You are on page 1of 21

‫د ور القيم وأخالقيات األعمال في التجارب العالمية‬

‫في ظل مفاهيم اإلدارة الرشيدة ( الحوكمة )‬


‫(نماذج وتطبيقات)‬
‫مقدمة ‪:‬‬

‫يأخذ الحديث عن أخالقيات األعمال مسارات عديدة تتناسب مع ثقافة الشعوب وطبيعة حضاراتها وهويتها السياسية‬
‫واالقتصادية‪ .‬فال يقتصر وجود األخالق على مجتمع دون غيره‪ ،‬إال أنه في ظل تدني معايير األخالق المتعارف عليها‬
‫أصبح البحث عن األخالق مطلًبا رئيسًيا للمجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء‪.‬‬

‫يناقش هذا البحث دور القيم األخالقية في التجارب العالمية في ضوء ظهور مفاهيم الإدارة الرشيدة ( الحوكمة ) ‪ ،‬ويتمثل‬
‫الهدف الرئيسي من البحث في التعرف على التطورات العالمية في مجال أخالقيات األعمال في ظل حدوث تغيرات‬
‫رئيسية تطلبت إعادة النظر في أهميتها‪ ،‬والوقوف على أسباب االهتمام بها على المستوى العالمي‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن هدف‬
‫هذا البحث يركز على التعرف على المشكالت واألزمات الالأخالقية والتي شهدتها كبريات الشركات وأدت إلى انهيار‬
‫بعضها مما استدعى إلى اتخاذ إجراءات متعمدة على الجانب التطبيقي عبر بروز مفاهيم جديدة عرفت بما يسمى‬
‫الحوكمة‪ .‬كما أن هناك تغيرات حدثت على المستوى النظري إلعادة التفكير في األسس التي قامت عليها النظرية‬
‫االقتصادية الرأسمالية وبرز دعاة جدد يبحثون عن أخالقيات األعمال جنًبا إلى جنب مع مفاهيم الربحية والكفاءة‪ ،‬كما أن‬
‫البحث ما زال جارًيا عن أرضية أخالقية في األسواق المالية‪ .‬ويبدو أن البديل الناجح واألمثل يتمثل في صناعة الخدمات‬
‫المالية اإلسالمية التي بدأت كبريات المراكز المالية العالمية تبنيها وتوفير البيئة التشريعية واالستثمارية الستقطابها‪.‬‬
‫ويأتي االهتمام برصد تلك التجارب واألساليب بهدف االستفادة منها في واقعنا العملي ولمؤسساتنا االقتصادية والسيما‬
‫اإلسالمية منها‪ .‬وسوف نناقش النقاط األساسية التالية لتغطية الموضوع ‪:‬‬
‫ـ األخالق مفهوم متعدد الجوانب واألشكال‪.‬‬
‫ـ أسباب االهتمام بأخالقيات العمل‪.‬‬
‫ـ دور ونطاق أخالقيات األعمال ‪.‬‬
‫ـ التعارض بين األخالقيات واألداء ‪.‬‬
‫ـ البحث عن أرضية أخالقية في األسواق المالية ‪.‬‬

‫أوًًال‪ :‬األخالق مفهوم متعدد الجوانب واألشكال ‪:‬‬

‫أصبحت "أخالقيات العمل" تشكل جزًءا رئيسيا من صناعة النمو في الشركات‪ ،‬عقب ذلك القدر الهائل من الفضائح‬
‫والتجاوزات واتساع دائرة الجرائم والفساد اإلداري خاصة جرائم االختالس والرشوة واستغالل النفوذ التي تشهدها‬
‫الشركات على مستوى العالم وحاجة المجتمعات إلى وجود معايير وأخالقيات عمل أكثر ُر ِق ًيا‪ ،‬وضرورة تحديد عالقاتها‬
‫بالعاملين والعمالء والشركات والجمهور‪ ،‬فضال عن مراجعة المفاهيم الخاصة بأهداف الشركات‪ ،‬ويعكس النمو بأهمية‬
‫أخالقيات األعمال تحوًال حاسًم ا في الرأي العام بشأن المسئولية األخالقية للمؤسسات والشركات‪.‬فقد كان من المتوقع أن‬
‫تحقق الشركات أرباًح ا للمساهمين من خالل إنتاج السلع والخدمات بأسعار تنافسية وفًقا للقوانين واللوائح السائدة في‬
‫المجتمع التي تزاول فيه الشركات والمؤسسات أنشطتها‪ .‬وحرٌي بالشركات في هذه األيام أن تتولى المسئولية األخالقية‬
‫عن العديد من القضايا‪ ،‬التي تشمل البيئة‪ ،‬والجنس ‪ ،‬والعرق‪ ،‬والمنتجات‪ ،‬ومعايير السالمة والصحة في بيئة العمل‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫وقد أدى فهم قيمة األخالقيات بالنسبة للعمل إلى عدة مظاهر من بينها انتشار قواعد األخالق ومدونات رسمية للوقوف‬
‫علي المتطلبات األخالقية‪ ،‬وتعيين مسئولين إداريين يهتمون بمراعاة الجوانب األخالقية من أجل تحفيز المديرين‬
‫والموظفين على التصرف وفًقا لما تقتضيه المعايير األخالقية‪ .‬وعلى الرغم مما تقدم‪ ،‬فإن هناك تباين بين ما يكتب عن‬
‫األخالق وما يجري تطبيقه‪ ،‬حيث غالبا ما يحدث تعارض بين العمل والجوانب األخالقية‪ .،‬وال ريب أن هناك مديرون‬
‫أكثر وعيا ويحرصون على مزاولة أنشطتهم وفًقا للمعايير األخالقية باعتبار أن ذلك خيار استراتيجي‪ .2‬بينما يتخذ‬
‫بعض المديرين القواعد األخالقيةكستار التخاذ قراراتهم االنتهازية‪ ،‬وخاصة في المواقفالتي ال يستطيع فيها‬
‫العامة التفرقة بين السلوك األخالقيوالسلوك االنتهازي‪.3‬‬

‫ويبدو أن الحاجة إلى تطبيق كل من األخالقيات والعمل بطريقة صحيحة ال تتوافق مع الرأي الشائع الذي يتبناه رجال‬
‫األعمال من أن "العمل عمل ‪ ،"Business is Business‬ومع رأي "ميلتون فرايدمان" ‪ Milton Friedman‬بأن‬
‫األخالقيات ال دخل لها بمفهوم "العمل عمل ‪ .4 " Business is Business‬حيثيري ميلتونفرايدمان الحائز علىجائزة‬
‫نوبل في االقتصاد في كتابة الصادر في ‪ 1963‬أنالدوافع االقتصادية هيأساسالمشروع الخاص وأنوظيفته األساسية‬
‫هيتعظيم الربح لصالح حملة األسهم‪ ،‬أما المسئولية األخالقيةواالجتماعية فإنها ترتبط بالدوافع غير االقتصادية‬
‫وليستمنطبيعة المشروع الخاص‪ ،‬ويأتيهذا الرأيانطالقا منأفكار ادم سميث في كتابة ثروة األمم عام ‪ 1776‬والتي‬
‫تشير إلى أنخلقالثروة هو مسئولية األفراد والدولة وانالشركة لها هدفرئيسيهو أنتبقي كمنشأ للثروة لتنتج السلع‬
‫المادية وتجلبها إلى السوق وتحمىرأسالمال وتعظم الربح‪.‬‬

‫ويغالى أحد أعالم اإلدارة المعاصرين في تأكيد هذه الرؤية للمشروع الخاص‪ ،‬إلى أننا لو عهدنا إلى مالئكة كبار‪ ،‬وهم‬
‫بطبيعتهم ال يبالون بشدة بدافع الربح‪ ،‬لتمنوا أن يحققوا ربحا‪ ،5‬والحقيقة أن فصل العمل عن األخالقيات أمر غير ممكن‬
‫وغير مفضل‪ .‬فاألخالقيات ليست أمًر ا اختيارًيا‪ .‬وقرارات وسلوكيات العمل عبارة عن أعمال أخالقية ألنها تؤثر على‬
‫حياة ورفاهة اآلخرين‪.‬‬

‫وال شك أن األفراد الذين يتخذون قرارات متعلقة بالعمل ويعملون بموجبها إنما ُيعِّبرون عن اختيارات أخالقية سواء‬
‫ارتضوا ذلك أم ال وسواء قصدوا ذلك أم ال‪ .‬وإ ذا ما تظاهر هؤالء بخالف ذلك‪ ،‬فإنهم بذلك ينكرون الجوانب اإلنسانية‬
‫التي غرسها اهلل فيهم أو ينكرون طبيعتهم األخالقية‪ .6‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إنتجاهل دور األخالقفي العمل يعني إنكار أن‬
‫هناكطرقصحيحة وأخرىخاطئة لمزاولة العمل‪.‬‬

‫فبعد مرور قرون على أفكار ادم سميث‪ ،‬وفي ظل تطور المجتمعات الغربية والتحوالت اإلدارية الكبيرة واألزمات التي‬
‫عصفت بعدد من الشركات ألسباب الأخالقية بدأ بروز دعاه جدد ووسائل ومفاهيم لجعل األخالق عنصرا حاكما للنمو‬
‫والتدقيق في اختيار المدراء‪ ،‬وبدا أن البعد عن القيم األخالقية أمر ال يثبت طويال ألنه مضاد للفطرة‪ ،‬معارض للعلم‪،‬‬
‫مخالف للعقل‪ ،‬يتنافى مع معطيات الواقع‪ ،‬ويتجاوز كل القيم األساسية التي تشكل على أساسها اإلنسان ‪ ،‬وان أصالة‬
‫الفكرة األخالقية وسموها ووحدتها لن تنزل عن عرش سيادتها ما بقيت مثلها العليا قائمة في خاطر البشرية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وينطوي مفهوم "أخالقيات العمل" على معاٍن متعددة‪ ،‬فليس هناك تعريف محدد ودقيق ألخالقيات األعمال بل إن هناك‬
‫اختالطا في مفهوم أخالقيات العمل وأخالقيات اإلدارة‪ ،‬والسلوك األخالقي‪ ،‬فقد تعني أخالقيات العمل استخدام األخالقيات‬
‫كاستراتيجية عمل لتحسين سمعة وأداء الشركة‪ .‬وقد يشير إلى التبعات األخالقية لقرارات وسلوكيات العمل‪ ،‬وتأثيرها‬
‫على رفاهة الناس والبيئة‪.‬بحيث تكون مجموعة من المبادئ التي تهيمن على السلوك اإلداري وتتعلق بما هو صحيح أو‬
‫خطأ‪ ،‬كما يمكن أن يشير أيًض ا إلى السلوك األخالقي لإلدارة‪ ،‬وأصحاب العمل‪ ،‬والموظفين في تحقيق أهداف المؤسسة‪،‬‬
‫أو تبني قواعد أخالق تهدف إلى التأثير في سلوكيات الموظفين‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬فإن أخالقيات العمل قد تعني االلتزام بالقيم‬
‫األخالقية (األمانة‪ ،‬واالستقامة‪ ،‬والثقة‪ ،‬والصدق) في العمل‪ .‬وينطوي هذا البحث على تلك المعاني‪.‬‬

‫ثانًيا‪ :‬أسباب االهتمام بأخالقيات العمل ‪:‬‬


‫بدًء ا من المقدمة األساسية التي تقتضي بأن األخالقيات تدور حول اتخاذ اختيارات وقرارات صحيحة بما تمثله من خطوط‬
‫توجيهية للمديرين في صنع القرار‪.،‬حيث تزداد أهميتها بالتناسب مع آثار ونتائج القرار‪ ،‬فقد حظيت أخالقيات العمل‬
‫باالهتمام على نحو واضح وملفت للنظر وظهرت مصطلحات جديدة مثل قواعد وآداب المهنة وأخالقيات الوظيفة‬
‫وأخالقيات األعمال‪ ،‬وباتت الشركات تتسابق إلصدار مدونات أخالقية‪ ،‬والسؤال المطروح هو لماذا هذا االهتمام وهذا‬
‫التطور وبهدف اإلجابة على ذلك نورد ما يلي ‪:‬‬

‫‪-1‬التحول في مفاهيم الكفاءة وأهداف الشركات ‪:‬‬


‫كان الهدف الرئيسي للشركات يعتمد على تحقيق أرباح ألصحاب العمل بصفة أساسية وفًقا لقواعد السوق وبدون غش أو‬
‫احتيال ‪ .7‬وباألخذ في االعتبار التركيز علىتحقيق األرباح باعتبار أنالشركة آلة للربح وانكفاءة الشركاتتعنى أن‬
‫الحصول علىالربح هو الطريقة الفضلي لألداء‪ ،‬فال غرو أنتعظيم قيمة المساهمين كانتالهدفالمشترك في الجانب‬
‫النظري والعملي منذ العقود األوليمنالقرن الماضي وحتىفترة التسعينيات‪،‬بل قيل أنأفضلطريقة لتحقيق ذلك الهدفهو‬
‫ربط دخلاإلداريين بقيم األسهم‪ .‬وقد ساد االعتقاد بأن هذا النوع منالربط سوفيؤدي إلى تالفي تعارض المصالح‬
‫بين اإلدارة والمساهمين‪ ،‬ومنثم يمكن التخلص منالمشكالتاألخالقيةالتي تنشأ عادة بين المديرين والمالك‪.‬‬

‫ومن الناحية العملية‪ ،‬بدأ المديرون يركزون جل اهتمامهم على زيادة أسعار أسهم الشركة على حساب مؤشرات األداء‬
‫األخرى‪ .‬وأدت زيادة أسعار األسهم إلى تبرير أي سلوك من سلوكيات الشركة األخرى‪ ،‬بما في ذلك منح رواتب تشجيعية‬
‫هائلة إلى المسئولين اإلداريين‪ ،‬وتجاهل العاملين‪ ،‬وتخفيض معايير السالمة والصحة‪ ،‬وإ همال العوامل الحيوية التي تحقق‬
‫المصلحة طويلة األجل للشركة وتضمن استمراريتها‪ ،‬مثل التدريب والبحوث والتطوير‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أدى‬
‫التركيز على ارتفاع قيمة األسهم إلى تبرير ارتكاب تصرفات غير قانونية مثل تزييف الحسابات وتداول األسهم اعتمادا‬
‫على معرفة معلومات من داخل الشركة‪ .‬وبدًال من حل المشكلة األخالقية‪ ،‬أدت الحوافز المالية الكبيرة الممنوحة‬
‫للمسئولين اإلداريين إلى خلق مشكالت أكثر خطورة وتكلفة وشاركت في انهيار المؤسسات الكبرى مثل إنرون ‪Enron‬‬
‫وورلدكوم ‪.Worldcom‬‬

‫‪-2‬تعقد وتداخل المصالح في الشركات الحديثة‪:‬‬


‫وباألخذ في االعتبار أن نتائج قرارات وأنشطة الشركة ال تقتصر على المساهمين فحسب بل تؤثر على العاملين‬
‫والموردين والعمالء‪ ،‬والجمهور يتولى المديرون مهاًم ا ومسئوليات ال تتوقف عند المساهمين فقط‪ .‬وبصفة خاصة‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫فحينما يقوم المديرون بتعيين العاملين‪ ،‬فإنهم بذلك يوقعون عقًد ا ضمنًيا بتوفير عاملين مقابل أجر عادل ألداء مهام محددة‬
‫عادلة في بيئة عمل آمنة وصحية‪ .‬ونظًر ا ألهمية الجهد والتعاون الذي يبذله العاملون في نجاح الشركة‪ ،‬فإن استراتيجية‬
‫العمل الصحيحة تقتضي أن يهتم المديرون بمصالح العاملين كما لو كانوا يهتمون بمصالح المساهمين مما يخلق مصلحة‬
‫واضحة للعاملين في نجاح المؤسسة ويزيد ثقتهم في اإلدارة فيجب أن يكون المديرون مسئولين عن المساهمين والعاملين‬
‫على حٍد سواء‪.‬‬

‫واستنادا إلى منظمة "تسخير األعمال التجارية لصالح المسؤولية االجتماعية"‪ ،‬وهي منظمة أعمال تجارية تتخذ من‬
‫الواليات المتحدة مقرا لها وتعمل من أجل النهوض بالقيم االجتماعية‪ ،‬تبين الدراسات أن الشركات التي يوجد فيها توازن‬
‫بين مصالح حاملي األسهم ـ مثل التوازن بين اإلدارة‪ ،‬واليد العاملة والعمالء – حققت معدالت نمو ومعدالت أداء العمالة‬
‫تفوق الشركات األخرى بنسبة أربعة أضعاف وثمانية أضعاف على التوالي‪.‬‬

‫‪-3‬إرساء مبادئ اإلدارة السليمة (الحوكمة) ‪:‬‬


‫في ظل البحث عن أدوات لمعالجة المشكالت واألزمات التي أدت إلى انهيار عدد من الشركات ألسباب عدم التزام‬
‫المسئولين فيها بأخالقيات العمل‪ ،‬فقد نتجت مجموعة من األسس والممارسات التي تطبق بصفة خاصة علي الشركات‬
‫المملوكة لقاعدة عريضة من المستثمرين ( الشركات المساهمة) وتتضمن الحقوق والواجبات لكافة المتعاملين مع الشركة‬
‫مثل مجلس اإلدارة والمساهمين‪ ،‬الدائنين‪ ،‬البنوك والموردين‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬وتظهر من خالل النظم واللوائح المطبقة‬
‫بالشركة والتي تحكم اتخاذ أي قرار قد يؤثر على مصلحة الشركة أو المساهمين بها وهو ماعرف بمصطلح اإلدارة‬
‫الرشيدة والحوكمة‪ ،‬حيث توفر (الحوكمة ) اإلطار التنظيمي الذي يمكن الشركة من تحقيق أهدافها‪ ،‬وتحدد القواعد‬
‫المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات والشفافية واإلفصاح عن تلك القرارات‪ ،‬وتحديد السلطة والمسئولية للمديرين والعاملين‬
‫بالشركة‪ ،‬وحجم ونوعية المعلومات التي يتم اإلفصاح عنها للمستثمرين األمر الذي يصب في صالح حماية حقوق صغار‬
‫المساهمين‪.‬‬

‫وفي الواليات المتحدة‪ ،‬حفزت الفضائح المالية على إجراء تفحص دقيق وإ صالح شامل للقوانين المتعلقة بسلوك شركات‬
‫األعمال‪ ،‬وذلك من خالل قانون ساربينز ‪ -‬أوكسلي ‪ Sarbanes-Oxley Law‬لعام ‪ .2002‬يصف إثيوِبس تافارا‬
‫وروبرت ستراهوتا‪ ،‬من مفوضية األوراق المالية والمبادالت األميركية (‪Securities & Exchange‬‬
‫‪ ،)Commission SEC‬تعاون المفوضية مع منظمي التعامل باألوراق المالية والمبادالت األجانب لمساعدة الشركات‬
‫األجنبية في مواجهة المعايير الصارمة الجديدة التي يفرضها هذا القانون‪ .‬ويقول كريستوفر رأي‪،‬وهو المسئول في وزارة‬
‫العدل األميركية‪ ،‬إن قانون ساربينز‪-‬أوكسلي ‪ Sarbanes-Oxley Law‬وفّر للُم ّد عين العامين ترسانة أكبر من‬
‫األدوات التي تمّك نهم من مقاضاة المخالفين للقوانين في الشركات الكبيرة‪.8‬‬

‫فخضوع الشركة للمساءلة والمحاسبة وتحملها المسؤولية إزاء حملة األسهم وأصحاب المصلحة اآلخرين فيها تضمنها‬
‫مجموعة من الواجبات ‪ -‬المنصوص عليها بدرجة أو بأخرى في العديد من البلدان المتطورة ‪ -‬التي يتعين على أعضاء‬
‫مجلس اإلدارة أن يتقيدوا بها عند اتخاذ القرارات‪ .‬وُتعرف هذه الواجبات أو المهمات بالواجبات االئتمانية أو مسؤوليات‬

‫‪4‬‬
‫العهدة باألمانة‪ .‬وهي تشمل واجب توخي الحذر‪ ،‬وواجب الوالء للشركة‪ ،‬وواجب التحّلي بالنزاهة والشفافية‪ ،‬وواجب‬
‫العمل بنية حسنة‪.‬‬

‫ويمكن أن تؤدي مخالفة إحدى هذه الواجبات إلى تحميل أعضاء مجلس اإلدارة المسؤولية إزاء مراقبي تطبيق القوانين‬
‫التنظيمية الحكوميين أو إزاء حملة األسهم‪ .‬ففي الواليات المتحدة‪ ،‬مثًال‪ ،‬يستطيع حملة األسهم إقامة الدعاوى على مديري‬
‫الشركة إما بصفتهم الشخصية أو بالنيابة عن الشركة للحصول على تعويض وتصحيح أي مخالفة مزعومة لواجب العهدة‬
‫االئتمانية‪ .‬ومثل هذه الدعاوى كثيرة جدًا في الواليات المتحدة كما تشهد على ذلك مجموعة دعاوى حملة األسهم ضد‬
‫شركات إنرون وتايكو وورلدكوم وغيرها من الشركات العديدة األخرى‪ .‬وفي حين أن بعض الدعاوى ُم ِح ّقة وبعضها‬
‫غير ُم ِح ّق ‪ ،‬إال أن إمكانية إقامة مثل تلك الدعاوى ُيشّك ل حافزًا قويًا ألداء أفضل من قبل أعضاء اإلدارة‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫وبوجه عام يمكن تصنيف اإلصالحات الرئيسية التي يتضمنها قانون ساربينز ‪ -‬أوكسلي ‪Sarbanes-Oxley Law‬‬
‫في ثالث فئات‪ .‬أوًال‪ ،‬يحتوي القانون على إصالحات هامة تهدف إلى تحسين أداء مهنة المحاسبة وإ عادة الثقة بها‪ .‬وثانيًا‪،‬‬
‫يوفر القانون أدوات جديدة لفرض تطبيق قوانين األوراق المالية‪ .‬وثالثا أصبحت مفوضية تنظيم التعامل باألوراق المالية‬
‫تستخدم تلك األدوات لتوسيع مجال برنامجها في تطبيق القوانين‪ .‬وخالل السنتين الماليتين األخيرتين‪ ،‬تقدمت الوكالة‬
‫بشكاوى قضائية ضد أكثر من ‪ 1300‬حالة لفرض تطبيق القوانين‪ ،‬بينها أكثر من ‪ 370‬عملية احتيال في التقارير المالية‬
‫والحسابات‪ .‬وقد حصلت على أحكام بدفع غرامات واسترجاع أرباح غير شريفة يبلغ مجموعها خمسة مليارات دوالر‪،‬‬
‫وسعت إلى فصل أكثر من ‪ 330‬مديرًا تنفيذيًا من الخدمة مجّد دًا كمسئولين أو كأعضاء في مجالس إدارة الشركات‬
‫‪10‬‬
‫العامة‪.‬‬

‫وقد قام الرئيس بوش بمعالجة هذه االنتهاكات وغيرها من المخالفات التي كشفت عنها فضائح احتيال الشركات‪ ،‬كتلك‬
‫المتعلقة بشركة إنرون حيث وّج ه فريق مكافحة االحتيال الخاص بشركة إنرون في وزارة العدل تهمًا ضد ‪ 33‬مدعى‬
‫عليهم بمن فيهم ‪ 24‬موظفًا سابقًا في شركة الطاقة‪ ،‬بينهم رئيس مجلس اإلدارة‪ ،‬ورئيسان تنفيذيان والموظف المالي‬
‫الرئيسي‪ ،‬وأمين صندوق‪ ،‬وثالثة رؤساء تنفيذيين في مؤسسات أعمال بارزة ضمن إنرون‪ ،‬ونائب الرئيس التنفيذي‬
‫لعالقات إنرون مع المستثمرين‪ ،‬وأحد أمناء سر الشركة‪ .‬وقد أقر ‪ 22‬من بين المدعى عليهم بأنهم مذنبون أو تم تجريمهم‬
‫نتيجة لمحاكمتهم ‪ ،‬بمن فيهم الموظف المالي الرئيسي السابق‪ ،‬كما تّم وضع اليد على أكثر من ‪ 161‬مليون دوالر من‬
‫األرباح غير المشروعة‪.‬‬

‫وفي نوفمبر ‪ ،2004‬أدانت هيئة محلفين خمسة مدراء تنفيذيين في شركة إنرون كوربوريشن وفي شركة ميريل لنش أند‬
‫كومباني المتحدة‪ ،‬وهي شركة تختص باإلدارة المالية‪ ،‬بتهمة االحتيال وشهادة الزور وإ عاقة عمل العدالة‪ ،‬وكلها تهم‬
‫انبثقت عن مخطط متطور جدًا وُم عقد لالحتيال المالي‪ .‬أما شركة وورلدكوم فقد تم اتهام الرئيس التنفيذي بها‪ ،‬وهي شركة‬
‫تؤمن خدمات الرعاية الصحية‪ ،‬بالعديد من تهم االحتيال التي نشأت نتيجة لُم خطط ُم صطنع لتضخيم األرباح المعلن عنها‬
‫وقيمة أصول الشركة ولتزوير التقارير عن وضع الشركة المالي‪ .‬وُز عم أن المدعى عليهم أضافوا زورًا مداخيل وهمية‬
‫بقيمة ‪ 2.7‬ألف مليون دوالر على دفاتر وسجالت الشركة وأقنعوا الشركة بمنحهم رواتب ومكافآت وخيارات اكتتاب‬
‫ألسهم وفوائد أخرى‪ ،‬استنادًا إلى األرقام المضخمة زورًا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقد أدانت هيئة المحلفين شركة هيلث ساوث وأديلفيا الرئيس التنفيذي والمدير المالي السابقين لشركة أديلفيا لالتصاالت‪،‬‬
‫وهي شركة للتلفزيون الكابلي‪ ،‬بالتآمر واالحتيال باألوراق المالية واالحتيال على المصارف‪ ،‬من خالل مخطط احتيال‬
‫مالي وحسابي معقد‪ ،‬وباختالس ممتلكات الشركة مما غبن حملة األسهم والدائنين‪ .‬وقد تمت أعمال التحقيق والمقاضاة في‬
‫هذه القضية بالتنسيق الوثيق مع مفوضية (‪ ،)SEC‬التي تولت أيضًا رفع قضية متوازية تتعلق بفرض تطبيق القوانين‪.11‬‬

‫بإنشاء فريق لمكافحة االحتيال في الشركات في يوليو ‪ .2002‬ويّض م فريق المكافحة الذي يرأسه نائب وزير العدل‪،‬‬
‫أعضاء من الوزارة مكّلفين بتعزيز نشاطات تطبيق القوانين المتعلقة بالجرائم داخل الوزارة‪ ،‬ومجموعة من موظفين في‬
‫دوائر حكومية مختلفة مختصة بالتحقيق وفرض القوانين التنظيمية تركّز على تحقيق الحد األقصى من التعاون ومن‬
‫النشاطات المشتركة التنظيمية والتحقيقية والخاصة بفرض تطبيق القوانين عبر وكاالت وأجهزة تطبيق القوانين الفدرالية‬
‫‪12‬‬
‫في قضايا احتيال الشركات الفدرالية‪.‬‬

‫وقد بدأت حركة حوكمة الشركات أخيرًا في التركيز على طرق أخرى لتعزيز نزاهة المسئولين عن إدارة الشركة‬
‫وأعضاء مجالس اإلدارة‪ .‬فمثًال‪ ،‬شّد د وليام دونالدسون‪ ،‬رئيس مفوضية تنظيم التعامل باألوراق المالية (‪)SEC‬‬
‫(األمريكية) على أهمية تشكيل أعضاء مجلس اإلدارة وكبار المسئولين اإلداريين بحيث تكون نموذجًا رفيع المستوى من‬
‫ناحية المعايير األخالقية على رأس الشركة ومع تقدم حركة الحوكمة ستبذل تلك الحركة جهدًا كبيرًا للعثور على أعضاء‬
‫مجالس إدارة ممتازين أخالقيًا ويتحّلون بصفات كان يجلها اقتصاديّو القرن الثامن عشر‪ ،‬آدم سميث‪ ،‬مثل‪ :‬الحصافة‬
‫والعدالة واإلحسان وضبط النفس والحشمة واالعتدال‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-4‬االهتمام بالتعليم والتدريب ‪:‬‬
‫إن التطور األوسع في مجال أخالقيات األعمال نجده في مجال التعليم والتدريب‪ ،‬ففي الدول الصناعية أخذت هذه المادة‬
‫تدرس وتصدر فيها الكتب المتخصصة والمنهجية على نطاق واسع‪ ،‬ويوجد في الواليات المتحدة األمريكية حاليا أكثر من‬
‫‪ 500‬مقرر تدريسي من مقررات أخالقيات األعمال تدرس في الجامعات بدوام كامل وان ‪ %90‬منها تقدم نوعا من‬
‫التدريب في هذا المجال وحتى عام ‪ 1993‬كان هناك ما ال يقل عن ‪ 16‬مركزا بحثيا ألخالقيات العمل‪ 13‬واألعمالوفي‬
‫عام ‪ 2004‬أصدرتجمعية إعالءشأن كلياتومدارسإدارة األعمالوالتجارة‪ ،‬وهيالهيئة الدولية التي تصادق علىإنشاء‬
‫كلياتاألعمالوالتجارة‪ ،‬مبادئتوجيهية لدمج األخالقياتوالحوكمة في مواد تدريس اإلدارة العالمية‪ .‬وتركز هذه‬
‫المبادئالتوجيهية علىأربع مجاالت‪:‬هيمسؤولية شركات األعمالفي المجتمع والقيادة األخالقيةوصناعة القراراتاألخالقية‬
‫وحوكمة الشركات‪.14‬‬

‫وفي عام ‪ 2001‬أعد االتحاد األوروبي ورقة بحث بعنوان "تشجيع وضع إطار عمل أوروبي للمسؤولية االجتماعية‬
‫للشركات" وتم إطالق عملية إعادة فحص في بلدان متعددة لوضع تدريس إدارة األعمال واألبحاث الموضوعة عن‬
‫المسئولية االجتماعية للشركات‪،‬و وضع مبادرات األبحاث والمناهج الدراسية التي يتم تنظيمها تحت رعاية األكاديمية‬
‫األوروبية لألعمال التجارية في المجتمع‪ .‬كما أن مبادرة االتفاق العالمي أو غلوبل كومباكت (‪)Global Compact‬‬
‫التابعة لألمم المتحدة‪ ،‬وهي مبادرة تضم أكثر من ‪ 2000‬شركة تجارية من مختلف أنحاء العالم وعددًا من وكاالت األمم‬
‫المتحدة ومنظمات العمال والمجتمع المدني لدفع عجلة المواطنة المسئولة للشركات ‪ .‬فقد عملت على إقامة منتدى لشبكات‬
‫من أساتذة إدارة األعمال والتجارة حول العالم‪.‬‬

‫وقد أتاح هذا المنتدى للمدرسين تبادل األبحاث ووضع دراسات عن حاالت معينة إلعطاء مثال يوضح ممارسات‬
‫الشركات التي تحاول جاهدة التقييد بمبادئ مبادرة االتفاق العالمي حول العمل والبيئة وحقوق اإلنسان ومحاربة الفساد‪.‬‬
‫كما أطلق برنامج آسين لألعمال التجارية والمجتمع‪ ،‬ومركزه الرئيسي في الواليات المتحدة‪ ،‬ائتالفًا عالميًا يضم ‪ 11‬كلية‬
‫أعمال وتجارة في الهند وجنوب أفريقيا وأسبانيا والمكسيك وكندا والواليات المتحدة ‪ ،‬تعمل جميعها بطرق مختلفة‬
‫لمعالجة قضايا تتعلق باألخالقيات‪ ،‬والمسؤولية االجتماعية للشركات‪ ،‬ومواطنة الشركات‪ ،‬واالستدامة‪ ،‬والحوكمة‬
‫‪15‬‬
‫الرشيدة‬

‫أما المعهد اآلسيوي لإلدارة في مانيال فقد كان سباقًا في منح شهادة ماجستير في إدارة التنمية ُم صممة خصيصًا إلعداد‬
‫القادة الذين سيعملون في االقتصاديات الناشئة على معالجة التحديات الخاصة والفرص التي تضمنها تلك االقتصاديات‪.16‬‬

‫وُتطور كلية التجارة وإ دارة األعمال بجامعة ستلنبوش بجنوب أفريقيا برنامج دكتوراه في القيادة والحوكمة واألخالقيات‬
‫‪17‬‬
‫يرمي إلى مماشاة أهداف الشراكة االقتصادية الجديدة للتنمية اإلفريقية‪.‬‬
‫وهناك أيضًا العديد من الشبكات مثل الشبكة األوروبية ألخالقيات العمل التجاري التي تضم أعضاء من ‪ 33‬بلدًا يعملون‬
‫من أجل إقامة اتصاالت بين العاملين في الحقلين األكاديمي والتجاري‪ ،‬ومن أجل تشجيع األخالقيات في ممارسات التعليم‬
‫والتدريب والتنظيم‪.18‬‬

‫‪-5‬االلتزام بروح القانون وأهمية البعد االجتماعي ‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫تؤدي الرؤية الضيقة ألخالقيات العمل – التي تقصر دور مشروعات العمل على مجرد تحقيق األرباح ضمن إطار قواعد‬
‫السوق – إلى تجاهل ممارسات العمل الضارة‪ ،‬بسبب االلتزام الحرفي بنصوص القانون وتجاهل روح القانون‪ .‬ومن‬
‫أمثلة ذلك الفشل في معالجة األمور الخارجية السلبية التي تعرفها المؤسسة وتكون غير معروفة لدى صانعي السياسات‬
‫والجهات الرقابية‪ ،‬أو تكون معروفة لديهم‪ ،‬ولكن مراقبة ومتابعة تلك الممارسات يكون أمًر ا باهظ التكلفة‪.‬‬

‫فشركة جنرال موتور ‪ General Motors‬علي سبيل المثال تدفع عدة ماليين من الدوالرات سنويا كغرامات جزئية‬
‫نتيجة للتصرف الالأخالقي الذي أدى إلي دخول الشركة في قضايا عمالية مكلفة‪ .‬كما إن الدروس التي يمكن إلحدى‬
‫الشركات أن تستخلصها في وقوع كارثة في مجال حقوق اإلنسان أو كارثة بيئية قد تكون لها آثار وخيمة عليها‪ .‬فقد حدت‬
‫مأساة بوبال بشركة يونيون كاربايد ‪Union Carbide‬إلى تحويل نفسها تماما تقريبا بعد الحادثة‪ ،‬حيث شهدت مبيعاتها‬
‫انخفاضا من ‪ 9.9‬مليار دوالر سنويا قبل الحادث إلى ‪ 4.8‬مليار دوالر بعد ثماني سنوات‪ .‬ويبلغ مجموع تكلفة التلوث‬
‫النفطي لشركة إكسون فالديز ‪ Valdez Exxon‬ما يتجاوز ‪ 1‬بليون دوالر‪.‬‬

‫وفي كلتا الحالتين‪ ،‬أدت الكارثتان إلى حدوث تغيير‪ .‬ومنذ حادث بوبال‪ ،‬شرعت الصناعة الكيمائية في اتخاذ مبادرات‬
‫طوعية بمفردها بخصوص المسئولية االجتماعية لتلك الشركات‪ .‬ومنذ حادثة إكسون فالديز ‪ ،Valdez Exxon‬أصبحت‬
‫القوانين والتنظيمات المتعلقة بنقل النفط أكثر صرامة‪ ،‬مثل التدابير الرامية إلى تجهيز ناقالت النفط ببدنين اثنين بحلول‬
‫عام ‪.2015‬‬

‫ومنذ عهد قريب‪ ،‬اعتمدت شركتا صناعة األحذية الرياضية "نايكي" و "ريبوك" ‪ Nike‬و‪ Reebok‬مدونتين جديدتين‬
‫لقواعد سلوك الشركتين عقب ما تعرضتا له من نقد الذع بشأن الممارسات العمالية لبعض المتعهدين التابعين لهما في‬
‫آسيا‪ .‬ونقحت بصفة هامة مجموعة "رويال دتش شل ‪ "Royal Dutch Shell‬ببيان المبادئ العامة المتعلقة بإدارة‬
‫األعمال التجارية" الخاصة بها بعد أن اتهم محتجون الشركة باإلهمال في حقوق النفط في بحر الشمال ‪.‬‬

‫ويعكف الكثير من كليات األعمال والتجارة حول العالم على االستفادة من مصادر األخالق واالعتماد على التقاليد إلعداد‬
‫جيل المستقبل من قادة المؤسسات التجارية إلدارة أعمالهم بشكل فعال وأخالقي‪ .‬وعلى سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬طّو ر‬
‫معهد اإلدارة واألبحاث في مومباي بالهند‪ ،‬عدة مبادرات بما فيها تأسيس مركز تطوير مواطنة الشركات‪ ،‬الذي يوفر‬
‫للطلبة تجارب خارج حجرات الدراسة لتنمية حساسيتهم إزاء ما إلدارة األعمال من تأثير اجتماعي‪ .‬وقد قام هذا المركز‪،‬‬
‫خالل العقد األخير‪ ،‬بتنفيذ أكثر من ‪ 800‬مشروع شاركت فيها أكثر من ‪ 50‬شركة ومائة منظمة غير حكومية‪ .‬وعلى‬
‫رأس تلك المشروعات مشروع جيتا شبهير التابع للمركز‪ ،‬وهو عبارة عن ورشة عمل داخلية تدوم يومين وتقام في أشرم‬
‫(مؤسسة للدراسات الروحية) ُتعِّر ف الطالب على جوانب الحياة الروحية واإلدارة الذاتية المرتكزة إلى تقاليد الكتب‬
‫المقدسة الهندية‪.‬‬

‫‪-6‬البحث عن إنتاج ما هو مفيد للبشر وتحسين نوعية الحياة ‪:‬‬


‫ومن األمور الواضحة التي تحظى بأهمية كبرى ولكن قد تم إغفالها حتى من أولئك الذين يتبنون الرؤية الشاملة‬
‫ألخالقيات العمل‪ ،‬إنما تتعلق بما يجب وماال يجب أن تنتجه المؤسسات‪ .‬ففي المجتمعات التي تشجع المشروعات الحرة‪،‬‬
‫يسود اتجاه عام بأن المؤسسات لها الحق في إنتاج ما تراه مربًح ا لها‪ ،‬شريطة أال تكون المنتجات والخدمات التي تنتجها‬

‫‪8‬‬
‫محظورة بموجب القانون‪ .‬وهكذا تتاح الفرصة للشركات والمؤسسات بأن تخلق احتياجاتها وأن تستخدم األساليب الدعائية‬
‫واألساليب التسويقية والترويجية األخرى ذات الصلة في إقناع المستهلكين بشراء منتجاتها وخدماتها‪ .‬وال يوجد شيء‬
‫خاطئ في إيجاد االحتياجات الحقيقية التي تسهم في تحقيق الراحة والرفاهية في الحياة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬تقوم‬
‫الشركات في كثير من الحاالت بإيجاد احتياجات ورغبات عالية التكلفة وغير مفيدة ال لشيء سوى لتحقيق األرباح‪ .‬وقد‬
‫ترى اإلدارة أن ذلك العمل "جيد"‪ ،‬ولكنه في الحقيقة عمل ال فائدة منه ويؤدي إلى تبعات غير مرغوبة اجتماعًيا‪ .‬وهذا هو‬
‫المصدر الرئيسي لالستهالك الزائد والعامل األساسي الذي يدفع الناس إلى إجهاد أنفسهم بالعمل واإلفراط في االستهالك‪.‬‬

‫إن العملية الخادعة المتمثلة في إيجاد احتياجات ورغبات ال فائدة منها ال تؤدي فحسب إلى تشتيت انتباه الناس عن‬
‫االهتمام باألمور األكثر أهمية في الحياة التي تثمر في النهاية عن تحقيق السعادة والرضا بصفة مستمرة‪ ،‬بل تؤدي إلى‬
‫النضوب المبكر للموارد غير المتجددة وتدهور البيئة‪ .‬ومن األمور التي تخضع للمناقشة‪ ،‬أن الرؤية الشاملة ألخالقيات‬
‫العمل على خالف الرؤية العقلية التقليدية تنجح في إقناع الشركات على إنتاج بضائع وخدمات مربحة ألنها تفي‬
‫باالحتياجات الحقيقية للناس فضًال عن إقناعهم بتركيز نشاطهم اإلبداعي على تطوير المنتجات التي تساعد على تحسين‬
‫جودة الحياة بطريقة واضحة والتخلي عن استهالك المنتجات التي يمكن االستغناء عنها‪ .‬وعدم تحويل اإلنسان الفرد إلي‬
‫أداة استهالكية بحيث تكون وظيفته في الحياة االستهالك بال حدود‪.‬‬

‫لقد قيل الكثـير عن أن أخالقيـات العمـل ال تتوقـف عنـد حـد السـعي وراء الـربح "وفًق ا للقـوانين واللـوائح المطبقـة في المجتمـع‬
‫وبـ ــدون خـ ــداع أو احتيـ ــال"‪ ،‬حسـ ــبما يعتقـ ــد الـ ــرأي العقلي التقليـ ــدي‪ .‬وقـ ــد تعـ ــرض ذلـ ــك الـ ــرأي إلى هجـ ــوم عـ ــنيف من قبـ ــل‬
‫المجموعـ ـ ــات ذات المصـ ـ ــلحة على مـ ـ ــدار العقـ ـ ــدين األخـ ـ ــيرين بمن فيهم المسـ ـ ــتهلكون والمـ ـ ــدافعون عن حقـ ـ ــوق اإلنسـ ـ ــان‬
‫واختصاصــيو الحفــاظ على البيئــة‪ ،‬الــذين يطــالبون الشــركات والمؤسســات بتطــبيق معــايير عمــل مرتفعــة وتــولي مســئوليات‬
‫اجتماعية أكبر‪.‬‬

‫العولمة وأخالقيات العمل ‪:‬‬


‫بات من الصعب إخفاء االنتهاكات والممارسات غير األخالقية ‪ .‬ومع حلول عصر البريد اإللكتروني واإلنترنت‪،‬‬
‫أصبحت المخالفات األخرى التي ترتكبها الشركات‪ ،‬مثل اللجوء إلى استغالل األطفال في العمل وظروف العمل‬
‫االستغاللية‪ ،‬أكثر شيوعا‪ ،‬مع ما يرافق ذلك كثيرا من اآلثار السلبية في قطاع األعمال التجارية‪ .‬وتوجه العديد من‬
‫المنظمات غير الحكومية اتهاما مؤداه أن مصادقة الشركات عالميا على مدونات السلوك الطوعية ال تعدو كونها مناورة‬
‫عالقات عامة لمساعدتها على تجنب القواعد الملزمة والمعايير الدولية النافذة لسلوك قطاع األعمال التجارية‪ .‬وفي‬
‫الواقع‪ ،‬فقد وسع موقع المنظمة غير الحكومية المعنون "مراقبة الشركات (‪ ")Corporate Watch‬على شبكة اإلنترنت‬
‫تعريف "التضليل اإلعالمي البيئي" ليشمل "ظاهرة الشركات التي تدمر المجتمعات والبيئة وتسعى للحفاظ على أسواقها‬
‫وتوسيعها بتقديم نفسها على أنها من محبي البيئة ومن قادة معركة القضاء على الفقر"‪.‬‬

‫وتعد العولمة سبًبا آخر من أسباب االهتمام باألخالقيات حيث برزت مدونات ومنظمات غير حكومية عبر شبكة اإلنترنت‬
‫تعكف على رصد المخالفات التي ترتكبها الشركات‪ .‬كما أن العولمة قد أوضحت مشكلة اختالف الثقافات بين مديري‬
‫األعمال في ظل انفتاح األسواق وتغلغل بعض الشركات في أسواق مختلفة حول العالم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وتبذل العديد من الشركات في الوقت الحاضر جهودا مضنية للنأي بنفسها عن طغيان العولمة‪ .‬وأوضح ريك وانجور‬
‫‪ Rick Wagoner‬المسئول التنفيذي األول لشركة جنرال موتورز ‪ ،General Motors‬أن "نمو الشركات العالمية‬
‫يمكن أن يؤثر في عدد أكبر من األشخاص وفي عدد متزايد من البلدان مقارنة بأية قوة أخرى ظهرت في الماضي"‪ .‬غير‬
‫أنه توجد مشاكل أيضا‪ .‬ويقول إنه بالنسبة إلى الشركات "يحمل االقتصاد العالمي في طياته مجموعة من االلتزامات"‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬دور ونطاق أخالقيات األعمال‬


‫على الرغم من ذلك فمازال التطور محدودا في مجال تطبيق أخالقيات األعمال في الشركات‪ ،‬مع ما تمثله هذه التطبيقات‬
‫من مواقف أخالقية تعزز الثقة من جهة وما ينجم عن التصرفات الالاخالقية من نتائج سلبية ومكلفة في تدهور سمعة‬
‫الشركات بسبب الدعاوى القضائية والغرامات المالية من جهة ثانية فإذا كان الهدف من تطبيق األخالقيات هو إعالم‬
‫المديرين وأصحاب المصالح اآلخرين بما هو مسموح به ومستقيم من الناحية األخالقية بهدف التحقق بصفة خاصة من أن‬
‫العمليات واإلجراءات المستخدمة في الوصول إلى قرارات العمل وتنفيذها بطريقة صحيحة وموافقة للجوانب األخالقية‪.‬‬
‫وتضم األخالقيات مفاهيم متعددة ألداء المهام‪ ،‬بما في ذلك المهام المنفصلة عن نتائجها‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فمن غير‬
‫الممكن أو المرغوب فيه أن يتم فصل المهام عن نتائجها في العمل‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬تتمثل مهمة األخالقيات في تحقيق‬
‫التوازن بين المهام والنتائج‪ ،‬من أجل تطبيق األخالقيات والعمل في المؤسسة بشكل صحيح‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تعد األخالقيات‬
‫المرتبطة بالنتائج واألخالق المرتبطة بالمهام على قدر كبير من األهمية بالنسبة للعمل‪.‬‬

‫يمكن توظيف األخالقيات بشكل سليم في العمل‪ ،‬بحيث أن تطبق الشركة من بين العديد من األمور إجراء شفاًفا‬
‫وديمقراطًيا لصنع القرارات‪ .‬وال يكفي أن تكون القرارات الصادرة صحيحة فحسب‪ ،‬بل يجب أن تكون الطريقة‬
‫المستخدمة في التوصل إلى هذه القرارات صحيحة أيًض ا‪ ،‬واألكثر من ذلك‪ ،‬يجب رؤية هذه القرارات والحكم عليها بأنها‬
‫صحيحة‪ .‬وأولئك الذين يتأثرون بشكل مباشر وكبير بقرارات الشركة لهم حق أخالقي وأدبي‪ ،‬وهو التعرف على سبب‬
‫اتخاذ هذه القرارات ومن هم متخذو هذه القرارات‪ ،‬كما يجب أن يتم مشاركتهم أو استشارتهم في األمور التي تؤثر على‬
‫رفاهتهم‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬فإن هذا اإلجراء ال يزال يقتصر بشكل كبير على المساهمين فحسب‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإننا‬
‫نرى أن العاملين لهم حق المشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بطبيعة عملهم وصحتهم وسالمتهم‪ .‬وليس هذا األمر‬
‫صائًبا من الناحية األخالقية فحسب‪ ،‬بل إن له فائدة في العمل‪ .‬حيث يصبح العاملون أكثر رغبة واستعداًد ا في بذل الجهد‬
‫والعمل بشكل أكبر في الظروف التي يشاركون فيها في عملية صنع القرار‪ .‬إلى أنهم سوف يشعرون بالسعادة والتقدير‬
‫بسبب استشارتهم ومنحهم السيطرة والتحكم في عملهم‪ ،‬فسوف تزداد قدراتهم اإلنتاجية بشكل ملحوظ‪ .‬وسوف يساعد ذلك‬
‫على تقليل المشكلة األخالقية التي تتمثل في بذل جهد أقل من الجهد المتفق عليه أو إنجاز الحد األدنى من العمل‪.‬‬

‫ومن المتطلبات األخرى الهامة في تطبيق األخالقيات وتنفيذ العمل بطريقة صحيحة‪ ،‬هو ضرورة أن تكون المعلومات‬
‫التي تستند إليها القرارات موثوق منها ودقيقة قدر اإلمكان‪ .‬وفي العمل‪ ،‬يوجد قدر كبير من المعلومات غير المتماثلة بين‬
‫المديرين والموظفين‪ ،‬والمشترين والبائعين‪ ،‬وحتى بين المديرين والمساهمين‪ .‬وتظهر المعلومات غير المتماثلة حينما‬
‫يتوفر لدى المديرين معلومات عن مدى جودة المنتجات أكثر من المعلومات المتوفرة لدى المشترين‪ ،‬أو حينما يكون‬
‫العاملون على معرفة أكبر بقدراتهم اإلنتاجية على خالف المديرين‪ ،‬أو حينما يتوفر لدى المديرين معلومات عن الوضع‬
‫المالي للشركة والوضع المستقبلي لها أكثر من المساهمين‪ .‬وتؤدي هذه المعلومات غير المتماثلة إلى خلق مشكالت‬
‫أخالقية خطيرة‪ ،‬وتحول دون صياغة واتخاذ قرارات عمل صحيحة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ويمكن تشجيع األفراد على تحري الصدق واألمانة عبر تقديم حوافز مالية ومتابعة األداء عند نقل المعلومات الصحيحة‬
‫التي تساعد صانعي القرار على اتخاذ القرارات الصحية‪ ،‬وهو بال شك أمر أخالقي مرغوب فيه‪.‬‬

‫وبناء على هيكل السوق وظروف البيئة التي تحيط بالمؤسسة وتؤثر في أدائها‪ ،‬فإن إدراج االعتبارات االجتماعية‬
‫واألخالقية ضمن حسابات العمل قد يؤدي إما إلى تحقيق أداء جيد على مستوى العمل أو زيادة التكاليف وانخفاض‬
‫الحصيلة المالية المرضية‪ .‬وإ ذا تجاوزت عوائد االعتبارات األخالقية للتكاليف الخاصة بها‪ ،‬فلن يكون هناك تعارض بين‬
‫العمل الجيد والنتائج األخالقية الجيدة‪ .‬أما إذا كانت التكاليف تتجاوز العوائد‪ ،‬فسوف تواجه المؤسسة أزمة بين األخالقيات‬
‫واإلرباح‪ .‬ويتوفر أمام المؤسسات االنتهازية أو شبه االنتهازية خيار يتمثل في تبني الحد األدنى من المستويات األخالقية‬
‫بما يضمن استمراريتها وهذا ما يعنيه مصطلح "‪ "Satisfier‬باللغة اإلنجليزية بدًال من أن تلتزم بأقصى مستويات المعايير‬
‫األخالقية وهذا ما يعنيه مصطلح "‪ "Maximizer‬باللغة اإلنجليزية‪ .‬ولكن المؤسسات االنتهازية ال تتعرض ألية ضغوط‬
‫تجعلها تتصرف بطريقة أخالقية‪ .‬وقد تؤدي المعلومات غير المتماثلة إلى جعل العمالء وصانعي السياسات غير قادرين‬
‫على اكتشاف السلوكيات غير األخالقية‪ ،‬ومن ثم ال يكون الخوف على سمعة الشركة رادًع ا قوًيا‪.‬‬

‫وفي ظل الظروف التنافسية‪ ،‬قد تضطر المؤسسة التي تواجه تضارًبا بين األرباح واألخالقيات أن تتخذ قرارات قاسية‬
‫وغير مؤكدة‪ ،‬وذلك حسب الظروف التي تمر بها المؤسسة ورد الفعل المحتمل من منافسيها‪ .‬وإ ذا تعرضت المؤسسة‬
‫‪1‬‬
‫‪Paine, L.S (2003) "Is Ethics Good Business?", Challenge, vol 46, no 2. March-April, pp 6-21.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Thomsen, S. (2001) "Business Ethics as Corporate Governance" European Journal of Law and‬‬
‫‪Economics", vol 11, no 2, pp 153-164.‬‬
‫‪3‬‬
‫)‪Arthurs, H. (1990) "Ideology, Interest and Implementation of a professional Ethical Code", in D. MacNIven (ed‬‬
‫‪Moral Expertise London. Routledge.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Grace, D. and Cohen, S. Business Ethics: Australian Problems and Cases. Oxford, New York, Oxford University‬‬
‫‪Press.‬‬
‫‪ 5‬بيتر ف‪ .‬دراكر ‪ : 1976‬التكنولوجيا واإلدارة والمجتمع‪ ،‬ترجمة صليب بطرس‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ص‬
‫‪.207‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Woller, G.M (1996) "Business Ethics Society and Adam Smith: Some Observations on the Liberal Business Ethos",‬‬
‫‪Journal of Socio-Economics, Vol 25, no 3, pp 311-332.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Friedman, M. (1970) "The Social Responsibility of Business is to Increase its Profits", The New York Times,‬‬
‫‪September 13.‬‬
‫‪ 8‬تعزيز التنمية من خالل الحوكمة الشركاتية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية األمريكية‬
‫‪http://usinfo.state.gov/journals/ites/0205/ijea/ijee0205.htm‬‬
‫‪ 9‬إيرا م‪ .‬ميلستاين ‪ : 2005‬إرساء أسس النمو االقتصادي ‪ ،‬تعزيز التنمية من خالل الحوكمة الشركاتية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية‬
‫األمريكية ‪http://usinfo.state.gov/journals/ites/0205/ijea/ijee0205.htm‬‬
‫‪ 10‬إثيوبس تافارا وروبرت د‪ .‬ستراهوتا ‪ ،‬تعزيز اإلجماع الدولي حول القوانين التنظيمية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية األمريكية‬
‫مرجع سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪ - 11‬تعزيز التنمية من خالل الحوكمة الشركاتية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية األمريكية ‪ ،‬مرجع سبق ذكره‬
‫‪http://usinfo.state.gov/journals/ites/0205/ijea/ijee0205.htm‬‬
‫‪ 12‬كريستوفر راي مقاضاة جرائم الشركات ‪ ،‬تعزيز اإلجماع الدولي حول القوانين التنظيمية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية األمريكية‬
‫مرجع سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪A. Stark, What Is The Matter With Business Ethics? Harvard Business Review Bol. 71, No. 3,‬‬
‫‪May-June 1993, pp 38-48.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Mary C. Gentile, International Business Consultant , Managers for the Future, Electronic Journal of the U.S.‬‬
‫‪Department of State February 2005 .‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ 16‬ماري س‪ .‬جنتايل‪ ،‬إرساء أسس النمو االقتصادي ‪ ،‬تعزيز التنمية من خالل الحوكمة الشركاتية ‪ ،‬مجالت إلكترونية مختارة ‪ ،‬موقع وزارة الخارجية‬
‫االمريكية ‪http://usinfo.state.gov/journals/ites/0205/ijea/ijee0205.htm‬‬
‫‪ 17‬ماري س‪ .‬جنتايل ‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪ 18‬ماري س‪ .‬جنتايل ‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫للخسارة بسبب إدراج األخالقيات ضمن نظامها الحسابي وكانت ال تزال قادرة على تحقيق نسبة مرضية من األرباح دون‬
‫تحقيق أقصى أرباح ممكنة‪ ،‬فقد تشعر المؤسسة بالرضا إزاء اتخاذ القرار الصحيح‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬قد ترى المؤسسة أن‬
‫السلوك األخالقي يكلفها كثيًر ا على األجل القصير ولكن األداء يمكن أن يتحسن على األجل البعيد‪ .‬وإ ن صح ذلك‪ ،‬فقد‬
‫تدعو المؤسسة منافسيها إلى انتهاج نفس السلوك األخالقي‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تؤدي العملية التنافسية إلى تشجيع أو تحفيز‬
‫تبني السلوك األخالقي‪.‬‬

‫وقد تم اقتراح مجموعة من الحلول لعالج مشكلة التضارب بين نتائج العمل المرضية وبين الجوانب األخالقية‪ ،‬والذي‬
‫يتمثل في أن تمضي الشركة في طريقها وتلتزم بالسلوك األخالقي‪ .19‬ولكيتتمكن مناالستمرار في السوق‪ ،‬فعليها بذل‬
‫جهد اكبر للتوصل إلى طرقووسائلمبتكرة تساعدها علىمزاولة نشاطها بفعالية بدون التخلي عنالتزاماتها األخالقية‪.‬‬

‫ولعل الحل البديل وربما الحل األكثر واقعية "للتكلفة األخالقية للمنافسة" هو نوع من العمل الجماعي‪ ،‬الذي يشتمل تغيير‬
‫قواعد المنافسة وتقديم حوافز مالية وأخالقية لألفراد الذين يرغبون في العمل وفًقا للمعايير األخالقية حينما يتخلى عنها‬
‫المنافسون‪ .‬وتغيير قواعد المنافسة عن طريق وضع معايير تنافسية للسلوك يمكنها تمييز المصالح المتبادلة للمنافسين‬
‫ومصالح المجتمع والمصالح البيئية‪ .‬ولذا‪ ،‬ظهر االقتراح بأن اإلعالن خير من المنافسة على األسعار نظًر ا لتضاؤل‬
‫االحتماالت بأن يؤدي إلى إقصاء المنافسين‪ ،‬ومن ثم "تحقيق بيئة باريتو فيما يتعلق بالمنافسة على السعر‪.20‬وباإلضافة إلى‬
‫ما تقدم‪ ،‬يرى ‪ Arce‬أنالمنافسة اإلعالنيةال تمثل خرًقا لقوانين الممارساتالتجارية‪ ،‬علىخالفالتآمر الضمني في‬
‫تحديد األسعار‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬يؤدي االعترافبالتبادلية إلى إيجاد معيار للمنافسة بدون وجود مخاوفأخالقية‪.‬‬

‫وبرغم أن اإلعالن أفضل من المنافسة على األسعار‪ ،‬فإنه ال يخلو من المشكالت األخالقية‪ .‬وال تكمن المشكلة الحقيقية‬
‫في اإلعالن بشكل كبير في إطالق ادعاءات غير حقيقية أو كاذبة‪ ،‬بل تكمن بصفة أساسية في تقديم معلومات خادعة‪ .‬إن‬
‫إخبار الحقيقة يمكن أن يكون خادًع ا‪ .‬ففي ظل عدم تطبيق القواعد األخالقية في اإلعالن التي تؤكد على التمييز بين‬
‫المعلومات واإلقناع‪ ،‬أو يبن إخبار الحقيقة والمعلومات الخادعة‪ ،‬يؤدي اإلعالن إلى تشجيع بل وإ كراه المستهلكين على‬
‫شراء المنتجات التي ال يحتاجونها‪ .‬وبأخذ اآلثار الضارة لزيادة االستهالك على البيئة في االعتبار‪ ،‬نجد أن الوقت قد حان‬
‫لتشجيع المؤسسات على تقليل أنشطتها اإلعالنية عن طريق التخلص من تكاليف اإلعالنات من البنود الخاضعة للخصم‬
‫الضريبي‪.‬‬

‫وباختصار‪ ،‬تتمثل الطريقة األكثر فعالية في تحفيز الشركات والمؤسسات على فعل الشيء الصحيح واتخاذ القرارات‬
‫السليمة في جعل السلوك األخالقي سلوًك ا مؤسسًيا من خالل استخدام نظام فعال للحوافز والموانع‪ .‬وال يكون فعل الشيء‬
‫الصحيح سهًال وخالًيا من التكاليف بصفة دائمة‪ ،‬ولكنه دائًم ا يظل الشيء الصحيح‪ .‬وفي مجال العمل‪ ،‬يوجد غالًبا مغريات‬
‫لفعل الشيء الخاطئ وخاصة حينما تكون المكاسب المالية كبيرة‪ .‬ويمكن تقليل هذه المغريات إن لم يمكن التخلص منها‬
‫نهائًيا من خالل تطبيق نظام الحوافز الذي يربط المصلحة الشخصية بالسلوك األخالقي واألداء المالي‪ .21‬ويرىاألخالقيون‬

‫‪19‬‬
‫‪Thomsen, S. (2001) "Business Ethics as Corporate Governance" European Journal of Law and Economics", vol 11,‬‬
‫‪no 2, pp 153-164.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Arce, D.G. (2005) "Subgame Perfection and the Ethics of Competition", Managerial and Decision Economics, vol 26.‬‬
‫‪pp 397-405.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪Harsanyi, J. (1996) "Morality and Incentives" in F. Farina F. Hahn, and S. Vanucci (eds) Ethics, Rationality and‬‬
‫‪Economic Behavior, Oxford: Clarendon Press.‬‬
‫‪12‬‬
‫الذين يربطون النظرية األخالقية بالمهام والحقوق أن من واجب رجال األعمال أن يلتزموا بفعل الشيء الصحيح‪ ،‬ألن‬
‫واجبهم يقتضي عليهم فعل ذلك بدون اعتبار لمصالحهم الشخصية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فمن الطرق الفعالة أيًض ا في‬
‫تحفيز رجال األعمال على فعل الشيء الصحيح هو ربط األفعال الصحيحة بمصالحهم الشخصية‪ ،‬عن طريق منحهم‬
‫مكافآت مالية أو حرمانهم منها‪.‬‬

‫رابًعا‪ :‬التعارض بين األخالقيات واألداء‬


‫تشير معظم األدبيات الصادرة عن "أخالقيات العمل" إلى أن األخالق أمر هام ونافع للعمل في األجل البعيد على أقل تقدير‬
‫إن لم تكن هامة ونافعة على األجل القريب‪ .‬وغالًبا ما ُيقال إن األخالقيات هي العنصر األساسي الذي يتوقف عليه نجاح‬
‫وتطور المؤسسات على األجل البعيد‪ .‬وسوف يفقد العمل فعاليته بدون وجود درجة من الثقة واألمانة والصدق‪ .‬كما‬
‫سوف تتزايد تكاليف المعامالت السيما التكاليف القانونية‪ .‬وبصفة خاصة‪ ،‬تلعب الثقة دوًر ا هاًم ا وحيوًيا في العمل‪ .‬فنظًر ا‬
‫لعدم إمكانية النص على جميع المواقف واألمور المستجدة أثناء تنفيذ العقود‪ ،‬يبرز دور الثقة على اعتبار أنها عنصر هام‬
‫في عالقات العمل الفعالة والممارسات السليمة للشركة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬هناك آراء قوية تقول بأن الضعف النسبي للثقة خارج‬
‫محيط األسرة في بعض البلدان (وخاصة البلدان النامية) إنما يفسر انتشار المؤسسات العائلية وندرة المؤسسات‬
‫الكبرى‪.22‬‬

‫وبالمثل‪ُ ،‬يقال أن األمانة هامة في العمل‪ .‬ومن هنا تأتي المقولة العامة "األمانة هي أفضل سياسة"‪ .‬ولكن األمانة أمر ليس‬
‫بيسير في العمل‪ .‬فدائًم ا ما يوجد نوع من التعارض بين األمانة وبين المصلحة الشخصية‪ .‬ومن وجهة نظر المؤيدين‬
‫لمذهب المنفعية‪ ،‬ال يوجد شيء خاطئ في استخدام األمانة كسياسة أو وسيلة لحفظ الذات‪ ،‬أو في كسب المال شريطة أال‬
‫ُي لحق ذلك ضرًر ا باآلخرين‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن رجال األعمال الذين ال يومنون بالسلوك األخالقي ويتظاهرون‬
‫فقط بأنهم أمناء أو صادقون‪ ،‬إنما يتحملون خطورة وضع عمالئهم وأصحاب المصالح اآلخرين موضع السخرية‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فإن استخدام األمانة كسياسة وعدم استخدامها كفضيلة‪ ،‬من الممكن أن يحقق نتائج عكسية‪ .‬وعلى الرغم من أن كثيرًا‬
‫من رجال األعمال يفعلون الشيء الصحيح ألنه الشيء الذي ينبغي فعله‪ ،‬أو الرتباط سمعتهم باألمانة بصرف النظر عن‬
‫النتائج‪ ،‬فإن آخرين ال يمكنهم المجازفة بخسارة سمعتهم وتكبد خسائر مالية بسبب أنهم غير أمناء‪ .‬وال تتمكن المؤسسات‬
‫التي تدير أعمالها بطريقة غير أخالقية من االستمرار‪ ،‬بل إنهم يتعرضون لمخاطر خسارة سمعتهم وخسارة نشاطهم‬
‫أيًض ا‪.‬‬

‫جدير بالذكر أن ليست جميع نظم األخالقيات مالئمة للعمل‪ .‬فمثًال‪ ،‬فإن النظام األخالقي الذي يؤكد على اإليثار وإ نكار‬
‫الذات ومناهضة المادية‪ ،‬قد يؤدي إلى إعاقة التقدم االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬ومن الممكن القول أيًض ا بأنه يتعارض مع‬
‫العمل‪ .‬ولنفترض مثًال أن هناك جّز ار يتسم باإليثار ويبيع اللحم في بلدة فقيرة أقل من التكلفة الحِّد ية‪ .‬فلن يمر وقت طويل‬
‫حتى يخسر ذلك الجزار عمله ويصبح في وضع مترٍد أكثر من ذي قبل‪ .‬ولذا‪ ،‬يجب التمييز بين األخالقيات باعتبار أنها‬
‫هدف أو غاية وبين األخالقيات التي تمثل عائًقا وعقبة في العمل‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪Fukuyama, F. (1995) Trust: The Social Virtue and the Creation of Prosperity. London: Penguin Books.‬‬
‫‪13‬‬
‫فليس مهمة الشركة الساعية للربح أن تسعى إلى تطبيق األهداف األخالقية وفقط وليست مهمة الشركات السعي فقط للربح‬
‫ولكن يجب أن تحقق الشركة هدفها المتمثل في تعظيم األرباح من خالل االلتزام بالطرق األخالقية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪،‬‬
‫ترتبط أخالقيات العمل باألهداف‪ ،‬وتصبح مهمة األخالقيات في العمل وسيلة من وسائل بتنفيذ تلك األهداف‪.‬‬

‫فالسوق‪ ،‬وهو القاعدة المؤسسية للعمل‪ ،‬يوفر فرًص ا للسلوك األخالقي من خالل فرض تكاليف على المؤسسات وعلى‬
‫األفراد الذين يخالفون المعايير األخالقية‪.‬‬

‫كما يمكن أن يطبق الشخص األخالقيات في العمل بطريقة غير مباشرة‪ ،‬من خالل تحسين الظروف المعيشية لألفراد عن‬
‫طريق توظيف األفراد العاديين من أجل الشعور بالراحة والطمأنينة في الحياة‪ .‬وحينما يمكن المشاركة في تحقيق األمن‬
‫والرخاء االقتصادي لألفراد‪ ،‬يمكن حينئٍذ أن ينجح النشاط التجاري في تقليل السلوكيات غير األخالقية‪ .‬ويعد الفقر‬
‫والبطالة السبب الرئيسي لألنشطة اإلجرامية والسلوكيات غير األخالقية‪ .‬ومن األمثلة األخرى لتطبيق األخالقيات في‬
‫العمل هو التزام العديد من المؤسسات في السنوات األخيرة بسياسة تكافؤ الفرص من أجل مساعدة األفراد المعاقين‬
‫واألفراد من ذوي الخلفيات العرقية المضطهدة‪ .‬ومثل هذه السياسة تؤدي إلى تحقيق المعني الصحيح للعمل وتسهم في‬
‫إرساء األخالقيات السليمة‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما تقدم‪ ،‬فإن الرأي القائل بأن العمل مفيد لألخالقيات يمكن االعتداد به جزئًيا‪ .‬إال أن المجتمع التجاري قد‬
‫يسهم بشكل كبير في ظهور السلوكيات الالاخالقية مثل الطمع والخيانة‪ .‬وحسبما أشرنا سلًفا‪ ،‬فعلى الرغم من أن األسواق‬
‫تطرح البضائع والخدمات التي ُتحِّس ُن جودة الحياة وربما تجعلنا أكثر رفاهية‪ ،‬فإنها تطرح البضائع والخدمات التي ال‬
‫نحتاجها بالفعل‪ .‬وبعيًد ا عن إتالف البيئة وغرس صفتي الحسد والغيرة في بعض النفوس‪ ،‬فإنها قد تشجع الفقراء على‬
‫ارتكاب األعمال اإلجرامية واألعمال المنافية لألخالق‪.‬‬

‫ويتضح أن العالقة بين األخالقيات والعمل عالقة وثيقة ومتغيرة‪ .‬كما ال يمكن فصل أي منهما عن اآلخر‪ .‬ففي بعض‬
‫األحيان‪ ،‬يعزز كل منهما اآلخر‪ ،‬وفي آونة أخرى يتعارضان‪ .‬وحينما يتعارضان‪ ،‬فإنها يسببان مشكالت للمجتمع‪ ،‬إن لم‬
‫يكن للعمل ذاته‪ .‬وربما نجد أن أفضل طريقة لتسوية ذلك التضارب بينهما إنما يكون من خالل العمل الجماعي الذي‬
‫يعتمد على الحوافز التي يتم منحها للمؤسسات واألفراد والجزاءات التي يتم فرضها عليهم لكي تدفعهم إلى التصرف‬
‫بطريقة أخالقية‪ .‬وال يمثل ذلك مشكلة كبرى‪ ،‬حيث يسعى معظم رجال األعمال إلى فعل الشيء الصحيح بسبب المصالح‬
‫المالية أو ألن ذلك ببساطة هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬البحث عن أرضية أخالقية في األسواق المالية‬

‫على الرغم من الجهود المبذولة إلصالح المشكالت األخالقية التي عانت منها بعض الشركات من خالل مفاهيم وتطبيقات‬
‫الحوكمة‪ ،‬إال إن االقتصاد العالمي مازال يعانى من العديد من مجموعة من االضطرابات في األسواق الدولية الناجمة إما‬
‫عن خلل هيكلي في النظام التقليدي الذي يحكم النشاط المالي واالقتصادي مثل األزمة المالية التي عصفت بآسيا‪ ،‬أو ناجمة‬
‫عن خلل أخالقي وبروز ممارسات من الغرر واالحتيال والسعي المادي نحو الربح حيث انتابت األسواق المالية الشهور‬
‫الماضية سلسلة من األزمات كان أخرها أزمة الرهن حيث أدى التوسع في إصدار السندات والرهون العقارية إلى ظهور‬
‫نوع من المشتقات يسمى صناديق التحوط (‪ .)Hedge Funds‬ويعتمد هذا النوع من المشتقات على جزء بسيط من قيمة‬
‫‪14‬‬
‫السند آنًيا أو مستقبال أمال في تحقيق ارتفاعات في قيمة السندات في المستقبل حيث يعتمد هذا النوع من االستثمار على‬
‫االستثمار في السندات المغطاة بأصول عقارية أو بأصول أخرى‪.‬‬

‫وتتصف بالقدرة السريعة على التسييل مما دفع العديد من مؤسسات الوساطة المالية للتوسع في هذا االستثمار وقد بلغت‬
‫القيمة اإلجمالية لهذه السندات نحو ‪ 503‬مليار دوالر عام ‪ 2006‬ويتصف هذا النوع من االستثمارات األجنبية في‬
‫معظمها بظاهرة الريعية غير المنتجة على الصعيد العالمي‪ ،‬ويقف وراءها شبكة كبيرة من المضاربين الذين يسعون‬
‫ناتجا عن استثمار حقيقي إلنتاج السلع والخدمات‪ ،‬وإ نما نتيجة‬
‫للحصول على أكبر دخل ممكن دون أن يكون ذلك ً‬
‫لالستثمار المالي القائم على المضاربة بهدف المضاربة‪ .23‬ووفًقا لبنك االحتياط (البنك المركزي األمريكي ‪ ،)Fed‬بلغت‬
‫إجمالي القيمة السوقية للعقارات السكنية ما يقرب من ‪ 21‬تريليون دوالر أمريكي في يونيو ‪ .2007‬وقد بلغت قيمة‬
‫الديون المضمونة برهن مستحق السداد على اُألَس ر ما يقرب من ‪ 10‬تريليون دوالر أمريكي‪ .‬ومن المتوقع أن تؤدي‬
‫أزمة الرهونات العقارية إلى تحقيق خسارة بقيمة ‪ 2‬تريليون دوالر أمريكي في الثروة السكنية وانخفاض االستهالك‬
‫بحوالي ‪ 75‬مليار دوالر أمريكي في غضون سنتين‪ ،‬فضًال عن انهيار بعض الصناديق العقارية مثل إعالن بنك بي إن‬
‫بي باريبا في ‪ 9‬أغسطس الماضي عن إغالقه ثالثة من صناديقه بعد معاناتها من عدم سيولة لألصول (الصناديق) في‬
‫الوقت الذي أعلن فيه في وقت سابق أن سيولة الصناديق الثالثة متوافرة بمثابة الشرارة الثانية التي أطلقت األزمة وأكدتها‬
‫ذلك بعد إعالن سابق من شركة بيرسترن االستثمارية عن انهيار اثنين من صناديق التحوط التي تديرها بعد التراجع الذي‬
‫شهدته مما أدى إلى حمى التخلص من االستثمار في هذا النوع من الصناديق حيث حول المستثمرون ما يعادل ‪ 49‬مليار‬
‫من السندات المغطاة بأصول إلى سندات الخزانة األمريكية في غضون أسبوع واحد‪ .24‬كما انهار أيًض ا بنك بير‬
‫ستيرنز ‪ Bear Stearns‬خامسأكبر البنوك االستثمارية في الوالياتالمتحدة األمريكية منجراء أزمة الرهوناتالعقارية‪،‬‬
‫حيثبيع بسعر دوالرينللسهم بعد أنوافقجيه بي مورغانتشير‬
‫‪ JP Morgan Chase‬علىشرائه بحوالي ‪ 236‬مليوندوالر لكي ينتهي وجود بنك بير ستيرنز ‪Bear Stearns‬‬
‫كبنك مستقلمنذ ‪ 85‬سنة ‪.25‬‬

‫وقد وجدت بعض المصارف التقليدية العربية والخليجية واألجنبية ضالتها في النموذج المالي والمصرفي اإلسالمي حيث‬
‫كبيرا سواء من جانب المسلمين المقيمين في الغرب المتعطشين للتعامل مع المؤسسات‬
‫نموا وطلبًا ً‬
‫أن هذا النموذج يشهد ً‬
‫المالية اإلسالمية ‪ ،‬أو عبر ارتفاع معدالت دخول الدين االسالمى اآلخذة في النمو‪ ،‬باإلضافة إلي وجود فئات وشرائح من‬
‫العمالء غير المسلمين الذين يرغبون في التعامل مع المؤسسات المالية اإلسالمية انطالقا من أسس أخالقية قريبة الشبه‬
‫باألخالق اإلسالمية فضال عن محدودية المخاطر الرتباط التمويل اإلسالمي بسوق النقد وسوق األصول وتمتعه بقيم‬
‫وأخالق مهنية تحكم نموه وتطوره مثل االلتزام بالحالل واجتناب الحرام ومنع االحتكار ‪ ،‬وحرية التملك بوسائله‬
‫المشروعة والتراضي والصدق واألمانة وعدم الغش والغرر وحسن القضاء والتيسير على المعسر وتعظيم قيم العمل‬
‫وتحفيز اإلنتاج وتشجيع االدخار وترشيد االستهالك وتحقيق التكافل والعدالة في توزيع الثروة‪.‬‬

‫‪ - 23‬د‪ .‬محمد جميل الشبشيري‪ ،‬أزمة الرهونات العقارية‪ ،‬مجلة اتحاد المصارف‪ ،‬يناير ‪.2008‬‬
‫‪24‬‬
‫‪- US Mortgage Crisis, Institute of International Finance, Feb. 2008.‬‬
‫‪ - 25‬تقرير أسواق النقد األسبوعي ‪ ،‬األحد الموافق ‪ 23‬مارس ‪ 2008‬بنك الكويت الوطني ‪. www.nbk.com‬‬
‫‪15‬‬
‫وفى الوقت نفسه تشهـد األسواق العـالمية توجهـا دوليـًا لتبى آليات وأدوات العمل المصرفي واالستثماري اإلسالمي من‬
‫قبل مؤسسات مالية تقليدية عريقة مثل ميريل لينش ‪ Merrill Lynch‬وبنك باريس الوطني ‪Banco National de‬‬
‫‪ Paris‬وروبرت فلمنج‪ Robert Flemmings‬وجـولدمان ساكس ‪ Goldman Sacks‬ولنجتون مانجمنت‪Willington‬‬
‫‪ Management‬وعلى مستوى دول أخرى مثل المملكة المتحدة‪ ،‬وكندا واستراليا‪ ،‬وسويسرا‪ ،‬وألمانيا وهونج كونج‪،‬‬
‫حيث بلغت المعامالت التي تتفق وأحكام الشريعة اإلسالمية درجة عالية من االنتشار والتوسع‪ ،‬وهو ما جعلها تمتد إلى‬
‫مختلف أرجاء العالم لمواكبة المستجدات االقتصادية‪ .‬وفيما يتعلق بأسواق رأس المال‪ ،‬فقد تم اإلعالن عن مؤشرين في‬
‫عام ‪ 1999‬لتوفير مقياس ألسعار األسهم من أجل االستثمار من جانب المؤسسات المالية اإلسالمية‪ ،‬هما مؤشر سوق‬
‫"داو جونز اإلسالمي ‪ Dow Jones‬وسلسلة المؤشر اإلسالمي العالمي للبورصة فاينانشيال تايمز ‪.Financial Times‬‬
‫وقد بلغ حجم التعامالت في داو جونز حوالي ‪ 10‬تريليون دوالر أمريكي في أكثر من ‪ 40‬دولة حول العالم ‪ ،‬كما أشاد‬
‫صندوق النقد الدولي في تقرير صدر عنه في الربع األخير من ‪ 2007‬وأعده مجموعة خبراء في إدارة النظم المالية‬
‫وأسواق رأس المال بحالة التوسع السريع الذي يشهده التمويل اإلسالمي وأدى ذلك إلى طفرة في معامالت التوريق‬
‫اإلسالمي تمخضت عن زيادة إصدارات الصكوك بمقدار أربعة أضعاف من ‪ 7.2‬مليار دوالر في عام ‪ 2004‬إلى ‪27‬‬
‫مليار دوالر في عام ‪.262006‬‬

‫يرجع وجود المعامالت المتوافقة مع الشريعة اإلسالمية في أسواق المال في لندن إلى الثمانينات من القرن الماضي‪ ،‬فقد‬
‫اتسع استخدام صفقات المرابحة في بورصة لندن للمعادن حيث وفرت قدًر ا كبيًر ا من السيولة للمؤسسات في منطقة‬
‫الشرق األوسط وغيرها من المستثمرين الذين شاركوا في تطوير أسواق المنتجات للشركات في المملكة المتحدة‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك‪ ،‬لم يتم تلبية متطلبات األفراد من المستهلكين المسلمين إذ أن المنتجات كان يتم تطويرها في ذلك الوقت‬
‫لكي تستهدف كبار المستثمرين فقط ‪ ،‬وظهرت المنتجات اإلسالمية لألفراد في المملكة المتحدة في التسعينات‪ ،‬ولكنها‬
‫كانت على نطاق ضيق‪ .‬وبدأ عدد قليل من البنوك من الشرق األوسط وجنوب شرق آسيا في تقديم منتجات بسيطة مثل‬
‫تمويل شراء المنازل‪.‬‬

‫وقد شهدت الخمس سنوات األخيرة نمًو ا سريًع ا لصناعة التمويل اإلسالمي على مستوى العالم والتي تقدر بنسبة تتراوح‬
‫بين ‪ 10‬إلى ‪ %15‬في العام‪ .‬وباعتبار أن المملكة المتحدة هي أحد المراكز المالية الدولية الرائدة‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن‬
‫جزًءا كبيًر ا من ذلك النمو يتركز في لندن التي أصبحت تمثل مركًز ا عالمًيا ناشًئا للتمويل اإلسالمي‪ .‬ويرجع ذلك إلى عدة‬
‫عوامل منها‪ :‬التوسع العالمي للتمويل اإلسالمي‪ ،‬والرغبة المتزايدة في االبتكار واالستجابة لألفكار الجديدة وإ بداء قدر‬
‫مالئم من المرونة‪ ،‬وانتشار عدد كبير من المؤسسات الدولية الكبرى مثل ‪ ،CITI‬و‪ ،Deutche‬و‪ HSBC‬في الشرق‬
‫األوسط وجنوب شرق آسيا منذ عدة سنوات‪ ،‬والسيولة الزائدة في الشرق األوسط التي ساعدت على تعزيز الصفقات‬
‫الموافقة للشريعة اإلسالمية في المملكة المتحدة مثل صفقة استحواذ مؤسستين ماليتين كويتيتين على آستون مارتين‬
‫‪.Aston Martin‬‬

‫وقد أبدت الحكومة البريطانية رغبتها في منح الجالية المسلمة التي تمثل ‪ %3‬تقريًبا من السكان إمكانية الحصول على‬
‫الخدمات المالية التي تتفق مع معتقداتهم الدينية‪ ،‬وذلك بالتعاون مع بنك إنجلترا ‪ Bank of England‬وهيئة الخدمات‬
‫المالية البريطانية ‪ FSA‬التي تسعى إلى دعم هذه التطورات‪ .‬فحتى وقتنا الحالي‪ ،‬وافقت هيئة الخدمات المالية البريطانية‬
‫‪26‬‬
‫راجع صفحة صندوق النقد الدولي ‪. www.imf.org‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ FSA‬على تأسيس ثالثة بنوك إسالمية بالكامل؛ فقد زاول البنك اإلسالمي في بريطانيا ‪Islamic Bank of Britain‬‬
‫نشاطه في عام ‪ 2004‬وبلغت الميزانية العمومية له في يونيو ‪ 2007‬حوالي ‪ 140‬مليون جنيه إسترليني‪ .‬كما بدأ البنك‬
‫األوروبي اإلسالمي لالستثمار ‪ European Islamic Investment Bank‬مزاولة نشاطه في عام ‪ 2006‬بميزانية‬
‫عمومية تقدر بحوالي ‪ 302‬مليون جنيه إسترليني‪ .‬كما تأسس بنك لندن والشرق األوسط في يوليو ‪ 2007‬برأس مال‬
‫قدره ‪ 175‬مليون جنية إسترليني‪.27‬‬
‫خاتمة وتوصيات‬
‫استعرضنا في البحث السابق دور القيم األخالقية في التجارب العالمية في ضوء ظهور مفاهيم اإلدارة الرشيدة‬
‫( الحوكمة ) وأثبتنا أن العالم بات يبحث عن القيم واألخالق في مجال األعمال بكافة أشكالها في ظل األزمات العاصفة‬
‫التي أطاحت ببعض الشركات العمالقة نتيجة عدم االلتزام بأخالقيات اإلعمال في ممارساتها ‪ ،‬وفي معظم القطاعات وبَّين‬
‫البحث أن هناك عديدًا من األسباب قد دفعت العالم إلى االهتمام بأخالقيات األعمال وحدث تحول في مفاهيم الكفاءة‬
‫وأهداف الشركات وأصبح الهدف األخالقي جنًبا إلى جنب مع هدف تعظيم الربح حيث يلتقي الجانب المادي مع الجانب‬
‫الروحي المشّك ل لطبيعة اإلنسان‪.‬‬

‫وأصبح االهتمام ال يقتصر فقط على المساهمين بل تعداه إلى العاملين وأطراف التعامل في المجتمع بوجه عام‪ .‬كما أن‬
‫بروز مفاهيم اإلدارة السليمة وهو ما يعرف بالحوكمة قد أدى إلى االهتمام بتشكيل أعضاء مجالس إدارة ممتازين أخالقًيا‬
‫ويتحلون بصفات مثل الحصافة والعدالة واإلحسان وضبط النفس والحشمة واالعتدال‪ .‬ويبرز التطور األوسع في مجال‬
‫أخالقيات األعمال في قطاع التعليم والتدريب وأصبحت مادة األخالق تدرس وتصدر في الكتب المتخصصة والمنهجية‬
‫على نطاق واسع‪ .‬ويعكف الكثير من كليات األعمال والتجارة حول العالم على االستفادة من مصادر األخالق واالعتماد‬
‫على التقاليد إلعداد جيل المستقبل من قادة المؤسسات التجارية إلدارة أعمالهم بشكل أخالقي وفعال‪ .‬وقد تم دمج‬
‫األخالقيات والحوكمة في مواد تدريس اإلدارة العالمية من قبل جمعية إعالء شأن كليات ومدارس األعمال والتجارة في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬أما في االتحاد األوروبي‪ ،‬فقد تم وضع مبادرات ألبحاث ومناهج دراسية لتشجيع المسئولية‬
‫االجتماعية للشركات‪ ،‬كما أن مؤسسات المجتمع المدني قد حدت في نفس االتجاه‪ ،‬فهناك مبادرة االتفاق العالمي ‪Global‬‬
‫‪ Compact‬التي أقامت شبكة من أساتذة إدارة األعمال والتجارة حول العالم بمبادرة من أكثر من ألفي شركة تجارية في‬
‫مختلف أنحاء العالم‪ .‬كما تم إطالق برنامج إسبين والذي يضم ائتالًفا عالمًيا من ‪ 11‬كلية أعمال وتجارة في الهند وجنوب‬
‫أفريقيا وأسبانيا والمكسيك وكندا تعمل جميعها بطرق مختلفة لمعالجة قضايا تتعلق باألخالقيات‪ .‬كما أن هناك سبب جديد‬
‫نتج عن الممارسات الالأخالقية التي قامت بها بعض الشركات العمالقة والتي أدت إلى رفع تكلفة عدم االلتزام‬
‫بالممارسات األخالقية‪ ،‬حيث أن االلتزام بروح القانون ذو أهمية كبيرة فيما يتعلق باألبعاد االجتماعية والتعامل مع‬
‫الموظفين‪.‬‬

‫وال يقتصر االهتمام باألخالق على األفراد والعاملين بل تعدى األمر في البحث عن نوعية المنتجات المفيدة للبشر‬
‫والمحسنة لنوعية الحياة وإ نتاج النافع دون اإلفراط في استخدام السيئ للموارد غير المتجددة والتأثير سلًبا على البيئة‬
‫وعدم السعي فقط وراء الربح‪ ،‬ولكن الربح مفيد بشرط عدم تشجيع االستهالك واإلفراط فيه عبر االستغالل السيئ للدعاية‬
‫واإلعالن‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪- Islamic Finance in the UK, Nov. 2007 by Michael Ainley.‬‬
‫‪17‬‬
‫وأشار القسم الثالث من الدراسة إلى أنه على الرغم من بروز العديد من األدبيات والتطورات في مجال االهتمام‬
‫بأخالقيات األعمال حسبما سلف ذكره‪ ،‬إال أن تطبيقات أخالقيات األعمال في الشركات مازال محدوًد ا‪ .‬وقد ناقش هذا‬
‫البحث بعض األفكار التي تبرز وجود تباين بين ما هو مكتوب وما هو مطبق بالفعل‪ ،‬حيث أسهب في مجال التكلفة‬
‫األخالقية للمنافسة‪.‬‬

‫أما القسم الرابع فقد ناقش مدى مالئمة االلتزام باألخالقيات في مجال األعمال ودرجة التأثير على األداء االقتصادي‬
‫للشركات‪ ،‬حيث أن هناك تعارض بين االلتزام الزائد بأخالقيات األعمال ومعطيات السوق‪ .‬وقد اقترحت الدراسة أن‬
‫أفضل طريقة لتسوية ذلك التضارب بين األخالق واألعمال إنما يكون من خالل العمل على اعتماد حوافز يتم منحها إلى‬
‫المؤسسات واألفراد الملتزمين وفرض جزاءات على المؤسسات األخرى غير الملتزمة باألخالق لدفعها للتصرف بطريقة‬
‫أخالقية‪ .‬كما ناقش البحث آلية االلتزام باألخالق وتأثيرها على التوازن االقتصادي والتجاري حيث إن التوازن بين‬
‫األخالق والقرارات السليمة يمكن أن يؤدي إلى نمو الشركات وفعاليتها‪ ،‬إال أن هناك بعض الممارسات الالأخالقية‬
‫واالنتهازية التي يمكن أن تؤثر على ذلك التوازن‪.‬‬

‫أما القسم الخامس فتناول الجهود العالمية للبحث عن أرضية أخالقية في ظل األزمات الهيكلية التي يعانى منها االقتصاد‬
‫العالمي وتعرضه لألزمات‪ .‬وقد وجدت بعض المصارف التقليدية العربية والخليجية واألجنبية ضالتها في النموذج المالي‬
‫والمصرفي اإلسالمي حيث إن هذا النموذج يشهد نموا وطلبا كبيرا سواء من جانب المؤسسات المالية التقليدية أو من‬
‫جانب المسلمين المقيمين في الغرب المتعطشين للتعامل مع المؤسسات المالية اإلسالمية‪ ،‬أو من أجل ارتفاع معدالت‬
‫دخول الدين االسالمى اآلخذه في النمو‪ ،‬باإلضافة إلى وجود فئات وشرائح من العمالء غير المسلمين ترغب في التعامل‬
‫مع المؤسسات المالية اإلسالمية انطالقا من أسس أخالقية شبه متطابقة فضال عن محدودية المخاطر الرتباط التمويل‬
‫اإلسالمي بسوق النقد وسوق األصول فضال عن تمتعه بقيم وأخالق مهنية تحكم نموه وتطوره مثل االلتزام بالحالل‬
‫واجتناب الحرام ومنع االحتكار وعدم أكل أموال الناس بالباطل وحرية التملك بوسائله المشروعة والتراضي والصدق‬
‫واألمانة وعدم الغش والغرر وحسن القضاء والتيسير على المعسر وتعظيم قيم العمل وتحفيز اإلنتاج وتشجيع االدخار‬
‫وترشيد االستهالك ‪ ،‬وتحقيق التكافل والعدالة في توزيع الثروة‪.‬‬

‫إال أن رصد تلك التجارب يمكن أن يشير بما ال يدع مجاًال للشك بأننا ينبغي أن نسير في نفس االتجاه الذي رسمه اهلل لنا‬
‫والذي يتمثل في االلتزام بالشريعة اإلسالمية‪ .‬ولعل بروز العديد من المؤسسات والشركات اإلسالمية في دولة الكويت‬
‫والعالم هو خير دليل على كفاءة النموذج اإلسالمي المستمد من الشريعة اإلسالمية الذي يتصف باألخالق والقيم المستقاة‬
‫من القدوة العظمى ممثلة في شخص سيدنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأن السعي للربح ينبغي أن يتم من خالل‬
‫االلتزام بالسلوك األخالقي القويم وأن هذا االلتزام لن يتم في المؤسسات المالية اإلسالمية إال عبر االهتمام بهيئات الفتوى‬
‫والرقابة الشرعية في تلك المؤسسات والتركيز على الكوادر البشرية والتعليم والتربية والتنشئة‪ .‬وهنا نقترح ما يلي‪:‬‬
‫رفع مستوى الوعي بأهمية األخالق ‪ :‬جعل األوساط التجارية والحكومات تدرك فوائد حوكمة‬ ‫‪‬‬
‫الشركة من ناحية وااللتزام بالمعايير األخالقية من ناحية أخرى واالهتمام بالتطبيق التام إلحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حيث أن معظم الشركات المحلية ال تزال تمر بمرحلة أولوية الكفاءة على أخالقيات األعمال وقد‬
‫بدأت اللجنة االستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق إحكام الشريعة اإلسالمية بإعطاء االهتمام لبث القيم‬
‫‪18‬‬
‫األخالقية لدى الشركات في المجتمع الكويتي ورفع مستوى االلتزام بالقيم المنظمة للشركات بين المصارف‬
‫والمؤسسات المالية في الكويت مع مراعاة ما صدر عن المجلس العام للخدمات المالية اإلسالمية بخصوص‬
‫المبادئ اإلرشادية لضوابط إدارة المؤسسات التي تقتصر على تقديم خدمات مالية إسالمية ‪.‬‬

‫وضع القوانين والمدونات الخاصة بقواعد األخالق‪ :‬ما أن يبرز الوعي في األوساط التجارية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫حتى يصبح باإلمكان بدء عملية تحديد مبادئ السلوك المحلية التي تشكل قضية في ما يتعلق باالمتثال‪ .‬وغالبًا‬
‫ما يبدأ وضع القوانين باالعتماد على مبادئ الشريعة اإلسالمية الغراء كقاعدة يتم االنطالق منها‪ .‬ومن خالل‬
‫االنطالق من مثل هذه القاعدة‪ ،‬تستطيع الكويت تطوير مجموعات مبادئها وقوانينها الخاصة التي تعالج الواقع‬
‫المحلي فيما يتعلق بالتعامل التجاري وااللتزام بالمعايير الشرعية واألخالقية‪ ،‬حيث أن القانون هو األكثر قدرة‬
‫على فرض االمتثال بأخالقيات األعمال وتحقيق المسألة بموضوعية وعدالة وشمول‪.‬‬

‫الدعوة إلنشاء اتحاد للشركات االستثمارية اإلسالمية والذي يمكن أن يلعب دورًا هامًا في‬ ‫‪‬‬
‫مراقبة وضبط سلوك أعضائه‪ ،‬واالستفادة من المدونات األخالقية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة‬
‫للمؤسسات المالية اإلسالمية سواء على مستوى المحاسبين أو على مستوى العاملين في المؤسسات المالية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫مراقبة التطبيق‪ :‬من خالل االهتمام بهيئات الفتوى والرقابة الشرعية ونوعية منتسبيها وإ جراء‬ ‫‪‬‬
‫تعديالت جوهرية على تشكيلها لكي التقتصر في تشكيلها على العلماء األفاضل من الشرعيين بل تتوسع‬
‫لتشمل تخصصات اقتصادية ومصرفية ومحاسبية حتى تقف عن كثب لتعالج أية مشكالت تحيد بالمؤسسات‬
‫المالية واالستثمارية اإلسالمية عن الطريق المستقيم‪ ،‬مع مراعاة خصوصية المجتمع وقيمه المستمدة من‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬ولعل اإلعالن عن إنشاء هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية تابعة للمجلس العام للخدمات‬
‫المالية اإلسالمية ال يغنى عن إنشاء هيئة عليا ثانية في الكويت تعنى بمتابعة دور الهيئات المختلفة وتنسق فيما‬
‫بينها وتدفعها لتنميط وتطوير أدوات شرعية جديدة وتفصل في المنازعات إن حدثت وتضمن االنسجام بين ما‬
‫يؤمن به المديرون من القواعد األخالقية التي مصدرها اإلسالم وسلوكه اإلداري وكذلك االهتمام بالمراقبين‬
‫الشرعيين داخل المؤسسات المالية اإلسالمية‪.‬‬

‫االهتمام بالتدريب على أن يتم وضع إطار للمعايير األخالقية‪ .‬وتقع مسؤوليات جديدة على‬ ‫‪‬‬
‫عاتق المديرين التنفيذيين في الشركات التجارية‪ ،‬وأعضاء مجالس اإلدارة‪ ،‬وأمناء سر الشركات‪ ،‬وأمثالهم‪.‬‬
‫ويتعين أن يقوم قطاع الشركات التجارية بتعليم هؤالء األفراد كيفية أداء أدوارهم من خالل بث القيم الرفيعة‬
‫وإ نشاء معهد لتدريس االقتصاد اإلسالمي وتوسيع الدائرة لتشمل القطاع األكاديمي ووسائل اإلعالم ومؤسسات‬
‫األعمال‪.‬‬

‫إضفاء الطابع المؤسساتي على االلتزام بالمعايير األخالقية‪ :‬تأتي المرحلة األخيرة في تطور‬ ‫‪‬‬
‫قواعد السلوك األخالقي عندما يتقبل الوسط التجاري تلك األسس والمعايير الشرعية واألخالقية كجزء‬
‫طبيعي ومفيد من القيام باألعمال التجارية وعندما تكون المؤسسات التي تدعم التطبيق واالمتثال لمبادئ‬

‫‪19‬‬
‫الشريعة اإلسالمية قد أصبحت ثابتة في مكانها‪ .‬وتشمل هذه المؤسسات مبادرات القطاع الخاص مثل المعاهد‬
‫القومية للمديرين لتأمين اإلثراء المهني المستمر‪ ،‬وكذلك المؤسسات الحكومية كالنظام القضائي الذي يحكم في‬
‫النزاعات بالعدل‪ ،‬ناهيك عن عدم التزام جمعياتنا اإلدارية واالقتصادية بإصدار مدونات أخالقية للتعبير عن‬
‫رؤيتها والتزاماتها األخالقية حيال األطراف من ذوى العالقة والمصلحة وحيال المجتمع‪ ،‬وهذا نقص واضح‬
‫يتطلب وقفة من جميع المعنيين بذلك في الكليات والمعاهد والجمعيات اإلدارية والشركات المحلية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المراجع‬

‫‪21‬‬

You might also like