Professional Documents
Culture Documents
ُيكثر الكّتاب واملفّك رون يف العامل املسمى بالعامل احلرب من ذكر اجملتمع وحتليله على اعتبار أن اجملتمع هو جمموعة
الناس يف البلد ،أو البلد باعتبارها مسكونة بالناس .فيقولون بقضايا اجملتمع ،والنهوض باجملتمع ،أو القضايا املادية للمجتمع
وم ا ش اكل ذل ك .والع امل الغ ريب أو م ا يس ّم ى بالع امل احلر ه و املس يطر على أك ثر أج زاء الع امل ،ومن ه الع امل اإلس المي،
حبض ارته ومفاهيم ه ،ول ذلك ترك ز ه ذا املع ىن للمجتم ع يف أذه ان الن اس يف الع امل اإلس المي وال س يما يف أذه ان املثقفني
واملفّك رين ،وحىت مجهرة اليساريني جبميع أنواعهم .وبالرغم من وضوح خطأ هذا املعىن ،ومن خمالفة الفكرة االشرتاكية له،
فإنه ظل هو الغالب لدى املثقفني واملفكرين ،بل ظل هو املسيطر .وملا كان هذا املفهوم للمجتمع من األفكار األساسية
لدى الغرب ولدى احلضارة الغربية ،وملا كنا نريد قلع احلضارة الغربية من جذورها إلزالة خطرها وخطر الغرب كله ،كان
ال ب د من توض يح مع ىن اجملتم ع بش كل ش امل ،إلدراك واقع ه حني إدراك مدلوالت ه.
إن واقع اجملتمع هو أنه جمموعة الناس مبا بينهم من عالقات،وليس جمموعة الناس فقط .فمجموعة الناس هي مجاعة
وليست جمتمع ًا ،والذي يك ّو ن اجملتمع هو العالقات .وتتمّي ز اجملتمعات عن بعضها حبسب هذه العالقات ،وإال فالناس يف
ك ل بل دهم الن اس ،أي هم أش خاص من ب ين اإلنس ان ال تتم يز مجاع ة عن مجاع ة إال بالعالق ات.
إن اجملتم ع يف حقيقته التفص يلية ه و أن اس ،وأفك ار ،ومش اعر وأنظم ة .ه ذه األم ور األربع ة هي اجملتم ع .ذل ك أن
الذي ينشئ العالقة بني الناس هو املصلحة ،فإذا وجدت مصلحة كانت العالقة ،وإذا مل توجد مصلحة ال توجد عالقة.
واملصلحة مبنية على أفكار عن الشيء أو األمر بأنه مصلحة ،فإذا توافقت أفكار الناس على أمر بأنه مصلحة وجدت بينهم
عالق ات وتوح دت ه ذه العالق ات ،وإذا اختلفت أفك ارهم على أم ر من حيث املص لحة ،ه ذا يراه مص لحة وذل ك يراه
مفسدة ،فإنه ال توجد بينهم عالقات .فالذي يوجد العالقات بينهم هو اتفاق أفكارهم على أن هذا األمر مصلحة ،وهذا
ة. ود العالق يء يف وج أول ش
غري أن هذا ال يكفي وحده ،بل ال بد أن تتوافق مشاعرهم حنو هذه املصلحة ،فإذا توافق فرحهم للمصلحة وتوافق
حزهنم عليها ،وتوافق رضاهم عنها وتوافق سخطهم عليها ،إىل غري ذلك من مظاهر املشاعر ،فإن العالقة توجد ،وإذا مل
تتوافق هذه املشاعر ال توجد العالقة حىت لو وجدت األفكار ،فإهنا حينئذ تكون جمرد أفكار فلسفية كفلسفة اليونان عند
الفرنسيني مثًال ،فإن الفكر ال يكون فكرًا له واقع أي ال يكون مفهوم ًا إال إذا ارتبط باملشاعر .فبوجود األفكار واملشاعر
تتكون العالقة .إال أن هذه العالقة ال خترج إىل حيز الوجود وال تكون هلا مثرة إال إذا توّح دت بينهم األنظمة اليت تنظم هذه
العالقة ،فوجود العالقة ملموسة ومثمرة ال يتأتى بتوحيد األفكار واملشاعر ،ولذلك كانت األنظمة يف تكوين اجملتمع عامًال
اهيم. بحت مف يت أص ار ال اهيم أي األفك ة املف ان دون أمهي ًا وإن ك هام
وعلى هذا فإنه من اخلطأ أن يقال بقضايا اجملتمع وُيراد بذلك الناس ،بل قضايا اجملتمع هي قضايا العالقات بني
الناس وليست قضايا الناس ،ولذلك فإن إصالح اجملتمع هو إصالح العالقات وليس إصالح الناس ،وتغيري اجملتمع هو تغيري
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
1
العالقات وليس تغيري ما يستعمله الناس من أدوات وال تغيري ما يلزم حلياة الناس .ومن هنا مل يكن جعل الغسالة الكهربائية
مكان وعاء الغسيل ،وجعل املكنسة الكهربائية وال إصالحه ،فإنه ال عالقة له يف اجملتمع .صحيح أنه قد يؤثر على األفكار
وقد يؤثر على املشاعر ،ولكنه تأثري انطباع وتقليد ال تأثري َفْه م وأصالة ،وهو تأثري مؤقت يسهل أن يزول ،ومع ذلك فإنه
ال ينشئ عالقة وال يكّو ن جمتمعًا .بل إصالح اجملتمع وتغيريه إمنا هو بتغيري األفكار واملشاعر واألنظمة ،وال يصلح وال يتغري
ة. اعر واألنظم ار واملش ذلك ،أي باألفك إال ب
وإنه وإن كان ذلك ،أي فهم اجملتمع هذا الفهم املغلوط يؤثر ،وقد أثر فعًال ،على الناس بوصفهم أفرادًا وبوصفهم
مجاعة ،وحال دون هنضتهم وجعلهم يدورون يف حلقة مفرغة عشرات السنني ،ولكن تأثريه على السياسة أي على رعاية
شؤون الناس كان أفظع ،بل كان الكارثة اليت حلق هبم واليت نقلتهم دون أن يشعروا إىل أخذ احلضارة الغربية أخذًا يصل
إىل ح د االعتن اق يف بعض األحي ان ،وجعلهم ينتقل ون ح ىت يف أذواقهم حنو مف اهيم الغ رب من ش دة ت أثري احلض ارة الغربي ة
ع. ىن اجملتم وط ملع ة الفهم املغل ا فرص عليهم يف اغتنامه
ولنأخ ذ من ذل ك مث الني مها :مف اهيم احلكم ومف اهيم االقتص اد ألهنا أظه ر املف اهيم ال يت أخ ذت عن طريق الفهم
اس وأذواقهم. رفات الن رت على تص ع ،وأث وط للمجتم املغل
ف الغرب يرى أن احلكم للش عب ،وأن الس يادة للش عب ،وأن القي ادة مجاعي ة وأن األم ة مص در الس لطات وه ذه
املف اهيم هي أفك ار تتعلق بالعالقات يف السياس ة ،أي بالعالقات يف رعاية الشؤون .وهي مف اهيم نشأت لدى الغ رب من
جراء الظلم السياسي الذي حصل يف أوروبا مث يف أمريكا من قبل امللوك واألمراء ،ومن قبل الدول االستعمارية يف أمريكا
حني كانت مستعمرات ،فنشأت عن هذا الظلم حماوالت من قبل املفكرين أدت إىل هذا املفاهيم .فجعل كل شيء للشعب
من أجل رفع الظلم السياسي عن الناس .وبالرغم من ملسهم أن واقع احلكم هو غري هذه املفاهيم .وملا كان اجملتمع عندهم
هو جمموع ة الناس ،فإهنم مل يالحظوا أن رعاية الشؤون أي السياسة هي عالقات الناس فيمن يسوسهم وليست حاكم ًا
وحمكوم ًا .وهلذا اعتربوا جمموع ة الن اس هي اجملتم ع ،واعتربوا أن الن اس هم ال ذين حيكم ون أنفس هم ،أي يرع ون ش ؤون
أنفسهم ،فظلوا تائهني عن معاين هذه املفاهيم ،يعتنقوهنا وإن خالفت الواقع الذي هم عليه .فهم مل يالحظوا أن الشعب ال
حيكم ،فه و ال يتوىل الس لطة ،وإمنا ال ذي يتواله ا ه و ريغ ان يف أمريك ا وغورباتش وف يف االحتاد الس وفيايت ،ومي رتان يف
فرنسا ..اخل ،ومع ذلك ظلوا يقولوه إن الشعب هو الذي حيكم .كما مل يالحظوا أن الشعب ال يتوىل القضاء ،وأنه إمنا
يتواله قضاة درسوا القانون ،وأنه كما يستحيل على الشعب أن يتوىل السلطة ،فإن كذلك يستحيل عليه أن يتوىل القضاء
فإهنم ظلوا يقولون أن الشعب هو الذي يتوىل القضاء ،متام ًا كما يقولون أن الشعب هو الذي يتوىل احلكم .ومل يالحظوا
أن الشعب ال يتوىل التشريع وحىت جملس النواب ال يتوىل التشريع ،وإمنا يتواله رجال القانون وتس ّنه احلكومة ،ومع ذلك
ظلوا يقولون إن التشريع للشعب وإن الشعب هو الذي يتوىل التشريع .ومل يالحظوا أن الشعب ليس له يف الواقع إال اختيار
احلاكم وليس له عزله ،وأن احلاكم هو الذي يشرع ،وهو الذي يسيطر على القضاء ،وأنه ال توجد إال سلطة واحدة هي
س لطة احلاكم .وم ع ذلك ق الوا أن هن اك ثالث س لطات هي الس لطة التنفيذية والس لطة التشريعية والس لطة القض ائية ،وأن
الشعب هو مصدر السلطات .نعم لم يالحظوا مخالفة مفاهيم الحكم كواقع الحكم ،إذ أعماهم عن ذلك المفهوم المغلوط
عن المجتم ع ،إلى جانب م ا سمعوه عن الظلم السياسي وم ا يتص ورونه من ه ذا الظلم إذا لم يكن الشعب ه و ك ل ش يء.
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
2
هذا بالنسبة ملفاهيم احلكم ،أما مفاهيم االقتصاد فإن ما عانته أوروبا من ظلم األغنياء والتفاوت الفاحش بني الناس
يف العيش ،وما عانته أمريكا من ظلم االستعمار واستيالئه على خريات البالد إىل جانب ظلم األغنياء والتفاوت الفاحش
بني الن اس يف العيش ك ل ذل ك ق د أوج د عن د املفك رين فك رة توف ري املال للن اس يأخذون ه مبق دار ق درهتم على حتص يله،
وتوصلوا إىل أن املشكلة االقتصادية هي الندرة للمال ،وليست حاجة أفراد الناس له ،فصار الفقري هو اجملتمع حسب فهمه
وليس األف راد ،أي ه و جمموع ة الن اس وليس أف راد ه ؤالء الن اس ،وبن اء على ذل ك انص ب التفك ري على إجياد املال يف البل د
بكميات تكفي حلاجات جمموعة الناس ،وليس توفري حاجة كل فرد من الناس ،وبالرغم من ملسهم أن واقع االقتصاد هو
حاجة كل فرد من الناس وليس جمموعة الناس ،وبالرغم من ملسهم أن ظلم األغنياء ال يزال قائما بل ازداد ،وأن التفاوت
الفاحش بني الناس يف العيش قد ازداد ،أي بالرغم من ملسهم أن واقع االقتصاد هو غري هذه املفاهيم ،ظل مفهوم املشكلة
االقتصادية هو املسيطر عليهم وعلى مفكريهم ،وتناسوا أن الواقع ال ميت بصلة إىل هذه املفاهيم .ونظرًا ألن اجملتمع حسب
فهمهم ه و جمموع ة الن اس ،مل يالحظ وا أن االقتص اد أي توف ري املال ه و عالق ات بني األف راد م ع بعض هم ،وعالق ات بني
جمموع ة الن اس ومن ه و مس ؤول عن توف ري حاج اهتم ،وليس ت م اًال يوض ع يف الي د ويأخ ذ من ه ك ل حبس ب قدرت ه .وهلذا
اعتربوا جمموعة الناس هي اجملتمع ،واعتربوا أن الناس هم الذين يوفرون جملتمعهم املال ،وأن احلاكم ليس عليه إال أن يوفر
املال للبلد بوصفه كًال أي جملموعة الناس ،فظلوا تائهني عن معاين هذه املفاهيم يعتنقوهنا وإن خالفت الواقع الذي هم عليه،
وإن أحلقت هبم األض رار ورك زت ظلم األغني اء ووّس عت التباع د الف احش بني الن اس يف العيش.
ه ذا ه و املفه وم املغل وط للمجتم ع ،وه ذه املف اهيم املغلوط ة عن احلكم وعن االقتص اد وك ل م ا يرتتب على مع ىن
اجملتم ع عن دهم من مف اهيم أخ رى هي ال يت نقلت العالق ات بني الن اس ،ونقلت مف اهيم الن اس وح ىت أذواقهم إىل اخلض وع
للحض ارة الغربي ة ب ل إىل طريق ة عيش الغ رب ووجه ة نظ ره يف احلي اة .ل ذلك ك ان من أهم م ا على الن اس مجيع ًا ح ىت يف
الغ رب ،وال س يما املس لمني يف الع امل اإلس المي أن يتبن وا مع ىن اجملتم ع ،وأن ينب ذوا مث حياربوا مفه وم الغ رب عن اجملتم ع
كخطوة أوىل لنبذ سائر مفاهيمه ،وال سيما مفاهيم احلكم ومفاهيم االقتصاد ألهنما الركيزة األساسية يف التأثري .ولذلك
كان ال بد من أن يرتكز عند الناس وال سيما املسلمني يف العامل اإلسالمي أن اجملتمع هو جمموعة الناس بأفرادهم مبا بينهم
من عالقات ،وأن ما بني جمموعة ومن يتوىل السلطان فيها أي يتوىل رعاية شؤوهنا هو عالقات ،وأن ما بني جمموعة الناس
هذه وجمموعات أخرى أي أمم ودول أخرى هو العالقات ،وأن املسألة كلها تتعلق بالعالقات ،فيكون البحث عن هذه
ات . العالق
=================================
القدس ينادي؟
ُأِذ َن ِلَّلِذ يَن ُيَق اَتُلوَن ِب َأَّنُه ْم ُظِلُم وا َو ِإَّن الَّل َه َعَلى َنْص ِر ِه ْم َلَق ِد يٌر اَّلِذ يَن ُأْخ ِر ُج وا ِم ْن ِد َياِر ِه ْم ِبَغْي ِر َح ٍّق ِإَّال َأْن
ُه .احلج 39 ا ال َّل وا َر ُّبَن َيُقوُل
اين احلرمني، تني وث من أوىل القبل
ماء. يب الرمحة إىل الس راج ن اء ،مع ع األنبي من جمم
ة. ز والكرام ورة الع تث تعل وانتفض دم املش ان ال ر برك تفج
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
3
من أصوات أطفال فلسطني وسواعدهم اليت وقفت بوجه آلة احلرب الصهيونية بشعارها «دّم روا اإلسالم أبيدوا
أهله» ،وخيبت أحالم وأوهام أسطورة اجليش الذي ال يقهر ،ننقل إليكم بعض ما جيري يف بالد اإلسالم اليت أبت بشعبها
وتراهبا أن تس تمر حتت قي د الغاص بني ،وانطلقت بث ورة مس جدية ه دفها النص ر أو الش هادة .فلم يع د هن اك ش يء يف ال دنيا
حيول بينهم وبني طلب الشهادة ،ومل تعد هناك ِفَر ٌق وعصبّيات وأحزاب ومجاعات ،إمنا أصبح هناك إسالم .اإلسالم الذي
قاد احلملة الكربى يف القضاء على الطواغيت (أبناء القردة واخلنازير) ،وها هو اليوم ينهض من جديد .فاملسجد اليوم يف
فلس طني ه و غرف ة العملي ات ال يت يتم منه ا التخطي ط .والق رآن الي وم ه و ال ذي حيكم الن اس .والش يوخ يف احملاريب ليًال
يصيحون يا اهلل ...وهي مصانع األسلحة الفتاكة هنارًا ،فيها تشحذ احلجارة جلعلها أكثر فعالية .أما النساء ففي عمل دائم
وحركة لن تتوقف ،فمن إيصال الذخائر إىل جبهات القتال املشتعلة إىل تضميد اجلرحى وإعداد القوت من أجل االستمرار
ة. يف املعرك
أما األطفال والشباب فانظر إليهم يف مقدمة الصفوف ،صامدين أمام آله احلرب الصهيونية بقلوب مؤمنة متحدة
يف اهلل ،ألهنم ترّبوا يف مدرسة حممد صلى اهلل عليه وسلم .فلم تعد أحالمهم تتوقف عند تلك القصور الفخمة والسيارات
الضخمة ألهنم علموا بأهنا من حطام الدنيا .وتبقى أعلى وأمسى أنواع األمانة والشهامة وذلك عندما يعمد جنود االحتالل
إىل فتح احملال التجارية عن وة ،ف رتى املواطن يدخل ويش رتي ويدفع ويس ّج ل امسه وعنوان ه دون وج ود ص احب املتج ر.
ًا!!؟ داث .ولكن عجب داخل من األح زء مما جيري يف ال ذا إال ج وليس ه
عجب ًا من ُأَّم ٍة بلغت من احملي ط إىل اخلليج تراه ا يف وق اٍد عمي ق تنتظ ر مثرة ه ذه الث ورة النبيل ة.
د آن األوان دق ك القي قم نف ان ل مك الم في ك ا أخا اإلس ي
ان تور الزم رآن دس ع الق وارف األذان وة واصـدع ب عد الرب واص
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
4