Professional Documents
Culture Documents
مقالات حول الدبلوماسية الدينية المغربية
مقالات حول الدبلوماسية الدينية المغربية
1
إمارة المؤمنين واستراتيجية األمن الروحي بالمغرب
تمهيد
ينعم بلدنا المغرب والحمد هلل .بنعم كثيرة ولعل أبرزها :نعمة األمن بمفهومه القومي
الشامل ،ومن فروعه الكبرى ما يصطلح عليه في علم االجتماع الديني باألمن الروحي ومداره
على حفظ الدين في إطار السيادة الوطنية ،والذي يجيل النظر في السياق التاريخي والسياسي
للبلد يستنتج بشكل واضح أن المؤسسة إمارة المؤمنين الحظ األوفر في استثمار مقومات
المجتمع المغربي لتحقيق األمن الروحي للمغاربة ،وفي هذا السياق وبناء على تلك المقومات
وضع أمير المؤمنين جاللة الملك محمد السادس نصره للا استراتيجية واضحة األهداف،
وقائمة األركان ،ويانعة الثمار ،وقد أعلن عنها سنة 2004م عبر خطاب تاريخي مؤسس،
وأتبعها بإجراءات إصالحية عميقة منها المؤسسية ،ومنها التشريعية ،ومنها التأطيرية ،كل
ذلك توخيا لحماية األمن الروحي للمغاربة.
ولم تمر بضع سنوات حتى أخذت تلك اإلصالحات مجراها التنفيذي ،وأتت أكلها
وأنتجت االستراتيجية نتائجها األولية ،فترسخ النموذج المغربي المتسامح في التدين ،ونال
إعجاب العالم المتحضر ،حتى سارعت العديد من الدول راغبة في االقتداء به ،طالبة تجربة
المغرب في تنظيم الشأن الديني بما يحقق األمن الروحي للمجتمع .ونظرا ألهمية هذه
االستراتيجية المولوية الناجحة ارتأيت أن أتطرق إليها من جهة مقوماتها وأهدافها وأركانها
وبعض انعكاساتها اإليجابية وذلك وفق العناصر اآلتية:
مفهوم األمن الروحي •
مقومات استراتيجية األمن الروحي ومركزية إمارة المؤمنين في استثمارها •
أهداف استراتيجية األمن الروحي •
األركان الثالثة الستراتيجية األمن الروحي بالمغرب •
االنعكاسات اإليجابية لالستراتيجية •
2
أوال مفهوم األمن الروحي
نشأ وتطور مفهوم األمن الروحي في مقابل أنواع األمن األخرى كاألمن الغذائي
واالقتصادي واالجتماعي والسياسي والقومي ..بناء على أن األصل في اإلنسان ليس فقط
الجانب المادي ولكن لديه حاجيات روحية ،أصبحت من حقوقه األساسية ،وكان هذا المعنى
موجودا في الديانات السماوية ،وتطور إلى أن ظهر المصطلح" :األمن الروحي" ولعل من
أوائل المؤلفين بهذا العنوان الكاتب ويسنر فاالو ،Wesner Fallawفي كتابه" :نحو األمن
الروحي" ،1 Toward spiritual securityوكان التركيز فيه على المنهج المسيحي في
التقرب إلى للا.
أما في الدين اإلسالمي فيمكن تنزيل مفهوم األمن الروحي على المعنى الذي قصده
أهل المقاصد من عبارتهم المشهورة" :حفظ الدين" 2أي ضمان حق التدين للناس وذلك بتوفير
الشروط إلقامة األركان من صالة وصيام وحج وزكاة...
فمن هنا يمكن تحديد مفهوم األمن الروحي تعلقه بالفرد بأنه ضمان الحق في التعبد
والتدين للفرد وحمايته من أي اضطهاد في حريته الدينية.
ولكن عندما يتعلق األمر بالدولة والمجتمع يأخذ األمن الروحي بعدا أوسع ،أي حماية
الدولة لحقوق المواطنين في التدين والتعبد في إطار األمن القومي والسيادة الوطنية ،3إذ ال
يمكن فصل الحفاظ على تدين األفراد عن الحفاظ على استقرار الدولة واستمراريتها ،فال يمكن
تصور ضمان حقوق األفراد الدينية خارج سيادة الدولة ومؤسساتها ،فخارجها ال يوجد إال
الفوضى والعنف والتفرق ..وهذا على خالف المقاصد الشرعية الداعية إلى الوحدة والنظام
واالنضباط.
ثانيا :مقومات استراتيجية األمن الروحي ومركزية إمارة المؤمنين في استثماره
إذا تقررت قاعدة حفظ الدين في إطار األمن القومي والسيادة الوطنية ،فإن استراتيجية
إمارة المؤمنين اتجهت في ذلك الحفظ إلى بناء النموذج الديني المغربي على مقومات تاريخية
وجغرافية وثقافية ودينية...
1
Wesner Fallaw. Toward spiritual security. Westminister Press, 1952.
2الموافقات في أصول الشريعة ،أبو إسحاق الشاطبي ،تحقيق عبد هللا دراز ،دار الفكر العربي ،ط .د .ت .
المكتبة التجارية الكبرى8/2:
3
une décennie de réformes au Maroc (1999-2009). Sous la direction du Centre
d'études Internationales, Editions KARTHALA. Paris. p 124.
3
أ -المقوم التاريخي لألمن الروحي بالمغرب
تفرد المغرب تاريخيا .منذ دخول اإلسالم إليه .بدولة مستقلة تأسست على يد المولى
إدريس األول واستمرت على مدى أزيد من اثني عشر قرنا إلى يومنا هذا ،أدامها للا وحفظها،
والذي يجيل النظر في تاريخها وتعاقب الدول عليها يجد أن لها ثوابت ال تتزحزح عنها ،وهي
سر استقاللها واستمراريتها ،ومن أكبر هذه الثوابت مؤسسة إمارة المؤمنين القائمة على البيعة
وتمسك الشعب المغربي بالسلطان أمير المؤمنين ،والذي يعتبر في الثقافة المغربية الموحد
لألمة ورمز سيادتها وقوتها ،ويسمى باألمازيغية "أكليد" أو "أجليد" ،أي صاحب القوة
والسلطان والسمو... 1
لم يتأت لألمة المغربية عبر تاريخها أن تتوحد وتتحضر وتتقدم خارج إطار مؤسسة
إمارة المؤمنين ،حتى أصبح األمر قاعدة مطردة تاريخيا وسياسيا ،يدل عليه من الناحية
التاريخية كون جميع فترات االستقرار والقوة والمنعة كانت إمارة المؤمنين هي صاحبة
المبادرة فيها ،حتى أن المغرب عرف عند كثير من األمم بملوكه المصلحين والصالحين.
ويدل عليه من الناحية السياسية أن أغلب المحاوالت الداعية إلى التفرقة على أساس
عرقي أو مذهبي أو مصالح سلطوية سياسية ضيقة ،أو نزعات تعصبية أو متطرفة ..لم تفلح
في النيل من وحدة المغرب والضامن الثابت في ذلك كله هو إمارة المؤمنين.
وإذا تقرر أن مؤسسة إمارة المؤمنين هي الضامن الستقرار المغرب ووحدته ،أي
ألمنه الشامل ،فإنها بذلك تعتبر الضامن لألمن الروحي إذ هو نوع من أنواع األمن المطلوبة
في الوقت المعاصر ،فهي القائمة على حفظ دين المغاربة في كلياته وجزئياته ،وقد تحقق هذا
بفضل كثير من اإلجراءات العملية كما سيأتي فيما بعد.
ب-المقوم الديني
من الناحية الدينية يعتبر المغرب سنيا أشعريا مالكيا جنيديا منذ قرون ،وهذا االختيار
الديني أصبح قاعدة أصلية يبنى عليها غيرها من األمور الدينية ،فعن طريقها حسمت
الصراعات التي ما زالت دول كثيرة في العالم العربي واإلسالمي تعاني منها ،والتي مردها
إلى النزاعات الطائفية المقيتة المضعفة لوحدة المجتمع ،وتماسك الدولة.
فعلى مستوى العقيدة كان أهل المغرب على عقيدة أهل السنة منذ المرحلة اإلدريسية
تبعا للمقدمات العقدية األئمة المالكية ،وتوثق المصادر النوازلية لنا أن اإلقرار الرسمي للعقيدة
السنية األشعرية كان مع األمير المرابطي الثاني :أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين
(537هـ) بعد استفتائه البن رشد الجد في صحة عقيدة أئمة األشعرية كأبي الحسن األشعري
4
المؤسس والباقالني والجويني والغزالي والباجي ...حيث كان جواب اإلمام ابن رشد بأن هؤالء
1
"هم أئمة خير وهدی وبهم يجب االقتداء"
إن العقيدة األشعرية بقواعدها المبنية على التسليم في الثابت القطعي من العقائد
والتفويض في تأويلها وتفاصيلها ،وقفت سدا منيعا ضد الجدل المذموم في الدين الذي تسلكه
بعض الطوائف ،فعلماء األشعرية صرفوا نظر المكلف واهتمامه إلى ما ينبني عليه عمل دون
غيره ،بناء على القاعدة المقررة عندهم" :كل مسألة ال ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض
2
فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي"
إن التزام المغاربة بالمذهب المالكي وأصوله جعلهم يسلكون مسلك التيسير والوسطية،
ال مفرطين وال مفرطين ،آخذين بمراعاة الخالف والمصالح المرسلة وما جرى به العمل...
وهي مسالك مشعرة بمرونة المذهب وواقعتيه ،مما جعل الناس ينزلون كثيرا من القواعد
الفقهية على تصرفاتهم اليومية حتى أصبحت األحكام التكليفية سلوكا شعبيا يمتثل لها الناس
بشكل اعتيادي ،ويستوي في معرفتها العامي والعالم.
وأما التصوف الجنيدي فهو خالصة علم السلوك واألخالق عند السلف الصالح
فالمغارية انخرطوا فيه علما وعمال ،حيث إن الناظر في سلوكهم التعبدي واألخالقي عبر
التاريخ يجد األثر التربوي الصوفي متجليا من خصال حميدة مطردة :كعمارة المساجد ،والكرم
وحسن الضيافة ،والتعلق بالقرآن وبذكر للا ،والتوكل على للا ،والصبر عند المصيبة ،وبر
الوالدين ،والتسامح والعفو والصفح ...إلى غير ذلك من الخصال التي قررها كبار القوم في
وصاياهم التربوية.
أمام هذه الثوابت الدينية المؤسسة التحضر المغربي لم تفلح المذاهب السياسية والفكرية
المنحرفة الوافدة في التغلغل في المجتمع المغربي ،ودخولها حتى وإن وقع في بعض المراحل
التاريخية فال يعدو أن يكون دخول غريب غير مرغوب فيه ،فسرعان ما ينقلب على عقبيه
مذموما مدحو ،ويلفظه المغاربة ،والدليل على ذلك أن فرق الخوارج والشيعة... ،حين حاولت
الدخول إبان العصر الوسيط إلى المغرب فلم تستطع المكوث فيه إال قليال ،وقد تصدى لها
العلماء والمجتمع على حد سواء ،واندرست وتخلصت منها األمة المغربية البتة.
وفي العصر الحاضر مازالت بعض المذاهب الطائفية المتطرفة تعاود المحاولة للولوج
إلى المجتمع المغربي ،قصد استصحاب وإحياء تلك النزاعات التي دارت في الزمن األول بين
الطوائف المتطرفة وتدور اليوم في بعض مناطق العالم اإلسالمي ،لكن محاوالتها المتكررة
باءت بالفشل ،بفضل االستراتيجية الحكيمة إلمارة المؤمنين بأبعادها ورؤيتها الحصيفة ،حيث
1ينظر نص فتوى ابن رشد في العقيدة األشعرية في فتاوى ابن رشد ،ألبي الوليد محمد بن رشد ،تحقيق :د .
المختار التليلي ،ط.ت دار الغرب اإلسالمي 802/1 :وما بعدها.
2الموافقات في أصول الشريعة ،أبو إسحاق الشاطبي ،تحقيق عبد هللا دراز ،ط د.ت ،المكتبة التجارية ،مصر:
.46/1
5
وقت سدا منيعا وحصنا متينا ضدها ،وجعلت التمسك بالهوية الدينية المغربية والمذهب السني
المالكي واجبا وطنيا .يقول جاللته أعزه للا مخاطبا شعبه الوفي ..." :فمن واجبك الوطني
والديني الحفاظ على هويتك والتمسك بالمذهب السني المالكي الذي ارتضاه المغاربة أبا عن
جد 1"...وكان رفض جاللة الملك نصره للا للخروج عن المرجعية السنية المالكية واضحا
وصارما حيث تابع مخاطبا شعبه الوفي " :فال تسمح ألحد من الخارج أن يعطيك الدروس في
دينك وال تقبل دعوة أحد التباع أي مذهب أو منهج قادم من الشرق أو الغرب ،أو من الشمال
أو الجنوب ...وعليك أن ترفض دوافع التفرقة وأن تظل كما كنت دائما ،غيورا على وحدة
2
مذهبك ومقدساتك ،ثابتا على مبادئك ،ومعتزا بدينك ،وبانتمائك لوطنك".
فالمتأمل لخطاب أمير المؤمنين نصره للا يستنتج دون أدنى عناء مقدار حرص إمارة
المؤمنين على أمن المغاربة الروحي باعتباره أحد ركائز أمنهم القومي ،فالتمسا المذهب
واالعتزاز بالهوية الدينية ال ينفصالن عن حب الوطن والذود عن أمنه ،بهذه الرؤية العميقة
استطاعت إمارة المؤمنين استثمار المقوم الديني من أجل حفظ وحدة المغاربة ،وذر بتثمين
هذا المقوم واإلعالء من شأنه وترتيب وتنظيم مؤسساته ،وترسيخ ثوابته العقدية والفقهية
والسلوكية.
ت-المقوم الثقافي :استثمار التنوع لخدمة الوحدة
استطاع المغرب على المستوى الثقافي التوفيق بين وحدة هويته الحضارية ،وتعدد
ثقافاته ،وغناها اإليجابي ،وكذا أعراف مجتمعه الصالحة ،والتي اتخذ منها علماء المالكية
مصدرا الكثير من األحكام االجتهادية الفقهية في الفالحة والعمران والصناعة والصلح
والنزاعات ،... 3مما كان له أثر إيجابي على تماسك المجتمع المغربي وتضامنه في السراء
والضراء.
فالمغرب جامع األعراق وثقافات متنوعة ومنصهرة في بعضها البعض ،والمغاربة
عربا وأمازيغ ويهودا وأندلسيين وصحراويين وزنوجا ...كلهم عاشوا تحت سقف دولة البيعة
وإمارة المؤمنين ،وتحت راية اإلسالم ،والمغرب من الدول القالئل التي تمسكت بوحدة الهوية
وتعدد الثقافات دون تمييز أو إقصاء ،بل يتعايش الكل سواسية في إطار مواطنة كاملة للجميع،
وهذه الخصوصية الحضارية ساعدت كثيرا في بناء الدولة المغربية العصرية وتفادي
االنجرار وراء الصراعات القبلية أو العرقية المقيتة ،وشكلت الهوية الوطنية حضنا جامعا
للتنوع الثقافي اإليجابي البناء.
1من الخطاب الملكي االمي بمناسبة عيد العرش المجيد 13 .شوال 1436هـ موافق لـ 30يوليوز 2015م.
2من الخطاب الملكي االمي بمناسبة عيد العرش المجيد 13 .شوال 1436هـ موافق لـ 30يوليوز 2015م.
3ومن ذلك أعراف ألواح جزولة ،وما جرى به العمل المتنوع بتنوع اجتهادات القضاة والفقهاء في الحواضر
المغربية.
6
إن حرص إمارة المؤمنين على رعاية التنوع الثقافي خادم بدوره الستراتيجية األمن
الروحي نظرا للعالقة الثابتة بين الديني والثقافي ،فالتوع على مستوى التعبيرات الثقافية فسح
المجال وفتح األفق أمام علماء المغرب لمراعاة الخصوصيات الثقافية عند تنزيل الكثير من
األحكام المتعلقة بالمعامالت ،وهذا ما يفسر تنوع ما جرى به العمل واختالفه من حاضرة إلى
أخرى ومن بادية إلى أخرى فتجد عمل فاس وعمل مراكش وعمل سوس...
كما أننا نجد على مستوى األجوبة على النوازل اختالفا من منطقة إلى أخرى وفق
اختالف األعراف الثقافية بين مناطق المغرب في المأكل والملبس والمشرب والزواج والبيوع
وإصالح ذات البين...
ث -المقوم الجغرافي واستثماره في تثبيت األمن الروحي
يقع المغرب في غرب العالم العربي واإلسالمي ،وفي شمال إفريقيا وفي جنوب
أوروبا ،فهذا الموقع الجغرافي االستراتيجي يجعل منه دولة مهمة حضاريا وثقافيا وسياسيا
ودينيا ،فمن الناحية الحضارية يمثل المغرب الوجه الحضاري للعالم العربي واإلسالمي في
مقابل الحضارة الغربية من الضفة األخرى ،لقد كان على الدوام جسر التماس والتواصل مع
الحضارة الغربية ،ومعبرا لنقل العلوم والمعارف إليها ،وبذلك كان متميزا ومبدعا ،فعلماء
المغرب من األوائل الذين ترجموا جزءا مهما من علوم اليونان ونقلوها إلى أوربا حيث كانت
األساس في بناء الحضارة اإلنسانية.
ومن الناحية السياسية بعد استقرار أوروبا وأمنها مرتبطين بشكل كبير بأمن المغرب
واستقراره وكل ذلك يدور على قضايا تتعلق بمحاربة اإلرهاب والهجرة غير النظامية
واالتجار في البشر واألمن االقتصادي...
وفي هذا الصدد استثمرت إمارة المؤمنين هذا المقوم بشكل إيجابي فجعلت المغرب
مساهما مبدعا في الحضارة اإلنسانية ،ونموذجا ناجحا لصورة اإلسالم الحقيقية ،حيث كان
المغرب هو السباق إلقرار إصالحات عميقة على مستوى فهم الدين اإلسالمي وتنزيله بصورة
خادمة لمقاصده الكبرى ،مما فسح المجال لإلسهام في حوار األديان والحضارات دون أي
مركب نقص بل بكثير من الرصيد اإليجابي على مستوى تمثل اإلسالم السمح.
ج -المقوم الدستوري
كما هو معلوم وتتويجا للمقومات السابقة تم إقرار دستور 2011م الذي أبانت فيه إمارة
المؤمنين عن حكمة بالغة شهد بها العالم المتحضر ،حيث تمت صياغة الوثيقة الدستورية بشكل
استثمر المقومات السالفة الذكر ،واستجاب لطموحات المجتمع المغربي بجميع فئاته ،ومن
جملة العناصر ذات الشأن الكبير التي وردت في الدستور تلك المتعلقة بحفظ الدين وتحقيق
األمن الروحي للمغاربة وتحمل إمارة المؤمنين مسؤولية ذلك حصرا وتمييز الشأن الديني عن
األمور الدنيوية ذات الطابع التدبيري السياسي ،رفعا من شأن الدين وحمايته من أي استغالل
7
يسيء إليه ،وبهذا شكل دستور 2011م مقوما أساسيا الستراتيجية األمن ال حيث يرتكز
األساس الدستوري على أصول حاكمة مقررة تمثل فيها إمارة المؤمنين األمر كله ،ونورد في
هذا الصدد أصلين بارزين في الوثيقة الدستورية:
• األصل األول :التنصيص على أن اإلسالم هو دين الدولة وأن إمارة المؤمنين هي
الضامنة لحفظه ،وبهذا أصبحت الدولة تحت إشراف أمير المؤمنين هي المسؤولة على حماية
الشأن الديني ،وليس األشخاص أو الجمعيات أو األحزاب وبذلك تفادي المغرب االنسياق وراء
صراع التأويالت الدينية وفق المصالح واألهواء .وقد جعل دستور 2011م حفظ الدين وحماية
حرية ممارسة الشعائر من اختصاصات الملك بوصفه أميرا للمؤمنين .وأغلب الوثائق
الدستورية نصت على أن اإلسالم هو دين الدولة ،ولكن حماية الدين وضمان حرية ممارسة
الشعائر الدينية هي من مهام الملك أمير المؤمنين ،جاء في الفصل " :41الملك ،أمير المؤمنين
وحامي حمى الملة والدين ،والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
يرأس الملك ،أمير المؤمنين ،المجلس العلمي األعلى ،الذي يتولى دراسة القضايا التي
يعرضها عليه.
ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا ،في شأن
المسائل المحالة إليه ،استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف ،ومقاصده السمحة".
بهذا األساس قطع الدستور الطريق أمام المتطفلين على اإلفتاء من غير المؤهلين له
علميا وتكليفيا ،فالفتوى بما هي إخبار عن حكم الشرع في النازلة الواقعة أو المتوقعة ،منصب
من مناصب االجتهاد التنزيلي الذي يتطلب شروطا علمية وتكليفية وخلقية ، 1وهذا ال يتحقق
إال عن طريق هيئة علمية مسؤولة أمام أمير المؤمنين وتحت إشرافه ،عالمة بالشرع ومقاصده
ومستوعبة للعصر ونوائبه ومراعية لمصالح الدولة وأمنها القومي ،وبهذا يتم دفع التعارض
المفتعل بين الفتاوي الدينية والمصالح العليا للبالد.
• األصل الثاني :منع تأسيس األحزاب السياسية على أساس ديني حيث جاء في الفصل
" :7ال يجوز أن تؤسس األحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي،
وبصفة عامة ،على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق اإلنسان".
وهذا الفصل من الدستور موافق لمقاصد الدين ،إذ أن المجال المشترك بين جميع أفراد
المجتمع .ومنه الشأن الديني .ال يجوز بأي حال أن يكون مجاال لالستغالل السياسي ما دامت
الدولة حافظة له ،ألن تأسيس األحزاب على أساس المجال المشترك يفضي إلى تنازع الشرعية
التمثيلية عند تعدد األحزاب ،وعندما يكون مجال النازع هو الدين نفسه يؤول األمر إلى مخالفة
المقاصد الكلية للدين ،فيدعي كل طرف أحقية موقفه التأويلي االجتهادي فيتفرق الناس تبعا
1للتوسع في مناصب االجتهاد التنزيلي وشروطها ينظر ضوابط االجتهاد التنزيلي عبد الرزاق وورقية ،ط
2003م ،دار لبنان ،بيروت ،ص :40وما بعدها.
8
لهذا التنازع فينشأ الصراع الطائفي المذموم الذي يؤدي إلى نتائج هادمة قطعا لحفظ الدين أي
لألمن الروحي للمجتمع ،ومن ثم تهديد باقي أنواع األمن وعلى رأسها األمن القومي للبلد.
وقد تنبهت مؤسسة إمارة المؤمنين لهذا المحذور الخطير فحسمت الموقف بتحديد مجال
التنافس السياسي في المجال التدبيري الدنيوي ،مع ضمان حفظ الدين للجميع ،وبهذا تم حل
إشكالية العالقة بين الديني والسياسي.
وحيث إن تفادي الخلط بين الديني والسياسي ال يتحقق إال بالتمييز بين المجالين بجملة
تدابير منها القانونية ،ومنها التنظيمية المؤسسية ،فقد تم تعزيز ذلك بإجرائين هامين خادمين
للتمييز المذكور:
• اإلجراء األول :يتمثل في سن قوانين تنص على تحييد الشخصيات الدينية المكلفة
بالوعظ والخطابة واإلفتاء من التدخل في األمور السياسية ذات البعد التدبيري المصلحي
والدنيوي ،والحد من استغاللها لسلطتها الروحية والدينية في نصرة طرف من األطراف أو
تيار سياسي معين ،مع التأكيد على حق الناس -ومنهم هذه الشخصيات -في التعبير عن آرائها
السياسية ،ولكن ليس فوق المنبر الديني وباسم السلطة الدينية ،وإنما بالمشاركة السياسية عبر
أحزاب غير دينية ،في إطار الدستور والقانون.
وهنا ال بد من التنويه بالظهير الشريف الذي نص على منع األئمة والقيمين الدينيين من
التعبير عن آرائهم السياسية على منابر المساجد تفاديا الستغالل الديني في السياسي ،مع اإلبقاء
على حقهم محفوظا في المشاركة السياسية ولكن بشرط التخلي عن صفة اإلمامة الدينية ،حيث
نص الظهير الملكي الصادر في هذا الشأن على أنه يمنع على األئمة والخطباء وجميع
المشتغلين في المهام الدينية خالل مدة اشتغالهم ،ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي ،أو اتخاذ
أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية أو القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء
الشعائر الدينية أو اإلخالل بشروط الطمأنينة والسكينة والتسامح واإلخاء ،الواجبة في األماكن
المخصصة إلقامة شعائر الدين اإلسالمي".1
• اإلجراء الثاني :مأسسة الشأن الديني وإعادة هيكلته بما يضمن حضورا حقيقيا للعلماء
ذوي االختصاص في الجانب العلمي الديني لسد الباب أمام الفوضى في الفتاوى والمواعظ
والخطب ،ففي كثير من األحيان ال يتوفر المتصدرون لإلفتاء والوعظ والخطابة على أية
شهادة علمية أكاديمية تؤهلهم للحديث باسم الدين ،لذلك تراهم يسقطون فريسة لتفسيرات
التيارات المتشددة فيجنون على المجتمع الذي يعيشون فيه ،كما يلحقون ضررا بالغا بصور
الدين الذي ينتسبون إليه.
9
ثالثا :أهداف استراتيجية األمن الروحي
من المعلوم عند خبراء التفكير االستراتيجي أن أي استراتيجية ناجحة وناجعة ينبغي
أن تكون لها أهداف محددة بدقة ،وهذا بالضبط ما يصدق على استراتيجية إمارة المؤمنين
التحقيق األمن الروحي للمغاربة ،فقد حدد الخطاب الملكي المؤسس لها أهدافا واضحة خادمة
لألمن القومي للدولة المغربية على المدى الطويل فضال عن المدى القصير ،ونذكر منها ثالثة
أهداف رئيسة:
الهدف األول :الحفاظ على األمن الروحي للمغرب ،ووحدة المذهب المالكي :1هذا
الهدف هو األساس واألصل في وضع االستراتيجية ،فاألمن الروحي يمثل جزءا كبيرا من
األمن القومي العام ،وال يمكن ألمة لم تحسم خياراتها الروحية ولم تحافظ عليها أن تستمر
مستقرة موحدة ،فقد أثبت التاريخ أن التردد واالضطراب واالختراق في الشأن الديني يؤدي
غالبا إلى النزاعات الطائفية التي ال تنتهي ،فلذلك أعلن أمير المؤمنين نصره للا صراحة أن
الهدف هو حماية األمن الروحي للمغاربة.
ولما كانت الوحدة على مستوى مقتضيات هذا األمن ضرورية ،كان التنصيص أيضا
على وحدة المذهب الذي عليه المغاربة في التعبد والتدين ،وهو المذهب المالكي ،وهذا ليس
من باب التعصب المذهبي بقدر ما هو من باب التمسك بثوابت الدولة الراسخة عبر التاريخ،
وهو أمر يجري به العمل في أغلب الدول المتحضرة ،وتسمى" :قيم الدولة العليا" هذه القيم
هي تلك الثوابت العامة المؤطرة لجميع تقاليد الدولة في الجانب الدستوري واألخالقي العام...
فالتخلي عنها أو التفريط فيها مؤذن باالضطراب واالختالل في نظم الدولة العليا.
الهدف الثاني :تأهيل الحقل الديني وتجديده ،وتحصين المغرب من نوازع التطرف
واإلرهاب ،والحفاظ على هويته المتميزة بالوسطية واالعتدال والتسامح .2
وهذا الهدف مبني على استحضار المقومات التي أوردناها سابقا ،والسيما المقوم
الدستوري ،الذي يمنح الصالحية الكاملة إلمارة المؤمنين للقيام بكل ما من شأنه تنظيم وضبط
وهيكلة الشأن الديني ألن ذلك من اختصاصها حصرا ،فلما كان التدين فطريا في الناس ،وكان
المغاربة متدينين في عمومهم كان طبيعيا أن يخضع المجال الروحي للتنظيم والهيكلة ليسد
الباب أمام النوازع المتطرفة المهددة ألمن المواطنين وحياتهم ،ويفتح أمام التسامح ومكارم
األخالق ،كما عرف بذلك المغرب عبر تاريخه المجيد.
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلم
وذلك بتاريخ 10ربيع األول ،1425الموافق ل 30أبريل 2004بالدار البيضاء.
2من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق ل 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
10
الهدف الثالث :اإلسهام العقالني الهادف لتصحيح صورة اإلسالم ،مما لحقها من
تشويه مغرض وحمالت شرسة ،بفعل تطرف األوغاد الضالين ،وإرهاب المعتدين ،الذي ال
وطن وال دين له .1فصورة اإلسالم تعرضت إلساءة عظيمة في هذا العصر أكثر من أي عصر
مضى ،نظرا ألن العصر عصر صورة وإعالم ،بمجرد ما يقع فيه فعل مسيء لإلنسانية باسم
اإلسالم انتشر بسرعة الضوء في جميع بقاع العالم وسمعه الناس ورأوه في حينه ،وأصبح
لصيقا بالدين اإلسالمي وترسخ في مخيال األمم األخرى ،والخطير في األمر عندما تسوق هذه
الصور المشينة من قبل أناس يدعون ويزعمون أن ما قاموا به هو الدين الحق ،فتتم المطابقة
في أذهان الناس بين هؤالء .وهم متطرفون إرهابيون .وبين اإلسالم وهو دين الرحمة والسالم.
فينتقل المعادون اإلسالم من اتهام تلك المجموعة المتطرفة إلى اتهام اإلسالم نفسه وهو بريء
مما يفعلون.
لذلك استحضرت إمارة المؤمنين األمانة التاريخية الملقاة عليها فجعلت من أهداف
االستراتيجية اإلسهام في تصحيح صورة اإلسالم ،وقد حققت الكثير في هذا المسار من خالل
مؤسسات ومؤتمرات وإجراءات عملية...
رابعا :األركان الثالثة االستراتيجية األمن الروحي بالمغرب
تم اإلعالن عن استراتيجية األمن الروحي بأركانها سنة 2004م عبر الخطاب الملكي
السامي الذي يعد مؤسسا لها ،والذي ألقاه صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره للا
بمناسبة إعادة تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع
األول 1425ه ،الموافق ل 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
حيث جاء فيه" :وتجسيدا لما أعلنا عنه في خطاب العرش األخير ،وخطاب 29ماي
2003م بالدار البيضاء ،وما اتخذناه من إجراءات وتدابير الزمة لذلك ،ها نحن اليوم ،نشرع
في إرساء وتفعيل ما سهرنا على إعداده ،من استراتيجية مندمجة وشمولية ،متعددة األبعاد،
ثالثية األركان ،لتأهيل الحقل الديني وتجديده ،تحصينا للمغرب من نوازع التطرف واإلرهاب،
وحفاظا على هويته المتميزة بالوسطية واالعتدال والتسامح"
في هذا الخطاب صرح جاللته بوضوح باألركان الثالثة التي ستقوم عليها استراتيجية
إمارة المؤمنين في حفظ األمن الروحي للمغاربة ،وهي :الركن المؤسسي ،والركن التأطيري
الفعال ،عقلنة وتحديث وتوحيد التربية اإلسالمية.
الركن األول :المؤسسي
بناء على األساس الدستوري السابق قام األساس المؤسسي على هيكلة الشأن الديني من
خالل إعادة هيكلة الوزارة الوصية على الشأن الديني وهي وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق ل 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
11
إذ نص الخطاب الملكي على هذا الركن المؤسسي بإصالحاته ،حيث جاء فيه" :أما الركن
المؤسسي ،فيقوم على إعادة هيكلة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،بإصدارنا لظهير
شريف ،بإحداث مديرية للتعليم العتيق ،وأخرى مختصة بالمساجد ،وإعادة النظر في التشريع
المتعلق بأماكن العبادات ،بما يكفل مالءمتها للمتطلبات المعمارية ،األداء الشعائر الدينية في
جو من الطمأنينة ،وكذا ضبط مصادر تمويلها ،وشفافيتها وشرعيتها واستمراريتها.
وقد أمرنا بتعيين مندوبين جهويين للوزارة ،ليسهروا على التدبير الميداني الحديث
للشؤون اإلسالمية ،مؤكدين على إحياء مؤسسة األوقاف ،وعقلنة تسييرها ،لتظل وفية
1
لمقاصدها الشرعية والتضامنية االجتماعية ،ومتنامية بإسهام المحسنين فيها".
ويبدو واضحا أن الركن المؤسسي قام على إجراءات إصالحية عملية ثالثة:
أولها :استحداث مديريات جديدة ،كمديرية للتعليم العتيق ومديرية المساجد ...وهذا فيه
إشعار واضح بتثمين إمارة المؤمنين المؤسسات الشأن الديني التعليمية منه والعبادية...
ثانيها :إعادة النظر في التشريعات المؤطرة للشأن الديني عموما ومنها تلك المتعلقة
بأماكن العبادة وضبط تمويلها ،فبعد اإلعالن عن هذه االستراتيجية توالى إصدار الظهائر
الشريفة المنظمة للمساجد بناء وتمويال وتدبيرا وعمارة ،2وكذلك الظهائر الشريفة المنظمة
3
المهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم.
وبهذه التشريعات السامية المواكبة أخذت المساجد موقعها داخل مؤسسات المجتمع مع
مزيد قدسية واحترام ،مضبوطة البناء من حيث المعمار والجمالية الفنية المغربية ،منظمة
الوظائف العبادية وفق المقاصد التعبدية المطلوبة ،يسهر عليها قيمون دينيون متخصصون من
أئمة ومؤذنين ومرشدين ووعاظ وخطباء خريجي المعاهد المتخصصة مؤطرين بتشريع يحدد
مهامهم ويحفظ حقوقهم.
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق ل 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
2منها الظهير الشريف الصادر بتنفيذ القانون رقم 29.04القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف المعتبر بمثابة
قانون رقم 1.84.150المتعلق باألماكن المخصصة إلقامة شعائر الدين اإلسالمي فيها .الجريدة الرسمية عدد
2007/5513م.
ومنها :الظهير الشريف رقم 1.14.121الصادر في 25رمضان 1435هـ ( 23يوليوز 2014م) في شأن مراقبة
حالة بنايات المساجد .الجريدة الرسمية عدد 2014/6276م.
3ينظر الظهير الشريف رقم 1.14.121الصادر في 20رجب 1435هـ ( 20ماي 2014م) في شأن تنظيم ميام
القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم ،الجريدة الرسمية عدد2014/6268 :م.
12
ثالثها :توسعة التغطية اإلدارية لوزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية على مستوى جميع
جهات المملكة ،وذلك باستحداث مندوبيات جهوية للسهر على التدبير الميداني الحديث للشؤون
1
اإلسالمية".
الركن الثاني :التأطيري الفعال
ويقوم هذا الركن على تقوية عمل المؤسسات المكلفة بالتأطير العلمي والتوجيه
والتكوين ،والتكوين المستمر ،وهي أساسا تلك المؤسسات الدينية المشرفة على الجانب العلمي
في الشأن الديني وعلى تكوين وتوجيه القيمين الدينيين من مرشدين وخطباء وأئمة ...وقد تجلى
عمل إمارة المؤمنين في هذا الركن بتقوية وإعادة تنظيم مؤسسات كانت موجودة ،وباستحداث
مؤسسات جديدة ،ونذكر من هذه المؤسسات على سبيل المثال:
• تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية المحلية
من أبرز التدابير التي اتخذها أمير المؤمنين أعزه للا ،إعادة هيكلة المجلس العلمي
األعلى ووضعه تحت إشرافه 2وتنظيم المجالس العلمية المحلية وتجديدها وتوسيع تغطيتها
الترابية ،وذلك لتدبير الشأن الديني عن قرب ،وذلك بتشكيلها من علماء ،مشهود لهم باإلخالص
لثوابت األمة ومقدساتها ،والجمع بين فقه الدين واالنفتاح على قضايا العصر ،حاثين إياهم على
اإلصغاء إلى المواطنين ،والسيما الشباب منهم ،بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين
المضلين ،حريصين على إشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس ،إنصافا لها ،ومساواة مع
3
شقيقها الرجل".
• إحياء الرابطة المحمدية للعلماء
بناء على موقع العلماء وأثرهم في المجتمع المغربي ،أبت إمارة المؤمنين إال أن تعتني
بهم وتشركهم في مشروع األمن الروحي الذي رسمت معالمه ،قال جاللته في سياق عرض
أركان االستراتيجية "وفي هذا الصدد ،أبينا إال أن يشمل إصالحنا رابطة علماء المغرب،
إلخراجها من سباتها العميق ،وإحيائها بشكل يجعل منها جهازا متفاعال مع المجالس العلمية،
وذلك بإصدار ظهير شريف لتنظيمها وتركيبها في إطار يحمل اسمنا الشريف ،بحيث نطلق
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق لـ 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
2ظهير شريف رقم 1.03.300صادر في 2ربيع األول 1425هـ ( 22أبريل 2004م) بإعادة تنظيم المجالس
العلمية ،الجريدة الرسمية عدد 06 ،5210ماي 2004م.
3من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق ل 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
13
عليها اسم الرابطة المحمدية لعلماء المغرب ،مكونة من العلماء الموفرين ،الذين يحظون
1
بسامي رضانا وعطفنا".
• هيكلة جامعة القرويين
في إطار الركن التأطيري أعاد جاللته تنظيم جامعة القرويين بوصفها أقدم مؤسسة
للتعليم العالي اإلسالمي في العالم ،لتستعيد إشعاعها المعرفي ودورها الريادي الذي اضطلعت
به منذ نشأتها ،ورغب جاللته في جعل هذه الجامعة مؤسسة علمية مرجعية للتكوين
2
المتخصص والمتميز والرصين في علوم الدين وفي تاريخ الفكر والحضارة اإلسالمية.
• إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة
واستكماال للركن التأطيري الفعال أيضا وبناء على أهمية الروابط الدينية والتاريخية والثقافية
التي تجمع المغرب بإفريقيا أحدث جاللته مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة ،والقصد من
ذلك توحيد جهود علماء المغرب وباقي الدول اإلفريقية لخدمة مصالح الدين اإلسالمي ،وفي
مقدمتها التعريف بقيمه السمحة ونشره ،وتشجيع األبحاث والدراسات في مجال الفكر والثقافة
اإلسالمية.
ورغب جاللته من خالل هذه المؤسسة تعزيز األمن الروحي المشترك بين المغرب
وباقي الدول اإلفريقية وذلك بتحصين التدين اإلفريقي من أي اختراق متوقع من المتطرفين
وحماية العقيدة اإلسالمية والوحدة الروحية للشعوب اإلفريقية من كل النزعات والتيارات
3
واألفكار التضليلية التي تمس بقدسية اإلسالم وتعاليمه ومقاصده.
الركن الثالث :عقلنة وتحديث وتوحيد التربية اإلسالمية
لما كان التدين فطريا ،وكانت التربية اإلسالمية ضرورية لتخريج نشء سالم العقيدة
مستقيم األخالق ،معتزا بمواطنته وهويته المغربية ،اقتضى األمر إعادة النظر في مناهج
ومقررات التربية الملقنة في التعليم الديني ،وتوجيهها نحو التحضر والعمران والتعايش،
والتربية على الحقوق األساسية ،وتلقين النشء المفهوم اإليجابي للدولة وقيم المواطنة
الصالحة ،واحترام اآلخر ،ومراعاة التعدد الثقافي.
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق لـ 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
2ظهير شريف رقم 1.15.71صادر في 7رمضان 1436هـ 24 ،يونيو 2015م يقضي بإعادة تقيم جامعة
القرويين الجريدة الرسمية عدد 25( 6372يونيو 2015م)
3ينظر ديباجة الظهير الشريف المؤسس :ظهير شريف رقم 1.15.75صادر في 7رمضان 1436هـ24 ،يونيو
2015م ،يتعلق بإحداث مؤسسة محمد السادس العلماء األفارقة .الجريدة الرسمية عدد 25( 6372يونيو
2015م)
14
لذلك صار من الالزم التعديل في بعض المقررات التعليمية وتحيينها وفق القيم الدينية
واإلنسانية المشتركة ،لتخريج أجيال إنسانية بالمعنى الكوني للكلمة مع التربية على احت
األديان والمعتقدات ومختلف الثقافات ،وفي هذا السياق جاء مشروع إمارة المؤمنين في ركنه
الثالث الموسوم بـ "عقلنة وتحديث وتوحيد التربية اإلسالمية" والذي كان تأسيسا استباقيا
للتحصين الفكري والتربوي ألجيال الحاضر والمستقبل من نزعات التطرف واإلرهاب
وأخطارها المهلكة ،وقد مهد جاللته أعزه للا لذلك بالخطاب التاريخي المؤسس سنة 2004م،
حيث جاء فيه" :وعلما منا بأن الوظائف التأطيرية المنوطة بهذه الهيئات ،ستظل صورية ،ما
لم تقم على الركن الثالث األساس ،المتمثل في التربية اإلسالمية السليمة ،والتكوين العلمي
العصري ،فإننا ،مواصلة للجهود الرائدة التي بذلها والدنا المنعم ،جاللة الملك الحسن الثاني،
قدس للا روحه ،نصدر تعليماتنا لحكومتنا ،قصد اتخاذ التدابير الالزمة ،بأناة وتبصر ،لعقلنة
وتحديث وتوحيد التربية اإلسالمية ،والتكوين المتين في العلوم اإلسالمية كلها ،في نطاق
مدرسة وطنية موحدة.
وفي هذا السياق ،حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة ،وصيانة وحفظ القرآن الكريم،
وتحصينها من كل استغالل أو انحراف يمس بالهوية المغربية ،مع توفير مسالك وبرامج
للتكوين ،تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية ،وتجنب الفكر المنغلق ،وتشجيع االنفتاح
1
على الثقافات".
خامسا :االنعكاسات اإليجابية لالستراتيجية
من البديهي في كل استراتيجية أن تحقق ولو جزءا من نتائجها على المدى القريب
والمتوسط ،وتسعى لتحقيق أغلب نتائجها على المدى البعيد ،لذلك وبعد مرور حوالي 12سنة
على اإلعالن المؤسس لالستراتيجية الملكية لألمن الروحي من المناسب أن نسوق هنا بعضا
من االنعكاسات اإليجابية التي ظهرت وخلفت آثارا مستحسنة على األمن القومي للوطن ووحده
نسيجه المجتمعي ،حتى أصبح العالم المتحضر يتحدث عن النموذج المغربي وجاذبيته في
مجال الصورة الصحيحة لإلسالم السمح الحنيف ،وإذا أردنا تعداد هذه اآلثار اإليجابية لهذا
النموذج ،فإننا سنحتاج إلى مؤلف مستقل في الموضوع ونكتفي هنا بإيراد بعضها على سبيل
اإلشارة والتقريب وليس على سبيل الحصر والتحديد:
أ -إبراز النموذج المغربي في التدين
كان من النتائج الكبرى واآلثار المباشرة لالستراتيجية إبراز النموذج المغربي في
التدين ،حتى غدا معروفا بين األمم األخرى بخصائصه المشعرة بالتسامح والوسطية
واالعتدال ،وقد تم ذلك بترسيخ ثوابت هذا النموذج ،وتثمينها عبر إعادة االعتبار للشأن الديني
1من خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا في تنظيم المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية
المحلية وذلك بتاريخ 10ربيع األول 1425هـ ،الموافق لـ 30أبريل 2004م بالدار البيضاء.
15
والعناية بالقيمين الدينيين ،وإعطاء قيمة للرأسمال الروحي الذي تمثله تلك الثوابت ،وتأطيرها
مؤسسيا وتشريعيا وميدانيا حتى أضحى الدين عند المغاربة داعما لتحضرهم ولتعايشهم مع
بعضهم البعض ومع غيرهم من األمم ،وتطورت نظرة النخب المغربية للدين فهما وممارسة،
مما جعلها تستطيع التوفيق بين الهوية الدينية ومقتضياتها والحداثة وسماتها اإليجابية ،وانعكس
هذا التوفيق الموفق أيضا على الخطط الدينية والشرعية من خطب ومواعظ وفتوى وعلى
بعض التشريعات كقانون األسرة 1وغيره.
ب-تحقيق االستقرار الروحي واألمني
إن االستقرار والطمأنينة أو األمن بمفهومه الواسع هي غايات أي مجتمع إنساني يبحث
عن السعادة لذلك لم تقف استراتيجية أمير المؤمنين أعزه للا عند حفظ التعبد بمعناه الخاص
وإنما استطاعت أن تفتح للمغاربة أفقا واسعا في حياتهم الروحية حيث لم تجعلهم يأمنون على
دينهم وعلى أماكن عبادتهم فحسب بل جعلتهم يأمنون على الكليات الشرعية الكبرى التي عليها
مدار الوجود اإلنساني :الدين والنفس والعقل والنسل والمال .بعبارة أهل المقاصد .وهي األمور
الضرورية للحياة السعيدة ،فاالستراتيجية الملكية استثمرت الطاقة الروحية في اتجاه إيجابي
بناء ،يروم التوفيق بين العبادة والعمارة ،حتى إن الزائر للمغرب يتعجب من حال المغاربة في
شدة وقوة غيرتهم على دينهم واحتشادهم في المساجد واإلصرار على مكارم األخالق ...وفي
المقابل يلحظ سعة أفقهم وانفتاحهم على الحضارة المعاصرة بتنوع ثقافاتها وفنونها ،...وهذا
يدل أيما داللة على االنسجام الحاصل عندهم في فكرهم وسلوكهم بين التدين والتحضر ،كما
يدل ذلك على استقرار روحي وأمني تحقق بفضل تلك االجراءات واإلصالحات التاريخية
التي قام بها أمير المؤمنين نصره للا.
وكان من نتائج هذا االستقرار وتجلياته تحصين المغرب من غوائل التطرف واالرهاب
الذي هدد وضرب دوال ،وحطم مجتمعات بكاملها ،وفرقها طرائق قددا ،وأغرقها في الدماء
والقتل والفوضى ،...فالمجتمع المغربي .والحمد هلل .اكتسب مناعة ذاتية فكرية وحضارية
وسلوكية ضد نزعات التطرف المقيتة ،وقد استوعب الدروس والعبر من التاريخ ومن الواقع
الحاضر ،فتراه متمسكا بنموذجه ومعتزا به ،ومتشبثا بإمارة المؤمنين صاحبة المبادرة
االستراتيجية في حماية األمن الروحي للمغاربة.
16
ت-استثمار النموذج المغربي وجاذبيته:
بعد صياغة النموذج وتثبيته وتثمينه وإبرازه ،أصبح محل جاذبية لدى مجتمعات ودول
أخرى أوروبية وإفريقية وعربية ،...وهنا سيتخذ أبعادا طبيعية بوصفه نموذجا ناجحا ،مما
سيكسب المغرب سمعة طيبة على المستوى الدولي في االعتدال والتسامح ومحاربة التطرف،
فسنوات قليلة بعد اإلعالن عن االستراتيجية والشروع في تنفيذها أصبحت النتائج تتوالى
مبشرة بنجاح النموذج ،األمر الذي شهد به الخبراء األجانب ،قال الصحفي األمريكي المرموق
1
بيني أفني Benny Avniفي مقال له نشرته نيويورك بوست األمريكية" :كان هذا البرنامج
ناجحا حيث بات يستقطب خبراء من كل حدب وصوب -من نيجيريا إلى فنلندا -يأتون إلى
المغرب لمعرفة كيفية محاربة السكان المحليين للتطرف اإلسالمي" ، 2وبالفعل ،قد أقبلت
العديد من الدول على االقتداء بالمغرب في كثير من اإلجراءات اإلصالحية ،بل ذهبت أبعد
من ذلك فتقدمت بطلب للمغرب من أجل تكوين قيميها الدينيين وفق النموذج المغربي ،كتونس
ومالي وفرنسا ... 3هذه السمعة ستدفع بكثير من الدول لالستفادة من الخبرة المغربية في تنظيم
الشأن الديني ،وعلى سبيل المثال ال الحصر سنورد بعضا منها فيما يلي
• دولة مالي:
وقد ابتدأت عملية تكوين األئمة من دولة مالي سنة 2013م حيث قدوم أول فوج من
الشباب الماليين الذين سيتلقون تكوينا في المغرب ليكونوا أئمة في مساجد جمهورية مالي.
ومعلوم أن صاحب الجاللة الملك محمد السادس أعزه للا كان قد أعلن في خطابه في
حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد عن قرار المملكة المغربية االستجابة لطلب رئاسة
جمهورية مالي المتمثل في تكوين خمسمائة إمام في خمس دورات مدة كل دورة سنتان.
وقد كان الخطاب الملكي بهذه المناسبة واضحا في بيان المنطلقات السياقية لالستجابة للطلب
الذي قدمته جمهورية مالي من أجل تكوين القيمين الدينيين بهذا البلد ،نذكر منها:
-العالقات التاريخية والحضارية الخاصة بين البلدين ،وهي تمتد إلى قرون مضت كان
المغرب يمثل مرجعية روحية وعلمية وسياسية للدول اإلفريقية جنوب الصحراء.
-الثوابت الدينية والروحية المشتركة وذلك كما ورد في الخطاب الملكي السامي" :إن
اإلسالم في المغرب وفي مالي واحد ،ممارسة وتقاليد .إنه إسالم متشبع بنفس القيم المبنية على
17
الوسطية واالعتدال ،وبنفس تعاليم التسامح واالنفتاح على األخر .كما أنه يظل عماد الوشائج
الروحية التي تجمع على الدوام بين بلدينا" .1
-حرص المغرب على دعم الدول اإلفريقية الشقيقة في تحقيق أمنها الروحي واكتساب
مناعة في وجه التطرف واإلرهاب الذي بات يهدد المنطقة.
• تونس وغينيا وليبيا
وفيما يخص هذه الدول اإلفريقية الثالثة فقد توصلت وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية سنة
2014م بثالث طلبات تعاون في مجال تدبير الشأن الديني ،ويتعلق األمر بالجهات اآلتية:
-وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية وموضوعها تكوين أئمة تونسيين بالمغرب
واالستفادة من الخبرة المغربية في عمارة المساجد.
-األمانة العامة للشؤون الدينية بجمهورية غينيا كوناكري) وموضوعها طلب تكوين
أئمة غينيين بالمغرب؛
-معهد اإلمامة والخطابة التابع لوزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالجمهورية الليبية
ويتعلق بطلب االستفادة من دورات في مجال تدبير الشأن الديني.
وقد أعلنت وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في بالغ لها أنه "وبعد اطالع موالنا
أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس أعز للا أمره على هذه الملتمسات تفضل
حفظه للا فأعطى أمره السامي المطاع بإخبار هذه الجهات بالموافقة المبدئية على تلبية
رغباتها ،آمرا وزير جاللته في األوقاف والشؤون اإلسالمية باالنكباب على دراسة مختلف
الجوانب التطبيقية المتعلقة بهذه الطلبات".
• دولة فرنسا:
فرنسا أيضا من الدول األوروبية التي تعاني من تهديدات التطرف واإلرهاب ،فبعدما
تتبعت التجربة المغربية عن كثب ،انجذبت إلى االستفادة من النموذج المغربي في تدبير الشأن
الديني فتقدمت بطلبها إلى المغرب من أجل هذا الغرض ،فتم اإلعالن عن االتفاق المشترك
الذي بموجبه سيتولى المغرب تكوين أئمة لفرنسا على أن يختارهم المغرب وفق مقاييس معهد
محمد السادس لتكوين األئمة والمرشدات وبتوافق مع مساجد فرنسا وجمعيات المساجد.
وقد أشار السيد وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية عند توقيع االتفاق إلى أن "تكوين
األئمة في المغرب ليس باألمور المستجدة ،في حين أن تكوين األئمة في بلد مثل فرنسا يبقى
من األمور الجديدة " ،مبرزا أن "االعتراف بأهمية تكوين األئمة هو اعتراف بالنموذج
المغربي ،الذي ينبع من إمارة المؤمنين ،التي هي حامية الملة والدين من كل ما يسيء إليه
والساهرة على ترقية األمور المرتبطة بالدين ،ومواكبة ما استجدت عليه من أمور عديدة ،منها
1من نص الخطاب الذي ألقاه صاحب الجاللة الملك محمد السادس ،نصره هللا ،يوم الخميس 19شتنبر 2013م
بباماكو ،خالل حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد فخامة السيد إبراهيم بوباكار كيتا.
18
ما يتعلق بتفاصيل الحضارة الحديثة وما ينبغي األجوبة عنه من أسئلة هذه الحضارة ،ومواكبة
ما يقع من تقدم في العلوم اإلنسانية ،ومواجهة ما وقع من تلوث في الجو السياسي ومحاولة
استغالل الدين في السياسة".
وتنص ديباجة اإلعالن المشترك المغربي الفرنسي على " أمور مشتركة حول إرادة
تكوين جيل جديد من األئمة من أجل إسالم بعيد عن التحريف والفتنة ،التي هي عدوة الدين،
وبعيدا عن كل ما يسيء إلى هذا الدين ،وهي مسألة مشتركة ألن المسلمين أينما كانوا ترعاهم
إمارة المؤمنين ،خاصة إذا كانوا من رعايا أمير المؤمنين في المغرب أو في غيره من البلدان".
خاتمة:
حاولت في هذا المقال قدر االستطاعة بيان استراتيجية إمارة المؤمنين في حفظ األمن
الروحي للمغاربة ،وقد تتبعت الخطب الملكية السامية من الموضوع ،والظهائر الشريفة
المحلية االجراءات والتدابير التنفيذية لتلك االستراتيجية ،فخلصت إلى أن أمير المؤمنين أعزه
للا قد أفصح عن استراتيجيته في حماية األمن الروحي للشعب المغربي سنة 2004م في
خطاب مؤسس مشهود ،ومفصح عن مقومات االستراتيجية وأهدافها وأركانها ،وأبعادها ،وتال
ذلك اإلعالن اإلشراف على التنفيذ والتنزيل من خالل القيام بنهضة إصالحية عميقة في الشأن
الديني تناولت المؤسسات ذات الصلة ،والتأطير بل والفكر الديني برمته ،حيث لم تمر بضع
سنوات حتى أسفرت تلك اإلصالحات عن استقرار أمني وروحي في المغرب وقيام تموج
فريد للتدين المغربي متسم بالتسامح واالعتدال والوسطية ،ومحل جانية لكثير من الدول لألخذ
به.
وبناء على هذا يليق بالباحثين المغاربة في هذا الشأن استثمار جانبية النموذج المغربي
من أجل ترسيخ مسلك قويم للبحث العلمي يجلي هذا النموذج ويدفع به إلحداث إصالح ديني
في العالم يحد من غلواء التطرف والعنف الذي شوه صورة اإلسالم السمح الرحيم.
19
حوار الحضارات عند أمير المؤمنين* :مرتكزات أساسية وجهود
عملية
*صاحب الجاللة محمد السادس نصره هللا
تمهيد
يتميز المغرب بخصائص جغرافية وحضارية جعلت منه على مدى تاريخه الطويل
جسر التواصل العلمي والثقافي والحضاري بين الشرق والغرب .وقد انخرط سالطين المغرب
منذ قرون خلت في الحفاظ على هذه المكانة المتميزة للمملكة المغربية ،وذلك بترتيب العالقات
مع الحضارات االخرى على أساس التعايش والتسامح واالستفادة المتبادلة ،حتى إننا ال نعاني
كثيرا في العثور على بعثات علمية وثقافية من حضارات مجاورة درست في المغرب وتتلمذت
على يد علمائه في مراحل متميزة من تاريخه ،والعكس صحيح .كما قام ملوك المغرب ومنذ
القديم بتبادل السفارات ،والمشاركة في المحافل الدولية ،واإلسهام في صياغة القانون الدولي،
واالعتراف باستقالل دول كبرى ،في الوقت الذي كان فيه هذا األمر غير مستساغ عند بلدان
أخرى ،وحفاظا على هذا الرقي الحضاري الذي بلغه المغرب سار المغفور له محمد الخامس
على النهج نفسه ،منبها في خطاباته على األخوة اإلنسانية ،حاثا على ضرورة التعايش بين
الثقافات ،دون تمييز وال استعالء ،فعلى الرغم من قيود سلطات الحماية لم يدفعه ذلك إلى
التخلي عن مبدا الحوار والتسامح ،ولما تولى المغفور له الحسن الثاني مقاليد األمور ثبت هذه
ال خصوصية الحضارية ،عبر براهين عملية وتاريخية وعلمية ،فمن يتتبع خطبه وحواراته
يجدها مليئة بالحجج الدامغة ،واإلثباتات القاطعة الدالة على أن ال خيار لألمم من غير انخراطها
في حوار إنساني على اسس متينة ،فالصدام لن ينفع بني اإلنسان في شيء ،وأن رابط األخوة
اآلدمية أسمى من مصالح ونزوعات ضيقة ،وهكذا تحصل لدى المغرب رصيد ثمين ،ومكسب
عظيم ،يستطيع من خالله القيام بمهام جليلة في إصالح العالقات بين الحضارات.
انطالقا من هذا الرصيد النفيس ،وبناء على أوامر القرآن الكريم بضرورة التعارف
والتعايش والحور بين بني اإلنسان ،صاغ جاللة الملك محمد السادس نصره للا بصفته أميرا
للمؤمنين مشروعه الكبير شي قامة حوار بين الحضارات ،على مرتكزات رئيسة منها:
المرتكز الديني ،والجغرافي ،والتاريخي ،وكذا المرتكز المستقبلي واإلنساني ،وقد سعى إلى
تحقيق المقاصد الكبرى لهذا الحوار متبعا وسائل عملية فعلية ،حيث اتبع تصوراته وأقواله في
20
الموضوع بأفعال وخطوات واقعية للدفع بمسيرة الحوار الحضاري نحو تواصل إيجابي.
وسنحاول في هذا المقال بسط الكالم عن مرتكزات جاللته في التأسيس إلسهام المغرب في
حوار جاد بين الحضارات ،والجهود العملية التي بذلها أعزه للا في تحقيق المقاصد النبيلة من
هذا الحوار ،مدللين على استنتاجاتنا بمقتطفات نفيسة من الخطب والرسائل الملكية.
أوال :مرتكزات أمير المؤمنين نصره هللا في حوار الحضارات
إن مشروع أمير المؤمنين نصره للا في مجال العالقة بين الحضارات تم بناؤه على
اسس ومرتكزات ذ ات اصول متجذرة في الثقافة المغربية ،حيث استلهم الكثير منها من
موروثنا الديني والتاريخي والجغرافي واإلنساني ،فصاغ من تلك العناصر كلها توجها إيجابيا
في التعامل مع االخر ،سالكا مسلك الحوار والتعايش والتسامح ،حاثا على التمسك بالقيم النبيلة
المشتركة بين بني اإل نسان ،وسوف نعرف فيما يلي بعض المرتكزات في مشروعه أعزه للا
كما دلت عليها خطبه ورسائله التي توجه بها إلى شعبه العزيز ،وإلى مؤتمرات عالمية في
مناسبات عديدة:
-1المرتكز الديني
ارتكز أمير المؤمنين محمد السادس نصره للا في مشروعه الحواري بين الحضارات
على مستندات دينية قوية ،فمنها ما يرجع إلى النصوص النقلية الداعية إلى حوار عميق بين
الثقافات ،وتعارف متبادل بين األمم ،ومنها ما يرجع إلى صفته أميرا للمؤمنين ،والتي تمنحه
الصالحية في تمثيل األمة في عالقتها مع اآلخر ،ومنها ما يرجع إلى المشترك القيمي بين
الديانات السماوية الثالث المتمثل في المثل العليا النبيلة التي تسمو إليها األمم الراقية.
أ -المستند النقلي
استند أمير المؤمنين نصره للا إلى المصدر األول لإلسالم الذي هو القرآن الكريم
لتجلية موقف اإلسالم الواضح في دعوته إلى التعارف والحوار بين األمم ،وترسيخ القيم النبيلة
التي جاء بها ديننا اإلسالمي الحنيف ،حيث ال تنفك خطبه ورسائله في الموضوع عن
االستشهاد بنصوص من كتاب للا ناصعة في الداللة على ضرورة قيام حوار بين الحضارات
من أجل تعارف أفضل .ومن أمثلة هذا ما رامه جاللته في رسالته إلى المشاركين في الندوة
الدولية حول موضوع »الحوار بين الحضارات في عالم متغير« المنعقدة بالرباط سنة 2001م،
حيث قال أعزه للا» :إن المأمول من هذه الندوة أن توفق إلى صياغة مبادئ عامة وخالصات
موجهة لتركيز هذه الدعائم وترسيخ تلكم المفاهيم بغية نشر التالف بين الشعوب في إبراز
للعناية الفائقة التي أوالها ديننا الحنيف للتحاور بشتى أشكاله ومستلزماته وفق ما يجليه القران
الكريم وفي إلحاح على عنصر القيم وما تستوجب من أخالق بدونها ال يمكن أن يسود التعارف
21
الذي هو في منظور اإلسالم غاية اجتماعية ،ووسيلة في الوقت نفساء لتجاوز االختالف به
21
لقوله تعالی { :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}
وكلمة لتعارفوا في هذه اآلية التي استشهاد بها هي أصل عظيم في الحوار بين األمم،
فقاد ذكر للا تعالى االختالف الذي قدره على الناس حيث جعلهم شعوبا وقبائل شتى ،وجعل
التعارف المفضي للتقارب غاية ذلك االختالف ،وليس التفاخر المفضي للصراع ،وإلى هذا
المعنى ذهب علماء التفسير حيث قالوا في تفسير قوله عز وجل "لتعارفوا" بمعنى" :جعلناكم
كذلك لتعارفوا ال لتفاخروا".3
ب -صفة أمير المؤمنين
طبقا لما جاء في دستور المملكة المغربية ،4وبناء على المشروعية التاريخية والدينية
فجاللة الملك -بوصفه أميرا للمؤمنين -هو الذي يمثل األمة في إبداء المواقف تجاه الحضارات
األخرى ،لذلك قام أعزه للا بمخاطبة األمم في المحافل الدولية بوصفه أميرا للمؤمنين،
وصادرت مواقفه في موضوع الحوار بين الثقافات على هذا األساس وباالستناد إلى ما يخوله
له الدين اإلسالمي بمقتضى منصب اإلمامة العظمي .وبهذه الصفة استطاع نصره للا تصحيح
كثير من المفاهيم ،وتوجيه األمة إلى االتجاه الصحيح ،فارتفعت بذلك مكانة المغرب سامية
بين األمم ،حتى أصبح وجهة كثير من الفرقاء في حل النزاعات الدولية واإلقليمية ،ونشر السلم
في العالم ،ونال بذلك جاللته عدة جوائز على هذه المساعي الجليلة.
ث -المشترك القيمي بين األديان السماوية الثالث
ينطلق جاللة الملك محمد السادس نصره للا في هذا الصدد من القاعدة األساسية التي
نص عليها اإلسالم ،وهي كون الديانات الثالث راجعة إلى أصل واحد ،وأن العقيدة اإلسالمية
لم تفرق بين الرسل رغم اختالف اقوامهم ،حيث أكد أعزه للا على «أن المسلمين كانوا رمز
التسامح والتعايش المرتكز على احترام أهل الكتاب .وان هذا السلوك من جانب المسلمين ظل
سلوكا متميزا عبر العصور ألنه نابع من العقيدة اإلسالمية التي تعتبر الرساالت السماوية دينا
واحدا مصداقا لقوله عز وجل {ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن باهلل
ومالئكته وكتبه ورسله ال نفرق بين أحد من رسله}.5
22
لذلك وبناء على هذا األصل المشترك بين الديانات السماوية ،وعلى تلك القيم والفضائل
المتفق عليها فيما بينها يرى موالنا أمير المؤمنين أن (أجدر الناس بالحوار اليوم لهم الذين
يشتركون في اإليمان باهلل الواحد وبالكتب السماوية المنزلة التي أكدت كلها مسؤولية البشر
جميعا أمام خالقهم يوم الجزاء ،ومساواتهم فيما بينهم ،وأن للا تعالی جعلهم مختلفين شعوبا
وقبائل والوانا ولغات ليتعارفوا ال ليتناكروا .كما أدانت تلك الكتب المقدسة الظلم والعدوان في
كل صورهما داعية إلى التأخي والتضامن في نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة .فهذه القيم
المشتركة بين أديانا ،كلها تمكننا إن نحن استطعنا تفعيلها في سلوكنا السياسي واالجتماعي
والثقافي ،من أن نصنع عالما جديدا ينعم باألمن واالستقرار والتفاهم والوفاق).1
كما أكد جاللته أعزه للا على القواعد الثابتة في عالقة األديان بالحضارات ،والتي
تدور في مجملها على خدمة حوار األديان لتعايش الحضارات ،وعلى انبثاق الحضارات من
العقيدة الدينية ،وبذلك ال يليق أن يكون هناك صراع بين الثقافات بقدر ما ينبغي أن يكون هناك
تالقح وتكامل بينها ،وفي بيان هذه القواعد يقول جاللته" :إن الحوار بين األديان هو الوجه
االخر للحوار بين الحضارات والثقافات .وهو من مسؤولية جميع المؤمنين مثلكم بأن
الحضارات اإلنسانية لم تكن أبدا في موقع الصراع فيما بينها ألنها كانت على الدوام حضارات
متكاملة فيما بينها ومتفاعلة ومتالحقة ،إلى حد أنه لم توجد حضارة منغلقة على ذاتها أو
مستغنية عن عطاءات الحضارات االخرى .وإذا كانت الحضارات كلها قد انبثقت من ينبوع
العقيدة الدينية أو ما يماثلها فإن الحوار بين األديان الذي يعد خير مدخل للحوار بين الحضارات
والثقافات يستلزم انفتاح العقل والخيال ،كما يتطلب التحلي بروح المسؤولية وقوة اإليمان
وباإلرادة القوية في مقاومة كل ما من شأنه أن يمس حريات األفراد وحقوقهم باعتبارهم ينتمون
2
إلى نفس المجموعة البشرية).
-2المرتكز الجغرافي
يتمتع المغرب بموقع جغرافي متميز ،لذلك حظي ومنذ القديم بأهمية كبرى في العالقات
الدولية ،وكذا في مجال العالقات بين الحضارات المختلفة ،فأصالة يعتبر المغرب بلدا إفريقيا،
ولكنه في الوقت ذاته بوابة إلى أوروبا ،كما أنه امتداد لحضارة المشرق ،وبهذه األبعاد
الجغرافي ة والحضارية المتعددة كان المغرب جسرا مهما بين الشرق والغرب من جهة ،وبين
إفريقيا وأوروبا من جهة ثانية ،وهذا ما أكده جاللته أعزه للا في مناسبات متعددة ،حيث قال
في أول خطاب للعرش سنة 1999م" :وإذا كان المغرب ينتمي إلى العالم العربي واإلسالمي
فإن موقعه الجغرافي على رأس القارة اإلفريقية مطال في شماله على أوروبا وفي غربه على
أمريكا يحتم علينا متابعة سياسة والدنا المقدس المتسمة بالتفتح والحوار بتقوية روابط التعاون
1من خطاب جاللة الملك محمد السادس في افتتاح المجلس اإلداري لوكالة بيت مال القدس ،مراكش اإلثنين 14
فبراير 2000م.
2رسالة أمير المؤمنين إلى المشاركين في ملتقى حوار األديان المنعقد ببروكسيل في موضوع "سلم هللا في
العالم" يوم األربعاء 19دجنبر 2001م
23
مع أشقائنا األفارقة وتمتين أواصر التبادل مع أصدقائنا األوروبيين واالمريكيين بما يعود على
منطقتنا والع الم كله بالنفع والخير في إطار أخذ وعطاء مستمرين ،وفي نطاق التقدير واالحترام
والسعي إلى أن يعم األمن والسالم".1
وفي النداء السامي الموجه إلى الشعب المغربي بمناسبة الحملة الدولية النطالق ثقافة
السالم سنة 1999م يقول جاللته مؤكدا على أهمية الموقع الجغرافي للمغرب في إسهامه في
الحوار بين الحضارات" :والمغرب بحكم موقعه الجغرافي الذي يجعل منه ملتقى الطرق
والقارات والعقائد والثقافات وانتسابه الحضاري المتمثل في جذوره اإلفريقية وفي انتماءاته
المغاربية والعربية وعالقاته المتوسطية عليه أن يجعل من السنة الدولية لثقافة السالم مناسبة
للتركيز على قيم السلم والتضامن والتعايش والتفاهم في صلب ثقافتنا ،وتوعية الجميع بأصولها
والعمل على تعزيز تلك القيم وترسيخها حاضرا ومستقبال ،وذلكم هو التوجه الصحيح الذي
ينبغي أن تقوم عليه خطة العمل التي يتبناها المغرب اليوم حتى تتخذ مساعدته في تخليد السنة
الدولية لثقافة السالم معناها العميق وأثرها المجدي الجدير باإلسالم الحق ومقاصد شريعته
2
السمحة والكفيل ببناء حصون السالم في عقول البشر وقلوبهم"
إن هذا الموقع الجغرافي كما أتاح للمغرب القيام بمهمة أساسية وهي إصالح العالقة
بين الثقافات المختلفة ،ف قد مكنه ايضا من الحفاظ داخليا على تعددية ثقافية تمتلك من الثراء
والغني الشيء الكثير ،لذلك لم تشكل مسألة التعددية الثقافية مشكال لدى المملكة المغربية البتة،
وإنما كانت دائما مصدر التنوع اإليجابي المؤدي إلى النماء والتطور والسالم .ولهذا السبب
ينوه جاللة المل ك بالتعدد الثقافي الذي كان وليد الموقع الجغرافي للمغرب ،فيقول أعزه للا:
"فالموقع الجغرافي للمغرب جعله ملتقى للتعددية الثقافية والحضارية منفتحا على ثقافات
الشعوب المتوسطية خاصة ،واألخذ بالالئق من حضاراتها دون حرج في معايشة هذه التعددية
إيمانا منه بكونها قوام غناه الحضاري .وهذا ما مكن بلدنا من أن يضطلع بدور مهم في محيطه
الجهوي والعالمي ،ومن أن يستجيب كلما دعي إلى دله وبكل ما في وسعه لإلسهام في أي
مبادرة دولية لتحقيق السالم والقضاء على التوتر ودعم أي مفاوض أو حوار إلحالل السلم
محل النزاع".3
-3المرتكز التاريخي
يعتبر تاريخ المغرب أيضا في بعض مراحله لوحات رائعة لتدبير االختالف مع اآلخر على
أساس المشترك القيمي بين الحضارات المتمثل في ترسيخ قيم التسامح والتعايش ونبذ شرور
24
العدوان والتظالم ،وقد أسهم المغرب في التالقح العلمي والحضاري بين األمم ،وذلك بتنوير
أوربا في مراحل متقادمة بلور العلم واألخالق ،فعبر جهود علمائه وحكامه انتشرت بعض
العلوم والمعارف التي عليها بنيت الحضارة اإلنسانية المعاصرة ،لذلك كان المغفور له جاللة
الملك الحسن الثاني يؤكد دائما على دور المغرب في الوصل بين الحضارات حيث قال رحمه
للا" :لقد كنت دائما أرى في بلدي صلة وصل بين الحضارات والثقافات ،وخاصة بين اإلسالم
1
والغرب"
وهكذا وفي كثير من األحيان يستند أمير المؤمنين محمد السادس نصره للا على تاريخ
المغرب وتقاليد ملوكه في ترسيخ الحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة ،حيث يؤكد ذلك
بقوله" :وإن التار يخ المعاصر ليسجل باعتزاز أن والدي المنعم جاللة الملك الحسن الثاني
قدس للا روحه كان رائدا في انتهاج سبل الحوار ثاقب النظر في كل مواقفه متشبثا بالقيم
الروحية واإلنسانية وتحكيمها في كل النزاعات الدولية ،جاعال من الحوار واالعتدال والجنوح
للسلم ومناصرة الحق قو ام مذهبه في الحكم واضعا مكانته الروحية والزمنية كملك أمير
للمؤمنين في سبيل ترسيخ ثقافة الوفاق والتفاهم والتعايش بين األمم والشعوب ،مما جعله رحمه
للا مثاال يحتذى به ومرجعا في التقريب بين األديان والحضارات والثقافات وبذل المشورة
والرأي السديد في كل المعضالت بما شهد به الجميع بمن فيهم الذين كانوا خصوما ثم اقروا
بما كان لجاللته من بعد نظر وصواب وحكمة وريادة".2
-4المرتكز المستقبلي
إن التدبير الحكيم لألمور هو ذلك الذي يتفادى فيه صاحبه قصر النظر ،ويمد عينيه
إلى المستقبل البعيد ،ألن أعمار األمم والحضارات أطول من أعمار أفرادها ،3لذلك كان من
الحكمة تجاوز التخطيط القصير األمد الذي قد ينفع الفرد ولكن ال ينفع الحضارة البتة ،ومن
يتأمل أقوال وخطوات موالنا أمير المؤمنين يجدها كلها حكمة وبعد نظر إلى مستقبل اإلنسانية
جمعاء ومآلها ،فهو دائم التأكيد على أن مصير العالم مرهون بحسن تدبير العالقة بين
الحضارات اإلنسانية على أساس التعايش والسلم ،وحل النزاعات بالطرق السلمية ،ومواجهات
النزعات العنصرية والمتطرفة ،وهذه النظرة المستقبلية ر بوصفها أساسا متينا لتدبير التوافق
على المستوى الوطني ،ودعا إلى العمل بها على المستوى الدول ويدل على ذلك قوله أعزه
للا" :وسيكون على دولة األلفية الجديدة أال تكتفي بدور مهندس التوافق الوطني ،بل عليها
أيضا أن تكون ،وباألساس ،منظما للحوار المثمر بين الثقافات والحضارات ،ومن ثم عنصرا
1الحسن الثاني :عبقرية االعتدال ،حوارات مع إيريك لوران ،تقديم صاحب الجاللة الملك محمد السادس ،الناشر
عثمان العمير ،ص .34
2الرسالة التي وجهها أمير المؤمنين إلى المشاركين في ملتقى حوار األديان المنعقد بروكسيل في موضوع "سلم
هللا في العالم" يوم األربعاء 19دجنبر 2001م.
3يقول األنثروبولوجي األمريكي رالف لنتون (1893م – 1945م)" :وللفرد عمر محدود ،أما المجتمع والحضارة
ف مستمر ان دون تحديد ،وهما يستمران عادة إلى عدد أطول من عمر أي فرد من أعضائها" .ينظر :شجرة
الحضارة ،رالف لنتون ،موفم للنشر1990 ،م ،ج ،1ص .64-63
25
مكثفا لروح المواطنة على الصعيد العالمي .هذه الروح التي تفرض على كل واحد منا أن يفكر
في مواجهة مشاكل العالم الحالي بكيفية شمولية قبل التصرف على المستوى المحلي مع الوعي
العام بطبيعة سلوكنا وانعكاساته على اآلخرين جميعهم".1
-5المرتكز اإلنساني
إن القيم اإلنسانية النبيلة تقتضي تضافر الجهود من أجل التفكير في مصير اإلنسان
فوق هذه األرض والسيما فيما يتعلق بالعالقات بين األمم والحضارات ،فاستمرار األمن
والسالم والرخاء رهين بدوام التعايش بين الناس وعدم اعتداء بعضهم البعض ،وهذا ال يتأتى
إال بحوار بين ال حضارات الكبرى في العالم يتوج بمواثيق تمنع كل إخالل بحقوق الشعوب
والثقافات المختلفة ،وهذا بالضبط ما سعى إليه موالنا أمير المؤمنين في مناسبات عديدة حث
من خاللها على ضرورة ترسيخ ثقافة التعايش وخدمة القضايا اإلنسانية ،ومن ذلك ما جاء في
رسالته السامية التي وجهه ا إلى المشاركين في المؤتمر الثالثين لجمعيات الهالل األحمر
والصليب األحمر العربية المنعقد بالرباط يوم الخميس 28يونيو 2001م ،حيث قال أعزه للا:
"وإنه لمن دواعي ابتهاجنا واعتزازنا أن ينعقد هذا المؤتمر للمرة الثانية في المملكة المغربية
ليس فقط لما لذلك من داللة على حضور المغرب كبلد للحوار في كل الملتقيات الدولية وإسهامه
في ترسيخ ثقافة التعايش وخدمة القضايا اإلنسانية وفي مقدمتها السالم والتسامح وحوار
الحضارات واألديان ،ولكن أيضا لما الحتضان هذا المؤتمر من تأكيد النخراط المغرب الفعلي
والجاد في كل المبادرات والمس اعي اإلنسانية النبيلة ذات التوجه التطوعي والتعبئة الجماعية
لخدمة البشرية في أي مجال من مجاالت الحياة الصحية واألمنية والوقائية وتقديم الغوث الالزم
لألفراد والجماعات المتضررة والسيما تلك التي تعاني الفاقة أو التعرض للكوارث الطبيعية.
فالمغرب من منطلق هويته الحضارية وقيمه اإلسالمية يهب ألداء واجبه تجاه هذا الواقع الذي
ال يمكن تطويق أفاته وانعكاساته المؤلمة إال بالتضامن الفعلي والتطوع التلقائي من لدن الدول
والمنظمات غير الحكومية وكل مكونات المجتمع المدني جاعال من أرضه منذ عقود من السنين
ملتقى الحوار في هذا الشأن".2
لذلك قدم جاللته على الدوام دعمه الكريم للقضايا اإلنسانية ،وفي مناسبات مختلفة
وحرجة كالكوارث الطبيعية والحروب ،وذلك بالمشاركة في أعمال اإلنقاذ والتدخل لحل
النزاعات ،وهذا يدل بوضوح على التجسيد الفعلي لمنظوره اإلنساني الحضاري.
1مقتطف من كلمة صاحب الجاللة الملك محمد السادس بمناسبة الحفل الذي أقامته جامعة جورج واشنطن على
شرف جاللته ،واشنطن :الخميس 22يونيو 2000م.
2الرسالة السامية التي وجهها أمير المؤمنين إلى المشاركين في المؤتمر الثالثين لجمعيات الهالل األحمر
والصليب األحمر العربية ،الرباط :الخميس 28يونيو 2001م.
26
ثانيا :بعض الجهود العملية التي بذلها أمير المؤمنين من أجل ترسيخ حوار
الحضارات
لم تكن خطابات ورسائل موالنا أمير المؤمنين مجرد أقوال ،وإنما أيدها باألفعال العملية
في الواقع ،حيث سعى أعزه للا عمليا إلى تحقيق هذه المقاصد النبيلة وذلك بخطوات عملية
منها :رده على دعاة صدام الحضارات ،ومسعاه التصحيحي لصورة اإلسالم لدى اآلخر ،وكذا
تشجيعه للدبلوماسية الثقافية الخادمة للتقارب بين األمم المختلفة.
-1الرد على دعاة صدام الحضارات
إن طريق الحوار بين الحضارات لم يخل أبدا من عراقيل ومشوشات تصدر عن
أصحاب النظرة الصراعية المتطرفة ،فما أن أعلن عقالء البشرية في العقود األخيرة عن
مشروع الحوار بين الثقافات ،حتى ظهرت محاوالت يائسة تلوح بالصدام والصراع ،وتسعى
إلى إشعال فتيل الحروب تحت ذرائع إيديولوجية زائفة .وقد تنبه موالنا أمير المؤمنين أعزه
للا لهذا المنزلق الخطير ،فاستثمر أغلب خطبه ورسائله ومساعيه من أجل الرد على مثل هذه
النزعات الصدامية مبرهنا على أنها جانبت الصواب والمنطق السليم العتبارات شتى ،منها:
أوال :إن دعاة هذه النظرية هم األعداء الحقيقيون للعقائد السماوية ،على الرغم من محاولة
انتسابهم إليها ،وذلك لمخالفتهم للمقاصد السامية لهذه الديانات.
ثانيا :إن أهداف أصحاب نظرية الصدام دنيئة حيث تتمثل في استعداء ثقافة على أخرى من
أجل إشعال فتيل النزاع وبث العنف والتطرف.
ثالثا :جهل هؤالء باألصل الواحد والقيم المشتركة لألديان السماوية الثالثة الداعية إلى
التعارف بين بني البشر ،واحترام االخوة اإلنسانية.
وهكذا يفند أعزه للا مزاعم القائلين بصدام الحضارات ،ويعتبرها فخا ينبغي تجنبه،
ويشرح ذلك بقوله" :لقد كثر الحديث عن صدام الحضارات الذي قيل إنه سيطبع القرن الحادي
والعشرين مثلما تميز القرن التاسع عشر بالمواجهات بين القوميات والقرن العشرون بصراع
اإليديولوجيات .إن هذا الطرح الذي تغذيه وتؤججه كل المخاوف إنما هو فخ يحاول أن يوقعنا
فيه من يرفضون مواجهة المعضلة الحقيقية التي يطرحها زمننا المعاصر زمن اإلذعان لمنطق
الهوة الروحية والفلسفية الذي ينذر بالسقوط في الكمين الذي نصبه االعداء الحقيقيون للعقيدة
سواء كانت عقيدة إسالمية أو يهودية أو مسيحية.
وإن الذين يحاولون تأليب بعضنا على البعض واستعداء ثقافة على أخرى ودين على
دين هم دعاة الظالمية والتقهقر الذين يحاولون أن ينسونا أن الديانات السماوية التي هي جميعها
27
جوهر رسالة إبراهيم الخليل عليه السالم في اإليمان باهلل الواحد األحد قد جاءت كلها برسالة
اإلنقاذ لإلنسانية والعمل على تقدمها المناهض للهمجية والعنف والتطرف".1
-2تصحيح صورة اإلسالم لدى األخر
إن أمير المؤمنين أعزه للا بوصفه الممثل األسمى لألمة والحامي لدينها تنبه لما تروجه
دوائر إعالمية مغرضة في العالم من تشويه لصورة اإلسالم ،وكذا التخويف منه ،والسيما بعد
أحداث 11سبتمبر األليمة حيث بذل مساعي جدية من أجل تصحيح صورة ديننا الحنيف لدى
االخر بعد التشويه الشديد الذي لقيته ،ويالحظ المتتبع لرسائله وخطبه تلك الصورة الناصعة
التي يقدمها جاللته عن اإلسالم ،والمفاهيم الكثيرة التي يصححها ،والسيما تلك التصورات
الخاطئة التي ألصقت باإلسالم في السنوات األخيرة يقول جاللة الملك في خطاب العرش العام
2000م" :وباعتبارنا أميرا للمؤمنين فقد اولينا عناية خاصة لنصرة قضايا اإلسالم والمسلمين
وتصحيح صورة اإلسالم لدى األخر وبيان حقيقته السمحة المعتدلة والسلمية"
وفي سياق بيان أبرز المهام المنوطة بالمجالس العلمية والمتعلقة بتصحيح صورة
اإلسالم يقول جاللة الملك محمد السادس نصره للا وهو يلقي خطابا أمام المجلس العلمي
األعلى والمجالس العلمية المحلية بالدار البيضاء عام 2004م" :وإننا لنتوخى من كل ذلك ليس
فقط تمكين بالدنا من إستراتيجية متناسقة كفيلة بتأهيلها لرفع كل التحديات في مجال الحقل
الديني بقيادة إمارة المؤمنين باعتبارها موحدة لألمة ورائدة لتقدمها ،بل أيضا باإلسهام العقالني
الهادف لتصحيح صورة اإلسالم مما لحقها من تشويه مغرض وحمالت شرسة بفعل تطرف
األوغاد الضالين وإرهاب المعتدين الذي ال وطن وال دين له".
وفي سياق دعوته األمة اإلسالمية جميعها حكاما وشعوبا إلى تصحيح صورة اإلسالم جاء في
الرسالة التي وجهها جاللة الملك محمد السادس إلى ملوك ورؤساء الدول اإلسالمية بمناسبة
حلول العام الهجري الجديد 1429هـ..." :إنها لرسالة حضارية خالدة ندعو للا تعالى أن يعيننا
جميعا على النهوض بها قيادات وشعوبا أفرادا وجماعات التصحيح صورة اإلسالم لدى اآلخر
وتبوئ أمتنا اإلسالمية المكانة الجديرة بها كخير أمة أخرجت للناس".
-3تشجيع الدبلوماسية الثقافية والحضارية
المقصود بالدبلوماسية الثقافية تلك األنشطة الثقافية والعلمية التي تسمح بالتعرف على
اآلخر على وجه يقع به التعارف المتبادل ،ومن ثم الحوار الثقافي من أجل التوصل إلى التعاون
والتعايش السلمي.
وهذا التعارف الذي هو أساس ومقدمة ألي حوار ممكن بين الحضارات يحتاج إلى
تواصل ثقافي ضروري ،وتبادل علمي و معرفي مسبق ،وفي هذا االتجاه سعى موالنا أمير
1الرسالة التي وجهها أمير المؤمنين إلى المشاركين في ملتقى حوار األديان المنعقد بروكسيل في موضوع "سلم
هللا في العالم" يوم األربعاء 19دجنبر 2001م.
28
المؤمنين بشكل عملي ومؤسساتي ؛ فمن جهة أسس مجموعة من الهيات محددا مهامها في
العمل من أجل إقامة حوار بين الحضارات ،كمؤسسة الثقافات الثالث بإسبانيا ،ومركز حوار
الحضارات بالشيلي ،ومن جهة ثانية ال يفتر عن تقديم الدعم والرعاية السامية لألنشطة العلمية
والثقافية الخادمة لمسعى التقارب بين الحضارات المختلفة ،وفيما يلي سنحاول تقديم تعريف
مقتضب ببعض هذه المؤسسات وكذا الجهود الملكية في هذا السياق.
أ -مؤسسة الثقافات الثالث
وهي مؤسسة اسهم المغرب في تأسيسها بتعاون مع الحكومة األندلسية سنة 1999م،
واتخذت من مدينة إشبيلية مقرا لها ،وتلقى رعاية سامية خاصة من قبل أمير المؤمنين جاللة
الملك محمد السادس نصره للا ،وذلك من أجل جعلها جسرا عمليا لتقريب الهوة بين شعوب
البحر األبيض المتوسط ،ونفى جميع االلتباسات المثيرة للشبهة فيما يخص العالقة بين ثقافات
المنطقة ،حيث يقول جاللته في بيان المبدأ الحضاري الذي قامت عليه هذه المؤسسة" :وقد
تأتي قيام مؤسستنا ،مؤسسة الثقافات الثالث واألديان الثالث لحوض المتوسط ،انطالقا من
مبدأ الترفع المقصود عن مظاهر التخوف السائدة والتغاضي عن االلتباسات األكثر إثارة
1
للشبهة"
كما يشيد جاللته بالدور الذي قامت به مؤسسة الثقافات الثالث في دحض نظرية صدام
الحضارات من جهة ،ونفي القطيعة المزعومة بين األمم من جهة ثانية ،وفي هذا الصدد يقول
أعزه للا" :لقد كانت مؤسستنا رائدة ألكثر من سبب ،ذلك أنها كانت محقة وسباقة إلى توقع
إثارة الجدل الزائف حول الصدام المزعوم للحضارات .كما بادرت قبل األوان إلى بلورة الرد
المناسب على أنصار نظرية االنكفاء على الذات والقائلين بوجود قطيعة روحية بين
الشعوب".2
ب -مركز محمد السادس لحوار الحضارات بالشيلي
هذه أيضا مؤسسة ثقافية وحضارية أسسها أمير المؤمنين نصره للا في دولة الشيلي
حيث أعطى أمر السامي لبناء هذا المركز على نفقته الخاصة أثناء زيارته للشيلي عام 2004م.
ويمثل هذا المركز جسر حوار الحضارات بين المغرب وأمريكا الالتينية ،ويخصص نشاطاته
للتعريف باإل سالم والتقريب بين الديانات المختلفة ،وهذا يدل على البعد الدولي لجهود موالنا
أمير المؤمنين المنصور باهلل في ترسيخ الحوار بين الحضارات ونشر التفاهم والوئام بين
الناس.
ج -دعم األنشطة الثقافية والعلمية الخادمة لحوار الحضارات.
1الرسالة الملكية السامية ،التي وجهها أمير المؤمنين إلى المشاركين في اجتماع مجلس إدارة مؤسسة الثقافات
الثالث واألديان الثالث لحوض المتوسط ،بمناسبة ذكرى تأسيسها العاشرة.
2نفس الرسالة الملكية.
29
ومن أجل استكمال جهوده العملية المبذولة إلقامة حوار جاد بين الثقافات ،وتجسيدا
لرؤيته المستنيرة في مجال العالقة بين الحضارات يقدم جاللة الملك دعمه الكريم لكافة
األنشطة العلمية والثقافية الخادمة للحوار والتسامح بين األمم والشعوب ،وتحظى أغلب هذه
النشاطات بالرعاية السامية ،ومن ذلك على سبيل المثال ال الحصر:
-مؤتمرات حوار األديان والثقافات سواء المنعقدة بالمغرب أو خارجه.
-مؤتمرات المنظمات اإلنسانية الدولية كالمؤتمر الثالثين لجمعيات الهالل األحمر
والصليب األحمر العربية ،حيث أعرب جاللة الملك عن اعتزازه النعقاد "هذا المؤتمر للمرة
الثانية في المملكة المغربية ،ليس فقط لما لذلك من داللة على حضور المغرب كبلد للحوار في
كل الملتقيات الدولية وإسهامه في ترسيخ ثقافة التعايش وخدمة القضايا اإلنسانية وفي مقدمتها
السالم والتسامح وحوار الحضارات واألديان ،ولكن أيضا لما الحتضان هذا المؤتمر من تأكيد
االنخراط المغرب الفعلي والجاد في كل المبادرات والمساعي اإلنسانية النبيلة".
-أغلب التظاهرات الثقافية والعلمية الدولية المتعددة األطراف والخادمة لمقصد حوار
الحضارات.
خاتمة
إن الذي يدقق النظر في خطب ورسائل أمير المؤمنين جاللة الملك محمد السادس أعزه
للا ،وفي جهوده ا لعملية الداعمة للحوار بين الثقافات ،ليلحظ انها مشروع جدي وطموح
إلصالح العالقة بين الحضارات على اساس التعارف والحوار والتعايش ،كما انها البرهان
العملي للمساعي المباركة التي يقوم بها الممثل األسمى لالمة في إبراز الصورة الناصعة لديننا
الحنيف ،ونفي الشبه عنه ؛ فعلى مستوى خطبه ورسائله صاغ خطابا برهانيا ومتماسكا للداللة
على أهمية مسلك الحوار بين األمم ،وبطالن ما عاداه من السبل الصراعية المضرة بمصير
اإلنسانية ،وعلى مستوى المساعي العملية جسد جاللته اإلشعاع الدولي لرؤيته الحوارية وذلك
بتأسيس مؤسسات ومراكز ودعم نشاطات تخدم هذا المسلك النبيل ،وبهذا يستحق عمل موالنا
أمير المؤمنين كل التقدير بل التمثل واالقتداء من أجل إبراز الدور الهام لبالدنا في تحقيق
التعايش والسلم في العالم من أجل مستقبل أفضل لإلنسانية.
30
دبلوماسية إمارة المؤمنين في إفريقيا
تمهيد
جاء في خطاب أمير المؤمنين جاللة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثالثة عشر
لتربعه على العرش " :ستظل الدبلوماسية المغربية وفية لثوابتها العريقة في التعامل مع العالم
الخارجي ،على أساس الثقة في الذات ،واحترام الشرعية الدولية ،وااللتزام بكل ما يعزز السلم
واألمن الدوليين ،ومناصرة القضايا العادلة ،وتقوية التعاون الدولي في كل مجاالته" ويقول
الدكتور عبد الهادي التازي إن "الحديث عن الدبلوماسية في المغرب هو في حقيقة األمر حديث
عن التاريخ الدولي لبالد اإلسالم "1على اعتبار أنه يوجد بالمغرب ثابت ديني ال يوجد في
غيره ،وهو إمارة المؤمنين التي في مقدمة التزاماتها بكليات الشرع حماية الملة والدين ،وهذا
ما جعل المغرب يتمتع بمقومات مؤسساتية لتحصين ثوابته التي تشكل جوامع مشتركة مع
البلدان اإلفريقية.2
ومن هذا المنطلق يأت ي البحث في دور دبلوماسية إمارة المؤمنين في تعزيز العالقات
المغربية اإلفريقية في أفق تحقيق المعجزة اإلفريقية المنشودة ،3فإمارة المؤمنين عملت على
توجيه دبلوماسيتها من خالل سياسة خارجية منفتحة مرتكزة على التعاون وحسن استثمار
الخصوصية المغربية واالنخراط في تعزيز شراكة خالقة للتعاون جنوب-جنوب وخاصة مع
4
الدول اإلفريقية".
1د .عبد الهادي التازي" الدبلوماسية في التاريخ المغربي" مالحق التاريخ الدبلوماسي للمغرب ،الجزء الثاني،
منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية2009 ،م ،ص 627
2العالقات بين المغرب ودول غرب إفريقيا" كلمة السيد أحمد التوفيق ،وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية خالل
الدورة الثالثة واألربعون ألكاديمية المملكة المغربية 10 ،دجنبر 2015م.
3في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في االجتماع الخامس والعشرين لمنتدى کرانس مونتانا
الذي افتتحت أشغاله بوم 20يونيو 2014م ،بالرباط حول موضوع "العالقات جنوب-جنوب :من خيار استراتيجي
إلى ضرورة ملحة" ،أعرب صاحب الجاللة الملك محمد السادس ،نصره هللا ،عن ثقته بأن القارة اإلفريقية بما
تزخر به من موارد طبيعية متكاملة ،وبما يتوفر عليه اإلنسان اإلفريقي من مؤهالت ،قادرة على خلق "معجزة
إفريقية".مؤكدا " إننا لواثقون بأن قارتنا ،بما تزخر به من موارد طبيعية متكاملة ،وبما يتوفر عليه اإلنسان
اإل فريقي من مؤهالت ،لقادرة على خلق معجزة إفريقية ،قوامها ضمان األمن واالستقرار ،والنهوض بالتنمية
البشرية ،وتحقيق التقدم واالزدهار لشعوبها".
4مونية سيلغوة" ،المغرب والفضاء اإلفريقي" ،الدليل المغربي لالستراتيجية والعالقات الدولية ،كتاب جماعي
صادر عن المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات االستراتيجية والدولية ،دار النشر الرمتان 2012م ،ص
.143
31
ويمكن رصد معالم دبلوماسية إمارة المؤمنين في إفريقيا من خالل القرارات
والمبادرات الدبلوماسية التي اتخذها ملوك المملكة المغربية لتعزيز الزخم الروحي المغربي
اإلفريقي الذي يمتد إلى أزيد من عشرة ق رون ،وبالتالي تحقيق االنصهار الحضاري بين كل
من المغرب والدول اإلفريقية ،الشيء الذي يؤكده استمرار الحضور الديني لألمراء
والسالطين المغاربة في القارة اإلفريقية المتمثل في عقد البيعة الشرعية بين المؤمنين في
الدول اإلفريقية وإمارة المؤمنين بالمملكة المغربية ،ففي الخطاب الملكي بمناسبة اجتماع
المجلس العلمي األعلى بالدار البيضاء يوم 30أبريل ،2004أكد جاللة الملك محمد السادس،
نصره للا ،على دور إمارة المؤمنين في النهوض بالشأن الديني ليس في المغرب وإنما في كل
البالد اإلسالمية.
وإذا كان العامل الجغرافي هو المحدد األساسي في توجيه السياسة الخارجية ،فإن انتماء
المغرب جغرافيا إلفريقيا يجعل من البلدان اإلفريقية فضاء طبيعيا وامتدادا استراتيجيا كوحدة
ترابية جيوبوليتيكية بفضل الروابط الروحية والثوابت المشتركة التي تساهم في تقوية التفاعل
والتماسك بين الشعوب ،وذلك نظرا للدور المتنامي للدبلوماسية الموازية التي تنخرط فيها
بفعالية الطرق الصوفية والزوايا والتي ال يمكن إغفالها في تاريخ المغرب مع إفريقيا ،من
خالل توظيفها للعامل الديني في تعزيز العالقات الحضارية والسياسية المغربية اإلفريقية عبر
الدبلوماسية الروحية أو دبلوماسية الزوا يا التي تؤثر بطريقة غير مباشرة في حث الحكومات
على إصدار قرارات سياسية تحقق أهدافا سياسية معينة ،وبذلك تتبوأ دبلوماسية إمارة المؤمنين
مكانة محورية في تعزيز أواصر الصداقة والتعاون والثقة مع الدول اإلفريقية ،كما جاء في
خطاب العرش بتاريخ 30يوليوز " 2004وبنفس الحزم والعزم ،فإننا لم نفتأ نجعل قارتنا
اإلفريقية في صدارة سياستنا الخارجية ،مكرسين جهودنا لتعزيز عالقاتنا مع كافة بلدانها
الشقيقة"...
وتبرز أهمية الموضوع من خالل دبلوماسية متكاملة مندمجة وفعالة واستباقية لظاهرة
اإلرهاب ،دبلوماسية ناعمة وهادئة أكثر عمقا ووقائية من المقاربة األمنية ،وهنا سنحاول
اإلجابة على إشكالية محورية مفادها مدى مساهمة دبلوماسية إمارة المؤمنين في تبوئ المغرب
موقع القائد الجيو -استراتيجي ،فإلى أي حد ساهمت دبلوماسية إمارة المؤمنين في تقوية
الحضور المغربي على الساحة اإلفريقية؟ وما هي المزايا الجيواستراتيجية لتفعيل الدبلوماسية
الروحية في إفريقيا؟
وعموما سنحاول اإلجابة على هذه اإلشكالية من خالل العناصر التالية:
• مرتكزات الواجب المغربي تجاه إفريقيا كمحدد أساسي في دبلوماسية إمارة المؤمنين.
• تجليات دبلوماسية إمارة المؤمنين في عهد جاللة الملك محمد السادس نصره للا.
• األفاق الواعدة لدبلوماسية إمارة المؤمنين في إفريقيا.
32
مرتكزات الواجب المغربي تجاه إفريقيا كمحدد أساسي في دبلوماسية إمارة
المؤمنين
إن الواجب المغربي تجاه إفريقيا يجد تبريره في الوحدة الدينية والمذهبية والتواصل
الروحي والوجداني المتجذر بين مؤسسة إمارة المؤمنين وشعوب غرب ووسط إفريقيا عبر
طرقها الصوفية ،لقد اقترن التطور التاريخي للمغرب بالمرجعية الدينية للسلطة المتمثلة في
إمارة المؤمنين بمقاصدها الشرعية 1وغاياتها السامية ،2وفي عهد الدولة العلوية الشريفة
ازدادت هذه المؤسسة قوة ورسوخا وشموال ووضوحا وامتدادا حتى أضحت مؤسسة فوق
وطنية ،وبذلك شكلت هذه المؤسسة ضمانة أساسية لتحقيق األمن الروحي للبلدان اإلفريقية.
ويتم تع الملك بوصف أمير المؤمنين دستوريا وتاريخيا ،باعتباره حامي حمى الملة
والدين ،وبصفته "حاكما يحكم" أما السلطات المعهودة لرئيس الحكومة والسلطات الوزارية
األخرى في مجال العالقات الدولية في سلطات ممنوحة على أساس التفويض ،ومن ثم فللملك
سلطات واسعة في مجال السياسة الخارجية ،وهذه المسؤولية تخوله سلطات واسعة لحماية
السيادة المغربية ،وحرية التصرف واتخاذ المبادرات على الصعيد الخارجي ،3كما أن الملك
يستلهم البعد الديني للحكم من تجربة الملك الوراثي ،حيث كان الخليفة هو الممثل األسمى لألمة
تجاه األمم األخرى والمسؤول األول عن األمن الخارجي للجماعة المسلمة.4
فتاريخ العالقات المغربية اإلفريقية يعود على وجه التحديد إلى عهد الدولة المرابطية
التي نشأت في صحراء موريتانيا وامتدت إلى شمال إفريقيا بل وحتى إلى األندلس ،حيث اتخذ
المرابطون في جيوشهم عددا كثيرا من سكان إفريقيا الغربية والوسطى الذين شاركوا في
الفتوحات اإلسالمية األولى لألندلس ،على اعتبار أن اإلسالم انتشر في إفريقيا من المغرب
إلى السنغال ثم إلى باقي دول غرب ووسط إفريقيا (غانا ومالي والسنغال وغامبيا ،)...وذلك
منذ أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميالديين عبر الطرق الصوفية القادرية
1تتمثل المقاصد الشرعية إلمارة المؤمنين في حفظ الدين ،حفظ العقل ،حفظ دماء المسلمين ،حفظ األعراض،
واألموال وسياسة المسلمين.
2تتمثل الغابات السامية في:
• توحيد المرجعية الدينية لألمة وحفظ الخصوصية المذهبية.
• تحقيق اإلجماع حول مفهوم موحد للمصلحة والمفسدة الشرعية
• ضمان الحقوق والحريات لجميع األفراد الذين تحت إمرة أمير المؤمنين.
• تنظيم وتأطير المجال الديني.
3
Radouane Alami « La place de L'islam dans la constitution 2011 », Revue
ALMANARA pour les études juridiques et Administratives, N 8, JANVIER 2025
p.p 78-81
4سعيد الصديقي "صنع السياسة الخارجية المغربية" أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بوجده ،مارس 2002م ،ص 51.
33
والتيجانية ، 1والشاذلية والسنوسية التي ساهمت في نشر اإلسالم في عموم إفريقيا الغربية
والوسطى ،وبذلك تكرس البعد الروحي للمغرب في إفريقيا في تبني الثوابت الدينية المغربية،2
حيث امتد هذا العمق الروحي في عهد الدولة المرابطية إلى حدود من السينغال جنوبا ،وتؤكد
مجموعة من الوثائق التاريخية عالقات الوالء التي كانت تربط بين األقطار اإلفريقية والدول
التي تعاقبت على حكم المغرب ،وإلى يومنا هذا يمكن أن نالحظ انجذاب الطرق الصوفية
بإفريقيا (القادرية والتجانية) نحو المغرب ومدى تعلقها بإمارة المؤمنين.
وتعود الجذور التاريخية لمصطلح أمير المؤمنين إلى تحقيق المغرب الستقالله عن
الخالفة المشرقية ،حيث أصبح يوسف بن تاشفين يلقب بأمير المغرب ثم اتخذ لنفسه لقب أمير
المسلمين وناصر الدين ،واستمر ذلك إلى أن تولى عبد المومن الموحدي الحكم ليلقب نفسه
بالخليفة أمير المؤمنين ،واستمر هذا اللقب مع الدولتين السعدية والعلوية ،3وعلى اعتبار أن
مريدي وأتباع الطرق الصوفية ارتبط شيوخهم المؤسسون بروابط البيعة الشرعية مع ملوك
المغرب ،فإن فلسفة دبلوماسية إمارة المؤمنين تكمن في استثمار الروابط الدينية والزخم
الروحي والوجداني لمؤسسة إمارة المؤمنين في رسم معالم السياسة الخارجية المغربية في
صيغتها اإلفريقية وإعادة تأسيس التوازنات الجيو-استراتيجية في منطقة الساحل وإفريقيا
الغربية على وجه الخصوص لمواجهة تحديات التنمية والتهديدات اإلرهابية التي تؤثر على
استقرار وأمن البلدان اإلفريقية.
و يمكن جرد مرتكزات الواجب المغربي تجاه إفريقيا من خالل تحليل مجموعة من
العناصر
أوال :روابط البيعة بين إمارة المؤمنين والشعوب اإلفريقية
كانت البيعات في الدولة العلوية تنص بعناية على مسؤولية اإلمام الخليفة مع اشتراط
حفظ األمور الخمسة :الدين والنفس والعقل والمال والعرض ،4وكانت معلقة بجدران ضريح
موالي إدريس بفاس ،لتكون دستورا مكتوبا يطلع عليه من شاء ليظل وفيا له ،5وتعتبر البيعة
1أحمد بن محمد التجاني ،ارتحل من مسقط رأسه (عين ماضي) وهو ابن إحدى وعشرون سنة لطلب العلم بمدينة
فاس وأصبح فقيها مالكيا ملما باألصول والفروع ،وصار شيخا للطريقة التي تنسب إليه والتي عملت على نشر
اإلسالم في إفريقيا بوسائل سلميه تتمثل في التجارة والتعليم وبذلك شكلت الطريقة التيجانية إحدى الجسور
الروحية المثبتة والقوية بين المغرب وإفريقيا.
2أبو بكر القادري " الدعوة اإلسالمية في إفريقيا ونظرة على أحوال المسلمين ببعض أقطارها الغربية ،دعوة
الحق ،إفريقيا القارة اإلسالمية :ماضيا وحاضرا ومستقبال ،العدد ،269أبريل -ماي 1988م ،ص.ص 160-
.193
3محمد إدريسي توراغي " إمارة المؤمنين :دعامة لألمن الروحي" مجلة دعوة الحق ،مطبعة المعارف الجديدة
الرباط ،العدد 397شعبان 1431يوليوز ،2010ص .26
4الدرس الحسني الذي ألقاه األستاذ أحمد التوفيق ،وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية بتاريخ فاتح يوليوز 2014
في موضوع خول "حماية الملة والدين وألياتها في المملكة المغربية" .الدروس الحسنية ،1435/ 2014،ص19
5حسن السابع" تطور عقد البيعة بتطور مستجدات التزامات الدولة" البيعة والخالفة في اإلسالم ،الدروة الثانية،
العيون ،يوليوز ،.1994ص
34
بمثابة اآللية الشرعية لتولية وتنصيب أمير المؤمنين ،وتجدر اإلشارة إلى أن البيعة في التجربة
المغربية تتميز بأنها عقد مكتوب ومشهود عليه وأنها ذات قيمة رمزية كبرى وتعطي مكانة
خاصة باالعتقاد في بركة العهد الجديد المترتب ،في عقد ملزم ،1كما أن عنصر النسب الشريف
جعل من البيعة رابطة وجدانية تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية المعاصرة وتقدم مؤسسة
إمارة المؤمنين باعتبارها رمزا لإلمامة العظمى التي من أولوياتها حفظ الدين وسياسة الدنيا،
وفي المقابل السمع والطاعة يعززهما الوالء واالنتماء والمناصرة والتأييد امتثاال ألمر للا
2
تعالى.
على هذا األساس ،تعتبر إمارة المؤمنين دعامة من دعائم حفظ الدين وركيزة من ركائز
حماية الوطن ،فهي جزء ال يتجزأ من اإلسالم ،وممارسة الحكم في ظلها ممارسة تعبدية،
وتتلخص حماية حفظ الدين في إقامة شعائره وإلزام العامة بتطبيق أحكامه ،والدفاع عن
مصالحه والعناية بمسؤولياته في حراسة الدين وسياسة الدنيا ،3وتحقيق األمن ،وفي هذا السياق
يقول فضيلة األستاذ محمد يسف األمين العام للمجلس العلمي األعلى أن "لقب أمير المؤمنين
ونظام البيعة والخالفة يمثل االختيار السديد لنظام الحكم الذي أجمعت األمة على التمسك به
والعض بالنواجذ عليه ،والتف حوله علماء الملة وفقهاء الشريعة ،"4فإمارة المؤمنين هي
الحصن الحصين في الحفاظ على الدين وصونه ورعاية أموره ،لذلك أوجب اإلسالم االلتفاف
حولها وطاعة ما يصدر عنها من التوجيهات ،5فمهام أمير المؤمنين في حفظ الدين وحماية
بيضة اإلسالم والمسلمين تحققت وفق تصور قائم على احترام العبادات ،وتأهيل المؤسسات
ورسم اآلليات الخادمة للثوابت والمقدسات ،6ولتأكيد استمرارية هذه الخصوصية تمت دسترة
هذه المؤسسة في مختلف الدساتير المغربية بما في ذلك دستور 2011الذي نص في الفصل
41منه على أن "الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة
الشؤون الدينية" ،كما أن رعاية الشأن الديني يندرج في صلب صالحيات أمير المؤمنين حيث
ينص الفصل 5من دستور 2011على " أن اإلسالم دين الدولة ،والدولة تضمن لكل واحد
جربة ممارسة شؤونه الدينية".
1
http://habous.gov.ma/2012-01-26-16-09-45.html?limitstart
2إبراهيم صالح الحسيني "مكانة أولي األمر في اإلسالم" ضمن كتاب "الدروس الحسنية" منشورات وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية ،دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الطبعة األولى ،2008ص .77
3يظهر ذلك جليا من خالل مقتضيات الفصل 42من دستور 2011الذي ينص على أن "الملك رئيس الدولة،
وممثلها األسمى ،ورمز وحدة األمة ،وضامن دوام الدولة واستمرارها"...
4خطب إمارة المؤمنين في الشأن الديني والنصوص المنظمة للمؤسسة العلمية منشورات المجلس العلمي األعلى
دجنبر 2008م .ص 16
" 5برنامج تأهيل أئمة المساجد في إطار خطة ميثاق العلماء" ،اللقاء الثاني ،السبت 16يناير 2010م ،منشورات
وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،ص 3
6األستاذ عبد الحميد العلمي" إمارة المؤمنين وتحقيق قصد الحفاظ على الدين " دعوة الحق ،العدد ،393السنة
،52يوليوز 2009م ،ص .130
35
ثانيا :تعلق مريدي وأتباع الطرق الصوفية بشخص الملك
تعد الزيارة الملكية إلفريقيا بمثابة زيارة إمام ألمة تعتقد فيه وفي بركته ونسبه الشريف،
كما يستغل أتباع الطرق الصوفية الزيارات الملكية لتجديد بيعتهم الشرعية ألمير المؤمنين
باعتبارها بيعة روحية قبل كل شيء.
وقد تغلغلت الطرق الصوفية 1ذات المنشأ المغربي في إفريقيا وساهمت في تأسيس نوع
من التواصل الصوفي المغربي اإلفريقي في إطار شبكة من العالقات التاريخية التي تربط بين
المغرب واألقطار اإلفريقية وخاصة غرب ووسط إفريقيا ،2ويمثل أحد أوجه الدبلوماسية
الموازية أو الهادئة أو غير الرسمية من خالل مساهمتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في
التأثير على صناع القرار السياسي اإلفريقي بما يحقق أهداف السياسات الخارجية.
وهكذا استمر هذا التواصل الصوفي ونما على امتداد الدول المتعاقبة على حكم
المغرب ،وبذلك عرف هذا التواصل تطورا ملحوظا برز من خالل مجموعة من المظاهر
الروحانية التي شكلت هذه العالقات ،من خالل إعادة بعث األدوار التربوية والروحية التي
يمكن أن تقوم بها الزوايا .ففي لقاء سيدي شيكر الذي ضم كل متصوفي العالم ،كان الرهان
على دور الطرق الصوفية ،في تعزيز روابط التواصل مع العمق اإلفريقي للمغرب وبناء
عالقات جديدة تقوم على تمكين أتباع الزوايا وخاصة الطريقتين التيجانية والقادرية من أدوار
دبلوماسية تساهم في تقوية الروابط بين المغرب والدول اإلفريقية ،وبالتالي تقوية دور هذه
الطرق كقنوات دبلوماسية غير رسمية من شأنها التأثير على الفاعل الرسمي في السياسة
الخارجية اإلفريقية .3
وقد راهنت إمارة المؤمنين على الطرق الصوفية في الجزء الجنوبي والغربي إلفريقيا
بشكل خاص کورقة رابحة في العالقات المغربية اإلفريقية بالنظر للدور الدبلوماسي الذي تقوم
به هذه الطرق الصوفية ،وخاصة الزاوية التيجانية في توجيه وتكييف العالقات المغربية
اإلفريقية من خالل قدرتها على التأثير السياسي واالنتخابي في البلدان اإلفريقية.
1الطرق الصوفية مدارس دينية علمية تربوية سلوكية ،ظهرت كتنظيمات سلوك جماعي في العصور المتأخرة،
ومعظم هذه الطرق راجعة إلى أصول ثالثة:
.1قادرية :نسبة إلى عبد القادر الجيالني دفين بغداد؛
.2شاذلية :نسبة إلى أبي الحسين الشاذلي نزيل مصر ودفينها؛
.3تجانية :نسبة إلى أبي العباس التجاني دفين فاس.
2
John O. HUNWICK « Les rapports intellectuels entre le Maroc et l’Afrique sub-
saharienne à travers les ages >> chaire du Patrimoine Maroco - Africain Série
Conférences (2) Publications de L'institut des Études Africaines 2014, p16.
3عادل مساوي " عالقات المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية" أطروحة دكتوراه في
القانون العام ،جامد محمد الخامس أكدال الرباط ،الموسم الجامعي ،2002-2003ص .ص 75-79
36
وقد جرت العادة أن يحرص ملوك المغرب على عقد لقاءات مع رموز التصوف خالل
زياراتهم المتعاقبة للدول اإلفريقية ،دل على ذلك االستقبال الكبير الذي يخص به شيوخ وأتباع
الطريقة التيجانية في السينغال الزيارات الملكية للسينغال بحيث يحرص جاللة الملك محمد
السادس نصره للا ،بصفته أميرا للمؤمنين منذ توليه العرش على رعاية هذه الوشائج الروحية،
خاصة العالقات مع الطرق الصوفية ،ورعاية اللقاءات الصوفية بإفريقيا (االحتفال السنوي
الذكرى خروج الشيخ أحمد أمباكي مؤسس الطريقة المريدية إلى المنفي ،احتفاالت المولد
النبوي الشريف بالسينغال)...
ثالثا :مبادرات إمارة المؤمنين بإفريقيا
يمكن التمييز بين ثالث محطات أساسية في دبلوماسية إمارة المؤمنين بإفريقيا وهي:
-1منذ فجر استقالل الدول اإلفريقية التزمت المملكة المغربية بتحقيق وحدة القارة اإلفريقية ،حيث
انخرط المغرب في تأسيس منظمة الوحدة اإلفريقية.
-2في ثمانينات القرن العشرين انسحب المغرب من منظمة الوحدة اإلفريقية وفي المقابل تم
تعزيز العالقات الثنائية مع الدول اإلفريقية إلى مستوى شراكة حقيقية وتضامنية في إطار
مقاربة جديدة للتنمية.
-3العودة المظفرة للمغرب إلى حظيرة االتحاد اإلفريقي كقرار منطقي جاء بعد تفكير عميق .1
وقد خصصت دبلوماسية إمارة المؤمنين هدفا استراتيجيا للرفع من التعاون مع البلدان
اإلفريقية ليصل إلى مستوى شراكة حقيقية فاعلة وتضامنية وإعطاء دفعة قوية للتعاون جنوب۔
جنوب للمغرب مع فضائه اإلفريقي عبر سياسة التعاون التي تتكفل بها الوكالة المغربية للتعاون
الدولي 2التي تضمن نشر ونقل التجربة والخبرة المغربية ألطر ومعاهد البلدان اإلفريقية،
باإلضافة إلى االلتزام مع عدد من الممولين (فرنسا وبلجيكا واليابان واالتحاد األوروبي
ومنظمة األمم المتحدة للتغذية والزراعة ،إلى جانب وكاالت تنموية أخرى) من أجل تنفيذ
مشاريع كبرى في إ فريقيا وعلى الصعيد السياسي قدم المغرب دعمه لمبادرات األمم المتحدة
الرامية إلى استتباب االستقرار في إفريقيا كما لعب دورا مهما في إيجاد حل لبعض الصراعات
اإلقليمية كما هو الشأن للوساطة التي قامت بها إمارة المؤمنين والتي توجت سنة 2002
باجتماع رؤساء كل من ليبيريا وسيراليون وغينيا لتسوية خالفاتها ،3وسبق للمغرب أن عبر
عن تضامنه مع الدول اإلفريقية في مواجهة المشاكل االقتصادية واالجتماعية اآلنية
1صادق البرلمان المغربي على قانون رقم 01.17يوافق بموجبه على القانون التأسيسي لالتحاد اإلفريقي الموقع
في "لومي بالطوغو" في 11يوليوز 2000كما تم تعديله بالبروتوكول الملحق به ،المعتمد بأديس أبابا بإثيوبيا
في 3فبراير ،2003وبمابوتو بالموزمبيق في 11يوليوز .2003
2تتكلف الوكالة المغربية للتعاون الدولي بـ :تكوين األطر والتعاون التقني والتعاون االقتصادي والمالي
والمساعدات اإلنسانية.
3حسني محمد حسن "التوجهات اإلفريقية للسياسة الخارجية المغربية" آفاق إفريقية ،المجلد الحادي عشر،
العدد ،2013 ،38ص-ص 100-98
37
والمستقبلية ،حيث ألغي جميع ديون البلدان اإلفريقية األقل نموا تجاه المملكة المغربية ورفع
كل الحواجز الجمركية عن المواد المستوردة من هذه البلدان.1
فمؤسسة إمارة المؤمنين تقوم بتثمين رمزيتها الدينية والروحية وتوظيفها في تدعيم
وتعزيز العالقات المغربية اإلفريقية وخاصة بدول الساحل وإفريقيا الغربية ،والسيما أمام
تزايد الدول الشقيقة الراغبة في االحتذاء بالتجربة المغربية في مجال تدبير الحقل الديني على
ضوء الرؤية االستباقية والمرنة لمحاربة اإلرهاب ( يتعلق األمر بـ :مالي وتونس ،وغينيا
كوناكري والكوت ديفوار ،ونيجيريا وليبيا) ،مما يبرز الدور القيادي الرائد والطالئعي
للمشروع المغربي الديني في إفريقيا من خالل استعادته إلشعاعه الروحي في القارة اإلفريقية
والحضور المتميز للمحدد الديني ضمن المقاربة األمنية لمحاربة اإلرهاب في ترسيخ فكر
الوسطية واالعتدال وتأكيد دور إمارة المؤمنين كمؤسسة وطنية تمثل صمام األمان لنموذج
رائد يقوم على الوسطية واالعتدال في تدبير الشأن الديني اإلفريقي وتأهيله لمواجهة الغلو
والتطرف ،وفي هذا السياق يمكن اإلشارة إلى إنشاء المجلس الوزاري المغاربي للشؤون
الدينية -إبان انعقاد الدورة 31لمجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي :بالرباط
بتاريخ 05ماي 2013م -تبعا لتوصية "بيان نواكشوط" 2الصادر عن االجتماع األول لوزراء
الشؤون الدينية لدول اتحاد المغرب العربي المنعقد بنواكشوط في 24شتنبر 2012م ،والذي
تناول الوضع األمني في منطقة المغرب العربي وجوارها اإلقليمي ،بحيث تبنى المطالب
التالية:
-ضرورة إبراز صورة اإلسالم الحقيقية مع التركيز على المنهج السني الوسطي الذي
يرفض التطرف والغلو.
-ضرورة التحصين الفكري والثقافي للمجتمعات المغاربية عبر التشبث بالمذهب
المالكي والعقيدة الشعرية بوصفهما قاسمين مشتركين للبلدان المغاربية.
-العمل على التنسيق بين المؤسسات الحاضنة لإلسالم في منطقة المغرب العربي.
ولعل من بين مبادرات إمارة المؤمنين بإفريقيا ،الدعم المالي والتقني لبناء المساجد
بإفريقيا وتفريشها وصيانتها ،بحيث تفضل أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس
نصره للا فوافق على بناء مسجد كبير بالعاصمة التشادية أنجامينا (شهر أكتوبر )2007إضافة
إلى بنا ء مركب ديني وثقافي بجوار المسجد ،وبناء مسجد محمد السادس ومرافقه بمدينة
1رشيد العرجيوي " عشر سنوات من إنجازات أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا"
دعوة الحق ،العد ،393السنة ،52يوليوز ،2009ص .85
2بتاريخ 09أبريل 2013تم التوقيع على محضر االجتماع األول لكبار الموظفين في الوزارات المسؤولة عن
الشؤون الدينية في دول اتحاد المغرب العربي بالرباط ،والذي وضع برنامجا تنفيذيا لتطبيق بيان نواكشوط عن
طريق برمجة 18اجتماعا في نطاق المجلس الوزاري المغاربي للشؤون الدينية تتعلق بعقد ندوات فكرية في
الفقه المالكي والعقيدة األشعرية وترشيد الطرق الصوفية في بلدان المغرب العربي واالهتمام بالسنة النبوية
والحديث الشريف وطباعة القرآن الكريم بروايتي ورش وقالون ،باإلضافة إلى عقد لقاء مغاربي في مجال تكوين
الوعاظ والمرشدين.
38
كوناكري ( 24فبراير ،)2017ليكون جاهزا في غضون 28شهرا ،وكذا إصالح مسجد
السالم بياموسوکرو بجمهورية كوت ديفوار ،باإلضافة إلى بناء مسجد محمد السادس ومرافقه
بمدينة دار السالم على قطعة أرضية مساحتها 7400متر مربع تابعة للمجلس األعلى للشؤون
اإلسالمية بتانزانيا ( 25أكتوبر ،)2016كما حرص أمير المؤمنين إبان زيارته للبلدان
اإلفريقية على أداء صالة الجمعة ببعض مساجدها :مسجد الشورى بزنجبار بجمهورية تنزانيا
االتحادية ( 28أكتوبر ،)2016والمسجد الكبير بدكار بالسنغال( 11نوفمبر ،)2016ومسجد
أنتسيرابي بمدغشقر ( 23نونبر ،) 2016ومسجد أنتاناناريفو بمدغشقر ( 25نونبر ،)2016
والمسجد الوطني بأبوجا بجمهورية نيجيريا( 02دجنبر ،)2016ومسجد أهل السنة والجماعة
بكوناكري بالجمهورية الغينية ( 24فبراير ،)2017والمسجد الكبير لحي ريفيرا بأبيدجان
بجمهورية الكوت ديفوار ( 03مارس ،)2017وعقب صالة الجمعة تفضل أمير المؤمنين
بإهداء هبة مكونة من 10آالف نسخة من المصحف المحمدي -باإلضافة إلى نسخ مترجمة
إلى اللغة الفرنسية -لكل مسجد من المساجد التي أدى بها جاللته صالة الجمعة.
تجليات دبلوماسية إمارة المؤمنين في عهد جاللة الملك محمد السادس نصره
هللا
تتجلى دبلوماسية إمارة المؤمنين في عهد جاللة الملك محمد السادس نصره للا في:
-الزيارات الملكية الميمونة للدول اإلفريقية (أوال)
-الجانب التأطيري (ثانيا)
-الجانب التكويني (ثالثا)
أوال :الزيارات الملكية الميمونة للدول اإلفريقية
في كل زيارة يقوم بها أمير المؤمنين إلفريقيا يتم استقباله كقائد جديد ،وثقت فيه شعوب
إفريقيا وقاداتها ،يحمل آمالها وحلمها بمستقبل واعد ،ويتقدمهم للدفاع عن مصالحهم في
المحافل الدولية ،1ثم إن القراءة المتأنية للزيارات الملكية بالبلدان اإلفريقية تعكس النظرة
التكاملية التي طبعت كل تحركات ونشاطات جاللة الملك محمد السادس ،نصره للا ،خاللها،
فقد غطت كل المجاالت بلقاءاته ومباحثاته الرسمية ،كما شكلت هذه الزيارات مناسبة لتجديد
العالقات الروحية بين المغرب ودول غرب إفريقيا ،وتندرج الجوالت اإلفريقية التي يقودها
الملك أمير المؤمنين في عدد من البلدان اإلفريقية ،في أفق تعزيز العالقات الثنائية ،وعلى
رأسها عالقات التعاون الديني ،وبذلك يقدم المغرب استراتيجية مندمجة وشاملة ومتعددة األبعاد
1عبد هللا بوصوف "المغرب وإفريقيا نحو آفاق جديدة لعالقات متجددة" دعوة الحق ،العدد ،421السنة ،59
يونيو 2017م ،ص 31
39
تستهدف الحفاظ على األمن الروحي اإلفريقي ،وفي هذا السياق فإن الزيارات التي قام بها
الملك محمد السادس إلى السنغال والغابون والكوت ديفوار في مارس 2013م ،كرست
توجهات الدبلوماسية الملكية في استثمار الخصوصية الدينية المغربية المتمثلة في ممارسة
اإلسالم الوسطي المعتدل والتمسك بالتصوف السني والمذهب المالكي والعقيدة األشعرية
كصمام أمان للحيلولة دون أي اختراق فكري من شأنه تهديد أمن القارة اإلفريقية.
وعموما فقد قام الملك محمد السادس بزيارات رسمية أو زيارات صداقة وعمل إلفريقيا
إلى كل من :الكاميرون (2001و ،)2004والسينغال (2001و 2005و 2006و2008
و) ،)2013والغابون ( 2002و 2004و 2005و 2006و ،)2013وجنوب إفريقيا )،(2002
والبنين ) ،(2004والنيجر ( 2004و ،)2005وبوركينافاصو ) ،(2006والكونغو )(2006
وغينيا االستوائية ) ،(2009والكوت ديفوار ) ،(2013وإلى كل من مالي وغينيا والكوت
ديفوار والغابون في فبراير ،2014وتمثل هذه الزيارات تجسيدا اللتزام المملكة المغربية من
1
أجل استقرار ورفاهية القارة اإلفريقية
ثانيا :الجانب التأطيري
في هذا الجانب يمكن الحديث عن دور كل من رابطة علماء المغرب والسينغال للصداقة
والتعاون اإلسالمي ومؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة
• رابطة علماء المغرب والسينغال للصداقة والتعاون اإلسالمي.
تم تأسيس رابطة علماء المغرب والسنغال للصداقة والتعاون اإلسالمي -تحت الرعاية
السامية للمغفور له جاللة الملك الحسن الثاني وفخامة الرئيس السابق لجمهورية السنغال عبدو
ضيوف وذلك بمقر مجلس النواب مجلس النواب يوم 13رمضان األبرك 1405الموافق ل
03يونيو ، 1985وذلك بهدف إبراز التمازج الحضاري واإلنساني والتاريخي والجغرافي
والعل مي والديني الذي يربط بين شعبي المملكة المغربية وجمهورية السنغال ،وتقوية أواصر
المودة ووشائج المحبة والتعاون بين البلدين الصديقين ،وتقوية لحضور المملكة المغربية الديني
والروحي وإشاعة القيم اإلسالمية السمحة وتعزيز وحدة المذهب المالكي والتصوف السني،
وتدعيما لإلشعاع الديني والفكري والعلمي لبالدنا في القارة اإلفريقية.
وخالل الفترة الممتدة من 02إلى 04فبراير 1988م انعقد بالعاصمة السينغالية دكار
المؤتمر ألول لرابطة علماء المغرب والسينغال للصداقة والتعاون اإلسالمي تحت الرعاية
السامية للمغفور له الملك الحسن الثاني والرئاسة الفعلية للرئيس السينغالي السابق عبدو
ضيوف ،مع حضور ممثلين عن بلدان إفريقية وهي نيجيريا وغامبيا وموريتانيا وتشاد وغينيا
1عبد الحق المريني ،مؤرخ المملكة لمغربية" ،الزيارة الملكية السامية للجمهورية المالية" المطبعة الملكية
بالرباط2013 ،م ،ص .17
40
ومالي والتي عبرت عن رغبتها خالل المؤتمر في االنضمام إلى رابطة علماء المغرب
والسينغال.
• مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة
تم إح داث مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.15.75
الصادر في 24يونيو -2015استنادا إلى الروابط الدينية والثقافية التي تجمع المملكة المغربية
بعدد من بلدان إفريقيا ،وبحكم ما تستوجبه الظروف الراهنة من إيجاد إطار من التعاون بين
علماء المغرب وعلماء البلدان اإلفريقية من جهة ،وبين هؤالء العلماء بعضهم مع البعض ،من
جهة أخرى ،على ما يحفظ الدين من التحريف والتطرف ،وما يجعل قيمه السمحة في خدمة
االستقرار والتنمية في هذه البلدان.
في هذا السياق جاءت مبادرة أمير المؤمنين ،صاحب الجاللة الملك محمد السادس،
أعزه للا ،بإحداث هذه المؤسسة ،لتكون إطارا مؤسساتيا يضطلع فيه العلماء بمسؤولية أداء
واجبهم والقيام بأمانتهم ،سيما وأن ما يهم بلدا إفريقيا في مجال فكرة السلم والبناء بهم بلدان
إفريقيا بأسرها.
وينص الظهير الشريف المحدث للمؤسسة على إمكانية إحداث فروع لها في مختلف البلدان،1
ويؤكد على أن إحداث تلك الفروع يتم وجوبا في مراعاة لقوانين البلد وأوضاعه ،وينبغي أن
يفهم من هذا التأكيد أن فرع المؤسسة في بلد ما ال يمكن أن يكون بديال ألي هيئة وطنية أو
محلية رسمية أو أهلية ،وأنه ،إن جاز له أن يتعاون مع الجهات ذات األهداف المشابهة ،فإنه
ملزم بالعمل بالتي هي أحسن وبإخالص وحكمة وصبر ويقظة.
ثالثا :الجانب التكويني
يتعلق األمر بجامعة القرويين وبعض المؤسسات التابعة لها كمعهد محمد السادس
لتكوين األئمة المرشدين والمرشدات ومؤسسة دار الحديث الحسنية ومعهد محمد السادس
للقر اءات والدراسات القرآنية ،فجامعة القرويين تشكل حلقة مهمة ومركزية في خريطة التعليم
الديني بالمغرب ،نظرا لعراقتها وعمقها التاريخي الحضاري ،وفي سنة 2015تمت إعادة
هيكلة جامعة القرويين التي توضع تحت الرعاية السامية للملك ،وتخضع لوصاية الدولة التي
يمارسها وزير ا ألوقاف والشؤون اإلسالمية ،وهو ما يعني دخولها في قائمة مؤسسات التعليم
العالي التابعة لجامعة القرويين في صيغتها الجديدة فهي:
• مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط
• معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية بالرباط
• معهد محمد السادس لتكوين األئمة والمرشدين والمرشدات بالرباط
41
• المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب
• معهد الفكر والحضارة اإلسالمية بالدار البيضاء
• جامع للتعليم النهائي العتيق بفاس
1
وأضحت جامعة القرويين منوطة بالمهام التالية:
-تكوين األئمة والمرشدين والمرشدات وتأهيلهم تأهيال معمقا ،يمكنهم من اكتساب
المناهج والمعارف الالزمة لقيامهم بمهامهم الدينية على الوجه المطلوب.
-إعداد برامج خاصة للتكوين والتأهيل والتكوين المستمر في مجال التأطير الديني
والسهر على تنفيذها.
-تنمية البحث العلمي في مجال الدراسات القرآنية والحديثية والعقدية والفقهية وقضايا
الفكر اإلسالمي المعاصر ،واإلسهام في التطوير والتشجيع على القيام به.
-اإلسهام في التعريف بالعلوم اإلسالمية وتاريخها والعمل على نشر الدراسات واألبحاث
والمصادر المتعلقة بها.
-اإلسهام في التعريف بتاريخ المغرب وتوثيقه وإنجاز الدراسات واألبحاث المتعلقة به.
-اإلسهام في التعريف بال تراث الفقهي اإلسالمي ،وبالفقه المالكي منه على الخصوص،
والعناية بمصادره ،والعمل على نشره.
-إنجاز دارسات وأبحاث والقيام بأعمال الخبرة في مجال اختصاصها.
-إقامة عالقات للتعاون العلمي مع الجامعات والمؤسسات والهيئات العلمية العامة
والخاصة الوطنية واألجنبية التي تسعى إلى تحقيق نفس األهداف.
ويأتي إحداث معهد محمد السادس لتكوين األئمة المرشدين والمرشدات نظرا للدور
الذي يقوم به األئمة المرشدون والمرشدات في التأطير الديني للمواطنين ،وللحاجة الملحة إلى
تطوير أدائهم ،والرقي بمستواهم العلمي والمعرفي ،ورغبة في توفير تكوين متميز للقائمين
بمهمتي اإلمامة واإلرشاد بما يضمن لهم اكتساب المناهج والمعارف التي تساعدهم على القيام
بمهامهم على الوجه المطلوب ،وصيانة األمن الروحي للمغاربة ووحدة المذهب المالكي.
وسعيا إلى فسح المجال أمام الدول الشقيقة والصديقة لالستفادة من التجربة المغربية
في مجال تكوين وتأهيل واستكمال تكوين القيمين الدينيين ،2انخرط هذا المعهد بفعالية في
تفعيل االتفاقيات المبرمة مع دول إفريقية والمتعلقة بتكوين أئمتتها بالمغرب لالستفادة من
1ظهير شريف رقم ،1.15.71صادر في 7رمضان 1436هـ ( 24يونيو )2015الجريدة الرسمية عدد -6372
8رمضان 1436هـ ( 25يونيو )2015ص .5992/5991
2يتم تكوين القيمين الدينيين األجانب أو تأهيلهم أو استكمال تكوينهم في طور خاص تحدد بقرار للسلطة الحكومية
المكلفة باألوقاف والشؤون اإلسالمية ،كيفية تنظيمه وتحديد مضمونه ومدته بحسب اختالف الحاالت المتفق
عليها مع الجهات المتقدمة بطلب التكوين ،مع استفادة الطلبة األئمة األجانب من اإليواء والتغذية بالمعهد ومنحة
شهرية بمبلغ 2000درهم شهريا طيلة مدة التكوين ،باإلضافة إلى تحمل مصاريف تذاكر سفرهم من وإلى بلدانهم
ذهابا وإيابا.
42
التجربة المغربية في المجال الديني لمحاربة التطرف ونبذ العنف الذي أصبح يهدد استقرار
2
الدول اإلفريقية( ،1مالي وتونس وغينيا كوناكري وتشاد ونيجيريا االتحادية والكوت ديفوار)
لتمكينهم من تكوين يؤهلهم للقيام بمهمة تبليغ أحكام الشريعة اإلسالمية ،والمذهب المالكي
والتعاليم الفقهية واألخالقية التي تنبذ كل أنواع الغلو والتطرف ،ويرتكز تأهيل المغرب لألئمة
والمرشدين الدينيين األفارقة ،على توفير تكوين (تأهيل) علمي وديني متنور ،متشبع بقيم
الوسطية واالعتدال ،وبالتالزم بين الحفاظ على الثوابت اإلسالمية ،ونهج االجتهاد واالنفتاح،
وذلك بهدف تحصين المجتمعات اإلفريقية من نزوعات التطرف واالنحراف.
اآلفاق الواعدة لدبلوماسية إمارة المؤمنين بإفريقيا
تضمنت الرسالة الملكية الموجهة لسفراء المغرب بالعالم الذين اجتمعوا في الرباط
بمناسبة انعقاد ندوة محددات الدبلوماسية المغربية بتاريخ 30غشت ،2013دعوة صريحة
إلى تطوير العالقات الثنائية مع دول جنوب الصحراء ،وتقوية العالقات المغربية مع المنظمات
اإلقليمية ،وخاصة منظمات إفريقيا الغربية والوسطى ،3ونظرا لمكانة المملكة المغربية كفاعل
ديناميكي على الساحة اإلفريقية ،وانطالقا من االهتمام البالغ التسوية األزمات في إفريقيا ،فإن
المغرب يؤسس دبلوماسيته الروحية على قيم التضامن والدعم الالمشروط لمجهودات البلدان
اإلفريقية الهادفة لتحقيق االستقرار والرفاه اإلفريقي من خالل:
-دعم األمن واالستقرار (أوال)
-دعم التنمية البشرية (ثانيا)
-الزعامة الجيواستراتيجية (ثالثا).
أوال :دعم األمن واالستقرار بإفريقيا
في خطاب األمير المؤمنين جاللة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثانية عشر
لتربعه على العرش ،أكد على أن " ...عالقتنا مع عمقنا اإلفريقي ،الذي يشكل مجاال لفرص
واعدة .فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة ،قائمة على التضامن ،ومبنية على تعزيز
األمن واالستقرار ،"...وفي جلسة باألمم المتحدة -يوم 30شتنبر 2014بنيويورك -حول
موضوع التجربة المغربية في مبدان محاربة اإلرهاب ،وذلك في إطار الجلسات التي نظمتها
43
لجنة مكافحة اإلرهاب التابعة لمجلس األمن الدولي ،قدم وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية،
األستاذ أحمد التوفيق المقاربة المغربية في مجال مناهضة اإلرهاب من خالل الشروط التالية:
-إرساء المشروعية السياسية ودعمها باإلصالح في جميع الميادين؛
-وجود مؤطرين دينيين من علماء وأئمة متكونين وواعين بمقاصد الدين ومصالح
األمة في انسجام مع شروط السلم والعلم والمعرفة؛
-توفير الخدمات الدينية الكافية ،بعيدا عن االستغالل اإليديولوجي ،ومن ضمنها تأهيل
التعليم الديني.
كما جاء تطور استراتيجية المملكة المغربية في مكافحة التطرف لمواكبة التحوالت
التي يعرفها المغرب داخليا ،وللتغييرات والتحديات التي تشهدها الساحة الدولية وخاصة الدول
اإلفريقية ،فتجربة الدولة في محاربة التطرف الديني ساهمت في تأسيس نموذج إسالمي ذي
خصوصية مغربية ،على اعتبار أن المغرب يتقاسم مع مجموع دول غرب إفريقيا نفس القيم
والمرتكزات الدينية والروحية ،حيث أضحى نموذجا رائدا يحتذى به في التعايش والتسامح،
األمر الذي دفع الكثير من الدول لتقديم طلباتها لالستفادة من تجربته في المجال الديني 1لمحاربة
التطرف و نبذ العنف الذي أصبح يهدد استقرار البلدان اإلفريقية.
وبما أن ظاهرة اإلرهاب ترتبط بالتيارات الراديكالية في كل الديانات ،وأن أسبابها
تعود باألساس إلى االعتماد على أطروحات شاذة ومتطرفة في الخطاب الديني ،ووعيا
بخطورة التطرف الديني انخرط المغرب منذ 13سنة في برنامج استباق طموح إلعادة هيكلة
الشأن الديني من خالل تنظيم وضبط المدارس القرآنية والمساجد ،وإعداد برنامج طموح
لتكوين األئمة والمرشدين والمرشدات وفق ضوابط االعتدال والوسطية والتسامح ،مع فسح
هذا المجال أمام الدول الشقيقة والصديقة لالستفادة من التجربة المغربية.
فمنبع اإلرهاب هو الجهل والتطرف والغلو ،وأن الوسيلة المثلى للقضاء عليه هي تفنيد
ودحض مرجعياته وتجفيف منابعه ،من خالل التحصين روحا وفكرا وعقيدة بالمفاهيم
اإلسالمية والعقيدة الصحيحة ،وبالفكر السني الوسطي المعتدل باعتباره القاسم المشترك بين
دول المنطقة منذ قرون ،التي أجمعت على األخذ بالمذهب المالكي والعقيدة األشعرية ،حتى ال
تكون الدول اإلفريقية فريسة لمروجي األفكار المنحرفة والهدامة.
1يتعلق األمر بإبرام اتفاقيات بشأن تكوين األئمة بالمملكة المغربية وعلى سبيل المثال:
-بروتوكول اتفاق بشأن تكوين األئمة بين حكومة المملكة المغربية وحكومة جمهورية مالي ،الموقع بباماكو
بتاريخ 20شتنبر 2013م.
-بروتوكول اتفاق بشأن تكوين األئمة بين وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمملكة المغربية ووزارة
الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية ،الموقع بالرباط بتاريخ 05شتنبر 2014م.
-بروتوكول اتفاق بشأن تكوين األئمة بين وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمملكة المغربية واألمانة العامة
للشؤون الدينية بجمهورية غينيا ،الموقع بالرباط بتاريخ 10شتنبر 2014م.
44
وهذه األهمية المتزايدة للبعد الديني ،والروابط الدينية والتاريخية العريقة أعطت
للدبلوماسية المغربية في إفريقيا نقلة نوعية في تدبير عدد من األزمات والنزاعات اإلفريقية
(األزمة المالية مثال) ،وتقديم التجربة المغربية في مجال مكافحة التحريض على ارتكاب
أعمال إرهابية بدافع التطرف والالتسامح القائمة على التحكم في الشأن الديني من خالل تكوين
األئمة ،على اعتبار أنه الضمان مكافحة فعالة للتطرف العنيف يلزم تطوير التزام استراتيجي
وقائي على المستويين الثقافي والعقائدي.
ثانيا :دعم التنمية البشرية بإفريقيا
جاء في خطاب أمير المؤمنين جاللة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثالثة عشر
لتربعه على العرش " :وبخصوص الدول اإلفريقية جنوب الصحراء ،فإن المملكة المغربية
تظل منخرطة في المشاريع الفعالة للتعاون معها ،هدفها دعم برامج التنمية البشرية المحلية
في القطاعات ذات األولوية" .ويعتبر ورش التنمية البشرية في إفريقيا مقاربة جديدة في
مو اجهة التطرف من خالل القضاء على جيوب الفقر واإلقصاء والتهميش التي تشكل مرتعا
خصبا لبزوغ اإلرهاب .ثم إن دبلوماسية إمارة المؤمنين تجعل من إفريقيا أولوية استراتيجية
نظرا للعالقات الثقافية والدين واالنتماء العميق للمغرب اإلفريقي ،من خالل مبادراتها الهادفة
إلى ا الستجابة لتطلعات الشعوب اإلفريقية ،وحقها في االستقرار والتنمية المستدامة ،ومن
خالل العالقات السياسية واالقتصادية المتميزة التي يقيمها المغرب مع الدول اإلفريقية( ،أزيد
من 40دولة إفريقية ويرتبط معها بما يفوق 500اتفاقية تهم كل مجاالت التعاون والشراكة)،
حيث تعززت العالقات بفضل الزيارات التي قام بها جاللة الملك محمد السادس لعدد من الدول
اإلفريقية والمبادرات التي اتخذها المغرب من أجل تعزيز هذه العالقات السياسة اإلفريقية
لبالدنا ،مما أعطى نفسا جديدا لعالقاتها بالدول اإلفريقية ،لذلك جعل المغرب من التكوين
عنصرا مهما وضروريا في برامج التعاون مع البلدان اإلفريقية بهدف الرقي بعالقات التعاون
إلى مستوى الشراكة االستراتيجية جنوب -جنوب( ،دور الوكالة المغربية للتعاون الدولي في
نشر ونقل التجربة المغربية ألطر ومعاهد الدول الصديقة) ،خاصة وأن المقاربة الملكية في
إفريقيا تستمد ق وتها من التنمية البشرية والمندمجة ،والجانب الروحي واالستقرار ،وكذا أفاق
وضع آليات جديدة لتعزيز التعاون جنوب-جنوب.
ويأتي االهتمام بورش التنمية البشرية بإفريقيا وفاء بااللتزامات الدولية ذات العالقة
باألهداف اإلنمائية لأللفية ،وتبعا للتوجهات الدولية في مجال التنمية البشرية التي تحث على
االهتمام باإلنسان ،وبذلك فالمغرب مطالب بترشيد تدبير مساعداته وإمكانياته مع االعتماد
عل ى بدائل أخرى التحقيق الطموح اإلفريقي للمغرب كالتعاون الثالثي ،كآلية مبتكرة لالستثمار
األمثل لإلمكانات المتوفرة ،سواء بين المجموعات االقتصادية اإلقليمية لدول الجنوب ،أو في
إطار شراكات مع دول الشمال ،على أساس التوازن والنفع المتبادل ،حيث يقدم المغرب تجاربه
ا لتقنية وخبراته لدولة إفريقية ،معينة في حين تتكلف دولة أخرى من الدول المتقدمة كطرف
ثالث بتمويل المشاريع ذات العالقة بمجاالت هذا التعاون الثالثي ،بالنظر للتجربة المغربية
45
الرائدة في مختلف القضايا اإلفريقية ،وقد عبر المغرب عن استعداده التام لوضع ما راكمه من
خب رات وتجارب ،وما تحظى به من ثقة ومصداقية لدى شركائها ،ولدى المؤسسات الدولية،
في خدمة التعاون الثالثي ،لصالح الشعوب اإلفريقية.
فالنهوض بالتنمية البشرية بإفريقيا من شأنه المساهمة في اجتثاث األسباب المؤدية
للتطرف واإلرهاب ،وتكريس ثقافة التضامن والتكافل كقيم مجتمعية تؤسس لألمن االجتماعي.
ثالثا :الزعامة الجيو -استراتيجية إلمارة المؤمنين
خالل الحرب الباردة كانت االعتبارات االقتصادية توظف لخدمة أهداف سياسية
وإيديولوجية ،وبعد ذلك سرعان ما عرفت العالقات الدولية تحوال جذريا من خالل توظيف
الدوافع السياسية لخدمة األهداف االقتصادية (العولمة االقتصادية وظاهرة التكتالت
االقتصادية الجهوية) ،إال أن الجديد الذي تطرحه دبلوماسية إمارة المؤمنين يتمثل في عرض
االعتبارات الروحية والدينية التحقيق أهداف أمنية بإفريقيا ،وهذا من شأنه تبرئ المغرب موقع
القائد الجيو-استراتيجي بإفريقيا ،عبر تكييف سياسته الخارجية مع استراتيجيات القوى الكبرى
في إفريقيا جنوب الصحراء ،من خالل االستثمار األمثل للبعد الروحي للعالقات المغربية
اإلفريقية للتصدي ومواجهة نفوذ هذه القوى داخل عمقه االستراتيجي اإلفريقي (الواليات
المتحدة األمريكية ،فرنسا القوة االستثمارية السابقة في إفريقيا ،الصين ،اليابان) ،ولعل
الرهانات المغربية على البعد الديني كأحد محددات السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا،
تبقى واعدة في تأكيد البعد االستراتيجي للمغرب في إفريقيا عبر شبكة قنوات الدبلوماسية غير
الرسمية يأتي على رأسها دور إمارة ال مؤمنين المؤسسة الفوق وطنية والزوايا الصوفية
بإفريقيا.
وما دامت أن المبادئ األساسية للدبلوماسية المغربية تتمثل في حسن الجوار ومبدأ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية ،وبالتالي عدم التهديد
باستعمال القوة في العالقات الدولية ،وسلوك سياسة مطبوعة بعدم االنحياز والحياد اإليجابي،
وترسيخ سبل التعاون الدولي المشفوع بالعمل على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ،1فإن
الرهانات ذات البعد الديني المطروحة على السياسة الخارجية المغربية اإلفريقية من شأنها
إعطاء قوة الدفع األساسية الدبلوماسية مغربية -متكاملة وفعالة -تجاه إفريقيا للدفاع عن
المصالح المغربية تبعا للتحوالت التي حدثت في الجيوسياسية اإلفريقية والدولية ،والقيام بأدوار
طالئعية في مكافحة التطرف العنيف بشكل وقائي أثبتت فعاليتها مقارنة مع المقاربة األمنية
لمعالجة هذه الظاهرة.
1محمد تاج الدين الحسيني "الدبلوماسية المغربية في الخطاب الملكي" مرجع سابق ،ص-ص 38-48
46
وفي هذا السياق فالمغرب مطالب باالنخراط بقوة في آليات العمل الدبلوماسي المغربي
اإلفريقي ،خاصة على مستوى تعزير التمثيل الدبلوماسي وتفعيل الدبلوماسية الثنائية والتأقلم
مع األولويات الجديدة للتعاون المتعدد األطراف بإفريقيا.
ومادام أن من المواقع الجغرافية ما يحقق بذاته قيمة سياسية على حد قول "فريدريك
راتزل" ،على اعتبار أن للعوامل الجيوسياسية دورا حيويا ومهما في تحديد سلوكيات الدول
تجاه محيطها الخارجي مما يكرس األهمية االستراتيجية للمواقع الجغرافية في العالقات
الدولية ،فإن القارة اإلفريقية أضحت كمركز استراتيجي تسعى كل القوى العالمية للتواجد فيه
في إطار سباق دولي حول النفوذ االقتصادي إلعادة توزيع القوة االقتصادية العالمية ،وفي هذا
السياق فالمغرب كمركز ثقل استراتيجي مهم ،مؤهل بامتياز للعب دور القائد الجيواستراتيجي
والزعيم الروحي في القارة اإلفريقية -التي تعد ضمن مجاالته الحيوية -من خالل تعزيز
مكانته في صناعة القرار اإلفريقي ،وبالتالي االسهام في إعادة تشكيل خريطة سياسية جديدة
إلفريقيا ،خاصة وأن االستقطاب األوربي األمريكي للمنطقة اإلفريقية تتحكم فيه االعتبارات
االقتصادية واالستراتيجية بالدرجة األولى.
إن تكريس الواجب المغربي تجاه إفريقيا من خالل اعتماد البعدين اإلسالمي واإلفريقي
كثوابت مدسترة لسياسته الخارجية ،يمثل تتويجا للمسؤوليات التاريخية اإلمارة المؤمنين
بإفريقيا ،وللمضي قدما في المساهمة في تأمين وتثمين األمن الروحي للشعوب اإلفريقية قصد
إعطاء قوة الدفع األساسية للعالقات المغربية اإلفريقية نحو آفاق أوسع.
وتستمد دبلوماسية إمارة المؤمنين مقوماتها من طبيعة النظام المغربي الذي يتميز
بتوظيف البعد الديني ضمن الفلسفة السياسية للحكم من خالل إعطاء مكانة خاصة للسياسة
الدينية في إطار تدبير شؤون الدولة ،ويتجلى هذا التوظيف في مفهوم إمارة المؤمنين باعتبارها
المرجعية التاريخية التي تشكل صمام أمان للسياسة الدينية التي ترتكز على أن ولي األمر،
يستمد مشروعيته من كونه أميرا للمؤمنين ،ملتزما بحماية الدين ،وحماية الثوابت الدينية
المشتركة مع البلدان اإلفريقية ،ومعلوم أن هذه الثوابت المتمثلة في العقيدة والمذهب والسلوك
الروحي ،ثوابت يرعاها ويدرسها العلماء ،ويعمل بمقتضاها األئمة.1
1مقتطف من كلمة وزير األوقاف والشئون اإلسالمية السيد أحمد التوفيق في جلسة باألمم المتحدة -يوم 30
شتنبر 2014بنيويورك -حول موضوع التجربة المغربية في ميدان محاربة اإلرهاب ،وذلك في إطار الجلسات
التي نظمتها لجنة مكافحة اإلرهاب التابعة لمجلس األمن الدولي.
47
الفهرس
الروح بالمغرب _____________________ 2 ر
واستاتيجية األمن ن
المؤمني إمارة
ي
تمهيد___________________________________________________ 2
الروح_______________________________________ 3 ي أوال مفهوم األمن
ن ن ثانيا :مقومات ر
الروح ومركزية إمارة المؤمني يف استثماره ______ 3
ي استاتيجية األمن
أ -المقوم التاريخ لألمن الروح بالمغرب____________________________ 4
ب -المقوم الدين __________________________________________ 4
ت -المقوم الثقاف :استثمار التنوع لخدمة الوحدة ______________________ 6
ث -المقوم الجغراف واستثماره ف تثبيت األمن الروح____________________ 7
ج -المقوم الدستوري ________________________________________ 7
الروح _____________________________ 10 استاتيجية األمنثالثا :أهداف ر
ي
الهدف األول :الحفاظ عىل األمن الروح للمغرب ،ووحدة المذهب المالك _______ 10
الهدف الثان :تأهيل الحقل الدين وتجديده __________________________ 10
الهدف الثالث :السهام العقالن الهادف لتصحيح صورة السالم _____________ 11
الروح بالمغرب _________________ 11 ر
االستاتيجية األمن رابعا :األركان الثالثة
ي
الركن األول :المؤسس _______________________________________ 11
التأطيي الفعال____________________________________ 13 ر الركن الثان:
اليبية السالمية ___________________ 14 الركن الثالث :عقلنة وتحديث وتوحيد ر
لالستاتيجية _________________________ 15 ر خامسا :االنعكاسات اإليجابية
أ -إبراز النموذج المغرن ف التدين _______________________________ 15
ب -تحقيق االستقرار الروح واألمن _____________________________ 16
ت -استثمار النموذج المغرن وجاذبيته17 ___________________________ :
خاتمة19 _________________________________________________ :
ن
المؤمني* :مرتكزات أساسية وجهود عملية________ 20 حوار الحضارات عند أمت
20 تمهيد__________________________________________________
ن ن
21 المؤمني نرصه للا يف حوار الحضارات ________________ أوال :مرتكزات أمت
21 1-المرتكز الدين _________________________________________
23 2-المرتكز الجغراف ________________________________________
48
3-المرتكز التاريخ ________________________________________ 24
4-المرتكز المستقبىل_______________________________________ 25
5-المرتكز النسان ________________________________________ 26
ن ر
المؤمني من أجل ترسيخ حوار الحضارات ثانيا :بعض الجهود العملية ي
الت بذلها أمت
______________________________________________________ 27
1-الرد عىل دعاة صدام الحضارات_______________________________ 27
2-تصحيح صورة السالم لدى األخر _____________________________ 28
3-تشجيع الدبلوماسية الثقافية والحضارية _________________________ 28
خاتمة _________________________________________________ 30
ن ن
المؤمني يف إفريقيا ______________________________ 31 دبلوماسية إمارة
31 تمهيد__________________________________________________
ن ن
33 المؤمني أساس يف دبلوماسية إمارة
ي المغرب تجاه إفريقيا كمحدد
ي مرتكزات الواجب
34 المؤمني والشعوب الفريقية __________________ ر أوال :روابط البيعة ربي إمارة
36 ثانيا :تعلق مريدي وأتباع الطرق الصوفية بشخص الملك __________________
37 المؤمني بإفريقيا_______________________________ ر ثالثا :مبادرات إمارة
ن ن
39 تجليات دبلوماسية إمارة المؤمني يف عهد جاللة الملك محمد السادس نرصه للا _
39 أوال :الزيارات الملكية الميمونة للدول الفريقية ________________________
40 التأطيي _______________________________________ ر ثانيا :الجانب
41 ثالثا :الجانب التكوين ________________________________________
43 ن
المؤمني بإفريقيا _____________________ اآلفاق الواعدة لدبلوماسية إمارة
43 أوال :دعم األمن واالستقرار بإفريقيا________________________________
45 البشية بإفريقيا_________________________________ ثانيا :دعم التنمية ر
46 المؤمني ________________________ اسياتيجية لمارة ثالثا :الزعامة الجيو -ر
ر
49