You are on page 1of 6

‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫الفكراالقتصادي املاركنتيلي ( مدرسة التجاريين)‬


‫لقد أدى انهيار النظام اإلقطاعي في الدول األوروبية في أواخر العصور الوسطى إلى تهيئة‬
‫املناخ املناسب لظهور حركات فكرية تقوم على تقويم الدعائم الفكرية التي كان يقوم عليها النظام‬
‫اإلقطاعي ومحاولة إرساء فكر اقتصادي جديد يوفق بين مصلحة الدولة الناشئة بما تحتاج إليه‬
‫من قوة ومصلحة الطبقة الجديدة وهي طبقة التجار‪ ،‬وعرف هذا الفكر الجديد بمذهب‬
‫التجاريين‪.‬‬
‫ظهرت مدرسة التجاريين على إثر التطورات االقتصادية التي شهدتها الدول األوروبية‬
‫وعرفت باسم الفكر املاركنتيلي ( ‪ ، )Mercantilism‬وبدأت هذه األفكار في بريطانيا وهولندا‬
‫وفرنسا ثم امتدت إلى باقي الدول األوروبية‪ ،‬وقد استمر هذا التيار سائدا من الناحية الفكرية‬
‫ومن ناحية توجيهه للسياسة االقتصادية في أوروبا حتى منتصف القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫تعريف املدرسة التجارية‬


‫يطلق مصطلح التجارية أو املاركنتيلية على مجموعة األفكار واالتجاهات االقتصادية التي‬
‫طبقها أنصار الدولة القومية في أوروبا في الفترة املمتدة ما بين القرنيين الخامس عشر والثامن‬
‫عشر‪ ،‬والتي كان هدفها أألساسيي تحقيق فائض في امليزان التجاري للدولة‪ ،‬وهذا الفائض هو‬
‫الوسيلة الوحيدة في نظرهم الستقطاب املعادن النفيسة الالزمة لجعل الدولة قوية‪.‬‬
‫الظروف االقتصادية التي ميزت عصرالتجاريين‪:‬‬
‫‪ – 1‬ازدياد أهمية التجارة الخارجية‪ :‬ويعود ذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اتصال أوروبا بالشرق اإلسالمي املتقدم اقتصاديا على إثر الحروب الصليبية‬
‫‪ -‬اكتشاف طرق بحرية جديدة ( رأس الرجاء الصالح)‬
‫‪ -‬اكتشاف كوملبس للقارة األمريكية ( ‪ ) 1493‬واكتشاف مناجم الذهب‬
‫كل هذه األسباب أدت إلى زيادة ثراء طبقة التجار ونشاطهم التجاري واملالي وإضعاف قوة النظام‬
‫اإلقطاعي‪.‬‬
‫‪ -2‬ظهور القوميات األوروبية الحديثة‪ :‬وذلك نتيجة‪:‬‬
‫اتحاد التجار مع امللك في القضاء على األمراء والنبالء‬ ‫‪-‬‬
‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫ظهور القوميات األوروبية التي أدت إلى انهيار اإلمبراطوريات الكبرى املتخلفة من‬ ‫‪-‬‬
‫العصور الوسطى‬
‫‪ – 3‬وجود سلطة مركزية للدولة ترسم السياسة بعيدا عن الفلسفات الكنائسية‪.‬‬
‫أسس الفكراالقتصادي املاركنتيلي‬
‫لم يتميز فكر التجاريين بالتحليل االقتصادي الواسع لكنهم حاولوا تحديد بعض الظواهر‬
‫االقتصادية من خالل إيجاد إجابات حول تساؤالت مختلفة من أهمها‪ :‬ما هي الثروة ? وكيف‬
‫يمكن زيادتها? وكيف يمكن توزيع الثروة بين البلدان املختلفة?‪ ،‬وما هو سبب ارتفاع األسعار في‬
‫أوروبا ? ولإلجابة على تلك األسئلة قدم التجاريون بعض األفكار التي تكون فلسفتهم واملتمثلة في‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫▪ اعتبر التجاريون أن أساس الثروة هو الذهب والفضة فمقياس ثروة الفرد يجب أن‬
‫تقاس بما يحوزه من ذهب وفضة‪ ،‬فعن طريق الذهب والفضة يستطيع الفرد شراء‬
‫ما يريد من املنتجات وما يصدق على الفرد يصدق على الدولة‪ ،‬لذا يجب أن تسعى‬
‫الدولة لتنمية ثروتها لتحقيق القوة‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق زيادة ما تملكه من‬
‫معادن نفيسة وخاصة الذهب والفضة؛‬
‫▪ يرى التجاريون أن كل دولة يجب أن تعمل على زيادة رصيدها من الذهب والفضة‪،‬‬
‫وذلك عن طريق أن يكون امليزان التجاري للدولة دائنا‪ ،‬ويتم ذلك بالعمل على‬
‫تشجيع الصادرات واإلقالل من الواردات‪ ،‬وإذا ما تحقق فائض من امليزان التجاري‬
‫سوف تضطر الدول األخرى لدفع قيمته باملعادن النفيسة؛‬
‫▪ اعتبر التجاريون أن الثروة الكلية في العالم ثابتة‪ ،‬ومن ثم فإنهم يرون أن ما تكسبه‬
‫دولة من الدول من هذه الثروة‪ ،‬إنما يكون عن طريق ما تفقده دولة أخرى منها‪ ،‬لذا‬
‫فقد دعا التجاريون في كل بلد بأن يسعى بلدهم للحصول على الذهب والفضة من‬
‫البالد األخرى‪ ،‬ومن هنا نالحظ أن نظريتهم تتسم بالطابع الوطني واالستعماري في‬
‫نفس الوقت؛‬
‫▪ تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪ :‬واضح من منطق التجاريين أن امليزان‬
‫التجاري املوافق ال ينشأ من تلقاء نفسه‪ ،‬وال بد أن يكون محال لسياسة هادفة من‬
‫الدولة‪ ،‬ومن ثم فقد نادى التجاريون بوجوب إخضاع التجارة الدولية لقيود بقصد‬
‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫تحقيق فائض دائم في امليزان التجاري وتتمثل هذه القيود في فرض ضرائب‬
‫جمركية على الواردات وحظر بعضها‪ ،‬باإلضافة إلى إعانة الصادرات األمر الذي‬
‫يقتض ي إشراف الدولة على إنتاج السلع املعدة للتصدير وتهيئة الظروف األخرى‬
‫املواتية لزيادة الصادرات‪ ،‬لذلك فقد شهدت تلك الفترة في إنجلترا وفرنسا وإسبانيا‬
‫صور عديدة لتدخل الدولة في الحياة االقتصادية؛‬
‫▪ يرى التجاريون ضرورة املحافظة على مستويات أجور العمال عند أدنى مستوى له‬
‫للمحافظة على تكاليف اإلنتاج عند أقل مستوى ممكن‪ ،‬واستخدام كافة املوارد‬
‫االقتصادية بأقص ى كفاءة ممكنة حتى تتمكن الدولة من أن تغزوا بمنتجاتها‬
‫األسواق األجنبية بأسعار تنافسية‪ .‬كل هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة اإلنتاج إلى‬
‫أقص ى حد ممكن وتقليل االستهالك إلى أقل حد ممكن حتى يكون هناك فائض‬
‫سلعي يصدر إلى الخارج وبأسعار رخيصة نسبيا ويصبح امليزان التجاري دائنا؛‬
‫▪ ترتيب أوجه النشاط االقتصادي‪ :‬تأتي التجارة الدولية في قمة األنشطة التي تسهم‬
‫في ثروة البلد فهي الطريق الوحيد لزيادة رصيد البلد من املعدن النفيس‪ ،‬وقد أشار‬
‫عدد من التجاريين إلى أن التجارة الداخلية ال تضيف شيئا إلى الثروة ذلك أن ربح‬
‫أحد الطرفين إنما هو خسارة لآلخر‪ ،‬ومن ثم فال جديد يضاف مهما كانت الصفقة‬
‫مربحة‪ ،‬أما التجارة الدولية فإن ما يكسبه البلد يمثل إضافة صافية لثروته‪ ،‬حيث‬
‫أن الطرف الخاسر بلد أجنبي‪ ،‬وتأتي الصناعة في الترتيب بعد التجارة الدولية من‬
‫حيث إسهامها في الثروة فالصناعة في تقديرهم هي أساس الصادرات التي تأتي للبلد‬
‫باملعدن النفيس‪ ،‬أما الزراعة لم تحظ من التجاريين بتقدير يذكر‪ ،‬فقد جاءت في‬
‫ذيل قائمة أوجه النشاط االقتصادي؛‬
‫▪ زيادة حجم السكان‪ :‬يرى التجاريون أن زيادة حجم السكان يؤدي إلى زيادة اليد‬
‫العاملة ورخصها‪ ،‬كما يعد مصدر اليد املحاربة وكالهما ضروري لقوة الدولة ونمو‬
‫صناعتها؛‬
‫▪ نظريتهم الكمية في قيمة النقود‪ :‬لقد وضع أسس تلك النظرية جان بودان( ‪Jean‬‬
‫‪ ) Bedin‬عام ‪ 1568‬حيث أشار إلى أن ارتفاع األسعار إنما يعود إلى زيادة كمية‬
‫النقود التي دخلت الدول األوروبية على إثر زيادة تدفق الذهب والفضة إليها‪ ،‬وربط‬
‫بين ارتفاع األسعار وزيادة كمية النقود‪ ،‬أي أنه إذا زادت كمية النقود ارتفعت‬
‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫األسعار وانخفضت القوة الشرائية للنقود‪ ،‬وإذا نقصت كمية النقود انخفضت‬
‫األسعار وارتفعت القوة الشرائية للنقود‬
‫لقد القى الفكر االقتصادي عند التجاريين قبوال كبيرا من أغلب الدول األوروبية‪ ،‬إال أن‬
‫السياسات املطبقة لتحقيق هذه األفكار واملبادئ تختلف من دولة أوروبية إلى أخرى‪ ،‬ويمكن أن‬
‫نميز بين ثالث أنواع من السياسات التي طبقت في هذا الصدد وهي‪:‬‬

‫• السياسة املعدنية في إسبانيا‪ :‬تقوم على استغالل إسبانيا ملناجم الذهب والفضة من‬
‫املستعمرات التي كانت تابعة لها آنذاك وقد سنت الحكومة مجموعة من القوانين تحرم‬
‫تصدير الذهب والفضة إلى الخارج‪ ،‬كما عملت على تنظيم التجارة الخارجية بطريقة‬
‫تكفل منع خروج الذهب والفضة للبالد األخرى؛‬
‫• السياسة الصناعية في فرنسا‪ :‬تقوم على الحصول على الذهب والفضة من الخارج عن‬
‫طريق زيادة صادرات فرنسا على وارداتها على أن تكون الصادرات من املنتجات‬
‫الصناعية‪ ،‬وليست من املحاصيل الزراعية‪ ،‬ويرجع ذلك ألن قيمة املنتجات الصناعية‬
‫أكبر من قيمة املنتجات الزراعية فضال عما تتميز به املنتجات الصناعية من ثبات‬
‫الكميات املنتجة منها نظرا ألنها ال تخضع لتقلب العوامل الطبيعية غير املنتظمة مثلما‬
‫يحدث في الزراعة‪.‬‬
‫• السياسة االنجليزية‪ :‬تعرف باسم السياسة التجارية وتقوم على الحصول على الذهب‬
‫والفضة من الخارج عن طريق القيام بالتجارة الخارجية‪ ،‬وقد ساعد إنجلترا على تطبيق‬
‫تلك السياسة أسطولها التجاري الذي تميزت به عن الدول األخرى‪.‬‬
‫بعض آراء توماس مان‪:‬‬
‫يعد توماس مان املمثل الرئيس ي للفكر املاركنتيلي ومعبر أصدق تعبير عن إرادة املاركنتيليين‬
‫اإلنجليز من أهم آرائه ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬يعد توماس مان التجارة الخارجية أهم مصدر إلثراء البالد‪ ،‬ويضع التاجر في مركز‬
‫القيادة والتوجيه للنشاط االقتصادي؛‬
‫‪ -‬يوضح توماس مان أنه إذا أرادت إنجلترا أن تزيد من معادنها الثمينة أن تستورد أقل‬
‫مما تصدر ( أن تحصل على ميزان تجاري موافق لها)‪ ،‬ولتحقيق ذلك يقترح توماس‬
‫مان القيام بما يلي‪:‬‬
‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫▪ ضرورة تقليل االستهالك من السلع األجنبية‬


‫▪ يجب زراعة األراض ي الزراعية غير املزروعة من أجل توفير السلع‬
‫الزراعية وعدم استيرادها من الخارج؛‬
‫▪ يكون شحن الصادرات اإلنجليزية إلى الخارج حصرا بسفن األسطول‬
‫التجاري االنجليزي لالستفادة من أجو ر الشحن؛‬
‫▪ السعي لجعل إنجلترا مركزا تجاريا توزع منه السلع إلى األقطار األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إن مقياس (إنتاجية) الرأسمال التجاري عند توماس مان هو قدرته على خلق فائض‬
‫في امليزان التجاري وهذا هو الطريق الوحيد لجلب املعادن النفيسة لبلد ال يملك‬
‫املناجم؛‬
‫‪ -‬إدراكه لآلثار التي تتركها الزيادة في املعادن الثمينة في ارتفاع األسعار بحيث تكون هذه‬
‫اآلثار غير حسنة على التجارة؛‬
‫تقديرمذهب التجاريين‬
‫يعتبر مذهب التجاريين النواة األولى إلرساء النظام الرأسمالي حيث استطاعوا تخليص‬
‫األفكار االقتصادية من الطابع الديني الذي كان سائدا من قبل‪ ،‬ولكنهم لم يصلوا إلى إرساء علم‬
‫االقتصاد بوصفه علما مستقال نظرا لربطهم إياه بخدمة السياسة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك تعرض مذهب التجاريين لبعض االنتقادات يمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬لقد فسر التجاريون معنى الثروة تفسيرا خاطئا‪ ،‬ألن الثروة ليست هي الذهب والفضة‪،‬‬
‫وإنما الثروة الحقيقية تتمثل في املقدرة اإلنتاجية للدولة وقدرتها على إنتاج السلع‬
‫والخدمات؛‬
‫‪ -‬اعتبر التجاريون وجود فائض في امليزان التجاري هو الوضع األمثل لها‪ ،‬حيث أثبت‬
‫التحليل االقتصادي خطأ هذا املبدأ‪ ،‬فوجود فائض في امليزان التجاري وتدفق الذهب‬
‫والفضة ال يمكن أن يتحقق بصفة مستمرة‪ ،‬حيث أوضح آدم سميث أن تدفق الذهب‬
‫والفضة يؤدي إلى زيادة كمية النقود‪ ،‬ومن ثم ارتفاع األسعار في الداخل عن مثيلتها في‬
‫الخارج وهذا من شأنه أن يؤدي إلى نقص الصادرات وزيادة الواردات وبالتالي حدوث‬
‫عجز في امليزان التجاري ومن ثم خروج الذهب والفضة للبالد األخرى؛‬
‫الفكر االقتصادي املاركنتيلي( مدرسة التجاريين)‬ ‫املحاضرة الخامسة‬

‫‪ -‬سياسة التجاريين ذات طابع عدائي ألن كل دولة يجب أن تنظر ملصلحتها الخاصة‪،‬‬
‫وذلك على حساب مصالح الدول األخرى األمر الذي أدى إلى زيادة التنافس ذات الطابع‬
‫العدائي بين الدول‪ ،‬كما أن السياسات التي اتبعتها بعض الدول كفرنسا واهتمامها‬
‫بالصناعة التصديرية أدى إلى ركود بعض األنشطة االقتصادية األخرى مثل الزراعة‪.‬‬

You might also like