Professional Documents
Culture Documents
78904604
78904604
أ
د.ال يم�ة امسح فرج عبدالفتاح
أ
الستاذ املساعد بلكية إالعالم -جامعة القاهرة
أ
والقا� بعمل معيد لكية إالعالم -جامعة سيناء
أدى التأثري المزتايد لالتصاالت الرقمية ،بما يف ذلك مواقع التواصل ملخص:
االجتماعي ،إىل تباري التفسريات حول دور هذه الوسائط يف الحياة
الديمقراطية للمجتمعات؛ فبينما أثار هابرماس -عىل سبيل المثال -أطروحات
ذات صلة بدور هذه الوسائط يف «تفكك المجال العام» ،وتحوله إىل مجموعات
متشرذمة من النقاشات ،اليت تتسم باالنغالق عىل بعضها البعض كالفقاعات،
بهدف فلرتة األفكار لصالح مجموعة ما ،أو نطاق قبيل ما ،رأى آخرون أن التواصل
الرقمي يدعم المبادىء الديمقراطية .وعىل وجه التحديد ،تعمل هذه الوسائط
عىل توفري مساحة لوسائط إعالم ُمخطط لها؛ حيث يمكن للمثقفين من
مختلف االنتماءات والمعارف أن يدللوا عىل آرائهم أمام جمهور واسع من القراء
والمتابعين ،كما يمكن لألشخاص ذوي الخلفيات واآلراء المحددة تطوير ما
يمكن تسميته ب» الخط العام» ،Threadأو»التتابع الفكري» لقضية أو موضوع،
أو أيدولوجيا ما.
ويربز التنوع يف تصنيف األدوار اليت تؤديها مواقع التواصل االجتماعي بوضوح ،عندما ُ
ً
تحديدا؛ حيث يزتايد استخدام الباحثين يتعلق األمر بدورها يف المجتمع الجامعي
واألكاديميين لهذه المنصات لألغراض الشخصية والمهنية ،إىل الحد الذي دفع
بالجامعات اليوم إىل القيام ببعض أدوارها عرب هذه الوسائط ،بحيث ال يقتصر األمر عىل
التدريس يف الفصول والمجاالت المتخصصة فقط ،ولكن باالنفتاح كذلك عىل جمهور
511أوسع ،ونطاقات مجتمعية أعم ،األمر الذي أدى بدوره إىل إعادة تعريف مهمة الجامعة
ذاتها من خالل تقييم مستوى ارتباطها بالمجتمع المحيط ،ومدى قدرتها عىل خلق
شبكة من اإلتصاالت الواسعة ،والمتشعبة ،اليت تتصل بها من جهة ،وتتصل ببعضها
البعض من جهة ثانية.
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
وتســعى الد ارســة الحاليــة لفهــم الــدور الــذي تلعبــه المشــاعر الســلبية ،مشــاعر الغضــب علــى
وجــه التحديــد ،فــي المناقشــات عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي حــول العمــل األكاديمــي ،والتــي
تظهــر باســتمرار فــي حــال تدهــور ظــروف العمــل األكاديمــي فــي بعــض القطاعــات ،وقــدرة
األكاديمييــن علــى نقــل هــذه المالبســات عبــر «اتحــادات إفتراضيــة» ،تتيحهــا مواقــع التواصــل
االجتماعــي بهــدف النقــد والتواصــل والتنظيــم.
وتقــوم الد ارســة الحاليــة علــى عــدة افت ارضــات أهمهــا أن التعبيــر عــن الغضــب وســلوك االحتجــاج
ـر فــى رفــع الوعــي بقضايــا العمــل األكاديمــي ،فضـ ًـال عــن دور مثمـ ًا
قميــا قــد يمــارس ًا
األكاديمــي ر ً
العمــل كوســيلة للتنظيــم عبــر التسلســالت الهرميــة األكاديميــة خــارج نطــاق الجامعــة الرســمي.
قميــا
وتفتــرض الد ارســة كذلــك أن التعبيــر عــن المشــاعر الســلبية ،وســلوك االحتجــاج األكاديمــي ر ً
قد يدعم عملية إنتاج الشبكات الجديدة للعالقات الشخصية والمهنية على المستوى األكاديمي،
كشــكل مــن أشــكال تحديــد الهويــة لمــن هــم داخل/خــارج المجموعــة .وفــي المقابــل ،تطــرح الد ارســة
قميــا» علــى الصعيديــن الشــخصي العديــد مــن التســاؤالت بشــأن التداعيــات الجوهريــة «للغضــب ر ً
والمؤسســي بمــا يســهم فــي إعــادة تشــكيل الهويــة األكاديميــة الفرديــة ،والســمعة األكاديميــة الجمعيــة
لألكاديميــن المصرييــن بوجــه عــام.
مقدمة:
تصنــف الد ارســات المختلفــة طبيعــة االســتخدام المرتبــط بمنصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي
المعلــن والمعــروف إلنشــاء ِ
مــن قبــل أعضــاء المجتمــع الجامعــي ،علــى حســب الغــرض األساســي ُ
انتظامــا للعالقــات الشــخصية
ً المنصــة نفســها؛ فبينمــا يمكــن اســتخدام Facebookبشــكل أكثــر
واالجتماعية والتحديثات المرتبطة بهذين النطاقين من الموضوعات ،يمكن استخدام Twitter
أو LinkedInألغ ـراض مهنيــة مختلفــة مثــل اإلعــالن عــن عمــل بشــكل فــردي أو مؤسســي،
أو طلــب المشــورة أوالتوجيــه المهنــي العــام ،علــى ســبيل المثــال ال الحصــر .و فــي الســياق نفســه
تتســم هــذه االســتخدامات والتوجهــات المنشــورة عبــر هــذه المنصــات بالتحــول والتغيــر المســتمر،
ـدر موثوًقــا للقواعــد واللوائــح التــي ينبغــي الحفــاظ عليهــا ،وااللت ـزام بهــا،
وهــو مــا ال يجعلهــا مصـ ًا
فضـ ًـال عــن الخلــط الحــادث باســتمرار بيــن الشــخصي والمهنــي البــادي فــي كثيــر ممــا ُينشــر بهــا،
واألمثلــة هنــا ال حصــر لهــا علــى مســتوى الممارســة العربيــة علــى وجــه الخصــوص ،وفــي أعلــى
مســتويات الســلم األكاديمــي الجامعــي.
طــا ،أو تصريحــات ،أو وبالتبعيــة ،عندمــا تنشــر الجامعــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي خط ً
512 يحــا ألعضــاء هــذا المجتمــع (األكاديمــي /اإلداري) اضحــا أو صر ً إعالنات...وهكــذا ،ال يبــدو و ً
المــدى الــذي يمكــن فيــه أن تكــون مثــل هــذه اإلعالنــات رســمية ،أو ُملزمــة ،أو قابلــة للتنفيــذ.
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
هنــا تكمــن اإلشــكالية التــي تقــع فيهــا الجامعــات المختلفــة اليــوم؛ ففــي الوقــت الــذي ُينظــر فيــه
إلــى مواقــع التواصــل االجتماعــي باعتبارهــا أســلوب جديــد ،مواكــب للتطــورات المعاص ـرة التــي
تســمح بنشــر «الخطــاب الخــاص «فــي إطار»عــام» بأســلوب وتصــورات واســتخدامات ناش ـريه،
ال يبــدو ُمســتغرًبا أن تجــد المؤسســات األكاديميــة صعوبــة فــي وضــع مبــادئ توجيهيــة واضحــة،
وسياســات محــددة للتواصــل عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وتطبيقهــا بشــكل منصــف علــى
منســوبي المجتمــع الجامعــي ككل .ومــن جهــة أخــرى ،قــد يدفــع هــذا االعتمــاد المت ازيــد علــى هــذه
المواقــع فــي إبــداء الـرأي والتعليــق ،خــارج اإلطــار األكاديمــي المؤسســي ،إلــى أن ُتبــرز مثــل هــذه
المنصــات ،بشــكل أو بآخــر ،باعتبارهــا نقابــة مهنيــة لمــن ال نقابــة لــه ،ومنصــة إلكتروينــة للحشــد
والتعبئــة والســجال عندمــا يتعلــق األمــر بقضيــة أو حادثــة أو أزمــة جامعيــة.
وتشــير األدبيــات ذات الصلــة بالموضــوع البحثــي ال ارهــن إلــى أنــه ينبغــي علــى الجامعــات أن
ـر محــددة ألســاليب إدارة العالقــة بيــن منســوبيها مــن جهــة ،ومواقــع التواصــل االجتماعــي تضــع أطـ ًا
مــن جهــة ثانيــة ،بــكل مــا تثيـره هــذه العالقــة مــن إشــكاليات وأزمــات تقــع بيــن المطالبــة بالتقنييــن
والضبــط مــن جهــة ،وبيــن مطالبــات أخــرى حثيثــة بضمــان حريــة ال ـرأي و التعبيــر ،ومبــادىء
الحريــة الشــاملة والعادلــة للممارســات عبــر هــذه الوســائل علــى مســتوى المجتمــع ككل ،وعلــى
مســتوى منســوبي الجامعــة علــى وجــه الخصــوص.
وتضيــف هــذه األدبيــات أن الجامعــات اليــوم مطالبــة بالســعي الحثيــث والجــاد الــذي يأخــذ النهــج
المتعلــق بــإدارة العالقــة بيــن الجامعــة ومواقــع التواصــل االجتماعــي علــى محمــل الجــد ،مــن حيــث
إدراكهــا ودعمهــا للتبــادل الحــر والمنفتــح للمعرفــة ،كشــرط ضــروري لتحقيــق التعلــم والتنميــة،
وكشــرط يســهم كذلــك فــي تنميــة القــدرات المدنيــة والديمقراطيــة -و هــو الشــق ذي الصلــة بمفهــوم
«حريــة الممارســة األكاديميــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي .فــي المقابــل ،يبــدو األمــر أشــبه
بمــن يريــد تثبيــت وتــد دائــري فــي حف ـرة مربعــة إذا مــا أخذنــا فــي االعتبــار ضــرورة الموازنــة
بيــن مفهــوم «الحريــة الشــاملة» ،وبيــن الرقابــة أو العقوبــة المطلوبــة عندمــا يتعلــق األمــر بنشــر
خطابــات تســيء ،أو تُقصــي ،أو تؤذي..الــخ.
بيــن فكــي الرحــى هذيــن ،تأتــي الحركــة االجتماعيــة لألكاديميــن المصرييــن» علمــاء مصــر
غاضبــون» كحالــة اســتدعت البحــث واالختبــار فــي سلســلة األحــداث التــي شــارك فيهــا أكاديميــون
مصريــون عبــر منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وتحديـ ًـدا موقعــي فيســبوك ،وتوتيــر.
وتتوقــف الد ارســة بالتحليــل والفحــص للكيفيــة التــي خــرج بهــا هاشــتاج #علماء_مصر_غاضبــون
أحيانــا ليوظــف كآداة للضغــط علــى مؤسســات التعليــم العالــي فــي مصــر بوجــه عــام ً مــن ســياقه
513بمــا أدى ،فــي نهايــة األمــر ،التخــاذ إج ـراءات ضــد مجموعــة مــن األكاديمييــن المصرييــن ،فــي
وتوظيفــا للتقنيــات الحديثــة فــي مجــال إيجــاد
ً ـموحا بــه فــي إطــاره،
قميــا مسـ ً
مقابــل كونــه حشـ ًـدا ر ً
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ظهيــر افت ارضــي يتيــح التفــاوض «النقابــي /االتحــادي» ،الــذي ربمــا يفتقــده هـؤالء علــى األرض
عندمــا يتعلــق األمــر بمشــكالتهم وقضاياهــم ذات الطبيعــة الخاصــة فــي أحيــان أخــرى .أثــارت
ـتمر حــول طبيعــة الحريــة والحقــوق األكاديميــة ،وكــذا حــول دور مواقــع نقاشــا مسـ ًا
هــذه األحــداث ً
أكاديميــا فــي الفضــاء العــام؛ ففــي كل
ً التواصــل االجتماعــي ،والمخاطــر الكامنــة فــي أن تكــون
حــدث ارتبــط بهــذه الحركــة ،ثــارت موجــة مــن المشــاعر ،الكثيــر منهــا مســتوحى مــن الغضــب
مــن ظــروف العمــل ،وأســاليب اإلدارة األكاديميــة ،فضـ ًـال عمــا أضافتــه ممارســات «المشــاركة»
،Shareو «التفضيــل» ،Likeو «التعليــق» Commentمــن توليــد لــآف المشــاركات
المدونــة ،وجــذب انتبــاه وســائل اإلعــالم خــارج مواقــع التواصــل االجتماعــي ،بــل وخــارج المجتمــع
األكاديمــي ككل.
وتعــرض الد ارســة الحاليــة لمجموعــة مــن األبعــاد ذات الصلــة بقضيــة العالقــة بيــن الوجــود
األكاديمــي عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وبيــن كال وجهــي العملــة التــي يثيرهمــا هــذا
فرصــا قــد
الحضــور ،وكيــف أن «رقمنــة» الفعــل األكاديمــيً ،أيــا مــا كان ،يحمــل فــي جعبتــه ً
تتضــاءل أمــام مــا يثي ـره مــن إشــكاليات.
تناقــش الد ارســة هــذه الوضعيــة عبــر الوقــوف علــى خلفيــة بعــض األوضــاع األكاديميــة بشــكل
عــام ،ومــا يتعلــق منهــا بواقــع المطالبــة بالحقــوق االقتصاديــة علــى وجــه التحديــد ،ثــم تتعــرض
الد ارســة لمفهــوم الفعــل الجمعــي الرقمــي ،ومحــددات ظهــوره ،وتناميــه ،وتراوحــات هــذا الفعــل ،ثــم
قميــا،
كيفيــة ترجمتــه علــى أرض الواقــع األكاديمــي ،ومــا يعنيــه ويعكســه فعــل الحـراك األكاديمــي ر ً
ومــا إذا كان األمــر يســتحق المحاولــة فــي مســعى لتنظيــم وإصــالح المهنــة.
بينمــا يتعــرض القســم الثانــي مــن الد ارســة لإلطــار المنهجــي لهــا ،بمــا يتضمنــه مــن إج ـراءات
ذات صلــة بالمحــددات العلميــة التــي حكمــت إجـراء الد ارســة ،ثــم يوثــق القســم الثالــث مــن الد ارســة
وكيفــا ،ويســتعرض القســم ال اربــع واألخيــر مــن الد ارســة كمــا ً ألهــم مــا توصلــت إليــه مــن نتائــج ً
الراهنــة ألهــم مــا تعكســه نتائجهــا علــى المســتوى المصغــر Microوالمرتبــط بموضــوع البحــث،
عمومــا ،بمــا دفــع
ً وعلــى المســتوى األشــمل Macroوالمرتبــط بقضايــا الفعــل الرقمــي الجمعــي
نحــو طــرح مجموعــة مــن اإلشــكاليات البحثيــة الجديــدة ،المرتبطــة بالفعــل الرقمــي الجمعــي فــي
ـتقبال إلــى عــدد مــن الد ارســات
دومــا ،والتــي يمكــن ترجمتهــا مسـ ً بيئــة وســائل اإلعــالم المتغي ـرة ً
المرتبطــة بهــذا المجــال علــى اتســاعه ،وت ازيــد قضايــاه.
ـتقبال بــأي حــال .وفــي ســبتمبر فورًيــا مــن درجــة األســاتذية ،وهــو النـزاع الــذي لــم يتــم تســويته مسـ ً
ـجل أول إضـراب فــي الواليــات المتحــدة مــن ِقبــل أســاتذة الجامعــات للحصــول مــن العــام نفســهُ ،سـ َّ
علــى رواتــب أعلــى؛ حيــث شــارك 140عضـ ًـوا مــن أعضــاء هيئــة التدريــس فــي كليــة هنــري فــورد
المجتمعيــة فــي ديربــورن ،فــي إضـراب لمــدة أســبوع لزيــادة متوســط الدخــل بحوالــي 1000دوالر
ـنويا( .)1أدى هــذا التوظيــف غيــر المســبوق ألســاليب أصحــاب الياقــات الزرقــاء (العمــال) فــي سـ ً
حــرم الكليــة إلــى توقــع حــدوث تفاعــل متسلســل فــي التوجــه نحــو مزيــد مــن التفــاوض الجماعــي فــي
( )2000كليــة وجامعــة حكوميــة وخاصــة أخــرى فــي البــالد .ومــن ثَّــم زادت التنبـؤات بــأن يصبــح
التنظيــم النقابــي جــزء ال يتجـ أز مــن الحيــاة األمريكيــة ،بمــا يدفــع جماعــات أكثــر إلــى تطويــر شــكل
أو آخــر مــن أشــكال التمثيــل والعمــل الجماعــي النشــط(.)2
عنــد هــذا المنعطــف ،بــدا التفكيــر فــي أطروحــة جــدوى اعتمــاد نهــج االتحــادات العماليــة التقليديــة
لزما وضرورًيا ،خاصة تفكير ُم ً
بين أســاتذة الجامعات ،لحماية مصالحهم المهنية واالقتصاديةً ،ا
مــع اتســاع الهــوة بيــن الهيــاكل اإلداريــة فــي الجامعــات وأعضــاء هيئــة التدريــس ،بشــكل أفضــى
نتاجــا لمــا ُعـ ِـرف ،فــي بعــض األحيــان ،بـ ـ ـ «المصانــع/إلــى فقــدان الكثيريــن للهويــة األكاديميــة ً
الشــركات التعليميــة» ،تلــك التــي حدثــت علــى مســتويات مختلفــة مــن التفاعــل والتواصــل فــي كيــان
الشــركة/الجامعة ،وبعــد التغيي ـرات االقتصاديــة التــي قلصــت مــن الملكيــات العامــة لمؤسســات
التعليــم لصالــح الملكيــات الفرديــة ،والمشــاكل المعقــدة التــي تواجــه مســؤولي الجامعــات اليــوم بمــا
غالبــا مــا تتــرك أولويــة
لهــا مــن دالالت سياســية ،هــذا فضـ ًـال عــن اآلثــار الماليــة والوظيفيــة التــي ً
حمايــة مصالــح أعضــاء هيئــة التدريــس موضــع شــك؛ حيــث تنفصــل المقترحــات واإلج ـراءات
اإلداريــة عــن تلــك الخاصــة بالوســط األكاديمــي التقليــدي ممثـ ًـال فــي أعضائــه.
كانــت مســألة مــا إذا كانــت االتحــادات النقابيــة تنفــع أو تضــر بــأداء أيــة مؤسســة فــي قلــب
المناقشــات السياســية منــذ القــرن التاســع عشــر ،وعلــى الرغــم مــن انخفــاض معــدالت تكويــن
النقابــات فــي الواليــات المتحــدة بشــكل مطــرد منــذ الســبعينيات ،إال أن قطــاع التعليــم العالــي كان
مــن بيــن القطاعــات الحكوميــة القليلــة التــي ظلــت نقاباتهــا مســتقرة إلــى حــد كبيــر علــى مــدى فتـرة
طويلــة مــن الزمــن ،وهــو مــا وفــر مســاحة تجريــب للكيفيــة التــي يؤثــر بهــا التنظيــم النقابــي علــى
األداء التنظيمــي لهــذه المؤسســات ،وذلــك علــى الرغــم ممــا اعتــرض عملهــا مــن شــكوك بشــأن
مالئمتهــا لطبيعــة العمــل األكاديمــي ،ومــا يمكــن أن تثيـره مــن جــدل داخــل األوســاط األكاديميــة
وخارجهــا بشــأن الهويــة المهنيــة لعضــو هيئــة التدريــس فــي المقــام األول(.)3
وتتعــدد الم ازلــق التــي تواجــه االتحــادات األكاديميــة إذا مــا تشــابهت مــع النقابــات العماليــة؛ حيــث
515ســيتعين علــى أعضــاء هيئــة التدريــس إعــادة تقييــم تصورهــم عــن أنفســهم باعتبارهــم «متخصصيــن
محترفيــن ومهنييــن» فــي مجاالتهــم ،طالمــا كان مــن الصعــب علــى الجمهــور ربــط المهنيــة -
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
عموما للمصطلح -ب ـ ـ ـ «العمل» مع االحتفاظ بالصورة التقليدية ألستاذ ً أكاديميا
ً بالمعنى المقبول
الجامعة.
ويــروج اتجــاه «نمــوذج االختيــار العقالنــي لتشــويه ســوق العمــل «Rational Choice/
،Distortion of Labor Market Modelللفك ـرة القائلــة بــإن أعضــاء هيئــة التدريــس
فاعلــون عقالنيــون ومدفعــون لتحقيــق أقصــى قــدر مــن مصلحتهــم الذاتيــة عبــر المطالبــة بــأدوار
ورواتــب أعلــى ،وأمــن وظيفــي أكبــر ،وهــم فــي ذلــك يمارســون إجـراءات «إجراميــة» بموجــب قوانيــن
مكافحــة االحتــكار ،وذلــك لألســباب الوجيهــة المتمثلــة فــي حصولهــم علــى م ازيــا خاصــة كعــدد
قليــل علــى حســاب بقيــة المجتمــع مــن خــالل قمــع المنافســة الح ـرة فــي ســوق التعليــم(.(4
ووفــق االتجــاه نفســه ،يبــدو مــن غيــر الواقعــي تصــور العالقــة بيــن الجامعــة واإلدارة فــي إطــار
نمــوذج تقليــدي إلدارة العمــل عنــد تقييــم إمكانــات وظــروف الســوق بغــرض تحســين أوضــاع
ـز بالفعــل بيــن األكاديميــات البحثيــة التــي يســفر عملهــا عــن تقديــم
المهنــة ،صحيــح أن هنــاك تمييـ ًا
مســاهمة عينيــة لخدمــة المجتمــع فــي مقابــل غيرهــا مــن الكليــات أو التخصصــات التــي ال تســهم
بشــكل مــادي ملمــوس فــي الناتــج المجتمعــي؛ حيــث تفتقــد األخيـرة لتحقيــق وضــع مســاومة جيــد
بخصــوص حقوقهــا ،إال أن القــدرة والخبـرة فــي التدريــس تترجــم إلــى وضــع أفضــل كذلــك خاصــة
ضمــن أشــكال العمــل الجماعــي.
ومــع هــذا ،وعلــى الرغــم مــن التصــور الشــائع بــأن التنظيــم النقابــي غيــر ذي صلــة بمصالــح
أعضــاء هيئــة التدريــس ،إال أن حقيقــة األمــر تبرهــن علــى أن االتحــادات األكاديميــة تدعــم
مصالــح الفئــة األضعــف مــن األكاديمييــن كأعضــاء هيئــة التدريــس المبتدئيــن ،ونظرائهــم مــن
الذيــن يعتمــد وضعهــم علــى تصنيــف هيبــة تخصــص أو قســم مــا حســب مســتوى مــا يســاهم بــه
فــي «الســوق المفتوحــة» ،بديـ ًـال عــن تخصــص أو قســم آخــر ،وهــو مــا يـوازن بيــن أدوار التنظيــم،
وبيــن قانــون «العــرض والطلــب» فــي الســوق الجامعــي(.)5
هكــذا يدعــم المؤيــدون التحــادات أعضــاء هيئــة التدريــس التوجــه نحــو مزيــد مــن تفعيــل دور هــذه
االتحــادات بدعــوى قدرتهــا علــى تحســين أداء الجامعــات عبــر إضفــاء مزيــد مــن المؤسســية علــى
أدائهــا ،ومزيــد مــن التمكيــن لمنتســبي الجامعــة ،فضـ ًـال عــن قدرتهــا علــى إلـزام المســتوى القيــادي
فــي الجامعــة بمعاييــر أعلــى مــن اإلنصــاف والشــفافية(.)6
وتعــود د ارســات تأثيــر النقابات/االتحــادات علــى توزيــع األجــور إلــى فريدمــان ( )1956والــذي
افتــرض أن النقابــات ســتزيد مــن تشــتت األجــور ،بينمــا أشــار كارد وآخــرون ( )2004إلــى
أن معظــم هــذه النوعيــة مــن الد ارســات اهتمــت باختبــار تأثي ـرات االقتصــاد الكلــي والصناعــات
516
المشــتركة علــى تشــتت األجــور( . )7وفــي د ارســة قدمهــا هيندريــك وآخــرون ( ،)2011توصــل
ـر ضئيـ ًـال علــى متوســط الرواتــب الباحثــون إلــى أن اتحــادات أعضــاء هيئــة التدريــس مارســت تأثيـ ًا
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
األمنيــة علــى الجامعــة .أمــا بعــد ثــورة 2011فقــد ظّلــت هــذه المطالــب تتــردد مــن وقــت إلــى آخــر،
كمــا ظلــت الحركــة تعقــد مؤتمرهــا الســنوي فــي 9مــارس حتــى وقــت قريــب(.(12
وتأتي قضية رواتب ومعاشات وعالوات أعضاء هيئات التدريس جزء ال يتج أز من المنظومة
مثال أنه في عام 2012 الحقوقية شــديدة التعقيد والتشــابك في الجامعات المصرية ،وهنا يذكر ً
كانــت قــد تمــت زيــادة رواتــب أعضــاء هيئــة التدريــس عبــر رفــع مــا يعــرف ببــدالت الجامعــة،
ولكــن تــم الت ارجــع عــن هــذه الزيــادة فــي 2014ألنهــا جــاءت علــى حســاب الصنــدوق المخصــص
لألســاتذة المتفرغيــن ،وهــم األســاتذة الذيــن تعــدوا الســن الرســمي للمعــاش ،والذيــن تلتــزم الجامعــات
بتعيينهــم .كمــا ترتبــط إشــكالية الرواتــب بشــكل أو بآخــر بنظــام التعييــن واإلجــازات واإلعــارات
لألســاتذة مــن ناحيــة ،وتضخــم حجــم الجهــاز اإلداري مــن ناحيــة أخــرى(.(13
فــي ،2019وضمــن ح ـراك “علمــاء مصــر” ،بــرز شــعار أن 1972ليســت .2019وهــو
الشــعار الــذي ُيفهــم منــه أن تقديــر المرتبــات والعــالوات والبــدالت الموضوعــة فــي ( 1972تاريــخ
حاليــا) ال يتناســب مــع األوضــاع االقتصاديــة واالجتماعيــة فــي 2019؛ فمثـالً القانــون المطبــق ً
نجــد أن بعــض العــالوات والزيــادات تمــت صياغتهــا بالقــروش ،أو حتــى بالجنيهــات المفــردة
ـيئا ،وهــو مــا يعنــي أن
[ ]20فــي حيــن أن القيمــة الفعليــة للقــروش فــي الســياق الحالــي ال تعنــي شـ ً
منظومــة األجــور فــي مجــال التعليــم العالــي تحتــاج إلــى مراجعــة جذريــة(.(14
وفــي ظــل التوســع فــي إنشــاء الجامعــات الخاصــة ،وت ازيــد الشـراكات مــع الجامعــات األجنبيــة،
وخصخصــة األقســام الممي ـزة داخــل الجامعــات الحكوميــة ،تظــل تلــك األخي ـرة محكومــة بإطــار
قانوني صدر في عهد الرئيس أنور السادات ،وهو القانون 49لسنة 1972لتنظيم الجامعات.
وبرغــم صــدور بروتوك ـوالت إلصــالح الجامعــات ،أو مقترحــات هيئــات الجــودة وب ارمــج إعــادة
الهيكلــة ،إال أنهــا تظــل محكومــة باإلطــار القانونــي نفســه ،رغــم تعديــل بعــض مـواده.
وهكــذا فشــل القانــون( )49فــي إيجــاد حلــول حقيقيــة لإلشــكاليات البنيويــة والعمليــة التــي
نــادت بهــا التقاريــر الدوليــة والمحليــة العلميــة ،بينمــا ترتكــز الم ـواد التــي تــم تعديلهــا بالفعــل فــي
هــذا القانــون ،ترتكــز علــى م ـواد األب ـواب الملحقــة المتعلقــة باللوائــح التنفيذيــة بالــذات لألنشــطة
واالتحــادات الطالبيــة ،والتــي كانــت مثــار ص ـراع شــبه دائــم بيــن المجموعــات الطالبيــة ،ونظــم
الحكــم المختلفــة؛ حيــث كان أخــر هــذه التعديــالت هــو مــا تــم إق ـ ارره فــي أغســطس 2019
بعــد شــهور مــن المداولــة ،والــذي اختــص باألســاس بمحــددات تعييــن أعضــاء الهيئــة المعاونــة
بالجامعــة(. (15
518
رقميا :الدوافع وتفاوتات الممارسة عبر مواقع التواصل الجتماعي ثانيا :الفعل الجمعي ً ً
وفــق النظريــات الكالســيكية لتفســير الســلوك الجمعــي ،يشــرح سملســر العوامــل التــي قــد تدفــع
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
األف ـراد إلــى اإلنخ ـراط فــي ســلوك جمعــي مــا ،كالتالــي(:(16
•وجــود اعتقــاد عــام مشــترك بيــن أعضــاء الحركــة االجتماعيــة بضــرورة التغييــر ،وأن األوضــاع
القائمــة تعبــر عــن فســاد و/أو تــردي ،مــع ســيادة أوضــاع قــد تتنافــى مــع تطلعــات النــاس وقيمهــم،
ويصبــح سـؤال التغييــر هــو السـؤال المركــزي للمجموعــة المعنيــة ،ومــن ثـ َـم تظهــر قــوى اجتماعيــة
تعمــل علــى تحليــل األوضــاع القائمــة ،وتدعــو إلــى التغييــر وتحطيــم األوضــاع القائمــة ،وتصبــح
عامــا ينتشــر بيــن المعنييــن.
قضيــة التغييــر والتخلــص مــن الوضــع ال ارهــن معتقـ ًـدا ً
•وجــود عوامــل تفجيــر وتحفيــز وإثــارة تدفــع المشــاركين فــي الحركــة االجتماعيــة إلــى تحويــل
االعتقــاد العــام بالســوء إلــى ســلوك جمعــي ،ذي طابــع حركــي ،يتحــدى النظــام االجتماعــي
والسياســي القائــم.
•شــعور المشــاركين فــي الحركــة بضــرورة التغييــر والتخلــص مــن األوضــاع المضطربــة التــي
تتســم بشــيوع حالــة مــن اإلحبــاط ،وعــدم الثقــة فــي المســتقبل.
وبالنظــر إلــى العوامــل التــي ذكرهــا سملســر ،فــإن نظريــة الســلوك الجمعــي تفســر الضغــوط
التــي تــؤدي إلــى ظهــور الحــركات االجتماعيــة فــي ضــوء المؤث ـرات البنائيــة ،والخلــل المؤسســي
الــذي يعــوق قــدرة مؤسســة مــا مــن المؤسســات علــى القيــام بوظائفهــا المطلوبــة ،ومــا ُينتــج عــن
ذلــك كلــه مــن تفشــي لحالــة مــن عــدم الرضــا والســخط الجماهيــري .ومــن ثَّــم تظهــر الحــركات
االحتجاجيــة خــارج تلــك األطــر المؤسســية للتعبيــر عــن رغبــة األفـراد فــي تغييــر الوضــع القائــم.
المفسـرة لدوافــع األفـراد لإلنخـراط فــي ســلوك جمعــي؛ وهكــذا تعــد النظريــة مــن النظريــات الهامــة ُ
إذ يمكنهــا تقديــم تفســير واضــح لظهــور الحــركات االحتجاجيــة العماليــة فــي مصــر علــى ســبيل
المثــال ،بالتركيــز علــى المســببات «الضغــوط البنائيــة» والمتمثلــة فــي ســوء األداء االقتصــادي
واالجتماعــي للدولــة وقتهــا ،ممــا ترتــب عليــه أزمــة ديــون خارجيــة فتحــت األبـواب علــى مصرعيهــا
لتدخــل المؤسســات الماليــة الدوليــة إلعــادة توجهــات االقتصــاد المصــري ،وضــرورة إعــادة هيكلتــه
مــن خــالل تبنــي برنامــج شــامل لإلصــالح االقتصــادي يتضمــن بيــن عناص ـره فــرض إج ـراءات
تقشــفية عديــدة وت ارجــع دور الدولــة فــي رعايــة المواطنيــن .وكانــت المحصلــة النهائيــة معانــاة شــبه
يوميــة إلشــباع االحتياجــات األساســية.
وفــي المقابــل ،ال تعــول االتجاهــات الحديثــة فــي تفســير الحــركات االجتماعيــة علــى د ارســة
المســببات ،فــي مقابــل التركيــز علــى الفاعليــن ،ولــذا أطلــق عليهــا بعــض الباحثيــن «نمــوذج
بالبعد التنظيمي الفاعل الرئيس» . Actor Centered Modelتهتم بعض هذه النظريات ُ
((17
للحركــة ،وتعبئــة الم ـوارد المتاحــة بهــا ،واســتثمار كل الطاقــات والقــوى ،وحشــدها مــن أجــل
البعــد ،وكــذا
ـاال علــى هــذا ُ
الوصــول بالمجتمــع إلــى وضــع أفضــل .وتأتــي نظريــة تعبئــة المـوارد مثـ ً
519
نظريــة الفرصــة السياســية؛ التــي تفتــرض أن البيئــة السياســية توفــر بواعــث للفعــل الجمعــي مــن
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
خــالل التأثيــر علــى توقعــات األف ـراد بالنجــاح أو الفشــل ،والفرصــة السياســية هنــا هــي الطريقــة
التــي مــن خاللهــا يهتــم الفاعــل بالبيئــة ،ويكــون لديــه معلومــات عنهــا ،ومــن ثـ َّـم تؤثــر الفرصــة علــى
ـلبا وفًقــا لكيفيــة رؤيــة الفاعليــن للموقــف السياســي وقــت الفعــل.
إيجابــا أو سـ ً
ً الفعــل
وحســب موســوعة بريتانيــكاُ ،يعــد النشــاط الرقمــي Digital Activismشــكل مــن أشــكال
النشــاطات التــي تســتخدم وســائل اإلعــالم الرقميــة كمنابــر رئيســية للتعبئــة الجماهيريــة ،وتتفــاوت
االحتجاجــات الرقميــة فيمــا بينهــا مــن حيــث انتقالهــا إلــى أرض الواقــع ،ومــن حيــث إحداثهــا أثـ ًـرا؛
حيــث تزخــر مواقــع التواصــل االجتماعــي بالعش ـرات مــن الصفحــات ،والمجموعــات ،والوســوم
التــي حملــت قضيــة عامــة إلــى المســتخدمين ،ودار حولهــا كثيــر مــن النقــاش والتفاعــل ،لكنهــا
اختفــت وخبــت دون أن يكــون لهــا أي أثــر علــى أرض الواقــع ،بينمــا بقيــت احتجاجــات أخــرى
علــى الســاحة ،وتــم االســتجابة لهــا مــن قبــل المســؤولين دون اضط ـرار أصحابهــا إلــى النــزول
إلــى الشــارع ،وعــادة مــا تكــون هــذه الحــاالت محــدودة وخاصــة بأحــداث يوميــة ،مثلمــا هــو الحــال
عنــد إقالــة مســئول لســوء األداء فــي قضيــة مــا ،أو اتخــاذ موقــف إنســاني تجــاه حالــة مــن الحــاالت
الصحيــة الحرجــة .قــد تنتقــل بعــض االحتجاجــات الرقميــة مــن الفضــاء اإللكترونــي إلــى أرض
الواقــع دون أن تؤتــي ثمارهــا ،وقــد ينتقــل البعــض اآلخــر منهــا إلــى أرض الواقــع ،وتُحــدث أثـ ًا
ـر
بالفعــل(.(18
وتختلــف آليــات عمــل االحتجــاج عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي عــن تلــك التــي تحــدث
فــي الشــارع؛ حيــث تتســم هــذه النوعيــة مــن االحتجاجــات بالتدفــق المســتمر واآلنــي للمعلومــات
موضوعــا لنقــاش أوســع ،ويفــرز هــذا النقــاش بــدوره
ً والقضايــا العامــة ،األمــر الــذي يجعلهــا
قضايــا أخــرى ذات الصلــة ،تتفــاوت فــي أهميتهــا وخطورتهــا ،واألهــم أنــه يفــرز شــبكة جديــدة
مــن العالقــات بيــن المهتميــن بالقضيــة محــل االحتجــاج .تتســم هــذه النوعيــة مــن االحتجاجــات
كذلــك بالتنســيق والتنظيــم العلنــي نتيجــة نشــأتها وتنامــي نشــاطها فــي فضــاء إليكترونــي يتســم
خافيــا أن قــادة الـرأي
بالشــفافية واالنفتــاح بمــا يســهم فــي جــذب عــدد أكبــر مــن المتابعيــن .وليــس ً
فــي الفضــاءات الرقميــة يختلفــون عــن نظرائهــم فــي الفضــاءات التناظريــة مــن حيــث الخصائــص
((19
والعــدد وأدوات العمــل والتأثيــر؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى ظهــور مفهــوم جديــد لل ـرأي العــام
يتأثــر بعالميــة شــبكة الويــب ،ويتماهــى مــع خصائصهــا المتعلقــة بالتفاعليــة التــي تجعــل صناعــة
الـرأي العــام صناعــة جماعيــة تندمــج فيهــا اآلراء بوتيـرة سـريعة ،وتتفاعــل دون تأثــر بقيــود المــكان
والزمان ،وقيود الهالة الشــخصية التي كانت الســمة الرئيســية لقادة الرأي التقليديين بما يمتلكون
مــن ســلطات معرفيــة وسياســية واجتماعيــة واقتصاديــة ودينيــة وثقافيــة.
520
وفــي ســعيها لتفســير الدوافــع التــي تقــف وراء انخـراط األفـراد فــي حركــة اجتماعيــة بعينهــا ،ودور
شــبكة المعارف والعالقات ،الحقيقية منها والرقمية ،في تفســير الحراك والفعل الجمعي ،قطعت
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
الد ارســات المعنيــة بالعالقــة بيــن الشــبكات االجتماعيــة والمشــاركة فــي الحــركات االجتماعيــة
طا طويـ ًـال فــي تحديــد أهــم الشــروط والتســاؤالت التــي تحكــم هــذه العالقــة ،كالس ـؤال عــن شــو ً
العالقــة بيــن نــوع الشــبكة االجتماعيــة التــي ينتمــي لهــا الفــرد فــي عالقتهــا بنــوع وطبيعــة المشــاركة
التــي ســينخرط فيهــا ،ومســتوى اســتدامة الفعــل االحتجاجــي عبــر الزمــن ،فضـ ًـال عــن تحديــد
الشــكل الخــاص الــذي قــد يتخــذه التنســيق بيــن عــدد كبيــر مــن التنظيمــات والمجموعــات إن
دائمــا ،وال متشــابهة
ُوجــد .وعلــى الرغــم مــن تعــدد هــذه الد ارســات ،إال أن نتائجهــا غيــر متســقة ً
بالضــرورة ،وإن أمكــن تمييــز بعــض الخيــوط الممتــدة والمتكــررة فيمــا بينهــا ،ويأتــي علــى أرســها
أن دور شــبكات العالقــات فــي تفســير ســلوك الفــرد ،هــو دور خاضــع للتغييــر والتفــاوت حســب
التفاصيــل والتبعــات المرتبطــة بالفعــل نفســه ،والتــي يفتــرض فيهــا أن تيســر القيــام بــه كمســتوى
اســتعداد الفــرد للمجازفــة الشــخصية ،أو ســياق الجهــد وااللتـزام المطلوبيــن لالنضمــام إلــى فعــل أو
تنظيــم محــدد؛ حيــث تحتــاج بعــض الحــركات االجتماعيــة لدعــم أكبــر مــن شــبكات أقــوى ،طالمــا
دور فــي
كان عــدد الصــالت التــي تربــط األفـراد بغيرهــم مــن المشــاركين ،وقــوة تلــك الصلــة يلعبــان ًا
اســتقطاب األف ـراد إلــى األفعــال الخط ـرة أوالعنيفــة والمســالمة علــى حــد س ـواء(.(20
ويهتــم الباحثــون فــي مجــال محــددات الفعــل الجمعــي لــدى األف ـراد بدوافــع هــذا الفعــل ،كمــا
ســبقت اإلشــارة مــن جهــة ،ويهتمــون مــن جهــة ثانيــة بالعوامــل التــي قــد تدفــع األف ـراد لالنتقــال
مــن جماعــة ألخــرى ،أو فقــد ال ـوالء للجماعــة التــي ينتمــون إليهــا بالفعــل ،والتقلــب فــي االلت ـزام
فــي صورتــه األعــم واألشــمل .ويفســر الباحثــون ذلــك باإلشــارة إلــى تعــدد الهويــات االجتماعيــة
المختلفــة المتورطــة فــي تطويــر والحفــاظ علــى الدافــع للعمــل .ومــع ذلــك ،ال تأخــذ األدبيــات ،فــي
كثيــر مــن األحيــان ،فــي االعتبــار علــى وجــه التحديــد كيــف يمكــن لعضويــة المجموعــات المختلفــة
أن تتــالءم مــع بعضهــا ضمــن «الــذات» بأكملهــا أو،علــى العكــس مــن ذلــك ،تفشــل فــي االندمــاج؛
فعلــى ســبيل المثــال ،قــد يتعــرف األفـراد علــى مجموعــة مــن األشــخاص الذيــن يشــاركونهم مظلمــة/
مشــكلة /أو شــكوى مــا بالفعــل ولكــن هــذا ال يــؤدي بالضــرورة إلــى انتقــال ســلس لمرحلــة التعــرف
علــى منظمــة مــا /حركــة اجتماعيــة معينــة /أو حشــد فــي مظاهـرة.
ويضيــف الباحثــون أن هــذا التفســير يتوافــق مــع الحاجــة إلــى دمــج «القناعــة األخالقيــة» للفــرد
ضمــن نمــوذج الهويــة االجتماعيــة للفعــل الجمعــي؛ وهــو مــا يعنــي أن التقاعــس عــن اإلنخ ـراط
فــي الفعــل الجمعــي قــد يرجــع إلــى ضعــف التوافــق بيــن القناعــة األخالقيــة لــدى الفرد(اإليمــان
بالســبب) ،والمحتــوى(أي األســاليب التــي تتبعهــا المجموعــة) ،فضـ ًـال عــن احتماليــة االعتقــاد بــأن
فعالــة فــي إحــداث تغييــر حقيقــي .ومــع ذلــك ،تُظهــر األبحــاث األفعــال غيــر مشــروعة ،أو غيــر َّ
أيضــا أن النــاس َّيقيمــون فعاليــة الفعــل الجمعــي فــي ســياق تكيفــي ،يتغيــر بتغيــر شــعور األفـرادً
521
بالفعاليــة الفرديــة ،أو الفعاليــة الجماعيــة /التشــاركية ،وكفــاءة المجموعــة ،ومــا يمكنهــم تقديمــه مــن
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ثال ًثا :دواعي الهتمام بقضايا التواجد األكاديمي عبر مواقع التواصل الجتماعي
مــرت الجامعــات ،شـرًقا وغرًبــا ،بتطــورات وإصالحــات مهمــة خاصــة منــذ نهايــات القــرن التاســع
تقليديــا ،علــى دورهــا فــي نقــل المعرفــة مــن خــالل التدريــس
ً عشــر؛ حيــث ركــزت هــذه الجامعــات،
عوضــا عــن إنتــاج المعرفــة مــن خــالل البحــث .ولــم تقبــل الــدور األخيــر إال عبــر صـراع لــم يكــن ً
ـهال ،دار ،فــى البدايــة ،حــول تطويــر جامعــة برليــن قــرب نهايــة القــرن التاســع ،وتلــى تلــك النقلــة،
سـ ً
تبلــور دور الجامعــة فــى خدمــة المجتمــع .وبذلــك تكاملــت الوظائــف الثــالث المعروفــة للجامعــة
فــي منتصــف القــرن العش ـرين تقر ًيبــا ،وتعاظمــت أهميتهــا ،ومــن ثَّــم بــدت وضعيــة مؤسســات
التعليــم العالــي هنالــك فــي حــال أفضــل إذا مــا وضعنــا فــي االعتبــار كونهــا مؤسســات اجتماعيــة
مركبــة «تُ ِنتــج» مــا يســمى ،فــى العــرف االقتصــادى ،ســلعة عامــة public goodوهــي المعرفــة،
كمــا أنهــا تتســم كذلــك باالســتقالل والحريــة األكاديميــة ،وتحافــظ عليهــا بش ارس ــة.
ويتمتــع األكاديميــون بمســتوى اقتصــادي ،وظــروف عمــل متميـزة ،وبمكانــة اجتماعيــة مرموقــة،
ويحمــى األســاتذة عــادة نظــام تعييــن دائــم Tenureيضمــن لهــم حريــة التعبيــر والموقــف .وتعتــز
الجامع ــات العريقــة بالتقاليــد األكاديميــة ،وتــزود عنهــا بقــوة ،ويجعــل كل ذلــك مــن التغييــر فــى
وصعبــا.
ً بطيئــا
التعليــم العالــى ً
منــذ الســتينيات ،مثّــل شــباب الجامعــات طليعــة حركــة مجتمعيــة ضخمــة لنقــد الجامعــات
والمطالبــة بتطويــر دورهــا االجتماعــي ،وترتــب علــى ذلــك أن اضطــرت الجامعــات لقبــول قــدر مــن
الديمقراطيــة فــى إدارة شــؤونها مــن خــالل إشـراك شــباب األكاديمييــن ،والطلبــة ،فــى اتخــاذ القـرار،
كمــا زادت الحكوم ــات مــن اهتمامهــا بالجامعــات مــن جهــة ،ومــن التدخــل فــى شــؤونها مــن جهــة
ثانيــة .وارتبطــت هــذه التطــورات بنشــوء فكـرة مســاءلة Accountabilityالجامعــات عــن مــدى
خدمتهــا لمصالــح المجتمــع ،وعــن كفــاءة اســتخدامها لألمـوال ،األمــر الــذى عــده البعــض تضييًقــا
522
لنطــاق اســتقالل الجامعــات(.(22
وفــى الوقــت الــذي تلتــزم فيــه معظــم الكليــات والجامعــات حــول العالــم بالســعي الحــر نحــو
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
اكتســاب المعرفــة والتعبيــر اإلبداعــي الــذى يعتــرف بالحاجــة إلــى النقــاش ومشــاركة األفــكار
ـدال حــول تلــك
المختلفــة داخــل الفصــول الد ارســية وخارجهــا ،شــهدت الســنوات القليلــة الماضيــة جـ ً
القيمــة المتأصلــة ،وكيــف يتــم عرضهــا للطــالب ،والقــادة األكاديمييــن ،وأعضــاء هيئــة التدريــس،
والمؤسســات نفســها ،وكذلــك المجتمعــات التــى توجــد بهــا هــذه المؤسســات.
ال يعــد النقــاش حــول نطــاق وحــدود حريــة التعبيــر فــى مؤسســات التعليــم العالــي باألمــر
مدفوعــا فقــط بأطروحــات القــوى التــي تــروج لخطــاب سياســي عصــري ً الجديــد ،كمــا أنــه ليــس
يرتبــط وعصــر التطــور الرقمــي ،وطغيــان أنشــطة مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى واقــع الحيــاة
الخاصــة والعامــة لألف ـراد ،إنمــا امتــد هــذا الجــدل حــول حريــة التعبيــر داخــل الحــرم الجامعــي
عبــر العديــد مــن العقــود ،وعلــى مســتوى مختلــف األطيــاف السياســية؛ بـ ً
ـدء مــن مرحلــة الذعــر
األحمر(نتيجــة التهديــد الشــيوعى) أوائــل القــرن العشـرين ،والمكارثيــة فــى الخمســينات مــن القــرن
الماضــى ،إلــى اضط اربــات الحــرم الجامعــي أثنــاء حــرب فيتنــام فــى ســتينيات وســبعينيات القــرن
ـرور بالحــروب الثقافيــة فــى ثمانينيــات وتســعينيات القــرن نفســه .ومــع ذلــك ،فقــد
الماضىــي ،مـ ًا
قامــت مؤسســات التعليــم العالــي بحمايــة حريــة التعبيــر علــى نطــاق واســع ،كمــا قامــت بتعزيزهــا
عبــر الزمــن ،بدعــم مــن تعليمــات النظــم القانونيــة للعديــد مــن الــدول(.(23
وقــد ثــارت فــى اآلونــة األخي ـرة العديــد مــن التســاؤالت حــول حريــة التعبيــر داخــل الجامعــات
علــى نحــو مفاجــئ فــى بعــض األحيــان ،خاصــة مــع هيمنــة مواقــع التواصــل االجتماعــي بشــكل
عمومــا؛ حيــث هيمنــت
ً خــاص ،واســتخدام االنترنــت فــي الوســط األكاديمــي بشــكل الغنــى عنــه
االحتجاجــات الطالبيــة ،والتعامــل الجامعــي مــع المحاوريــن والخطبــاء المثيريــن للجــدل علــى
عناويــن األخبــار؛ فالمتظاهــرون يدافعــون عــن حريــة التعبيــر وعــن حقهــم فــى ممارســتها ،و فــي
المقابــل بــدأ قــادة الــدول والقــادة السياســيين علــى المســتوى المحلــي فــي تبنــي قواعــد مــن شــأنها
تقنيــن الكيفيــة التــي تعالــج بهــا الجامعــات قضايــا حريــة التعبيــر ،وهــو مــا أثــار بــدوره تســاؤالت
معقــدة حــول الحريــة األكاديميــة واالســتقالل المؤسســي للجامعــة(.(24
وبالنظــر لطبيعــة العالقــة المعقــدة بيــن حريــة التعبيــر والقيــم األساســية للتعليــم العالــي ،أصبحــت
ن ازهــة الرســالة التعليميــة وكمالهــا وكذلــك الصــورة العامــة للجامعــات عرضــة للخطــر؛ فالقضايــا
ذات الصلــة بــآداب المهنــة داخــل وخــارج الحــرم الجامعــي ،وقضايــا عــدم التمييــز ،والتنــوع،
والســياقات الثقافيــة والمجتمعيــة المحيطــة بالعمــل األكاديمــي ،تلقــي بمســئولية كبي ـرة علــى قــادة
مؤسســات التعليــم العالــي ،وحتــى الحكومــات بشــأن دعــم وتنفيــذ السياســات المؤسســية التــى تحــدد
بوضــوح معنــى حريــة التعبيــر داخــل وخــارج المؤسســة األكاديميــة.
523قــد يكــون مــن الصعــب إدراك ال اربــط بيــن حريــة التعبيــر والحريــة األكاديميــة ،حيــث تعــد الحريــة
األكاديميــة هــى المصــدر الــذى تُســتوحى منــه حقــوق أعضــاء هيئــة التدريــس ،وحقــوق النشــر،
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
وحريــة إج ـراء البحــوث ،وتواصــل األفــكار ،بمــا فــى ذلــك األفــكار التــى قــد تُعــد غيــر مالئمــة
أو حتــى مســيئة لبعــض الجهــات الداخليــة أو الخارجيــة ،األمــر الــذي زادت وطأتــه مــع ظهــور
موقــع التواصــل االجتماعــي ،حيــث الهجمــات المتكــررة علــى أعضــاء هيئــة التدريــس مــن جانــب
المجموعــات الخارجيــة أو الجهــات المعنيــة ،كمــا ازداد الضغــط علــى متخــذي القـرار بالجامعــات
التخــاذ إج ـراءات ضــد أعضــاء هيئــة التدريــس.
فــى تقري ـره حــول حريــة التعبيــر داخــل الحــرم الجامعــى ،يشــير Herbstإلــى أن طــالب
أحيانــا ،ومــع ذلــك
ً اليــوم هــم «جيــل يقــوم بمراقبــة نفســه وغيـره بشــكل مت ازيــد ،وفــي صمــت كبيــر
قــد يطــور هــذا الجيــل مراقبتــه إلــى مظاهــر مختلفــة لالحتجــاج أو التظاهــر النشــط» .وتثيــر
ـددا مــن األســئلة حــول مــا يواجهــه القــادة المؤسســيون مــن ضغــوط معقــدة هــذه الديناميــات عـ ً
ومتنوعــة تتطلــب منهــم تقييــم وإدارة األزمــات المحتملــة دون تعــدي الخطــوط الفاصلــة بيــن الرقابــة
ومســاحات حريــة الـرأي والتعبيــر؛ حيــث تتطلــب المســاءلة ضــرورة وجــود تــوزان بيــن احتـرام قيــم
التعليــم ،والمتطلبــات القانونيــة ،وبيــن دعــم الثقافــة الجامعيــة(.(25
يدفــع ت ازيــد اإلشــكاليات الســابقة ،بالحاجــة إلــى البحــث بهــدف فهــم الكيفيــة التــي تشــكل بهــا
منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي ،حــدود العمــل األكاديمــي ،ومناقشــات قضايــا التعليــم
العالي في الوقت الراهن ،ضمن نطاق ما وراء حدود المكتب ،والفصول الد ارســية ،واجتماعات
ـر بيــن قضايــا العمــل المتســارعة عبــر هــذه المنصــات ،وبيــن ضعــف الموظفيــن ،وبمــا يربــط مؤخـ ًا
الصحــة العقليــة ،والنفســية ،وحــدود الرفاهيــة الشــخصية لألكاديمييــن ،بمــا تفرضــه هــذه المنصــات
مــن طبيعــة عمــل أكاديميــة جديــدة ،ارتبطــت بإصطالحــات جديــدة كذلــك ،كمصطلــح «العمالــة
الح ـرة»“ Free Laborوالتــي ال تلتــزم بمواعيــد محــددة للعمــل ،فــي مقابــل «اإلتاحــة» شــبه
الدائمــة( ،(26ومصطلــح «تســليع الضغــوط األكاديميــة»Commodifying Academic
Pressuresوهــو اســتدعى ضــرورة فهــم الكيفيــة التــي يمكــن أن تــؤدي الوســائط الرقميــة فيهــا
إلــى تفاقــم هــذه العالقــة وإثباتهــا ،أو ربمــا تحســين وضعهــا(.(27
تقنيــا ،يتــردد التســاؤل حــول مــا إذا كانــت الخوارزميــات التــي تتحكــم فيمــا نتلقــاه عبــر منصــات ً
التواصــل االجتماعــي هــي كذلــك المســؤولة عــن توجيــه ال ـرأي العــام فــي المجتمــع نحــو تبنــي
وجهــات نظــر معينــة والتحكــم فــي مســارات االهتمــام بالقضايــا المختلفــة ،إال أن اإلجابــة علــى
هــذا التســاؤل ،فــي ضــوء مــا يتوافــر مــن نتائــج البحــوث والد ارســات ،ترجــح كفــة النفــي( .(28وتفســر
د ارســة فاطمــة الزهـراء الســيد ( )2019هــذه النتيجــة بالنظــر إلــى اآلليــة التــي يتكــون بهــا الترنــد
خاصــة فــي المنطقــة العربيــة مــن ناحيــة ،ثــم بالتوقــف عنــد المفهــوم التقليــدي لل ـرأي العــام فــي
524
المجتمــع مــن ناحيــة ثانيــة؛ فاآلليــة التــي يتكــون بهــا الترنــد بشــكل عــام تشــوبها شــكوك تســتند إلــى
أدلــة تشــير إلــى إمكانيــة اصطناعهــا عبــر حســابات وهميــة خــالل فت ـرة زمنيــة معينــة وتوظيفهــا
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ـر عــنغالبــا ألهــداف سياســية ،كمــا أن ظاه ـرة ال ـرأي العــام بمفهومهــا التقليــدي ،باعتبارهــا تعبيـ ًا ً
فعليــا مــع
رأي األغلبيــة الواعيــة فــي مجتمــع مــا تجــاه قضيــة تمــس مصالحهــا لــم تعــد موجــودة ً
الت ارجــع الشــديد الســتخدام وســائل اإلعــالم بالشــكل «الجماهيــري» الــذي يســمح لهــا بتشــكيل نــوع
مــن الوعــي الجمعــي المتســق حــول القضايــا التــي تهمــه؛ إذ كيــف يمكــن وصــف الـرأي ب ـ ـ ـ «العام»
فــي عصــر منصــات التواصــل االجتماعــي ،التــي يختلــط فيهــا العــام بالخــاص ،ويصعــب معهــا
التحقــق مــن موثوقيــة ودقــة المصــادر وطبيعــة مــا تتداولــه مــن معلومــات(.(29
ـاال علــى الجدليــة الســابقة بمــا وقــع خــالل شــهري أغســطس ،وســبتمبر مــن وتســوق الد ارســة مثـ ً
2019عندمــا أطلقــت مجموعــة مــن أســاتذة الجامعــات المصريــة حملــة بعن ـوان «#علمــاء_
مصر_غاضبــون» ،ودشــنوا فــي 26أغســطس ،مــن العــام نفســه ،صفحــة باســم الحملــة علــى
منصــة فيســبوك ،بلــغ عــدد أعضائهــا أكثــر مــن 25.500عضــو بهــدف التعبيــر عــن غضــب
أعضــاء هيئــات التدريــس فــي الجامعــات المصريــة مــن األح ـوال االقتصاديــة واالجتماعيــة
المترديــة لألســتاذ الجامعــي ،والمطالبــة بإصــالح الوضــع المتدهــور لمنظومــة البحــث العلمــي
ـر لمســتقبل الوطــن وأمنــه القومــي بمفهومــه فــي مصــر ،وهــو الوضــع الــذي يرونــه تهديـ ًـدا خطيـ ًا
ـر بإصابتــه ببكتيريــا قاتلــة ،بينمــا كان يقــوم
الشــامل .وكانــت وفــاة أحــد أعضــاء هيئــة التدريــس متأثـ ًا
بإج ـراء تجــارب معمليــة عليهــا ،دون توافــر إج ـراءات وقائيــة ،بمنزلــة الش ـ اررة التــي أشــعلت هــذه
الحملــة ،التــي قوبلــت بهجمــة شرســة مــن وســائل اإلعــالم األخــرى ،واتهامــات بالخيانــة والعمالــة،
وتهديــد االســتقرار ،طالــت كل مــن شــارك فيهــا .ورغــم ذلــك ،تصــدر الهاشــتاج الترنــد المصــري
فــي تويتــر لعــدة أيــام بعــد إطالقــه ،شــملت األســبوع األخيــر مــن أغســطس ،واأليــام األولــى مــن
ســبتمبر ،وأســفر الحـراك عــن مجموعــة مــن المطالــب التــي دفعــت بالدولــة إلــى اتخــاذ بعــض مــن
اإلجـراءات فــي ســبيل تلبيتهــا ،ولكنهــا عرضــت أعضــاء الحركــة البارزيــن لالعتقــال ،والمســائلة،
بمــا أدى فــي نهايــة األمــر إلــى توقــف نشــاط الحملــة كليــة.
ورغــم أن ظــروف العمــل األكاديمــي «الســيئة» بمــا تفــرزه مــن تداعيــات يمكــن أن «تشــوه»
الســمعة الجامعيــة ،وقــد تســتدعي ح ـراك منتســبي الجامعــة ضــد هــذه الظــروف ،إال أنهــا ربمــا
تحمــل فــي طياتهــا بعــض الم ازيــا المتعلقــة بتحقيــق أعضــاء هيئــة التدريــس مســتوى مــا مــن النفــوذ،
وفــرض الـرأي ،علــى األقــل فيمــا يتعلــق بقضاياهــم .ومــع ذلــك ،فــإن مثــل هــذا التشــويه يمكــن أن
أيضــا إلــى نتائــج عكســية؛ فرغــم رفــع الوعــى ببعــض القضايــا الهامــة ذات الصلــة ،إال أن يــؤدى ً
المشــاعر الســلبية عبــر اإلنترنــت يمكــن أن «تلتصــق» بــأى فــرد علــى نحــو أكثــر ســهولة مقارنــة
بأيــة مؤسســة ،األمــر الــذي قــد يتســبب فــى الشــعور بالضيــق ،أو القلــق ،أو األذى الجســدي ،أو
525فقــدان الوظيفــة.
وهنــا يبــرز الس ـؤال حــول إمكانيــة حشــد وتنظيــم مشــاعر «التواجــد» و /أو «الغضــب»
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
قميــا بطريقــة ال تســاهم فــى تعزيــز المســاحات المعاديــة الموجــودة بالفعــل ،والتــى يجــداألكاديمــي ر ً
األكاديميــون أنفســهم طرًفــا فيهــا ،إمــا اختيـ ًا
ـار أو قسـ ًـرا؟»
فضـ ًـال عــن إعــادة تشــكيل الوقــت ،وتغييــر طبيعــة االهتمامــات األكاديميــة ،وصعوبــة الفصــل
بيــن ال ـرأي األكاديمــي الشــخصي والمؤسســي ،الحقيقــي والمصطنــع ،أسســت مواقــع التواصــل
االجتماعــي لمــا ُيطلــق عليــه « )2010( Willinskyاقتصــاد الســمعة»؛ حيــث تــؤدى قــوة/
هشاشــة الســمعة األكاديميــة الرقميــة إلــى التأثيــر فــى أن ـواع العمــل األكاديمــى الــذى يتــم إنتاجــه
ونش ـره وتوزيعــه( .(30وفــى حيــن يمكــن لهــذه «االقتصــادات» أن تثيــر تســاؤالت حــول طبيعــة
أيضــا تســاؤالت بشــأن الملكيــة الفكريــة ،وإنتــاج «القيمــة» والمعنــي اإلنتــاج البحثــي ،فأنهــا تثيــر ً
بالوزن النســبي للفائدة مما هو منشــور .وفي هذا اإلطار ،يشــير ( Hearn ( 2010إلى أن
((31
الباحثيــن عــن الســمعة ال يمتلكــون أو يســيطرون فعـ ًـال علــى «منصــات التوزيــع» الخاصــة بهــم،
ومــع ذلــك فــإن إدارة الســمعة األكاديميــة عبــر اإلنترنــت تؤتــي ثمارهــا فــي عمليــة جمــع البيانــات،
ونظــم القيــاس التــى تُســتخدم لزيــادة القيمــة الســوقية للمؤسســات األكاديميــة( .)32يدعــم هــذا
توجهــا آخــر يتصــل بتوســع وتوحــش مــا يســمىالحضــور اإلعالمــي القــوي للمؤسســات األكاديميــة ً
ب ـ «ال أرســمالية األكاديميــة»( (33تلــك التــي تحفــز الزيــادة فــي تســويق وتســليع إنتــاج المعرفــة .وفــي
الوقــت الــذي ال تمثــل فيــه جميــع المشــاركات اإلعالميــة األكاديميــة عالمــات تجاريــة ،إال أنــه
غالبــا مــا يتــم صقلهــا وتنظيمهــا عبــر منصــات متخصصــة تمثــل فــى حــد ذاتهــا عالمــات تجاريــة ً
مــن شــأنها أن تعمــل عــن قصــد علــى النهــوض بالمحتــوى ذى العالمــة التجاريــة مــن خــالل
تصميمهــا( ،(34والمثــال حاضــر هنــا فيمــا تقدمــه مواقــع الشــبكات االجتماعيــة األكاديميــة مثــل
Academia.eduو ResearchGateمــن فــرص لألكاديمييــن لبنــاء ســمعتهم األكاديميــة.
ومــع ذلــك ،تثبــت د ارســتا )2016-2014( Jordanأن هــذه المنصــات تميــز بالفعــل بيــن
األكاديمييــن الذيــن اســتطاعوا إرســاء ســمعتهم األكاديميــة وشــبكاتهم الخاصــة ،فــي مقابــل أولئــك
الذيــن مــا ازل ـوا حديثــي عهــد بهــا(.(35
وممتعــا،
ً متنوعــا،
ً إلكترونيــا
ً ـاء
إلــى المناقشــات والمشــاركة فيهــا إلــى أن تصبــح هــذا المواقــع فضـ ً
ـر لالهتمــام.
ومثيـ ًا
ويوثــق العديــد مــن الباحثيــن التحـوالت طويلــة األمــد التــي مــرت بهــا مؤسســات التعليــم العالــي،
والتــي أدت إلــى ظهــور مــا يشــار إليــه فــي اآلونــة األخي ـرة باســم الجامعــة «ذات الشــخصية
االعتبارية»( ،(37أو الجامعة «النيوليبرالية»؛ فعلى ســبيل المثال ،يوضح )2016( Beetham
أن التغييـرات التــي طـرأت علــى الجامعــات اتســمت فــي معظمهــا بعــدم االســتقرار ،واالضطـراب،
والتقــارب الزمنــي فــي الحــدوث والتطــور ،فضـ ًـال عــن تالشــي الحــدود بيــن الوقــت والمســاحة
الشــخصية للباحــث /األكاديمــي ،ووقــت العمــل ومســاحته ،وتجزئــة وظائــف العمــل األكاديمــي،
إلــى جانــب الرقابــة المســتمرة ،وتقييــم األداء ،باإلضافــة إلــى تحــول اإلدارة األكاديميــة إلــى
األنظمــة الرقميــة ،وهــو مــا تُرجــم إلــى أتمتــة العالقــات الشــخصية والمباشـرة بيــن أعضــاء المجتمــع
األكاديمــي فــي كثيــر مــن األحيــان(.(38
وقــد الحــظ كل مــن Gregoryو )2016( Winnأن هــذه التح ـوالت فــى ظــروف العمــل
غالبــا مــا يتــم التعبيــر عنهــا باســتخدام لغــة «األزمــة» وكأن الجامعــة فــى حالــة ص ـراع دائــم(.(39
ً
ويضيــف )2016( Winnأنــه علــى الرغــم تحديــد طبيعــة الكثيــر مــن «األزمــات» التــي تمــر بهــا
الجامعــات اليــوم ،ومــع تعالــي المطالبــات بضــرورة تبنــي اتحــاد أكبــر بيــن األكاديمييــن ،إال أن
ظــروف العمــل األكاديمــي ما ازلــت تعانــي مــن التدهــور والتــردي( .(40ويصــف كل مــن Bowles
)2014( & Hallالجامعــة بأنهــا أصبحــت «ماكينــة إلنتــاج القلــق»؛ فبينمــا تتــم إعــادة هيكلــة
الجامعــة مــن أجــل تعظيــم أهميتهــا وقيمتهــا ،يتــم الفصــل بيــن األكاديمييــن والطــالب علــى مســتوى
الوجــود المــادي عبــر رقمنــة كل مــن عمليتــي التعليــم والبحــث مــن جهــة ،وبينهــم وبيــن بعضهــم
البعــض عبــر سلســلة مــن متطلبــات مــا بعــد العمــل ،بمــا يتطلبــه ذلــك مــن مزيــد مــن الوقــت والطاقــة
واإلمكانــات مــن جهــة ثانيــة(. (41
عــالوة علــى الفــروق الماديــة بيــن منتســبي الجامعــات ،يــرى( Bousquet )2008أن األمــر
يتخطــى ذلــك ليصبــح تجربــة حقيقيــة للتســخير واالســتغالل ،وأن غالبيــة مــن يتحملــون وطــأة هــذا
غالبــا مــن طــالب الد ارســات العليــا وصغــار أعضــاء هيئــة التدريــس ،الذيــن «يعــون الضغــط هــم ً
أنهــم ال ُيعاملــون فقــط مثــل النفايــات ،بــل الحقيقــة األبشــع هــي النظــر إليهــم ،وربمــا معاملتهــم،
كفضــالت للنظــام الجامعــي؛ حيــث ال يتــم اســتبعادهم خــارج المنظومــة بعــد ســنوات مــن البحــث
والد ارســة فقــط ،وإنمــا يبرهــن النظــام علــى ضــرورة عمــل ذلــك حتــى تســتمر الجامعــة بمنظومتهــا
الحاليــة بالفعــل»(.(42
527وعلــى اختــالف القضايــا والمشــكالت التــي يعايشــها ،أو قــد يعانيهــا المجتمــع األكاديمــي
مفاجئــا أن
ً بمختلــف فئاتــه ،ومــع اعتبــار البعــض منهــا مشــكالت هيكليــة ومتوطنــة ،ال يبــدو
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
تتولــد مســاحات جديــدة للمناقشــة والتــداول فــي شــئون الحيــاة األكاديميــة .وبالنظــر إلــى مــا تتيحــه
المنصــات الرقميــة المتعــددة مــن إمكانــات الحشــد والح ـراك ،ومنــح الصــوت للجميــع ،تخــرج
هــذه المنصــات عــن كونهــا مســاحة لالهتمــام الذاتــي ،لتدفــع بالتواجــد األكاديمــي نحــو مزيــد مــن
تبــادل المعلومــات ،وتقديــم المشــورة ،والتواصــل بخصــوص شــروط العمــل األكايمــي ،ومضمــون
سياســاته ،بمــا يضمــن التخفيــف مــن حالــة االحتقــان والغضــب فــي كثيــر مــن األحيان...وهكــذا
ويشــير )2013( Mewburn & Thomsonفــى د ارســتهما للمدونــات األكاديميــة ،أن
األكاديمييــن عبــر اإلنترنــت يجمعــون بيــن البحــث ووظائــف التدريــس ،مــع نقاشــات أكبــر حــول
مدفوعــا
ً غالبــا مــا يكــون
وتناقضــا مــع الترويــج لفك ـرة أن التدويــن األكاديمــى ًً ممارســات العمــل.
فقــط نحــو تحقيــق المصلحــة الشــخصية ،أو الرغبــة فــى تســويق عمــل أحــد األكاديمييــن ،فــإن هــذه
المدونــات قــد ُكتبــت مــن أجــل أكاديمييــن آخريــن ،بحيــث تعمــل بوصفهــا جــزًءا مــن «زكاة العلــم»
« /اقتصــاد الهبــة» ،Gift economyوبوصفهــا «قاعــة اجتماعــات افتراضيــة» “Virtual
.”Staff Roomوعلــى الرغــم ممــا أكــده الباحثــان مــن عــدم وجــود دليــل أو كتيــب صريــح يشــجع
األكاديمييــن علــى اســتخدام الفضــاء اإللكترونــي بهــدف» إيصــال صوتهــم للســلطة»Speaking
،back to Powerإال أن هــذه الفضــاءات تعمــل بالفعــل بديـالً عــن المقاومــة ،و/أو اإلمتثــال،
و/أو البراجماتيــة فــى وجــه النظــم اإلداريــة لمؤسســات التعليــم العالــي(.)43
وبــدوره يؤكــد )2011( Mewburnأن «أحاديــث المشــكالت» Trouble Talksبيــن
األكاديميــن والتــى تتــم عبــر اإلنترنــت ،قــد تســاعد طــالب الدكتــوراه ،علــى ســبيل المثــال ،علــى
«التفــاوض والقــدرة علــى إدارة تبعــات مــا بعــد أن تصبــح أكاديمــي»( .(44وتشــير طالبــة الدكتــوراه
لي ـ از كااليجــي عبــر مدونتهــا األكاديميــة:
«تأتــي شــهادة الدكتــوراه مصحوبــة بالعديــد مــن الملــذات والعثـرات ،وتحــت نيــر ومشــكالت
ـر بالجامعــة النيوليبراليــة ،تفاقمــت هــذه العثـرات والمشــكالت الواضحــة مــا أصبــح يعــرف مؤخـًا
منهــا والمســتترة ،وارتفعــت تكلفتهــا علــى النفــس والعقــل والــروح؛ حيــث أُثقــل كاهلنــا بمجموعــة
مــن الشــروط والمحــددات التــى ترتبــط بتعاظــم ثقافــة المنافســة وتســويق الــذات ،ونقــص
الوظائــف األكاديميــة ،فضـ ًـال عــن زيــادة العمالــة األكاديميــة غيــر المســتقرة ،بمــا ُيشـ َّـكل ضغ ً
طــا
علــى الطريقــة التــي ننظــم بهــا تفكيرنــا وشــعورنا بمــا نعايشــه فــي الحيــاة األكاديميــة اليوميــة.
لقــد أصبــح هنــاك الكثيــر يجعلنــا نغضــب ونحــزن»(.)45
تجــد كلمــات كااليجــي صــدى لهــا فيمــا أشــار إليــه )2009( Gillبــأن القــدرة علــى الســيطرة
والتحكــم فــي تناقضــات ظــروف العمــل األكاديمــى قــد أصبحــت ســمة ممي ـزة للحيــاة األكاديميــة
528
اليــوم ،خاصــة لــدى أولئــك الذيــن يحاولــون دخــول هــذه المهنــة ،وهــو مــا يضفــي أهميــة علــى
اقعــا ،للتعبيــر عــن كثيــر مــن
غالبــا مــا ال تتوافــر و ً
الفضــاء اإللكترونــي بمــا يتيحــه مــن مســاحةً ،
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
أحيانــا مــن تعبيـرات عــن حالــة األســف الشــخصي والمؤسســي(.(46 ً المشــاعر الســلبية ،بمــا تحملــه
علــى هــذا النحــو ،تعمــل مواقــع التواصــل االجتماعــي كشــكل مــن أشــكال «حشــد المصــادر»
Crowd-sourcingاألكاديميــة ،والتــي تمــارس دورهــا كظهيــر ضــام وداعــم يحقــق التضامــن
فــي األوقــات الصعبــة ،بمــا يــؤدي إلــى توليــد الكثيــر مــن أشــكال الت اربــط العاطفــي ،والرعايــة،
واإلنتمــاء ،والتضامــن ،ومشــاركة الكثيــر مــن القيــم الشــخصية واالجتماعيــة(.(47
ويشــير )2015( Stewartإلــى أن التواجــد األكاديمــي علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي،
والمعنيــة منهــا بالشــكل شــبه الرســمي لهــذا التواصــل مثلمــا هــو الحــال مــع لينكــدإن وتوتيــر ،تشــجع
علــى تبنــي مفهــوم «اقتصــاد الســمعة» ،وثقافــة التأثيــر فــي نظــم العمــل ،وهــي بذلــك تشــارك بشــكل
أو بآخــر فــي اإلشـراف علــى المـوارد البشـرية ،وترتيــب أهميتهــا ،وأولوياتهــا ،والمســاهمة فــي نشــر
المحتــوى وص ـوالً إلــى تنظيــم نقاشــات أوســع فــى مجــال اهتمــام األكاديمييــن علــى نحــو يفــوق
مجــرد دعــم أنفســهم أو أعمالهــم الخاصــة( .(48ومــن ثـ َّـم يدعــم Stewart, 2016فكـرة كــون هــذه
المنصــات ظاهـرة تنهــار فيهــا التقاليــد الشــفهية ،المعتــادة ،وكــذا توقعــات الجمهــور مــن أنفســهم،
ومــن المنصــة نفســها؛ حيــث تعمــل كمصــدر غيــر رســمي للتعلــم فــي إطــار المحادثــات غيــر
تمامــا عــن تلــك الخاصــة الرســمية ،بمــا يســاهم فــي خلــق جمهــور يعمــل وفــق شــروط مختلفــة ً
باألكاديميين في محيطهم التقليدي ،وهو الســلوك الذي أطلق عليه ســتيورات تعبير «الشــخصية
المفرطــة» ،Hyper-Personalityتلــك التــي تتعــدى طــرق الــكالم والتعبيــر التقليديــة لتنقلهــا إلــى ِ
الضحــك ،وروح الدعابــة ،والتفضيــل ،واإلعجاب..الــخ(.(49
ـر بمجموعــة مــن الظواهــر الخاصــة بمؤسســات طــا مباشـ ًاوترتبــط قضايــا العمــل الرقميــة ارتبا ً
التعليــم العالــي ،منهــا العزلــة ،والشــعور بالحاجــة إلــى الوجــود (أوناليــن) لمــدة الــ 24ســاعة،
وعلــى مــدار أيــام األســبوع ( ،)7/24وهــو الشــعور الــذي يفضــي ،فــي المقابــل ،إلــى إحســاس
المــرء بالخــوف مــن أن يفوتــه شــيء مــا ،FOMOوهــو مــا يمكــن أن يتحــول إلــى مبــرر ذاتــي
ـور معيشــية مثـالً ،أو متابعــة فــرص العمــل عندمــا يصبــح االتصــال الرقمــي ضرورًيــا لتدبيــر أمـ ًا
مســتقبالً(.(50
مثــل هــذا «األمــل» فــى الحصــول علــى فرصــة عمــل ،أو اكتســاب خب ـرة جديــدة ،فضـ ًـال عــن
الربــح المــادي ،يعكــس الخلفيــة الفكريــة للكثيــر مــن المجموعــات الحاضـرة عبــر مواقــع التواصــل
االجتماعــي .وتضيــف الد ارســات أنــه ال يمكــن اعتبــار هــذا الحضــور األكاديمــي غيــر ذي معنــى
أو مغــزى ،وذلــك فــي ضــوء اعتمــاد الكثيــر مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى مســتوى/
مــدى قــوة المقاييــس التــي تتبناهــا بغــرض تقييــم محتــوى منشــور مــا ،مثــل عــدد إعــادة التغريــد
529مثـ ًـال ،مســتوى صعــود ترنــد الهاشــتاج ،عــدد المتابعيــن ،عــدد التفضيــالت ،القوائم...الــخ ،وهــي
التكنيــكات التــي وصفهــا ( Carrigan )2016بأنهــا الشــفرة الفعليــة التــي علــى أساســها يمكننــا
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
فاعال في تنظيم المهنة ؟! دور ً رقميا :هل يمارس ًا خامسا :الفعل األكاديمي الجمعي ً ً
فــي إطــار التواجــد األكاديمــي عبــر منصــات التواصــل االجتماعــي ،تتواتــر الكثيــر مــن المشــاعر
دومــا تحقيــق درجــة مــن التـوازن بيــن
الســلبية علــى أعضــاء المجتمــع األكاديمــي الذيــن يحاولــون ً
الكتابــة ،ونشــر البحــوث ،ومناقشــة األفــكار الجديــدة ،دون أن يوضــع ذلــك فــي إطــار اإلدراك
الســلبي لمفهــوم «الترويــج للــذات»( ،(58وبيــن اكتســاب متابعيــن إضافييــن بمــا يجعلهــم مــن صغــار
المشــاهير ،الذين تخضع ملفاتهم وصفحاتهم الشــخصية لمزيد من الوعي والتدقيق العام .وفي
الوقــت الــذي قــد يتصــور فيــه عضــو هيئــة التدريــس بأنــه وســط جمــع محــدود مــن أق ارنــه ،فــإن
مثــل هــذا التواجــد ،عبــر مواقــع التواصــل ،قــد يجلــب معــه احتماليــة التعــرض لــرد فعــل عنيــف مــن
متابعيــه مــن جهــة ،ومــن أولئــك الذيــن يعتبــرون المنشــورات شـ ً
ـكال مــن أشــكال الكتابــة العامــة، 531
فــي هــذه الحالــة ،يمكــن للمنشــور المحمــل بالمشــاعر اإليجابيــة أو الســلبية ،والســلبية منهــا علــى
ـخصيا
ـر للجــدل ،ولكنــه شـ ً عاطفيــا بالفعــل ،وحتــى مثيـ ًا
ً وجــه الخصــوص ،والــذي قــد يكــون مشـ ً
ـحونا
للغايــة فــي نهايــة األمــر ،يمكــن أن يتخطــى حــدود هــذه المواقــع بمــا يزيــد مــن حالــة االحتقــان،
ـرز العديــد مــن التداعيــات الجوهريــة.
والمشــاعر الســلبية ،والعــداءُ ،مفـ ًا
ولعــل المواقــف ود ارســات الحالــة التــي توردهــا األدبيــات الســابقة فــي شــأن التبعــات التــي يمكــن
حيــا علــىـاال ًأن تترتــب علــى التوظيــف األكاديمــي لمواقــع التواصــل االجتماعــي ،تضــرب مثـ ً
الكيفيــة التــي يمكــن أن يخــرج بهــا منشــور أو أكثــر عــن نطاقــه ،وســياقه ،يمــا يخلــف حالــة مــن
المشــاعر الســلبية والعــداء التــي تصعــب الســيطرة عليهــا طالمــا خرجــت إلى»العامــة».
وغردهجوما عسكرًيا على غزةَّ ، ً بدأت القصة األولى في يوليو ،2014عندما شنت إسرائيل
«ســتيفن ســاليطة» ، Salaitaاألكاديمي األمريكي من أصل فلســطيني ،بحماســة وغضب ضد
الهجوم اإلسـرائيلي .تزامنت تغريدة ســاليطة مع تقدمه لوظيفة في جامعة إلينوي بعد أن اســتقال
مــن .Virginia Techلفتــت تغريــدات ســاليطة اهتمــام المتبرعيــن والمموليــن ألنشــطة الجامعــة،
جنبــا إلــى جنــب مــع عــدم حصــول ســاليطة علــى موافقــة مجلــس أمنــاء الذيــن أدت اعتراضاتهــمً ،
جامعــة إلينــوي علــى قـرار تعيينــه بشــكل نهائــي ،إلــى إيقــاف هــذا التعييــن ،وإلغــاء عــرض العمــل
الخــاص بهــم .كانــت هــذه خطــوة غيــر مســبوقة فــي المجــال األكاديمــي األمريكــي ،وتســببت بدورها
فــي غضــب عــام بيــن مؤيــدي موقــف ســاليطة الذيــن طالبـوا بإعادتــه إلــى منصبــه ،وإلــى النظــر
بقــوة فــي مســتويات الحريــة األكاديميــة بالجامعــات األمريكيــة .وقــد تضمنــت إج ـراءات مناص ـرة
ســاليطة مجموعــة مــن الوســوم عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وعلــى أرســها ،Twitterمنهــا
وسم ،#supportsalaitaووسم . (59( #uistudents4salaita
ـددا مــن أعضــاء هيئــة التدريــس ،سـواء أكانـوا ُمعينيــن، فــي حيــن صدمــت قضيــة Salaitaعـ ً
أو غيــر ُمعينيــن ،فــإن األثــر األبــرز هنــا كان الداللــة علــى محدوديــة «نطــاق الحريــة» ،حتــى
لألكاديميــن المعينيــن فــي وظيفــة ثابتــة بالجامعــة ،عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وكانــت
الرســالة الواضحــة ألعضــاء هيئــة التدريــس غيــر النظامييــن ،والباحثيــن المســاعدين .بــررت
الجامعــة موقفهــا مــن ســاليطة بالقــول بــإن تغريداتــه افتقــرت إلــى «التحضــر واللياقــة» ،وهــو التوجــه
نفســه الــذي تبنتــه وســائل اإلعــالم األمريكيــة عنــد عرضهــا للقضيــة ،وهــو التصنيــف نفســه الــذي
تبنــاه مجلــس أمنــاء الجامعــة ،ثــم مستشــارها القانونــي لتبريــر ق ـرار فصلــه فــي نهايــة األمــر!!!
وهكذا تُعد الحدود «المقبولة» للغضب ،أواإلنفعال ،أوالهياج ،بإرجاعها إلى مقياس»الكياسة/
أكاديميــا مناسـ ًـبا
ً خطابــا
ً ـدودا تســمح للمؤسســات الجامعيــة بالتحكــم فيمــا يعتبــر التحضــر» ،حـ ً
532
ـاء علــى مــا هــو متوقــع مــن الخطبــاء أو المتحدثيــن المتحضريــن ،والــذي تحــدده الجامعــة وفــق بنـ ً
معاييرهــا الخاصــة ،بديـ ًـال عــن الســياق الــذي تحــدث فيــه الواقعــة ،وتفاصيلهــا( . (60رفــع ســاليطة
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
دعــوى قضائيــة الحًقــا ،عــاد بمقتضاهــا إلــى الجامعــة ،قائـالً« :هــذه التســوية رد العتبــاري ،ولكــن
األهــم ،أنهــا انتصــار لمعنــى الحريــة األكاديميــة .ومــع هــذا ،كان لهــذه الواقعــة تأثيــر دائــم علــى
قميــا فــي فتــح المجــال مــن جديــد ،والعــود علــى بــدء فــي النقــاش والجــدل حــولالفعــل األكاديمــي ر ً
حــدود الحريــة األكاديميــة فــي ســياق مواقــع التواصــل االجتماعــي .بشــكل عــام ،أظهــرت القضيــة
هيــكل ومنطــق الحوكمــة داخــل بعــض المؤسســات الجامعيــة ،كمــا أكــدت مــن جهــة ثانيــة أن
اســتجابة المؤسســة الجامعيــة ل ـ «أزمــات» مواقــع التواصــل االجتماعــي تعتمــد إلــى حــد كبيــر علــى
الكيفيــة التــي تضــع بهــا الجامعــة «ســياق األزمــة وداللتهــا».
وجــدت ســايدا جرونــدي Saida Grundyو زانداريــا روبنســون Zandria Robinson
،وكالهمــا مــن علمــاء االجتمــاع ،نفســيهما فــي مواقــف مماثلــة بســبب التغريــدات التــي كانــت
تنتقــد العنصريــة المتأصلــة فــي المجتمــع األمريكــي نحــو األمريكييــن األفارقــة .تعرضــت كلتــا
األســتاذتين لــردود أفعــال غاضبــة ،قادتهــا مجموعــات محافظــة فــي المجتمــع ،فضـ ًـال عــن وســائل
اإلعــالم ،بدعــوى أنهمــا ينشـ ار ثقافــة التعصــب ،ودعــت هــذه الجماعــات ،المؤسســات األكاديميــة
الالتــي يعمــال بهــا إلــى اتخــاذ إج ـراءات ضدهمــا .جــاءت تغريــدات جرونــدي فــي الوقــت الــذي
كانــت فيــه علــى وشــك بــدء وظيفــة جديــدة فــي جامعــة بوســطن ،وهــي الجامعــة التــي ادعــت،
فــي بدايــة األمــر ،أن مــن حــق جرونــدي اإلدالء بهــذه التعليقــات عبــر حســابها الشــخصي علــى
بيانــا قالــت فيــه إنــه علــى الرغــم مــن أن الجامعــة
،Twitterولكنهــا ،وفــي الوقــت نفســه ،أصــدرت ً
ال يمكنها التغاضي عن العنصرية أو التعصب األعمى ،إال أنها ما زالت تدعم حرية األستاذة
جرونــدي فــي التعبيــر ،وهــو مــا دفــع جرونــدي كذلــك إلــى إصــدار بيــان تتأســف فيــه للطريقــة
التــي عالجــت بهــا المشــكلة .وممــا ُيذكــر فــي هــذا اإلطــار أنــه عندمــا بــدأ رد الفعــل العنيــف تجــاه
جرونــدي ،ســارع أكاديميــون آخــرون إلــى دعمهــا عبــر عــدة وســوم منهــا #SaidaGrundyو
#SupportSaida 61و #StandWithSaida 62
وعلــى غـرار قضيــة ســاليطة ،أحدثــت قضيــة جرونــدي العديــد مــن التدوينــات والمقــاالت التــي
تعرضــت لقضايــا الحريــة األكاديميــة ،وحريــة ال ـرأي والتعبيــر بوجــه عــام .فــي حالــة ســاليطة،
ســعت االحتجاجــات العامــة للضغــط علــى جامعــة إلينــوي إللغــاء تعيينــه ،ولــم يســاعد الدعــم،
س ـواء علــى تويتــر أو غي ـره ،فــي إعادتــه إلــى منصبــه .فــي حيــن أن االهتمــام الــذي حظيــت بــه
القضيــة أتــاح ل ــساليطة ،الشــروع فــي مهمــة ناجحــة إلــى حــد مــا فــي الخــروج والحديــث عالنيــة عــن
قضيتــه أمــام الجمهــور ،إال أن ذلــك كان علــى حســاب مهنتــه كأكاديمــي .أمــا فــي حالــة جرونــدي،
أجبــرت الصرخــة العامــة ،التــي قادهــا بعــض الطــالب ،الجامعــة التــي تنتمــي لهــا علــى إصــدار
533بيــان ينتقــد تغريداتهــا ،لكنهــا ،ومــع هــذا ،دعمــت موقفهــا ولــم تطــرد مــن العمــل .فــي كلتــا الحالتيــن،
شـ َّـكل الهاشــتاج مربــط الفــرس ،ومحــور حـراك الغضــب والنشــاط الرقمــي ألطـراف القضيــة؛ حيــث
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
معــا لدعــم كل مــن ســاليطا وجرونــدي ،ولدعــم الحريــة اجتمعــت مجموعــات متباينــة مــن األفـراد ً
األكاديميــة باألســاس .لــم يقتصــر اســتخدام الوســوم علــى دعــم األشــخاص المعنييــن فحســب ،بــل
دائمــا» ،و «محيــط يمكــنأيضــا علــى المشــاركة ،وهــو مــا يوفــر شــبكة «تعمــل ً ـجع اآلخريــن ً شـ َّ
تعبئتــه بســرعة» ،الســيما مــن خــالل وســوم األفـراد البارزيــن والمؤثريــن ممــن ُيطلــق عليهــم «عقــد
شــبكانت التواصــل البــارزة .(63( »prominent network nodes
فــي حالــة ،Zandria Robinsonوالتــي تناولــت تغريداتهــا قضايــا العــرق ً
أيضــا ،لجــأت
جامعــة ممفيــس نفســها إلــى Twitterللــرد؛ حيــث غـ ّـردت الجامعــة بــأن روبنســون لــم تعــد موظفــة
فــي الجامعــة ،ممــا دفــع باالعتقــاد بــأن روبنســون قــد فقــدت وظيفتهــا بســبب تغريداتهــا ،وهــو مــا
أدى إلــى موجــة جديــدة مــن التغريــدات الغاضبــة لدعمهــا قبــل أن تعلــن أنهــا اســتقالت قبــل تلــك
دور فــي كل مــن الدعــوة إلــى
التغريــدات لمتابعــة وظيفــة أخــرى ،وم ـرة أخــرى ،لعــب ً Twitterا
اتخــاذ إجـراء ضــد روبنســون ودعمهــا فــي الوقــت نفســه .وفــي بيانهــا ،أظهــرت جامعتهــا مســتوى
مدهشــا مــن فهــم الكيفيــة التــي تقيــد بهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي إمكانيــة نقــل أفــكار معينــة،ً
ـلبا علــى روبنســون. وكيــف أن ذلــك ،بالنســبة لهــم ،لــم ينعكــس سـ ً
أيضــا بشــأن العــرق، ـر ،أثــارت قضيــة تغريــدات جــورج ســيكارييلو ماهــر ،الــذي غـ َّـرد ً مؤخـ ًا
روج لــه القوميــون البيــض ـير إلــى فكـرة «اإلبــادة الجماعيــة للبيــض» ،وهــو المصطلــح الــذي َّ مشـ ًا
لغــرس الخــوف مــن مؤام ـرة لتدميــر العــرق األبيــض .حــادت نيتــه فــي الســخرية مــن المصطلــح
عــن هدفهــا الحقيقــي ،ومـرة أخــرى اســتغلت الجماعــات المحافظــة الموقــف ،لدرجــة دفعــت جامعتــه
إلــى التحقيــق معــه( .)Flaherty 2017( (64وكانــت جامعــة دريكســل ،التــي يعمــل بهــا ماهــر،
بيانــا تديــن فيــه تغريــدة ماهــر ،وأشــارت إلــى أن تغريداتــه «ال تمثــل قيــم الشــمول قــد أصــدرت ً
والتفاهــم التــي تتبناهــا جامعــة دريكســل» .وفــي بيــان أطــول ،أكــد القائمــون علــى الجامعــة أن
تغريــدات Maherتتمتــع بالحمايــة ،لكنهــا كجامعــة تعتقــد فــي محدوديــة قــدرة مواقــع التواصــل
االجتماعــي علــى النقــد الســاخر الهــادف ،تحقيــق عنصــر المفارقــة ،وتضميــن الســياق( .)65لــم
تحســم قضيــة ماهــر حتــى وقــت كتابــة هــذه الســطور ،وال ي ـزال هنــاك مــن يغــرد حــول القضيــة،
والعديــد منهــم يطالبــون بطــرده.
تعكــس القضايــا الثــالث الســابقة الكيفيــة التــي اســتخدم بهــا ه ـؤالء األكاديمييــن صفحاتهــم
ـاء علــى أبحاثهــم وخبراتهــم، الشــخصية ،عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،للتعبيــر عــن آرائهــم بنـ ً
أثنــاء أداء دورهــم كأكاديمييــن ومثقفيــن ،ومــع هــذا ،اختلطــت مثــل هــذه التغريــدات «العاطفيــة»
ببيئــة مواقــع التواصــل المليئــة باالســتقطاب والشــحن العاطفــي بالفعــل ،وهــو مــا أثَّــر ،فــي نهايــة
534
األمــر ،علــى كل مــن الفعــل و رد الفعــل العكســي ،والدعــم الــذي يمكــن أن تقدمــه المنصــة،
وهــو التأثيــر الــذي يتســم بحالــة أشــبه بالديمومــة ،وااللتصــاق بصاحبــه ،الســيما وأن المحادثــات
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ـوء
غالبــا مــا تمــزج العاطفــة بالـرأي والد ارمــا مــع الحقيقــة .يــزداد األمــر سـ ً
((66
عبــر هــذه المنصــات ً
عندمــا تحتشــد الجماعــات المحافظــة بــكل ســخطها وغضبهــا مــن جهــة ،وتســتغل وســائل اإلعــالم
التقليديــة الطبيعــة الفيروســية لمنشــورات مواقــع التواصــل االجتماعــي مــن جهــة ثانيــة.
كان لهــذه األحــداث تداعيــات شــخصية ومهنيــة علــى أصحابهــا ،كمــا أنهــا أثــارت ،ومــا ازلــت
تثيــر ،أســئلة هامــة ،ومثي ـرة للقلــق حــول حالــة الحريــة األكاديميــة عندمــا تعلــق بالكتابــة والنشــر
عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي .ويشــير فيليتســيانوس )2016( Veletsianosإلــى قلــق
رئيســي ،أبرزتــه الحــاالت محــل الذكــر ســابًقا ،فبينمــا ُيتوقــع مــن األكاديمييــن التواجــد والحضــور
«العــام» ،والحفــاظ علــى تفعيــل دوره علــى مســاحات تبــدو سـريعة الــزوال مثــل ،Twitterإال أن
ونشــر الحقيقــة تشــير إال أن هــذه المســاحات ليســت كذلــك؛ حيــث يمكــن البحــث عــن مــا ســبق ُ
أيضــا
مــن كتابــات وتغريــدات ،وجمعهــا واســتخدامها خــارج الســياق .ويمكــن لمثــل هــذه الكلمــات ً
ـخصيا،
أن «تلتصق» بالفرد ،بما يتوجب معه أن يقوم صاحب الشــأن بتفســير ما كان يعنيه شـ ً
ومــا الــذي قصــده فــي جملــه وعبا ارتــه وكيفيــة اســتخدامه للغــة( .(67وهكــذا يعكــس التناقــض فــي
طبيعــة األدوار التــي تؤديهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي المجتمــع األكاديمــي ،يعكــس الحالــة
المتضاربــة للعمــل األكاديمــي العــام ،والرقمــي المتشــابك؛ فأحــد وجهــي العملــة يشــجع علــى
المشــاركة الفعالــة فــي هــذه الســاحات اإلفتراضيــة ،بينمــا ال يوفــر الوجــه اآلخــر ســوى القليــل مــن
الحمايــة المؤسســية ،وهــو الوضــع الــذي شــبهه )2015( Wingfieldبـ ـ ــوضع «جــزر الكنــاري
فــي منجــم الفحــم»(.(68
عاطفيــا» عبــر مواقــع
ً أحيانــا ،إال أن الحضــور «المشــحون ً وعلــى الرغــم مــن ســوء الوضــع
دائمــا إلــى ردود فعــل عنيفــة او مناهضــة؛ فتماشـًـيا مــع مــا أشــار التواصــل االجتماعــي ال يــؤدي ً
تكتيكيــا ،مارســت
ً إليــه ســتيوارت ( )2016بــأن التعامــل مــع هــذه المنصــات البــد أن يكــون تعامـ ًـال
ـاال
أدور إيجابيــة ،وكانــت مثـ ً بعــض المنشــورات والتغريــدات ذات الصلــة بالمجتمــع األكاديمــي ًا
ـادر علــى إحــداث اهتمــام أوســع بقضايــا العمــل األكاديمــي. علــى الغضــب الجماعــي الــذي كان قـ ًا
فــي ســبتمبر ،2013توفيــت األســتاذة المســاعدة مارجريــت مــاري فويتكــو بســبب المضاعفــات
الناتجــة عــن عــالج الســرطان والنوبــات القلبيــة .كانــت مارجريــت تبلــغ مــن العمــر ثالثــة وثمانيــن
عاما ،ولكنها عندما توفيت لم يكن لديها ودرست في الجامعة على مدار خمسة وعشرين ً عاما َّ ً
أيــة م ازيــا صحيــة ،أو م ازيــا تقاعــد .قبــل وفاتهــا بقليــل ،فشــلت دوكيــن فــي تجديــد عقدهــا ،وعندمــا
تــم اإلعــالن عــن تفاصيــل وفاتهــا فــي جريــدة بيتســبرج بوســت جازيــت ،ســرعان مــا تــم نشــر القصــة
حساســا لــدى األكاديمييــن برؤيــة أنفســهمً ـر
علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وأصابــت األنبــاء وتـ ًا
535في قصة فويتكو ،وســرعان ما انتشــر هاشــتاغ» أنا مارجريت ماري» #iammargaretmary
عبــر Twitterو .Facebookنقــل األفـراد الهاشــتاج للتغريــد مباشـرة فــي الجامعــة ،داعيــن إلــى
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
التضامــن بيــن أعضــاء هيئــة التدريــس ،والدعــوة إلــى اتحــاد نقابــي فــي جامعــة دوكيــن وجامعــات
أخــرى ،ولمشــاركة قصصهــم الشــخصية ،ووصــل األمــر ببعضهــم إلــى أن قــرروا بأنهــم لــن
يعملـوا أبـ ًـدا فــي جامعــة دوكيــن ،بينمــا طالــب آخــرون بــأن تلتــزم الجامعــة بالمعاييــر األخالقيــة،
وطالــب آخــرون بتغطيــة الخبــر عبــر وســائل اإلعــالم التقليديــة عبــر توظيــف الهاشــتاج نفســه،
حتــى أن بعضهــم اســتخدم الهاشــتاج كخــط رئيســي وثابــت عنــد الحديــث عــن الحيــاة األكاديميــة،
وكأنــه تحذيــر لــكل مــن قــد يفكــر فــي الحصــول علــى وظيفــة فــي هــذا المجــال ،واســتخدم آخــرون
الهاشــتاج مــع صــور ألنفســهم وهــم يحملــون الفتــات ُكتــب عليهــا «كلنــا مــاري» .شـ َّـكل الوســم
وســيلة للتعبيــر عــن حــزن وغضــب جــارف لــدى األكاديمييــن ،الســيما الغضــب مــن التفــاوت
المت ازيــد فــي الرواتــب اإلداريــة فــي الجامعــة ،وظــروف عمــل أعضــاء هيئــة التدريــس .وفــي حيــن
لفــت الهاشــتاج االنتبــاه بشــكل واضــح إلــى ظــروف العمــل داخــل الجامعــات المعاصـرة ،إال أنــه
حساســا ،دفــع بالنقــاش إلــى الحديــث عــن التعليــم الجامعــي فــي الواليــات المتحــدة بشــكل
ً ـر
لمــس وتـ ًا
عــام وأوضاعــه .لطالمــا ارتبــط التعليــم العالــي ،وخاصــة بعــد الحصــول علــى درجــة الدكتــوراه،
بمفاهيــم المكانــة ،فضـالً عــن ت ازيــد فــرص التوظيــف المســتقر ،ولكــن وفــاة فويتكــو ســلطت الضــوء
علــى التناقــض الصــارخ فــي هــذا الشــأن؛ حيــث لفتــت النظــر إلــى حقيقــة أن األســاتذة ليسـوا فقــط
جــزًءا مــن الطبقــة العاملــة ،وإنمــا هــم جــزء مــن الطبقــة العاملــة الفقيـرة!!!.
وبينمــا كان #iammargaretmaryوالنقاشــات الالحقــة عليــه مليئــة بالغضــب واإلحبــاط
والمطالبــات بالعدالــة ،عمــل الهاشــتاج علــى تعبئــة األف ـراد عبــر السلســلة الهرميــة الجامعيــة
بكاملهــا ،وعبــر الجامعــات المختلفــة ،بــل وخــارج الجامعــة ،عندمــا عرضــت وســائل اإلعــالم
قصصــا عــن حيــاة فويتكيــوً الرئيســية مثــل NPRو CNNو The New York Times
ومحنــة األكاديمييــن؛ حيــث نشــرت صحيفــة نيويــورك تايمــز( )Kilgannon 2014( (69قصــة
الحقــة شــبيهة عــن مــاري فيــث سي ارســولي ،األســتاذة المســاعدة فــي كليــة ميرســي فــي نيويــورك،
أيضــا
والتــي كانــت وقتهــا بــال مــأوى .فضـ ًـال عــن اهتمــام وســائل اإلعــالم ،ســاعد الهاشــتاج ً
فــي حشــد الدعــم لحملــة النقابــات فــي دوكيــن ،وهــي خطــوة عارضتهــا اإلدارة علــى الرغــم مــن
ـر للظــروف الهيكليــة التصويــت لصالــح أعضــاء هيئــة التدريــس عندمــا تــم اقت ارحــه ســابًقا ،نظـ ًا
للعمــل فــي الجامعــة ،وبعدهــا لــم يعــد مســتغرًبا أن ينتقــل األكاديميــون إلــى منصــات جديــدة
للتواصــل والتعبئــة.
وفي هذا اإلطار تشــير )2015( Papacharissإلى أنه يمكن لمواقع التواصل االجتماعي
أن تســاعد فــي «تنشــيط الروابــط الكامنــة بيــن األفـراد والحفــاظ عليهــا» ،والتــي بدورهــا قــد تــؤدي
536
إلــى ظهــور «جمهــور شــبكي» ،وإن ارتبطــت الفاعليــة الحقيقيــة لهــذا الجمهــور ،كمــا ســبقت
اإلشــارة ،علــى نجاحهــم فــي التواصــل والتجمــع علــى أرض الواقــع ،وخــارج حــدود اإلنترنــت،
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
مثلمــا كان الحــال فــي قضيــة األســتاذة الجامعيــة مــاري فويتكيــو؛ حيــث ســاهم الغضــب المحيــط
بـ ـ ـ ــ #iammargaretmaryفــي تأجيــج مشــاعر التضامــن والحـراك بعيـ ًـدا عــن مواقــع التواصــل
االجتماعــي ،وهكــذا يســتمر تأثيــر الغضــب الجماعــي كل أعيــدت مشــاركة الهاشــتاج والتعليــق
عليــه؛ بحيــث تعمــل اإلنترنــت كأرشــيف مرتبــط بالنضــاالت العماليــة الحاليــة والمســتقبلية(.(70
مقابــل كل األهميــة الســابقة ،يتبــدى النقــص الواضــح فــي الدعــم المؤسســي فــي إعــداد وتدريــب
األكاديمييــن علــى تفاعــالت مواقــع التواصــل االجتماعــي ،وضمــان الدعــم فــي حالــة حــدوث أي
حــدث غيــر مرغــوب فيــه عندمــا تختلــط المنشــورات الهادفــة لألكاديميــن مــع السياســة اليوميــة ،بــل
ويتــم تشــابكها وتزييفهــا بعمــق ،وهــو األمــر الــذي يدفــع بالتســاؤل حــول كــون التعبيــر عــن الغضــب
جمعيــا ،والمشــاركة العامــة بوجــه عــام يمكنهــا أن تكــون مســاحات لحقائــق معيشــية سياســية ً
واجتماعيــة وثقافيــة ،وبــدالً مــن النظــر إلــى مواقــع التواصــل االجتماعــي كمشــروع شــخصي
ـكبا
للتســويق الذاتــي ،يمكنهــا أن تمثــل مســعى اجتماعــي متكامــل يهــدف إلــى تطويــر المهنــة شـ ً
وموضوعــا.
ً
-مشكلة الدراسة:
تســعى الد ارســة الحاليــة لفهــم الــدور الــذي تلعبــه المشــاعر الســلبية الجمعيــة فــي بيئــة االتصــال
الرقمــي ،ومشــاعر الغضــب علــى وجــه التحديــد ،فــي المناقشــات عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي
حــول العمــل األكاديمــي ،والتــي تظهــر باســتمرار مــع تدهــور ظــروف العمــل األكاديمــي ،فــي
بعــض القطاعــات ،وقــدرة األكاديمييــن علــى نقــل هــذه المالبســات عبر»اتحــادات إفتراضيــة»
تتيحهــا مواقــع التواصــل االجتماعــي بهــدف النقــد والتواصــل والتنظيــم.
وتقوم الدراسة الحالية على عدة افتراضات أهمها :أن التعبير عن الغضب وسلوك االحتجاج
ـر فــى رفــع الوعــي بقضايــا العمــل األكاديمــي ،فضـ ًـال عــن دور مثمـ ًا
قميــا قــد يمــارس ًا
األكاديمــي ر ً
العمــل كوســيلة للتنظيــم عبــر التسلســالت الهرميــة األكاديميــة خــارج نطــاق الجامعــة الرســمي.
قميا قد
وتفترض الد ارســة كذلك أن التعبير عن المشــاعر الســلبية وســلوك االحتجاج األكاديمي ر ً
يدعــم عمليــة إنتــاج الشــبكات الجديــدة للعالقــات الشــخصية والمهنيــة علــى المســتوى األكاديمــي،
قميــا»
وفــي المقابــل ،تطــرح الد ارســة العديــد مــن التســاؤالت بشــأن التداعيــات الجوهريــة «للغضــب ر ً
علــى الصعيديــن الشــخصي والمؤسســي بمــا يســهم فــي إعــادة تشــكيل الهويــة األكاديميــة الفرديــة،
537والســمعة األكاديميــة الجمعيــة لألكاديميــن المصرييــن.
بنــاء علــى األســس النظريــة والمنهجيــة الســابقة ،تتمثــل مشــكلة الد ارســة الحاليــة فــي تحليــل
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
الفعــل االحتجاجــي الجمعــي لمجموعــة مــن أســاتذة الجامعــات المصريــة ،فيمــا انــدرج تحــت
هاشــتاج #علماء_مصر_غاضبــون ،والــذي انطلــق عبــر منصتــي التواصــل االجتماعــي األشــهر
(بالنســبة لنشــاط الحركــة) فيســبوك ،وتوتيــر؛ حيــث تســتهدف الد ارســة تقديــم تحليــل كيفــي منظــم
للمنشــورات التــي تضمنتهــا الصفحــة الرئيســية للحملــة علــى منصــة فيســبوك (علمــاء مصــر
غاضبــون) ،فضـ ًـال عــن تحليــل عينــة مــن المنشــورات التــي حملــت ،وروجــت للهشــتاج الــذي حمــل
اســم الصفحــة نفســها عبــر عينــة مــن الصفحــات األخــرى ذات الصلــة علــى فيســبوك ،وتوتيــر،
ومــا ارتبــط بمنشــوراتهما مــن مواقــع أخــرى ،اتخــذت مــن هاتيــن المنصتيــن طريًقــا لتبــادل ،وإعــادة
نشــر الهشــتاج ،تفضيلــه ،أو الحشــد مــن خاللــه.
-أهمية الدراسة:
•تســتمد الد ارســة الحاليــة أهميتهــا مــن واقــع الخلفيــة المعرفيــة التــي ســتوفرها عبــر رافديــن
أساســيين؛ أولهمــا الرصــد العلمــي ،والمنهجــي ،والقانونــي المرتبــط بموضــوع الد ارســة ،والخــاص
بالممارســات ذات الصلــة بالنشــاط الجامعــي ،س ـواء الممارســات الرســمية والشــخصية مــن
المديريــن والمســئولين بالجامعــة ،مــرو اًر بأعضــاء الهيئــة التدريســية واإلداريــة ،وانتهــاءاً بالطــالب،
بمــا يمكــن مــن الوصــول بشــكل منهجــى منظــم إلــى معــارف وخب ـرات تشــكل إث ـراء فــى مجــال
المحــددات والضوابــط المعلنــة وغيــر المعلنــة إلدارة مســاحات ال ـرأى والتعبيــر عبــر مواقــع
ـار أشــمل لــرؤى وطروحــات مــن شــأنها اإلســهام فــى تعزيــز التواصــل االجتماعــي ،كمــا تقــدم إطـ ًا
أمــن المعلومــات وســبل إدارتهــا إدارة رشــيدة وواعيــة تحقــق لهــذه المؤسســات الجامعيــة أهدافهــا
المبتغــاه.
•تقــدم هــذه الورقــة البحثيــة مســاهمة جديــدة فــي مجــال األدبيــات ذات الصلــة بالحــركات
االجتماعيــة بوجــه عــام ،والرقميــة منهــا علــى وجــه الخصــوص ،وذلــك عبــر التأكيــد علــى الــدور
المــزدوج الــذي تمارســه مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي عالقتهــا بالحــركات االجتماعيــة؛ فهــي
تقــدم للنشــطاء خدمــة شــبه مجانيــة ،وعاليــة الكفــاءة فــي حــال إجــادة توظيفهــا ،بمــا يضمــن لهــم
لفــت نظــر الجمهــور لقضيتهــم ،وإمكانيــة الحشــد والتعبئــة علــى نطــاق واســع ،وبمــا يســاعدهم
علــى تجــاوز الحــدود التقليديــة للرقابــة علــى وســائل اإلعــالم التقليديــة .وفــي المقابــل ،تعــوق
الســمات الممي ـزة لمواقــع التواصــل االجتماعــي (التغيــر والحركــة المســتمرة ،الحــذف واإلضافــة،
التدفــق الالنهائــي للمعلومات...الــخ) مــن إمكانيــة اعتمادهــا كمصــدر دائــم ،وموثــوق فيــه لضمــان
اســتدامة الفعــل االحتجاجــي الجمعــي مــا لــم تتكامــل مــع الفعــل الجمعــي علــى األرض ،ومــا لــم
538
تنظيمــا فــي الواقــع.
ً تتجــاوز حــدود ترابطهــا (االفت ارضــي) إلــى أشــكال أخــرى اكثــر
•فضـ ًـال عــن ذلــك ،تســاهم هــذه الد ارســة فــي األدبيــات األوســع حــول الحــركات االجتماعيــة مــن
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
خــالل تســليط مزيــد مــن الضــوء علــى فهــم دور مواقــع التواصــل االجتماعــي فــي تحــول األشــكال
الجديــدة مــن الحــركات وتوســعها بشــكل مختلــف عــن الحــركات االجتماعيــة التقليديــة ،مــا يعنــي
اهتمامــا
ً أيضــا ،ويتطلــب
أن تحولهــا نحــو إضفــاء الطابــع الرســمي (التقليــدي) لالحتجــاج مختلــف ً
خاصــا بــدور هــذه المنصــات فــي تمكيــن عمليــة إضفــاء الطابــع الرســمي و/أو تقييدهــا. ً
عمليــا للنشــطاء فــي مجــال الحــركات
ً ـا
ـ فهم
ً ا،
ـرً ـ ي أخ ـة،
ـ سرا الد ـذه
ـ ه ـدم
ـ ق ت ـبق،
ـ س ـا
ـ م ـى
ـ ل ع ـالوة
ـ ع •
االجتماعيــة التــي تعتمــد علــى منصــات مواقــع التواصــل االجتماعــي؛ حيــث تشــير الد ارســات فــي
قميــا يتطلــب مهــارة خاصــة فــي اإلدارة تضمــن هــذا المجــال إلــى أن تنظيــم الفعــل االحتجاجــي ر ً
الحفــاظ علــى زخــم الحركــة فــي اتجــاه واحــد كأســاس للفعــل ،وهــي تحافــظ فــي الوقــت نفســه علــى
المســاحة المفتوحــة للتعبيـرات الفرديــة .أمــا علــى مســتوى األهميــة المتوقعــة ألصحــاب المصلحــة
اآلخريــن فــي هــذا الشــأن -كمــا هــو الحــال مــع صانعــي السياســات والشــركات ،المؤسســات
الحكوميــة أو حتــى الخدميــة منهــا ،والتــي تؤثــر وتتأثــر بنشــاط الح ـراك االحتجاجــي الجمعــي
وتطــور أســاليبه ،دوافعــه ،ومخرجاتــه -فــأن أهميــة الد ارســة الحاليــة تنبــع مــن تأكيدهــا علــى
الحاجــة إلــى التفريــق بيــن حشــد وهيكلــة الحــركات االجتماعيــة المبنيــة علــى الفعــل الجمعــي
الرقمــي ،لمــا يمكنهــم مــن د ارســة التأثيــر المتبــادل بيــن الحركــة وبيئتهــا ،بمــا يســاعدهم فــي تعديــل
ـادا علــى مرحلــة النمــو التــي وصلــت إليهــا. اســتراتيجياتهم للتعامــل مــع الحركــة اعتمـ ً
-أهداف الدراسة:
خالًفــا للعديــد مــن التوجهــات البحثيــة الســابقة ،تلــك التــي ربطــت بيــن الفعــل الجمعــي لألف ـراد
فــي صــورة حركــة اجتماعيــة مــن جهــة ،وبيــن تدفــق المعلومــات عبــر مرحلتيــن مــن قــادة ال ـرأي
المؤثريــن إلــى الفاعليــن علــى األرض مــن المعنييــن بالقضيــة ،أو موضــوع الحركــة االجتماعيــة
ـر
طــا جديـ ًـد ومغايـ ًا
المثــارة ،فرضــت الرقمنــة ،والطبيعــة الشــبكية لمواقــع التواصــل االجتماعــي ،نم ً
مــن آليــات تدفــق المعلومــات لتصبــح فــي تجاهــات عــدة ،عبــر العديــد مــن الجهــات الفاعلــة
والممثليــن المتعدديــن كذلــك ،بــل وعبــر تقنيــات متنوعــة تمنــح م ازيــا مثلمــا تفــرض مشــكالت علــى
طبيعــة الفعــل الجمعــي االحتجاجــي.
مــن ثـ َـم كان مــن األهميــة بمــكان التعــرف علــى ماهيــة الفعــل الجمعــي الرقمــي عندمــا يتعلــق
بالمجتمــع األكاديمــي وقضايــاه المتشــعبة ،واختبــار مــا منحــه التحــول نحــو منصــات تجمــع األفـراد
فــي مظاهـرة افتراضيــة ،مــن فــرص غيــر مســبوقة لمفهــوم» جمعيــة الفعــل» ،ومــا تقلصــه كذلــك
مــن فعاليــات الوجــود علــى األرض بالفكـرة وممثليهــا.
539وتستهدف الدراسة الحالية ،على وجه التحديد ،مجموعة من األهداف منها:
•تســليط الضــوء علــى الفعــل الجمعــي الرقمــي كنــوع مــن «االتحــاد» و»التضامــن» االفت ارضــي
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
نتاجــا للمشــاعر الســلبية التــي قــد تنتــاب األكاديمييــن (مشــاعر الغضــب) ،خصائصــه وأدواره فــي ً
الحــركات االجتماعيــة التــي تتخــذ مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي ُمنطلًقــا لهــا .ويأتــي تركيــز
الد ارســة علــى المشــاعر تحديـ ًـدا سـواء الســلبية منهــا ممثلــة فــي الغضــب ،أو اإليجابيــة منهــا ممثلــة
فــي التضامــن أو االتحــاد مــن واقــع التجاهــل البحثــي لمثــل هــذه الدوافــع الشــعورية فــي أدبيــات
الحــركات االجتماعيــة ،وذلــك علــى الرغــم مــن حضورهــا القــوي فــي كل مرحلــة ،وفــي كل جانــب
مــن جوانــب االحتجــاج.
•تســتهدف الد ارســة كذلــك التعــرف علــى الكيفيــة التــي يتــم بهــا إنتــاج أشــكال جديــدة مــن
الوحــدة والتضامــن عبــر التشــكيالت والتكوينــات الهجينــة لألف ـراد المختلفيــن عبــر النشــاط علــى
مواقــع وســائل التواصــل االجتماعــي ،عبــر اختبــار م ارحــل تشـ ُّـكل الســلطة ،ومظاهــر التفاعــالت،
والخلفيــات المتشــابهة/المختلفة ،وردود الفعــل المواتيــة والمعاديــة ،والنتائــج المرجــوة والفعليــة
للفاعلييــن األساســيين ،وممثلــي حركــة «علمــاء مصــر غاضبــون» ،وذلــك عبــر منصتــي فيســبوك
وتوتيــر بالتحديــد ،فضـ ًـال عــن العــرض الكمــي الكلــي لوضــع الحركــة عبــر منصــات اإلنترنــت
المختلفــة.
•يقــوم نشــاط الحــركات االجتماعيــة عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي علــى أف ـراد موزعيــن
ـادر مــا يتشــاركوا ،إن حــدث ،فــي عالــم واقعــي يجمــع هويتهــم ،ومــن ثـ َـم تســتهدف افيــا ونـ ًا
جغر ً
الد ارســة هنــا أن تتوقــف عنــد مفهــوم «البنــاء الرمــزي» لـ ــ»نحــن» المتحــدة التــي عــرض لهــا
هبرمــاس( ،(71ومــا يمكــن أن يعنيــه تطويــر مشــاعر»المصير المشــترك» ،ومعاييــر «الرعايــة
وااللت ـزام» طويــل المــدى تجــاه األف ـراد بعضهــم البعــض ،والتراوحــات فــي هــذا االلت ـزام ،وأبــرز
أســبابها ،وهــي محــددات الح ـراك االجتماعــي االحتجاجــي التــي تتحداهــا البيئــة الرقميــة لمواقــع
التواصــل االجتماعــي.
،of themesومــن ثَــم تتبــع مواقف/تعليقــات المشــاركين ،عبــر ثــالث م ارحــل متتاليــة .اعتمــدت
المرحلة األولى على أســلوب المالحظة المباشـرة /الطبيعية(Natural Observation )NO
لجمــع المنشــورات (العامــة) والتعليقــات المتصلــة بهــا ،بينمــا تــم تحليــل هــذه التعليقــات تحليـ ًـال
كيفيــا فــي مرحلــة الحقــة ،بينمــا تمثلــت المرحلــة الثانيــة فــي توظيــف أســلوب «التفكيك/التحليــل ً
الموضوعــي» ،Thematic Decompositionلســتنر ( (72( Stenner’s )1993لمجموعــة
متنوعــة مــن الم ـواد التــي نشــرت عبــر شــبكة اإلنترنــت بوجــه عــام ،مــا بيــن مواقــع إلكترونيــة،
مدونــات شــخصية ،مقــاالت رأي عبــر مواقــع شــخصية...الخ ،شـريطة أن يكــون قــد أُعيــد نشــرها
مـرة أخــرى علــى فيســبوك ،وتحديـ ًـدا فــي مجموعــات «سـرية» أو «خاصــة» تمكنــت الباحثــة مــن
ويعنــى أســلوب التفكيــك الموضوعــي للمضمــون االنضمــام إليهــا بحكــم طبيعــة عملهــا األكاديمــيُ .
بمبــادئ تحليــل الخطــاب لفهــم كيفيــة مســاهمة المواقــف الموضوعيــة لألف ـراد فــي بنــاء الظواهــر
االجتماعيــة ،ومــن ثــم يعتمــد علــى تقديــم ق ـراءة دقيقــة لنصــوص مختــارة فــي محاولــة لتصنيفهــا
إلــى فئــات موضوعيــة ،أو قصــص ذات ســياقات مترابطــة .ويســتعرض الجــدول التالــي مجموعــة
المواقــع محــل التحليــل ،والتــي ُجمعــت وصنفــت مــن مجموعــات الفيســبوك الخاصــة و /أو السـرية
محــل التحليــل ،وهــي صفحــات (علمــاء مصــر غاضبــون بجــد ،أســاتذة الجامعــات المصريــة مــن
المعيــد إلــى األســتاذ ،أســاتذة الجامعــات المصريــة مــن المعيــد لألســتاذ فقــط) ،كمــا تــم احتســاب
طبيعــة التفاعــالت التــي جــرت علــى المنشــورات محــل التحليــل( (73بهــدف إب ـراز دواعــي اختيــار
هــذه المنشــورات ِبنــاء علــى حجــم التفاعــالت التــي حظيــت بهــا( ،(74كالتالــي:
Media/News Company
)bbcnewsarabic,Almokef.
(almasry
ـر ســعت المرحلــة الثالثــة فــي هــذا التحليــل إلــى دمــج بيانــات الخطوتيــن الســابقتينوأخيـ ًا
،Triangulating the dataبهــدف الوقــوف علــى الفئــات الموضوعيــة المشــتركة ،والمختلفــة
فيمــا بينهــا ،بمــا يســاعد فــي رســم الصــورة الكليــة لتفاعــالت الحركــة عبــر فيســبوك.
أمــا بالنســبة إلجـراءات وعينــة توتيــر :اعتمــدت الد ارســة علــى تحليــل المنشــورات التــي احتــوت
علــى عبــارة «علمــاء مصــر غاضبــون ،أو تلــك التــي وظفــت الهاشــتاج الــذي يتضمــن الكلمــات
نفســها ،وذلــك فــي الفتـرة مــن 26أغســطس ، 2019وحتــى 19ســبتمبر مــن العــام نفســه (وهــو
542 التاريــخ الــذي أُعلــن فيــه عــن اإلفـراج عــن الدكتــور طــارق الشــيخ مؤســس الحركــة فــي بــادرة إلنهــاء
الملــف ،علــى مســتوى وجــوده وفعالياتــه الرقميــة علــى األقــل) .ويرجــع اقتصــار التحليــل علــى
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ـر لحــدود البحــث التــي اعتمدتهــا الد ارســة عنــد اختيــار تغريــدات توتيــر الفتـرة الســابقة تحديـ ًـدا نظـ ًا
محــل التحليــل بمــا يضمــن االعتمــاد علــى التغريــدات التــي حظيــت بتفاعــل كبيــر ،وبمــا جعلهــا
كمــا واسـ ًـعا مــن الــردود ،Repliesأو اإلعجابــات ،Likesاو إعــادة التغريــد Retweets؛ تثيــر ً
حيــث جمعــت الد ارســة التغريــدات التــي جمعــت تعليقــات ال تقــل ( )20تعليــق كحــد أدنــى،
وحظيــت علــى ( )50إعجــاب كحــد أدنــى كذلــك ،فضـ ًـال عــن ( )50إعــادة تغريــد.
ولتصــور كيفيــة تحويــل خــط ســير التغريــدات محــل التحليــل والــردود ،ثــم إعــادة التغريــد التــي
ترتبــط بهــا بشــكل تفاعلــي ،صممــت الد ارســة المخطــط البيانــي (الشــكل رقــم ،)2والــذي يشــير إلــى
ـادا علــىآليــة ترتيــب وتسلســل المشــاركات ونــوع التفاعــالت التــي تتــم فــي كل واحــدة منهــا اعتمـ ً
نــوع القضيــة التــي تثيرهــا أو تعلــق عليهــا وطبيعــة الــرد أو التعليــق.
اعــا مختلفــة مــن التفاعــالت التــي يمكــن وردت ويمثــل التصنيــف الموضــح فــي هــذا الشــكل أنو ً
علــى التغريــدات محــل التحليــل مثــل تقديــم المعلومــات ،واإلتفــاق ،واالنتقاد..الــخ .ويشــير هــذا
أيضــا إلــى الفــروق الدقيقــة بيــن التفاعــالت المختلفــة كأن يكــون اتفــاق صريــح أو التصنيــف ً
طا/غيــر مرتبــط بموضــوع المنشــور .وقــد ســاعد تصنيــف ضمنــي ،أو أن يكــون الطلــب مرتب ً
البيانــات بالشــكل الســابق كذلــك فــي الكشــف عــن نقــاط االهتمام/االرتــكاز المشــتركة بيــن البيانــات
الكبي ـرة لموضــوع الحركــة محــل البحــث ،فــي مقابــل تلــك التــي تشــير إلــى موضــوع غيــر ذي
صلــة بالتغريــدة ،أو تمتــدح المنشــور األصلــي دون اإلشــارة إلــى الحملــة نفســها...وهكذا ،كمــا
تاليــا .وقــد بلــغ عــدد هــذه التغريــدات ( )11تغريــدة رئيســية( ،(75ثــم تــم اســتخدام هــذه هــو موضــح ً
التغريــدات «االفتتاحيــة» لجمــع سالســل المحادثــات التــي بدأوهــا ،ومــن ثَّــم بلــغ إجمالــي مــا تــم
تحليلــه مــن ردود عليهــا ( )1460تغريــدة فرعيــة أو رد(.(76
543
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
544
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ويكشــف مســار المنشــورات ،عبر هذه النوعية من المجموعات ،إلى ما يمكن أن ُيطلق عليه
منصــات الـ ـ ــ»مطالبــات الحقوقيــة» للمشــتغلين بمهنــة التدريــس الجامعــي ،اتســاًقا مــع البروتوكــول
التعريفــي لغالبيــة هــذه المجموعــات ،بوصفهــا «جروبــات مهنيــة» فقــط ،وأن عضويتهــا تقتصــر
علــى «أعضــاء هيئــة التدريــس بالجامعــات (المصريــة) ،ومعاونيهــم ،وأعضــاء م اركــز البحــوث»،
مــع الســماح بإمكانيــة «إضافــة صحفيــي التعليــم لنقــل القضايــا التــي تتبناهــا هــذه المجموعــات
عبــر وســائل اإلعــالم األخــرى».
وبعــد مراجعــة المنشــورات التــي ســبقت انطــالق هاشــتاج علمــاء مصــر غاضبــون فــي أغســطس
،2019ومــا أثارتــه هــذه المنشــورات مــن موجــة تعليقــات ،أمكــن إدراجهــا فــى فئتيــن عريضتيــن
همــا« :المطالبــة بالحقــوق الماليــة ،وتحســين الظــروف المعيشــية» أوًال ،ثم»مراقبــة التش ـريعات
المنظمــة للعمــل الجامعــي مــن ناحيــة ثانيــة .وتشــتمل الفئــة األولــى علــى كل مــا لــه القانونيــة» ُ
صلــة بشــكوى أعضــاء هيئــة التدريــس مــن عــدم مالئمــة رواتــب العامليــن ومعاشــات المتقاعديــن
منهــم ،وكذلــك عــدم االهتمــام باألوضــاع الماليــة التــى يكابدونهــا ،سـواء مــا تعلــق منهــا باألعبــاء
المعشــية ،أو تلــك التــي تخــص نفقــات البحــث العلمــي والنفقــات الصحيــة التــى يتحملونهــا ،مــع
اإلشــادة بــكل جهــد يبــذل فــى ســبيل تغييــر هــذا الوضــع أو محاولــة تحســينه .بينمــا تتعلــق الفئــة
األخــرى بكافــة النقاشــات التــى كان موضوعهــا تش ـريعات قانونيــة أو الئحيــة تختــص بآليــات
فص ـالً
عرضــا ُم ّ
تنظيــم عمــل أعضــاء هيئــة التدريــس علــى اختــالف رتبهــم العلميــة .وفيمــا يلــي ً
لــكل فئــة مــن فئتــي العــرض ،تتضمــن أبــرز النقاشــات الدائـرة فــي محورهــا ،ومــا يمكــن اســتقرائه
المطالــب باإلصــالح إلــى حركــة احتجاجيــة منهــا ،بمــا يتيــح فهــم الكيفيــة التــي تطــور بهــا النشــاط ُ
545
ســعت إلــى إحــداث نــوع مــن التنظيــم الذاتــي ،والنقابــي لشــئونهم المهنيــة.
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
غيــر أن التعليقــات العديــدة أظهــرت مــا يعتــري هــذا التقديــر للــذات مــن شــعور ملحــوظ بالمـ اررة،
أحيانــا بطريقــة ســاخرة،
ً والعجــز الفتقــاد التقديــر المــادي المناســب ،وهــو مــا تــم التعبيــر عنــه
أحيانــا أخــرى بصــورة تقريريــة.
و ً
546
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
الم ِّ
عبـرة عــن تــأزم وضــع «الحقــوق الماليــة» مــن جانــب أعضــاء المجموعــات، تكـ َّـررت المواقــف ُ
ـور دارت حولــه معظــم النقاشــات ،واســتوعب حديــث الحقــوق نقاشــات عديــدة ،لــم ومثلــت محـ ًا
يكــن أطرافهــا مــن حديثــي التعييــن فــى ســلك العمــل الجامعــي فقــط ،وإنمــا شــارك فيهــا أســاتذة
كبــار الســن كمــا يظهــر مــن تعريفهــم ألنفســهم عبــر حســاباتهم الشــخصية ،كمــا تباينــت أعمــار،
وتخصصــات المشــاركين ،ونوعهــم االجتماعــي .وقــد اســتحوذ حديــث الحقــوق الماليــة علــى
نقاشــات مطولــة مــن األعضــاء ،واتجهــت أغلــب هــذه النقاشــات إلــى التأكيــد علــى صعوبــة
الوضــع المالــي لعضــو هيئــة التدريــس الــذي هــو رب أس ـرة ،ومطالــب بنفقــات معيشــية الئقــة
مجتمعيــا؛
ً بمكانتــه ،بخــالف نفقــات عملــه البحثــي ،وبالتالــي يجــد نفســه فــي موقــف شــديد الحــرج
إضافيــا ،وعليــه أن يحافــظ علــى وجاهتــه
ً إذ ليــس بوســعه ممارســة عمــل آخــر يتكســب منــه دخـالً
عبــر عنهــا بوضــوح االجتماعيــة علــى األقــل أمــام طالبــه وبيــن زمالئــه ،وهــي «المعانــاة» التــي َّ
الكثيــر مــن المنشــورات ذات الصلــة(.(77
غيــر أن هــذه النوعيــة مــن المنشــورات الكاشــفة لــم تخــرج عــن إطــار البــوح الذاتــي بيــن أف ـراد
المجموعــات ،والــذي لــم يعـ ُـد كونــه شــكالً مــن أشــكال التشــخيص للحــال غيــر المتبــوع بفعــل،
أو حتــى مقتــرح فعــل للتغييــر ،وليــس أدل علــى هــذا مــن أن دوران معظــم التعليقــات فــي فلــك
التأييــد والتدعيــم بأمثلــة داعمــة ممزوجــة بدفعــات غضــب مــا تلبــث أن تهــدأ بعــد أن يوجــه أحدهــم
للغاضبيــن س ـؤال عمــا فــي الوســع فعلــه .وهكــذا ينتهــي النقــاش إلــى مــا تنتهــى إليــه غالبيــة
النقاشــات المماثلــة بدع ـوات «صــالح الحــال».
لــم يخــل النقــاش عبــر الصفحــات ذات الصلــة مــن عــرض لحــاالت شــخصية تجســد معانــاة
األســتاذ الجامعــي ،كــذا لــم تغــب المقارنــة مــع العامليــن فــى وظائــف أخــرى عــن نقاشــات األعضــاء
أحيانــا ،أو التهكــم عليــه فــي أحيــان
ً المجموعــة ،بــل بقيــت حاض ـرة وباعثــة علــى رثــاء الحــال
أخــرى(.(78
ار عــن ضيقهــم مــن اإلضطـرار لتحمــل نفقــات عبــر أعضــاء المجموعــة مـرًا وفــي منحــى ُمكمــلَّ ،
النشــر س ـواء المحلــي أو الدولــي وســدادها مــن دخولهــم الخاصــة بســبب افتقــاد التمويــل الكافــي
مــن المؤسســات الجامعيــة التــي ينتمــون لهــا(.(79
أحــد أوجــه الحقــوق التــي رأى المشــاركون فــي التفاعــالت أنهــا مهضومــة كانــت مكافــآت
اإلشـراف علــى الرســائل العلميــة ،وكان أحــد أوجــه انتقــادات هــذه المكافــات هــو ضألتهــا مقارنــة
بالجهــد الــذي تصــرف مــن أجلــه ،باإلضافــة إلــى ارتفــاع المصروفــات الد ارســية التــي يســددها
طالــب الد ارســات العليــا دون أن توازيهــا زيــادة فــي المكافــاة المقــررة لعضــو هيئــة التدريــس فــي
547اإلشراف أو المناقشة( .(80أثارت االستفهامات االستنكارية التي حوتها المنشورات السابقة حول
المقابــل المــادي لجهــد اإلشـراف العلمــي فــي مرحلــة الد ارســات العليــا ،أثــارت مبــاراة ســاخنة مــن
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
التعليقــات ،لكنهــا تعليقــات لــم تحمــل إجابــات بقــدر مــا تمــادت فــي رثــاء الواقــع واألســف لتدهــور
الحالــة ومعهــا المكانــة .ومــن ثَّــم يمكننــا إجمــال الحقــوق الماليــة التــي طالــب بهــا األكاديميــون
فــى )1 :الحــق فــي دخــل كريــم )2الحــق فــي بــدالت مناســبة )3الحــق فــي تمويــل مالئــم لتغطيــة
نفقــات اإلنتــاج العلمــي.
ما العمل؟
شــغل س ـؤال «مــا العمــل؟!» أعضــاء المجموعــات؛ فالتفكيــر فــي حلــول للمعانــاة الماديــة
ألغلبهــم ،وترقــب إطــار قانونــي أكثــر تمثيـالً الحتياجاتهــم ،وجــه الكثيــر مــن نقاشــاتهم وتعليقاتهــم،
وعبــر بعضهــم عــن هــذا الشــاغل فــي الكثيــر مــن الصــور االســتفهامية االســتنكارية. َّ
548
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
عولــت بعــض النقاشــات علــى ضــرورة التدخــل الحكومــي ،وقيــام البرلمــان بإجـراء تعديــالت وقــد َّ
تشـريعية تكفــل حيــاة كريمــة ألعضــاء هيئــة التدريــس ،بينمــا مالــت مقترحــات أخــرى لتأييــد الحــل
الفــردي ،واتخــاذ كل عضــو «التدابيــر» التــي تضمــن لــه دخـ ًـال مناسـ ًـبا بــال تعويــل علــى قـ اررات
رســمية.
وهكــذا لــم تخــرج التجمعــات اإللكترونيــة المتعــددة ألعضــاء هيئــة التدريــس عــن كونهــا «مجــرد
كالم بنواســى بيــه بعــض» علــى حــد تعبيــر أحــد المشــاركين؛ حيــث غــاب «التنظيــم الذاتــي
الفاعــل للجمــوع» ،واتســعت هــوة الثقــة بينهــم وبيــن بعضهــم البعــض مــن جهــة ،وبينهــم وبيــن
المســئولين الحكومييــن مــن جهــة ثانيــة ،مــا دعــا أحــد األعضــاء إلــى الجهــر بعــدم إيجابيــة
أعضــاء هيئــة التدريــس الجامعــي بالقــول بصيغــة االســتنكار «ايــوة ولمــا بنقــول للناس اعمل ـوا
حاجة علــى أرض الواقــع ولــو مجــرد اجتمــاع بــس بيعملـوا ايــه؟ لمــا بنقــول للنــاس شــاركوا فــي
تصويــت حتــى علــى الفيــس مــش مطلــوب غيــر ضغطــة زر عشــان اللــي فــوق يحسـوا حتــى
إن لســة فيــه روح النــاس بتعمــل ايــه؟» ،وربمــا مــن هنــا جــاءت «ضغطــة الــزر..
أعضائهــا بيــن 8000و 20000عضــو ،غالبيتهــم ممــن يعلــن انتمــاءه ص ارحــة لهيئــة التدريــس
فــي جامعــة حكوميــة مصريــة معينــة ،وذلــك فضـ ًـال عــن كتابــة التغريــدات عبــر موقــع توتيــر،
وتفعيــل الهاشــتاجات ذات الصلــة بالحركــة مــن خاللــه .وكــذا اتبعــت الحركــة طريقــة التدويــن عبــر
بعــض المدونــات الخاصــة ،باإلضافــة إلــى كتابــة المقــاالت فــي العديــد مــن المواقــع اإللكترونيــة،
هــذا علــى مســتوى اختــالف الوســيلة و /أو الشــكل .أمــا علــى مســتوى الموضــوع ،فقــد تمحــورت
منشــورات الحركــة حــول مطالبــة أعضــاء هيئــات التدريــس بالجامعــات المختلفــة بإعــادة النظــر فــي
رواتبهــم وأوضاعهــم الوظيفيــة ،وبهــذا يكــون االختــالف الثانــي فــي الح ـراك الحالــي هــو الغيــاب
ـور للح ـراك الجامعــي ســابًقا ،لتركــز الحركــة ـام لشــعار «اســتقالل الجامعــات» الــذي كان محـ ًا التـ ّ
علــى ت ارجــع الرواتــب والحوافــز والعــالوات والزيــادات والمعاشــات ،وعــدم تناســبها مــع متطلبــات
الحيــاة .وهكــذا ُيالحــظ صعــود خطــاب الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة (المطالــب الماديــة) فــي
مقابــل خطــاب الحريــات األكاديميــة.
ومــن ناحيــة أخــرى ،كان اختيــار مســمى «علمــاء مصــر» كنقطــة انطــالق للحركــة ،مدخـ ًـال
جديـ ًـدا للربــط بيــن قضيــة دخــول أعضــاء هيئــة التدريــس ،والهيئــة المعاونــة ،وقضيتيــن أخرييــن،
ومخرجــات منتســبيها. وهمــا قضيتــي اإلنفــاق علــى البحــث العلمــي ،والجــدوى المجتمعيــة للجامعــة ُ
وانطالًقــا مــن ذلــك ،فــإن تأطيــر القضيــة كغضــب «علمــاء» ربمــا أتــى كصــدى لخطــاب رســمي
ســائد لــدى صنــاع القـرار بالتوجــه نحــو دعــم العلــم والعلمــاء ،وهــو مــا أوحــى بإمكانيــة التالقــي مــع
السياســات العامــة للحكومــة ،وفتــح المجــال إلحتماليــة أن تتبنــى الحكومــة فئــة أســاتذة الجامعــة
بصفتهــم «علمــاء» ،أو علــى األقــل تبنــي مطالبهــم كقضيــة عامــة تســتحق النقــاش مثلمــا تتبنــى
قضايــا فئــات أخــرى (ذوي االحتياجــات الخاصــة – الصحــة العامــة – حقــوق المرأة....الــخ).
وبالفعــل تــرددت أنبــاء عــن تقــدم لجنــة التعليــم بمجلــس النـواب وقتهــا بطلــب إحاطــة لوزيــر التعليــم
العالــي وشــؤون البحــث العلمــي للنظــر فــي مطالــب أعضــاء هيئــة التدريــس.
بالمثــل ،ســلطت االســتراتيجية الخطابيــة لقضيــة الجــدوى االجتماعيــة للتعليــم العالــي ،الضــوء
علــى جــدوى الجامعــة كمــكان للبحــث وأســاس للتقــدم االقتصــادي ،والــذي يقتصــر ،فــي الغالــب،
علــى العلــوم الطبيعيــة فــي مقابــل العلــوم االجتماعيــة واإلنســانية ،األمــر الــذي انعكــس علــى
بعــض المنشــورات التــي ارتبطــت بفكـرة أن البحــث والنشــر العلمــي فــي دوريــات عالميــة ومحليــة
هــو مــن الشــروط األساســية للترقــي فــي الســلم األكاديمــي ،ومــن ثـ ًّـم أ َّ
ُطــر البحــث العلمــي باعتبــاره
مهمــة اجتماعيــة ،وضــرورة وظيفيــة تميــز أعضــاء هيئــة التدريــس عــن غيرهــم مــن الموظفيــن
فــي الجهــاز اإلداري للدولــة .وقــد أســس هــذا التوجــه ألحــد مبــررات الدعــوة لرفــض قانــون الخدمــة
550
المدنيــة الجديــد.
ولعــل التأكيــد علــى الجــدوى االجتماعيــة للبحــث العلمــي كأســاس لتحســين أوضــاع أســاتذة
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
الجامعــة يعــود لجــدل تاريخــي قديــم ت ازمــن مــع إنشــاء الجامعــة المصريــة األهليــة فــي مطلــع
القــرن العشـرين وصاحــب تحوالتهــا المختلفــة فــي مقابــل رأي يشــير بــأن جــدوى العلــم هــي العلــم
( )knowledge for knowledge sakeنفسه ،في مقابل رأي آخر يشير إلى أهمية العلم
بهــدف اإلنتــاج وبنــاء المجتمعــات.
وبالعــودة إلــى العديــد مــن األدبيــات المتعلقــة بالحــركات االجتماعيــةَّ ،
تك َشــف للد ارســة الحاليــة
أن األبعــاد الثالثــة البــارزة «للحـراك الجمعــي» ،و «التضامــن» و «االتحــاد» التــي أكــدت عليهــا
هــذه األدبيــات تبــدو مفيــدة بالفعــل عنــد تحليــل ممارســات الحــركات االجتماعيــة الرقميــة ،وأســاليب
تعبيرنــا عــن «المشــاعر/العواطف» .وهكــذا عمــدت نتائــج الد ارســة علــى تصنيــف الممارســات
االحتجاجيــة لحركــة علمــاء مصــر غاضبــون فــي ثــالث ممارســات رئيســية تمثلــت فــي:
الســلوكيات االحتفائيــة بموضــوع الحركــة ومنطلقاتهــا ( Ceremonial Behaviorsتغييــر
صــورة البروفايــل الشــخصي لشــعار الحملــة ،مشــاركة الهاشــتاج علــى منصــات مواقــع التواصــل
االجتماعــي المختلفة...الــخ)
الدعم/الصحبة غير الرسمية Informal Fellowship
تشكل الهوية الجمعية داخل وخارج المجموعة In-group out-group relations ُ
وبنــاء علــى هــذه األبعــاد الثالثــة ،تــم تصنيــف طــرق وأســاليب التعبيــر المختلفــة عــن المشــاعر
المرتبطــة بهــا إلــى ثالثــة مظاهــر رئيســية كانــت كالتالــي:
التصــرف الفــردي واتخــاذ إجـراء نيابــة عــن المجموعــة (تقديــم مطالــب أعضــاء هيئــة التدريــس
للســيد الدكتــور وزيــر التعليــم العالــي مثـ ًـال ،رفــع المطالــب للســيد رئيــس الجمهورية....الــخ)
تحديــد المعاييــر القياســية لســلوك التضامــن (ضــرورة مشــاركة الهاشــتاج الخــاص بالحركــة،
توقيــع االســم والرتبــة األكاديميــة بوضوح...الــخ)
االستعداد المدفوع بمشاعر التضامن والغضب نحو مساعدة اآلخرين في المجموعة
وقــد ســعت الد ارســة إلــى ترتيــب فئــات التحليــل الموضوعيــة فــي هــذه الممارســات مــن خــالل
الجمــع بيــن الرمــوز المتشــابهة بيــن المنشــورات محــل التحليــل ،بهــدف اســتخالص تأثيــر المحتــوى
ـار للمشــاركين ،بمــا يعــزز فكـرة «جمعيــة الســلوك االحتجاجــي ،كالتالــي:
ار وانتشـ ًا
األكثــر تكـرًا
551
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
وتســتعرض الســطور التاليــة تفصيـ ًـال مظاهــر الفعــل االحتجاجــي الجمعــي لحركــة «علمــاء
مصــر غاضبــون» ،وأشــكال التضامــن التــي أفرزتهــا الطبيعــة الخاصــة للتواصــل ،وممارســة
552 الحركــة ألنشــطتها عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي مــن جهــة ،وعلــى مســتوى مواقــع اإلنترنــت
األخــرى التــي رصدتهــا الد ارســة ،كمــا ســبقت اإلشــارة ،علــى الجانــب اآلخــر .وذلــك بتفصيــل
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
العناصــر الثالثــة التــي تــم إجمالهــا ســابًقا بشــأن تصنيــف الممارســات االحتجاجيــة لحركــة علمــاء
مصــر غاضبــون ،وهــي الســلوكيات االحتفائيــة بموضــوع الحركــة ،Ceremonial Behaviors
والدعم/الصحبــة غيــر الرســمية ،Informal Fellowshipوتشـ ُـكل الهويــة الجمعيــة داخــل
وخــارج المجموعــة In-group out-group relations
ـيدا للمرحلــة الثالثــة مــن التحليــل The triangulation pro- مثلــت هــذه العناصــر تجسـ ً َّ
cess؛ حيــث تقــف عنــد نقــاط التالقــي واالختــالف بيــن عناصــر التحليــل فــي مواقــع التواصــل
االجتماعــي ،فــي مقابــل المواقــع األخــرى.
أصابتــه بكتيريــا قاتلــة ليتــرك لعائلتــه راتبــا تقاعديــا قــدره 900جنيــه .خُلــف المنشــور عاصفــة مــن
التعليقــات والحكايــا المماثلــة الكاشــفة للكثيــر مــن األوضــاع المترديــة التــي يعيشــها العاملــون فــي
مجال البحث العلمي في مصر ،من طالب د ارســات عليا وأســاتذة جامعات .وندد المشــاركون
فــي الحركــة وقتهــا بالحالــة المتدنيــة التــي وصــل لهــا عضــو هيئــة التدريــس بالجامعــات المصريــة؛
حيــث يلجــأ معظمهــم إلــى عمــل إضافــي حتــى يســتطيعون ســد احتياجاتهــم ،بينمــا يمتنــع آخــرون
ألســباب عديــدة منهــا طبيعــة المهنــة التــي تســتلزم نظ ـرة الئقــة ألعضــاء هيئــة التدريــس ،ومنهــم
مــن آثــر العفــة وعـزة النفــس (طبًقــا لمــا ُنشــر وقتهــا).
553
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
تباعــا ،توالــى نشــر الروايــات الشــخصية للمئــات مــن أعضــاء هيئــة التدريــس فــي جامعــات ً
إحساســا
ً ـتوى
مصــر المختلفــة ،وعلــى مسـ كل التخصصــات ،إمــا فــي صــور وروايــات جــادة تحمــل
غيــر خفــي بالغبــن ،ومشــاعر الغضــب ،أو معتمــدة علــى الســخرية الباكيــة مــن كبيعــة األوضــاع:
«أنــا أســتاذ هندســة ميكانيكيــة واستشــارى فــي الهيئــة المصريــة للمواصفــات القياســية ،وعضــو
فــي إحــدى اللجــان الفنيــة -صــدق أو ال تصــدق -مكافــأة اللجنــة 89جنيــه ويتــم صرفهــا الحًقــا
بعــد أكثــر مــن 3أشــهر»
بينمــا نشــر حســاب منتصــر حســن ،صــورة قــال إنهــا لمعيــد فــي إحــدى جامعــات الصعيــد ،يعمــل
صباحــا فــي الجامعــة ،ومســاء فنــي تركيبــات لتجهيـزات الســوبر ماركــت ،معلًقــا:
َ
«يعنــي فنــي تركيــب بدرجــة معيــد زي مابيقول ـوا» ،وعلــل ذلــك بالقــول« :كل ده
طبعــا علشــان الواحــد يعــرف يعيــش بــس مــش عشــان اجيــب شــقة أو عربيــة أو
ـبيال» حتــى اتجــوز ألن الج ـواز بالنســبالي بقــى زي الحــج لمــن اســتطاع إليــه سـ ً
554
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
بينمــا نشــر أحــد أعضــاء هيئــة التدريــس جامعــة األزهــر ،صــور مــدون فيهــا بعــض الكلمــات
عنوانهــا غلطتــي أنــي اســتاذ جامعــي ،واعتــذر ألعضــاء هيئــة التدريــس وزمالئــه علــى مــا وصفــه
بقســوة التوصيــف قائـ ًـال« :مــا كتبــت بالنســبة للواقــع لطيــف ! ،مــع خالــص احت ارمــي وتقديــري لكــم
جميعــا» .وتضمنــت الصــورة التــي نشــرها:ً
«أنــا األول علــى دفعتــي اللــي تعبــت فــي مذاكرتــي وكنــت محــدد ســكتي .أنــا اللــى اتعينــت
ألعلــى تقديــر واحترمــت دوري فــي الطوابيــر وال جيــت بواســطة وال تزويــر .أنــا اللــي حفيــت
علشــان اتجــوز وعشــت مديــون وعقلــي مرهــون وحاســس إنــي مســجون .أنــا اللــي عايــش بيــن
والدي مكســور واالحســاس ليطلبــو اللــى بيطلبــوه والد بقيــت النــاس .أنــا اللــي لمــا حــد مــن
اهلــي بيتعــب بتمرمــط بيــه وماالقيــش مســاهمة مــن تأمينــي عشــان أداويــه .أنــا اللــي فــي الكتــب
والم ارجــع ليســا مفحــوت عشــان أخـ ّـرج نــاس تنقــذ البش ـرية مــن الجهــل والموت.أنــا اللــي عينــي
وســط ارســي علشــان أفضــل قــدوة قــدام طالبــي وناســي .أنــا اللــي دايمــا ادفــع الفواتيــر وأعيــش
فقيــر عشــان غيــري يحــس بالتغييــر .أمــا اللــي لمــا أكــون أكبــر أســتاذ ســاعتي هتبقــى ب ـ 16
جنيــه ولــو جالــي ســباك اشــتغل طــول الشــهر عشــان أراضيــه ..أنــا باختصــار لــو المقاييــس
عادلــة أكــون رقــم واحــد فــي المعادلــة».
وطالــب األســاتذة بجدولــة المرتبــات بالحــد الــذي يســمح بحيــاة كريمــة ألعضــاء هيئــة التدريــس
وأســرهم ،فأعبــاء الحيــاة بعــد التعويــم والتضخــم وجنــون األســعار أصبحــت مرهقــة وال تحتمــل،
عــالوة علــى أن فئــة أعضــاء هيئــة التدريــس هــي الوحيــدة التــي تنفــق مــن دخلهــا الشــخصي
للحصــول علــى الماجســتير والدكتــوراه ،وعمــل أبحــاث تطبيقيــة ونشــرها فــي المحافــل الدوليــة،
كمــا طالب ـوا بزيــادة المعاشــات ،بحيــث ال تقــل عــن 80%مــن إجمالــي ال ارتــب األخيــر الــذي
حصــل عليــه عضــو هيئــة التدريــس عنــد بلــوغ ســن المعــاش ،حيــث إن المعاشــات الحاليــة تــكاد
تكــون منعدمــة ،وتنــذر بتش ـريد أس ـرة مــن يتوفــى مــن أســاتذة الجامعــات .وكــذا توفيــر منظومــة
رعايــة صحيــة متكاملــة ألعضــاء هيئــة التدريــس وأســرهم أســوة بالعديــد مــن فئــات المجتمــع،
وزيــادة بــدل العــدوى؛ حيــث إنهــم أكثــر عرضــة للمخاطــر البيولوجيــة والعــدوى أثنــاء إج ـراء
أبحاثهــم المعمليــة والميدانيــة.
امتــدت مشــاعر الغضــب واالحتجــاج بيــن أعضــاء هيئــات التدريــس بالجامعــات المصريــة لتفتــح
مجــال االحتجــاج ممتـ ًـدا إلــى مــا يمكــن أن يطلــق عليــه «ملــف إصــالح حــال التعليــم العالــي
جملــة وتفصيـ ًـأل» ،وكأن الغطــاء قــد كشــف كل عــورات ومســاوىء الحــال ،ومــن ثـ َّـم طالبـوا بزيــادة
ميزانيــة البحــث العلمــي كمــا نــص عليهــا الدســتور ،وتجهيــز المعامــل باألجه ـزة والكيماويــات،
555وتوفيــر منــاخ مالئــم لعمــل أبحــاث تطبيقيــة دوليــة ،بجانــب دعــم النشــر الدولــي بحيــث تكــون
الجامعــات هــي المســئولة عــن تكاليــف النشــر ،وتقنيــن أوضــاع المعيديــن والمدرســين المســاعدين
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
وضمهــم لهيئــة التدريــس ،وإن بقيــت المطالــب الماديــة علــى رأس أولويــات الغالبيــة العظمــى مــن
منشــورات الحركــة.
عــزى الكثيــر المشــاركين فــي الحركــة قدرتهــم علــى االنخـراط فــي هــذا الحـراك المحفــوف بالمخاطــر
ولدها ،إلى االلتزام الذي شعروا به تجاه الحركة أحيانا ،والتعامل مع مشاعر الغضب القوية التي َّ ً
بشــكل عام ،حتى إن بعضهم كتب في تدويناته:
«أنا وغيري بنشــارك في الحملة علشــان نســد ديوننا للناس اللي ســكت صوتهم لســنوات .صحيح
المشــاركة بقــت خطــر ،بالــذات بعــد القبــض علــى الدكتــور طــارق الشــيخ مؤســس الصفحــة ،لكــن مــا
أعرفــش ليــه أنــا كنــت هــادي ،كنــت حاســس أن دي مســئوليتي».
وعلــى الرغــم مــن أن كل صــورة تــم إرســالها فــي إطــار الحركــة كانــت صــورة فريــدة مــن نوعهــا إلــى
حــد كبيــر ،بصــرف النظــر عــن االســتمالة التــي توظفهــا للتضامــن مــع نشــاط الحركــة (صــور ذات
طابــع مهنــي ،كوميــدي ،تمجيــدي ،حانــق وغاضــب علــى التغطيــة اإلعالميــة المصريــة للحركــة)،
إال أن الصــور احتــوت علــى عــدد مــن العناصــر المشــتركة التــي جعلتهــا تمثــل الحركــة فــي المجمــل
منهــا )1( :التركيــز علــى األوضــاع الســيئة التــي قــد يمــر بهــا عضــو هيئــة التدريــس مثــل العمــل
اإلضافــي ،المــرض ،الوفــاه نتيجــة العمل..الــخ؛ ( )2المقارنــة بيــن مــا تمنحــه الجامعــات فــي مصــر
لمنتســبيها مقارنــة بغيرهــا مــن الــدول المتقدمــة تحديـ ًـدا؛( )3تفعيــل مشــاعر الغضــب واالســتياء (علــى
سبيل المثال ،مشاهد من أفالم مرتبطة باألستاذ الجامعي ،استخدام اإليموجيز EMojeالغاضبة
والحزينــة ،صــور لراقصــات أو العبــي كـرة قــدم ومقارنــة دخولهــم ومــا يحظــون بــه مــن حفــاوة مقارنــة
باألســاتذة الجامعييــن؛ و( )4التركيــز علــى مكانــة العلــم والعلمــاء ومقارنــة التقديــر الــذي تحظــى بــه
هــذه المكانــة وأصحابهــا فــي مصــر مقارنــة بغيرهــا مــن الــدول .لــم تؤثــر هــذه العناصــر علــى األســتاذ
الجامعــي المصــري فــي الصــورة فحســب ،بــل أثــرت كذلــك علــى كل مــن شــاهدها.
ـر
علــى الرغــم مــن أن االحتجــاج مــورس مــن أشــخاص مختلفيــن ،وفــي ســياقات مختلفــة نظـ ًا
556
الختالف طبيعة المشكلة التي يرويها كل مشارك ،كما مورس نشاط االحتجاج الرقمي في أوقات
مختلفــة ،وعلــى الرغــم مــن أن تجربــة المشــاركة فــي الحركــة أتخــذت الطابــع الفــردي إلــى حــد كبيــر،
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
إال أن الكثيريــن قــد تمثلـوا الوضــع بطريقتهــم عبــر مشــاركة اإلحســاس بمشــاعر الغضــب لآخــر،
وتجربتــه ،بشــكل حفزهــم علــى نقــل دعمهــم وإخالصهــم للنشــطاء الــذي ألهمتهــم أفعالهــم.
ـر عــن التضامــن قميــا كان تعبيـ ًا
وهكــذا ،فــإن إعــادة مشــاركة وممارســة اإلج ـراءات االحتجاجيــة ر ً
ودعــم اآلخــر ،واألهــم مــن ذلــك ،أن إعــادة تمثيــل فعــل احتجــاج (اآلخــر) تجــاوز الشــعور العاطفــي
بالغضــب فقــط ،ليعتمــد إلــى حــد كبيــر علــى قــوة عاطفــة المتابــع وتمثلــه لحالــة اآلخــر و»الســير فــي
حذائه» كما يقال ،وهو ما يمكن ترجمته باإلشارة إلى أن مظاهر شرعنة ممارسة احتجاجية رقمية
معينــة توحــي بــأن الفاعليــن فــي الحركــة ،وأولئــك الذيــن تماهـوا مــع النشــاط وأصحابــه ،قــد اقتربـوا مــن
معايشــة تجربــة مشــتركة بقــدر اإلمــكان حتــى فــي حالــة عــدم وجــود قاســم مشــترك واضــح ،كمــكان
االحتجــاج مثـ ًـال ،أو تطابــق المشــكالت...الخ.
558
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
تطلبــت الحملــة مــع كل مــا كانــت تواجهــه شــجاعة كبيـرة ،وكان ســلوك المشــاركة ،فــي الغالــب،
ـلوكا مؤقتًــا وربمــا غيــر مرئــي إال لمــن هــم ضمــن مســافة األمــان النســبي ،ومــع هــذا منــح ســلوك
سـ ً
المشــاركة س ـواء علــى مســتوى المنشــور أو الصــور المصاحبــة ،منــح فعــل االحتجــاج بعــض
الــدوام ،وفــي المقابــل تــرك ســلوك االحتجــاج والمشــاركة الرقميــة مســاحة ملحوظــة للمشــاركين
بضــرورة التفكيــر فــي العواقــب المحتملــة لنشــاطهم.
علــى مســتوى آخــر ،اســتدعى هــذا النشــاط االحتجاجــي للحركــة ،اســتدعى «مســتودع» مــن
مشــاعر االحتجــاج والغضــب الســابقة التــي رافقــت العامليــن فــي المجــال األكاديمــي ،وهــو مــا دفــع
بــدوره إلــى تحويــل الفعــل المفــرد المرتبــط ربمــا بحالــة بعينهــا ،أو درجــة علميــة أكاديميــة بعينهــا،
أو خبـرة ســابقة مــا فــي المجــال؛ إيجابيــة كانــت أو ســلبية ،إلــى درجــة مــا مــن الوحــدة واإلجمــاع
علــى المســتويات كافــة كذلــك ،وكأن الوجــود الرقمــي للحركــة كان أشــبه بملف/مخــزن لتجميــع
ـخوصا وجغرافيــا فــي مــكان واحــد ،وهــو الصفحــة وكل مــا ارتبــط بموضوعهــا «األدلــة» المبعثـرة شـ ً
مــن مواقــع خارجيــة أو مواقــع تواصــل أخــرى مثلمــا هــو الحــال فــي الهاشــتاج الرئيســي علــى توتيــر.
559
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
فعال بشــجاعة زمالئي .أعطتني «لما دخلت على صفحة علماء مصر غاضبون ،اســتمتعت ً
الحركــة األمــل ،وقلــت لنفســي «يــا هللا! كنــت فاكــر أنــي الضحيــة الوحيــدة [لهــذه القوانيــن] ،شــوف
كــم شــخص مثلــي ،حســيت أنــي مــش لوحــدي ،وكأنــك فــي الشــارع فعـ ًـال بتتكلــم وتتناقــش مــع
زمايلــك».
يســلط هــذا االقتبــاس الضــوء علــى تضامــن أحــد األكاديميــن مــع نشــاط الحركــة ككل ،وليــس مــع
أعضائهــا المشــاركين فقــط ،كمــا ينطــوي ً
أيضــا علــى اإلحســاس بال ـواجب تجــاه أولئــك الذيــن ربمــا
نتاجــا للمشــاركة فــي الحملــة .ومــع ذلــك ،ألقــت بدايــة الحركــة ،وبناءهــا،
عرضــة للخطــر ً كان ـوا ّ
والحفــاظ علــى تكاملهــا واســتم ارريتها كمنظمــة افتراضيــة بحتــة بمســؤولية كبي ـرة علــى مؤسســيها
وأعضاءهــا.
الحملــة ممارســة التضخيــم تفعيـ ًـال إلخالصهــم للحركــة ،وهدفهــا ،ولآخريــن المشــاركين فيهــا،
وخاصــة أولئــك الذيــن نشــروا واقعــة ،أو حادثــة ،أو قضيــة تســتحث اآلخريــن علــى جــذب خيــط
التفاعــل.
لــم تكتــف التعليقــات المتعاطفــة والمــدح مثــل «ب ارفــو!»« ،اســتمروا!» «االحت ـرام!» « ،معكــم
للنهايــة!» ،و «ابق ـوا أقويــاء!» ...الــخ بالتعبيــر عــن تضامــن األف ـراد المشــاركين فــي الحركــة
حتمــا مــن ِقبــل الفئــات
أيضــا علــى إغـراق التعليقــات الســلبية التــي تــم نشــرها ً
فحســب ،بــل عملــت ً
المشــككة لنشــاط الحملــة بكــم مــن االســتهجان ،والغضــب ،واألهــم المعترضــة ،أو الرافضــة ،أو ُ
مــن ذلــك ،أن ممارســة التضخيــم انتجــت إحصــاءات جعلــت مــن حجــم ومشــاركة منشــورات
«علمــاء مصــر غاضبــون» كحركــة اجتماعيــة مرئــي بســهولة .ومــن ثـ َّـم تُظهــر أعمــال االحتجــاج
مثلــت «نقابــة جمعيــة» جمعــت علــى الرغــم مــن محدوديــة اســتم ارريتها ،وافتراضيتهــا ،أن الحركــة َّ
وراكمــت كافــة مشــاعر ومظاهــر االحتجــاج التــي يقــوم بهــا أعضائهــا فــي مــكان واحــد ،فــي محاولــة
لتفعيــل أســلوب التنظيــم الذاتــي للمهنــة عبــر اســتغالل اإلمكانــات التــي تتيحهــا مواقــع التواصــل
االجتماعــي.
مســاهمات األعضــاء علــى مســتوى انتشــار نشــاط الحركــة ،وتحمــل عــبء إدارتهــا ،والحفــاظ
عليهــا ،وتعبئــة األعضــاء المهتميــن أو المحتمليــن .ويمكــن القــول إن االفتقــار الظاهــري للزمالــة
والدعــم غيــر الرســمي بيــن أعضــاء «علمــاء مصــر غاضبــون» ربمــا أدى إلــى الحــد مــن الوصــول
إلــى مشــاعر وأفــكار النشــطاء اآلخريــن ،وهــو مــا جعــل مــن الصعــب تطويــر مشــاعر االهتمــام
ـاء علــى أي شــيء ســوى مــا اختبـره المتابعــون مــن نشــاط للحركــة فــي إحــدى والتفانــي لألفـراد بنـ ً
صورهــا المرحليــة ،وهــي مرحلــة فعــل المقاومــة واالحتجــاج.
562
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
وعلــى النقيــض ،تكونــت المجموعــة الخارجيــة مــن أشــخاص قام ـوا بإهانــة نشــطاء الحركــة،
التشــكيك فــي أهدافهــم منهــا ،تشــويه ســمعتهم ،ومضايقتهــم ،فضـ ًـال عــن أولئــك الذيــن كانـوا علــى
علم بالحركة ونشــاطها ولكنهم لم يســاهموا بأي محتوى على اإلطالق .وعلى الرغم من انتشــار
العديــد مــن المنشــورات المناهضــة لنشــاط الحركــة ،بــدا مــن الصعــب تحديــد هــذه المجموعــة غيــر
المرئيــة مــن «المتربصيــن» إن جــاز التعبيــر .وهكــذا تفتــرض الد ارســة هنــا أنــه لــم يكــن لهــم تأثيــر
عــام علــى تحديــد الهويــة داخــل المجموعــة كمــا فعــل منتقــدو الحركــة .أعضــاء الحركــة.
563
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
يمكــن القــول ،أخيـ ًـرا ،إن كل مــن ممارســة االحتجــاج ،وســلوك المشــاركة عــادة مــا تفــرز أعضــاء
وتبنيــا لنشــاط الحركــة مــن ممارســة التضخيــم ،كمــا أن أولئــك الذيــن يظهــرون أكثــر شــجاعة ً
بأســمائهم وصورهــم الشــخصية عــادة مــا ُينظــر إليهــم علــى أنهــم أشــجع مــن أولئــك الذيــن يحاولــون
إخفــاء هويتهــم.
المتخيل:
-الهوية األكاديمية والتضامن ،الحقيقي و ُ
عمومــا علــى أنهــا «إحســاس مشــترك بــ» الوحدة/نحــن» Oness or ً تُعـ َّـرف الهويــة الجمعيــة
We-nessالمتأصــل فــي ســمات وخبـرات مشــتركة حقيقيــة أو متخيلــة بيــن أولئــك الذيــن يشــكلون
مجموعــة مــا مــن المجموعــات فــي عالقتهــا ،أو تضادهــا وتناقضهــا مــع مجموعــة/ات أخــرى
حقيقيــة أو ُمتخيلــة( . (82ويعــرف ميلوتشــي ( )1995الهويــة الجمعيــة لألف ـراد باعتبارهــا نظــام
عمــل ،وعمليــة يتشــكل مــن خاللهــا ســلوك «الفعــل الواحــد» لحركــة اجتماعيــة مــا .وهــي بهــذا
المنطــق تُعــد «نتيجــة» ،وليســت نقطــة بدايــة لنشــاط الحركــة(.(83
فــي المقابــلُ ،يعـ َّـرف التضامــن بأنــه «اســتعداد عاطفــي وطبيعــي للدعــم المتبــادل ،كمــا هــو
ضمنيــا إلــى «االســتعداد
ً الحــال فــي شــعار» الواحــد للجميــع ،والجميــع للواحــد( ،(84كمــا أنــه يشــير
للعمــل»( (85وتأديــة واجــب المســاعدة( .(86وبالنظــر إلــى األدبيــات ذات الصلــة ،يتســم التضامــن
بمجموعــة مــن الخصائــص األساســية ،منهــا كونــه (»)1نشــاط شــبكي» أي يتواجــد بيــن أعضــاء
المجموعــة؛ ( )2االســتعداد الفــردي ،علــى الرغــم مــن أنــه يفتــرض وجــود جماعــة؛ ( )3يحفــز علــى
عاطفيــا لآخريــن فــي الحركــة.
ً العمــل والدفــع
َّ
ويــكاد يتفــق الباحثــون علــى أن الهويــة الجمعيــة هــي التــي تدفــع لمســاعدة اآلخــر ،ومــن ثــم
فهــي تســبق الشــعور بالتضامــن ،بــل أنهــا شــرط مســبق لــه ،ومــع هــذا تشــير أدبيــات الحــركات
االجتماعيــة إلــى إمكانيــة حــدوث حالــة مــن التضامــن البشــري دونمــا التماهــي مــع جماعــة بعينهــا؛
فمجــرد وجــود جماعــة ال يضمــن حــدوث حالــة مــن التضامــن والمســاندة بيــن أفرادهــا؛ حيــث ينتــج
التضامــن عــن ممارســة طقــوس جمعيــة بعينهــا مثلمــا هــو الحــال فــي األفعــال المرتبطــة بالجســد
ـر ألن الممارســات كارتــداء المالبــس بأل ـوان معينــة ،حمــل الالفتــات ،أو ترديــد الهتافــات .ونظـ ًا
االحتجاجيــة تولــد مشــاعر قويــة ،فــإن فهــم الممارســات المتكــررة ذات المغــزى الرمــزي لحركــة
اجتماعيــة مــا ،هــو مفتــاح الفهــم الصحيــح والدقيــق للكيفيــة التــي يتشــكل بهــا التضامــن بيــن أفـراد
هــذه الحركــة .وتضيــف هــذه األدبيــات أن التضامــن ال ي ـزال العاطفــة األبــرز المترتبــة علــى
ـكاال مختلفــة كذلــك منهــا
نشــاط حركــة اجتماعيــة مــا ،وفــي العالــم الرقمــي تحديـ ًـدا ،وهــو يتخــذ أشـ ً
564
التضامــن المتخيــل ،والبــارز فــي نتائــج الد ارســة الحاليــة ،والتضامــن الموقفــي الــذي يبــرز عــادة
عندمــا تنتقــل الحركــة مــن العالــم الرقمــي إلــى العالــم الواقعــي.
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
المتخيــل
وبالعــودة إلــى موضــوع د ارســتنا الحاليــة ونتائجهــا ،يمكــن الجــزم بغلبــة روح التضامــن ُ
ـدء مــن تدشــين الحملــة نفســها علــى فيــس بــوك ن
فــي موضــوع الحركــة «علمــاء مصــر غاضبــو » بـ ً
بغــرض االحتجــاج ،والــذي ارتكــز علــى توليــد إحســاس جمعــي غيــر متمايــز وأقــرب إلــى المثاليــة
ـر بقــوة عبــر قيــام أفـراد المجموعــة
المحتجــة .بــدا هــذا الســلوك الجمعــي حاضـ ًا بيــن أفـراد المجموعــة ُ
بإنتــاج واســتهالك المنشــورات والصــور الباعثــة لشــعور الغضــب واالحتجــاج علــى الصفحــة.
وعلى الرغم من أن هوية أعضاء «علماء مصر غاضبون» تماهت مع نشــاط الحركة ككل -
ـر ألن المنشــورات الفرديــة لألعضــاء اآلخريــن ارتكــزت علــى المنشــورات الموقفيــة /المرحليــة نظـ ًا
ـدر ضئيـ ًـال مــن المعلومــات والمتضامــن مــع Situaltional posts or photosوالتــي توفــر قـ ًا
هويــة الشــخص الفرديــة-إال أن إنتماءهــم الفعلــي للحركــة كان مــن خــالل فعــل االحتجــاج نفســه،
بصــرف النظــر عــن الهويــة الفرديــة للقائــم بــه ،أو المحتــج نفســه.
وعلــى الرغــم مــن ممارســات االحتجــاج خــارج مواقــع التواصــل االجتماعــي التــي قــد يقــوم بهــا
األكاديميون بمفردهم ،وربما داخل الحرم الجامعي نفسه ،ودون وجود اآلخرين ،إال أن أعضاء
حركة»علمــاء مصــر غاضبــون» قــد أظهــروا درجــة كبيـرة مــن التماســك ،والوحــدة علــى المســتوى
«الرقمــي» .وتُرجــع الد ارســة ذلــك إلــى احتمــال تَمثُــل كل فــرد فــي الحملــة لحالــة الزميــل أو الزميلــة
ـر عــن أوضاعــه وتجاربــه الــذي يــروي قصتــه الخاصــة ،وتجربتــه الفرديــة التــي ال تبتعــد كثيـ ًا
أحيانــا .وبالتالــي تمكــن بعــض األعضــاء فــي الحركــة ً هــو نفســه ،وإن كان بشــكل غيــر مباشــر
مــن تطويــر تصــورات ومشــاعر وقيــم ومعتقــدات اآلخريــن مــن زمــالء المجــال بشــأن تجاربهــم
ـخصيا عــن فعــل االحتجــاج وجــدواه وقضاياهــم الفرديــة والخاصــة ،وذلــك عبــر إبـراز تصوراتهــم شـ ً
المحتــج واآلخــر/ َّ
وأهميتــه ودالالته...الــخ .ومــن ثــم تتوافــق خب ـرات وتصــورات العضــو الفــرد ُ
تخيــل
الم َتمامــا ،وفــي ظــل غيــاب الحقائــق المضــادة التــي قــد تتحــدى هــذا الواقــع ُ يــن المتخيليــن ً
(علــى ســبيل المثــال :التواصــل مــع /أو شــهادات األكاديمييــن الفعلييــن الذيــن ُيكتــب عنهــم فــي
المنشــورات ،أو يظهــرون فــي الصــور) ،فأنــه مــن المرجــح أن يتعــزز إدراك العضــو الفــرد لهويتــه
الجمعيــة ،ووحــدة مجتمــع المحتجيــن مــن زمــالءه.
ـر ألن فــرص التفاعــالت غيــر الرســمية بيــن أعضــاء «علمــاء مصــر عــالوة علــى ذلــك ،ونظـ ًا
غاضبــون» قــد تبــدو صعبــة ،فأنــه مــن المرجــح أن تمــر الصــورة المثاليــة التــي يبنيهــا األفـراد عــن
اقعيــا ،تعــرض أعضاء»علمــاء مصــر غاضبــون» للكثيــر مــن مجتمــع االحتجــاج دون منــازع .و ً
المشــاركات المهينــة والمؤذيــة التــي نشــرها الكثيــرون مــن خــارج المجموعــة علــى صفحــة الفيــس
بــوك ،والتــي تبــدو ماســة بــكل عضــو ،ومهينــة لــكل فــرد فــي المجموعــة ،علــى الرغــم مــن أنهــا قــد
565تكــون مجــرد رد علــى منشــور أو صــورة بعينهــا .وبالتالــي ،فــإن التجــارب المشــتركة التــي تعتبــر
أساســية لبنــاء الحركــة ضمــن مجموعــة كانــت تنشــط علــى المســتوى الفــردي كذلــك عبــر التعــرض
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
لمنشــورات الحركــة ،المواتيــة والمعارضــة ،والتماهــي معهــا بــكل فعاليــة ،فضـ ًـال عــن الق ـراءة
واإلعجــاب والتعليــق علــى المحتــوى.
هكــذا يمكــن القــول إن «التقــارب الوجدانــي» affective attunementكان اآلليــة األساســية
ـر ألن العواطــف المتخيــل بيــن المشــاركين فــي الحركــة ،ومــع هــذا ،ونظـ ًا
لتوليــد مشــاعر التضامــن ُ
ـر
نتاجــا للخبـرة غيــر المباشـرة بيــن أعضــاء الحركــة ،نظـ ًا
الناتجــة عــن هــذا التناغم/التماهــي كانــت ً
لكونــه تجمــع افت ارضــي فــي نهايــة األمــر («كمــا لــو» /أو «تقر ًيبــا») ،فــإن التضامــن الناتــج عــن
عاطفيــا .بعبــارة أخــرى ،اعتمــد التضامــن بيــنً طا أكثــر منــه
تماهيــا مشــرو ً
ً هــذا التماهــي كان
أعضــاء الحركــة علــى التـزام مشــروط بمســتوى التوافــق بيــن المعتقــدات االجتماعيــة ،أو الواجبــات
األخالقيــة لمحاربــة الظلــم المفتــرض بيــن أعضــاء الحركــة.
أيضــا أنــه علــى الرغــم مــن أن نشــأة احتجــاج علمــاء مصــر غاضبــون ـر بالتوثيــق ًيبــدو جديـ ًا
قميــا ،وعبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،إال أن الطبيعــة المركزيــة لصفحــة تمــت باألســاس ر ً
ـبيا بالهويــة الجمعيــة ،كمــا مــال المعجبين/المشــاركين ســاهمت فــي خلــق إحســاس قــوي نسـ ً
المشــاركون إلــى التماهــي مــع الســبب العــام للحركــة ،مــن بــاب تحريــك الميــاه ال اركــدة فــي حاضــر
ظــا علــى مســتقبل األجيــال القادمــة مــن األكاديمييــن الذيــن
الوضــع األكاديمــي ،وفــي المســتقبل حفا ً
يضطــرون فــي كثيــر مــن االحيــان إلــى الهجـرة خــارج مصــر بحثًــا عــن فــرص عمــل وحيــاة أفضــل،
طا ومعيارًيــا كذلــك بتحقــق صــورة المتخيــل بيــن أعضــاء المجموعــة مشــرو ً ومــن ثـ ّـم كان التضامــن ُ
معينــة عــن هــدف وغــرض الحركــة.
يمكننــا كذلــك أن نتنــاول نتائــج الد ارســة الحاليــة فــي ضــوء مــا يمكــن أن يطلــق عليــه «مجتمــع
الهاشــتاج»؛ حيــث تُعـ ِّـرف المجتمعــات األكاديميــة نفســها ً
غالبــا علــى أنهــا تنتمــي إلــى مجموعــات
مخصصــة عبــر اســتخدام عالمــات التصنيــف فــي تغريداتهــا ،والتــي تضــع اتصاالتهــا فــي
ســياقها ،وبمــا يشــير إلــى توافقهــا مــع التخصصــات ،واأليديولوجيــات ،والمواقــف داخــل التسلســل
الهرمــي األكاديمــي فــي مواقــع التواصــل االجتماعــي وخارجهــا ،وهــو األمــر الــذي قــد ال يتحقــق
وجهــا لوجــه .تجيــب هــذه النتيجــة بشــكل مــا علــى واحــد مــن دومــا إذا مــا تصورنــا حدوثــه ًً
االفت ارضــات التــي قامــت عليهــا الد ارســة بشــأن كــون مواقــع التواصــل االجتماعــي مجـ ً
ـاال لتنظيــم
المهنــة ،وســبيل لمشــاركة االهتمامــت والهمــوم مــع نظـراء ،ســوف يتفهمــون دون غيرهــم مــا يعنيــه
الحديــث حــول قضيــة مــن قضايــا المجتمــع األكاديمــي.
تبــرز نتائــج الد ارســة كذلــك وظيفــة أخــرى للتواجــد األكاديمــي الجمعــي عبــر مواقــع التواصــل
االجتماعــي ،وهــي مــا يمكــن تســميتها بــ»تحــدي التسلســل الهرمــي» فــي المجتمــع األكاديمــي ،بمــا
يدعــم زيــادة رأس المــال االجتماعــي كطريقــة لبنــاء المجتمعــات األكاديميــة مــن جهــة ،ويتحــدي،
فــي الوقــت نفســه ،هيــاكل الســلطة فــي األوســاط األكاديميــة التقليديــة .والفك ـرة علــى الرغــم مــن
وجاهتهــا ،وعلــى قــدر مــا تمنحــه مــن م ازيــا ،تحمــل جانبهــا المظلــم كذلــك ،وعلــى أكثــر مــن
مســتوى ،منهــا تالشــي الحــدود الفاصلــة ببــن األســتاذ والتلميــذ بالمعنــى الســيء للقضيــة ،بينمــا
يتصــل المســتوى الثانــي بتالشــي الحــدود كذلــك بيــن االحتفــاء والتملــق ،والــذي يكــرس مـرة أخــرى
لفكـرة الســيطرة الهرميــة فــي المجتمــع األكاديمــي؛ حيــث يــزداد التعــرض لمنشــورات بعينهــا ليــس
لشــيء إال لكونهــا تعــود إلــى أحــد األكاديميــن المرموقيــن ،بينمــا يتـوارى البعــض اآلخــر لمجــرد أن
كاتبهــا ال يحظــى بقــدر كبيــر مــن المتابعــة والشــهرة بعــد.
فضـ ًـال عــن ذلــك ،تظهــر تراتبيــة مــن نــوع آخــر ،والمتمثلــة فــي مســتوى «األمية/الفجــوة التقنيــة»؛
فبينمــا يتمتــع صغــار الباحثيــن بإمكانــات تكنولوجيــة تتعاظــم مــع الوقــت ،يفتقــد األكاديميــون
األكبــر سـ ًـنا لمثــل هــذه المهــارات ،األمــر الــذي يجعــل التراتبيــة األكاديميــة تجــدد نفســها بأشــكال
عديــدة مــن داخــل المنظومــة األكاديميــة نفســها ،وهــي بذلــك التختفــي فــي نهايــة األمــر.
وتؤمــن مواقــع التواصــل االجتماعــي نــوع مــن المشــاركة «منخفضــة المخاطــر» إن جــاز َّ
التعبيــر؛ حيــث يمكــن للمســتخدم التعامــل عبرهــا بهويــة غيــر واضحــة ،ويصعــب التحقــق منهــا
فــي كثيــر مــن األحيــان .وفــي الوقــت الــذي تســمح فيــه هــذه الخاصيــة بمزيــد مــن القــدرة علــى
التســتر والمراقبــة قبــل االنخـراط فــي نقــاش أو حـراك مــا ،وهــو مــا يمكــن أن يترجمــه البعــض إلــى
أن هــذه المواقــع تســاعد في»تمكيــن» األف ـراد الخائفيــن مــن الجهــر بآرائهــم لوقــت مــا ،إال أنهــا،
نوعــا مــن األداء المســرحي خلــف ســتارة ،إذا صــح التعبيــر ،أو وراء وفــي الوقــت نفســه ،تعكــس ً
567
الكواليــس ،وذلــك علــى عكــس مــا هــو متوقــع منهــا مــن مشــاركة وتفاعــل ،خاصــة عندمــا يتعلــق
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
األمــر بدعــم أو اســتهجان قضيــة مــا ،كمــا هــو الحــال فــي د ارســتنا الحاليــة ،األمــر الــذي يعنــي
العجــز فــي نهايــة األمــر عــن التنبــؤ بالتوجــه الحقيقــي للمســتخدم ،أو التنبــؤ بمــا هــو مقبــول أو
غيــر مقبــول لــدى الجمــوع المرجــوة مــن الحركــة.
عــود علــى بــدءُ ،يعــد التواجــد األكاديمــي الجمعــي الرقمــي عمليــة مســتمرة مــن التجربــة والخطــأ،
وهــي بذلــك مــا ازلــت تحتــاج للكثيــر مــن الموازنــة بيــن تداعــي األفــكار ،و /أوالمشــاعر ،و/أو
إيجابــا عبرهــا ،وبيــن االعتقــاد فــي كــون هــذا التواجــد يضمــن شــبكة مفتوحــة مــن
ً ـلبا أو
المواقــف سـ ً
وتنوعــا .فالواقــع يحــذر مــن ظهــور المجتمعــات األكاديميــة،
ً انفتاحــا
ً مجتمعــا أكثــر
ً شــأنها أن تدعــم
ـر ألن هــذه المجتمعــات تختــار عبــر مواقــع التواصــل االجتماعــي ،بمظهــر النســيج المتجانــس ،نظـ ًا
نفســها بنفســها ،لكــن حقيقــة األمــر أن هــذا االختيــار ،ومــن ثَّــم التجانــس ،يدفــع بمســاحات أقــل
تنوعــا فــي األفــكار ،وينتهــي األمــر إلــى أن تعمــد مجموعــات مــن داخــل المجتمــع األكاديمــي نفســه ً
إلــى تصفيــة أيــة فقاعــات تظهــر اختالًفــا ،أو تغــرد خــارج الســرب ،وليــس العكــس.
سلســلة مــن التســاؤالت البحثيــة المســتقبلية منهــا كيــف يمكننــا تصنيــف مثــل ه ـؤالء الفاعليــن؟!
ومــن يتحمــل مســئولية الجهــات الفاعلــة غيــر البش ـرية؟! هــل يمكــن تصميــم أســاليب االحتجــاج
قميــا بحيــث ال تمكــن البشــر مــن ذلــك فــي مقابــل قص ـره علــى اآللة؟!...الــخ. ر ً
أمــا علــى مســتوى التقنيــة المســتخدمة فــي االحتجــاج والح ـراك الرقمــي ،فالجديــد فيهــا أنهــا
اكا مــا مــن البــروز ،تمنــع تحمــل فــي طياتهــا وجهــي العملــة؛ ففــي الوقــت الــذي تمكــن فيــه ح ـر ً
أحيانــا ،وهــي بالتالــي تدفعنــا للتفكيــر فــي مجموعــة مــن
ً اآلخــر وتقيــده بشــكل ال يمكــن التنبــؤ بــه
التســاؤالت البحثيــة الجديــدة منهــا :كيــف يمكــن التحكــم فــي الحشــود التــي ال يمكــن الســيطرة عليهــا
داخــل وعبــر التقنيــات الرقميــة؟ مــا المســؤوليات األخالقيــة واالجتماعيــة التــي يتحملهــا مالكــو
المنصــات بشــأن الح ـراك الجمعــي الرقمــي؟ وكيــف يفســد التصميــم التكنولوجــي أو يقهــر قــوة
البشــر ،وأن ـواع أخــرى مــن الفاعليــن؟!
يتبقــى العنصــر الثالــث فــي الصــورة وهــو متغيــر طبيعــة تدفــق المعلومــات المرتبطــة بنشــاط
ـتقبال؛ وبديـالً عــن
االحتجــاج؛ حيــث لــم تُعــد مفاهيــم انتقــال المعلومــات عبــر مرحلتيــن قائمــة مسـ ً
ذلــك ،يمكننــا مالحظــة التدفقــات متعــددة االتجاهــات مــن المعلومــات عبــر عــدة جهــات فاعلــة،
دومــا.
وعبــر تقنيــات وأن ـواع تكنولوجيــة متغي ـرة ومتجــددة ً
امــا علينــا أن نتســائل عــن الكيفيــة التــي يمكــن لنظريــة األطــر الخبريــة مثـ ًـال ومــن ثـ َّـم أصبــح لز ً
وغيرهــا مــن النظريــات الموجــودة أو الجديــدة ،أن تصنــف أنـواع المحتــوى اإلعالمــي مــن أجــل فهــم
ـر فــي تحفيــز التنظيــمأفضــل لنتائــج انتشــار المعلومــات؟ مــا هــي أنـواع حــزم المحتــوى األكثــر تأثيـ ًا
الرقمــي؟ إلــى أي مــدى وبأيــة طــرق ،يشــكل التصميــم التكنولوجــي تفســيرات الجهــات الفاعلــة
للمعلومــات ومــا يترتــب عليهــا مــن إجـراءات؟ وأخيـ ًـرا ،كيــف يمكننــا الموازنــة بيــن حريــة المعلومــات
والســيطرة عليهــا لمنــح الفــرص لمزيــد مــن المشــاركة والفاعليــة السياســية دون أن يفضــي ذلــك إلــى
مســاعدة الحــركات اإلرهابيــة مثـ ًـال؟
يبــدو مــن األهميــة بمــكان كذلــك االلتفــات إلــى تلــك النوعيــة مــن األبحــاث التــي تبتكــر طرًقــا
جديــدة الختبــار تأثيــر الحــركات االجتماعيــة علــى المجتمعــات بوجــه عــام؛ حيــث تبــرز العديــد
مــن الد ارســات التــي تتحــدى وتشــكك فــي قــدرة الح ـراك الجمعــي علــى إحــداث التغييــر المرجــو،
أحيانــا إلــى طبيعــة المشــاركة الفرديــة فــي الحــركات مــن خــالل ً رجــع هــذه الد ارســات ذلــك وتُ ِ
تفاعــالت «اإلعجــاب» ،و/أو»المشــاركة» منخفضــة التكلفــة ،والتــي يميــل ممارســوها إلــى قصــر
نشــاطهم علــى الوســيط الرقمــي –مواقــع التواصــل االجتماعــي هنــا -فــي مقابــل اتخــاذ إجـراءات
حقيقيــة فــي العالــم المــادي .وفــي المقابــل ،يشــير آخــرون إلــى أن مثــل هــذه الشــكوك ال تأخــذ
569فــي االعتبــار أن النشــاط الرقمــي قــد ُيلهــم ،ويحشــد ،ويعــزز التنظيــم الذاتــي لألشــخاص متشــابهي
التفكيــر واالهتمــام فــي شــكل مــا مــن أشــكال التعــاون المنظــم ،وهــو مــا يســتدعي البحــث فــي
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
مســتوى تعقيــد وعــدم تجانــس المشــاركة وتأثيــر األشــكال الجديــدة للعمــل الجماعــي فــي ظــل
التقنيــات الرقميــة.
ويســتدعي التطــور المســتمر للتقنيــات الرقميــة ،وكونهــا قــد أصبحــت أكثــر اســتقاللية فــي
الملحــة كذلــك لفهــم كيــف تُغيــر أنظمــة الــذكاء االصطناعــي، األنظمــة التــي تعمــل بهــا ،الحاجــة ُ
وخفيــا مــن طبيعــة التنظيــم بشــكل ُيفــرز معضــالت ً اميــا
ـر در ً
وخوارزميــات التعلــم اآللــي ،تغيـ ًا
أخالقية غير متوقعة ،وهو ما يســتلزم التطوير المبكر للنظريات المعيارية ،والمبادئ التوجيهية
األخالقيــة لســياقات التنظيــم الرقمــي.
تســاهم الد ارســة الحاليــة كذلــك فــي إســقاط الضــوء علــى حاجــة الباحثيــن إلــى التعمــق أكثــر فــي
الجانــب المظلــم للح ـراك الجمعــي الرقمــي وخط ـوات الحشــد والتعبئــة؛ حيــث تبــدو الحــدود بيــن
النشــاط الرقمــي والتنمــر عبــر اإلنترنــت ضعيفــة فــي بعــض األحيــان .عــالوة علــى ذلــك ،يت ازيــد
القلــق بشــأن االنتشــار الس ـريع والمضــر للمعلومــات المضللــة والشــائعات و»األخبــار المزيفــة»،
أحيانــا مــا يســبب
ً وحتــى عندمــا تكــون المعلومــات دقيقــة ،فــإن االنتشــار الواســع عبــر اإلنترنــت
ـرر أكثــر مــن نفعــه ،مثلمــا هــو الحــال مثـ ًـال بالنســبة لألفـراد المعرضيــن للخطــر و/أو الفئــات ضـ ًا
المهمشــة مــن التداعيــات المحتملــة للتنظيــم الرقمــي ،أو فــي الحــاالت المعقــدة التــي تنطــوي علــى
غالبــا
غمــوض بشــأن الحكــم األخالقــي عليهــا ،وهــو مــا يجعلهــا عرضــة لألحــكام الذاتيــة ،والتــي ً
مــا تكــون متحيـزة ،وقــد تنتهــي إســتراتيجيات التمكيــن الرقمــي لبعــض الفئــات بغــرض نفعهــا إلــى
اســتخدام التقنيــة مــن قبــل جماعــات أخــرى تخريبيــة مثـ ًـال.
وآخــر القضايــا التــي يمكــن إثارتهــا هنــا ،وليــس أخرهــا ،هــي وعــي الحكومــات بقــدرة شــبكات
التواصــل االجتماعــي علــى صناعــة شــكل جديــد مــن ال ـرأي العــام ،أكثــر فعاليــة مــن الشــكل
التقليــدي ،وهــو مــا يقودهــا إلــى اإلس ـراع فــي إيجــاد الوســائل الناجعــة لمراقبــة هــذه الشــبكات
أمـ ًـال فــي التحكــم فــي صناعــة الـرأي العــام الرقمــي .وعلــى الرغــم مــن صعوبــة تحقيــق ذلــك دون
تشــديد القبضــة والســيطرة علــى تكنولوجيــا اإلنترنــت ،أثبتــت بعــض الد ارســات حــول الرقابــة علــى
ـاال ،أن الســلطات الصينيــة اســتطاعت – اإلنترنــت ودورهــا فــي قيــادة الـرأي العــام فــي الصيــن مثـ ً
عبــر ســتة مســتويات لرقابــة المحتــوى الرقمــي عبــر الويــب -أن تتخطــى مرحلــة التحكــم فــي الـرأي
العــام لتصــل لمرحلــة قيادتــه وتوجيهــه سياسـ ًـيا (.)87
إال أن الخطورة على الرأي العام الرقمي ال تقتصر على الرقابة المباشرة التي تفرضها بعض
الــدول علــى المحتــوى الرقمــي –خاصــة المحتــوى المتــداول عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي-
بــل تكمــن ،كذلــك ،فــي الرقابــة الذاتيــة التــي يمارســها مســتخدمو الشــبكات الرقميــة علــى المحتــوى
570
تماهيــا مــع نظريــة «دوامــة الصمــت» )Spiral of Si- ً الــذي يقومــون بإنتاجــه ،أو مشــاركته
( lence Theory؛ حيــث يخشــى الفــرد أن يصبــح معــزوًال فــي المجتمــع ،لــذا يصمــت عــن
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
آ ارئــه المخالفــة ،وهــو مــا أثبتتــه د ارســة عــن عالقــة الرقابــة الذاتيــة واالســتقطاب ودوامــة الصمــت
والتواصــل االجتماعــي شــملت فرنســا وألمانيــا وبريطانيــا والواليــات المتحــدة األمريكيــة؛ حيــث
دعمــا لنظريــة دوامــة الصمــت مــن خــالل خيــارات مســتخدمي شــبكات التواصــل تبيــن أن هنــاك ً
((88
االجتماعــي للكيفيــة التــي يمارســون بهــا الرقابــة الذاتيــة علــى المحتــوى.
571
٢٠٢١ سبتمرب/ يوليو34 العدد- املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال
المراجع
∗ ينــدرج البحــث ضمــن مجموعــة البحــوث التــي انبثقــت مــن المشــروع البحثــي "ضوابــط حريــة
جامعــة: وأخالقيــات اســتخدام مواقــع التواصــل االجتماعــي داخــل الحــرم الجامعي،الـرأي والتعبيــر
. والــذي تمولــه جامعــة القاهـرة ضمــن فئــة المشــروعات االبتكاريــة بهــا،"نموذجــا
ً القاهـرة
1- Levine, M. )1967(. Higher Education and Collective Action: Will
Professors Unionize? The Journal Of Higher Education, 38)5(, 263.
https://doi.org/10.2307/1980052
2- Ibid, P.263.
3- Cassell, M., & Halaseh, O., )2014(. The Impact of Unionization on
University Performance, Journal of Collective Bargaining in the Acad-
emy: 6, )3(. http://thekeep.eiu.edu/jcba/vol6/iss1/3
4 - Ibid, p. 4
5- Levine, M. )1967(. Op-Cit, P.267.
6- Rhoades, G. )2011(. Faculty Unions, Business Models, and the
Academy’s Future. Change: The Magazine of Higher Learning, 43)6(,
20-26. https://doi.org/10.1080/00091383.2011.599299
7- Wassell, C., S. Jr; Hedrick, D., W.; Henson, S., E.; & Krieg, J. M.
(2015). Wage Distribution Impacts of Higher Education Faculty Union-
ization, Journal of Collective Bargaining in the Academy: 7, )4(. http://
thekeep.eiu.edu/jcba/vol7/iss1/4
8- Hedrick, D. W., Henson, S. E., Krieg, J. M., & Wassell, C. S.
)2011(. Is there really a faculty union salary premium? Industrial
and Labor Relations Review, 64(3), 558–575. http://www.jstor.org/
stable/41149479(
9- Wassell, C., S. Jr; Hedrick, D., W.; Henson, Steven E.; & Krieg, J.
M. Op-Cit.P.2
، لمــاذا يختلــف عــن ســابقيه؟:” ح ـراك “علمــاء مصــر غاضبــون.)2019( فــرح رمــزي-10
572 : متــاح علــى،المفك ـرة القانونيــة
shorturl.at/ahoA1
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
-11منــة عمــر ( .)2014الحرس الجامعي في مصر بين أحكام القضاء اإلداري والقضــاء
المســتعجل ،المفكـرة القانونيــة ،متــاح علــىshorturl.at/epKMV:
-12المرجع السابق نفسه.
-13هانــي النق ارشــي( .)2019أســاتذة الجامعــات يرفضــون قانــون الخدمــة المدنيــة :ترتــب
عليــه تجميــد المرتبــات علــى أساســيات يونيــو ،2015أهــل مصــر ،متــاح علــىhttps:// :
ahlmasrnews.com/894187
-14المرجع السابق نفسه.
- 15فرح رمزي ،مرجع سابق.
-16عبــدهللا شــلبي ( .(2011الحــركات الجتماعيــة السياســية -األصوليــة الســالمية
نموذجــا :دراســة فــي ضبــط المفاهيــم وتعييــن حــدود الظاهــرة (القاه ـرة:
ً السياســية المعاصــرة
دار الفجــر للنشــر والتوزيــع) ،ص ص 19-18
17- Eade, D. (2010). Protest and Social Movements in the Developing
World - Edited by Shinichi Shigetomi and Kumiko Makino. The
Developing Economies, 48)3(, 410-413. https://doi.org/10.1111/j.1746-
1049.2010.00113_3.x
-18أســماء حســين ملــكاوي ( .)2018الحــركات االحتجاجيــة الرقميــة فــي المنطقــة العربيــة
وتحـوالت المجــال العــام ،مجلــة لبــاب للدراســات الســتراتيجية واإلعالميــة ،العــدد( ،)0ص .75
19- Medrano, J., & Braun, M. )2011(. Uninformed citizens and sup-
port for free trade. Review of International Political Economy, 19)3(,
448-476. https://doi.org/10.1080/09692290.2011.561127.
20- Stuart, A., Thomas, E., & Donaghue, N. )2018(. “I don’t really want
to be associated with the self-righteous left extreme”: Disincentives
to participation in collective action. Journal of Social and Political
Psychology, 6)1(, 242-270. https://doi.org/10.5964/jspp.v6i1.567
21- Becker, J. C. )2012(. Virtual special issue on theory and research
on collective action in the European Journal of Social Psychology.
European Journal of Social Psychology, 42, 19-23. doi:10.1002/
ejsp.1839, P.1
-22أحمــد مصطفــى ابــو زيــد ( .)1990التحــدي الثقافــي :مــن دور الجامعــات فــي مواجهــة 573
التحديــات المعاصـرة ،مجلــة رســالة الخليــج العربــي ،العــدد ( )32الســنة العاشـرة ,مكتــب التربيــة
٢٠٢١ سبتمرب/ يوليو34 العدد- املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال
Zandria Robinson, and Why Calls for their Firing are a Problem for Ev-
eryone. Work in Progress. Retrieved 18 November 2021, from https://
workinprogress.oowsection.org/2015/07/08/canaries-in-the-coal-mine-
saida-grundy-zandria-robinson-and-why-calls-for-their-firing-are-a-
problem-for-everyone/.
69- Kilgannon, C. )2014(. Without Tenure or a Home (Published 2014).
Nytimes.com. Retrieved 18 November 2021, from https://www.nytimes.
com/2014/03/30/nyregion/without-tenure-or-a-home.html.
70- Papacharissi, Op-Cit.P.4.
71- Habermas, J. )1992(. Citizenship and national identity: Some re-
flections on the future of Europe. Citizenship: Critical concepts. Vol. 2.
Citizenship: Critical concepts )pp358–341.(. P.120.
72- Orth, Z., Andipatin, M., Mukumbang, F., & van Wyk, B. )2020(.
Applying Qualitative Methods to Investigate Social Actions for Justice
Using Social Media: Illustrations From Facebook. Social Media + Soci-
ety, 6)2(, 205630512091992. https://doi.org/10.1177/2056305120919926
-73جــاء الرمــز التعبيــري (غاضــب) فــي المرتبــة األولــى مــن إجمالــي التفاعــالت التــي تــم
رصدهــا فــي عينــة الد ارســة ،بواقــع ( ،(74%فــي حيــن جــاء التفاعــل برمــز (حزيــن) بمــا نســبته
( ،(31%وفــي المرتبــة الثالثــة جــاء الرمــز التعبيــري (ضاحــك) بنســبة ( ،(13%وتســاوى كل مــن
الرمزيــن التعبيرييــن (مندهــش ،و أحــب) فيمــا نســبته ( )4%مــن إجمالــي عينــة الد ارســة ((108
منشــور.
-74اســتعانت الد ارســة بموقــع ،Buzzsumoوهــو موقــع متخصــص فــي جمــع البيانــات
المتصلــة بموضــوع مــا عبــر المنصــات والمواقــع المختلفــة لهــا ،فــي فت ـرة زمنيــة محــددة //:https
/com.buzzsumo
-75كان كل مــن د .عصــام حجــي ،العالــم المصــري المقيــم بالواليــات المتحــدة ،د .حســن نافعــة
األكاديمــي المصــري فــي مجــال العلــوم السياســية ،الصحفيــة مــي عـزام ،د .ماجــدة غنيــم الطبيبــة
واألكاديميــة المصريــة مــن أبــرز الشــخصيات التــي أثــارت تغريداتهــا ردود أفعــال واســعة بشــأن
الحركــة.
-76وظفــت الد ارســة موقــع Tweetdeckلجمــع التغريــدات المطلوبــة لموضــوع الد ارســة عبــر
البحث عن الكلمات الرئيســية في البحث مقيدة باللغة (العربية) ،وبحجم مشــاركة اآلخرينLev-
( el of Engagementمعــدل التفاعــل المطلــوب مــع التغريــدات الرئيســية المبحــوث عنهــا) فــي
مكــن الموقــع كذلــك مــن تحديــد الفترة الزمنيــة للبحــثhttps://tweetdeck.twitter. التغريــدة؛ وي ِ
578 ُ
/com
-77انظر ملحق الدراسة :صورة رقم ((1
٢٠٢١ سبتمرب/ يوليو34 العدد- املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال
579
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
ملحق الدراسة
صورة ()1
صورة ()2
صورة ()3
صورة ()4
580
املجلة العربية لبحوث االعالم واالتصال -العدد 34يوليو /سبتمرب ٢٠٢١
صورة ()5
صورة ()6
صورة ()7
581