‬وال?يت هبا ميكن إحلاق حكم الف?رع إليهم?ا‪.‬‬
‫ثانيه ??ا ‪ :‬العلم بق ??وانني القي ??اس وض ??وابطه‪ ،‬ك ??أال يق ??اس على م ??ا يثبت أن ??ه ال يتع ??دى حكم ??ه‪ ،‬ومعرف ??ة‬
‫أوص ??اف العل??ة ال??يت يب??ىن عليه ??ا القي??اس‪ ،‬ويلتح??ق هبا الف ??رع باألص ??ل‪ .‬ثالثه ??ا‪ :‬أن يع ??رف املن??اهج ال??يت‬
‫س ??لكها الس ??لف الص ??احل‪ ،‬يف تع ??رف عل ??ل األحك ??ام ‪ ،‬واألوص ??اف ال ??يت اعتربوه ??ا أسس ?ًا لبن ??اء األحك ??ام‬
‫عليها‪ ،‬واستخرجوا طائفة من األحكام الفقهية (أصول الفقه أبو زهرة ص ‪.)306‬‬

‫معرف ‪66‬ة وإدراك مقاص ‪66‬د الش ‪66‬ريعة العام ‪66‬ة في اس ‪66‬تنباط األحك ‪66‬ام؛ ألن فهم النص ??وص وتطبيقه ??ا على‬
‫الوق??ائع متوق??ف على معرف??ة ه??ذه املقاص??د‪ ،‬فمن يري??د اس??تنباط احلكم الش??رعي من دليل??ه جيب علي??ه أن‬
‫يع??رف أس??رار الش??ريعة ومقاص??دها العام??ة يف تش??ريع األحك??ام؛ ألن الش??ريعة إمنا ج??اءت لرعاي??ة مص??احل‬
‫الن?اس يف العاج?ل واآلج?ل‪ ،‬ودالل?ة األلف?اظ على املع?اين ق?د حتتم?ل أك?ثر من وج?ه‪ ،‬وي?رجح واح?دًا منه?ا‬
‫مالحظ??ة مقص??د الش??ارع‪ .‬كم??ا أن األدل??ة الفرعي??ة ق??د تتع??ارض م??ع بعض??ها‪ ،‬فيؤخ??ذ مبا ه??و األوف??ق م??ع‬
‫قص ??د الش ??ارع‪ ،‬وق ??د حتدث أيض? ?ًا وق ??ائع جدي ??دة ال يع ??رف حكمه ??ا بالنص ??وص الش ??رعية‪ ،‬فيلج ??أ إىل‬
‫االستحس ??ان أو املص ??لحة املرس ??لة أو الع ??رف وحنوه ??ا‪ ،‬بواس ??طة مقاص ??د الش ??ريعة العام ??ة من التش ??ريع‬
‫الزحيلي‪.)1077 / 2‬‬ ‫(أصول الفقه اإلسالمي وهبة‬

‫وه ??ذا الش ??رط ق ??ال ب ??ه كث ??ري من احملققني منهم إم ??ام احلرمني اجلوي ??ين والغ ??زايل وابن قدام ??ة وابن تيمي ??ة‬
‫والس??بكي والش??اطيب وابن عاش??ور وغ??ريه كث??ري من املعاص??رين‪ .‬ق??ال اجلوي??ين يف الربه??ان‪ ":‬من مل يتفطن‬
‫لوق??وع املقاص??د يف األوام??ر والن??واهي فليس على بص??رية يف وض??ع الش??ريعة‪ 1/295:‬وق??ال ابن تيمي??ة‪":‬‬
‫احلكم??ة يف ال??دين ه??و معرف??ة حكم??ة الش??ريعة ومقاص??دها وحماس??نها" )جمم??وع الفت??اوى‪ (11/354‬أم??ا‬
‫الش ??اطيب فإن ??ه الي ??رى حص ??ول درج ??ة االجته ??اد إال ملن اتص ??ف بوص ??فني ق ??ال ‪" :‬إمنا حتص ??ل درج ??ة‬
‫االجتهاد ملن اتصف بوصفني أحدمها فهم مقاصد الشريعة على كماهلا‪ ،‬والثاين‪ :‬التمكن من االستنباط‬
‫بناء على فهمه فيها"‪( 4/76)"..‬وقد منح هذا األمر اهتماما بالغا يف كتابه الفريد "املوافقات"‪.‬‬
‫وال ??ذي نب ??ه إلي ??ه الش ??يخ حمم ??د اخلض ??ر حس ??ني والش ??يخ القرض ??اوي أن ه ??ذا الش ??رط رغم أمهيت ??ه ليس‬
‫شرطا لبلوغ رتبة االجتهاد بل هو شرط لصحة االجتهاد واستقامته‪ ).‬االجتهاد يف الشريعة للقرضاوي‬
‫‪.(46‬‬

‫معرفة القواعد الكلية ‪ :‬فقد ذكر اإلمام السبكي ب?أن من ش?روط االجته?اد ‪ :‬اإلحاط?ة مبعظم قواع?د‬
‫الش ??ريعة ح ??ىت يع ??رف أن ال ??دليل ال ??ذي ينظ ??ر في ??ه خمالف ?ًا هلا أو مواف ??ق‪ .‬ونق ??ل عن الش ??افعي فيم ??ا ينبغي‬
‫للمجتهد أن يعلمه قال‪ ":‬ويالحظ القواع??د الكلي?ة أوال ويق??دمها على اجلزئي?ات كم?ا يف القت?ل باملثق??ل‪،‬‬
‫فتق? ? ??دم قاع? ? ??دة ال? ? ??ردع على مراع? ? ??اة اإلس? ? ??م‪ ،‬ف? ? ??إن ع? ? ??دم قاع? ? ??دة كلي? ? ??ة نظ? ? ??ر يف النص? ? ??وص ومواق? ? ??ع‬
‫اإلمجاع" )إرشاد الفحول‪ (258‬بل إن اإلمام السبكي جعل اإلحاطة مبعظم قواعد الش?رع يكس?ب هبا‬
‫قوة يفهم هبا مقصود الشرع"‪ .‬على أن هذا مما ميكن أن يدخل حتت مقاصد الشريعة‪ ).‬االجتهاد نادي??ة‬
‫العمري‪(101‬‬

‫العدالة ‪ :‬مبعىن أن يك?ون اجملته?د ع?دًال مس?تقيمًا يف أقوال?ه وأفعال?ه وأحوال?ه‪ ،‬حمافظ?ًا على مروءت?ه‪ .‬وق?د‬
‫ق ??وم(منهم اإلمام الغزالي ‪ ،‬فقد اش‪/‬ترط أن يك‪/‬ون المجته‪/‬د ع‪/‬دًال مجتنب‪ً/‬ا للمعاص‪/‬ي القادح‪/‬ة في‬ ‫اش ??رتطها‬
‫العدال‪//‬ة وه‪//‬ذا يش‪//‬ترط لج‪//‬واز االعتم‪//‬اد على فت‪//‬واه)المستص‪//‬فى ج‪ 2‬ص ‪) 350‬ومنهم من مل يش? ??رتطها‬
‫مطلق?ًا‪ ،‬ومنهم من فّص ل بني أن جيته??د ليحص??ل العلم لنفس??ه‪ ،‬وبني أن جيته??د للحكم والفتي??ا‪ ،‬فاش??رتط‬
‫العدال ??ة يف الثاني ??ة‪ ،‬ومل يش ??رتطها يف احلال ??ة األوىل‪ .‬ولع ??ل ق ??ول املفص ??ل ه ??و األق ??وى؛ ألن املس ??تفيت إذا‬
‫عرف أن إمامه موصوف بالعدالة تطمئن نفسه إىل قبول أحكام??ه‪ ،‬خبالف م??ا إذا ك?ان اجملته??د ص??احب‬
‫بدع ??ة(االجته ??اد فيم ??ا ال نص في ??ه ‪ ،‬د‪ .‬الطيب خض ??ري الس ??يد ‪ .)29 / 1‬فعدال ??ة اجملته ??د وص ??الحه مما‬
‫اليتوقف علي?ه وج?ود ملك?ة االجته?اد‪ ،‬ب?ل يتوق?ف علي?ه قب?ول الفت?وى‪ .‬ق?ال اخلطيب البغ?دادي‪ ":‬علم?اء‬
‫املس ??لمني مل خيتلف ??وا أن الفاس ??ق غ ??ري مقب ??ول الفت ??وى يف أحك ??ام ال ??دين‪ ،‬وإن ك ??ان بص ??ريا هبا") الفقي ??ه‬
‫‪(2/157‬‬ ‫واملتفقه‬

‫معرف‪66‬ة مواض‪66‬ع االختالف ‪ :‬فمن ك??ان بص??ريًا مبواض??ع االختالف ك??ان ج??ديرًا ب??أن يت??بني ل??ه احلق يف‬
‫كل نازل?ة تع?رض ل?ه‪ .‬وي?أيت ه?ذا الش?رط بفوائد ع?دة‪ ،‬منه?ا‪ :‬أن اجملته?د حينم?ا يع?رف مواض?ع اخلالف‬
‫ومواض ??ع اإلمجاع‪ ،‬فإن ??ه ال جيته ??د يف أم ??ر جمم ??ع على حكم ??ه‪ ،‬وال ي ??دعي اإلمجاع يف أم ??ر خمتل ??ف في ??ه‪.‬‬
‫باإلض ??افة إىل أن معرف ??ة مواض ??ع اخلالف مس ??اعد ه ??ام للوص ??ول إىل درج ??ة االجته ??اد‪ ،‬ب ??االطالع على‬
‫وجه? ??ات النظ? ??ر ‪ ،‬وعلى االس? ??تنباطات االجتهادي? ??ة وه? ??ذا العلم ي? ??دل اجملته? ??د على املن? ??اهج املتبع? ??ة يف‬
‫االجته ? ??اد ‪ ،‬والطريق ? ??ة املعت? ??ادة الس? ??تنباط األحك? ??ام من مظاهنا ‪ ،‬ويفتح أمام ? ??ه آفاق ? ?ًا أخ? ??رى للتفك? ??ري‬
‫والبحث العلمي املنهجي‪.‬‬

‫قال الشيخ محمد الخضر حسين‪ ":‬والتحقي??ق أن معرف??ة املذاهب ودراس??ة األحك??ام مربوط??ة بأص??وهلا‬
‫مما خيطو بالعامل يف سبيل االجتهاد خطوات سريعة لوال دراسة الفق?ه على ه?ذا الوج?ه ألنف?ق يف بلوغه?ا‬
‫جمه??ودا كب??ريا وزمن??ا ط??ويال‪...‬مث إن??ه ي??أمن العث??ار واخلط??أ يف الفت??وى أك??ثر مما إذا مل ي??درس أق??وال األئم??ة‬
‫من قبله"‪) .‬الشريعة اإلسالمية ‪(11‬‬

‫العلم بم‪66‬ا ج‪66‬رى علي‪66‬ه ع‪66‬رف الن‪66‬اس وب‪66‬أحوالهم ؛ إذ ال تتيس ??ر ل ??ه الفت ??وى الص ??حيحة ب ??دون ه ??ذا العلم‬
‫وقد وض?ع األص?وليني كث?ريًا من القواع?د األص?ولية اس?تنادًا على الع?رف كق?وهلم‪ :‬الع?ادة حمكم?ة ‪ ،‬واملع?روف‬
‫عرف?ًا كاملش??روط ش??رطًا‪ .‬فال ب??د للمجته??د أن يك??ون على ح??ظ من املعرف??ة ب??أحوال عص??ره وظ??روف جمتمع??ه‬
‫ومش ??كالته وتيارات ??ه الفكري ??ة السياس ??ية والديني ??ة‪ ،‬وم ??دى ت ??أثره هبا وت ??أثريه فيه ??ا‪ .‬ق ??ال ابن القيم عن ش ??رط‬
‫معرفة الناس‪ ":‬هذا أصل عظيم حيتاج إلييه املفيت واحلاكم‪ ،‬فإن مل يكن فقيها فيه‪ ،‬فقيه??ا يف األم??ر والنهي‬
‫مث يطب??ق أح??دمها على اآلخ??ر وإال ك??ان م??ا يفس??د أك??ثر مما يص??لح‪...‬ب??ل ينبغي أن يك??ون فقيه??ا يف معرف??ة‬
‫مك??ر الن??اس وخ??داعهم واحتي??اهلم وعوائدهم وعرفي??اهتم ف??إن الفت??وى تتغ ??ري بتغ ??ري الزم ??ان واملك??ان والعوائد‬
‫واألح ?وال‪ ،‬وذل ??ك كل ??ه من دين اهلل"‪).‬إعالم املوقعني ‪ .(4/199‬ق ??ال القرض ??اوي‪ ":‬وه ??ذا يف الواق ??ع ليس‬
‫شرطا لبلوغ مرتبة االجتهاد بل ليكون االجتهاد صحيحا واقعا يف حمله"‪ ).‬االجتهاد ‪(48‬‬

‫معرفة المنطق ‪ :‬هن??اك من األص ?وليني من اش??رتط للمجته??د معرف??ة مب??احث احلد والربه??ان وكيفي??ة ت ?رتيب‬
‫املق??دمات وم??ا يس??تفاد ب??ه يف االس??تدالل‪ .‬وملعرف??ة املنط??ق فوائد ع??دة منه??ا ‪ :‬أن من يتعلم املنط??ق ي??درك‬
‫بس??هولة تسلس??ل املق??دمات وال??رباهني واالفرتاض??ات العقلي??ة ‪ .‬وأن ه??ذه املعرف??ة تس??اعد ص??احبها على‬
‫حسن اجلدل ‪ ،‬واملناظرة واستخراج أوجه األدلة ‪ ،‬وإبطال حجج اخلصوم ‪.‬‬

‫والقول هبذا الشرط هو للغزايل ومساه " معيار العلوم"‪ ،‬بل هو الزم يف نظره لكل من اشتغل بفن من فنون‬
‫العلم ح ??ىت يوث ??ق بعلم ??ه‪ .‬وتبع ??ه على ه ??ذا ال ?رازي يف احملص ??ول والبيض ??اوي يف املنه ??اج ومش ??ى علي ??ه ش ?راح‬
‫املنهاج مثل اإلسنوي والبدخشي‪.‬‬
‫وخالف هذا مجلة من العلماء فحرموا املنطق مثل ابن الصالح والنووي وابن تيمية‪ ":‬وقال بأن فساد ه ??ذا‬
‫القول معلوم بالضرورة من دين اإلسالم"‪.‬‬

‫شهادة الن‪66‬اس ل‪66‬ه باألهلي‪66‬ة ‪ :‬فه??ذا ش??رط يورث??ه اليقني بص??الحيته للفتي??ا فيض??ي فيه??ا ‪ ،‬ويرش??حه يف نظ??ر‬
‫العامة هلذا املقام ‪ ،‬فيقدمون عليه يتلقون عنه أحكام دينهم ‪.‬‬

‫روي أن مالك بن أنس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال ‪" :‬ما أفتيت حىت شهد يل سبعون أين أهل لذلك"‪.‬‬

‫مج‪66‬ال االجته‪66‬اد‪ :‬ح ?ّد د الغ??زايل اجملته??د في??ه أو جمال االجته??اد بأن??ه ك??ل حكم ش??رعي ليس في??ه‬
‫دلي?ل قطعي فخ?رج ب?ه م??ا ال جمال لالجته??اد في?ه‪ ،‬مما اتفقت علي?ه األم??ة من جلي?ات الش?رع ‪ ،‬كوج?وب‬
‫الصلوات اخلمس والزكوات وحنوها ‪ ،‬فاألحكام الشرعية بالنسبة لالجتهاد نوع?ان ‪ :‬م?ا جيوز االجته?اد‬
‫فيه‪ ،‬وما ال جيوز االجتهاد فيه‪.‬‬

‫فمج??ال االجته??اد يك??ون يف األحك??ام ال??يت نصوص??ها ظني??ة الثب??وت أو الدالل??ة أو كليهم??ا مع?ًا‪ ،‬وك??ذلك‬
‫يكون االجتهاد فيما ال نص فيه أصًال ‪.‬‬

‫فاالجتهاد يكون يف الظنيات‪ ،‬وهذا يشمل ‪:‬‬

‫أوًال ‪ :‬بذل الفقيه وسعه لتحصيل حكم شرعي من األدلة الظنية يف ثبوهتا ويف داللتها‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬بذل الفقيه وسعه يف النص الذي يكون ظين الثبوت قطعي الداللة‪ ،‬فيسوغ االجتهاد للمجتهد‬
‫بالبحث عن سنده‪ ،‬وطريق وصوله إلينا‪ ،‬ودرجة رواته من العدالة والضبط ‪.‬‬

‫ثالثُا ‪ :‬بذل الفقيه وسعه يف النص الذي يكون قطعي الورود‪ ،‬ولكنه ظين الداللة‪.‬‬

‫رابع ? ?ًا ‪ :‬ب ??ذل الفقي ??ه وس ??عه يف حتص? ??يل احلكم فيم ??ا ال نص في ??ه وال إمجاع بواس ??طة أم? ??ارات أرش ??ده‬
‫الشارع إليها ‪ ،‬كالقياس واالستحسان واالستصحاب ‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫مراتب المجتهدين‪:‬‬

‫قسم العلماء االجتهاد بالنسبة للمجتهد والواقع إىل قسمني‪:‬‬


‫أحدمها‪ :‬اجتهاد مطلق‪ ،‬ويقال للمتصف به جمتهد مطلق أو جمتهد مستقل‪ .‬واآلخر اجتهاد مقيد‪،‬‬
‫ويقال للمتصف به جمتهد مقيد أو جمتهد غري مستقل‪ .‬وهذا األخري قسموه وأطالوا القول يف‬
‫أقسامه‪).‬االجتهاد نادية العمري ص‪(173‬‬
‫و ميكن رد مراتب اجملتهدين إىل مخسة مراتب‪ ،‬وإن كان بعض أهل العلم قسمها إىل أكثر من ذلك‬
‫وبعضهم إىل أقل‪.‬‬
‫أ‪-‬المجتهد المطلق المستقل‪ :‬عرفه السيوطي قائال‪ « :‬هو الذي يستقل بقـواعده لنفسه يبين عليها‬
‫الفقه‪ ،‬خارجا عن قواعد وأصول املذاهب املقررة" (الرد على من أخلد ص‪ ،39‬اجملموع ‪)1/70‬‬
‫ومساه ابن عابدين احلنفي باجملتهد يف الشرع‪( .‬رد احملتار على الدر املختار ‪ )1/77‬جيتهد يف أحكام‬
‫النوازل ويقصد فيها موافقة األدلة الشرعية حيث كانت‪ ،‬فهو جمتهد يف أصول مذهبه‪ .‬واجتهاده غري‬
‫منحصر يف باب من أبواب الفقه‪ ،‬فهو يتصرف يف األصول وخيتار ويرجح ويتكلم يف املسائل اليت مل‬
‫يسبق باجلواب فيها‪ .‬وال يضر جهله ببعض ذلك لشبهة أو إشكال لكن يكفيه معرفة وجوه داللة‬
‫األدلة وكيفية أخذ األحكام من لفظها ومعناها‪.‬‬
‫وهم فقهاء الصحابة وفقهاء التابعني وأئمة املذاهب ‪:‬أبو حنيفة ومالك والشافعي وأمحد والثوري‬
‫واألوزاعي والليث بن سعد والطربي وداود بن علي وغريهم‪.‬‬
‫وهذا النوع هم الذين يسوغ هلم اإلفتاء‪ ،‬وهم اجملددون هلذا الدين القائمون حبجة اهلل يف أرضه‪ .‬وقد‬
‫نقل أكثر من ذكر االجتهاد أن هذه املرتبة نادرة جدا‪.‬‬
‫فاحلاصل أن اجملتهد املطلق املستقل يتميز خباصيتني أساسيتني مها‪:‬‬
‫‪-‬االستقالل بالقواعد املستنبطة‪.‬‬
‫‪-‬عدم تقليد الغري ال يف األصول وال يف الفروع‪ .‬بلوغ )السول ص ‪(149‬‬
‫ب _المجتهد المطلق المنتسب‪ :‬وهو الذي مبلغ مرتبة االجتهاد املطلق‪ ،‬وتوفرت فيه شروط‬
‫اجملتهد املطلق املستقل‪ ،‬إال أنه مل يبتكر لنفسه قواعد وأصول خاصة به‪ ،‬بل سلك طريقة إمام من أئمة‬
‫االجتهاد‪ ،‬واختار قواعده وأصوله‪ ،‬وقد خيالفه يف بعض الفروع")اجملموع ‪ 1/71‬الرد على من أخلد‬
‫ص‪(39‬‬

‫وهو الذي ينتسب إىل إمام ألنه سلك طريقته يف االجتهاد‪ ،‬وال يقلده يف مذهب وال يف دليل‪ ،‬بل إنه‬
‫اجتهد فوجد طريقه أسد الطرق‪ .‬وهو مستيقن باألحكام من أدلتها‪ ،‬قادر على االستنباط منها‪ ،‬فليس‬
‫له يف االستنباط منهج خاص به‪ ،‬وإمنا التزم مبنهج جمتهد آخر على سبيل االتفاق أداه إليه اجتهاده‪.‬‬
‫فهو يف الواقع كاجملتهد املطلق املستقل‪ ،‬ألنه وصل إىل ما وصل إليه اجملتهد املطلق املستقل‪ ،‬لكنه سبق‬
‫إىل ذلك‪ .‬قال ابن الصالح‪" :‬فهو ال يكون مقلداً إلمامه‪ ،‬ال يف املذهب‪ ،‬وال يف دليله التصافه بصفه‬
‫املستقل‪ .‬وإمنا ينسب إليه لسلوكه طريقه يف االجتهاد"‪( .‬انظر اجملموع ‪ ) 1/71‬قهو يبقى منتسبا إلمامه‬
‫سالكا طريقه يف االجتهاد مرتمسا خطاه‪ .‬قال أبو زهرة‪ :‬املنتسبون هم الذين اختاروا أقوال اإلمام يف‬
‫األصول وخالفوه يف الفروع‪ ،‬وهلم به صحبة ومالزمة‪).‬أصول الفقه ‪(380‬‬
‫فالمجتهد المطلق المنتسب‪:‬‬

‫‪-‬يأخذ األحكام من الكتاب والسنة‪ ،‬ولكنها ال تبلغ مبلغ اجملتهد املستقل‪.‬‬


‫‪-‬له اجتهادات مل يسبق إليها‪.‬‬
‫‪ -‬يستقل بالنقد والرتجيح عن إمامه‪.‬‬
‫‪-‬جمتهد منتسب ملذهب من ائتم به فهو جمتهد يف معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله‪.‬‬
‫_ ليس له يف االستنباط منهاج خاص به‪ .‬إمنا التزم مبنهاج جمتهد آخر على سبيل االتفاق‪.‬‬
‫_جمتهد يف معرفة فتاوى إمامه ومآخذه وأصوله عارف هبا متمكن من التخريج عليها وقياس ما مل‬
‫ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غري أن يكون مقلدا إلمامه ال يف احلكم وال يف الدليل‪.‬‬
‫_ له اجتهادات خاصة به‪ ،‬خيالف فيها إمامه‪ ،‬وإن كان يوافقه يف مجلة األصول وكثري من الفروع‬
‫موافقة اجملتهد للمجتهد‪ ،‬كموافقة أيب يوسف وحممد بن احلسن أبا حنيفة يف الطريق‪ ،‬وقد خالفاه يف‬
‫كثري من الفروع‪،‬حىت قيل ‪:‬إهنا ثلثا املذهب‪.‬‬
‫‪-‬يعترب كاجملتهد املستقل من حيث العمل بقوله واالعتداد به يف اإلمجاع واخلالف‪) .‬بلوغ السول‬
‫‪( 149‬‬
‫ومن أمثلتة ‪:‬‬

‫عند احلنفية‪:‬كأيب يوسف وحممد بن احلسن وزفر بن اهلذيل‪.‬‬


‫وعند املالكية‪ :‬أشهب وابن عبد احلكم وابن القاسم وابن وهب‪.‬‬
‫وعند الشافعية‪ :‬ما ذكره اإلمام ابن السبكي يف طبقاتقال‪ ":‬احملمدون األربعة هم‪ :‬حممد بن نصر‪،‬‬
‫وحممد بن جرير‪ ،‬وابن خزميه‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬من أصحابنا وقد بلغوا درجة االجتهاد املطلق‪ ،‬ومل‬
‫خيرجهم ذلك عن كوهنم من أصحاب الشافعي‪ ،‬املخرِّجني على أصوله‪ ،‬املتمذهبني مبذهبه‪ ،‬لوفاق‬
‫اجتهادهم اجتهاده‪ .‬وهؤالء األربعة‪ ،‬وإن خرجوا عن رأي اإلمام األعظم يف كثري من املسائل‪ ،‬فلم‬
‫خيرجوا يف األغلب‪ ،‬فأعرف ذلك‪ .‬واعلم أهنم يف أضراب الشافعية معدودون‪ ،‬وعلى أصوله يف‬
‫األغلب خمر جون‪ ،‬وبطريقه متهذبون‪ ،‬ومبذهبه متمذهبون"‪ ).‬طبقات الشافعية البن السبكي‪،3/102‬‬
‫وأبو إبراهيم املزين وأبو يعقوب البويطي وابن سريج‪ .‬وهذا النوع نادر‬ ‫‪( .2/251‬‬ ‫‪،2/104‬‬
‫الوقوع صعب املرتقى‪ ،‬وقد ادعى اإلمام السيوطي أنه من هذه الفئة ‪" :‬والذي ادعيناه هو االجتهاد‬
‫املطلق ال االستقالل ‪،‬بل حنن تابعون لالمام الشافعي رضي اهلل عنه ‪،‬وسالكون طريقه يف االجتهاد"‪.‬‬
‫ومن متأخري الشافعية ابن دقيق العيد وتقي الدين السبكي والبلقيين‪.‬‬
‫ومن متأخري احلنابلة‪ :‬القاضي أبو يعلى والقاضي أبوعلي بن أيب موسى وأبو بكر اخلالل‪.‬‬
‫ومن املالكية القاضي إمساعيل وابن القصار واألهبري وابن عبد الرب والقاضي عبد الوهاب‪...‬اخل‬
‫قال اإلمام الشاطيب‪ ":‬وقد قبل الناس أنظارهم وفتاويهم وعملوا على مقتضاها خالفت مذهب إمامهم‬
‫أو وافقته‪...‬فاالجتهاد منهم ومن كان مثلهم وبلغ يف فهم مقاصد الشريعة مبالغهم صحيح ال إشكال‬
‫‪(.4/527‬‬ ‫فيه" )املوافقات‬
‫ج _ المجتهد في المذهب‪ :‬وهو الذي مل يبلغ درجة اجملتهد املطل??ق‪ ،‬وال درج??ة اجملته??د املنتس??ب‪ ،‬إال‬
‫أن??ه بل??غ من العلم مبلغ ?ًا يؤهل??ه أن ينظ??ر يف الوق??ائع‪ ،‬وخيرجه??ا على نص??وص إمام??ه‪ ،‬بع??د معرفت??ه بعلته??ا‪،‬‬
‫ووقوف ??ه على حقيقته ??ا‪ .‬وذل ??ك ب ??أن يقيس م ??ا س ??كت عن ??ه اإلم ??ام على م ??ا نص علي ??ه‪ ،‬أو يدخل ??ه حتت‬
‫عموم ??ه‪ ،‬أو يدرج ??ه يف قاع ??دة عام ??ة من قواع ??ده‪ .‬وق ??د يق ??وم باس ??تنباط األحك ??ام الش ??رعية مباش ??رة من‬
‫نص??وص الش??رع‪ ،‬متقي??دًا بقواع??د إمام??ه األص??ولية‪ ،‬وملتزم?ًا هلا‪ ،‬كم??ا يفع??ل اجملته??د املنتس??ب‪ ).‬االجته??اد‬
‫هيتو ‪ .36‬بلوغ السول ص ‪ (149‬فاجملته?د يف املذهب مقل?د إلمام?ه يف يف نصوص?ه وأقوال?ه اليتع?داها‬
‫وال خيالفها‪ ،‬ونصوص إمامه عنده كنصوص الشرع كما قال ابن القيم يف اإلعالم‪(4/213‬‬

‫صفاته‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون عاملا بالفقه وأصوله وأدلة األحكام تفصيال بصريا مبسالك األقيسة واملعاين تام االرتياض يف‬
‫التخريج واالستنباط‪.‬‬
‫_وهو املقلد إلمامه فيما ظهر فيه نصه‪.‬‬
‫‪-‬أنه يعرف قواعد إمامه وما بىن عليه‪.‬‬
‫‪-‬مقرر ملذهب مقلده بالدليل متقن لفتاويه عامل هبا ال يتعدى أقواله وفتاويه وال خيالفها‬
‫وإذا وجد نص إمامه مل يعدل عنه إىل غريه ألبته‪.‬‬
‫_ فهو ينزل عن السابق لكونه يتخذ نصوص إمامه أصوال يستنبط منها ‪،‬كفعل املستقل بنصوص‬
‫الشرع‪.‬‬
‫_ ورمبا اكتفى يف احلكم بدليل إمامه وال يبحث عن معارض كفعل املستقل يف النصوص‪.‬‬
‫_ال يدعون االجتهاد وال يقرون بالتقليد(‪.‬‬
‫‪-‬يفيت فيما ال نص فيه إلمامه مبا خيرجه على أصوله‪.‬‬
‫‪-‬إذا أفىت بالتخريج فإن املستفيت يعترب مقلدا إلمامه ال له‪ ،‬والفتوى تنسب إىل هذا اجملتهد وال تنسب‬
‫لإلمام كما صرح بذلك النووي‪ ).‬اجملموع‪(1/72‬‬
‫ومن أمثلتهم‪ :‬وهذا شأن كثري من أصحاب الوجوه والطرق والكتب املطولة واملختصرة‪.‬‬
‫‪-‬احلنفية‪ :‬كاخلصاف احلسن بن زياد والكرخي والطحاوي‪ .‬ومشس األئمة احللوين ومشس األئمة‬
‫السرخسي وفخر اإلسالم البزدوى‪.‬‬
‫املالكية ‪:‬كاألهبري وابن زيد القريواين‪.‬‬
‫الشافعية‪:‬كأيب اسحاق الشريازي واملروزي وابن أيب حامد اإلسفراييين‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬ظاهر كالم األصحاب أن من هذا حاله ال يتأدى به فرض الكفاية‪.‬‬
‫قال ابن الصالح "ويظهر تأدي الفرض به يف الفتوى‪ ،‬وإن مل يتأد يف إحياء العلوم اليت منها استمداد‬
‫الفتوى‪.‬قال ابن رشد‪ ":‬والفرق بني هؤالء وبني العوام ‪،‬أهنم حيفظون اآلراء اليت للمجتهدين فيخربون‬
‫عنها العوام ‪،‬من غري أن تكون عندهم شروط االجتهاد ‪.‬فكأن مرتبتهم يف ذلك مرتبة الناقلني عن‬
‫اجملتهدين ولو وقفوا يف هذا لكان األمر أشبه‪ ،‬لكن يتعدون فيقيسون أشياء مل ينقل فيها عن مقلديهم‬
‫حكم على ما نقل عنه يف ذلك حكم‪ ،‬فيجعلون أصال ما ليس بأصل ويصريون أقاويل اجملتهدين‬
‫أصوال الجتهادهم‪ ،‬وكفى هبذا ضالال وبدعة‪) .‬الضروري يف أصول الفقه ‪(145-144‬‬

‫د _ مجتهد الترجيح ويسمى مجتهد الفتيا‪:‬‬

‫ق ??ال ابن الص ??الح‪ :‬وه ??ذا ال يبل ??غ رتب ??ة أص ??حاب الوج ??وه‪ ،‬لكن ??ه فقي ??ه النفس‪ ،‬حاف ??ظ م ??ذهب‬
‫إمام ??ه‪ ،‬ع ??ارف بأدلت ??ه‪ ،‬ق ??ائم بتقريره ??ا‪ ،‬يص ??ور وحيرر‪ ،‬وميه ??د ويزي ??ف وي ??رجح‪ .‬لكن ??ه قص ??ر عن أولئ ??ك‬
‫لقص ??وره عنهم يف حف ??ظ املذهب‪ ،‬أو االرتي ??اض ىف االس ??تنباط‪ ،‬أو معرف ??ة األص ??ول وحنوه ??ا من أدلتهم‪.‬‬
‫ق? ??ال‪ :‬وه? ??ذه ص? ??فة كث? ??رية من املت? ??أخرين إىل أواخ? ??ر املئ? ??ة الرابع? ??ه من املص? ??نفني‪ ،‬ال? ??ذي رتب? ??وا املذهب‬
‫وحرروه‪ ،‬وصنفوا في?ه تص?انيف فيه?ا معظم اش?تغال الن?اس الي?وم‪ ،‬ومل يلحق?وا ال?ذين قبلهم يف التخ?ريج‪.‬‬
‫وأم ??ا فت ??اويهم‪ ،‬فك ??انوا يتبس ??طون فيه ??ا تبس ??ط أولئ ??ك أو قريي ?ًا من ??ه‪ ،‬ويقيس ??ون غ ??ري املنق ??ول علي ??ه‪ ،‬غ ??ري‬
‫مقتصرين على القياس اجللي‪ .‬ومنهم من مجعت فتاويه‪ ،‬وال تبلغ يف التحاقه??ا باملذهب فت??اوى أص??حاب‬
‫الوجوه‪) .‬اجملموع ‪ 1/73‬بلوغ السول ص‪(149‬‬

‫صفاته‪:‬‬
‫‪--‬وهو املتبحر يف مذهب إمامه‪.‬‬
‫ص‪(141‬‬ ‫املتمكن من ترجيح قول على آخر‪ ،‬ووجه من وجوه األصحاب على آخر‪ ).‬بلوغ السول‬
‫‪-‬فقيه النفس حافظ ملذهب إمامه ‪،‬وعارف بأدلته قائم بتقريرها ‪،‬يصور وحيرر ويقرر وميهد ويزيف‬
‫ويرجح بني ما قاله اإلمام وما قاله تالميذه أو غريه من األئمة‪) .‬اجملموع ‪(1/73‬‬
‫‪-‬ختريج علل هذه األحكام حىت يتسىن القياس عليها فيما مل يرد فيه نص عنهم‪.‬‬
‫‪ -‬ومعرفة األقوال اليت يصح االعتماد عليها واليت ال تصح‪.‬‬
‫‪-‬ضبط األحكام الفقهية الكثرية املنقولة عن أئمة املذاهب األربعة‪ ).‬أصول الفقه الزحيلي‪2/1081‬‬
‫بلوغ السول ص ‪(149‬‬
‫أمثلته‪:‬‬
‫عند احلنفية‪ :‬القدوري واملرغيناين صاحب اهلداية‬
‫ومن املالكية‪ :‬أيب احلسن اللخمي وأيب الوليد ابن رشد اجلد وأيب عبد اهلل املازري وغريهم‪.‬‬

‫ه ـ ‪-‬المتبح‪66‬ر في الم‪66‬ذهب‪ :‬وهم ال ??ذين حفظ ??وا املذهب وفهم ??وه‪ ،‬ونقل ??وه‪ ،‬وق ??رروه‪ ،‬لكنهم‬
‫ك??انوا أق??ل ق??درة على تقري??ر األدل??ة‪) ،‬وحتري??ر األقيس??ة من طبق??ة املرجحني‪ .‬االجته??اد هيت??و ‪ .(46‬فه??ذا‬
‫القسم يقوم حبفظ املذهب ونقله وفهمه‪ ،‬فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما حيكيه من مسطورات مذهب??ه‪،‬‬
‫من منصوص??ات إمام??ه ‪ ،‬وتفريع??ات أص??حابه اجملته??دين يف مذهب??ه وخترجياهتم ‪ . . .‬مث إن ه??ذا الفقي??ه ال‬
‫يكون إال فقيه النفس ‪ .‬ويكفي استحضاره أكثر املذهب‪.‬‬

‫صفاته‪:‬‬
‫قيده النووي بشروط هي‪:‬‬
‫‪-‬حفظ املذهب ونقله‪.‬‬
‫‪-‬فهمه يف الواضحات واملشكالت‪.‬‬
‫‪-‬فقيه النفس له حظ وافر من الفقه‪.‬‬
‫‪-‬أضعف ممن سبقه يف تقرير أدلة إمامه وأقيسته‪.‬‬
‫‪-‬يعتمد على نقله وفتواه‪ ،‬وهو املتبحر يف مذهب إمامه)بلوغ السول ‪.(141‬‬
‫قال البناين‪ ":‬وصاحب هذه املرتبة ليس من االجتهاد يف شيء")حاشية البناين‪ 2/403‬وبلوغ السول‬
‫‪141‬و ص ( وصمهم ابن القيم بأصحاب التقليد احملض الذين ال يذكرون الكتاب والسنة يف املسائل‬
‫إال على وجه التربك والفضيلة ال على وجه االحتجاج والعمل‪) .‬اإلعالم‪(4/214‬‬

‫وخالصة القول في تقسيم المجتهدين إلى طبقات‪:‬‬

‫أن العلم? ??اء اختلف? ??وا يف إحلاق بعض العلم? ??اء ببعض الطبق? ??ات‪ ،‬كم? ??ا اختلف? ??وا يف بي? ??ان أوص? ??اف‬ ‫‪-‬‬
‫الطبقات‪ ،‬والذي يظهر مما كتب يف املوضوع أهنم فعلوا ذلك بناء على التتبع ومطالعة األحوال‪.‬‬
‫أنه من العسري مبكان أن يوجد جمتهد مطلق مستقل دون أن يكون ق??د اعتم??د على غ??ريه‪ ،‬ول??و يف‬ ‫‪-‬‬
‫جانب يسري من جوانب التأصيل والتفريع من غري أن يبين على أق?وال من س?بقه‪ ،‬خترجيا وترجيح?ا‬
‫باستثناء كبار فقهاء الصحابة‪.‬‬
‫أن االجتهاد إذا أطلق يف عبارات األص?وليني ينص?رف إىل االجته?اد املطل?ق س?واء أك?ان مس?تقال أم‬ ‫‪-‬‬
‫منتسبا‪ ،‬وال حيمل على االجتهاد يف املذهب أو الفتوى إال مقيدا‪ ،‬ومن باب التسامح والتجوز‪.‬‬

‫(االجتهاد نادية العمري ص ‪ ، 193‬االجتهاد ومدى حاجتنا إليه يف هذا العصر ص‪ 369‬وما بعدها)‬

‫تجزؤ االجتهاد‬
‫أول من أثار مسألة جتزؤ االجتهاد اإلمام أبو حامد الغزايل يف “املستصفي” فبعد أن فرغ من‬
‫ذكر الشروط اليت ال بد منها للمجتهد قال‪“ :‬دقيقة يف التخفيف يغفل عنها الكثريون” مث‬
‫قال‪:‬اجتماع هذه العلوم الثمانية –أي شروط االجتهاد‪ -‬إمنا يشرتط يف حق اجملتهد املطلق الذي يفيت‬
‫يف مجيع الشرع‪ ،‬وليس االجتهاد عندي منصبا ال يتجزأ‪ ،‬بل جيوز أن يقال للعامل مبنصب االجتهاد يف‬
‫بعض األحكام دون بعض‪ .‬فمن عرف طريق النظر والقياس فله أن يفيت يف مسألة قياسية‪ ،‬وإن مل‬
‫يكن ماهرا يف علم احلديث‪ ).‬املستصفى ‪ 173/ 2‬فتاوى ابن الصالح ‪ 1/10‬املدخل إىل مذهب‬
‫اإلمام أمحد ‪ 1/195‬وانظر االجتهاد يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬القرضاوي ص‪(59‬‬

‫مفهوم تجزئة االجتهاد‪:‬‬

‫المراد بالتجزئة في اللغة‪ :‬التجزؤ من جزأ‪ ،‬واجلزء البعض‪ ،‬واجلمع أجزاء‪ ،‬وجزأ الشيء جعله‬
‫أجزاء‪ ،‬وجزأ املال قسمه‪ .‬وجزأت الشيء –بالتخفيف‪ -‬نقصت منه جزءا‪) .‬لسان العرب ‪(1/45‬‬

‫فتجزؤ االجتهاد هو‪ :‬أن يكون العامل مقتدرا على االجتهاد يف مسألة أو مسائل بأعياهنا فقط من‬
‫مسائل الفقه‪ ،‬أو باب أو أبواب بأعياهنا فقط ‪-‬كباب البيوع أو الفرائض مثال‪ -‬إال أنه غري مقتدر‬
‫على االجتهاد يف مجيع مسائل الفقه وأبوابه‪ ،‬وهو املسمى حينئذ مبجتهد الباب أو املسألة وهو املقابل‬
‫للمجتهد املطلق الذي جيتهد يف مجيع األبواب واملسائل‪.‬‬

‫أو يقال‪ :‬أن حيصل للفقيه يف مسألة من مسائل الفقه أو يف باب من أبوابه ما هو من األدلة مناط‬
‫االجتهاد يف تلك املسألة أو يف ذلك الباب فقط دون غريه‪.‬‬

‫وعرفه الطويف بقوله‪":‬أن ينال العامل رتبة االجتهاد يف بعض األحكام دون بعض"‪) .‬شرح خمتصر‬
‫الروضة ‪ (3/586‬وهو تعريف للمجتهد اجملتزئ كما هو ظاهر‪ .‬ألن لفظة العامل عامة يندرج فيها‬
‫اجملتهد وغريه‪.‬‬

‫وعرفته الدكتورة نادية العمري بقوهلا‪" :‬هو أن جيتهد بعض اجملتهدين يف بعض األحكام دون بعض"‪.‬‬
‫)االجتهاد‪ ،‬هلا ص ‪(164‬‬

‫تحرير محل النزاع‪ :‬جعل بعض األصوليني اخلالف يف جتزؤ االجتهاد يف األبواب دون مسائل تلك‬
‫األبواب‪ ،‬أما االجتهاد يف املسألة واملسألتني فال يتجزأ قطعا‪ .‬قال ابن تيمية‪ ":‬فأما مسألة واحدة من‬
‫فن فيبعد االجتهاد فيها"‪) .‬جمموع الفتاوى ‪( 2/204‬والذي عليه أكثر األصوليني جريانه يف الباب‬
‫كما يف املسألة‪ .‬قال الزركشي‪ ":‬الظاهر جريان اخلالف يف الصورتني" )البحر احمليط ‪ 6/290‬انظر‬
‫االجتهاد ومدى حاجتنا إليه يف عصرنا ‪(.376-375‬‬

‫األقوال في المسألة‪ :‬اختالف األصوليون يف مسألة جواز جتزؤ االجتهاد على األقوال اآلتية‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ج??واز جتزئة االجته??اد مطلق?ًا‪ ،‬وه??و ق??ول مجه??ور األص??وليني من املذاهب األربع??ة‪ ،‬وق??ول‬
‫بعض املعتزلة وبعض الظاهرية وقول أكثر اإلباض??ية ومجل?ة من مت?أخري الش?يعة‪) .‬ش?رح الك?وكب املن?ري‬
‫‪ 4/473‬إرشاد الفحول ‪ 425‬األصول العامة للفقه املقارن تقي احلكيم ‪(583‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ع??دم ج?واز جتزئة االجته??اد مطلق?ًا‪.‬وه??ذا الق??ول منس?وب أليب حنيف??ة‪ ،‬واخت?اره الفن?اري‪،‬‬
‫ومالخس??رو من احلنفي??ة‪ ،‬وه??و املفه??وم من كالم الش??وكاين )إرش??اد الفح??ول ‪ (.426‬وه??و ق??ول بعض‬
‫املعاص ??رين كعب ??د الوه ??اب خالف )علم أص ??ول الفق ??ه ‪ 220‬وزكري ??ا ال ??ربي أص ??ول الفق ??ه اإلس ??المي‬
‫‪312‬وحممد تقي احلكيم من الشيعة‪.‬األصول العامة للفقه املقارن تقي احلكيم ‪(583‬‬
‫القول الثالث‪ :‬ج??وازه يف ب??اب الف??رائض دون غريه??ا‪.‬وه??ذا الق??ول منس??وب البن الص??باغ من الش??افعية‪،‬‬
‫وه?و مفه?وم كالم أيب اخلط?اب يف التمهي?د؛ حيث ق?ال‪":‬ف?إن ك?ان عاملًا ب?املواريث وأحكامه?ا دون بقي?ة‬
‫الفقه جاز له أن جيتهد فيها‪ ،‬ويفيت غريه هبا دون بقية األحكام؛ ألن املواريث ال تنبين على غريه??ا‪ ،‬وال‬
‫تس ? ??تنبط من س ? ??واها إال يف الن ? ??ادر‪ ،‬والن ? ??ادر ال يق ? ? ??دح اخلط ? ? ??أ في ? ??ه يف االجته ? ? ??اد"‪ ).‬ﺍﺠﻤﻟﻤﻭﻉ‪،‬ﺍﻟﻨﻭﻭﻱ‬
‫‪1/43‬إعالم املوقعني ‪(2/216‬‬
‫الق‪66‬ول الراب‪66‬ع‪ :‬جيوز التج??زؤ يف ب??اب ال مس??ألة‪.‬وه??ذا الق??ول حك??اه بعض األص??وليني ق??وًال يف املس??ألة‪،‬‬
‫ونقل عن اجلالل احمللي) شرح اجلالل احمللي على مجع اجلوامع‪(2/425‬‬
‫القول الخامس‪ :‬التوق??ف يف املس??ألة‪.‬وه??و ظ??اهر كالم ابن احلاجب‪ ).‬خمتص??ر املنتهى ‪ 3/290‬والتقري??ر‬
‫والتحبري ‪.(3/293‬‬
‫أدلة األقوال‬
‫استدل اجلمهور القائلون جبواز جتزئة االجتهاد مطلقا يف الباب وما دونه باألدلة التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعاىل‪َ":‬و ُقْل َر ِّب ِز ْد ِني ِع ْلمًا"وجه الداللة من اآلية‪ :‬أن هذا الدعاء مأمور ب?ه‪ ،‬وه?و‬
‫دعاء كل عامل حىت يلقى اهلل عز وجل‪ ،‬مهما بلغ يف العلم؛ فلو ك?ان النقص??ان يف العلم ببعض األب?واب‬
‫واملسائل مانعًا من االجتهاد يف غريها لكان االجتهاد ممنوعًا أبدًا‪ ،‬والعياذ باهلل تعاىل‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعاىل‪َ" :‬و ُقْر آنًا َفَر ْقَناُه ِلَتْق َر َأُه َعَلى الَّناِس َعَلى ُمْك ٍث َو َنَّز ْلَناُه َتْنِز يًال"‪.‬‬
‫وج?ه الدالل?ة من اآلي?ة‪ :‬أن اآلي?ة ت?دل على أن تعلم الق??رآن ال يك?ون مجل?ة واح?دة‪ ،‬وإمنا يك?ون باب?ًا بع??د‬
‫ب?اب‪ ،‬ومس?ألة بع??د مس?ألة‪ ،‬وال ريب أن ع??دم معرف?ة م??ا مل ي?نزل مل يكن مانع?ًا من االجته??اد فيم?ا ن?زل‪،‬‬
‫وكذلك يكون تعلم القرآن على مكث بعد نزوله كله‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وس?لم‪" :‬دع م??ا يريب?ك إىل م??ا ال يريب?ك"‪ .‬رواه الرتم??ذي والنس?ائي‪،‬‬
‫وق??ال الرتم??ذي‪ :‬ح??ديث حس??ن ص??حيح‪.‬ووج??ه الدالل??ة من احلديث أن ت??رك العلم احلاص??ل عن دلي??ل إىل‬
‫تقليد – وهو ليس بعلم حقيقة – خالف املعقول فال يلتفت إليه‪ ،‬والتقليد فيه ريب عند املقلد هل هو‬
‫مطابق أم ال؟ وما كان ناجتًا عن دليل فهو خال عن هذا الريب فيؤخذ به‪.‬‬
‫ال ??دليل الراب ??ع‪ :‬قول ??ه ص ??لى اهلل علي ??ه وس ??لم‪" :‬اس ??تفت قلب ??ك وإن أفت ??اك الن ??اس وأفت ??وك"‪ .‬رواه أمحد‬
‫وال ??دارمي بإس ??ناد حس ??ن‪.‬ووج ??ه الدالل ??ة من احلديث أن في ??ه أم ??رًا ب ??رتجيح اجته ??اده على ت ??رجيح غ ??ريه؛‬
‫حيث أمر باالستفتاء من نفسه‪.‬‬
‫ال ??دليل اخلامس‪ :‬أن ??ه ل ??و مل يتج ??زأ االجته ??اد ل ??زم علم اجملته ??د جبمي ??ع املآخ ??ذ‪ ،‬والعلم جبمي ??ع األحك ??ام‪،‬‬
‫والالزم منت ??ف‪ ،‬ألن كث ??ريًا من أئم ??ة الس ??لف من الص ??حابة وغ ??ريهم ك ??انوا ُيس ??ألون عن بعض مس ??ائل‬
‫األحك??ام؛ فيقول??ون‪ :‬ال ن??دري‪ ،‬واش??تهر توق??ف بعض??هم يف الفت??اوى كث??ريًا‪ ،‬وأن اإلم??ام مال??ك ق??ال‪ :‬ال‬
‫أدري‪ ،‬يف س ??ت وثالثني مس ??ألة من مثان وأربعني‪ ،‬وق ??د توق ??ف الش ??افعي وأمحد؛ فل ??و ك ??ان االجته ??اد‬
‫املطلق يف مجيع األحكام شرطًا يف االجتهاد يف كل مسألة على حدهتا‪ ،‬ملا كان هؤالء األئم??ة جمته??دين‪،‬‬
‫لكنه خالف اإلمجاع؛ فدل على أنه ال يشرتط العلم جبميع األحكام‪.‬‬
‫ن ??وقش ه ??ذا االس ??تدالل بأّن ا ال نس? ?ِّلم أن ت ??وقفهم‪ ،‬أو ق ??ول مال ??ك وغ ??ريه‪ :‬ال أدري‪ ،‬ك ??ان لع ??دم آل ??ة‬
‫االجتهاد فيما سئلوا عنه‪ ،‬وإمنا كان سبب ذلك تعارض األدلة عن?دهم أو لل?ورع‪ ،‬أو للعلم ب?أن الس?ائل‬
‫متعنت‪ ،‬وذل ??ك ال يق ??دح يف ك ??وهنم جمته ??دين؛ إذ ش ??أن اجملته ??د اجلواب ت ??ارة والتوق ??ف أخ ??رى حبس ??ب‬
‫ظهور الدليل وخفائه‪.‬‬
‫وأجيب عن هذه املناقشة من وجهني‪:‬‬
‫أح ? ??دمها‪ :‬أن توق ? ??ف الواح ? ??د منهم أو قول ? ??ه‪ :‬ال أدري أعم من أن يك ? ??ون ملا ُذك ? ??ر‪ ،‬ومحل? ??ه على بعض‬
‫االحتم?االت دون بعض ال دلي?ل علي?ه؛ ألن ه??ذه أم??ور خفي?ة ال تع??رف إال من جه??ة اجملته??د‪ ،‬ومل يوج?د‬
‫إخبار فيه‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن األصل عدم علم ذلك اجملتهد حبكم تلك املس?ألة؛ فيستص?حب في?ه احلال‪ ،‬وحيم?ل على‬
‫أنه إمنا وقف يف اجلواب لعدم علمه به؛ فمن ادعى خالف ذلك فعليه الدليل‪.‬‬
‫ال??دليل الس??ادس‪ :‬أن اجملته ??د يف بعض املس??ائل أو األب??واب يع ??رف حكمه ??ا عن دلي??ل منص ??وب من ِقب??ل‬
‫الشارع؛ فيحصل له معرفة حكم اهلل تعاىل؛ فيجب اتباعه‪ ،‬وال يسوغ تركه بقول أحد‪.‬‬
‫ال ??دليل الس ??ابع‪ :‬إذا اطل ??ع اجملته ??د يف مس ??ألة على أماراهتا فه ??و وغ ??ريه س ??واء؛ فكم ??ا أن ??ه يتمكن ه ??ذا من‬
‫استخراجها كذلك يتمكن ذلك؛ فيقبل قوله وحيرم التقليد‪ ،‬كما أنه يقبل قول هذا وحيرم التقليد‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬مبنع االستواء بينهما يف اس?تخراج تل?ك املس?ألة؛ فق?د يك?ون م?ا مل يعلم?ه متعلق?ًا هبا فال يتمكن‬
‫من استخراجها‬
‫وُر َّد ب ??أن اجملته ??د املطل ??ق أيض ?ًا غ ??ري ع ??امل ب ??اجلميع ض ??رورة فيج ??وز أن يك ??ون ملا ال يعلم ??ه تعل ??ق جبمي ??ع‬
‫املسائل؛ فال يصح اجتهاده‬
‫ال??دليل الث??امن‪ :‬أن الص??حابة رض??وان اهلل عليهم يف أس??فارهم ك??انوا جيته??دون يف املس??ائل م??ع أن الق??رآن‬
‫يتنزل بعدهم؛ فيقتضي ذلك أهنم جيتهدون ومل حييطوا بكل األدلة‪.‬‬
‫الدليل التاس?ع‪ :‬أن اجملته?د يف مس?ألة أو ب?اب يغلب على ظن?ه حص?ول مطلوب?ه باالجته?اد‪ ،‬فل?ه أن يعتم?د‬
‫علي??ه؛ ألن الظ??اهر إص??ابته‪ ،‬وأحك??ام الش??رع مبني??ة على الظ??واهر املس??تفادة من الظن??ون ألن الغ??الب فيه??ا‬
‫اإلصابة‪.‬‬

‫الدليل العاشر‪ :‬أن االجتهاد اجلزئي متحتم وخصوصًا يف حني ن?درة أو انع?دام اجملته?د املطل?ق‪ ،‬خصوص?ًا‬
‫يف ه??ذه األزمن??ة املت??أخرة ال??يت ك??ثرت فيه??ا املس??تجدات والن??وازل‪ ،‬وه??ذا ي??ؤدي إىل تعط??ل احلوادث عن‬
‫أحكام اهلل‪ ،‬وأخذ الناس فيها بأهوائهم‪.‬‬
‫دليل القول الثاني‪ :‬استدل القائلون بعدم جواز جتزئة االجتهاد مطلقًا بأن‪:‬‬
‫‪-‬األول‪ :‬أن ملكة االجتهاد بسيطة غري مركبة من أجزاء فال يتجزأ‪.‬‬
‫ورد‪ :‬بأن بساطة ملك?ة االجته?اد ال تن?ايف التج?زؤ‪ .‬فملك?ة اس?تنباط ه?ذه املس?ألة ف?رد من امللك?ة‪ ،‬وملك?ة‬
‫استنباط تلك املسألة األخرى فرد آخر فيها‪ ،‬وهذا ال ينايف جتزؤ االجتهاد‪.‬‬
‫‪-‬الث??اين‪ :‬أن ملك??ة االجته??اد يف حقيقته??ا إمنا حتص??ل باإلحاط??ة بك??ل عل??وم االجته??اد األساس??ية‪ .‬وتع??دم‬
‫امللكة بفقد ولو جزء واحد منها‪.‬‬
‫ورد‪ :‬س? ??لمنا أن امللك? ??ة ال تتج? ??زأ لكن ف? ??رض املس? ??ألة أن اجملته? ??د املتج? ??زئ متحق? ??ق بأهلي? ??ة االجته? ??اد‬
‫وشروطه وعلومه بتمامها‪ .‬فاملتجزئ يكفيه أن يعلم منها ما تعلق منها مبحل اجتهاده فحسب‪.‬‬
‫الث??الث‪ :‬ك??ل م??ا يف??رض أن يك??ون اجملته??د املقي??د ق??د جهل??ه جيوز تعلق??ه مبا يف??رض أن??ه جمته??د في??ه؛ لتعل??ق‬
‫مدارك تلك املسألة مبا جيهله‪ ،‬وذلك أن العل?وم والفن?ون واملس?ائل ميّد بعض??ها بعض?ًا‪ ،‬وي?ربهن يف بعض??ها‬
‫على بعض‪.‬‬
‫ورد ه??ذا االس??تدالل‪ :‬ب??أن الف??رض أن م??ا حيت??اج إلي??ه يف تل??ك املس??ألة كل??ه موج??ود يف ظن??ه‪ ،‬واالحتم??ال‬
‫الذي ذكرمتوه ال يقدح يف هذا الظن‪ ،‬وخاصة بعد حترير األئم??ة والعلم??اء م??دارك املس??ائل‪ .‬فظن اجملته??د‬
‫اجملتزئ أنه استجمع كل ما تعلق بأدلة املسألة يف ظنه ال حبسب الواقع‪.‬‬
‫الراب??ع‪ :‬ل??و ج??از جتزؤ االجته??اد لل??زم علي??ه أن يق??ال‪ :‬نص??ف جمته??د وثلث??ه وربع??ه‪ ،‬ومل يق??ل ب??ذلك أح??د‪،‬‬
‫وعليه فال جيوز جتزؤ االجتهاد‪.‬‬
‫ورد بأن ال يلزم أن يسمى اجملتهد يف بعض األحكام دون بعض نصف جمتهد وال حنو ذلك‪ ،‬بل يسمى‬
‫جمتهدا يف ذلك البعض‪ ،‬وهو جمتهد تام فيم?ا اجته?د في?ه‪ ،‬وإن ك?ان قاص?را ب?النظر إىل م?ا فوق?ه‪ .‬ق?ال ابن‬
‫القيم‪ :‬جزى اهلل من أعان اإلسالم ولو بشطر كلمة خريا") اإلعالم ‪.(4/217‬‬
‫دلي‪66‬ل الق ‪66‬ول الث‪66‬الث‪ :‬اس ??تدل الق ??ائلون جبواز جتزئة االجته ??اد يف الف ??رائض دون غريه ??ا ب ??أن الف ??رائض‬
‫أحكامه ??ا ال تنب ??ين على غريه ??ا‪ ،‬وال تس ??تنبط من س ??واها إال يف الن ??ادر‪ ،‬والن ??ادر ال يق ??دح اخلط ??أ في ??ه يف‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫دلي‪66‬ل الق‪66‬ول الراب‪66‬ع‪ :‬ق??د يس??تدل للق??ائلني جبواز جتزئة االجته??اد يف ب??اب ال يف مس??ألة ب??أن الق??درة على‬
‫االجتهاد ال تكون إال حبصول علوم تفيد معرفة املطلوب‪ ،‬ويبعد حتقق هذا يف مسألة واحدة‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن املسائل يف الباب الواحد يغلب ترابطها‪ ،‬وتعل??ق بعض??ها ببعض؛ ف??إذا مل يتمكن من اإلملام‬
‫بأدلة املسائل األخرى يف الباب مل يكن متمكنًا من االجتهاد‪.‬‬
‫والظ??اهر الق??ول ب??اجلواز مطلق??ا لق??وة أدلت??ه ق??ال ابن اهلم??ام‪ ":‬أال ت??رى أن من ص??رف عم??ره يف فن واح??د‬
‫أوس?ع إحاط??ة فيم?ا يتعل?ق بفن?ه‪...‬وس?عة اجملته??د املطل?ق حبص??ول م??واد أخ?رى ال دخ?ل هلا فيم?ا جيته??د في?ه‬
‫اجملته??د اخلاص‪ ،‬ألهنا ال ت??وجب التف??اوت فيم??ا حيت??اج إلي??ه اجملته??د اخلاص يف املس??ألة ال??يت جيته??د فيه??ا")‬
‫تيسري التحرير ‪ 4/184‬نقال عن االجتهاد د نادية العمري ‪.(173-172‬‬
‫إن جتزؤ االجتهاد يشبه ما عرفه عصرنا من أنواع التخصص الدقيق‪ ،‬وقد يكون أحدهم أستاذا‬
‫كبريا يرجع إليه‪ ،‬ويؤخذ برأيه يف اختصاصه‪ ،‬وهو شبه عامي يف اجملاالت األخرى‪ .‬إذ العلوم‬
‫واملعارف يزيد تعمقها وتوسعها والطلب من اجملتهد أن حييط جبميعها حمال‪ ،‬فيطلب منه اإلملام‬
‫واإلحاطة جبميع جوانب ختصصه‪ .‬مع عدم إغفال األهلية العلمية للفهم واالستنباط‪.‬‬

‫وعلى هذا يستطيع أستاذ االقتصاد املتمكن إذا درس ما يتعلق به يف الفقه اإلسالمي واملصادر‬
‫اإلسالمية ـ دراسة مستوعبة ـ أن جيتهد يف هذا الباب وحده ال يتعداه‪ .‬ومثل ذلك أستاذ القانون‬
‫اجلنائي‪ ،‬أو الدستوري‪ ،‬أو أستاذ علم االجتماع‪ ،‬كل يف اختصاصه‪.‬وهذا إمنا يتم بشرطني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن تكون لديه األهلية العلمية العامة للفهم واالستنباط‪ ،‬مبعىن أن عنده إملاما مناسبا مبثله‬
‫بالشروط اليت سبق ذكرها بالنسبة للمجتهد املطلق‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يدرس موضوعه أو مسألته دراسة مستوعبة‪ ،‬حبيث حييط هبا من مجيع جوانبها‪ ،‬حىت يتمكن‬
‫من االجتهاد فيها‪.‬‬

‫وال شك أن االجتهاد احلقيقي والكامل هو االجتهاد املطلق‪ ،‬واجملتهد املطلق هو القادر على النظرة‬
‫احمليطة املستوعبة اليت يعجز عنها اجملتهد اجلزئي‪ .‬ولكنا ال نرفض مثرات هذا النوع من االجتهاد‬
‫اجلزئي‪ ،‬مادام قد قام على أساس علمي ومنهجي مكني‪ ).‬االجتهاد القرضاوي ص ‪.(62-61‬‬

‫إن القول مبنع جتزئ االجتهاد يؤدي إىل احلرج الشديد‪ ،‬ألن اجملتهد املطلق الذي جيتهد يف مجيع‬
‫األبواب واملسائل يعز ويندر وجوده‪ .‬واملستجدات والنوازل كثرية جدا ال تكاد تنحصر وحتما منع‬
‫التجزي يف االجتهاد يؤدي إىل وصم الشريعة بالنقص ألهنا ال تساير املستجدات‪ .‬مث إن القول بتجزؤ‬
‫االجتهاد يضيق فجوة التقليد ويوسع دائرة االجتهاد‪ .‬وانطالقا من فكرة التخصص اليت تدعم القول‬
‫بالتجزئة تزداد احلاجة إىل االجتهاد اجلماعي الذي تتحد فيه جهود اجملتهدين اجلزئيني فيكون االجتهاد‬
‫أكثر ضبطا وأقرب إىل حتقيق املقصود منه‪.‬‬

‫فتجزأ االجتهاد قول ال غبار عليه‪ ،‬ألن ل?ه فوائد عظيم?ة منه?ا اإلحاط?ة التام?ة باملوض?وعات اجملته?د فيه?ا‬
‫واملسلمون مضطرون إليه يف كل عصر‪.‬‬

‫اجتهاُد النبي صلى اهلل عليه وسلم‬

‫هل النيب صلى اهلل عليه وسلم جيتهد كما جيتهد غريه من األئمة؟ وهل جيري على اجتهاده ما‬
‫جيري على اجتهاد غريه؟ ‪.‬‬

‫َأَمْجُعوا َعَلى َأَّنُه َك اَن ُجَيوُز ُهَلْم َأْن ْجَيَتِه ُد وا ِفيَم ا َيَتَعَّلُق َمِبَص اِلح الُّد ْنَيا َو َتْد ِبِري اُحْلُر وِب َو ْحَنِو َه ا (البحر‬
‫احمليط‪ 8/101‬األحكام ابن حزم ‪) 5/703‬‬

‫وأما اجتهاده يف األحكام الشرعية واألمور الدينية‪ ،‬فقد اختلفوا يف ذلك إىل ثالثة أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬ليس له ذلك لقدرته على النص بنزول الوحي‪ .‬وهو مشهور مذهب احلنفية فقالوا‪ :‬ال جيتهد‬
‫حىت خياف فوات احلادثة‪ ،‬ومل يسعفه الوحي‪ ،‬فإن مل ينزل الوحي كان ذلك داللة باإلذن باالجتهاد‪.‬‬
‫والفرتة الزمنية هي حىت ينقطع طمعه يف الوحي‪.‬‬

‫والثاين ‪ :‬الوقف عن القطع بشيء يف هذا‪ ،‬وهو اختيار الباقالين وأيب حامد الغزايل ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أنه جيوز له أن جيتهد يف األحكام الشرعية واألمور الدينية وإىل هذا ذهب مجهور أهل العلم‬
‫مالك والشافعي وأمحد وصاحيب أيب حنيفة‪ .‬جاء يف مجع اجلوامع وشرحه جلالل الدين احمللي‪":‬‬
‫والصحيح جواز االجتهاد للنيب – صلى اهلل عليه وسلم – ووقوعه‪ .2/386 ..‬مسلم الثبوت‬
‫‪2/261‬إرشاد الفحول‪.256-255‬‬

‫واحتجوا بأن اهلل سبحانه خاطب نبيه كما خاطب عباده‪ ،‬وضرب له األمثال‪ ،‬وأمره بالتدبر واالعتبار‬
‫وهو أجّل املتفكرين يف آيات اهلل وأعظم املعتربين هبا ‪ .‬وإذا جاز لغريه من األمة ممن هو أهل لذلك أن‬
‫جيتهد ‪ -‬باإلمجاع ‪ -‬مع كونه معرضًا للخطأ فألن جيوز ملن هو مؤيد بالوحي ومعصوم عن اخلطأ‬
‫أوىل‪.‬‬

‫وأما يف مسألة اخلطأ يف االجتهاد فيجوز اخلطأ على رسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف اجتهاده‬
‫إال أنه ال يقُّر عليه بل ينبه عليه ‪ .‬التبصرة للشريازي ص‪ 524‬اإلحكام لآلمدي‪ ،4/216‬تيسري التحرير‬
‫‪4/190‬‬

‫وإذا اجتهد النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حكم فإن كان صوابًا أقَّر عليه ‪ ،‬وإن كان خطأ مل يقَّر عليه‬
‫ونزل الوحي مبينًا ذلك ‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثرية منها اجتهاده صلى اهلل عليه وسلم يف أسارى بدر‬
‫وأخذه الفداء منهم ‪ ،‬فنزل قوله تعاىل‪َ" :‬م ا َك اَن ِلَنٍّيِب َأن َيُك وَن َلُه َأْس َر ى َح ىَّت ُيْثِخ َن يِف اَألْر ِض‬
‫ُتِر يُد وَن َعَر َض الُّد ْنَيا َو الّلُه ُيِر يُد اآلِخ َر َة َو الّلُه َعِز يٌز َح ِكيٌم" ‪67‬سورة األنفال‪.‬‬

‫وحنو اجتهاده صلى اهلل عليه وسلم يف إذنه للمنافقني يف التخلف عن عزوة تبوك ‪ ،‬فنزل قوله تعاىل‪:‬‬
‫"َعَف ا الّلُه َعنَك َمِل َأِذ نَت ُهَلْم َح ىَّت َيَتَبَنَّي َلَك اَّلِذ يَن َص َد ُقوْا َو َتْع َلَم اْلَك اِذ ِبَني " ‪ 43‬سورة التوبة‪ .‬فعاتبه‬
‫على ما وقع منه‪ ،‬ولو مل يكن عن اجتهاد‪ ،‬وكان ذلك بالوحي مل يعاتبه‪.‬‬
‫فاحلاصل أن النيب صلى اهلل عليه وسلم معصوم من اخلطأ يف تبليغ الرسالة‪ ،‬ولكنه جيتهد وهو غري‬
‫معصوم يف اجتهاده‪ ،‬فإذا أقَّر على اجتهاده فالواجب اتباعه وال جيوز العدول عنه‪ .‬وإذا كان غري ذلك‬
‫فيتدخل الوحي لتصويبه‪.‬‬

‫‪:‬التصويب والتخطئة‬

‫مسألة اإلصابة واخلطأ يف االجتهاد من املسائل ال?يت ط?َّو ل هبا أئم?ة األص?ول وبس?طوا فيه?ا اخلالف‪،‬‬
‫حىت اكتنفها الغموض‪ .‬ق?ال الشهرس?تاين‪" :‬واملس?ألة مش?كلة‪ ،‬والقض?ية معض?لة"‪ ،‬واش?تكى إم?ام احلرمني‬
‫اجلويين من وقوع الغلّو فيها‪ ،‬وض?جر اإلم?ام الش?وكاين من ط?ول البحث فيه?ا‪ .‬والتتب?ع ألط?راف املس?ألة‬
‫والغوص يف أعماقها‪ ،‬ينتهي بنا إىل أن‪ :‬الـ"خالف فيها نظري حمض"‪.‬كما قال الشيخ حممد اخلضري ‪.‬‬

‫معنى اإلصابة والخطأ في االجتهاد‪:‬‬

‫الصواب نقيض اخلطأ‪ ،‬واخلطأ ويف اللغة العربية معناه خمالفة القصد والعدول عنه إىل غريه وجماوزة ح??د‬
‫الص??واب‪.‬ويعِّر ف??ه الس??معاين‪:‬بأن??ه "م??ا أص??يب ب??ه املقص??ود حبكم الش??رع‪ ،‬ويق??ول الش??اطيب‪" :‬اإلص??ابة إمنا‬
‫هي مبوافقة قصد الشارع‪ ،‬وإن اخلطأ مبخالفته"‪.‬‬

‫من هم المصوبة ؟المصوبة هم القائلون‪ :‬إن ك?ل جمته??د مص??يب يف ف?روع الش?ريعة‪ ،‬وهم‪ :‬أب?و اهلذيل‬
‫العالف (ت‪335‬ه‪ ،)-‬وأب? ??و علي اجلب? ??ائي (ت‪303‬ه) ‪ ،‬وابن? ??ه أب? ??و هاش? ??م (ت‪321‬ه) وأتب? ??اعهم‬
‫املعتزل? ??ة‪ ،‬ومجه? ??ور املتكلمني ك? ??أيب احلس? ??ن األش? ??عري (ت‪324‬ه)‪ ،‬والقاض? ??ي أيب بك? ??ر الب? ??اقالين (ت‬
‫‪403‬ه)‪ .‬وه??ؤالء يقول??ون‪ :‬ليس هلل تع??اىل حكم واح??د معني يف املس??ألة االجتهادي??ة قب??ل االجته??اد‪ ،‬ب??ل‬
‫هو تابع لظن اجملتهد‪ ،‬فحكم اهلل يف حق كل جمتهد ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه‪.‬‬

‫وه??و ظ??اهر اختي??ار الغ??زايل يف املستص??فى‪ ،‬ق??ال‪" :‬واملخت??ار عن??دنا وه??و ال??ذي نقط??ع ب??ه وخنِّطئ املخ??الف‬
‫فيه‪ :‬أن كل جمتهد يف الظنيات مصيب‪ ،‬وأهنا ليست فيها حكم معني هلل تعاىل"‪.‬‬
‫وُينس? ??ب أب? ??و حنيف? ??ة ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وأص? ??حابه إىل املص? ??وبة‪ ،‬وحقيق? ??ة م? ??ذهبهم أن التص? ??ويب يف احلكم‬
‫باالجتهاد ال يف نفس األمر‪ ،‬كما نفهم ذلك من قول أيب حنيفة نفسه‪":‬كل جمتهد مصيب‪ ،‬واحلق عن?د‬
‫اهلل واحد"‪ ،‬ومعىن هذا أنه مصيب يف ح?ق عمل?ه‪ ،‬وإن ك?ان خمطئ?ا للح?ق عن?د اهلل‪ ،‬فعمل?ه يق?ع ص?حيحًا‬
‫شرعا كأنه أصاب احلق عند اهلل تعاىل‪.‬ويقول أبو احلسن الكرخي‪" :‬قال أصحابنا مجيعا‪ :‬إن كل جمتهد‬
‫مصيب ملا ُك ِّلف‪ ،‬واحلق عند اهلل يف واحد"‪.‬‬

‫وأم ‪66‬ا المخطئ ‪66‬ة فهم الق ‪66‬ائلون‪ :‬ليس ك? ?ّل جمته ??د مص ??يبا‪ ،‬ب ??ل ق ??د يص ??يب وق ??د خيطئ‪ ،‬وه ??و م ??ذهب‬
‫اجلم?اهري‪ :‬املالكي?ة والش?افعية واحلنابل?ة‪ ،‬واحلنفي?ة يف احلق من م?ذهبهم‪ ،‬وه?و م?ذهب ابن ح?زم الظ?اهري‬
‫خالفا لداود وأتباعه‪.‬‬

‫وهؤالء يقولون‪ :‬إن احلق من قول اجملتهدين يف الف?روع واح?د‪ ،‬وعلي?ه أم?ارات وعلى اجملته?د طلب?ه‪ ،‬ف?إن‬
‫أصابه فمص?يب م?أجور ب?أجرين‪ ،‬وإن أخط?أه فمع?ذور وم?أجور ب?أجر‪ ،‬إذا مل َيْق ُص ر ومل ُيَق ِّص ر‪ ،‬أي إذا‬
‫اكتملت له آالت االجتهاد‪ ،‬ومل ُيَق ِّص ر يف الطلب‪.‬‬

‫واحلق يف املس??ألة واض??ح‪ ،‬ق??ال ابن تيمي??ة‪" :‬ق??ول عام??ة الس??لف والفقه??اء‪ ،‬أن حكم اهلل واح??د‪ ،‬وأن من‬
‫خالفه باجتهاد سائغ خمطئ معذور مأجور"‪.‬‬

‫وقال الشوكاين‪" :‬فاحلق الذي ال شك فيه‪ ،‬وال شبهة أن احلق واحد وخمالفه خمطئ مأجور إذا كان ق??د‬
‫وىّف االجتهاد حّق ه ومل يقصر يف البحث بعد إحرازه ملا يكون به جمتهدا "‪.‬‬

‫تحرير محل النزاع في المسألة‪:‬‬

‫‪-‬اتفق العلماء على الواقعة اليت فيها نص ووجده اجملتهد ففرضه احلكم مبقتضى النص‪.‬‬

‫‪-‬كما اتفقوا على أنه إذا مل حيكم بالنص مع علمه به أنه آمث‪ ،‬قصر يف البحث أو مل يقصر‪.‬‬

‫‪-‬واختلف ? ??وا يف الواقع ? ??ة ال ? ??يت ليس عليه ? ??ا نص‪ ،‬أو عليه ? ??ا نص مل جيده اجملته ? ??د بع ? ??د املبالغ ? ??ة يف البحث‬
‫والتفتيش أو مل تظهر له داللته بعد الطلب والفكر والبحث التام‪.‬‬
‫أهم أدلة المصوبة‪:‬‬

‫َو اْح َتُّج وا َمِبا َذَك َر الَّلُه َتَعاىَل يِف ِقَّص ِة َداُو د َو ُس َلْيَم اَن َعَلْيِه َم ا الَّس اَل ُم يِف اَحْلْر ِث ‪ ،‬يِف َقْو له َتَعاىَل ‪" :‬‬
‫َو َد اُو وَد َو ُس َلْيَم اَن ِإْذ ْحَيُك َم اِن يِف اَحْلْر ِث ِإْذ َنَف َشْت ِفيِه َغَنُم اْلَق ْو ِم َو ُك َّنا ُحِلْك ِم ِه ْم َش اِهِد يَن َفَف َّه ْم َناَه ا‬
‫ُس َلْيَم اَن َو ُك اًّل َآَتْيَنا ُح ْك ًم ا َو ِعْلًم ا َو َس َّخ ْر َنا َمَع َد اُو وَد اِجْلَباَل ُيَس ِّبْح َن َو الَّطْيَر َو ُك َّنا َفاِعِلَني " ‪-78‬‬
‫‪79.‬سورة األنبياء‬

‫َو الَّد ِليُل َعَلى َأَّنُه َم ا ُمِص يَباِن ِمَج يًعا َقْو له َتَعاىَل ‪َ ":‬و ُك اًّل آَتْيَنا ُح ْك ًم ا َو ِعْلًم ا"‪َ .‬فَأْثىَن َعَلْيِه َم ا ِمَج يًعا‪،‬‬
‫َو َو َص َف ُه َم ا ِباْلِعْلِم َو اُحْلْك ِم ‪َ .‬و يِف َذِلَك َد ِليٌل َعَلى َأَّنُه َم ا ِمَج يًعا َك اَنا ُمِص يِبَني ُحِلْك ِم الَّلِه َتَعاىَل اَّلِذي َتَعَّبَد ا‬
‫ِبِه‪.‬‬

‫ومن الدليل قصة اختالف الصحابة يف أسرى بدر ‪ ،‬فإن أبا بكر ومن تابعه أشاروا بأخذ الفداء منهم‬
‫‪ ،‬وعمر ومن تابعه أشاروا بقتلهم ‪ ،‬فحكم النيب صلى اهلل عليه وسلم باألول ‪ ،‬ونزل القرآن بتفضيل‬
‫الرأي الثاين مع تقرير األول وهذا دليل على تصويب الرأيني ‪ ،‬وأن كًال من اجملتهدين مصيب ‪ ،‬ولو‬
‫كان الرأي األول خطأ ملا حكم به النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكيف وقد أخرب اهلل أنه عني حكمه‬
‫بقوله ‪َّ" :‬لْو َال ِكَتاٌب ِّم َن الّلِه َس َبَق َلَم َّس ُك ْم ِفيَم ا َأَخ ْذ ْمُت َعَذ اٌب َعِظ يٌم" ‪ 68‬سورة األنفال‪ .‬وطيب‬
‫الفادي بقوله تعاىل ‪َ" :‬فُك ُلوْا َّمِما َغِنْم ُتْم َح َالًال َطِّيًبا َو اَّتُقوْا الّلَه ِإَّن الّلَه َغُفوٌر َّر ِح يٌم"‪ 69‬سورة األنفال‪.‬‬
‫وإمنا وقع العتب على اختيار غري األفضل‪.‬‬

‫‪-‬حديث اْبِن ُعَمَر َقاَل ‪َ :‬قاَل الَّنُّىِب – صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬لَنا َلَّم ا َرَجَع ِم َن اَألْحَز اِب « َال ُيَص ِّلَّنَي‬
‫َأَح ٌد اْلَعْص َر ِإَّال ىِف َبىِن ُقَر ْيَظَة » ‪َ .‬فَأْد َر َك َبْعُضُه ُم اْلَعْص َر ىِف الَّطِر يِق َفَق اَل َبْع ُضُه ْم َال ُنَص ِّلى َح ىَّت‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫َنْأِتَيَه ا ‪َ ،‬و َقاَل َبْع ُضُه ْم َبْل ُنَص ِّلى ْمَل ُيَر ْد ِم َّنا َذ َك ‪َ .‬فُذ ِكَر لَّنِّىِب – صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬فَلْم ُيَعِّنْف‬
‫َو اِح ًد ا ِم نُه ْم "‪ .‬صحيح البخاري‪ .‬فقد انقسم الصحابة إىل قسمني يف فهم هذا احلديث – وهم الذين‬
‫عاصروا التنزيل‪ -‬وكالمها عمل باجتهاده ‪ ،‬فقسم صالها قبل مغيب الشمس استنادا لفحوى‬
‫النص ‪ ،‬والقسم اآلخر صالمها بعد وصوله لبين قريظة ‪ ،‬بعد مغيب الشمس استنادا لظاهر النص‪ ،‬وملا‬
‫ذكر ذلك للنيب صلى اهلل عليه وسلم ْمَل ُيَعِّنْف َو اِح ًد ا ِم ْنُه ْم ‪ ،‬أي أَن كال منهما كان اجتهاده‬
‫صحيحًا ‪ ،‬وصوابًا ‪،‬بدليل أنه مل ينكر على أي الفريقني ‪.‬‬
‫ورد بأن فيه عدم التعنيف على من اجتهد وبذل وسعه قال احلافظ يف الفتح‪ ":‬االستدالل هبذه القصة‬
‫على أن كل جمتهد مصيب على اإلطالق ليس بواضح‪ ،‬وإمنا فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد‬
‫فيستفاد منه عدم تأثيمه‪...‬فلو كان هناك إمث لعنف من أمت‪".‬‬

‫‪-‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ِ":‬إَمَّنا َم َثُل َأْص َح ايِب َك َم َثِل الُّنُج وِم " َأْو " َأْص َح ايِب َك الُّنُج وِم َفَأُّيَه ا اْقَتَد َو ا‬
‫اْه َتَد ْو ا "‪َ.‬قْد َرَو ى َعِن اْبِن ُعَمَر مروفوعا‪ِ ":‬إَمَّنا َأْص َح ايِب ِم ْثُل الُّنُج وِم َفِبَأِّيِه ْم َأَخ ْذ ْمُت ِبَق ْو ِلِه اْه َتَد ْيُتْم "‪.‬‬
‫لكن رد بأن هذا ال يصح " َقاَل َأُبو ُعَم ر‪َ َ:‬و َه َذ ا ِإْس َناٌد اَل َيِص ُّح ‪.‬‬

‫أهم أدلة المخطئة‪:‬‬

‫‪-‬استدلوا بقصة داوود وسليمان وحمل الشاهد يف قوله تعاىل‪َ ":‬فَف َّه ْم َناَه ا ُس َلْيَم اَن " فتخصيص سليمان‬
‫بفهم احلق يف الواقعة‪ ،‬ولو كان الكل مصيبا ملا كان لتخصيصه بالفهم فائدة‪.‬‬

‫‪-‬قوله تعاىل‪":‬وإذا جاءهم أمر من األمن أو اخلوف أذاعوا به ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر‬
‫منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" فليس كل مستنبط مصيب‪ ،‬وال يتصف باإلصابة إال قليل من‬
‫املستنبطني أصحاب البصرية النافذة والنظرة الثاقبة من اجملتهدين املستنبطني‪.‬‬

‫‪-‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ِ ":‬إَذا َح َك َم اَحْلاِكُم َفاْج َتَه َد َّمُث َأَص اَب َفَلُه َأْج َر اِن ‪َ ،‬و ِإَذا َح َك َم َفاْج َتَه َد َّمُث‬
‫َأْخ َطَأ َفَلُه َأْج ٌر متفق عليه‪ .‬فقسم النيب صلى اهلل عليه وسلم اجملتهدين إىل مصيب له أجران‪ ،‬وخمطئ له‬
‫أجر‪ ،‬فُعلم بذلك أن احلَّق عند اهلل واحد‪ ،‬غري متعدد‪ ،‬وأن املصيب من اجملتهدين واحد‪ ،‬وليس كل‬
‫جمتهد مصيًبا‪ .‬قال الشوكاين يف إرشاد الفحول‪":‬واسم اخلطأ ال يستلزم كونه مصيبا واسم اخلطأ عليه‬
‫ال يستلزم أن ال يكون له أجر"‪.‬‬

‫‪-‬حديث"‪ :‬القضاة ثالثة‪ :‬اثنان يف النار وواح?د يف اجلن?ة‪".....‬رواه مس?لم فل?و ك?ان ك?ل جمته?د مص?يب‬
‫ملا كان هلذا التقسيم معىن‪.‬‬

‫‪ "-‬وإذا حاص??رت أه??ل حص??ن ف??أرادوك أن ت??نزهلم على حكم اهلل‪ ،‬فال ت??نزهلم على حكم اهلل‪ ،‬فإن??ك ال‬
‫ت ? ??دري أتص ? ??يبك حكم اهلل فيهم أم ال" رواه مس ? ??لم‪.‬ففي احلديث دالل ? ??ة واض ? ??حة على أن اجملته? ??د ق? ??د‬
‫يصيب حكم اهلل‪ ،‬وقد خيطؤه‪ .‬واألحاديث يف هذا كثرية‬
‫إن األدلة اليت استدل هبا املخطئة هي من القوة والوضوح حبيث ال ميكن دفعها‪ .‬السيما مع تنوعها‬
‫وتعاضدها‪ ،‬حبيث تفيد باجتماعها ما يشبه القطع بأن اجملتهدين خمطئ ومصيب‪ ،‬وال ينفع التكلف يف‬
‫دفعها وإن حاوله البعض؛ وإذا كان احلق يف املسألة واضح‪ ،‬بيد أن التأمل العميق يف النقاش األصويل‬
‫الطويل يفضي إىل مجلة من القواعد والفوائد واملقاصد‪.‬‬

‫استثمار الخالف األصولي في مسألة اإلصابة والخطأ‬

‫من املس??تبعد ج??دا أن تغيب أدل??ة املخطئ??ة عن علم املص??وبة‪ ،‬وعلي??ه يتحتم أن ن??ؤول م??ذهبهم‪ ،‬وال جنري??ه‬
‫على ظاهره‪ .‬وقد أشار إىل هذا مجلة من األئمة منهم‪:‬‬

‫أ ‪ -‬اإلم ??ام ابن تيمي ??ة ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن اجملته ??د وإن أخط ??أ فه ??و مص ??يب حبس ??ب الظ ??اهر‪ ،‬فق ??ال‪" :‬اجملته ??د‬
‫املخطئ مص ??يب يف الظ ??اهر ملا ُأم ??ر ب ??ه‪ ،‬وه ??و مطي ??ع يف ذل ??ك من جه ??ة الش ??رع‪ ،‬وق ??د يك ??ون من جه ??ة‬
‫الكون"‪.‬‬

‫وه? ??ذا عني م? ??ا رآه احملقق? ??ون من احلنفي? ??ة‪ ،‬حني ق? ??الوا‪" :‬اجملته? ??د يف حكم احلادث? ??ة مطي? ??ع هلل تع? ??اىل يف‬
‫اجتهاده‪ ،‬مصيب حلكمه مع خطئه‪ ،‬مأجور على فعله"‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإلم ??ام أب ??و إس ??حاق الش ??اطيب ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬إذ رأى أن اإلص ??ابة عن ??د املص ??وبة إض ??افية ال حقيقي ??ة‪،‬‬
‫فق ??ال‪" :‬وإن قي ??ل‪ :‬إن الك? ?ّل مص ??يبون فليس على اإلطالق‪ ،‬ب ??ل بالنس ??بة إىل ك ??ل جمته ??د أو من قل ??ده‪،‬‬
‫التف ??اقهم على أن ك ??ل جمته ??د ال جيوز ل ??ه الرج ??وع عم ??ا أداه إلي ??ه اجته ??اده‪ ،‬وال الفت ??وى إال ب ??ه‪ ،‬ألن‬
‫اإلصابة عندهم إضافية ال حقيقة"‪ .‬فاجملتهد مصيب من حيث إطاعة اهلل تعاىل يف االجتهاد الذي تعبدنا‬
‫به‪ ،‬واهلل عز وجل تعبدنا بالظ?اهر‪ ،‬ومل يكلفن?ا إص?ابة احلق ال?ذي عن?ده‪ ،‬فل?و أخط?أه اجملته?د فه?و مع?ذور‬
‫بل مأجور‪.‬‬

‫ج‪ -‬ق ??ال الش ??وكاين رمحه اهلل يف القائل بالتص ??ويب‪" :‬إمنا ق ??ال إن اجملته ??د مص ??يب مبع ??ىن أن ??ه ال ي ??أمث‬
‫باخلطأ؛ بل يؤجر على اخلطأ بعد توفي?ة االجته?اد حق?ه‪ ،‬ومل يق?ل إن?ه مص?يب للح?ق ال?ذي ه?و حكم اهلل‬
‫يف املس??ألة‪ ،‬ف??إن ه??ذا خالف م??ا نط??ق ب??ه رس??ول اهلل ‪ -‬ص??لى اهلل علي??ه وس??لم ‪ ،-‬وه??و يقص??د ح??ديث‬
‫عم??رو بن الع??اص «إذا اجته??د احلاكم فأص??اب فل??ه أج??ران‪ ،‬وإذا اجته??د فأخط??أ فل??ه أج??ر» ق??ال اإلم??ام‬
‫الشوكاين‪" :‬فمن زعم أن مراد القائل بتصويب المجتهد من اإلصابة للحق مطلقا فقد غلط عليهم‬
‫غلط ‪66‬ا بِّيًن ا ونس ‪66‬ب إليهم م ‪66‬ا هم من ‪66‬ه ب ‪66‬رآء"‪ .‬ق ??ال‪" :‬وهلذا أوض ??ح مجاع ??ة من احملققني م ??راد الق ??ائلني‬
‫بتص??ويب اجملته??دين ب??أن مقص??ودهم أهنم مصيبون من الصواب ال‪6‬ذي ال ين‪6‬افي الخط‪6‬أ ال من اإلص‪6‬ابة‬
‫التي هي مقابلة للخطأ‪ ،‬ف??إن تس??مية املخطئ مص??يبا هي باعتب??ار قي??ام النص على أن??ه م??أجور يف خطئ??ه‪،‬‬
‫ال باعتب??ار أن??ه مل خيطئ‪ ،‬فه??ذا ال يق??ول ب??ه ع??امل‪ ،‬ومن مل يفهم ه??ذا املع??ىن فعلي??ه أن يتهم نفس??ه‪ ،‬وحيي??ل‬
‫الذنب على قصوره‪ ،‬ويقبل ما أوضحه له من هو أعرف منه بفهم كالم العلماء"‪.‬‬

‫فالعلماء يف مسألة التصويب والتخطئة يف االجتهاد ىنظروا إليها من زاويتني‪:‬‬

‫األولى‪ :‬زاوي ??ة كلي ??ة أص ??ولية‪ ،‬ف ??رأوا أن اجملته ??د متعب ??د باالجته ??اد م ??أمور بالعم ??ل مبا وص ??ل إلي ??ه برأي ??ه‬
‫االجته ??ادي يف نفس??ه‪ ،‬ومكل??ف ب??أن يف ??يت ب??ه ع ??وام املقل??دة‪ ،‬ف??إذا وىَّف االجته ??اد حق ??ه ومل يقص ??ر‪ ،‬ك??ان‬
‫مؤدي?ا م?ا علي?ه آتي?ا مبا كل?ف ب?ه ش?رعا‪ ،‬فه?و إىل ه?ذا احلد مص?يب مل خيطئ‪ ،‬الس?تحالة أن يك?ون خمطئ?ا‬
‫بعد أن أدى ما كلف به‪ ،‬وهذا القدر من املسألة ألصق بأصول الفقه وقواعده‪.‬‬

‫ومن هذه الزاوية نظر أب?و بك?ر اجلص?اص فق?ال‪ " :‬ف?إذا ثبت أن لك?ل واح?د من اجملته?دين إمض?اء احلكم‬
‫مبا أداه إلي??ه اجته??اده‪ ،‬وإذا ك??ان م??أمورًا ب??ذلك فغ??ري ج??ائز أن يك??ون م??أمورا ب??ه وه??و غ??ري مص??يب حلكم‬
‫اهلل تع ??اىل‪ ،‬ألن حكم اهلل تع ??اىل ه ??و م ??ا أم ??ر ب ??ه‪ ،‬ف ??واجب (أن يك ??ون ك ??ل واح ??د) من اجملته ??دين على‬
‫اختالفهم مصيبا حلكم اهلل الذي كلفه من جهة اجتهاده‪ ،‬الستحالة أن يكون فاعال ملا أمر به خمطئًا فيه‬
‫بعينه‪ ،‬فيثبت بذلك أن احلق يف مجيع أقاويل املختلفني‪ ،‬وأن كل جمتهد يف ذلك مصيب"‪.‬‬

‫وأما الثانية ‪ :‬فهي زاوية جزئية فرعية‪ ،‬األمر على أحد احتمالني ال ثالث هلم?ا‪ :‬إم?ا أن يص?يب الب?احث‬
‫احلكم ال??ذي عن??د اهلل تع??اىل فيك??ون مص??يبًا م??رتني‪ :‬م??رة بس??ريه على منهج االجته??اد يف جانب??ه األص??ويل‪،‬‬
‫ومرة بوقوعه على احلق يف حكم احلادثة ال?ذي ه?و واح?د عن?د اهلل ع?ز وج?ل‪ ،‬في?ؤتى أج?ره م?رتني‪ .‬وإم?ا‬
‫أن خيطئ احلكَم ال ??ذي عن ??د اهلل فيك ??ون مص ??يبا م ??رة واح ??دة لص ??دوره عن اجته ??اد ص ??حيح يف جانب ??ه‬
‫األصويل املنهجي‪ ،‬فيكون مأجورًا أجرًا واحدًا‪.‬‬
‫فه??ذه الت??أويالت توف??ق بني ال??رأيني‪ ،‬وجتع??ل اخلطب يس??ريا‪ ،‬ق??ال ابن تيمي??ة رمحه اهلل‪" :‬ف??إذا أري??د باخلط??أ‬
‫اإلمث فليس اجملتهد مبخطئ‪ ،‬ب?ل ك?ل جمته?د مص?يب‪ ،‬مطي?ع هلل‪ ،‬فاع?ل م?ا أم?ره اهلل ب?ه‪ ،‬وإذا أري?د ب?ه ع?دم‬
‫العلم باحلق يف نفس األمر‪ ،‬فاملصيب واحد وله أجران"‪.‬‬

‫ف??اخلالف آي??ل إىل لف??ظ‪ ،‬إذ ال يس??تجيز مس??لم ت??أثيم جمته??د‪ ،‬وإذا ارتف??ع الت??أثيم وحص??ل االتف??اق على أن‬
‫كال يعمل بغلبة ظنه مل يبق للخالف أثر‪.‬‬

‫ينطلق المص‪6‬وبة في ق‪6‬ولهم‪ :‬ك‪6‬ل مجته‪6‬د مص‪6‬يب من منطل‪6‬ق أن االجته??اد ب??الرأي ح??ق ش??ائع مش??رتك‬
‫بني أهل??ه‪ ،‬وه??و واجب يف حقهم‪ .‬وإذا ك??ان االجته??اد حق??ا لك??ل ذي أهلي??ة‪ ،‬ف??إن احلكم بالت??أثيم على‬
‫ص ??احب ال ??رأي االجته ??ادي ال يك ??ون س ??ائغا أب ??دًا‪ .‬فيجب رد ك ??ل رأي ج ??انح إىل الغل? ?ّو أو التقص ??ري‪،‬‬
‫ك ??الرأي ال ??ذي ي ??زعم القط ??ع ب ??أن املص ??يب واح ??د‪ ،‬وه ??و معني‪ ،‬وأن من أخط ??أ احلق املعني فه ??و م ??أثوم‬
‫م? ??أزور‪ ،‬وهي دع? ??وى بش? ??ر املريس? ??ي وابن علي? ??ة‪ ،‬واألص? ??م‪ ،‬وتنس? ??ب يف بعض املص? ??ادر إىل الظاهري? ??ة‬
‫واإلمامية‪.‬‬

‫فاملص ?ِّو بة يقرن ??ون بني التص ??ويب ونفي الت ??أثيم كم ??ا يف كالم الغ ??زايل رمحه اهلل‪" :‬واإلمث ينتفي عن ك ??ل‬
‫من مجع صفات اجملته?دين إذا مت االجته?اد يف حمل?ه‪ ،‬فك?ل اجته?اد ت?ام إذا ص?در من أهل?ه وص?ادف حمل?ه‪،‬‬
‫فثمرته حق وصواب واإلمث عن اجملته??د منفي"‪ ،‬وكم?ا يف مس?لم الثب?وت وش?رحه ف?واتح الرمحوت "وأم??ا‬
‫الظنيات فال إمث على املخطئ فيها‪ ،‬وال ُيعبأ بتأثيم بشر واألصم‪ ،‬زعم?ا منهم?ا أّن ك?َّل حكم علي?ه دلي?ل‬
‫قطعي البتة"‪.‬‬

‫ف ??القول بالتص ??ويب ك ??ان منطلق ??ه ردة فع ??ل على تل ??ك ال ??دعوى الغالي ??ة‪ ،‬ال ??يت تض ??يق من حري ??ة الفقي ??ه‬
‫وتقبض??ه عن التوس??ع يف البحث االجته??ادي‪ ،‬وتض??ع على فك??ره قي??ودًا من التح??رج والتخ??وف من اإلمث‪،‬‬
‫مما ينجر عنه تعطيل االجتهاد أو إضعاف حركته‪ .‬أما مقاصد المصوبة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬نفي اإلمث واحلرج يف مسائل الفروع‪ ،‬قال اإلمام اجلويين ‪ ،‬قال‪" :‬وصار كاف?ة العلم?اء إىل نفي اإلمث‬
‫واحلرج يف مسائل الفروع"‪ .‬ورفع احلرج املقصود هنا يش?مل اجملته??د والع??امي على الس?واء‪ ،‬فحني يعلم‬
‫اجملته??د أن ب??اب النظ??ر مفت??وح‪ ،‬وأن احلرج مرف??وع‪ ،‬فإن??ه يدخل??ه ج?اًّدا‪ ،‬س??اعيا إىل األج??رين أو أح??دمها‪،‬‬
‫غ ??ري متهيب وال وج ??ل‪ ،‬وحني يعلم الع ??امي املس ??تفيت أن اإلص ??ابة ليس ??ت مقص ??ورة على بعض العلم ??اء‬
‫دون بعض‪ ،‬فإنه يطمئن إىل من هتيأ له من املفتني‪ ،‬ويرتاح إىل فتواه وتوجيهه‪.‬‬

‫ب‪ -‬ومن غرض??هم التوس??عة على الفقه??اء يف االجته??اد ب??الرأي وتش??جيعه احملاوالت االجتهادي??ة‪ .‬وأمثل??ة‬
‫ذلك كث?رية‪ ،‬منه?ا ح?ديث أيب س?عيد اخلدري ‪ -‬رض?ي اهلل عن?ه ‪ -‬يق?ول‪ُ( :‬ك َّنا َنْغ ُز و َم َع َرُس وِل الَّلِه ‪-‬‬
‫ِط‬ ‫ِط ِر‬ ‫ِئ‬ ‫ِجَي‬ ‫ِط‬ ‫ِئ ِم‬ ‫ِم‬ ‫يِف‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬رَم َض اَن َف َّنا الَّص ا ُم َو َّنا اْلُم ْف ُر َفاَل ُد الَّص ا ُم َعَلى اْلُم ْف َو اَل اْلُم ْف ُر‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫َعَلى الَّص اِئِم َيَر ْو َن َأَّن َمْن َو َج َد ُقَّوًة َفَص اَم َفِإَّن َذ َك َح َس ٌن َو َيَر ْو َن َأَّن َمْن َو َج َد َض ْع ًف ا َفَأْفَطَر َفِإَّن َذ َك‬
‫َح َس ٌن )‪ .‬فانظر إىل مساحتهم لدى االختالف‪ ،‬وسعة أفقهم يف االجتهاد‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن احلكم بص??واب ال??رأي االجته??ادي ال حيت??اج إىل القطعي??ة ال??يت زعمه??ا بش??ر املريس??ي ومن مع??ه‪،‬‬
‫«ألن اخلل??ق م ??ا ُك ِّلف ??وا الص ??واب عن??د اهلل‪ ،‬ب??ل ُك ِّلف ??وا م ??ا يظنون??ه ص ??وابًا‪ ،‬وهك??ذا ف??القطع بالص ??واب ال‬
‫ُيَك َّلُف ه اجملتهد وال العام ‪ ،‬فلم يبق ملعتقد الصواب يف رأي واحد دون سائر اآلراء إال وصف التعُّص ِب‬
‫ّي‬
‫ذي الهوى‪.‬‬

‫‪ -‬رأي المخطئة أعدل وأضبط‪ :‬رأي املخطئة هو احلق الصواب‪ ،‬والذي ت?دل علي?ه أح?اديث الرس?ول‬
‫‪ -‬ص??لى اهلل علي??ه وس??لم ‪ -‬فليس ك??ل جمته??د مص??يبًا للح??ق ال??ذي عن??د اهلل؛ ب??ل ق??د يص??يب وق??د خيطئ‪،‬‬
‫وهلل عز وجل حكم معني‪ ،‬وعليه دليل ظين‪ ،‬واجملتهد مأمور بتحري?ه وطلب?ه بغ?الب ظن?ه‪ ،‬ف?إن أص?ابه فل?ه‬
‫أج??ر اإلص??ابة م??ع أج??ر البحث‪ ،‬وإن أخط??أه فل??ه أج??ر م??ا ب??ذل من جه??د يف حبث??ه‪ ،‬وهبذا التحدي??د يك??ون‬
‫رأي اجلمهور هو أعدل األقوال‪.‬‬

‫أم??ا م??ذهب املخطئ??ة فمنطلقهم حتري الص??واب وب??ذل واس??تفراغ الوس??ع إلص??ابة احلق‪ ،‬وإن مل يقطع??وا‬
‫ب ??ه‪ ،‬ق ??ال إلم ??ام مال ??ك ‪ -‬رض ??ي اهلل عن ??ه ‪ -‬ملا س ??ئل عن اختالف الص ??حابة ‪-‬رض ??ي اهلل عنهم‪ -‬حيث‬
‫ق ??ال‪":‬خمطئ ومص ??يب فعلي ??ك باالجته ??اد"‪ .‬فجمي ??ع اجملته ??دين "َحُمِّو م ??ون على قص ??د الش ??ارع" كم ??ا ق ??ال‬
‫الشاطيب‪ ،‬وكل واحد منهم جيب عليه اتب?اع م?ا غلب على ظن?ه بع?د ب?ذل وس?عه‪ ،‬ومقتض?ى ذل?ك أن ل?ه‬
‫احلق يف االس ??تقالل ب ??الرأي االجته ??ادي؛ ب ??ل إن ل ??ه احلق يف الع ??ذر على اخلط ??أ؛ ب ??ل إن النص الش ??رعي‬
‫يكفل له األجر الواحد مع اخلطأ‪ ،‬ويف هذا ما فيه من التشجيع على االجتهاد‪.‬‬
‫ف‬

You might also like