You are on page 1of 71

‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫السلوك الرقمي الجمعي لألكاديميين المصريين عبر مواقع‬


‫نموذجا*‬
‫ً‬ ‫التواصل االجتماعي حركة «علماء مصر غاضبون»‬

‫أ‬
‫د‪.‬ال يم�ة امسح فرج عبدالفتاح‬
‫أ‬
‫الستاذ املساعد بلكية إالعالم‪ -‬جامعة القاهرة‬
‫أ‬
‫والقا� بعمل معيد لكية إالعالم ‪ -‬جامعة سيناء‬
‫أدى التأثري المزتايد لالتصاالت الرقمية‪ ،‬بما يف ذلك مواقع التواصل‬ ‫ملخص‪:‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬إىل تباري التفسريات حول دور هذه الوسائط يف الحياة‬
‫الديمقراطية للمجتمعات؛ فبينما أثار هابرماس ‪-‬عىل سبيل المثال‪ -‬أطروحات‬
‫ذات صلة بدور هذه الوسائط يف «تفكك المجال العام»‪ ،‬وتحوله إىل مجموعات‬
‫متشرذمة من النقاشات‪ ،‬اليت تتسم باالنغالق عىل بعضها البعض كالفقاعات‪،‬‬
‫بهدف فلرتة األفكار لصالح مجموعة ما‪ ،‬أو نطاق قبيل ما‪ ،‬رأى آخرون أن التواصل‬
‫الرقمي يدعم المبادىء الديمقراطية‪ .‬وعىل وجه التحديد‪ ،‬تعمل هذه الوسائط‬
‫عىل توفري مساحة لوسائط إعالم ُمخطط لها؛ حيث يمكن للمثقفين من‬
‫مختلف االنتماءات والمعارف أن يدللوا عىل آرائهم أمام جمهور واسع من القراء‬
‫والمتابعين‪ ،‬كما يمكن لألشخاص ذوي الخلفيات واآلراء المحددة تطوير ما‬
‫يمكن تسميته ب» الخط العام»‪ ،Thread‬أو»التتابع الفكري» لقضية أو موضوع‪،‬‬
‫أو أيدولوجيا ما‪.‬‬
‫ويربز التنوع يف تصنيف األدوار اليت تؤديها مواقع التواصل االجتماعي بوضوح‪ ،‬عندما‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫تحديدا؛ حيث يزتايد استخدام الباحثين‬ ‫يتعلق األمر بدورها يف المجتمع الجامعي‬
‫واألكاديميين لهذه المنصات لألغراض الشخصية والمهنية‪ ،‬إىل الحد الذي دفع‬
‫بالجامعات اليوم إىل القيام ببعض أدوارها عرب هذه الوسائط‪ ،‬بحيث ال يقتصر األمر عىل‬
‫التدريس يف الفصول والمجاالت المتخصصة فقط‪ ،‬ولكن باالنفتاح كذلك عىل جمهور‬
‫‪ 511‬أوسع‪ ،‬ونطاقات مجتمعية أعم‪ ،‬األمر الذي أدى بدوره إىل إعادة تعريف مهمة الجامعة‬
‫ذاتها من خالل تقييم مستوى ارتباطها بالمجتمع المحيط‪ ،‬ومدى قدرتها عىل خلق‬
‫شبكة من اإلتصاالت الواسعة‪ ،‬والمتشعبة‪ ،‬اليت تتصل بها من جهة‪ ،‬وتتصل ببعضها‬
‫البعض من جهة ثانية‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫وتســعى الد ارســة الحاليــة لفهــم الــدور الــذي تلعبــه المشــاعر الســلبية‪ ،‬مشــاعر الغضــب علــى‬
‫وجــه التحديــد‪ ،‬فــي المناقشــات عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي حــول العمــل األكاديمــي‪ ،‬والتــي‬
‫تظهــر باســتمرار فــي حــال تدهــور ظــروف العمــل األكاديمــي فــي بعــض القطاعــات‪ ،‬وقــدرة‬
‫األكاديمييــن علــى نقــل هــذه المالبســات عبــر «اتحــادات إفتراضيــة»‪ ،‬تتيحهــا مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي بهــدف النقــد والتواصــل والتنظيــم‪.‬‬
‫وتقــوم الد ارســة الحاليــة علــى عــدة افت ارضــات أهمهــا أن التعبيــر عــن الغضــب وســلوك االحتجــاج‬
‫ـر فــى رفــع الوعــي بقضايــا العمــل األكاديمــي‪ ،‬فضـ ًـال عــن‬ ‫دور مثمـ ًا‬
‫قميــا قــد يمــارس ًا‬
‫األكاديمــي ر ً‬
‫العمــل كوســيلة للتنظيــم عبــر التسلســالت الهرميــة األكاديميــة خــارج نطــاق الجامعــة الرســمي‪.‬‬
‫قميــا‬
‫وتفتــرض الد ارســة كذلــك أن التعبيــر عــن المشــاعر الســلبية‪ ،‬وســلوك االحتجــاج األكاديمــي ر ً‬
‫قد يدعم عملية إنتاج الشبكات الجديدة للعالقات الشخصية والمهنية على المستوى األكاديمي‪،‬‬
‫كشــكل مــن أشــكال تحديــد الهويــة لمــن هــم داخل‪/‬خــارج المجموعــة‪ .‬وفــي المقابــل‪ ،‬تطــرح الد ارســة‬
‫قميــا» علــى الصعيديــن الشــخصي‬ ‫العديــد مــن التســاؤالت بشــأن التداعيــات الجوهريــة «للغضــب ر ً‬
‫والمؤسســي بمــا يســهم فــي إعــادة تشــكيل الهويــة األكاديميــة الفرديــة‪ ،‬والســمعة األكاديميــة الجمعيــة‬
‫لألكاديميــن المصرييــن بوجــه عــام‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تصنــف الد ارســات المختلفــة طبيعــة االســتخدام المرتبــط بمنصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي‬
‫المعلــن والمعــروف إلنشــاء‬ ‫ِ‬
‫مــن قبــل أعضــاء المجتمــع الجامعــي‪ ،‬علــى حســب الغــرض األساســي ُ‬
‫انتظامــا للعالقــات الشــخصية‬
‫ً‬ ‫المنصــة نفســها؛ فبينمــا يمكــن اســتخدام ‪ Facebook‬بشــكل أكثــر‬
‫واالجتماعية والتحديثات المرتبطة بهذين النطاقين من الموضوعات‪ ،‬يمكن استخدام ‪Twitter‬‬
‫أو ‪ LinkedIn‬ألغ ـراض مهنيــة مختلفــة مثــل اإلعــالن عــن عمــل بشــكل فــردي أو مؤسســي‪،‬‬
‫أو طلــب المشــورة أوالتوجيــه المهنــي العــام‪ ،‬علــى ســبيل المثــال ال الحصــر‪ .‬و فــي الســياق نفســه‬
‫تتســم هــذه االســتخدامات والتوجهــات المنشــورة عبــر هــذه المنصــات بالتحــول والتغيــر المســتمر‪،‬‬
‫ـدر موثوًقــا للقواعــد واللوائــح التــي ينبغــي الحفــاظ عليهــا‪ ،‬وااللت ـزام بهــا‪،‬‬
‫وهــو مــا ال يجعلهــا مصـ ًا‬
‫فضـ ًـال عــن الخلــط الحــادث باســتمرار بيــن الشــخصي والمهنــي البــادي فــي كثيــر ممــا ُينشــر بهــا‪،‬‬
‫واألمثلــة هنــا ال حصــر لهــا علــى مســتوى الممارســة العربيــة علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬وفــي أعلــى‬
‫مســتويات الســلم األكاديمــي الجامعــي‪.‬‬
‫طــا‪ ،‬أو تصريحــات‪ ،‬أو‬ ‫وبالتبعيــة‪ ،‬عندمــا تنشــر الجامعــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي خط ً‬
‫‪512‬‬ ‫يحــا ألعضــاء هــذا المجتمــع (األكاديمــي‪ /‬اإلداري)‬ ‫اضحــا أو صر ً‬ ‫إعالنات‪...‬وهكــذا‪ ،‬ال يبــدو و ً‬
‫المــدى الــذي يمكــن فيــه أن تكــون مثــل هــذه اإلعالنــات رســمية‪ ،‬أو ُملزمــة‪ ،‬أو قابلــة للتنفيــذ‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫هنــا تكمــن اإلشــكالية التــي تقــع فيهــا الجامعــات المختلفــة اليــوم؛ ففــي الوقــت الــذي ُينظــر فيــه‬
‫إلــى مواقــع التواصــل االجتماعــي باعتبارهــا أســلوب جديــد‪ ،‬مواكــب للتطــورات المعاص ـرة التــي‬
‫تســمح بنشــر «الخطــاب الخــاص «فــي إطار»عــام» بأســلوب وتصــورات واســتخدامات ناش ـريه‪،‬‬
‫ال يبــدو ُمســتغرًبا أن تجــد المؤسســات األكاديميــة صعوبــة فــي وضــع مبــادئ توجيهيــة واضحــة‪،‬‬
‫وسياســات محــددة للتواصــل عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وتطبيقهــا بشــكل منصــف علــى‬
‫منســوبي المجتمــع الجامعــي ككل‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬قــد يدفــع هــذا االعتمــاد المت ازيــد علــى هــذه‬
‫المواقــع فــي إبــداء الـرأي والتعليــق‪ ،‬خــارج اإلطــار األكاديمــي المؤسســي‪ ،‬إلــى أن ُتبــرز مثــل هــذه‬
‫المنصــات‪ ،‬بشــكل أو بآخــر‪ ،‬باعتبارهــا نقابــة مهنيــة لمــن ال نقابــة لــه‪ ،‬ومنصــة إلكتروينــة للحشــد‬
‫والتعبئــة والســجال عندمــا يتعلــق األمــر بقضيــة أو حادثــة أو أزمــة جامعيــة‪.‬‬
‫وتشــير األدبيــات ذات الصلــة بالموضــوع البحثــي ال ارهــن إلــى أنــه ينبغــي علــى الجامعــات أن‬
‫ـر محــددة ألســاليب إدارة العالقــة بيــن منســوبيها مــن جهــة‪ ،‬ومواقــع التواصــل االجتماعــي‬ ‫تضــع أطـ ًا‬
‫مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬بــكل مــا تثيـره هــذه العالقــة مــن إشــكاليات وأزمــات تقــع بيــن المطالبــة بالتقنييــن‬
‫والضبــط مــن جهــة‪ ،‬وبيــن مطالبــات أخــرى حثيثــة بضمــان حريــة ال ـرأي و التعبيــر‪ ،‬ومبــادىء‬
‫الحريــة الشــاملة والعادلــة للممارســات عبــر هــذه الوســائل علــى مســتوى المجتمــع ككل‪ ،‬وعلــى‬
‫مســتوى منســوبي الجامعــة علــى وجــه الخصــوص‪.‬‬
‫وتضيــف هــذه األدبيــات أن الجامعــات اليــوم مطالبــة بالســعي الحثيــث والجــاد الــذي يأخــذ النهــج‬
‫المتعلــق بــإدارة العالقــة بيــن الجامعــة ومواقــع التواصــل االجتماعــي علــى محمــل الجــد‪ ،‬مــن حيــث‬
‫إدراكهــا ودعمهــا للتبــادل الحــر والمنفتــح للمعرفــة‪ ،‬كشــرط ضــروري لتحقيــق التعلــم والتنميــة‪،‬‬
‫وكشــرط يســهم كذلــك فــي تنميــة القــدرات المدنيــة والديمقراطيــة ‪ -‬و هــو الشــق ذي الصلــة بمفهــوم‬
‫«حريــة الممارســة األكاديميــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ .‬فــي المقابــل‪ ،‬يبــدو األمــر أشــبه‬
‫بمــن يريــد تثبيــت وتــد دائــري فــي حف ـرة مربعــة إذا مــا أخذنــا فــي االعتبــار ضــرورة الموازنــة‬
‫بيــن مفهــوم «الحريــة الشــاملة»‪ ،‬وبيــن الرقابــة أو العقوبــة المطلوبــة عندمــا يتعلــق األمــر بنشــر‬
‫خطابــات تســيء‪ ،‬أو تُقصــي‪ ،‬أو تؤذي‪..‬الــخ‪.‬‬
‫بيــن فكــي الرحــى هذيــن‪ ،‬تأتــي الحركــة االجتماعيــة لألكاديميــن المصرييــن» علمــاء مصــر‬
‫غاضبــون» كحالــة اســتدعت البحــث واالختبــار فــي سلســلة األحــداث التــي شــارك فيهــا أكاديميــون‬
‫مصريــون عبــر منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وتحديـ ًـدا موقعــي فيســبوك‪ ،‬وتوتيــر‪.‬‬
‫وتتوقــف الد ارســة بالتحليــل والفحــص للكيفيــة التــي خــرج بهــا هاشــتاج ‪#‬علماء_مصر_غاضبــون‬
‫أحيانــا ليوظــف كآداة للضغــط علــى مؤسســات التعليــم العالــي فــي مصــر بوجــه عــام‬ ‫ً‬ ‫مــن ســياقه‬
‫‪ 513‬بمــا أدى‪ ،‬فــي نهايــة األمــر‪ ،‬التخــاذ إج ـراءات ضــد مجموعــة مــن األكاديمييــن المصرييــن‪ ،‬فــي‬
‫وتوظيفــا للتقنيــات الحديثــة فــي مجــال إيجــاد‬
‫ً‬ ‫ـموحا بــه فــي إطــاره‪،‬‬
‫قميــا مسـ ً‬
‫مقابــل كونــه حشـ ًـدا ر ً‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ظهيــر افت ارضــي يتيــح التفــاوض «النقابــي‪ /‬االتحــادي»‪ ،‬الــذي ربمــا يفتقــده هـؤالء علــى األرض‬
‫عندمــا يتعلــق األمــر بمشــكالتهم وقضاياهــم ذات الطبيعــة الخاصــة فــي أحيــان أخــرى‪ .‬أثــارت‬
‫ـتمر حــول طبيعــة الحريــة والحقــوق األكاديميــة‪ ،‬وكــذا حــول دور مواقــع‬ ‫نقاشــا مسـ ًا‬
‫هــذه األحــداث ً‬
‫أكاديميــا فــي الفضــاء العــام؛ ففــي كل‬
‫ً‬ ‫التواصــل االجتماعــي‪ ،‬والمخاطــر الكامنــة فــي أن تكــون‬
‫حــدث ارتبــط بهــذه الحركــة‪ ،‬ثــارت موجــة مــن المشــاعر‪ ،‬الكثيــر منهــا مســتوحى مــن الغضــب‬
‫مــن ظــروف العمــل‪ ،‬وأســاليب اإلدارة األكاديميــة‪ ،‬فضـ ًـال عمــا أضافتــه ممارســات «المشــاركة»‬
‫‪ ،Share‬و «التفضيــل» ‪ ،Like‬و «التعليــق» ‪ Comment‬مــن توليــد لــآف المشــاركات‬
‫المدونــة‪ ،‬وجــذب انتبــاه وســائل اإلعــالم خــارج مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬بــل وخــارج المجتمــع‬
‫األكاديمــي ككل‪.‬‬
‫وتعــرض الد ارســة الحاليــة لمجموعــة مــن األبعــاد ذات الصلــة بقضيــة العالقــة بيــن الوجــود‬
‫األكاديمــي عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وبيــن كال وجهــي العملــة التــي يثيرهمــا هــذا‬
‫فرصــا قــد‬
‫الحضــور‪ ،‬وكيــف أن «رقمنــة» الفعــل األكاديمــي‪ً ،‬أيــا مــا كان‪ ،‬يحمــل فــي جعبتــه ً‬
‫تتضــاءل أمــام مــا يثي ـره مــن إشــكاليات‪.‬‬
‫تناقــش الد ارســة هــذه الوضعيــة عبــر الوقــوف علــى خلفيــة بعــض األوضــاع األكاديميــة بشــكل‬
‫عــام‪ ،‬ومــا يتعلــق منهــا بواقــع المطالبــة بالحقــوق االقتصاديــة علــى وجــه التحديــد‪ ،‬ثــم تتعــرض‬
‫الد ارســة لمفهــوم الفعــل الجمعــي الرقمــي‪ ،‬ومحــددات ظهــوره‪ ،‬وتناميــه‪ ،‬وتراوحــات هــذا الفعــل‪ ،‬ثــم‬
‫قميــا‪،‬‬
‫كيفيــة ترجمتــه علــى أرض الواقــع األكاديمــي‪ ،‬ومــا يعنيــه ويعكســه فعــل الحـراك األكاديمــي ر ً‬
‫ومــا إذا كان األمــر يســتحق المحاولــة فــي مســعى لتنظيــم وإصــالح المهنــة‪.‬‬
‫بينمــا يتعــرض القســم الثانــي مــن الد ارســة لإلطــار المنهجــي لهــا‪ ،‬بمــا يتضمنــه مــن إج ـراءات‬
‫ذات صلــة بالمحــددات العلميــة التــي حكمــت إجـراء الد ارســة‪ ،‬ثــم يوثــق القســم الثالــث مــن الد ارســة‬
‫وكيفــا‪ ،‬ويســتعرض القســم ال اربــع واألخيــر مــن الد ارســة‬ ‫كمــا ً‬ ‫ألهــم مــا توصلــت إليــه مــن نتائــج ً‬
‫الراهنــة ألهــم مــا تعكســه نتائجهــا علــى المســتوى المصغــر ‪ Micro‬والمرتبــط بموضــوع البحــث‪،‬‬
‫عمومــا‪ ،‬بمــا دفــع‬
‫ً‬ ‫وعلــى المســتوى األشــمل ‪ Macro‬والمرتبــط بقضايــا الفعــل الرقمــي الجمعــي‬
‫نحــو طــرح مجموعــة مــن اإلشــكاليات البحثيــة الجديــدة‪ ،‬المرتبطــة بالفعــل الرقمــي الجمعــي فــي‬
‫ـتقبال إلــى عــدد مــن الد ارســات‬
‫دومــا‪ ،‬والتــي يمكــن ترجمتهــا مسـ ً‬ ‫بيئــة وســائل اإلعــالم المتغي ـرة ً‬
‫المرتبطــة بهــذا المجــال علــى اتســاعه‪ ،‬وت ازيــد قضايــاه‪.‬‬

‫أول‪ :‬بيئة العمل األكاديمي‪ :‬تاريخ من التفاوض بشأن الحقوق‬


‫ً‬
‫‪514‬‬
‫فــي ينايــر‪ ،1966‬أقــام عضــو هيئــة التدريــس النقابــي بجامعــة ســانت جــون فــي مدينــة نيويــورك‬
‫احتجاجــا علــى االنتهــاكات اإلداريــة لحريتــه األكاديميــة بعــد فصلــه‬
‫ً‬ ‫سلســلة مــن االعتصامــات‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ـتقبال بــأي حــال‪ .‬وفــي ســبتمبر‬ ‫فورًيــا مــن درجــة األســاتذية‪ ،‬وهــو النـزاع الــذي لــم يتــم تســويته مسـ ً‬
‫ـجل أول إضـراب فــي الواليــات المتحــدة مــن ِقبــل أســاتذة الجامعــات للحصــول‬ ‫مــن العــام نفســه‪ُ ،‬سـ َّ‬
‫علــى رواتــب أعلــى؛ حيــث شــارك ‪ 140‬عضـ ًـوا مــن أعضــاء هيئــة التدريــس فــي كليــة هنــري فــورد‬
‫المجتمعيــة فــي ديربــورن‪ ،‬فــي إضـراب لمــدة أســبوع لزيــادة متوســط الدخــل بحوالــي ‪ 1000‬دوالر‬
‫ـنويا(‪ .)1‬أدى هــذا التوظيــف غيــر المســبوق ألســاليب أصحــاب الياقــات الزرقــاء (العمــال) فــي‬ ‫سـ ً‬
‫حــرم الكليــة إلــى توقــع حــدوث تفاعــل متسلســل فــي التوجــه نحــو مزيــد مــن التفــاوض الجماعــي فــي‬
‫(‪ )2000‬كليــة وجامعــة حكوميــة وخاصــة أخــرى فــي البــالد‪ .‬ومــن ثَّــم زادت التنبـؤات بــأن يصبــح‬
‫التنظيــم النقابــي جــزء ال يتجـ أز مــن الحيــاة األمريكيــة‪ ،‬بمــا يدفــع جماعــات أكثــر إلــى تطويــر شــكل‬
‫أو آخــر مــن أشــكال التمثيــل والعمــل الجماعــي النشــط(‪.)2‬‬
‫عنــد هــذا المنعطــف‪ ،‬بــدا التفكيــر فــي أطروحــة جــدوى اعتمــاد نهــج االتحــادات العماليــة التقليديــة‬
‫لزما وضرورًيا‪ ،‬خاصة‬ ‫تفكير ُم ً‬
‫بين أســاتذة الجامعات‪ ،‬لحماية مصالحهم المهنية واالقتصادية‪ً ،‬ا‬
‫مــع اتســاع الهــوة بيــن الهيــاكل اإلداريــة فــي الجامعــات وأعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬بشــكل أفضــى‬
‫نتاجــا لمــا ُعـ ِـرف‪ ،‬فــي بعــض األحيــان‪ ،‬بـ ـ ـ «المصانــع‪/‬‬‫إلــى فقــدان الكثيريــن للهويــة األكاديميــة ً‬
‫الشــركات التعليميــة»‪ ،‬تلــك التــي حدثــت علــى مســتويات مختلفــة مــن التفاعــل والتواصــل فــي كيــان‬
‫الشــركة‪/‬الجامعة‪ ،‬وبعــد التغيي ـرات االقتصاديــة التــي قلصــت مــن الملكيــات العامــة لمؤسســات‬
‫التعليــم لصالــح الملكيــات الفرديــة‪ ،‬والمشــاكل المعقــدة التــي تواجــه مســؤولي الجامعــات اليــوم بمــا‬
‫غالبــا مــا تتــرك أولويــة‬
‫لهــا مــن دالالت سياســية‪ ،‬هــذا فضـ ًـال عــن اآلثــار الماليــة والوظيفيــة التــي ً‬
‫حمايــة مصالــح أعضــاء هيئــة التدريــس موضــع شــك؛ حيــث تنفصــل المقترحــات واإلج ـراءات‬
‫اإلداريــة عــن تلــك الخاصــة بالوســط األكاديمــي التقليــدي ممثـ ًـال فــي أعضائــه‪.‬‬
‫كانــت مســألة مــا إذا كانــت االتحــادات النقابيــة تنفــع أو تضــر بــأداء أيــة مؤسســة فــي قلــب‬
‫المناقشــات السياســية منــذ القــرن التاســع عشــر‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن انخفــاض معــدالت تكويــن‬
‫النقابــات فــي الواليــات المتحــدة بشــكل مطــرد منــذ الســبعينيات‪ ،‬إال أن قطــاع التعليــم العالــي كان‬
‫مــن بيــن القطاعــات الحكوميــة القليلــة التــي ظلــت نقاباتهــا مســتقرة إلــى حــد كبيــر علــى مــدى فتـرة‬
‫طويلــة مــن الزمــن‪ ،‬وهــو مــا وفــر مســاحة تجريــب للكيفيــة التــي يؤثــر بهــا التنظيــم النقابــي علــى‬
‫األداء التنظيمــي لهــذه المؤسســات‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم ممــا اعتــرض عملهــا مــن شــكوك بشــأن‬
‫مالئمتهــا لطبيعــة العمــل األكاديمــي‪ ،‬ومــا يمكــن أن تثيـره مــن جــدل داخــل األوســاط األكاديميــة‬
‫وخارجهــا بشــأن الهويــة المهنيــة لعضــو هيئــة التدريــس فــي المقــام األول(‪.)3‬‬
‫وتتعــدد الم ازلــق التــي تواجــه االتحــادات األكاديميــة إذا مــا تشــابهت مــع النقابــات العماليــة؛ حيــث‬
‫‪ 515‬ســيتعين علــى أعضــاء هيئــة التدريــس إعــادة تقييــم تصورهــم عــن أنفســهم باعتبارهــم «متخصصيــن‬
‫محترفيــن ومهنييــن» فــي مجاالتهــم‪ ،‬طالمــا كان مــن الصعــب علــى الجمهــور ربــط المهنيــة ‪-‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫عموما للمصطلح‪ -‬ب ـ ـ ـ «العمل» مع االحتفاظ بالصورة التقليدية ألستاذ‬ ‫ً‬ ‫أكاديميا‬
‫ً‬ ‫بالمعنى المقبول‬
‫الجامعة‪.‬‬
‫ويــروج اتجــاه «نمــوذج االختيــار العقالنــي لتشــويه ســوق العمــل «‪Rational Choice/‬‬
‫‪ ،Distortion of Labor Market Model‬للفك ـرة القائلــة بــإن أعضــاء هيئــة التدريــس‬
‫فاعلــون عقالنيــون ومدفعــون لتحقيــق أقصــى قــدر مــن مصلحتهــم الذاتيــة عبــر المطالبــة بــأدوار‬
‫ورواتــب أعلــى‪ ،‬وأمــن وظيفــي أكبــر‪ ،‬وهــم فــي ذلــك يمارســون إجـراءات «إجراميــة» بموجــب قوانيــن‬
‫مكافحــة االحتــكار‪ ،‬وذلــك لألســباب الوجيهــة المتمثلــة فــي حصولهــم علــى م ازيــا خاصــة كعــدد‬
‫قليــل علــى حســاب بقيــة المجتمــع مــن خــالل قمــع المنافســة الح ـرة فــي ســوق التعليــم(‪.(4‬‬
‫ووفــق االتجــاه نفســه‪ ،‬يبــدو مــن غيــر الواقعــي تصــور العالقــة بيــن الجامعــة واإلدارة فــي إطــار‬
‫نمــوذج تقليــدي إلدارة العمــل عنــد تقييــم إمكانــات وظــروف الســوق بغــرض تحســين أوضــاع‬
‫ـز بالفعــل بيــن األكاديميــات البحثيــة التــي يســفر عملهــا عــن تقديــم‬
‫المهنــة‪ ،‬صحيــح أن هنــاك تمييـ ًا‬
‫مســاهمة عينيــة لخدمــة المجتمــع فــي مقابــل غيرهــا مــن الكليــات أو التخصصــات التــي ال تســهم‬
‫بشــكل مــادي ملمــوس فــي الناتــج المجتمعــي؛ حيــث تفتقــد األخيـرة لتحقيــق وضــع مســاومة جيــد‬
‫بخصــوص حقوقهــا‪ ،‬إال أن القــدرة والخبـرة فــي التدريــس تترجــم إلــى وضــع أفضــل كذلــك خاصــة‬
‫ضمــن أشــكال العمــل الجماعــي‪.‬‬
‫ومــع هــذا‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن التصــور الشــائع بــأن التنظيــم النقابــي غيــر ذي صلــة بمصالــح‬
‫أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬إال أن حقيقــة األمــر تبرهــن علــى أن االتحــادات األكاديميــة تدعــم‬
‫مصالــح الفئــة األضعــف مــن األكاديمييــن كأعضــاء هيئــة التدريــس المبتدئيــن‪ ،‬ونظرائهــم مــن‬
‫الذيــن يعتمــد وضعهــم علــى تصنيــف هيبــة تخصــص أو قســم مــا حســب مســتوى مــا يســاهم بــه‬
‫فــي «الســوق المفتوحــة»‪ ،‬بديـ ًـال عــن تخصــص أو قســم آخــر‪ ،‬وهــو مــا يـوازن بيــن أدوار التنظيــم‪،‬‬
‫وبيــن قانــون «العــرض والطلــب» فــي الســوق الجامعــي(‪.)5‬‬
‫هكــذا يدعــم المؤيــدون التحــادات أعضــاء هيئــة التدريــس التوجــه نحــو مزيــد مــن تفعيــل دور هــذه‬
‫االتحــادات بدعــوى قدرتهــا علــى تحســين أداء الجامعــات عبــر إضفــاء مزيــد مــن المؤسســية علــى‬
‫أدائهــا‪ ،‬ومزيــد مــن التمكيــن لمنتســبي الجامعــة‪ ،‬فضـ ًـال عــن قدرتهــا علــى إلـزام المســتوى القيــادي‬
‫فــي الجامعــة بمعاييــر أعلــى مــن اإلنصــاف والشــفافية(‪.)6‬‬
‫وتعــود د ارســات تأثيــر النقابات‪/‬االتحــادات علــى توزيــع األجــور إلــى فريدمــان (‪ )1956‬والــذي‬
‫افتــرض أن النقابــات ســتزيد مــن تشــتت األجــور‪ ،‬بينمــا أشــار كارد وآخــرون (‪ )2004‬إلــى‬
‫أن معظــم هــذه النوعيــة مــن الد ارســات اهتمــت باختبــار تأثي ـرات االقتصــاد الكلــي والصناعــات‬
‫‪516‬‬
‫المشــتركة علــى تشــتت األجــور(‪ . )7‬وفــي د ارســة قدمهــا هيندريــك وآخــرون (‪ ،)2011‬توصــل‬
‫ـر ضئيـ ًـال علــى متوســط الرواتــب‬ ‫الباحثــون إلــى أن اتحــادات أعضــاء هيئــة التدريــس مارســت تأثيـ ًا‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الحقيقيــة ألعضــاء هيئــة التدريــس الذيــن يعملــون بــدوام كامــل(‪.)8‬‬


‫بطبيعــة الحــال‪ ،‬تثيــر هــذه النتائــج كثيــر مــن التســاؤالت حــول الجــدوى الفعليــة لالتحــادات‬
‫األكاديميــة‪ ،‬ومــا إذا كانــت العوائــد الماديــة أهــم مــن طبيعــة الوظيفــة فــي حــد ذاتهــا؟! وتجيــب‬
‫األدبيــات الســابقة علــى هــذه التســاؤالت باإلشــارة إلــى أنــه مــن المتوقــع أن يتضــاءل االهتمــام‬
‫بتشــكيل النقابــات األكاديميــة فــي التعليــم العالــي توافًقــا مــع التباطــؤ األخيــر للنشــاط النقابــي فــي‬
‫مجــال االقتصــاد بوجــه عــام‪ ،‬وإن كانــت المســاهمات األخي ـرة فــي مجــال التفــاوض الجماعــي‬
‫بشــأن حقــوق األكاديمييــن قــد أفضــت إلــى تحقيــق نمــو ملحــوظ خاصــة بيــن مؤسســات التعليــم‬
‫الخــاص(‪.(9‬‬
‫مصرًيــا‪ ،‬ال ُيعــد انخ ـراط أســاتذة الجامعــات فــي ح ـراك احتجاجــي إلكترونــي أو غي ـره فــي‬
‫ار كفاعليــن معارضيــن احتجاجييــن فــي‬ ‫حــد ذاتــه حدثًــا جديـ ًـدا مــن نوعــه؛ حيــث بــرز دورهــم مـرًا‬
‫العقديــن الســابقين‪ ،‬وإن اختلــف الحـراك‪ ،‬موضــوع الد ارســة الحاليــة‪ ،‬عمــا ســبقه فــي أمريــن‪ :‬األول‬
‫هــو التركيــز علــى المطالــب االقتصاديــة واالجتماعيــة بــدالً مــن اتخــاذ مدخــل الحقــوق والحريــات‬
‫السياســية واألكاديميــة‪ ،‬والثانــي هــو اقتصــاره علــى اســتخدام مواقــع التواصــل االجتماعــي كمســاحة‬
‫أساســية ووحيــدة لالحتجــاج؛ كمــا ســتعرض لذلــك التفاصيــل التاليــة‪ ،‬واألدبيــات والبحــوث الالحقــة‬
‫فــي الد ارســة‪.‬‬
‫يخيــا‪ ،‬تعتبــر مجموعــة العمــل مــن أجــل اســتقالل الجامعــات (المعروفــة بحركــة ‪ 9‬مــارس)‬ ‫تار ً‬
‫حركــة مــن أبــرز الحــركات االجتماعيــة التــي تحدثــت باســم أعضــاء هيئــة التدريــس بالجامعــات‪.‬‬
‫ـميا فــي مــارس ‪ 2004‬عبــر بيــان تأسيســي أصــدره مجموعــة مــن األســاتذة‬ ‫تأسســت المجموعــة رسـ ً‬
‫علميــا(‪.)10‬‬
‫ـبيا فــي العمــل السياســي فــي عالقتــه بالجامعــة‪ ،‬والمرموقيــن ً‬ ‫ذوي التاريــخ الطويــل نسـ ً‬
‫وتتخــذ الحركــة اســمها مــن واقعــة تاريخيــة تعــود إلــى اســتقالة الدكتــور أحمــد لطفــي الســيد مــن‬
‫احتجاجــا علــى تدخــل القصــر وحــزب الوفــد فــي إقالــة‬
‫ً‬ ‫رئاســة جامعــة القاهـرة فــي ‪ 9‬مــارس ‪1932‬‬
‫الدكتــور طــه حســين مــن منصبــه فــي كليــة اآلداب آنــذاك‪ .‬وقــد اتخــذ احتجــاج أســاتذة الجامعــات‬
‫مــن أعضــاء حركــة ‪ 9‬مــارس‪ ،‬فــي األســاس‪ ،‬شــكل المؤتمـرات‪ ،‬والنــدوات واالجتماعــات الدوريــة‪،‬‬
‫أحيانــا‬
‫ً‬ ‫المثــارة فــي الجامعــة‪ ،‬فضـ ًـال عــن الوقفــات االحتجاجيــة‬
‫التــي تتنــاول المطالــب والقضايــا ُ‬
‫بالتنســيق مــع المجموعــات الطالبيــة‪ ،‬كمــا اتبعــت الحركــة طريــق التقاضــي فــي ‪ 2010‬حيــن‬
‫رفــع أعضاؤهــا قضيــة أمــام المحكمــة اإلداريــة فــي القاهـرة مطالبــة بطــرد الحــرس الجامعــي(‪.(11‬‬
‫ركــزت حركــة ‪ 9‬مــارس علــى المطالبــة باســتقالل الجامعــة والــذي ترجــم‪ ،‬مــن وقــت تأسيســها‬ ‫ّ‬
‫وعمليــا‪ ،‬ركــزت الحركــة‬
‫ً‬ ‫وحتــى قبــل ثــورة ‪ ،2011‬إلــى الحــد مــن الســيطرة األمنيــة علــى الجامعــة‪.‬‬
‫‪ 517‬علــى مطلبيــن‪ :‬أولهمــا طــرد الحــرس الجامعــي‪ ،‬وثانيهمــا ضمــان الحريــة األكاديميــة لألســاتذة عــن‬
‫طريــق حريــة النشــر‪ ،‬وحريــة المحاضـرة‪ ،‬وحريــة الســفر والتــي كان يتــم تضييقهــا بســبب الســيطرة‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫األمنيــة علــى الجامعــة‪ .‬أمــا بعــد ثــورة ‪ 2011‬فقــد ظّلــت هــذه المطالــب تتــردد مــن وقــت إلــى آخــر‪،‬‬
‫كمــا ظلــت الحركــة تعقــد مؤتمرهــا الســنوي فــي ‪ 9‬مــارس حتــى وقــت قريــب(‪.(12‬‬
‫وتأتي قضية رواتب ومعاشات وعالوات أعضاء هيئات التدريس جزء ال يتج أز من المنظومة‬
‫مثال أنه في عام ‪2012‬‬ ‫الحقوقية شــديدة التعقيد والتشــابك في الجامعات المصرية‪ ،‬وهنا يذكر ً‬
‫كانــت قــد تمــت زيــادة رواتــب أعضــاء هيئــة التدريــس عبــر رفــع مــا يعــرف ببــدالت الجامعــة‪،‬‬
‫ولكــن تــم الت ارجــع عــن هــذه الزيــادة فــي ‪ 2014‬ألنهــا جــاءت علــى حســاب الصنــدوق المخصــص‬
‫لألســاتذة المتفرغيــن‪ ،‬وهــم األســاتذة الذيــن تعــدوا الســن الرســمي للمعــاش‪ ،‬والذيــن تلتــزم الجامعــات‬
‫بتعيينهــم‪ .‬كمــا ترتبــط إشــكالية الرواتــب بشــكل أو بآخــر بنظــام التعييــن واإلجــازات واإلعــارات‬
‫لألســاتذة مــن ناحيــة‪ ،‬وتضخــم حجــم الجهــاز اإلداري مــن ناحيــة أخــرى(‪.(13‬‬
‫فــي ‪ ،2019‬وضمــن ح ـراك “علمــاء مصــر”‪ ،‬بــرز شــعار أن ‪ 1972‬ليســت ‪ .2019‬وهــو‬
‫الشــعار الــذي ُيفهــم منــه أن تقديــر المرتبــات والعــالوات والبــدالت الموضوعــة فــي ‪( 1972‬تاريــخ‬
‫حاليــا) ال يتناســب مــع األوضــاع االقتصاديــة واالجتماعيــة فــي ‪2019‬؛ فمثـالً‬ ‫القانــون المطبــق ً‬
‫نجــد أن بعــض العــالوات والزيــادات تمــت صياغتهــا بالقــروش‪ ،‬أو حتــى بالجنيهــات المفــردة‬
‫ـيئا‪ ،‬وهــو مــا يعنــي أن‬
‫[‪ ]20‬فــي حيــن أن القيمــة الفعليــة للقــروش فــي الســياق الحالــي ال تعنــي شـ ً‬
‫منظومــة األجــور فــي مجــال التعليــم العالــي تحتــاج إلــى مراجعــة جذريــة(‪.(14‬‬
‫وفــي ظــل التوســع فــي إنشــاء الجامعــات الخاصــة‪ ،‬وت ازيــد الشـراكات مــع الجامعــات األجنبيــة‪،‬‬
‫وخصخصــة األقســام الممي ـزة داخــل الجامعــات الحكوميــة‪ ،‬تظــل تلــك األخي ـرة محكومــة بإطــار‬
‫قانوني صدر في عهد الرئيس أنور السادات‪ ،‬وهو القانون ‪ 49‬لسنة ‪ 1972‬لتنظيم الجامعات‪.‬‬
‫وبرغــم صــدور بروتوك ـوالت إلصــالح الجامعــات‪ ،‬أو مقترحــات هيئــات الجــودة وب ارمــج إعــادة‬
‫الهيكلــة‪ ،‬إال أنهــا تظــل محكومــة باإلطــار القانونــي نفســه‪ ،‬رغــم تعديــل بعــض مـواده‪.‬‬
‫وهكــذا فشــل القانــون(‪ )49‬فــي إيجــاد حلــول حقيقيــة لإلشــكاليات البنيويــة والعمليــة التــي‬
‫نــادت بهــا التقاريــر الدوليــة والمحليــة العلميــة‪ ،‬بينمــا ترتكــز الم ـواد التــي تــم تعديلهــا بالفعــل فــي‬
‫هــذا القانــون‪ ،‬ترتكــز علــى م ـواد األب ـواب الملحقــة المتعلقــة باللوائــح التنفيذيــة بالــذات لألنشــطة‬
‫واالتحــادات الطالبيــة‪ ،‬والتــي كانــت مثــار ص ـراع شــبه دائــم بيــن المجموعــات الطالبيــة‪ ،‬ونظــم‬
‫الحكــم المختلفــة؛ حيــث كان أخــر هــذه التعديــالت هــو مــا تــم إق ـ ارره فــي أغســطس ‪2019‬‬
‫بعــد شــهور مــن المداولــة‪ ،‬والــذي اختــص باألســاس بمحــددات تعييــن أعضــاء الهيئــة المعاونــة‬
‫بالجامعــة(‪. (15‬‬

‫‪518‬‬
‫رقميا‪ :‬الدوافع وتفاوتات الممارسة عبر مواقع التواصل الجتماعي‬ ‫ثانيا‪ :‬الفعل الجمعي ً‬ ‫ً‬
‫وفــق النظريــات الكالســيكية لتفســير الســلوك الجمعــي‪ ،‬يشــرح سملســر العوامــل التــي قــد تدفــع‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫األف ـراد إلــى اإلنخ ـراط فــي ســلوك جمعــي مــا‪ ،‬كالتالــي(‪:(16‬‬
‫•وجــود اعتقــاد عــام مشــترك بيــن أعضــاء الحركــة االجتماعيــة بضــرورة التغييــر‪ ،‬وأن األوضــاع‬
‫القائمــة تعبــر عــن فســاد و‪/‬أو تــردي‪ ،‬مــع ســيادة أوضــاع قــد تتنافــى مــع تطلعــات النــاس وقيمهــم‪،‬‬
‫ويصبــح سـؤال التغييــر هــو السـؤال المركــزي للمجموعــة المعنيــة‪ ،‬ومــن ثـ َـم تظهــر قــوى اجتماعيــة‬
‫تعمــل علــى تحليــل األوضــاع القائمــة‪ ،‬وتدعــو إلــى التغييــر وتحطيــم األوضــاع القائمــة‪ ،‬وتصبــح‬
‫عامــا ينتشــر بيــن المعنييــن‪.‬‬
‫قضيــة التغييــر والتخلــص مــن الوضــع ال ارهــن معتقـ ًـدا ً‬
‫•وجــود عوامــل تفجيــر وتحفيــز وإثــارة تدفــع المشــاركين فــي الحركــة االجتماعيــة إلــى تحويــل‬
‫االعتقــاد العــام بالســوء إلــى ســلوك جمعــي‪ ،‬ذي طابــع حركــي‪ ،‬يتحــدى النظــام االجتماعــي‬
‫والسياســي القائــم‪.‬‬
‫•شــعور المشــاركين فــي الحركــة بضــرورة التغييــر والتخلــص مــن األوضــاع المضطربــة التــي‬
‫تتســم بشــيوع حالــة مــن اإلحبــاط‪ ،‬وعــدم الثقــة فــي المســتقبل‪.‬‬
‫وبالنظــر إلــى العوامــل التــي ذكرهــا سملســر‪ ،‬فــإن نظريــة الســلوك الجمعــي تفســر الضغــوط‬
‫التــي تــؤدي إلــى ظهــور الحــركات االجتماعيــة فــي ضــوء المؤث ـرات البنائيــة‪ ،‬والخلــل المؤسســي‬
‫الــذي يعــوق قــدرة مؤسســة مــا مــن المؤسســات علــى القيــام بوظائفهــا المطلوبــة‪ ،‬ومــا ُينتــج عــن‬
‫ذلــك كلــه مــن تفشــي لحالــة مــن عــدم الرضــا والســخط الجماهيــري‪ .‬ومــن ثَّــم تظهــر الحــركات‬
‫االحتجاجيــة خــارج تلــك األطــر المؤسســية للتعبيــر عــن رغبــة األفـراد فــي تغييــر الوضــع القائــم‪.‬‬
‫المفسـرة لدوافــع األفـراد لإلنخـراط فــي ســلوك جمعــي؛‬ ‫وهكــذا تعــد النظريــة مــن النظريــات الهامــة ُ‬
‫إذ يمكنهــا تقديــم تفســير واضــح لظهــور الحــركات االحتجاجيــة العماليــة فــي مصــر علــى ســبيل‬
‫المثــال‪ ،‬بالتركيــز علــى المســببات «الضغــوط البنائيــة» والمتمثلــة فــي ســوء األداء االقتصــادي‬
‫واالجتماعــي للدولــة وقتهــا‪ ،‬ممــا ترتــب عليــه أزمــة ديــون خارجيــة فتحــت األبـواب علــى مصرعيهــا‬
‫لتدخــل المؤسســات الماليــة الدوليــة إلعــادة توجهــات االقتصــاد المصــري‪ ،‬وضــرورة إعــادة هيكلتــه‬
‫مــن خــالل تبنــي برنامــج شــامل لإلصــالح االقتصــادي يتضمــن بيــن عناص ـره فــرض إج ـراءات‬
‫تقشــفية عديــدة وت ارجــع دور الدولــة فــي رعايــة المواطنيــن‪ .‬وكانــت المحصلــة النهائيــة معانــاة شــبه‬
‫يوميــة إلشــباع االحتياجــات األساســية‪.‬‬
‫وفــي المقابــل‪ ،‬ال تعــول االتجاهــات الحديثــة فــي تفســير الحــركات االجتماعيــة علــى د ارســة‬
‫المســببات‪ ،‬فــي مقابــل التركيــز علــى الفاعليــن‪ ،‬ولــذا أطلــق عليهــا بعــض الباحثيــن «نمــوذج‬
‫بالبعد التنظيمي‬ ‫الفاعل الرئيس»‪ . Actor Centered Model‬تهتم بعض هذه النظريات ُ‬
‫(‪(17‬‬

‫للحركــة‪ ،‬وتعبئــة الم ـوارد المتاحــة بهــا‪ ،‬واســتثمار كل الطاقــات والقــوى‪ ،‬وحشــدها مــن أجــل‬
‫البعــد‪ ،‬وكــذا‬
‫ـاال علــى هــذا ُ‬
‫الوصــول بالمجتمــع إلــى وضــع أفضــل‪ .‬وتأتــي نظريــة تعبئــة المـوارد مثـ ً‬
‫‪519‬‬

‫نظريــة الفرصــة السياســية؛ التــي تفتــرض أن البيئــة السياســية توفــر بواعــث للفعــل الجمعــي مــن‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫خــالل التأثيــر علــى توقعــات األف ـراد بالنجــاح أو الفشــل‪ ،‬والفرصــة السياســية هنــا هــي الطريقــة‬
‫التــي مــن خاللهــا يهتــم الفاعــل بالبيئــة‪ ،‬ويكــون لديــه معلومــات عنهــا‪ ،‬ومــن ثـ َّـم تؤثــر الفرصــة علــى‬
‫ـلبا وفًقــا لكيفيــة رؤيــة الفاعليــن للموقــف السياســي وقــت الفعــل‪.‬‬
‫إيجابــا أو سـ ً‬
‫ً‬ ‫الفعــل‬
‫وحســب موســوعة بريتانيــكا‪ُ ،‬يعــد النشــاط الرقمــي‪ Digital Activism‬شــكل مــن أشــكال‬
‫النشــاطات التــي تســتخدم وســائل اإلعــالم الرقميــة كمنابــر رئيســية للتعبئــة الجماهيريــة‪ ،‬وتتفــاوت‬
‫االحتجاجــات الرقميــة فيمــا بينهــا مــن حيــث انتقالهــا إلــى أرض الواقــع‪ ،‬ومــن حيــث إحداثهــا أثـ ًـرا؛‬
‫حيــث تزخــر مواقــع التواصــل االجتماعــي بالعش ـرات مــن الصفحــات‪ ،‬والمجموعــات‪ ،‬والوســوم‬
‫التــي حملــت قضيــة عامــة إلــى المســتخدمين‪ ،‬ودار حولهــا كثيــر مــن النقــاش والتفاعــل‪ ،‬لكنهــا‬
‫اختفــت وخبــت دون أن يكــون لهــا أي أثــر علــى أرض الواقــع‪ ،‬بينمــا بقيــت احتجاجــات أخــرى‬
‫علــى الســاحة‪ ،‬وتــم االســتجابة لهــا مــن قبــل المســؤولين دون اضط ـرار أصحابهــا إلــى النــزول‬
‫إلــى الشــارع‪ ،‬وعــادة مــا تكــون هــذه الحــاالت محــدودة وخاصــة بأحــداث يوميــة‪ ،‬مثلمــا هــو الحــال‬
‫عنــد إقالــة مســئول لســوء األداء فــي قضيــة مــا‪ ،‬أو اتخــاذ موقــف إنســاني تجــاه حالــة مــن الحــاالت‬
‫الصحيــة الحرجــة‪ .‬قــد تنتقــل بعــض االحتجاجــات الرقميــة مــن الفضــاء اإللكترونــي إلــى أرض‬
‫الواقــع دون أن تؤتــي ثمارهــا‪ ،‬وقــد ينتقــل البعــض اآلخــر منهــا إلــى أرض الواقــع‪ ،‬وتُحــدث أثـ ًا‬
‫ـر‬
‫بالفعــل(‪.(18‬‬
‫وتختلــف آليــات عمــل االحتجــاج عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي عــن تلــك التــي تحــدث‬
‫فــي الشــارع؛ حيــث تتســم هــذه النوعيــة مــن االحتجاجــات بالتدفــق المســتمر واآلنــي للمعلومــات‬
‫موضوعــا لنقــاش أوســع‪ ،‬ويفــرز هــذا النقــاش بــدوره‬
‫ً‬ ‫والقضايــا العامــة‪ ،‬األمــر الــذي يجعلهــا‬
‫قضايــا أخــرى ذات الصلــة‪ ،‬تتفــاوت فــي أهميتهــا وخطورتهــا‪ ،‬واألهــم أنــه يفــرز شــبكة جديــدة‬
‫مــن العالقــات بيــن المهتميــن بالقضيــة محــل االحتجــاج‪ .‬تتســم هــذه النوعيــة مــن االحتجاجــات‬
‫كذلــك بالتنســيق والتنظيــم العلنــي نتيجــة نشــأتها وتنامــي نشــاطها فــي فضــاء إليكترونــي يتســم‬
‫خافيــا أن قــادة الـرأي‬
‫بالشــفافية واالنفتــاح بمــا يســهم فــي جــذب عــدد أكبــر مــن المتابعيــن‪ .‬وليــس ً‬
‫فــي الفضــاءات الرقميــة يختلفــون عــن نظرائهــم فــي الفضــاءات التناظريــة مــن حيــث الخصائــص‬
‫(‪(19‬‬
‫والعــدد وأدوات العمــل والتأثيــر؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى ظهــور مفهــوم جديــد لل ـرأي العــام‬
‫يتأثــر بعالميــة شــبكة الويــب‪ ،‬ويتماهــى مــع خصائصهــا المتعلقــة بالتفاعليــة التــي تجعــل صناعــة‬
‫الـرأي العــام صناعــة جماعيــة تندمــج فيهــا اآلراء بوتيـرة سـريعة‪ ،‬وتتفاعــل دون تأثــر بقيــود المــكان‬
‫والزمان‪ ،‬وقيود الهالة الشــخصية التي كانت الســمة الرئيســية لقادة الرأي التقليديين بما يمتلكون‬
‫مــن ســلطات معرفيــة وسياســية واجتماعيــة واقتصاديــة ودينيــة وثقافيــة‪.‬‬
‫‪520‬‬
‫وفــي ســعيها لتفســير الدوافــع التــي تقــف وراء انخـراط األفـراد فــي حركــة اجتماعيــة بعينهــا‪ ،‬ودور‬
‫شــبكة المعارف والعالقات‪ ،‬الحقيقية منها والرقمية‪ ،‬في تفســير الحراك والفعل الجمعي‪ ،‬قطعت‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الد ارســات المعنيــة بالعالقــة بيــن الشــبكات االجتماعيــة والمشــاركة فــي الحــركات االجتماعيــة‬
‫طا طويـ ًـال فــي تحديــد أهــم الشــروط والتســاؤالت التــي تحكــم هــذه العالقــة‪ ،‬كالس ـؤال عــن‬ ‫شــو ً‬
‫العالقــة بيــن نــوع الشــبكة االجتماعيــة التــي ينتمــي لهــا الفــرد فــي عالقتهــا بنــوع وطبيعــة المشــاركة‬
‫التــي ســينخرط فيهــا‪ ،‬ومســتوى اســتدامة الفعــل االحتجاجــي عبــر الزمــن‪ ،‬فضـ ًـال عــن تحديــد‬
‫الشــكل الخــاص الــذي قــد يتخــذه التنســيق بيــن عــدد كبيــر مــن التنظيمــات والمجموعــات إن‬
‫دائمــا‪ ،‬وال متشــابهة‬
‫ُوجــد‪ .‬وعلــى الرغــم مــن تعــدد هــذه الد ارســات‪ ،‬إال أن نتائجهــا غيــر متســقة ً‬
‫بالضــرورة‪ ،‬وإن أمكــن تمييــز بعــض الخيــوط الممتــدة والمتكــررة فيمــا بينهــا‪ ،‬ويأتــي علــى أرســها‬
‫أن دور شــبكات العالقــات فــي تفســير ســلوك الفــرد‪ ،‬هــو دور خاضــع للتغييــر والتفــاوت حســب‬
‫التفاصيــل والتبعــات المرتبطــة بالفعــل نفســه‪ ،‬والتــي يفتــرض فيهــا أن تيســر القيــام بــه كمســتوى‬
‫اســتعداد الفــرد للمجازفــة الشــخصية‪ ،‬أو ســياق الجهــد وااللتـزام المطلوبيــن لالنضمــام إلــى فعــل أو‬
‫تنظيــم محــدد؛ حيــث تحتــاج بعــض الحــركات االجتماعيــة لدعــم أكبــر مــن شــبكات أقــوى‪ ،‬طالمــا‬
‫دور فــي‬
‫كان عــدد الصــالت التــي تربــط األفـراد بغيرهــم مــن المشــاركين‪ ،‬وقــوة تلــك الصلــة يلعبــان ًا‬
‫اســتقطاب األف ـراد إلــى األفعــال الخط ـرة أوالعنيفــة والمســالمة علــى حــد س ـواء(‪.(20‬‬
‫ويهتــم الباحثــون فــي مجــال محــددات الفعــل الجمعــي لــدى األف ـراد بدوافــع هــذا الفعــل‪ ،‬كمــا‬
‫ســبقت اإلشــارة مــن جهــة‪ ،‬ويهتمــون مــن جهــة ثانيــة بالعوامــل التــي قــد تدفــع األف ـراد لالنتقــال‬
‫مــن جماعــة ألخــرى‪ ،‬أو فقــد ال ـوالء للجماعــة التــي ينتمــون إليهــا بالفعــل‪ ،‬والتقلــب فــي االلت ـزام‬
‫فــي صورتــه األعــم واألشــمل‪ .‬ويفســر الباحثــون ذلــك باإلشــارة إلــى تعــدد الهويــات االجتماعيــة‬
‫المختلفــة المتورطــة فــي تطويــر والحفــاظ علــى الدافــع للعمــل‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال تأخــذ األدبيــات‪ ،‬فــي‬
‫كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬فــي االعتبــار علــى وجــه التحديــد كيــف يمكــن لعضويــة المجموعــات المختلفــة‬
‫أن تتــالءم مــع بعضهــا ضمــن «الــذات» بأكملهــا أو‪،‬علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬تفشــل فــي االندمــاج؛‬
‫فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬قــد يتعــرف األفـراد علــى مجموعــة مــن األشــخاص الذيــن يشــاركونهم مظلمــة‪/‬‬
‫مشــكلة‪ /‬أو شــكوى مــا بالفعــل ولكــن هــذا ال يــؤدي بالضــرورة إلــى انتقــال ســلس لمرحلــة التعــرف‬
‫علــى منظمــة مــا‪ /‬حركــة اجتماعيــة معينــة‪ /‬أو حشــد فــي مظاهـرة‪.‬‬
‫ويضيــف الباحثــون أن هــذا التفســير يتوافــق مــع الحاجــة إلــى دمــج «القناعــة األخالقيــة» للفــرد‬
‫ضمــن نمــوذج الهويــة االجتماعيــة للفعــل الجمعــي؛ وهــو مــا يعنــي أن التقاعــس عــن اإلنخ ـراط‬
‫فــي الفعــل الجمعــي قــد يرجــع إلــى ضعــف التوافــق بيــن القناعــة األخالقيــة لــدى الفرد(اإليمــان‬
‫بالســبب)‪ ،‬والمحتــوى(أي األســاليب التــي تتبعهــا المجموعــة)‪ ،‬فضـ ًـال عــن احتماليــة االعتقــاد بــأن‬
‫فعالــة فــي إحــداث تغييــر حقيقــي‪ .‬ومــع ذلــك ‪ ،‬تُظهــر األبحــاث‬ ‫األفعــال غيــر مشــروعة‪ ،‬أو غيــر َّ‬
‫أيضــا أن النــاس َّيقيمــون فعاليــة الفعــل الجمعــي فــي ســياق تكيفــي‪ ،‬يتغيــر بتغيــر شــعور األفـراد‬‫ً‬
‫‪521‬‬

‫بالفعاليــة الفرديــة‪ ،‬أو الفعاليــة الجماعيــة‪ /‬التشــاركية‪ ،‬وكفــاءة المجموعــة‪ ،‬ومــا يمكنهــم تقديمــه مــن‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫مســاهمة حقيقيــة للمجموعــة بهــدف إحــداث أثــر(‪.)21‬‬


‫علــى مســتوى الفعــل الجمعــي الرقمــي‪ ،‬لــم تــزل األدلــة التجريبيــة بشــأن نــوع الروابــط التــي ينشــئها‬
‫حاليــا أمثلــة عــدة لصــالت‬
‫التواصــل عبــر اإلنترنــت مختلطــة حتــى اآلن‪ ،‬فبــال شــك أننــا نشــهد ً‬
‫اجتماعيــة تنطــوي علــى قــدر مــا مــن التضامــن والثقــة المتبادلــة نشــأت بيــن أفـراد يتواصلــون عبــر‬
‫اإلنترنــت‪ ،‬لكــن أمثلــة الشــبكات المجتمعيــة تشــي‪ ،‬فــي المقابــل‪ ،‬بــأن الشــبكات االفتراضيــة تــؤدي‬
‫محليــا‬
‫دورهــا علــى أفضــل وجــه حيــن تدعمهــا روابــط اجتماعيــة واقعيــة فــي المجتمعــات المترابطــة ً‬
‫تمامــا فليســت أكيــدة‪.‬‬
‫علــى وجــه التحديــد‪ ،‬أمــا قدرتهــا علــى خلــق روابــط جديــدة ً‬

‫ثال ًثا‪ :‬دواعي الهتمام بقضايا التواجد األكاديمي عبر مواقع التواصل الجتماعي‬
‫مــرت الجامعــات‪ ،‬شـرًقا وغرًبــا‪ ،‬بتطــورات وإصالحــات مهمــة خاصــة منــذ نهايــات القــرن التاســع‬
‫تقليديــا‪ ،‬علــى دورهــا فــي نقــل المعرفــة مــن خــالل التدريــس‬
‫ً‬ ‫عشــر؛ حيــث ركــزت هــذه الجامعــات‪،‬‬
‫عوضــا عــن إنتــاج المعرفــة مــن خــالل البحــث‪ .‬ولــم تقبــل الــدور األخيــر إال عبــر صـراع لــم يكــن‬ ‫ً‬
‫ـهال‪ ،‬دار‪ ،‬فــى البدايــة‪ ،‬حــول تطويــر جامعــة برليــن قــرب نهايــة القــرن التاســع‪ ،‬وتلــى تلــك النقلــة‪،‬‬
‫سـ ً‬
‫تبلــور دور الجامعــة فــى خدمــة المجتمــع‪ .‬وبذلــك تكاملــت الوظائــف الثــالث المعروفــة للجامعــة‬
‫فــي منتصــف القــرن العش ـرين تقر ًيبــا‪ ،‬وتعاظمــت أهميتهــا‪ ،‬ومــن ثَّــم بــدت وضعيــة مؤسســات‬
‫التعليــم العالــي هنالــك فــي حــال أفضــل إذا مــا وضعنــا فــي االعتبــار كونهــا مؤسســات اجتماعيــة‬
‫مركبــة «تُ ِنتــج» مــا يســمى‪ ،‬فــى العــرف االقتصــادى‪ ،‬ســلعة عامــة ‪ public good‬وهــي المعرفــة‪،‬‬
‫كمــا أنهــا تتســم كذلــك باالســتقالل والحريــة األكاديميــة‪ ،‬وتحافــظ عليهــا بش ارس ــة‪.‬‬
‫ويتمتــع األكاديميــون بمســتوى اقتصــادي‪ ،‬وظــروف عمــل متميـزة‪ ،‬وبمكانــة اجتماعيــة مرموقــة‪،‬‬
‫ويحمــى األســاتذة عــادة نظــام تعييــن دائــم ‪ Tenure‬يضمــن لهــم حريــة التعبيــر والموقــف‪ .‬وتعتــز‬
‫الجامع ــات العريقــة بالتقاليــد األكاديميــة‪ ،‬وتــزود عنهــا بقــوة‪ ،‬ويجعــل كل ذلــك مــن التغييــر فــى‬
‫وصعبــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بطيئــا‬
‫التعليــم العالــى ً‬
‫منــذ الســتينيات‪ ،‬مثّــل شــباب الجامعــات طليعــة حركــة مجتمعيــة ضخمــة لنقــد الجامعــات‬
‫والمطالبــة بتطويــر دورهــا االجتماعــي‪ ،‬وترتــب علــى ذلــك أن اضطــرت الجامعــات لقبــول قــدر مــن‬
‫الديمقراطيــة فــى إدارة شــؤونها مــن خــالل إشـراك شــباب األكاديمييــن‪ ،‬والطلبــة‪ ،‬فــى اتخــاذ القـرار‪،‬‬
‫كمــا زادت الحكوم ــات مــن اهتمامهــا بالجامعــات مــن جهــة‪ ،‬ومــن التدخــل فــى شــؤونها مــن جهــة‬
‫ثانيــة‪ .‬وارتبطــت هــذه التطــورات بنشــوء فكـرة مســاءلة ‪ Accountability‬الجامعــات عــن مــدى‬
‫خدمتهــا لمصالــح المجتمــع‪ ،‬وعــن كفــاءة اســتخدامها لألمـوال‪ ،‬األمــر الــذى عــده البعــض تضييًقــا‬
‫‪522‬‬
‫لنطــاق اســتقالل الجامعــات(‪.(22‬‬
‫وفــى الوقــت الــذي تلتــزم فيــه معظــم الكليــات والجامعــات حــول العالــم بالســعي الحــر نحــو‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫اكتســاب المعرفــة والتعبيــر اإلبداعــي الــذى يعتــرف بالحاجــة إلــى النقــاش ومشــاركة األفــكار‬
‫ـدال حــول تلــك‬
‫المختلفــة داخــل الفصــول الد ارســية وخارجهــا‪ ،‬شــهدت الســنوات القليلــة الماضيــة جـ ً‬
‫القيمــة المتأصلــة‪ ،‬وكيــف يتــم عرضهــا للطــالب‪ ،‬والقــادة األكاديمييــن‪ ،‬وأعضــاء هيئــة التدريــس‪،‬‬
‫والمؤسســات نفســها‪ ،‬وكذلــك المجتمعــات التــى توجــد بهــا هــذه المؤسســات‪.‬‬
‫ال يعــد النقــاش حــول نطــاق وحــدود حريــة التعبيــر فــى مؤسســات التعليــم العالــي باألمــر‬
‫مدفوعــا فقــط بأطروحــات القــوى التــي تــروج لخطــاب سياســي عصــري‬ ‫ً‬ ‫الجديــد‪ ،‬كمــا أنــه ليــس‬
‫يرتبــط وعصــر التطــور الرقمــي‪ ،‬وطغيــان أنشــطة مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى واقــع الحيــاة‬
‫الخاصــة والعامــة لألف ـراد‪ ،‬إنمــا امتــد هــذا الجــدل حــول حريــة التعبيــر داخــل الحــرم الجامعــي‬
‫عبــر العديــد مــن العقــود‪ ،‬وعلــى مســتوى مختلــف األطيــاف السياســية؛ بـ ً‬
‫ـدء مــن مرحلــة الذعــر‬
‫األحمر(نتيجــة التهديــد الشــيوعى) أوائــل القــرن العشـرين‪ ،‬والمكارثيــة فــى الخمســينات مــن القــرن‬
‫الماضــى‪ ،‬إلــى اضط اربــات الحــرم الجامعــي أثنــاء حــرب فيتنــام فــى ســتينيات وســبعينيات القــرن‬
‫ـرور بالحــروب الثقافيــة فــى ثمانينيــات وتســعينيات القــرن نفســه‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد‬
‫الماضىــي‪ ،‬مـ ًا‬
‫قامــت مؤسســات التعليــم العالــي بحمايــة حريــة التعبيــر علــى نطــاق واســع‪ ،‬كمــا قامــت بتعزيزهــا‬
‫عبــر الزمــن‪ ،‬بدعــم مــن تعليمــات النظــم القانونيــة للعديــد مــن الــدول(‪.(23‬‬
‫وقــد ثــارت فــى اآلونــة األخي ـرة العديــد مــن التســاؤالت حــول حريــة التعبيــر داخــل الجامعــات‬
‫علــى نحــو مفاجــئ فــى بعــض األحيــان‪ ،‬خاصــة مــع هيمنــة مواقــع التواصــل االجتماعــي بشــكل‬
‫عمومــا؛ حيــث هيمنــت‬
‫ً‬ ‫خــاص‪ ،‬واســتخدام االنترنــت فــي الوســط األكاديمــي بشــكل الغنــى عنــه‬
‫االحتجاجــات الطالبيــة‪ ،‬والتعامــل الجامعــي مــع المحاوريــن والخطبــاء المثيريــن للجــدل علــى‬
‫عناويــن األخبــار؛ فالمتظاهــرون يدافعــون عــن حريــة التعبيــر وعــن حقهــم فــى ممارســتها‪ ،‬و فــي‬
‫المقابــل بــدأ قــادة الــدول والقــادة السياســيين علــى المســتوى المحلــي فــي تبنــي قواعــد مــن شــأنها‬
‫تقنيــن الكيفيــة التــي تعالــج بهــا الجامعــات قضايــا حريــة التعبيــر‪ ،‬وهــو مــا أثــار بــدوره تســاؤالت‬
‫معقــدة حــول الحريــة األكاديميــة واالســتقالل المؤسســي للجامعــة(‪.(24‬‬
‫وبالنظــر لطبيعــة العالقــة المعقــدة بيــن حريــة التعبيــر والقيــم األساســية للتعليــم العالــي‪ ،‬أصبحــت‬
‫ن ازهــة الرســالة التعليميــة وكمالهــا وكذلــك الصــورة العامــة للجامعــات عرضــة للخطــر؛ فالقضايــا‬
‫ذات الصلــة بــآداب المهنــة داخــل وخــارج الحــرم الجامعــي‪ ،‬وقضايــا عــدم التمييــز‪ ،‬والتنــوع‪،‬‬
‫والســياقات الثقافيــة والمجتمعيــة المحيطــة بالعمــل األكاديمــي‪ ،‬تلقــي بمســئولية كبي ـرة علــى قــادة‬
‫مؤسســات التعليــم العالــي‪ ،‬وحتــى الحكومــات بشــأن دعــم وتنفيــذ السياســات المؤسســية التــى تحــدد‬
‫بوضــوح معنــى حريــة التعبيــر داخــل وخــارج المؤسســة األكاديميــة‪.‬‬
‫‪ 523‬قــد يكــون مــن الصعــب إدراك ال اربــط بيــن حريــة التعبيــر والحريــة األكاديميــة‪ ،‬حيــث تعــد الحريــة‬
‫األكاديميــة هــى المصــدر الــذى تُســتوحى منــه حقــوق أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬وحقــوق النشــر‪،‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫وحريــة إج ـراء البحــوث‪ ،‬وتواصــل األفــكار‪ ،‬بمــا فــى ذلــك األفــكار التــى قــد تُعــد غيــر مالئمــة‬
‫أو حتــى مســيئة لبعــض الجهــات الداخليــة أو الخارجيــة‪ ،‬األمــر الــذي زادت وطأتــه مــع ظهــور‬
‫موقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬حيــث الهجمــات المتكــررة علــى أعضــاء هيئــة التدريــس مــن جانــب‬
‫المجموعــات الخارجيــة أو الجهــات المعنيــة‪ ،‬كمــا ازداد الضغــط علــى متخــذي القـرار بالجامعــات‬
‫التخــاذ إج ـراءات ضــد أعضــاء هيئــة التدريــس‪.‬‬
‫فــى تقري ـره حــول حريــة التعبيــر داخــل الحــرم الجامعــى‪ ،‬يشــير ‪ Herbst‬إلــى أن طــالب‬
‫أحيانــا‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫ً‬ ‫اليــوم هــم «جيــل يقــوم بمراقبــة نفســه وغيـره بشــكل مت ازيــد‪ ،‬وفــي صمــت كبيــر‬
‫قــد يطــور هــذا الجيــل مراقبتــه إلــى مظاهــر مختلفــة لالحتجــاج أو التظاهــر النشــط»‪ .‬وتثيــر‬
‫ـددا مــن األســئلة حــول مــا يواجهــه القــادة المؤسســيون مــن ضغــوط معقــدة‬ ‫هــذه الديناميــات عـ ً‬
‫ومتنوعــة تتطلــب منهــم تقييــم وإدارة األزمــات المحتملــة دون تعــدي الخطــوط الفاصلــة بيــن الرقابــة‬
‫ومســاحات حريــة الـرأي والتعبيــر؛ حيــث تتطلــب المســاءلة ضــرورة وجــود تــوزان بيــن احتـرام قيــم‬
‫التعليــم‪ ،‬والمتطلبــات القانونيــة‪ ،‬وبيــن دعــم الثقافــة الجامعيــة(‪.(25‬‬
‫يدفــع ت ازيــد اإلشــكاليات الســابقة‪ ،‬بالحاجــة إلــى البحــث بهــدف فهــم الكيفيــة التــي تشــكل بهــا‬
‫منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬حــدود العمــل األكاديمــي‪ ،‬ومناقشــات قضايــا التعليــم‬
‫العالي في الوقت الراهن‪ ،‬ضمن نطاق ما وراء حدود المكتب‪ ،‬والفصول الد ارســية‪ ،‬واجتماعات‬
‫ـر بيــن قضايــا العمــل المتســارعة عبــر هــذه المنصــات‪ ،‬وبيــن ضعــف‬ ‫الموظفيــن‪ ،‬وبمــا يربــط مؤخـ ًا‬
‫الصحــة العقليــة‪ ،‬والنفســية‪ ،‬وحــدود الرفاهيــة الشــخصية لألكاديمييــن‪ ،‬بمــا تفرضــه هــذه المنصــات‬
‫مــن طبيعــة عمــل أكاديميــة جديــدة‪ ،‬ارتبطــت بإصطالحــات جديــدة كذلــك‪ ،‬كمصطلــح «العمالــة‬
‫الح ـرة»“‪ Free Labor‬والتــي ال تلتــزم بمواعيــد محــددة للعمــل‪ ،‬فــي مقابــل «اإلتاحــة» شــبه‬
‫الدائمــة(‪ ،(26‬ومصطلــح «تســليع الضغــوط األكاديميــة»‪Commodifying Academic‬‬
‫‪ Pressures‬وهــو اســتدعى ضــرورة فهــم الكيفيــة التــي يمكــن أن تــؤدي الوســائط الرقميــة فيهــا‬
‫إلــى تفاقــم هــذه العالقــة وإثباتهــا‪ ،‬أو ربمــا تحســين وضعهــا(‪.(27‬‬
‫تقنيــا‪ ،‬يتــردد التســاؤل حــول مــا إذا كانــت الخوارزميــات التــي تتحكــم فيمــا نتلقــاه عبــر منصــات‬ ‫ً‬
‫التواصــل االجتماعــي هــي كذلــك المســؤولة عــن توجيــه ال ـرأي العــام فــي المجتمــع نحــو تبنــي‬
‫وجهــات نظــر معينــة والتحكــم فــي مســارات االهتمــام بالقضايــا المختلفــة‪ ،‬إال أن اإلجابــة علــى‬
‫هــذا التســاؤل‪ ،‬فــي ضــوء مــا يتوافــر مــن نتائــج البحــوث والد ارســات‪ ،‬ترجــح كفــة النفــي(‪ .(28‬وتفســر‬
‫د ارســة فاطمــة الزهـراء الســيد (‪ )2019‬هــذه النتيجــة بالنظــر إلــى اآلليــة التــي يتكــون بهــا الترنــد‬
‫خاصــة فــي المنطقــة العربيــة مــن ناحيــة‪ ،‬ثــم بالتوقــف عنــد المفهــوم التقليــدي لل ـرأي العــام فــي‬
‫‪524‬‬
‫المجتمــع مــن ناحيــة ثانيــة؛ فاآلليــة التــي يتكــون بهــا الترنــد بشــكل عــام تشــوبها شــكوك تســتند إلــى‬
‫أدلــة تشــير إلــى إمكانيــة اصطناعهــا عبــر حســابات وهميــة خــالل فت ـرة زمنيــة معينــة وتوظيفهــا‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ـر عــن‬‫غالبــا ألهــداف سياســية‪ ،‬كمــا أن ظاه ـرة ال ـرأي العــام بمفهومهــا التقليــدي‪ ،‬باعتبارهــا تعبيـ ًا‬ ‫ً‬
‫فعليــا مــع‬
‫رأي األغلبيــة الواعيــة فــي مجتمــع مــا تجــاه قضيــة تمــس مصالحهــا لــم تعــد موجــودة ً‬
‫الت ارجــع الشــديد الســتخدام وســائل اإلعــالم بالشــكل «الجماهيــري» الــذي يســمح لهــا بتشــكيل نــوع‬
‫مــن الوعــي الجمعــي المتســق حــول القضايــا التــي تهمــه؛ إذ كيــف يمكــن وصــف الـرأي ب ـ ـ ـ «العام»‬
‫فــي عصــر منصــات التواصــل االجتماعــي‪ ،‬التــي يختلــط فيهــا العــام بالخــاص‪ ،‬ويصعــب معهــا‬
‫التحقــق مــن موثوقيــة ودقــة المصــادر وطبيعــة مــا تتداولــه مــن معلومــات(‪.(29‬‬
‫ـاال علــى الجدليــة الســابقة بمــا وقــع خــالل شــهري أغســطس‪ ،‬وســبتمبر مــن‬ ‫وتســوق الد ارســة مثـ ً‬
‫‪ 2019‬عندمــا أطلقــت مجموعــة مــن أســاتذة الجامعــات المصريــة حملــة بعن ـوان «‪#‬علمــاء_‬
‫مصر_غاضبــون»‪ ،‬ودشــنوا فــي ‪ 26‬أغســطس‪ ،‬مــن العــام نفســه‪ ،‬صفحــة باســم الحملــة علــى‬
‫منصــة فيســبوك‪ ،‬بلــغ عــدد أعضائهــا أكثــر مــن ‪ 25.500‬عضــو بهــدف التعبيــر عــن غضــب‬
‫أعضــاء هيئــات التدريــس فــي الجامعــات المصريــة مــن األح ـوال االقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫المترديــة لألســتاذ الجامعــي‪ ،‬والمطالبــة بإصــالح الوضــع المتدهــور لمنظومــة البحــث العلمــي‬
‫ـر لمســتقبل الوطــن وأمنــه القومــي بمفهومــه‬ ‫فــي مصــر‪ ،‬وهــو الوضــع الــذي يرونــه تهديـ ًـدا خطيـ ًا‬
‫ـر بإصابتــه ببكتيريــا قاتلــة‪ ،‬بينمــا كان يقــوم‬
‫الشــامل‪ .‬وكانــت وفــاة أحــد أعضــاء هيئــة التدريــس متأثـ ًا‬
‫بإج ـراء تجــارب معمليــة عليهــا‪ ،‬دون توافــر إج ـراءات وقائيــة‪ ،‬بمنزلــة الش ـ اررة التــي أشــعلت هــذه‬
‫الحملــة‪ ،‬التــي قوبلــت بهجمــة شرســة مــن وســائل اإلعــالم األخــرى‪ ،‬واتهامــات بالخيانــة والعمالــة‪،‬‬
‫وتهديــد االســتقرار‪ ،‬طالــت كل مــن شــارك فيهــا‪ .‬ورغــم ذلــك‪ ،‬تصــدر الهاشــتاج الترنــد المصــري‬
‫فــي تويتــر لعــدة أيــام بعــد إطالقــه‪ ،‬شــملت األســبوع األخيــر مــن أغســطس‪ ،‬واأليــام األولــى مــن‬
‫ســبتمبر‪ ،‬وأســفر الحـراك عــن مجموعــة مــن المطالــب التــي دفعــت بالدولــة إلــى اتخــاذ بعــض مــن‬
‫اإلجـراءات فــي ســبيل تلبيتهــا‪ ،‬ولكنهــا عرضــت أعضــاء الحركــة البارزيــن لالعتقــال‪ ،‬والمســائلة‪،‬‬
‫بمــا أدى فــي نهايــة األمــر إلــى توقــف نشــاط الحملــة كليــة‪.‬‬
‫ورغــم أن ظــروف العمــل األكاديمــي «الســيئة» بمــا تفــرزه مــن تداعيــات يمكــن أن «تشــوه»‬
‫الســمعة الجامعيــة‪ ،‬وقــد تســتدعي ح ـراك منتســبي الجامعــة ضــد هــذه الظــروف‪ ،‬إال أنهــا ربمــا‬
‫تحمــل فــي طياتهــا بعــض الم ازيــا المتعلقــة بتحقيــق أعضــاء هيئــة التدريــس مســتوى مــا مــن النفــوذ‪،‬‬
‫وفــرض الـرأي‪ ،‬علــى األقــل فيمــا يتعلــق بقضاياهــم‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن مثــل هــذا التشــويه يمكــن أن‬
‫أيضــا إلــى نتائــج عكســية؛ فرغــم رفــع الوعــى ببعــض القضايــا الهامــة ذات الصلــة‪ ،‬إال أن‬ ‫يــؤدى ً‬
‫المشــاعر الســلبية عبــر اإلنترنــت يمكــن أن «تلتصــق» بــأى فــرد علــى نحــو أكثــر ســهولة مقارنــة‬
‫بأيــة مؤسســة‪ ،‬األمــر الــذي قــد يتســبب فــى الشــعور بالضيــق‪ ،‬أو القلــق‪ ،‬أو األذى الجســدي‪ ،‬أو‬
‫‪ 525‬فقــدان الوظيفــة‪.‬‬
‫وهنــا يبــرز الس ـؤال حــول إمكانيــة حشــد وتنظيــم مشــاعر «التواجــد» و‪ /‬أو «الغضــب»‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫قميــا بطريقــة ال تســاهم فــى تعزيــز المســاحات المعاديــة الموجــودة بالفعــل‪ ،‬والتــى يجــد‬‫األكاديمــي ر ً‬
‫األكاديميــون أنفســهم طرًفــا فيهــا‪ ،‬إمــا اختيـ ًا‬
‫ـار أو قسـ ًـرا؟»‬
‫فضـ ًـال عــن إعــادة تشــكيل الوقــت‪ ،‬وتغييــر طبيعــة االهتمامــات األكاديميــة‪ ،‬وصعوبــة الفصــل‬
‫بيــن ال ـرأي األكاديمــي الشــخصي والمؤسســي‪ ،‬الحقيقــي والمصطنــع‪ ،‬أسســت مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي لمــا ُيطلــق عليــه ‪« )2010( Willinsky‬اقتصــاد الســمعة»؛ حيــث تــؤدى قــوة‪/‬‬
‫هشاشــة الســمعة األكاديميــة الرقميــة إلــى التأثيــر فــى أن ـواع العمــل األكاديمــى الــذى يتــم إنتاجــه‬
‫ونش ـره وتوزيعــه(‪ .(30‬وفــى حيــن يمكــن لهــذه «االقتصــادات» أن تثيــر تســاؤالت حــول طبيعــة‬
‫أيضــا تســاؤالت بشــأن الملكيــة الفكريــة‪ ،‬وإنتــاج «القيمــة» والمعنــي‬ ‫اإلنتــاج البحثــي‪ ،‬فأنهــا تثيــر ً‬
‫بالوزن النســبي للفائدة مما هو منشــور ‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يشــير (‪ Hearn ( 2010‬إلى أن‬
‫(‪(31‬‬

‫الباحثيــن عــن الســمعة ال يمتلكــون أو يســيطرون فعـ ًـال علــى «منصــات التوزيــع» الخاصــة بهــم‪،‬‬
‫ومــع ذلــك فــإن إدارة الســمعة األكاديميــة عبــر اإلنترنــت تؤتــي ثمارهــا فــي عمليــة جمــع البيانــات‪،‬‬
‫ونظــم القيــاس التــى تُســتخدم لزيــادة القيمــة الســوقية للمؤسســات األكاديميــة(‪ .)32‬يدعــم هــذا‬
‫توجهــا آخــر يتصــل بتوســع وتوحــش مــا يســمى‬‫الحضــور اإلعالمــي القــوي للمؤسســات األكاديميــة ً‬
‫ب ـ «ال أرســمالية األكاديميــة»(‪ (33‬تلــك التــي تحفــز الزيــادة فــي تســويق وتســليع إنتــاج المعرفــة‪ .‬وفــي‬
‫الوقــت الــذي ال تمثــل فيــه جميــع المشــاركات اإلعالميــة األكاديميــة عالمــات تجاريــة‪ ،‬إال أنــه‬
‫غالبــا مــا يتــم صقلهــا وتنظيمهــا عبــر منصــات متخصصــة تمثــل فــى حــد ذاتهــا عالمــات تجاريــة‬ ‫ً‬
‫مــن شــأنها أن تعمــل عــن قصــد علــى النهــوض بالمحتــوى ذى العالمــة التجاريــة مــن خــالل‬
‫تصميمهــا(‪ ،(34‬والمثــال حاضــر هنــا فيمــا تقدمــه مواقــع الشــبكات االجتماعيــة األكاديميــة مثــل‬
‫‪ Academia.edu‬و ‪ ResearchGate‬مــن فــرص لألكاديمييــن لبنــاء ســمعتهم األكاديميــة‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬تثبــت د ارســتا ‪ )2016-2014( Jordan‬أن هــذه المنصــات تميــز بالفعــل بيــن‬
‫األكاديمييــن الذيــن اســتطاعوا إرســاء ســمعتهم األكاديميــة وشــبكاتهم الخاصــة‪ ،‬فــي مقابــل أولئــك‬
‫الذيــن مــا ازل ـوا حديثــي عهــد بهــا(‪.(35‬‬

‫رقميا‪ :‬السياقات والتداعيات الموضوعية‬ ‫ً‬ ‫ابعا‪ :‬الغضب األكاديمي‬ ‫رً‬


‫قويــا بالخــزي‪ ،‬والم ـ اررة‪ ،‬والغضــب‬
‫ـعور ً‬
‫كتــب ‪« )2012( Bloch‬يولــد العمــل األكاديمــي شـ ًا‬
‫ألســباب عديــدة‪ ،‬ولكــن التعبيــر عــن هــذا الغضــب داخــل األوســاط األكاديميــة ُيعــد مــن المحرمــات‬
‫نسبيا‪ ،‬أو ما يمكن أن ُيطلق عليه خرًقا لقواعد التعبير عن الشعور»(‪ .(36‬وتأتي مواقع التواصل‬ ‫ً‬
‫االجتماعــي لتضمــن التنفيــس عــن هــذا الغضــب مــع ضمــان االســتجابة الفوريــة والس ـريعة مــن‬
‫‪526‬‬
‫المتابعيــن‪ ،‬بــل وخــارج حــدود هــذه الشــبكة عبــر التفضيــل‪ ،‬وإعــادة النشــر أو التغريــد‪ ،‬والمشــاركة‬
‫بواســطة آخريــن‪ ،‬ومــن ثـ ًـم تــؤدى عناصــر اإليجــاز‪ ،‬وغيــر الرســمية‪ ،‬والســرعة‪ ،‬وكذلــك الوصــول‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫وممتعــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫متنوعــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫إلكترونيــا‬
‫ً‬ ‫ـاء‬
‫إلــى المناقشــات والمشــاركة فيهــا إلــى أن تصبــح هــذا المواقــع فضـ ً‬
‫ـر لالهتمــام‪.‬‬
‫ومثيـ ًا‬
‫ويوثــق العديــد مــن الباحثيــن التحـوالت طويلــة األمــد التــي مــرت بهــا مؤسســات التعليــم العالــي‪،‬‬
‫والتــي أدت إلــى ظهــور مــا يشــار إليــه فــي اآلونــة األخي ـرة باســم الجامعــة «ذات الشــخصية‬
‫االعتبارية»(‪ ،(37‬أو الجامعة «النيوليبرالية»؛ فعلى ســبيل المثال‪ ،‬يوضح ‪)2016( Beetham‬‬
‫أن التغييـرات التــي طـرأت علــى الجامعــات اتســمت فــي معظمهــا بعــدم االســتقرار‪ ،‬واالضطـراب‪،‬‬
‫والتقــارب الزمنــي فــي الحــدوث والتطــور‪ ،‬فضـ ًـال عــن تالشــي الحــدود بيــن الوقــت والمســاحة‬
‫الشــخصية للباحــث‪ /‬األكاديمــي‪ ،‬ووقــت العمــل ومســاحته‪ ،‬وتجزئــة وظائــف العمــل األكاديمــي‪،‬‬
‫إلــى جانــب الرقابــة المســتمرة‪ ،‬وتقييــم األداء‪ ،‬باإلضافــة إلــى تحــول اإلدارة األكاديميــة إلــى‬
‫األنظمــة الرقميــة‪ ،‬وهــو مــا تُرجــم إلــى أتمتــة العالقــات الشــخصية والمباشـرة بيــن أعضــاء المجتمــع‬
‫األكاديمــي فــي كثيــر مــن األحيــان(‪.(38‬‬
‫وقــد الحــظ كل مــن ‪ Gregory‬و ‪ )2016( Winn‬أن هــذه التح ـوالت فــى ظــروف العمــل‬
‫غالبــا مــا يتــم التعبيــر عنهــا باســتخدام لغــة «األزمــة» وكأن الجامعــة فــى حالــة ص ـراع دائــم(‪.(39‬‬
‫ً‬
‫ويضيــف ‪ )2016( Winn‬أنــه علــى الرغــم تحديــد طبيعــة الكثيــر مــن «األزمــات» التــي تمــر بهــا‬
‫الجامعــات اليــوم‪ ،‬ومــع تعالــي المطالبــات بضــرورة تبنــي اتحــاد أكبــر بيــن األكاديمييــن‪ ،‬إال أن‬
‫ظــروف العمــل األكاديمــي ما ازلــت تعانــي مــن التدهــور والتــردي(‪ .(40‬ويصــف كل مــن ‪Bowles‬‬
‫‪ )2014( & Hall‬الجامعــة بأنهــا أصبحــت «ماكينــة إلنتــاج القلــق»؛ فبينمــا تتــم إعــادة هيكلــة‬
‫الجامعــة مــن أجــل تعظيــم أهميتهــا وقيمتهــا‪ ،‬يتــم الفصــل بيــن األكاديمييــن والطــالب علــى مســتوى‬
‫الوجــود المــادي عبــر رقمنــة كل مــن عمليتــي التعليــم والبحــث مــن جهــة‪ ،‬وبينهــم وبيــن بعضهــم‬
‫البعــض عبــر سلســلة مــن متطلبــات مــا بعــد العمــل‪ ،‬بمــا يتطلبــه ذلــك مــن مزيــد مــن الوقــت والطاقــة‬
‫واإلمكانــات مــن جهــة ثانيــة(‪. (41‬‬
‫عــالوة علــى الفــروق الماديــة بيــن منتســبي الجامعــات‪ ،‬يــرى(‪ Bousquet )2008‬أن األمــر‬
‫يتخطــى ذلــك ليصبــح تجربــة حقيقيــة للتســخير واالســتغالل‪ ،‬وأن غالبيــة مــن يتحملــون وطــأة هــذا‬
‫غالبــا مــن طــالب الد ارســات العليــا وصغــار أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬الذيــن «يعــون‬ ‫الضغــط هــم ً‬
‫أنهــم ال ُيعاملــون فقــط مثــل النفايــات‪ ،‬بــل الحقيقــة األبشــع هــي النظــر إليهــم‪ ،‬وربمــا معاملتهــم‪،‬‬
‫كفضــالت للنظــام الجامعــي؛ حيــث ال يتــم اســتبعادهم خــارج المنظومــة بعــد ســنوات مــن البحــث‬
‫والد ارســة فقــط‪ ،‬وإنمــا يبرهــن النظــام علــى ضــرورة عمــل ذلــك حتــى تســتمر الجامعــة بمنظومتهــا‬
‫الحاليــة بالفعــل»(‪.(42‬‬
‫‪ 527‬وعلــى اختــالف القضايــا والمشــكالت التــي يعايشــها‪ ،‬أو قــد يعانيهــا المجتمــع األكاديمــي‬
‫مفاجئــا أن‬
‫ً‬ ‫بمختلــف فئاتــه‪ ،‬ومــع اعتبــار البعــض منهــا مشــكالت هيكليــة ومتوطنــة‪ ،‬ال يبــدو‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫تتولــد مســاحات جديــدة للمناقشــة والتــداول فــي شــئون الحيــاة األكاديميــة‪ .‬وبالنظــر إلــى مــا تتيحــه‬
‫المنصــات الرقميــة المتعــددة مــن إمكانــات الحشــد والح ـراك‪ ،‬ومنــح الصــوت للجميــع‪ ،‬تخــرج‬
‫هــذه المنصــات عــن كونهــا مســاحة لالهتمــام الذاتــي‪ ،‬لتدفــع بالتواجــد األكاديمــي نحــو مزيــد مــن‬
‫تبــادل المعلومــات‪ ،‬وتقديــم المشــورة‪ ،‬والتواصــل بخصــوص شــروط العمــل األكايمــي‪ ،‬ومضمــون‬
‫سياســاته‪ ،‬بمــا يضمــن التخفيــف مــن حالــة االحتقــان والغضــب فــي كثيــر مــن األحيان‪...‬وهكــذا‬
‫ويشــير‪ )2013( Mewburn & Thomson‬فــى د ارســتهما للمدونــات األكاديميــة‪ ،‬أن‬
‫األكاديمييــن عبــر اإلنترنــت يجمعــون بيــن البحــث ووظائــف التدريــس‪ ،‬مــع نقاشــات أكبــر حــول‬
‫مدفوعــا‬
‫ً‬ ‫غالبــا مــا يكــون‬
‫وتناقضــا مــع الترويــج لفك ـرة أن التدويــن األكاديمــى ً‬‫ً‬ ‫ممارســات العمــل‪.‬‬
‫فقــط نحــو تحقيــق المصلحــة الشــخصية‪ ،‬أو الرغبــة فــى تســويق عمــل أحــد األكاديمييــن‪ ،‬فــإن هــذه‬
‫المدونــات قــد ُكتبــت مــن أجــل أكاديمييــن آخريــن‪ ،‬بحيــث تعمــل بوصفهــا جــزًءا مــن «زكاة العلــم»‬
‫‪« /‬اقتصــاد الهبــة»‪ ،Gift economy‬وبوصفهــا «قاعــة اجتماعــات افتراضيــة» “‪Virtual‬‬
‫‪ .”Staff Room‬وعلــى الرغــم ممــا أكــده الباحثــان مــن عــدم وجــود دليــل أو كتيــب صريــح يشــجع‬
‫األكاديمييــن علــى اســتخدام الفضــاء اإللكترونــي بهــدف» إيصــال صوتهــم للســلطة»‪Speaking‬‬
‫‪ ،back to Power‬إال أن هــذه الفضــاءات تعمــل بالفعــل بديـالً عــن المقاومــة‪ ،‬و‪/‬أو اإلمتثــال‪،‬‬
‫و‪/‬أو البراجماتيــة فــى وجــه النظــم اإلداريــة لمؤسســات التعليــم العالــي(‪.)43‬‬
‫وبــدوره يؤكــد ‪ )2011( Mewburn‬أن «أحاديــث المشــكالت»‪ Trouble Talks‬بيــن‬
‫األكاديميــن والتــى تتــم عبــر اإلنترنــت‪ ،‬قــد تســاعد طــالب الدكتــوراه‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬علــى‬
‫«التفــاوض والقــدرة علــى إدارة تبعــات مــا بعــد أن تصبــح أكاديمــي»(‪ .(44‬وتشــير طالبــة الدكتــوراه‬
‫لي ـ از كااليجــي عبــر مدونتهــا األكاديميــة‪:‬‬
‫«تأتــي شــهادة الدكتــوراه مصحوبــة بالعديــد مــن الملــذات والعثـرات‪ ،‬وتحــت نيــر ومشــكالت‬
‫ـر بالجامعــة النيوليبراليــة‪ ،‬تفاقمــت هــذه العثـرات والمشــكالت الواضحــة‬ ‫مــا أصبــح يعــرف مؤخـًا‬
‫منهــا والمســتترة‪ ،‬وارتفعــت تكلفتهــا علــى النفــس والعقــل والــروح؛ حيــث أُثقــل كاهلنــا بمجموعــة‬
‫مــن الشــروط والمحــددات التــى ترتبــط بتعاظــم ثقافــة المنافســة وتســويق الــذات‪ ،‬ونقــص‬
‫الوظائــف األكاديميــة‪ ،‬فضـ ًـال عــن زيــادة العمالــة األكاديميــة غيــر المســتقرة‪ ،‬بمــا ُيشـ َّـكل ضغ ً‬
‫طــا‬
‫علــى الطريقــة التــي ننظــم بهــا تفكيرنــا وشــعورنا بمــا نعايشــه فــي الحيــاة األكاديميــة اليوميــة‪.‬‬
‫لقــد أصبــح هنــاك الكثيــر يجعلنــا نغضــب ونحــزن»(‪.)45‬‬
‫تجــد كلمــات كااليجــي صــدى لهــا فيمــا أشــار إليــه ‪ )2009( Gill‬بــأن القــدرة علــى الســيطرة‬
‫والتحكــم فــي تناقضــات ظــروف العمــل األكاديمــى قــد أصبحــت ســمة ممي ـزة للحيــاة األكاديميــة‬
‫‪528‬‬
‫اليــوم‪ ،‬خاصــة لــدى أولئــك الذيــن يحاولــون دخــول هــذه المهنــة‪ ،‬وهــو مــا يضفــي أهميــة علــى‬
‫اقعــا‪ ،‬للتعبيــر عــن كثيــر مــن‬
‫غالبــا مــا ال تتوافــر و ً‬
‫الفضــاء اإللكترونــي بمــا يتيحــه مــن مســاحة‪ً ،‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫أحيانــا مــن تعبيـرات عــن حالــة األســف الشــخصي والمؤسســي(‪.(46‬‬ ‫ً‬ ‫المشــاعر الســلبية‪ ،‬بمــا تحملــه‬
‫علــى هــذا النحــو‪ ،‬تعمــل مواقــع التواصــل االجتماعــي كشــكل مــن أشــكال «حشــد المصــادر»‬
‫‪ Crowd-sourcing‬األكاديميــة‪ ،‬والتــي تمــارس دورهــا كظهيــر ضــام وداعــم يحقــق التضامــن‬
‫فــي األوقــات الصعبــة‪ ،‬بمــا يــؤدي إلــى توليــد الكثيــر مــن أشــكال الت اربــط العاطفــي‪ ،‬والرعايــة‪،‬‬
‫واإلنتمــاء‪ ،‬والتضامــن‪ ،‬ومشــاركة الكثيــر مــن القيــم الشــخصية واالجتماعيــة(‪.(47‬‬
‫ويشــير‪ )2015( Stewart‬إلــى أن التواجــد األكاديمــي علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي‪،‬‬
‫والمعنيــة منهــا بالشــكل شــبه الرســمي لهــذا التواصــل مثلمــا هــو الحــال مــع لينكــدإن وتوتيــر‪ ،‬تشــجع‬
‫علــى تبنــي مفهــوم «اقتصــاد الســمعة»‪ ،‬وثقافــة التأثيــر فــي نظــم العمــل‪ ،‬وهــي بذلــك تشــارك بشــكل‬
‫أو بآخــر فــي اإلشـراف علــى المـوارد البشـرية‪ ،‬وترتيــب أهميتهــا‪ ،‬وأولوياتهــا‪ ،‬والمســاهمة فــي نشــر‬
‫المحتــوى وص ـوالً إلــى تنظيــم نقاشــات أوســع فــى مجــال اهتمــام األكاديمييــن علــى نحــو يفــوق‬
‫مجــرد دعــم أنفســهم أو أعمالهــم الخاصــة(‪ .(48‬ومــن ثـ َّـم يدعــم ‪ Stewart, 2016‬فكـرة كــون هــذه‬
‫المنصــات ظاهـرة تنهــار فيهــا التقاليــد الشــفهية‪ ،‬المعتــادة‪ ،‬وكــذا توقعــات الجمهــور مــن أنفســهم‪،‬‬
‫ومــن المنصــة نفســها؛ حيــث تعمــل كمصــدر غيــر رســمي للتعلــم فــي إطــار المحادثــات غيــر‬
‫تمامــا عــن تلــك الخاصــة‬ ‫الرســمية‪ ،‬بمــا يســاهم فــي خلــق جمهــور يعمــل وفــق شــروط مختلفــة ً‬
‫باألكاديميين في محيطهم التقليدي‪ ،‬وهو الســلوك الذي أطلق عليه ســتيورات تعبير «الشــخصية‬
‫المفرطــة»‪ ،Hyper-Personality‬تلــك التــي تتعــدى طــرق الــكالم والتعبيــر التقليديــة لتنقلهــا إلــى‬ ‫ِ‬
‫الضحــك‪ ،‬وروح الدعابــة‪ ،‬والتفضيــل‪ ،‬واإلعجاب‪..‬الــخ(‪.(49‬‬
‫ـر بمجموعــة مــن الظواهــر الخاصــة بمؤسســات‬ ‫طــا مباشـ ًا‬‫وترتبــط قضايــا العمــل الرقميــة ارتبا ً‬
‫التعليــم العالــي‪ ،‬منهــا العزلــة‪ ،‬والشــعور بالحاجــة إلــى الوجــود (أوناليــن) لمــدة الــ‪ 24‬ســاعة‪،‬‬
‫وعلــى مــدار أيــام األســبوع (‪ ،)7/24‬وهــو الشــعور الــذي يفضــي‪ ،‬فــي المقابــل‪ ،‬إلــى إحســاس‬
‫المــرء بالخــوف مــن أن يفوتــه شــيء مــا ‪ ،FOMO‬وهــو مــا يمكــن أن يتحــول إلــى مبــرر ذاتــي‬
‫ـور معيشــية مثـالً‪ ،‬أو متابعــة فــرص العمــل‬ ‫عندمــا يصبــح االتصــال الرقمــي ضرورًيــا لتدبيــر أمـ ًا‬
‫مســتقبالً(‪.(50‬‬
‫مثــل هــذا «األمــل» فــى الحصــول علــى فرصــة عمــل‪ ،‬أو اكتســاب خب ـرة جديــدة‪ ،‬فضـ ًـال عــن‬
‫الربــح المــادي‪ ،‬يعكــس الخلفيــة الفكريــة للكثيــر مــن المجموعــات الحاضـرة عبــر مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي‪ .‬وتضيــف الد ارســات أنــه ال يمكــن اعتبــار هــذا الحضــور األكاديمــي غيــر ذي معنــى‬
‫أو مغــزى‪ ،‬وذلــك فــي ضــوء اعتمــاد الكثيــر مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى مســتوى‪/‬‬
‫مــدى قــوة المقاييــس التــي تتبناهــا بغــرض تقييــم محتــوى منشــور مــا‪ ،‬مثــل عــدد إعــادة التغريــد‬
‫‪ 529‬مثـ ًـال‪ ،‬مســتوى صعــود ترنــد الهاشــتاج‪ ،‬عــدد المتابعيــن‪ ،‬عــدد التفضيــالت‪ ،‬القوائم‪...‬الــخ‪ ،‬وهــي‬
‫التكنيــكات التــي وصفهــا (‪ Carrigan )2016‬بأنهــا الشــفرة الفعليــة التــي علــى أساســها يمكننــا‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫تقييــم جــودة المحتــوى(‪.(51‬‬


‫فــي المقابــل‪ ،‬يخشــى باحثــون آخــرون مــن طبيعــة الوجــود األكاديمــي الرقمــي باإلشــارة إلــى‬
‫أنــه قــد يخلــق نــوع مــن ثقافــة التدليــس والتزييــف والخــداع لصالــح الحكومــات‪ ،‬و‪/‬أوالقائميــن علــى‬
‫إدارة شــئون الجامعــات‪ ،‬و‪/‬أو الطــالب‪ ،‬كمــا أن االســتخدام «حســن النيــة» بهــدف تقديــم الدعــم‬
‫والمشــورة‪ ،‬ومشــاركة المعرفــة والم ـوارد دفــع ببعــض المشــكالت إلــى الســطح منهــا تحــول بعــض‬
‫األكاديمييــن إلــى «مشــاهير» و «مؤثريــن»‪ ،‬يوظفــون أســاليب الــود والحميميــة بشــكل إســتراتيجي‬
‫بهدف مناشــدة «المتابعين المعجبين»(‪ .(52‬وهكذا يتاجر «صغار مشــاهير»‪Microcelebrity‬‬
‫مواقــع التواصــل فــي «رأس المــال العاطفــي» الــذي يتــم خلقــه وتســليعه عبــر هــذه الوســائط‪ ،‬بمــا‬
‫يلغــي الفــارق بيــن الهويــة األكاديميــة والعالمــة التجاريــة‪ ،‬وتصبــح وحــدة القيــاس هــي اإلعجابــات‪،‬‬
‫واألســهم‪ ،‬والتتبــع‪ ،‬يتبــع والتعليقــات‪.‬‬
‫ـددا‪ ،‬يدفــع الســيناريو الســابق بالعديــد مــن المخــاوف والشــكوك العامــة‪ ،‬وتلــك ذات الصلــة‬ ‫ُمجـ ً‬
‫بالمجتمــع الجامعــي؛ والتــي يأتــي علــى أرســها تفتــت رأس المــال األكاديمــي‪ ،‬والتمييــز علــى أســاس‬
‫الجنــس والعــرق‪ ،‬اإلعتــداءات‪ ،‬والتهديــدات‪ ،‬ورســائل الكراهيــة‪ ،‬والتــي قــد تصــل إلــى التهديــدات‬
‫بالقتــل لبعــض األكاديمييــن الذيــن يعبــرون عــن أفــكار مثيـرة للجــدل‪ ،‬أو يتخــذون مواقــف سياســية‬
‫عظم التواجد األكاديمي عبر منصات التواصل االجتماعي‬ ‫فضال عن كل ما سبق‪ ،‬ي ِ‬ ‫ً‬ ‫صريحة‪.‬‬
‫ُ‬
‫مــن ظاه ـرة مراقبــة األف ـراد لذواتهــم مــن ناحيــة‪ ،‬ومراقبتهــم لبعضهــم البعــض مــن ناحيــة ثانيــة‪،‬‬
‫علنيــا مثلمــا هــو الحــال عندمــا ت ارقــب إدارات العالقــات العامــة‬
‫ـكال ً‬ ‫وهــي المراقبــة التــي قــد تأخــذ شـ ً‬
‫ـكاال أقــل عالنيــة‬
‫حســابات أعضــاء هيئــة التدريــس والطــالب فــي جامعــة مــن الجامعــات‪ ،‬أو أشـ ً‬
‫ك ـ ــ»المراقبــة الذاتيــة»‪ .‬وهكــذا يمكــن لمســتخدمي منصــات التواصــل االجتماعــي أن يجــدوا أنفســهم‬
‫منخرطيــن فيمــا أطلــق عليــه ‪« )2002( Andrejevic‬المراقبــة‪ /‬المتابعــة الجانبيــة» عنــد مراقبــة‬
‫األقـران وزمــالء العمــل؛ حيــث تســمح هــذه المنصــات بممارســة «المراقبــة االجتماعيــة»(‪ (53‬تلــك‬
‫التــي تحفزنــا علــى تتبــع مــا يفعلــه أصدقاؤنــا‪ ،‬وأقراننــا‪ ،‬واتصاالتنــا‪ ،‬وفــي ذات اللحظــة التــي‬
‫ائفــا باألمــان حيــن نتخيــل‬
‫إحساســا ز ً‬
‫ً‬ ‫ينشــرون فيهــا؛ حيــث تعطــي الطبيعــة المؤقتــة لهــذه المنصــات‬
‫أن مــا يتــم نشـره قــد تمــت إزالتــه بســرعة‪ .‬وهكــذا تســهم مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي مفاقمــة‬
‫مســألة القلــق بشــأن هويــة مــن يخضــع للمراقبــة‪ ،‬ومــن يتــم فحــص كالمهــم أو أفعالهــم‪ ،‬ولمــاذا‪.‬‬
‫وفــي الوقــت الــذي يشــير فيــه ســتيورات(‪ )54( (2016‬إلــى أن اســتخدام مواقــع التوصــل‬
‫االجتماعــي‪ ،‬وتوتيــر علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬قــد أضحــى بمثابــة «منصــة تكتيكيــة»؛ حيــث‬
‫يســتفيد األف ـراد والجماعــات مــن القــدرة علــى الوصــول للمنصــة‪ ،‬الســيما مــن خــالل اســتخدام‬
‫‪530‬‬
‫تمكــن الناشــر مــن التواجــد علــى نطــاق واســع‪ ،‬ومــن تنظيــم وإثــارة القضايــا‬
‫روابــط الهاشــتاج «التــى ّ‬
‫دعمــا سياسـًـيا‪ ،‬أو تســتهدف حمايــة مــا يمكــن أن ُينظــر‬‫ذات االهتمــام المشــترك‪ ،‬والتــى قــد تلقــى ً‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ثقافيــا علــى أنــه مجــال مهــدد‪.‬‬


‫إليــه ً‬
‫أيضــا‬
‫ويضيــف ســتيوارت أن شــكالً مــن أشــكال «ثقافــة االســتدعاء» ‪ Calling out‬قــد نشــأ ً‬
‫جنبــا إلــى جنــب مــع هــذا االســتخدام التكتيكــى للمنصــات‪ .‬ويشــير مفهــوم «االســتدعاء» إلــى‬ ‫ً‬
‫العمليــة التــى يتــم فيهــا مشــاركة المنشــورات‪ ،‬وإعــادة مشــاركتها علــى نطــاق واســع‪ .‬يقــول ســتيورات‬
‫‪« )2016( Stewart‬إن صعــود ثقافــة االســتدعاء دفــع بالوجــود األكاديمــى عبــر منصــات‬
‫مواقــع التواصــل إلــى وضــع فوضــوي‪ ،‬غيــر مرتــب‪ ،‬عبــر إتاحــة هــذا الوجــود وكل مــا يتصــل بــه‬
‫آن واحــد(‪ ،(55‬وهــي الحالــة التــي وصفهــا كل مــن (‪2010‬‬ ‫مــن أنشــطة أمــام جمهــور متعــدد فــى ٍ‬
‫‪ )Marwick & Boyd‬بظاهرة «انهيار السياق»‪ ،‬أو ظاهرة « االنبطاح الجماهيري»‪ ،‬األمر‬
‫الــذي يجبــر الباحثــون والعلمــاء علــى الخــوض فــى حالــة مــن التنافــر المعرفــي بيــن التفاعــالت‬
‫القائمــة علــى التواصــل الشــفهي‪ ،‬والتوقعــات المرجــوة منهــا‪ ،‬وبيــن تفســير لغــة الخطــاب المكتــوب‪/‬‬
‫المطبــوع‪ ،‬فــي مســعى لتحقيــق الت ـوازن بيــن «األصالــة» المتصــورة و «عــدم المصداقيــة» أثنــاء‬
‫(‪(56‬‬
‫مخاطبــة «الجمهــور المثالــي» المتصــل بالشــبكة بنجــاح!!‬
‫انعكاســا للحالــة الحاليــة والعامــة القائمــة‬
‫ً‬ ‫وعلــى المنـوال نفســه‪ ،‬يمكــن لهــذه المنصــات أن تكــون‬
‫علــى ســوء الفهــم‪ ،‬خاصــة مــع ســرعة تــداول المنشــورات عبــر هــذه المنصــات‪ ،‬بمــا قــد يــؤدى إلــى‬
‫انهيــار أى فرصــة الســتجالء الحقيقــة‪ ،‬وإدارة الح ـوارات‪ ،‬كمــا يمكــن أن تــؤدى قيــود المنصــات‬
‫(‪(57‬‬
‫وفوريتهــا إلــى القضــاء علــى مــا أطلــق عليــه ‪« (2015( Bady‬القــارىء الكريــم» ‪The‬‬
‫ـر يمكــن للمحادثــات عبــر هــذه المنصــات أن تتحــول بســهولة إلــى‬ ‫‪ ،generous reader‬وأخيـ ًا‬
‫أزمــات اتصاليــة واســعة النطــاق دون أمــل واضــح وحقيقــي فــي اســترداد األرضيــة المشــتركة بيــن‬
‫ـاما» للتواجــد األكاديمــي عبــر هــذه المنصــات‪.‬‬ ‫طابعــا «سـ ً‬
‫المشــاركين‪ ،‬وهــو مــا خّلــف فــي النهايــة ً‬

‫فاعال في تنظيم المهنة ؟!‬ ‫دور ً‬ ‫رقميا‪ :‬هل يمارس ًا‬ ‫خامسا‪ :‬الفعل األكاديمي الجمعي ً‬ ‫ً‬
‫فــي إطــار التواجــد األكاديمــي عبــر منصــات التواصــل االجتماعــي‪ ،‬تتواتــر الكثيــر مــن المشــاعر‬
‫دومــا تحقيــق درجــة مــن التـوازن بيــن‬
‫الســلبية علــى أعضــاء المجتمــع األكاديمــي الذيــن يحاولــون ً‬
‫الكتابــة‪ ،‬ونشــر البحــوث‪ ،‬ومناقشــة األفــكار الجديــدة‪ ،‬دون أن يوضــع ذلــك فــي إطــار اإلدراك‬
‫الســلبي لمفهــوم «الترويــج للــذات»(‪ ،(58‬وبيــن اكتســاب متابعيــن إضافييــن بمــا يجعلهــم مــن صغــار‬
‫المشــاهير‪ ،‬الذين تخضع ملفاتهم وصفحاتهم الشــخصية لمزيد من الوعي والتدقيق العام‪ .‬وفي‬
‫الوقــت الــذي قــد يتصــور فيــه عضــو هيئــة التدريــس بأنــه وســط جمــع محــدود مــن أق ارنــه‪ ،‬فــإن‬
‫مثــل هــذا التواجــد‪ ،‬عبــر مواقــع التواصــل‪ ،‬قــد يجلــب معــه احتماليــة التعــرض لــرد فعــل عنيــف مــن‬
‫متابعيــه مــن جهــة‪ ،‬ومــن أولئــك الذيــن يعتبــرون المنشــورات شـ ً‬
‫ـكال مــن أشــكال الكتابــة العامــة‪،‬‬ ‫‪531‬‬

‫ليأخذونهــا خــارج الســياق مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬


‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫فــي هــذه الحالــة‪ ،‬يمكــن للمنشــور المحمــل بالمشــاعر اإليجابيــة أو الســلبية‪ ،‬والســلبية منهــا علــى‬
‫ـخصيا‬
‫ـر للجــدل‪ ،‬ولكنــه شـ ً‬ ‫عاطفيــا بالفعــل‪ ،‬وحتــى مثيـ ًا‬
‫ً‬ ‫وجــه الخصــوص‪ ،‬والــذي قــد يكــون مشـ ً‬
‫ـحونا‬
‫للغايــة فــي نهايــة األمــر‪ ،‬يمكــن أن يتخطــى حــدود هــذه المواقــع بمــا يزيــد مــن حالــة االحتقــان‪،‬‬
‫ـرز العديــد مــن التداعيــات الجوهريــة‪.‬‬
‫والمشــاعر الســلبية‪ ،‬والعــداء‪ُ ،‬مفـ ًا‬
‫ولعــل المواقــف ود ارســات الحالــة التــي توردهــا األدبيــات الســابقة فــي شــأن التبعــات التــي يمكــن‬
‫حيــا علــى‬‫ـاال ً‬‫أن تترتــب علــى التوظيــف األكاديمــي لمواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬تضــرب مثـ ً‬
‫الكيفيــة التــي يمكــن أن يخــرج بهــا منشــور أو أكثــر عــن نطاقــه‪ ،‬وســياقه‪ ،‬يمــا يخلــف حالــة مــن‬
‫المشــاعر الســلبية والعــداء التــي تصعــب الســيطرة عليهــا طالمــا خرجــت إلى»العامــة»‪.‬‬
‫وغرد‬‫هجوما عسكرًيا على غزة‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫بدأت القصة األولى في يوليو ‪ ،2014‬عندما شنت إسرائيل‬
‫«ســتيفن ســاليطة»‪ ، Salaita‬األكاديمي األمريكي من أصل فلســطيني‪ ،‬بحماســة وغضب ضد‬
‫الهجوم اإلسـرائيلي‪ .‬تزامنت تغريدة ســاليطة مع تقدمه لوظيفة في جامعة إلينوي بعد أن اســتقال‬
‫مــن ‪ .Virginia Tech‬لفتــت تغريــدات ســاليطة اهتمــام المتبرعيــن والمموليــن ألنشــطة الجامعــة‪،‬‬
‫جنبــا إلــى جنــب مــع عــدم حصــول ســاليطة علــى موافقــة مجلــس أمنــاء‬ ‫الذيــن أدت اعتراضاتهــم‪ً ،‬‬
‫جامعــة إلينــوي علــى قـرار تعيينــه بشــكل نهائــي‪ ،‬إلــى إيقــاف هــذا التعييــن‪ ،‬وإلغــاء عــرض العمــل‬
‫الخــاص بهــم‪ .‬كانــت هــذه خطــوة غيــر مســبوقة فــي المجــال األكاديمــي األمريكــي‪ ،‬وتســببت بدورها‬
‫فــي غضــب عــام بيــن مؤيــدي موقــف ســاليطة الذيــن طالبـوا بإعادتــه إلــى منصبــه‪ ،‬وإلــى النظــر‬
‫بقــوة فــي مســتويات الحريــة األكاديميــة بالجامعــات األمريكيــة‪ .‬وقــد تضمنــت إج ـراءات مناص ـرة‬
‫ســاليطة مجموعــة مــن الوســوم عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وعلــى أرســها ‪ ،Twitter‬منهــا‬
‫وسم ‪ ،#supportsalaita‬ووسم ‪. (59( #uistudents4salaita‬‬
‫ـددا مــن أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬سـواء أكانـوا ُمعينيــن‪،‬‬ ‫فــي حيــن صدمــت قضيــة ‪ Salaita‬عـ ً‬
‫أو غيــر ُمعينيــن‪ ،‬فــإن األثــر األبــرز هنــا كان الداللــة علــى محدوديــة «نطــاق الحريــة»‪ ،‬حتــى‬
‫لألكاديميــن المعينيــن فــي وظيفــة ثابتــة بالجامعــة‪ ،‬عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وكانــت‬
‫الرســالة الواضحــة ألعضــاء هيئــة التدريــس غيــر النظامييــن‪ ،‬والباحثيــن المســاعدين‪ .‬بــررت‬
‫الجامعــة موقفهــا مــن ســاليطة بالقــول بــإن تغريداتــه افتقــرت إلــى «التحضــر واللياقــة»‪ ،‬وهــو التوجــه‬
‫نفســه الــذي تبنتــه وســائل اإلعــالم األمريكيــة عنــد عرضهــا للقضيــة‪ ،‬وهــو التصنيــف نفســه الــذي‬
‫تبنــاه مجلــس أمنــاء الجامعــة‪ ،‬ثــم مستشــارها القانونــي لتبريــر ق ـرار فصلــه فــي نهايــة األمــر!!!‬
‫وهكذا تُعد الحدود «المقبولة» للغضب‪ ،‬أواإلنفعال‪ ،‬أوالهياج‪ ،‬بإرجاعها إلى مقياس»الكياسة‪/‬‬
‫أكاديميــا مناسـ ًـبا‬
‫ً‬ ‫خطابــا‬
‫ً‬ ‫ـدودا تســمح للمؤسســات الجامعيــة بالتحكــم فيمــا يعتبــر‬ ‫التحضــر»‪ ،‬حـ ً‬
‫‪532‬‬
‫ـاء علــى مــا هــو متوقــع مــن الخطبــاء أو المتحدثيــن المتحضريــن‪ ،‬والــذي تحــدده الجامعــة وفــق‬ ‫بنـ ً‬
‫معاييرهــا الخاصــة‪ ،‬بديـ ًـال عــن الســياق الــذي تحــدث فيــه الواقعــة‪ ،‬وتفاصيلهــا(‪ . (60‬رفــع ســاليطة‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫دعــوى قضائيــة الحًقــا‪ ،‬عــاد بمقتضاهــا إلــى الجامعــة‪ ،‬قائـالً‪« :‬هــذه التســوية رد العتبــاري‪ ،‬ولكــن‬
‫األهــم‪ ،‬أنهــا انتصــار لمعنــى الحريــة األكاديميــة‪ .‬ومــع هــذا‪ ،‬كان لهــذه الواقعــة تأثيــر دائــم علــى‬
‫قميــا فــي فتــح المجــال مــن جديــد‪ ،‬والعــود علــى بــدء فــي النقــاش والجــدل حــول‬‫الفعــل األكاديمــي ر ً‬
‫حــدود الحريــة األكاديميــة فــي ســياق مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ .‬بشــكل عــام‪ ،‬أظهــرت القضيــة‬
‫هيــكل ومنطــق الحوكمــة داخــل بعــض المؤسســات الجامعيــة‪ ،‬كمــا أكــدت مــن جهــة ثانيــة أن‬
‫اســتجابة المؤسســة الجامعيــة ل ـ «أزمــات» مواقــع التواصــل االجتماعــي تعتمــد إلــى حــد كبيــر علــى‬
‫الكيفيــة التــي تضــع بهــا الجامعــة «ســياق األزمــة وداللتهــا»‪.‬‬
‫وجــدت ســايدا جرونــدي ‪ Saida Grundy‬و زانداريــا روبنســون ‪Zandria Robinson‬‬
‫‪ ،‬وكالهمــا مــن علمــاء االجتمــاع‪ ،‬نفســيهما فــي مواقــف مماثلــة بســبب التغريــدات التــي كانــت‬
‫تنتقــد العنصريــة المتأصلــة فــي المجتمــع األمريكــي نحــو األمريكييــن األفارقــة‪ .‬تعرضــت كلتــا‬
‫األســتاذتين لــردود أفعــال غاضبــة‪ ،‬قادتهــا مجموعــات محافظــة فــي المجتمــع‪ ،‬فضـ ًـال عــن وســائل‬
‫اإلعــالم‪ ،‬بدعــوى أنهمــا ينشـ ار ثقافــة التعصــب‪ ،‬ودعــت هــذه الجماعــات‪ ،‬المؤسســات األكاديميــة‬
‫الالتــي يعمــال بهــا إلــى اتخــاذ إج ـراءات ضدهمــا‪ .‬جــاءت تغريــدات جرونــدي فــي الوقــت الــذي‬
‫كانــت فيــه علــى وشــك بــدء وظيفــة جديــدة فــي جامعــة بوســطن‪ ،‬وهــي الجامعــة التــي ادعــت‪،‬‬
‫فــي بدايــة األمــر‪ ،‬أن مــن حــق جرونــدي اإلدالء بهــذه التعليقــات عبــر حســابها الشــخصي علــى‬
‫بيانــا قالــت فيــه إنــه علــى الرغــم مــن أن الجامعــة‬
‫‪ ،Twitter‬ولكنهــا‪ ،‬وفــي الوقــت نفســه‪ ،‬أصــدرت ً‬
‫ال يمكنها التغاضي عن العنصرية أو التعصب األعمى‪ ،‬إال أنها ما زالت تدعم حرية األستاذة‬
‫جرونــدي فــي التعبيــر‪ ،‬وهــو مــا دفــع جرونــدي كذلــك إلــى إصــدار بيــان تتأســف فيــه للطريقــة‬
‫التــي عالجــت بهــا المشــكلة‪ .‬وممــا ُيذكــر فــي هــذا اإلطــار أنــه عندمــا بــدأ رد الفعــل العنيــف تجــاه‬
‫جرونــدي‪ ،‬ســارع أكاديميــون آخــرون إلــى دعمهــا عبــر عــدة وســوم منهــا ‪ #SaidaGrundy‬و‬
‫‪ #SupportSaida 61‬و ‪#StandWithSaida 62‬‬
‫وعلــى غـرار قضيــة ســاليطة‪ ،‬أحدثــت قضيــة جرونــدي العديــد مــن التدوينــات والمقــاالت التــي‬
‫تعرضــت لقضايــا الحريــة األكاديميــة‪ ،‬وحريــة ال ـرأي والتعبيــر بوجــه عــام‪ .‬فــي حالــة ســاليطة‪،‬‬
‫ســعت االحتجاجــات العامــة للضغــط علــى جامعــة إلينــوي إللغــاء تعيينــه‪ ،‬ولــم يســاعد الدعــم‪،‬‬
‫س ـواء علــى تويتــر أو غي ـره‪ ،‬فــي إعادتــه إلــى منصبــه‪ .‬فــي حيــن أن االهتمــام الــذي حظيــت بــه‬
‫القضيــة أتــاح ل ــساليطة‪ ،‬الشــروع فــي مهمــة ناجحــة إلــى حــد مــا فــي الخــروج والحديــث عالنيــة عــن‬
‫قضيتــه أمــام الجمهــور‪ ،‬إال أن ذلــك كان علــى حســاب مهنتــه كأكاديمــي‪ .‬أمــا فــي حالــة جرونــدي‪،‬‬
‫أجبــرت الصرخــة العامــة‪ ،‬التــي قادهــا بعــض الطــالب‪ ،‬الجامعــة التــي تنتمــي لهــا علــى إصــدار‬
‫‪ 533‬بيــان ينتقــد تغريداتهــا‪ ،‬لكنهــا‪ ،‬ومــع هــذا‪ ،‬دعمــت موقفهــا ولــم تطــرد مــن العمــل‪ .‬فــي كلتــا الحالتيــن‪،‬‬
‫شـ َّـكل الهاشــتاج مربــط الفــرس‪ ،‬ومحــور حـراك الغضــب والنشــاط الرقمــي ألطـراف القضيــة؛ حيــث‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫معــا لدعــم كل مــن ســاليطا وجرونــدي‪ ،‬ولدعــم الحريــة‬ ‫اجتمعــت مجموعــات متباينــة مــن األفـراد ً‬
‫األكاديميــة باألســاس‪ .‬لــم يقتصــر اســتخدام الوســوم علــى دعــم األشــخاص المعنييــن فحســب‪ ،‬بــل‬
‫دائمــا»‪ ،‬و «محيــط يمكــن‬‫أيضــا علــى المشــاركة‪ ،‬وهــو مــا يوفــر شــبكة «تعمــل ً‬ ‫ـجع اآلخريــن ً‬ ‫شـ َّ‬
‫تعبئتــه بســرعة»‪ ،‬الســيما مــن خــالل وســوم األفـراد البارزيــن والمؤثريــن ممــن ُيطلــق عليهــم «عقــد‬
‫شــبكانت التواصــل البــارزة ‪.(63( »prominent network nodes‬‬
‫فــي حالــة ‪ ،Zandria Robinson‬والتــي تناولــت تغريداتهــا قضايــا العــرق ً‬
‫أيضــا‪ ،‬لجــأت‬
‫جامعــة ممفيــس نفســها إلــى ‪ Twitter‬للــرد؛ حيــث غـ ّـردت الجامعــة بــأن روبنســون لــم تعــد موظفــة‬
‫فــي الجامعــة‪ ،‬ممــا دفــع باالعتقــاد بــأن روبنســون قــد فقــدت وظيفتهــا بســبب تغريداتهــا‪ ،‬وهــو مــا‬
‫أدى إلــى موجــة جديــدة مــن التغريــدات الغاضبــة لدعمهــا قبــل أن تعلــن أنهــا اســتقالت قبــل تلــك‬
‫دور فــي كل مــن الدعــوة إلــى‬
‫التغريــدات لمتابعــة وظيفــة أخــرى‪ ،‬وم ـرة أخــرى‪ ،‬لعــب ‪ً Twitter‬ا‬
‫اتخــاذ إجـراء ضــد روبنســون ودعمهــا فــي الوقــت نفســه‪ .‬وفــي بيانهــا‪ ،‬أظهــرت جامعتهــا مســتوى‬
‫مدهشــا مــن فهــم الكيفيــة التــي تقيــد بهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي إمكانيــة نقــل أفــكار معينــة‪،‬‬‫ً‬
‫ـلبا علــى روبنســون‪.‬‬ ‫وكيــف أن ذلــك‪ ،‬بالنســبة لهــم‪ ،‬لــم ينعكــس سـ ً‬
‫أيضــا بشــأن العــرق‪،‬‬ ‫ـر ‪ ،‬أثــارت قضيــة تغريــدات جــورج ســيكارييلو ماهــر‪ ،‬الــذي غـ َّـرد ً‬ ‫مؤخـ ًا‬
‫روج لــه القوميــون البيــض‬ ‫ـير إلــى فكـرة «اإلبــادة الجماعيــة للبيــض»‪ ،‬وهــو المصطلــح الــذي َّ‬ ‫مشـ ًا‬
‫لغــرس الخــوف مــن مؤام ـرة لتدميــر العــرق األبيــض‪ .‬حــادت نيتــه فــي الســخرية مــن المصطلــح‬
‫عــن هدفهــا الحقيقــي‪ ،‬ومـرة أخــرى اســتغلت الجماعــات المحافظــة الموقــف‪ ،‬لدرجــة دفعــت جامعتــه‬
‫إلــى التحقيــق معــه(‪ .)Flaherty 2017( (64‬وكانــت جامعــة دريكســل‪ ،‬التــي يعمــل بهــا ماهــر‪،‬‬
‫بيانــا تديــن فيــه تغريــدة ماهــر‪ ،‬وأشــارت إلــى أن تغريداتــه «ال تمثــل قيــم الشــمول‬ ‫قــد أصــدرت ً‬
‫والتفاهــم التــي تتبناهــا جامعــة دريكســل»‪ .‬وفــي بيــان أطــول‪ ،‬أكــد القائمــون علــى الجامعــة أن‬
‫تغريــدات ‪ Maher‬تتمتــع بالحمايــة‪ ،‬لكنهــا كجامعــة تعتقــد فــي محدوديــة قــدرة مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي علــى النقــد الســاخر الهــادف‪ ،‬تحقيــق عنصــر المفارقــة‪ ،‬وتضميــن الســياق(‪ .)65‬لــم‬
‫تحســم قضيــة ماهــر حتــى وقــت كتابــة هــذه الســطور‪ ،‬وال ي ـزال هنــاك مــن يغــرد حــول القضيــة‪،‬‬
‫والعديــد منهــم يطالبــون بطــرده‪.‬‬
‫تعكــس القضايــا الثــالث الســابقة الكيفيــة التــي اســتخدم بهــا ه ـؤالء األكاديمييــن صفحاتهــم‬
‫ـاء علــى أبحاثهــم وخبراتهــم‪،‬‬ ‫الشــخصية‪ ،‬عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬للتعبيــر عــن آرائهــم بنـ ً‬
‫أثنــاء أداء دورهــم كأكاديمييــن ومثقفيــن‪ ،‬ومــع هــذا‪ ،‬اختلطــت مثــل هــذه التغريــدات «العاطفيــة»‬
‫ببيئــة مواقــع التواصــل المليئــة باالســتقطاب والشــحن العاطفــي بالفعــل‪ ،‬وهــو مــا أثَّــر‪ ،‬فــي نهايــة‬
‫‪534‬‬
‫األمــر‪ ،‬علــى كل مــن الفعــل و رد الفعــل العكســي‪ ،‬والدعــم الــذي يمكــن أن تقدمــه المنصــة‪،‬‬
‫وهــو التأثيــر الــذي يتســم بحالــة أشــبه بالديمومــة‪ ،‬وااللتصــاق بصاحبــه‪ ،‬الســيما وأن المحادثــات‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ـوء‬
‫غالبــا مــا تمــزج العاطفــة بالـرأي والد ارمــا مــع الحقيقــة ‪ .‬يــزداد األمــر سـ ً‬
‫(‪(66‬‬
‫عبــر هــذه المنصــات ً‬
‫عندمــا تحتشــد الجماعــات المحافظــة بــكل ســخطها وغضبهــا مــن جهــة‪ ،‬وتســتغل وســائل اإلعــالم‬
‫التقليديــة الطبيعــة الفيروســية لمنشــورات مواقــع التواصــل االجتماعــي مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬
‫كان لهــذه األحــداث تداعيــات شــخصية ومهنيــة علــى أصحابهــا‪ ،‬كمــا أنهــا أثــارت‪ ،‬ومــا ازلــت‬
‫تثيــر‪ ،‬أســئلة هامــة‪ ،‬ومثي ـرة للقلــق حــول حالــة الحريــة األكاديميــة عندمــا تعلــق بالكتابــة والنشــر‬
‫عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ .‬ويشــير فيليتســيانوس‪ )2016( Veletsianos‬إلــى قلــق‬
‫رئيســي‪ ،‬أبرزتــه الحــاالت محــل الذكــر ســابًقا‪ ،‬فبينمــا ُيتوقــع مــن األكاديمييــن التواجــد والحضــور‬
‫«العــام»‪ ،‬والحفــاظ علــى تفعيــل دوره علــى مســاحات تبــدو سـريعة الــزوال مثــل ‪ ،Twitter‬إال أن‬
‫ونشــر‬ ‫الحقيقــة تشــير إال أن هــذه المســاحات ليســت كذلــك؛ حيــث يمكــن البحــث عــن مــا ســبق ُ‬
‫أيضــا‬
‫مــن كتابــات وتغريــدات‪ ،‬وجمعهــا واســتخدامها خــارج الســياق‪ .‬ويمكــن لمثــل هــذه الكلمــات ً‬
‫ـخصيا‪،‬‬
‫أن «تلتصق» بالفرد‪ ،‬بما يتوجب معه أن يقوم صاحب الشــأن بتفســير ما كان يعنيه شـ ً‬
‫ومــا الــذي قصــده فــي جملــه وعبا ارتــه وكيفيــة اســتخدامه للغــة(‪ .(67‬وهكــذا يعكــس التناقــض فــي‬
‫طبيعــة األدوار التــي تؤديهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي المجتمــع األكاديمــي‪ ،‬يعكــس الحالــة‬
‫المتضاربــة للعمــل األكاديمــي العــام‪ ،‬والرقمــي المتشــابك؛ فأحــد وجهــي العملــة يشــجع علــى‬
‫المشــاركة الفعالــة فــي هــذه الســاحات اإلفتراضيــة‪ ،‬بينمــا ال يوفــر الوجــه اآلخــر ســوى القليــل مــن‬
‫الحمايــة المؤسســية‪ ،‬وهــو الوضــع الــذي شــبهه ‪ )2015( Wingfield‬بـ ـ ــوضع «جــزر الكنــاري‬
‫فــي منجــم الفحــم»(‪.(68‬‬
‫عاطفيــا» عبــر مواقــع‬
‫ً‬ ‫أحيانــا‪ ،‬إال أن الحضــور «المشــحون‬ ‫ً‬ ‫وعلــى الرغــم مــن ســوء الوضــع‬
‫دائمــا إلــى ردود فعــل عنيفــة او مناهضــة؛ فتماشـًـيا مــع مــا أشــار‬ ‫التواصــل االجتماعــي ال يــؤدي ً‬
‫تكتيكيــا‪ ،‬مارســت‬
‫ً‬ ‫إليــه ســتيوارت (‪ )2016‬بــأن التعامــل مــع هــذه المنصــات البــد أن يكــون تعامـ ًـال‬
‫ـاال‬
‫أدور إيجابيــة‪ ،‬وكانــت مثـ ً‬ ‫بعــض المنشــورات والتغريــدات ذات الصلــة بالمجتمــع األكاديمــي ًا‬
‫ـادر علــى إحــداث اهتمــام أوســع بقضايــا العمــل األكاديمــي‪.‬‬ ‫علــى الغضــب الجماعــي الــذي كان قـ ًا‬
‫فــي ســبتمبر‪ ،2013‬توفيــت األســتاذة المســاعدة مارجريــت مــاري فويتكــو بســبب المضاعفــات‬
‫الناتجــة عــن عــالج الســرطان والنوبــات القلبيــة‪ .‬كانــت مارجريــت تبلــغ مــن العمــر ثالثــة وثمانيــن‬
‫عاما‪ ،‬ولكنها عندما توفيت لم يكن لديها‬ ‫ودرست في الجامعة على مدار خمسة وعشرين ً‬ ‫عاما َّ‬ ‫ً‬
‫أيــة م ازيــا صحيــة‪ ،‬أو م ازيــا تقاعــد‪ .‬قبــل وفاتهــا بقليــل‪ ،‬فشــلت دوكيــن فــي تجديــد عقدهــا‪ ،‬وعندمــا‬
‫تــم اإلعــالن عــن تفاصيــل وفاتهــا فــي جريــدة بيتســبرج بوســت جازيــت‪ ،‬ســرعان مــا تــم نشــر القصــة‬
‫حساســا لــدى األكاديمييــن برؤيــة أنفســهم‬‫ً‬ ‫ـر‬
‫علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وأصابــت األنبــاء وتـ ًا‬
‫‪ 535‬في قصة فويتكو‪ ،‬وســرعان ما انتشــر هاشــتاغ» أنا مارجريت ماري» ‪#iammargaretmary‬‬
‫عبــر ‪ Twitter‬و ‪ .Facebook‬نقــل األفـراد الهاشــتاج للتغريــد مباشـرة فــي الجامعــة‪ ،‬داعيــن إلــى‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫التضامــن بيــن أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬والدعــوة إلــى اتحــاد نقابــي فــي جامعــة دوكيــن وجامعــات‬
‫أخــرى‪ ،‬ولمشــاركة قصصهــم الشــخصية‪ ،‬ووصــل األمــر ببعضهــم إلــى أن قــرروا بأنهــم لــن‬
‫يعملـوا أبـ ًـدا فــي جامعــة دوكيــن‪ ،‬بينمــا طالــب آخــرون بــأن تلتــزم الجامعــة بالمعاييــر األخالقيــة‪،‬‬
‫وطالــب آخــرون بتغطيــة الخبــر عبــر وســائل اإلعــالم التقليديــة عبــر توظيــف الهاشــتاج نفســه‪،‬‬
‫حتــى أن بعضهــم اســتخدم الهاشــتاج كخــط رئيســي وثابــت عنــد الحديــث عــن الحيــاة األكاديميــة‪،‬‬
‫وكأنــه تحذيــر لــكل مــن قــد يفكــر فــي الحصــول علــى وظيفــة فــي هــذا المجــال‪ ،‬واســتخدم آخــرون‬
‫الهاشــتاج مــع صــور ألنفســهم وهــم يحملــون الفتــات ُكتــب عليهــا «كلنــا مــاري»‪ .‬شـ َّـكل الوســم‬
‫وســيلة للتعبيــر عــن حــزن وغضــب جــارف لــدى األكاديمييــن‪ ،‬الســيما الغضــب مــن التفــاوت‬
‫المت ازيــد فــي الرواتــب اإلداريــة فــي الجامعــة‪ ،‬وظــروف عمــل أعضــاء هيئــة التدريــس‪ .‬وفــي حيــن‬
‫لفــت الهاشــتاج االنتبــاه بشــكل واضــح إلــى ظــروف العمــل داخــل الجامعــات المعاصـرة‪ ،‬إال أنــه‬
‫حساســا‪ ،‬دفــع بالنقــاش إلــى الحديــث عــن التعليــم الجامعــي فــي الواليــات المتحــدة بشــكل‬
‫ً‬ ‫ـر‬
‫لمــس وتـ ًا‬
‫عــام وأوضاعــه‪ .‬لطالمــا ارتبــط التعليــم العالــي‪ ،‬وخاصــة بعــد الحصــول علــى درجــة الدكتــوراه‪،‬‬
‫بمفاهيــم المكانــة‪ ،‬فضـالً عــن ت ازيــد فــرص التوظيــف المســتقر‪ ،‬ولكــن وفــاة فويتكــو ســلطت الضــوء‬
‫علــى التناقــض الصــارخ فــي هــذا الشــأن؛ حيــث لفتــت النظــر إلــى حقيقــة أن األســاتذة ليسـوا فقــط‬
‫جــزًءا مــن الطبقــة العاملــة‪ ،‬وإنمــا هــم جــزء مــن الطبقــة العاملــة الفقيـرة‪!!!.‬‬
‫وبينمــا كان ‪ #iammargaretmary‬والنقاشــات الالحقــة عليــه مليئــة بالغضــب واإلحبــاط‬
‫والمطالبــات بالعدالــة‪ ،‬عمــل الهاشــتاج علــى تعبئــة األف ـراد عبــر السلســلة الهرميــة الجامعيــة‬
‫بكاملهــا‪ ،‬وعبــر الجامعــات المختلفــة‪ ،‬بــل وخــارج الجامعــة‪ ،‬عندمــا عرضــت وســائل اإلعــالم‬
‫قصصــا عــن حيــاة فويتكيــو‬‫ً‬ ‫الرئيســية مثــل ‪ NPR‬و ‪ CNN‬و ‪The New York Times‬‬
‫ومحنــة األكاديمييــن؛ حيــث نشــرت صحيفــة نيويــورك تايمــز(‪ )Kilgannon 2014( (69‬قصــة‬
‫الحقــة شــبيهة عــن مــاري فيــث سي ارســولي‪ ،‬األســتاذة المســاعدة فــي كليــة ميرســي فــي نيويــورك‪،‬‬
‫أيضــا‬
‫والتــي كانــت وقتهــا بــال مــأوى‪ .‬فضـ ًـال عــن اهتمــام وســائل اإلعــالم‪ ،‬ســاعد الهاشــتاج ً‬
‫فــي حشــد الدعــم لحملــة النقابــات فــي دوكيــن‪ ،‬وهــي خطــوة عارضتهــا اإلدارة علــى الرغــم مــن‬
‫ـر للظــروف الهيكليــة‬ ‫التصويــت لصالــح أعضــاء هيئــة التدريــس عندمــا تــم اقت ارحــه ســابًقا‪ ،‬نظـ ًا‬
‫للعمــل فــي الجامعــة‪ ،‬وبعدهــا لــم يعــد مســتغرًبا أن ينتقــل األكاديميــون إلــى منصــات جديــدة‬
‫للتواصــل والتعبئــة‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار تشــير ‪ )2015( Papachariss‬إلى أنه يمكن لمواقع التواصل االجتماعي‬
‫أن تســاعد فــي «تنشــيط الروابــط الكامنــة بيــن األفـراد والحفــاظ عليهــا»‪ ،‬والتــي بدورهــا قــد تــؤدي‬
‫‪536‬‬
‫إلــى ظهــور «جمهــور شــبكي»‪ ،‬وإن ارتبطــت الفاعليــة الحقيقيــة لهــذا الجمهــور‪ ،‬كمــا ســبقت‬
‫اإلشــارة‪ ،‬علــى نجاحهــم فــي التواصــل والتجمــع علــى أرض الواقــع‪ ،‬وخــارج حــدود اإلنترنــت‪،‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫مثلمــا كان الحــال فــي قضيــة األســتاذة الجامعيــة مــاري فويتكيــو؛ حيــث ســاهم الغضــب المحيــط‬
‫بـ ـ ـ ــ‪ #iammargaretmary‬فــي تأجيــج مشــاعر التضامــن والحـراك بعيـ ًـدا عــن مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي‪ ،‬وهكــذا يســتمر تأثيــر الغضــب الجماعــي كل أعيــدت مشــاركة الهاشــتاج والتعليــق‬
‫عليــه؛ بحيــث تعمــل اإلنترنــت كأرشــيف مرتبــط بالنضــاالت العماليــة الحاليــة والمســتقبلية(‪.(70‬‬
‫مقابــل كل األهميــة الســابقة‪ ،‬يتبــدى النقــص الواضــح فــي الدعــم المؤسســي فــي إعــداد وتدريــب‬
‫األكاديمييــن علــى تفاعــالت مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬وضمــان الدعــم فــي حالــة حــدوث أي‬
‫حــدث غيــر مرغــوب فيــه عندمــا تختلــط المنشــورات الهادفــة لألكاديميــن مــع السياســة اليوميــة‪ ،‬بــل‬
‫ويتــم تشــابكها وتزييفهــا بعمــق‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يدفــع بالتســاؤل حــول كــون التعبيــر عــن الغضــب‬
‫جمعيــا‪ ،‬والمشــاركة العامــة بوجــه عــام يمكنهــا أن تكــون مســاحات لحقائــق معيشــية سياســية‬ ‫ً‬
‫واجتماعيــة وثقافيــة‪ ،‬وبــدالً مــن النظــر إلــى مواقــع التواصــل االجتماعــي كمشــروع شــخصي‬
‫ـكبا‬
‫للتســويق الذاتــي‪ ،‬يمكنهــا أن تمثــل مســعى اجتماعــي متكامــل يهــدف إلــى تطويــر المهنــة شـ ً‬
‫وموضوعــا‪.‬‬
‫ً‬

‫سادسا‪ :‬اإلطار المنهجي للدراسة‬


‫ً‬

‫‪ -‬مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫تســعى الد ارســة الحاليــة لفهــم الــدور الــذي تلعبــه المشــاعر الســلبية الجمعيــة فــي بيئــة االتصــال‬
‫الرقمــي‪ ،‬ومشــاعر الغضــب علــى وجــه التحديــد‪ ،‬فــي المناقشــات عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‬
‫حــول العمــل األكاديمــي‪ ،‬والتــي تظهــر باســتمرار مــع تدهــور ظــروف العمــل األكاديمــي‪ ،‬فــي‬
‫بعــض القطاعــات‪ ،‬وقــدرة األكاديمييــن علــى نقــل هــذه المالبســات عبر»اتحــادات إفتراضيــة»‬
‫تتيحهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي بهــدف النقــد والتواصــل والتنظيــم‪.‬‬
‫وتقوم الدراسة الحالية على عدة افتراضات أهمها‪ :‬أن التعبير عن الغضب وسلوك االحتجاج‬
‫ـر فــى رفــع الوعــي بقضايــا العمــل األكاديمــي‪ ،‬فضـ ًـال عــن‬ ‫دور مثمـ ًا‬
‫قميــا قــد يمــارس ًا‬
‫األكاديمــي ر ً‬
‫العمــل كوســيلة للتنظيــم عبــر التسلســالت الهرميــة األكاديميــة خــارج نطــاق الجامعــة الرســمي‪.‬‬
‫قميا قد‬
‫وتفترض الد ارســة كذلك أن التعبير عن المشــاعر الســلبية وســلوك االحتجاج األكاديمي ر ً‬
‫يدعــم عمليــة إنتــاج الشــبكات الجديــدة للعالقــات الشــخصية والمهنيــة علــى المســتوى األكاديمــي‪،‬‬
‫قميــا»‬
‫وفــي المقابــل‪ ،‬تطــرح الد ارســة العديــد مــن التســاؤالت بشــأن التداعيــات الجوهريــة «للغضــب ر ً‬
‫علــى الصعيديــن الشــخصي والمؤسســي بمــا يســهم فــي إعــادة تشــكيل الهويــة األكاديميــة الفرديــة‪،‬‬
‫‪ 537‬والســمعة األكاديميــة الجمعيــة لألكاديميــن المصرييــن‪.‬‬
‫بنــاء علــى األســس النظريــة والمنهجيــة الســابقة‪ ،‬تتمثــل مشــكلة الد ارســة الحاليــة فــي تحليــل‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الفعــل االحتجاجــي الجمعــي لمجموعــة مــن أســاتذة الجامعــات المصريــة‪ ،‬فيمــا انــدرج تحــت‬
‫هاشــتاج ‪#‬علماء_مصر_غاضبــون‪ ،‬والــذي انطلــق عبــر منصتــي التواصــل االجتماعــي األشــهر‬
‫(بالنســبة لنشــاط الحركــة) فيســبوك‪ ،‬وتوتيــر؛ حيــث تســتهدف الد ارســة تقديــم تحليــل كيفــي منظــم‬
‫للمنشــورات التــي تضمنتهــا الصفحــة الرئيســية للحملــة علــى منصــة فيســبوك (علمــاء مصــر‬
‫غاضبــون)‪ ،‬فضـ ًـال عــن تحليــل عينــة مــن المنشــورات التــي حملــت‪ ،‬وروجــت للهشــتاج الــذي حمــل‬
‫اســم الصفحــة نفســها عبــر عينــة مــن الصفحــات األخــرى ذات الصلــة علــى فيســبوك‪ ،‬وتوتيــر‪،‬‬
‫ومــا ارتبــط بمنشــوراتهما مــن مواقــع أخــرى‪ ،‬اتخــذت مــن هاتيــن المنصتيــن طريًقــا لتبــادل‪ ،‬وإعــادة‬
‫نشــر الهشــتاج‪ ،‬تفضيلــه‪ ،‬أو الحشــد مــن خاللــه‪.‬‬

‫‪-‬أهمية الدراسة‪:‬‬
‫•تســتمد الد ارســة الحاليــة أهميتهــا مــن واقــع الخلفيــة المعرفيــة التــي ســتوفرها عبــر رافديــن‬
‫أساســيين؛ أولهمــا الرصــد العلمــي‪ ،‬والمنهجــي‪ ،‬والقانونــي المرتبــط بموضــوع الد ارســة‪ ،‬والخــاص‬
‫بالممارســات ذات الصلــة بالنشــاط الجامعــي‪ ،‬س ـواء الممارســات الرســمية والشــخصية مــن‬
‫المديريــن والمســئولين بالجامعــة‪ ،‬مــرو اًر بأعضــاء الهيئــة التدريســية واإلداريــة‪ ،‬وانتهــاءاً بالطــالب‪،‬‬
‫بمــا يمكــن مــن الوصــول بشــكل منهجــى منظــم إلــى معــارف وخب ـرات تشــكل إث ـراء فــى مجــال‬
‫المحــددات والضوابــط المعلنــة وغيــر المعلنــة إلدارة مســاحات ال ـرأى والتعبيــر عبــر مواقــع‬
‫ـار أشــمل لــرؤى وطروحــات مــن شــأنها اإلســهام فــى تعزيــز‬ ‫التواصــل االجتماعــي‪ ،‬كمــا تقــدم إطـ ًا‬
‫أمــن المعلومــات وســبل إدارتهــا إدارة رشــيدة وواعيــة تحقــق لهــذه المؤسســات الجامعيــة أهدافهــا‬
‫المبتغــاه‪.‬‬
‫•تقــدم هــذه الورقــة البحثيــة مســاهمة جديــدة فــي مجــال األدبيــات ذات الصلــة بالحــركات‬
‫االجتماعيــة بوجــه عــام‪ ،‬والرقميــة منهــا علــى وجــه الخصــوص‪ ،‬وذلــك عبــر التأكيــد علــى الــدور‬
‫المــزدوج الــذي تمارســه مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي عالقتهــا بالحــركات االجتماعيــة؛ فهــي‬
‫تقــدم للنشــطاء خدمــة شــبه مجانيــة‪ ،‬وعاليــة الكفــاءة فــي حــال إجــادة توظيفهــا‪ ،‬بمــا يضمــن لهــم‬
‫لفــت نظــر الجمهــور لقضيتهــم‪ ،‬وإمكانيــة الحشــد والتعبئــة علــى نطــاق واســع‪ ،‬وبمــا يســاعدهم‬
‫علــى تجــاوز الحــدود التقليديــة للرقابــة علــى وســائل اإلعــالم التقليديــة‪ .‬وفــي المقابــل‪ ،‬تعــوق‬
‫الســمات الممي ـزة لمواقــع التواصــل االجتماعــي (التغيــر والحركــة المســتمرة‪ ،‬الحــذف واإلضافــة‪،‬‬
‫التدفــق الالنهائــي للمعلومات‪...‬الــخ) مــن إمكانيــة اعتمادهــا كمصــدر دائــم‪ ،‬وموثــوق فيــه لضمــان‬
‫اســتدامة الفعــل االحتجاجــي الجمعــي مــا لــم تتكامــل مــع الفعــل الجمعــي علــى األرض‪ ،‬ومــا لــم‬
‫‪538‬‬
‫تنظيمــا فــي الواقــع‪.‬‬
‫ً‬ ‫تتجــاوز حــدود ترابطهــا (االفت ارضــي) إلــى أشــكال أخــرى اكثــر‬
‫•فضـ ًـال عــن ذلــك‪ ،‬تســاهم هــذه الد ارســة فــي األدبيــات األوســع حــول الحــركات االجتماعيــة مــن‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫خــالل تســليط مزيــد مــن الضــوء علــى فهــم دور مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي تحــول األشــكال‬
‫الجديــدة مــن الحــركات وتوســعها بشــكل مختلــف عــن الحــركات االجتماعيــة التقليديــة‪ ،‬مــا يعنــي‬
‫اهتمامــا‬
‫ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬ويتطلــب‬
‫أن تحولهــا نحــو إضفــاء الطابــع الرســمي (التقليــدي) لالحتجــاج مختلــف ً‬
‫خاصــا بــدور هــذه المنصــات فــي تمكيــن عمليــة إضفــاء الطابــع الرســمي و‪/‬أو تقييدهــا‪.‬‬ ‫ً‬
‫عمليــا للنشــطاء فــي مجــال الحــركات‬
‫ً‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫فهم‬
‫ً‬ ‫ا‪،‬‬
‫ـر‬‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫أخ‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫س‬‫ر‬‫ا‬ ‫الد‬ ‫ـذه‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـدم‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ـبق‪،‬‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـالوة‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫•‬
‫االجتماعيــة التــي تعتمــد علــى منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي؛ حيــث تشــير الد ارســات فــي‬
‫قميــا يتطلــب مهــارة خاصــة فــي اإلدارة تضمــن‬ ‫هــذا المجــال إلــى أن تنظيــم الفعــل االحتجاجــي ر ً‬
‫الحفــاظ علــى زخــم الحركــة فــي اتجــاه واحــد كأســاس للفعــل‪ ،‬وهــي تحافــظ فــي الوقــت نفســه علــى‬
‫المســاحة المفتوحــة للتعبيـرات الفرديــة‪ .‬أمــا علــى مســتوى األهميــة المتوقعــة ألصحــاب المصلحــة‬
‫اآلخريــن فــي هــذا الشــأن ‪ -‬كمــا هــو الحــال مــع صانعــي السياســات والشــركات‪ ،‬المؤسســات‬
‫الحكوميــة أو حتــى الخدميــة منهــا‪ ،‬والتــي تؤثــر وتتأثــر بنشــاط الح ـراك االحتجاجــي الجمعــي‬
‫وتطــور أســاليبه‪ ،‬دوافعــه‪ ،‬ومخرجاتــه‪ -‬فــأن أهميــة الد ارســة الحاليــة تنبــع مــن تأكيدهــا علــى‬
‫الحاجــة إلــى التفريــق بيــن حشــد وهيكلــة الحــركات االجتماعيــة المبنيــة علــى الفعــل الجمعــي‬
‫الرقمــي‪ ،‬لمــا يمكنهــم مــن د ارســة التأثيــر المتبــادل بيــن الحركــة وبيئتهــا‪ ،‬بمــا يســاعدهم فــي تعديــل‬
‫ـادا علــى مرحلــة النمــو التــي وصلــت إليهــا‪.‬‬ ‫اســتراتيجياتهم للتعامــل مــع الحركــة اعتمـ ً‬

‫‪-‬أهداف الدراسة‪:‬‬
‫خالًفــا للعديــد مــن التوجهــات البحثيــة الســابقة‪ ،‬تلــك التــي ربطــت بيــن الفعــل الجمعــي لألف ـراد‬
‫فــي صــورة حركــة اجتماعيــة مــن جهــة‪ ،‬وبيــن تدفــق المعلومــات عبــر مرحلتيــن مــن قــادة ال ـرأي‬
‫المؤثريــن إلــى الفاعليــن علــى األرض مــن المعنييــن بالقضيــة‪ ،‬أو موضــوع الحركــة االجتماعيــة‬
‫ـر‬
‫طــا جديـ ًـد ومغايـ ًا‬
‫المثــارة‪ ،‬فرضــت الرقمنــة‪ ،‬والطبيعــة الشــبكية لمواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬نم ً‬
‫مــن آليــات تدفــق المعلومــات لتصبــح فــي تجاهــات عــدة‪ ،‬عبــر العديــد مــن الجهــات الفاعلــة‬
‫والممثليــن المتعدديــن كذلــك‪ ،‬بــل وعبــر تقنيــات متنوعــة تمنــح م ازيــا مثلمــا تفــرض مشــكالت علــى‬
‫طبيعــة الفعــل الجمعــي االحتجاجــي‪.‬‬
‫مــن ثـ َـم كان مــن األهميــة بمــكان التعــرف علــى ماهيــة الفعــل الجمعــي الرقمــي عندمــا يتعلــق‬
‫بالمجتمــع األكاديمــي وقضايــاه المتشــعبة‪ ،‬واختبــار مــا منحــه التحــول نحــو منصــات تجمــع األفـراد‬
‫فــي مظاهـرة افتراضيــة‪ ،‬مــن فــرص غيــر مســبوقة لمفهــوم» جمعيــة الفعــل»‪ ،‬ومــا تقلصــه كذلــك‬
‫مــن فعاليــات الوجــود علــى األرض بالفكـرة وممثليهــا‪.‬‬
‫‪ 539‬وتستهدف الدراسة الحالية‪ ،‬على وجه التحديد‪ ،‬مجموعة من األهداف منها‪:‬‬
‫•تســليط الضــوء علــى الفعــل الجمعــي الرقمــي كنــوع مــن «االتحــاد» و»التضامــن» االفت ارضــي‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫نتاجــا للمشــاعر الســلبية التــي قــد تنتــاب األكاديمييــن (مشــاعر الغضــب)‪ ،‬خصائصــه وأدواره فــي‬ ‫ً‬
‫الحــركات االجتماعيــة التــي تتخــذ مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي ُمنطلًقــا لهــا‪ .‬ويأتــي تركيــز‬
‫الد ارســة علــى المشــاعر تحديـ ًـدا سـواء الســلبية منهــا ممثلــة فــي الغضــب‪ ،‬أو اإليجابيــة منهــا ممثلــة‬
‫فــي التضامــن أو االتحــاد مــن واقــع التجاهــل البحثــي لمثــل هــذه الدوافــع الشــعورية فــي أدبيــات‬
‫الحــركات االجتماعيــة‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم مــن حضورهــا القــوي فــي كل مرحلــة‪ ،‬وفــي كل جانــب‬
‫مــن جوانــب االحتجــاج‪.‬‬
‫•تســتهدف الد ارســة كذلــك التعــرف علــى الكيفيــة التــي يتــم بهــا إنتــاج أشــكال جديــدة مــن‬
‫الوحــدة والتضامــن عبــر التشــكيالت والتكوينــات الهجينــة لألف ـراد المختلفيــن عبــر النشــاط علــى‬
‫مواقــع وســائل التواصــل االجتماعــي‪ ،‬عبــر اختبــار م ارحــل تشـ ُّـكل الســلطة‪ ،‬ومظاهــر التفاعــالت‪،‬‬
‫والخلفيــات المتشــابهة‪/‬المختلفة‪ ،‬وردود الفعــل المواتيــة والمعاديــة‪ ،‬والنتائــج المرجــوة والفعليــة‬
‫للفاعلييــن األساســيين‪ ،‬وممثلــي حركــة «علمــاء مصــر غاضبــون»‪ ،‬وذلــك عبــر منصتــي فيســبوك‬
‫وتوتيــر بالتحديــد‪ ،‬فضـ ًـال عــن العــرض الكمــي الكلــي لوضــع الحركــة عبــر منصــات اإلنترنــت‬
‫المختلفــة‪.‬‬
‫•يقــوم نشــاط الحــركات االجتماعيــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى أف ـراد موزعيــن‬
‫ـادر مــا يتشــاركوا‪ ،‬إن حــدث‪ ،‬فــي عالــم واقعــي يجمــع هويتهــم‪ ،‬ومــن ثـ َـم تســتهدف‬ ‫افيــا ونـ ًا‬
‫جغر ً‬
‫الد ارســة هنــا أن تتوقــف عنــد مفهــوم «البنــاء الرمــزي» لـ ــ»نحــن» المتحــدة التــي عــرض لهــا‬
‫هبرمــاس(‪ ،(71‬ومــا يمكــن أن يعنيــه تطويــر مشــاعر»المصير المشــترك»‪ ،‬ومعاييــر «الرعايــة‬
‫وااللت ـزام» طويــل المــدى تجــاه األف ـراد بعضهــم البعــض‪ ،‬والتراوحــات فــي هــذا االلت ـزام‪ ،‬وأبــرز‬
‫أســبابها‪ ،‬وهــي محــددات الح ـراك االجتماعــي االحتجاجــي التــي تتحداهــا البيئــة الرقميــة لمواقــع‬
‫التواصــل االجتماعــي‪.‬‬

‫‪ -‬اإلجراءات المنهجية للدراسة‪:‬‬


‫يســتعرض الجزء التالي من الد ارســة اإلجراءات المنهجية التي اتبعتها الد ارســة في ســبيل جمع‬
‫موضوعــا فــي إطــار الحركــة االجتماعيــة‬
‫ً‬ ‫وتنظيــم البيانــات النوعيــة محــل التحليــل‪ ،‬والمندرجــة‬
‫ـلوبا‪ ،‬تحــت عنـوان‬ ‫االحتجاجيــة لألكاديمييــن المصريين(علمــاء مصــر غاضبــون)‪ ،‬و ُ‬
‫المدرجــة‪ ،‬أسـ ً‬
‫علمــاء مصــر غاضبــون عبــر فيســبوك‪ ،‬أو عبــر الهاشــتاج نفســه علــى توتيــر‪.‬‬
‫ـر للطبيعــة المختلفــة لــكال منصتــي التحليــل‪ ،‬اتبعــت الد ارســة أســلوبين مختلفيــن لتصنيــف‬‫ونظـ ًا‬
‫البيانــات‪ ،‬وإن اتفقــا فــي الموضــوع وتكامــال فــي الغايــة مــن التحليــل‪.‬‬
‫‪540‬‬
‫بالنسبة إلجراءات وعينة فيسبوك‪ :‬تضمن التحليل الموضوعي قراءة دقيقة لمنشورات مختارة‬
‫فــي محاولــة لفصلهــا إلــى موضوعــات‪ ،‬أو قصــص متماســكة ومترابطــة ‪Connected threads‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫‪ ،of themes‬ومــن ثَــم تتبــع مواقف‪/‬تعليقــات المشــاركين‪ ،‬عبــر ثــالث م ارحــل متتاليــة‪ .‬اعتمــدت‬
‫المرحلة األولى على أســلوب المالحظة المباشـرة‪ /‬الطبيعية(‪Natural Observation )NO‬‬
‫لجمــع المنشــورات (العامــة) والتعليقــات المتصلــة بهــا‪ ،‬بينمــا تــم تحليــل هــذه التعليقــات تحليـ ًـال‬
‫كيفيــا فــي مرحلــة الحقــة‪ ،‬بينمــا تمثلــت المرحلــة الثانيــة فــي توظيــف أســلوب «التفكيك‪/‬التحليــل‬ ‫ً‬
‫الموضوعــي»‪ ،Thematic Decomposition‬لســتنر (‪ (72( Stenner’s )1993‬لمجموعــة‬
‫متنوعــة مــن الم ـواد التــي نشــرت عبــر شــبكة اإلنترنــت بوجــه عــام‪ ،‬مــا بيــن مواقــع إلكترونيــة‪،‬‬
‫مدونــات شــخصية‪ ،‬مقــاالت رأي عبــر مواقــع شــخصية‪...‬الخ‪ ،‬شـريطة أن يكــون قــد أُعيــد نشــرها‬
‫مـرة أخــرى علــى فيســبوك‪ ،‬وتحديـ ًـدا فــي مجموعــات «سـرية» أو «خاصــة» تمكنــت الباحثــة مــن‬
‫ويعنــى أســلوب التفكيــك الموضوعــي للمضمــون‬ ‫االنضمــام إليهــا بحكــم طبيعــة عملهــا األكاديمــي‪ُ .‬‬
‫بمبــادئ تحليــل الخطــاب لفهــم كيفيــة مســاهمة المواقــف الموضوعيــة لألف ـراد فــي بنــاء الظواهــر‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ومــن ثــم يعتمــد علــى تقديــم ق ـراءة دقيقــة لنصــوص مختــارة فــي محاولــة لتصنيفهــا‬
‫إلــى فئــات موضوعيــة‪ ،‬أو قصــص ذات ســياقات مترابطــة‪ .‬ويســتعرض الجــدول التالــي مجموعــة‬
‫المواقــع محــل التحليــل‪ ،‬والتــي ُجمعــت وصنفــت مــن مجموعــات الفيســبوك الخاصــة و‪ /‬أو السـرية‬
‫محــل التحليــل‪ ،‬وهــي صفحــات (علمــاء مصــر غاضبــون بجــد‪ ،‬أســاتذة الجامعــات المصريــة مــن‬
‫المعيــد إلــى األســتاذ‪ ،‬أســاتذة الجامعــات المصريــة مــن المعيــد لألســتاذ فقــط)‪ ،‬كمــا تــم احتســاب‬
‫طبيعــة التفاعــالت التــي جــرت علــى المنشــورات محــل التحليــل(‪ (73‬بهــدف إب ـراز دواعــي اختيــار‬
‫هــذه المنشــورات ِبنــاء علــى حجــم التفاعــالت التــي حظيــت بهــا(‪ ،(74‬كالتالــي‪:‬‬

‫جدول رقم (‪)1‬‬


‫‪Type‬‬ ‫‪Reactions‬‬ ‫‪Likes‬‬ ‫‪Comments Shares Interactions‬‬

‫نوع المؤسسة مصدر المنشور‬ ‫التفاعل‬ ‫اإلعجابات‬ ‫التعليقات‬ ‫المشاركة‬ ‫إجمالي‬


‫التفاعالت عبر‬
‫عديد المصادر‬
‫مؤسسة إعالمية إخبارية‬ ‫‪375‬‬ ‫‪3.7k‬‬ ‫‪415‬‬ ‫‪777‬‬ ‫‪5.3k‬‬

‫‪Media/News Company‬‬
‫‪)bbcnewsarabic,Almokef.‬‬
‫(‪almasry‬‬

‫مؤسسة إنتاج إعالمي‬ ‫‪693‬‬ ‫‪2.1k‬‬ ‫‪157‬‬ ‫‪385‬‬ ‫‪3.3‬‬

‫‪Broadcasting & Media‬‬


‫‪Production Company‬‬
‫(‪)aja.egypt‬‬ ‫‪541‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫موقع إخباري‬ ‫‪358‬‬ ‫‪1.5k‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪1.8k‬‬

‫‪News media website‬‬


‫(‪)Rassdnewsn‬‬
‫قناة تليفزيونية ‪TV Channel‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪385‬‬ ‫‪243‬‬ ‫‪362‬‬ ‫‪1.058‬‬

‫(المحور‪ ،‬التليفزيون العربي)‬


‫صحيفة ‪Newspaper‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪162‬‬
‫(الشروق)‬

‫ـر ســعت المرحلــة الثالثــة فــي هــذا التحليــل إلــى دمــج بيانــات الخطوتيــن الســابقتين‬‫وأخيـ ًا‬
‫‪ ،Triangulating the data‬بهــدف الوقــوف علــى الفئــات الموضوعيــة المشــتركة‪ ،‬والمختلفــة‬
‫فيمــا بينهــا‪ ،‬بمــا يســاعد فــي رســم الصــورة الكليــة لتفاعــالت الحركــة عبــر فيســبوك‪.‬‬

‫أمــا بالنســبة إلجـراءات وعينــة توتيــر‪ :‬اعتمــدت الد ارســة علــى تحليــل المنشــورات التــي احتــوت‬
‫علــى عبــارة «علمــاء مصــر غاضبــون‪ ،‬أو تلــك التــي وظفــت الهاشــتاج الــذي يتضمــن الكلمــات‬
‫نفســها‪ ،‬وذلــك فــي الفتـرة مــن ‪ 26‬أغســطس‪ ، 2019‬وحتــى ‪ 19‬ســبتمبر مــن العــام نفســه (وهــو‬
‫‪542‬‬ ‫التاريــخ الــذي أُعلــن فيــه عــن اإلفـراج عــن الدكتــور طــارق الشــيخ مؤســس الحركــة فــي بــادرة إلنهــاء‬
‫الملــف‪ ،‬علــى مســتوى وجــوده وفعالياتــه الرقميــة علــى األقــل)‪ .‬ويرجــع اقتصــار التحليــل علــى‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ـر لحــدود البحــث التــي اعتمدتهــا الد ارســة عنــد اختيــار تغريــدات توتيــر‬ ‫الفتـرة الســابقة تحديـ ًـدا نظـ ًا‬
‫محــل التحليــل بمــا يضمــن االعتمــاد علــى التغريــدات التــي حظيــت بتفاعــل كبيــر‪ ،‬وبمــا جعلهــا‬
‫كمــا واسـ ًـعا مــن الــردود ‪ ،Replies‬أو اإلعجابــات ‪ ،Likes‬او إعــادة التغريــد ‪Retweets‬؛‬ ‫تثيــر ً‬
‫حيــث جمعــت الد ارســة التغريــدات التــي جمعــت تعليقــات ال تقــل (‪ )20‬تعليــق كحــد أدنــى‪،‬‬
‫وحظيــت علــى (‪ )50‬إعجــاب كحــد أدنــى كذلــك‪ ،‬فضـ ًـال عــن (‪ )50‬إعــادة تغريــد‪.‬‬
‫ولتصــور كيفيــة تحويــل خــط ســير التغريــدات محــل التحليــل والــردود‪ ،‬ثــم إعــادة التغريــد التــي‬
‫ترتبــط بهــا بشــكل تفاعلــي‪ ،‬صممــت الد ارســة المخطــط البيانــي (الشــكل رقــم ‪ ،)2‬والــذي يشــير إلــى‬
‫ـادا علــى‬‫آليــة ترتيــب وتسلســل المشــاركات ونــوع التفاعــالت التــي تتــم فــي كل واحــدة منهــا اعتمـ ً‬
‫نــوع القضيــة التــي تثيرهــا أو تعلــق عليهــا وطبيعــة الــرد أو التعليــق‪.‬‬
‫اعــا مختلفــة مــن التفاعــالت التــي يمكــن وردت‬ ‫ويمثــل التصنيــف الموضــح فــي هــذا الشــكل أنو ً‬
‫علــى التغريــدات محــل التحليــل مثــل تقديــم المعلومــات‪ ،‬واإلتفــاق‪ ،‬واالنتقاد‪..‬الــخ‪ .‬ويشــير هــذا‬
‫أيضــا إلــى الفــروق الدقيقــة بيــن التفاعــالت المختلفــة كأن يكــون اتفــاق صريــح أو‬ ‫التصنيــف ً‬
‫طا‪/‬غيــر مرتبــط بموضــوع المنشــور‪ .‬وقــد ســاعد تصنيــف‬ ‫ضمنــي‪ ،‬أو أن يكــون الطلــب مرتب ً‬
‫البيانــات بالشــكل الســابق كذلــك فــي الكشــف عــن نقــاط االهتمام‪/‬االرتــكاز المشــتركة بيــن البيانــات‬
‫الكبي ـرة لموضــوع الحركــة محــل البحــث‪ ،‬فــي مقابــل تلــك التــي تشــير إلــى موضــوع غيــر ذي‬
‫صلــة بالتغريــدة‪ ،‬أو تمتــدح المنشــور األصلــي دون اإلشــارة إلــى الحملــة نفســها‪...‬وهكذا‪ ،‬كمــا‬
‫تاليــا‪ .‬وقــد بلــغ عــدد هــذه التغريــدات (‪ )11‬تغريــدة رئيســية(‪ ،(75‬ثــم تــم اســتخدام هــذه‬ ‫هــو موضــح ً‬
‫التغريــدات «االفتتاحيــة» لجمــع سالســل المحادثــات التــي بدأوهــا‪ ،‬ومــن ثَّــم بلــغ إجمالــي مــا تــم‬
‫تحليلــه مــن ردود عليهــا (‪ )1460‬تغريــدة فرعيــة أو رد(‪.(76‬‬

‫‪543‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫سابعا‪ :‬نتائج الدراسة‬


‫ً‬

‫‪ -‬المشهد السابق عبر فيسبوك‪ :‬خلفيات الحتجاج وإرهاصاته‪:‬‬


‫يســتلزم العــرض التحليلــي للنشــاط الرقمــي لحركــة األكاديمييــن المصرييــن ممثلــة فــي حملــة‬
‫«علماء مصر غاضبون» الوقوف على السياقات والخلفيات التي أحاطت بالحركة‪ ،‬والظروف‬
‫المتراكمــة‪ ،‬والمشــكالت المعقــدة التــي عبــر عنهــا أعضــاء المجتمــع األكاديمــي المصــري قبــل‬
‫الوصــول إلــى القشــة التــي قصمــت ظهــر البعيــر؛ حيــث تربــط بعــض الروايــات التفســيرية لنقطــة‬
‫انطــالق الح ـراك التدوينــي ألســاتذة الجامعــات والباحثيــن بوفــاة أســتاذ شــاب عضــو فــي مركــز‬
‫البحــوث الزراعيــة؛ حيــث ُذكــر أن ســبب الوفــاه يعــود إلــى تعرضــه لعــدوى بكتيريــة أثنــاء قيامــه‬
‫ـض النظــر عــن صحــة هــذا الربــط‪ ،‬فإنــه الشــك أن انطــالق‬ ‫ببعــض التجــارب فــي المركــز‪ .‬وبغـ ّ‬
‫الحركــة تحــت مســمى “علمــاء مصــر” ينطلــق مــن أهميــة الــدور العلمــي والبحثــي ألعضــاء هيئــة‬
‫التدريــس بالجامعــات والم اركــز البحثيــة المصريــة كمــا حاولــت الحركــة إبـ ارزه‪ ،‬وهكــذا ركــزت معظــم‬
‫المنشــورات التــي مثلــت مشــاركات أعضــاء هيئــة التدريــس فــي مجموعــات فيســبوك (تحديـ ّـدا‪،‬‬
‫وبــادىء ذي بــدء) والمهتمــة بشــئون األكاديمييــن‪ ،‬المنتســبين للجامعــات المصريــة المختلفــة‪،‬‬
‫والحكوميــة منهــا علــى وجــه التحديــد‪ ،‬بــؤرة التركيــز علــى هــذا الــدور بالتســاوي مــع الــدور‬
‫األكاديمــي‪.‬‬
‫انتظمــت مشــاركات أعضــاء هيئــة التدريــس عبــر غالبيــة هــذه المجموعــات فــى صــورة منشــورات‬
‫يدلــي أصحابهــا بدلوهــم فــي أمــر مهنــي مــا‪ ،‬وتعليقــات توافــق المنشــور الـرأي‪ ،‬أو تضيــف إليــه‪،‬‬
‫أو تخالفــه وتقتــرح بديـالً‪ ،‬أو مشــاركة ألخبــار ذات اختصــاص مهنــي‪ .‬واتخــذت هــذه المشــاركات‬
‫أيضــا‬
‫أشــكاالً نصيــة باألســاس‪ ،‬مــع ظهــور محــدود لبعــص الصــور التــى هــي فــي األصــل ً‬
‫نصــوص صيغــت فــي شــكل مصــور العتبــارات قــد تُفهــم علــى أنهــا محاولــة لجــذب االنتبــاه مــن‬
‫صاحــب المشــاركة لموضــوع مشــاركته‪.‬‬
‫ناظمــا لجميــع التفاعــالت الجاريــة عبــر المجموعــات‪ ،‬بــل‬ ‫طــا‬ ‫َّ‬
‫مثلــت «الحقــوق المهنيــة» خي ً‬
‫ً‬
‫يمكــن اعتبارهــا األرضيــة التــي قــام عليهــا نشــاط هــذه المجموعــات‪ ،‬واألســاس الــذي منــه اُطلقــت‬
‫إلكترونيــا» للنقــاش الحــر بيــن أعضــاء هيئــة التدريــس‬
‫ً‬ ‫«متَّسـ ًـعا‬
‫واســتمرت‪ ،‬بحيــث صــارت توفــر ُ‬
‫بالجامعــات المصريــة بشــأن قضاياهــم وش ـواغلهم المهنيــة‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫غالف مجموعة «أساتذة الجامعات المصرية فقط من المعيد إلى األستاذ»‬

‫ويكشــف مســار المنشــورات‪ ،‬عبر هذه النوعية من المجموعات‪ ،‬إلى ما يمكن أن ُيطلق عليه‬
‫منصــات الـ ـ ــ»مطالبــات الحقوقيــة» للمشــتغلين بمهنــة التدريــس الجامعــي‪ ،‬اتســاًقا مــع البروتوكــول‬
‫التعريفــي لغالبيــة هــذه المجموعــات‪ ،‬بوصفهــا «جروبــات مهنيــة» فقــط‪ ،‬وأن عضويتهــا تقتصــر‬
‫علــى «أعضــاء هيئــة التدريــس بالجامعــات (المصريــة)‪ ،‬ومعاونيهــم‪ ،‬وأعضــاء م اركــز البحــوث»‪،‬‬
‫مــع الســماح بإمكانيــة «إضافــة صحفيــي التعليــم لنقــل القضايــا التــي تتبناهــا هــذه المجموعــات‬
‫عبــر وســائل اإلعــالم األخــرى»‪.‬‬
‫وبعــد مراجعــة المنشــورات التــي ســبقت انطــالق هاشــتاج علمــاء مصــر غاضبــون فــي أغســطس‬
‫‪ ،2019‬ومــا أثارتــه هــذه المنشــورات مــن موجــة تعليقــات‪ ،‬أمكــن إدراجهــا فــى فئتيــن عريضتيــن‬
‫همــا‪« :‬المطالبــة بالحقــوق الماليــة‪ ،‬وتحســين الظــروف المعيشــية» أوًال‪ ،‬ثم»مراقبــة التش ـريعات‬
‫المنظمــة للعمــل الجامعــي مــن ناحيــة ثانيــة‪ .‬وتشــتمل الفئــة األولــى علــى كل مــا لــه‬ ‫القانونيــة» ُ‬
‫صلــة بشــكوى أعضــاء هيئــة التدريــس مــن عــدم مالئمــة رواتــب العامليــن ومعاشــات المتقاعديــن‬
‫منهــم‪ ،‬وكذلــك عــدم االهتمــام باألوضــاع الماليــة التــى يكابدونهــا‪ ،‬سـواء مــا تعلــق منهــا باألعبــاء‬
‫المعشــية‪ ،‬أو تلــك التــي تخــص نفقــات البحــث العلمــي والنفقــات الصحيــة التــى يتحملونهــا‪ ،‬مــع‬
‫اإلشــادة بــكل جهــد يبــذل فــى ســبيل تغييــر هــذا الوضــع أو محاولــة تحســينه‪ .‬بينمــا تتعلــق الفئــة‬
‫األخــرى بكافــة النقاشــات التــى كان موضوعهــا تش ـريعات قانونيــة أو الئحيــة تختــص بآليــات‬
‫فص ـالً‬
‫عرضــا ُم ّ‬
‫تنظيــم عمــل أعضــاء هيئــة التدريــس علــى اختــالف رتبهــم العلميــة‪ .‬وفيمــا يلــي ً‬
‫لــكل فئــة مــن فئتــي العــرض‪ ،‬تتضمــن أبــرز النقاشــات الدائـرة فــي محورهــا‪ ،‬ومــا يمكــن اســتقرائه‬
‫المطالــب باإلصــالح إلــى حركــة احتجاجيــة‬ ‫منهــا‪ ،‬بمــا يتيــح فهــم الكيفيــة التــي تطــور بهــا النشــاط ُ‬
‫‪545‬‬

‫ســعت إلــى إحــداث نــوع مــن التنظيــم الذاتــي‪ ،‬والنقابــي لشــئونهم المهنيــة‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫‪‬المطالبات بالحقوق المالية‬


‫قميــا‬ ‫أي حديــث عــن كــون المجموعــات المهنيــة لألكاديمييــن المصرييــن يمكنهــا أن تُمثــل منبـ ًا‬
‫ـر ر ً‬
‫اللتمــاس حقوقهــم الماديــة‪ ،‬اليمكــن فهمــه علــى نحــو متكامــل دون األخــذ فــي االعتبــار «رؤيــة‬
‫الــذات» لديهــم؛ وهــو المفهــوم الــذي ُيقصــد بــه هنــا طبيعــة التقييــم الــذي يوليــه األســاتذة الجامعييــن‬
‫لمهنتهــم ولدورهــم المجتمعــي باعتبارهــم مســئولون عــن إعــداد العقــول‪ ،‬وتكويــن الشــخصيات‪،‬‬
‫وتزويدهــا بالمعــارف والمهــارات الالزمــة كترجمــة حقيقيــة لطبيعــة دور الجامعــة نفســها كمؤسســة‬
‫عبــرت عنهــا مشــاركات متعــددة‪ .‬يغلــب علــى‬ ‫ممثلــة فــي أفرادهــا‪ ،‬وهــى رؤيــة الــذات التــي َّ‬
‫المنشــورات فك ـرة مفادهــا أن البحــث العلمــي ليــس فقــط صــدى لسياســة عامــة ترعاهــا الدولــة‪،‬‬
‫أيضــا مهمــة اجتماعيــة يبــذل القائمــون عليهــا مــن وقتهــم وجهدهــم ومواردهــم للصالــح العــام‬ ‫ولكــن ً‬
‫غيــر ســاعين للمجــد والشــهرة والمــال‪ .‬تظهــر تلــك الصــورة كذلــك فــي تــردد فكـرة أن عضــو هيئــة‬
‫التدريــس ينفــق مــن مـوارده الضئيلــة علــى بحثــه العلمــي‪ ،‬أو أن علمــاء مصــر هــم ثــروة قوميــة‪.‬‬

‫غيــر أن التعليقــات العديــدة أظهــرت مــا يعتــري هــذا التقديــر للــذات مــن شــعور ملحــوظ بالمـ اررة‪،‬‬
‫أحيانــا بطريقــة ســاخرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫والعجــز الفتقــاد التقديــر المــادي المناســب‪ ،‬وهــو مــا تــم التعبيــر عنــه‬
‫أحيانــا أخــرى بصــورة تقريريــة‪.‬‬
‫و ً‬

‫‪546‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الم ِّ‬
‫عبـرة عــن تــأزم وضــع «الحقــوق الماليــة» مــن جانــب أعضــاء المجموعــات‪،‬‬ ‫تكـ َّـررت المواقــف ُ‬
‫ـور دارت حولــه معظــم النقاشــات‪ ،‬واســتوعب حديــث الحقــوق نقاشــات عديــدة‪ ،‬لــم‬ ‫ومثلــت محـ ًا‬
‫يكــن أطرافهــا مــن حديثــي التعييــن فــى ســلك العمــل الجامعــي فقــط‪ ،‬وإنمــا شــارك فيهــا أســاتذة‬
‫كبــار الســن كمــا يظهــر مــن تعريفهــم ألنفســهم عبــر حســاباتهم الشــخصية‪ ،‬كمــا تباينــت أعمــار‪،‬‬
‫وتخصصــات المشــاركين‪ ،‬ونوعهــم االجتماعــي‪ .‬وقــد اســتحوذ حديــث الحقــوق الماليــة علــى‬
‫نقاشــات مطولــة مــن األعضــاء‪ ،‬واتجهــت أغلــب هــذه النقاشــات إلــى التأكيــد علــى صعوبــة‬
‫الوضــع المالــي لعضــو هيئــة التدريــس الــذي هــو رب أس ـرة‪ ،‬ومطالــب بنفقــات معيشــية الئقــة‬
‫مجتمعيــا؛‬
‫ً‬ ‫بمكانتــه‪ ،‬بخــالف نفقــات عملــه البحثــي‪ ،‬وبالتالــي يجــد نفســه فــي موقــف شــديد الحــرج‬
‫إضافيــا‪ ،‬وعليــه أن يحافــظ علــى وجاهتــه‬
‫ً‬ ‫إذ ليــس بوســعه ممارســة عمــل آخــر يتكســب منــه دخـالً‬
‫عبــر عنهــا بوضــوح‬ ‫االجتماعيــة علــى األقــل أمــام طالبــه وبيــن زمالئــه‪ ،‬وهــي «المعانــاة» التــي َّ‬
‫الكثيــر مــن المنشــورات ذات الصلــة(‪.(77‬‬
‫غيــر أن هــذه النوعيــة مــن المنشــورات الكاشــفة لــم تخــرج عــن إطــار البــوح الذاتــي بيــن أف ـراد‬
‫المجموعــات‪ ،‬والــذي لــم يعـ ُـد كونــه شــكالً مــن أشــكال التشــخيص للحــال غيــر المتبــوع بفعــل‪،‬‬
‫أو حتــى مقتــرح فعــل للتغييــر‪ ،‬وليــس أدل علــى هــذا مــن أن دوران معظــم التعليقــات فــي فلــك‬
‫التأييــد والتدعيــم بأمثلــة داعمــة ممزوجــة بدفعــات غضــب مــا تلبــث أن تهــدأ بعــد أن يوجــه أحدهــم‬
‫للغاضبيــن س ـؤال عمــا فــي الوســع فعلــه‪ .‬وهكــذا ينتهــي النقــاش إلــى مــا تنتهــى إليــه غالبيــة‬
‫النقاشــات المماثلــة بدع ـوات «صــالح الحــال»‪.‬‬
‫لــم يخــل النقــاش عبــر الصفحــات ذات الصلــة مــن عــرض لحــاالت شــخصية تجســد معانــاة‬
‫األســتاذ الجامعــي‪ ،‬كــذا لــم تغــب المقارنــة مــع العامليــن فــى وظائــف أخــرى عــن نقاشــات األعضــاء‬
‫أحيانــا‪ ،‬أو التهكــم عليــه فــي أحيــان‬
‫ً‬ ‫المجموعــة‪ ،‬بــل بقيــت حاض ـرة وباعثــة علــى رثــاء الحــال‬
‫أخــرى(‪.(78‬‬
‫ار عــن ضيقهــم مــن اإلضطـرار لتحمــل نفقــات‬ ‫عبــر أعضــاء المجموعــة مـرًا‬ ‫وفــي منحــى ُمكمــل‪َّ ،‬‬
‫النشــر س ـواء المحلــي أو الدولــي وســدادها مــن دخولهــم الخاصــة بســبب افتقــاد التمويــل الكافــي‬
‫مــن المؤسســات الجامعيــة التــي ينتمــون لهــا(‪.(79‬‬
‫أحــد أوجــه الحقــوق التــي رأى المشــاركون فــي التفاعــالت أنهــا مهضومــة كانــت مكافــآت‬
‫اإلشـراف علــى الرســائل العلميــة‪ ،‬وكان أحــد أوجــه انتقــادات هــذه المكافــات هــو ضألتهــا مقارنــة‬
‫بالجهــد الــذي تصــرف مــن أجلــه‪ ،‬باإلضافــة إلــى ارتفــاع المصروفــات الد ارســية التــي يســددها‬
‫طالــب الد ارســات العليــا دون أن توازيهــا زيــادة فــي المكافــاة المقــررة لعضــو هيئــة التدريــس فــي‬
‫‪ 547‬اإلشراف أو المناقشة(‪ .(80‬أثارت االستفهامات االستنكارية التي حوتها المنشورات السابقة حول‬
‫المقابــل المــادي لجهــد اإلشـراف العلمــي فــي مرحلــة الد ارســات العليــا‪ ،‬أثــارت مبــاراة ســاخنة مــن‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫التعليقــات‪ ،‬لكنهــا تعليقــات لــم تحمــل إجابــات بقــدر مــا تمــادت فــي رثــاء الواقــع واألســف لتدهــور‬
‫الحالــة ومعهــا المكانــة‪ .‬ومــن ثَّــم يمكننــا إجمــال الحقــوق الماليــة التــي طالــب بهــا األكاديميــون‬
‫فــى‪ )1 :‬الحــق فــي دخــل كريــم ‪ )2‬الحــق فــي بــدالت مناســبة ‪ )3‬الحــق فــي تمويــل مالئــم لتغطيــة‬
‫نفقــات اإلنتــاج العلمــي‪.‬‬

‫‪‬مراقبة التشريعات القانونية‬


‫لــم تكــن النقاشــات بشــأن التش ـريعات القانونيــة‪ ،‬س ـواء القائمــة منهــا بالفعــل أو التــي ما ازلــت‬
‫قيــد الد ارســة‪ ،‬منفصلــة عــن حديــث المطالبــات الماليــة؛ فالقوانيــن واللوائــح الجامعيــة تنظــم‬
‫مســائل الرواتــب‪ ،‬والبــدالت‪ ،‬ومكافــآت اإلشـراف‪ ،‬وعــدد أيــام العمــل‪ ،‬وتوزيــع األعبــاء التدريســية‬
‫واإلشـرافية وغيرهــا‪ .‬ولعــل نقطــة البــدء هنــا تتمثــل فــي ذلــك السـؤال الــذي طرحــه عضــو بمجموعــة‬
‫مــن المجموعــات‪ ،‬وطلــب مــن بقيــة األعضــاء اإلجابــة عنــه‪ ،‬وكان‪« :‬هــل قـرأت وعرفــت وفهمــت‬
‫قانــون تنظيــم الجامعــات الــذي ينظــم عملــك؟!»‪.‬‬
‫أظهــرت نتيجــة هــذا االســتطالع أن الغالبيــة العظمــى مــن األعضــاء المشــاركين لــم يكــن لديهــم‬
‫اإلطــالع الكافــي علــى كامــل م ـواد وبنــود القانــون‪ ،‬وأن معرفتهــم بــه جزئيــة ومحــدودة للغايــة‪،‬‬
‫غيــر أن االســتخالص الســابق لــم ينــف وجــود بعــض األعضــاء ممــن توافــرت لهــم معرفــة‬
‫وافيــة بالقوانيــن الخاصــة بالجامعــات‪ ،‬وقــد كان ه ـؤالء يعيــدون نشــر بعــض م ـواد قانــون تنظيــم‬
‫الجامعــات‪ ،‬مــع اإلشــارة إلــى مــا يعتريهــا مــن غمــوض وتعميــم مــع اإلحالــة للوائــح التنفيذيــة‪ .‬مثــل‬
‫المـواد ‪ 195‬الخاصــة بالرواتــب‪ ،‬و ‪ 293‬و‪ 294‬و‪ 295‬مــن قانــون تنظيــم الجامعــات رقــم ‪49‬‬
‫لســنة‪ ،1972‬والخاصــة بمكافــآت اإلش ـراف علــى رســائل الماجســتير والدكتــوراه‪.‬‬

‫‪‬ما العمل؟‬
‫شــغل س ـؤال «مــا العمــل؟!» أعضــاء المجموعــات؛ فالتفكيــر فــي حلــول للمعانــاة الماديــة‬
‫ألغلبهــم‪ ،‬وترقــب إطــار قانونــي أكثــر تمثيـالً الحتياجاتهــم‪ ،‬وجــه الكثيــر مــن نقاشــاتهم وتعليقاتهــم‪،‬‬
‫وعبــر بعضهــم عــن هــذا الشــاغل فــي الكثيــر مــن الصــور االســتفهامية االســتنكارية‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪548‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫عولــت بعــض النقاشــات علــى ضــرورة التدخــل الحكومــي‪ ،‬وقيــام البرلمــان بإجـراء تعديــالت‬ ‫وقــد َّ‬
‫تشـريعية تكفــل حيــاة كريمــة ألعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬بينمــا مالــت مقترحــات أخــرى لتأييــد الحــل‬
‫الفــردي‪ ،‬واتخــاذ كل عضــو «التدابيــر» التــي تضمــن لــه دخـ ًـال مناسـ ًـبا بــال تعويــل علــى قـ اررات‬
‫رســمية‪.‬‬
‫وهكــذا لــم تخــرج التجمعــات اإللكترونيــة المتعــددة ألعضــاء هيئــة التدريــس عــن كونهــا «مجــرد‬
‫كالم بنواســى بيــه بعــض» علــى حــد تعبيــر أحــد المشــاركين؛ حيــث غــاب «التنظيــم الذاتــي‬
‫الفاعــل للجمــوع»‪ ،‬واتســعت هــوة الثقــة بينهــم وبيــن بعضهــم البعــض مــن جهــة‪ ،‬وبينهــم وبيــن‬
‫المســئولين الحكومييــن مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬مــا دعــا أحــد األعضــاء إلــى الجهــر بعــدم إيجابيــة‬
‫أعضــاء هيئــة التدريــس الجامعــي بالقــول بصيغــة االســتنكار «ايــوة ولمــا بنقــول للناس اعمل ـوا‬
‫حاجة علــى أرض الواقــع ولــو مجــرد اجتمــاع بــس بيعملـوا ايــه؟ لمــا بنقــول للنــاس شــاركوا فــي‬
‫تصويــت حتــى علــى الفيــس مــش مطلــوب غيــر ضغطــة زر عشــان اللــي فــوق يحسـوا حتــى‬
‫إن لســة فيــه روح النــاس بتعمــل ايــه؟»‪ ،‬وربمــا مــن هنــا جــاءت «ضغطــة الــزر‪..‬‬

‫‪-‬ماذا بعد؟! أنشطة الحركة تحت المجهر‬


‫‪ 549‬يختلف حراك “علماء مصر غاضبون” في أدوات الفعل عن غيره من الحركات االجتماعية؛‬
‫حيــث انحصــر فــي المســاحة اإللكترونيــة التــي أتاحتهــا مجموعــات فيســبوك‪ ،‬التــي ت ـراوح عــدد‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫أعضائهــا بيــن ‪ 8000‬و‪ 20000‬عضــو‪ ،‬غالبيتهــم ممــن يعلــن انتمــاءه ص ارحــة لهيئــة التدريــس‬
‫فــي جامعــة حكوميــة مصريــة معينــة‪ ،‬وذلــك فضـ ًـال عــن كتابــة التغريــدات عبــر موقــع توتيــر‪،‬‬
‫وتفعيــل الهاشــتاجات ذات الصلــة بالحركــة مــن خاللــه‪ .‬وكــذا اتبعــت الحركــة طريقــة التدويــن عبــر‬
‫بعــض المدونــات الخاصــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى كتابــة المقــاالت فــي العديــد مــن المواقــع اإللكترونيــة‪،‬‬
‫هــذا علــى مســتوى اختــالف الوســيلة و‪ /‬أو الشــكل‪ .‬أمــا علــى مســتوى الموضــوع‪ ،‬فقــد تمحــورت‬
‫منشــورات الحركــة حــول مطالبــة أعضــاء هيئــات التدريــس بالجامعــات المختلفــة بإعــادة النظــر فــي‬
‫رواتبهــم وأوضاعهــم الوظيفيــة‪ ،‬وبهــذا يكــون االختــالف الثانــي فــي الح ـراك الحالــي هــو الغيــاب‬
‫ـور للح ـراك الجامعــي ســابًقا‪ ،‬لتركــز الحركــة‬ ‫ـام لشــعار «اســتقالل الجامعــات» الــذي كان محـ ًا‬ ‫التـ ّ‬
‫علــى ت ارجــع الرواتــب والحوافــز والعــالوات والزيــادات والمعاشــات‪ ،‬وعــدم تناســبها مــع متطلبــات‬
‫الحيــاة‪ .‬وهكــذا ُيالحــظ صعــود خطــاب الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة (المطالــب الماديــة) فــي‬
‫مقابــل خطــاب الحريــات األكاديميــة‪.‬‬
‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬كان اختيــار مســمى «علمــاء مصــر» كنقطــة انطــالق للحركــة‪ ،‬مدخـ ًـال‬
‫جديـ ًـدا للربــط بيــن قضيــة دخــول أعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬والهيئــة المعاونــة‪ ،‬وقضيتيــن أخرييــن‪،‬‬
‫ومخرجــات منتســبيها‪.‬‬ ‫وهمــا قضيتــي اإلنفــاق علــى البحــث العلمــي‪ ،‬والجــدوى المجتمعيــة للجامعــة ُ‬
‫وانطالًقــا مــن ذلــك‪ ،‬فــإن تأطيــر القضيــة كغضــب «علمــاء» ربمــا أتــى كصــدى لخطــاب رســمي‬
‫ســائد لــدى صنــاع القـرار بالتوجــه نحــو دعــم العلــم والعلمــاء‪ ،‬وهــو مــا أوحــى بإمكانيــة التالقــي مــع‬
‫السياســات العامــة للحكومــة‪ ،‬وفتــح المجــال إلحتماليــة أن تتبنــى الحكومــة فئــة أســاتذة الجامعــة‬
‫بصفتهــم «علمــاء»‪ ،‬أو علــى األقــل تبنــي مطالبهــم كقضيــة عامــة تســتحق النقــاش مثلمــا تتبنــى‬
‫قضايــا فئــات أخــرى (ذوي االحتياجــات الخاصــة – الصحــة العامــة – حقــوق المرأة‪....‬الــخ)‪.‬‬
‫وبالفعــل تــرددت أنبــاء عــن تقــدم لجنــة التعليــم بمجلــس النـواب وقتهــا بطلــب إحاطــة لوزيــر التعليــم‬
‫العالــي وشــؤون البحــث العلمــي للنظــر فــي مطالــب أعضــاء هيئــة التدريــس‪.‬‬
‫بالمثــل‪ ،‬ســلطت االســتراتيجية الخطابيــة لقضيــة الجــدوى االجتماعيــة للتعليــم العالــي‪ ،‬الضــوء‬
‫علــى جــدوى الجامعــة كمــكان للبحــث وأســاس للتقــدم االقتصــادي‪ ،‬والــذي يقتصــر‪ ،‬فــي الغالــب‪،‬‬
‫علــى العلــوم الطبيعيــة فــي مقابــل العلــوم االجتماعيــة واإلنســانية‪ ،‬األمــر الــذي انعكــس علــى‬
‫بعــض المنشــورات التــي ارتبطــت بفكـرة أن البحــث والنشــر العلمــي فــي دوريــات عالميــة ومحليــة‬
‫هــو مــن الشــروط األساســية للترقــي فــي الســلم األكاديمــي‪ ،‬ومــن ثـ ًّـم أ َّ‬
‫ُطــر البحــث العلمــي باعتبــاره‬
‫مهمــة اجتماعيــة‪ ،‬وضــرورة وظيفيــة تميــز أعضــاء هيئــة التدريــس عــن غيرهــم مــن الموظفيــن‬
‫فــي الجهــاز اإلداري للدولــة‪ .‬وقــد أســس هــذا التوجــه ألحــد مبــررات الدعــوة لرفــض قانــون الخدمــة‬
‫‪550‬‬
‫المدنيــة الجديــد‪.‬‬
‫ولعــل التأكيــد علــى الجــدوى االجتماعيــة للبحــث العلمــي كأســاس لتحســين أوضــاع أســاتذة‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الجامعــة يعــود لجــدل تاريخــي قديــم ت ازمــن مــع إنشــاء الجامعــة المصريــة األهليــة فــي مطلــع‬
‫القــرن العشـرين وصاحــب تحوالتهــا المختلفــة فــي مقابــل رأي يشــير بــأن جــدوى العلــم هــي العلــم‬
‫(‪ )knowledge for knowledge sake‬نفسه‪ ،‬في مقابل رأي آخر يشير إلى أهمية العلم‬
‫بهــدف اإلنتــاج وبنــاء المجتمعــات‪.‬‬
‫وبالعــودة إلــى العديــد مــن األدبيــات المتعلقــة بالحــركات االجتماعيــة‪َّ ،‬‬
‫تك َشــف للد ارســة الحاليــة‬
‫أن األبعــاد الثالثــة البــارزة «للحـراك الجمعــي»‪ ،‬و «التضامــن» و «االتحــاد» التــي أكــدت عليهــا‬
‫هــذه األدبيــات تبــدو مفيــدة بالفعــل عنــد تحليــل ممارســات الحــركات االجتماعيــة الرقميــة‪ ،‬وأســاليب‬
‫تعبيرنــا عــن «المشــاعر‪/‬العواطف»‪ .‬وهكــذا عمــدت نتائــج الد ارســة علــى تصنيــف الممارســات‬
‫االحتجاجيــة لحركــة علمــاء مصــر غاضبــون فــي ثــالث ممارســات رئيســية تمثلــت فــي‪:‬‬
‫‪‬الســلوكيات االحتفائيــة بموضــوع الحركــة ومنطلقاتهــا ‪( Ceremonial Behaviors‬تغييــر‬
‫صــورة البروفايــل الشــخصي لشــعار الحملــة‪ ،‬مشــاركة الهاشــتاج علــى منصــات مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي المختلفة‪...‬الــخ)‬
‫‪‬الدعم‪/‬الصحبة غير الرسمية ‪Informal Fellowship‬‬
‫تشكل الهوية الجمعية داخل وخارج المجموعة ‪In-group out-group relations‬‬ ‫‪ُ ‬‬
‫وبنــاء علــى هــذه األبعــاد الثالثــة‪ ،‬تــم تصنيــف طــرق وأســاليب التعبيــر المختلفــة عــن المشــاعر‬
‫المرتبطــة بهــا إلــى ثالثــة مظاهــر رئيســية كانــت كالتالــي‪:‬‬
‫‪‬التصــرف الفــردي واتخــاذ إجـراء نيابــة عــن المجموعــة (تقديــم مطالــب أعضــاء هيئــة التدريــس‬
‫للســيد الدكتــور وزيــر التعليــم العالــي مثـ ًـال‪ ،‬رفــع المطالــب للســيد رئيــس الجمهورية‪....‬الــخ)‬
‫‪‬تحديــد المعاييــر القياســية لســلوك التضامــن (ضــرورة مشــاركة الهاشــتاج الخــاص بالحركــة‪،‬‬
‫توقيــع االســم والرتبــة األكاديميــة بوضوح‪...‬الــخ)‬
‫‪‬االستعداد المدفوع بمشاعر التضامن والغضب نحو مساعدة اآلخرين في المجموعة‬
‫وقــد ســعت الد ارســة إلــى ترتيــب فئــات التحليــل الموضوعيــة فــي هــذه الممارســات مــن خــالل‬
‫الجمــع بيــن الرمــوز المتشــابهة بيــن المنشــورات محــل التحليــل‪ ،‬بهــدف اســتخالص تأثيــر المحتــوى‬
‫ـار للمشــاركين‪ ،‬بمــا يعــزز فكـرة «جمعيــة الســلوك االحتجاجــي‪ ،‬كالتالــي‪:‬‬
‫ار وانتشـ ًا‬
‫األكثــر تكـرًا‬

‫‪551‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الحتجــاج ‪ - Practice of protest-‬تقديم شكاوى والتماسات رسمية‪ ،‬ومذكرات احتجاجية لمتخذي‬


‫القرار‪.‬‬ ‫‪ing‬‬
‫‪ -‬اإللتزام نحو القضية رغم الخوف‬
‫‪ -‬التقاط صور لالنتهاكات الفعلية أو المحتملة لوضعية أعضاء هيئة‬
‫التدريس‬
‫‪ -‬التركيز على الحوادث المفصلية في واقع حياة األكاديميين‬
‫المصريين‪ ،‬ولو بهدف دعم وتكريم الزمالء النشطيين في الحركة‪ ،‬أو‬
‫هؤالء الذين تعرضوا لمواقف صعبة في المهنة‪.‬‬
‫‪ -‬صور منشورة (أشبه بالبيان السياسي) معلومة أو مجهولة المصدر‬ ‫المشاركة ‪Practice of Sharing‬‬
‫لتبعات المشكالت المالية التي يواجهها األكاديميون(على سبيل‬
‫المثال‪ :‬صورة عضو هيئة معاونة اضطر للعمل في مهنة البناء لسد‬
‫احتياجات أسرته التي ال يكفيها مرتب الوظيفة الجامعية) على صفحة‬
‫المدارة مركزًيا من خالل األدمن‪.‬‬
‫فيسبوك ُ‬
‫‪ -‬التماهي مع القضية وصبغتها الجمعية‬
‫‪ -‬عمومية المنشورات للتسهيل على الجميع المشاركة واإلنتماء لها‬
‫‪“ -‬اإلعجاب” والمشاركة‪ ،‬والتعليق على محتوى الصفحة‬ ‫التضخيم ‪Practice of‬‬
‫المتخيلة‬
‫‪ -‬دعم وتقوية “الروح” الجمعية ُ‬ ‫‪amplification‬‬
‫ال تقتصر على التواصل المباشر‪ /‬التواصل الثنائي مع مشرفي‬ ‫الدعم‪/‬الصحبة غير الرسمية‬
‫الصفحة‪ ،‬والمتحدثين باسم الحركة‬ ‫‪Practice of informal fel-‬‬
‫‪lowship‬‬
‫‪ -‬الممارسة الفعالة للمشاركة (إنتاج محتوى لـلصفحة)‬ ‫تشكل الهوية الجمعية (داخل‬
‫‪ -‬تكوين‪/‬اجتــذاب نشــطاء وداعمييــن للقضيــة (أكثــر شــجاعة فــي‬ ‫وخارج المجموعة)‪Practice of‬‬
‫المجموعــة)‬ ‫‪identification‬‬
‫‪ -‬الممارســة الســلبية للمشــاركة (االكتفــاء بمتابعــة الصفحــة‪ ،‬اإلعجــاب‪،‬‬
‫التعليــق)‬
‫‪ -‬تكوين حلفاء ‪ /‬داعمين‬
‫المعارضــة (كتابــة التعليقــات المحايدة‪/‬الرماديــة الطابــع‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬الممارســة‬
‫الســلبية الناقــدة)‬
‫أيضــا‪ ،‬أو علــى أرض‬ ‫ً‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫قمي‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫إ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫خارج‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ع‬‫فر‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ع‬‫مجمو‬ ‫‪ -‬إنشــاء‬
‫الواقــع‪.‬‬

‫وتســتعرض الســطور التاليــة تفصيـ ًـال مظاهــر الفعــل االحتجاجــي الجمعــي لحركــة «علمــاء‬
‫مصــر غاضبــون»‪ ،‬وأشــكال التضامــن التــي أفرزتهــا الطبيعــة الخاصــة للتواصــل‪ ،‬وممارســة‬
‫‪552‬‬ ‫الحركــة ألنشــطتها عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي مــن جهــة‪ ،‬وعلــى مســتوى مواقــع اإلنترنــت‬
‫األخــرى التــي رصدتهــا الد ارســة‪ ،‬كمــا ســبقت اإلشــارة‪ ،‬علــى الجانــب اآلخــر‪ .‬وذلــك بتفصيــل‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫العناصــر الثالثــة التــي تــم إجمالهــا ســابًقا بشــأن تصنيــف الممارســات االحتجاجيــة لحركــة علمــاء‬
‫مصــر غاضبــون‪ ،‬وهــي الســلوكيات االحتفائيــة بموضــوع الحركــة ‪،Ceremonial Behaviors‬‬
‫والدعم‪/‬الصحبــة غيــر الرســمية ‪ ،Informal Fellowship‬وتشـ ُـكل الهويــة الجمعيــة داخــل‬
‫وخــارج المجموعــة ‪In-group out-group relations‬‬
‫ـيدا للمرحلــة الثالثــة مــن التحليــل ‪The triangulation pro-‬‬ ‫مثلــت هــذه العناصــر تجسـ ً‬ ‫َّ‬
‫‪cess‬؛ حيــث تقــف عنــد نقــاط التالقــي واالختــالف بيــن عناصــر التحليــل فــي مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي‪ ،‬فــي مقابــل المواقــع األخــرى‪.‬‬

‫‪ .1‬السلوكيات الحتفائية ‪Ceremonial Behaviors‬‬


‫تجلــت ممارســات النشــاط فــي حركــة «علمــاء مصــر غاضبــون» بشــكل أساســي فــي المحتــوى‬
‫المنشــور علــى الصفحــة التأسيســية الرئيســية للحركــة عبــر فيســبوك‪ ،‬ثــم مــا لبثــت أن انتشــرت‬
‫عبــر مجموعــة مــن الصفحــات الفرعيــة‪ ،‬التــي حملــت اســم الصفحــة الرئيســية نفســه‪ ،‬مــع بعــض‬
‫اإلضافــات علــى مســتوى االســم (علمــاء مصــر غاضبــون بجــد)‪#( ،‬علماء_مصر_غاضبــون)‪،‬‬
‫أو علــى مســتوى الصــور الرئيســية (صــورة البروفايــل)‪( ،‬صــورة غــالف الصفحــة) الممي ـزة‬
‫للصفحــة‪ .‬وقــد أمكــن للد ارســة‪ ،‬كمــا ســبقت اإلشــارة‪ ،‬تمييــز ثــالث ممارســات أساســية‪ ،‬جــاءت‬
‫تحــت مظلــة الســلوك االحتفالــي‪ ،‬وهــي ممارســة االحتجــاج‪ ،‬والمشــاركة والتضخيــم‪.‬‬

‫(‪ )1/1‬ممارسة الحتجاج ‪Practice of protest‬‬


‫ثمنــا للعلــم بعــد أن‬
‫يحكــي المنشــور (االفتتاحــي) للحركــة عــن قصــة باحــث «دفــع حياتــه ً‬
‫‪81‬‬

‫أصابتــه بكتيريــا قاتلــة ليتــرك لعائلتــه راتبــا تقاعديــا قــدره ‪ 900‬جنيــه‪ .‬خُلــف المنشــور عاصفــة مــن‬
‫التعليقــات والحكايــا المماثلــة الكاشــفة للكثيــر مــن األوضــاع المترديــة التــي يعيشــها العاملــون فــي‬
‫مجال البحث العلمي في مصر‪ ،‬من طالب د ارســات عليا وأســاتذة جامعات ‪ .‬وندد المشــاركون‬
‫فــي الحركــة وقتهــا بالحالــة المتدنيــة التــي وصــل لهــا عضــو هيئــة التدريــس بالجامعــات المصريــة؛‬
‫حيــث يلجــأ معظمهــم إلــى عمــل إضافــي حتــى يســتطيعون ســد احتياجاتهــم‪ ،‬بينمــا يمتنــع آخــرون‬
‫ألســباب عديــدة منهــا طبيعــة المهنــة التــي تســتلزم نظ ـرة الئقــة ألعضــاء هيئــة التدريــس‪ ،‬ومنهــم‬
‫مــن آثــر العفــة وعـزة النفــس (طبًقــا لمــا ُنشــر وقتهــا)‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫تباعــا‪ ،‬توالــى نشــر الروايــات الشــخصية للمئــات مــن أعضــاء هيئــة التدريــس فــي جامعــات‬ ‫ً‬
‫إحساســا‬
‫ً‬ ‫ـتوى‬
‫مصــر المختلفــة‪ ،‬وعلــى مسـ كل التخصصــات‪ ،‬إمــا فــي صــور وروايــات جــادة تحمــل‬
‫غيــر خفــي بالغبــن ‪ ،‬ومشــاعر الغضــب‪ ،‬أو معتمــدة علــى الســخرية الباكيــة مــن كبيعــة األوضــاع‪:‬‬
‫«أنــا أســتاذ هندســة ميكانيكيــة واستشــارى فــي الهيئــة المصريــة للمواصفــات القياســية‪ ،‬وعضــو‬
‫فــي إحــدى اللجــان الفنيــة ‪ -‬صــدق أو ال تصــدق ‪ -‬مكافــأة اللجنــة ‪ 89‬جنيــه ويتــم صرفهــا الحًقــا‬
‫بعــد أكثــر مــن ‪ 3‬أشــهر»‬
‫بينمــا نشــر حســاب منتصــر حســن‪ ،‬صــورة قــال إنهــا لمعيــد فــي إحــدى جامعــات الصعيــد‪ ،‬يعمــل‬
‫صباحــا فــي الجامعــة‪ ،‬ومســاء فنــي تركيبــات لتجهيـزات الســوبر ماركــت‪ ،‬معلًقــا‪:‬‬
‫َ‬
‫«يعنــي فنــي تركيــب بدرجــة معيــد زي مابيقول ـوا»‪ ،‬وعلــل ذلــك بالقــول‪« :‬كل ده‬
‫طبعــا علشــان الواحــد يعــرف يعيــش بــس مــش عشــان اجيــب شــقة أو عربيــة أو‬
‫ـبيال»‬ ‫حتــى اتجــوز ألن الج ـواز بالنســبالي بقــى زي الحــج لمــن اســتطاع إليــه سـ ً‬

‫‪554‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫بينمــا نشــر أحــد أعضــاء هيئــة التدريــس جامعــة األزهــر ‪ ،‬صــور مــدون فيهــا بعــض الكلمــات‬
‫عنوانهــا غلطتــي أنــي اســتاذ جامعــي‪ ،‬واعتــذر ألعضــاء هيئــة التدريــس وزمالئــه علــى مــا وصفــه‬
‫بقســوة التوصيــف قائـ ًـال‪« :‬مــا كتبــت بالنســبة للواقــع لطيــف !‪ ،‬مــع خالــص احت ارمــي وتقديــري لكــم‬
‫جميعــا»‪ .‬وتضمنــت الصــورة التــي نشــرها‪:‬‬‫ً‬
‫«أنــا األول علــى دفعتــي اللــي تعبــت فــي مذاكرتــي وكنــت محــدد ســكتي‪ .‬أنــا اللــى اتعينــت‬
‫ألعلــى تقديــر واحترمــت دوري فــي الطوابيــر وال جيــت بواســطة وال تزويــر‪ .‬أنــا اللــي حفيــت‬
‫علشــان اتجــوز وعشــت مديــون وعقلــي مرهــون وحاســس إنــي مســجون‪ .‬أنــا اللــي عايــش بيــن‬
‫والدي مكســور واالحســاس ليطلبــو اللــى بيطلبــوه والد بقيــت النــاس‪ .‬أنــا اللــي لمــا حــد مــن‬
‫اهلــي بيتعــب بتمرمــط بيــه وماالقيــش مســاهمة مــن تأمينــي عشــان أداويــه‪ .‬أنــا اللــي فــي الكتــب‬
‫والم ارجــع ليســا مفحــوت عشــان أخـ ّـرج نــاس تنقــذ البش ـرية مــن الجهــل والموت‪.‬أنــا اللــي عينــي‬
‫وســط ارســي علشــان أفضــل قــدوة قــدام طالبــي وناســي‪ .‬أنــا اللــي دايمــا ادفــع الفواتيــر وأعيــش‬
‫فقيــر عشــان غيــري يحــس بالتغييــر‪ .‬أمــا اللــي لمــا أكــون أكبــر أســتاذ ســاعتي هتبقــى ب ـ ‪16‬‬
‫جنيــه ولــو جالــي ســباك اشــتغل طــول الشــهر عشــان أراضيــه‪ ..‬أنــا باختصــار لــو المقاييــس‬
‫عادلــة أكــون رقــم واحــد فــي المعادلــة»‪.‬‬
‫وطالــب األســاتذة بجدولــة المرتبــات بالحــد الــذي يســمح بحيــاة كريمــة ألعضــاء هيئــة التدريــس‬
‫وأســرهم‪ ،‬فأعبــاء الحيــاة بعــد التعويــم والتضخــم وجنــون األســعار أصبحــت مرهقــة وال تحتمــل‪،‬‬
‫عــالوة علــى أن فئــة أعضــاء هيئــة التدريــس هــي الوحيــدة التــي تنفــق مــن دخلهــا الشــخصي‬
‫للحصــول علــى الماجســتير والدكتــوراه‪ ،‬وعمــل أبحــاث تطبيقيــة ونشــرها فــي المحافــل الدوليــة‪،‬‬
‫كمــا طالب ـوا بزيــادة المعاشــات‪ ،‬بحيــث ال تقــل عــن ‪ 80%‬مــن إجمالــي ال ارتــب األخيــر الــذي‬
‫حصــل عليــه عضــو هيئــة التدريــس عنــد بلــوغ ســن المعــاش‪ ،‬حيــث إن المعاشــات الحاليــة تــكاد‬
‫تكــون منعدمــة‪ ،‬وتنــذر بتش ـريد أس ـرة مــن يتوفــى مــن أســاتذة الجامعــات‪ .‬وكــذا توفيــر منظومــة‬
‫رعايــة صحيــة متكاملــة ألعضــاء هيئــة التدريــس وأســرهم أســوة بالعديــد مــن فئــات المجتمــع‪،‬‬
‫وزيــادة بــدل العــدوى؛ حيــث إنهــم أكثــر عرضــة للمخاطــر البيولوجيــة والعــدوى أثنــاء إج ـراء‬
‫أبحاثهــم المعمليــة والميدانيــة‪.‬‬
‫امتــدت مشــاعر الغضــب واالحتجــاج بيــن أعضــاء هيئــات التدريــس بالجامعــات المصريــة لتفتــح‬
‫مجــال االحتجــاج ممتـ ًـدا إلــى مــا يمكــن أن يطلــق عليــه «ملــف إصــالح حــال التعليــم العالــي‬
‫جملــة وتفصيـ ًـأل»‪ ،‬وكأن الغطــاء قــد كشــف كل عــورات ومســاوىء الحــال‪ ،‬ومــن ثـ َّـم طالبـوا بزيــادة‬
‫ميزانيــة البحــث العلمــي كمــا نــص عليهــا الدســتور‪ ،‬وتجهيــز المعامــل باألجه ـزة والكيماويــات‪،‬‬
‫‪ 555‬وتوفيــر منــاخ مالئــم لعمــل أبحــاث تطبيقيــة دوليــة‪ ،‬بجانــب دعــم النشــر الدولــي بحيــث تكــون‬
‫الجامعــات هــي المســئولة عــن تكاليــف النشــر‪ ،‬وتقنيــن أوضــاع المعيديــن والمدرســين المســاعدين‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫وضمهــم لهيئــة التدريــس‪ ،‬وإن بقيــت المطالــب الماديــة علــى رأس أولويــات الغالبيــة العظمــى مــن‬
‫منشــورات الحركــة‪.‬‬

‫عــزى الكثيــر المشــاركين فــي الحركــة قدرتهــم علــى االنخـراط فــي هــذا الحـراك المحفــوف بالمخاطــر‬
‫ولدها‪ ،‬إلى االلتزام الذي شعروا به تجاه الحركة‬ ‫أحيانا‪ ،‬والتعامل مع مشاعر الغضب القوية التي َّ‬ ‫ً‬
‫بشــكل عام‪ ،‬حتى إن بعضهم كتب في تدويناته‪:‬‬
‫«أنا وغيري بنشــارك في الحملة علشــان نســد ديوننا للناس اللي ســكت صوتهم لســنوات‪ .‬صحيح‬
‫المشــاركة بقــت خطــر‪ ،‬بالــذات بعــد القبــض علــى الدكتــور طــارق الشــيخ مؤســس الصفحــة‪ ،‬لكــن مــا‬
‫أعرفــش ليــه أنــا كنــت هــادي‪ ،‬كنــت حاســس أن دي مســئوليتي»‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن أن كل صــورة تــم إرســالها فــي إطــار الحركــة كانــت صــورة فريــدة مــن نوعهــا إلــى‬
‫حــد كبيــر‪ ،‬بصــرف النظــر عــن االســتمالة التــي توظفهــا للتضامــن مــع نشــاط الحركــة (صــور ذات‬
‫طابــع مهنــي‪ ،‬كوميــدي‪ ،‬تمجيــدي‪ ،‬حانــق وغاضــب علــى التغطيــة اإلعالميــة المصريــة للحركــة)‪،‬‬
‫إال أن الصــور احتــوت علــى عــدد مــن العناصــر المشــتركة التــي جعلتهــا تمثــل الحركــة فــي المجمــل‬
‫منهــا‪ )1( :‬التركيــز علــى األوضــاع الســيئة التــي قــد يمــر بهــا عضــو هيئــة التدريــس مثــل العمــل‬
‫اإلضافــي‪ ،‬المــرض‪ ،‬الوفــاه نتيجــة العمل‪..‬الــخ؛ (‪ )2‬المقارنــة بيــن مــا تمنحــه الجامعــات فــي مصــر‬
‫لمنتســبيها مقارنــة بغيرهــا مــن الــدول المتقدمــة تحديـ ًـدا؛(‪ )3‬تفعيــل مشــاعر الغضــب واالســتياء (علــى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬مشاهد من أفالم مرتبطة باألستاذ الجامعي‪ ،‬استخدام اإليموجيز ‪ EMoje‬الغاضبة‬
‫والحزينــة‪ ،‬صــور لراقصــات أو العبــي كـرة قــدم ومقارنــة دخولهــم ومــا يحظــون بــه مــن حفــاوة مقارنــة‬
‫باألســاتذة الجامعييــن؛ و(‪ )4‬التركيــز علــى مكانــة العلــم والعلمــاء ومقارنــة التقديــر الــذي تحظــى بــه‬
‫هــذه المكانــة وأصحابهــا فــي مصــر مقارنــة بغيرهــا مــن الــدول‪ .‬لــم تؤثــر هــذه العناصــر علــى األســتاذ‬
‫الجامعــي المصــري فــي الصــورة فحســب‪ ،‬بــل أثــرت كذلــك علــى كل مــن شــاهدها‪.‬‬
‫ـر‬
‫علــى الرغــم مــن أن االحتجــاج مــورس مــن أشــخاص مختلفيــن‪ ،‬وفــي ســياقات مختلفــة نظـ ًا‬
‫‪556‬‬
‫الختالف طبيعة المشكلة التي يرويها كل مشارك‪ ،‬كما مورس نشاط االحتجاج الرقمي في أوقات‬
‫مختلفــة‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن أن تجربــة المشــاركة فــي الحركــة أتخــذت الطابــع الفــردي إلــى حــد كبيــر‪،‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫إال أن الكثيريــن قــد تمثلـوا الوضــع بطريقتهــم عبــر مشــاركة اإلحســاس بمشــاعر الغضــب لآخــر‪،‬‬
‫وتجربتــه‪ ،‬بشــكل حفزهــم علــى نقــل دعمهــم وإخالصهــم للنشــطاء الــذي ألهمتهــم أفعالهــم‪.‬‬
‫ـر عــن التضامــن‬ ‫قميــا كان تعبيـ ًا‬
‫وهكــذا‪ ،‬فــإن إعــادة مشــاركة وممارســة اإلج ـراءات االحتجاجيــة ر ً‬
‫ودعــم اآلخــر‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك‪ ،‬أن إعــادة تمثيــل فعــل احتجــاج (اآلخــر) تجــاوز الشــعور العاطفــي‬
‫بالغضــب فقــط‪ ،‬ليعتمــد إلــى حــد كبيــر علــى قــوة عاطفــة المتابــع وتمثلــه لحالــة اآلخــر و»الســير فــي‬
‫حذائه» كما يقال‪ ،‬وهو ما يمكن ترجمته باإلشارة إلى أن مظاهر شرعنة ممارسة احتجاجية رقمية‬
‫معينــة توحــي بــأن الفاعليــن فــي الحركــة‪ ،‬وأولئــك الذيــن تماهـوا مــع النشــاط وأصحابــه‪ ،‬قــد اقتربـوا مــن‬
‫معايشــة تجربــة مشــتركة بقــدر اإلمــكان حتــى فــي حالــة عــدم وجــود قاســم مشــترك واضــح‪ ،‬كمــكان‬
‫االحتجــاج مثـ ًـال‪ ،‬أو تطابــق المشــكالت‪...‬الخ‪.‬‬

‫(‪ )2/1‬سلوك المشاركة ‪Practice of sharing‬‬


‫توســع ســلوكيات مشــاركة المـواد المرتبطــة بحركــة مــا مــن الحــركات االجتماعيــة مــن نطــاق أعمــال‬
‫االحتجــاج س ـواء علــى مســتوى انتشــار موضــوع الحركــة‪ ،‬وســياقها‪ ،‬وتفاصيلهــا‪ ،‬أو علــى مســتوى‬
‫اتســاع نطــاق المشــاركين فيهــا بشــكل يجعلهــا تتحــول مــن قضيــة فرديــة إلــى حركــة جمعيــة‪ .‬وعلــى‬
‫مســتوى حركــة» علمــاء مصــر غاضبــون» تضمنــت ســلوكيات المشــاركة نشــر قصــص ونمــاذج‬
‫وقضايــا وحــاالت مختلفــة لمــا يمكــن أن يوصــف بـ ـ ـ «ســوء وتــردي» أح ـوال الهيئــة األكاديميــة‬
‫فضال عن المواد المصورة المختلفة التي تنوعت بين تلك‬ ‫المنتسبة للتعليم العالي في مصر‪ ،‬هذا ً‬
‫التــي تُعلــي مــن شــأن األســتاذ الجامعــي علــى مــدار الفتـرات الزمنيــة المختلفــة فــي مقابــل مــا يعانيــه‬
‫مــن مشــكالت ال تتســق وطبيعــة الــدور المنــوط بــه كمفكــر وعالــم‪ ،‬وبيــن تلــك التــي تعــرض لنمــاذج‬
‫مقارنــة بيــن أوضــاع األكاديمــي مصرًيــا فــي مقابــل وضعــه كعالــم مصــري فــي الخــارج‪ ،‬أو فــي مقابــل‬
‫عالميــا‪ ،‬فضـ ًـال عــن الصــور التــي عرضــت لنمــاذج مــن العناويــن اإلخباريــة‬ ‫ً‬ ‫أوضــاع األكاديميــن‬
‫والتصريحات المنتشرة عبر وسائل اإلعالم المختلفة حول نشاط الحركة وطبيعته واستحقاقه‪ ،‬ومع‬
‫ذلــك‪ ،‬فــإن ســلوك المشــاركة فــي الحملــة قــد تعــرض للكثيــر مــن األخطــاء والمغالطــات التــي أســاءت‬
‫توظيــف مواقــع التواصــل االجتماعــي التــي تعتمدهــا‪ ،‬منهــا مثـ ًـال إســناد المحتــوى إلــى مشــاركيين‬
‫فرديين بصفتهم أساتذة جامعيين‪ ،‬وربما بأسماءهم الصريحة‪ ،‬ونشر صور مسربة لرسائل خاصة‬
‫متبادلــة بيــن المشــاركين فــي الحركــة‪ ،‬نشــر صــور مجهولــة المصدر‪....‬الــخ ‪ ،‬وهــو مــا أفــرز بــدوره‬
‫مجموعــة مــن المخاطــر ذات الصلــة بخصوصيــة وأمــن المشــاركين فــي الحركــة‪ ،‬ومجموعــة أخــرى‬
‫نتاجــا لطبيعــة المعلومــات المنشــورة‪،‬‬
‫مــن المشــكالت المتصلــة بمهاجمــة آخريــن للحملــة ونشــاطها ً‬
‫‪ 557‬والمشــكالت القانونيــة‪ ،‬وتلــك التــي عمــدت إلــى تســييس فعــل االحتجــاج‪ ،‬وإنتــاج مشــاعر قويــة مــن‬
‫الغضــب خلفــت موجــة مــن االســتقطاب الحــاد حتــى بيــن األســاتذة الجامعييــن بعضهــم البعــض‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫‪558‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫تطلبــت الحملــة مــع كل مــا كانــت تواجهــه شــجاعة كبيـرة‪ ،‬وكان ســلوك المشــاركة‪ ،‬فــي الغالــب‪،‬‬
‫ـلوكا مؤقتًــا وربمــا غيــر مرئــي إال لمــن هــم ضمــن مســافة األمــان النســبي‪ ،‬ومــع هــذا منــح ســلوك‬
‫سـ ً‬
‫المشــاركة س ـواء علــى مســتوى المنشــور أو الصــور المصاحبــة‪ ،‬منــح فعــل االحتجــاج بعــض‬
‫الــدوام‪ ،‬وفــي المقابــل تــرك ســلوك االحتجــاج والمشــاركة الرقميــة مســاحة ملحوظــة للمشــاركين‬
‫بضــرورة التفكيــر فــي العواقــب المحتملــة لنشــاطهم‪.‬‬
‫علــى مســتوى آخــر‪ ،‬اســتدعى هــذا النشــاط االحتجاجــي للحركــة‪ ،‬اســتدعى «مســتودع» مــن‬
‫مشــاعر االحتجــاج والغضــب الســابقة التــي رافقــت العامليــن فــي المجــال األكاديمــي‪ ،‬وهــو مــا دفــع‬
‫بــدوره إلــى تحويــل الفعــل المفــرد المرتبــط ربمــا بحالــة بعينهــا‪ ،‬أو درجــة علميــة أكاديميــة بعينهــا‪،‬‬
‫أو خبـرة ســابقة مــا فــي المجــال؛ إيجابيــة كانــت أو ســلبية‪ ،‬إلــى درجــة مــا مــن الوحــدة واإلجمــاع‬
‫علــى المســتويات كافــة كذلــك‪ ،‬وكأن الوجــود الرقمــي للحركــة كان أشــبه بملف‪/‬مخــزن لتجميــع‬
‫ـخوصا وجغرافيــا فــي مــكان واحــد‪ ،‬وهــو الصفحــة وكل مــا ارتبــط بموضوعهــا‬ ‫«األدلــة» المبعثـرة شـ ً‬
‫مــن مواقــع خارجيــة أو مواقــع تواصــل أخــرى مثلمــا هــو الحــال فــي الهاشــتاج الرئيســي علــى توتيــر‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫فعال بشــجاعة زمالئي‪ .‬أعطتني‬ ‫«لما دخلت على صفحة علماء مصر غاضبون‪ ،‬اســتمتعت ً‬
‫الحركــة األمــل‪ ،‬وقلــت لنفســي «يــا هللا! كنــت فاكــر أنــي الضحيــة الوحيــدة [لهــذه القوانيــن]‪ ،‬شــوف‬
‫كــم شــخص مثلــي‪ ،‬حســيت أنــي مــش لوحــدي‪ ،‬وكأنــك فــي الشــارع فعـ ًـال بتتكلــم وتتناقــش مــع‬
‫زمايلــك»‪.‬‬
‫يســلط هــذا االقتبــاس الضــوء علــى تضامــن أحــد األكاديميــن مــع نشــاط الحركــة ككل‪ ،‬وليــس مــع‬
‫أعضائهــا المشــاركين فقــط‪ ،‬كمــا ينطــوي ً‬
‫أيضــا علــى اإلحســاس بال ـواجب تجــاه أولئــك الذيــن ربمــا‬
‫نتاجــا للمشــاركة فــي الحملــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ألقــت بدايــة الحركــة‪ ،‬وبناءهــا‪،‬‬
‫عرضــة للخطــر ً‬ ‫كان ـوا ّ‬
‫والحفــاظ علــى تكاملهــا واســتم ارريتها كمنظمــة افتراضيــة بحتــة بمســؤولية كبي ـرة علــى مؤسســيها‬
‫وأعضاءهــا‪.‬‬

‫(‪ )3/1‬سلوك التضخيم والمبالغة ‪Practice of amplification‬‬


‫أدت ممارســة التضخيــم والمبالغــة فــي نشــاط حركــة علمــاء مصــر غاضبــون عبــر مواقــع‬
‫التواصــل االجتماعــي إلــى توســيع نطــاق المحتــوى المنشــور والمتبــادل‪ ،‬األمــر الــذي جعــل‬
‫اآلخريــن خــارج حــدود المجموعــة الداخليــة علــى د اريــة ومتابعــة ألفعــال المجموعــة‪ ،‬وقــد تضمنــت‬
‫هــذه الممارســات اإلعجــاب‪ ،‬والتعليــق‪ ،‬ومشــاركة المحتــوى‪.‬‬
‫وهنــا تجــدر اإلشــارة إلــى الطبيعــة التــي تحكــم حجــم انتشــار وظهــور المنشــورات علــى مواقــع‬
‫التواصــل االجتماعــي‪ ،‬والتــي تعــود إلــى الخوارزميــات التــي تحســب ترتيــب الصفحــة‪ ،‬بشــكل يحــدد‬
‫معــدل ظهــور ورؤيــة المنشــور لآخريــن‪ .‬وهكــذا كان «اإلعجــاب» بمنشــورات وصــور «علمــاء‬
‫مصــر غاضبــون» يعكــس شــكالً مــن أشــكال التضامــن بدوافــع معياريــة؛ فــإذا أردت أن تدعــم‬
‫الحملــة» ســجل إعجابــك بالمنشــورات»‪ « ،‬شــارك الهشــتاج الرئيســي للحملــة»‪ ،‬ألنــك ‪ ،‬وكمــا‬
‫أيضــا رؤيتــه فــي العــرض الــذي يظهــر علــى‬
‫ـورا‪ ،‬يمكــن ألصدقائــك ً‬ ‫تعلــم‪ ،‬عندمــا «تحــب» منشـ ً‬
‫‪560‬‬
‫صفحاتهــم الخاصــة ‪ .News Feed‬وهكــذا حظيــت منشــورات الحملــة علــى عشـرات‪ ،‬إلــى مئــات‬
‫مــن «اإلعجابــات»‪ ،‬والمشــاركات‪ ،‬والتعليقــات‪ ،‬والــردود علــى التعليقــات‪ .‬حــاول المشــاركون فــي‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫الحملــة ممارســة التضخيــم تفعيـ ًـال إلخالصهــم للحركــة‪ ،‬وهدفهــا‪ ،‬ولآخريــن المشــاركين فيهــا‪،‬‬
‫وخاصــة أولئــك الذيــن نشــروا واقعــة‪ ،‬أو حادثــة‪ ،‬أو قضيــة تســتحث اآلخريــن علــى جــذب خيــط‬
‫التفاعــل‪.‬‬

‫لــم تكتــف التعليقــات المتعاطفــة والمــدح مثــل «ب ارفــو!»‪« ،‬اســتمروا!» «االحت ـرام!» ‪« ،‬معكــم‬
‫للنهايــة!» ‪ ،‬و «ابق ـوا أقويــاء!» ‪...‬الــخ بالتعبيــر عــن تضامــن األف ـراد المشــاركين فــي الحركــة‬
‫حتمــا مــن ِقبــل الفئــات‬
‫أيضــا علــى إغـراق التعليقــات الســلبية التــي تــم نشــرها ً‬
‫فحســب‪ ،‬بــل عملــت ً‬
‫المشــككة لنشــاط الحملــة بكــم مــن االســتهجان‪ ،‬والغضــب‪ ،‬واألهــم‬ ‫المعترضــة‪ ،‬أو الرافضــة‪ ،‬أو ُ‬
‫مــن ذلــك‪ ،‬أن ممارســة التضخيــم انتجــت إحصــاءات جعلــت مــن حجــم ومشــاركة منشــورات‬
‫«علمــاء مصــر غاضبــون» كحركــة اجتماعيــة مرئــي بســهولة‪ .‬ومــن ثـ َّـم تُظهــر أعمــال االحتجــاج‬
‫مثلــت «نقابــة جمعيــة» جمعــت‬ ‫علــى الرغــم مــن محدوديــة اســتم ارريتها‪ ،‬وافتراضيتهــا‪ ،‬أن الحركــة َّ‬
‫وراكمــت كافــة مشــاعر ومظاهــر االحتجــاج التــي يقــوم بهــا أعضائهــا فــي مــكان واحــد‪ ،‬فــي محاولــة‬
‫لتفعيــل أســلوب التنظيــم الذاتــي للمهنــة عبــر اســتغالل اإلمكانــات التــي تتيحهــا مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي‪.‬‬

‫(‪ )4/1‬الدعم‪/‬الصحبة غير الرسمية ‪Practice of informal fellowship‬‬


‫يشــير ســلوك الدعــم أو الصحبــة غيــر الرســمية إلــى ممارســة التعــارف ومشــاركة نشــاط الحملــة‬
‫مــن فــرد لفــرد بعينــه‪ ،‬أو مــن فــرد إلــى مجموعــة أفـراد بعيـ ًـدا عــن الصيغــة الرســمية لنشــاط الحركــة‬
‫العلنــي فــي بعــض األحيــان‪ .‬ويعــزو الباحثــون هــذا الســلوك إلــى طبيعــة البدايــات الفرديــة لبعــض‬
‫الحــركات ولممارســة االحتجــاج‪ .‬وفــي نشــاط» علمــاء مصــر غاضبــون» تغلبــت الصيغــة الرســمية‬
‫علــى غيرهــا مــن صيــغ التواصــل غيــر الرســمي‪ ،‬علــى األقــل علــى مســتوى ُ‬
‫المعلــن مــن نشــاط‬
‫‪ 561‬الحركـةـ؛ فعلــى ســبيل المثــال عمــد القائمــون األوائــل علــى الحركــة علــى نشــر منشــورات‪ ،‬وصــور‪،‬‬
‫ومقاطــع فيديــو علــى الصفحــة الخاصــة بالحركــة مــن بــاب منــح اإلحســاس بالفــرق الــذي تحدثــه‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫مســاهمات األعضــاء علــى مســتوى انتشــار نشــاط الحركــة‪ ،‬وتحمــل عــبء إدارتهــا‪ ،‬والحفــاظ‬
‫عليهــا‪ ،‬وتعبئــة األعضــاء المهتميــن أو المحتمليــن‪ .‬ويمكــن القــول إن االفتقــار الظاهــري للزمالــة‬
‫والدعــم غيــر الرســمي بيــن أعضــاء «علمــاء مصــر غاضبــون» ربمــا أدى إلــى الحــد مــن الوصــول‬
‫إلــى مشــاعر وأفــكار النشــطاء اآلخريــن‪ ،‬وهــو مــا جعــل مــن الصعــب تطويــر مشــاعر االهتمــام‬
‫ـاء علــى أي شــيء ســوى مــا اختبـره المتابعــون مــن نشــاط للحركــة فــي إحــدى‬ ‫والتفانــي لألفـراد بنـ ً‬
‫صورهــا المرحليــة‪ ،‬وهــي مرحلــة فعــل المقاومــة واالحتجــاج‪.‬‬

‫(‪ )5/1‬تشكل الهوية الجمعية (داخل وخارج المجموعة) ‪Practice of identification‬‬


‫يرتبــط تشـ ُـكل الهويــة الجمعيــة ألعضــاء حركــة مــا بحــدود عضويــة الحركــة بشــكل عــام‪ ،‬ومــن ثـ َّـم‬
‫اُعتبــر األفـراد جــزًءا مــن حركــة» علمــاء مصــر غاضبــون» إذا ســاهموا بمحتــوى يســاند الحركــة‪،‬‬
‫سـواء عبــر منصاتهــا الرئيســية‪ ،‬أو عبــر المنصــات اإللكترونيــة األخــرى‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫وعلــى النقيــض‪ ،‬تكونــت المجموعــة الخارجيــة مــن أشــخاص قام ـوا بإهانــة نشــطاء الحركــة‪،‬‬
‫التشــكيك فــي أهدافهــم منهــا‪ ،‬تشــويه ســمعتهم‪ ،‬ومضايقتهــم‪ ،‬فضـ ًـال عــن أولئــك الذيــن كانـوا علــى‬
‫علم بالحركة ونشــاطها ولكنهم لم يســاهموا بأي محتوى على اإلطالق‪ .‬وعلى الرغم من انتشــار‬
‫العديــد مــن المنشــورات المناهضــة لنشــاط الحركــة‪ ،‬بــدا مــن الصعــب تحديــد هــذه المجموعــة غيــر‬
‫المرئيــة مــن «المتربصيــن» إن جــاز التعبيــر‪ .‬وهكــذا تفتــرض الد ارســة هنــا أنــه لــم يكــن لهــم تأثيــر‬
‫عــام علــى تحديــد الهويــة داخــل المجموعــة كمــا فعــل منتقــدو الحركــة‪ .‬أعضــاء الحركــة‪.‬‬

‫ـتركا‪ ،‬وأن معركــة خفيــة أخــرى‬


‫ـدوا مشـ ً‬
‫ذكــرت التعليقــات المســيئة أعضــاء الحركــة بــأن لديهــم عـ ً‬
‫ّ‬
‫مســتمرة‪ ،‬بشــكل حفزهــم لمزيــد مــن اإلحســاس بالغضــب فــي كثيــر مــن األحيــان‪ ،‬كمــا حفزهــم علــى‬
‫نشــر تعليقــات داعمــة علــى صفحــة الحملــة‪ ،‬وبالتالــي تعزيــز إحصــاءات المشــاركة الجمعيــة فــي‬
‫نشــاط الحركــة‪ .‬وهكــذا كانــت ســلوكيات اإلعجــاب‪ ،‬والتعليــق‪ ،‬وإعــادة النشــر‪ ،‬هــي التــي تحــدد‬
‫المســاهم الفعلــي فــي نشــاط الحركــة فــي مقابــل األنشــطة األخــرى التــي كانــت تســتهدف تشــتيت‬
‫جهــود الحركــة عبــر إنشــاء مجموعــات فرعيــة داخــل المجموعــة الداخليــة‪.‬‬

‫‪563‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫يمكــن القــول‪ ،‬أخيـ ًـرا‪ ،‬إن كل مــن ممارســة االحتجــاج‪ ،‬وســلوك المشــاركة عــادة مــا تفــرز أعضــاء‬
‫وتبنيــا لنشــاط الحركــة مــن ممارســة التضخيــم‪ ،‬كمــا أن أولئــك الذيــن يظهــرون‬ ‫أكثــر شــجاعة ً‬
‫بأســمائهم وصورهــم الشــخصية عــادة مــا ُينظــر إليهــم علــى أنهــم أشــجع مــن أولئــك الذيــن يحاولــون‬
‫إخفــاء هويتهــم‪.‬‬

‫المتخيل‪:‬‬
‫‪ -‬الهوية األكاديمية والتضامن‪ ،‬الحقيقي و ُ‬
‫عمومــا علــى أنهــا «إحســاس مشــترك بــ» الوحدة‪/‬نحــن» ‪Oness or‬‬ ‫ً‬ ‫تُعـ َّـرف الهويــة الجمعيــة‬
‫‪ We-ness‬المتأصــل فــي ســمات وخبـرات مشــتركة حقيقيــة أو متخيلــة بيــن أولئــك الذيــن يشــكلون‬
‫مجموعــة مــا مــن المجموعــات فــي عالقتهــا‪ ،‬أو تضادهــا وتناقضهــا مــع مجموعــة‪/‬ات أخــرى‬
‫حقيقيــة أو ُمتخيلــة(‪ . (82‬ويعــرف ميلوتشــي (‪ )1995‬الهويــة الجمعيــة لألف ـراد باعتبارهــا نظــام‬
‫عمــل‪ ،‬وعمليــة يتشــكل مــن خاللهــا ســلوك «الفعــل الواحــد» لحركــة اجتماعيــة مــا‪ .‬وهــي بهــذا‬
‫المنطــق تُعــد «نتيجــة»‪ ،‬وليســت نقطــة بدايــة لنشــاط الحركــة(‪.(83‬‬
‫فــي المقابــل‪ُ ،‬يعـ َّـرف التضامــن بأنــه «اســتعداد عاطفــي وطبيعــي للدعــم المتبــادل‪ ،‬كمــا هــو‬
‫ضمنيــا إلــى «االســتعداد‬
‫ً‬ ‫الحــال فــي شــعار» الواحــد للجميــع‪ ،‬والجميــع للواحــد(‪ ،(84‬كمــا أنــه يشــير‬
‫للعمــل»(‪ (85‬وتأديــة واجــب المســاعدة(‪ .(86‬وبالنظــر إلــى األدبيــات ذات الصلــة‪ ،‬يتســم التضامــن‬
‫بمجموعــة مــن الخصائــص األساســية‪ ،‬منهــا كونــه (‪»)1‬نشــاط شــبكي» أي يتواجــد بيــن أعضــاء‬
‫المجموعــة؛ (‪ )2‬االســتعداد الفــردي‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه يفتــرض وجــود جماعــة؛ (‪ )3‬يحفــز علــى‬
‫عاطفيــا لآخريــن فــي الحركــة‪.‬‬
‫ً‬ ‫العمــل والدفــع‬
‫َّ‬
‫ويــكاد يتفــق الباحثــون علــى أن الهويــة الجمعيــة هــي التــي تدفــع لمســاعدة اآلخــر‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫فهــي تســبق الشــعور بالتضامــن‪ ،‬بــل أنهــا شــرط مســبق لــه‪ ،‬ومــع هــذا تشــير أدبيــات الحــركات‬
‫االجتماعيــة إلــى إمكانيــة حــدوث حالــة مــن التضامــن البشــري دونمــا التماهــي مــع جماعــة بعينهــا؛‬
‫فمجــرد وجــود جماعــة ال يضمــن حــدوث حالــة مــن التضامــن والمســاندة بيــن أفرادهــا؛ حيــث ينتــج‬
‫التضامــن عــن ممارســة طقــوس جمعيــة بعينهــا مثلمــا هــو الحــال فــي األفعــال المرتبطــة بالجســد‬
‫ـر ألن الممارســات‬ ‫كارتــداء المالبــس بأل ـوان معينــة‪ ،‬حمــل الالفتــات‪ ،‬أو ترديــد الهتافــات‪ .‬ونظـ ًا‬
‫االحتجاجيــة تولــد مشــاعر قويــة‪ ،‬فــإن فهــم الممارســات المتكــررة ذات المغــزى الرمــزي لحركــة‬
‫اجتماعيــة مــا‪ ،‬هــو مفتــاح الفهــم الصحيــح والدقيــق للكيفيــة التــي يتشــكل بهــا التضامــن بيــن أفـراد‬
‫هــذه الحركــة‪ .‬وتضيــف هــذه األدبيــات أن التضامــن ال ي ـزال العاطفــة األبــرز المترتبــة علــى‬
‫ـكاال مختلفــة كذلــك منهــا‬
‫نشــاط حركــة اجتماعيــة مــا‪ ،‬وفــي العالــم الرقمــي تحديـ ًـدا‪ ،‬وهــو يتخــذ أشـ ً‬
‫‪564‬‬
‫التضامــن المتخيــل‪ ،‬والبــارز فــي نتائــج الد ارســة الحاليــة‪ ،‬والتضامــن الموقفــي الــذي يبــرز عــادة‬
‫عندمــا تنتقــل الحركــة مــن العالــم الرقمــي إلــى العالــم الواقعــي‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫المتخيــل‬
‫وبالعــودة إلــى موضــوع د ارســتنا الحاليــة ونتائجهــا‪ ،‬يمكــن الجــزم بغلبــة روح التضامــن ُ‬
‫ـدء مــن تدشــين الحملــة نفســها علــى فيــس بــوك‬ ‫ن‬
‫فــي موضــوع الحركــة «علمــاء مصــر غاضبــو » بـ ً‬
‫بغــرض االحتجــاج‪ ،‬والــذي ارتكــز علــى توليــد إحســاس جمعــي غيــر متمايــز وأقــرب إلــى المثاليــة‬
‫ـر بقــوة عبــر قيــام أفـراد المجموعــة‬
‫المحتجــة‪ .‬بــدا هــذا الســلوك الجمعــي حاضـ ًا‬ ‫بيــن أفـراد المجموعــة ُ‬
‫بإنتــاج واســتهالك المنشــورات والصــور الباعثــة لشــعور الغضــب واالحتجــاج علــى الصفحــة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن هوية أعضاء «علماء مصر غاضبون» تماهت مع نشــاط الحركة ككل ‪-‬‬
‫ـر ألن المنشــورات الفرديــة لألعضــاء اآلخريــن ارتكــزت علــى المنشــورات الموقفيــة‪ /‬المرحليــة‬ ‫نظـ ًا‬
‫ـدر ضئيـ ًـال مــن المعلومــات والمتضامــن مــع‬ ‫‪ Situaltional posts or photos‬والتــي توفــر قـ ًا‬
‫هويــة الشــخص الفرديــة‪-‬إال أن إنتماءهــم الفعلــي للحركــة كان مــن خــالل فعــل االحتجــاج نفســه‪،‬‬
‫بصــرف النظــر عــن الهويــة الفرديــة للقائــم بــه‪ ،‬أو المحتــج نفســه‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن ممارســات االحتجــاج خــارج مواقــع التواصــل االجتماعــي التــي قــد يقــوم بهــا‬
‫األكاديميون بمفردهم‪ ،‬وربما داخل الحرم الجامعي نفسه‪ ،‬ودون وجود اآلخرين‪ ،‬إال أن أعضاء‬
‫حركة»علمــاء مصــر غاضبــون» قــد أظهــروا درجــة كبيـرة مــن التماســك‪ ،‬والوحــدة علــى المســتوى‬
‫«الرقمــي»‪ .‬وتُرجــع الد ارســة ذلــك إلــى احتمــال تَمثُــل كل فــرد فــي الحملــة لحالــة الزميــل أو الزميلــة‬
‫ـر عــن أوضاعــه وتجاربــه‬ ‫الــذي يــروي قصتــه الخاصــة‪ ،‬وتجربتــه الفرديــة التــي ال تبتعــد كثيـ ًا‬
‫أحيانــا‪ .‬وبالتالــي تمكــن بعــض األعضــاء فــي الحركــة‬ ‫ً‬ ‫هــو نفســه‪ ،‬وإن كان بشــكل غيــر مباشــر‬
‫مــن تطويــر تصــورات ومشــاعر وقيــم ومعتقــدات اآلخريــن مــن زمــالء المجــال بشــأن تجاربهــم‬
‫ـخصيا عــن فعــل االحتجــاج وجــدواه‬ ‫وقضاياهــم الفرديــة والخاصــة‪ ،‬وذلــك عبــر إبـراز تصوراتهــم شـ ً‬
‫المحتــج واآلخــر‪/‬‬ ‫َّ‬
‫وأهميتــه ودالالته‪...‬الــخ‪ .‬ومــن ثــم تتوافــق خب ـرات وتصــورات العضــو الفــرد ُ‬
‫تخيــل‬
‫الم َ‬‫تمامــا‪ ،‬وفــي ظــل غيــاب الحقائــق المضــادة التــي قــد تتحــدى هــذا الواقــع ُ‬ ‫يــن المتخيليــن ً‬
‫(علــى ســبيل المثــال‪ :‬التواصــل مــع‪ /‬أو شــهادات األكاديمييــن الفعلييــن الذيــن ُيكتــب عنهــم فــي‬
‫المنشــورات‪ ،‬أو يظهــرون فــي الصــور) ‪ ،‬فأنــه مــن المرجــح أن يتعــزز إدراك العضــو الفــرد لهويتــه‬
‫الجمعيــة‪ ،‬ووحــدة مجتمــع المحتجيــن مــن زمــالءه‪.‬‬
‫ـر ألن فــرص التفاعــالت غيــر الرســمية بيــن أعضــاء «علمــاء مصــر‬ ‫عــالوة علــى ذلــك‪ ،‬ونظـ ًا‬
‫غاضبــون» قــد تبــدو صعبــة‪ ،‬فأنــه مــن المرجــح أن تمــر الصــورة المثاليــة التــي يبنيهــا األفـراد عــن‬
‫اقعيــا‪ ،‬تعــرض أعضاء»علمــاء مصــر غاضبــون» للكثيــر مــن‬ ‫مجتمــع االحتجــاج دون منــازع‪ .‬و ً‬
‫المشــاركات المهينــة والمؤذيــة التــي نشــرها الكثيــرون مــن خــارج المجموعــة علــى صفحــة الفيــس‬
‫بــوك‪ ،‬والتــي تبــدو ماســة بــكل عضــو‪ ،‬ومهينــة لــكل فــرد فــي المجموعــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا قــد‬
‫‪ 565‬تكــون مجــرد رد علــى منشــور أو صــورة بعينهــا‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن التجــارب المشــتركة التــي تعتبــر‬
‫أساســية لبنــاء الحركــة ضمــن مجموعــة كانــت تنشــط علــى المســتوى الفــردي كذلــك عبــر التعــرض‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫لمنشــورات الحركــة‪ ،‬المواتيــة والمعارضــة‪ ،‬والتماهــي معهــا بــكل فعاليــة‪ ،‬فضـ ًـال عــن الق ـراءة‬
‫واإلعجــاب والتعليــق علــى المحتــوى‪.‬‬
‫هكــذا يمكــن القــول إن «التقــارب الوجدانــي» ‪ affective attunement‬كان اآلليــة األساســية‬
‫ـر ألن العواطــف‬ ‫المتخيــل بيــن المشــاركين فــي الحركــة‪ ،‬ومــع هــذا‪ ،‬ونظـ ًا‬
‫لتوليــد مشــاعر التضامــن ُ‬
‫ـر‬
‫نتاجــا للخبـرة غيــر المباشـرة بيــن أعضــاء الحركــة‪ ،‬نظـ ًا‬
‫الناتجــة عــن هــذا التناغم‪/‬التماهــي كانــت ً‬
‫لكونــه تجمــع افت ارضــي فــي نهايــة األمــر («كمــا لــو»‪ /‬أو «تقر ًيبــا»)‪ ،‬فــإن التضامــن الناتــج عــن‬
‫عاطفيــا‪ .‬بعبــارة أخــرى‪ ،‬اعتمــد التضامــن بيــن‬‫ً‬ ‫طا أكثــر منــه‬
‫تماهيــا مشــرو ً‬
‫ً‬ ‫هــذا التماهــي كان‬
‫أعضــاء الحركــة علــى التـزام مشــروط بمســتوى التوافــق بيــن المعتقــدات االجتماعيــة‪ ،‬أو الواجبــات‬
‫األخالقيــة لمحاربــة الظلــم المفتــرض بيــن أعضــاء الحركــة‪.‬‬
‫أيضــا أنــه علــى الرغــم مــن أن نشــأة احتجــاج علمــاء مصــر غاضبــون‬ ‫ـر بالتوثيــق ً‬‫يبــدو جديـ ًا‬
‫قميــا‪ ،‬وعبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬إال أن الطبيعــة المركزيــة لصفحــة‬ ‫تمــت باألســاس ر ً‬
‫ـبيا بالهويــة الجمعيــة‪ ،‬كمــا مــال‬ ‫المعجبين‪/‬المشــاركين ســاهمت فــي خلــق إحســاس قــوي نسـ ً‬
‫المشــاركون إلــى التماهــي مــع الســبب العــام للحركــة‪ ،‬مــن بــاب تحريــك الميــاه ال اركــدة فــي حاضــر‬
‫ظــا علــى مســتقبل األجيــال القادمــة مــن األكاديمييــن الذيــن‬
‫الوضــع األكاديمــي‪ ،‬وفــي المســتقبل حفا ً‬
‫يضطــرون فــي كثيــر مــن االحيــان إلــى الهجـرة خــارج مصــر بحثًــا عــن فــرص عمــل وحيــاة أفضــل‪،‬‬
‫طا ومعيارًيــا كذلــك بتحقــق صــورة‬ ‫المتخيــل بيــن أعضــاء المجموعــة مشــرو ً‬ ‫ومــن ثـ ّـم كان التضامــن ُ‬
‫معينــة عــن هــدف وغــرض الحركــة‪.‬‬

‫ثامًنا‪ :‬مناقشة نتائج الدراسة‬


‫تلفــت نتائــج الد ارســة‪ ،‬الســابق تفصيلهــا‪ ،‬النظــر إلــى مجموعــة مــن االســتخالصات المرتبطــة‬
‫بالفعــل الجمعــي الرقمــي بوجــه عــام‪ ،‬بينمــا ينعكــس البعــض منهــا علــى موضــوع د ارســتنا الحاليــة؛‬
‫فمثـ ًـال تشــير النتائــج إلــى أنــه ال ينبغــي اعتبــار الحمــالت التــي تنشــأ‪ ،‬وربمــا تنتهــي‪ ،‬عبــر مواقــع‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬حمالت متجانســة المحتوى‪ ،‬وإنما تتشــكل عبر مجموعة من المنشــورات‪،‬‬
‫والتدوينــات الفرديــة أوًال‪ ،‬ثــم تثيــر بدورهــا سلســلة متتاليــة مــن الخطـوات الواعيــة والمســؤولة‪ -‬أو‬
‫هكــذا يفتــرض بهــا‪ -‬والتــي تســتجيب لبعضهــا البعــض‪ .‬فضـ ًـال عــن ذلــك‪ ،‬يمكــن القــول إن هــذه‬
‫الحمــالت عــادة مــا تتضمــن اســتجابات وتفاعــالت قــد تبــدو غيــر مرتبطــة بالحملــة نفســها‪ ،‬وذلــك‬
‫علــى الرغــم مــن توظيــف وتضميــن هــذه االســتجابات‪ ،‬أو سلســلة التغريــدات لهاشــتاج معيــن‪ ،‬أو‬
‫شــعار ُم َميــز للحملــة فعـ ًـال‪ ،‬ويدفــع هــذا التفاعــل بيــن منشــورات ومتابعــات الحملــة إلــى البــروز‬
‫‪566‬‬
‫والتطــور‪ ،‬جز ًئيــا علــى األقــل‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه قــد يكــون‪ ،‬مـرة أخــرى‪ ،‬غيــر ذي صلــة مباشـرة‬
‫بموضــوع الحملــة‪.‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫يمكننــا كذلــك أن نتنــاول نتائــج الد ارســة الحاليــة فــي ضــوء مــا يمكــن أن يطلــق عليــه «مجتمــع‬
‫الهاشــتاج»؛ حيــث تُعـ ِّـرف المجتمعــات األكاديميــة نفســها ً‬
‫غالبــا علــى أنهــا تنتمــي إلــى مجموعــات‬
‫مخصصــة عبــر اســتخدام عالمــات التصنيــف فــي تغريداتهــا‪ ،‬والتــي تضــع اتصاالتهــا فــي‬
‫ســياقها‪ ،‬وبمــا يشــير إلــى توافقهــا مــع التخصصــات‪ ،‬واأليديولوجيــات‪ ،‬والمواقــف داخــل التسلســل‬
‫الهرمــي األكاديمــي فــي مواقــع التواصــل االجتماعــي وخارجهــا‪ ،‬وهــو األمــر الــذي قــد ال يتحقــق‬
‫وجهــا لوجــه‪ .‬تجيــب هــذه النتيجــة بشــكل مــا علــى واحــد مــن‬ ‫دومــا إذا مــا تصورنــا حدوثــه ً‬‫ً‬
‫االفت ارضــات التــي قامــت عليهــا الد ارســة بشــأن كــون مواقــع التواصــل االجتماعــي مجـ ً‬
‫ـاال لتنظيــم‬
‫المهنــة‪ ،‬وســبيل لمشــاركة االهتمامــت والهمــوم مــع نظـراء‪ ،‬ســوف يتفهمــون دون غيرهــم مــا يعنيــه‬
‫الحديــث حــول قضيــة مــن قضايــا المجتمــع األكاديمــي‪.‬‬
‫تبــرز نتائــج الد ارســة كذلــك وظيفــة أخــرى للتواجــد األكاديمــي الجمعــي عبــر مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي‪ ،‬وهــي مــا يمكــن تســميتها بــ»تحــدي التسلســل الهرمــي» فــي المجتمــع األكاديمــي‪ ،‬بمــا‬
‫يدعــم زيــادة رأس المــال االجتماعــي كطريقــة لبنــاء المجتمعــات األكاديميــة مــن جهــة‪ ،‬ويتحــدي‪،‬‬
‫فــي الوقــت نفســه‪ ،‬هيــاكل الســلطة فــي األوســاط األكاديميــة التقليديــة‪ .‬والفك ـرة علــى الرغــم مــن‬
‫وجاهتهــا‪ ،‬وعلــى قــدر مــا تمنحــه مــن م ازيــا‪ ،‬تحمــل جانبهــا المظلــم كذلــك‪ ،‬وعلــى أكثــر مــن‬
‫مســتوى‪ ،‬منهــا تالشــي الحــدود الفاصلــة ببــن األســتاذ والتلميــذ بالمعنــى الســيء للقضيــة‪ ،‬بينمــا‬
‫يتصــل المســتوى الثانــي بتالشــي الحــدود كذلــك بيــن االحتفــاء والتملــق‪ ،‬والــذي يكــرس مـرة أخــرى‬
‫لفكـرة الســيطرة الهرميــة فــي المجتمــع األكاديمــي؛ حيــث يــزداد التعــرض لمنشــورات بعينهــا ليــس‬
‫لشــيء إال لكونهــا تعــود إلــى أحــد األكاديميــن المرموقيــن‪ ،‬بينمــا يتـوارى البعــض اآلخــر لمجــرد أن‬
‫كاتبهــا ال يحظــى بقــدر كبيــر مــن المتابعــة والشــهرة بعــد‪.‬‬
‫فضـ ًـال عــن ذلــك‪ ،‬تظهــر تراتبيــة مــن نــوع آخــر‪ ،‬والمتمثلــة فــي مســتوى «األمية‪/‬الفجــوة التقنيــة»؛‬
‫فبينمــا يتمتــع صغــار الباحثيــن بإمكانــات تكنولوجيــة تتعاظــم مــع الوقــت‪ ،‬يفتقــد األكاديميــون‬
‫األكبــر سـ ًـنا لمثــل هــذه المهــارات‪ ،‬األمــر الــذي يجعــل التراتبيــة األكاديميــة تجــدد نفســها بأشــكال‬
‫عديــدة مــن داخــل المنظومــة األكاديميــة نفســها‪ ،‬وهــي بذلــك التختفــي فــي نهايــة األمــر‪.‬‬
‫وتؤمــن مواقــع التواصــل االجتماعــي نــوع مــن المشــاركة «منخفضــة المخاطــر» إن جــاز‬ ‫َّ‬
‫التعبيــر؛ حيــث يمكــن للمســتخدم التعامــل عبرهــا بهويــة غيــر واضحــة‪ ،‬ويصعــب التحقــق منهــا‬
‫فــي كثيــر مــن األحيــان‪ .‬وفــي الوقــت الــذي تســمح فيــه هــذه الخاصيــة بمزيــد مــن القــدرة علــى‬
‫التســتر والمراقبــة قبــل االنخـراط فــي نقــاش أو حـراك مــا‪ ،‬وهــو مــا يمكــن أن يترجمــه البعــض إلــى‬
‫أن هــذه المواقــع تســاعد في»تمكيــن» األف ـراد الخائفيــن مــن الجهــر بآرائهــم لوقــت مــا‪ ،‬إال أنهــا‪،‬‬
‫نوعــا مــن األداء المســرحي خلــف ســتارة‪ ،‬إذا صــح التعبيــر‪ ،‬أو وراء‬ ‫وفــي الوقــت نفســه‪ ،‬تعكــس ً‬
‫‪567‬‬

‫الكواليــس‪ ،‬وذلــك علــى عكــس مــا هــو متوقــع منهــا مــن مشــاركة وتفاعــل‪ ،‬خاصــة عندمــا يتعلــق‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫األمــر بدعــم أو اســتهجان قضيــة مــا‪ ،‬كمــا هــو الحــال فــي د ارســتنا الحاليــة‪ ،‬األمــر الــذي يعنــي‬
‫العجــز فــي نهايــة األمــر عــن التنبــؤ بالتوجــه الحقيقــي للمســتخدم‪ ،‬أو التنبــؤ بمــا هــو مقبــول أو‬
‫غيــر مقبــول لــدى الجمــوع المرجــوة مــن الحركــة‪.‬‬
‫عــود علــى بــدء‪ُ ،‬يعــد التواجــد األكاديمــي الجمعــي الرقمــي عمليــة مســتمرة مــن التجربــة والخطــأ‪،‬‬
‫وهــي بذلــك مــا ازلــت تحتــاج للكثيــر مــن الموازنــة بيــن تداعــي األفــكار‪ ،‬و‪ /‬أوالمشــاعر‪ ،‬و‪/‬أو‬
‫إيجابــا عبرهــا‪ ،‬وبيــن االعتقــاد فــي كــون هــذا التواجــد يضمــن شــبكة مفتوحــة مــن‬
‫ً‬ ‫ـلبا أو‬
‫المواقــف سـ ً‬
‫وتنوعــا‪ .‬فالواقــع يحــذر مــن ظهــور المجتمعــات األكاديميــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫انفتاحــا‬
‫ً‬ ‫مجتمعــا أكثــر‬
‫ً‬ ‫شــأنها أن تدعــم‬
‫ـر ألن هــذه المجتمعــات تختــار‬ ‫عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬بمظهــر النســيج المتجانــس‪ ،‬نظـ ًا‬
‫نفســها بنفســها‪ ،‬لكــن حقيقــة األمــر أن هــذا االختيــار‪ ،‬ومــن ثَّــم التجانــس‪ ،‬يدفــع بمســاحات أقــل‬
‫تنوعــا فــي األفــكار‪ ،‬وينتهــي األمــر إلــى أن تعمــد مجموعــات مــن داخــل المجتمــع األكاديمــي نفســه‬ ‫ً‬
‫إلــى تصفيــة أيــة فقاعــات تظهــر اختالًفــا‪ ،‬أو تغــرد خــارج الســرب‪ ،‬وليــس العكــس‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬التجاهات المستقبلية لدراسات الحتجاج الجمعي الرقمي‬ ‫ً‬


‫غيــر مــن مشــهد تنظيــم الحمــالت والحــركات االحتجاجيــة‬ ‫بالرجــوع إلــى الوســيط التقنــي الــذي َ‬
‫قميا‪ ،‬وسمح للكثير من الجهات الفاعلة بممارسة نشاطها عبر سلوك «النقر» ‪Clicktivism‬‬ ‫ر ً‬
‫فقــط‪ ،‬وإحــداث تأثيــر مجتمعــي كبيــر‪ً ،‬أيــا كان مجالــه‪ ،‬دون أن يعنــي ذلــك انتقالهــم إلــى أرض‬
‫ـر أصيـ ًـال‬
‫الواقــع‪ ،‬تصبــح الحاجــة ماســة إلــى إثــارة الكثيــر مــن التســاؤالت الكبيـرة التــي تتطلــب تنظيـ ًا‬
‫يســاعد الباحثيــن المهتميــن بتنــاول الظواهــر المرتبطــة بالتنظيــم الجمعــي الرقمــي علــى فهــم المشــهد‬
‫وتحليــل معطياتــه‪ .‬وتســتعرض الســطور التاليــة مجموعــة مــن التســاؤالت التــي يمكــن العمــل عليهــا‬
‫فــي ســبيل تقديــم صــورة دقيقــة عــن طبيعــة االتجاهــات المســتقبلية فــي هــذا الســياق‪.‬‬
‫وتســلط األســئلة المســتقبلية الضــوء‪ ،‬تحديـ ًـدا‪ ،‬علــى طبيعــة تغيــر حــدود التفاعــل بيــن األف ـراد‪،‬‬
‫ودور الوســاطة الــذي تمارســه التكنولوجيــا الرقميــة المتجــددة فــي شــكل وســمات الفعــل الجمعــي؛‬
‫حيــث تبــرز الحاجــة إلــى مزيــد مــن العمــل نحــو تطويــر نظريــات تفســيرية‪ ،‬وتنبؤيــة تأخــذ فــي‬
‫االعتبــار طبيعــة الفاعليــن فــي الحــركات االحتجاجيــة مــن جهــة ‪ ،Actors Type‬وتقنيــات‬
‫التنظيــم الرقمــي مــن جهــة ثانيــة‪ ،Technologies‬ثــم طبيعــة تدفــق المعلومــات المرتبطــة بنشــاط‬
‫االحتجــاج واتجاهــه ‪ Information flow‬مــن جهــة ثالثــة‪.‬‬
‫فعلــى مســتوى المتغيــر األول‪ ،‬وهــو متغيــر طبيعــة الفاعــل فــي حــركات االحتجــاج‪ ،‬يمكــن‬
‫القــول إن البشــر لــم يعــودوا هــم الفاعلــون الوحيــدون المشــاركون فــي التنظيــم الرقمــي لالحتجــاج؛‬
‫‪568‬‬
‫بــل العكــس قــد يكون ـوا أقليــة فــي بعــض الســياقات‪ ،‬وبعــض القضايــا كمــا يحــدث فــي الحمــالت‬
‫حاليــا «الذبــاب اإللكترونــي»‪ .‬األمــر الــذي يطــرح بــدوره‬
‫اإللكترونيــة التــي يوظــف بهــا مــا يطلــق ً‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫سلســلة مــن التســاؤالت البحثيــة المســتقبلية منهــا كيــف يمكننــا تصنيــف مثــل ه ـؤالء الفاعليــن؟!‬
‫ومــن يتحمــل مســئولية الجهــات الفاعلــة غيــر البش ـرية؟! هــل يمكــن تصميــم أســاليب االحتجــاج‬
‫قميــا بحيــث ال تمكــن البشــر مــن ذلــك فــي مقابــل قص ـره علــى اآللة؟!‪...‬الــخ‪.‬‬ ‫ر ً‬
‫أمــا علــى مســتوى التقنيــة المســتخدمة فــي االحتجــاج والح ـراك الرقمــي‪ ،‬فالجديــد فيهــا أنهــا‬
‫اكا مــا مــن البــروز‪ ،‬تمنــع‬ ‫تحمــل فــي طياتهــا وجهــي العملــة؛ ففــي الوقــت الــذي تمكــن فيــه ح ـر ً‬
‫أحيانــا‪ ،‬وهــي بالتالــي تدفعنــا للتفكيــر فــي مجموعــة مــن‬
‫ً‬ ‫اآلخــر وتقيــده بشــكل ال يمكــن التنبــؤ بــه‬
‫التســاؤالت البحثيــة الجديــدة منهــا‪ :‬كيــف يمكــن التحكــم فــي الحشــود التــي ال يمكــن الســيطرة عليهــا‬
‫داخــل وعبــر التقنيــات الرقميــة؟ مــا المســؤوليات األخالقيــة واالجتماعيــة التــي يتحملهــا مالكــو‬
‫المنصــات بشــأن الح ـراك الجمعــي الرقمــي؟ وكيــف يفســد التصميــم التكنولوجــي أو يقهــر قــوة‬
‫البشــر‪ ،‬وأن ـواع أخــرى مــن الفاعليــن؟!‬
‫يتبقــى العنصــر الثالــث فــي الصــورة وهــو متغيــر طبيعــة تدفــق المعلومــات المرتبطــة بنشــاط‬
‫ـتقبال؛ وبديـالً عــن‬
‫االحتجــاج؛ حيــث لــم تُعــد مفاهيــم انتقــال المعلومــات عبــر مرحلتيــن قائمــة مسـ ً‬
‫ذلــك‪ ،‬يمكننــا مالحظــة التدفقــات متعــددة االتجاهــات مــن المعلومــات عبــر عــدة جهــات فاعلــة‪،‬‬
‫دومــا‪.‬‬
‫وعبــر تقنيــات وأن ـواع تكنولوجيــة متغي ـرة ومتجــددة ً‬
‫امــا علينــا أن نتســائل عــن الكيفيــة التــي يمكــن لنظريــة األطــر الخبريــة مثـ ًـال‬ ‫ومــن ثـ َّـم أصبــح لز ً‬
‫وغيرهــا مــن النظريــات الموجــودة أو الجديــدة‪ ،‬أن تصنــف أنـواع المحتــوى اإلعالمــي مــن أجــل فهــم‬
‫ـر فــي تحفيــز التنظيــم‬‫أفضــل لنتائــج انتشــار المعلومــات؟ مــا هــي أنـواع حــزم المحتــوى األكثــر تأثيـ ًا‬
‫الرقمــي؟ إلــى أي مــدى وبأيــة طــرق‪ ،‬يشــكل التصميــم التكنولوجــي تفســيرات الجهــات الفاعلــة‬
‫للمعلومــات ومــا يترتــب عليهــا مــن إجـراءات؟ وأخيـ ًـرا‪ ،‬كيــف يمكننــا الموازنــة بيــن حريــة المعلومــات‬
‫والســيطرة عليهــا لمنــح الفــرص لمزيــد مــن المشــاركة والفاعليــة السياســية دون أن يفضــي ذلــك إلــى‬
‫مســاعدة الحــركات اإلرهابيــة مثـ ًـال؟‬
‫يبــدو مــن األهميــة بمــكان كذلــك االلتفــات إلــى تلــك النوعيــة مــن األبحــاث التــي تبتكــر طرًقــا‬
‫جديــدة الختبــار تأثيــر الحــركات االجتماعيــة علــى المجتمعــات بوجــه عــام؛ حيــث تبــرز العديــد‬
‫مــن الد ارســات التــي تتحــدى وتشــكك فــي قــدرة الح ـراك الجمعــي علــى إحــداث التغييــر المرجــو‪،‬‬
‫أحيانــا إلــى طبيعــة المشــاركة الفرديــة فــي الحــركات مــن خــالل‬ ‫ً‬ ‫رجــع هــذه الد ارســات ذلــك‬ ‫وتُ ِ‬
‫تفاعــالت «اإلعجــاب»‪ ،‬و‪/‬أو»المشــاركة» منخفضــة التكلفــة‪ ،‬والتــي يميــل ممارســوها إلــى قصــر‬
‫نشــاطهم علــى الوســيط الرقمــي –مواقــع التواصــل االجتماعــي هنــا‪ -‬فــي مقابــل اتخــاذ إجـراءات‬
‫حقيقيــة فــي العالــم المــادي‪ .‬وفــي المقابــل‪ ،‬يشــير آخــرون إلــى أن مثــل هــذه الشــكوك ال تأخــذ‬
‫‪ 569‬فــي االعتبــار أن النشــاط الرقمــي قــد ُيلهــم‪ ،‬ويحشــد‪ ،‬ويعــزز التنظيــم الذاتــي لألشــخاص متشــابهي‬
‫التفكيــر واالهتمــام فــي شــكل مــا مــن أشــكال التعــاون المنظــم‪ ،‬وهــو مــا يســتدعي البحــث فــي‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫مســتوى تعقيــد وعــدم تجانــس المشــاركة وتأثيــر األشــكال الجديــدة للعمــل الجماعــي فــي ظــل‬
‫التقنيــات الرقميــة‪.‬‬
‫ويســتدعي التطــور المســتمر للتقنيــات الرقميــة‪ ،‬وكونهــا قــد أصبحــت أكثــر اســتقاللية فــي‬
‫الملحــة كذلــك لفهــم كيــف تُغيــر أنظمــة الــذكاء االصطناعــي‪،‬‬ ‫األنظمــة التــي تعمــل بهــا‪ ،‬الحاجــة ُ‬
‫وخفيــا مــن طبيعــة التنظيــم بشــكل ُيفــرز معضــالت‬ ‫ً‬ ‫اميــا‬
‫ـر در ً‬
‫وخوارزميــات التعلــم اآللــي‪ ،‬تغيـ ًا‬
‫أخالقية غير متوقعة‪ ،‬وهو ما يســتلزم التطوير المبكر للنظريات المعيارية‪ ،‬والمبادئ التوجيهية‬
‫األخالقيــة لســياقات التنظيــم الرقمــي‪.‬‬
‫تســاهم الد ارســة الحاليــة كذلــك فــي إســقاط الضــوء علــى حاجــة الباحثيــن إلــى التعمــق أكثــر فــي‬
‫الجانــب المظلــم للح ـراك الجمعــي الرقمــي وخط ـوات الحشــد والتعبئــة؛ حيــث تبــدو الحــدود بيــن‬
‫النشــاط الرقمــي والتنمــر عبــر اإلنترنــت ضعيفــة فــي بعــض األحيــان‪ .‬عــالوة علــى ذلــك‪ ،‬يت ازيــد‬
‫القلــق بشــأن االنتشــار الس ـريع والمضــر للمعلومــات المضللــة والشــائعات و»األخبــار المزيفــة»‪،‬‬
‫أحيانــا مــا يســبب‬
‫ً‬ ‫وحتــى عندمــا تكــون المعلومــات دقيقــة‪ ،‬فــإن االنتشــار الواســع عبــر اإلنترنــت‬
‫ـرر أكثــر مــن نفعــه‪ ،‬مثلمــا هــو الحــال مثـ ًـال بالنســبة لألفـراد المعرضيــن للخطــر و‪/‬أو الفئــات‬ ‫ضـ ًا‬
‫المهمشــة مــن التداعيــات المحتملــة للتنظيــم الرقمــي‪ ،‬أو فــي الحــاالت المعقــدة التــي تنطــوي علــى‬
‫غالبــا‬
‫غمــوض بشــأن الحكــم األخالقــي عليهــا‪ ،‬وهــو مــا يجعلهــا عرضــة لألحــكام الذاتيــة‪ ،‬والتــي ً‬
‫مــا تكــون متحيـزة‪ ،‬وقــد تنتهــي إســتراتيجيات التمكيــن الرقمــي لبعــض الفئــات بغــرض نفعهــا إلــى‬
‫اســتخدام التقنيــة مــن قبــل جماعــات أخــرى تخريبيــة مثـ ًـال‪.‬‬
‫وآخــر القضايــا التــي يمكــن إثارتهــا هنــا‪ ،‬وليــس أخرهــا‪ ،‬هــي وعــي الحكومــات بقــدرة شــبكات‬
‫التواصــل االجتماعــي علــى صناعــة شــكل جديــد مــن ال ـرأي العــام‪ ،‬أكثــر فعاليــة مــن الشــكل‬
‫التقليــدي‪ ،‬وهــو مــا يقودهــا إلــى اإلس ـراع فــي إيجــاد الوســائل الناجعــة لمراقبــة هــذه الشــبكات‬
‫أمـ ًـال فــي التحكــم فــي صناعــة الـرأي العــام الرقمــي‪ .‬وعلــى الرغــم مــن صعوبــة تحقيــق ذلــك دون‬
‫تشــديد القبضــة والســيطرة علــى تكنولوجيــا اإلنترنــت‪ ،‬أثبتــت بعــض الد ارســات حــول الرقابــة علــى‬
‫ـاال‪ ،‬أن الســلطات الصينيــة اســتطاعت –‬ ‫اإلنترنــت ودورهــا فــي قيــادة الـرأي العــام فــي الصيــن مثـ ً‬
‫عبــر ســتة مســتويات لرقابــة المحتــوى الرقمــي عبــر الويــب‪ -‬أن تتخطــى مرحلــة التحكــم فــي الـرأي‬
‫العــام لتصــل لمرحلــة قيادتــه وتوجيهــه سياسـ ًـيا (‪.)87‬‬
‫إال أن الخطورة على الرأي العام الرقمي ال تقتصر على الرقابة المباشرة التي تفرضها بعض‬
‫الــدول علــى المحتــوى الرقمــي –خاصــة المحتــوى المتــداول عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي‪-‬‬
‫بــل تكمــن‪ ،‬كذلــك‪ ،‬فــي الرقابــة الذاتيــة التــي يمارســها مســتخدمو الشــبكات الرقميــة علــى المحتــوى‬
‫‪570‬‬
‫تماهيــا مــع نظريــة «دوامــة الصمــت» ‪)Spiral of Si-‬‬ ‫ً‬ ‫الــذي يقومــون بإنتاجــه‪ ،‬أو مشــاركته‬
‫(‪ lence Theory‬؛ حيــث يخشــى الفــرد أن يصبــح معــزوًال فــي المجتمــع‪ ،‬لــذا يصمــت عــن‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫آ ارئــه المخالفــة‪ ،‬وهــو مــا أثبتتــه د ارســة عــن عالقــة الرقابــة الذاتيــة واالســتقطاب ودوامــة الصمــت‬
‫والتواصــل االجتماعــي شــملت فرنســا وألمانيــا وبريطانيــا والواليــات المتحــدة األمريكيــة؛ حيــث‬
‫دعمــا لنظريــة دوامــة الصمــت مــن خــالل خيــارات مســتخدمي شــبكات التواصــل‬ ‫تبيــن أن هنــاك ً‬
‫(‪(88‬‬
‫االجتماعــي للكيفيــة التــي يمارســون بهــا الرقابــة الذاتيــة علــى المحتــوى‪.‬‬

‫‪571‬‬
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

‫المراجع‬

‫∗ ينــدرج البحــث ضمــن مجموعــة البحــوث التــي انبثقــت مــن المشــروع البحثــي "ضوابــط حريــة‬
‫جامعــة‬:‫ وأخالقيــات اســتخدام مواقــع التواصــل االجتماعــي داخــل الحــرم الجامعي‬،‫الـرأي والتعبيــر‬
.‫ والــذي تمولــه جامعــة القاهـرة ضمــن فئــة المشــروعات االبتكاريــة بهــا‬،"‫نموذجــا‬
ً ‫القاهـرة‬
1- Levine, M. )1967(. Higher Education and Collective Action: Will
Professors Unionize? The Journal Of Higher Education, 38)5(, 263.
https://doi.org/10.2307/1980052
2- Ibid, P.263.
3- Cassell, M., & Halaseh, O., )2014(. The Impact of Unionization on
University Performance, Journal of Collective Bargaining in the Acad-
emy: 6, )3(. http://thekeep.eiu.edu/jcba/vol6/iss1/3
4 - Ibid, p. 4
5- Levine, M. )1967(. Op-Cit, P.267.
6- Rhoades, G. )2011(. Faculty Unions, Business Models, and the
Academy’s Future. Change: The Magazine of Higher Learning, 43)6(,
20-26. https://doi.org/10.1080/00091383.2011.599299
7- Wassell, C., S. Jr; Hedrick, D., W.; Henson, S., E.; & Krieg, J. M.
(2015). Wage Distribution Impacts of Higher Education Faculty Union-
ization, Journal of Collective Bargaining in the Academy: 7, )4(. http://
thekeep.eiu.edu/jcba/vol7/iss1/4
8- Hedrick, D. W., Henson, S. E., Krieg, J. M., & Wassell, C. S.
)2011(. Is there really a faculty union salary premium? Industrial
and Labor Relations Review, 64(3), 558–575. http://www.jstor.org/
stable/41149479(
9- Wassell, C., S. Jr; Hedrick, D., W.; Henson, Steven E.; & Krieg, J.
M. Op-Cit.P.2
،‫ لمــاذا يختلــف عــن ســابقيه؟‬:”‫ ح ـراك “علمــاء مصــر غاضبــون‬.)2019( ‫ فــرح رمــزي‬-10
572 :‫ متــاح علــى‬،‫المفك ـرة القانونيــة‬
shorturl.at/ahoA1
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫‪ -11‬منــة عمــر (‪ .)2014‬الحرس الجامعي في مصر بين أحكام القضاء اإلداري والقضــاء‬
‫المســتعجل‪ ،‬المفكـرة القانونيــة‪ ،‬متــاح علــى‪shorturl.at/epKMV:‬‬
‫‪ -12‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ -13‬هانــي النق ارشــي(‪ .)2019‬أســاتذة الجامعــات يرفضــون قانــون الخدمــة المدنيــة‪ :‬ترتــب‬
‫عليــه تجميــد المرتبــات علــى أساســيات يونيــو ‪ ،2015‬أهــل مصــر‪ ،‬متــاح علــى‪https:// :‬‬
‫‪ahlmasrnews.com/894187‬‬
‫‪ -14‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬
‫‪ - 15‬فرح رمزي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-16‬عبــدهللا شــلبي (‪ .(2011‬الحــركات الجتماعيــة السياســية ‪ -‬األصوليــة الســالمية‬
‫نموذجــا‪ :‬دراســة فــي ضبــط المفاهيــم وتعييــن حــدود الظاهــرة (القاه ـرة‪:‬‬
‫ً‬ ‫السياســية المعاصــرة‬
‫دار الفجــر للنشــر والتوزيــع)‪ ،‬ص ص ‪19-18‬‬
‫‪17- Eade, D. (2010). Protest and Social Movements in the Developing‬‬
‫‪World - Edited by Shinichi Shigetomi and Kumiko Makino. The‬‬
‫‪Developing Economies, 48)3(, 410-413. https://doi.org/10.1111/j.1746-‬‬
‫‪1049.2010.00113_3.x‬‬
‫‪ -18‬أســماء حســين ملــكاوي (‪ .)2018‬الحــركات االحتجاجيــة الرقميــة فــي المنطقــة العربيــة‬
‫وتحـوالت المجــال العــام‪ ،‬مجلــة لبــاب للدراســات الســتراتيجية واإلعالميــة‪ ،‬العــدد(‪ ،)0‬ص ‪.75‬‬
‫‪19- Medrano, J., & Braun, M. )2011(. Uninformed citizens and sup-‬‬
‫‪port for free trade. Review of International Political Economy, 19)3(,‬‬
‫‪448-476. https://doi.org/10.1080/09692290.2011.561127.‬‬
‫‪20- Stuart, A., Thomas, E., & Donaghue, N. )2018(. “I don’t really want‬‬
‫‪to be associated with the self-righteous left extreme”: Disincentives‬‬
‫‪to participation in collective action. Journal of Social and Political‬‬
‫‪Psychology, 6)1(, 242-270. https://doi.org/10.5964/jspp.v6i1.567‬‬
‫‪21- Becker, J. C. )2012(. Virtual special issue on theory and research‬‬
‫‪on collective action in the European Journal of Social Psychology.‬‬
‫‪European Journal of Social Psychology, 42, 19-23. doi:10.1002/‬‬
‫‪ejsp.1839, P.1‬‬
‫‪ -22‬أحمــد مصطفــى ابــو زيــد (‪ .)1990‬التحــدي الثقافــي‪ :‬مــن دور الجامعــات فــي مواجهــة‬ ‫‪573‬‬

‫التحديــات المعاصـرة‪ ،‬مجلــة رســالة الخليــج العربــي‪ ،‬العــدد (‪ )32‬الســنة العاشـرة‪ ,‬مكتــب التربيــة‬
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

90-89 ‫ ص ص‬،‫ الســعودية‬،‫ الريــاض‬،‫العربــي لــدول الخليــج‬


23- Jordan, K.,)2014(.Academics and Their Online Networks: Ex-
ploring the Role of Academic Social Networking Sites. First Monday
19 )11(. Accessed September 27, 2017. http://firstmonday.org/ojs/in-
dex.php/fm/article/view/4937/4159
24- Jordan, K,.)2016(.Digital Scholarship and the Social Networking
Site: How Academics Conceptualise Their Networks on Academic So-
cial Networking Sites and Twitter. Selected Papers in Internet Research,
Association of Internet Researchers. http://oro.open.ac.uk/46730
25- Gregory, K., & Singh, S. )2018(. Anger in Academic Twitter:
Sharing, Caring, and Getting Mad Online. Triplec: Communication,
Capitalism & Critique. Open Access Journal For A Global Sustainable
Information Society, 16)1(, 176-193. https://doi.org/10.31269/triplec.
v16i1.890
26- Terranova, T.,)2000(. Free Labor: Producing Culture for the Dig-
ital Economy. Social Text, 18 )2(: 33-58, https://web.mit.edu/schock/
www/docs/18.2terranova.pdf
27- Mountz, A., Bonds, A., Mansfield, B., Loyd, J., Hyndman, J.,
Walton-Roberts, M., Basu, R., Whitson, R., Hawkins, R., Hamilton, T.,
& Curran, W. (2015). For Slow Scholarship: A Feminist Politics of Re-
sistance through Collective Action in the Neoliberal University. ACME:
An International Journal for Critical Geographies, 14)4(, 1235-1259.
Retrieved from https://www.acme-journal.org/index.php/acme/article/
view/1058
‫ الخوارزميــات وهندســة تفضيــالت مســتخدمي اإلعــالم‬.)2020( ‫ فاطمــة الزه ـراء الســيد‬-28
113-112 ‫ ص ص‬،5 ‫ العــدد‬،‫ مجلــة لبــاب للدراســات الســتراتيجية واإلعالميــة‬،‫االجتماعــي‬
.113 ‫ ص‬،‫ المرجع السابق نفسه‬-29
30- Willinsky, J.,(2010). Open Access and Academic Reputation. An-
574
nals of Library and Information Studies 57 )3(: 296-302.
31- Morrish ,L. )2016(. The Rise of the Trump Academic [Online]. The
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

Sociological Review. https://thesociologicalreview.org/collections/


academic-celebrity/the-rise-of-the-trump-academic/
32- Hearn, A.,)2010(. Structuring Feeling: Web 2.0, Online Ranking
and Rating, and the Digital ‘Reputation’ Economy. Ephemera: theory
& politics in organization 10 )3/4(: 421-438.
33- Slaughter, S., & Rhoades, G. )2004(. Academic Capitalism and
the New Economy: Markets, State, and Higher Education. Johns Hop-
kins University Press, P.320.
34- Papacharissi, Z.,)2015(. Affective Publics: Sentiment, Technology,
and Politics. New York:
Oxford University Press, P.95.
35- Jordan, K.,Op-Cit.
36- Bloch, C., )2012(. Passion and Paranoia: Emotions and the Cul-
ture of Emotion in Academia. New York: Routledge, P.127.
37- Ross, A. )2010(. The Corporate Analogy Unravels. The Chronicle
of Higher Education. Retrieved 18 November 2021, from https://www.
chronicle.com/article/the-corporate-analogy-unravels/.
38- Beetham, H. )2016(. Employability and the Digital Future of
Work. Networkedlearningconference.org.uk. Retrieved 18 November
2021, from http://www.networkedlearningconference.org.uk/abstracts/
pdf/S2_Paper3.pdf.
39- Gregory, K., & Joss W,.)2016(. Marx, Engels and the Critique
of Academic Labor. Workplace: A Journal for Academic Labor 28:
1-8. Retrieved 18 November 2021. http://ices.library.ubc.ca/index.php/
workplace/article/view/186209
40- Winn, J., )2016(. Against academic identity. Retrieved 18 Novem-
ber 2021 http://josswinn.org/2016/03/17/against-academic-identity
41- Bowles, K., & Richard H,. )2014(. Wider Lessons. Music for
Deckchairs. Retrieved 18 November 2021. https://musicfordeckchairs. 575
com/blog/2014/12/02/wider-lessons/
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

42- Bousquet, M.,)2008(.How the University Works: Higher Educa-


tion and the Low-Wage Nation. New York: New York University Press,
P.27.
43- Mewburn, I., & Thomson, P. )2013(. Why do academics blog?
An analysis of audiences, purposes and challenges. Studies In Higher
Education, 38)8(, 1105-1119. https://doi.org/10.1080/03075079.2013.8
35624(
44- Mewburn, I. )2011(. Troubling talk: assembling the PhD candi-
date. Studies In Continuing Education, 33)3(, 321-332. https://doi.org/
10.1080/0158037x.2011.585151
45- Gregory, K., & Singh, S.Op-Cit, P.179
46- Gill, R. )2009(. Breaking the Silence: The Hidden Injuries of
Neo-Liberal Academia. In R. Róisín & G. Rosalind, Secrecy and Si-
lence in the Research Process: Feminist Reflections )pp. 228244-(.
Routledge. Retrieved 18 November 2021
47- Papacharissi, Z.,Op-Cit,P.23.
48- Stewart, B. (2015). Open to influence: what counts as academic
influence in scholarly networkedTwitterparticipation. Learning, Media
and Technology, 40)3(, 287-309. https://doi.org/10.1080/17439884.20
15.1015547,P.11
49- Stewart, B., )2016(. Collapsed Publics: Orality, Literacy, and Vul-
nerability in Academic Twitter. Journal of Applied Social Theory 1 )1(.
P.61 http://socialtheoryapplied.com/journal/jast/article/view/33/9
50- Kuehn, K., & Thomas F. C., )2013(. Hope Labor: The Role of Em-
ployment Prospects in Online Social Production. The Political Econo-
my of Communication 1 )1(: 9-25.P.9.
51- Carrigan, M., )2016(. Social Media for Academics. London: Sage,
P.4.
52- Marwick, A., )2015(. You May Know Me from YouTube: )Mi-
576
cro(-Celebrity in Social Media. In: A Companion to Celebrity, edited
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

by Sean Redmond and P. David Marshall, 333349-. Chichester: Wiley


Blackwell.P.332
53- Marwick, A. )2012(. The Public Domain: Surveillance in Everyday
Life. Surveillance & Society, 9)4(, 378-393. https://doi.org/10.24908/
ss.v9i4.4342
54- Stewart, B., )2016(. Op-Cit, P.78
55- Stewart, B., )2016(. Op-Cit, P.82.
56- Marwick, A., & boyd, d. (2010). I tweet honestly, I tweet passionate-
ly: Twitter users, context collapse, and the imagined audience. New Media
& Society, 13)1(, 114-133. https://doi.org/10.1177/1461444810365313,
P.129.
57- Bady, A. )2015(. You are totally unreliable Twitter. The New Inqui-
ry. Retrieved 18 November 2021, from https://thenewinquiry.com/blog/
you-are-totally-unreliable-twitter/.
58- Stewart, B., )2016(. Op-Cit, P.77
59- Papacharissi,Op-Cit.
60- Cloud, D. L. )2015(. “Civility” as a Threat to Academic Freedom.
First Amendment Studies
49 )1(: 13-17. P.15.
61- https//:twitter.com/hashtag/supportsalaita
62- https//:twitter.com/search?q23%=uistudents4Salaita&src=hash
63- Papacharissi, Op-Cit.P.37.
64- Flaherty, C. )2017(. Inside Higher Ed’s News. Insidehighered.
com. Retrieved 18 November 2021, from https://www.insidehighered.
com/news/2017/04/18/documents-show-drexel-investigating- profes-
sors-tweets-its-unclear-whether-faculty.
65- Fry, J., & Blake, B. )2016(. Message Regarding Academic Free-
dom, Freedom of Speech and the Need for Inclusivity and Respect. Drex-
el Now. Retrieved 18 November 2021, from https://drexel.edu/now/ar-
chive/2016/December/Message-to-community-on-academic-.
66- Papacharissi, Op-Cit.P.56.
67- Veletsianos, G.,)2016(. Social Media in Academia: Networked
577
Scholars. New York :Routledge.P.56.
68- Wingfield, A. (2015(. Canaries in the Coal Mine? Saida Grundy,
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫‪Zandria Robinson, and Why Calls for their Firing are a Problem for Ev-‬‬
‫‪eryone. Work in Progress. Retrieved 18 November 2021, from https://‬‬
‫‪workinprogress.oowsection.org/2015/07/08/canaries-in-the-coal-mine-‬‬
‫‪saida-grundy-zandria-robinson-and-why-calls-for-their-firing-are-a-‬‬
‫‪problem-for-everyone/.‬‬
‫‪69- Kilgannon, C. )2014(. Without Tenure or a Home (Published 2014).‬‬
‫‪Nytimes.com. Retrieved 18 November 2021, from https://www.nytimes.‬‬
‫‪com/2014/03/30/nyregion/without-tenure-or-a-home.html.‬‬
‫‪70- Papacharissi, Op-Cit.P.4.‬‬
‫‪71- Habermas, J. )1992(. Citizenship and national identity: Some re-‬‬
‫‪flections on the future of Europe. Citizenship: Critical concepts. Vol. 2.‬‬
‫‪Citizenship: Critical concepts )pp358–341.(. P.120.‬‬
‫‪72- Orth, Z., Andipatin, M., Mukumbang, F., & van Wyk, B. )2020(.‬‬
‫‪Applying Qualitative Methods to Investigate Social Actions for Justice‬‬
‫‪Using Social Media: Illustrations From Facebook. Social Media + Soci-‬‬
‫‪ety, 6)2(, 205630512091992. https://doi.org/10.1177/2056305120919926‬‬
‫‪ -73‬جــاء الرمــز التعبيــري (غاضــب) فــي المرتبــة األولــى مــن إجمالــي التفاعــالت التــي تــم‬
‫رصدهــا فــي عينــة الد ارســة ‪ ،‬بواقــع (‪ ،(74%‬فــي حيــن جــاء التفاعــل برمــز (حزيــن) بمــا نســبته‬
‫(‪ ،(31%‬وفــي المرتبــة الثالثــة جــاء الرمــز التعبيــري (ضاحــك) بنســبة (‪ ،(13%‬وتســاوى كل مــن‬
‫الرمزيــن التعبيرييــن (مندهــش‪ ،‬و أحــب) فيمــا نســبته (‪ )4%‬مــن إجمالــي عينــة الد ارســة (‪(108‬‬
‫منشــور‪.‬‬
‫‪ -74‬اســتعانت الد ارســة بموقــع ‪ ،Buzzsumo‬وهــو موقــع متخصــص فــي جمــع البيانــات‬
‫المتصلــة بموضــوع مــا عبــر المنصــات والمواقــع المختلفــة لهــا‪ ،‬فــي فت ـرة زمنيــة محــددة ‪//:https‬‬
‫‪/com.buzzsumo‬‬
‫‪ -75‬كان كل مــن د‪ .‬عصــام حجــي‪ ،‬العالــم المصــري المقيــم بالواليــات المتحــدة‪ ،‬د‪ .‬حســن نافعــة‬
‫األكاديمــي المصــري فــي مجــال العلــوم السياســية‪ ،‬الصحفيــة مــي عـزام‪ ،‬د‪ .‬ماجــدة غنيــم الطبيبــة‬
‫واألكاديميــة المصريــة مــن أبــرز الشــخصيات التــي أثــارت تغريداتهــا ردود أفعــال واســعة بشــأن‬
‫الحركــة‪.‬‬
‫‪ -76‬وظفــت الد ارســة موقــع ‪ Tweetdeck‬لجمــع التغريــدات المطلوبــة لموضــوع الد ارســة عبــر‬
‫البحث عن الكلمات الرئيســية في البحث مقيدة باللغة (العربية)‪ ،‬وبحجم مشــاركة اآلخرين‪Lev-‬‬
‫‪( el of Engagement‬معــدل التفاعــل المطلــوب مــع التغريــدات الرئيســية المبحــوث عنهــا) فــي‬
‫مكــن الموقــع كذلــك مــن تحديــد الفترة الزمنيــة للبحــث‪https://tweetdeck.twitter.‬‬ ‫التغريــدة؛ وي ِ‬
‫‪578‬‬ ‫ُ‬
‫‪/com‬‬
‫‪ -77‬انظر ملحق الدراسة‪ :‬صورة رقم (‪(1‬‬
٢٠٢١ ‫ سبتمرب‬/‫ يوليو‬34 ‫ العدد‬- ‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال‬

(4(،)3(،)2( ‫ الصور أرقام‬:‫انظر ملحق الدراسة‬-78


(5( ‫ صورة رقم‬:‫ انظر ملحق الدراسة‬-79
(6( ‫ صورة رقم‬:‫ انظر ملحق الدراسة‬-80
27 ‫ بمنشــور علــى فيســبوك وتوتيــر فــي‬،‫ بــدأ خبــر وفــاه الباحــث نتيجــة اإلصابــة البكتيريــة‬-81
2019 ‫أغســطس‬
82- Snow, D. )2001(. Collective Identity and Expressive Forms. UC
Irvine: Center for the Study of Democracy. Retrieved from https://eschol-
arship.org/uc/item/2zn1t7bj, P.2
83- Melucci, A. )1995(. The process of collective identity. Social Move-
ments and Culture, 4, 41–63, P.43
84- Laitinen, A., & Pessi, A. B. )2014(. Solidarity: Theory and practice.
An introduction. Solidarity: Theory and practice. New York: Lexington
Books, P.1
85- Thalos, M. )2012(. Solidarity: A motivational conception. Philo-
sophical Papers, 41)1(, 57–95, P.64.
86- Trifunović, M. (2012). The principle of solidarity: A restatement of
John Rawls’ law of peoples. Humboldt-Universitat zum Berlin Google
Scholar, P.155, Retreived from https://d-nb.info/103435681X/34
87- Yang,F.)Undated(. How Internet Censorship in China Guides the
Public Opinion: Take the Banned ‘Under the Dome’ Documentary as
a Case Study, https://www.academia.edu/26623841/How_Internet_
Censorship_in_China_Guides_the_Public Opinion
88- Dubois, E.,)2018(.Self-censorship, Polarization, and the ‘Spiral of
Silence’ on Social Media, Paper Submitted to Internet, Policy & Politics
Conference, University of Oxford, 20-21 September, P.15

579
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫ملحق الدراسة‬
‫صورة (‪)1‬‬

‫صورة (‪)2‬‬

‫صورة (‪)3‬‬

‫صورة (‪)4‬‬

‫‪580‬‬
‫املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال ‪ -‬العدد ‪ 34‬يوليو‪ /‬سبتمرب ‪٢٠٢١‬‬

‫صورة (‪)5‬‬

‫صورة (‪)6‬‬

‫صورة (‪)7‬‬

‫‪581‬‬

You might also like