You are on page 1of 750

‫العـدد الرابع والعشرون محرم ‪1443‬هـ سبتمبر ‪2021‬م‬

‫الصفة في مبادئ األوراق‬ ‫مراجعات فقهية في نظرية‬


‫التجارية دراسة تأصيلية قضائية‬ ‫االلتزام‬
‫د‪ .‬فهد بن عبد الرحمن الدهمش‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن محمد الناصر‬

‫التضامن الصرفي أثر من آثار‬ ‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح‬


‫التظهير التام للورقة التجارية‬
‫على عقد اإلجارة (فيروس كورونا‬
‫دراسة تحليلية‬ ‫ً‬
‫أنموذجا) ‪ -‬دراسة مقارنة‬ ‫الجديد‬
‫أحمد بن بختيان العلوني‬
‫د‪ .‬سعد بن علي بن تركي الجلعود‬
‫نقض اإلقطاع دراسة تطبيقية‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع‬
‫مقارنة بالفقه والنظام السعودي‬
‫اإللكترونية دراسة فقهية‬
‫د‪ .‬محمد بن خالد بن عبد الله اللحيدان‬
‫تطبيقية‬

‫مقصد العدل دراسة نظرية‬ ‫د‪ .‬فيصل بن عبد الرحمن السحيباني‬


‫تطبيقية على إجراءات التحقيق‬
‫الجنائي في «نظام اإلجراءات‬ ‫الم َّ‬
‫كلف في ُع ُروضه‬ ‫نية ُ‬ ‫تغير َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫أثر‬
‫الرقم الدويل املعياري‪( :‬ردمد‪)ISSN 1658-6735 :‬‬

‫الجزائية» السعودي‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬


‫حول الزكاة (وتطبيقاته‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫د‪ .‬إيمان بنت عبد الله الخميس‬ ‫َّ‬
‫تطبيقية‬ ‫َّ‬
‫فقهية‬ ‫ٌ‬
‫المعاصرة) دراسة‬
‫د‪ .‬نبيل بن محمد بن سعد اللحيدان‬
‫عقد البحث المدعوم من‬
‫الكراسي العلمية دراسة قانونية‬
‫مانع‬ ‫أثر الخلوة بالزوجة مع وجود‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن سعدون العبد المنعم‬ ‫ِ‬
‫مانع الوطء ودواعيه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الوطء‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء‬ ‫عدمهما في استقرار الصداق‬ ‫ِ‬ ‫أو‬
‫السعودي‬ ‫دراسة فقهية‬
‫محمد عبد الباسط إبراهيم‬ ‫د‪ .‬يوسف بن عبد الرحمن آل الشيخ‬
‫العـدد الرابع والعشرون محرم ‪1443‬هـ سبتمبر ‪2021‬م‬

‫© الجمعية العلمية القضائية السعودية (قضاء) ‪1443‬هـ (‪2021‬م)‬


‫تعبر المواد المقدمة للنشر عن آراء مؤلفيها‪ ،‬ويتحمل أصحابها‬
‫مسؤولية صحة المعلومات واالستنتاجات ودقتها‪ ،‬وجميع الحقوق‬
‫محفوظة للجمعية العلمية القضائية السعودية (قضاء)‪ ،‬وعند‬
‫قبول البحث للنشر تؤول ملكية النشر من المؤلف إلى المجلة‪.‬‬

‫الرقم الدولي المعياري‪( :‬ردمد‪)ISSN 1658-6735 :‬‬


‫هيئة التحرير‬
‫رئيس التحرير‬
‫ُ َّ �‬ ‫� ُ‬ ‫أ‬
‫الله ب�ْ ُن محَم ٍد ال �ْ� �عم َر ِا�ن ي ّ�‬
‫�‪ .‬د‪ .‬ع �بَ�ْد ِ‬
‫أستاذ الفقه بكلية الشريعة‬
‫في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫أعضاء هيئة التحرير‬
‫َ ُ �‬ ‫أ‬
‫الم ُْص��لح‬ ‫�‪ .‬د‪ .‬خ�ا�� لــــد ب�ْ ُن ع �بَ� ِْد ِ‬
‫الله �‬
‫أستاذ الفقه بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬
‫في جامعة القصيم‬
‫� ُ‬ ‫أ‬
‫َـــد الم�زْ ُروع‬ ‫َ‬
‫�‪ .‬د‪ .‬ع �بَ�ْد ا� َلو �ا� ِحــد ب�ْ ُن ح �م ٍ‬
‫عميد كلية الشريعة والقانون‬
‫في جامعة اإلمام عبد الرحمن بن فيصل‬
‫أَ‬
‫ال� �ل ِفْ��ّ‬ ‫ْـر‬ ‫َــ�‬
‫ب‬
‫أ ُ� ّ ُ‬
‫َــــــد �ْ ُن � ج� �‬
‫�‪ .‬د‪ .‬محَم ب‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء‬
‫في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫َ‬ ‫آُ‬ ‫ش� ُ‬
‫�م�ْع�َل ب�ْ ُن س ��َع ٍْد �ل �ع �َسْكر‬ ‫د‪.‬‬
‫قاضي استئناف‬
‫ُْ ْ َ �‬ ‫� ُ‬
‫َــــر َوان‬
‫ا�لع ْ‬ ‫ع �بَ�ْد إ‬
‫ال�له ب�ن ِ�إ ب�را��ه ي�م‬
‫ً‬
‫سابقا‬ ‫قاضي استئناف‬
‫� َ‬
‫الح �يَ�ْد ِر ّ ي�‬ ‫أ�‪ .‬د‪ .‬م ن�� �ْص ُُور �ْ ُن �ع �بَ� ِْد َّ‬
‫الر ْح ٰم َِن‬ ‫ب‬
‫أستاذ السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء‬
‫في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬

‫الم �هَ�نَّـــا‬ ‫د‪ .‬خَ�ا ِل ُد �ْ ُن �ع �بَ� ِْد َّ‬


‫الر ْح ٰمَن ُ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة‬
‫في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫ُ َ‬ ‫��ُ‬
‫�لع�َ�ز ي� ِ�ز ب�ْن ن� ِ‬
‫اص ٍر تال�َّ�م � ِ�يم يّ�‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ْد‬ ‫د‪ .‬ع بَ�‬
‫أستاذ الفقه المقارن المشارك بالمعهد العالي للقضاء‬
‫في جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬

‫مان �ال �‬
‫ْع�ُمَـــــــ يْ�ر‬
‫خَ ُ ْ ُ ثْ َ‬
‫د‪� .‬ا�� لــــد ب�ن ع�ُ�‬
‫أستاذ القانون العام المشارك بكلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫في جامعة الملك سعود‬
‫مدير التحرير‬
‫ُ َ‬ ‫��ُ‬
‫�لع�َ�ز ي� ِ�ز ب�ْن ن� ِ‬
‫اص ٍر تال�َّ�م � ِ�يم يّ�‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ْد‬ ‫د‪ .‬ع بَ�‬
‫ضوابط النشــر في مجــلة قضاء‬

‫)‪(1‬كون البحث فيما يخدم مجال القضاء ولم يسبق نشره‪.‬‬

‫)‪(2‬اتصاف البحث بالجدة واألصالة‪.‬‬

‫)‪(3‬التزام الباحث المنهجية العلمية لكتابة البحوث وتحقيق المخطوطات‪.‬‬

‫)‪ (4‬إذا كان البحــث تحقيقــاً لمخطــوط؛ فيذكــر الباحــث مــا يفيــد قيمتــه‬
‫العلميــة وأنــه لــم يســبق تحقيقــه‪.‬‬

‫)‪(5‬يرســل البحــث عبــر البريد اإللكتروني للمجلــة ‪ mag@qadha.org.sa‬بصيغتي‬


‫(‪ )Word‬و(‪ ،)PDF‬نســخة فيها اســم الباحث وأخرى بدونه‪.‬‬

‫)‪(6‬أن يكون خط األصل (‪ )18‬وخط الهامش (‪ ،)14‬ونوع الخط (‪Traditional‬‬


‫‪.)Arabic‬‬

‫)‪(7‬عدم تجاوز عدد الصفحات (‪ 50‬صفحة)‪.‬‬

‫)‪(8‬إرفــاق الباحــث ملخصــاً للبحــث باللغتيــن (العربيــة واإلنجليزيــة) بمــا ال يزيــد‬


‫عــن مائتــي كلمــة‪ ،‬وســيرته الذاتيــة‪.‬‬

‫)‪(9‬للمجلــة الحــق فــي نشــر البحــث علــى الموقــع اإللكترونــي للجمعيــة بعــد‬
‫إجازتــه للنشــر‪.‬‬

‫)‪(10‬ال يحــق للباحــث نشــر البحــث قبــل مضــي ســتة أشــهر مــن تاريــخ نشــره‬
‫فــي المجلــة‪.‬‬
‫إجراءات التحكيم في مجــلة قضاء‬
‫المرحلة األولى‪:‬‬
‫فينظــر فــي البحــث مــن حيــث‪ :‬مطابقتــه ضوابــط النشــر فــي المجلــة‪،‬‬
‫الفحــص المبدئــي؛ ُ‬
‫وصالحيــة إحالتــه إلــى لجنــة التحكيم‪.‬‬
‫ويفاد الباحث بقبول إحالة البحث للتحكيم حال موافقته الضوابط‪ ،‬أو الرفض‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬
‫إحالــة البحــث ‪-‬عنــد مطابقتــه لضوابــط النشــر فــي المجلــة‪ -‬إلــى محكميــن مــن أهــل‬
‫االختصــاص فــي مجــال البحــث وفــق نمــوذج معاييــر دقيقــة لتقييمه؛ ويشــمل‪ :‬مالءمة‬
‫العنــوان لمضمــون البحــث‪ ،‬ووضــوح أهــداف البحــث‪ ،‬والعمــق العلمــي لــه‪ ،‬وإضافتــه‬
‫للتخصــص‪ ،‬واســتيفاءه المــادة العلميــة‪ ،‬وســامة المنهــج المتبــع فيــه‪ ،‬وســامته مــن‬
‫األخطــاء اللغويــة واإلمالئيــة‪ ،‬ودقــة التوثيــق العلمــي فيــه‪ ،‬ووضــوح نتائجــه وأهميتهــا‪،‬‬
‫وكفايــة مراجعــه ومناســبتها‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬
‫صــدور نتيجــة المحكميــن للبحــث ‪-‬إمــا بقبولــه للنشــر كمــا هــو بــدون ملحوظــات‪ ،‬أو‬
‫قبولــه بعــد تعديــل الملحوظــات‪ ،‬أو عــدم قبولــه للنشــر‪.-‬‬
‫‪ -‬فــي حــال كانــت النتيجــة (قبــول البحــث للنشــر بعــد تعديــل الملحوظــات)؛ ترســل‬
‫الملحوظــات للباحــث بهــدف تعديلهــا أو الجــواب عنهــا‪ ،‬ومــن ثــم إرســال شــهادة‬
‫التحكيــم واالعتمــاد‪.‬‬
‫‪ -‬وفــي حــال كان رأي أحــد المحكميــن (عــدم قبــول البحــث للنشــر)؛ فيرســل لمحكِّ ــم‬
‫مرجــح يقــوم بتقييمــه وتصويبــه‪.‬‬
‫ثالــث ِّ‬
‫المرجح‪( -‬عدم قبول البحث للنشــر)؛‬
‫ِّ‬ ‫المحكمين ‪-‬أو أحدهما مع‬
‫َ‬ ‫‪ -‬وفي حال كان رأي‬
‫ـزودا بالســبب الــذي من أجلــه رفض البحث‪.‬‬
‫فيرســل اعتــذار للباحــث عــن نشــر البحــث مـ ً‬

‫المرحلة الرابعة‪:‬‬
‫ختاميــا بعــد وصــول النســخة النهائيــة مــن قبــل الباحــث‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫مراجعــة البحــث وتدقيقــه‬
‫صالحــا للنشــر‪ ،‬وإرســال نســخة للباحــث لمراجعتهــا قبــل نشــرها‬
‫ً‬ ‫فحصــا يجعلــه‬
‫ً‬ ‫وفحصــه‬
‫وإبــداء رأيــه فيهــا‪.‬‬
‫محتويات العدد‬

‫‪7‬‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬


‫‪9‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن محمد الناصر‬

‫اآلثــار الفقهيــة والقانونيــة للجوائــح علــى عقــد اإلجــارة (فيــروس كورونــا الجديد‬
‫أنموذجـ ًـا) ‪ -‬دراســة مقارنة‬
‫‪75‬‬ ‫د‪ .‬سعد بن علي بن تركي الجلعود‬

‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية دراسة فقهية تطبيقية‬


‫‪153‬‬ ‫د‪ .‬فيصل بن عبد الرحمن السحيباني‬

‫ُ‬ ‫ـول الـ َّـزكاة‬ ‫نيــة ُ َّ‬


‫(وتطبيقاتــه المعاصــرة)‬ ‫المكلــف فــي ُع ُروضــه علــى حـ ِ‬ ‫تغيــر َّ‬
‫ُّ‬ ‫أثـ ُـر‬
‫َّ‬
‫تطبيقيــة‬ ‫َّ‬
‫فقهيــة‬ ‫ـة‬ ‫دراسـ ٌ‬
‫‪209‬‬ ‫د‪ .‬نبيل بن محمد بن سعد اللحيدان‬

‫مانــع الــوطء ودواعيــه‪ ،‬أو‬


‫ِ‬ ‫الــوطء‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫مانــع‬
‫ِ‬ ‫أثــر الخلــوة بالزوجــة مــع وجــود‬
‫عدمهمــا فــي اســتقرار الصــداق دراســة فقهيــة‬
‫ِ‬
‫‪261‬‬ ‫د‪ .‬يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ‬

‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية دراسة تأصيلية قضائية‬


‫‪357‬‬ ‫د‪ .‬فهد بن عبد الرحمن الدهمش‬

‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية دراسة تحليلية‬
‫‪421‬‬ ‫أحمد بن بختيان العلوني‬

‫نقض اإلقطاع دراسة تطبيقية مقارنة بالفقه والنظام السعودي‬


‫‪481‬‬ ‫د‪ .‬محمد بن خالد بن عبد الله اللحيدان‬

‫مقصــد العــدل دراســة نظريــة تطبيقيــة علــى إجــراءات التحقيــق الجنائــي فــي‬
‫«نظــام اإلجــراءات الجزائيــة» الســعودي‬
‫‪567‬‬ ‫د‪ .‬إيمان بنت عبد الله بن عبد الواحد الخميس‬

‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية دراسة قانونية‬


‫‪643‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن سعدون العبد المنعم‬

‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬


‫‪693‬‬ ‫محمد عبد الباسط إبراهيم‬

‫‪6‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫كلمة رئيس التحرير‬

‫كلمة رئيس التحرير‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا حممد وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن من مقاصد الرشيعة اإلسالمية الغراء‪ :‬عنايتَها بمصالح الناس‪،‬‬
‫وحفظ رضورياهتم‪ ،‬يف دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫ويطالعكم هذا العدد يف مطلع العام اهلجري اجلديد ‪-‬جعله اهلل عام‬
‫خري وبركة‪ -‬والعامل ما يزال يف مواجهة جائحة كورونا‪ ،‬تلك اجلائحة التي‬
‫استجدت معها أنامط خمتلفة يف التعامالت واالحرتازات‪ ،‬تبعها تغري يف شتى‬
‫التعامالت واملجاالت‪.‬‬
‫ومع التغريات املعارصة‪ ،‬والنوازل احلادثة‪ ،‬وانفتاح الناس عىل‬
‫تعامالت متجددة؛ كان لزا ًما عىل املختصني مواكبة هذا الواقع واإلسهام فيه‬
‫بالدراسات العلمية الرصينة‪ ،‬املنبثقة من معني هذه الرشيعة التامة الكاملة‬
‫الصاحلة لكل زمان ومكان‪ ،‬وبام حيقق مصالح الناس يف معاشهم ومعادهم‪.‬‬
‫وهذا ما تسعى إليه (جملة قضاء) بسعي حثيث‪ ،‬ملتابعة للقضايا املستجدة‪،‬‬
‫والنوازل احلادثة‪ ،‬فجاء هذا العدد الرابع والعرشون من املجلة متنو ًعا يف أحد‬
‫عرش بحث ًا‪ ،‬من البحوث القضائية والعلوم املتصلة هبا‪ ،‬والداعمة لقضاياها‪،‬‬
‫والدارسة لنوازل اجلائحة وآثارها الفقهية‪ ،‬وبحث القضايا املعارصة‪.‬‬
‫والشكر موصول للجمعية العلمية القضائية السعودية عىل براجمها‬
‫املتميزة التي تصب يف خدمة القضاء والقضاة‪ ،‬وإعداد الدراسات القضائية‬

‫‪7‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫كلمة رئيس التحرير‬

‫ونرشها‪ ،‬وتنمية املوارد البرشية‪ ،‬وبناء قدرات اخلرجيني من خالل الربامج‬


‫التأهيلية القضائية املتنوعة للخرجيني يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬وطالب‬
‫املنح‪ ،‬وتأهيل املستشارين الرشعيني والقانونيني‪ ،‬وتقديم حزمة من الربامج‬
‫التأهيلية املتنوعة يف املجاالت ذات الصلة‪ ،‬يف ظل ما تشهده اململكة العربية‬
‫السعودية ‪-‬حرسها اهلل وحفظها ومحاها‪ -‬من تطور كبري يف شتى املجاالت‪،‬‬
‫بام حيقق التنمية‪ ،‬ويلبي حاجة املجتمع‪.‬‬
‫واهللَ نسأل أن حيفظ لنا ديننا‪ ،‬ووالة أمرنا‪ ،‬وعلامءنا‪ ،‬وأن يتقبل منا ومن‬
‫الباحثني‪ ،‬ويرزقنا اإلخالص يف العلم والعمل‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا‬
‫حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫رئيس تحرير مجلة قضاء‬

‫‪8‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية‬
‫في نظرية االلتزام‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن محمد الناصر‬


‫عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء‬

‫‪9‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫مقدمة‬
‫احلمد هلل‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل رسول اهلل‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪ ،‬وعىل آله‬
‫وصحبه ومن اهتدى هبداه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد مدَّ فقه الرشيعة ُرواقه عىل دور القضاء واإلفتاء والتعليم‪ ،‬فنهضت‬
‫هذه املجاالت ومتيزت‪ ،‬حتى كانت بعض دور اإلفتاء تستفتى «يف بعض‬
‫األحوال من قبل دول أوروبا يف بعض املسائل الغامضة احلقوقية»(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫االشتغال بالنظريات القانونية‪ ،‬ومن‬ ‫ثم شاع يف هذه األزمنة املتأخرة‬
‫ذلك‪ :‬نظرية االلتزام‪ ،‬التي ُعني هبا القانونيون‪ ،‬وعدُّ وها «‪-‬من القانون‬
‫املدين بل ومن القانون بعامة‪ -‬بمثابة العمود الفقري من اجلسم»(((‪ ،‬وك ُثر‬
‫البحث فيها تأليف ًا وتعلي ًام‪.‬‬
‫وملا كان مرجع أحكام هذه النظرية وأمثاهلا هو القانون بمصادره املختلفة‬
‫رغبت يف كتابة مراجعات فقهية إمجالية‬
‫ُ‬ ‫عن مصادر الفقه اإلسالمي‪ ،‬فقد‬
‫يف نظرية االلتزام‪ ،‬وقد جاءت عىل سبيل االختصار والرتكيز‪ ،‬واالقتصار‬
‫عىل املهامت‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل‪ ،‬وأسأله اهلدى والسداد وصواب القول‬
‫والعمل‪.‬‬
‫أمهية املوضوع‪:‬‬
‫يكتسب املوضوع أمهيته مما يأيت‪:‬‬

‫((( درر احلكام يف رشح جملة األحكام‪ ،‬لعيل حيدر ‪.620/4‬‬


‫((( الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪.114/1‬‬

‫‪10‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪1.‬تع ُّلقه بنظرية االلتزام التي اهتم هبا القانونيون كام سبق‪.‬‬
‫‪2.‬أمهية الدراسات الفقهية التي تزن النظريات القانونية بميزان‬
‫الرشيعة‪.‬‬
‫‪3.‬احلاجة إىل بيان أحكام الرشيعة يف هذه املوضوعات؛ ال سيام مع ما‬
‫هلا من حضور يف املجال التعليمي‪ ،‬بالرغم من أن املرجع يف موضوعاهتا‬
‫ال وقضاء‪ :‬ألحكام الفقه اإلسالمي‪.‬‬ ‫عم ً‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫سأسلك يف هذا البحث مناهج بحثية متنوعة‪ ،‬من أبرزها املنهج‬
‫االستنباطي والتحلييل والنقدي‪ ،‬وسأتبع يف كتابته اإلجراءات املعتادة يف‬
‫كتابة مثل هذه البحوث من حيث التوثيق والتعليق‪.‬‬
‫ونظر ًا لكون املقصود تقويم النظرية تقوي ًام فقهي ًا إمجالي ًا وليس تفصيل‬
‫جزئياهتا‪ ،‬فقد رست يف البحث عىل املنهج اآليت‪:‬‬
‫ال خمترص ًا‪،‬‬
‫أمهد للمراجعة الفقهية بعرض كالم القانونيني فيه جمم ً‬
‫معتمد ًا يف ذلك غالب ًا عىل كتاب «الوسيط» للسنهوري؛ لكونه من أوسع ما‬
‫كُتِب‪ ،‬ثم أتبعه باملراجعة التي تتضمن النقد الفقهي واملعامل الفقهية العامة‬
‫يف هذا املوضوع‪ ،‬وقد أشري إىل بعض الفروع الفقهية‪ ،‬وقد أورد النصوص‬
‫الفقهية عند االقتضاء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫تقسيامت البحث‪:‬‬
‫أوردت فيها مراجعات فقهية ملعنى‬
‫ُ‬ ‫مت البحث إىل ستة مباحث‪،‬‬ ‫قس ُ‬‫َّ‬
‫وسبقت‬
‫ُ‬ ‫االلتزام وحمله‪ ،‬ومصادره‪ ،‬وتنفيذه‪ ،‬وأوصافه‪ ،‬وانتقاله‪ ،‬وانقضائه‪،‬‬
‫وختمت البحث بخامتة متضمنة للنتائج والتوصيات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ذلك هبذه املقدمة‪،‬‬
‫وباهلل التوفيق‪ ،‬وهو املستعان‪ ،‬وعليه االعتامد‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث األول‬
‫مراجعات فقهية في معنى االلتزام ومحلّ ه‬
‫موضوع نظرية االلتزام عند القانونيني هو احلق الشخيص‪ ،‬فهو حق‬
‫بالنسبة إىل صاحب احلق (الدائن)‪ ،‬والتزام بالنسبة إىل من عليه احلق‬
‫(املدين)‪ ،‬وعليه فااللتزام عندهم‪ :‬تكليف عىل شخص ملصلحة شخص‬
‫آخر‪.‬‬
‫وحم ُّله عندهم‪:‬‬
‫ـ إما دين‪ ،‬وهو ما يتعلق بالذمة‪ ،‬من نقود أو أشياء‪ ،‬كرياالت‪ ،‬أو ُب ٍّر‪.‬‬
‫ـ وإما عني‪ ،‬و ُيقصد هبا العني املعينة بالذات‪ ،‬أما إذا كانت يف الذمة‬
‫فتدخل يف الدين‪ ،‬ويمثلون لاللتزام بالعني‪ :‬بالتزام البائع بتمليك املشرتي‬
‫العني التي اشرتاها‪ ،‬والتزام املو َدع عنده بحفظ العني املو َدعة‪ ،‬وتسليمها‪،‬‬
‫وستأيت مناقشة ذلك‪.‬‬
‫ـ وإما عمل‪ ،‬مثل‪ :‬التزام املقاول ببناء املبنى املتعاقد عليه‪.‬‬
‫ـ وإما امتناع عن عمل‪ ،‬مثل‪ :‬التزام العامل بعدم إفشاء األرسار املهنية‬
‫املتعلقة بالعمل‪ .‬ويسمى هذا بالنسبة إىل املدين‪ :‬التزام ًا سلبي ًا(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ ،103/1‬ومصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬له ‪،12/1‬‬
‫واملدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬للزرقا ص‪ ،61‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪،‬‬
‫د‪ .‬منذر الفضل ص‪ ،18‬واملبسوط يف رشح القانون املدين‪ ،‬د‪ .‬ياسني اجلبوري ‪.9/2‬‬

‫‪13‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة الفقهية يف وجود اختالف يف معنى االلتزام وحمله يف‬
‫الفقه اإلسالمي عام عند القانونيني‪ ،‬وبيان ذلك فيام يأيت‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬فيام يتعلق بمعنى االلتزام‪:‬‬
‫استعمل الفقهاء لفظ االلتزام‪ ،‬وإن مل يكن له داللة اصطالحية عند‬
‫عامتهم‪ ،‬كام عند القانونيني‪.‬‬
‫فمن استعامالت الفقهاء للفظ االلتزام تعريف الضامن بأنه «التزا ُم ما‬
‫ٍ‬
‫رشيد‬ ‫وجب عىل غريه مع بقائه‪ ،‬وما قد جيب» وتعريف الكفالة بأهنا «التزا ُم‬
‫حق ما ٌّيل لر ِّبه»(((‪.‬‬
‫إحضار َمن عليه ٌّ‬
‫َ‬
‫وهكذا استعملوه يف عباراهتم‪ ،‬كقول ابن تيمية ‪( ‬ت‪728 :‬هـ)‪:‬‬
‫«وأصل العقود أن العبد ال يلزمه يشء إال بالتزامه أو بإلزام الشارع‬
‫له»(((‪ ،‬وقول ابن القيم ‪( ‬ت‪751 :‬هـ)‪« :‬االلتزام تار ًة يكون برصيح‬
‫اإلجياب‪ ،‬وتارة يكون بالوعد‪ ،‬وتارة يكون بالرشوع كرشوعه يف اجلهاد‬
‫واحلج والعمرة»(((‪ ،‬وقول الشاطبي ‪( ‬ت‪790 :‬هـ)‪« :‬من رشط تعلق‬
‫اخلطاب إمكان فهمه؛ ألنه إلزام يقتيض التزام ًا»(((‪.‬‬

‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪ 372‬و‪.374‬‬ ‫(((‬


‫جمموع فتاوى ابن تيمية ‪.341/29‬‬ ‫(((‬
‫إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.361/3‬‬ ‫(((‬
‫املوافقات‪ ،‬للشاطبي ‪.442/1‬‬ ‫(((‬

‫‪14‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وتناول الفقهاء مسائل االلتزام ضمن املصنفات الفقهية‪ ،‬وأيض ًا فقد‬


‫صنف بعضهم استقالالً فيه‪ ،‬كام صنع الفقيه املالكي أبو عبد اهلل حممد‬
‫بن حممد احلطاب ‪( ‬ت‪954 :‬هـ) يف كتابه‪ :‬حترير الكالم يف مسائل‬
‫االلتزام‪ ،‬وبحث فيه معنى االلتزام وأركانه وأقسامه‪ ،‬وقسمه إىل أربعة‬
‫أقسام‪ :‬التزام غري معلق‪ ،‬والتزام معلق عىل فعل ِ‬
‫امللتزم‪ ،‬والتزام معلق عىل‬
‫امللتزم له‪ ،‬والتزام معلق عىل غري ذلك‪ ،‬وأورد حتت كل منها‪ :‬طائفة‬
‫فعل َ‬
‫كثرية من الفروع الفقهية‪.‬‬
‫ومع ما سبق إال أن معنى االلتزام عند الفقهاء خيتلف عن معناه عند‬
‫القانونيني‪ ،‬فقد قال احلطاب‪« :‬مدلول االلتزام لغة‪ :‬إلزام الشخص نفسه‬
‫ما مل يكن الزم ًا له‪ ،‬وهو هبذا املعنى شامل للبيع‪ ،‬واإلجارة‪ ،‬والنكاح‪،‬‬
‫والطالق‪ ،‬وسائر العقود‪ .‬وأما يف عرف الفقهاء فهو إلزام الشخص نفسه‬
‫شيئ ًا من املعروف مطلق ًا أو معلق ًا عىل يشء بمعنى العطية‪ ،‬وقد يطلق يف‬
‫العرف عىل ما هو أخص من ذلك وهو التزام املعروف بلفظ االلتزام‪ ،‬وهو‬
‫الغالب يف عرف الناس اليوم»(((‪.‬‬
‫وهبذا يتضح أن هناك فرق ًا من وجهني‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه عند الفقهاء خيتص بام يلزم به الشخص نفسه‪ ،‬أما عند‬
‫القانونيني فيشمل ما ُيلزم به الشخص نفسه وما َيلزمه‪ ،‬فهو عندهم شامل‬
‫لاللتزام واإللزام‪.‬‬

‫((( حترير الكالم يف مسائل االلتزام‪ ،‬للحطاب ص‪.68‬‬

‫‪15‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أنه عند الفقهاء يشمل ما يكون فيه احلق لشخص؛ كالعقود‬
‫والعهود التي يتعهد هبا‪ ،‬والرشوط التي يشرتطها‪ ،‬وما يكون فيه احلق هلل‬
‫تعاىل؛ كنذر صالة أو صوم أو اعتكاف أو صدقة مث ً‬
‫ال(((‪ ،‬أما عند القانونيني‬
‫فيختص بام يكون حق ًا لشخص عىل آخر‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬فيام يتعلق بمحل االلتزام يف الفقه‪:‬‬
‫ـ فقد يكون دين ًا‪ ،‬كثمن مؤجل‪ ،‬أو يشء موصوف‪ ،‬كام يف السلم‪.‬‬
‫ـ وقد يكون عمالً‪ ،‬كام يف اإلجارة عىل العمل‪.‬‬
‫ـ أما ما يسميه القانونيون التزام ًا بالعني‪ ،‬ويريدون به االلتزام بعني‬
‫معينة‪ ،‬بتمليكها أو تسليمها ونحو ذلك‪ ،‬فهذا ال يستقيم فقه ًا‪ ،‬ألن متليك‬
‫العني يقع بمجرد العقد‪ ،‬وليس التزام ًا ناشئ ًا عنه‪ ،‬فإذا بيعت العني املعينة‬
‫ال انتقلت ملكيتها بالعقد مبارشة‪ ،‬فال يقال‪ :‬إن البائع ملتزم بعد العقد‬ ‫مث ً‬
‫بتمليك املشرتي إياها‪ ،‬بل ال يبقى إال تسليمها‪ ،‬وتسليم العني إىل مالكها‬
‫ٍ‬
‫متعلق‬ ‫ٍ‬
‫بعمل‬ ‫‪-‬يف هذه الصورة ويف غريها‪ -‬أقرب إىل أن يكون التزام ًا‬
‫بالعني‪ ،‬وليس التزام ًا بالعني ذاهتا‪.‬‬
‫تأملت يف مدى وجود صورة يف الفقه لاللتزام بعني معينة فظهر يل‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ندرة ذلك‪ ،‬ومما يمكن أن يعد من هذا القبيل‪ :‬ما جاء يف الصحيحني عن أيب‬
‫هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬من أدرك ماله بعينه عند رجل أو‬

‫((( انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪146/6‬و‪147‬و‪ ،149‬وإنشاء االلتزام يف حقوق العباد‪ ،‬د‪.‬‬
‫حسن الغزايل ‪ 44/1‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫إنسان قد أفلس فهو أحق به من غريه))(((‪ ،‬فوجود حق للدائن يف عني هذا‬


‫املال يعني أن عىل املفلس التزام ًا بعينه‪.‬‬
‫ومن ذلك أيض ًا‪ :‬إذا باع شيئ ًا برشط اخليار‪ ،‬فامللك زمن اخليار‬
‫للمشرتي(((‪ ،‬مع التزامه بالعني إذا فسخ البائع العقد‪ ،‬وفيها تأمل‪ ،‬فقد تعود‬
‫إىل مسألة االلتزام بعمل؛ ألن الفسخ رفع ملك املشرتي للعني‪ ،‬وبقي التزامه‬
‫بتسليمها للبائع‪.‬‬
‫ـ وأما االلتزام باالمتناع عن عمل‪:‬‬
‫فقد يوجد يف االلتزامات غري العقدية؛ كااللتزام بعدم إتالف مال غريه‪.‬‬
‫أما يف االلتزامات العقدية بأن جيري التعاقد عىل االمتناع عن عمل‬
‫فهذا حمل بحث ونظر‪ ،‬وقد ذكر د‪ .‬مصطفى الزرقا ‪( ‬ت‪1420 :‬هـ)‬
‫يسوغ أن يكون االمتناع موضوع ًا مبارش ًا‬ ‫أنه مل يرد يف االجتهاد احلنفي ما ّ‬
‫ال جتاري ًا يف جانب‬ ‫لاللتزامات العقدية‪ ،‬كتعاقد اثنني عىل أال يفتح أحدمها حم ً‬
‫حمل اآلخر لبيع مثل بضاعته‪ ،‬لكن قد يكون موضوع ًا غري مبارش يف العقد‪،‬‬
‫فيقتضيه العقد بحسب أحكامه‪ ،‬كعدم استعامل املو َدع للوديعة(((‪.‬‬
‫وعند املالكية فرع فقهي يمكن أن يكون من قبيل االلتزام باالمتناع عن‬
‫ُف عني ولك دينار»‪ ،‬أي أن يطلب‬ ‫عمل بعوض‪ ،‬وذلك أهنم أجازوا‪« :‬ك َّ‬

‫((( رواه البخاري (‪ ،)2402‬ومسلم (‪.)1559‬‬


‫((( انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.39/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬للزرقا ص‪.86‬‬

‫‪17‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫من حيرض سوم سلعة من أحد احلارضين الذين أرادوا الزيادة يف سومها‬
‫الكف عن الزيادة؛ ليشرتهيا السائل ُبرخص‪.‬‬
‫َّ‬ ‫لرشائها‪ ،‬أو من بعضهم‪،‬‬
‫لكن ليس له سؤال اجلميع عندهم؛ ألنه «لو تواطأ الناس هبذا فسدت‬
‫البيوع ‪[ ...‬و] ألن توا ُط َؤهم عىل ذلك إفساد عىل البائع وإرضار به»(((‪،‬‬
‫َ‬
‫سؤال األكثر‪ ،‬أو سؤال الواحد الذي يقتدى به‬ ‫وعدُّ وا َ‬
‫مثل سؤال اجلميع‪:‬‬
‫يف الزيادة؛ ألنه يف معنى سؤال اجلميع(((‪.‬‬
‫ومن الفروع الفقهية ذات الصلة بمنع املعاوضة عىل االمتناع عن عمل‬
‫ما ذكره ابن قدامة ‪( ‬ت‪620 :‬هـ) من أنه يصح أن يدفع شخص آلخر‬
‫قبل البيع درمه ًا‪ ،‬ويقول‪ :‬ال تبع هذه السلعة لغريي‪ .‬فإن اشرتاها بعد ذلك‬
‫بعقد مبتدأ‪ ،‬وحسب الدرهم من الثمن‪ :‬صح‪ ،‬قال‪« :‬وإن مل يشرت السلعة يف‬
‫هذه الصورة مل يستحق البائع الدرهم؛ ألنه يأخذه بغري عوض‪ ،‬ولصاحبه‬
‫الرجوع فيه‪ ،‬وال يصح جعله عوض ًا عن انتظاره وتأخري بيعه من أجله‬

‫((( التاج واإلكليل‪ ،‬للمواق ‪.250/6‬‬


‫((( انظر‪ :‬املنتقى رشح املوطأ‪ ،‬للباجي ‪ ،107/5‬ورشح اخلريش عىل خمترص خليل ‪،83/5‬‬
‫والتاج واإلكليل‪ ،‬للمواق ‪ ،250/6‬ومنح اجلليل رشح خمترص خليل‪ ،‬لعليش ‪،60/5‬‬
‫وحيتمل أن يقال إن هذه الصورة التي أجازها املالكية وغريهم ‪ -‬وهي سؤال الواحد‬
‫أو البعض‪ -‬ال ختلو من املعنى الذي منعوا ألجله سؤال األكثر أو اجلميع‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫حرم إفساد السعر‬‫اإلفساد عىل البائع واإلرضار به‪ ،‬فيحتمل أن متنع كذلك؛ ألنه إذا َّ‬
‫عىل املشرتي بالزيادة ممن ال يريد الرشاء ولو كان واحد ًا‪ ،‬وذلك يف صورة النجش‪،‬‬
‫فكذلك إفساد السعر عىل البائع باالمتناع عن الزيادة ممن يريد الرشاء ولو كان واحد ًا‬
‫يف هذه الصورة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ألنه لو كان عوض ًا عن ذلك ملا جاز جعله من الثمن يف حال الرشاء‪ ،‬وألن‬
‫االنتظار بالبيع ال جتوز املعاوضة عنه»(((‪.‬‬
‫وتبقى املسائل التي يمثل هبا القانونيون لاللتزام باالمتناع عن العمل؛‬
‫كمسألة االمتناع عن املنافسة‪ ،‬ونحوها‪ ،‬حمل بحث يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،176/4‬وهذه الصورة ختتلف عن صورة العربون التي منعها‬
‫اجلمهور وأجازها احلنابلة‪ ،‬كام سيأيت يف موضوع االلتزام البديل‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث الثاني‬
‫مراجعات فقهية في مصادر االلتزام‬
‫املقصود بمصدر االلتزام عند القانونيني هو‪ :‬السبب القانوين الذي أنشأ‬
‫االلتزام‪ .‬فالتزام املشرتي بدفع الثمن مصدره عقد البيع‪ ،‬والتزام املتسبب يف‬
‫رضر بالتعويض عنه مصدره العمل غري املرشوع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وحيرصوهنا بخمسة مصادر‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1.‬العقد‪.‬‬
‫‪2.‬اإلرادة املنفردة‪.‬‬
‫‪3.‬الفعل الضار‪ ،‬أو العمل غري املرشوع‪( ،‬املسؤولية التقصريية)‪.‬‬
‫‪4.‬الفعل النافع (اإلثراء بال سبب)‪.‬‬
‫‪5.‬القانون(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ ،119/1‬واملدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬للزرقا‬
‫ص‪ ،97‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪ ،‬د‪ .‬منذر الفضل ص‪ ،21‬والوسيط يف‬
‫القانون املدين‪ :‬مصادر االلتزامات‪ ،‬املختار عطار ص‪.25‬‬

‫‪20‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وهذه املصادر مرت بتطورات‪ ،‬وتفاوتت فيها املدارس القانونية‪،‬‬


‫وحصل فيها انتقاد بني القانونيني أنفسهم(((‪ ،‬واقرتح بعض القانونيني‬
‫املعارصين أن يضاف إليها مصادر أخرى(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة يف أن هذه املصادر ناجتة عن نظر قانوين‪ ،‬وفيها نقاش‬
‫بني القانونيني كام سبق‪ ،‬أما مصادر االلتزام يف الفقه اإلسالمي فهي تعرف‬
‫بالنظر الرشعي‪ ،‬ومن ثم ال يصح ‪ -‬يف نظري ‪ -‬نقل هذه املصادر اخلمسة‬
‫وتطبيقها عىل الفقه اإلسالمي‪ ،‬كام يفعل بعض الباحثني‪ ،‬فالنقد الفقهي‬
‫وارد عليها‪ ،‬من جهة حرصها‪ ،‬ومن جهة تفاصيل أحكامها‪ ،‬ويتضح ذلك‬
‫من الوجوه اآلتية‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن االلتزام حكم رشعي‪ ،‬واحلكم الرشعي ُيبنى عىل دليل‬
‫رشعي‪ ،‬وأدلة الرشيعة هي الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‪ ،‬وبقية األدلة‬
‫التي تبحث يف أصول الفقه‪.‬‬

‫((( أشار السنهوري يف الوسيط ‪ 119/1‬إىل أن املصادر يف القوانني الالتينية هي‪ :‬العقد‬
‫وشبه العقد واجلريمة وشبه اجلريمة والقانون‪ ،‬وأن رشاح القوانني احلديثة اتفقوا‬
‫عىل انتقاد هذا الرتتيب‪ ،‬وأما القانون الروماين فكان ُيرجع االلتزامات إىل نوعني من‬
‫املصادر‪ :‬اجلريمة والعقد‪ ،‬ثم صارت التقنينات احلديثة إىل هذه املصادر اخلمسة‪ .‬كام‬
‫أشار د‪ .‬الزرقا يف املدخل إىل نظرية االلتزام العامة ص‪ 110‬إىل ظهور اجتاه حديث يرد‬
‫املصادر إىل قسمني أساسيني مها‪ :‬الترصف القانوين والواقعة القانونية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪ 355‬و‪ ،516‬فقد أضاف مصدرين‪ :‬األول‪:‬‬
‫احلكم القضائي‪ ،‬وذلك يف احلاالت التي يعدّ ل فيها القايض العقد‪ ،‬والثاين‪ :‬القرار‬
‫اإلداري‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وهذه األدلة‪:‬‬
‫ـ قد تكون مصدر ًا مبارش ًا لتقرير االلتزام‪ ،‬فيكون اللزوم «بإلزام من له‬
‫والية اإللزام‪ ،‬وهو اهلل تبارك وتعاىل»(((‪.‬‬
‫ـ وقد جتعل شيئ ًا ما سبب ًا لاللتزام؛ كالعقد الصحيح‪ ،‬فقد أمر اهلل بالوفاء‬
‫َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ُ‬
‫به يف قوله تعاىل‪﴿ :‬يأيها ٱلِين ءامنوا أوفوا بِٱلعقودِ﴾ ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويف احلالني فالرشع هو مصدر االلتزام‪ ،‬وذلك أن جعل يشء ما سبب ًا‬
‫لاللتزام أو ليس بسبب هو حكم رشعي‪ ،‬إذ السبب من قبيل احلكم الوضعي‬
‫الذي هو أحد قسمي احلكم الرشعي‪ ،‬كام هو مقرر يف علم أصول الفقه‪ ،‬فقد‬
‫عرف األصوليون احلكم الوضعي بأنه‪ :‬خطاب اهلل تعاىل بجعل اليشء سبب ًا‬ ‫ّ‬
‫أو رشط ًا أو مانع ًا أو صحيح ًا أو فاسد ًا(((‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬يؤكد عدم صحة جعل تلك املصادر اخلمسة هي مصادر‬
‫اختالف معنى االلتزام وما يدخل فيه عند علامء‬
‫ُ‬ ‫االلتزام يف الفقه اإلسالمي‬
‫الرشيعة عن معناه عند القانونيني؛ وذلك من وجهني سبق بياهنام‪ .‬فاختالف‬
‫معنى كل منهام وحدوده يقتيض اختالف ًا يف مصادره‪.‬‬

‫((( بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،332/7‬وانظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪.149/6‬‬


‫((( سورة املائدة‪.1 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله‪ ،‬د‪ .‬عياض السلمي ص‪.55‬‬

‫‪22‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫الوجه الثالث‪ :‬يؤكد ذلك أيض ًا وجود عدد من اإللزامات وااللتزامات‬


‫يف الرشيعة ال ترجع إىل يشء من املصادر اخلمسة‪ .‬ومن أمثلة ذلك(((‪:‬‬
‫‪1.‬بذل املعروف الواجب يف الرشيعة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫َََُۡ َ َۡ ُ َ‬
‫اعون ‪ .(((﴾٧‬وبناء‬ ‫ـ ما ذم اهلل عىل منعه يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ويمنعون ٱلم‬
‫عليه قرر الفقهاء أن‪(« :‬من اضطر إىل نفع مال الغري مع بقاء عينه) كثياب‬
‫(لدفع برد أو) حبل أو دلو (الستقاء ماء ونحوه وجب بذله له)‪ ،‬أي ملن‬
‫اضطر إليه (جمان ًا) مع عدم حاجته إليه؛ ألن اهلل تعاىل ذم عىل منعه بقوله‪:‬‬
‫َََُۡ َ َۡ ُ َ‬
‫اعون ‪.(((»﴾٧‬‬ ‫﴿ويمنعون ٱلم‬
‫ـ بذل املاء للعطشان وجوب ًا(((‪.‬‬
‫ـ متكني اجلار جاره وجوب ًا من وضع خشبة عىل جداره؛ لرضورة‬
‫التسقيف(((‪ ،‬كام يف حديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((ال يمنع جار جاره أن يغرز خشبة يف جداره))(((‪.‬‬
‫ـ الضيافة الواجبة‪ ،‬إذ «(جيب) عىل املسلم (ضيافة املسلم املجتاز به‬
‫يف القرى) دون األمصار (يوم ًا وليلة) قدر كفايته مع ُأدم‪ ،‬لقول الرسول‬
‫األمثلة هنا ويف املواضع األخرى مبنية عىل املعنى الواسع لاللتزام‪ ،‬بحيث يشمل‬ ‫(((‬
‫اإللزام‪.‬‬
‫سورة املاعون‪.7 :‬‬ ‫(((‬
‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.688‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السابق ص‪.45‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السابق ص‪.385‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البخاري (‪.)2463‬‬ ‫(((‬

‫‪23‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪(( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم ضيفه جائزته))‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وما جائزته يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬يومه وليلته)) متفق عليه(((‪ .‬وجيب‬
‫إنزاله ببيته مع عدم مسجد ونحوه‪ ،‬فإن أبى من نزل به الضيف‪ ،‬فللمضيف‬
‫طلبه به عند حاكم‪ ،‬فإن أبى فله األخذ من ماله بقدره»(((‪.‬‬
‫‪2.‬الزكاة املفروضة‪.‬‬
‫‪3.‬النفقات الواجبة‪ ،‬فإن منها ما ال يكون سببه العقد؛ كالنفقة عىل من‬
‫سوى الزوجة‪.‬‬
‫‪4.‬الكفارات الرشعية‪ ،‬وفيها جانب مايل‪.‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬يف مقابل ما سبق فهناك ما قد جيعله القانونيون سبب ًا‬
‫لاللتزام‪ ،‬وهو ليس كذلك يف الرشيعة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪1.‬العقود املحرمة رشع ًا ‪-‬كالعقود الربوية ورشاء اخلمر‪ -‬ليست‬
‫مصدر ًا لاللتزام رشع ًا(((‪ ،‬أما القانونيون فمعيار املرشوعية عندهم قانوين‬
‫ال رشعي‪ ،‬والعقد الربوي يرتب التزامات عندهم‪ ،‬وجتيز كثري من القوانني‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6135‬ومسلم (‪ ،)48‬من حديث أيب رشيح اخلزاعي ‪.‬‬
‫((( الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.688‬‬
‫((( وليس معنى ذلك أن من دخل فيها عىل علم وانتفع هبا مل يلزم بيشء‪ ،‬بل قرر شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬أن مثل هذا ال جيمع له بني العوض واملعوض‪ ،‬بل يؤخذ‬
‫منه ويرصف يف مصالح املسلمني؛ حتى ال يكون يف عدم إلزامهم به معونة هلم عىل‬
‫املعايص‪ .‬انظر جمموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،666/28‬و ‪ ،292/29‬و ‪.309/29‬‬

‫‪24‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫الفوائد الربوية وفق نسب حمددة‪ ،‬ولذلك يمثل الرشاح يف بعض موضوعات‬
‫االلتزام بالفوائد الربوية(((‪ ،‬وقد حتمي بعض القوانني جتارة اخلمر(((‪.‬‬
‫‪2.‬هناك صور تعد من جنس ما جيعله القانونيون إثراء بال سبب‪ ،‬فتنشئ‬
‫التزام ًا‪ ،‬وهي ليست كذلك رشع ًا‪ ،‬ومن ذلك عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫ـ ما يملك من اللقطة مما ال تتبعه مهة أوساط الناس‪ ،‬فقد قال جابر‬
‫بن عبد اهلل ‪« :‬رخص لنا رسول اهلل ‪ ‬يف العصا والسوط‬
‫واحلبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به»(((‪ ،‬وقد قرر الفقهاء أنه «ال يلزمه‬
‫دفع بدله»(((‪.‬‬
‫ـ أكل املار ببستان ال حائط عليه وال ناظر جمان ًا‪ ،‬فقد قرر الفقهاء أن‪:‬‬
‫«(من مر بثمر بستان يف شجره‪ ،‬أو متساقط عنه‪ ،‬وال حائط عليه) أي عىل‬
‫البستان‪( ،‬وال ناظر) أي حافظ له‪( ،‬فله األكل منه جمان ًا من غري محل) ولو‬
‫بال حاجة‪ ،‬روي عن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وغريهم‪ ،‬وليس له‬

‫مثال‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪( 12/1‬حاشية) و‪ 501/1‬و‪.882/2‬‬ ‫انظر ً‬ ‫(((‬


‫ذكر د‪ .‬سمري عالية يف كتابه الوجيز يف القانون التجاري ص‪ ،252‬أنه‪« :‬قيض يف لبنان‬ ‫(((‬
‫بأنه إذا اشتهر صنف من اخلمر باسم شخصمعني فإنه ال جيوز لشخص آخر حيمل ذات‬
‫االسم أن يستعمل هذا االسم يف صناعة وجتارة اخلمر ما مل يدخل عليه إضافات متيزه‬
‫عن االسم األول؛ منع ًا للمزامحة غري املرشوعة»!‪ ،‬أما يف رشيعة رب العاملني فكل هذا‬
‫حمرم‪ ،‬روى جابر ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬إن اهلل حرم بيع اخلمر ‪ ))..‬أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)2236‬ومسلم (‪.)1581‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)1717‬ويف إسناده ضعف‪ ،‬واختلف يف رفعه ووقفه؛ كام قال ابن‬ ‫(((‬
‫حجر يف فتح الباري ‪.85/5‬‬
‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.448‬‬ ‫(((‬

‫‪25‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫صعود شجرة وال رميه بيشء‪ ،‬وال األكل من جمني جمموع إال لرضورة‪ ،‬وكذا‬
‫زرع قائم ورشب لبن ماشية»(((‪.‬‬
‫‪3.‬القانون مصدر لاللتزام مطلق ًا عند القانونيني‪ ،‬لكنه رشع ًا ليس‬
‫مصدر ًا لاللتزام إذا خالف الرشيعة؛ كام سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫ويتبني من الوجهني الثالث والرابع أن هذه املصادر اخلمسة ليست‬
‫جامعة وال مانعة بالنسبة إىل أحكام الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫الوجه اخلامس‪ :‬مع كون العقد الصحيح مصدر ًا لاللتزام رشع ًا‪ ،‬سواء‬
‫أكان عقد ًا بني متعاقدين‪ ،‬أم انفرد به العاقد‪ ،‬وهو ما يسميه القانونيون‪:‬‬
‫اإلرادة املنفردة‪ ،‬ومع كون اإلتالف موجب ًا للضامن‪ ،‬مع ذلك فهناك اختالف‬
‫يف تفاصيل أحكامها التي يقررها القانونيون عام يقرره فقهاء الرشيعة فيها‪،‬‬
‫وإن اشرتكت بعض املصطلحات‪ ،‬ومن أوجه االختالف‪:‬‬
‫‪1.‬يف العقد‪ :‬هناك اختالف يف معيار املرشوعية‪ ،‬وقد سبق‪ ،‬واختالف‬
‫يف أركان العقد‪ ،‬فالقانونيون يبنون العقد عىل أركان ثالثة‪ :‬الرتايض واملحل‬
‫والسبب‪ ،‬ويرتبون عىل ذلك أحكام ًا موضوعية عند ختلف الركن أو وجود‬
‫ال لإلبطال‪ ،‬وهذا كله خمتلف عن‬ ‫شائبة فيه‪ ،‬من إبطال العقد‪ ،‬أو جعله قاب ً‬
‫تقرير الفقهاء فيه‪:‬‬
‫فالرتايض رشط يف العاقدين وليس ركن ًا‪.‬‬

‫((( السابق ص‪.688‬‬

‫‪26‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫واملحل ركن عند اجلمهور؛ خالف ًا للحنفية(((‪.‬‬


‫والسبب ليس ركن ًا‪ ،‬ثم إن اصطالح القانونيني بالسبب خمتلف عن‬
‫اصطالح الفقهاء‪ ،‬فالقانونيون يعنون بالسبب‪ :‬الباعث والغرض املبارش(((‪،‬‬
‫أما يف اصطالح الفقهاء فيطلق عدة إطالقات‪ ،‬ليس منها الباعث أو الغرض‪،‬‬
‫ومن إطالقاته عندهم أن السبب ما حتسن إضافة احلكم إليه‪ ،‬كملك النصاب‬
‫سبب لوجوب الزكاة‪ ،‬وقد يقولون‪ :‬السبب ما يلزم من وجوده الوجود‪،‬‬
‫ومن عدمه العدم لذاته(((‪.‬‬
‫‪2.‬يف اإلرادة املنفردة‪ :‬يرد النقد عىل هذا املصطلح من جهة أن اإلرادة‬
‫ليست هي التي تنشئ االلتزام‪ ،‬بل الترصف الناشئ عنها‪ ،‬والفقهاء يبحثون‬
‫يف الصيغة التي ينعقد هبا كل نوع من أنواع الترصفات‪.‬‬
‫ويمكن تسمية هذا النوع‪ :‬بالترصفات املنفردة بدالً من اإلرادة‪،‬‬
‫والفقهاء قد يسموهنا عقد ًا وإن كانت من طرف واحد‪ .‬قال الزركيش ‪‬‬
‫(ت‪794 :‬هـ)‪« :‬وللعقد الرشعي اعتبارات‪ :‬األول‪ :‬باعتبار االستقالل به‬
‫وعدمه‪ ،‬إىل رضبني‪ :‬عقد ينفرد به العاقد‪ ،‬وعقد ال بد فيه من متعاقدين»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،133/5‬ومواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪،258/4‬‬ ‫(((‬


‫وأسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪ ،3/2‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت ‪،146/3‬‬
‫واملوسوعة الفقهية ‪.200/30‬‬
‫انظر‪ :‬الوسيط للسنهوري ‪.456/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املستصفى للغزايل ص‪ ،75‬وأصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله‪ ،‬د‪ .‬عياض‬ ‫(((‬
‫السلمي ص‪.55‬‬
‫املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬للزركيش ‪.397/2‬‬ ‫(((‬

‫‪27‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وهذه العقود أو الترصفات املنفردة ال جتمعها أحكام واحدة‪ ،‬بل ختتلف‬


‫فيام بينها‪ ،‬وإن كان بينها أحكام مشرتكة‪ ،‬لكن أحكام الوقف مث ً‬
‫ال ختتلف‬
‫عن أحكام الوصية‪ ،‬وهكذا يف سائر عقود التربعات؛ مما ال يكون مراعى‬
‫عند القانونيني‪.‬‬
‫‪3.‬يف الفعل الضار املوجب للتعويض‪ ،‬أو ما يسمى باملسؤولية‬
‫التقصريية‪ ،‬وهي يف الفقه اإلسالمي أحكام اإلتالفات ونحوها املوجبة‬
‫للضامن‪ ،‬يبنيها القانونيون عىل اخلطأ والرضر وعالقة السببية‪ ،‬أما الفقهاء‪:‬‬
‫جهة‪ :‬فاصطالحهم بـ«اخلطأ» يراد به خالف العمد‪ ،‬ال كل فعل‬ ‫ٍ‬ ‫فمن‬
‫ضار‪ ،‬وضامن اإلتالف يكون يف حال العمد وحال اخلطأ(((‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ :‬ال يكتفون بالنظر إىل كون الفعل ضار ًا‪ ،‬بل يفصلون يف‬
‫درجته‪ ،‬ويفرقون بني التسبب واملبارشة‪ ،‬ويبحثون يف أحكام ضامن كل من‬
‫املتسبب واملبارش‪ ،‬واجتامعهام(((‪ ،‬وعندهم أيض ًا‪ :‬يرجع الضامن إىل أسباب‬
‫متعددة(((‪ ،‬ويف بعض صوره قد يقع التلف بسبب آفة ساموية‪ ،‬ويلزم ضامنه‪،‬‬

‫((( قال البهويت يف كشاف القناع ‪(« :116/4‬ومن أتلف) من مكلف وغريه إن مل يدفعه‬
‫إليه ربه (ولو) كان اإلتالف (خطأ أو سهو ًا ماالً حمرتم ًا لغريه بغري إذنه) أي‪ :‬املالك‬
‫(ضمنه)»‪ ،‬واملقصود أن القانونيني يطلقون اخلطأ عىل كل فعل ضار‪ ،‬والفقهاء يعربون‬
‫باخلطأ هنا يف مقابلة العمد‪ ،‬واملقابلة بينهام وردت يف النصوص الرشعية‪ ،‬كاآليتني ‪92‬‬
‫و‪ 93‬من سورة النساء‪ ،‬واآلية ‪ 5‬من سورة األحزاب‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد‪ ،‬البن رجب القاعدة ‪ 127‬ص‪.284‬‬
‫((( انظر‪ :‬السابق القاعدة ‪ 89‬ص‪ ،204‬واألشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي ص‪.362‬‬

‫‪28‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫كام يف تضمني الغاصب(((‪ .‬وليست هذه األحكام موجودة لدى القانونيني‬


‫عىل هذا النحو‪.‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ :‬يوجد يف الرشيعة ‪-‬يف هذا الباب‪ -‬ما ال نظري له يف‬
‫القوانني‪ ،‬فدية اخلطأ ‪-‬وهي التزام مايل‪ -‬تتحملها عاقلة اجلاين‪ ،‬وهم عصبته‬
‫الذكور(((‪ ،‬مع أن اخلطأ صدر من اجلاين نفسه‪.‬‬
‫ما يسميه القانونيون‪ :‬اإلثراء بال سبب‪ ،‬ال يوجد يف الفقه اإلسالمي‬
‫عىل هذا النحو‪ ،‬وهو يتعلق بمسائل متفرقة يف أحكامها وأبواهبا يف الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كترصف الفضويل‪ ،‬ومن دفع عن غريه ماالً بنية الرجوع‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬‬
‫مما سبق كله يتبني أن مصدر االلتزام هو الرشع؛ إما بتقرير االلتزام‬
‫مبارشة‪ ،‬وإما بجعل يشء سبب ًا لاللتزام؛ كالعقد الصحيح رشع ًا‪ ،‬وكاإلتالف‬
‫املوجب للضامن‪.‬‬
‫أما حرص أسباب االلتزام يف الفقه اإلسالمي فهذا يفتقر إىل نظر تفصييل‬
‫يف املسائل الفقهية املشتملة عىل التزام‪ ،‬ور ّد كل منها إىل سببه الرشعي(((‪،‬‬
‫((( ومما يضمنه الغاصب كذلك‪ :‬نقص قيمة املغصوب الناتج عن تغري صفته بنفسه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫كشاف القناع‪ ،‬للبهويت ‪ 89/4‬و‪ ،106‬والقواعد البن رجب‪ ،‬واملوسوعة الفقهية‬
‫‪ 229/28‬وما بعدها و‪.243/31‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.324/3‬‬
‫((( أشار د‪ .‬الزرقا يف املدخل إىل نظرية االلتزام العامة ص‪ 112‬إىل أن أجزاء النظرية‬
‫‪-‬بالنسبة إىل الفقه اإلسالمي‪ -‬متفرقة يف تعليل جزئيات األحكام فيه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وقد أشار بعض الفقهاء إىل أجناسها‪ ،‬كام قال الزركيش ‪( ‬ت‪:‬‬
‫‪794‬هـ)‪« :‬وأما حقوق اآلدميني املالية فإنام جتب بسبب مبارشته من التزام‬
‫أو إتالف»‪ ،‬وقال‪« :‬ما أوجبه اهلل تعاىل عىل املكلفني ينقسم إىل‪ :‬ما يكون‬
‫سببه جناية‪ ،‬ويسمى عقوبة‪ ... ،‬وإىل ما يكون سببه إتالف ًا‪ ،‬ويسمى ضامن ًا‪،‬‬
‫وإىل ما يكون سببه التزام ًا‪ ،‬ويسمى ثمن ًا أو أجرة أو مهر ًا أو غريه‪ ،‬ومنه‬
‫أداء الديون والعواري والودائع‪ ،‬واجبة بااللتزام‪ ،‬ونفقة القريب والزوجة‬
‫والرقيق»(((‪.‬‬
‫واستقراء أسباب االلتزام يف الفقه اإلسالمي أوىل ‪-‬يف نظري‪ -‬من نقل‬
‫املصادر اخلمسة مع تعديل املصدر اخلامس من «القانون» إىل «الرشع»(((؛‬
‫ألن مفاد ذلك التعديل أن املصادر األربعة األخرى قسيم للرشع ال قسم‬
‫منه‪ ،‬وألن جعلها هي أسباب االلتزام الرشعية حرص ًا ودون استقراء فقهي‬
‫حمل نظر‪.‬‬

‫((( املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬للزركيش ‪ 60/2‬و‪ ،392/3‬وانظر‪ :‬املوسوعة الفقهية‬


‫‪.150/6‬‬
‫((( انظر ً‬
‫مثال‪ :‬املدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬د‪ .‬مصطفى الزرقا ص‪.98‬‬

‫‪30‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث الثالث‬
‫مراجعات فقهية في تنفيذ االلتزام‬
‫تنفيذ االلتزام عند القانونيني نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬التنفيذ العيني‪ :‬بأن يؤدي ِ‬
‫امللتزم عني ما التزم به‪ ،‬سواء أكان حمل‬
‫االلتزام إعطا َء يشء‪ ،‬أو عمالً‪ ،‬أو امتناع ًا عن عمل‪ .‬ويسمى أيض ًا‪ :‬الوفاء‪.‬‬
‫وهو األصل إذا توفرت رشوطه‪.‬‬
‫بمقابل عن طريق التعويض‪ ،‬بأن يدفع املدين تعويض ًا‬ ‫ٍ‬ ‫الثاين‪ :‬التنفيذ‬
‫للدائن عن عدم تنفيذ االلتزام تنفيذ ًا عيني ًا‪.‬‬
‫ويف احلالني قد يكون التنفيذ اختياري ًا‪ ،‬وقد يكون جربي ًا؛ كام يف قضاء‬
‫التنفيذ(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة الفقهية يف اإلشارة إىل بعض القيود الفقهية‬
‫والتفصيالت‪ ،‬ومناقشة بعض االصطالحات‪ ،‬وبيان ذلك فيام يأيت‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬األصل وجوب وفاء امللتزم((( بنفس ما التزم به‪ ،‬سواء أكان‬
‫﴿ي َأ ُّيهاَ‬
‫عقد ًا الزم ًا أو رشط ًا يف عقد‪ ،‬أو نحو ذلك؛ امتثاالً لقوله تعاىل‪ٰٓ َ :‬‬
‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪757/2‬و‪ 823‬وما بعدمها‪ ،‬ومصادر االلتزامات‬
‫وأحكامها‪ ،‬د‪ .‬منذر الفضل ص‪ ،387‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل ص‪،123‬‬
‫وأحكام االلتزام واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪ 230‬و‪ ،244‬واملبسوط يف رشح‬
‫القانون املدين‪ ،‬د‪ .‬ياسني اجلبوري ‪ ،21/2‬وانظر املواد اآلتية من نظام التنفيذ والئحته‪:‬‬
‫‪.2/95 ،95 ،68 ،46 ،34 ،23 ،20 ،16 ،3/9 ،1‬‬
‫((( قسم بعضهم االلتزامات إىل ما جيب الوفاء به‪ ،‬وما يستحب‪ ،‬وما جيوز‪ ،‬وما حيرم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪ 162/6‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ُ‬
‫ٱلِين ءامنوا أوفوا بِٱلعقودِ﴾ ‪ ،‬وقول النبي ‪(( :‬املسلمون عىل‬
‫(((‬

‫رشوطهم‪ ،‬إال رشط ًا حرم حالالً أو أحل حرام ًا))(((‪.‬‬


‫لكن مصطلح «التنفيذ العيني» ليس مستعم ً‬
‫ال عند الفقهاء‪ ،‬وال يتناسب‬
‫مع اصطالحهم يف «العني» التي تقابل الدين‪ ،‬فالدين حمله الذمة‪ ،‬أما اليشء‬
‫غري الثابت يف الذمة فيطلق عليه اسم املعني(((‪.‬‬
‫ويفصل الفقهاء يف أحكام الوفاء‪ ،‬من حيث زمنه ومكانه ومؤنته ونحو‬
‫ذلك(((‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬ما يسميه القانونيون‪ :‬التنفيذ بطريق التعويض يدخل فيام‬
‫يعرب عنه الفقهاء باالعتياض‪ ،‬قال ابن تيمية ‪( ‬ت‪728 :‬هـ)‪« :‬وأما ما‬
‫يف الذمة فاالعتياض عنه من جنس االستيفاء»(((‪.‬‬
‫واالعتياض عن الدين بيشء من غري جنسه‪ ،‬كمن باع بدراهم واعتاض‬
‫عنها دنانري؛ جيوز برشطني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون بسعر يومها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يتقابضا قبل التفرق‪.‬‬

‫سورة املائدة‪.1 :‬‬ ‫(((‬


‫أخرجه الرتمذي (‪ ،)1352‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وعلقه البخاري يف كتاب‬ ‫(((‬
‫اإلجارة بلفظ‪(( :‬املسلمون عند رشوطهم))‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.133/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬استيفاء الديون يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬مزيد املزيد ص‪ 589‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى ‪.512/29‬‬ ‫(((‬

‫‪32‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫حلديث ابن عمر ‪ ‬وفيه أنه سأل رسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬‬


‫«إين أبيع اإلبل بالبقيع‪ ،‬فأبيع بالدنانري‪ ،‬وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم‪،‬‬
‫وآخذ الدنانري‪ ،‬آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه»‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫‪(( :‬ال بأس أن تأخذها بسعر يومها ما مل تفرتقا وبينكام يشء))(((‪.‬‬
‫وأما دين السلم خاصة فيضيق فيه مجهور الفقهاء‪ ،‬فال جييزون االعتياض‬
‫عنه(((؛ اعتامد ًا عىل حديث‪(( :‬من أسلم يف يشء فال يرصفه إىل غريه))(((‪،‬‬
‫وألنه بيع ما مل يقبض‪ ،‬وجوزه شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( ‬ت‪728 :‬هـ)‬
‫بسعر الوقت أو أقل(((‪.‬‬
‫ويدخل يف التعويض أيض ًا ضامن األعيان املتلفة؛ بمثلها يف املثليات‪،‬‬
‫وبقيمتها يف القيميات‪ ،‬ويدل عليه حديث أنس ‪ ‬قال‪ :‬أهدت بعض‬
‫أزواج النبي ‪ ‬إىل النبي ‪ ‬طعام ًا يف قصعة‪ ،‬فرضبت‬
‫عائشة القصعة بيدها‪ ،‬فألقت ما فيها‪ ،‬فقال النبي ‪(( :‬طعام‬
‫بطعام‪ ،‬وإناء بإناء))(((‪.‬‬

‫أخرجه أمحد (‪ ،)6239‬وأبو داود (‪ ،)3354‬والنسائي (‪ ،)4582‬وضعفه بعض أهل‬ ‫(((‬


‫العلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،214/5‬وبداية املجتهد ‪ ،221/3‬واملهذب‪،‬‬ ‫(((‬
‫للشريازي ‪ ،80/2‬ورشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.96/2‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)3468‬وابن ماجه (‪ ،)2283‬وضعفه بعض أهل العلم‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،518/12‬وقال عن احلديث‪ :‬يف إسناده نظر‪.‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه الرتمذي (‪ ،)1359‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪33‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫األمر الثالث‪ :‬فيام يتعلق بالتنفيذ االختياري واجلربي يف الفقه اإلسالمي‬


‫فاملدين له أحوال‪:‬‬
‫فإن كان مورس ًا وجب عليه الوفاء‪ ،‬فإذا ختلف عنه بغري عذر فهو‬
‫مماطل‪ ،‬واملامطلة ظلم يستوجب العقوبة الدنيوية واألخروية؛ لقول النبي‬
‫‪(( :‬مطل الغني ظلم))(((‪ ،‬ولقوله ‪(( :‬يل الواجد حيل‬
‫عرضه وعقوبته))(((‪ ،‬ولذلك حيمل عىل الوفاء بوسائل متعددة‪ ،‬منها ما‬
‫يتعلق بشخصه‪ ،‬ومنها ما يتعلق بامله‪.‬‬
‫وإن كان مفلس ًا ‪-‬وهو من َدينُه أكثر من ماله‪ -‬فإن احلاكم حيجر عليه‬
‫بطلب الدائنني‪ ،‬وجيوز للحاكم بيع ماله جرب ًا عليه‪ ،‬ويقسم عىل الدائنني‬
‫بنسبة ديوهنم‪.‬‬
‫َ َ‬
‫وإن كان معرس ًا وثبت إعساره فإنه جيب إنظاره؛ لقوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون كن‬
‫سة ٖ َف َن ِظ َرةٌ إ َ ٰل َم ۡي َ َ‬
‫سة ٖ﴾(((‪.‬‬ ‫ُذو ُع ۡ َ‬
‫ِ‬
‫وجيوز إجبار املدين عىل التكسب لوفاء دينه إذا كان قادر ًا عليه(((‪.‬‬
‫وهذه األحكام مبسوطة يف كتب الفقه(((‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)2287‬ومسلم (‪.)1564‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البخاري يف كتاب االستقراض معلق ًا؛ فقال‪ :‬ويذكر عن النبي ‪،‬‬ ‫(((‬
‫وأخرجه أمحد (‪ ،)17946‬وأبو داود (‪ ،)3628‬والنسائي (‪ ،)4689‬وابن ماجه‬
‫(‪.)2427‬‬
‫سورة البقرة‪.280 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.170/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬استيفاء الديون يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬مزيد املزيد ص‪ 63‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪34‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث الرابع‬
‫مراجعات فقهية في أوصاف االلتزام‬
‫االلتزام املوصوف عند القانونيني هو‪ :‬ما كان فيه رشط أو أجل‪ ،‬أو‬
‫وصف من ذلك‬
‫ٌ‬ ‫تعدد حمله‪ ،‬أو تعدد فيه الدائن أو املدين‪ .‬فإذا مل يلحقه‬
‫سمي التزام ًا بسيط ًا‪.‬‬
‫ونتناول هذه األوصاف يف املطالب الثالثة اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشرط واألجل‪:‬‬

‫يقصد القانونيون بالرشط‪ :‬تعليق وجود االلتزام أو زواله عىل أمر‬


‫مستقبل غري حمقق الوقوع‪.‬‬
‫وله نوعان‪:‬‬
‫ـ رشط واقف‪ ،‬وهو الذي يعلق عليه وجود االلتزام‪.‬‬
‫ـ ورشط فاسخ‪ ،‬وهو الذي يعلق عليه زوال االلتزام‪.‬‬
‫ولتحقق الرشط ‪-‬بنوعيه‪ -‬أثر رجعي عندهم‪.‬‬
‫أما األجل فهو كالرشط‪ ،‬إال أنه أمر مستقبل حمقق الوقوع‪ ،‬وليس له أثر‬
‫رجعي‪.‬‬
‫وله نوعان‪:‬‬
‫ـ أجل واقف يرتتب عىل حلوله نفاذ االلتزام‪ ،‬كالتزام املشرتي بدفع‬
‫الثمن يف تاريخ حمدد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ـ وأجل فاسخ يرتتب عىل حلوله انقضاء االلتزام؛ كالعقود التي هلا مدة‪،‬‬
‫فنهاية مدهتا أجل فاسخ‪ ،‬وقد يسميه بعض القانونيني‪ :‬األجل ا ُملنهي(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة الفقهية يف أن الرشط واألجل ال يصح ورودمها‬
‫‪-‬فقه ًا‪ -‬يف كثري من االلتزامات‪ ،‬وبيان ذلك فيام يأيت‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬فيام يتعلق بالرشط‪ ،‬فالرشوط يف االلتزام نوعان‪ :‬رشط‬
‫َ‬
‫إطالق االلتزام‪ ،‬ورشط تعليقي‪ ،‬يعلق عليه االلتزام‪ ،‬وهو حمل‬ ‫تقييدي يقيد‬
‫كالم القانونيني هنا‪ ،‬فالبحث إذن عن تعليق االلتزام بالرشط‪.‬‬
‫والترصفات من حيث قبوهلا التعليق أو عدم قبوهلا له عىل رضبني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬ترصفات ال تقبل التعليق‪ ،‬كالبيع واإلجارة والوقف واهلبة(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ترصفات تقبل التعليق‪ ،‬كالطالق والوالية والوصية والوكالة‬
‫والفسخ‪.‬‬

‫((( انظر يف الرشط واألجل‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ 8/3‬و‪ ،74/3‬ومصادر االلتزامات‬


‫وأحكامها‪ ،‬د‪ .‬منذر الفضل ص‪ 505‬و‪ ،515‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل‬
‫ص‪ ،11‬وأحكام االلتزام واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪.279‬‬
‫((( واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية فيها كلها صحة التعليق‪ .‬انظر‪ :‬اختيارات شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية الفقهية‪ ،‬ملجموعة من الباحثني ‪ 211/6‬و‪ 120/8‬و‪ 187/8‬و‪.404/8‬‬

‫‪36‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫أن «ما كان متليك ًا حمض ًا ال يدخل التعليق فيه قطع ًا؛ كالبيع‪،‬‬
‫وضابط ذلك َّ‬
‫حل حمض ًا يدخله التعليق قطع ًا ‪ ...‬وبني املرتبتني مراتب جيري‬ ‫‪..‬وما كان ّ‬
‫فيها اخلالف»(((‪.‬‬
‫وبه يتبني أن الرشط التعليقي ال َي ِرد عىل مصدر من أهم مصادر االلتزام‪،‬‬
‫وهو البيع‪ ،‬فال جيوز يف اجلملة تعليق البيع عىل الرشط يف املذاهب األربعة(((‪،‬‬
‫فمن أنواع الرشوط الفاسدة‪« :‬ما ال ينعقد معه بيع‪ ،‬نحو (بعتك إن جئتني‬
‫بكذا أو) إن (ريض زيد) بكذا»(((‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( ‬ت‪728 :‬هـ) جواز تعليق البيع‬
‫بالرشط‪ ،‬وهي رواية عن أمحد ‪.(((‬‬
‫وأما هل يكون للرشط أثر رجعي؟‬
‫فاألثر الرجعي يعرب عنه بعض الفقهاء بمصطلح‪ :‬االستناد(((‪ ،‬أو‪:‬‬
‫االنعطاف(((‪ ،‬لكن لعل الفقهاء مل يبحثوه هنا؛ ألهنم مل يصححوا التعليق‬
‫أصالً‪ ،‬لكن أشار إىل هذه املسألة بعض من صححه‪ ،‬كالشيخ العثيمني‬

‫املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬للزركيش ‪ ،377/1‬وانظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪.313/12‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ،242/5‬ورشح الزرقاين عىل خليل وحاشية البناين ‪،8/5‬‬ ‫(((‬
‫واملهذب‪ ،‬للشريازي ‪ ،19/2‬ورشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪14/2‬و‪.33‬‬
‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.332‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪.190/6‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬األشباه والنظائر‪ ،‬البن نجيم ص‪.270‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬األشباه والنظائر‪ ،‬للسبكي ‪ 144/1‬و‪ ،403‬واألشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي‬ ‫(((‬
‫ص‪ 26‬و‪ 27‬و‪.29‬‬

‫‪37‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪( ‬ت‪1421 :‬هـ) فقد قال‪« :‬وعىل القول بالصحة متى ينتقل امللك‬
‫هل هو بالعقد أو بوجود الرشط؟ حيتمل وجهني‪ :‬األول‪ :‬أنه بالعقد‪ ،‬ألنه‬
‫يقول‪ :‬إن ريض زيد‪ ،‬أي‪ :‬فالعقد هذا صحيح‪ .‬الثاين‪ :‬حيتمل إن ريض زيد‬
‫فقد تم العقد‪ .‬والظاهر األول‪ :‬أن امللك يثبت بالعقد األول؛ ألن هذا عقد‬
‫تام‪ .‬لكن لزومه معلق عىل رشط‪ ،‬فإذا حصل الرشط تبني صحة العقد»(((‪.‬‬
‫ومل يستعمل الفقهاء مصطلح الرشط الواقف والرشط الفاسخ‪ ،‬لكن‬
‫يتضح مما سبق أن تعليق العقود هو من قبيل ما يسميه القانونيون الرشط‬
‫الوقف‪ ،‬وتعليق الفسخ هو من قبيل ما يسمونه الرشط الفاسخ‪.‬‬
‫ومن األمثلة الفقهية التي اجتمع فيها هذا النوعان من الرشط هذه املسألة‬
‫يف الوصية‪(« :‬وإن قال) املويص‪( :‬إن قدم زيد فله ما وصيت به لعمرو‪،‬‬
‫فقدم) زيد (يف حياته) أي حياة املويص (فله) أي فالوصية لزيد لرجوعه عن‬
‫األول ورصفه إىل الثاين معلق ًا بالرشط وقد وجد‪( ،‬و) إن قدم زيد (بعدها)‬
‫أي بعد حياة املويص فالوصية (لعمرو)‪ ،‬ألنه ملا مات قبل قدومه استقرت‬
‫له لعدم الرشط يف زيد‪ ،‬ألن قدومه إنام كان بعد ملك األول وانقطاع حق‬
‫املويص منه»(((‪.‬‬
‫فيمكن أن يعد التعليق عىل قدوم زيد رشط ًا واقف ًا بالنسبة إىل زيد‪،‬‬
‫وفاسخ ًا بالنسبة إىل عمرو‪.‬‬

‫((( الرشح املمتع‪ ،‬للعثيمني ‪ ،251/8‬وانظر‪ :‬غمز عيون البصائر‪ ،‬للحموي ‪،348/3‬‬
‫فقد قال يف البيع املوقوف‪« :‬إنه باإلجازة يستند إىل وقت البيع حتى يملك املشرتي‬
‫الزوائد املتصلة واملنفصلة»‪.‬‬
‫((( الروض املربع ص‪.470‬‬

‫‪38‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫األمر الثاين‪ :‬فيام يتعلق باألجل فلم يستعمل الفقهاء مصطلح األجل‬
‫الواقف والفاسخ‪ ،‬لكن حقيقتهام موجودة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬وعرب عنهام‬
‫بعضهم بأجل اإلضافة وأجل التوقيت(((‪.‬‬
‫فأجل اإلضافة‪ :‬يضاف إليه ابتداء تنفيذ آثار العقد‪ ،‬أو تسليم العني‪،‬‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ‬
‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا‬ ‫أو تسليم الثمن‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬كام يف قول اهلل تعاىل‪ٰٓ :‬‬
‫ۡ ُ ُ ُ (((‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ۡ َ ٰٓ َ َ ُّ َ ّٗ َ‬
‫ل مسم فٱكتبوه﴾ ‪.‬وقول النبي ‪‬‬ ‫إِذا تداينتم بِدي ٍن إِل أج ٖ‬
‫يف السلم‪(( :‬من أسلف يف يشء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إىل أجل‬
‫معلوم))(((‪ ،‬وقد جيعل الدين عىل آجال متعددة‪ ،‬ويسمى هذا يف اصطالح‬
‫الفقهاء‪ :‬التنجيم‪ ،‬وما سبق كله من قبيل ما يسميه القانونيون‪ :‬األجل‬
‫الواقف‪.‬‬
‫وأما أجل التوقيت‪ :‬فهو وارد يف العقود والترصفات املؤقتة‪ ،‬التي‬
‫يرضب لنهايتها أجل‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬توقيت اإلجارة‪ ،‬وجعل أجل النتهائها‪ ،‬كام يف قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫َ‬
‫ُ ۡ َ ٰ َ َ َّ (((‬
‫َ َّ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ‬
‫ي قضيت فل عدون ع﴾ ‪.‬‬ ‫﴿أيما ٱلجل ِ‬
‫وهو من قبيل ما يسميه القانونيون‪ :‬األجل الفاسخ أو املنهي‪.‬‬

‫انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪.6/2‬‬ ‫(((‬


‫سورة البقرة‪.282 :‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)2240‬ومسلم (‪ ،)1604‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫(((‬
‫سورة القصص‪.28 :‬‬ ‫(((‬

‫‪39‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ويتعلق باألجل مسائل كثرية‪ ،‬لكن أشري إىل ثالث مسائل يتضح منها أن‬
‫هناك قيود ًا فقهية عىل ورود األجل يف االلتزام‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن االلتزامات املالية من حيث جواز التأجيل وعدمه عىل‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ما جيوز فيه التأجيل وعدمه‪ ،‬كالثمن واألجرة‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬ما ال يصح تأجيله‪ ،‬كرأس مال السلم‪ ،‬وبدل الرصف‪،‬‬
‫والعوض يف مبادلة الربوي بالربوي إذا اتفقا يف علة الربا‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬ما ال يكون إال مؤجالً‪ ،‬كاملسلم فيه(((‪ ،‬والدية يف القتل‬
‫اخلطأ وشبه العمد(((‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬العقود والترصفات من حيث قبوهلا ألجل اإلضافة من‬
‫عدمه تنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪1.‬ترصفات تصح إضافتها إىل الوقت‪ ،‬فيتأخر بدء أحكامها إىل زمن‬
‫مستقبل مثل‪ :‬اإلجارة‪ ،‬فإنه «ال يشرتط أن تيل املدة العقد‪ ،‬فلو آجره‬
‫سنة مخس يف سنة أربع صح»(((‪ ،‬وكذلك الوصية‪ ،‬واملضاربة‪ ،‬والكفالة‪،‬‬
‫والوقف‪ ،‬والوكالة‪.‬‬
‫‪2.‬وترصفات ال تصح إضافتها إىل الوقت كالبيع والنكاح‪ ،‬وغريمها(((‪.‬‬

‫وعند الشافعية جيوز السلم حاالًّ‪ ،‬كاملؤجل وأوىل؛ لبعده عن الغرر‪ .‬انظر‪ :‬أسنى‬ ‫(((‬
‫املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪.124/2‬‬
‫انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪ 21/2‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬
‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.413‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪.68/5‬‬ ‫(((‬

‫‪40‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬العقود والترصفات من حيث قبوهلا ألجل التوقيت من‬


‫عدمه تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬عقود وترصفات ال تصح إال ممتدة ألجل (مؤقتة)‪ ،‬كاإلجارة‬
‫التي تقدر بالزمن‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عقود وترصفات تصح مطلقة ومقيدة بوقت‪ ،‬كالعارية والوكالة‬
‫واملضاربة والكفالة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عقود وترصفات ال تصح مؤقتة‪ ،‬كالوقف‪ ،‬والبيع‪ ،‬واهلبة‪،‬‬
‫والنكاح(((‪.‬‬
‫ويف كل األحوال التي يصح فيها التأجيل فال بد أن يكون األجل‬
‫ٗ‬ ‫َ َ‬
‫ل أ َج ٖل ُّم َس ّم﴾(((‪ ،‬وقول النبي ‪(( :‬إىل‬
‫معلوم ًا؛ لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬إ ِ ٰٓ‬
‫أجل معلوم))(((؛ وألن األجل املجهول يدخل يف الغرر‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعدد محل االلتزام‪.‬‬

‫تعدد حمل االلتزام عند القانونيني عىل ثالثة أنواع‪:‬‬


‫‪1.‬فقد يكون عىل سبيل اجلمع‪ ،‬فيسمى االلتزام‪ :‬التزام ًا متعدد املحل‪،‬‬
‫كام لو اشرتى شخص من آخر كتاب ًا وقل ًام‪ ،‬وليس هلذا النوع أثر كبري يف‬
‫االلتزام عند القانونيني‪ ،‬وال توجد فروق مهمة بني االلتزام متعدد املحل‬
‫وااللتزام ذي املحل الواحد‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬السابق ‪.26/2‬‬
‫((( سورة البقرة‪.282 :‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2240‬ومسلم (‪.)1604‬‬

‫‪41‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪2.‬وقد يكون عىل سبيل التخيري فيسمى‪ :‬التزام ًا ختيريي ًا‪ ،‬ويمثلون له‬
‫بأن يلتزم البائع للمشرتي أن يبيع منه الدار أو األرض‪.‬‬
‫‪3.‬وقد يكون عىل سبيل البدل‪ ،‬فيسمى‪ :‬التزام ًا بدلي ًا‪ ،‬ويمثلون له‬
‫بأن يقرض الدائن املدين مبلغ ًا من النقود‪ ،‬ويتفق معه عىل أنه يستطيع عند‬
‫حلول األجل ‪-‬إذا مل يشأ أن يرد مبلغ القرض‪ -‬أن يعطيه بدالً منه دار ًا أو‬
‫أرض ًا معينة‪ ،‬ويمثلون له كذلك بالعربون يف البيع(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة الفقهية يف وجود اختالف يف األحكام الفقهية هلذه‬
‫الصور عام يذكره القانونيون‪ ،‬وبيان ذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬بالنسبة إىل االلتزام متعدد املحل‪ ،‬فهناك بعض الصور ال‬
‫يظهر فيها أثر لتعدد املحل‪ ،‬لكن هناك صور أخرى يظهر فيها األثر‪ ،‬كام لو‬
‫وقع العقد عىل شيئني؛ أحدمها يصح فيه العقد‪ ،‬والثاين ال يصح فيه‪ ،‬وهي‬
‫مسائل تفريق الصفقة‪ ،‬ومن أمثلتها عند الفقهاء‪ :‬أن يبيع معلوم ًا وجمهوالً ال‬
‫يتعذر علمه‪ ،‬أو مملوك ًا له ولغريه‪ ،‬أو مباح ًا وحمرم ًا‪ ،‬فيصح العقد يف املعلوم‬
‫ويف اململوك له ويف املباح بقسطه من الثمن‪ ،‬ويبطل فيام عداه‪ ،‬وللمشرتي‬
‫اخليار إن جهل احلال(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ 133/2‬وما بعدها‪ ،‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪ ،‬د‪.‬‬
‫منذر الفضل ص‪ ،523‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل ص‪ ،68‬وأحكام االلتزام‬
‫واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪.295‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.20/2‬‬

‫‪42‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وقد قرر الشيخ حممد العثيمني ‪( ‬ت‪1421 :‬هـ) يف تعدد املحل‬


‫قاعدة مفيدة‪ ،‬فقال‪« :‬إِ َّن تعدُّ َد املعقود عليه كتعدد العقد‪ ،‬وإن كانت الصيغة‬
‫واحدة»(((‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬بالنسبة إىل االلتزام التخيريي‪ ،‬فاملثال املشار إليه آنف ًا عند‬
‫القانونيني ال يصح فقه ًا‪ ،‬ولذلك يمكن أن يقال‪ :‬إن هناك صور ًا من التخيري‬
‫ال تصح وبخاصة يف العقود؛ الشتامهلا عىل اجلهالة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪1.‬بيع املبهم‪ ،‬ومثاله‪« :‬بيع (عبد) غري معني (من عبيده ونحوه) كشاة‬
‫من قطيع وشجرة من بستان للجهالة ولو تساوت القيم»(((‪ ،‬فهذا ال يصح؛‬
‫للجهالة‪ ،‬أما احلنفية فعندهم خيار التعيني بأن يقول البائع للمشرتي‪ :‬بعتك‬
‫أحد هذين الثوبني أو أحد هذه األثواب الثالثة‪ ،‬عىل أنك باخليار تأخذ أهيا‬
‫شئت بثمن كذا وترد الباقي‪ .‬قالوا‪ :‬القياس أن يفسد البيع‪ ،‬ويف االستحسان‬
‫ال يفسد؛ استدالالً بخيار الرشط‪ ،‬وذكروا له عدة رشوط منها‪ :‬أال يزيد عن‬
‫واحد من أربعة؛ الندفاع احلاجة بالثالثة‪ ،‬لوجود جيد‬‫ٍ‬ ‫ثالثة‪ ،‬فال جيوز عىل‬
‫ورديء ووسط‪ ،‬وأن يذكر اخليار(((‪.‬‬
‫‪2.‬التخيري يف الثمن؛ كأن يبيعه بعرشة نقد ًا أو عرشين مؤجلة دون جزم‬
‫بأحدمها(((‪.‬‬
‫الرشح املمتع للعثيمني ‪ 159/12‬عند قول احلجاوي يف كتاب النكاح من زاد املستقنع‪:‬‬ ‫(((‬
‫وحمرمة يف ٍ‬
‫عقد صح فيمن حتل»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫«ومن مجع بني حم َّل ٍ‬
‫لة‬
‫الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪.311‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪.157/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬كشاف القناع‪ ،‬للبهويت ‪.174/3‬‬ ‫(((‬

‫‪43‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫فالصور السابقة ال يصح أن تكون حم ً‬


‫ال اللتزام ختيريي‪ ،‬وكذلك ما كان‬
‫من جنسها من األمثلة التي يذكرها القانونيون‪.‬‬
‫وهناك صور يف غري العقود ورد فيها التخيري من الشارع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ختيري املزكي إذا اتفق الفرضان يف زكاة اإلبل والبقر(((‪ ،‬والتخيري يف فدية‬
‫األذى يف املناسك‪ ،‬ويف جزاء الصيد يف احلرم أو حال اإلحرام(((‪ ،‬وختيري‬
‫ملتقط الشاة ونحوها بني ذبحها أو بيعها أو اإلنفاق عليها من ماله بنية‬
‫الرجوع(((‪ ،‬وختيري السيد إذا جنى عبده بني أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه‬
‫إىل ويل اجلناية فيملكه‪ ،‬أو يبيعه ويدفع ثمنه لويل اجلناية(((‪ ،‬والتخيري يف نذر‬
‫اللجاج والغضب ويف نذر املباح‪ :‬بني فعله وبني كفارة يمني(((‪ ،‬والتخيري يف‬
‫خصال بعض الكفارات(((‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬بالنسبة إىل االلتزام البديل‪:‬‬
‫مثال القرض ال يصح فقه ًا‪ ،‬بل الذي يثبت يف الذمة بدل القرض‪ ،‬وهو‬
‫مثله إن كان مثلي ًا وقيمته إن كان قيمي ًا‪ ،‬ثم إذا اعتاض الدائن عنه بيشء آخر‬
‫صح برشوطه التي سبق ذكرها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫انظر‪ :‬الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪ 200‬و‪.201‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬السابق ص‪.262‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السابق ص‪.449‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السابق ص‪.651‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السابق ص‪.702‬‬ ‫(((‬
‫ً‬
‫داخال يف معنى االلتزام عند‬ ‫انظر‪ :‬السابق ص‪ ،696‬وبعض هذه املسائل قد ال يكون‬ ‫(((‬
‫القانونيني‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫أما العربون ففيه خالف بني الفقهاء‪:‬‬


‫ـ فجمهورهم‪ ،‬من احلنفية واملالكية والشافعية‪ ،‬وأبو اخلطاب من‬
‫احلنابلة(((‪ ،‬يرون أنه ال يصح؛ للنهي عنه يف حديث عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده‪ ،‬قال‪ :‬هنى رسول اهلل ‪ ‬عن بيع العربان(((‪.‬‬
‫ـ ومذهب احلنابلة جوازه؛ ملا روي عن نافع بن عبد احلارث أنه اشرتى‬
‫لعمر دار السجن من صفوان بن أمية‪ ،‬فإن ريض عمر‪ ،‬وإال فله كذا وكذا(((‪.‬‬
‫قال األثرم‪ :‬قلت ألمحد‪ :‬تذهب إليه؟ قال‪ :‬أي يشء أقول؟ هذا عمر ‪.‬‬
‫وض َّعف احلديث املروي(((‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعدد طرفي االلتزام‪.‬‬

‫قد يلحق االلتزام وصف التعدد يف طرفيه‪ ،‬أحدمها أو كليهام ‪ .‬وهلذا‬


‫التعدد نوعان عند القانونيني‪:‬‬

‫انظر‪ :‬النتف يف الفتاوى‪ ،‬للسغدي ‪ ،472/1‬ومواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪،369/5‬‬ ‫(((‬


‫وأسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪ ،31/2‬واملغني‪ ،‬البن قدامة ‪.331/6‬‬
‫رواه مالك يف املوطأ (‪ ،)1781‬ومن طريقه رواه أمحد (‪ ،)6723‬وأبو داود (‪،)3502‬‬ ‫(((‬
‫وابن ماجه (‪ ،)2192‬وضعفه مجع من املحدِّ ثني‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه (‪ ،)9213‬وابن أيب شيبة يف مصنفه (‪،)23201‬‬ ‫(((‬
‫والبيهقي يف السنن الكبري (‪ ،)11291‬وعلقه البخاري يف صحيحه يف باب الربط‬
‫واحلبس يف احلرم‪.‬‬
‫يعني حديث عمرو بن شعيب يف النهي عن بيع العربان‪ ،‬وتقدم ذكره آنف ًا‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫اجلامع لعلوم اإلمام أمحد ‪ -‬علل احلديث ‪ .7/15‬وانظر يف هذه املسألة‪ :‬اجلامع لعلوم‬
‫اإلمام أمحد‪ -‬الفقه‪ ،126/9 ،‬واملغني‪ ،‬البن قدامة ‪.331/6‬‬

‫‪45‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫األول‪ :‬االلتزام متعدد األطراف‪ :‬وفيه يتعدد طرفا االلتزام أو أحدمها‬


‫ٍ‬
‫تضامن بني األطراف املتعددين‪ ،‬كام لو باع الرشكاء الدار املشاعة‬ ‫من غري‬
‫وكل منهم مستقل بحقه‪ ،‬وكام لو اشرتى‬ ‫بينهم‪ ،‬فالدائنون هنا متعددون‪ٌّ ،‬‬
‫عدة أشخاص دار ًا بعقد واحد‪ ،‬فاملدينون هنا متعددون‪ ،‬وكل منهم مستقل‬
‫بالتزامه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬االلتزام التضامني‪ :‬وفيه يتعدد طرفا االلتزام أو أحدمها مع‬
‫وجود تضامن بني األطراف املتعددين‪ ،‬كاألمثلة السابقة إذا وجد التضامن‬
‫بني األطراف املتعددين سواء أكانوا دائنني أم مدينني‪.‬‬
‫ومقتىض التضامن بني الدائنني‪ :‬أن أي دائن منهم يستطيع املطالبة بكل‬
‫الدين‪ ،‬وما يستوفيه أحد الدائنني املتضامنني يصري من حق الدائنني مجيع ًا‪،‬‬
‫بحسب حصصهم‪.‬‬
‫ومقتىض التضامن بني املدينني‪ :‬أن يلتزم كل منهم بجميع الدين‪ ،‬ويكون‬
‫للدائن مطالبة أي منهم به‪.‬‬
‫واألصل عدم التضامن(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتمثل املراجعة الفقهية يف التوصيف الفقهي الصحيح للتضامن‬
‫وبخاصة بني الدائنني‪ ،‬ويف إيراد الفروع الفقهية ذات الصلة هبذين النوعني‬
‫من االلتزام‪ ،‬وبيان ذلك فيام يأيت‪:‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ 190/2‬وما بعدها‪ ،‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪ ،‬د‪.‬‬
‫منذر الفضل ص‪ ،534‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل ص‪ ،43‬وأحكام االلتزام‬
‫واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪.299‬‬

‫‪46‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫األمر األول‪ :‬فيام يتعلق بااللتزام متعدد األطراف‪:‬‬


‫قرر الفقهاء قاعدة مفيدة يف هذا الباب‪ ،‬وهي أن العقد يتعدد بتعدد‬
‫العاقد‪ ،‬ومن فروعها‪:‬‬
‫‪(«1.‬إن قارض اثنان واحد ًا بألف هلام جاز) كام لو قارضه كل منهام‬
‫منفرد ًا بخمسامئة‪( ،‬فإن رشطا) ‪ ...‬للعامل يف ماهلام (ربح ًا متساوي ًا منهام)‬
‫‪( ...‬جاز وكذلك إن) رشطاه متفاضالً‪... ،‬كام لو انفرد كل منهام بعقده؛ ألن‬
‫العقد يتعدد بتعدد العاقد»(((‪.‬‬
‫‪2.‬إذا اشرتى اثنان شيئ ًا معيب ًا أو برشط خيار جاز أن يميض أحدمها‬
‫البيع يف نصيبه‪ ،‬ويفسخ اآلخر يف نصيبه؛ «ألن العقد يتعدد بتعدد العاقد»(((‪.‬‬
‫‪(«3.‬للحارض من مشرتيني نقد نصف ثمنه) أي املبيع هلام صفقة (وقبض‬
‫نصفه) خلروجه عن ملك البائع»(((‪.‬‬
‫وكذلك يمكن التمثيل هلذا النوع من االلتزام الذي يتعدد أطرافه دون‬
‫أن يقوم أحد منهم مقام اآلخر‪ :‬بام يكون بني الرشكاء يف رشكة امللك‪ ،‬ال‬
‫رشكة العقد‪ ،‬فالدار الواحدة‪ ،‬أو األرض الواحدة مث ً‬
‫ال تثبت فيها رشكة‬
‫امللك بني اثنني إذا اشرتياها أو ورثاها أو انتقلت إليهام بأي سبب آخر من‬
‫أسباب امللك‪ ،‬فهذه الرشكة يعد فيها كل واحد من الرشيكني أو الرشكاء‬

‫((( كشاف القناع‪ ،‬للبهويت ‪.511/3‬‬


‫((( رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.48/2‬‬
‫((( السابق ‪.48/2‬‬

‫‪47‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫أجنبي ًا بالنسبة لنصيب اآلخر؛ ألن رشكة امللك هذه ال تتضمن وكالة(((‪ ،‬فلو‬
‫أن اثنني اشرتكا يف رشاء دار فااللتزام عىل كل منهام بحسب حصته‪ ،‬ولو أن‬
‫اثنني باعا دار ًا مشرتكة فاحلق لكل واحد منهام يف الثمن بحسب حصته‪ ،‬وال‬
‫يقوم أحد منهم مقام اآلخر‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬فيام يتعلق بااللتزام التضامني‪:‬‬
‫التضامن بني الدائنني بصورته السابقة هو من جنس الوكالة‪ ،‬وعىل هذا‬
‫فليس ملا يسميه القانونيون تضامن ًا بني الدائنني عالقة بالضامن مطلق ًا‪.‬‬
‫ومن أمثلة مسائله‪ :‬ما يكون بني الرشكاء يف رشكة العقود‪ ،‬فقد نص‬
‫الفقهاء يف رشكة العنان مث ً‬
‫ال عىل أن الرشيكني «(ينفذ ترصف كل منهام ‪)..‬‬
‫‪ ..‬يف املالني (بحكم امللك يف نصيبه و) بحكم (الوكالة يف نصيب رشيكه)‬
‫‪ ...‬ولكل منهام أن ‪ ...‬يطالب بالدين وخياصم فيه»(((‪.‬‬
‫أما التضامن بني املدينني فإن الفقهاء مل يستخدموا مصطلح التضامن إال‬
‫نادر ًا(((‪ ،‬لكنه يتحقق يف الصورتني اآلتيتني‪:‬‬
‫الصورة األوىل‪ :‬وجود عقدي ضامن متقابلني‪ ،‬بني مدينني‪ ،‬فيكون كل‬
‫منهام ضامن ًا لصاحبه ومضمون ًا عنه من صاحبه‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪ 20/26‬و‪.22‬‬


‫((( الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪ 400‬و‪.401‬‬
‫((( جاء يف املعجم الوسيط ‪( « :544/1‬تضامنوا) ا ْلتزم كل ِمن ُْهم َأن ُي َؤ ِّدي َعن اآلخر َما‬
‫يقرص َعن َأ َد ِائ ِه (مو)»‪ ،‬وهذا الرمز يعني أنه لفظ مولد‪ ،‬أي استعمله الناس قدي ًام بعد‬
‫عرص الرواية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وعليه فالتضامن ال يقع بمجرد وجود عقد ضامن‪ ،‬إذ الضامن غري‬
‫التضامن‪ ،‬ففي الضامن شخص ضامن وشخص مضمون عنه‪ ،‬أما يف التضامن‬
‫فكل واحد من املتضامنني ضامن ومضمون عنه‪ ،‬كام يف النص اآليت‪« :‬إذا‬
‫كان عىل رجلني مئة‪ ،‬عىل كل واحد منهام نصفها‪ ،‬ومها متضامنان‪ ،‬فضمن‬
‫آخر عن أحدمها املئة بأمره وقضاها‪ :‬سقط احلق عن اجلميع‪ ،‬وله الرجوع هبا‬
‫عىل الذي ضمن عنه»(((‪ ،‬والشاهد قوله‪« :‬ومها متضامنان»‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬ما يكون بني الرشيكني يف رشكة العقود‪ .‬فقد نص‬
‫الفقهاء عىل أن ك ً‬
‫ال من الرشيكني كفيل عن صاحبه‪ ،‬ومن عباراهتم يف ذلك‪:‬‬
‫ـ يف رشكة الوجوه‪(« :‬وكل واحد منهام وكيل صاحبه وكفيل عنه‬
‫بالثمن) ألن مبناها عىل الوكالة والكفالة»(((‪.‬‬
‫ـ ويف رشكة األبدان‪(« :‬فام تقبله أحدمها من عمل يلزمهام فعله) ويطالبان‬
‫به»(((‪.‬‬
‫ـ ويف رشكة املفاوضة‪« :‬أو يشرتكا يف كل ما يثبت هلام وعليهام‪ ،‬فتصح»(((‪.‬‬

‫املبدع رشح املقنع‪ ،‬لربهان الدين ابن مفلح ‪ ،242/4‬واملسألة يف املغني‪ ،‬البن قدامة‬ ‫(((‬
‫‪ 412/4‬دون لفظ التضامن‪.‬‬
‫الروض املربع ص‪.404‬‬ ‫(((‬
‫السابق ص‪.405‬‬ ‫(((‬
‫السابق ص‪.406‬‬ ‫(((‬

‫‪49‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث الخامس‬
‫مراجعات فقهية في انتقال االلتزام‬
‫ينتقل االلتزام باحلوالة‪ ،‬وهي عند القانونيني نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬حوالة احلق‪ ،‬وفيها يتفق الدائن مع أجنبي عىل أن حيول‬
‫له حقه الذي يف ذمة املدين‪ ،‬فيحل األجنبي حمل الدائن يف هذا احلق نفسه‪.‬‬
‫والغرض من ذلك متنوع‪ ،‬فقد يقصد الدائن أن يبيع حقه عىل املحال له‬
‫(الدائن اجلديد)‪ ،‬وقد يقصد أن هيبه إياه‪ ،‬أو يويف به دين ًا عليه هلذا الدائن‬
‫اجلديد‪.‬‬
‫أجنبي الدي َن الذي يف‬
‫ٌّ‬ ‫النوع الثاين‪ :‬حوالة الدين‪ ،‬وفيها يتحمل شخص‬
‫ذمة املدين للدائن‪ ،‬فيحل األجنبي حمل املدين يف هذا الدين نفسه‪.‬‬
‫وهلا صورتان‪:‬‬
‫ـ فقد حيصل هذا باتفاق بني املدين األصيل واألجنبي املحال عليه‪.‬‬
‫ـ وقد حيصل باتفاق بني األجنبي املحال عليه والدائن‪ ،‬فتربأ ذمة املدين‬
‫األصيل؛ دون حاجة إىل رضاه عند القانونيني‪.‬‬
‫والغرض منها متنوع أيض ًا‪ ،‬فقد يكون املحال عليه األجنبي قد حتمل‬
‫الدين عن املدين األصيل تربع ًا‪ ،‬وقد يكون قصد أن يؤدي عن املدين األصيل‬
‫الدين ثم يرجع به عليه‪ ،‬وقد يكون املحال عليه مدين ًا للمدين األصيل بدين‬

‫‪50‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫فتحمل عن املدين األصيل هذا الدين وفاء‬


‫َّ‬ ‫سابق‪ ،‬كثمن مبيع مل يتم أداؤه‪،‬‬
‫لذلك الثمن(((‪.‬‬
‫ومن السهل التمييز بني حوالة احلق وحوالة الدين بالنظر إىل املحيل‪:‬‬
‫فإن كان املحيل هو الدائن فهي حوالة حق‪ ،‬وإن كان املحيل هو املدين فهي‬
‫حوالة دين(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتمثل املراجعة الفقهية يف أن كثري ًا من صور احلوالة القانونية ليست‬
‫حوالة باالصطالح الفقهي‪ ،‬كام أن هناك اختالف ًا بينهام يف األحكام‪ ،‬ويتضح‬
‫ذلك من املسائل اآلتية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬األصل يف احلوالة حديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬وإذا ُأتْبِع أحدكم عىل ميلء فليتبع((())(((‪ ،‬ومل يرد يف‬
‫احلوالة حديث غريه(((‪ ،‬وهي ثابتة باإلمجاع(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ 413/2‬وما بعدها‪ ،‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪ ،‬د‪.‬‬ ‫(((‬
‫منذر الفضل ص‪ ،552‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل ص‪ ،73‬وأحكام االلتزام‬
‫واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪.331‬‬
‫انظر‪ :‬املدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬للزرقا ص‪.78‬‬ ‫(((‬
‫ُضبط بإسكان الباء ‪-‬وعليه األكثر‪ ،-‬وبتشديدها‪ .‬انظر‪ :‬جزء يف حديث احلوالة‪،‬‬ ‫(((‬
‫للشيخ بكر أبو زيد ص‪.30‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)2287‬ومسلم (‪.)1564‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬جزء يف حديث احلوالة‪ ،‬للشيخ بكر أبو زيد ص‪.12‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪.390/4‬‬ ‫(((‬

‫‪51‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫املسألة الثانية‪ :‬صورة احلوالة عند مجهور الفقهاء أن يكون شخص مدين ًا‬
‫ٍ‬
‫لشخص‪ ،‬ودائن ًا آلخر‪ ،‬فيحيل دائنه عىل مدينه‪ ،‬ومنه يتضح أن احلوالة فيها‬
‫دينان‪:‬‬
‫األول‪ :‬دين للمحال عىل املحيل (الدين املحال به)‪ ،‬وال تكون حوالة‬
‫دونه عند عامة الفقهاء‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬دين للمحيل عىل املحال عليه (الدين املحال عليه)‪ ،‬فال تكون‬
‫احلوالة إال عىل مدين عند اجلمهور من املالكية والشافعية واحلنابلة(((‪.‬‬
‫أما احلنفية فاحلوالة عندهم نوعان(((‪:‬‬
‫‪1.‬حوالة مقيدة‪ :‬وهي التي تقيد بدين للمحيل عىل املحال عليه‪ ،‬أو‬
‫بعني له عنده؛ أمانة كانت أم مضمونة‪.‬‬
‫‪2.‬وحوالة مطلقة‪ ،‬وهي التي مل تقيد بيشء من ذلك‪ .‬وعىل هذا فتصح‬
‫احلوالة عىل غري مدين عند احلنفية؛ خالف ًا للجمهور‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬من يشرتط رضاه يف احلوالة‪:‬‬
‫ـ رضا املحيل رشط؛ ألن احلق عليه‪ ،‬فال يلزمه أداؤه من جهة الدين‬
‫الذي له عىل املحال عليه(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،92/5‬واملهذب‪ ،‬للشريازي ‪ ،144/2‬ورشح منتهى‬


‫اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪ 135/2‬و‪.138‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،16/6‬واملوسوعة الفقهية ‪.175/18‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪ ،135/2‬واملوسوعة الفقهية ‪.183/18‬‬

‫‪52‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ـ ورضا املحال رشط عند احلنفية واملالكية والشافعية‪ ،‬وأما احلنابلة فال‬
‫يشرتطونه إذا كان املحال عليه مليئ ًا(((‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬أثر احلوالة‪:‬‬
‫إذا صحت احلوالة برئت ذمة املحيل من الدين الذي أحال به‪ ،‬فال يكون‬
‫للدائن مطالبته(((‪ ،‬إال أن احلنفية قيدوه بعدم الت ََّوى‪ ،‬أي عجز املحال عن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ عىل املحيل‬ ‫الوصول إىل حقه من طريق املحال عليه‪ ،‬فريجع املحال‬
‫بدينه(((‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬املقارنة بني احلوالة يف الفقه واحلوالة عند القانونيني‪:‬‬
‫يتضح مما سبق اختالف احلوالة يف الفقه عن احلوالة عند القانونيني‪،‬‬
‫وبيان ذلك فيام يأيت خمترص ًا‪:‬‬
‫‪1.‬ما يسميه القانونيون حوالة حق‪ :‬إذا مل يكن املحال له دائن ًا للمحيل‬
‫فليست حوالة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬وعىل هذا فصورة حوالة احلق التي يكون‬
‫فيها املحيل قد باع عىل املحال له حقه عىل املحال عليه‪ ،‬ليست حوالة بل‬
‫تدخل يف أحكام بيع الدين عىل غري من هو عليه‪ ،‬وكذلك إذا وهبه فليست‬
‫حوالة‪ ،‬بل هي هبة للدين‪ ،‬فتأخذ أحكامه‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،16/6‬وبداية املجتهد‪ ،‬البن رشد ‪ ،83/4‬واملهذب‪،‬‬
‫للشريازي ‪ ،144/2‬ورشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.136/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬موسوعة اإلمجاع يف الفقه اإلسالمي ‪ ،307/4‬واملوسوعة الفقهية ‪.220/18‬‬
‫وخالف يف ذلك زفر من احلنفية‪ ،‬انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪.17/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ 18/6‬و‪.19‬‬

‫‪53‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪2.‬وكذلك ما يسميه القانونيون حوالة دين‪ :‬إذا مل يكن املحال عليه‬


‫مدين ًا للمحيل فليست حوالة عند مجهور الفقهاء‪ ،‬ويمكن أن تعد من قبيل‬
‫احلوالة املطلقة عند احلنفية‪ ،‬لكن هناك اختالف يف تفاصيل أحكامها‪.‬‬
‫‪3.‬يرى د‪ .‬مصطفى الزرقا ‪( ‬ت‪1420 :‬هـ) أن احلوالة التي حييل‬
‫فيها املحيل دائنه عىل مدينه (صورة احلوالة عند مجهور الفقهاء)‪ :‬هي حوالة‬
‫حق وحوالة دين يف وقت واحد(((‪.‬‬
‫‪4.‬هناك اختالف بني الفقهاء والقانونيني يف أحكام الرضا‪ ،‬ومن يشرتط‬
‫رضاه‪ ،‬ومن أظهر الفروق أن حوالة الدين يمكن أن تقع دون رضا املحيل يف‬
‫إحدى الصورتني عند القانونيني‪ ،‬وهذا ال يصح عند عامة الفقهاء؛ ألنه إن‬
‫كان للمحيل حق عىل املحال عليه فال تتعني عليه هذه اجلهة لقضاء الدين‪،‬‬
‫كام تقدم‪ ،‬وإن مل يكن له حق فاحلنفية الذين يصححون هذه الصورة عللوا‬
‫اشرتاط رضا املحيل ‪-‬وهي رواية القدوري‪ -‬بأن ذوي املروءات قد يأنفون‬
‫حتمل غريهم ما عليهم من الدين‪ ،‬فال بد من رضاه(((‪.‬‬
‫وهناك فروق أخرى يف الرضا‪.‬‬
‫‪5.‬ال رجوع للمحال عىل املحيل إذا صحت احلوالة‪ ،‬بل تربأ ذمته عند‬
‫اجلمهور‪ ،‬أما عند احلنفية فقد يرجع يف حال الت ََّوى كام تقدم‪ ،‬والقانونيون‬
‫يذكرون ما يشبه ذلك‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬للزرقا ص‪.78‬‬


‫((( انظر‪ :‬البناية رشح اهلداية‪ ،‬للعيني ‪ ،487/8‬وحاشية ابن عابدين ‪ ،341/5‬واملوسوعة‬
‫الفقهية ‪.183/18‬‬

‫‪54‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪6.‬يقرر القانونيون أن احلوالة تنقل االلتزام بضامناته ودفوعه‪ ،‬أما‬


‫الفقهاء‪ :‬فقد ذهب مجهورهم إىل بقاء الضامنات التي هي ملصلحة املدين؛‬
‫كاألجل‪ ،‬وإىل سقوط الضامنات التي هي ملصلحة الدائن؛ كالرهن والكفالة؛‬
‫ألن احلوالة كالقبض(((‪.‬‬
‫وهناك فروق أخرى‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬أسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪ ،232/2‬ورشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت‬
‫‪ ،123/2‬واملوسوعة الفقهية ‪.223/18‬‬

‫‪55‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المبحث السادس‬
‫مراجعات فقهية في انقضاء االلتزام‬
‫تنقسم أسباب انقضاء االلتزام عند القانونيني إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ويتضمن انقضاء االلتزام بتنفيذه عين ًا‪ ،‬أي بالوفاء‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ويتضمن انقضاء االلتزام بتنفيذه بام يعادل الوفاء‪ .‬ويشمل‪:‬‬
‫‪1.‬الوفاء بمقابل‪ ،‬بأن يعتاض الدائن عن الدين بيشء يعادله‪.‬‬
‫‪2.‬التجديد‪ ،‬بقضاء التزام قديم بالتزام جديد‪ ،‬فينقيض الدين األصيل‪،‬‬
‫وينشأ دين جديد‪ ،‬وال بد أن خيالف االلتزام اجلديد االلتزام القديم يف‬
‫عنرص من عنارصه اهلامة‪ ،‬وهي حمله أو مصدره أو الدائن أو املدين‪ .‬ومثاله‪:‬‬
‫التجديد بتغيري حمل الدين‪ ،‬من نقود إىل بضاعة يف الذمة‪ ،‬والتجديد بتغيري‬
‫مصدر الدين‪ ،‬كاستئجار املستعري ملا استعاره‪ ،‬أو اقرتاض املودع للوديعة‪.‬‬
‫ويشري القانونيون إىل أن التجديد قليل األمهية يف الواقع‪.‬‬
‫‪3.‬املقاصة‪ ،‬بقضاء التزام بالتزام يقابله‪ ،‬بحيث يكون شخصان‪ ،‬كل‬
‫منهام دائن لآلخر ومدين له‪ ،‬فينقيض الدينان باملقاصة بينهام‪.‬‬
‫‪4.‬احتاد الذمة‪ ،‬بأن يصبح املدين نفسه دائن ًا هبذا الدين‪ ،‬ومن أوضح‬
‫صوره‪ :‬أن يرث املدي ُن الدائن‪ .‬ويشري القانونيون إىل قلة أمهيته يف الواقع‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ويتضمن انقضاء االلتزام دون أن ينفذ ال عين ًا وال‬
‫بمقابل‪ .‬ويشمل‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫‪1.‬اإلبراء‪ ،‬بأن يسقط الدائن حقه دون مقابل‪.‬‬


‫‪2.‬استحالة التنفيذ بسبب أجنبي‪ ،‬فينقيض االلتزام دون تعويض أو أي‬
‫مقابل آخر‪.‬‬
‫‪3.‬التقادم املسقط‪ ،‬إذ ينقيض االلتزام بميض مدة معينة دون أن ينفذ ال‬
‫عين ًا وال بمقابل(((‪.‬‬
‫املراجعة الفقهية‪:‬‬
‫تتلخص املراجعة الفقهية يف أن بعض هذه األسباب ال ينقيض هبا االلتزام‬
‫يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬وهناك أسباب أخرى النقضاء االلتزام يف الفقه‪ ،‬كام أن‬
‫هناك قيود ًا وأحكام ًا فقهية ترد عىل بعض األسباب املذكورة‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫فيام يأيت‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬الوفاء والوفاء بمقابل سبقت اإلشارة إليهام يف موضوع‬
‫تنفيذ االلتزام‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬فيام يتعلق بتجديد الدين فال يوجد مثل هذا املصطلح‬
‫يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬والتجديد الذي يذكره القانونيون يشتمل عىل صور‬
‫متعددة خمتلفة يف تكييفها وأحكامها يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬للسنهوري ‪ 629/3‬وما بعدها‪ ،‬ومصادر االلتزامات وأحكامها‪ ،‬د‪.‬‬
‫منذر الفضل ص‪ ،579‬وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل ص‪ ،89‬وأحكام االلتزام‬
‫واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري تناغو ص‪.369‬‬

‫‪57‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫فصورة جتديد الدين بتغيري حمله‪ ،‬هي يف احلقيقة بيع للدين بالدين عىل‬
‫من هو عليه‪ ،‬فتمنع‪.‬‬
‫وصورة جتديد الدين بتغيري مصدره يبحث فيها تفصي ً‬
‫ال بالنظر إىل كل‬
‫صورة منها‪ ،‬إذ ختتلف أحكامها‪ ،‬فمن الصور املمنوعة مثالً‪ :‬جعل الدين‬
‫رأس مال سلم(((‪ ،‬ومن الصورة املباحة اقرتاض املودع للوديعة(((‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬فيام يتعلق باملقاصة فلها أحوال خمتلفة بالنظر إىل متاثل‬
‫الدينني من عدمه(((‪ ،‬فإذا كان الدينان نقدين متفقني جنس ًا ونوع ًا وصفة‬
‫وحلوالً‪ ،‬وقعت املقاصة عند اجلمهور(((‪.‬‬
‫قال املرداوي ‪( ‬ت‪885 :‬هـ)‪« :‬من ثبت له عىل غريمه مثل ما له‬
‫عليه ‪-‬قدر ًا وصفة‪ ،‬حاالً ومؤجالً‪ -‬فالصحيح من املذهب‪ ،‬أهنام يتساقطان‪،‬‬
‫أو يسقط من األكثر قدر األقل مطلق ًا‪ (((» ...‬ثم ذكر روايات أخرى يف‬
‫املذهب‪.‬‬

‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،140/4‬وهناية املحتاج‪ ،‬للرميل ‪ ،184/4‬ورشح‬ ‫(((‬


‫منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.95/2‬‬
‫يف املوسوعة الفقهية ‪ 140/21‬إشارة إىل صور ذات صلة يف كتب الفتاوى عند احلنفية‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بيع الدين وتطبيقاته املعارصة‪ ،‬أسامة الالحم ‪ ،692/1‬ومعيار املقاصة من‬ ‫(((‬
‫معايري هيئة املحاسبة واملراجعة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ 583/3‬و‪ ،266/5‬وأسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري‬ ‫(((‬
‫‪ ،493/4‬واإلنصاف‪ ،‬للمرداوي ‪.118/5‬‬
‫اإلنصاف‪ ،‬للمرداوي ‪.118/5‬‬ ‫(((‬

‫‪58‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫أما إذا اختلف الدينان فلذلك صور فيها اختالف بني الفقهاء‪ ،‬ومذهب‬
‫الشافعية واحلنابلة منعها إذا اختلف اجلنس(((‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪( ‬ت‪620 :‬هـ)‪« :‬إذا كان لرجل يف ذمة رجل‬
‫ذهب‪ ،‬ولآلخر عليه دراهم‪ ،‬فاصطرفا يف ذمتهام مل يصح»(((‪ ،‬وعلله بأنه بيع‬
‫دين بدين‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬فيام يتعلق باحتاد الذمة فإنه ينقيض من الدين إذا ورث‬
‫املدي ُن الدائن بحسب حصته من اإلرث‪ ،‬أما لو ورث الدائ ُن املدين فإن‬
‫الدين ال ينقيض هنا‪ ،‬بل يستوفيه الدائن قبل قسمة الرتكة‪ ،‬ثم تقسم الرتكة‬
‫ۡ‬ ‫ّ ۢ َ ۡ َ َّ ُ ُ َ َ ٓ َ ۡ َ‬
‫صي ٖة توصون بِها أو دي ٖن﴾ ‪.‬‬
‫((((((‬
‫بعد ذلك؛ لقوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫﴿من بع ِد و ِ‬
‫وهذا التعبري‪« :‬احتاد الذمة» استعمله بعض الفقهاء؛ لكن يف معنى‬
‫خمتلف‪ ،‬فقد أطلقوه وأرادوا به كون الذمة واحدة ال خمتلفة‪ ،‬كقوهلم‪« :‬وإنام‬
‫تكون املقاصة إذا احتدت الذمة يف الوجوب هلا وعليها»(((‪ ،‬ومل أر استعامله‬
‫ملعنى اندماج الذمتني‪.‬‬
‫لكن وجدت فروع ًا فقهية يف هذا املعنى‪ ،‬ذكرها أبو الليث السمرقندي‬
‫‪( ‬ت‪373‬هـ)‪ ،‬تتعلق بأن يكون شخص دائن ًا ململوك‪ ،‬ثم يملك هذا‬
‫أسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪ ،493/4‬واملغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،37/4‬وانظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫‪.398/10‬‬
‫املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.37/4‬‬ ‫(((‬
‫سورة النساء‪.12 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.328/4‬‬ ‫(((‬
‫البناية رشح اهلداية‪ ،‬للعيني ‪ ،140/13‬وانظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪.144/7‬‬ ‫(((‬

‫‪59‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫اململوك‪ ،‬فيبطل الدين‪ ،‬فقال‪« :‬ولو أن امرأة هلا عىل مملوك ألف درهم‪،‬‬
‫فتزوجها املوىل عىل هذا اململوك‪ ،‬ودفعه إليها وبطل الدين‪ ،‬فإن وجدت‬
‫باململوك عيب ًا فاحش ًا فردته عليه؟ قال حممد‪ :‬بطل الدين»‪.‬‬
‫مملوك وص ِّي ِه دي ٌن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫صبي له عىل‬
‫ٌّ‬ ‫وقال أيض ًا‪« :‬قال هشام‪ :‬قلت ملحمد‪:‬‬
‫َ‬
‫اململوك للصبي‪ .‬قال‪ :‬جائز‪ ،‬وبطل دينه»(((‪.‬‬ ‫الويص‬
‫ُّ‬ ‫فوهب‬
‫األمر اخلامس‪ :‬اإلبراء ينقيض به الدين‪ ،‬وتتعلق باإلبراء مسائل فقهية‬
‫يرتتب عليها مجلة من الفروع‪ ،‬ومن أهم تلك املسائل ما يأيت‪:‬‬
‫‪1.‬اختلف الفقهاء يف اإلبراء‪ ،‬هل هو لإلسقاط أو التمليك؟ عىل قولني‪،‬‬
‫وقد يغلب يف بعض الفروع اإلسقاط‪ ،‬ويف بعضها التمليك(((‪.‬‬
‫ومن آثار ذلك‪:‬‬
‫ـ هل يتوقف اإلبراء عىل القبول‪ ،‬ألنه متليك‪ ،‬فيكون من قبيل اهلبة؟ أو‬
‫ال يتوقف عليه‪ ،‬ألنه إسقاط؟‬
‫ـ إذا قيل إنه إسقاط مل جيزئ عن الزكاة؛ ألن الزكاة متليك‪ ،‬واإلبراء‬
‫ليس كذلك‪.‬‬

‫((( عيون املسائل‪ ،‬للسمرقندي ص‪.349‬‬


‫((( انظر‪ :‬األشباه والنظائر‪ ،‬البن نجيم ص‪ ،224‬والفروق‪ ،‬للقرايف ‪ ،111/2‬واملنثور‬
‫يف القواعد الفقهية‪ ،‬للزركيش ‪ ،81/1‬واألشباه والنظائر‪ ،‬للسيوطي ص‪،171‬‬
‫والقواعد‪ ،‬البن رجب ص‪ ،299‬واملوسوعة الفقهية ‪.148/1‬‬

‫‪60‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ومذهب احلنابلة أن اإلبراء إسقاط‪ ،‬فال يفتقر إىل قبول‪ ،‬وال يكفي يف‬
‫الزكاة(((‪ ،‬ولو حلف ال هيبه فأبرأه مل حينث؛ ألن اهلبة متليك عني(((‪.‬‬
‫‪2.‬هل يصح اإلبراء قبل وجوب احلق؟‬
‫اتفقوا عىل عدم صحة اإلبراء قبل وجود السبب‪ ،‬مثل إسقاط املرأة‬
‫نفقتها قبل عقد النكاح عليها‪ .‬واتفقوا كذلك عىل صحته بعد وجوب احلق‪.‬‬
‫واختلفوا يف صحته بعد وجود السبب وقبل الوجوب‪ ،‬مثل نفقة الزوجة‬
‫يف املستقبل‪ ،‬فسببها موجود وهو العقد‪ ،‬لكنها مل جتب بعد(((‪.‬‬
‫وأشار احلطاب ‪( ‬ت‪954 :‬هـ) إىل مسألة إسقاط املرأة عن زوجها‬
‫نفقة املستقبل‪ ،‬فقال‪ :‬يف لزوم ذلك قوالن‪ :‬هل يلزمها؛ ألن سبب وجوهبا‬
‫قد وجد؟ أو ال يلزمها؛ ألهنا مل جتب بعد؟ قوالن(((‪.‬‬
‫األمر السادس‪ :‬بالنسبة إىل استحالة التنفيذ فقد قرر الفقهاء انفساخ‬
‫العقد إذا تعذر استيفاء املعقود عليه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك يف البيع‪ :‬هالك املبيع‬
‫قبل قبضه؛ بآفة ساموية أو بفعل البائع‪ ،‬فيبطل البيع‪ ،‬بخالف ما إذا أتلفه‬
‫املشرتي قبل قبضه فإتالفه كقبضه‪ ،‬وعليه الثمن(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪ 460/1‬و‪.433/2‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،530/9‬والفروع‪ ،‬البن مفلح ‪.339/6‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬القواعد‪ ،‬البن رجب ص‪ ،6‬واملوسوعة الفقهية ‪.158/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حترير الكالم يف مسائل االلتزام‪ ،‬للحطاب ص‪.305‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،238/5‬وبداية املجتهد ‪ ،201/3‬واملهذب‪،‬‬ ‫(((‬
‫للشريازي ‪ ،70/2‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت ‪.243/3‬‬

‫‪61‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫وأما اإلجارة فقد اختلفت املذاهب يف األعذار التي تفسخ هلا اإلجارة‪،‬‬
‫وتوسع يف ذلك احلنفية(((‪.‬‬
‫ومما تفسخ له اإلجارة عند الفقهاء تلف العني املؤجرة‪ ،‬أو هالك املحل‬
‫الذي تتعلق به اإلجارة عىل عمل‪ ،‬ونحو ذلك من الصور التي يتعذر فيها‬
‫استيفاء املعقود عليه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬موت املرتضع‪ ،‬وانقالع الرضس‬
‫الذي اكرتى لقلعه‪ ،‬أو برؤه‪ ،‬وكذلك إذا اكرتى دار ًا فاهندمت‪ ،‬أو اكرتى‬
‫أرض ًا لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت(((‪.‬‬
‫وكذلك تنفسخ باجلوائح العامة‪ ،‬كاخلوف العام الذي يمنع من استيفاء‬
‫املعقود عليه(((‪ ،‬وفيه خالف‪.‬‬
‫األمر السابع‪ :‬التقادم ‪-‬وهو مرور الزمن‪ -‬ال ُي َعدُّ من أسباب انقضاء‬
‫الدين رشع ًا؛ لكنه يؤثر عند بعض الفقهاء يف منع سامع الدعوى إذا كان‬
‫املدعى عليه م ِ‬
‫نكر ًا‪ ،‬واملدعي ال ُعذر له يف ترك املطالبة‪ ،‬ووجه هذا املنع هو‬ ‫ُ‬
‫أن ترك الدعوى زمان ًا مع التمكن من إقامتها‪ ،‬يدل عىل عدم احلق ظاهر ًا‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،197/4‬واجلوائح وأحكامها‪ ،‬د‪ .‬سليامن الثنيان‬
‫ص‪ ،253‬واملوسوعة الفقهية ‪.135/32‬‬
‫((( انظر هذه األمثلة يف الروض املربع‪ ،‬للبهويت ص‪ ،414‬وانظر‪ :‬املهذب‪ ،‬للشريازي‬
‫‪.262/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.267/2‬‬

‫‪62‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫فعدم سامع الدعوى بعد املدة املحددة ليس مبني ًا عىل سقوط احلق يف‬
‫ذاته‪ ،‬فلو أقر اخلصم باحلق لزمه‪ ،‬ولو كان التقادم مسقط ًا للحق مل يلزمه(((‪.‬‬
‫وال يشمل املنع املحكَّمني‪ ،‬فلو حكَّم اثنان شخص ًا يف نزاع متقادم فإن‬
‫املحكَّم يسعه أن حيكم بينهام وال يمتنع عليه النظر يف النزاع(((‪.‬‬
‫األمر الثامن‪ :‬هناك أسباب أخرى لسقوط الدين يف بعض املذاهب‪،‬‬
‫فعند احلنفية دون غريهم‪« :‬أن الدين يسقط عن امليت املفلس إال إذا كان به‬
‫كفيل حال حياته أو رهن»(((‪.‬‬
‫األمر التاسع‪ :‬مما مل يذكر من أسباب انقضاء االلتزام‪ :‬احلوالة بصورهتا‬
‫الفقهية‪ ،‬فهي سبب من أسباب انقضاء الدين املحال به‪ ،‬أي‪ :‬انقضاء‬
‫التزام املحيل‪ ،‬ولذا يقرر الفقهاء أن «احلوالة كالقبض»(((‪ ،‬وأن «احلوالة‬
‫كالتسليم»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬جملة األحكام العدلية‪ ،‬املادة ‪ 1660‬وما بعدها ص‪ ،333‬واملادة ‪1674‬‬ ‫(((‬
‫ص‪ ،337‬واملوسوعة الفقهية ‪.118/13‬‬
‫انظر‪ :‬املوسوعة الفقهية ‪.119/13‬‬ ‫(((‬
‫حاشية ابن عابدين ‪.312/5‬‬ ‫(((‬
‫رشح خمترص خليل‪ ،‬للخريش ‪ ،19/6‬وأسنى املطالب‪ ،‬لزكريا األنصاري ‪.232/2‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،399/4‬ورشح منتهى اإلرادات‪ ،‬للبهويت ‪.123/2‬‬ ‫(((‬

‫‪63‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل رسول اهلل‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فمن أهم نتائج هذا البحث ما يأيت‪:‬‬
‫‪1.‬االلتزام عند الفقهاء خيتص بام يلزم به الشخص نفسه‪ ،‬ويشمل ما‬
‫يكون فيه احلق هلل وللعباد‪ ،‬أما عند القانونيني فيشمل ما يلزم به الشخص‬
‫نفسه وما َيلزمه‪ ،‬أي‪ :‬االلتزام واإللزام‪ ،‬وخيتص باحلقوق الشخصية دون‬
‫حقوق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪2.‬مصدر االلتزام رشع ًا هو الرشع نفسه‪ ،‬إما بتقرير االلتزام مبارشة‪،‬‬
‫وإما بجعل يشء سبب ًا لاللتزام؛ كالعقد‪ ،‬واإلتالف‪ .‬وتفصيل أسباب االلتزام‬
‫رشع ًا حيتاج إىل استقراء فقهي‪ .‬والنقد الفقهي وارد عىل مصادر االلتزام‬
‫اخلمسة عند القانونيني‪ ،‬من جهة حرصها ومن جهة تفاصيل أحكامها‪.‬‬
‫‪3.‬ما يسميه القانونيون أوصاف االلتزام ‪-‬وهي الرشط واألجل بنوعيهام‬
‫الواقف والفاسخ‪ ،‬وتعدد حمل االلتزام بأنواعه الثالثة‪ :‬التعدد عىل سبيل‬
‫اجلمع وعىل سبيل التخيري وعىل سبيل البدل‪ ،‬وتعدد طريف االلتزام‪ :‬الدائن‬
‫واملدين بنوعيه‪ :‬مع التضامن بني املتعددين أو دونه‪ -‬هلا أحكام تفصيلية يف‬
‫الفقه اإلسالمي بالنظر إىل أنواع هذه األوصاف وأنواع الترصفات التي ترد‬
‫فيها‪ ،‬فمنها ما يصح ومنها ما ال يصح‪ ،‬ومما يشار إليه يف ذلك باختصار ما‬
‫يأيت‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ـ ما يسميه القانونيون‪ :‬الرشط الواقف هو يف حقيقته تعليق وجود‬


‫االلتزام‪ ،‬وعند مجهور العلامء ال يصح التعليق يف مصدر من أهم مصادر‬
‫االلتزام وهو البيع‪ ،‬وكذا اإلجارة‪ ،‬لكن يصح تعليق الوكالة ونحوها‪ ،‬أما‬
‫تعليق الفسخ فيصح فقه ًا‪ ،‬وهو من قبيل الرشط الفاسخ عند القانونيني‪.‬‬
‫ـ وما يسمونه األجل الواقف معناه إضافة نفاذ االلتزام إىل زمن مستقبل‪،‬‬
‫وهذا ال يصح فقه ًا يف البيع كذلك‪ ،‬ويصح يف اإلجارة‪ ،‬أما األجل الفاسخ‬
‫أو املنهي فهو وارد يف العقود والترصفات التي هلا مدة‪ ،‬كاإلجارة املقدرة‬
‫بزمن‪ ،‬فأجل هنايتها هو من هذا القبيل‪.‬‬
‫ـ تعدد املحل يظهر أثره فقه ًا يف بعض الصور‪ ،‬كام إذا وقع العقد عىل‬
‫شيئني‪ ،‬أحدمها يصح العقد فيه واآلخر ال يصح فيه‪ ،‬وهي مسائل تفريق‬
‫الصفقة‪ ،‬وقد قرر بعض الفقهاء أن تعدد املعقود عليه كتعدد العقد‪.‬‬
‫ـ يمثل بعض القانونيني لاللتزام التخيريي بأن يبيع منه الدار أو‬
‫األرض‪ ،‬ومثل هذا التخيري ال يصح فقه ًا؛ ألنه من بيع املبهم‪ ،‬وكذلك ال‬
‫يصح التخيري يف الثمن دون جزم بأحدمها‪ .‬لكن التخيري وارد يف الرشيعة يف‬
‫مسائل يف العبادات واجلنايات والكفارات وغريها‪.‬‬
‫ـ يمثل بعض القانونيني لاللتزام البديل بأن يقرض الدائن املدين مبلغ ًا‬
‫من النقود ويتفق معه عىل أنه يستطيع عند حلول األجل أن يعطيه بدالً من‬
‫النقود أرض ًا مثالً‪ ،‬وهذا ال يصح فقه ًا‪ ،‬ويمثلون له كذلك بالعربون‪ ،‬وهو‬
‫صحيح عند احلنابلة خالف ًا للجمهور‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ـ قد يتعدد أطراف االلتزام دون تضامن بني املتعددين‪ ،‬فال يقوم أحد‬
‫منهم مقام اآلخر‪ ،‬ويف مثل هذا قرر الفقهاء أن العقد يتعدد بتعدد العاقد‪،‬‬
‫ومن أمثلته الفقهية رشكة املِلك‪ ،‬كاشرتاك شخصني يف إرث دار مثالً‪ ،‬فهذه‬
‫الرشكة ال تتضمن وكالة‪ ،‬ويعد كل رشيك فيها أجنبي ًا بالنسبة لنصيب‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫ـ أما يف حال التعدد مع التضامن فيسمى االلتزام عند القانونيني التزام ًا‬
‫تضامني ًا‪ ،‬وله صورتان‪ :‬األوىل‪ :‬تضامن الدائنني‪ ،‬وهو من الناحية الفقهية‬
‫من جنس الوكالة‪ ،‬وليس له صلة بالضامن‪ ،‬والثانية‪ :‬تضامن املدينني‪ ،‬ومن‬
‫صوره يف الفقه ما يكون بني الرشيكني يف رشكة العقد‪ ،‬ومن صوره كذلك‬
‫وجود عقدي ضامن متقابلني بني مدينني‪ ،‬فيكون كل منهام ضامن ًا لصاحبه‬
‫ومضمون ًا عنه من صاحبه‪ .‬ومصطلح التضامن مل يستخدمه الفقهاء إال‬
‫نادر ًا‪.‬‬
‫‪4.‬صورة احلوالة عند مجهور الفقهاء يكون فيها دينان‪ ،‬ولذلك فبعض‬
‫ما يسميه القانونيون حوالة ليس حوالة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومن ذلك‬
‫حوالة احلق إذا مل يكن املحال له دائن ًا للمحيل‪ ،‬فإهنا قد تكون من بيع الدين‬
‫أو هبته بحسب صورهتا‪ ،‬وليست حوالة‪ ،‬وكحوالة الدين إذا مل يكن املحال‬
‫عليه مدين ًا للمحيل فليست حوالة عند مجهور الفقهاء‪ ،‬وقد تكون من قبيل‬
‫احلوالة املطلقة عند احلنفية‪ ،‬لكن هناك اختالف بينهام يف تفاصيل أحكامها‪،‬‬
‫وهناك فروق أخرى بني أحكام احلوالة يف الفقه وأحكامها عند القانونيني‪،‬‬
‫كمسائل الرضا‪ ،‬فقد تقع احلوالة عند القانونيني دون رضا املحيل‪ ،‬كام يف‬

‫‪66‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫إحدى صوريت حوالة الدين‪ ،‬وهذا ال يصح عند عامة الفقهاء‪ ،‬وهناك غري‬
‫ذلك من الفروق‪.‬‬
‫‪5.‬ما يذكره القانونيون من أسباب انقضاء االلتزام منها ما هو صحيح‬
‫رشع ًا‪ ،‬كالوفاء والتعويض واملقاصة وإرث املدين للدائن واإلبراء واستحالة‬
‫التنفيذ؛ بأحكامها املقررة يف الفقه‪ ،‬ومنها ما ليس صحيح ًا‪ ،‬كالتجديد بتغيري‬
‫حمل الدين‪ ،‬والتقادم‪ .‬وهناك أسباب أخرى يف الفقه النقضاء االلتزام‪ ،‬منها‬
‫احلوالة؛ إذ ينقيض هبا الدين املحال به‪ ،‬ومنها سقوط الدين عن امليت املفلس‬
‫عند احلنفية‪.‬‬
‫وأويص باآليت‪:‬‬
‫‪1.‬االقتصار عىل اجلانب الفقهي يف حال تدريس نظرية االلتزام؛ نظر ًا‬
‫لعدم وجود نظام حميل يف موضوعها‪ ،‬وألن يف االشتغال بقوانني دول أخرى‬
‫يف االلتزام تشويش ًا عىل ما تقرر من األحكام الفقهية فيها‪ .‬ويف قواعد الفقه‬
‫وضوابطه ومسائله ودالئله ُغنية وكفاية‪.‬‬
‫‪2.‬رضورة تقويم النظريات القانونية ومقارنة أحكامها بالفقه اإلسالمي؛‬
‫إظهار ًا ملكانة الفقه اإلسالمي‪ ،‬وحفاظ ًا عىل مرجعيته عل ًام وعمالً‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫المراجع‬
‫‪1.‬أحكام االلتزام دراسة مقارنة‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اجلامل‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪2.‬أحكام االلتزام واإلثبات‪ ،‬د‪ .‬سمري عبد السيد تناغو‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪3.‬اختيارات شيخ اإلسالم ابن تيمية الفقهية‪ ،‬جمموعة من الباحثني‪ ،‬دار كنوز‬
‫أشبيليا‪.‬‬
‫‪4.‬استيفاء الديون يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬مزيد بن إبراهيم املزيد‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪.‬‬
‫‪5.‬أسنى املطالب يف رشح روض الطالب‪ ،‬لزكريا بن حممد األنصاري‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪6.‬األشباه والنظائر عىل مذهب أيب حنيفة النعامن‪ ،‬البن نجيم املرصي‪ ،‬تعليق‪:‬‬
‫زكريا عمريات‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪7.‬األشباه والنظائر‪ ،‬لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪8.‬األشباه والنظائر‪ ،‬جلالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪9.‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله‪ ،‬د‪ .‬عياض السلمي‪ ،‬دار التدمرية‪.‬‬
‫ ‪10.‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬البن القيم‪ ،‬تعليق‪ :‬مشهور آل سلامن‪ ،‬دار‬
‫ابن اجلوزي‪.‬‬
‫ ‪11.‬إنشاء االلتزام يف حقوق العباد‪ ،‬د‪ .‬حسن بن أمحد الغزايل‪ ،‬دار عامل الكتب‪.‬‬
‫ ‪12.‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬لعالء الدين املرداوي‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ ‪13.‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬البن رشد احلفيد‪ ،‬دار احلديث يف القاهرة‪.‬‬
‫ ‪14.‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ ،‬أليب بكر بن مسعود الكاساين احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪15.‬البناية رشح اهلداية‪ ،‬لبدر الدين العيني احلنفي‪ ،‬دار الكتب العلمية يف بريوت‪.‬‬
‫ ‪16.‬بيع الدين وتطبيقاته املعارصة يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬أسامة بن محود الالحم‪ ،‬دار‬
‫امليامن‪.‬‬
‫ ‪17.‬التاج واإلكليل ملخترص خليل‪ ،‬ملحمد بن يوسف العبدري (املواق)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪18.‬تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق (ومعه حاشية الشلبي)‪ ،‬لفخر الدين الزيلعي‬
‫احلنفي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪19.‬حترير الكالم يف مسائل االلتزام‪ ،‬ملحمد بن حممد احلطاب‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم‬
‫الرشيف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪20.‬اجلامع لعلوم اإلمام أمحد ‪ -‬علل احلديث‪ ،‬إبراهيم النحاس‪ ،‬دار الفالح يف‬
‫مرص‪.‬‬
‫ ‪21.‬اجلامع لعلوم اإلمام أمحد‪ -‬الفقه‪ ،‬خالد الرباط وسيد عزت عيد‪ ،‬دار الفالح‬
‫يف مرص‪.‬‬
‫ ‪22.‬جزء يف حديث احلوالة (ضمن األجزاء احلديثية)‪ ،‬للشيخ بكر أبو زيد‪ ،‬دار‬
‫العاصمة‪.‬‬
‫ ‪23.‬اجلوائح وأحكامها‪ ،‬د‪ .‬سليامن بن إبراهيم الثنيان‪ ،‬دار عامل الكتب‪.‬‬
‫ ‪24.‬حاشية ابن عابدين (رد املحتار عىل الدر املختار)‪ ،‬دار الفكر يف بريوت‪.‬‬
‫ ‪25.‬درر احلكام يف رشح جملة األحكام‪ ،‬لعيل حيدر‪ ،‬تعريب‪ :‬فهمي احلسيني‪ ،‬دار‬
‫اجليل‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ ‪26.‬الروض املربع رشح زاد املستقنع‪ ،‬ملنصور البهويت‪ ،‬خرج أحاديثه‪ :‬عبد القدوس‬
‫نذير‪ ،‬دار املؤيد ومؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ ‪27.‬سنن ابن ماجه‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‬
‫وفيصل البايب احللبي‪.‬‬
‫ ‪28.‬سنن أيب داود‪ ،‬حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العرصية‪.‬‬
‫ ‪29.‬سنن الرتمذي‪ ،‬حتقيق‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي يف بريوت‪.‬‬
‫ ‪30.‬السنن الكبري‪ ،‬أليب بكر البيهقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬مركز هجر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫ ‪31.‬سنن النسائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية يف‬
‫حلب‪.‬‬
‫ ‪32.‬رشح اخلريش عىل خمترص خليل (ومعه حاشية العدوي)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‬
‫ ‪33.‬رشح الزرقاين عىل خليل (ومعه حاشية البناين)‪ ،‬بعناية‪ :‬عبد السالم أمني‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪34.‬الرشح املمتع عىل زاد املستقنع‪ ،‬للشيخ حممد بن صالح العثيمني‪ ،‬دار ابن‬
‫اجلوزي‪.‬‬
‫ ‪35.‬رشح منتهى اإلرادات (دقائق أويل النهى لرشح املنتهى)‪ ،‬ملنصور البهويت‪ ،‬عامل‬
‫الكتب‪.‬‬
‫ ‪36.‬صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري النارص‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫ ‪37.‬صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب يف‬
‫بريوت‪.‬‬
‫ ‪38.‬عيون املسائل‪ ،‬أليب الليث السمرقندي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬صالح الدِّ ين الناهي‪،‬‬
‫مطبعة أسعد ببغداد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ ‪39.‬غمز عيون البصائر يف رشح األشباه والنظائر‪ ،‬ألمحد احلموي احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫ ‪40.‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر‪ ،‬رقمه‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار املعرفة يف بريوت‪.‬‬
‫ ‪41.‬الفروع‪ ،‬لشمس الدين ابن مفلح‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ ‪42.‬الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق)‪ ،‬لشهاب الدين القرايف‪ ،‬دار عامل‬
‫الكتب‪.‬‬
‫ ‪43.‬القواعد‪ ،‬لزين الدين ابن رجب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪44.‬الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار‪ ،‬البن أيب شيبة‪ ،‬حتقيق‪ :‬كامل احلوت‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫ ‪45.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬ملنصور البهويت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪46.‬املبدع رشح املقنع‪ ،‬لربهان الدين ابن مفلح‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪47.‬املبسوط يف رشح القانون املدين‪ ،‬د‪ .‬ياسني اجلبوري‪ ،‬دار الثقافة للنرش والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪2006‬م‪.‬‬
‫ ‪48.‬جملة األحكام العدلية‪ ،‬أعدهتا جلنة مكونة من عدة علامء وفقهاء‪ ،‬حتقيق نجيب‬
‫هواويني‪.‬‬
‫ ‪49.‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم أمحد ابن تيمية‪ ،‬مجعها‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن‬
‫قاسم‪.‬‬
‫ ‪50.‬املدخل إىل نظرية االلتزام العامة‪ ،‬د‪ .‬مصطفى أمحد الزرقا‪ ،‬دار القلم‪.‬‬
‫ ‪51.‬املستصفى‪ ،‬أليب حامد الغزايل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد السالم عبد الشايف‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪52.‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬دار احلديث يف القاهرة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ ‪53.‬مصادر االلتزام‪ ،‬د‪ .‬سمري عبد السيد تناغو‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪54.‬مصادر االلتزامات وأحكامها دراسة مقارنة‪ ،‬د‪ .‬منذر الفضل‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫عمن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ ‪55.‬مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪56.‬املصنف‪ ،‬لعبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪،‬‬
‫املجلس العلمي يف اهلند‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ ‪57.‬املعايري الرشعية الصادرة من هيئة املحاسبة واملراجعة للمؤسسات املالية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫ ‪58.‬املعجم الوسيط‪ ،‬ملجموعة مؤلفني‪ ،‬جممع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬
‫ ‪59.‬املغني‪ ،‬ملوفق الدين ابن قدامة‪ ،‬دار القاهرة‪.‬‬
‫ ‪60.‬املنتقى رشح املوطأ‪ ،‬أليب الوليد الباجي‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬
‫ ‪61.‬املنثور يف القواعد الفقهية‪ ،‬لبدر الدين الزركيش‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬
‫ ‪62.‬منح اجلليل رشح خمترص خليل لعليش‪ ،‬للشيخ حممد عليش‪ ،‬دار الفكر يف‬
‫بريوت‪.‬‬
‫ ‪63.‬املهذب يف فقه اإلمام الشافعي‪ ،‬أليب إسحاق الشريازي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪64.‬املوافقات‪ ،‬إلبراهيم بن موسى الشاطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مشهور آل سلامن‪ ،‬دار ابن‬
‫عفان‪.‬‬
‫ ‪65.‬مواهب اجلليل يف رشح خمترص خليل‪ ،‬ملحمد بن حممد احلطاب‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪66.‬موسوعة اإلمجاع يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬فيصل الوعالن‪ ،‬دار‬
‫الفضيلة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مراجعات فقهية في نظرية االلتزام‬

‫ ‪67.‬املوسوعة الفقهية‪ ،‬إصدار‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدولة‬


‫الكويت‪.‬‬
‫ ‪68.‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ترقيم‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب يف‬
‫بريوت‪.‬‬
‫الس ْغدي‪ ،‬حققه‪ :‬د‪ .‬صالح الدين الناهي‪،‬‬
‫ ‪69.‬النتف يف الفتاوى‪ ،‬لعيل بن احلسني ُّ‬
‫دار الفرقان ومؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ ‪70.‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬ملحمد بن شهاب الدين أمحد الرميل‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪71.‬الوجيز يف القانون التجاري‪ ،‬د‪ .‬سمري عالية‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات‬
‫والنرش والتوزيع يف بريوت‪.‬‬
‫ ‪72.‬الوسيط يف القانون املدين‪ :‬مصادر االلتزامات‪ ،‬املختار بن أمحد عطار‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1428 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪73.‬الوسيط يف رشح القانون املدين‪ ،‬عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب يف بريوت‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية‬
‫للجوائح على عقد اإلجارة‬
‫(فيروس كورونا الجديد أنموذجاً )‬
‫دراسة فقهية مقارنة‬

‫د‪ .‬سعد بن علي بن تركي الجلعود‬


‫األستاذ المشارك في قسم الفقه‬
‫بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬
‫جامعة القصيم‬

‫‪75‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫مقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه‬
‫وسلم تسليام‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن الوباء الذي اجتاح العامل سارز كوف تو )‪ (SARS-CoV-2‬ثم اص ُطلح‬
‫عىل تسميته عامليا كوفيد ‪ (COVID-19) 19‬ويشار إليه بكورونا أو فريوس‬
‫كورونا اجلديد‪ ،‬ظهر يف جهة املرشق والذي أعلن عنه ألول مرة بمدينة‬
‫ووهان الصينية يوم ‪ 4‬ربيع اآلخر ‪1441‬هـ‪ ،‬ثم انترش هذا الوباء الذي‬
‫يفتك بالناس برسعة كالرشر حتى وصل أقىص املغرب‪ ،‬وأعلنت منظمة‬
‫الصحة العاملية‪ ،‬يف يوم األربعاء ‪1441/7/16‬هـ أن كوفيد ‪( 19‬كورونا)‬
‫بات «وباء عاملي ًا»(((‪ ،‬ووصلت آثاره إىل منطقتنا منذ أوائل شهر رجب لعام‬
‫‪1441‬هـ‪ ،‬وترتبت عليه مجلة من اآلثار والتداعيات التي مل يسبق ألحد‬
‫أن شهدها فيام مىض من السنني‪ ،‬فتعطلت املساجد واملدارس واألعامل‬
‫واألسواق واألسفار ومصالح العباد‪ ،‬وال تزال هذه اآلثار حتى كتابة هذا‬
‫البحث غري واضحة املعامل وال النهايات‪ ،‬نسأل اهلل اللطف بالعباد‪ ،‬وقد‬
‫سارعت الدول يف اختاذ إجراءات احرتازية ووقائية منها إغالق احلدود‬

‫((( ينظر يف الكالم حول فريوس كورونا اجلديد وبداية انتشاره وتسميته‪ :‬موقع منظمة‬
‫الصحة العاملية‪:‬‬
‫‪https://web.archive.org/web/20200516092555/‬‬
‫‪https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/technical-‬‬
‫‪guidance/naming-the-coronavirus-disease-(covid-2019)-and-the-virus-that-‬‬
‫‪causes-it‬‬

‫‪76‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ومنع التنقل عرب وسائل املواصالت وتوقف االقتصاد إىل حد كبري للحد‬
‫من انتشار هذا الوباء والتخفيف من آثاره‪.‬‬
‫ويف ظل هذه اجلائحة العاملية طرأ عىل عقود املعامالت ما قد ُيلغيها أو‬
‫يؤثر فيها‪ ،‬واألصل املتقرر عند الفقهاء يف العقود اللزوم‪ ،‬وال يبطل العقد‬
‫أو يغري إال برضا املتعاقدين‪ ،‬مما يعني أن القضاء نفسه ال يمكنه تعديل العقد‬
‫أو إلغاؤه‪ ،‬إال أن هذا األمر ليس عىل إطالقه‪ ،‬فهو مقابل بمبدأ آخر وهو‬
‫العدل يف العقود‪ ،‬إذ قد يوجد من األسباب ما قد جيعل القضاء يتدخل يف‬
‫عرف باجلوائح‬ ‫تعديل العقد أو إلغائه‪ ،‬ومن هذه األسباب عند الفقهاء ما ُي َ‬
‫عرف بالقوة القاهرة والظروف الطارئة‪،‬‬ ‫واألعذار‪ ،‬وعند فقهاء القانون ما ُي َ‬
‫وهذا الوباء أثر عىل كثري من عقود اإلجارة‪ ،‬وعىل املنفعة املقصودة من هذا‬
‫العقد‪ ،‬وهذه املنفعة املعقود عليها بني تعذر وتعثر وتغري يف صفاهتا املرادة‬
‫حني التعاقد‪ ،‬من رشكات ومؤسسات تعليمية‪ ،‬وخدمات وغريها‪.‬‬
‫والباحث يسعى إىل هذا املوضوع بدء ًا بعرض التأصيل الفقهي املناسب‬
‫له وبيان مدى ارتباط هذا الوباء بام ذكره الفقهاء‪ ،‬وبعد ذلك بيان مفهوم‬
‫القوة القاهرة والظروف الطارئة عند أهل القانون‪ ،‬وكيف يتم تكييفه‪ ،‬ييل‬
‫ذلك ذكر األنظمة يف اململكة العربية السعودية التي تناولت هذه املبادئ‬
‫الفقهية والقانونية‪ ،‬وبيان التطبيق القضائي للقضايا املامثلة واملشاهبة له‪.‬‬
‫ومن اجلدير بيانه أن كثري ًا من الدراسات القانونية تسري عىل املنهج‬
‫القانوين الالتيني (من أشهر الدول تأخذ به فرنسا وأملانيا)‪ ،‬بينام هذه الدراسة‬
‫ستضيف إليها املنهج القانوين األنجلوسكسوين (من أشهر الدول تأخذ به‬

‫‪77‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫بريطانيا وأمريكا)‪ ،‬وبني املدرستني فرق يف التعامل مع نظرية القوة القاهرة‬


‫سيتم بيانه يف موضعه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫البحث‪:‬‬ ‫أوالً‪ُ :‬مشكل ُة‬
‫حدوث حاالت طارئة ومفاجئة عىل االستمرار يف العقد مل تكن باحلسبان‬
‫للمتعاقدين كام حيدث اآلن من وقوع وباء كورونا‪ ،‬قد تؤدي إىل اخلروج عن‬
‫أحد أصول العقد وهو لزومه وال يبطل العقد أو يغري إال برضا املتعاقدين‪،‬‬
‫مما يعني أن القضاء نفسه ال يمكنه تعديل العقد أو إلغاؤه‪ ،‬إال أن هذا األمر‬
‫ليس عىل إطالقه‪ ،‬فهو مقابل بمبدأ آخر وهو العدل يف العقود‪ ،‬إذ قد يوجد‬
‫من األسباب ما قد جيعل القضاء يتدخل يف تعديل العقد أو إلغائه‪ ،‬ومن‬
‫هذه األسباب عند الفقهاء ما يعرف باجلوائح واألعذار‪ ،‬وعند القانونيني‬
‫سيكون خمصوص ًا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫البحث‬ ‫ما يعرف بالقوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬وهذا‬
‫بالكشف عن ما ذكره الفقهاء والقانونيون حول اجلوائح واألعذار والقوة‬
‫ِ‬
‫املتصلة هبا يف اململكة؛ ألهنا‬ ‫ِ‬
‫اللوائح‬ ‫القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬واألنظمة‬
‫هي الضابط ُة للعقود‪ ،‬وكيف تعامل القضاء مع هذه اجلوائح‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أسئلة البحث‪:‬‬
‫البحث َيرو ُم اإلجاب َة عن سؤال رئيس‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫َ‬ ‫فإذا تو َّطأ ما تقدَّ َم؛ َّ‬
‫فإن‬
‫إىل أي مدى يتوافق هذا الوباء يف آثاره عىل عقد اإلجارة مع أحكام‬
‫اجلائحة واألعذار يف الفقه والقانون؟ وإذا كان كذلك فام هو التكييف‬
‫الفقهي والقانوين له؟ وما موقف القضاء السعودي؟‬

‫‪78‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫سائق إىل‬
‫ٌ‬ ‫ويتفرع عن هذا اإلشكال‪ُ ،‬جل ٌة من األسئلة‪ ،‬اإلجاب ُة عنها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلجابة عن السؤال الرئيس ‪ -‬بإذنه تعاىل ‪ ،-‬وهذه األسئلة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1.‬ما املقصو ُد باجلوائح؟ واألعذار؟‬
‫‪2.‬ما مفهوم القوة القاهرة والظروف الطارئة يف القانون؟‬
‫‪3.‬ما تكييف عقد اإلجارة يف ظل وباء كورونا؟ وما أثره عىل االلتزام‬
‫باألجرة؟‬
‫‪4.‬كيف وصفت األنظمة يف اململكة القوة القاهرة والظروف الطارئة؟‬
‫ثالث ًا‪ :‬أمهية البحث‪:‬‬
‫تتجىل أمهية موضوع هذا البحث من كونه يتناول قضية معارصة‪ ،‬بام‬
‫يستوجب عناية الباحثني بأحكامه‪ ،‬كي تتيرس االستفادة منه وتقل املنازعات‬
‫واخلصومات بني املتعاقدين‪ ،‬وهذه الدراسة ستجمع بني الفقه والقانون يف‬
‫مدرستيه الالتينية واألنجلوسكسونية‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أهداف البحث‪:‬‬
‫حتقيق ما ييل‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫البحث‬ ‫ف‬‫َي ِد ُ‬
‫‪1.‬تعريف اجلائحة واألعذار عند الفقهاء‪.‬‬
‫‪2.‬بيان حقيقة عقد اإلجارة‪.‬‬
‫‪3.‬إيضاح مفهوم القوة القاهرة والظروف الطارئة‪.‬‬
‫‪4.‬التكييف الفقهي لوباء كورونا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪5.‬جتلية األنظمة املتصلة بالقوة القاهرة والظروف الطارئة يف اململكة‪.‬‬


‫‪6.‬بيان التطبيق القضائي يف اململكة حيال األوبئة‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬منهج البحث‪:‬‬
‫ُ‬
‫الباحث يف بحثه ‪ -‬بإذنه تعاىل ‪:-‬‬ ‫سيتبع‬
‫ُ‬
‫مظانا‬ ‫ِ‬
‫البحث يف‬ ‫ِ‬
‫مفردات‬ ‫املنهج االستقرائي التحلييل‪ ،‬وذلك بتتب ِع‬
‫ِّ‬ ‫‪َ 1.‬‬
‫الفقهية والقانونية‪ ،‬وما له َعالق ٌة هبا يف أنظمة اململكة وتوجه القضاء‬
‫السعودي‪ ،‬وحتليلها‪.‬‬
‫‪2.‬املنهج االستنباطي املقارن لتنزيل األحكام الفقهية عىل أثر اجلائحة‬
‫فق تقسي ِم البحث‪ ،‬وصوالً‬ ‫عىل وباء كورونا‪ ،‬وتكييفها قانوني ًا‪ ،‬فصياغتها َو َ‬
‫إىل النتائج‪ ،‬فالتوصيات‪.‬‬
‫‪3.‬توثيق املادة العلمية من مصادرها األصلية‪ ،‬وذكر اسم السورة‪،‬‬
‫ورقم اآلية‪ ،‬وختريج األحاديث واآلثار وفق القواعد العلمية‪ ،‬وترمجت‬
‫األعالم إذا اقتضت احلاجة التعريف هبم‪ ،‬ثم أتبعت البحث بذكر الفهارس‬
‫واملصادر العلمية‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬حدود البحث‪:‬‬
‫حدود هذا البحث تتمحور حول أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة دون‬
‫غريه من العقود عند الفقهاء‪ ،‬وأحكام القوة القاهرة والظروف الطارئة عند‬
‫القانونيني‪ ،‬مع ذكر األنظمة يف اململكة املتصلة بذلك‪ ،‬والتطبيق القضاء‬
‫السعودي لقضايا مماثلة ومشاهبة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫سابع ًا‪ :‬الدراسات السابقة‪:‬‬


‫املوضوع أثر وباء كورونا عىل‬ ‫طرقت هذا‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫علمية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫دراسة‬ ‫مل أقف عىل‬
‫َ‬
‫عقد اإلجارة‪ ،‬يف حدود علمي‪ ،‬مجعت بني الدراسة الفقهية والقانونية مع‬
‫عرض لنظام اململكة وتوجه القضاء السعودي‪ ،‬وذلك راجع لكوهنا قضية‬
‫اللهم إال دراسات قدمت إىل ندوة الربكة األربعني‬
‫َّ‬ ‫جديدة ونازلة معارصة‬
‫لالقتصاد اإلسالمي بعنوان «وضع اجلوائح والقوة القاهرة» قدمت فيه مخسة‬
‫بحوث‪ ،‬مل تتعرض لعقد اإلجارة وحاالته‪ ،‬وإن تعرض بعضها له فعىل وجه‬
‫اإلجياز‪ ،‬وهذه البحوث‪:‬‬
‫‪1.‬السوابق القضائية يف وضع اجلوائح والقوة القاهرة‪ ،‬للقايض حممد‬
‫الغامدي‪ ،‬جاء يف ‪ 31‬ورقة‪ ،‬أبان فيها الباحث عن معنى اجلائحة والقوة‬
‫القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬ثم ذكر التطبيقات القضائية‪.‬‬
‫‪2.‬أثر جائحة كورونا عىل حجوزات الطريان والفنادق وخدمات النقل‬
‫والشحن والتعليم اخلاص‪ ،‬للدكتور أمحد عبد العزيز احلداد‪ ،‬جاء يف ‪11‬‬
‫ورقة‪ ،‬قسم أثر اجلائحة إىل ست صور مع إشارة موجزة لعقد اإلجارة‪.‬‬
‫‪3.‬آثار الوباء عىل تعامالت املؤسسات املالية اإلسالمية يف ضوء أحكام‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬للدكتور خالد السياري‪ ،‬واقترص بحثه عىل ثالث نقاط‪:‬‬
‫‪ .‬أااللتزامات اآلجلة يف عقود املؤسسات املالية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪.‬بالتعثر يف إطفاء الصكوك‪.‬‬
‫‪ .‬جاإلفادة من حساب اخلريات يف املؤسسات املالية اإلسالمية‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪4.‬أثر جائحة كورونا عىل العقود بمختلف أنواعها‪ ،‬للدكتور عيل‬


‫الرسطاوي‪ ،‬جاء يف ‪ 11‬ورقة بكالم موجز وقواعد عامة‪.‬‬
‫‪5.‬اجلوائح والقوة القاهرة‪ ،‬نظرة من خالل القواعد الكلية واملقاصد‬
‫العامة‪ ،‬لألستاذ الدكتور مسلم الدورسي‪ ،‬جاء يف ‪ 40‬ورقة‪ ،‬أبان حقيقة‬
‫اجلائحة واأللفاظ املتصلة هبا‪ ،‬وأقسام اجلائحة وأركاهنا‪ ،‬ومن ثم تناول‬
‫القواعد الفقهية املؤثرة يف أحكام اجلوائح والقوى القاهرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫والشمول أو يف مباحث ال تتناول اإلجارة‪،‬‬ ‫تتسم بال ُعمو ِم‬ ‫فهي بحوث‬
‫ُ‬
‫منوي دراس ُت ُه يف بحثي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫كام هو‬
‫‪6.‬أثر اإلجراءات االحرتازية يف عقد اإلجارة بسبب انتشار وباء‬
‫كورونا‪ :‬دراسة فقهية‪ ،‬للدكتور عبد اهلل التميمي‪ ،‬منشور يف جملة اجلمعية‬
‫الفقهية السعودية العدد (‪ ،)51‬أشار فيه إىل حكم األجري اخلاص واملشرتك‬
‫وأثر اإلجراءات االحرتازية‪ ،‬والبحث موضع الدراسة باإلضافة إىل ما‬
‫جاء يف هذا البحث سيتناول نظرية القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة‬
‫وتوجه كل من املدرسة الالتينية واملدرسة األنجلوسكسونية ومن ثم ذكر‬
‫ما جاء يف النظام السعودي والتطبيق القضائي التعليق عىل املبادئ القضائية‬
‫التي صدرت من املحكمة العليا حول جائحة كورونا‪.‬‬
‫وتوجد عدد من الدراسات القانونية للقوة القاهرة والظروف الطارئة‬
‫يف األنظمة العربية والغربية من حيث العموم ومل أقف عىل دراسة علمية‬
‫ال عىل أن أكثر الدراسات العربية تأثرت‬ ‫لتكييف وباء كورونا‪ ،‬فض ً‬

‫‪82‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫باملدرسة الالتينية (وتتبناه فرنسا وأملانيا وغريمها من الدول)‪ ،‬بينام املدرسة‬


‫األنجلوسكسونية (تتبناه بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية وغريمها من‬
‫الدول) هلا فلسفتها يف التعامل مع القوة القاهرة‪ ،‬والتي أغفلتها كثري من‬
‫تلك الدراسات‪ ،‬وهذا ما سيضيفه الباحث ويشري إليه‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬خطة البحث‪:‬‬
‫يتألف البحث من مقدمة وفيها‪ :‬مشكلة البحث‪ ،‬وأسئلته‪ ،‬وأمهيته‪،‬‬
‫وأهدافه‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬وحدوده‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬وهيكله التنظيمي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وخامتة‪ ،‬مبتدئ ًا بأحكام اجلائحة‬ ‫ِ‬
‫البحث يف متهيد ومبحثني‬ ‫وجاءت خط ُة‬
‫واألعذار عند الفقهاء لكونه األساس الفقهي له‪ ،‬مقترص ًا عىل ما يؤصل‬
‫ملرشوعيتها‪ ،‬ويبني غايتها‪ ،‬وحيدد أنواعها‪ ،‬وذلك عىل النحو التايل‪:‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫وفيه مطلب واحد‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف مصطلحات العنوان‪:‬‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حقيقة اجلائحة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة عند القانونيني‪.‬‬


‫املبحث األول‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أنواع اإلجارة‪:‬‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلجارة الواردة عىل منافع األعيان‪:‬‬
‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬منافع األعيان املعينة‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬األعيان املوصوفة يف الذمة‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثالثة‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل منافع األعيان‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬عقد اإلجارة الوارد عىل العمل‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬أقسام األجري‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل العمل‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة‪:‬‬
‫وفيه ثالث فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة عند الفقهاء‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫الفرع الثاين‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة يف القانون األنجلوسكسوين‪.‬‬


‫الفرع الثالث‪ :‬التكييف الفقهي والقانوين جلائحة كورونا اجلديد‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬موقف املنظم يف اململكة العربية السعودية من اجلائحة‪،‬‬
‫والتطبيقات القضائية‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬موقف املنظم يف اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬اجلانب التطبيقي يف اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫وفيها أهم نتائج البحث‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫التمهيد‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف مصطلحات العنوان‪:‬‬

‫وفيه الفروع التالية‪:‬‬


‫الفرع األول‪ :‬حقيقة اجلائحة‪:‬‬
‫ال ِائ َح ُة ِف ال ُّل َغ ِة‪ :‬نسبة إىل اجلوح‪ ،‬وأصل مادة (اجليم والواو واحلاء)‬
‫َْ‬
‫اال ْستِ ْئ َصال واهلالك‪ُ ،‬ي َقال‪ :‬يقال جاح اليشء جيوحه‬
‫يف اللغة يدل عىل ِ‬
‫استأصله‪ .‬ومنه اشتقاق اجلائحة(((‪.‬‬
‫واجلائحة الشدة‪ ،‬جتتاح املال من سنة أو فتنة‪ ،‬وهي مأخوذة من اجلوح‬
‫بمعنى االستئصال واهلالك‪ ،‬يقال‪ :‬جاحتهم اجلائحة واجتاحتهم‪ ،‬وجاح‬
‫ب ِد يقع من السامء‬
‫اهلل ماله وأجاحه بمعنى‪ ،‬أي أهلكه باجلائحة‪ .‬وتكون ا ْل َ َ‬
‫ب ِد أو احلر املفرطني حتى يفسد‬ ‫إذا عظم حجمه فكثر رضره‪ ،‬وتكون بِا ْل َ ْ‬
‫الثمر(((‪.‬‬

‫((( معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪.492/1 ،‬‬


‫((( لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ .410/2 ،‬معجم هتذيب اللغة‪ ،‬األزهري‪.514/1 ،‬‬

‫‪86‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫اجلائحة عند الفقهاء‪:‬‬


‫يذكر الفقهاء اجلائحة عند كالمهم عىل بيع األصول والثامر‪ ،‬ويذكرون‬
‫األعذار يف باب اإلجارة‪ ،‬ومن الفقهاء من يعمم ذكر اجلائحة يف البيع‬
‫واإلجارة وتدخل األعذار فيها(((‪.‬‬
‫تعريف اجلائحة‪:‬‬
‫وأما تعريفها عندهم فهي تطلق عىل أحد معنيني‪:‬‬
‫األول‪ :‬كل ما أذهب الثمرة أو بعضها بغري جناية آدمي‪ ،‬كريح ومطر‬
‫وثلج‪ ،‬وبرد‪ ،‬وجليد‪ ،‬وصاعقة‪ ،‬وحر‪ ،‬وعطش ونحوه‪.‬‬
‫يمثل هذا االجتاه بوضوح أكثر الفقهاء منهم‪ :‬ابن رشد من املالكية(((‪،‬‬
‫والنووي من الشافعية(((‪ ،‬وابن قدامة من احلنابلة(((‪ ،‬فقد جعلوا اجلائحة‬
‫خاصة باآلفة الساموية دون غريها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬كل يشء ال يستطاع دفعه لو علم به‪ ،‬كساموي‪ ،‬كالربد واحلر‪،‬‬
‫ومثل ذلك ريح السموم‪ ،‬والثلج‪ ،‬واملطر‪ ،‬واجلراد‪ ،‬والفئران والغبار‪ ،‬والنار‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬أو غري ساموي وجيش‪.‬‬

‫ممن يعمم ذكر اجلائحة شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪،278/30 ،‬‬ ‫(((‬
‫وسيأيت كالمه حول هذا‪.‬‬
‫بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬ابن رشد‪.156/2 ،‬‬ ‫(((‬
‫روضة الطالبني‪ ،‬النووي‪.219/3 ،‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.86/4 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪87‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫أخذ هبذا االجتاه يف تعريف اجلائحة عدد من الفقهاء منهم‪ :‬اإلمام‬


‫مالك(((‪ ،‬واإلمام الشافعي يف أحد تعريفيه للجائحة(((‪ ،‬وابن تيمية من‬
‫احلنابلة(((‪ ،‬وهذا االجتاه توسع يف تعريف اجلائحة وجعلها تشمل عالوة‬
‫عىل اآلفة الساموية صنع اآلدمي الذي ال يمكن ضامنه‪ ،‬ويؤيد هذا ما نقل‬
‫عن عطاء ‪ ‬يف تفسريه للجائحة بأهنا‪« :‬كل ظاهر مفسد من مطر‪ ،‬أو‬
‫برد‪ ،‬أو جراد‪ ،‬أو ريح‪ ،‬أو حريق»(((‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪:‬‬
‫«فاجلائحة هي اآلفات الساموية التي ال يمكن معها تضمني أحد‪ ،‬مثل‬
‫الريح والربد واحلر واملطر واجلليد والصاعقة ونحو ذلك‪ ،‬كام لو تلف هبا‬
‫غري هذا املبيع‪ .‬فإن أتلفها آدمي يمكن تضمينه‪ ،‬أو غصبها غاصب‪ ،‬فقال‬
‫أصحابنا كالقايض وغريه‪ :‬هي بمنزل إتالف املبيع قبل التمكن من قبضه‪،‬‬
‫خيري املشرتي بني اإلمضاء والفسخ كام تقدم‪ ،‬وإن أتلفها من اآلدميني من ال‬
‫يمكن ضامنه كاجليوش التي تنهبها واللصوص الذين خيربوهنا‪ ،‬فخرجوا فيه‬
‫وجهني (أحدمها) ليست جائحة ألهنا من فعل آدمي (والثاين) وهو قياس‬
‫أصول املذهب أهنا جائحة‪.(((»...‬‬

‫املدونة الكربى‪ ،‬اإلمام مالك‪.38/5 ،‬‬ ‫(((‬


‫األم‪ ،‬الشافعي‪.59/3 ،‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.278/30 ،‬‬ ‫(((‬
‫سنن أيب داود‪ ،‬أبواب اإلجارة‪ ،‬باب يف تفسري اجلائحة‪ ،‬رقم ‪.4371‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى‪.278/30 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪88‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫اجلائحة عند أهل الطب‪:‬‬


‫وباء ينترش عىل نطاق شديد االتساع يتجاوز احلدود الدُ ول َّية‪ ،‬مؤثر ًا‬
‫«كاملعتاد» عىل عدد كبري من األفراد(((‪.‬‬
‫ويف املعجم الطبي املوحد ملنظمة الصحة العاملية نجد كلمة‬
‫(((‬

‫«‪ »Pandemic‬وترمجتها إىل جائحة‪ ،‬وأطلقت املنظمة عىل وباء كورونا اجلديد‬
‫)‪ (COVID-19‬باجلائحة‪.‬‬
‫وكلمة «جائحة» التي تُرمجت من قبل املنظمة ووصف وباء كورونا‬
‫اجلديد هبا صحيحة وهلا داللتها اللغوية املتناسقة مع اللغة العربية‪ ،‬ومالئمة‬
‫لوصف احلدث املعارص وطبيعته‪ ،‬وحقيقة هذا الوباء ورسعة انتشاره وتأثريه‬
‫يعكس داللة اجلوح واالجتياح‪.‬‬
‫ويتضح مما تقدم ذكره يف تعريف اجلائحة ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن اآلفة الساموية حمل اتفاق بني الفقهاء يف حقيقة اجلائحة ومعناها‪.‬‬
‫‪2.‬أن تعريف االجتاه الثاين قد تضمن ما يف تعريف االجتاه األول‪،‬‬
‫وأضاف إليه ما كان من فعل اآلدمي الذي ال يمكن تضمينه‪.‬‬

‫‪«A Dictionary of Epidemiology، Oxford University‬‬ ‫((( معجم أكسفورد لعلم األوبئة‬
‫»‪2008 ،Press‬م‪.‬‬
‫((( كلمة »‪ «pandemic‬اإلنجليزية مرتمجة إىل «جائحة»‪ .‬من قام بتسمية وباء كورونا‬
‫باجلائحة‪ ،‬كرتمجة للمفردة اإلنجليزية »‪ ،«Pandemic‬هو منظمة الصحة العاملية‪ ،‬ممثلة‬
‫يف مكتبها اإلقليمي للرشق األوسط‪ ،‬واملعجم املوحد عندها‪ .‬ومتت عام ‪2005‬م‪ ،‬أو‬
‫قبل ذلك‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪3.‬من الفقهاء من جعل حمل اجلوائح خاص ًا بالثامر‪ ،‬ومنهم من توسع‬


‫وجعله يف الزرع‪ ،‬ومنهم من جعله عاما متى ما اتفقت العلة فيه(((‪.‬‬
‫وبناء عىل ما جاء يف هذه التعريفات فإن الوباء الذي اجتاح العامل سارز‬
‫كوف تو )‪ (SARS-CoV-2‬ثم اصطلح عىل تسميته عاملي ًا كوفيد ‪(COVID-19) 19‬‬

‫ويشار إليه بكورونا أو فريوس كورونا اجلديد يدخل حتت حقيقة اجلائحة‬
‫عند الفقهاء إذ ال يمكن دفعها كام ال يمكن معها تضمني أحد‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة يف الفقه‪:‬‬
‫عرف الفقهاء اإلجارة بتعريفات كثرية‪ ،‬منها ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬تعريف اإلجارة عند احلنفية‪ :‬عقد عىل املنافع ِ‬
‫بع َوض(((‪.‬‬
‫‪2.‬تعريف اإلجارة عند املالكية‪ :‬عقد وارد عىل املنافع ألجل‪ .‬وبعضهم‬
‫عرفها‪ :‬متليك منافع يشء مباحة مدة معلومة بعوض(((‪.‬‬
‫‪3.‬تعريف اإلجارة عند الشافعية‪ :‬عقد عىل منفعة معلومة مقصودة‬
‫قابلة للبذل‪ ،‬واإلباحة بعوض معلوم وضع ًا(((‪.‬‬

‫جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.278/30 ،‬‬ ‫(((‬


‫اهلداية عىل رشح بداية املبتدي‪ ،‬املرغيناين‪.231/3 ،‬‬ ‫(((‬
‫ملخص األحكام الرشعية عىل املعتمد من مذهب املالكية‪ ،‬عامر حممد‪ ،‬ص‪.213‬‬ ‫(((‬
‫حاشية عىل منهاج الطالبني‪ ،‬قليويب‪.67/3 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪90‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪4.‬تعريف اإلجارة عند احلنابلة‪ :‬عقد عىل منفعة مباحة معلومة‪ ،‬مدة‬
‫معلومة‪ ،‬من عني معلومة‪ ،‬أو موصوفة يف الذمة‪ ،‬أو عمل بعوض معلوم(((‪.‬‬
‫وهذه التعاريف وإن اختلفت لفظ ًا إال أهنا تتفق معنى‪ ،‬والتعريف‬
‫األخري وهو تعريف احلنابلة قد تضمن ما يف التعريفات السابقة‪ ،‬وأضاف‬
‫إليها بعض القيود الالزم توافرها يف عقد اإلجارة‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬حقيقة عقد اإلجارة عند القانونيني‪:‬‬
‫املتتبع لألنظمة العربية جيد أهنا تأثرت يف تعريفها لإلجارة بالقانون‬
‫الغريب‪ ،‬فقد جاء يف أكثر تعاريف األنظمة العربية لإلجيار بأهنا‪« :‬اإلجيار‪:‬‬
‫املؤجر‪ ،‬ملدة معينة‪ ،‬لقاء‬
‫َّ‬ ‫املؤجر للمستأجر منفع ًة مقصودة من اليشء‬
‫ِّ‬ ‫متليك‬
‫أجر معلوم»(((‪.‬‬
‫فهم خيرجون عقد اإلجيار ‪ Tenancy Agreements‬عن عقد العمل‬
‫‪ ،Laboure Contract‬وجيعلون عقد اإلجيار خمتص ًا بعقود استئجار املباين‬
‫الشخصية وإن كان استئجار املباين للتجارة فتسمى ‪ Lease Agreements‬بينام‬
‫عقد العمل خاص ًا بالعقد عىل منفعة العمل‪ ،‬والقانون الغريب سواء الالتيني‬
‫(تنتمي إليه املدرسة الفرنسية) أو األنجلوسكسوين (تنتمي إليه املدرسة‬
‫اإلنجليزية واألمريكية) أخذ يتطور يف تنظيمه لعقود العمل منذ القرن‬
‫((( رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬البهويت‪.350/2 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املادة (‪ )742‬من قانون املعامالت املدنية‪ ،‬واملادة (‪ )658‬من القانون املدين‬
‫األردين‪ ،‬واملادة (‪ )558‬من القانون املدين املرصي‪ ،‬واملادة (‪ )526‬من القانون املدين‬
‫السوري‪ ،‬واملادة (‪ )722‬من القانون املدين العراقي‪ ،‬واملادة (‪ )561‬من القانون املدين‬
‫الكويتي‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫التاسع عرش امليالدي ثم بدأ يتوسع مع ظهور الرشكات وكثرة العاملني فيها‬
‫خصوص ًا ما يتعلق بتحديد أعامرهم وعدم استغالل األطفال(((‪.‬‬

‫((( وبعض الباحثني يرى أن تقسيمه هذا وهو جعل عقود العمل يف باب مستقل من باب‬
‫الكرامة اإلنسانية وأن القوانني الغربية تأثرت بالقانون الروماين‪ ،‬ومل أجده يف املراجع‬
‫األجنبية التي وقفت عليها إذ ال يعدو هذا التقسيم من باب معاجلة القضايا التي كثرت‬
‫يف وقتهم فاحتاجوا إىل جعلها يف باب مستقل‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫المبحث األول‬
‫أثر الجائحة على عقد اإلجارة‬
‫المطلب األول‪ :‬أنواع اإلجارة‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬اإلجارة عند الفقهاء‪:‬‬


‫للفقهاء طريقتان يف تقسيم أنواع اإلجارة‪:‬‬
‫الطريقة األوىل‪ :‬باعتبار التوقيت الزمني‪ ،‬وحتديد العمل‪ ،‬والتعيني‪،‬‬
‫واإلشارة‪.‬‬
‫وأخذ هبذا التقسيم مجع من فقهاء احلنفية والشافعية واحلنابلة(((‪ ،‬وممن‬
‫سار عليه ابن قدامة ‪ ،‬حيث جعل اإلجارة عىل رضبني‪ :‬أحدمها‪ :‬أن‬
‫يعقدها عىل مدة‪ .‬والثاين‪ :‬أن يعقدها عىل عمل معلوم‪ ،‬كبناء حائط‪ ،‬وخياطة‬
‫قميص‪ ،‬ومحل إىل موضع معني(((‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬باعتبار املعقود عليه من حيث منافع األعيان‪ ،‬والعمل‪.‬‬

‫((( من احلنفية‪ :‬أبو احلسن القدوري‪ ،‬الكتاب مع رشحه اللباب‪ ،88/2 ،‬وحافظ الدين‬
‫النسفي يف كتابه كنز الدقائق مع رشحه تبيني احلقائق‪ ،106/5 ،‬واملرغيناين يف كتابه‬
‫اهلداية رشح البداية‪ ،231/3 ،‬واملوصيل يف كتابه املختار مع رشحه االختيار‪.51/2 ،‬‬
‫وممن أخذ به من الشافعية‪ :‬الرميل يف كتابه هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪.279/5 ،‬‬
‫ومن احلنابلة‪ :‬ابن قدامة يف املغني‪.325/5 ،‬‬
‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.325/5 ،‬‬

‫‪93‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫وأخذ هبذا التقسيم مجع من فقهاء احلنفية واحلنابلة(((‪ ،‬وسارت عليه‬


‫جملة األحكام العدلية(((‪.‬‬
‫وهذا التقسيم ال يرتتب عليه أي أثر فقهي‪ ،‬وإنام هو من باب الرتتيب‬
‫والسرب واحلرص‪.‬‬
‫والباحث سيأخذ بالطريقة الثانية وهي‪ :‬باعتبار املعقود عليه من حيث‬
‫منافع األعيان‪ ،‬والعمل‪ ،‬وذلك أن العقود املتداولة بني الناس يف عرصنا‬
‫احلارض مطابقة هلذا التقسيم‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اإلجارة الواردة عىل منافع األعيان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلجارة الواردة عىل منافع األعيان عند الفقهاء‪:‬‬
‫تقسم اإلجارة الواردة عىل منافع األعيان عند الفقهاء إىل قسمني‪،‬‬
‫أحدمها‪ :‬إجارة واردة عىل منافع أعيان معينة‪ ،‬والثاين‪ :‬إجارة واردة عىل‬
‫منافع أعيان موصوفة يف الذمة‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬منافع األعيان املعينة‪:‬‬
‫إجارة منافع األعيان املعينة هي التي يكون حملها معين ًا‪ ،‬مثل‪ :‬إجارة هذا‬
‫البيت سنة‪ ،‬وإجارة هذه السيارة شهر ًا‪ ،‬ويتعلق حق املستأجر بمنفعة العني‬
‫املعينة املعقود عليها ال سواها‪.‬‬
‫((( من احلنفية‪ :‬الكاساين يف كتابه بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ ،174/4 ،‬ومن‬
‫احلنابلة‪ :‬البهويت يف كتابيه‪ :‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،360/2 ،‬وكشاف القناع عن متن‬
‫اإلقناع‪.560/3 ،‬‬
‫((( درر احلكام رشح جملة األحكام‪ ،‬عيل حيدر‪.382/1 ،‬‬

‫‪94‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫املسألة الثانية‪ :‬منافع األعيان املوصوفة يف الذمة(((‪:‬‬


‫إجارة منافع األعيان املوصوفة بالذمة هي التي يكون حملها غري معني بل‬
‫ال للجهالة والغرر‪ ،‬ونافي ًا للمشاقة والنزاع‪ ،‬كأن يؤجره‬
‫موصوف وصف ًا مزي ً‬
‫ال للجهالة والغرر‪.‬‬‫منفعة سكنى بيت صفته كذا وكذا‪ ،‬فيصفه وصف ًا مزي ً‬
‫أو أن يؤجره منفعة سيارة صفتها كذا وكذا‪ ،‬فيصفها وصف ًا مزي ً‬
‫ال للجهالة‬
‫والغرر‪ .‬ويتعلق حق املستأجر فيها بمنفعة عني موصوفة يف ذمة املؤجر ال‬
‫بعني معينة‪ ،‬وال بعمل يف ذمة املؤجر‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اإلجارة عند القانونيني‪:‬‬
‫تقدم عند الكالم عىل تعريف اإلجارة أن القانونيني يقرصون تعريف‬
‫اإلجارة عىل منفعة األعيان دون العمل‪ ،‬وعىل هذا درجت األنظمة العربية‬
‫متأثرة يف تعريفها لإلجارة بالقانون الغريب‪ ،‬فقد جاء يف أكثر تعاريف األنظمة‬
‫املؤجر للمستأجر منفع ًة مقصودة من‬
‫ِّ‬ ‫العربية لإلجيار بأهنا‪« :‬اإلجيار‪ :‬متليك‬
‫املؤجر‪ ،‬ملدة معينة‪ ،‬لقاء أجر معلوم»(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اليشء‬
‫فهم خيرجون عقد اإلجيار ‪ Tenancy Agreements‬أو ‪Lease Agreements‬‬

‫خيرجونه عن عقد العمل ‪ ،Laboure Contract‬وجيعلون عقد اإلجيار خمتص ًا‬


‫بمنافع األعيان املستأجرة‪ ،‬بينام عقد العمل خاص ًا بالعقد عىل منفعة العمل‪،‬‬
‫((( منتهى اإلرادات‪ ،‬البهويت‪.360/2 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املادة (‪ )742‬من قانون املعامالت املدنية‪ ،‬واملادة (‪ )658‬من القانون املدين‬
‫األردين‪ ،‬واملادة (‪ )558‬من القانون املدين املرصي‪ ،‬واملادة (‪ )526‬من القانون املدين‬
‫السوري‪ ،‬واملادة (‪ )722‬من القانون املدين العراقي‪ ،‬واملادة (‪ )561‬من القانون املدين‬
‫الكويتي‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫وال يطلق عليه عقد إجيار عىل العمل‪ ،‬ويف القانون استخدام مصطلح‬
‫‪ Tenancy Agreements‬عىل تأجري املباين السكنية العادية‪ ،‬ومصطلح ‪Lease‬‬

‫‪ Agreements‬عىل تأجري املباين التجارية‪ ،‬ومنهم من يستخدم مصطلح‬


‫‪ Rental Agreements‬لالستئجار يف املدة القصرية كشهر‪ ،‬ومصطلح ‪Lease‬‬

‫‪ Agreements‬لالستئجار يف املدة التي تزيد عن سنة‪ ،‬وليس هناك فرق ًا‬


‫قانونيا بينهام‪ ،‬وإن كان االستخدام األول هو ‪ Lease Agreements‬ثم ظهر‬
‫هذا التقسيم وال يرتتب عليه أثر قانوين(((‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل منافع األعيان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل منافع األعيان عند الفقهاء‪:‬‬
‫جاء يف جملة األحكام العدلية كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل منافع‬
‫األعيان بتفصيل يزيل اللبس ويدفع النزاع بني املتعاقدين‪ ،‬وقد قسمت هذا‬
‫النوع وهو عقد اإلجارة الوارد عىل منافع األعيان إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬إجارة العقار كإجيار الدُّ ور واألرايض‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬إجارة العروض كإجيار املالبس واألواين‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬إجارة الدواب‪.‬‬
‫ثم وضحت املجلة آلية إمتام العقد لكل قسم‪ ،‬فأما ما خيص إجارة العقار‬
‫فقد ذكرت‪:‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫?‪Different types of tenancy: which agreement should you use‬‬
‫‪https: //www.netlawman.co.uk/ia/tenancy-agreement-best Accessed on 3‬‬
‫‪July 2020‬‬

‫‪96‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫املنفعة تكون معلومة ببيان مدة اإلجارة يف أمثال الدار واحلانوت‬


‫والظئر(((‪.‬‬
‫وأما ما خيص األرايض‪:‬‬
‫يلزم يف استئجار األرايض بيان كوهنا ألي يشء استؤجرت مع تعيني‬
‫املدة‪ .‬فإن كانت للزرع يلزم بيان ما يزرع فيها أو خيري املستأجر بأن يزرع ما‬
‫شاء عىل التعميم(((‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للقسم الثاين وهو إجارة العروض كإجيار املالبس واألواين‬
‫فقد ذكرت‪:‬‬
‫جيوز إجارة األلبسة واألسلحة واخليام وأمثاهلا من املنقوالت إىل مدة‬
‫معلومة يف مقابل بدل معلوم(((‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو إجارة الدواب‪ ،‬فقد وردت كيفيتها‬
‫كالتايل‪:‬‬
‫َيلزم عند استئجار الدابة تعيني املنفعة إن كانت للركوب أو للحمل أو‬
‫إلركاب من شاء عىل التعميم مع بيان املسافة أو مدة اإلجارة(((‪.‬‬

‫درر احلكام رشح جملة األحكام‪ ،‬عيل حيدر‪.428/1 ،‬‬ ‫(((‬


‫املرجع السابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫درر احلكام رشح جملة األحكام‪ ،‬عيل حيدر‪.527/1 ،‬‬ ‫(((‬
‫درر احلكام رشح جملة األحكام‪ ،‬عيل حيدر‪.429/1 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪97‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ثاني ًا‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل منافع األعيان عند القانونيني‪:‬‬
‫العقد الوارد عىل منافع األعيان عند القانونيني له مسميات متنوعة بناء‬
‫عىل املدة ونوع املكان املستأجر‪ ،‬ويف بعض الدول الغربية كربيطانيا يكون‬
‫العقد حمرر ًا وليس للاملك أو املستأجر كتابته(((‪.‬‬
‫والعقد يف هذا النوع وهو عقد إجيار منافع األعيان يستمد مرجعيته من‬
‫قانون العقود ‪ ،Law Contract‬بخالف العقد الوارد عىل العمل‪ ،‬ومن أنواع‬
‫العقود السابقة‪:‬‬
‫‪1.‬ما يسمى بـ ‪ ،Tenancy Agreements‬وهو عقد يطلق عىل استئجار‬
‫املباين اخلاصة‪ ،‬وهو عقد بني املالك واملستأجر من خالل مكتب عقاري‪،‬‬
‫وينقسم إىل‪:‬‬
‫‪ .‬أالعقد حمددة املدة ‪ ،Fixed Term‬مث ً‬
‫ال سنة‪ ،‬وال يمكن قبل انتهائها‬
‫أن ينهى العقد إال بدفع املدة املتبقية أو بموافقة املالك‪ ،‬وإذا كان أحد طريف‬
‫العقد يرغب يف إهناء العقد بتامم مدته فإنه يلزمه إشعار الطرف اآلخر قبل‬
‫انتهاء العقد بمدة ‪ 21‬يوم ًا‪ ،‬وإال فإنه بمجرد انتهاء املدة وعدم إشعاره‬
‫باإلهناء فإن العقد يتجدد ويدخل يف القسم الثاين‪ :‬العقد الدوري ‪Periodic‬‬

‫‪.Tenancy‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫?‪Different types of tenancy: which agreement should you use‬‬


‫‪https://www.netlawman.co.uk/ia/tenancy-agreement-best Accessed on 3‬‬
‫‪July 2020‬‬

‫‪98‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪.‬بوأما إذا كان العقد حمدد املدة بفرتة زمنية قصرية وهي تبدأ من ثالثة‬
‫أشهر فأقل ‪ ،Short Fixed-term Tenancy‬فعند انتهائه ال يتجدد مثل املدة‬
‫الطويلة املحددة‪ .‬وأيض ًا يستخدم مصطلح ‪ Agreements‬لالستئجار يف املدة‬
‫القصرية‪.‬‬
‫‪ .‬جالعقد الدوري ‪ Periodic Tenancy‬عادة يبدأ العقد بالعقد حمدد املدة‪،‬‬
‫ثم يتجدد العقد تلقائي ًا‪ ،‬فإذا كانت املدة سنة فعند انتهائها يتجدد تلقائي ًا سنة‬
‫أخرى‪ ،‬وإذا أراد املستأجر إهناء العقد فعليه إشعار املالك بمدة ال تقل عن‬
‫‪ 21‬يوم ًا‪ ،‬بخالف املالك فإذا أراد إهناء العقد فعليه إشعار املستأجر بمدة ال‬
‫تقل عن ثالثة أشهر‪ ،‬وقد ختتلف بعض القوانني يف هذا(((‪.‬‬
‫وجيب أن تتوافر يف العقد املعلومات الوافية من جهة بيانات كل طرف‪،‬‬
‫ومكان املبنى‪ ،‬ومدة العقد‪ ،‬وعدد أفراد األرسة‪ ،‬وقيمة األجرة‪ ،‬ومسؤوليات‬
‫كل طرف(((‪.‬‬
‫‪2.‬النوع الثاين من العقود ما يسمى بـ ‪ Lease Agreements‬وهو للعقود‬
‫الطويلة كسنة وبعضهم يستخدمه لعقود املباين التجارية‪.‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫?‪Different types of tenancy: which agreement should you use‬‬


‫‪https: //www.netlawman.co.uk/ia/tenancy-agreement-best Accessed on 3‬‬
‫‪July 2020‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪https://www.gov.uk/private-renting-tenancy-agreements/what-should-be-‬‬
‫‪in-a-tenancy-agreement‬‬

‫‪99‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫وجيب أن تتوافر يف العقد املعلومات الوافية من جهة بيانات كل طرف‪،‬‬


‫ومكان املبنى‪ ،‬ومدة العقد‪ ،‬وعدد أفراد األرسة‪ ،‬وقيمة األجرة‪ ،‬ومسؤوليات‬
‫كل طرف‪.‬‬
‫وكام سبقت اإلشارة إليه فإن هذا النوع وهو عقد إجيار منافع األعيان‬
‫فإن مصدره ومرجعه قانون العقود ‪ ،Law Contract‬فلو طرأ حال خالف بني‬
‫املتعاقدين يف بعض التفاصيل أو اجلوانب فإنه يرجع إليه‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬عقد اإلجارة الوارد عىل العمل‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أقسام األجري‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قسم الفقهاء األجري الذي يعمل إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬األجري اخلاص‪ :‬هو الذي يقع العقد عليه يف مدة معلومة‪،‬‬
‫يستحق املستأجر نفعه يف مجيعها‪ ،‬كرجل استؤجر خلدمة‪ ،‬أو عمل يف بناء أو‬
‫خياطة‪ ،‬أو رعاية‪ ،‬يوما أو شهر ًا‪ ،‬سمي خاص ًا الختصاص املستأجر بنفعه‬
‫يف تلك املدة دون سائر الناس(((‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬األجري املشرتك‪ :‬الذي يقع العقد معه عىل عمل معني‪،‬‬
‫كخياطة ثوب‪ ،‬وبناء حائط‪ ،‬ومحل يشء إىل مكان معني‪ ،‬أو عىل عمل يف مدة‬

‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.388/5 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ال يستحق مجيع نفعه فيها‪ ،‬كالكحال‪ ،‬والطبيب‪ ،‬سمي مشرتك ًا ألنه يتقبل‬
‫أعامالً الثنني وثالثة وأكثر يف وقت واحد(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عقد اإلجارة الوارد عىل العمل يف القانون األنجلوسكسوين‪:‬‬
‫يسمى عقد اإلجارة عىل العمل عند القانونيني بعقد العمل ‪Employment‬‬

‫ال له أحكامه اخلاصة به‪ ،‬وعىل هذا سارت‬ ‫‪ ،Contract‬وجيعلونه قس ًام مستق ً‬
‫كثري من األنظمة العربية متأثرة بالقانوين الغريب‪ ،‬وهذا التقسيم ليس قدي ًام(((‪،‬‬
‫بل كانت القوانني القديمة كالروماين والالتيني تسمي هذا النوع بإجارة‬
‫العمل(((‪ ،‬ويعود تاريخ تطور قانون العمل إىل أعقاب الثورة الصناعية‬
‫واضطهاد أصحاب رؤوس األموال والرشكات لطبقة العامل‪ ،‬من جهة‬
‫العمل املسند إليهم وساعات العمل واألجور التي يتقاضوهنا‪ ،‬واستغالهلم‬
‫لفئة األطفال(((‪ ،‬فظهرت مطالبات بتحسني أوضاعهم وإنصافهم‪ ،‬وكانت‬
‫إنجلرتا من أوائل الدول الصناعية التي واجهت تلك العقبات يف ظل انتشار‬
‫النظام الرأساميل‪ ،‬ومع منتصف القرن التاسع عرش امليالدي سارعت إنجلرتا‬
‫بوضع أسس إصالحية لقانون العمل مراعية يف ذلك حقوق الطبقة العاملة‬
‫وبدأت تأخذ بإصالح قانون العمل خصوص ًا يف سن األطفال‪ ،‬حيث كان‬

‫((( املرجع السابق‪.‬‬


‫((( الوجيز يف رشح قانون العمل (عالقات العمل الفردية واجلامعية)‪ ،‬بشري اهلديف‪،‬‬
‫ص‪.55‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫)‪John MacDonell, Classification of Forms and Contracts of Labour (1904‬‬
‫‪Journal of the Society of Comparative Legislation, New Series, Vol. 5, No.‬‬
‫‪2, pp. 253-261, at 255-256.‬‬
‫)‪(4‬‬ ‫‪H. D. Traill, Social England, v. 602 (1896).‬‬

‫‪101‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫يسمح بام دون التاسعة ثم تطور حتى وصل إىل سن الثامنة عرشة واحلد‬
‫من العمل اللييل‪ ،‬وقرص العمل عىل اثنتي عرشة ساعة‪ ،‬ومراقبة تطبيق‬
‫قانون العمل‪ ،‬ثم تطور األمر وجعل احلد األعىل لساعات العمل للنساء‬
‫واألطفال عرش ساعات‪ ،‬وبدأ االهتامم بقضايا صحة العامل وتعويضهم عن‬
‫الرضر حال حدوثه داخل منشأة العمل‪ ،‬وهكذا استمر تطويره وإدخال‬
‫اإلصالحات القانونية(((‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل العمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل العمل عند الفقهاء‪:‬‬
‫ال خيلو عقد اإلجارة الوارد عىل العمل من إحدى الطرق التالية‪:‬‬
‫‪ .‬أأن يتم بتحديد املدة فقط‪ :‬وذلك يف كل ما ال ينضبط بالعمل‪،‬‬
‫فيستحق املستأجر منافع األجري خالل املدة املحددة‪ ،‬كرجل استؤجر خلدمة‬
‫أو كتابة أو طباعة أو صناعة أو تدريس ملدة ثامن ساعات‪ ،‬فيستحق املستأجر‬
‫نفعه فيها مجيعها‪ ،‬وهذا هو األصل يف عقود األجري اخلاص‪ ،‬ويرد يف حق‬
‫األجري املشرتك عندما يكون عىل عمل يف مدة ال يستحق مجيع نفعه فيها‬
‫كالطبيب(((‪.‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪From an «Essay on Trade» (1770), quoted in History of Factory Legislation,‬‬


‫‪by B. Leigh Hutchins and Amy Harrison (1903), pp. 5, 6. Bloy, Marjorie.‬‬
‫‪«The Factory Question».‬‬
‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.388/5 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪.‬بأن يتم تعيني العمل فقط‪ :‬كخياطة ثوب‪ ،‬وبناء مصنع‪ ،‬وإنشاء طريق‪،‬‬
‫وعمل بحث علمي يف مسألة فقهية أو دراسة طبية حول األوبئة‪ ،‬أو سفر‬
‫بالطائرة إىل مكان معني‪ .‬فعىل املستأجر إنجاز العمل وتوفيته للمستأجر‪.‬‬
‫‪ .‬جأن جيمع بني حتديد املدة وتعيني العمل‪ :‬حيث يتم عقد اإلجارة‬
‫عىل منفعة العمل وفق مواصفات معينة‪ ،‬فيتم حتديد املدة‪ ،‬وتعيني العمل‪،‬‬
‫ويطلب إنجازه وإمتامه‪ ،‬وعىل هذا كثري من العقود املعارصة سواء أكانت‬
‫فردية أم حكومية أم جتارية‪ ،‬فمثال يطلب القيام بعمل التدريس ملدة سنة‪ ،‬أو‬
‫بناء مصنع ملدة سنتني‪.‬‬
‫وهذه الطريقة وهي اجلمع بني حتديد املدة وتعيني العمل حمل خالف بني‬
‫الفقهاء‪ ،‬والقول الراجح هو صحة العقد الذي جيمع بني حتديد املدة وتعيني‬
‫العمل‪ ،‬وهو قول يف مذهب املالكية(((‪ ،‬وقول لإلمام الشافعي(((‪ ،‬ورواية‬
‫عن اإلمام أمحد(((‪ ،‬وأخذ به من احلنفية أيب يوسف وحممد بن احلسن(((‪،‬‬
‫واختاره شيخنا حممد العثيمني(((؛ إذ أمور املسلمني حممولة عىل الصالح‬

‫الرشح الكبري‪ ،12/4 ،‬اخلريش‪.12/7 ،‬‬ ‫(((‬


‫الرساج الوهاج‪ ،‬ص‪ ،290‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬الرميل‪.281/5 ،‬‬ ‫(((‬
‫الرشح الكبري مع املقنع‪ ،‬املقديس‪ ،377/14 ،‬املبدع رشح املقنع‪ ،‬ابن مفلح‪،430/4 ،‬‬ ‫(((‬
‫كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬البهويت‪ ،11/4 ،‬اإلنصاف‪ ،‬املرداوي‪،45/6 ،‬‬
‫اإلنصاف‪ ،‬املرداوي‪.45/6 ،‬‬
‫تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬الزيلعي‪ ،131/5 ،‬املبسوط‪ ،‬الرسخيس‪،44/16 ،‬‬ ‫(((‬
‫بدائع الصنائع‪ ،‬الكاساين‪.185/4 ،‬‬
‫تعليقات شيخنا ابن عثيمني ‪ ‬عىل كتاب الكايف‪.216/5 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪103‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫مهام أمكن(((‪ ،‬وهنا ال يوجد نص رشعي يمنع من اجلمع بينهام وجرى عمل‬
‫الناس به‪.‬‬
‫قال شيخنا ابن عثيمني ‪« :‬والصحيح الرواية الثانية عن أمحد‪،‬‬
‫وهي التي عليها العمل اليوم أنه جيوز اجلمع بني تقدير املدة والعمل‪ ،‬فأقول‬
‫هلذا املقاول خذ هذا البيت ابِنِ ِه يل يف ستة أشهر‪ ،‬و ُأقدِّ ر العمل كل مرت بكذا‬
‫وكذا‪ ،‬وهذا الذي عليه عمل الناس»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬كيفية عقد اإلجارة الوارد عىل العمل عند القانونيني‪:‬‬
‫يسمى عقد العمل عند القانونيني بـ ‪ ،Employment Contract‬وال يطلق‬
‫عليه عقد إجارة كام تقدم بيانه‪ ،‬وهذا العقد يستمد تنظيامته من قانون العمل‬
‫‪ ،Law of Labour‬وجيب أن تكون العالقة التعاقدية بني املتعاقدين واضحة‬
‫والرشوط حمددة‪ ،‬وللمتعاقدين احلرية يف وضع الرشوط‪ ،‬رشيطة أال ختالف‬
‫قانون العمل‪ ،‬ومن أبرز العنارص التي يتضمنها هذا العقد‪:‬‬
‫‪1.‬احلقوق والواجبات‪.‬‬
‫‪2.‬قيمة األجرة‪ ،‬بام يف ذلك البدالت واملكافآت‪.‬‬
‫‪3.‬تاريخ بداية العقد‪.‬‬
‫‪4.‬مكان العمل‪.‬‬
‫‪5.‬عدد ساعات العمل‪.‬‬
‫((( البناية رشح اهلداية‪ ،‬العيني‪.697/6 ،‬‬
‫((( تعليقات شيخنا ابن عثيمني ‪ ‬عىل كتاب الكايف‪.216/5 ،‬‬

‫‪104‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪6.‬مدة الفرتة التجريبية‪.‬‬


‫‪7.‬حتديد مدة إشعار إهناء العمل‪.‬‬
‫‪8.‬طريقة حل النزاع‪.‬‬
‫‪9.‬طرق إهناء العمل(((‪.‬‬
‫وإذا كان العقد مكتوب ًا ُيعطى كل طرف منه نسخة‪ ،‬وإذا مل يكن العقد‬
‫مكتوب ًا جيب عىل صاحب العمل تزويد العامل هبذه املعلومات كتابة قبل‬
‫توقيع العقد(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر الجائحة على عقد اإلجارة‪:‬‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة عند الفقهاء‪:‬‬
‫تقدم تعريف اجلائحة وأن جائحة كورونا تدخل يف معناها(((‪ ،‬وعىل هذا‬
‫فإذا انترش الوباء وتعطلت املصالح وتوقفت السبل‪ ،‬هل للجائحة أثر عىل‬
‫عقد اإلجارة؟‬
‫املسألة األوىل‪ :‬وضع اجلوائح يف اإلجارة حمل خالف بني العلامء عىل‬
‫قولني‪:‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪Simon Deakin and Frank Wilkinson, The Law of‬‬ ‫‪the‬‬ ‫‪Labour‬‬
‫‪MarketIndustrialization, Employment, and Legal Evolution‬‬
‫((( قانون العمل الربيطاين‪:‬‬
‫‪https: //www.labour.gov.hk/eng/public/wcp/ConciseGuide/02.pdf‬‬
‫((( ينظر ص‪.90‬‬

‫‪105‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫القول األول‪ :‬منع وضع اجلوائح يف اإلجارة‪:‬‬


‫قال ابن قدامة نص عليه أمحد وال نعلم فيه خالف ًا(((‪ ،‬واختاره الشيخ‬
‫عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطني(((‪.‬‬
‫دليل القول األول‪ :‬ألن املعقود عليه منافع األرض‪ ،‬ومل تتلف‪ ،‬وإنام‬
‫تلف مال املستأجر فيها‪ ،‬فصار كدار استأجرها ليقرص فيها ثياب ًا‪ ،‬فتلفت‬
‫الثياب فيها(((‪.‬‬
‫ونوقش هذا الدليل‪ :‬أن املعقود عليه هو منفعة العني وتعطلت وهي‬
‫املقصودة بالعقد‪ ،‬فالواجب حينئذ أن يملك الفسخ أو يسقط ِمن األجرة‬
‫بقدر ما فات من املنفعة‪ ،‬وهذا هو العدل بني املتعاقدين(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬توضع اجلوائح يف اإلجارة‪:‬‬
‫وإليه ذهب أبو القاسم اخلرقي احلنبيل(((‪ ،‬وابن حزم ونسبه إىل أيب‬
‫حنيفة(((‪ ،‬وبه أفتى شمس األئمة احللواين(((‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن‬

‫املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.82/4 ،‬‬ ‫(((‬


‫الدرر السنية‪.371/6 ،‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.82/4 ،‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتوى‪.298/30 ،‬‬ ‫(((‬
‫املغني‪.25/6 ،‬‬ ‫(((‬
‫املحىل‪.12-11/9 ،‬‬ ‫(((‬
‫حاشية ابن عابدين‪.106/9 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪106‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫تيمية((( وتلميذه ابن القيم(((‪ ،‬وعبد اهلل بن الشيخ حممد بن عبد الوهاب(((‪،‬‬
‫والشوكاين(((‪ ،‬وأخذ به املجمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العامل‬
‫اإلسالمي(((‪ ،‬وجممع الفقه اإلسالمي الدويل التابع ملنظمة التعاون‬
‫اإلسالمي(((‪ ،‬وصدر به املعيار الرشعي التابع هليئة املحاسبة واملراجعة(((‪.‬‬
‫املستأجر إىل الرحيل عن البلد أو‬ ‫ُ‬ ‫قال ابن حزم‪« :‬وكذلك إن اضطر‬
‫رضر عىل‬
‫ٌ‬ ‫املؤاجر إىل ذلك‪ ،‬فإن اإلجارة تنفسخ إذا كان يف بقائها‬ ‫ُ‬ ‫اضطر‬
‫َ َۡ‬ ‫ٍ‬
‫خوف مانعٍ‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬لقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وقد‬ ‫أحدمها كمرض مانعٍ‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬
‫ك ۡم إِل َما ٱض ُطر ۡرت ۡم إ ِ ۡ‬ ‫َ َّ َ َ ُ َّ َ َّ َ َ ۡ ُ‬
‫َ‬
‫لهِ﴾((( ‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فصل لكم ما حرم علي‬
‫َ َ َ ََ َ َۡ ُ‬
‫ِين م ِۡن َح َر ٖج﴾((( ‪ ،‬وهو قول أيب حنيفة‪ ...‬قال‬ ‫ِ‬
‫ك ۡم ف ّ‬
‫ٱدل‬ ‫ِ‬ ‫﴿ووما جعل علي‬
‫الكراء ‪-‬األجرة‪.((1(»-‬‬ ‫قتادة‪ :‬إذا حدثت نازل ٌة يعذر هبا مل يلزمه ِ‬
‫ُ‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬وال خالف بني األمة أن تعطل املنفعة بأمر ساموي‬
‫يوجب سقوط األجرة أو نقصها أو الفسخ‪ ،‬وإن مل يكن للمستأجر فيه صنع‬
‫((( االختيارات الفقهية‪ ،‬ص‪.193-192‬‬
‫((( زاد املعاد‪.38/5 ،‬‬
‫((( الدرر السنية‪.368/6 ،‬‬
‫((( الفتح الرباين‪.611-610/7 ،‬‬
‫((( قرار املجمع الفقهي اإلسالمي رقم‪.)5/7( 23 :‬‬
‫((( قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل رقم‪.)6/9( 89 :‬‬
‫((( املعايري الرشعية هليئة املحاسبة واملراجعة باملؤسسات املالية اإلسالمية‪ ،‬معيار اإلجارة‬
‫ص‪.١٣٨‬‬
‫((( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.119‬‬
‫((( سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬
‫(‪ ((1‬املحىل‪.12-11/9 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫كموت الدابة واهندام الدار وانقطاع ماء السامء‪ :‬فكذلك حدوث الغرق‬
‫وغريه من اآلفات املانعة من كامل االنتفاع بالزرع»(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬فإن قيل‪ :‬فاملنافع ال توضع فيها اجلائحة باتفاق العلامء‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ليس هذا من باب وضع اجلوائح يف املنافع‪ ،‬ومن ظن ذلك فقد وهم‪،‬‬
‫رتى‪،‬‬‫قال شيخنا‪ :‬وليس هذا من باب وضع اجلائحة يف املبيع كام يف الثمر املش َ‬
‫بل هو من باب تلف املنفعة املقصودة بالعقد أو فواهتا»(((‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر للباحث هو رجحان القول الثاين لقوة ما استدلوا به‪ ،‬وهذا‬
‫القول أقرب إىل قواعد الرشيعة ومقاصدها العامة وعدهلا‪ ،‬فإن املعقود عليه‬
‫هو نفع األعيان املؤجرة؛ ال عمل الشخص املستأجر؛ وإنام عمل الشخص‬
‫املستأجر طريق إىل استيفاء املنفعة‪ .‬وإذا كان املعقود عليه نفس منفعة العني‬
‫من أول املدة إىل آخرها فأي وقت نقصت فيه هذه املنفعة مما يكون خارج ًا‬
‫عن العادة ومانع ًا من املنفعة املعتادة فإن ذلك يمنع املنفعة املستحقة املعقود‬
‫عليها فيجب أن يملك الفسخ أو يسقط من األجرة بقدر ما فات من املنفعة‪،‬‬
‫وهذا هو العدل بني املتعاقدين‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬جاءت اجلائحة وألقت بظالهلا عىل أحوال الناس‬
‫ومعامالهتم وعقودهم ومن ثم فقد يطرأ عىل عقد اإلجارة قبل تنفيذه‪،‬‬

‫((( جمموع الفتاوي‪ ،‬ابن تيمية‪.294-293/30 ،‬‬


‫((( زاد املعاد‪.39-38/5 ،‬‬

‫‪108‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫أو أثناء تنفيذه أمور تعوق البدء فيه‪ ،‬أو االستمرار يف إمتامه‪ ،‬إما بسبب يف‬
‫املعقود عليها‪ ،‬أو املستأجر‪ ،‬أو املؤجر‪.‬‬
‫فهل ما حدث ووقع بسبب هذه اجلائحة يوجب فسخ العقد؟ أم جيب‬
‫امليض فيه؟‬
‫من املتقرر عند مجهور الفقهاء أن عقد اإلجارة عقد الزم‪ ،‬والعقد الالزم‬
‫جيب إمتامه‪ ،‬وال ينفسخ العقد الالزم إال بوجود عيب‪ ،‬أو ذهاب حمل استيفاء‬
‫املنفعة(((‪.‬‬
‫والعقود يف الرشيعة هلا حرمتها وجيب الوفاء هبا‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ََُۡ ْ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ُ‬
‫ٱلل‬ ‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا أوفوا بِٱلعقود﴾ ‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬وأوفوا بِعه ِد ِ‬
‫(((‬

‫َ َ ُّ‬
‫إِذا ع ٰ َهدت ۡم﴾(((‪.‬‬
‫أحوال ما يطرأ عىل عقد اإلجارة‪:‬‬
‫احلال األوىل‪:‬‬
‫أن تتعطل منافع اإلجارة قبل التمكن من استيفائها‪ ،‬سواء كان ذلك قبل‬
‫قبضها‪ ،‬أو بعد قبضها وقبل التمكن من االنتفاع فهنا تبطل اإلجارة وتسقط‬
‫األجرة(((‪.‬‬

‫املغني‪.333-332/5 ،‬‬ ‫(((‬


‫سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.91‬‬ ‫(((‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.290-288/30 ،‬‬ ‫(((‬

‫‪109‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫وذلك كام لو انترش وباء كورونا يف مكان تم استئجاره ودفعت أجرته أو‬
‫بعضها قبل التمكن من استيفاء املنفعة سواء كان ذلك بعد استالم املكان أو‬
‫قبله‪ ،‬فهنا يبطل العقد وتسقط األجرة وجيب ردها عىل املستأجر‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪« :‬ال نزاع بني األئمة أن منافع اإلجارة إذا تعطلت‬
‫قبل التمكن من استيفائها سقطت األجرة مل يتنازعوا يف ذلك كام تنازعوا‬
‫يف تلف الثمرة املبيعة‪ ...‬وهلذا نقل اإلمجاع عىل أن العني املؤجرة إذا تلفت‬
‫قبل قبضها بطلت اإلجارة وكذلك إذا تلفت عقب قبضها وقبل التمكن من‬
‫االنتفاع؛ إال خالف ًا شاذ ًا حكوه عن أيب ثور»(((‪.‬‬
‫احلال الثانية‪:‬‬
‫أن تتعطل املنفعة أثناء املدة‪ ،‬وتعطل املنفعة يكون بأحد وجهني(((‪.‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن تتلف العني‪ ،‬كام لو استأجر سيارة واحرتقت‪ .‬فهنا‬
‫تنفسخ اإلجارة فيام بقي من املدة دون ما مىض‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬زوال نفعها بأن حيدث عليها ما يمنع نفعها‪ ،‬كام لو استأجر‬
‫مبنى ثم حدث زلزال واهندم‪ .‬فهنا إذا مل يبق فيها نفع فهي كالوجه األول يف‬
‫تلف العني‪ ،‬وإن زال بعض نفعها املقصود وبقي بعضه‪.‬‬
‫«ملك فسخ اإلجارة‪ ،‬فإن ذلك كالعيب يف البيع ‪ -‬ومل تبطل به اإلجارة‪.‬‬
‫ويف إمساكه باألرش قوالن يف املذهب‪ .‬وإن تعطل نفعها بعض املدة لزمه‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.288/30 ،‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.290/30 ،‬‬

‫‪110‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫من األجرة بقدر ما انتفع به‪ .‬وإن تلفت العني يف أثناء املدة انفسخت اإلجارة‬
‫فيام بقي من املدة دون ما مىض‪ .‬ويف انفساخها يف املايض خالف شاذ‪ .‬وتع ُّطل‬
‫بعض األعيان املستأجرة ُيسقط نصيبه من األجرة كتلف بعض األعيان‬
‫املبيعة‪ ،‬مثل موت بعض الدواب املستأجرة واهندام بعض الدور»(((‪.‬‬
‫احلال الثالثة‪:‬‬
‫إذا تبقى من املنفعة ما ليس هو املقصود بالعقد(((‪.‬‬
‫«وإذا بقي من املنفعة ما ليس هو املقصود بالعقد مثل أن ينقطع املاء‬
‫عن األرض املستأجرة للزرع ويمكن االنتفاع هبا بوضع حطب ونصب‬
‫خيمة وكذلك الدار املتهدمة يمكن نصب خيمة فيها واألرض التي غرقت‬
‫يمكن صيد السمك منها‪ :‬فهل تبطل اإلجارة هنا؟ أو يكون هذا كالنقص‬
‫الذي يملك به الفسخ؟ عىل وجهني‪ :‬أحدمها تبطل‪ .‬وهو قول أكثر العلامء‬
‫كأيب حنيفة ومالك والشافعي يف صورة اهلدم‪ ،‬ألن هذه املنفعة ملا مل تكن‬
‫هي املقصودة بالعقد كان وجودها وعدمها سواء‪ .‬والثاين يملك الفسخ‪.‬‬
‫وهو نص الشافعي يف صورة انقطاع املاء‪ .‬وقد اختاره القايض وابن عقيل يف‬
‫بعض املواضع‪ .‬واألول اختاره غريمها من األصحاب»(((‪.‬‬

‫((( املرجع السابق‪.‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.291-290/30 ،‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.290/30 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫احلال الرابعة‪:‬‬
‫حصول املنفعة يف بعض زمن اإلجارة أو بعض أجزاء العني املستأجرة(((‪.‬‬
‫«حصول املنفعة يف بعض زمن اإلجارة أو بعض أجزاء العني املستأجرة‬
‫فهذا تسقط فيه األجرة عىل قدر ذلك وجيب بقسط ما حصل من املنفعة‬
‫وتكون األجرة مقسومة عىل قدر قيمة األمكنة واألزمنة؛ فإن ك ً‬
‫ال منهام قد‬
‫ال وقد يكون خمتلف ًا؛ بأن يكون بعض األرض خري ًا من بعض‬ ‫يكون متامث ً‬
‫وكري بعض فصول السنة أغىل من بعض‪ .‬وقد رصح بذلك أصحابنا‬
‫وغريهم»(((‪.‬‬
‫احلال اخلامسة‪:‬‬
‫نقص املنفعة يف نفس املكان الواحد والزمان الواحد(((‪.‬‬
‫وهذه مثل التعليم عن بعد للمدارس اخلاصة عندما حصلت جائحة‬
‫كورونا اجلديد يف منتصف الفصل الدرايس وأكملت تعليمها للطالب عن‬
‫بعد‪ ،‬فهو ليس كالتعليم داخل قاعات التدريس يف املدرسة‪.‬‬
‫فام هو األثر املرتتب عىل هذه احلال؟ هل يفسخ العقد؟ أم يميض فيه؟‬
‫قال ابن تيمية عن هذه احلال وهي نقص املنفعة يف نفس املكان الواحد‬
‫والزمان الواحد‪:‬‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.299/30 ،‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.301-299/30 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫«فهنا ألصحابنا وجهان‪ :‬أحدمها‪ :‬أنه ال يملك إال الفسخ‪ .‬والثاين‬


‫‪-‬وهو مقتىض املنصوص وقياس املذهب‪ -‬أنه خيري بني الفسخ وبني األرش‬
‫كالبيع؛ بل هو يف اإلجارة أوكد؛ ألنه يف البيع يمكنه الرد واملطالبة بالثمن‪.‬‬
‫وهنا ال يمكنه رد مجيع املنفعة فإنه ال يردها إال متغرية‪ .‬فلو قيل هنا‪ :‬إنه‬
‫ليس له إال املطالبة باألرش ‪-‬كام نقول عىل إحدى الروايتني‪ :‬إن تعيب املبيع‬
‫عند املشرتي يمنع الرد بالعيب القديم ويوجب األرش ‪ -‬لكان ذلك أوجه‬
‫وأقيس من قول من يقول‪ :‬ليس له إذا تعقب املنفعة إال الرد دون املطالبة‬
‫باألرش‪ .‬فهذا قول ضعيف جد ًا بعيد عن أصول الرشيعة وقواعد املذهب‬
‫وخالف ما نص عليه أمحد وأئمة أصحابه»(((‪.‬‬
‫وبناء عىل ما تقدم ففي املثال السابق وهو التعليم عن بعد عندما بدأ‬
‫حضوري ًا ومثله فيام تنقص املنفعة بسبب جائحة كورونا اجلديد فاألقرب يف‬
‫هذا يكون هلم األرش ويرجع يف تقديره ألهل اخلربة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬أثر اجلائحة عىل عقد اإلجارة يف القانون األنجلوسكسوين‪:‬‬
‫تقدم بيان معنى جائحة كورنا وأهنا وباء ينترش عىل نطاق شديد االتساع‬
‫يتجاوز احلدود الدُ ول َّية‪ ،‬مؤثر ًا «كاملعتاد» عىل عدد كبري من األفراد(((‪ .‬وهذا‬
‫الوباء يؤثر عىل عقود اإلجارة من جهة االستيفاء من املنفعة فقد يتعذر‬
‫استيفائها أو ينقص‪ ،‬كام لو تم التعاقد عىل إنجاز بناء ثم توقف البناء أو‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.301-299/30 ،‬‬


‫((( معجم أكسفورد لعلم األوبئة «‪A Dictionary of Epidemiology، Oxford University‬‬
‫‪2008 ،»Press‬م‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫تأخر بسبب جائحة كورونا فاملدارس القانونية اختلفت إىل أي مدى‬


‫يمكن احلقاها من تلك النظريتني‪ :‬نظرية الظروف الطارئة ونظرية القوة‬
‫القاهرة‪ ،‬وهنا اجتاهان للقانونيني بناء عىل مدارسهم القانونية‪ ،‬فاملدرسة‬
‫األنجلوسكسونية تضيق األخذ باحلوادث الطبيعية وال تأخذ بنظرية‬
‫الظروف الطارئة‪ ،‬وتكتفي بنظرية القوة القاهرة يف أضيق األمور‪ ،‬وسيأيت‬
‫بيان ذلك عند الكالم عىل القوة القاهرة‪ ،‬واملدرسة األخرى وهي الالتينية‬
‫وتأخذ بنظرية الظروف الطارئة وأيض ًا بنظرية القوة القاهرة‪ ،‬وتأثرت كثري‬
‫من الدول العربية هبذه املدرسة‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تاريخ نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫نظرية الظروف الطارئة ‪ Theory of Emergency Conditions‬هبذا االسم‬
‫تعد نظرية حديثة إال أن فكرهتا وجذورها تعود إىل القوانني القديمة‪،‬‬
‫ثم أخذت تتطور وتظهر ويف القرن السادس اهلجري املوافق للثاين عرش‬
‫ميالدي قررها أصحاب مدرسة (بارتول) وصاغوا منها املبدأ املعروف‬
‫تغري الظروف )‪ (Rebus Sic Stantibus‬وهو اصطالح التيني(((‪ ،‬وكان يعود‬
‫فضل تأسيسها وترسيتها للقانوين اإليطايل (سكيبيون) يف القرن السابع‬
‫عرش امليالدي ثم تاله القانوين السويرسي (إيمري) يف القرن الثامن عرش‬
‫امليالدي‪ ،‬وبعد احلرب العاملية األوىل والثانية‪ ،‬دخلت إىل القانون الفرنيس‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪Poonja, Mahmood M. (1977). Termination of Treaties Owing to Fundamental‬‬
‫‪Change of Circumstances (Clausula Rebus Sic Stantibus) (Juris Doctor‬‬
‫‪dissertation). Charles University, Prague (Rawalpindi: Abbas Arts, 1982).‬‬

‫‪114‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫يف القضاء اإلداري دون القانون املدين‪ ،‬وذلك تبع ًا للمصلحة العامة‪ ،‬ثم‬
‫تسللت إىل بعض قوانني الدول األوروبية بعد حتديثها مثل إيطاليا وسويرسا‬
‫واليونان(((‪.‬‬
‫وهذه النظرية ليس هلا قبول يف القانون األنجلوسكسوين وسبب رفض‬
‫تلك القوانني يعود إىل رؤية قوة العقد امللزمة‪ ،‬ألن نظرية الظروف الطارئة‬
‫تعد ثغرة قانونية يتسلل منها القايض إىل العقد‪ ،‬فيكرس قوته امللزمة‪ .‬إال أهنا‬
‫دخلت القانون الدويل ونص عليها يف اتفاقية فيينا عام ‪1969‬م يف املادة‬
‫(‪.((()62‬‬
‫‪Vienna Convention on the Law of Treaties (1969), under Article 62‬‬
‫)‪(Fundamental Change of Circumstance‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬تعريف نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬


‫القوانني الغربية مل تضع تعريف ًا هلا‪ ،‬وإنام ذكرت هلا أمثلة‪ ،‬ومن أوائل‬
‫عرفت نظرية الظروف الطارئة القانون املدين املرصي‬ ‫القوانني العربية التي َّ‬
‫وفيه‪-1« :‬العقد رشيعة املتعاقدين‪ ،‬فال جيوز نقضه وال تعديله إال باتفاق‬
‫الطرفني‪ ،‬أو لألسباب التي يقررها القانون‪.‬‬
‫‪- 2‬ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة مل يكن يف الوسع توقعها‬
‫وترتب عىل حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي‪ ،‬إن مل يصبح مستحيالً‪ ،‬صار‬

‫((( املرجع السابق‪.‬‬


‫)‪(2‬‬ ‫‪Poonja, Mahmood M. (1977). Termination of Treaties Owing to Fundamental‬‬
‫‪Change of Circumstances (Clausula Rebus Sic Stantibus) (Juris Doctor‬‬
‫‪dissertation). Charles University, Prague (Rawalpindi: Abbas Arts, 1982).‬‬

‫‪115‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫مرهق ًا للمدين بحيث هيدده بخسارة فادحة‪ ،‬جاز للقايض تبع ًا للظروف‬
‫وبعد املوازنة بني مصلحة الطرفني أن يرد االلتزام املرهق إىل احلد املعقول‪.‬‬
‫ويقع باطال كل اتفاق عىل خالف ذلك»(((‪.‬‬
‫وعىل هذا درجت كثري من قوانني البلدان العربية يف تعريفها لنظرية‬
‫الظروف الطارئة‪.‬‬
‫ومن تلك التعريفات‪« :‬جمموعة القواعد واألحكام التي تعالج اآلثار‬
‫الضارة الالحقة بأحد العاقدين الناجتة عن تغري الظروف التي تم بناء العقد‬
‫يف ظلها»(((‪.‬‬
‫وجاء يف جلنة تدقيق القضايا بديوان املظامل عن الظروف الطارئة‪« :‬إذا‬
‫حدثت أثناء تنفيذ العقد أو طرأت ظروف مل تكن متوقعة عند إبرام العقد‬
‫فقلبت اقتصاديات وكان من شأن هذه الظروف أو األحداث أهنا مل جتعل‬
‫ال بل أكثر عبئ ًا وأكثر كلفة مما قدره املتعاقد عن التقدير‬
‫تنفيذ العقد مستحي ً‬
‫املعقول فنشأ عنها خسارة جسيمة ُت ِ‬
‫اوز يف فداحتها اخلسارة املألوفة العادية‬
‫التي يتحملها أي متعاقد فإن من حق املتعاقد املترضر أن يطلب من الطرف‬
‫اآلخر مشاركته يف اخلسارة التي حتملها فيعوضه عنها تعويض ًا جزئي ًا»(((‪.‬‬

‫((( القانون املدين املرصي رقم ‪ 131‬يف ‪.1948‬‬


‫((( حممد خالد منصور‪ ،‬تغري قيمة النقود وتأثر ذلك بنظرية الظروف الطارئة يف الفقه‬
‫اإلسالمي املقارن‪ ،‬جملة دراسات‪ ،‬علوم الرشيعة والقانون‪ ،‬م‪ ،25‬ع‪ ،1‬ص‪،153‬‬
‫‪.1998‬‬
‫((( جلنة تدقيق القضايا بديوان املظامل خالل عام ‪1400‬هـ‪ ،‬ص‪ ،3‬قرار رقم ‪/1‬ت‪ ،‬جلسة‬
‫‪1400/2/18‬هـ يف القضية رقم ‪/129‬ق لعام ‪1398‬هـ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ثالث ًا‪ :‬رشوط تنزيل نظرية الظروف الطارئة(((‪:‬‬


‫يشرتط لتنزيل نظرية الظروف الطارئة عىل العقود ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن تكون حوادث استثنائية عامة‪ ،‬فتخرج بذلك احلوادث ا ُملعتادة‬
‫واخلاصة‪.‬‬
‫‪2.‬أن تكون خارجة عن إرادة املدين وال يد له فيها‪ ،‬فيخرج بذلك ما‬
‫كان بإرادته وسببه وفعله‪.‬‬
‫‪3.‬أن تكون غري ُمتوقعة وقت إنشاء العقد‪ ،‬فيخرج بذلك ما كان ُيتوقع‬
‫حدوثه بالعادة‪.‬‬
‫‪4.‬أن تكون عامة يترضر منها اجلميع‪ ،‬وليست خاصة بشخص ُمعني‪،‬‬
‫كأن ينهار مبنى لتاجر‪.‬‬
‫‪5.‬أن تطرأ بعد إنشاء العقد‪.‬‬
‫‪6.‬أن يصبح تنفيذ االلتزام مرهق ًا وليس مستحيالً‪ ،‬واإلرهاق املقصود‬
‫هو اإلرهاق الشديد الذي جياوز اخلسارة املألوفة يف التعامل‪ ،‬بمعيار مادي‬
‫وموضوعي دون االعتداد بالظروف الشخصية للمدين‪ ،‬وهو الذي يميز‬
‫نظرية الظروف الطارئة عن نظرية القوة القاهرة التي يستحيل تنفيذ االلتزام‬
‫يف وجودها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬اجلزاء أو األثر يف نظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫يكون اجلزاء يف نظرية الظروف الطارئة إما بفسخ العقد أو برد االلتزام‬
‫املرهق إىل احلد املعقول‪.‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪Poonja, Mahmood M. (1977). Termination of Treaties Owing to Fundamental‬‬
‫‪Change of Circumstances (Clausula Rebus Sic Stantibus) (Juris Doctor‬‬
‫‪dissertation). Charles University, Prague (Rawalpindi: Abbas Arts, 1982).‬‬

‫‪117‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪ .‬أفسخ العقد‪:‬‬
‫عىل اختالف بني القوانني الغربية‪ ،‬فمنهم من يرى عند وجود العذر‬
‫الطارئ فسخ العقد‪ ،‬ومنهم من يمنع ذلك ويرى أن عىل القايض أن يرد‬
‫االلتزام املرهق إىل احلد املعقول(((‪.‬‬
‫‪.‬برد االلتزام املرهق إىل احلد املعقول‪:‬‬
‫يكون بأحد طرق ثالثة وهي ختضع لسلطة القايض التقديرية ونظره يف‬
‫ترضر األطراف‪:‬‬
‫الطريقة األوىل‪ :‬وقف تنفيذ العقد‪:‬‬
‫وقف تنفيذ العقد حتى يزول احلادث الطارئ إذا كان احلادث وقتيا‬
‫يقدر له الزوال يف وقت قصري‪ .‬ومثله يف الفقه اإلسالمي ما ذكره ابن قدامة‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪« :‬ولو استأجر دابة لريكبها‪ ،‬أو حيمل عليها إىل مكان معني‪،‬‬
‫فانقطعت الطريق إليه خلوف حادث‪ ،‬أو اكرتي إىل مكة‪ ،‬فلم حيج الناس‬
‫ذلك العام من تلك الطريق‪ ،‬فلكل واحد منهام فسخ اإلجارة‪ ،‬وإن أحب‬
‫إبقاءها إىل حني إمكان استيفاء املنفعة جاز»(((‪.‬‬
‫وكام أسلفت فإن القانون الربيطاين ال يكيف جائحة كورونا أهنا من‬
‫ضمن الظروف الطارئة وال ينظر إىل مدى انطباق الرشوط عليها فهو يرى‬
‫إلزامية العقد وقوته‪.‬‬
‫((( نظرية الظروف الطارئة يف الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬د‪ .‬حممد رشيد قباين‪،‬‬
‫جملة املجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫((( املغني‪ ،‬ابن قدامة‪.89/5 ،‬‬

‫‪118‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬زيادة االلتزام املقابل لاللتزام املرهق‪:‬‬


‫زيادة االلتزام املقابل ليقلل خسارة املدين‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬إنقاص االلتزام املرهق‪.‬‬
‫إنقاص االلتزام بسبب احلادث الطارئ يف العذر الطارئ‪.‬‬
‫ومثله يف الفقه اإلسالمي ما ذكره ابن تيمية‪« :‬إذا استأجر ما تكون منفعة‬
‫إجياره للناس‪ ،‬مثل احلامم‪ ،‬والفندق‪ ،‬والقيرسية‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فنقصت املنفعة‬
‫املعروفة‪ ،‬مثل أن ينتقل جريان املكان‪ ،‬ويقل الزبون خلوف‪ ،‬أو خراب‪ ،‬أو‬
‫حتويل ذي سلطان هلم‪ ،‬ونحو ذلك فإنه حيط عن املستأجر من األجرة بقدر‬
‫ما نقص من املنفعة املعروفة»(((‪ .‬وأيض ًا ما ذكره احلطاب ‪« :‬سئل ابن‬
‫أيب زيد إذا أصاب األجري يف البناء مطر يف بعض اليوم منعه من البناء يف‬
‫بعض اليوم‪ ،‬قال‪ :‬فله بحساب ما مىض ويفسخ يف بقية اليوم»(((‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬القوة القاهرة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تاريخ القوة القاهرة‪:‬‬
‫تاريخ هذه النظرية‪ :‬يعود إىل العصور الوسطى وإن كانت تذكر يف القانون‬
‫الروماين إال أهنا مل تكن ظاهرة يف القرن الثاين عرش ميالدي صيغ قاعدة‬
‫مشهورة تعرف بـ «تغري الظروف»‪ ،‬وهي تعني بوجود رشط ضمني يف العقد‪،‬‬
‫وبرزت هذه النظرية بعد احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وتفرتض هذه النظرية أن‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية‪.279/30 ،‬‬


‫((( مواهب اجلليل رشح خمترص خليل‪ ،‬احلطاب‪.432/5 ،‬‬

‫‪119‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫عقد ًا من العقود طويلة األجل‪ ،‬أو مرتاخية التنفيذ‪ ،‬كعقد اإلجارة‪ ،‬واملساقاة‪،‬‬
‫واملزارعة‪ ،‬والبيع‪ ،‬وكذا تغري قيمة النقود‪ ،‬واجلوائح‪ ،‬إذا أجل تنفيذه‪ ،‬وعقود‬
‫التوريد‪ ،‬واملقاولة‪ ،‬وعقود التزام املرافق العامة‪ ،‬قد أبرم يف ظل األحوال‬
‫العادية‪ ،‬فإذا بالظروف االقتصادية التي كانت أساس ًا يرتكز عليه توازن العقد‬
‫وقت تكوينه قد تغريت بصورة مل تكن يف احلسبان‪ ،‬فيختل التوازن االقتصادي‬
‫للعقد اختالالً خطري ًا‪ ،‬ويؤدي هذا التغري يف الظروف إىل أن يصبح تنفيذ العقد‬
‫ال استحالة تامة ينقيض هبا‬ ‫والوفاء بااللتزامات الناشئة عن العقد ليس مستحي ً‬
‫االلتزام‪ ،‬وإنام مرهق ًا للمدين بحيث يؤدي إجباره عليه إىل إفالسه‪ ،‬أو ُي ِنزل‬
‫به عىل األقل خسارة فادحة خترج عن احلد املألوف‪ ،‬فتتدخل النظرية إلزالة‬
‫الظلم الالحق باملدين‪ ،‬ورد التزامات العقد إىل احلد املعقول حتقيق ًا ملقتضيات‬
‫العدالة‪ ،‬ورفع ًا للظلم عن املتعاقدين(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تعريف نظرية القوة القاهرة‪:‬‬
‫هي‪« :‬كل فعل ال شأن إلرادة املدين فيه‪ ،‬وال يمكنه توقعه‪ ،‬وال منعه‪،‬‬
‫ويصبح به تنفيذ االلتزام مستحيالً‪ .‬وتتحقق نظرية القوة القاهرة بوقوع‬
‫حادث ال يمكن توقعه وال يمكن دفعه»(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬رشوط إعامل نظرية القوة القاهرة‪:‬‬
‫‪1.‬أال يكون اخلطأ أو احلادث أو الفعل الضار صادر ًا عن أحد طريف‬
‫العقد‪.‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪https://www.lexology.com/library/detail.aspx?g=4150d305-9064-431f-‬‬
‫‪97e2-21502528234b‬‬
‫((( القوة امللزمة للعقد‪ ،‬حسني عامر‪ ،‬ص‪ ،412‬الفرق بني القوة القاهرة والظروف‬
‫الطارئة‪ ،‬دراسة مقارنة بني الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬خالد أمحد‪ ،‬ص‪.4-3‬‬

‫‪120‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪2.‬أن يكون احلادث أمر ًا ال يمكن توقعه ُمطلق ًا عند إبرام العقد‪.‬‬
‫‪3.‬أن يكون احلادث عام ًا يرض باجلميع‪ ،‬وليس خاص بشخص ُمعني‪،‬‬
‫كغرق سفينة تاجر يف البحر‪ .‬وبعض القانونيني يقول ال يلزم بل ال يشرتط‬
‫العموم(((‪.‬‬
‫وهنا اجتاهان قانونيان يف تطبيق نظرية القوة القاهرة تبع ًا لكل مدرسة‬
‫قانونية‪.‬‬
‫االجتاه األول‪:‬‬
‫املدرسة األنجلوسكسونية تطبق النظرية يف أضيق نطاق‪ ،‬وتشرتط‬
‫إلعامهلا باإلضافة إىل ما سبق أن تكون منصوص ًا عليها يف العقد وإال ينتقل‬
‫إىل مسألة إبطال العقد إذا كان تنفيذها مستحيالً‪ ،‬وأيض ًا هذه املدرسة عند‬
‫وجود رشط القوة القاهرة ال يعني ذلك فسخ العقد بل ُين َظر يف احللول التي‬
‫قبله من وقفه لفرتة أو رد االلتزام املرهق أو مما يراه القايض‪ ،‬فإذا مل يمكن‬
‫تنفيذ العقد فإنه يفسخ‪ ،‬وهذا يف حال وجود رشط القوة القاهرة منصوص ًا‬
‫عليه يف العقد(((‪ .‬والقانون اإلنجليزي العام ‪ Common Law‬ال يطبق مبارشة‬
‫مبدأ القوة القاهرة فينتهي العقد بالقانون اإلنجليزي (االتفاق‪ ،‬األداء‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نظرية الظروف الطارئة يف الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬قباين‪ ،‬ص‪،28‬‬
‫بحث مقدم إىل جممع الفقه اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬العدد الثاين‪،‬‬
‫السنة الثانية‪1425 ،‬هـ‪ ،‬الفرق بني القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬دراسة مقارنة بني‬
‫الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ ،‬خالد أمحد‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪https://www.nortonrosefulbright.com/en/knowledge/publications/‬‬
‫‪b54cf723/force-majeure-hardship-clauses-and-frustration-in-english-law-‬‬
‫‪contracts-amid-covid-19‬‬

‫‪121‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫اإلبطال‪ ،‬املخالفة واخلرق) لذا يلزم تضمني رشط القوة القاهرة بنود‬
‫العقد‪ ،‬ويف حال مل يتم تضمني الرشط العقد وحصل حدث يعيق العقد‪،‬‬
‫فإنه يتم النظر يف مبدأ إبطال العقد ‪ ،Frustration‬والتي دخلت إىل القانون‬
‫اإلنجليزي عام ‪1863‬م‪ ،‬خففت هذه القاعدة القاسية‪ ،‬والتي تنص عىل‬
‫أنه «عندما يصبح من املستحيل تنفيذ العقد وال يكون أي من الطرفني عىل‬
‫خطأ‪ ،‬يمكن إعفاء الطرفني من التزاماهتام»‪ ،‬مثل تغري القانون واألحداث‬
‫الساموية‪« ،‬ونظرية القوة القاهرة» يذكر أهنا دخلت إىل القانون اإلنجليزي‬
‫وتسللت من القانون الفرنيس(((‪.‬‬
‫ويسمح رشط القوة القاهرة بوجوده يف العقد مدرج ًا بوقت إضايف‬
‫إلنجاز املعقود عليه وإمتامه‪ ،‬فعندما ينتهي احلدث املانع من العمل‪ ،‬يستكمل‬
‫الطرفان العقد بشكل طبيعي‪ .‬وعىل هذا فإن رشط القوة القاهرة تعمل عىل‬
‫تعليق الوقت ألداء العقود خالل الفرتة الفاصلة‪ ،‬بينام ال يمكن تنفيذها‪ .‬إنه‬
‫عقد قانوين ملزم‪ ،‬بعد كل يشء‪ .‬وتسمح بعض رشوط القوة القاهرة بإهناء‬
‫العقد إذا استمر احلدث املتداخل لفرتة زمنية حمددة(((‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪:‬‬
‫املدرسة الالتينية وتتوسع يف تطبيقه وتفسريه‪ ،‬وال يلزم وجوده منصوص ًا‬
‫عليه يف العقد‪ ،‬وتشرتط إلعامهلا باإلضافة إىل ما سبق أن يكون احلادث‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪https://www.nortonrosefulbright.com/en/knowledge/publications/‬‬
‫‪b54cf723/force-majeure-hardship-clauses-and-frustration-in-english-law-‬‬
‫‪contracts-amid-covid-19‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫املفاجئ أو اخلطأ أو الفعل الضار غري املتوقع تنفيذ االلتزام مستحي ً‬


‫ال‬
‫استحالة مطلقة ال نسبية(((‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬اجلزاء أو األثر يف نظرية القوة القاهرة‪:‬‬
‫مما تقدم بيانه يرتتب عىل تكييف العقد بحدوث قوة قاهرة هي فسخه‬
‫مبارشة يف املدرسة الالتينية‪ ،‬بينام يف املدرسة األنجلوسكسونية ُينظر يف‬
‫أحوال تنفيذه من عدمها إذا كان مرشوط ًا يف العقد‪ ،‬أما إذا مل يكن مرشوط ًا‬
‫فإنه ينتقل إىل مبدأ إبطال العقد ‪ ،Frustration‬ويف املثال السابق وهو إذا تم‬
‫التعاقد عىل إنجاز بناء ثم توقف البناء أو تأخر بسبب جائحة كورونا‪ ،‬ففي‬
‫القانون الربيطاين ال يتم فسخ العقد مبارشة أو رده إىل احلد املعقول‪ ،‬بل‬
‫ينظر هل هناك رشط يشري إىل فسخ العقد بسبب القوة القاهرة‪ ،‬ففي حال‬
‫عدم وجوده ينتقل إىل إبطال العقد لتعذر تنفيذه‪ ،‬أما يف حال وجود رشط‬
‫القوة القاهرة يف العقد فإنه يتم الفسخ مبارشة من غري أي التزامات أو تقديم‬
‫ضامنات بسبب الفسخ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التكييف الفقهي والقانوين جلائحة كورونا اجلديد‪:‬‬
‫اعتبار ًا ملا سبق؛ (الفرق بني النظريتني ورشوطهام وأقسامهام)‪ ،‬فإن وباء‬
‫كورونا يشبه يف أثره الظواهر الطبيعية واحلروب التي متنع من تنفيذ العقد‬
‫بالصورة املتفق عليها(((‪ ،‬وقد يصل تأثريها إىل استحالة تنفيذ العقد‪ ،‬فقد‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪https://www.shearman.com/perspectives/2020/03/force-majeure-and-‬‬
‫‪imprevision-under-french-law-covid-19‬‬
‫((( ممن ذكر أن األوبئة من األعذار الرشعية القانوين الدكتور عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫الوسيط‪ ،720/1 ،‬ومصادر احلق‪.26/6 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫حت َّقق يف جائحة كورونا ما ذكره الفقهاء وأهل القانون التي تستوجب إعادة‬
‫النظر يف العقود‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدم من كالم الفقهاء نجد أهنم ذكروا مخس حاالت ال‬
‫خترج عنها جائحة كورونا يف عقد االجارة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫احلال األوىل‪ :‬أن تتعطل منافع اإلجارة قبل التمكن من استيفائها‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك قبل قبضها‪ ،‬أو بعد قبضها وقبل التمكن من االنتفاع‪.‬‬
‫احلال الثانية‪ :‬أن تتعطل املنفعة أثناء املدة‪ ،‬وتعطل املنفعة يكون بأحد‬
‫وجهني‪.‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن تتلف العني‪ .‬الوجه الثاين‪ :‬زوال نفعها بأن حيدث‬
‫عليها ما يمنع نفعها‪.‬‬
‫احلال الثالثة‪ :‬إذا تبقى من املنفعة ما ليس هو املقصود بالعقد‪.‬‬
‫احلال الرابعة‪ :‬حصول املنفعة يف بعض زمن اإلجارة أو بعض أجزاء‬
‫العني املستأجرة‪.‬‬
‫احلال اخلامسة‪ :‬نقص املنفعة يف نفس املكان الواحد والزمان الواحد‪.‬‬
‫بينام تكييف جائحة كورونا يف القانون الالتيني ينظر إىل نوع الرضر‪،‬‬
‫فقد يكون فريوس كورونا من قبيل الظروف الطارئة التي تؤدي إىل تعديل‬
‫العقد‪ ،‬وحاالت أخرى يكون فيها فريوس كورونا من قبيل القوة القاهرة‪،‬‬
‫خاصة أن هذا الوباء جاء بغتة‪ ،‬وانترش برسعة‪ ،‬وأثر عىل كثري من العقود‬
‫التجارية تأثري ًا مبارش ًا‪ ،‬وأوقف عقود ًا كثرية ومتنوعة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ويكون معيار خضوعه هو مدى تأثريه يف العقد املطلوب تنفيذه‪ ،‬فإذا‬


‫كان التأثري هو إرهاق أحد طريف العقد إرهاق ًا شديد ًا بأن يتسبب الوباء يف‬
‫ارتفاع كلفة اإلنتاج أو زيادة أسعار الشحن لصورة مرهقة‪ ،‬فإنه يعترب هنا‬
‫من قبيل الظروف الطارئة‪ ،‬أما إذا تسبب هذا الوباء يف استحالة تنفيذ العقد‬
‫ال بسبب غلق حدود بلد ما فإن‬ ‫كأن يصبح نقل البضائع وتصديرها مستحي ً‬
‫الوباء يصبح من قبيل القوة القاهرة‪.‬‬
‫وأما تكييفه يف القانون األنجلوسكسوين فإنه ُينظر يف أحوال تنفيذه من‬
‫عدمها إذا كان مرشوط ًا يف العقد‪ ،‬أما إذا مل يكن مرشوط ًا فإنه ينتقل إىل مبدأ‬
‫إبطال العقد ‪.Frustration‬‬
‫وبعد هذا العرض يتبني سعة الفقه اإلسالمي ومرونته وقوته يف‬
‫التعامل مع خمتلف األحوال وتقديرها بكل دقة من أجل حتقيق العدالة بني‬
‫املتعاقدين‪ ،‬فهو تَعا َمل مع هذه األحوال املختلفة ووضع هلا حكام مناسب ًا‪،‬‬
‫بينام القوانني وضعت نظريات تطبق عىل أحوال كلية مع وجود االختالف‬
‫يف بعض مسائلها‪ ،‬بخالف الفقه اإلسالمي الذي تعامل مع تلك األحوال‬
‫كمسائل ووضع هلا حلوالً عادلة موازنا بينها وبني قوة العقد ولزومه(((‪.‬‬
‫هذه اجلائحة ستفرز إشكاليات يف العقود وظهور عدد من القضايا‬
‫واملطالبات بسبب جائحة كورونا‪ ،‬سواء للمتعاملني بينهم أم بسبب ما‬
‫حلقهم من رضر‪ ،‬وهذا العدد قد يعطل سري املحاكم وتأخر النظر فيها‪ .‬ومع‬
‫استمرار هذه اجلائحة وخطرها سارعت احلكومات والدول إىل قرارات‬
‫((( مصادر احلق‪.90/6 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫احلظر الكيل أو اجلزئي إغالق كثري من الرشكات واملحال التجارية‪ ،‬وتعطل‬


‫كثري من أهل املهن واحلرف والصناعات والتجارة‪ ،‬مما أدى إىل ترك اآلالف‬
‫خاصة يف القطاع اخلاص ألعامهلم‪ ،‬والرشحية األكرب منهم موظفون وعامل‬
‫عند أصحاب الرشكات والتجارات‪ ،‬ومنهم من يؤجر البيوت والشقق‬
‫للسكنى‪ ،‬أو يؤجر املحال التجارية من أصحاهبا‪ ،‬وعجز غالبهم عن دفع‬
‫إجيار الشقق واملحال التجارية لتعطل احلركة التجارية‪.‬‬
‫لذا أرى معاجلة اإلشكالية والتوصل إىل صلح مرض بني الطرفني‪.‬‬
‫وإجادة التعامل مع املستحقات املالية بداية من تقييم املخاطر بعناية‪،‬‬
‫ودراسة معيار اخلسارة وليس ارتفاع التكلفة‪ ،‬هي من أفضل احللول ملعاجلة‬
‫القضايا التي قد تتعثر بعجز أحد املتعاقدين‪ ،‬ومن احللول املقرتحة تكوين‬
‫جلان من أهل خربة واالختصاص واهليئات املعتمدة بتقدير احلاالت ووضع‬
‫النسب العادلة بني املتعاقدين‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫المبحث الثاني‬
‫موقف المنظم في المملكة العربية السعودية من‬
‫الجائحة‪ ،‬والتطبيقات القضائية‬
‫المطلب األول‪ :‬موقف المنظم في المملكة العربية السعودية‪:‬‬

‫املنظم السعودي تعرض للظروف الطارئة والقوة القاهرة يف عدد من‬


‫األنظمة بني موجز هلا وشارح لبنودها ومن أبرز تلك األنظمة ما ييل‪:‬‬
‫نظام املنافسات واملشرتيات احلكومية‪:‬‬
‫تطرق النظام يف العديد من املواد إىل القوة القاهرة والظروف الطارئة‪،‬‬
‫ومن ذلك ما جاء يف املادة األوىل «‪ ...‬احلالة الطارئة‪ :‬حالة يكون فيها هتديد‬
‫السالمة العامة أو األمن العام أو الصحة العامة جدي ًا وغري متوقع‪ ،‬أو يكون‬
‫فيها إخالل ينذر بخسائر يف األرواح أو املمتلكات‪ ،‬وال يمكن التعامل معها‬
‫بإجراءات املنافسة العادية»‪.‬‬
‫وضحت كيفية متديد العقد واإلعفاء من‬ ‫وجاء يف املادة (‪ )74‬والتي َّ‬
‫الغرامة يف حاالت عديدة‪ ،‬منها‪ :‬إذا كان التأخري يعود إىل اجلهة احلكومية‬
‫أو ظروف طارئة‪ ،‬ومنها‪ :‬إذا تأخر املتعاقد معه عن تنفيذ العقد ألسباب‬
‫خارجة عن إرادته‪ ،‬ومنها‪ :‬إذا صدر أمر من اجلهة احلكومية بإيقاف األعامل‬
‫أو بعضها ألسباب ال تعود إىل املتعاقد معه‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫وأيض ًا جاء يف الالئحة التنفيذية لنظام املنافسات واملشرتيات احلكومية‬


‫اإلشارة إىل احلاالت الطارئة‪ ،‬ومن ذلك املادة (‪ )46‬التي حددت‬
‫االشرتاطات لتنفيذ األعامل واملشرتيات يف احلاالت الطارئة‪ ،‬باآليت‪:‬‬
‫‪1.‬وجود أحد احلاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ .‬أهتديد جدي وغري متوقع للسالمة العامة أو الصحة العامة أو األمن‬
‫العام‪.‬‬
‫‪.‬ببوجود حدث جسيم ُينذر بخسائر يف األرواح أو املمتلكات‪.‬‬
‫‪2.‬أن يرتتب عىل استخدام إجراءات املنافسة العامة أو املحدودة رضر‬
‫جسيم بسبب طول مدة اإلجراءات‪.‬‬
‫‪3.‬عدم شمول االتفاقية اإلطارية لألعامل واملشرتيات املطلوبة أو تعثر‬
‫تنفيذها‪.‬‬
‫‪4.‬أخذ موافقة رئيس اجلهة احلكومية‪.‬‬
‫‪5.‬تزويد الديوان العام للمحاسبة بكافة االتفاقيات والعقود ومستندات‬
‫الرصف اخلاصة بتلك األعامل واملشرتيات‪.‬‬
‫كام نظمت املادة (‪ )49‬من الالئحة حالة تعاقد اجلهة احلكومية من خالل‬
‫اتفاقيات إطارية يف حالة ظهور احلاجة للتعامل مع احلاالت الطارئة‪.‬‬
‫ونظمت املادة (‪ )133‬من الالئحة حاالت إهناء اجلهة احلكومية العقد‬
‫باالتفاق بينها وبني املتعاقد يف حالة أصبح تنفيذ األعامل ُمستحي ً‬
‫ال بوجود‬

‫‪128‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫قوة قاهرة‪ ،‬وحالة استمرار اجلهة احلكومية يف إيقاف كامل األعامل ألسباب‬
‫ال عالقة للمتعاقد هبا مدة تتجاوز (مائة وثامنني يوم ًا) من تاريخ خطاب‬
‫األمر بإيقاف األعامل‪...‬‬
‫ويظهر جلي ًا كيف تعامل نظام املنافسات واملشرتيات احلكومية مع عدد‬
‫من احلاالت التي قد تكون قوة قاهرة أو احلاالت الطارئة وفق ًا ملا نص عليه‬
‫املنظم‪.‬‬
‫وزارة املوارد البرشية‪:‬‬
‫تدخلت وزارة املوارد البرشية يف سبيل محاية بيئة العمل والعالقة‬
‫التعاقدية بني أطرافها بعد جائحة كورونا‪ ،‬وأصدر معايل وزير املوارد‬
‫البرشية والتنمية االجتامعية قراره الوزاري رقم (‪ )142906‬وتاريخ‬
‫‪1441/8/13‬هـ اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إضافة مادة برقم (‪ )41‬إىل «الالئحة التنفيذية لنظام العمل»‬
‫الصادرة بالقرار الوزاري رقم ‪ 70273‬وتاريخ ‪1440/4/11‬هـ تنص‬
‫عىل اآليت‪:‬‬
‫‪1.‬يف حال اختذت الدولة وفق ما تراه أو بناء عىل ما تُويص به منظمة‬
‫دولية ُمتصة‪ ،‬إجراءات يف شأن حالة أو ظرف يستدعي تقليص ساعات‬
‫العمل‪ ،‬أو تدابري احرتازية حتد من تفاقم تلك احلالة أو ذلك الظرف‪ ،‬مما‬
‫يشمله وصف القوة القاهرة الوارد يف الفقرة (‪ )5‬من املادة الرابعة والسبعني‬
‫من النظام فيتفق صاحب العمل ابتداء مع العامل ‪ -‬خالل الستة األشهر‬
‫أي مما يأيت‪:‬‬
‫التالية لبدء اختاذ تلك اإلجراءات ‪ -‬عىل ٍّ‬

‫‪129‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪ .‬أختفيض أجر العامل‪ ،‬بام يتناسب مع عدد ساعات العمل الفعلية‪.‬‬


‫‪.‬بمنح العامل إجازة ُت َ‬
‫تسب من أيام إجازته السنوية ا ُملستحقة‪.‬‬
‫‪.‬تمنح العامل إجازة استثنائية‪ ،‬وفق ما نصت عليه املادة السادسة‬
‫عرشة بعد املائة من النظام‪.‬‬
‫‪2.‬ال يكون إهناء عقد العمل بعد ذلك مرشوع ًا إذا ثبت أن صاحب‬
‫العمل قد انتفع بأي إعانة من الدولة ملواجهة تلك احلالة‪.‬‬
‫‪3.‬ال خيل ذلك بحق العامل يف إهناء عقد العمل‪.‬‬
‫فالوزارة سارعت ملعاجلة بعض اإلشكالية ووضعت احللول املناسبة كام‬
‫يف الفقرات (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ت)‪ ،‬كام أخذت بعني االعتبار املساعدات واإلعانات‬
‫املقدمة من الدولة ملواجهة تلك احلالة ألصحاب العمل‪.‬‬
‫نظام االستثامر التعديني‪:‬‬
‫جاء تعريف القوة القاهرة يف املادة (‪ )30‬من «نظام االستثامر التعديني»‪...« :‬‬
‫ويقصد بالقوة القاهرة يف أحكام هذه املادة األحداث املتعارف عليها أصولي ًا‬
‫كقوة قاهرة نامجة عن ظروف غري متوقعة وقت إصدار الرخصة‪ ،‬والتي ال‬
‫يرجع وجودها إىل أي من الطرفني وجتعل تنفيذ املرخص له اللتزاماته‬
‫املحددة بالرخصة مستحيالً»‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح تعامل املنظم السعودي مع نظرية القوة‬
‫القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬إال أن ذلك ورد يف أنظمة حمددة ال يمكن‬
‫تنزيلها عىل بقية العقود األخرى التي مل يرد فيها‪ ،‬ويف ظل عدم وجود أنظمة‬

‫‪130‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫منصوص عليها فإن املرجع عند التقايض يف اململكة العربية السعودية هو‬
‫أحكام الرشيعة اإلسالمية(((‪ ،‬والتي كام تقدم وتقرر تعالج تلك احلاالت‬
‫عىل اختالفها بكل دقة لتحقيق العدل والقسط بني املتعاقدين‪.‬‬
‫جــدول يوضــح األنظمــة التــي أشــارت إىل القــوة القاهــرة أو الظــروف‬
‫الطارئــة‪:‬‬
‫املواد‬ ‫اسم النظام‬
‫‪133-74-49-46‬‬ ‫نظام املنافسات واملشرتيات احلكومية‬
‫‪28‬‬ ‫نظام االستثامر التعديني‬
‫‪91-87-74‬‬ ‫نظام العمل‬
‫‪20‬‬ ‫نظام االستثامر األجنبي‬
‫‪37-15-14-8‬‬ ‫النظام األسايس لرابطة الدوري السعودي‬
‫‪9‬‬ ‫نظام اإلجيار التموييل‬
‫‪274-203-176-136‬‬ ‫النظام البحري التجاري‬
‫‪14‬‬ ‫نظام التجارة اإللكرتوين‬
‫‪31‬‬ ‫نظام اإلفالس‬
‫الفصل الثاين الفقرة ‪ 11‬البند ‪7‬‬ ‫نظام اجلامرك‬

‫((( جاء يف املادة (‪ )48‬من «النظام األسايس للحكم» الصادر باألمر امللكي رقم (أ‪)90/‬‬
‫بتاريخ‪1412/8/27‬هـ‪« :‬تطبق املحاكم عىل القضايا املعروضة أمامها أحكام‬
‫الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وفق ًا ملا دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وما يصدره ويل األمر من أنظمة‬
‫ال تتعارض مع الكتاب والسنة»‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجانب التطبيقي في المملكة العربية السعودية‪:‬‬

‫يقوم النظام القضائي يف اململكة العربية السعودية عىل تطبيق أحكام‬


‫الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وفق ًا ملا دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وما يصدره ويل األمر‬
‫من أنظمة ال تتعارض مع الكتاب والسنة(((‪ .‬والقضاء يف اململكة تعامل مع‬
‫قضايا مشاهبة جلائحة كورونا وأصدر أحكامه القضائية حياهلا‪ ،‬ومن تلك‬
‫القضايا‪:‬‬
‫قضية رقم‪/1/1885 :‬ق لعام ‪1425‬هـ‪:‬‬
‫ملخص القضية‪:‬‬
‫طلبت الرشكة املدعية إلزام اجلهة املدعى عليها برد املبلغ الذي حسمته‬
‫منها مقابل غرامات التأخري واإلرشاف عن العقد املربم بينهام إلنشاء مدرسة‬
‫‪ -‬الرشكة تأخرت يف تنفيذ املرشوع مدة ‪ ١٤٠‬يوم ًا عن امليعاد املحدد بالعقد‬
‫‪ -‬اجلهة تأخرت يف رصف معظم املستخلصات مما كان له أثره املبارش يف‬
‫سري العمل وتنفيذه يف الوقت املحدد ‪ -‬أداء العمل أصبح يسري ببطء بسبب‬
‫انتشار مرض محى الوادي املتصدع يف موقع العمل مما أدى لعدم انتظام‬
‫وتواجد العاملة يف املوقع ‪ -‬ظهور األوبئة واألمراض تعد من قبيل الظروف‬
‫عذر هبا املقاول وينبغي أن تؤخذ يف حسبان اجلهة اإلدارية‬ ‫الطارئة التي ُي َ‬
‫عند نظرها يف مدة تأخري املقاول من عدمه ‪ -‬أثر ذلك‪ :‬إلزام اجلهة بأن ترد‬

‫((( املادة (‪ )48‬من «النظام األسايس للحكم» الصادر باألمر امللكي رقم (أ‪)90/‬‬
‫بتاريخ‪1412/8/27‬هـ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫للرشكة املدعية املبلغ الذي حسمته من مستحقاهتا مقابل غرامات التأخري‬


‫واإلرشاف‪.‬‬
‫احلكم‪:‬‬
‫وحيث إن ظهور مثل هذه األوبئة واألمراض تعد من قبيل الظروف‬
‫الطارئة التي يعذر هبا املقاول وينبغي أن تؤخذ يف حسبان اجلهة اإلدارية‬
‫عند نظرها يف مدى تأخر املقاول من عدمه‪ ،‬كام أكد عىل اختالف الوزارة مع‬
‫رشكة الكهرباء عىل موقع غرفة الكهرباء وأنه استمرت املخاطبات بينهام‬
‫ملدة تزيد عن ثامنية أشهر‪ ،‬وهذا اخلالف طوال هذه املدة وأثناء تنفيذ املقاول‬
‫للعقد ينبغي أن يراعى من قبل الوزارة يف احتساب مدة التأخر ألن له تأثري ًا‬
‫يف خطة عمل املقاول‪...‬‬
‫لذلك حكمت الدائرة بإلزام وزارة الرتبية والتعليم بأن ترد للرشكة‬
‫املدعية رشكة (‪ ).....‬مبلغ ًا وقدره سبعمئة وثامنية آالف ومائتان ومخسة‬
‫وستون رياالً‪ ،‬وثامن وتسعون هللة ‪ 708.265.98‬رياالً‪ ،‬والذي حسمته‬
‫الوزارة من مستحقات املدعية مقابل غرامات التأخري واإلرشاف وذلك‬
‫عىل النحو املبني باألسباب(((‪.‬‬

‫((( ومثله احلكم الصادر من املحكمة اإلدارية يف القضية رقم (‪/137/1‬ق‪،)1414‬‬


‫وكذلك احلكم الصادر من املحكمة اإلدارية برقم (‪/1146/1‬ق‪ ،)1414‬والقضية‬
‫رقم (‪/1554/1‬ق‪ ،)1414‬وأيض ًا القضية رقم (‪/1/782‬ق‪)1414‬؛ حيث‬
‫حكمت املحكمة بإعفاء الرشكة املدعية من غرامات التأخري وردها إليها‪ ،‬إعامالً‬
‫لنظرية القوة القاهرة‪ ،‬وجعلت حرب اخلليج قوة قاهرة وحادث ًا طارئ ًا ال دخل إلرادة‬
‫املتعاقد فيه‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫التعليق عىل احلكم‪:‬‬


‫من خالل احلكم القضائي يتضح أن املحكمة أعملت نظرية الظروف‬
‫الطارئة‪ ،‬وجعلت األوبئة واألمراض عذر ًا عائق ًا عن إمتام العمل بوقته‬
‫املحدد‪ ،‬وألغت ما فرضته اجلهة املتعاقدة من رشط جزائي بسبب التأخري‪.‬‬
‫القضية رقم ‪/2/132‬ق لعام ‪1417‬هـ‪:‬‬
‫ملخص القضية‪:‬‬
‫طالب املدعي بعدة طلبات منها‪ :‬دفع مبلغ مايل قدره (‪)737.552‬‬
‫عن األرضار املرتتبة عن أزمة اخلليج‪.‬‬
‫وجاء يف أسباب احلكم‪:‬‬
‫وحيث إن هذه املطالبة يف حقيقتها متثل طلب ًا للتعويض نتيجة ظروف‬
‫قاهرة متثل يف اجلزء األول قيود ًا عسكرية فرضت بسبب أزمة اخلليج‬
‫وخارجة عن إرادة املدعى عليها وغري مفروضة من قبلها‪...‬‬
‫وجاء يف احلكم‪:‬‬
‫بعدم قبول الدعوى شك ً‬
‫ال بطلب التعويض عن األرضار املرتتبة عن‬
‫أزمة اخلليج‪...‬‬

‫‪134‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫التعليق عىل احلكم‪:‬‬


‫يتضح جلي ًا أن القضاء اإلداري ي ِ‬
‫عمل نظرية القوة القاهرة وال يتجاهلها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫إذ اعترب احلكم احلرب ظرف ًا طارئ ًا وجائحة من اجلوائح ال بد معها من رفع‬
‫الرضر ودفع املشقة‪ ،‬وحتقيق العدالة والقسط بني املتعاقدين‪.‬‬
‫معايري اهليئة العامة يف املحكمة العليا املتعلقة بجائحة كورونا(((‪:‬‬
‫هذه اجلائحة بدأت تفرز القضايا وتدخل أبواب املحاكم وملعاجلة‬
‫حتديات األزمة قررت اهليئة العامة يف املحكمة العليا يف اململكة العربية‬
‫السعودية جمموع ًة من املبادئ القضائية‪ ،‬وقد جاء فيه‪« :‬وبعد الدراسة‬
‫والتأمل واالطالع عىل األوامر املتعلقة هبذا الشأن‪ ،‬والقرارات الوزارية‬
‫املعاجلة آلثار اجلائحة‪ ،‬واألنظمة ذات الصلة‪ ،‬وملا قرره فقهاء الرشيعة يف‬
‫مسألة اجلوائح مستندين عىل نصوص الوحي‪ ،‬وأن الرشيعة اإلسالمية‬
‫صاحلة ومصلحة لكل زمان ومكان وحال‪ ،‬وأن املبادئ القضائية حتقق‬
‫ُوحد االجتهاد القضائي‪ ،‬وتضبط السلطة التقديرية‪ ،‬ملا‬ ‫االستقرار وت ِّ‬
‫فيها من متكني طريف العقد من معرفة احلكم الرشعي‪ ،‬وحتقيق الستقرار‬
‫األوضاع واملراكز النظامية‪ ،‬وإلحقاق العدالة ودفع ًا للرضر‪ ،‬وحتقيق ًا للغاية‬
‫من استمرار العقود باملحافظة عىل توازهنا بني الطرفني‪ ،‬ومراعاة للمصلحة‬
‫العامة واخلاصة‪ ،‬ولذلك كله أصدرت اهليئة العامة للمحكمة العليا‬
‫قراراهتا‪ .‬وجاء فيه‪ :‬تعد جائحة فايروس كورونا من الظروف الطارئة إذا‬

‫((( قرار رقم (‪/45‬م) وتاريخ ‪1442/5/8‬هـ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫مل يمكن تنفيذ االلتزام أو العقد إال بخسارة غري معتادة‪ ،‬ومن القوة القاهرة‬
‫إذا أصبح التنفيذ مستحيالً‪.»...‬‬
‫التعليق عىل هذا املبدأ القضائي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬نطاق تطبيقه‪:‬‬
‫يطبق عىل العقود التي تأثرت بالقوة القاهرة أو الظروف الطارئة‪ ،‬حيث‬
‫قسم الرضر عىل العقود إىل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معتادة خالل‬ ‫ٍ‬
‫طارئة أ َّدت إىل خسائر غري‬ ‫ٍ‬
‫بظروف‬ ‫‪ .‬أالعقود التي تأ َّثرت‬
‫توريد مواد البناء كاحلديد بسعر مكلف جد ًا‬ ‫ِ‬ ‫تنفيذها؛ كأن تُصبِ َح تكلف ُة‬
‫املورد‪.‬‬
‫وخارج عن العادة عىل ِّ‬
‫قاهرة جعلت من تنفيذها أمر ًا مستحيالً؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بقوة‬ ‫‪.‬بالعقود التي تأ َّثرت‬
‫أمر باإلغالق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كأن يكون العقد عىل بناء منزل يف فرتة زمنية ُمدَّ دة َصدَ َر فيها ٌ‬
‫ُل وحظر التجول‪ ،‬ومن ثم تعذر إكامل البناء‪.‬‬ ‫الك ِّ ِّ‬
‫رشوط تطبيق املبدأ القضائي عىل العقود وااللتزامات‪:‬‬
‫وضعت اهليئة العامة مخسة رشوط لتحقق انطباق املبدأ القضائي عىل‬
‫العقود وااللتزامات‪ ،‬وهي ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون العقد تم قبل اجلائحة‪ ،‬ولكن امتدَّ تنفيذه خالهلا؛ فهي‬
‫يضع كال املتعاقدَ ْين يف حسباهنام إمكانية ظهور جائحة عند‬
‫ْ‬ ‫العقود التي مل‬
‫ِ‬
‫توقيعه َم العقد‪ ،‬أ َّما العقود التالية لظهور اجلائحة فال تدخل هنا؛ َّ‬
‫ألن‬
‫املتعاقدَ ْين علام باجلائحة‪ ،‬ودخال عىل علم وبصرية‪ .‬وذلك كالتعاقد عىل‬

‫‪136‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫استئجار مبنى جتاري‪ ،‬وتم العقد قبل وقوع اجلائحة‪ ،‬ويستمر العقد سنة أو‬
‫سنتني أو أكثر‪ ،‬ففي هذه احلال يدخل العقد حتت هذا البند‪ ،‬أما لو تم العقد‬
‫ال من طريف‬‫بعد وقوع اجلائحة فال يدخل يف نطاق املبدأ القضائي‪ ،‬ألن ك ً‬
‫العقد يعلم احلال ويقدر الرضر وما يستحقه من أجره‪.‬‬
‫‪2.‬أن يكون أثر اجلائحة مبارش ًا عىل العقد دون إمكانية تالفيه؛ أ َّما إذا‬
‫ُعف ِيه من آثار اجلائحة‪ ،‬فال‬‫بإجراءات ت ِ‬
‫ٍ‬ ‫ترضر القيام‬ ‫ِ‬
‫كان بإمكان املتعاقد ا ُمل ِّ‬
‫يندرج حتت هذا البند؛ كأن يستأجر قرص ًا للزواج ثم يتم احلظر الكيل‪ ،‬فال‬
‫يمكن االنتفاع منه‪ ،‬أما يف حال تم التعاقد بعد اجلائحة واحلظر فيتحمل كل‬
‫طرف ما يرتتب عىل اإلخالل بالعقد‪ ،‬ألهنام دخال عىل بصرية وعلم‪.‬‬
‫سبب آخر؛ فإذا كان سبب الرضر‬ ‫ٍ‬ ‫ال دون‬‫‪3.‬أن يكون أثر اجلائحة ُمست َِق ًّ‬
‫الذي َِل َق باملتعاقد راجع ًا خلطأ ارتكبه هو‪ ،‬فال جيوز حينها تطبيق أحكام‬
‫الظروف الطارئة أو القاهرة‪ ،‬فجائحة كورونا أثرت عىل تعاقدات الناس‬
‫وتعامالهتم وال يمكن دفعها أو تضمني آخر‪ ،‬وذلك كام يف املثال السابق‬
‫فاملنع واحلظر الكيل أو اجلزئي تم من اجلهات الرسمية وليس من أحد طريف‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪َّ 4.‬أل يكون املترضر قد تنازل عن حقه أو اصطلح بشأنه‪ ،‬ألنه لو وجد‬
‫تنازل فقد أسقط حقه‪.‬‬
‫‪َّ 5.‬أل تكون آثار اجلائحة ورضرها معاجل ًا بنظام خاص‪ ،‬أو بقرار من‬
‫اجلهة املختصة‪ ،‬ألنه متى ما وجد نص خاص قدم عىل النص العام‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫األثر املرتتب عىل ذلك‪:‬‬


‫وجاء يف املبدأ القضائي‪ :‬تتوىل املحكمة بناء عىل طلب مدعي الرضر‬
‫وبعد املوازنة بني الطرفني والنظر يف الظروف املحيطة‪ ،‬تعديل االلتزامات‬
‫التعاقدية بام ُي ِّقق العدل لطريف العقد‪ ،‬فهذه مرحلة فحص وتدقيق وموازنة‬
‫بني أطراف العقد‪ ،‬ويتم تعديل االلتزامات عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ .‬أتطبق يف عقود أجرة العقار واملنقول التي تأثرت باجلائحة‪ ،‬األحكام‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪1.‬إذا تعذر عىل املستأجر بسبب اجلائحة االنتفاع بالعني املؤجرة كلي ًا‬
‫أو جزئي ًا‪ ،‬فتنقص املحكمة من األجرة بقدر ما نقص من املنفعة املقصودة‬
‫املعتادة‪.‬‬
‫‪2.‬ال يثبت للمؤجر حق فسخ العقد إذا كان تأخر املستأجر عن دفع‬
‫أجرة الفرتة التي تعذر االنتفاع فيها كلي ًا أو جزئي ًا بسبب اجلائحة‪.‬‬
‫ومن خالل تأمل ما جاء يف املبدأ القضائي وما تقدم من تطبيقات‬
‫قضائية نجدها تتفق مع نظرية القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة‪،‬‬
‫وهو ما يوافق املدرسة الالتينية بخالف املدرسة األنجلوسكسونية والتي‬
‫ال عن عدم إعامهلا للظروف الطارئة‬ ‫تضيق نطاق إعامل القوة القاهرة فض ً‬
‫انطالق ًا من مبدأ قوة العقد امللزمة‪ ،‬بينام الفقه اإلسالمي كام تقدم عند تقسيم‬
‫األحوال اخلمسة استطاع أن يعالج مجيع القضايا الواردة عىل العقد إلحقاق‬
‫العدالة ودفع الرضر‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه خالصة البحث ومعه أبرز النتائج والتوصيات‪:‬‬
‫هذه اجلائحة تداعياهتا ثقيلة والدولة ‪-‬وفقها اهلل‪ -‬بذلت وتبذل كل ما‬
‫خيدم مواطنيها ومن هم عىل أرضها‪ ،‬وجيب مراعاة ما حتمله الدولة من مبالغ‬
‫عند تقدير اخلسارة ومدى تأثري املساعدات احلكومية ا ُملخ ِّففة من الرضر عىل‬
‫الرشكة التي تدعي تأثرها إثبات ذلك‪ ،‬ما مل تصدر مبادئ عامة وقرارات من‬
‫جهات قضائية أو رسمية توصف اجلائحة بأهنا ظرف استثنائي‪ ،‬وتُبني أثرها‬
‫عىل العقود‪.‬‬
‫ومن أبرز نتائج البحث ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬يظهر جلي ًا أن الفقه اإلسالمي بمدارسه الفقهية يعتد باجلوائح‬
‫واألعذار‪ ،‬ويعطي القضاء مرونة يف رفع الرضر عن أحد املتعاقدين‪ ،‬وتعديل‬
‫العقد‪ ،‬أو فسخه‪ ،‬بحسب تقدير األصلح عىل احلالة‪ ،‬وستكون الكلمة‬
‫للقضاء يف اململكة يف تقدير أزمة كورونا وأثرها عىل الرشكات ا ُملترضرة‪.‬‬
‫‪2.‬أنه بالنظر إىل قواعد الفقه اإلسالمي وفروعه تظهر يف قواعد العدل‬
‫يف العقود معاجلات ملثل هذه احلاالت تستوعب معاجلات النظريات القانونية‬
‫‪3.‬صعوبة إعطاء حكم واحد آلثار هذه النازلة‪ ،‬لتفاوت تأثر األنشطة‬
‫االقتصادية تفاوت ًا متباين ًا‪ ،‬فبينام انتعشت بعض األنشطة (مثل قطاعات‬

‫‪139‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫االتصاالت والتموين والصيدلة)‪ ،‬ضعفت أو كسدت أو توقفت أنشطة‬


‫أخرى متام ًا (مثل قطاع السفر والسياحة والفندقة)‪ ،‬وبالتايل اختلفت‬
‫درجات تأثر التزامات املتعاقدين‪ ،‬وهذا الذي جعل النظر القانوين متفاوت ًا‬
‫بني تقدير تعرس تنفيذ االلتزام وتعذره كام سبق‪ ،‬فاختلفت لذلك األنظار‪،‬‬
‫مع مالحظة أن تداعيات الوباء ال تزال غري واضحة النهايات حتى كتابة‬
‫هذه الورقة‪.‬‬
‫‪4.‬جاء املبدأ القضائي من اهليئة العامة يف املحكمة العليا يف اململكة‬
‫العربية السعودية ليوحد االجتهاد القضائي‪ ،‬ويضبط السلطة التقديرية‪ ،‬ملا‬
‫فيها من متكني طريف العقد من معرفة احلكم الرشعي‪ ،‬وحتقيق الستقرار‬
‫األوضاع واملراكز النظامية‪.‬‬
‫ومن أبرز التوصيات يف هذا البحث‪:‬‬
‫‪1.‬تفعيل مراكز املصاحلة لتساعد من التخفيف يف آثار اجلائحة‪.‬‬
‫‪2.‬إدارة العقود‪ :‬تراجع بشكل فاحص ودقيق والنظر يف مدى إمكانية‬
‫االلتزام هبا من عدمه‪.‬‬
‫‪3.‬عند إبرام عقود جديدة جيب مراعاة جائحة كورونا واملخاطر‬
‫والعواقب املرتبطة هبا‪.‬‬
‫‪4.‬إعادة اهليكلة‪ :‬من الوسائل للتغلب عىل جائحة كورونا‪ ،‬حتديد ما‬
‫يمكن االستغناء عنه أو بيعه والوفاء بااللتزامات‪.‬‬
‫‪5.‬مراجعة األنظمة واللوائح الداخلية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫‪6.‬االطالع عىل األنظمة واللوائح التي تؤثر عىل الرشكات نتيجة‬


‫اجلائحة‪ ،‬مثل‪ :‬نظام اإلفالس‪ ،‬نظام العمل‪ ،‬التأمني‪ ،‬هيئة سوق املال‪،‬‬
‫املحكمة التجارية‪.‬‬
‫هذا ما تيرس‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم وأحكم‪ ،‬واحلمد هلل آخر ًا كام بدأنا‪.‬‬
‫وصىل اهلل عىل نبينا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه‪ ،‬وسلم تسلي ًام‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫فهرس المصادر والمراجع‬


‫‪1.‬األم‪ ،‬للشافعي أبو عبد اهلل حممد بن إدريس القريش املكي‪ ،‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫بريوت‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬إعانة الطالبني عىل حل ألفاظ فتح املعني‪ ،‬أليب بكر (املشهور بالبكري) عثامن‬
‫بن حممد شطا الدمياطي الشافعي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪3.‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر بن ق ِّيم اجلوزية‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العرصية ‪ -‬بريوت‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬لعالء الدين أيب احلسن عيل بن‬
‫سليامن املرداوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬وعبد الفتاح بن‬
‫حممد احللو‪ ،‬دار هجر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬البحر الرائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬لزين الدين إبراهيم ابن نجيم‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪6.‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ ،‬أليب بكر بن مسعود الكاساين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل‬
‫معوض وعادل عبد املوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪7.‬البيان يف مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬أليب احلسني حييى بن أيب اخلري بن سامل‬
‫العمداين‪ ،‬حتقيق‪ :‬قاسم بن حممد النوري‪ ،‬دار املنهاج ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8.‬التعريفات‪ ،‬لعيل بن حممد بن عيل الزين الرشيف اجلرجاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بريوت ‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1403 ،‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪9.‬اإلتقان واإلحكام يف رشح حتفة احلكام املعروف برشح ميارة‪ ،‬أليب عبد اهلل‪،‬‬
‫حممد بن أمحد بن حممد الفايس‪ ،‬ميارة‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪10.‬التاج واإلكليل ملخترص خليل‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن يوسف العبدري‪ ،‬الشهري‬
‫باملواق‪ ،‬املطبوع هبامش مواهب اجلليل‪ ،‬مكتبة النجاح ‪ -‬ليبيا‪.‬‬
‫َّ‬
‫ ‪11.‬تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬لعثامن بن عيل الزيلعي‪ ،‬املطبعة الكربى‬
‫األمريية ببوالق ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪1313 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪12.‬حتفة املحتاج برشح املنهاج‪ ،‬ألمحد بن حجر اهليثمي‪ ،‬املطبوع مع حاشيتي‬
‫الرشواين والعبادي‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫ ‪13.‬تصحيح الفروع‪ ،‬لعالء الدين عيل بن سليامن املرداوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أيب الزهراء‬
‫حازم القايض‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪14.‬هتذيب اللغة‪ ،‬ملحمد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫عوض مرعب‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬جامع األمهات‪ ،‬لعثامن بن عمر بن أيب بكر بن يونس‪ ،‬أبو عمرو مجال الدين‬
‫ابن احلاجب‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو عبد الرمحن األخرض األخرضي‪ ،‬الياممة للطباعة‬
‫والنرش والتوزيع الطبعة الثانية‪1421 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬جواهر اإلكليل رشح خمترص خليل‪ ،‬لصالح عبد السميع اآليب األزهري‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬حممد اخلالدي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫ ‪17.‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري‪ ،‬ملحمد عرفة الدسوقي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية ‪ -‬مرص‪.‬‬
‫ ‪18.‬حاشية الرميل عىل أسنى املطالب‪ ،‬أليب العباس بن أمحد الرميل الكبري‬
‫األنصاري‪ ،‬املطبوعة مع أسنى املطالب‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪19.‬حاشية القليويب عىل رشح املحيل عىل منهاج الطالبني‪ ،‬ألمحد بن أمحد بن سالمة‬
‫القليويب‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ -‬مرص‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪20.‬االختيار رشح املختار املسمى باالختيار لتعليل املختار‪ ،‬لعبد اهلل بن حممود بن‬
‫مودود املوصيل‪ ،‬مطبعه مصطفى احللبي‪.‬‬
‫اخلريش عىل خمترص خليل‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن عبد اهلل اخلُريش‪ ،‬دار الفكر‬‫ ‪ُ 21.‬‬
‫‪-‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪22.‬الدرر السنية يف األجوبة النجدية‪ ،‬لعلامء نجد األعالم‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن‬
‫حممد بن قاسم‪ ،‬الطبعة السادسة‪1417 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫ ‪23.‬دليل املصطلحات الطبية‪ ،‬عامد اخلطيب وآخرون‪ ،‬مكتبة اليازوري العلمية‪،‬‬
‫عامن‪ -‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫ ‪24.‬درر احلكام يف رشح جملة األحكام‪ ،‬لعيل حيدر خواجه أمني أفندي‪ ،‬دار اجليل‬
‫الطبعة األوىل‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫ ‪25.‬الذخرية‪ ،‬أليب العباس شهاب الدين أمحد بن إدريس املالكي الشهري بالقرايف‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ -‬بريوت الطبعة األوىل‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪26.‬رد املحتار عىل الدر املختار (حاشية ابن عابدين)‪ ،‬ملحمد أمني بن عمر بن‬
‫عابدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل معوض وعادل عبد املوجود‪ ،‬دار عامل الكتب‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪27.‬روضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬ليحيى بن رشف النووي‪ ،‬دار عامل الكتب‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬طبعة خاصة‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪28.‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر بن ق ِّيم اجلوزية‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط وعبد القادر األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬الرساج الوهاج عىل متن املنهاج‪ ،‬ملحمد الزهري الغمراوي‪ ،‬دار املعرفة‬
‫للطباعة والنرش‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪30.‬سنن أيب داود‪ ،‬لسليامن بن األشعث السجستاين األزدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي‬
‫الدين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة العرصية ‪ -‬بريوت‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪31.‬السنن الكربى‪ ،‬أليب عبد الرمحن أمحد بن شعيب النسائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن عبد‬
‫املنعم شلبي‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪32.‬الرشح الصغري عىل أقرب املسالك إىل مذهب اإلمام مالك‪ ،‬أليب الربكات أمحد‬
‫بن حممد بن أمحد الدردير العدوي‪ ،‬دار املعارف‪.‬‬
‫ ‪33.‬رشح الزرقاين عىل خمترص خليل‪ ،‬لعبد الباقي الزرقاين‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪34.‬الرشح الكبري‪ ،‬لشمس الدين أيب الفرج عبد الرمحن بن حممد بن أمحد بن قدامة‬
‫املقديس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬وعبد الفتاح بن حممد احللو‪،‬‬
‫دار هجر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪35.‬الرشح املمتع عىل زاد املستقنع‪ ،‬ملحمد بن صالح العثيمني‪ ،‬دار ابن اجلوزي ‪-‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪36.‬رشح سنن أيب داود‪ ،‬أليب حممد حممود بن أمحد بن موسى بن العيني‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫أبو املنذر خالد بن إبراهيم املرصي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫ ‪37.‬رشح صحيح مسلم‪ ،‬ليحيى بن رشف النووي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫ ‪38.‬صحيح البخاري‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن إسامعيل بن املغرية اجلعفي البخاري‪،‬‬
‫اعتنى به‪ :‬أبو صهيب الكرمي‪ ،‬دار بيت األفكار الدولية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪39.‬صحيح سنن أيب داود‪ ،‬ملحمد نارص الدين األلباين‪ ،‬مكتب الرتبية العريب لدول‬
‫اخلليج ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1409 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪40.‬صحيح مسلم‪ ،‬أليب احلسني مسلم بن احلجاج النيسابوري‪ ،‬اعتنى به‪ :‬أبو‬
‫صهيب الكرمي‪ ،‬دار بيت األفكار الدولية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪41.‬العدوى بني الطب وحديث املصطفى ^‪ ،‬د‪ .‬حممد البار‪ ،‬دار الفتح للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬عامن‪ -‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫ ‪42.‬العرف وأثره يف الرشيعة والقانون‪ ،‬ملعايل الشيخ أمحد بن عيل املباركي‪،‬‬
‫الرياض‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪43.‬العناية رشح اهلداية املؤلف‪ ،‬ملحمد بن حممد بن حممود‪ ،‬أكمل الدين أبو عبد اهلل‬
‫ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ مجال الدين الرومي البابريت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪44.‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪ ،‬أليب حممد حممود بن أمحد بن موسى بن‬
‫أمحد احلنفى بدر الدين العينى‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪45.‬اهلداية يف رشح بداية املبتدي‪ ،‬لعيل بن أيب بكر بن عبد اجلليل الفرغاين‬
‫املرغيناين‪ ،‬أبو احلسن برهان الدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬طالل يوسف‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪46.‬الوجيز يف رشح قانون العمل اجلزائري عالقات العمل الفردية واجلامعية‪،‬‬
‫لبشري هديف‪ ،‬جسور للنرش والتوزيع‪.‬‬
‫ ‪47.‬الفتح الرباين لرتتيب مسند اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين‪ ،‬ألمحد عبد الرمحن‬
‫البنا الساعايت‪ ،‬طبعة بيت األفكار‪.‬‬
‫ ‪48.‬فتح القدير‪ ،‬ملحمد بن عيل بن حممد بن عبد اهلل الشوكاين اليمني‪ ،‬دار ابن كثري‪،‬‬
‫دار الكلم الطيب ‪ -‬دمشق‪ ،‬بريوت الطبعة األوىل‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪49.‬فتح الباري برشح صحيح البخاري‪ ،‬أليب الفضل أمحد بن عيل بن حجر‬
‫العسقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬دار الريان ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪50.‬الفتاوى اهلندية‪ ،‬جلنة علامء برئاسة نظام الدين البلخي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اللطيف‬
‫حسن عبد الرمحن‪ :‬دار الكتب العلمية‪1421 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ ‪51.‬الفرق بني القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬دراسة مقارنة بني الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون الوضعي‪ ،‬خلالد أمحد‪ ،‬املجلة األردنية يف الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫ ‪52.‬الفروع‪ ،‬لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن مفلح املقديس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن‬
‫عبد املحسن الرتكي‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1424 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪53.‬الفواكه الدواين رشح رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬ألمحد بن غنيم بن سامل‬
‫النفراوي املالكي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1418 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪54.‬فقه املعامالت املالية املعارصة‪ ،‬الدكتور عبد الوهاب أبو سليامن‪ ،‬مكتبة الرشد‪:‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫ ‪55.‬القوة امللزمة للعقد‪ ،‬حلسني عامر‪ ،‬مطبعه مرص‪.‬‬
‫ ‪56.‬اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع‪ ،‬لشمس الدين‪ ،‬حممد بن أمحد اخلطيب‬
‫الرشبيني الشافعي‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪57.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬ملنصور بن يونس البهويت‪ ،‬عامل الكتب ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪58.‬لسان العرب‪ ،‬أليب الفضل حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي املرصي‪ ،‬دار‬
‫عامل الكتب ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1424 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪59.‬املجموع رشح املهذب‪ ،‬أليب زكريا حييى بن رشف النووي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫نجيب املطيعي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪60.‬املجموع املذهب يف قواعد املذهب‪ ،‬لصالح الدين خليل العالئي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد ابن عبد الغفار الرشيف‪ ،‬طبعة أوقاف الكويت‪1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪61.‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم أمحد بن تيمية‪ ،‬مجع وترتيب‪ :‬عبد الرمحن بن‬
‫جممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف ‪ -‬املدينة املنورة‪،‬‬
‫حممد ابن قاسم‪َّ ،‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫ ‪62.‬املحكم واملحيط األعظم‪ ،‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن سيده املريس‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد احلميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1421 ،‬هـ‬
‫‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ ‪63.‬املحىل باآلثار‪ ،‬أليب حممد عيل بن أمحد بن حزم الظاهري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الغفار‬
‫البنداري‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪64.‬مصادر احلق يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬للدكتور عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪65.‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬لشمس الدين حممد بن حممد‬
‫اخلطيب الرشبيني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد خليل عتياين‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪66.‬املغني‪ ،‬ملوفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقديس‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬وعبد الفتاح احللو‪ ،‬دار هجر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪67.‬جممع األهنر يف رشح ملتقى األبحر‪ ،‬لعبد الرمحن بن حممد بن سليامن املدعو‬
‫بشيخي زاده‪ ،‬يعرف بداماد أفندي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪68.‬جملة جممع الفقه اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬السنة‬
‫الثانية‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪69.‬ملخص األحكام الرشعية عىل املعتمد من مذهب املالكية‪ ،‬لعامر حممد ابن‬
‫عامر‪ ،‬مكتبة املنهاج‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

‫ ‪70.‬مقاييس اللغة‪ ،‬أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم‬
‫هارون‪ ،‬دار اجليل ‪ -‬بريوت‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪71.‬املنتقى رشح املوطأ‪ ،‬أليب الوليد سليامن بن خلف الباجي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عطا‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1420 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪72.‬املهذب يف فقه اإلمام الشافعي‪ ،‬أليب إسحاق إبراهيم بن عيل الفريوزآبادي‬
‫الشريازي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1414 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪73.‬املوافقات‪ ،‬أليب إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو‬
‫عبيدة مشهور بن حسن آل سلامن‪ ،‬دار ابن عفان ‪ -‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫ ‪74.‬مواهب اجلليل لرشح خمترص خليل‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن‬
‫الطرابليس‪ ،‬املعروف باحل َّطاب‪ ،‬مكتبة النجاح ‪ -‬ليبيا‪.‬‬
‫ ‪75.‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬توزيع وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية ‪-‬‬
‫الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪76.‬املوطأ‪ ،‬لإلمام مالك بن أنس‪ ،‬رواية‪ :‬أيب مصعب الزهري املدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬بشار‬
‫عواد معروف‪ ،‬وحممود خليل‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪:‬‬ ‫َّ‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫ ‪77.‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬لشمس الدين حممد بن أمحد بن محزة الرميل‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1413 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪78.‬الوسيط يف رشح القانون املدين‪ ،‬للدكتور عبد الرزاق أمحد السنهوري‪ ،‬النارش‬
‫دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬

‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪79. A Dictionary of Epidemiology, Oxford University Press.‬‬

‫‪149‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

80. John MacDonell, Classification of Forms and Contracts of


Labour (1904) Journal of the Society of Comparative Legislation,
New Series.
81. H. D. Traill, Social England, v.
82. Simon Deakin and Frank Wilkinson, The Law of the Labour
MarketIndustrialization, Employment, and Legal Evolution.
83. Poonja, Mahmood M. (1977). Termination of Treaties Owing
to Fundamental Change of Circumstances (Clausula Rebus Sic
Stantibus) (Juris Doctor dissertation). Charles University, Prague
(Rawalpindi: Abbas Arts, 1982).
84. From an " Essay on Trade " (1770), quoted in History of Factory
Legislation, by B. Leigh Hutchins and Amy Harrison (1903).

:‫مواقع الشبكة العاملية‬


https://web.archive.org/web/20200516092555/
h t t p s : / / w w w. w h o . i n t / e m e r g e n c i e s / d i s e a s e s / n o v e l -
coronavirus-2019/technical-guidance/naming-the-coronavirus-
disease-(covid-2019)-and-the-virus-that-causes-it
Different types of tenancy: which agreement should you use?
https://www.netlawman.co.uk/ia/tenancy-agreement-best
ccessed on 3 July 2020
https://www.gov.uk/private-renting-tenancy-agreements/what-
should-be-in-a-tenancy-agreement
https://www.labour.gov.hk/eng/public/wcp/ConciseGuide/02.pdf
https://www.lexology.com/library/detail.aspx?g=4150d305-9064-
431f-97e2-21502528234b

150
‫م‬2021 ‫هـ | أغسطس‬1443 ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫اآلثار الفقهية والقانونية للجوائح على عقد اإلجارة‬

https://www.nortonrosefulbright.com/en/knowledge/publications/
b54cf723/force-majeure-hardship-clauses-and-frustration-in-
english-law-contracts-amid-covid-19
https://www.nortonrosefulbright.com/en/knowledge/publications/
b54cf723/force-
https://www.shearman.com/perspectives/2020/03/force-majeure-
and-imprevision-under-french-law-covid-19

151
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫م‬2021 ‫هـ | أغسطس‬1443 ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم‬
‫أحكام رد المعيب‬
‫في البيوع اإللكترونية‬
‫تطبيقية‬
‫َّ‬ ‫فقهي ٌة‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫دراسة‬

‫د‪ .‬فيصل بن عبد الرحمن السحيباني‬


‫الشرعية في المعهد العالي للقضاء‬
‫َّ‬ ‫األستاذ المساعد بقسم السياسة‬

‫‪153‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫مقدمة‬
‫إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعاملنا‪ ،‬من هيده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فلن جتد له ولي ًا‬
‫حممد وآله وصحابته أفضل صالة وأتم‬‫ٍ‬ ‫مرشد ًا‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا‬
‫تسليم‪.‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فمن نعم اهلل علينا يف هذا الزمان تعدد األسواق وتقارهبا وتنوع السلع‬
‫يس الرشاء ملختلف‬ ‫واختالفها‪ ،‬وتطور الوسائل اإللكرتونية التجارية؛ مما َّ‬
‫ٍ‬
‫حمدودة؛ فاللهم لك احلمد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يسرية‬ ‫ٍ‬
‫خطوات‬ ‫السلع قريبها وبعيدها عرب‬
‫ٍ‬
‫وتأمل‬ ‫ٍ‬
‫بحث‬ ‫عدد من أحكام البيع ووسائله إىل‬ ‫وقد نتج عن هذا حاجة ٍ‬
‫وتدقيق؛ ومن تلك األحكام املهمة أحكام خيار العيب وما يرتتب عليه من‬
‫الرد والضامن؛ خاصة يف هذا العرص الذي انترشت فيه التجارة اإللكرتونية‬
‫التي قد يكون البائع يف مرشق األرض واملشرتي يف مغرهبا‪ ،‬مما يرتتب عليه‬
‫عدم تسلم السلعة مبارش ًة من البائع‪ ،‬بل تتناقلها األيدي قبل أن تصل إىل‬
‫املشرتي‪،‬؛ لذا كانت فكرة هذا البحث حول موضوع‪« :‬أحكام رد املعيب‬
‫حاولت فيه مجع ما استطعت من صور هذه‬ ‫ُ‬ ‫يف البيوع اإللكرتونية»‪ ،‬وقد‬
‫املسألة وتفريعاهتا‪ ،‬وبحث أحكامها‪ ،‬وهو جهدُ مقل؛ أسأل اهلل فيه اإلعانة‬
‫والتوفيق‪.‬‬
‫وتكمن أمهية هذا املوضوع يف ٍ‬
‫عدد من النقاط منها‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫‪1.‬خصوصية البيوع اإللكرتونية التي يتباعد فيه طرفا العقد غالب ًا‪ ،‬فهو‬
‫مظنة كثرية العيوب يف العني املبيعة؛ نظر ًا لتباعد استالم املشرتي عن البائع‬
‫وتنق ُّلها من يد ألخرى‪.‬‬
‫‪2.‬أن رد السلعة املعيبة من قبل املشرتي إىل البائع ‪-‬يف غالب األحيان‪-‬‬
‫ٍ‬
‫زائدة بل قد تتجاوز هذه الكلفة ثمن املبيع؛ إذ الغالب كون‬ ‫حيتاج إىل ٍ‬
‫كلفة‬
‫ٍ‬
‫كبرية من قبل رشكات‬ ‫ٍ‬
‫بخصومات‬ ‫البائع من الرشكات التجارية التي حتظى‬
‫الشحن؛ فيسهل عليها نقل السلعة إىل املشرتي ابتدا ًء‪ ،‬أما املشرتي فهو يف‬
‫الغالب فر ٌد؛ ال حيظى بتلك اخلصومات فتزيد عليه الكلفة‪.‬‬
‫‪3.‬كثرة اخلالف بني املتعاقدين يف العقود اإللكرتونية يف حتديد موضع‬
‫رد العني املعيبة‪ ،‬نظر ًا لتنوع عقود البيع اإللكرتوين واختالفها يف حتديد مكان‬
‫التسليم بناء عىل اختالفها يف تفاصيل الشحن والتوصيل‪ ،‬ولكون التسليم‬
‫للعني غالب ًا عن طريق رشكات الشحن والوسطاء الذين يرفضون استالمها‬
‫معيب ًة لعدم اختصاصهم هبذا‪ ،‬ويطلبون من املشرتي التواصل مع البائع‪.‬‬
‫أن وقت رد املعيب يف حاالت الرشاء اإللكرتوين يطول غالب ًا لتباعد‬
‫‪َّ 4.‬‬
‫األطراف وكون عملية الرد حتتاج إىل ٍ‬
‫عدد من اإلجراءات‪ ،‬مما حيتاج معه إىل‬
‫النظر يف أحكام الضامن للعني املعيبة‪ ،‬وحكم استفادة املشرتي منها خالل‬
‫هذا الوقت‪.‬‬
‫وقد صدرت عدد من األنظمة التي رتبت عقود البيع اإللكرتوين‬
‫وحددت عدد ًا من املسؤوليات عىل طريف العقد؛ ومن أمهها‪ :‬نظام التجارة‬

‫‪155‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫اإللكرتونية الصادر باملرسوم امللكي رقم م‪ 126/‬وتأريخ ‪1440/11/7‬هـ‬


‫ست وعرشين مادة‪ ،‬وقد صدر له الئحة تنفيذية‪.‬‬ ‫يف ٍ‬

‫وقد نص هذا النظام والئحته عىل عدد من األحكام حول موضوع‬


‫الفسخ ألجل العيب أو عدم مطابقة العني للمواصفات واملعايري املتفق‬
‫عليها بني الطرفني(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحث عن الدراسات السابقة املتعلقة باملوضوع مل أجد من استقل‬ ‫وبعد‬
‫ببحث هذا املوضوع حتديد ًا‪ ،‬وإن كانت بحوث خيار العيب كثرية ومنترشة‪،‬‬
‫وقد قررت أصل احلكم وما يثبت به العيب ونحوها من أحكام‪ ،‬كام َّ‬
‫أن‬
‫البحوث اخلاصة بأحكام البيوع والعقود اإللكرتونية متعددة ومنها‪:‬‬
‫‪1.‬بحث‪« :‬التجارة اإللكرتونية وأحكامها يف الفقه اإلسالمي»‪ ،‬للدكتور‬
‫سلطان بن إبراهيم اهلاشمي‪ ،‬وهو رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه يف‬
‫قسم الفقه بكلية الرشيعة بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬وقد‬
‫تناول الباحث أحكام العقد اإللكرتوين وطريقة انعقاده ورشوطه وقبض‬
‫الثمن وصوره‪ ،‬وتناول خيار البيع يف التعاقد اإللكرتوين يف صفحتني‪.‬‬
‫‪2.‬بحث‪« :‬أحكام التجارة اإللكرتونية يف الفقه اإلسالمي»‪ ،‬للدكتور‬
‫عدنان بن مجعان الزهراين‪ ،‬وهو رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه يف قسم‬
‫الدراسات العليا بكلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية بجامعة أم القرى‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬املادة الثالثة عرشة من النظام‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫وقد تناول الباحث أحكام عقد التجارة اإللكرتونية وأطرافه ورشوطه‬


‫وآثاره‪ ،‬ومل يتناول أحكام رد املعيب فيه‪.‬‬
‫‪3.‬بحث‪« :‬أحكام التجارة اإللكرتونية يف الرشيعة اإلسالمية والنظام‬
‫السعودي»‪ ،‬للباحث نايف بن حممد الشاوي‪ ،‬وهو بحث تكمييل الستكامل‬
‫متطلبات احلصول عىل درجة املاجستري يف قسم األنظمة بكلية الرشيعة‬
‫باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬وقد تناول الباحث أحكام عقد التجارة‬
‫اإللكرتونية وصيغته وزمان انعقاده وتسليم الثمن فيه وتوثيقه‪ ،‬ومل يتناول‬
‫أحكام رد املعيب فيه‪ ،‬وإنام تناول مسألة ثبوت خيار العيب يف عقود التجارة‬
‫اإللكرتونية يف صفحتني‪.‬‬
‫َناو َل املسائل اخلاصة‬
‫اطلعت عليه‪ -‬من ت َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وبشكل عا ٍّم فلم أجد ‪-‬فيام‬
‫بعملية رد املعيب يف البيوع اإللكرتونية؛ كمؤونة الرد وتكلفته وأحواله‪،‬‬
‫وموضع الرد ومسائله ونحوها‪ ،‬فأردت اإلسهام بذلك يف هذا البحث‪.‬‬
‫أما منهجي يف هذا البحث فهو عىل حسب املنهج االستقرائي التحلييل‬
‫املقارن املتبع يف مثل هذه البحوث‪ ،‬القائم عىل تصوير املسألة املراد بحثها‬
‫تصوير ًا دقيق ًا‪ ،‬ثم التأصيل الرشعي هلا وبيان حكمها وأدلته عند أصحاب‬
‫املذاهب الفقهية املعتربة‪ ،‬معتمد ًا عىل ُأمهات املصادر واملراجع األصلية يف‬
‫التحرير والتوثيق والتخريج‪ ،‬ومل أترجم لألعالم الواردة أسامؤهم خالل‬
‫َّ‬
‫وألن غالبهم من املشهورين‪.‬‬ ‫البحث خشية اإلطالة‬

‫‪157‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫ومتهيد ذي مطلبني مها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مقدمة‬ ‫وقد انتظم هذا البحث يف‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف بمفردات العنوان واملراد به‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أحكام رد املعيب عموم ًا‪.‬‬
‫وثالثة مباحث هي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مؤونة رد املعيب يف البيوع اإللكرتونية وأحواله‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مؤونة رد املعيب يف البيوع اإللكرتونية‪:‬‬
‫وفيه ثالثة فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا مل يعلم البائع بالعيب قبل بيعه‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا كان البائع يعلم العيب قبل البيع‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا ثبت الفسخ باإلقالة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رد املعيب الذي ال ينتفع برده‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬موضع رد املعيب وصوره يف البيوع اإللكرتونية‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬موضع رد املعيب‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الصور املعارصة لرد املعيب يف البيوع اإللكرتونية‪:‬‬
‫وفيه أربعة فروع‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫الفرع األول‪ :‬رد املعيب إذا كان توصيله من البائع جمان ًا‪.‬‬
‫حتمل املشرتي نقله‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬رد املعيب الذي َّ‬
‫الفرع الثالث‪ :‬رد املعيب إذا كان توصيله عن طريق الوسيط‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حمدد لرده‪.‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬رد املعيب إذا اتفق الطرفان عىل موق ٍع‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ضامن املعيب واالستفادة منه أثناء رده‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضامن املعيب وقت رده‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬االستفادة من املعيب أثناء الرد‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫وفيها أهم نتائج البحث وتوصياته‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬أمحد اهلل تعاىل عىل نعمه ولطفه وتيسريه‪ ،‬وأسأله التوفيق‬
‫والسداد‪ ،‬وأن يعفو عن الزلل والنقص‪ ،‬كام أسأله أن ينفع بام كتبت؛ إنه‬
‫كريم جواد‪ ،‬وصىل اهلل عىل نبينا حممد وعىل آله وصحابته أمجعني‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫التمهيد‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالعنوان‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف الرد لغ ًة واصطالح ًا‪:‬‬


‫الر ُّد لغ ًة‪ :‬مصدر للفعل الثالثي املض َّعف ر َّد‪ ،‬يقال ر َّد اليشء يرده رد ًا‪،‬‬
‫أصل واحدٌ مطر ٌد منقاس‪ ،‬وهو رجع‬ ‫قال ابن فارس ‪« :‬الراء والدال ٌ‬
‫وس ِّمي املرتد ألنَّه رد نفسه إىل كفره‪ ،‬ور ُّد اليشء هو إرجاعه(((‪.‬‬
‫اليشء» ‪ُ ،‬‬
‫(((‬

‫ويف االصطالح‪ :‬الرد ال خيرج عن املعنى اللغوي فهو اسرتجاع اليشء‬


‫وإعادته‪ ،‬وقد استعمل الفقهاء هذا املعنى يف أبواب الفقه؛ كالرد يف أبواب‬
‫العيب‪ ،‬أو الرد يف كتاب الفرائض(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تعريف املعيب لغ ًة واصطالح ًا‪:‬‬
‫ومعيوب‬
‫ٌ‬ ‫ميمي من عاب يعيب عيب ًا‪ ،‬وهو معيب‬‫ٌّ‬ ‫املعيب لغ ًة‪ :‬مصدر‬
‫والعاب والعيب والعيبة‪ :‬الوصمة؛ وهي املذمة والنقص(((‪ ،‬ومنه‬ ‫ُ‬ ‫ومعاب‪،‬‬
‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬فأ َردت أن أعِيبها﴾ أي‪ :‬أجعلها ذات عيب(((‪.‬‬

‫مقاييس اللغة (‪.)386/2‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬هتذيب اللغة (‪ ،)46/14‬لسان العرب (‪.)172/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)244/7‬خمترص خليل (‪ ،)154/1‬املغني (‪.)282/6‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬مقاييس اللغة (‪ ،)189/4‬لسان العرب (‪.)633/1‬‬ ‫(((‬
‫سورة الكهف آية (‪ ،)79‬وانظر‪ :‬زاد املسري (‪.)102/3‬‬ ‫(((‬

‫‪160‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫واملعيب يف االصطالح‪ :‬ال خيرج عن املعنى اللغوي‪ ،‬فعرفه ابن قدامة‬


‫‪ ‬يف البيع بأنَّه‪« :‬النقائص املوجبة لنقص املالية يف عادات التجار»(((‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وصف مذمو ٍم اقتىض‬ ‫وقريب منه تعريف الغزايل ‪ ‬حني قال‪« :‬كل‬
‫العرف سالمة املبيع عنه غالب»(((‪.‬‬
‫و ُع ِّرف يف جملة األحكام العدلية بأنَّه‪« :‬ما ينقص ثمن املبيع عند التجار‬
‫وأرباب اخلربة»(((‪.‬‬
‫ويكون العيب عند الفقهاء يف كتاب البيع والنكاح وغريمها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬تعريف البيوع اإللكرتونية‪:‬‬
‫البيوع لغة‪ :‬مجع مفرده بيع‪ ،‬مصدر الفعل الثالثي باع يبيع‪ ،‬وهو ٌ‬
‫أصل‬
‫واحد يدل عىل مقابلة ٍ‬
‫يشء بيشء‪ ،‬وهو ضد الرشاء‪ ،‬ويسمى الرشاء بيع ًا فهو‬
‫من األَضداد(((‪.‬‬
‫أما البيع يف االصطالح‪ :‬فقد تعددت واختلفت عبارات الفقهاء يف بيان‬
‫حده‪ ،‬وهي متقاربة يف اجلملة وإن كان بعضها أوسع من بعض(((‪ ،‬ومن‬
‫مال ٍ‬
‫بامل عىل وجه خمصوص»‪.‬‬ ‫أقرهبا تعريفه بأنَّه‪« :‬مبادلة ٍ‬

‫املغني (‪ ،)115/4‬وانظر‪ :‬خمترص خليل (‪.)154/1‬‬ ‫(((‬


‫الوسيط (‪.)119/3‬‬ ‫(((‬
‫جملة األحكام العدلية (‪ )67/1‬مادة (‪.)338‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬مقاييس اللغة (‪ ،)327/1‬لسان العرب (‪.)23/8‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)133/5‬روضة الطالبني (‪ ،)338/3‬املغني (‪.)480/3‬‬ ‫(((‬

‫‪161‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫إما اإللكرتونية فهي نسبة إىل اإللكرتون‪ ،‬وهو مصطلح معارص ذو أصل‬
‫غري عريب يراد به جزء من الذرة دقيق جد ًا ذو شحنة سالبة(((‪.‬‬
‫ويراد بالبيوع اإللكرتونية يف االصطالح املعارص‪ :‬املعامالت التجارية‬
‫التي تتم عرب األجهزة اإللكرتونية من احلاسبات أو ما يقوم مقامها من‬
‫أجهزة اجلوال ونحوها‪.‬‬
‫ويقابل هذا البيوع التقليدية احلضورية التي تتم باملعاطاة مبارشة بني‬
‫الطرفني‪.‬‬
‫وضح نظام التجارة اإللكرتونية يف املادة األوىل املراد بالتجارة‬ ‫وقد َّ‬
‫اإللكرتونية بأهنا كل نشاط ذي طابع اقتصادي يبارشه موفر اخلدمة‬
‫واملستهلك ‪-‬بصورة كلية أو جزئية‪ -‬بوسيلة إلكرتونية؛ من أجل بيع‬
‫ٍ‬
‫خدمات أو اإلعالن عنها أو تبادل البيانات اخلاصة هبا(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫منتجات أو تقديم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بيان أحكام رد السلعة التي‬ ‫فاملراد برد املعيب يف البيوع اإللكرتونية‬
‫ين وظهر هبا عيب أصيل أو أثناء نقلها للمشرتي‪،‬‬ ‫اشرتيت عرب ِ‬
‫عقد إلكرتو ِ‬
‫وما يرتتب عىل هذا من مسائل كمن الذي يلزمه من املتعاقدين مؤونة نقل‬
‫هذه العني املشرتاة وموضع تسليمها وضامهنا ونحوه‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املعجم الوسيط (‪.)24/1‬‬


‫((( نظام التجارة اإللكرتونية ص(‪.)1‬‬

‫‪162‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام رد المعيب عموماً ‪:‬‬

‫أن البيع وسائر العقود مبني ٌة عىل األمانة؛ ولذا اتفق‬ ‫مما ال شك فيه َّ‬
‫الفقهاء عىل حتريم بيع املعيب دون بيان للعيب(((‪ ،‬وهو من أكل أموال‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ‬
‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا‬‫الناس بالباطل؛ الذي هنى عنه ربنا ‪ ‬فقال‪ٰٓ :‬‬
‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ ُ ُ ْٓ َ ۡ ََٰ ُ َ ۡ َ ُ‬
‫ل تأكلوا أمولكم بينكم بِٱلب ِط ِل﴾ ‪ ،‬وهو من الغش الذي حذر‬
‫(((‬

‫منه نبينا حممدٌ ‪ ‬كام يف حديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫مر عىل صربة طعا ٍم فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بل ً‬
‫ال فقال‪:‬‬ ‫‪َّ ‬‬
‫((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال‪ :‬أصابته السامء يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪(( :‬أفال‬
‫جعلته فوق الطعام كي يراه الناس‪ ،‬من غش فليس مني))(((‪.‬‬
‫موجب لعقوبة من فعل ذلك وتأديبه عند بعض أهل العلم‬ ‫ٌ‬ ‫بل إن هذا‬
‫لتعديه وظلمه‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪« :‬وحيرم كتم العيب‬
‫يف السلعة‪ ،‬وكذا لو أعلمه به ومل يعلمه قدر عيبه‪ ،‬وجيوز عقابه بإتالفه أو‬
‫التَّصدق به‪ ،‬وقد أفتى به طائفة من أصحابنا»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬االختيار لتعليل املختار(‪ ،)18/2‬رشح التلقني للامزري (‪ ،)613/2‬حاشية‬ ‫(((‬


‫الدسوقي (‪ ،)128/3‬املبدع (‪ ،)91/4‬اإلنصاف (‪ .)404/4‬قال ابن جزي‪:‬‬
‫«العيوب وكتامهنا غش حمرم بإمجاع» القوانني الفقهية (ص‪ ،)175‬موسوعة اإلمجاع‬
‫لسعدي أبو جيب (‪ ،)867 /2‬وكتامن العيب يدخل يف الغش والغش أعم‪.‬‬
‫سورة النساء آية (‪.)29‬‬ ‫(((‬
‫رواه مسلم يف كتاب اإليامن‪ ،‬باب‪ :‬من غشنا فليس منا‪ ،‬رقم‪.)69/1( )102( :‬‬ ‫(((‬
‫الفتاوى الكربى (‪.)390/5‬‬ ‫(((‬

‫‪163‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫واحلكمة من خيار العيب‪ :‬استدراك ما فات املشرتي من النقص يف‬


‫َّ‬
‫وألن‬ ‫بقائ ِه يف ملكه ناقص ًا عن حقه‪،‬‬
‫املبيع‪ ،‬وإزالة ما يلحقه من الرضر يف ِ‬
‫مطلق البيع يقتيض سالمة املبيع(((‪.‬‬
‫وخليار العيب مجل ٌة من األحكام من أهم ما حيتاج إليه منها يف هذا البحث‬
‫ما ييل‪:‬‬
‫وأن املشرتي إذا وجد يف‬‫أوالً‪ :‬أمجع العلامء عىل الرد يف خيار العيب‪َّ ،‬‬
‫نص عليه ابن‬ ‫فإن له رده وأخذ ثمنه‪َّ ،‬‬ ‫املبيع عيب ًا مقارن ًا للعقد أو سابق ًا له؛ َّ‬
‫أن من اشرتى سلع ًة ووجد هبا‬‫املنذر ‪ ‬فقال‪« :‬وقد أمجع أهل العلم عىل َّ‬
‫عيب ًا كان عند البائع مل يعلم به املشرتي أن َل ُه الرد»(((‪ ،‬ودليل هذا اإلمجاع ما‬
‫رواه أبو هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال ترصوا اإلبل والغنم‪،‬‬
‫فمن ابتاعها بعد فإنَّه بخري النظرين بعد أن حيتلبها‪ :‬إن شاء أمسك‪ ،‬وإن شاء‬
‫ردها وصاع متر))(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬درر احلكام رشح غرر األحكام (‪ ،)160/2‬نيل املآرب (‪ ،)347/1‬مطالب‬
‫أويل النهى (‪.)12/3‬‬
‫((( اإلقناع (‪ ،)262/1‬وانظر‪ :‬موطأ مالك (‪ ،)886/4‬اإلقناع يف مسائل اإلمجاع البن‬
‫القطان (‪ ،)214/2‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج (‪ ،)425/2‬املغني‬
‫(‪ )115/4‬وقال ابن قدامة‪« :‬ال نعلم يف هذا خالف ًا»‪ ،‬املبدع يف رشح املقنع (‪.)86/4‬‬
‫((( رواه البخاري يف كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي للبائع أن ال حي ّفل اإلبل‪ ،‬رقم‪)2148( :‬‬
‫(‪ ،)70/3‬ومسلم يف كتاب البيوع‪ ،‬باب حتريم بيع الرجل عىل بيع أخيه رقم‪)1515( :‬‬
‫(‪.)4/5‬‬

‫‪164‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫رشط‪ ،‬فمتى وجد املشرتي باملبيع عيب ًا فقد‬ ‫ثاني ًا‪ :‬خيار العيب يثبت بال‬
‫ثبت خياره بمجرد العيب؛ وهذا حمل اتفاق من الفقهاء(((‪ ،‬يقول ابن قدامة‬
‫‪« :‬إال أن جيد بالسلعة عيب ًا فريدها به‪ ،‬أو يكون قد رشط اخليار لنفسه‬
‫مدة معلومة‪ ،‬فيملك الرد أيض ًا‪ ،‬وال خالف بني أهل العلم يف ثبوت الرد‬
‫هبذين األمرين»(((‪ ،‬ففرق يف الرد بني‪ :‬خيار الرشط فأثبته باالشرتاط وأثبت‬
‫خيار العيب مطلق ًا‪.‬‬
‫معني بل يثبت للمشرتي متى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بوقت‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أن خيار العيب ال يتو َّقت‬
‫علم بالعيب ولو طال الوقت‪ ،‬ويمتد إىل أن يصدر منه ما يوحي برضاه‬
‫بالعيب(((‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أن العربة يف إثبات العيب هو العرف وعادة التُّجار يف كل ٍ‬
‫زمن‪ ،‬إذ‬
‫العيوب متجدد ٌة متغريةٌ‪ ،‬وال مطمع يف استيعاهبا‪ ،‬كام قال النووي ‪،(((‬‬
‫ولذا فام عُدَّ يف العرف عيب ًا يثبت به نقص املبيع فيثبت خيار العيب حينئذ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق رشح كنز الدقائق (‪ ،)28/6‬رد املحتار (‪ ،)3/5‬مواهب اجلليل‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)409 /4‬منح اجلليل (‪ ،)112/5‬احلاوي الكبري (‪ ،)22/5‬املغني (‪.)494/3‬‬
‫املغني (‪.)494/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رد املحتار (‪ ،)3/5‬نيل املآرب (‪ ،)348/1‬الرشح املمتع (‪ ،)322/8‬وذهب‬ ‫(((‬
‫الشافع َّية إىل أنَّه يثبت متى علم به لكن عىل الفور‪ ،‬قال اجلويني يف هناية املطلب‬
‫ِ‬
‫والبدار»‪ ،‬وانظر‪ :‬روضة الطالبني (‪،)478/3‬‬ ‫ثابت عىل الفور‬
‫الرد ٌ‬ ‫(‪« :)231/5‬فحق ّ‬
‫وذهب احلنفية واحلنابلة إىل أنَّه عىل الرتاخي مامل يصدر منه ما يدل عىل الرضا‪ ،‬قال ابن‬
‫ثابت عىل الرتاخي‪ ،‬ال يسقط ما مل يوجد منه ما‬
‫قدامة يف باب النكاح‪« :‬وخيار العيب ٌ‬
‫يدل عىل الرىض به» املغني (‪.)188/7‬‬
‫انظر‪ :‬روضة الطالبني (‪ ،)465/3‬اهلداية رشح بداية املبتدئ (‪ ،)37/3‬خمترص خليل‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)154/1‬املغني (‪.)115/4‬‬

‫‪165‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫قضاء(((‪ ،‬قال اجلويني‬ ‫خامس ًا‪ :‬أن فسخ العقد يف خيار العيب ال حيتاج إىل‬
‫‪« :‬نفوذ الفسخ ال يتوقف عندَ نا عىل القضاء وال عىل الرضا‪ ،‬فلو انفرد‬
‫الر ّد وقال‪ :‬رددت املبيع أو فسخت العقدَ ؛ انفسخ»(((‪.‬‬‫من له َّ‬
‫صحيح عند أكثر أهل العلم‪ ،‬وال يفسد‬
‫ٌ‬ ‫سادس ًا‪َّ :‬‬
‫أن العقد يف بيع املعيب‬
‫البيع ألجل هذا؛ استدالالً بحديث النهي عن التَّرصية السابق؛ إذ َّ‬
‫نص‬
‫‪ ‬عىل َّ‬
‫أن املشرتي له اإلمساك بالبيع الذي دلس البائع فيه العيب‪،‬‬
‫فدل عىل صحة العقد(((‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬متى اطلع املشرتي عىل العيب وعلم به ورضيه بأي ٍ‬
‫قول أو فعل‬
‫فإن خياره يسقط وليس له الرد‪ ،‬قال ابن تيمية ‪« :‬فإذا ظهر ما يدل عىل‬ ‫َّ‬
‫الرضا من ٍ‬
‫قول أو ٍ‬
‫فعل سقط خياره باالتفاق»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتمهيد للحديث عن‬ ‫فهذا مجلة من أحكام خيار العيب أوردهتا خمترص ًة‬
‫أحكام الرد ومسائله‪.‬‬

‫انظر‪ :‬روضة الطالبني (‪ ،)478/3‬نيل املآرب برشح دليل الطالب (‪.)348/1‬‬ ‫(((‬
‫هناية املطلب (‪ ،)248/5‬وانظر‪ :‬البيان يف مذهب اإلمام الشافعي (‪)287/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رشح التلقني للامزري (‪ ،)615/2‬املغني (‪ )109/4‬وقال‪« :‬البيع صحيح يف‬ ‫(((‬
‫قول أكثر أهل العلم»‪.‬‬
‫جمموع الفتاوى (‪.)366 /29‬‬ ‫(((‬

‫‪166‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫المبحث األول‬
‫مؤونة رد المعيب في البيوع اإللكترونية وأحواله‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مؤونة رد المعيب في البيوع اإللكترونية‪:‬‬

‫إذا تم البيع اإللكرتوين ثم تسلم املشرتي العني فوجدها معيب ًة فاختار‬


‫ردها للبائع واسرتجاع ثمنها‪ ،‬وكان هلذا الرد مؤونة وكلفة فمن يلزم من‬
‫املتعاقدين؟‬
‫تعترب هذا املسألة من أهم مباحث الرد للمعيب يف البيوع اإللكرتونية‬
‫نظر ًا لتباعد طريف العقد غالب ًا مما يرتتب عليه مؤونة وكلفة زائدة يف رد العني‬
‫املعيبة حلاجتها إىل عدد من اإلجراءات؛ نظر ًا النتقاهلا إىل مكان بعيد عرب‬
‫وسائل خمتلفة من وسائل املواصالت والشحن‪.‬‬
‫وهذه املؤونة تشمل أجرة التغليف والنقل والشحن وما حيتاج إليه املبيع‬
‫يف سبيلها؛ من تربيد وحفظ ورسو ٍم مجركية ونحوها من النفقات‪.‬‬
‫وهذه املسألة وإن كانت ‪-‬يف غالبها‪ -‬من املسائل املعارصة يف ٍ‬
‫كثري من‬
‫معروف عند الفقهاء املتقدمني؛ قال النَّووي ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫صورها إال َّ‬
‫أن أصلها‬
‫«لو اشرتى الثوب املطوي وصححناه‪ ،‬فنرشه واختار الفسخ؛ وكان لطيه‬
‫مؤونة‪ ،‬ومل حيسن طيه؛ لزم املشرتي مؤونة الطي»(((‪.‬‬

‫((( املجموع (‪.)298/9‬‬

‫‪167‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫والفقهاء يعربون عن هذا‪ :‬بكلفة الرد‪ ،‬وبمؤونة الرد‪ ،‬وبأجرة الرد(((‪،‬‬


‫وكلها بمعنى واحد‪.‬‬
‫وسأتناول أحكام مؤونة رد املعيب حسب صور الرد املعارصة املؤثرة يف‬
‫البيوع اإللكرتونية وذلك يف الفروع التالية‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا مل يعلم البائع بالعيب قبل بيعه‪:‬‬
‫إذا مل يعلم البائع بالعيب قبل البيع فقد ذهب مجاهري الفقهاء من احلنف َّية‬
‫أن مؤنة نقل وإعادة السلعة املعيبة إىل‬‫واملالك َّية والشافع َّية واحلنابلة((( إىل َّ‬
‫البائع عىل املشرتي‪ ،‬وجيب عليه حتملها إذا اختار الرد‪ ،‬وهذا يقابل إلزام‬
‫البائع برد ثمن املعيب إىل املشرتي وحتمل كلفته ومؤونته‪ ،‬ومن نصوصهم‬
‫يف هذا‪:‬‬
‫قال ابن نجيم ‪ ‬فيام إذا‪« :‬وجد باملبيع الذي له ٌ‬
‫محل ومؤون ٌة عيب ًا‬
‫َّ‬
‫«ألن‬ ‫ورده فمؤونة الرد عىل املشرتي»(((‪ ،‬وقال ابن عابدين ‪ ‬يف هذا‪:‬‬
‫الرد عىل املشرتي»(((‪.‬‬
‫مؤونة َّ‬

‫انظر‪ :‬البناية رشح اهلداية (‪ ،)436/3‬اللباب يف رشح الكتاب (‪ ،)204/2‬هناية‬ ‫(((‬


‫املطلب (‪ ،)279/5‬النجم الوهاج يف رشح املنهاج (‪ ،)406/3‬أسنى املطالب‬
‫(‪ ،)77/2‬كشاف القناع (‪.)249/3‬‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق البن نجيم (‪ ،)40/6‬رد املحتار (‪ ،)16/5‬رشح التلقني‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)203/2‬روضة الطالبني (‪ ،)499/3‬حتفة املحتاج (‪ ،)375/4‬كشاف القناع‬
‫(‪ ،)249/3‬مطالب أويل النهى (‪.)12/3‬‬
‫البحر الرائق البن نجيم (‪.)40/6‬‬ ‫(((‬
‫رد املحتار (‪.)16/5‬‬ ‫(((‬

‫‪168‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫وقال املازري املالكي ‪« :‬وإذا كان البائع مل يدلس هبذا البيع َّ‬
‫فإن‬
‫أجرة النَّقل إىل مكان القبض عىل املشرتي»(((‪.‬‬
‫وقال النَّووي ‪« :‬مؤونة رد املبيع بعد الفسخ بالعيب عىل املشرتي‪،‬‬
‫ولو هلك يف يده ضمنه»(((‪.‬‬
‫وقال يف نيل املآرب‪« :‬وعليه أي عىل املشرتي أجرة الرد ألنَّه باختيار‬
‫الرد انتقل ملك املبيع عنه إىل بائ ٍع فعلق باملشرتي حق التوفية»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأدلة منها‪:‬‬ ‫واستدلوا لذلك‬
‫‪1.‬حديث سمرة بن جندب ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((عىل اليد ما أخذت حتى تؤديه))(((‪ ،‬قال الصنعاين ‪ ‬يف رشحه‪« :‬دليل‬
‫عىل وجوب رد ما قبضه املرء وهو ملك لغريه‪ ،‬وال يربأ إال بمصريه إىل مالكه‬
‫أو من يقوم مقامه؛ لقوله ‪(( :‬حتى تؤديه))‪ ،‬وال تتحقق التَّأدية إال‬
‫بذلك»(((‪ ،‬والسلعة املعيبة بعد اختار املشرتي للرد هي ملك للبائع‪.‬‬
‫رشح التلقني للامزري (‪.)203/2‬‬ ‫(((‬
‫روضة الطالبني (‪.)499/3‬‬ ‫(((‬
‫نيل املآرب (‪.)347/1‬‬ ‫(((‬
‫رواه اإلمام أمحد برقم (‪ ،)177/33( )20086‬ورواه أبو داود يف كتاب اإلجارة باب‬ ‫(((‬
‫يف تضمني العارية‪ ،‬رقم‪ ،)526/3( )3561( :‬ورواه الرتمذي يف أبواب البيوع عن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف أن العارية مؤداة‪ ،‬رقم‪،)544/2( )1266( :‬‬
‫وابن ماجه يف كتاب الصدقات‪ ،‬باب العارية‪ ،‬رقم‪ ،)64/4( )2400( :‬واحلاكم يف‬
‫املستدرك عىل الصحيحني (‪ ،)55/2‬وضعفه األلباين يف اإلرواء (‪.)348/5‬‬
‫سبل السالم (‪ ،)96/2‬وانظر‪ :‬حتفة املحتاج (‪ ،)375/4‬أسنى املطالب (‪،)77/2‬‬ ‫(((‬
‫كشاف القناع (‪ ،)249/3‬فقد استدال باحلديث عىل املسألة‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫ضامن(((‪ ،‬وكل‬ ‫أن يد املشرتي عىل السلعة املعيبة بعد الفسخ يد‬‫‪َّ 2.‬‬
‫ألن ما كان مضمون العني فهو مضمون‬ ‫ٍ‬
‫ضامن فعليها كلفة الرد لرهبا؛ َّ‬ ‫يد‬
‫الرد(((‪.‬‬
‫‪3.‬القياس عىل العارية؛ فكام َّ‬
‫أن تكلفة ردها تكون عىل املستعري(((‪ ،‬فكذا‬
‫تكلفة رد السلعة املعيبة تكون عىل املشرتي؛ لكون املستعري واملشرتي قبضا‬
‫ملصلحة نفسيهام‪ ،‬واملشرتي بالرد أسعد حاالً فكانت مؤونة الرد عليه(((‪.‬‬
‫أن ملك املشرتي للمعيب انتقل عنه باختياره للرد؛ فتعلق به حق‬ ‫‪َّ 4.‬‬
‫التَّوفية ملن انتقل إليه وهو البائع(((‪.‬‬
‫أن املشرتي فسخ بالعيب قهر ًا عىل البائع؛ فيكون عىل املشرتي مؤونة‬
‫‪َّ 5.‬‬
‫نقله إىل البائع(((‪.‬‬

‫جاء يف كتب الشافعية‪« :‬وإذا فسخ املشرتي البيع كان املبيع يف يده مضمون ًا عليه؛ ألنَّه‬ ‫(((‬
‫أخذه عىل حكم الضامن»‪ ،‬انظر‪ :‬املجموع (‪ ،)159/12‬حاشية البجريمي عىل اخلطيب‬
‫(‪ ،)42/3‬حاشية اجلمل عىل رشح املنهج (‪.)193/3‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انظر‪ :‬املجموع (‪ ،)159/12‬وقد ق َّعد الشافعية قاعدة هي‪« :‬كل يد ضامنة جيب عىل‬ ‫(((‬
‫رهبا مؤونة الرد بخالف يد األمانة»‪ ،‬انظر‪ :‬أسنى املطالب (‪ ،)77/2‬الغرر البهية يف‬
‫رشح البهجة الوردية(‪ ،)464/2‬حتفة املحتاج (‪.)375/4‬‬
‫انظر‪ :‬اهلداية رشح البداية (‪ ،)220/3‬احلاوي الكبري (‪ ،)131/7‬مطالب أويل النهى‬ ‫(((‬
‫(‪.)745/3‬‬
‫انظر‪ :‬اهلداية يف رشح بداية املبتدي (‪ ،)220/3‬اللباب يف رشح الكتاب (‪،)204/2‬‬ ‫(((‬
‫املحيط الربهاين يف الفقه النعامين (‪.)568/5‬‬
‫انظر‪ :‬مطالب أويل النهى (‪.)12/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬كشاف القناع (‪ ،)249/3‬املنتقى من فرائد الفوائد البن عثيمني ص (‪.)86‬‬ ‫(((‬

‫‪170‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫أن رد‬ ‫وقد ذهب أبو إسحاق العراقي الشافعي ‪-‬شارح «املهذب»‪ -‬إىل َّ‬
‫السلعة املعيبة بعد الفسخ يكون عىل البائع‪ ،‬قال يف «النجم الوهاج يف رشح‬
‫املنهاج»‪« :‬ويف «رشح املهذب للعراقي»‪َّ :‬أنا بعد الفسخ عىل البائع؛ ألنَّه‬
‫عاد إىل ملكه‪ ،‬وهو غريب»(((‪.‬‬
‫قول ال دليل عليه وخيالف مذهب مجاهري العلامء؛ ولذا قال‬ ‫لكن هذا ٌ‬
‫النَّووي ‪ ‬بعد سياقه‪« :‬وهذا كالم عجيب وال أدري من أين له‪،‬‬
‫والصواب ما تقدم»(((‪ ،‬وعليه فاألقرب ما عليه مجاهري الفقهاء من َّ‬
‫أن‬
‫أن‬‫األصل يف مؤونة وكلفة رد السلعة املعيبة َّأنا عىل املشرتي‪ ،‬ويقابل هذا‪َّ :‬‬
‫الثمن أمان ٌة يف يد البائع‪ ،‬وجيب عليه رده إىل ربه وهو املشرتي‪ ،‬قال الرشواين‬
‫الشافعي ‪« :‬ومنها يد البائع عىل الثمن فمؤونة رده عليه»(((‪.‬‬
‫ففي عقد البيع اإللكرتوين إذا تسلم املشرتي العني املشرتاة فوجدها‬
‫معيبة فاختار الرد فإن ما حيتاجه املعيب من مؤونة نقل وخالفه فهو عىل‬
‫املشرتي واجب عليه ويلزم به‪ ،‬وسيأيت يف املبحث الثاين حتديد األصل يف‬
‫موضع الرد ومكانه وذكر الصور املعارصة يف هذا‪.‬‬
‫وترضر املشرتي من حتملها رضر ًا بالغ ًا فقد‬
‫َّ‬ ‫وإذا كانت مؤونة الرد كبري ًة‬
‫إن للمشرتي حينئذ إلزام البائع برد قيمة العيب ونقصه؛‬ ‫نص بعض العلامء َّ‬ ‫َّ‬
‫لتعذر رد العني(((‪.‬‬
‫النجم الوهاج يف رشح املنهاج (‪ ،)138/4‬وانظر‪ :‬املجموع (‪.)159/12‬‬ ‫(((‬
‫املجموع (‪.)159/12‬‬ ‫(((‬
‫حاشية الرشواين عىل حتفة املحتاج (‪.)375/4‬‬ ‫(((‬
‫وهذا عىل قول من يقول أنه ليس للمشرتي إمساك املعيب وأخذ نقصان العيب وهو‬ ‫(((‬
‫مذهب احلنفية والشافعية‪ ،‬أما عند احلنابلة فله إمساك املعيب وأخذ األرش مطلق ًا وهو‬
‫من املفردات‪ .‬انظر‪ :‬تبيني احلقائق (‪ ،)31/4‬املغني (‪.)111/4‬‬

‫‪171‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫قال املازري ‪ ‬يف «رشح التَّلقني»‪« :‬وإذا كان البائع مل يدلس هبذا‬
‫فإن أجرة النقل إىل مكان القبض عىل املشرتي؛ إال أن يؤدي يف ذلك‬‫البيع َّ‬
‫رضر فيكون هذا مما يوجب له أخذ القيمة للعيب»(((‪.‬‬‫ٌ‬ ‫ثمنًا يلحقه بأدائه‬
‫وهذا توجيه دقيق حيقق املصلحة للطرفني ويدفع الرضر الواقع عىل‬
‫املشرتي من إمساك العني معيب ًة بثمنها األصيل أو ردها بمؤونة ترض به‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا كان البائع يعلم العيب قبل البيع‪:‬‬
‫إذا كان البائع عامل ًا بالعيب قبل متكني املشرتي من قبض السلعة‪ ،‬وهذا‬
‫حيصل يف بعض البيوع اإللكرتونية التي يكون البائع مطلع ًا ‪-‬بحكم خربته‪-‬‬
‫عىل عدم مطابقة مواصفات السلعة املشرتاة لقانون بلد املشرتي وقد جيهل‬
‫املشرتي هذا؛ وألجل هذا أضيفت املسألة هنا‪.‬‬
‫وقد ذهب فقهاء املالك َّية والشافع َّية وهو وج ٌه عند احلنابلة((( إىل أن‬
‫البائع إذا كان يعلم العيب قبل تسليمه للمشرتي فإن مؤونة الرد عليه إذا‬
‫اختار املشرتي الرد‪.‬‬

‫((( (‪.)203/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح الزرقاين عىل خمترص خليل (‪ ،)259/5‬رشح التلقني (‪ ،)203/2‬التبرصة‬
‫للخمي (‪ ،)432/9‬النجم الوهاج يف رشح املنهاج (‪ ،)138/4‬مطالب أويل النهى‬
‫(‪ ،)12/3‬نيل املآرب (‪.)347/1‬‬

‫‪172‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫قال الرحيباين احلنبيل ‪« :‬ال يلزم املشرتي مؤونة الرد إن دلس بائع‬
‫املبيع؛ ألنَّه غره بتدليسه‪ ،‬وحينئذ إذا غرم املشرتي مؤونة الرد‪ ،‬فقرار ضامهنا‬
‫عىل البائع‪ ،‬لتغريره وهو متَّجه»(((‪.‬‬
‫أن تسليم السلعة أو الثمن مع العلم بعيبه تعدٍّ وتغرير‬ ‫ودليل هذا‪َّ :‬‬
‫وغش؛ فيضمن املتعدي والغار ما ترتَّب عىل فعلهام(((‪.‬‬
‫بل نص بعض فقهاء املالكية‪َّ :‬‬
‫أن عىل البائع أجرة نقل السلعة املعيبة الذي‬
‫باعها عامل ًا بالعيب ابتدا ًء من حمل القبض إىل ملك املشرتي‪ ،‬فيغرمها البائع‬
‫وليس تكلفة الرد فحسب‪ ،‬قال اخلريش ‪ ‬يف البائع املدلس للعيب‪:‬‬
‫«وعليه أيض ًا أجرة نقل املشرتي له إىل بيته فريجع املشرتي هبا»(((‪.‬‬
‫ويتحصل مما سبق‪ :‬أنه إذا أثبت املشرتي علم البائع للعيب قبل البيع أو‬
‫َّ‬
‫فإن تكلفة ومؤونة رد املعيب عليه‪ ،‬وال يتحمل املشرتي‬ ‫اعرتف البائع هبذا َّ‬
‫شيئ ًا من هذا‪.‬‬

‫غر املشرتي‬
‫((( مطالب أويل النهى (‪ ،)112/3‬قال يف كشاف القناع (‪« :)221/3‬لكن إذا َّ‬
‫فقد‪ :‬قال اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل يف رجل اشرتى عبد ًا فأبق فأقام بينة أن إباقه كان‬
‫موجود ًا يف يد البائع‪ :‬يرجع بجميع الثمن‪ ،‬ألنه غر املشرتي‪ ،‬ويتبع البائع عبده»‪،‬‬
‫وانظر‪ :‬نيل املآرب (‪.)347/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬رشح التلقني (‪ ،)203/2‬مواهب اجلليل (‪ ،)452/4‬مطالب أويل النهى‬
‫(‪.)112/3‬‬
‫((( رشح خمترص خليل للخريش (‪.)464/2‬‬

‫‪173‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مؤونة رد املعيب إذا ثبت الفسخ باإلقالة‪:‬‬


‫من صور رد املعيب رده باإلقالة؛ وهذا حيصل إذا مل يتفق الطرفان عىل‬
‫العيب‪ ،‬أو مكان حدوثه‪ ،‬أو كونه عيب ًا؛ فاتفقا عىل اإلقالة‪ ،‬أو يكون البائع‬
‫قد اشرتط عىل نفسه قبول اإلقالة إذا طلبها املشرتي‪ ،‬وهي إحدى الصور‬
‫املعارصة للمسألة عموم ًا إذا َّبي املشرتي العيب للبائع وطلبه أن يقيله من‬
‫العقد فوافق البائع عىل هذا‪.‬‬
‫يتحمل مؤونة الرد يف اإلقالة عىل ثالثة أقوال‬
‫َّ‬ ‫وقد اختلف العلامء فيمن‬
‫هي‪:‬‬
‫القول األول‪َّ :‬‬
‫أن مؤنة الرد باإلقالة عىل البائع‪ ،‬وإىل هذا ذهب احلنفية‬
‫واحلنابلة(((‪.‬‬
‫قال يف «رد املحتار» عن اإلقالة‪« :‬وفيها مؤونة الرد عىل البائع مطلقا»(((‪.‬‬
‫وقال يف «كشاف القناع»‪« :‬ومؤونة رد املبيع بعد اإلقالة ال تلزم املشرتي‬
‫بخالف الفسخ لعيب فتلزمه مؤونة الرد»(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك بام ييل(((‪:‬‬
‫انظر‪ :‬رد املحتار (‪ ،)130 /5‬اهلداية يف رشح بداية (‪ ،)220/3‬الغرر البهية يف رشح‬ ‫(((‬
‫البهجة الوردية (‪ ،)464/2‬اإلنصاف (‪ ،)481/4‬رشح املنتهى (‪.)63/2‬‬
‫رد املحتار (‪.)130/5‬‬ ‫(((‬
‫كشاف القناع (‪.)249/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رد املحتار (‪ ،)130 /5‬اهلداية يف رشح بداية (‪ ،)220/3‬الغرر البهية يف رشح‬ ‫(((‬
‫البهجة الوردية (‪ ،)464/2‬اإلنصاف (‪ ،)481 /4‬كشاف القناع (‪ ،)249 /3‬املنتقى‬
‫من فرائد الفوائد البن عثيمني ص‪.)86( :‬‬

‫‪174‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫‪َّ 1.‬‬
‫أن مقتيض اإلقالة رجوع املبيع إىل ملك البائع فتكون مؤونة رده‬
‫عليه‪.‬‬
‫أن قبض املشرتي للعني بعد الفسخ باإلقالة قبض ملصلحة البائع‬ ‫‪َّ 2.‬‬
‫وليس ملصلحته هو‪ ،‬وما قبض ملصلحة الغري فأجرة رده عىل الغري‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فسخ باختيار البائع ورضاه‪ ،‬وما كان برضاه فيتحمل‬ ‫‪َّ 3.‬‬
‫أن اإلقالة‬
‫تبعته؛ فكانت املؤونة عليه‪.‬‬
‫ومن التطبيقات عىل هذا‪ :‬ما جاء يف احلكم التجاري رقم ‪/121‬د‪/‬‬
‫تج‪ 15/‬لعام ‪1413‬هـ ما نصه‪« :‬وما أعيد من الصاج((( للمدعى عليه‬
‫يكون حكمه حكم اإلقالة يف البيع‪ ،‬وحيث ذكر الفقهاء َّ‬
‫أن مؤونة رد البيع‬
‫الذي يتقايله البائع واملشرتي يكون عىل البائع»‪.‬‬
‫القول الثاين‪َّ :‬‬
‫أن مؤونة الرد والتَّوفية عىل من طلب اإلقالة من املتعاقدين‪،‬‬
‫سوا ًء كان البائع أو املشرتي‪ ،‬وإىل هذا ذهب املالكية‪.‬‬
‫قال يف «منح اجلليل»‪« :‬فاألجرة عىل سائلها سوا ًء كان املقال أو املقيل‪..‬‬
‫بأن هذا تبعة طلبه والطرف‬ ‫ال عىل مسؤوهلا ألنَّه صنع معروف ًا»(((‪ ،‬وع َّللوا‪َّ :‬‬
‫اآلخر بموافقته عىل اإلقالة فعل معرو ًفا وإحسانًا وإرفا ًقا‪ ،‬وليس من املكافأة‬
‫حتميله تبعات الرد(((‪.‬‬

‫((( أصل الدعوى عىل صاجات‪ ،‬وهي تلك القطع املفرودة من احلديد يف صنعة احلدادة‪.‬‬
‫((( منح اجلليل (‪.)230/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬حاشية الصاوي عىل الرشح الصغري (‪ ،)197 /3‬منح اجلليل (‪.)230 /5‬‬

‫‪175‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫أن مؤونة الرد عىل املشرتي وإىل هذا ذهب الشافعية‪،‬‬‫القول الثالث‪َّ :‬‬
‫وهو قول يف مذهب احلنابلة‪.‬‬
‫ً‬
‫فسخا‪ ،‬ويد املشرتي عىل املبيع‬ ‫بيع وليست‬ ‫وعللوا ذلك‪َّ :‬‬
‫بأن اإلقالة ٌ‬
‫حينئذ يد ضامن وليست يد أمانة(((‪.‬‬
‫واملتأ َّمل جيد يف قول املالكية قوة وعدالً؛ فمن طلب اإلقالة وسأهلا فهو‬
‫فيتحمل مؤونة الرد‪ ،‬وال يتحملها الطرف املستجيب فهو حمس ٌن‬‫َّ‬ ‫املستفيد؛‬
‫باستجابته وقبوله‪ ،‬وهذا من الرتغيب باإلقالة واحلث عليها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬رد المعيب الذي ال ينتفع برده‪:‬‬


‫ملا كان رد السلعة املعيبة املشرتاة بالعقود اإللكرتونية يتضمن ‪-‬غالب ًا‪-‬‬
‫تكلفة عالية عىل املشرتي‪ ،‬وجب النظر الفقهي املصلحي فيام إذا كانت السلعة‬
‫ال يستفاد من ردها إىل البائع بكل حال‪ ،‬فوجوب الرد عىل املشرتي وحتمل‬
‫املؤونة التي سبق تقريره يف املطلب األول فيام إذا كان البائع يستفيد وينتفع‬
‫صورة من صور االنتفاع‪ ،‬إلمكان استفادته منه إما بإصالحه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫باملعيب بأي‬
‫ال(((‪ ،‬أو بغري ذلك من األوجه؛ كمعرفة‬ ‫أو استغالله ولو يف غري ما ُيرد له أص ً‬
‫سبب العيب‪ ،‬أو احلصول عىل مقابل التَّأمني التعاوين‪ ،‬أو لتطوير منتجه‪ ،‬أو‬
‫للتحقق من دعوى املشرتي بوجود العيب‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬حتفة املحتاج (‪ ،)375 /4‬حاشية اجلمل عىل رشح املنهج (‪ ،)139 /3‬وقاال‪:‬‬
‫بعيب أو غريه إىل حمل قبضه عىل املشرتي»‪ ،‬فيشمل هذا‬‫ٍ‬ ‫«مؤونة رد املبيع بعد الفسخ‬
‫اإلقالة‪ ،‬اإلنصاف (‪ ،)481 /4‬املبدع (‪.)124 /4‬‬
‫((( مثل الفقهاء هلذا بقرش اجلوز املعيب إذا كرس فإنه يستفاد من القرش يف طعام البهائم‬
‫ٍ‬
‫كآنية‪ ،‬وأما البيض فال يستفاد من قرشه البتة‪،‬‬ ‫ونحوها‪ ،‬وكرس بيض النعام فإنه يستعمل‬
‫انظر‪ :‬العناية رشح اهلداية (‪ ،)373/6‬هناية املطلب (‪ ،)261/5‬املغني (‪.)127/4‬‬

‫‪176‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ومتى ادعى البائع وجه ًا من أوجه االستفادة املمكنة فإنَّه جيب عىل‬
‫املشرتي رد السلعة املعيبة إليه وحتمل تكلفة الرد؛ َّ‬
‫ألن هذا ال ُيعلم إال من‬
‫جهته؛ ويقبل قوله‪ ،‬وهذا مقتىض خيار العيب(((‪.‬‬
‫‪-‬بأي حال من األحوال‪ -‬كام لو‬
‫ِّ‬ ‫أما إذا كانت السلعة املعيبة ال ينتفع هبا‬
‫مكسة بام ال يمكن إصالحها‪ ،‬أو‬‫اشرتى آني ًة زجاجي ًة فلام فتحها وجدها َّ‬
‫االستفادة من أجزائها‪ ،‬فهل ُي ْلزم املشرتي برد هذا املعيب إىل مكان القبض؟‬
‫نص عد ٌد من الفقهاء إىل أن املشرتي غري ملزم برد ما ال نفع للمشرتي‬
‫فيه(((‪.‬‬
‫«فإن املبيع إن كان مما ال قيمة له مكسور ًا؛ كبيض‬
‫قال يف «الرشح الكبري»‪َّ :‬‬
‫الدجاج الفاسد والرمان األسود واجلوز اخلرب رجع بالثمن‪ ..‬وليس عليه‬
‫رد املبيع إىل البائع ألنَّه ال فائدة فيه»(((‪.‬‬

‫((( إذا كان العيب ال يعرف إال بفعل املشرتي ككرس البيض ونحوه ؛ ففيه خالف يف ثبوت‬
‫ٌ‬
‫تفريط؛ لعدم معرفته‬ ‫تدليس وال‬
‫ٌ‬ ‫الرد‪ ،‬فمنهم من قال ليس له الرد؛ ألنَّه ليس من البائع‬
‫بعيبه‪ ،‬وكونه ال يمكنه الوقوف عليه إال بكرسه‪ ،‬انظر‪ :‬البناية رشح اهلداية (‪،)117/8‬‬
‫املغني (‪ ،)126/4‬ومنهم من قال بثبوت األرش وليس له الرد؛ َّ‬
‫ألن هذا بمثابة العيب‬
‫الذي حصل عند املشرتي‪ ،‬قال ابن نجيم‪« :‬وإن كان ينتفع به مع فساده مل يرده َّ‬
‫ألن‬
‫حادث ولكنه يرجع بنقصان العيب دفع ًا للرضر بقدر اإلمكان» البحر‬ ‫ٌ‬ ‫عيب‬
‫الكرس ٌ‬
‫الرائق رشح كنز الدقائق (‪ ،)59/6‬وانظر‪ :‬هناية املطلب (‪ ،)262/5‬درر احلكام رشح‬
‫غرر احلكام (‪ ،)163/2‬املغني (‪.)126/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبدع رشح املقنع (‪ ،)93/4‬مطالب أويل النهى يف رشح غاية املنتهى (‪.)118/3‬‬
‫((( الرشح الكبري (‪ ،)95/4‬وانظر‪ :‬املبدع رشح املقنع (‪.)93/4‬‬

‫‪177‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫وقال الشيخ ابن عثيمني ‪« :‬ولو قال البائع‪ :‬أعطني القشور إذا‬
‫كنت تقول‪ :‬إن العقد فاسدٌ ‪ ،‬فإنه ال يلزمه؛ ألنَّه ال قيمة هلا عادةً‪ ،‬وترمى يف‬
‫الزبالة»(((‪.‬‬
‫ويمكن أن يستدل هلذا بأدلة ٍمنها‪:‬‬
‫ظلم وأكل ملاله بالباطل(((‪،‬‬
‫بتحمل تكلفة ال فائدة منها ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ـ َّ‬
‫أن إلزام املشرتي‬
‫وال يثبت يف الرشيعة مثل هذا‪.‬‬
‫ـ وألنَّه تبني فساد العقد هبذا العيب ‪-‬الذي ال يستفاد معه بالسلعة‬
‫إطالق ًا‪ -‬فالعقد فاسدٌ لعدم القيمة يف املبيع‪ ،‬إذ املال هو ما ينتفع به يف احلال‬
‫ال ال يكون حم ً‬
‫ال للبيع فبطل العقد(((‪.‬‬ ‫أو يف ثاين احلال فإذا كان ال ينتفع به أص ً‬
‫وإذا قلنا بالزم هذا الدليل فال يبقى ليد املشرتي صف ٌة عىل املعيب هنا‬
‫لفساد العقد أصالً‪ ،‬وأما من ذهب من الفقهاء إىل ثبوت يد املشرتي عىل‬
‫املعيب هنا‪ ،‬وأنَّه إنام رجع بجميع الثمن الستدراك ما فاته من املعيب ال‬
‫لكون العقد فاسد ًا فقد أجاب عليهم اجلويني ‪ ‬فقال‪« :‬الصورة الثانية‬
‫صحته‪ ،‬ويظهر تصوير‬ ‫وهي إذا قيل‪ :‬ال قيم َة للجوز مع فساد جوفه يف حالة َّ‬
‫تبي ذلك وأراد املشرتي‬ ‫هذا يف البيض وقرشه؛ فقد قال طائف ٌة من أئمتنا‪ :‬إذا ّ‬

‫((( الرشح املمتع (‪.)322/8‬‬


‫((( انظر‪ :‬املبدع رشح املقنع (‪.)93/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬البناية رشح اهلداية (‪ ،)117/8‬درر احلكام رشح غرر احلكام (‪ ،)163/2‬هناية‬
‫املطلب (‪ ،)262/5‬الرشح الكبري (‪ ،)95/4‬مطالب أويل النهى يف رشح غاية املنتهى‬
‫(‪ ،)118/3‬الرشح املمتع (‪.)321/8‬‬

‫‪178‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ِ‬
‫رجوعه باجلميع‬ ‫الرجوع باألرش‪ ،‬فريجع بجميع الثمن عىل البائع وسبيل‬ ‫َ‬
‫غري‬ ‫استدراك ال ُظال َمة‪ ،‬ال استبانة((( َّ‬
‫أن البيع مل ينعقد من أصله لكون املبيع َ‬
‫متقوم‪ ،‬وهذا القائل يقول‪ :‬إذا اسرتد املشرتي الثم َن استدراك ًا للظالمة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫املكس يبقى عىل حكم اختصاصه باملشرتي‪ ،‬حتى إن مست احلاج ُة‬ ‫َّ‬ ‫فذلك‬
‫يتقو ُم‬ ‫إىل ِ‬
‫تنقية الطريق فعىل املشرتي تك ُّل ُ‬
‫ف ذلك‪ ،‬وهذا فاسدٌ ؛ فإن الذي ال َّ‬
‫ال جيوز أن يكون مورد ًا للبيع»(((‪.‬‬
‫ولذا فالذي يظهر َّ‬
‫أن املشرتي غري ملز ٍم بالرد هنا‪ ،‬بل يرجع عىل البائع‬
‫بالثمن دون رد املعيب‪ ،‬وسوا ٌء وصل املبيع معيب ًا عيب ًا ظاهر ًا‪ ،‬أو وصل‬
‫خفي ال يطلع عليه إال بفعل املشرتي وقلنا بحق املشرتي يف الرجوع‬ ‫بعيب ٍ‬‫ٍ‬
‫عىل البائع بالثمن‪ ،‬فاختار املشرتي ذلك‪.‬‬

‫((( املراد‪ :‬وليس الستبانة أن البيع مل ينعقد‪.‬‬


‫((( هناية املطلب (‪.)263/5‬‬

‫‪179‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫المبحث الثاني‬
‫موضع رد المعيب وصوره في البيوع اإللكترونية‬
‫المطلب األول‪ :‬موضع رد المعيب‪:‬‬

‫من أهم آثار عقد البيع بل هو غايته‪ :‬قبض املشرتي للمبيع والبائع‬
‫للثمن‪ ،‬ولذا فالواجب عىل البائع متكني املشرتي من القبض وتوفيته إياه فيام‬
‫ٍ‬
‫توفية‪ ،‬وعىل املشرتي متكني البائع من قبض الثمن وتسليمه إياه‪.‬‬ ‫حيتاج إىل‬
‫املشرتي من قبض وتسلم املبيع عىل اختالف أنواعه‬
‫َ‬ ‫البائع‬
‫ُ‬ ‫ومتى أمكن‬
‫فإن الواجب عىل املشرتي قبض تلك العني املشرتاة واستالمها‪ ،‬وهبذا تنتقل‬ ‫َّ‬
‫وتستقر عىل املشرتي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ذمة املبيع وأحكامه وضامنه من البائع‬
‫عرف عد ٌد من الفقهاء القبض بأنَّه‪ :‬التَّخلية ومتكني املشرتي من‬ ‫وقد َّ‬
‫االستالم‪ ،‬قال الكاساين ‪« :‬القبض‪ :‬هو التَّمكني والتخيل وارتفاع‬
‫املوانع‪ ،‬عر ًفا وعادة وحقيقة»(((‪ ،‬ثم قال‪« :‬والتَّخيل وهو‪ :‬أن خييل البائع بني‬
‫املبيع وبني املشرتي برفع احلائل بينهام عىل وجه يتمكَّن املشرتي من التَّرصف‬
‫فيه فيجعل البائع مس ِّل ًام للمبيع‪ ،‬واملشرتي قابض ًا له‪ ،‬وكذا تسليم الثمن من‬
‫املشرتي إىل البائع»(((‪.‬‬
‫ونظر ًا الختالف السلع وأحواهلا وإمكانات األسواق والبائعني يف‬
‫تسليم املبيع؛ فقد نص عد ٌد من الفقهاء عىل َّ‬
‫أن املعترب يف القبض واالستالم‬

‫((( بدائع الصنائع (‪.)148/5‬‬


‫((( بدائع الصنائع (‪.)244/5‬‬

‫‪180‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫خيتلف باختالف أنواع املبيع بحسب العرف‪ ،‬فام اعتربه العرف قبض ًا يف هذه‬
‫كتاب وال ٍ‬
‫سنة فاملرجع‬ ‫ٍ‬ ‫قبض؛ إذا القاعدة فيام ليس فيه نص من‬ ‫السلعة فهو ٌ‬
‫فيه إىل ما تعارف عليه الناس فيام بينهم(((‪.‬‬
‫ثم َّ‬
‫إن السلع ختتلف فيلزم يف بعضها اإلقباض والتسليم من قبل البائع‪،‬‬
‫ويكفي يف بعضها متكني املشرتي من قبضها وحيازهتا لقيامه مقام القبض‪.‬‬
‫قال الكاساين ‪« :‬إال أنَّه خيرج عن ضامن البائع بالتَّخلية نفسها‬
‫لوجود القبض»(((‪.‬‬
‫وجاء يف جملة األحكام العدلية‪« :‬تسليم العروض يكون بإعطائها ليد‬
‫املشرتي أو بوضعها عنده أو بإعطاء اإلذن له بالقبض بإراءهتا له»(((‪.‬‬
‫واملتأ ِّمل يف البيوع املعارصة وخصوص ًا اإللكرتونية يدرك َّ‬
‫أن التَّخلية‬
‫ممكنة فيها؛ نظر ًا لكون املشرتي والبائع يف بلدين خمتلفني‪ ،‬وقد تكون‬‫ٍ‬ ‫غري‬
‫ٍ‬
‫وتوفية؛ كام كان احلال‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ إىل تسلي ٍم‬ ‫بلد ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬فيحتاج املبيع‬ ‫السلعة يف ٍ‬
‫يف املكيالت واملوزونات الحتياجها للكيل والوزن الذي هو من واجبات‬
‫ٍ‬
‫متقدمة من ضامن‬ ‫ٍ‬
‫رؤية‬ ‫ٍ‬
‫بصفة أو‬ ‫البائع‪ ،‬ولذا قال ابن قدامة ‪« :‬واملبيع‬
‫ٍ‬
‫توفية‪ ،‬فجرى جمرى املكيل‬ ‫البائع حتى يقبضه املبتاع؛ ألنَّه يتعلق به حق‬
‫رجل عبد ًا بعينه فامت يف يد البائع‬‫ٍ‬ ‫واملوزون‪ ،‬قال أمحد‪ :‬لو اشرتى من‬

‫((( انظر‪ :‬منح اجلليل يف رشح خمترص خليل (‪ ،)232/5‬املغني (‪ )85/4‬وقال «وقبض‬
‫َّ‬
‫وألن القبض مطلق يف الرشع‪ ،‬فيجب الرجوع فيه إىل العرف»‪.‬‬ ‫كل يشء بحسبه‪..‬‬
‫((( بدائع الصنائع (‪.)245/5‬‬
‫((( (‪.)56/1‬‬

‫‪181‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫فهو من مال املشرتي‪ ،‬إال أن يطلبه فيمنعه البائع فهو ضام ٌن لقيمته حني‬
‫عطب»(((‪.‬‬
‫وحمل القبض هو املكان الذي متكَّن املشرتي فيه من استالم البضاعة‬
‫والتَّرصف فيها وأصبحت حتت يده مستقر ًة يف ملكه(((‪ ،‬وهذا قد يكون يف‬
‫حمل البائع‪ ،‬وقد يكون يف حمل املشرتي فيام إذا أحرضه البائع للمشرتي أو‬
‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫تك َّفل البائع بنقله للمشرتي وتسليمه إياه يف موضعه‪ ،‬وقد يكون يف‬
‫يتفقان عليه كام سيأيت بإذن اهلل‪.‬‬
‫مكان وقع القبض فإن وجد املشرتي السلعة معيب ًة َّ‬
‫فإن له ردها‬ ‫ٍ‬ ‫وبأي‬
‫ِّ‬
‫كام سبق‪ ،‬ويكون الرد إىل مكان القبض أو التَّمكني منه‪ ،‬وهذا هو األصل يف‬
‫رد املعيب أن يكون إىل موقع قبضه‪ ،‬وهو املكان الذي يرتتب عليه أحكام‬
‫تسليم املبيع عموم ًا‪.‬‬
‫فإذا رغب املشرتي رد السلعة املعيبة فل ُيزم بردها إىل حمل قبضها الذي‬
‫ٍ‬
‫وتكلفة إىل ذلك املحل فتكون‬ ‫نقل ومؤونة‬ ‫تس َّلمها فيه‪ ،‬ولو احتاجت إىل ٍ‬
‫عىل املشرتي‪ ،‬وكذا كل أحكام الرد السابقة إنام يصار فيها إىل حمل القبض‪،‬‬
‫وعىل هذا توافرت نصوص الفقهاء ومنها(((‪:‬‬
‫((( املغني (‪.)85/4‬‬
‫َّ‬
‫«وألن ملك املبيع ال يستقر إال بالقبض بدليل قوله‬ ‫((( قال يف احلاوي الكبري (‪:)221/5‬‬
‫َ ّ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ٱلر َب ٰٓوا﴾ ففصل بني ما قبض فلم يوجب رده الستقرار ملكه‬ ‫﴿و َذ ُروا َما بَ ِ َ‬
‫ق مِن ِ‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫وبني ما مل يقبض فأوجب رده لعدم ملكه»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬رد املحتار عىل الدر املختار البن عابدين (‪ ،)594/4‬رشح التلقني (‪،)203/2‬‬
‫رشح خمترص خليل للخريش (‪ ،)143/5‬الغرر البهية يف رشح البهجة الوردية‬
‫(‪.)464/2‬‬

‫‪182‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫قال ابن عابدين رمحه اهلل تعاىل‪« :‬ولو رشى متاع ًا ومحله إىل موض ٍع فله‬
‫ورؤية؛ لو رده إىل موضع العقد وإال فال»(((‪ ،‬ومراده بموضع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعيب‬ ‫رده‬
‫العقد‪ :‬مكان القبض بداللة السياق‪.‬‬
‫وقال اخلريش املالكي ‪« :‬يعني َّ‬
‫أن عىل البائع املدلس رد املبيع الذي‬
‫نقله املشرتي إىل حمل قبضه‪ ،‬أي إىل املحل الذي قبضه فيه املشرتي ونقله عنه‬
‫إىل ٍّ‬
‫حمل آخر»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بعيب أو‬ ‫وقال ابن حجر اهليتمي ‪« :‬مؤونة رد املبيع بعد الفسخ‬
‫غريه إىل حمل قبضه عىل املشرتي»(((‪.‬‬
‫ويمكن أن يستدل هلذا ٍ‬
‫بأدلة منها‪:‬‬
‫أن مكان القبض هو املحل الذي انتقل فيه ضامن السلعة من البائع‬ ‫‪َّ 1.‬‬
‫إىل املشرتي فهو الذي يكون فيه انتقال الضامن بالرد بالعيب‪.‬‬
‫‪َّ 2.‬‬
‫أن مكان القبض هو املكان الذي تسلم فيه املشرتي السلعة من البائع؛‬
‫فيلزمه الرد إىل ذلك املوضع‪ ،‬وال يلزم املشرتي فوق هذا‪.‬‬
‫ويتحدَّ د مكان القبض باملكان الذي تس َّلم فيه املشرتي السلعة فعلي ًا‪،‬‬
‫وقد يكون منصوص ًا عليه يف العقد؛ وإال فيؤخذ من مقتىض مضمون العقد‬
‫وما جرى العرف يف مثله باعتباره‪ ،‬وال يلزم أن يكون هو مكان العقد أو‬
‫حمل أحد املتعاقدين‪ ،‬بل ما اتفق عليه الطرفان نص ًا أو مضمون ًا‪ ،‬فإن مل يكن‬

‫((( رد املحتار عىل الدر املختار البن عابدين (‪.)594/4‬‬


‫((( رشح خمترص خليل للخريش (‪.)143/5‬‬
‫((( حتفة املحتاج (‪.)375/4‬‬

‫‪183‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫نص وال مضمون؛ فالعربة بمكان العقد‪ ،‬قال ابن ضويان ‪ ‬يف منار‬ ‫ٌّ‬
‫َّ‬
‫«ألن مقتىض العقد التسليم يف مكانه»(((‪ ،‬وقال يف «كشاف‬ ‫السلم‬
‫السبيل يف َّ‬
‫القناع» يف الكفالة‪« :‬بأن مل يعني موضع ًا لتسليمه وجب تسليمه مكان العقد؛‬
‫كالسلم»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫فمتى اختار املشرتي الرد يف عقد البيع الذي ثبت فيه خيار العيب فيلزمه‬
‫الرد إىل املكان الذي قبض فيه السلعة من البائع‪ ،‬وعىل البائع تس ُّلمها هناك‪،‬‬
‫أن عىل البائع رد الثمن إىل املكان الذي قبض فيه الثمن من‬ ‫ويقابل هذا َّ‬
‫املشرتي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫زائدة عن إيصاهلا إىل حمل القبض؛‬ ‫فإن احتاجت السلعة املعيبة إىل ٍ‬
‫كلفة‬
‫مكان آخر غري حمل القبض أو‬ ‫ٍ‬ ‫كام لو رغب البائع من املشرتي إيصاهلا إىل‬
‫بلغ املشرتي بالسلعة املعيبة إىل مكان القبض ومل جيد البائع أو تعذر إقباض‬
‫البائع لسبب يعود إليه؛ فهنا يكون ما زاد عن إيصاهلا إىل حمل القبض عىل‬
‫البائع؛ َّ‬
‫ألن السلعة املعيبة له وعليه تبعتها‪ ،‬ويرجع عليه املشرتي بام دفع من‬
‫هذه الكلفة الزائدة‪.‬‬
‫قال ابن نجيم ‪« :‬اطلع عىل ٍ‬
‫عيب بالغالم أو الدابة فلم جيد املالك‬
‫يترصف فيه بام يدل عىل الرضا؛ يرده لو حرض ويرجع‬
‫َّ‬ ‫فأطعمه وأمسكه ومل‬
‫بالنقصان إن هلك»(((‪.‬‬

‫((( منار السبيل (‪.)345/1‬‬


‫((( كشاف القناع (‪.)378/3‬‬
‫((( البحر الرائق البن نجيم (‪.)40/6‬‬

‫‪184‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫وقال يف «حاشية الرشواين عىل حتفة املحتاج»‪« :‬لو انتهى املشرتي إىل‬
‫حمل القبض فلم جيد البائع فيه واحتاج يف الذهاب إليه إىل مؤونة؛ فاألقرب‬
‫أنَّه يرفع األمر إىل احلاكم إن وجده فيستأذنه يف الرصف وإال رصف بن َّية‬
‫الرجوع وأشهد عىل ذلك»(((‪.‬‬
‫أن الواجب عىل املشرتي كلفة الرد إىل موضع القبض‬ ‫َّ‬
‫فدل هذا عىل َّ‬
‫فحسب وما زاد عنها فيكون عىل البائع‪.‬‬
‫ومن لوازم هذا‪ :‬لو اختار املشرتي الفسخ وتك َّلف بمؤونة رد املعيب إىل‬
‫ٍ‬
‫ومؤونة‬ ‫ٍ‬
‫حفظ‬ ‫موضع القبض فامتنع البائع عن قبوله واستالمه واحتاج إىل‬
‫ٍ‬
‫زائدة فعىل البائع؛ ألنَّه بثبوت العيب يلزمه الفسخ وتسلم املعيب ور ُّد‬
‫الثمن‪ ،‬وإذا امتنع أو تأخر فيغرم ما يرتتب عىل امتناعه وتأخره‪.‬‬
‫ويف املطلب الثاين بيان للصور املعارصة يف رد املعيب وحتديد مكان الرد‬
‫وكلفة النقل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الصور المعاصرة لرد المعيب في البيوع اإللكترونية‪:‬‬

‫ختتلف صور وحاالت رد السلعة املعيبة وموضعه باختالف عقود البيع‬


‫وأحواله‪ ،‬ويف البيوع اإللكرتونية يمكن حرص الصور واحلاالت املعارصة‬
‫املؤثرة يف احلكم يف الفقهي يف املطالب التالية‪:‬‬

‫((( حاشية الرشواين عىل حتفة املحتاج (‪ ،)375/4‬وانظر‪ :‬هناية املحتاج عىل رشح املنهاج‬
‫مع حاشية الشربامليس (‪ ،)56/4‬فتوحات الوهاب بتوضيح رشح منهج الطالب‬
‫املعروف بحاشية اجلمل (‪.)139/3‬‬

‫‪185‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫الفرع األول‪ :‬رد املعيب إذا كان توصيله من البائع جمان ًا‪:‬‬
‫أن نقل املبيع إىل املشرتي ليس من آثار وواجبات عقد البيع يف‬ ‫رغم َّ‬
‫األصل؛ قال ابن قدامة ‪« :‬وأما نقل املنقوالت وما أشبهه فهو عىل‬
‫توفية نص عليه أمحد»(((‪ ،‬لكن إذا اشرتط‬ ‫ٍ‬ ‫املشرتي؛ ألنَّه ال يتعلق به حق‬
‫البائع عىل نفسه تسليم العني املشرتاة إىل املشرتي يف حمله؛ بأن نقلها إليه‬
‫حتمل مصاريف النقل؛ فأحرض العني املشرتاة إىل حمل املشرتي‬ ‫بنفسه أو َّ‬
‫ظاهر‪-‬‬
‫ٌ‬ ‫فإن حمل القبض هنا ‪-‬كام هو‬ ‫ومكَّنه من استالمها أو س َّلمه إياها؛ َّ‬
‫هو مكان االستالم وهو مكان املشرتي وحمله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫يتحمل املشرتي‬ ‫عيب ‪-‬يف هذه احلال‪ -‬فال‬ ‫فإن كان بالسلعة‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫كلفة شحنها إىل البائع‪ ،‬بل يلزم البائع استالم السلعة املعيبة حيث س َّلمها‬
‫ٍ‬
‫تكلفة يف نقلها من حمل القبض‬ ‫للمشرتي يف حمله‪ ،‬فإن احتاجت السلعة إىل‬
‫يتحملها املشرتي‬
‫َّ‬ ‫ألن تكلفة الرد التي‬ ‫إىل حمل البائع فتكون يف مال البائع‪َّ ،‬‬
‫تكون إىل موضع القبض فحسب كام تقرر سابق ًا‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪« :‬ولو رشى متاع ًا ومحله إىل موض ٍع فله رده‬
‫ٍ‬
‫ورؤية لو رده إىل موضع العقد؛ وإال فال‪ ،‬وظاهر أنَّه إنام يرده لو رده‬ ‫ٍ‬
‫بعيب‬
‫إىل موضع العقد فيام لو محله املشرتي بخالف البائع»(((‪ ،‬فمهموم خمالفته‪:‬‬
‫ثم؛ ألنَّه إذا محله البائع فقد يؤدي هذا الختالف‬‫إنَّه إذا محله البائع فال يرده َّ‬
‫مكان القبض فيكون عند حمل تسليمه للمشرتي وليس موضع العقد‪.‬‬

‫((( املغني (‪ ،)86/4‬وانظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪.)244/5‬‬


‫((( رد املحتار عىل الدر املختار (‪.)594/4‬‬

‫‪186‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ولذا التزمت عد ٌد من الرشكات بمسؤوليتها يف استالم املعيب من‬


‫املوضع الذي تم تُس ِّليمه للمشرتي فيه؛ فورد يف سياسة االسرتجاع‬
‫واالستبدال لرشكة مكتبة جرير يف الفقرة العارشة ما نصه‪« :‬يمكنك إرجاع‬
‫واستبدال املنتج لدى أقرب معرض ملكتبة جرير‪ ،‬ويف حال مل يتوفر فرع يف‬
‫مدينتك التي تم تسليم الطلب فيها؛ يرجى التواصل معنا عىل الرقم املوحد‬
‫وسيحرض مندوب رشكة الشحن الستالم الطلب»(((‪.‬‬
‫عيب‬
‫ٌ‬ ‫بتحمل قيمة النقل فيام إذا ظهر باملبيع‬
‫ُّ‬ ‫وتلتزم رشكات أخرى‬
‫وكان نقله للمشرتي جمان ًا؛ فورد يف سياسة االسرتجاع واالستبدال لرشكة‬
‫«مشكايت» ما نصه‪« :‬شمل اإلرجاع واالستبدال مجيع املنتجات يف حال‬
‫مصنعي أو وجود خطأ بالتسليم مع حتمل الرشكة تكلفة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عيب‬ ‫وجود‬
‫النقل»(((‪.‬‬
‫ويف هذه احلال عموم ًا‪ :‬إذا رد املشرتي السلعة املعيبة إىل حمل القبض‬
‫املحدد فعىل البائع رد الثمن كامالً‪ ،‬وال حيق للبائع ‪-‬يف هذه احلال‪ -‬حتميل‬
‫املشرتي رسوم وأجرة النقل االبتدائي «املجاين» التي قدمها البائع للمشرتي‬
‫تربع من البائع وليس له الرجوع فيه؛ قال ابن‬
‫تابعة للعقد األول؛ إذ هي ٌ‬
‫عابدين ‪« :‬يستفاد من كالم الفصولني َّ‬
‫أن ما أنفقه البائع عىل حتميله‬

‫((( انظر موقع الرشكة‪.https: //www.jarir.com/return_exchange :‬‬


‫((( انظر موقع الرشكة‪.https: //meshkati.sa/return_policy_ar.html :‬‬

‫‪187‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫إىل منزل املشرتي ال يلزم املشرتي إذا رد عليه املبيع إىل حمل العقد؛ َّ‬
‫ألن البائع‬
‫ألن الواجب عليه التسليم يف حمل العقد دون التَّحميل»(((‪.‬‬ ‫متربع بام أنفقه؛ َّ‬
‫ٌ‬
‫«يتحمل‬
‫َّ‬ ‫ولذا جاء يف سياسة االسرتجاع لرشكة «إكسرتا» ما نصه‪:‬‬
‫العميل رس ًام قدره مائة ريال سعودي قيمة التوصيل عند طلب إرجاع‬
‫املنتجات التي تم تسليمها من خالل خدمة التوصيل املنزيل؛ إال إذا كان‬
‫مصنعي بنا ًء عىل التقرير الفني من فريق إكسرتا»(((‪ ،‬فاستثني‬
‫ٌّ‬ ‫عيب‬
‫املنتج به ٌ‬
‫املردود بعيب من التَّحمل‪.‬‬
‫هذا يف األصل؛ فإن اشرتط البائع يف عقد البيع حتديد مكان القبض يف حمله‬
‫وتم عقد البيع واشرتاه املشرتي يف حمل البائع ُثم تربع البائع بنقله للمشرتي‬
‫بعيب أن يرده إىل مكان القبض املنصوص عليه‬ ‫ٍ‬ ‫فهنا يلزم املشرتي عند الرد‬
‫يف العقد‪ ،‬وال يؤثر عىل هذا تربع البائع بالنقل ابتدا ًء؛ لكن ال بد أن يكون‬
‫هذا الرشط واضح ًا للطرفني قبل االتفاق عليه‪ ،‬لئال يكون حيل ًة لتحميل‬
‫املشرتي أجرة النقل يف الرد بالعيب ونحوه‪.‬‬
‫حتمل املشرتي نقله‪:‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬رد املعيب الذي َّ‬
‫إذا تم عقد الرشاء اإللكرتوين وتضمن العقد أن حيرض املشرتي الستالم‬
‫بضاعته من حمل البائع أو من مراكز التسليم العائدة له فنقل املشرتي السلعة‬
‫البائع بإرساهلا إليه عىل نفقته؛ ففي هذه احلال يكون حمل‬
‫َ‬ ‫بنفسه‪ ،‬أو وكَّل‬
‫عيب فريده املشرتي إىل مكان‬
‫ٌ‬ ‫القبض هو حمل البائع؛ فإذا ظهر بالسلعة‬
‫((( رد املحتار عىل الدر املختار (‪.)594/4‬‬
‫((( انظر موقع الرشكة‪.https: //www.extra.com/ar-sa/returnexchange :‬‬

‫‪188‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫قبضه؛ وهو حمل البائع؛ َّ‬


‫ألن استالم املبيع وقبضه حصل يف حمل البائع فيلزم‬
‫حتمل‬ ‫َّ‬
‫وألن ُّ‬ ‫املشرتي يف رد املعيب إليه ولو تك َّلف يف هذا مؤونة ونفقة‪،‬‬
‫املشرتي لنفقة النقل ابتدا ًء بعد االستالم يعدُّ عقد ًا آخر‪ ،‬ال يؤثر يف عقد‬
‫البيع وآثاره‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪« :‬ولو رشى متاع ًا ومحله إىل موض ٍع فله رده‬
‫ٍ‬
‫ورؤية لو رده إىل موضع العقد وإال فال»(((‪ ،‬فاحلامل هنا هو املشرتي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بعيب‬
‫عب عنه هنا بموضع العقد‪.‬‬ ‫فيكون الرد عليه إىل مكان القبض؛ الذي َّ‬
‫وليس للمشرتي مطالبة البائع بأجرة نقل املبيع من حمل البائع إىل حمل‬
‫املشرتي قبل ظهور العيب متى كان عقد النقل منفرد ًا ولو كان مع البائع‬
‫مستقل وال أثر للعيب عليه؛ فالثمن املضمون للمشرتي‬ ‫ٌ‬ ‫نفسه؛ َّ‬
‫ألن هذا عقدٌ‬
‫هو ثمن املعيب فحسب‪ ،‬وبقبض املشرتي للمبيع أصبح حكمه حتت يده‪،‬‬
‫وعليه مؤونته ونفقته‪ ،‬وله خراجه وثمرته‪ ،‬قال ابن قدامة ‪« :‬وظاهر‬
‫أن ما حدث يف يد املشرتي مضمون عليه‪ ،‬سواء‬ ‫حديث املرصاة يدل عىل َّ‬
‫فإن الترصية تدليس‪ ،‬ومل يسقط عن املشرتي‬ ‫دلس البائع العيب أو مل يدلسه‪َّ ،‬‬
‫ضامن اللبن‪ ،‬بل ضمنه بصاع من التمر‪ ،‬مع كونه قد هنى عن التَّرصية»(((‪،‬‬
‫أن ما يدفعه املشرتي عىل املبيع بعد القبض وقبل االطالع عىل‬ ‫َّ‬
‫فدل هذا عىل َّ‬
‫نفقة كل هذا مقابل خراجه ونفعه‪ ،‬وعليه فليس‬ ‫نقل أو مؤونة أو ٍ‬ ‫العيب من ٍ‬

‫((( رد املحتار عىل الدر املختار (‪.)594/4‬‬


‫((( املغني (‪.)115/4‬‬

‫‪189‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫بيشء من هذا‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ ‬أيض ًا‪« :‬فكل ذلك‬ ‫له الرجوع عىل البائع‬
‫للمشرتي يف مقابلة ضامنه؛ َّ‬
‫ألن العبد لو هلك هلك من مال املشرتي»(((‪.‬‬
‫واحلال هنا فيام إذا تسلم املشرتي السلعة بنفسه أو وكَّل البائع يف إرساله‬
‫إليه؛ فمحل القبض هنا هو حمل البائع‪ ،‬ويكون توكيل املشرتي للبائع ‪-‬أو‬
‫لغريه‪ -‬بنقله إليه توكي ً‬
‫ال له يف استالمه ومن ثم إرساله‪.‬‬
‫فإذا وجد املشرتي السلعة معيب ًة َّ‬
‫فإن عليه كلفة ومؤونة ردها إىل موضع‬
‫البائع الذي قبضها منه هو أو وكيله‪ ،‬وليس للمشرتي بعد الرد مطالبة البائع‬
‫بثمن النقل كام سبق‪.‬‬
‫وقد ن َّبه فقهاء املالكية هنا إىل اشرتاط إسقاط ضامن البائع للسلعة التي‬
‫قبضها نياب ًة عن املشرتي وقام بنقلها إليه‪ ،‬قال املازري ‪« :‬ومن هذا‬
‫ٍ‬
‫غائبة عىل أن‬ ‫ٍ‬
‫سلعة‬ ‫أيضا ما وقع يف «املوازية» من منع العقد عىل‬
‫األسلوب ً‬
‫بلد غريه؛ لكون قبضها ونقلها ليس بواجب‬ ‫يوصلها البائع إىل بلد العقد أو ٍ‬
‫عىل البائع‪ ،‬وإنّام عليه التّمكني‪ ،‬فإذا قبضها البائع ونقلها بأمر املشرتي‬
‫فكأن العقد وقع برشط ضامن البائع ملا قبضه‬‫َّ‬ ‫صارت يده ك َيد املشرتي‬
‫املشرتي‪ ،‬وهذا ال جيوز إالّ أن يكون ضامهنام ساق ًطا عن البائع يف مسافة‬

‫((( املغني (‪ ،)115/4‬وانظر‪ :‬خمترص املزين (‪ )180/8‬وقال‪(« :‬قال الشافعي)‪ :‬فبهذا‬


‫نأخذ فام حدث يف ملك املشرتي من غلة ونتاج ماشية وولد أمة فكله يف معنى الغلة ال‬
‫يرد منها شيئ ًا ويرد الذي ابتاعه وحده»‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫نقلها وإنام اشرتط عليه محلها فيكون ذلك كبي ٍع وإجارة ٍفيجوز عىل املشهور‬
‫من املذهب يف جواز اشتامل عقد واحد عىل بيع وإجارة»(((‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬رد املعيب إذا كان توصيله عن طريق الوسيط‪:‬‬
‫ختتص بتقديم‬
‫ُّ‬ ‫انترش يف اآلونة األخرية عد ٌد من الرشكات الوسيطة التي‬
‫اخلدمات يف استالم البضائع وقبضها نياب ًة عن املشرتي يف ٍ‬
‫بلد من البلدان‪،‬‬
‫فيتفق املشرتي مع هذه الرشكات عىل استالم مشرتياته وبضائعه يف البلد‬
‫اآلخر‪ ،‬مع ما حتتاجه إليه من جتمع الشحنات املتفرقة‪ ،‬وتغليفها‪ ،‬وترتيب‬
‫البضائع بام يساعد عىل ختفيض كلفة الشحن عىل املشرتي‪ ،‬ومن ثم شحنها‬
‫إليه(((‪.‬‬
‫فإذا اتفق الطرفان يف عقد البيع عىل تك ُّفل البائع بإيصال املبيع إىل هذا‬
‫وكيل عن املشرتي يف االستالم فيأخذ أحكامه‪،‬‬ ‫الوسيط‪ ،‬فهذا الوسيط هنا ٌ‬
‫وحمل القبض يف هذا العقد هو املحل الذي تسلم فيه الوسيط املبيع‪ ،‬فإذا أراد‬
‫فإن عليه كلفة رده إىل هذا الوسيط‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫معيب يف هذا احلال َّ‬ ‫املشرتي رد‬
‫َّ‬
‫وتأخر البائع عن استالمها؛‬ ‫وإذا رد املشرتي املعيب إىل هذا الوسيط‬
‫ٍ‬
‫وختزين‬ ‫ٍ‬
‫حفظ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ مطالبة البائع بكل ما حتتاجه السلعة من‬ ‫َّ‬
‫فإن للمشرتي‬

‫((( التلقني (‪.)904/2‬‬


‫((( كام هو احلال يف صناديق الربيد الوسيطة يف استالم البضائع أو ما يسمى بوسطاء النقل‬
‫أو الشحن‪ ،‬وهي رشكات متكن كافة املتسوقني ‪-‬غري املقيمني يف بلد البائع الذي ال‬
‫يوفر خدمات الشحن ‪-‬من الرشاء من هذه املواقع‪ ،‬وتتكفل بنقل مشرتياهتم إليهم‪ ،‬مع‬
‫خدمات تشمل القيام بإجراءات النقل من‪ :‬مجارك وإعفاء من الرضائب وختزين‬ ‫ٍ‬ ‫تقديم‬
‫تلك البضائع أو جتميعها ملدة معينة قبل إرساهلا‪ ،‬ونحوه‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫واجب عىل البائع كام‬


‫ٌ‬ ‫وموق ٍع ونحوه لدى الوسيط؛ َّ‬
‫ألن قبض السلعة املعيبة‬
‫سبق بيانه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حمدد لرده‪:‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬رد املعيب إذا اتفق الطرفان عىل موق ٍع‬
‫ٍ‬
‫مكان لرد املبيع املعيب من دون‬ ‫ٍ‬
‫رشط لتحديد‬ ‫إذا نص عقد البيع عىل‬
‫الرجوع إىل حمل القبض؛كأن يكون البائع رشط رد السلعة إذا ظهر عيبها إىل‬
‫حمله أو حدَّ د مكان ًا آخر غري حمل القبض فام احلكم هنا؟‬
‫رشط ال حيل حرام ًا وال حيرم‬
‫ٌ‬ ‫الذي يظهر ‪-‬واهلل تعاىل أعلم‪َّ -‬‬
‫أن هذا‬
‫حالالً؛ فاألصل جوازه ملا روى أبو هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪‬‬
‫أن البائع رشط رشط ًا لنفعه لئال‬
‫قال‪(( :‬املسلمون عىل رشوطهم))(((‪ ،‬وغايته َّ‬
‫يترضر بكلفة رد العني املعيبة إىل حمله والتي تكون ‪-‬غالب ًا‪-‬أكثر كلف ًة من‬
‫َّ‬
‫كبري من البضائع‪ ،‬ولذا فيكون‬ ‫ٍ‬
‫ألن الشحن يكون لعدد ٍ‬ ‫قيمة شحنها ابتدا ًء؛ َّ‬
‫ثمنه أقل‪ ،‬أما الرد فيحتاج عىل مزيد ٍ‬
‫كلفة وعمل‪.‬‬
‫وكذا احلال‪ :‬لو اشرتط املشرتي مكان ًا معين ًا يرد إليه املعيب؛ كأن يشرتي‬
‫من البائع يف بلده‪ ،‬ثم يشرتط عليه إذا وجده معيب ًا أن حيرض البائع الستالمه‬
‫من بيته؛ فيلزم البائع حينئذ‪.‬‬

‫((( رواه أبو داود يف أول كتاب األقضية‪ ،‬باب يف الصلح رقم‪ ،)16/4( )3594( :‬ورواه‬
‫البيهقي يف السنن الصغرى برقم‪ ،)307/2( )2105( :‬ورواه الدارقطني برقم‪:‬‬
‫وصححه األلباين يف إرواء‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)426/3( )2890‬واحلاكم يف املستدرك ‪،)57/2‬‬
‫الغليل (‪ ،)142/5‬وقال ابن قدامة‪« :‬استشهد به البخاري» املغني (‪.)494/3‬‬

‫‪192‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫المبحث الثالث‬
‫ضمان المعيب واالستفادة منه أثناء رده‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ضمان المعيب وقت رده‪:‬‬

‫إذا تسلم املشرتي السلعة بنفسه أو بوكيله ثم وجدها معيب ًة فاختار‬


‫ٍ‬
‫وقت؛ نظر ًا لتباعد طريف العقد كام يف عقود التجارة‬ ‫الرد واحتاج الرد إىل‬
‫ٍ‬
‫زمن‬ ‫اإللكرتونية املعارصة؛ فالشحن إىل بلد القبض وحمله قد حيتاج إىل‬
‫طويل للتواصل مع البائع والتنسيق مع رشكة الشحن التي ستستلم املعيب‬ ‫ٍ‬
‫ونحوه‪ ،‬واملشرتي هنا غري مفرط يف بقاء يده عىل املعيب‪ ،‬بل قد يترضر من‬
‫يتأخر البائع يف استالمها من حمل قبضها فعىل من‬‫طول مدة االستالم إذا قد َّ‬
‫يقع ضامن السلعة املعيبة من حني اختيار املشرتي للرد إىل استالم البائع هلا؟‬
‫وللفقهاء يف ضامن املعيب بعد الفسخ وقبل استالم البائع له قوالن‬
‫مها(((‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬وهو املقرر عند فقهاء الشافعية(((‪ :‬أن يد املشرتي عىل‬
‫املبيع املقبوض يد ملك؛ فإذا فسخ العقد بالعيب فتكون يده يد ضامن عليه‪.‬‬

‫((( ينبغي التنبيه إىل أن املراد هنا إذا اختار املشرتي الفسخ ورد املعيب إىل البائع واقتىض‬
‫هذا زمن ًا فام حكم الضامن يف هذا الزمن؟ وليس املراد بحث ضامن املعيب يف يد املشرتي‬
‫قبل اختياره الفسخ والرد‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع (‪ ،)159/12‬الغرر البهية يف رشح البهجة الوردية (‪ ،)464/2‬حاشية‬
‫البجريمي عىل اخلطيب (‪.)42/3‬‬

‫‪193‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫قال زكريا األنصاري ‪« :‬مؤنة الرد للمبيع بعد الفسخ بالعيب أو‬
‫غريه؛ كالفسخ باخليار (عىل املشرتي) ألنه ضامن للمبيع كام ذكره بقوله‪:‬‬
‫(ويده ضامنة)»(((‪.‬‬
‫وع َّلل البجريمي ‪ ‬هذا بقوله‪« :‬وإذا فسخ املشرتي البيع كان املبيع‬
‫يف يده مضمون ًا عليه ألنَّه أخذه عىل حكم َّ‬
‫الضامن»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأدلة منها(((‪:‬‬ ‫واستدلوا لذلك‬
‫‪1.‬حديث سمرة بن جندب ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((عىل اليد ما أخذت حتى تؤديه))(((‪ ،‬فال تربأ الذمة إال بالتأدية‪.‬‬
‫‪2.‬القياس عىل العارية املؤقتة إذا انقضت مدهتا فضامهنا عىل املستعري‬
‫حتى يردها؛ ألنه قبضها ملصلحة نفسه(((‪.‬‬
‫أن ظاهر حديث املرصاة((( يدل عىل أن ما حدث يف يد املشرتي‬ ‫‪َّ 3.‬‬
‫مضمون عليه‪َّ ،‬‬
‫فإن الترصية عيب‪ ،‬ومل يسقط عن املشرتي ضامن اللبن(((‪.‬‬

‫أسنى املطالب (‪ ،)77/2‬واملقوس من النص هو نص الكتاب املرشوح وهو‪ :‬كتاب‬ ‫(((‬


‫روض الطالب وهناية مطلب الراغب إلسامعيل بن املقري الشافعي‪.‬‬
‫حاشية البجريمي عىل اخلطيب (‪.)42/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املجموع (‪ ،)159/12‬أسنى املطالب (‪.)77/2‬‬ ‫(((‬
‫سبق خترجيه‪.‬‬ ‫(((‬
‫انظر يف هذه املسألة‪ :‬الذخرية (‪ ،)200/6‬روضة الطالبني (‪ ،)157/3‬املغني‬ ‫(((‬
‫(‪.)164/5‬‬
‫سبق خترجيه ص(‪.)164‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني (‪.)115/4‬‬ ‫(((‬

‫‪194‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ويناقش‪ :‬بأن ضامن اللبن بصاع من التمر إنام هو عن اللبن املوجود يف‬
‫الرضع وقت العقد ومل جيعل الصاع عوض ًا عام حدث من اللبن فيام بعد(((‪.‬‬
‫كام يناقش‪ :‬بأن الضامن يف احلديث حمله قبل اختيار املشرتي الفسخ إذ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من ضامنه‪.‬‬ ‫املبيع‬
‫‪4.‬أن أصل يد املشرتي عىل العني املشرتاة الضامن؛ إذ إن ضامن العني‬
‫املشرتاة انتقل من البائع بمجرد تسليمه ليد املشرتي‪.‬‬
‫وقد ق َّعد الشافع َّية يف هذا الباب قاعد ًة(((‪َّ :‬‬
‫بأن كل ما وجب مؤونة رده‬
‫طرف فضامنه عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عىل‬
‫واملتأ ِّمل جيد أن اجلمع بني وجوب الرد والضامن حمل نظر؛ ولذا ناقش‬
‫النووي ‪ ‬هذا القول فقال‪« :‬رصح الرافعي َّ‬
‫بأن مؤونة الرد بعد الفسخ‬
‫عىل املشرتي ورصح هو واملتويل بأنَّه لو هلك يف يده ضمنه‪ ،‬وقد يقال‪ :‬ينبغي‬
‫أن يكون حكمه حكم األمانات الرشعية والعني املستأجرة بعد انقضاء املدة‬
‫فيجب عليه الرد لكن ليست العني مضمونة عليه وحكم املؤونة يف زمن‬
‫الرد حكمها يف العني املستأجرة بعد انقضاء املدة»‪.‬‬
‫ثم أجاب عليه فقال‪« :‬لكن اجلواب عن هذا‪َّ :‬‬
‫أن أصل هذه اليد الضامن‬
‫فيستصحب حكمها؛ كالعارية املؤقتة إذا انقضت‪ ،‬بخالف العني املستأجرة‬
‫فإنا كانت أمانة»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫((( انظر‪ :‬إعالم املوقعني عن رب العاملني (‪.)16/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع (‪ ،)159/12‬حاشية البجريمي عىل اخلطيب (‪.)42/3‬‬
‫((( (املجموع (‪.)159/12‬‬

‫‪195‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ألن الرد حصل بالعيب‬ ‫ويناقش هذا بالفرق بني العارية وبني رد املبيع؛ َّ‬
‫الذي يوجب الفسخ؛ فإذا فسخ املشرتي َّ‬
‫فإن املعيب حصل بيده بغري تعدٍّ ‪،‬‬
‫وقبضه له يف هذه احلالة ملصلحة مالكه وهو البائع فتكون يده يد أمانة‪،‬‬
‫وليس احلال كذلك يف العارية‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أن املعيب بعد الفسخ أمان ٌة بيد‬
‫القول الثاين‪ :‬ذهب فقهاء احلنابلة إىل َّ‬
‫املشرتي فال يضمنه إال بالتعدي أو التفريط(((‪.‬‬
‫قال يف «نيل املآرب»‪« :‬واملبيع بعد الفسخ أمان ٌة بيد املشرتي رصح به‬
‫أبو اخلطاب يف «انتصاره»‪ ،‬والقايض‪ ،‬وابن عقيل‪ ،‬وذلك ألنَّه حصل يف يده‬
‫تعد‪ ،‬لكن إن قرص يف رده حتى تلف‪ ،‬ضمنه‪َّ ،‬‬
‫ألن ذلك تفريط منه؛ كام‬ ‫بغري ٍ‬
‫لو أطارت الريح إىل داره ثوب ًا فقرص يف رده حتى تلف»(((‪.‬‬
‫ويفهم هذا ‪-‬أيض ًا‪ -‬من بعض فقهاء احلنفية؛ قال ابن نجيم ‪« :‬اطلع‬
‫عىل ٍ‬
‫عيب بالغالم أو الدابة فلم جيد املالك فأطعمه وأمسكه ومل يترصف فيه‬
‫بام يدل عىل الرضا؛ يرده لو حرض ويرجع بالنقصان إن هلك»(((‪ ،‬فرجوعه‬
‫بالنقص عند اهلالك يدل عىل أن يده يد أمانة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأدلة منها(((‪:‬‬ ‫واستدلوا لذلك‬

‫انظر‪ :‬دليل الطالب (‪ ،)130/1‬نيل املآرب برشح دليل الطالب (‪ ،)348/1‬منار‬ ‫(((‬
‫السبيل (‪.)321/1‬‬
‫نيل املآرب برشح دليل الطالب (‪.)348/1‬‬ ‫(((‬
‫البحر الرائق البن نجيم (‪.)40/6‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬منار السبيل (‪ ،)321/1‬املجموع (‪.)159/12‬‬ ‫(((‬

‫‪196‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫‪1.‬أن املعيب أصبح حتت يد املشرتي بدون تعدٍّ منه‪.‬‬


‫‪2.‬القياس عىل ضامن العني املستأجرة بعد انقضاء املدة؛ إذ جيب عىل‬
‫املستأجر ردها لكن ليست مضمونة يف يد املستأجر(((‪.‬‬
‫‪3.‬أن قبض املشرتي له بعد اختياره للرد إنام هو قبض ملصلحة البائع‬
‫فتكون يده يد أمانة ال ضامن‪.‬‬
‫والراجح واهلل أعلم أن يد املشرتي عىل املعيب يد أمانة فال يضمن إال‬
‫إذا تعدى أو فرط؛ ومن التفريط تأخري تسليم املعيب للبائع ونحوه؛ قال‬
‫النووي ‪« :‬كام َّ‬
‫أن تأخري الرد مع اإلمكان تقصري»(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستفادة من المعيب أثناء الرد‪:‬‬

‫حيق للمشرتي االستفادة من العني املشرتاة واستغالهلا حتى يتبني له‬


‫عيبها؛ وقد ال يتبني العيب إال بعد مدة‪ ،‬وقد حيتاج إىل االستعامل بعد ظهور‬
‫العيب لينظر يف قدر العيب‪ ،‬قال ابن قدامة ‪« :‬وإن استخدم األمة‬
‫ليختربها‪ ،‬أو لبس القميص ليعرف قدره‪ ،‬مل يسقط خياره؛ ألن ذلك ليس‬
‫برضا باملبيع‪ ،‬وهلذا ال يسقط به خيار الرشط»(((‪.‬‬
‫وليس هذا هو املراد هنا بل املراد‪ :‬حكم استفادة املشرتي من العني‬
‫املعيبة بعد ثبوت العيب واختياره للفسخ الرد؛ إذ إن عملية رد املعيب‬
‫((( انظر يف املسألة‪ :‬البناية رشح اهلداية (‪ ،)155/10‬اجلوهرة النرية (‪ ،)263/1‬املغني‬
‫(‪.)396/5‬‬
‫((( روضة الطالبني (‪.)481/3‬‬
‫((( املغني (‪.)124/4‬‬

‫‪197‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫املشرتي ٍ‬
‫بعقد إلكرتوين تتطلب مزيد ًا من الوقت واالنتظار نظر ًا لبعد البائع‬
‫غالب ًا عن املشرتي‪ ،‬أو ألهنا يف الغالب حتتاج إىل رشكة نقل مما يتأخر غالب ًا؛‬
‫لذا جاءت مسألة حكم استفادة املشرتي من العني املعيبة ما دامت حتت يده‬
‫وبعد اختياره الفسخ والرد وقبل استالم البائع هلا؟‬
‫أجاز الفقهاء للمشرتي االنتفاع بغلة املعيب وقت رده؛ كاللبن يف الرضع‬
‫أو غلة البستان وثمرته(((‪ ،‬قال اللخمي املالكي ‪« :‬االنتفاع باملعيب‬
‫ٍ‬
‫حائط كان له أن ينتفع‬ ‫بعد معرفة العيب عىل ثالثة أوجه‪ :‬فإن كان يف ٍ‬
‫دار أو‬
‫بالغالت يف حالة املخاصمة»(((‪ ،‬وعللوا ذلك(((‪:‬‬
‫‪1.‬أن هذه الغلة من العني املعيبة ملك للمشرتي ألهنا نتجت حتت يده‬
‫وهي مقابل نفقته عىل العني فتكون له(((‪.‬‬
‫‪2.‬أن يف ترك هذه الغلة دون انتفاع هبا ضياع هلا‪ ،‬بل قد ترض بالعني‬
‫املعيبة كاللبن يف الرضع‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الذخرية (‪ ،)79/5‬املغني (‪.)115/4‬‬ ‫(((‬


‫التبرصة للخمي (‪.)4430/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الذخرية (‪ ،)79/5‬أما الشافعية فالرد عندهم واجب عىل الفور ويبطل اخليار‬ ‫(((‬
‫عندهم بالتأخري‪ .‬انظر‪ :‬فتح العزيز برشح الوجيز (‪.)347/8‬‬
‫سبق بيان أن ما حتتاج العني من مؤنة لردها من نفقة وحفظ وتوصيل ونحوها فإهنا عىل‬ ‫(((‬
‫املشرتي كام يف املطلب األول من املبحث األول‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫أما ما سوى الغلة من االستفادة فال حيل للمشرتي االنتفاع به بعد‬


‫اختياره الرد؛ كاالستفادة من منفعة العني نفسها؛ كلبس الثوب أو استعامل‬
‫الدابة ونحوها‪ ،‬بل نصوا عىل َّ‬
‫أن هذا إذا كثر يسقط خياره يف ردها(((‪.‬‬
‫قال يف «الدر املختار»‪« :‬االستخدام بعد العلم بالعيب ليس برضا‬
‫استحسان ًا؛ ألن الناس يتوسعون فيه فهو لالختبار؛ ويف «البزازية»‪ :‬الصحيح‬
‫أنه رضا يف املرة الثانية»(((‪.‬‬
‫وقال اجلويني ‪« :‬واالنتفاع بعد العثور عىل العيب واالطالعِ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حلظة بطل حقه»(((‪.‬‬ ‫ب غال ٍم فاستخدمه ولو يف‬
‫حق الر ِّد‪ ،‬فإذا علم َع ْي َ‬
‫ُيبطل َّ‬
‫بل قال الغزايل ‪« :‬ويرتك االنتفاع يف احلال‪ ،‬وينزل عن الدابة إن‬
‫كان راكبا»(((‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ ‬يف استعامل العني املعيبة لغري اختبارها‪« :‬وإن‬
‫استخدمها لغري ذلك استخدام ًا كثري ًا بطل رده‪ ،‬فإن كانت يسرية ال ختتص‬
‫امللك مل يبطل اخليار»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)70/6‬جممع األهنر (‪ ،)50/2‬التبرصة للخمي (‪،)4430/9‬‬ ‫(((‬


‫روضة الطالبني (‪ ،)481/3‬أسنى املطالب (‪ ،)70/2‬املبدع يف رشح املقنع (‪،)95/4‬‬
‫اإلنصاف (‪.)427/4‬‬
‫الدر املختار (‪.)44/5‬‬ ‫(((‬
‫هناية املطلب (‪.)249/5‬‬ ‫(((‬
‫العزيز رشح الوجيز املعروف بالرشح الكبري (‪.)253/4‬‬ ‫(((‬
‫املغني (‪ )124/4‬وتتمته‪« :‬قيل ألمحد‪ :‬إن هؤالء يقولون‪ :‬إذا اشرتى عبد ًا‪ ،‬فوجده‬ ‫(((‬
‫معيب ًا فاستخدمه بأن يقول‪ :‬ناولني هذا الثوب‪ .‬يعني بطل خياره‪ .‬فأنكر ذلك‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫وقال ابن مفلح ‪« :‬إن استخدم ال لالختبار بطل رده بالكثري»(((‪.‬‬


‫وعللوا ذلك(((‪:‬‬
‫‪1.‬أن العني املعيبة يف هذه احلال ملك للبائع فال حيل للمشرتي االستفادة‬
‫منها إال بإذنه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ نقص ًا هلا وهذا النقص ليس غلة بل إنه من‬ ‫‪2.‬أن يف استعامل العني‬
‫ثمن العني نفسها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يشعر برضاع به فيسقط خياره‪.‬‬ ‫‪3.‬أن استفادته من املعيب‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من اخلراج الذي يستحقه املشرتي مقابل‬ ‫وال يقال إن االستفادة‬
‫الضامن والنفقة؛ ألن االستفادة هنا ليست من اخلراج أو الغلة بل هو من‬
‫العني نفسها وهي ال متلك بمجرد النفقة‪.‬‬
‫وعىل هذا فال حيل للمشرتي االستفادة أو االنتفاع بالعني املعيبة مطلق ًا‪،‬‬
‫ولو طال بقاؤها لديه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫من قال هذا؟ أو من أين أخذوا هذا؟ ليس هذا برىض حتى يكون يشء يبني‪ .‬وقد نقل‬
‫عنه يف بطالن اخليار باالستخدام روايتان‪ .‬وكذلك خيرج هاهنا»‪.‬‬
‫((( الفروع (‪.)246/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬التبرصة للخمي (‪ ،)4430/9‬أسنى املطالب (‪ ،)67/2‬حتفة املحتاج‬
‫(‪.)373/4‬‬

‫‪200‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫الخاتمة‬
‫يف هناية هذه البحث أمحد اهلل وأثني عليه عىل توفيقه وتيسريه‪ ،‬وأذكر‬
‫عدد ًا من النتائج والتَّوصيات التي توصلت إليها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬النتائج‪:‬‬
‫ـ األصل يف مؤونة وتكلفة رد السلعة املعيبة َّأنا عىل املشرتي‪ ،‬ويقابل‬
‫هذا‪َّ :‬‬
‫أن ر َّد الثمن جيب عىل البائع‪ ،‬وعىل هذا مجاهري الفقهاء‪.‬‬
‫فإن تكلفة الرد عليه؛ َّ‬
‫ألن تسليم‬ ‫ـ إذا ثبت علم البائع بالعيب قبل البيع َّ‬
‫املعيب مع العلم بعيبه تعدٍّ وتغرير؛ فيضمن املتعدي والغار ما ترتب عىل‬
‫فعلهام‪.‬‬
‫أن‬‫‪-‬بأي حال‪ -‬فالذي يظهر َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ـ إذا كانت السلعة املعيبة ال ُينتفع هبا‬
‫املشرتي غري ملزم بالرد هنا‪ ،‬ألنَّه ال فائدة من ردها‪ ،‬بل يرجع عىل البائع‬
‫بالثمن دون رد املعيب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ممكنة؛ نظر ًا‬ ‫ـ التخلية يف العقود املعارصة وخصوص ًا اإللكرتونية غري‬
‫لكون املشرتي والبائع يف بلدين خمتلفني‪ ،‬وقد تكون السلعة يف بلد ثالث؛‬
‫لذا فيحتاج املبيع إىل تسليم وتوفية‪.‬‬
‫ـ حمل القبض هو املكان الذي متكَّن املشرتي فيه من استالم البضاعة‬
‫والتَّرصف فيها وأصبحت حتت يده مستقر ًة يف ملكه‪ ،‬وهذا قد يكون يف حمل‬
‫البائع‪ ،‬وقد يكون يف حمل املشرتي فيام إذا أحرضه البائع للمشرتي أو تك َّفل‬
‫البائع بنقله للمشرتي وتسليمه إياه يف موضعه‪ ،‬وقد يكون يف مكان يتفقان‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ـ األصل يف رد السلعة املعيبة أن يكون إىل موضع قبضها‪ ،‬فيجب عىل‬


‫املشرتي كلفة ردها إىل هذا املوضع‪ ،‬وعىل البائع تسلمها يف هذا املوضع‪،‬‬
‫ويقابل هذا َّ‬
‫أن عىل البائع رد الثمن إىل مكان قبضه من املشرتي‪.‬‬
‫ـ إذا اشرتط البائع عىل نفسه تسليم العني املشرتاة إىل املشرتي يف حمله؛‬
‫فإن حمل القبض هنا هو مكان‬ ‫فنقلها إليه بنفسه أو حتمل مصاريف النقل؛ َّ‬
‫يتحمل‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫بعيب فال‬ ‫االستالم وهو مكان املشرتي وحمله‪ ،‬فإن أراد املشرتي الرد‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تكلفة شحنها إىل البائع‪ ،‬بل يلزم البائع استالم العني املعيبة حيث‬
‫س َّلمها للمشرتي يف حمله‪ ،‬فإن احتاجت العني إىل تكلفة يف نقلها من حمل‬
‫القبض إىل حمل البائع فتكون يف مال البائع‪َّ ،‬‬
‫ألن كلفة الرد التي يتحملها‬
‫املشرتي تكون إىل موضع القبض فحسب‪.‬‬
‫ـ إذا اشرتى املشرتي ومل يتسلم املبيع يف حمل البائع ومل يتك َّفل البائع بنقل‬
‫املبيع إىل حمل املشرتي ورغب املشرتي بإرسال املبيع إليه عىل نفقته فالذي‬
‫أن حمل القبض هنا هو حمل البائع‪ ،‬ويكون توكيل املشرتي للبائع ‪-‬أو‬ ‫يظهر َّ‬
‫ال له يف استالمه ومن ثم إرساله‪ ،‬فيكون حمل القبض‬ ‫لغريه‪ -‬بنقله إليه توكي ً‬
‫هو حمل البائع‪.‬‬
‫وسيط؛ كرشكات الشحن‬ ‫ٍ‬ ‫ـ إذا كان استالم املشرتي للمبيع عن طريق‬
‫ال للمشرتي يف القبض واالستالم‪،‬‬ ‫فإن هذا الوسيط يكون وكي ً‬ ‫ونحوها؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ويأخذ أحكامه يف هذا‪ ،‬فإذا وجد املشرتي املبيع معيب ًا َّ‬
‫فإن عليه الرد‬
‫إىل املوضع الذي تسلم فيه الوسيط هذا املبيع‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ٍ‬
‫مكان لرد املبيع املعيب من دون‬ ‫ٍ‬
‫رشط بتحديد‬ ‫ـ إذا نص عقد البيع عىل‬
‫صحيح وملزم للطرفني‪.‬‬‫ٌ‬ ‫الرجوع إىل حمل القبض؛ فهذا الرشط‬
‫ـ الراجح أن يد املشرتي عىل املعيب يد أمانة فال يضمن إال إذا تعدى أو‬
‫فرط؛ ومن التفريط تأخري تسليم املعيب للبائع ونحوه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬التَّوصيات‪:‬‬
‫ـ من النقاط املهمة التي جيب أن تشمل عليه عقد التجارة اإللكرتونية‬
‫حتديد موض ٍع لقبض املبيع‪ ،‬ومكان تسليم السلعة املعيبة نص ًا‪ ،‬وكذا النص‬
‫حتمل أحد‬
‫يتحمل التكلفة وضامن السلعة حينئذ؛ ألنَّه يرتب كلفة يف ُّ‬
‫َّ‬ ‫عىل من‬
‫الطرفني ملؤونة شحنه هلذا املوضع‪ ،‬وهي كلف ٌة عالي ٌة قد ترض بأحد الطرفني؛‬
‫لذا كان ال بد من بياهنا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واضحة‬ ‫ٍ‬
‫أنظمة‬ ‫ـ جيب عىل الوزارة املعنية كوزارة التجارة ونحوها وضع‬
‫لرد البضائع واسرتجاعها وبيان ما ألحد الطرفني اشرتاطه من هذه األنظمة‬
‫وما ليس له؛ بنا ًء عىل األحكام الرشعية الواردة يف هذا‪.‬‬
‫ـ التوصية بمراجعة الرشكات لرشوط وسياسات االسرتجاع لدهيا بام‬
‫يوافق الضوابط واألحكام الرشعية‪ ،‬وعدم االكتفاء باقتباسها وترمجتها من‬
‫رشكات أخرى‪ ،‬إذ قد تكون خمالفة ألحكام الرشيعة‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬نحمد اهلل تعاىل عىل ما م َّن به‪ ،‬ونسأله التوفيق والسداد‪..‬‬
‫وصىل اهلل عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وس َّلم تسلي ًام كثري ًا‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫فهرس مصادر البحث ومراجعه‬


‫‪1.‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬عالء الدين بن أمحد املرداوي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬األم‪ ،‬لإلمام حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬ج‪ ،8‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪3.‬األشباه والنظائر عىل مذهب أيب حنيفة النعامن‪ ،‬زين العابدين ابن نجيم‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بريوت‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬األشباه والنظائر‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد السيوطي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫‪5.‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬حممد بن أيب بكر الزرعي ابن قيم اجلوزية‪،‬‬
‫ج‪ ،4‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪6.‬اإلنصاف‪ ،‬عيل بن سليامن بن أمحد املرداوي‪ ،‬ج‪ ،12‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪7.‬اإلمجاع‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد الرب‪ ،‬مجع فؤاد الشلهوب وعبد الوهاب‬
‫الشهري‪ ،‬دار القاسم‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪8.‬البحر الرائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬زين الدين ابن نجيم‪ ،‬ج‪ ،8‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪9.‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ ،‬أبو بكر مسعود الكاساين‪ ،‬ج‪ ،7‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ ‪10.‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬لإلمام أيب الوليد ابن رشد‪ ،‬ت‪ :‬عبد املجيد‬
‫طعمة حلبي‪ ،‬دار املعرف بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬تفسري البغوي «معامل التنزيل»‪ ،‬لإلمام حميي السنة أيب حممد احلسني بن مسعود‬
‫البغوي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪12.‬التلقني يف الفقه املالكي‪ ،‬للقايض أبو حممد البغدادي املالكي‪ ،‬ت‪ :‬حممد ثالث‬
‫سعيد الغاين‪ ،‬املكتبة التجارية‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ ‪13.‬التعريفات‪ ،‬للرشيف عيل بن حممد اجلرجاين‪ ،‬ت‪ :‬مجاعة من العلامء‪ ،‬دار‬


‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪14.‬التاج واإلكليل رشح خمترص خليل‪ ،‬حممد ابن عبد الرمحن احلطاب‪ ،‬ج‪ ،6‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫ ‪15.‬تبني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬عثامن بن عيل الزيلعي‪ ،‬ج‪ ،6‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪16.‬حتفة املحتاج يف رشح املنهاج‪ ،‬أمحد بن حممد ابن حجر اهليتمي‪ ،‬ج‪ ،10‬دار‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪17.‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬عبد الرمحن بن نارص السعدي‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪18.‬حتفة األحوذي برشح جامع الرتمذي‪ ،‬حممد بن عبد الرمحن املباركفوري‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ومؤسسة التاريخ العريب‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‬
‫ ‪19.‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬عامد الدين أيب الفداء إسامعيل بن كثري‪ ،‬إرشاف حممود‬
‫عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬مكتبة الرشد الرياض‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪20.‬حاشية الروض املربع رشح زاد املستقنع‪ ،‬عبد الرمحن بن قاسم‪ ،‬ط‪1416 ،6‬هـ‪.‬‬
‫ ‪21.‬حاشية البجريمي عيل اخلطيب‪ ،‬سليامن بن حممد البجريمي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪22.‬حاشية الدسوقي عيل الرشح الكبري‪ ،‬حممد ابن عرفة الدسوقي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪23.‬حاشية الصاوي عىل الرشح الصغري‪ ،‬أبو العباس أمحد الصاوي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار‬
‫املعارف‪.‬‬
‫ ‪24.‬حاشية البجريمي عىل املنهج‪ ،‬سليامن بن حممد البجريمي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار الفكر‬
‫العريب‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ ‪25.‬رد املحتار عىل الدر املختار‪ ،‬حممد أمني بن عمر ابن عابدين‪ ،‬ج‪ ،6‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ ‪26.‬زاد املسري يف علوم التفسري‪ ،‬ابن اجلوزي‪ ،‬دار احلياء الرتاث العريب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫ ‪27.‬سنن أيب داود‪ ،‬أبو داود السجستاين‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪28.‬سنن النسائي‪ ،‬برشح احلافظ جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار املعرفة بريوت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬الرشح الكبري‪ ،‬شمس الدين أيب الفرج بن قدامة املقديس‪ ،‬ت‪ :‬عبد اهلل بن‬
‫عبد املحسن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪30.‬رشح خمترص خليل للخريش‪ ،‬حممد بن عبد اهلل اخلريش‪ ،‬ج‪ ،8‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪31.‬رشح منتهى اإلرادات‪ ،‬منصور بن يونس البهويت‪ ،‬ج‪ ،3‬عامل الكتب‪.‬‬
‫ ‪32.‬رشح مسلم‪ ،‬حييى بن رشف النووي‪ ،‬دار اخلري‪ ،‬ط‪1416 ،3‬هـ‪.‬‬
‫ ‪33.‬طرح التثريب‪ ،‬عبد الرحيم بن احلسني العراقي‪ ،‬ج‪ ،8‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪.‬‬
‫ ‪34.‬الفروع‪ ،‬اإلمام شمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن مفلح القديس احلنبيل‪ ،‬ت‪:‬‬
‫أيب الزهراء حازم القايض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪35.‬فتح القدير‪ ،‬كامل الدين بن عبد الواحد ابن اهلامم‪ ،‬ج‪ ،10‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪36.‬الفتاوى الكربى‪ ،‬تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬ج‪ ،6‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪37.‬الفواكه الدواين‪ ،‬أمحد بن غنيم بن سامل بن مهند النفراوي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪38.‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬ألمحد ابن حجر‪ ،‬دار الريان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫ ‪39.‬القوانني الفقهية‪ ،‬البن جزي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أحكام رد المعيب في البيوع اإللكترونية‬

‫ ‪40.‬منتهى اإلرادات يف مجع املقنع مع التقيح وزيادات‪ ،‬تقي الدين حممد بن أمحد‬
‫الفتوحي احلنبيل الشهري ابن النجار‪ ،‬ت‪ :‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪41.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬منصور بن يونس البهويت‪ ،‬ج‪ ،6‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ ‪42.‬لسان العرب‪ ،‬أليب الفضل ابن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪43.‬املغني‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬ت‪ :‬عبد اهلل عبد املحسن الرتكي وعبد الفتاح حممد احللو‪،‬‬
‫دار عامل الكتب للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪44.‬املقنع‪ ،‬ملوفق الدين أيب حممد عبد اهلل بن قدامة املقديس‪ ،‬ت‪ :‬عبد اهلل بن‬
‫عبد املحسن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪45.‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أليب احلسن ابن فارس‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪46.‬مطالب أويل النهي يف رشح غاية املنتهى‪ ،‬مصطفى بن مسعد بن عبيدة‬
‫الرحيباين‪ ،‬ج‪ ،6‬املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪47.‬مغني املحتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج‪ ،‬حممد الرشبيني اخلطيب‪ ،‬ج‪ ،6‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪48.‬منح اجلليل رشح خمترص خليل‪ ،‬حممد أمني بن عمر ابن عابدين‪ ،‬ج‪ ،6‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪49.‬املحىل باآلثار‪ ،‬عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم‪ ،‬ج‪ ،12‬دار املعرفة‪.‬‬
‫ ‪50.‬املنتقي رشح املوطأ‪ ،‬سليامن بن خلف الباجي‪ ،‬ج‪ ،7‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪51.‬خمتار الصحاح‪ ،‬زين الدين حممد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي‪ ،‬ت‪ :‬محزة‬
‫فتح اهلل‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫ ‪52.‬نيل األوطار‪ ،‬حممد بن الشوكاين‪ ،‬دار الرتاث القاهرة‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫المكلَّ ف في ُع ُروضه‬‫تغير َّنية ُ‬
‫أثر ُّ‬
‫ُ‬
‫حول الزَّ كاة‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫(وتطبيقاتُ ه المعاصرة)‬
‫تطبيقية‬
‫َّ‬ ‫فقهية‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫دراسة‬

‫د‪ .‬نبيل بن محمد بن سعد اللحيدان‬


‫عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن‬
‫في المعهد العالي للقضاء‬

‫‪209‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫المقدمة‬
‫احلمد والثناء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أهل‬‫أنت ُ‬ ‫كر َ‬ ‫ولك ُّ‬ ‫لك احلمدُ تُزكِّي من تشا ُء‪َ ،‬‬ ‫اللهم َ‬
‫الش ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وخري‬ ‫َّيت‪،‬‬‫وعبدك الذي زك َ‬ ‫ِ‬ ‫أرسلت‪،‬‬‫َ‬ ‫صل وس ِّلم عىل نب ِّيك الذي‬ ‫اللهم ِّ‬ ‫َّ‬
‫اصطفيت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خلق َك الذي‬ ‫ِ‬
‫فيه‪ِ ،‬‬ ‫أعمل هبا ِ‬ ‫ِ‬
‫وحف ًظا من‬ ‫ُ‬ ‫وقو ًة‬‫احلق‪َّ ،‬‬ ‫بص به َّ‬ ‫فهم ُأ ُ‬ ‫اللهم ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أسألك‬
‫عيل وعافي ًة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رتا َّ‬ ‫وس ً‬ ‫غوائلهام‪َ ،‬‬
‫كاة فأجا َءين ذلِك إىل‬ ‫الز ِ‬ ‫مسألة من مسائل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كنت أقرأ يف‬ ‫أ َّما بعدُ ‪ :‬فقد ُ‬
‫حول زكاة ُعروض التِّجارة‪ ،‬وما ذكر ُه الفقها ُء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البتداء‬ ‫ِ‬
‫واعتبارها‬ ‫مسألة الن َّية‬ ‫ِ‬
‫داو ًرا‬ ‫أخذت فيها ُم ِ‬ ‫ثم‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫أصلوه من أصول‪َّ ،‬‬ ‫أقوال‪ ،‬وما َّ‬ ‫‪ ‬فيها من‬
‫والتقص‬ ‫ِ‬
‫بالبحث‬ ‫أن ممَّا حيس ُن إفرا ُده‬ ‫رأيت َّ‬ ‫ُ‬ ‫ألحوالا حتَّى‬‫ِ‬ ‫ملسائلها‪ ،‬مق ِّل ًبا‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نفع‬ ‫تغي النِّ َّية‪ُ ،‬مريدً ا بذل َك َ‬ ‫أثر الن َّية يف ال ُعروض‪ ،‬باح ًثا ملسألة منها‪ ،‬وهي ُّ‬
‫البحث‬ ‫ِ‬ ‫يكون يف‬ ‫َ‬ ‫البحث‪ ،‬راج ًيا أن‬ ‫ِ‬ ‫ثم من شا َء اهلل ممَّن ي َّطلع عىل هذا‬ ‫نفيس‪َّ ،‬‬
‫حتريرا هلذه‬ ‫ً‬ ‫أن فيه‬ ‫املتخصصني‪ُ ،‬مقدِّ ًما هلم ما أرجو َّ‬ ‫ِّ‬ ‫للباحثني‬
‫َ‬ ‫ما هو ُمفيدٌ‬
‫أهل‬ ‫الباحث إىل رأي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحاجة‬ ‫ِ‬
‫معرت ًفا‬ ‫الفقهاء فيها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملآخذ‬ ‫املسألة‪ ،‬وضب ًطا‬ ‫ِ‬
‫املعرفة‪ ،‬منفكًّا من حويل‬ ‫ونظر أهل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصناعة‪،‬‬ ‫أهل ِّ‬ ‫االختصاص‪ ،‬وتقوي ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫ولطيف رعايتِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وعظيم عونِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كريم مدَ ِده‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقوتِه‪ ،‬راج ًيا‬ ‫حول اهلل َّ‬ ‫ِ‬ ‫وقويت إىل‬ ‫َّ‬
‫قوة يل إال بِه‪.‬‬ ‫حول وال َّ‬ ‫ال َ‬
‫أمه َّية البحث‪:‬‬
‫ِ‬
‫أركان اإلسال ِم‪.‬‬ ‫كن من‬ ‫ِ‬
‫البحث ُبر ٍ‬ ‫ـ تع ُّلق‬

‫‪210‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫الزكاة يف دنيانا‬ ‫ِ‬


‫موارد َّ‬ ‫أحد أكرب‬‫البحث بزكاة ُعروض التِّجارة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـ تع ُّلق‬
‫عاصة‪.‬‬ ‫ا ُمل ِ‬

‫السؤال عنها‪ ،‬وهي مدى هنوض الن َّية‬ ‫ُ‬ ‫يكثر‬ ‫ٍ‬
‫بمسألة‬ ‫ِ‬
‫البحث‬ ‫ـ تع ُّلق‬
‫ُ‬
‫بتحويل العروض من ُعروض ُق ٍ‬ ‫بمجر ِدها‬
‫نية إىل ُعروض جتارة‪ ،‬أو العكس‪.‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫َّ‬
‫كثري من‬ ‫أثر عىل ٍ‬ ‫ِ‬
‫احلول ملا هلا من ٍ‬ ‫ِ‬
‫ابتداء‬ ‫ـ احلاج ُة إىل حترير أثر النِّ َّية يف‬
‫ِ‬
‫معامالت الن ِ‬
‫َّاس‪.‬‬
‫بأن العربة يف عَدِّ املال من ُعروض التِّجارة‬ ‫ِ‬
‫القول بني النَّاس َّ‬ ‫ـ انتشار‬
‫ِ‬
‫املسألة بام ُي ِّل حقيقتَها و َيكشف عن طريقة‬ ‫فأحببت دراسة هذه‬
‫ُ‬ ‫هو الن َّية‪،‬‬
‫ِ‬
‫الفقهاء يف التَّعاطي معها‪.‬‬
‫ُمشكلة البحث‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُغي‬‫تغي ن َّية املك َّلف يف ُعروضه التي يف ملكه‪ ،‬هل ت ّ‬‫ُمشكلة البحث‪ُّ :‬‬
‫حكم ُع ِ‬
‫روضه؟‬
‫فا ُملك َّلف الذي ِ‬
‫تتحول‬
‫ثم نوى حتويلها للتِّجارة هل َّ‬‫روضا لل ُقنية َّ‬
‫يملك ُع ً‬
‫ِ‬
‫احلول من حني نوى؟ أم ال‬ ‫عليه‪ :‬هل يبدأ احتساب‬‫لعروض ِتارة؟ وبناء ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يملك ُعروض ِت ٍ‬
‫ارة ثم أثنا َء‬ ‫تكفي النية بمجر ِدها؟ وكذلك املك َّلف الذي ِ‬
‫َّ ُ َّ‬
‫بمجرد ن َّيتِه وينقطع بذلِك حول‬
‫َّ‬ ‫تتحول‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلول نوى حتويلها لل ُقنية‪ :‬هل‬
‫الزكاة؟‬
‫َّ‬

‫‪211‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫البحث‪:‬‬ ‫ُحدود‬
‫يدخل ِ‬
‫فيه‬ ‫ُ‬ ‫البحث يف أثر الن َّية عىل ُعروض ا ُملك َّلف التي يملكها‪ ،‬فال‬ ‫ُ‬
‫رشوط كون ال ُعروض للتِّجارة‪ ،‬أو ُشوط كون ال ُعروض لل ُقنية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬أصال ًة‪-‬‬
‫بع ٍ‬
‫وض‬ ‫بفعله ِ‬
‫جتارة ابتداء هل هو اكتساهبا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وما الذي جيعل ال ُعروض ُعروض‬
‫ً‬
‫بفعله بن َّية التِّجارة ولو من غري ِعوض إىل‬ ‫بنية التِّجارة‪ ،‬أم يكفي اكتساهبا ِ‬
‫َّ‬
‫آخر ما هو متع ِّلق برشوط اعتبار ال ُعروض ُع َ‬
‫روض جتارة‪.‬‬
‫مال يف ِم ْل ِكه اآلن‪:‬‬ ‫بل هو يبحث يف تغي ن َّيتِه يف ٍ‬
‫ُّ‬
‫ثم نوى جع َلها لل ُقنية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ـ ُعروض جتارة بني يديه َّ‬
‫ِ‬
‫ثم نوى جعلها للتِّجارة‪.‬‬ ‫ـ ُعروض ُقنية بني يديه َّ‬
‫ِ‬
‫الفقهاء هلذه الن َّية‪.‬‬ ‫وما مدى اعتبار‬
‫ومتهيد‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫انتظمت خ َّطة البحث يف مقدِّ مة‬ ‫وقد‬
‫َ‬
‫الرسم اآليت‪:‬‬ ‫عىل َّ‬
‫التَّمهيد‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫ِ‬ ‫األول‪ :‬توضيح‬
‫مفردات العنوان وما يتَّصل هبا‬ ‫املطلب َّ‬
‫ِ‬
‫أنواعها‪:‬‬ ‫املطلب ال َّثاين‪ :‬تعريف ال ُعروض وبيان‬
‫األول‪ :‬تأصيل مسائل البحث‪:‬‬
‫املبحث َّ‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫زكاة ُعروض التِّجارة‪:‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬حكم ِ‬


‫َّ‬
‫الز ِ‬
‫كاة يف ُعروض التِّجارة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لوجوب َّ‬ ‫املطلب ال ّثاين‪ :‬اشرتاط احل ِ‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫الزكاة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املطلب ال َّثالث‪ :‬اشرتاط ن َّي ِة التِّجارة‬
‫حول َّ‬ ‫البتداء‬
‫تغي النِّ َّية يف ال ُعروض‪ ،‬وما يتع َّلق به‪:‬‬
‫املبحث ال ّثاين‪ُّ :‬‬
‫وفيه ثالث ُة مطالب‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِّجارة‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬تغي النية من ال ُق ِ‬
‫نية إىل الت‬ ‫ُّ َّ‬ ‫َّ‬
‫ِّجارة إىل ال ُق ِ‬
‫ِ‬
‫نية‪.‬‬ ‫املطلب ال َّثاين‪ُّ :‬‬
‫نغي الن َّية من الت‬
‫املطلب ال َّثالث‪ُّ :‬‬
‫تغي ن َّية (املرت ِّبص واملدير)‪.‬‬
‫تغي النِّ َّية يف ال ُعروض‪:‬‬
‫تطبيقات معارصة عىل ُّ‬
‫ٌ‬ ‫املبحث ال َّثالث‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫ِ‬
‫املستثمر وا ُمل ِ‬
‫ضارب يف األسهم‪.‬‬ ‫األول‪ُّ :‬‬
‫تغي ن َّية‬ ‫املطلب َّ‬
‫َّ‬
‫املستغلت‪.‬‬ ‫املطلب ال َّثاين‪ُّ :‬‬
‫تغي النِّ َّية يف‬
‫املطلب ال َّثالث‪ُّ :‬‬
‫تغي الن َّية يف األرايض‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫التَّ مهيد‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫مفردات العنوان وما يتَّ صل بها‪:‬‬


‫ِ‬ ‫األول‪ :‬توضيح‬
‫المطلب َّ‬
‫ُ‬
‫احلول‪:‬‬ ‫ً‬
‫أول‪:‬‬
‫اعتباره منذ اكتامل‬
‫َ‬ ‫القمري‪ ،‬ويبدأ‬
‫الزكاة‪ ،‬وهو العا ُم َ‬ ‫ُ‬
‫احلول يف َّ‬ ‫املرا ُد به‬
‫كوي(((‪.‬‬
‫الز ِّ‬ ‫ِ‬
‫نصاب املال َّ‬
‫تغي الن َّية‪:‬‬
‫ثان ًيا‪ُّ :‬‬
‫تغي ن َّية املك َّلف يف ُعروضه التي يف ِم ْلكه من ن َّية‬ ‫ا ُملرا ُد به يف هذا البحث‪ُّ :‬‬
‫التِّجارة إىل ن َّية االقتِناء أو من ن َّية االقتِناء إىل ن َّية التِّجارة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫روض‬ ‫التغي الذي يطرأ عىل النِّ َّية يف ُع‬
‫ُّ‬ ‫فمحل البحث إنَّام هو‬ ‫ُّ‬ ‫وعليه‬
‫ِ‬
‫ِّجارة باتِّفاق أهل العل ِم(((‪،‬‬ ‫يملكها‪ ،‬أ َّما لو اشرتى سلع ًة بن َّية التِّجارة‪ ،‬فهي للت‬
‫ِ‬
‫البحث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مسائل هذا‬ ‫وليست من‬ ‫َ‬

‫((( ينظر‪ :‬اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع (‪ ،)212/1‬واملادة الرابعة عرشة من الالئحة‬
‫التنفيذية جلباية الزكاة الصادرة من اهليئة العامة للزكاة والدخل يف اململكة العربية‬
‫السعودية بالقرار الوزاري رقم ‪ 2216‬وتاريخ ‪1440/7/7‬هـ‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت (‪ ،)169/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬
‫(‪ ،)169/2‬والرشح الكبري‪ ،‬للدردير‪ ،‬مع حاشية الدسوقي (‪ ،)472/1‬واملجموع‪،‬‬
‫للنووي (‪ ،)48/6‬ومغني املحتاج‪ ،‬للرشبيني (‪ ،)398/1‬واملغني‪ ،‬البن قدامة‬
‫(‪ ،)59/3‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬

‫‪214‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫أنواعها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫العروض وبيان‬ ‫المطلب َّ‬
‫الثاني‪ :‬تعريف ُ‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬تعريف ال ُعروض‪:‬‬
‫الفرع َّ‬
‫ُ‬
‫مال سوى‬ ‫كل ٍ‬ ‫الر ِاء(((‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫ِ‬
‫ض بسكون َّ‬ ‫مجع َع ْر ٍ‬
‫ال ُع ُروض لغ ًة‪ :‬ال ُعروض ُ‬
‫ِ‬
‫واحليوان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العقار‪،‬‬ ‫مال ِسوى‬ ‫كل ٍ‬ ‫بعض أهل ال ُّل ِ‬
‫غة إىل أنَّه ُّ‬ ‫َّقدين‪ ،‬وذهب ُ‬ ‫الن ِ‬
‫ِ‬
‫واملوزون(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واملكيل‪،‬‬
‫أوسع‬ ‫َ‬ ‫الفقهاء‪ :‬فال خيفى َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّأما ال ُعروض يف اصطالحِ‬
‫يب َ‬ ‫اللسان العر َّ‬ ‫أن‬
‫بأحد هذه املعاين أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيعم معاين عدَّ ٍة‪ُّ ،‬‬
‫ببعضها‪،‬‬ ‫خيتص‬ ‫ُّ‬ ‫وكل اصطالح‬ ‫دالل ًة َّ‬
‫مال سوى النَّقدين(((‪.‬‬ ‫أن ال ُعروض‪ :‬ك ُُّل ٍ‬ ‫والذي عليه الفقهاء َّ‬
‫والسائمة‪ ،‬لكان أجرى عىل فروع‬ ‫مال سوى النَّقدين‬ ‫كل ٍ‬ ‫قيل‪ُّ :‬‬‫ولو َ‬
‫َّ‬
‫ثم‬ ‫خمتصة يف ِ‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء‪َّ ،‬‬
‫الزكاة‪َّ ،‬‬ ‫باب َّ‬ ‫بلغت نصا ًبا فلها أحكا ٌم َّ‬ ‫ْ‬ ‫السائمة إذا‬ ‫ألن َّ‬
‫ِ‬
‫إذا َّاتذها للتِّجارة فقد اختلفوا‪ :‬هل تكون للتِّجارة‪ ،‬أم تُزكَّى زكاة َّ‬
‫السائمة‪،‬‬
‫فاملختار الذي جيري عىل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بمذهب‪،‬‬ ‫خيتص‬
‫ُّ‬ ‫مقارنًا ال‬‫و َّملا كان بحثي هذا بح ًثا َ‬

‫كل مال‪ .‬ينظر‪ :‬هتذيب اللغة‪،‬‬ ‫الراء‪ -‬يشمل َّ‬


‫فالعرض ‪-‬بفتح َّ‬ ‫َ‬ ‫أعم‬
‫غلط‪ ،‬ألنَّه ُّ‬ ‫((( وفتحها ٌ‬
‫لألزهري (‪ ،)289/1‬وغلط الضعفاء من الفقهاء‪ ،‬البن بري (ص‪.)18‬‬
‫((( ينظر‪ :‬هتذيب اللغة‪ ،‬لألزهري (‪ ،)289/1‬تفسري غريب ما يف الصحيحني البخاري‬
‫ومسلم‪ ،‬للحميدي (ص‪ ،)347‬واملصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬للفيومي‬
‫املهذب‪ ،‬البن ب َّطال الركبي‬ ‫َّ‬ ‫ستعذب يف تفسري غريب ألفاظ‬ ‫(‪ )402/2‬والنَّظم ا ُمل َ‬
‫طلع عىل ألفاظ املقنع‪ ،‬للبعيل (ص‪.)173‬‬ ‫(‪ )155/1‬وا ُمل ِ‬
‫طلع (ص‪،)173‬‬ ‫ستعذب (‪ ،)155/1‬وا ُمل ِ‬ ‫((( ينظر‪ :‬املصباح املنري (‪ ،)402/2‬والنَّظم ا ُمل َ‬
‫ومنتهى اإلرادات (‪.)491/1‬‬

‫‪215‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫مال سوى ما ِ‬
‫جتب فيه‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن ال ُعروض‪ُّ :‬‬ ‫فروع الفقهاء يف املذاهب األربعة َّ‬
‫الزكاة لعينِه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ونحو‬ ‫والسائمة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فيخرج إذن‪ :‬ما وجبت فيه الزكاة لعينِه‪ ،‬كالنَّقدين‪،‬‬
‫الزكاة لعينِه بل ِ‬
‫جتب فيه‬ ‫جتب فيه َّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فيكون ال ُعروض هو املال الذي ال ِ‬
‫ملعنى طارئ وهو التَّجارة‪.‬‬
‫كل نوع‪:‬‬ ‫الفرع ال َّثاين‪ :‬بيان أنواع ال ُعروض‪ ،‬وتعريف ِّ‬
‫جتارة‪ ،‬و ُعروض قنية‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُعروض نوعان‪ُ :‬عروض‬
‫أول‪ُ :‬عروض التِّجارة‪:‬‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫معان يف لسان العرب منها‪ :‬باع‬ ‫ِ‬
‫الفعل َ َت َر‪ ،‬وله‬ ‫مصدر‬ ‫التِّجار ٌة لغ ًة‪:‬‬
‫ُ‬
‫الربح(((‪.‬‬ ‫لغرض ِّ‬ ‫واشرتى‪ ،‬والتِّجارة‪ :‬تقليب املال َ‬
‫ِ‬
‫الفقهاء‪ ،‬فتؤول ‪-‬يف اجلملة‪ -‬إىل‬ ‫تعريفات التِّجارة يف اصطالح‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫تعريفني‪:‬‬
‫األول‪ :‬تقليب املال ألجل ِّ‬
‫الربح(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ا َّل ّثاين‪ :‬إعداد املال ألجل ِّ‬
‫الربح(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املخصص‪ ،‬البن ِس ْيدَ ه (‪ ،)438/3‬ولسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪،)89/4‬‬
‫وتاج العروس‪ ،‬للزبيدي (‪.)279/10‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح القريب املجيب يف رشح ألفاظ التقريب‪ ،‬البن قاسم (ص‪ ،)122‬والتوقيف‬
‫عىل مهامت التعاريف‪ ،‬للمناوي (ص‪ ،)91‬وتاج العروس‪ ،‬للزبيدي (‪.)279/10‬‬
‫((( وأكثر ما يذكر ذلك احلنابلة‪ ،‬فهم يقولون عند ذكر عروض التجارة‪ :‬ما يعد لبيع ورشاء‬
‫سبكت منه اإلعداد ليوافق املصدر وهو التِّجارة‪ .‬وينظر‪ :‬اإلقناع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الربح‪ ،‬وقد‬
‫ألجل ِّ‬
‫للحجاوي (‪ ،)275/1‬ومنتهى اإلرادات (‪.)491/1‬‬

‫‪216‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ألنم ال ِ‬
‫يشرتطون تقلي َبه‬ ‫وال َّثاين هو األكثر انطبا ًقا عىل مذهب اجلمهور‪َّ ،‬‬
‫يف الس ِ‬
‫وق‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يدل عىل‬‫والشاء ال ُّ‬ ‫جمرد البيع ِّ‬ ‫الربح‪َّ ،‬‬
‫ألن َّ‬ ‫ينضم له قصدُ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وال بدَّ أن‬
‫الزكاة‪ ،‬فقد يشرتي سلع ًة القتنائها‪ ،‬وقد‬ ‫التِّجارة التي تنبني عليها أحكام َّ‬
‫جرا‪.‬‬
‫وهلم ًّ‬
‫َّ‬ ‫يبيعها لرغبتِه عنها‪،‬‬
‫أن ُعروض التِّجارة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البحث َّ‬ ‫فاملختار الذي جيري عىل فروع هذا‬ ‫ِ‬
‫وعليه‬
‫ُ‬
‫هي‪:‬‬
‫الزكاة لعينِه‪.‬‬‫وجبت فيه َّ‬
‫ْ‬ ‫الربح‪ ،‬سوى ما‬ ‫ِ‬
‫ألجل ِّ‬
‫مال ُّ ِ‬
‫ات َذ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ُّ‬

‫وإنَّام قلنا‪ُّ :‬اتذ‪ ،‬ومل نقل‪ُ :‬يق َّلب‪ ،‬ألنَّه أصدق عىل مذهب اجلمهور‪َّ ،‬‬
‫ألنم‬
‫ِ‬
‫السوق بي ًعا ورشا ًء(((‪.‬‬ ‫لوجوب ِ‬
‫زكاة ال ُعروض أن تُق َّلب يف‬ ‫ِ‬ ‫ال يشرتطون‬
‫وجبت فيه ال َّزكاة لعينِه»‪ :‬أحكام زكاة هبيمة‬
‫ْ‬ ‫وخيرج بقولنا‪« :‬سوى ما‬ ‫ُ‬
‫األنعا ِم‪ ،‬وا ُمل َّ‬
‫عش‪ ،‬ملا هلام من أحكا ٍم ُّ‬
‫ختصهام‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ُ :‬عروض ال ُقنية‪:‬‬
‫ُّ‬
‫املعتل‪ :‬أصالن‬ ‫فارس‪« :‬القاف والنُّون واحلرف‬ ‫ال ُقني ُة لغ ًة‪ :‬قال ابن ِ‬
‫ثم ذكر من‬
‫واآلخر عىل ارتفاع يف يشء» َّ‬
‫ُ‬ ‫مالزمة وخما َلطة‪،‬‬
‫يدل أحدمها عىل َ‬ ‫ُّ‬

‫((( وقد اختلفوا يف االتِّاذ‪ ،‬هل يكون إذا امتلكها بعوض‪ ،‬أم تكون عروض جتارة حتى‬
‫ِ‬
‫حول‬ ‫ِ‬
‫البتداء‬ ‫موضح يف مبحث (اشرتاط ن َّي ِة التِّجارة‬ ‫ٍ‬
‫عوض‪ ،‬ممَّا هو َّ‬ ‫لو امتلكها بغري‬
‫الزكاة)‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪217‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫األول‪« :‬ومن الباب‪ :‬قنى اليشء واقتناه‪ ،‬إذا كان ذلك ُم ِعدًّ ا له ال‬ ‫األصل َّ‬
‫للتِّجارة»(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫بسعرها(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألجل الرت ُّبح‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء‪ ،‬هي‪ :‬التي ُتتَّخذ ال‬ ‫و ُعروض ال ُقنية عند‬
‫الربح من سعره يف ُعروض التِّجارة‪،‬‬ ‫يدخل ُ‬
‫املال الذي ال ُيراد ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وعليه فال‬
‫ِ‬
‫لتأجريه فليس من ُعروض التِّجارة‪ ،‬ألنَّه ليس القصدُ‬ ‫اتذ الستعاملِه‪ ،‬أو‬
‫فام ُّ ِ‬
‫ِ‬
‫بسعره‪.‬‬ ‫الرت ُّبح‬

‫((( مقاييس اللغة (‪ .)29/5‬وينظر‪ :‬هتذيب اللغة (‪.)238/9‬‬


‫((( ينظر‪ :‬الزاهر يف غريب ألفاظ الشافعي‪ ،‬أليب منصور األزهري (ص‪ ،)109‬الدر النقي‬
‫بد (‪.)346/2‬‬ ‫ِ‬
‫يف رشح ألفاظ اخلرقي‪ ،‬البن امل ْ َ‬

‫‪218‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫األول‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫المبحث‬
‫تأصيل مسائل البحث‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫زكاة ُعروض التِّ جارة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫األول‪ :‬حكم‬
‫المطلب َّ‬
‫ُ‬
‫الز ِ‬
‫كاة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب َّ‬ ‫وغريها إىل‬ ‫األربعة‬ ‫املذاهب‬ ‫الفقهاء من‬ ‫ذهب مجاهري‬
‫اإلمجاع عىل ذلِك(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وح ِك َي‬
‫ُعروض التِّجارة‪ُ ،‬‬
‫ُمستندُ اإلمجاعِ‪:‬‬
‫ُ ۡ ۡ َ ۡ َٰ ۡ َ َ َ ٗ‬
‫ـ قو ُله تعاىل‪﴿ :‬خذ مِن أمول ِ ِهم صدقة﴾ ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( ينظر‪ :‬االستذكار (‪ ،)167/3‬ورشح خمترص الطحاوي (‪ ،)337/2‬واملجموع‬


‫(‪ )47/6‬واملغني (‪.)58/3‬‬
‫الصحابة‪ .‬رشح خمترص الطحاوي‬ ‫إمجاع َّ‬
‫َ‬ ‫اإلمجاع عليه‪ ،‬حكى عليه الطحاوي‬ ‫ُ‬ ‫وحكِ َي‬ ‫ُ‬
‫(‪ ،)337/2‬وحكاه ابن املنذر إمجا ًعا عن عا َّمة أهل العلم‪ .‬اإلرشاف (‪.)81/3‬‬
‫«مسبوق باإلمجاع» رشح‬ ‫ٌ‬ ‫قول داود بعدم وجوهبا يف العروض بأنَّه‪:‬‬ ‫ب البغوي َ‬ ‫وتع َّق َ‬
‫شذ‪ -‬متَّفقون‬ ‫وسائر األ َّمة ‪-‬إال من َّ‬
‫ُ‬ ‫«واألئمة األربعة‬
‫َّ‬ ‫السنة (‪ .)53/6‬وقال ابن تيم َّية‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫حاس‬ ‫ِ‬
‫عىل وجوهبا يف عرض التِّجارة»‪ .‬جمموع الفتاوى (‪ .)45/25‬وقال‪« :‬وروى عن َ‬
‫قومها ثم أ ِّد‬‫فقلت‪ :‬مايل إال جعاب وأدم‪ .‬فقال‪ِّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫مر يب عمر فقال‪ :‬أ ِّد زكاة مالك‪.‬‬‫قال‪َّ :‬‬
‫زكاهتا‪ .‬واشتهرت القصة بال منكر فهي إمجاع»‪ .‬جمموع الفتاوى (‪.)15/25‬‬
‫اآلخ ُر فليس‬‫القول َ‬‫ُ‬ ‫ب فيها‪ ،‬وأ َّما‬ ‫فرض ِ‬
‫واج ٌ‬ ‫الزكاة ٌ‬ ‫قال أبو ُعبيد‪« :‬أمجع املسلمون َّ‬
‫أن َّ‬
‫العلم عندنا»‪ .‬األموال (ص‪.)525‬‬ ‫من مذاهب أهل ِ‬
‫وخالف يف ذلك داود بن عيل الظاهري ‪ ،‬وبقوله أخذ أبو حممد ابن حز ٍم ‪.‬‬
‫قول شا ًذا‪ .‬ينظر‪ :‬املصادر السابقة‪.‬‬ ‫املحىل (‪ .)9/4‬وعدَّ الفقهاء قو َله ً‬
‫((( سورة التوبة‪.103 :‬‬

‫‪219‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ب فيه الزكا ُة إال ما أخرجته‬


‫جت ُ‬ ‫املال ِ‬
‫أن َ‬ ‫فدل عىل َّ‬‫مال دون مال‪َّ ،‬‬ ‫خيص ً‬ ‫فلم َّ‬
‫األد َّلة كا ُملعدِّ لل ُقنية(((‪.‬‬
‫غري واحدٍ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ت ما كسبتم﴾ ُروي عن ِ‬
‫(((‬
‫ـ قو ُله تعاىل‪﴿ :‬أنفِقوا مِن طيِبٰ ِ‬
‫َ‬
‫أن ﴿ك َس ۡب ُت ۡم﴾ أي‪ :‬من التِّجارة(((‪.‬‬ ‫الس َلف َّ‬ ‫من َّ‬
‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫ثم ذكر هذه‬ ‫خاري (باب صدقة الكسب والتجارة) َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وعقدَ ال ُب‬
‫واقترص عليها(((‪.‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يأمرنا أن‬ ‫ُ‬ ‫بن ُجندُ ب‪ ،‬قال‪« :‬كان‬ ‫سم َر َة ِ‬
‫ـ حديث ُ‬
‫ُخر َج الزكا َة من الذي ن ُِعدُّ للبيع»(((‪.‬‬ ‫ن ِ‬
‫ٍ‬ ‫الصحابة ‪ ‬من ِ‬
‫ثبت عنهم يف‬
‫خالف َي ُ‬ ‫غري‬ ‫روي عن َّ‬ ‫ـ أنَّه ا َمل ُّ‬
‫وجوهبا(((‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬األم‪ ،‬للشافعي (‪ ،)30/2‬واالستذكار (‪.)167/3‬‬ ‫(((‬


‫سورة البقرة‪.267 :‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬سنن سعيد بن منصور (‪ ،)978/3‬وأحكام القرآن‪ ،‬للجصاص (‪.)174/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬صحيحه (‪.)115/2‬‬ ‫(((‬
‫الزكاة‪ ،‬باب العروض إذا كانت للتجارة‪ ،‬هل فيها من زكاة‪،‬‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب َّ‬ ‫(((‬
‫برقم (‪ )1562‬قال ابن حجر‪« :‬ويف إسناده جهالة»‪ .‬ينظر‪ :‬التلخيص احلبري (‪.)345/2‬‬
‫مداره عىل خبيب بن سليامن وهو جمهول‪ .‬ينظر‪ :‬ميزان االعتدال‬
‫وللحديث طرق لك َّن َ‬
‫(‪.)649/1‬‬
‫ينظر‪ :‬رشح خمترص الطحاوي (‪ ،)337/2‬ةاالستذكار (‪ ،)167/3‬وجمموع الفتاوى‪،‬‬ ‫(((‬
‫البن تيمية (‪.)15/25‬‬

‫‪220‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫كاة في ُعروض التِّ جارة‪:‬‬


‫ول لوجوبِ الزَّ ِ‬
‫الح ِ‬ ‫المطلب ّ‬
‫الثاني‪ :‬اشتراط َ‬ ‫ُ‬
‫الزكا ُة حتَّى َ‬
‫حيول‬ ‫ب فيها َّ‬ ‫أن ُعروض التِّجارة ال ِ‬
‫جت ُ‬ ‫اتَّفق الفقها ُء عىل َّ‬
‫احلول عىل ما ُ‬
‫بلغ منها نصا ًبا(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وممَّا استد ُّلوا به‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ال ْو ُل))(((‪.‬‬
‫ول َع َل ْيه ْ َ‬ ‫ـ حديث‪(( :‬ال َزكَا َة ِف َمال‪َ ،‬حتَّى َ ُ‬
‫ي َ‬

‫حول الزَّ كاة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫اشتراط َّني ِة التِّ جارة البتداءِ‬
‫ُ‬ ‫المطلب َّ‬
‫الثالث‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫زكاتا‬ ‫ِ‬
‫حول‬ ‫احتساب‬
‫ُ‬ ‫أن ُعروض التِّجارة ال يبدأ‬ ‫الفقهاء عىل َّ‬ ‫َّفق‬
‫ات َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫باملال التِّجارة(((‪.‬‬ ‫بالن ِ‬
‫ِّسبة للمزكِّي إال إذا نوى‬

‫ِ‬
‫رب كام يف االستذكار (‪ ،)159/3‬وأشار إىل‬ ‫((( حكاه مجاع ٌة من العلامء منهم ابن عبد ال ِّ‬
‫أيضا الباجي كام يف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خالف قديم مل يأخذ به أحدٌ من الفقهاء بعدُ ‪ ،‬وحكى اإلمجاع ً‬
‫املنتقى (‪ ،)92/2‬وابن العريب كام يف املسالك (‪ ،)23/4‬وابن ُرشد كام بداية املجتهد‬
‫(‪ ،)270/1‬وابن قدامة كام يف املغني (‪.)58/3‬‬
‫ِ‬ ‫العروض عن الن ِ‬
‫ِّصاب أثنا َء احلول هل ينقطع احلول أم ال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نقصت‬
‫ثم اختلفوا فيام إذا َ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫((( أخرجه مرفوعا ابن ماجه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب من استفاد ماال (‪ )567/1‬واختُلف‬
‫فيه رفعا ووقفا‪ ،‬وصحة وضعفا‪ ،‬لكن اإلمجاع منعقد عىل معناه‪ .‬ينظر‪ :‬فتح الباري‬
‫(‪.)311/3‬‬
‫كالمهم يف أحكام العروض‪ .‬ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت‬ ‫((( يفهم هذا من جممو ِع ِ‬
‫ُ َ‬
‫(‪ )169/2‬وفتح القدير للكامل‪ ،‬ابن اهلامم (‪ ،)169/2‬والرشح الكبري‪ ،‬للدردير مع‬
‫حاشية الدسوقي (‪ ،)472/1‬وحاشية الصاوي عىل الرشح الصغري (‪،)637/1‬‬
‫واملجموع‪ ،‬للنووي (‪ ،)48/6‬ومغني املحتاج‪ ،‬للرشبيني (‪ ،)398/1‬واملغني‪ ،‬البن‬
‫قدامة (‪ 59/3‬فام بعدها)‪ ،‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬

‫‪221‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫الكتساب‬ ‫وإنَّام اختلفوا يف الن َّية أتكفي وحدَ ها‪ ،‬أم ال بدَّ أن تكون مقارن ًة‬
‫ثم اختلفوا يف‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون بفعله أم ال‪َّ ،‬‬ ‫االكتساب هل يلز ُم أن‬ ‫ثم اختلفوا يف‬ ‫املال‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ورشاء؟‬ ‫وض كبيع‬‫يلز ُم أن يكون بام فيه ِع ٌ‬
‫الفعل هل َ‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫مسألة الن َّية‪.‬‬ ‫مداره عىل‬ ‫وهلذا صل ٌة بموضو ِع بحثِنا َّ‬
‫ألن َ‬
‫صو ٍر‪:‬‬ ‫فيتحص ُل ممَّا َ‬
‫سبق أربع َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِّجارة‬ ‫عوض(((‪ ،‬بن َّية الت‬ ‫بفعله(((‪ ،‬بام ِ‬
‫فيه ٌ‬ ‫مال ِ‬ ‫الصورة األوىل‪ :‬أن يمتلك ً‬ ‫ُّ‬
‫اكتسب‬ ‫احلول من ِ‬
‫حني‬ ‫ِ‬ ‫احتساب‬ ‫يبتدئ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫املقارنة ِ‬
‫لفعله‪ ،‬فاتَّفقوا عىل أنَّه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫املال(((‪.‬‬
‫بغري ِع َوض((( مع ن َّية التِّجارة‬ ‫مال ِ‬
‫بفعله لكن ِ‬ ‫الصورة ال َّثاني ُة‪ :‬أن ِ‬
‫يمتل َك ً‬ ‫ُّ‬
‫ِ (((‬
‫حني امتلكَه يف مذهب احلنابلة‬ ‫ِ‬
‫احلول من ِ‬ ‫احتساب‬
‫ُ‬ ‫املقارنة لفعله‪ ،‬فيبدأ‬
‫وبعض احلنف َّية(((‪.‬‬

‫أي‪ :‬ال بإرث‪.‬‬ ‫(((‬


‫هبة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كرشاء إذا كان عر ًضا‪ ،‬أو ثمن مبيع أو ثمن إجارة‪ ،‬ال بقبول ٍ‬ ‫(((‬
‫َ‬
‫ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت (‪ )169/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)169/2‬والرشح الكبري‪ ،‬للدردير مع حاشية الدسوقي (‪ ،)472/1‬وحاشية‬
‫الصاوي عىل الرشح الصغري (‪ ،)637/1‬واملجموع‪ ،‬للنووي (‪ ،)48/6‬ومغني‬
‫املحتاج‪ ،‬للرشبيني (‪ ،)398/1‬واملغني‪ ،‬البن قدامة (‪ 59/3‬فام بعدها)‪ ،‬وكشاف‬
‫القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬
‫ٍ‬
‫نكاح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كأن يملكه ِهببة ‪-‬ألن قبول اهلبة ٌ‬
‫فعل‪ ،-‬أو صيد‪ ،‬أو مهر‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة (‪ 59/3‬فام بعدها)‪ ،‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت (‪ ،)169/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬ ‫(((‬
‫(‪.)169/2‬‬

‫‪222‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫(((‬
‫وبعض احلنابلة‬ ‫(((‬
‫َّ‬
‫والشافع َّية‬ ‫خال ًفا للجمهور احلنف َّية((( واملالك َّية‬
‫(((‬

‫بعوض‪.‬‬ ‫طون أن يكون امتالكًا ِ‬ ‫يشرت َ‬‫فهم ِ‬


‫ِ‬
‫املقارنة‬ ‫فعله‪ ،‬مع ن َّية التِّجارة‬ ‫مال بغري ِ‬ ‫يمتلك ً‬ ‫ِ‬ ‫الصورة ال َّثالث ُة‪ :‬أن‬ ‫ُّ‬
‫املال يف رواية عن‬ ‫امتلك َ‬ ‫َ‬ ‫حني‬ ‫ٍ‬
‫احتساب احلول حينئذ من ِ‬ ‫المتالكه‪ ،‬فيبدأ‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املذاهب‬ ‫للمعتمد يف‬
‫َ‬ ‫الشافع َّية((( خال ًفا‬ ‫بعض َّ‬ ‫اإلمام أمحد(((‪ ،‬وبه قال ُ‬
‫األربعة‪.‬‬
‫مال ‪-‬أ ًّيا كان طريق اكتسابِه‪ -‬مل ِ‬
‫ينو‬ ‫الرابعة(((‪ :‬أن يكون معه ٌ‬ ‫الصور ُة َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِّجارة حادث ًة بعد ذلِك فهل يبدأ‬ ‫ِ‬ ‫كانت ن َّية الت‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫امتالكه‪ ،‬بل‬ ‫حني‬
‫التِّجارة َ‬
‫الصور ُة هي املسأل ُة التي ُيبنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احتِساب‬
‫احلول من ن َّيته التِّجار َة أم ال؟ وهذه ُّ‬
‫ُ‬
‫البحث‪.‬‬ ‫عليها هذا‬
‫ِ‬
‫األربعة‪-‬‬ ‫الفقهاء ‪-‬وهو املعتمد يف املذاهب‬ ‫ِ‬ ‫مجهور‬ ‫أن‬
‫سبق َّ‬‫وحتصل ممَّا َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املقارن لن َّية التِّجارة‪.‬‬ ‫َ‬
‫الفعل‬ ‫البتداء حول ُعروض التِّجارة‬ ‫ِ‬ ‫يشرتطون‬
‫املبحث التّايل ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪.-‬‬ ‫ِ‬ ‫تفصيل ذلِك ومناقشتُه يف‬ ‫ُ‬ ‫ويأيت‬
‫ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت (‪ ،)169/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬ ‫(((‬
‫(‪.)169/2‬‬
‫ينظر‪ :‬الرشح الكبري‪ ،‬للدردير مع حاشية الدسوقي (‪.)472/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي (‪ ،)48/6‬ومغني املحتاج‪ ،‬للرشبيني (‪.)398/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة (‪ 59/3‬فام بعدها)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة (‪ ،)62/6‬واإلنصاف‪ ،‬للمرداوي (‪ ،)153/3‬واختارها‬ ‫(((‬
‫ابن عثيمني كام يف الرشح املمتع (‪.)143/6‬‬
‫ينظر‪ :‬املجموع للنووي (‪.)48/6‬‬ ‫(((‬
‫الفقهي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫حيث اخلالف‬ ‫يفرقون بني الصورة ال َّثالثة َّ‬
‫والرابعة من‬ ‫مل أجد الفقها َء ‪ِّ ‬‬ ‫(((‬
‫ِ‬
‫وألن بحثي متع ِّلق َّ‬
‫بالرابعة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وإنَّام جعلتُهام صورتَني الختالفهام يف احلقيقة‪،‬‬

‫‪223‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫المبحث ّ‬
‫الثاني‬ ‫ُ‬
‫العروض وما يتعلَّ ق به‬‫النية في ُ‬
‫تغير َّ‬
‫ّ‬
‫وفيه ثالث ُة مطالب‪:‬‬

‫نية إلى التِّ جارة‪:‬‬


‫الق ِ‬
‫النية من ُ‬
‫تغير َّ‬
‫األول‪ُّ :‬‬
‫المطلب َّ‬
‫ُ‬
‫الزكاة‪ ،‬وهذه‬‫نصاب َّ‬‫َ‬ ‫يكون عند املك َّلف ُعروض تبلغ‬ ‫َ‬ ‫وذلِ َك بأن‬
‫مؤج ٍر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للري ِع كمبنى َّ‬ ‫ال ُعروض ليست للتِّجارة‪ ،‬بل لل ُقنية‪ ،‬أو االستعامل‪ ،‬أو َّ‬
‫السوق‪،‬‬ ‫ومل يكن ينوي يف هذه ال ُعروض ِّ‬
‫االت َار هبا بي ًعا ورشا ًء وتقلي ًبا يف ُّ‬
‫بمجرد الن َّية؟ أم ال ُبدَّ من ٍ‬
‫فعل‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫احلول‬ ‫حدثت له ن َّي ُة التِّجارة فهل يبتدئ‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ُمقارن هلا؟‬
‫ال ختلو هذه املسأل ُة من صورتَني‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالفعل كأن يبيع ال ُعروض‬ ‫ينوي التِّجار َة ِ‬
‫ويقرن ذلك‬ ‫الصورة األوىل‪ :‬أن َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫حول ُعروض التِّجارة‪.‬‬ ‫احتساب‬
‫ُ‬ ‫أو جز ًءا منها‪ ،‬فهنا يبتدئ‬
‫حتول‬ ‫باع منه شي ًئا ولو ً‬
‫قليل َّ‬ ‫يبيع املال ك َّله‪ ،‬بل لو َ‬
‫يشرتطوا أن َ‬‫ِ‬ ‫ومل‬
‫العروض إىل ُعروض ِت ٍ‬
‫ارة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كان عنده عرش س َّيارات لل ُقنية واالستعامل‪َّ ،‬‬
‫ثم نوى‬ ‫مثال ذلِك‪ :‬لو َ‬ ‫ُ‬
‫حتولت ك ُّلها ل ُعروض جتارة‪.‬‬
‫فباع واحد ًة منها َّ‬
‫التِّجار َة هبا مجي ًعا‪َ ،‬‬
‫ينوي التِّجارةَ‪ ،‬لكن مل يبِع منه شي ًئا بعدُ ‪ ،‬فهل يبتدئ‬
‫َ‬ ‫الصورة ال َّثانية‪ :‬أن‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫احلول من حني ذلِك‪ ،‬أم ال ُبدَّ من بي ِع يشء منها؟‬
‫ِ‬ ‫احتساب‬
‫َ‬

‫‪224‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫قولني اثنني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املسألة عىل‬ ‫الفقهاء يف هذه‬ ‫َ‬
‫اختلف‬
‫ُ‬
‫األول‪:‬‬ ‫ُ‬
‫القول َّ‬
‫جمرد‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫احتساب احلول يكون من حني باع شي ًئا منها‪ ،‬وال تكفي َّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫املذاهب األربعة احلنف َّية‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء‪ ،‬وهو املعتمدُ يف‬ ‫مجهور‬ ‫الن َّية‪ ،‬وبه أخذ‬
‫ُ‬
‫واملالك َّية((( َّ‬
‫والشافع َّية((( واحلنابلة(((‪.‬‬
‫ستدل به هلذا القول‪:‬‬ ‫وممَّا ُي ُّ‬
‫احلكم‬
‫ُ‬ ‫الترصف والفعل‪ ،‬وإذا ُع ِّلق‬‫ُّ‬ ‫تتضمن‬
‫َّ‬ ‫أن التِجار َة‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫الدَّ ليل َّ‬
‫يشرتط يف زكاة‬ ‫ُ‬ ‫بمجرد النِّ َّية‪ ،‬حتى يقرتن به الفعل‪ ،‬فمن‬ ‫َّ‬ ‫يثبت‬
‫بالفعل مل ْ‬ ‫ِ‬
‫السو ِم‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫هبيمة األنعا ِم‬
‫بمجرد ن َّية َّ‬
‫َّ‬ ‫حولا‬ ‫‪-‬مثل‪ -‬أن تكون سائمة فإنَّه ال يبدأ‬
‫فعل فتكون سائم ًة بذلِك(((‪.‬‬ ‫ما مل ت َْر َع ً‬
‫بمجرد‬ ‫أصله‬‫ِ‬ ‫أصل فإنَّه ال ُ‬
‫ينتقل عن‬ ‫كان له ٌ‬ ‫كل ما َ‬ ‫أن َّ‬ ‫الدَّ ليل ال َّثاين‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫يص‬ ‫األصل ال ُقنية‪ ،‬والتِّجارة عارض‪ ،‬فلم ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫«ألن‬ ‫النية((( قال ابن قدامة‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬رشح خمترص الطحاوي‪ ،‬للجصاص (‪ ،)339/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬ ‫(((‬
‫(‪.)169/2‬‬
‫ينظر‪ :‬اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف‪ ،‬للقايض عبد الوهاب (‪ ،)402/1‬والرشح‬ ‫(((‬
‫الكبري‪ ،‬للدردير مع حاشية الدسوقي (‪.)472/1‬‬
‫للامو ْردي (‪ ،)296/3‬وهناية املحتاج (‪.)102/3‬‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي‪َ ،‬‬ ‫(((‬
‫املغني (‪ ،)59/3‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)296/3‬‬ ‫(((‬
‫ذكرها القايض عبد الوهاب يف اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف يف نفس مسألتنا‬ ‫(((‬
‫هذه وجعلها من أصول الفقه (‪ ،)402/1‬وهي بالفقه وقواعده أشبه‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫السفر بدون‬
‫السفر‪ ،‬مل يثبت له حكم َّ‬
‫احلارض َّ‬
‫ُ‬ ‫بمجرد النِّ َّية‪ ،‬كام لو نوى‬
‫َّ‬ ‫إليها‬
‫الفعل»(((‪.‬‬
‫القول ال َّثاين‪:‬‬
‫نية إىل ُعروض ِتارة‪ ،‬وهو‬ ‫أن النِّية وحدَ ها تقلب العروض التي لل ُق ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َّ َّ‬
‫راهو ْي ِه(((‪ ،‬واختاره أبو احلسن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إلسحاق بن‬ ‫ُسب‬ ‫ٌ‬
‫قول عندَ احلنابلة(((‪ ،‬ون َ‬
‫ٍ‬
‫عقيل‪ ،‬وابن عثيمني‬ ‫بكر عبدُ العزيز‪ ،‬واب ُن‬ ‫الشافع َّية(((‪ ،‬وأبو ٍ‬
‫الكرابييس من ّ‬
‫من احلنابلة(((‪.‬‬
‫أد َّلة هذا القول‪:‬‬
‫الدَّ ليل األول‪ :‬عموم قول النبي ‪(( :‬إِنَّم األَ ْعم ُل بِالنِّي ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫َوإِن ََّم لِك ُِّل ا ْم ِر ٍئ َما ن ََوى))(((‪.‬‬
‫املغني (‪ .)59/3‬وينظر‪ :‬رشح خمترص الطحاوي‪ ،‬للجصاص (‪.)339/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة (‪ ،)62/6‬وهي من رواية صالح عن اإلمام ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪)296/3‬؛ فقد نس َبه إليه‪ ،‬ومل أجد يف مسائله‪ ،‬وال يف كتب احلنابلة وهم‬ ‫(((‬
‫أعنى بمذهبِه‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪ ،)296/3‬واملجموع‪ ،‬للنووي (‪.)48/6‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الرشح املمتع (‪ ،)143/6‬وبه أفتت اللجنة الدَّ ائمة لإلفتاء يف اململكة العرب َّية‬ ‫(((‬
‫السعود َّية كام يف فتاوى ال َّلجنة الدَّ ائمة (‪ ،)330/9‬والندوة الرابع َة عرش َة لقضايا‬
‫ُّ‬
‫الزكاة والصدقات والنذور والكفارات (ص‬ ‫الزكاة املعارصة كام يف أحكام وفتاوى َّ‬‫َّ‬
‫‪.)50‬‬
‫متفق عليه‪ ،‬أخرجه البخاري ‪-‬واللفظ له‪ ،-‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان‬ ‫(((‬
‫بدء الوحي إىل رسول اهلل ‪ ‬برقم (‪ ،)1‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلمارة باب قوله‬
‫‪(( :‬إنام األعامل بالنية)) وأنه يدخل فيه الغزو وغريه من األعامل‪ ،‬برقم‬
‫(‪.)1907‬‬

‫‪226‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫و ُينا َقش‪:‬‬
‫تاجرا وهو ال‬
‫يسمى التَّاجر ً‬
‫جمردة‪ ،‬وال َّ‬ ‫بأن التِّجار َة ٌ‬
‫فعل ون َّية‪ ،‬ال ن َّي ٌة َّ‬ ‫ـ َّ‬
‫يبيع وال يشرتي‪.‬‬
‫ُ‬
‫تنتهض‬
‫ُ‬ ‫وبأن الن َّية األصل َّية هي ال ُقنية‪ ،‬والن َّية احلادثة هي التِّجارة‪ ،‬فال‬
‫ـ َّ‬
‫ِ‬
‫األصل إال بفعل‪.‬‬ ‫بمجردها للنَّقل عن‬‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ‪‬‬ ‫سم َر َة ِ‬
‫بن ُجندُ ب‪ ،‬قال‪« :‬كان‬ ‫الدَّ ليل ال َّثاين‪ :‬حديث ُ‬
‫ُخر َج الزكا َة من الذي ن ُِعدُّ للبيع»(((‪.‬‬
‫يأمرنا أن ن ِ‬

‫و ُينا َقش من وجهني‪:‬‬


‫ضعيف ال يثبت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫احلديث‬ ‫الرواية‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫األول من جهة ِّ‬
‫َّ‬
‫العمل‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫جردة بل هو َ‬ ‫ليس الن َّية ا ُمل َّ‬ ‫ال َّثاين من جهة الدِّ راية‪َّ :‬‬
‫أن اإلعداد َ‬
‫احلديث حيتمل أمرين‪ :‬العدَّ ‪ :‬الذي هو اإلحصاء(((‪ ،‬أو اإلعداد الذي‬ ‫ِ‬ ‫معنى‬
‫يدل عليهام هذا األصل(((‪،‬‬‫فإن هذين املعنيني مها اللذان ُّ‬ ‫ِ‬
‫اليشء َّ‬ ‫هو هتيئة‬
‫عمل‪.‬‬ ‫وكالمها يقتيض ً‬
‫تقولون َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬ ‫بأن ال َعدَّ واإلعداد وإن اقتضيا ً‬
‫عمل‪ ،‬فإنَّكم ال‬ ‫وياب عنه‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫بمجرد إحصائها أو هتيئتِها للبيع بل تشرتطون أن‬
‫َّ‬ ‫تتحول للتِّجارة‬
‫َّ‬ ‫ال ُعروض‬
‫ٍ‬
‫رشاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يقرتن ببي ٍع أو‬

‫((( سبق خترجيه يف املطلب األول من املبحث األول‪.‬‬


‫((( هذا إذا كان الفعل‪َ :‬ن ُعدُّ ‪ ،‬ال ن ُِعدُّ ‪.‬‬
‫نص عىل هذين املعنيني وأنَّام فرع أصل واحد اب ُن فارس يف مقاييس اللغة (‪.)29/4‬‬ ‫((( َّ‬

‫‪227‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫و ُينا َقش‪ :‬بأنَّكم كذلك ال تشرتطون يف ال ُعروض أن تُعدَّ ‪ ،‬أو هتيأ للبي ِع‬
‫ٍ‬
‫جتارة‪.‬‬ ‫جمرد النية كافي ٌة يف قلبِها ُعروض‬ ‫أو تعرض يف الس ِ‬
‫وق‪ ،‬بل ترون َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باحلديث رواي ًة وال دراي ًة(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫االستدالل‬ ‫يصح‬ ‫فلم‬
‫َّ‬
‫بمجرد النِّ َّية‪ ،‬فكذلك‬
‫َّ‬ ‫سقطت زكاته‬
‫ْ‬ ‫الدَّ ليل ال َّثالث‪ :‬أنَّه لو نوى به ال ُقنية‬
‫بمجرد النية(((‪.‬‬‫َّ‬ ‫الزكاة‬ ‫جر ْت فيه َّ‬ ‫عرض ال ُقنية إذا نوى به التِّجارة َ‬
‫ٍ‬
‫لفعل عند‬ ‫األصل‪ ،‬وهي ال ِ‬
‫تفتقر‬ ‫ُ‬ ‫فإن ال ُقني َة هي‬ ‫ِ‬
‫بالفرق‪َّ ،‬‬ ‫و ُينا َقش‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِّجارة فهي‬
‫بخالف الت‬‫ِ‬ ‫باملرياث من غري ٍ‬
‫فعل منه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلمي ِع فإنَّه قد يملك املال‬
‫ِ‬
‫للفعل‪.‬‬ ‫فافتقرت‬ ‫وانتقال عن األصل‬ ‫ٌ‬ ‫ني ٌة ِ‬
‫حادث ٌة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫كاة ُم َّط ِر ٌد منعكِس‪:‬‬
‫باب ال َّز ِ‬
‫وهذا يف ِ‬
‫‪-‬مثل‪ -‬أن تكون سائمة‬‫ً‬ ‫يشرتط يف زكاة هبيمة األنعام‬‫ُ‬ ‫فأما ا ِّطرا ُده‪ :‬فمن‬
‫َّ‬
‫فعل فتكون سائم ًة بذلك(((‪.‬‬
‫السو ِم ما مل ت َْر َع ً‬
‫بمجرد ن َّية َّ‬
‫َّ‬ ‫فإنَّه ال يبدأ حوهلا‬

‫إن عرض السلعة يف السوق مع ن َّية التجارة‬ ‫((( يصح االستدالل باحلديث دراية‪ :‬إذا قيل‪َّ :‬‬
‫يقلبها عروض جتارة‪ ،‬لكن مل أجد من قال هبذا القول‪.‬‬
‫أن املالك َّية عند تفريقهم بني التَّاجر املدير واملرت ِّبص‪ :‬يتك َّلمون عن مسألة بوار‬
‫إال َّ‬
‫فيمر عليه احلول واحلوالن‬ ‫السلع‪ ،‬وهو التَّاجر ا ُملدير الذي يعرض سلعته يف السوق ّ‬ ‫ِّ‬
‫مديرا ال مرت ِّبصا‬
‫ً‬ ‫حجة ملن يرى منهم أنه ُيعدُّ‬ ‫ٍ‬
‫دون ُمشرت‪ ،‬فلو صح هذا احلديث لكان َّ‬
‫يشت‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫حتّى لو مل يبع أو َ‬
‫((( ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)296/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)296/3‬‬

‫‪228‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫الذهب واجب ٌة إال أن يتَّخذها ُحل ًّيا ‪-‬عند من‬ ‫فإن زكاة َّ‬
‫انعكاسه‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫بمجرد النِّ َّية حتى‬
‫َّ‬ ‫الزكا ُة‬ ‫ْ‬
‫تسقط َّ‬ ‫َ‬
‫تكون ُحل ًّيا مل‬ ‫َيشرتط ذلك‪-‬فلو نوى أن‬
‫ُ‬
‫الفعل(((‪.‬‬ ‫يقرتن هبا‬
‫التجيح‪:‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫حول التِّجارة‪،‬‬ ‫أن النِّية ا ُملجردة ال ِ‬
‫يبتدئ هبا‬ ‫َّ‬ ‫األقرب ‪-‬واهلل أعلم‪َّ َّ -‬‬ ‫ُ‬
‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫الفروع الفقه َّية فلِم أجد عباد ًة رشع َّي ًة ينبني عليها ٌ‬
‫عمل‬ ‫َ‬ ‫َّبعت‬
‫وقد تت ُ‬
‫فعل أو ٍ‬
‫ترك إال اإلحرا َم(((‪،‬‬ ‫بمجرد الن َّية دون ٍ‬ ‫اعتبارها‬ ‫للمك َّلف يبتدئ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫واإلحرا ُم عباد ٌة حمضة ال مدخل لألموال فيها‪ ،‬وأ َّما األضحية وهي أشبه‬
‫تتعي بالن َّية إنَّام اشرتطوا أن تكون‬
‫فإن من قالوا‪َّ :‬إنا َّ‬‫الفرو ِع بفرعنا هذا َّ‬
‫عني ما يقوله اجلمهور يف ُعروض‬ ‫فعل‪ ،‬وهذا ُ‬‫والشاء ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ن َّي ًة حال ِّ‬
‫الشاء(((‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جتارة‪ ،‬ما مل يكن اكتسبها بن َّية‬ ‫أن الن َّية وحدها ال تقلبها ُعروض‬ ‫التِّجارة َّ‬
‫ٍ‬
‫ورشاء ونحومها‪.‬‬ ‫عمل فيها ً‬
‫عمل من أعامل التِّجارة بعدُ من بي ٍع‬ ‫التِّجارة‪ ،‬أو ِ‬

‫السوق‪ ،‬هل‬
‫السلعة يف ُّ‬ ‫وها هنا مسأل ٌة‪ :‬وهي ن َّية التِّجارة املقرتنة بِ َع ِ‬
‫رض ِّ‬
‫صيها ُعروض جتارة؟‬ ‫ُي ِّ‬
‫بن ُجندُ ب‪« :‬كان‬ ‫سم َر َة ِ‬
‫صح حديث ُ‬ ‫قوي من جهة النَّظر‪ ،‬ولو َّ‬
‫ٌّ‬ ‫هذا‬
‫ُخر َج الزكا َة من الذي ن ُِعدُّ للبيع»((( لكان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يأمرنا أن ن ِ‬
‫ُ‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)296/3‬‬ ‫(((‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬ينظر‪ :‬حاشية الدسوقي (‪ ،)3/2‬وهناية املحتاج (‪ ،)265/3‬واإلنصاف‬ ‫(((‬
‫(‪.)305/3‬‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)446/9‬واإلنصاف (‪.)89/4‬‬ ‫(((‬
‫سبق خترجيه يف املطلب األول من املبحث األول‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪229‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫غري ِّأن‬ ‫وسط بني القولني ا َمل َ‬


‫ذكورين‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا‪ ،‬وهذا القول‬ ‫ِ‬
‫الباب ً‬ ‫حج ًة يف هذا‬ ‫َّ‬
‫وق‪ -‬وال اعتربوه‪،‬‬ ‫الس ِ‬
‫مل أجد الفقهاء أخذوا هبذا املعنى ‪-‬وهو ال َع ْرض يف ُّ‬
‫نحومها‪ ،‬ممَّا‬‫املتضمن بي ًعا أو رشاء أو ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفعل‬ ‫مناط األمر عىل‬‫َ‬ ‫وإنَّام جعلوا‬
‫مال‪ ،‬أو استبداله بامل آخر عىل تفاصيل عندهم يف‬ ‫يرتتَّب عليه نضوض ٍ‬
‫يسريا‬
‫أن املالك َّية ‪-‬رمحهم اهلل تعاىل‪ -‬التفتوا إىل هذا املعنى التفاتًا ً‬ ‫ذلك‪ ،‬مع َّ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬
‫السوق بي ًعا ورشا ًء َّ‬ ‫مسألة جزئ َّي ٍة عندَ هم وهو من َ‬
‫كان ُيدير ما َله يف ُّ‬
‫ٍ‬ ‫يف‬
‫يد مشرت ًيا(((‪ ،‬فاختلفوا فيه‪:‬‬ ‫وق لكن ال َ ِ‬ ‫معروض يف الس ِ‬ ‫الس َلع‪ ،‬فام ُله‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫بارت ِّ‬ ‫َ‬
‫اعتبارهم هذا املعنى من َطرفٍ‬ ‫ِ‬ ‫ديرا أم يكون ُمرت ِّب ًصا؟((( وهم مع‬
‫ْ‬ ‫هل يبقى ُم ً‬
‫كاة يف ِ‬‫الز ِ‬
‫ينض يش ٌء منه‪.‬‬
‫املال إال بعد أن َّ‬ ‫فإنم ال يرون ابتدا َء حول َّ‬ ‫َخ ٍّ‬
‫في َّ‬

‫الس َلع‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫((( عىل خالف عندهم يف مسألة بوار ِّ‬
‫بارت مجيعها أو أغلبها فيكون مرت ِّب ًصا‪.‬‬ ‫ـ إذا َ‬
‫قولني‪ :‬األول‪ :‬أنَّه ال يكون مرت ِّبصا يف ذلك‪ ،‬وحكم الكاسد يتبع‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫األقل فعىل‬ ‫بار‬
‫ـ إذا َ‬
‫أن الكاسد ولو كان أقل ُيلحق بحكم الرت ُّبص َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬
‫حكم األكثر من ماله‪ .‬وال َّثاين‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫األصل استقالل كل جزء من املال بحك ٍم‪.‬‬
‫ِ‬
‫مر عليه عامان صار يف حكم املرت ِّبص‬ ‫ِ‬
‫وأ َّما متى ُيك َُم بالكساد فمنهم من يرى أنه إذا َّ‬
‫بارت سنني‪ .‬ينظر‪ :‬عقد اجلواهر‬ ‫ومنهم كام سبق من ال يرى انتقاله حلكم املرت ِّبص ولو َ‬
‫الشح الكبري (‪.)475/1‬‬ ‫ال َّثمينة (‪ ،)227/1‬وحاشية الدسوقي عىل َّ‬
‫كل عام يف عروض‬ ‫الزكاة َّ‬
‫فإن املالك َّية ‪ ‬ال يوجبون َّ‬ ‫تصور هذا األمر‪َّ ،‬‬ ‫((( حتَّى ُي َّ‬
‫وينض منها مال أثنا َء احلول‪ ،‬فأ َّما من حيتفظ‬ ‫التِّجارة إال إذا كانت تتق َّلب يف السوق ُّ‬
‫ِ‬
‫احلول فإنَّه عندهم ال جتب عليه زكاة إال‬ ‫السعر‪ ،‬وال يبيعه يف‬ ‫ِ‬
‫بامله ويرت َّبص به زيادة ِّ‬
‫عن عا ٍم واحد إذا باعه ولو احتفظ به سنني‪ .‬ينظر‪ :‬املقدمات املمهدات (‪،)285/1‬‬
‫والفواكه الدواين (‪.)331/1‬‬

‫‪230‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ولو أردنا التَّلفيق بني املذهبني‪ ،‬ألخذنا اعتبار املالك َّية هلذا املعنى وإن مل‬
‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫ِ‬
‫اجلمهور ملعنى التِّجارة‪ ،‬فيتو َّلد لنا‬ ‫ناهضا البتداء احلول‪ ،‬واعتبار‬‫يروه ً‬
‫صور‪:‬‬
‫ِ‬
‫السوق‪.‬‬ ‫األوىل‪ :‬من ينوي التِّجارة بامله دون فعل أو َع ْرض يف ُّ‬
‫ٍ‬
‫رشاء‪.‬‬ ‫ال َّثانية‪ :‬من ينوي التِّجارة مع ٍ‬
‫فعل من أفعاهلا كبي ٍع أو‬
‫ِ‬
‫السوق لكن مل يبع منه شي ًئا‬ ‫ال َّثالثة‪ :‬من ينوي التِّجارة باملِه مع عر ِ‬
‫ضه يف‬ ‫َ ْ‬
‫بعدُ ‪.‬‬
‫فالصورة األوىل‪ :‬ال يبتدئ فيها حول َّ‬
‫الزكاة عند اجلامهري‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وال َّثانية‪ :‬يبتدئ فيها حول َّ‬
‫الزكاة اتِّفا ًقا‪.‬‬
‫جرد‬
‫بم َّ‬
‫نظرا من القول ُ‬
‫قول أقوى ً‬ ‫وال َّثالث ُة‪ :‬هي ُّ‬
‫حمل التَّأ ُّمل(((‪ ،‬وهو ٌ‬
‫احلديث‪ ،‬مع كونِه أوضح يف التطبيق من‬
‫ُ‬ ‫صح‬
‫خربي لو َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫النِّ َّية‪ ،‬وله مستند‬

‫((( وقد أخذت النُّظم املعارصة بام ُيشبه الصورة ال َّثالثة‪ ،‬ومنها اهليئة العا َّمة َّ‬
‫للزكاة والدَّ خل‬
‫السجل‬ ‫ِ‬
‫استخراج ِّ‬ ‫الزكاة منذ‬ ‫َ‬
‫حول َّ‬ ‫فإنم حيتسبون‬ ‫السعود َّية َّ‬
‫يف اململكة العرب َّية ُّ‬
‫والشاء الفعليني‪.‬‬ ‫ِّجاري‪ ،‬وال ينظرون يف ابتداء البي ِع ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الت‬
‫جاء يف الالئحة التنفيذية جلباية الزكاة الصادرة بالقرار الوزاري رقم ‪ 2216‬وتاريخ‬
‫‪1440/7/7‬هـ‪:‬‬
‫ِّ‬
‫السجل‬ ‫األول للمك َّلف من تاريخ إصدار‬ ‫الزكوي َّ‬ ‫«املا َّدة ال َّثالثة عرشة‪ :‬يبدأ العام َّ‬
‫التاخيص الالزمة‪ ،‬أو من‬ ‫ِّجاري أو من تاريخ احلصول عىل َّأول ترخيص‪ ،‬من َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الت‬
‫تاريخ إيداع رأس املال‪ّ ،‬أيا أسبق‪ ،‬ما مل حيدد املكلف تارخيًا آخر لبداية نشاطه بإثباتات‬
‫مستند َّية تقبلها اهليئة»‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫أن الن َّية جازم ٌة ال تر ُّدد فيها‪ ،‬وفيه إعداد للبيع‪،‬‬
‫يبي َّ‬
‫جردة ألنَّه ُّ‬ ‫القول بالنِّ َّية ا ُمل َّ‬
‫حيا‪.‬‬ ‫أجد ً‬ ‫بخالف الن َّية ا ُملجردة‪ ،‬لكن مل ِ‬
‫قائل به رص ً‬ ‫َّ‬
‫وخالصة اخلالف‪:‬‬
‫سبق‪َّ -‬أنم ال يرون َّ‬
‫أن املال‬ ‫املستقر يف املذاهب األربعة ‪-‬كام َ‬ ‫َّ‬ ‫‪َّ .1‬‬
‫أن‬
‫بمجر ِد الن َّية‪.‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫جتارة‬ ‫يتحول إىل ُعروض‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫يبيع حتَّى يصدُ ق عليه أنَّه تاجر‪.‬‬ ‫وعليه‪ :‬فال بدَّ من أن َ‬
‫ثم نوى‬
‫روض ليست للتِّجارة‪َّ ،‬‬ ‫كان عنده ُع ٌ‬‫فعىل مذهب اجلمهور‪ :‬لو َ‬
‫ألن الن َّية مل ُيقارهنا ٌ‬
‫فعل من أفعال‬ ‫تتحول إىل ُعروض جتارة َّ‬ ‫َّ‬ ‫التِّجار َة هبا فال‬
‫فتتحول حينئذ ل ُعروض‬
‫َّ‬ ‫يبيع منها‪،‬‬ ‫التِّجارة‪ ،‬فال بدَّ أن يبارش التِّجار َة هبا بأن َ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلول‬ ‫ِ‬
‫بحساب‬ ‫جتارة‪ ،‬ويبدأ‬
‫ثم نوى‬
‫روض ليست للتِّجارة‪َّ ،‬‬ ‫وأما عىل القول اآلخر‪ :‬لو َ‬
‫كان عنده ُع ٌ‬ ‫َّ‬
‫بمجرد ن َّيته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تتحول إىل ُعروض جتارة‬
‫َّ‬ ‫فإنا‬
‫التِّجار َة هبا َّ‬
‫نية‪:‬‬
‫الق ِ‬
‫جارة إلى ُ‬
‫ِ‬ ‫النية من التِّ‬
‫تغير َّ‬ ‫المطلب َّ‬
‫الثاني‪ُّ :‬‬
‫ثم نوى أن يتَّخذها لل ُقنية‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫واملقصو ُد من َ‬
‫روض يتَّجر هبا‪َّ ،‬‬
‫كان عندَ ه ُع ٌ‬
‫بمجرد الن َّية‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫احلول بذلك‬ ‫ونحوها ممَّا ال ُيعدَّ جتارةً‪ ،‬فهل ينقطِع‬
‫ِ‬ ‫االستعامل‬
‫أم ال؟‬

‫‪232‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫األول‪:‬‬ ‫ُ‬
‫القول َّ‬
‫ثم نوى أن يتَّخذها لل ُقنية أو االستعامل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫من عنده ُعروض يتَّجر هبا‪َّ ،‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫املذاهب األربعة احلنف َّية‬ ‫بمجرد النِّ َّية‪ ،‬وهو املعتمدُ يف‬
‫َّ‬ ‫تتحول لل ُقنية‬
‫َّ‬ ‫فإنا‬
‫َّ‬
‫واملالك َّية((( َّ‬
‫والشافع َّية((( واحلنابلة(((‪.‬‬
‫وممَّا استد ُّلوا به‪:‬‬
‫كون ِ‬
‫املال ُعروض التِّجارة ن َّي ُة التِّجارة باتِّفاق‬ ‫رشط ِ‬ ‫ِ‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫أن من‬ ‫الدَّ ليل َّ‬
‫زالت هذه الن َّية فب َطل ما ُبني عليها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء(((‪ ،‬وقد‬
‫ْ‬
‫جمر ُد النِّ َّية‬
‫الر ِّد إىل األصل َّ‬ ‫ُ‬
‫األصل‪ ،‬ويكفي يف َّ‬ ‫الدَّ ليل ال َّثاين‪ :‬أن ال ُقني َة‬
‫ومن م ُثل ذلك(((‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬رشح خمترص الطحاوي‪ ،‬للجصاص (‪ ،)339/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم‬ ‫(((‬
‫(‪.)169/2‬‬
‫ينظر‪ :‬اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف‪ ،‬للقايض عبد الوهاب (‪ ،)402/1‬وحاشية‬ ‫(((‬
‫الدسوقي (‪.)476/1‬‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪ ،)296/3‬وهناية املحتاج (‪.)102/3‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)62/3‬وكشاف القناع (‪.)241/2‬‬ ‫(((‬
‫يفهم هذا من جمموع ِ‬
‫كالمهم يف أحكام العروض‪ .‬ينظر‪ :‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬للبابريت‬ ‫(((‬
‫ُ َ‬
‫(‪ ،)169/2‬وفتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلامم (‪ ،)169/2‬والرشح الكبري‪ ،‬للدردير‬
‫مع حاشية الدسوقي (‪ ،)472/1‬وحاشية الصاوي عىل الرشح الصغري (‪.)637/1‬‬
‫واملجموع‪ ،‬للنووي (‪ ،)48/6‬ومغني املحتاج‪ ،‬للرشبيني (‪ ،)398/1‬واملغني‪ ،‬البن‬
‫قدامة (‪ 59/3‬فام بعدها)‪ ،‬وكشاف القناع‪ ،‬للبهويت (‪.)240/2‬‬
‫ينظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة (‪.)62/3‬‬ ‫(((‬

‫‪233‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫الكف‬
‫ُّ‬ ‫كف وإمساك‪ ،‬فإذا نواها فقد ُو ِجدَ‬
‫الدَّ ليل ال ّثالث‪ :‬أن ال ُقنية ٌّ‬
‫ُ‬
‫واإلمساك(((‪.‬‬
‫فإن قيل ملاذا َّفرق الفقهاء بني ن َّية التِّجارة ون َّية ال ُقنية فلم يعتدُّ وا باألوىل‬
‫ما َل ُيقارهنا ٌ‬
‫عمل‪ ،‬واعتدُّ وا بال َّثانية مطل ًقا؟‬
‫ذكره من أد َّلة‪:‬‬
‫فاجلواب‪ :‬مع سبق ُ‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫انتقال عن أصل‪ ،‬وال ُقني ُة عو ٌد لألصل‪.‬‬ ‫ـ َّ‬
‫فإن التِّجارة‬
‫الكف‬
‫ُّ‬ ‫كف وإمساك‪ ،‬فإذا نواها فقد ُو ِجدَ‬ ‫دي‪« :‬القنية ٌّ‬
‫املاو ْر ُّ‬
‫ـ وقال َ‬
‫فصار لل ُقنْية‪ ،‬والتِّجارة‬
‫َ‬ ‫واإلمساك معها من غري فعل حيتاج إىل إحداثه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فعل ُيقارهنا مل ت َِص‬‫دت النِّ َّية عن ٍ‬ ‫ف ببي ٍع ورشاء‪ ،‬فإذا نواها َّ‬
‫وجتر ْ‬ ‫وترص ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫فعل‬
‫السفر الذي يتع َّل ُق بوجوده‬ ‫الفعل مل ْ ُيوجد‪ ،‬وشاهدُ ذلك َّ‬ ‫َ‬ ‫للتِّجارة‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫السفر‬ ‫مسافرا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحكا ٌم وزوالِه أحكام‪ ،‬فلو نوى‬
‫ألن َّ‬ ‫ً‬ ‫يص‬
‫السفر مل ْ‬ ‫املقيم َّ‬
‫ُ‬
‫مقيم َّ‬
‫ألن‬ ‫املسافر اإلقام َة صار ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والفعل مل يوجد‪ ،‬ولو نوى‬ ‫إحداث ٍ‬
‫فعل‬ ‫ُ‬
‫وكف عن فعل»(((‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫اإلقام َة ُل ْب ٌث‬
‫القول ال َّثاين‪:‬‬
‫ِ‬
‫فإنا‬‫ثم نوى أن يتَّخذه لل ُقنية أو االستعامل‪َّ ،‬‬ ‫روض يتَّجر هبا‪َّ ،‬‬ ‫من عنده ُع ٌ‬
‫بمجرد النِّ َّية وعليه متى با َعها أن ُيزكَّى َث َمنَها‪ ،‬وهو رواي ٌة‬
‫َّ‬ ‫تتحول لل ُقنية‬
‫َّ‬ ‫ال‬

‫((( ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)297/3‬‬


‫((( ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)297/3‬‬

‫‪234‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫خص هذه الصورة بام إذا كان اشرتاه للتِّجارة‪ ،‬ثم‬ ‫عند املالك َّية((( ومنهم من َّ‬
‫ثم عاد ونوى ِبه التِّجارة(((‪.‬‬ ‫نواه لل ُقنية‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫القول ال يعني‬ ‫يتحول إىل ال ُقنية عىل هذا‬ ‫َّ‬ ‫أن كونه ال‬ ‫وممَّا ال ُبدَّ أن ُيتن َّبه له َّ‬
‫القول مبني عىل ِ‬
‫قول املالك َّية يف التَّاجر املرت ِّبص‬ ‫َ‬ ‫ألن هذا‬ ‫كل عا ٍم‪َّ ،‬‬ ‫أنَّه ُيزكِّيه َّ‬
‫ٌّ‬
‫بقي عنده سنني‪،‬‬‫املال ولو َ‬ ‫باع َ‬ ‫مر ًة واحد ًة إذا َ‬ ‫الزكا َة إال َّ‬‫وهم ال يوجبون عليه َّ‬
‫باع َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ونض‪.‬‬ ‫املال َّ‬ ‫القول زكا ُة عا ٍم واحد إذا َ‬ ‫فيجب عليه عىل هذا‬
‫من أد َّلة هذا القول‪:‬‬
‫حكمها بنقلها إىل‬
‫ُ‬ ‫قارنت ِم ْل َك العني‪ ،‬فلم ينتقل‬
‫ْ‬ ‫األول‪ :‬أهنا ن َّي ٌة‬
‫الدَّ ليل َّ‬
‫غريها(((‪.‬‬
‫وينا َقش‪:‬‬
‫كيف وقد ِ‬
‫عور َضت بن َّية أخرى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حكم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بأنا ن َّي ٌة زا َل ْت فلم َ‬
‫يبق هلا‬ ‫ـ َّ‬
‫ِ‬
‫لكونا األصل‪.‬‬ ‫وهي ن َّي ُة ال ُقنية‪ ،‬وهي أقوى منها‬
‫زالت زال املرشوط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اعتبار ُعروض التِّجارة‪ ،‬فإذا ْ‬ ‫ٌ‬
‫رشط يف‬ ‫وبأنا‬
‫ـ َّ‬
‫بمجرد‬
‫َّ‬ ‫يتحول للتِّجارة‬ ‫َّ‬ ‫الدَّ ليل ال َّثاين‪ :‬كام أنَّه إذا نوى باملال التِّجارة ال‬
‫بمجرد النِّ َّية(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يتحول إليها‬
‫َّ‬ ‫النِّ َّية‪ ،‬فكذلِك إذا نوى ِبه ال ُقنية ال‬
‫ينظر‪ :‬النَّوادر والزيادات‪ ،‬البن أيب زيد القريواين (‪ ،)120/2‬واإلرشاف عىل نكت‬ ‫(((‬
‫مسائل اخلالف‪ ،‬للقايض عبد الوهاب (‪ ،)402/1‬وحاشية الدسوقي (‪.)476/1‬‬
‫املواق (‪.)190/3‬‬
‫ينظر‪ :‬التاج واإلكليل يف رشح خمترص خليل‪ ،‬البن َّ‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف (‪.)402/1‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف (‪.)402/1‬‬ ‫(((‬

‫‪235‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫الفرق‪:‬‬ ‫ذكره من‬ ‫ِ‬
‫ونوقش‪ :‬بام َ‬
‫سبق ُ‬
‫ٌ‬
‫انتقال عن أصل‪ ،‬وال ُقني ُة عو ٌد لألصل‪.‬‬ ‫ـ َّ‬
‫فإن التِّجارة‬
‫الكف‬
‫ُّ‬ ‫كف وإمساك‪ ،‬فإذا نواها فقد ُو ِجدَ‬ ‫دي‪« :‬القنية ٌّ‬
‫املاو ْر ُّ‬
‫ـ وقال َ‬
‫فصار لل ُقنْية‪ ،‬والتِّجارة‬
‫َ‬ ‫واإلمساك معها من غري فعل حيتاج إىل إحداثه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فعل ُيقارهنا مل ت َِص‬‫دت النِّ َّية عن ٍ‬ ‫ف ببي ٍع ورشاء‪ ،‬فإذا نواها َّ‬
‫وجتر ْ‬ ‫وترص ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫فعل‬
‫السفر الذي يتع َّل ُق بوجوده‬ ‫الفعل مل ْ ُيوجد‪ ،‬وشاهدُ ذلك َّ‬ ‫َ‬ ‫للتِّجارة‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫السفر‬ ‫مسافرا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحكا ٌم وزوالِه أحكام‪ ،‬فلو نوى‬
‫ألن َّ‬ ‫ً‬ ‫يص‬
‫السفر مل ْ‬ ‫املقيم َّ‬
‫ُ‬
‫مقيم َّ‬
‫ألن‬ ‫املسافر اإلقام َة صار ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والفعل مل يوجد‪ ،‬ولو نوى‬ ‫إحداث ٍ‬
‫فعل‬ ‫ُ‬
‫وكف عن فعل»(((‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫اإلقام َة ُل ْب ٌث‬
‫التجيح‪:‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املذاهب‬ ‫ذهب إليه مجاهري أهل العل ِم من‬ ‫َ‬ ‫الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬هو ما‬ ‫َّ‬
‫وغريها إىل أنَّه إذا نوى بعروض التِّجارة االقتناء حتولت لالقتِ ِ‬
‫ناء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األربعة‬
‫َ َّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫وألن النِّ َّية إذا مل تكن مؤثر ًة فال ُبدَّ من‬ ‫بمجرد ن َّيتِه ألنَّه عاد إىل األصل‪،‬‬‫َّ‬
‫كن‪،‬‬‫تط ُّلب مؤ ِّثر آخر ينقل ال ُعروض من التِّجارة إىل ال ُقنية‪ ،‬وهذا غري ُم ٍ‬
‫عم ٍل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عمل ال إنشا ُء َ‬ ‫كف عن‬ ‫فرتك التِّجار ُة ٌّ‬

‫المتربص والمدير‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫تغير َّنية‬ ‫المطلب َّ‬
‫الثالث‪ُّ :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫مذهب املالك َّية ‪،‬‬ ‫هذه مسأل ٌة فرع َّي ٌة متع ِّلق ٌة ب ُعروض التِّجارة ِو ْفق‬
‫ِ‬
‫اجلمهور يف تعريف ُعروض التِّجارة‪،‬‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫ذلِ َك َّ‬
‫أن املالك َّية ‪ ‬مع اتِّفاقهم َ‬

‫((( ينظر‪ :‬احلاوي (‪.)297/3‬‬

‫‪236‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫تغي الن َّية من التِّجارة إىل ال ُقنية‪ ،‬ومن ال ُقنية إىل التِّجارة‪َّ ،‬‬
‫فإنم‬ ‫ويف حك ِم ُّ‬
‫كل منهام بأحكا ٍم ِ‬
‫خمتلفة‪:‬‬ ‫خيتص ٌّ‬ ‫جيعلون ُعروض التِّجارة عىل نوعني‪،‬‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫األول‪ُ :‬عروض احتكار‪:‬‬
‫َّ‬
‫حلك َْرة‪ ،‬و ُيستفاد‬ ‫ِ‬
‫أيضا‪ :‬االحتكار‪ ،‬وا ُ‬
‫سموهنا ً‬ ‫فيسموهنا زكاة املرت ِّبص‪ ،‬و ُي ُّ‬‫ُّ‬
‫الربح من ِ‬
‫غري أن تُق َّلب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجلة كالمهم َّأنا‪ :‬ال ُعروض التي ُّات َذت‬ ‫من ِ‬
‫ألجل ِّ‬
‫وق بي ًعا أو رشا ًء أثنا َء احلول‪.‬‬ ‫يف الس ِ‬
‫ُّ‬
‫سنوات‬
‫ٌ‬ ‫يمر عليها‬ ‫فهو ينتظِر ويرت َّبص زياد َة سعرها ِ‬
‫ليعرضها للبيع‪ ،‬وقد ُّ‬
‫وهي عندَ ه‪.‬‬
‫ال َّثاين‪ُ :‬عروض إدارة‪:‬‬
‫فيسموهنا زكاة اإلدارة‪ ،‬وزكا ُة ا ُملدير‪ ،‬وهي‪ :‬ال ُعروض املتَّخذة لتقليبِها‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫احلول(((‪.‬‬ ‫السوق بي ًعا ورشا ًء أثنا َء‬‫يف ُّ‬
‫أن ُعروض التِّجارة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تفريقهم بني املسألتني‪َّ ،‬أنم يرون َّ‬ ‫وسبب‬
‫ُ‬
‫واحد عندَ ِ‬
‫بيعها‬ ‫ٍ‬ ‫ـ إذا كانت للرت ُّبص واالحتكار‪ِ ،‬‬
‫فتجب فيها زكاة عا ٍم‬
‫مر عليها سنوات فليس فيها إال زكاة‬ ‫مر عليها ٌ‬
‫حول فأكثر‪ ،‬ولو َّ‬ ‫إذا كان َّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حول‬

‫((( ينظر‪ :‬املوطأ برواية حييى الليثي (ص‪ ،)255‬واملقدمات املمهدات (‪،)285/1‬‬
‫ٌ‬
‫بحث مستقل بعنوان (زكاة املرت ِّبص وتطبيقاهتا‬ ‫والفواكه الدواين (‪ .)331/1‬وفيها‬
‫املعارصة‪ ،‬للحقيل) [جملة اجلمعية الفقهية السعودية‪ ،‬العدد اخلامس واألربعون‬
‫(ص‪.])185‬‬

‫‪237‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫للجمهور يف‬ ‫ٍ‬
‫حول‪ ،‬وفا ًقا‬ ‫فتجب فيها الزكاة َّ‬
‫كل‬ ‫كانت لإلدارة ِ‬ ‫ْ‬ ‫ـ وإذا‬
‫ِ‬
‫زكاة ال ُعروض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و َّملا كان هذا‬
‫ألن‬
‫املسألة َّ‬ ‫أحببت اإلشارة هلذه‬
‫ُ‬ ‫البحث متع ِّل ًقا ُّ‬
‫بتغي النِّية‪،‬‬ ‫ُ‬
‫املك َّلف ال خيلو من حالتني‪:‬‬
‫الت ُّبص‪ :‬فتكفي النِّي ُة‬ ‫احلالة األوىل‪ُّ :‬‬
‫تغي النِّ َّية أثنا َء احلول من اإلدارة إىل َّ‬
‫الت ُّبص(((‪.‬‬
‫لنقل ُعروض التِّجارة من اإلدارة َّ‬ ‫بمجر ِدها ِ‬
‫َّ‬
‫وممَّا ُي ُّ‬
‫ستدل به‪:‬‬
‫األصل هو الرتبص فيكفي جمرد النية لالنتقال ِ‬
‫إليه(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ـ َّ‬
‫أن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫واقرتنت به النِّ َّية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كف عن عمل اإلدارة‪،‬‬ ‫ـ َّ‬
‫وأن الرت ُّبص ٌّ‬
‫رشط ٍ‬
‫ألمر‬ ‫ٌ‬ ‫الزكاة‪ ،‬وهذا‬
‫فرارا من َّ‬
‫اشرتط أال يكون ذلك ً‬ ‫َ‬ ‫ومنهم من‬
‫خارجي‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلدارة‪:‬‬ ‫الت ُّبص إىل‬ ‫احلالة ال َّثانية‪ُّ :‬‬
‫تغي النِّ َّية من َّ‬
‫ففيه عند املالك َّية قوالن‪:‬‬
‫الت ُّبص إىل‬ ‫بمجردها ِ‬
‫لنقل ُعروض التِّجارة من َّ‬ ‫َّ‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫أن الن َّية ال تكفي‬ ‫َّ‬
‫مجاهريهم(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املذهب املعتمد عند املالك َّية وعليه‬
‫ُ‬ ‫اإلدارة‪ ،‬وهو‬

‫((( ينظر‪ :‬التاج واإلكليل (‪ ،)190/3‬ومنح اجلليل رشح خمترص خليل (‪.)63/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التاج واإلكليل (‪ ،)190/3‬ومنح اجلليل رشح خمترص خليل (‪.)63/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التاج واإلكليل (‪ ،)190/3‬ومنح اجلليل رشح خمترص خليل (‪.)63/2‬‬

‫‪238‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫وممَّا ُي ُّ‬
‫ستدل به‪:‬‬
‫بمجرد الن َّية(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األصل هو الرت ُّبص فال ُي ُ‬
‫نتقل عنه‬ ‫َ‬ ‫ـ َّ‬
‫أن‬
‫وق‪ ،‬فال تكفي الن َّية‬‫عمل وتقلي ًبا يف الس ِ‬
‫تتضمن ً‬ ‫أن اإلدار َة ‪-‬عندهم‪-‬‬ ‫ـ َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫بمجردها لالنتقال هلا‪.‬‬
‫َّ‬
‫تغي الن َّية من ال ُقنية إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلمهور يف مسألة ُّ‬ ‫بقواعد‬ ‫وهذا هو األشبه‬
‫التِّجارة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫احتامل يف مذهب‬ ‫القول ال َّثاين‪َّ :‬‬
‫أن الن َّية تكفي يف نقله إىل اإلدارة‪ ،‬وهو‬
‫رضب من التِّجارة‪ ،‬فتكفي الن َّية(((‪.‬‬ ‫أن ُكلًّ منهام‬ ‫ٍ‬
‫مالك‪ .‬ودلي ُله‪َّ :‬‬
‫ٌ‬
‫قريب من‬
‫ٌ‬ ‫االحتكار‬
‫َ‬ ‫«فرق بني املسألتني؛ وذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬ ‫وأجيب عنه‪:‬‬
‫فإنا لبعدها عنه‬ ‫األصل الذي هو ال ُقنية فينتقل إليه بالنِّ َّية‪ ،‬بخالف اإلدارة َّ‬ ‫ِ‬
‫ال تنتقل إليه بالنِّ َّية»(((‪.‬‬
‫تغي الن َّية من ال ُقنية إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلمهور يف مسألة ُّ‬ ‫بقواعد‬ ‫وهذا هو األشبه‬
‫التِّجارة‪.‬‬
‫ومن ا ُملمكن االستئناس هاهنا بام ذكره اجلمهور يف التَّفريق بني االنتقال‬
‫من ال ُق ِ‬
‫نية التِّجارة‪ ،‬واالنتقال من التِّجارة إىل ال ُقنية(((‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬التاج واإلكليل (‪ ،)190/3‬ومنح اجلليل رشح خمترص خليل (‪.)63/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬رشح خمترص خليل‪ ،‬للخريش (‪.)198/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬رشح خمترص خليل‪ ،‬للخريش (‪.)198/2‬‬ ‫(((‬
‫األول وال َّثاين من هذا املبحث‪.‬‬
‫كام يف املطلب َّ‬ ‫(((‬

‫‪239‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫الثالث‬ ‫المبحث َّ‬


‫العروض‬
‫تغير النِّ َّية في ُ‬
‫تطبيقات معاصرة على ُّ‬
‫ٌ‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫ضارب في األسهم‪:‬‬
‫والم ِ‬
‫ُ‬ ‫المستثمر‬
‫ِ‬ ‫تغير َّنية‬
‫األول‪ُّ :‬‬
‫المطلب َّ‬
‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬
‫ِ‬
‫واملستثمر‪:‬‬ ‫املسألة األوىل‪ :‬املراد با ُمل ِ‬
‫ضارب‬
‫ِ‬
‫أرباحها ال بن َّية انتظار‬ ‫ِ‬
‫االستفادة من‬ ‫األسهم بن َّية‬ ‫املستثمر‪ :‬من يشرتي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ارتفاع ِ‬
‫سعرها ليبي َعها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تاجر‪ :‬هو من يشرتي‬ ‫سمى ا ُمل ِ‬
‫املتاجرة هبا بي ًعا‬ ‫األسهم بن َّية‬
‫َ‬ ‫املضارب و ُي َّ‬
‫ِ‬
‫األسعار(((‪.‬‬ ‫ورشا ًء لالستفادة من فوارق‬
‫وهذه املسأل ُة يكتنفها ٌ‬
‫أمور‪:‬‬
‫نفسه ليس هو‬ ‫ِ‬
‫جتارة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـ َّ‬
‫السهم َ‬
‫ألن َّ‬ ‫املستثمر ليست ُعروض‬ ‫أسهم‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫َّ‬
‫حمل املتاجرة بالبي ِع ِّ‬
‫والشاء‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬أبحاث يف قضايا مالية معارصة‪ ،‬للشبييل (‪ ،)187/2‬واملضاربة يف األسواق‬


‫املالية‪ ،‬للسحيباين (ص‪ ،)2‬وقرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل رقم (‪ )28‬والقرار‬
‫أيضا‪.‬‬
‫(‪ )3/13( )120‬الذي صدر للتوضيح ً‬

‫‪240‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫حصة شائعة يف‬ ‫املستثمر ليست لل ُقنية اخلالصة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـ َّ‬
‫السهم َّ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫أن أسهم‬
‫مال زكوي(((‪.‬‬ ‫املوجودات غال ًبا من ٍ‬‫ُ‬ ‫الشكة‪ ،‬وال ختلو هذه‬ ‫موجودات َّ ِ‬

‫ألنا وإن‬ ‫ِ‬ ‫كاملستغل ِ‬


‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ـ َّ‬
‫لإلجيار‪َّ ،‬‬ ‫ت والدُّ ور التي‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫املستثمر‬ ‫أن أسهم‬
‫حصص‬ ‫أسهمه‬ ‫ختتلف من جهة َّ‬
‫أن‬ ‫شاهبتْها من جهة كونِه ينتظر ريعها‪ ،‬فهي ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاالستثامر هبذا‬ ‫ً‬
‫أموال زكو َّي ًة‪،‬‬ ‫تتضمن‬ ‫الشكة‬ ‫ٍ‬
‫رشكة ما‪ ،‬هذه َّ‬ ‫مشاع ٌة من‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫قيق معنى ِ‬
‫حادث‪.‬‬ ‫املفهو ِم الدَّ ِ‬

‫التحول من االستثامر إىل‬ ‫ِ‬


‫مسألة‬ ‫ِ‬
‫لتقريب‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫وسبب ِذكر هذه‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املضاربة‪ ،‬ومن ا ُمل َ‬
‫ضاربة إىل االستثامر‪.‬‬ ‫َ‬
‫املضاربة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫االستثامر إىل‬ ‫التحول من‬ ‫ُّ‬ ‫املسألة ال َّثانية‪:‬‬
‫عام ُلها ‪-‬كام سبق‪ -‬معاملة ُعروض‬ ‫االستثامر ال ي ِ‬
‫ِ‬ ‫مالك األسه ِم بن َّية‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫االستثامر‬ ‫حتو َلت ن َّيتُه وأراد املضارب َة هبا فقد َّ‬
‫حتولت ن َّيتُه من‬ ‫التِّجارة‪ ،‬فإن َّ‬
‫عني ُعروض التِّجارة‪ ،‬فهل يبدأ‬ ‫(بمفهومه املعروف) إىل املضاربة التي هي ُ‬ ‫ِ‬
‫املضاربة أم ال؟‬ ‫احلول منذ نوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحساب‬
‫ّ‬
‫تتخرج عليه هذه املسألة هي مسأل ُة ُّ‬
‫تغي‬ ‫أقرب ما َّ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫النِّية يف العروض من ال ُق ِ‬
‫نية إىل التِّجارة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬

‫ِ‬
‫حص ٌة مشاع ٌة يف موجودات َّ‬
‫الشكة‪،‬‬ ‫السهم َّ‬ ‫القول املشهور يف املجامع العلم َّية َّ‬
‫أن َّ‬ ‫((( عىل‬
‫السهم حينئذ يملك‬ ‫حص ٌة شائعة يف شخص َّيتها االعتبار َّية‪ ،‬فيكون مالك َّ‬‫ولو ُقلنا بأنَّه َّ‬
‫تتضمن أمواال زكو َّية‪ .‬ينظر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪ ،‬واملوجودات‬ ‫الشكة‪ ،‬وهي ِ‬
‫متلك‬ ‫جز ًءا من َّ‬
‫َّ‬
‫قرار املجمع (‪ )63‬الدورة السابعة‪ ،‬واملعيار (‪ )21‬من املعايري الرشعية‪ ،‬وأبحاث يف‬
‫قضايا مالية معارصة (‪.)187/2‬‬

‫‪241‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫َّحول من ال ُقنية إىل‬ ‫يتخرج عىل كال ِم مجهور الفقهاء يف الت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فإن الذي‬
‫املضاربة‬
‫َ‬ ‫يتحول إىل‬‫َّ‬ ‫املضاربة‪/‬ا ُملتاجرة فال‬
‫َ‬ ‫التحول إىل‬
‫َّ‬ ‫التِّجارة أنَّه إذا نوى‬
‫حساب حول‬ ‫أسهمه‪ ،‬وال يبدأ‬ ‫ِ‬ ‫فعل بأن بدأ يف بيع‬‫مارس املضارب َة ً‬
‫َ‬ ‫إال إذا َ‬
‫ممارسة‪.‬‬
‫املضاربة إال من َّأول َ‬ ‫َ‬ ‫زكاة‬
‫يتحول إىل‬
‫َّ‬ ‫املضاربة فإنَّه‬ ‫التحول إىل‬
‫ُّ‬ ‫القول اآلخر‪ :‬أنَّه إذا نوى‬ ‫ِ‬ ‫وعىل‬
‫َ‬
‫بمجرد ن َّيته هذه‪.‬‬ ‫الز ِ‬
‫كاة‬ ‫بحساب حول ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بمجرد الن َّية‪ ،‬ويبدأ‬ ‫املضاربة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫االستثامر‪:‬‬ ‫املضاربة إىل‬
‫َ‬ ‫املسألة ال َّثالثة‪ُّ :‬‬
‫حتول الن َّية من‬
‫عام ُلها ‪-‬كام سبق‪ -‬معاملة ُعروض‬ ‫مالك األسه ِم بنية املضاربة ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫السهم‬
‫حمل املتاجرة بسعره بي ًعا ورشا ًء‪ ،‬فصار َّ‬ ‫نفسه هو ُّ‬
‫السهم َ‬ ‫التِّجارة‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫ِ‬
‫احلول وأرا َد االستثامر يف‬ ‫حتو َلت ن َّيتُه أثنا َء‬
‫كالسلعة بني يديه‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫نفسه‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫حتولت ن َّيتُه من املضاربة ( ُعروض التِّجارة) إىل االستثامر‬ ‫األسهم‪ ،‬فقد َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منذ‬ ‫حول ُعروض التِّجارة‬ ‫ِ‬ ‫حساب‬ ‫السابق‪ ،‬فهل ينقطِع‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بمفهومه َّ‬
‫نوى االستثامر أم ال؟‬
‫تتخرج عليه هذه املسألة هي مسأل ُة ُّ‬
‫تغي‬ ‫أقرب ما َّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫النِّ َّية يف ال ُعروض من التِّجارة إىل ال ُقنية‪:‬‬
‫التحول من ا ُملضاربة إىل‬
‫ُّ‬ ‫تأصل يف املسألة األوىل فإنَّه إذا نوى‬ ‫فمع ما َّ‬
‫ِ‬
‫كون‬ ‫التحول ُم َّرد النِّ َّية‪ ،‬ألنَّه األصل‪ ،‬وملا سبق من‬ ‫ِ‬
‫االستثامر فيكفي يف‬
‫ُّ‬
‫ال ون َّية‪ ،‬فرتكه ا ُملضارب َة ٌّ‬
‫كف عن الفعل‪ ،‬فتكفي الن َّية إذن يف‬ ‫التِّجارة فع ً‬
‫ِ‬
‫لالستثامر‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫التحول‬
‫ُّ‬

‫‪242‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫المستغلت‪:‬‬
‫َّ‬ ‫تغير النِّ َّية في‬ ‫الثاني‪ :‬المطلب َّ‬
‫الثاني‪ُّ :‬‬ ‫المطلب َّ‬

‫َّ‬
‫املستغلت من ال ُعروض‪،‬‬ ‫خمتصا بال ُعروض فالكال ُم عىل‬ ‫و َّملا َ‬
‫كان بحثي ًّ‬
‫ِّ‬
‫االتار‬ ‫احلصول عىل َغ َّلتِها‪ ،‬دون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقصد‬ ‫َّخ ُذ‬
‫وهي‪ :‬ال ُعروض التي ُتت ّ‬
‫ِ‬
‫بأصولا(((‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬األم‪ ،‬للشافعي (‪ ،)50/2‬والزكاة‪ :‬تطبيق حماسبي معارص‪ ،‬للسلطان (ص‪،)111‬‬
‫وزكاة األصول االستثامرية الثابتة‪ ،‬لشبري‪ ،‬ضمن أبحاث الندوة اخلامسة لقضايا الزكاة‬
‫وبحث ُمفرد بعنوان زكاة املستغالت‪ ،‬آلل سيف‪ ،‬ضمن أبحاث‬ ‫ٌ‬ ‫املعارصة (ص‪،)432‬‬
‫جملة اجلمعية الفقهية السعودية العدد (‪( )5‬ص‪.)150‬‬

‫‪243‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫املحالت والدُّ ور والشقق ا ُملعدَّ ة لإلجيار(((‪ ،‬واآلالت‬


‫ُ‬ ‫فيدخل فيها‬‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مصنوعات(((‪.‬‬ ‫َّخذ ملا تُنتِجه من‬
‫الصناع َّية غري ا ُملعدَّ ة للبيع‪ ،‬بل التي ُتت ُ‬
‫ِّ‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أصولا‪ ،‬وعد ُم وجوب الزكاة يف أصوهلا‬ ‫السابقني إجياب الزكاة يف‬ ‫((( ومل ِيرد عن أحد من َّ‬
‫هو املعتمد يف املذاهب األربعة‪ .‬وينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)246/2‬ومواهب اجلليل‬
‫(‪ ،)157/6‬وحتفة املحتاج (‪ ،)296/3‬كشاف القناع (‪.)243/2‬‬
‫ِ‬
‫كغريه من األموال‬ ‫ريعها إذا استح َّقه وحال احلول عىل ذلك‪،‬‬ ‫والزكاة إنَّام تكون يف ِ‬ ‫َّ‬
‫والشافع َّية واحلنابلة‪ .‬ينظر‪ :‬البحر الرائق‬ ‫َّ‬ ‫الزكو َّية يف املعتمد عندَ احلنفية واملالك َّية‬ ‫َّ‬
‫(‪ ،)246/2‬والتاج واإلكليل (‪ ،)301/2‬وحتفة املحتاج‪ ،‬البن حجر اهليتمي‬
‫الر ِ‬
‫بح‬ ‫(‪ ،)296/3‬واإلنصاف‪ ،‬للمرداوي (‪ ،)115 /3‬والقول ال ّثاين‪َّ :‬أنا ِ‬
‫جتب يف ِّ‬
‫االستحقاق‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام‬‫ِ‬ ‫حول من حني‬ ‫ً‬ ‫استحقاقه وال ينتظِر به‬
‫ِ‬ ‫بمجرد‬
‫َّ‬
‫أمحد‪ ،‬لكن ناقشها ابن قدامة بقوله‪« :‬وكالم أمحد‪ ،‬يف الرواية األخرى‪ ،‬حممول عىل‬
‫أجر داره سنة‪ ،‬وقبض أجرهتا يف آخرها‪ ،‬فأوجب عليه زكاهتا‪ ،‬ألنَّه قد ملكها من‬ ‫من َّ‬
‫فصارت كسائر الدُّ يون‪ ،‬إذا قبضها بعد حول زكاها حني يقبضها‪ ،‬فإنه قد‬ ‫ْ‬ ‫أول احلول‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مطلق كالمه عىل مق َّيده»‪ .‬ينظر‪ :‬املغني‬ ‫الروايات عنه‪ ،‬ف ُيحمل‬
‫ُ‬ ‫رصح بذلك يف بعض ِّ‬ ‫َّ‬
‫(‪.)57/3‬‬
‫وينظر‪ :‬قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل املنعقد بجدة عام ‪1405‬هـ‪ ،‬وقرار جممع‬
‫الفقه اإلسالمي التابع للرابطة عام ‪1409‬هـ‪ ،‬وفتوى اللجنة الدائمة لإلفتاء يف اململكة‬
‫العربية السعودي (‪ ،)465‬والفتوى (‪ ،)4862‬ومعايري الرشعية املعيار رقم (‪)35‬‬
‫ص(‪ ،)885‬وقد نازع بعض املعارصين يف زكاة املصانع ونحوها‪ ،‬وليس هذا َّ‬
‫حمل‬
‫بحثِنا هذا‪.‬‬
‫((( أ َّما املصنوعات نفسها التي تُنتَج بقصد بيعها فحكمها حكم عروض التِّجارة‪ ،‬وكذلك‬
‫ألنا تُراد للبيع‪.‬‬‫ُستعمل يف املصنوعات‪َّ ،‬‬ ‫املوا ُّد األول َّية التي ت َ‬

‫‪244‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫املسألة األوىل‪:‬‬
‫فتتخرج‬
‫َّ‬ ‫لالسرتباح من ثمنِها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ستغلت‬ ‫بيع هذه ا ُمل َّ‬ ‫تغيت ن َّيتُه ونوى َ‬
‫إذا َّ‬
‫تغي النِّ َّية من ال ُقنية إىل التِّجارة‪.‬‬ ‫هنا عىل ما ُذكر يف البحث يف مسألة ُّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يف‬ ‫جمرد النِّ َّية‬
‫فال يكفي عىل قول اجلمهور من املذاهب األربعة َّ‬
‫حتويلها إىل ُعروض جتارة‪ ،‬بل ال ُبدَّ من ابتداء البيع‪.‬‬
‫ِ‬
‫وعىل القول اآلخر‪ :‬يكفي َّ‬
‫جمرد النِّ َّية‪.‬‬
‫املسألة ال َّثانية‪:‬‬
‫رصف النَّظر عن‬
‫روض من املذكورات معدَّ ة للبيع ثم َ‬ ‫إذا كان عندَ ه ُع ٌ‬
‫ِ‬
‫مسألة‬ ‫فتتخر ُج هذه املسألة‪ :‬عىل‬ ‫ِ‬
‫لإلجيار‪ ،‬أو االستغالل‪،‬‬ ‫البيع ونوى جع َلها‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫حتويلها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يف‬ ‫تغي النِّ َّية من التِّجارة إىل ال ُقنية‪ ،‬فيكفي ُم َّرد النِّ َّية‬
‫ُّ‬
‫النية في األراضي‪:‬‬
‫تغير َّ‬ ‫المطلب َّ‬
‫الثالث‪ُّ :‬‬
‫ٍّ‬
‫مستقل عن ال ُعروض األخرى‪،‬‬ ‫ختتص بحك ٍم‬
‫ُّ‬ ‫أفردتا مع َّأنا قد ال‬
‫ُ‬ ‫إنَّام‬
‫االتار باألرايض يف عرصنا كثر كثر ًة مل تكن كذلِك من ُ‬
‫قبل‪ ،‬مع ما‬ ‫ألن ِّ‬ ‫َّ‬
‫السؤال عنها‪:‬‬
‫انضم إىل ذلك من كثرة ُّ‬
‫َّ‬
‫املسألة األوىل‪:‬‬
‫رصف النَّظر عن بيعها‬
‫َ‬ ‫ثم‬ ‫ٍ‬
‫أراض ُمعدَّ ة للبيعِ‪َّ ،‬‬ ‫أرض أو‬
‫كانت عنده ٌ‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬
‫أن هذه املسألة هي عينُها مسأل ُة‬‫ونوى ِّاتاذها لل ُقنية(((‪ :‬يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬

‫تغي النِّ َّية من املستغلَّت وإليها‪.‬‬


‫((( وينظر‪ :‬مطلب ُّ‬

‫‪245‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫خترجيها‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬ ‫وليست‬
‫ْ‬ ‫(تغي الن َّية يف ال ُعروض من التِّجارة إىل ال ُقنية)‬
‫ُّ‬
‫أن النية بمجردها كافية ِ‬
‫لنقلها من ُعروض‬ ‫عليها‪ ،‬وحكم هذه املسألة َّ َّ ُ َّ‬
‫تقرره‪.‬‬
‫سبق ُّ‬
‫بمجرد هذه النّ َّية كام َ‬
‫َّ‬ ‫التِّجارة إىل ُعروض ال ُقنية‪ ،‬وينقطِع احلول‬
‫املسألة ال َّثانية‪:‬‬
‫أراض لل ُقنية(((‪ ،‬ثم نوى بي َعها‪ :‬يظهر ‪-‬واهلل‬ ‫ٍ‬ ‫أرض أو‬
‫كانت عندَ ه ٌ‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬هي عينُها مسأل ُة ُّ‬
‫(تغي الن َّية يف ال ُعروض‬ ‫ً‬ ‫أن هذه املسألة‬ ‫أعلم‪َّ -‬‬
‫حترر من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫من ال ُقنية إىل التِّجارة)‬
‫خترجيها عليها‪ ،‬فعىل ما َّ‬ ‫بحاجة إىل‬ ‫وليست‬
‫ْ‬
‫جردها لتحويلِها إىل‬ ‫بم َّ‬ ‫ِ‬
‫اجلمهور من املذاهب األربعة فال تكفي النِّ َّية ُ‬ ‫مذهب‬
‫ُعروض ِتارة‪.‬‬
‫القول اآلخر‪ :‬تكفي النِّ َّية لذلِك‪ ،‬وبه ْ‬
‫أفتت اللجنة الدَّ ائمة لإلفتاء‬ ‫ِ‬ ‫وعىل‬
‫السعود َّية رصاح ًة يف األرايض‪ ،‬جاء يف فتواها‪« :‬أ َّما إن‬
‫يف اململكة العرب َّية ُّ‬
‫تنوي هبا التِّجارة‪ ،‬فيبدأ ُ‬
‫حول‬ ‫ِ‬
‫لالقتناء‪ ،‬فال زكا َة فيها حتى‬ ‫كنت اشرتيتَها‬
‫َ‬
‫التِّجارة ِمن ِ‬
‫وقت الن َّية»(((‪.‬‬

‫تغي النِّ َّية من املستغلَّت وإليها‪.‬‬


‫((( وينظر‪ :‬مطلب ُّ‬
‫((( فتاوى ال َّلجنة الدَّ ائمة (املجموعة األوىل ‪.)330/9‬‬

‫‪246‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫وأهم النَّ تائج‬


‫ُّ‬ ‫الخاتمة‬
‫رت فيه‬
‫حر ُ‬ ‫َ‬
‫أكون قد َّ‬ ‫يس إمتا َم هذا البحث الذي أرجو أن‬ ‫احلمدُ هلل الذي َّ‬
‫جت املسائل املعارصة‬
‫وخر ُ‬ ‫ِ‬ ‫تغي ن َّية ا ُملك َّلف يف ُع ُروضه عىل‬
‫الزكاة‪َّ ،‬‬‫حول َّ‬ ‫أثر ُّ‬
‫ِ‬
‫الفقهاء‪ ،‬وقد خ َلصت منه‬ ‫املدو ِنة يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تصل ِ‬ ‫التي ِ‬
‫كتب‬ ‫بسبب عىل الفرو ِع َّ‬ ‫إليه‬
‫بجملة من النَّتائجِ ‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ٍ‬

‫وجبت فيه‬ ‫الربح‪ ،‬سوى ما‬ ‫ِ‬ ‫مال ُّ ِ‬


‫ات َذ‬ ‫كل ٍ‬‫عروض التِّجارة‪ُّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ألجل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪1.‬‬
‫الزكاة لعينِه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الز ِ‬
‫كاة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب َّ‬ ‫وغريها إىل‬ ‫األربعة‬ ‫املذاهب‬ ‫الفقهاء من‬ ‫‪2.‬ذهب مجاهري‬
‫اإلمجاع عىل ذلِك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وح ِك َي‬
‫يف ُعروض التِّجارة‪ُ ،‬‬
‫الزكا ُة حتَّى َ‬
‫حيول‬ ‫ب فيها َّ‬ ‫أن ُعروض التِّجارة ال ِ‬
‫جت ُ‬ ‫‪3.‬اتَّفق الفقها ُء عىل َّ‬
‫ُ‬
‫احلول عىل ما َ‬
‫بلغ منها نصا ًبا‪.‬‬
‫ِ‬
‫زكاتا إال إذا‬ ‫ِ‬
‫حول‬ ‫احتساب‬
‫ُ‬ ‫أن العروض ال يبدأ‬ ‫َّفق الفقها ُء عىل َّ‬ ‫‪4.‬ات َ‬
‫ِ‬
‫باملال التِّجارة‪.‬‬ ‫نوى صاح ُبها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالفعل كأن يبيع‬ ‫وقرن ذلك‬ ‫‪5.‬إذا نوى بالعروض املتَّخذة لل ُقنية التِّجار َة َ‬
‫حول ُعروض التِّجارة‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫احتساب‬
‫ُ‬ ‫ال ُعروض أو جز ًءا منها‪ ،‬فهنا يبتدئ‬
‫تتحول ال ُعروض‬ ‫َّ‬ ‫باع منه شي ًئا ولو ً‬
‫قليل‬ ‫يبيع املال ك َّله‪ ،‬بل لو َ‬ ‫يشرتطون أن َ‬ ‫ِ‬
‫إىل ُعروض ِت ٍ‬
‫ارة‪.‬‬
‫رض‬ ‫نية التِّجارة واقرتن ذلك بِ َع ِ‬ ‫َّخذة لل ُق ِ‬
‫‪6.‬إذا نوى بالعروض املت ِ‬
‫ِ‬
‫عروض‬ ‫تتحول بذلك إىل‬
‫َّ‬ ‫بأنا‬
‫السوق لكن دون فعل بيعٍ‪ ،‬فالقول َّ‬ ‫السلعة يف ُّ‬ ‫ِّ‬

‫‪247‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫نفسها‪ ،‬وإن كان‬ ‫املسألة ِ‬


‫ِ‬ ‫الفقهاء يف هذه‬‫ِ‬ ‫أجد من قال به رصاح ًة من‬ ‫جتارة مل ِ‬
‫ِ‬
‫بعض أقوال‬ ‫السوق ر َّبام ُي َّرج عىل‬
‫العرض يف ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ضم له‬
‫أصل اعتبار الن َّية إذا َّ‬
‫للزكاة‬
‫أخذت به اهليئة العا َّمة َّ‬
‫ْ‬ ‫املالك َّية يف مسألة املدير واملرت ِّبص وهو ُيشبه ما‬
‫والدَّ خل يف اململكة كام يف (‪.)8‬‬
‫يبتدئ هبا ُ‬ ‫فعل ال ِ‬ ‫جردة دون ٍ‬
‫حول‬ ‫أن النِّ َّية ا ُمل َّ‬
‫األقرب ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫ُ‬ ‫‪7.‬‬
‫املعتمدُ يف املذاهب األربعة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التِّجارة‪ ،‬وهذا هو‬
‫السعود َّية‬
‫للزكاة والدَّ خل يف اململكة العرب َّية ُّ‬‫حتتسب اهليئة العا َّمة َّ‬‫ُ‬ ‫‪8.‬‬
‫ِّجاري‪ ،‬وال ينظرون يف ابتداء البي ِع‬
‫ِّ‬ ‫السجل الت‬ ‫ِ‬
‫استخراج ِّ‬ ‫الزكاة منذ‬ ‫حول َّ‬‫َ‬
‫والشاء الفعليني‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫تتحول‬‫َّ‬ ‫ثم نوى أن يتَّخذها لل ُقنية‪َّ ،‬‬
‫فإنا‬ ‫‪9.‬من عنده ُعروض يتَّجر هبا َّ‬
‫ِ‬
‫املذاهب األربعة‪.‬‬ ‫املعتمدُ يف‬
‫َ‬ ‫بمجرد النِّ َّية‪ ،‬وهو‬
‫َّ‬ ‫لل ُقنية‬
‫قسم املالك َّية عروض التِّجارة إىل قسمني‪:‬‬
‫ ‪ُ 10.‬ي ِّ‬
‫أيضا‪:‬‬‫سموهنا ً‬ ‫ويسموهنا زكاة املرت ِّبص‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫األول‪ُ :‬عروض احتكار‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ات َذت‬‫مجلة كالمهم أنا‪ :‬العروض التي ُّ ِ‬ ‫االحتِكار‪ ،‬واحلكْرة‪ ،‬ويستفاد من ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وق بيعا أو رشاء أثناء احلول‪ ،‬فهو ينتظرِ‬ ‫ِ‬ ‫الربح من ِ‬ ‫ِ‬
‫ً َ‬ ‫ً‬ ‫غري أن تُق َّلب يف ُّ‬
‫الس‬ ‫ألجل ِّ‬
‫سنوات وهي عندَ ه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يمر عليها‬‫ليعرضها للبيع‪ ،‬وقد ُّ‬ ‫ويرت َّبص زياد َة سعرها ِ‬

‫فيسموهنا زكاة اإلدارة‪ ،‬وزكا ُة ا ُملدير‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال َّثاين‪ُ :‬عروض إدارة‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلول‪.‬‬ ‫ال ُعروض املتَّخذة لتقليبِها يف ُّ‬
‫السوق بي ًعا ورشا ًء أثنا َء‬

‫‪248‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫قون بني عروض االحتكار‪/‬الرت ُّبص‪،‬‬


‫يفر َ‬
‫ ‪11.‬عند املالك َّية الذين ِّ‬
‫ِ‬
‫وعروض اإلدارة‪:‬‬
‫الت ُّبص‪ :‬فتكفي النِّي ُة‬
‫تغي ْت النِّ َّية أثنا َء احلول من اإلدارة إىل َّ‬
‫فإنَّه إذا َّ‬
‫الت ُّبص‪.‬‬
‫لنقل ُعروض التِّجارة من اإلدارة َّ‬ ‫بمجر ِدها ِ‬
‫َّ‬
‫الت ُّبص إىل اإلدارة‪ ،‬فال ينتقل املال‬
‫تغيت النِّ َّية أثنا َء احلول من َّ‬
‫وإذا َّ‬
‫املذهب‬
‫ُ‬ ‫من مال تر ُّبص إىل مال إدارة‪ ،‬إذ ال تكفي النَّية وحدها لذلك‪ ،‬وهو‬
‫مجاهريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املعتمد عند املالك َّية وعليه‬
‫ ‪12.‬ال خيلو مالك األسه ِم من إحدى حالتني‪:‬‬
‫ِ‬
‫االستفادة من‬ ‫األسهم بن َّية‬ ‫مستثم ًرا‪ ،‬وهو من يشرتي‬ ‫ِ‬ ‫األوىل‪ :‬أن يكون‬
‫َ‬
‫سعرها ليبي َعها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أرباحها ال بن َّية انتظار ارتفاع ِ‬

‫األسهم بن َّية‬ ‫تاجر‪ ،‬وهو من يشرتي‬ ‫مضار ًبا و ُيسمى ا ُمل ِ‬


‫ِ‬ ‫الثانية‪ :‬أن يكون‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫األسعار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املتاجرة هبا بي ًعا ورشا ًء لالستفادة من فوارق‬
‫تغي الن َّية من‬ ‫تتخرج عليه مسألة ُّ‬
‫َّ‬ ‫أقرب ما‬
‫َ‬ ‫‪13.‬يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫أن‬
‫االستثامر يف األسهم إىل ا ُملضاربة‪/‬املتاجرة فيها هي مسأل ُة ُّ‬
‫(تغي النِّ َّية يف‬
‫العروض من ال ُق ِ‬
‫نية إىل التِّجارة)‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تغي الن َّية من‬ ‫تتخرج عليه مسألة ُّ‬
‫َّ‬ ‫أقرب ما‬
‫َ‬ ‫ ‪14.‬يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪َّ -‬‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫االستثامر فيها هي مسأل ُة ُّ‬
‫(تغي النِّ َّية يف‬ ‫ا ُملضاربة‪/‬املتاجرة يف األسهم إىل نية‬
‫ال ُعروض من التِّجارة إىل ال ُقنية)‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ِ‬
‫بقصد‬ ‫َّخ ُذ‬
‫املستغلت من ال ُعروض‪ ،‬هي‪ :‬ال ُعروض التي ُتت ّ‬ ‫َّ‬ ‫ ‪15.‬‬
‫َّ‬
‫واملحلت املعدَّ ة‬ ‫ِ‬
‫بأصولا‪ ،‬كالبيوت‬ ‫االت ِ‬
‫ار‬ ‫احلصول عىل َغ َّلتِها‪ ،‬دون ِّ‬
‫ِ‬
‫َّخذ ملا تُنتِجه من‬‫الصناع َّية غري ا ُملعدَّ ة للبيع‪ ،‬بل التي ُتت ُ‬ ‫ِ‬
‫لإلجيار‪ ،‬واآلالت ِّ‬
‫ٍ‬
‫مصنوعات(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫لالسرتباح‬ ‫بيع هذه ا ُمل ّ‬
‫ستغلت‬ ‫ستغلت ونوى َ‬ ‫تغيت الن َّية يف ا ُمل َّ‬ ‫ ‪16.‬إذا َّ‬
‫(تغي النِّ َّية من ال ُقنية إىل التِّجارة) وتأخذ‬
‫فتتخرج عىل مسألة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫من ثمنِها‪،‬‬
‫حكمها‪.‬‬ ‫َ‬
‫تغيت الن َّية يف ال ُعروض ا ُملتَّخذة للتِجارة‪ ،‬ونوى أن جيع َلها‬ ‫ ‪17.‬إذا َّ‬
‫فتتخرج عىل‬ ‫ِ‬
‫بأصولا‪،‬‬ ‫االت ِ‬
‫ار‬ ‫دون ِّ‬ ‫ِ‬
‫احلصول عىل َغ َّلتها‪َ ،‬‬ ‫ت بقصد‬ ‫مستغل ٍ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫حكمها‪.‬‬ ‫(تغي النِّ َّية من التِّجارة إىل ال ُقنية) وتأخذ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مسألة ُّ‬
‫ٍ‬
‫أراض ُمعدَّ ة للبي ِع‬ ‫أرض أو‬ ‫كانت عنده ٌ‬
‫ْ‬ ‫ ‪18.‬يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن من‬
‫رصف النَّظر عن بيعها ونوى ِّاتاذها لل ُقنية َّأنا هي عينُها مسأل ُة ُّ‬
‫(تغي‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫خترجيها عليها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬ ‫وليست‬
‫ْ‬ ‫الن َّية يف ال ُعروض من التِّجارة إىل ال ُقنية)‬
‫ٍ‬
‫أراض لل ُقنية‪،‬‬ ‫أرض أو‬
‫كانت عندَ ه ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ ‪19.‬يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن من‬
‫(تغي الن َّية يف ال ُعروض من ال ُقنية إىل‬‫ثم نوى بي َعها َّأنا هي عينُها مسأل ُة ُّ‬
‫ِ‬
‫خترجيها عليها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬ ‫وليست‬
‫ْ‬ ‫التِّجارة)‬
‫حمم ٍد ِ‬
‫خري‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وبارك عىل س ِّيدنا َّ‬ ‫وصل اهلل وس َّلم‬ ‫َّ‬ ‫رب العاملني‪،‬‬
‫واحلمدُ هللِ ِّ‬
‫ِ‬
‫خلق اهلل أمجعني‪.‬‬
‫((( أ َّما املصنوعات نفسها التي تُنتج بقصد بيعها فحكمها حكم عروض التِّجارة‪ ،‬وكذلك‬
‫ألنا تُراد للبيع‪.‬‬
‫ُستعمل يف املصنوعات‪َّ ،‬‬
‫املوا ّد األول َّية التي ت َ‬

‫‪250‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ثبت المصادر والمراجع‬


‫‪1.‬أبحاث يف قضايا مالية معارصة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬يوسف بن عبد اهلل الشبييل‪،‬‬
‫النَّارش‪ :‬دار امليامن‪.‬‬
‫‪2.‬أبحاث وأعامل الندوة اخلامسة لقضايا الزكاة املعارصة‪ ،‬اهليئة الرشعية العاملية‬
‫للزكاة‪ ،‬النارش‪ :‬بيت الزكاة‪ ،‬اهليئة الرشعية العاملية للزكاة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪3.‬أحكام القرآن‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن عيل أبو بكر الرازي اجلصاص احلنفي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد صادق القمحاوي النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫تاريخ الطبع‪1405 :‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬أحكام وفتاوى ال َّزكاة والصدقات والنذور والكفارات‪ ،‬النارش‪ :‬بيت الزكاة‬
‫‪ -‬الكويت‪ ،‬مكتب الشؤون الرشعية‪ .‬اإلصدار الثامن‪1430 ،‬هـ‪2009-‬م‪.‬‬
‫‪5.‬االستذكار‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب بن‬
‫عاصم النمري القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬سامل حممد عطا‪ ،‬حممد عيل معوض‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪6.‬اإلرشاف عىل مذاهب العلامء‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو بكر حممد بن إبراهيم بن املنذر‬
‫النيسابوري‪ ،‬املحقق‪ :‬صغري أمحد األنصاري أبو محاد‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة مكة‬
‫الثقافية‪ ،‬رأس اخليمة ‪ -‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1425 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪7.‬اإلرشاف عىل نكت مسائل اخلالف‪ ،‬املؤلف‪ :‬القايض أبو حممد عبد الوهاب‬
‫بن عيل بن نرص البغدادي املالكي‪ ،‬املحقق‪ :‬احلبيب بن طاهر‪ ،‬النارش‪ :‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1420 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪8.‬اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد اخلطيب الرشبيني‬
‫الشافعي‪ ،‬املحقق‪ :‬مكتب البحوث والدراسات‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫‪9.‬األم‪ ،‬املؤلف‪ :‬الشافعي أبو عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثامن بن‬
‫شافع املطلبي القريش‪ ،‬النارش‪ :‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ ،‬سنة النرش‪1410 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬املؤلف‪ :‬عالء الدين أبو احلسن عيل‬
‫بن سليامن املرداوي الدمشقي الصاحلي احلنبيل‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫ ‪11.‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد‬
‫بن رشد القرطبي الشهري بابن رشد احلفيد‪ ،‬النارش‪ :‬دار احلديث ‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫بدون طبعة‪ ،‬تاريخ النرش‪1425 :‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬
‫الرزاق‬
‫حممد بن عبد َّ‬ ‫ ‪12.‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬املؤلف‪َّ :‬‬
‫حممد بن َّ‬
‫احلسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬املل َّقب بمرتىض َّ‬
‫الزبيدي‪ ،‬املحقق‪ :‬جمموعة من املحققني‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار اهلداية‪.‬‬
‫ ‪13.‬التاج واإلكليل ملخترص خليل‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن يوسف بن أيب القاسم بن‬
‫يوسف العبدري الغرناطي‪ ،‬أبو عبد اهلل املواق املالكي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1416 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬تفسري غريب ما يف الصحيحني البخاري ومسلم‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن فتوح بن‬
‫عبد اهلل بن فتوح بن محيد األزدي امليورقي احلَ ِميدي أبو عبد اهلل بن أيب نرص‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬د‪ .‬زبيدة حممد سعيد عبد العزيز‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة السنة ‪ -‬القاهرة ‪-‬‬
‫مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬التلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو الفضل أمحد‬
‫بن عيل بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو عاصم حسن بن‬
‫عباس بن قطب‪ ،‬النارش‪ :‬مؤسسة قرطبة ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1416 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪16.‬هتذيب اللغة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو منصور حممد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫حممد عوض مرعب‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬التوقيف عىل مهامت التعاريف‪ ،‬املؤلف‪ :‬زين الدين‪ ،‬عبد الرؤوف بن تاج‬
‫العارفني بن عيل بن زين العابدين احلدادي ثم املناوي القاهري‪ ،‬النارش‪ :‬عامل‬
‫الكتب‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1410 ،‬هـ‪1990-‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬اجلامع املسند الصحيح املخترص من أمور رسول اهلل ^ وسننه وأيامه =‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن إسامعيل أبو عبد اهلل البخاري اجلعفي‪،‬‬
‫ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫ ‪19.‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي‬
‫املالكي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪20.‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي ‪-‬وهو رشح خمترص املزين‪،-‬‬
‫املؤلف‪ :‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد بن حبيب البرصي البغدادي‪،‬‬
‫الشهري باملاوردي‪ ،‬املحقق‪ :‬الشيخ عيل حممد معوض‪ ،‬الشيخ عادل أمحد‬
‫عبد املوجود‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬الدر النقي يف رشح ألفاظ اخلرقي‪ ،‬املؤلف‪ :‬مجال الدين أبو املحاسن يوسف بن‬
‫حسن بن عبد اهلادي احلنبيل الدمشقي الصاحلي املعروف بابن املربد‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫رضوان خمتار بن غربية‪ ،‬النارش‪ :‬دار املجتمع للنرش والتوزيع‪ ،‬جدة ‪ -‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1411 ،‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬الزاهر يف غريب ألفاظ الشافعي‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪،‬‬
‫أبو منصور‪ ،‬املحقق‪ :‬مسعد عبد احلميد السعدين‪ ،‬النارش‪ :‬دار الطالئع‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪23.‬الزكاة تطبيق حماسبي معارص‪ ،‬املؤلف‪ :‬د‪ .‬سلطان بن حممد عىل السلطان‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار املريخ للنرش‪ ،‬تاريخ النرش‪1406 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪24.‬سنن ابن ماجه‪ ،‬املؤلف‪ :‬ابن ماجة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني‪،‬‬
‫حممد كامل قره بليل‪ ،‬عبد اللطيف‬
‫املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬عادل مرشد‪َّ ،‬‬
‫حرز اهلل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1430 ،‬هـ‪2009-‬م‪.‬‬
‫ ‪25.‬سنن أيب داود‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو داود سليامن بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن‬
‫شداد بن عمرو األزدي السجستاين‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪،‬‬
‫النارش‪ :‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪26.‬سنن سعيد بن منصور‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عثامن سعيد بن منصور بن شعبة اخلراساين‬
‫اجلوزجاين‪ ،‬املحقق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪ ،‬النارش‪ :‬الدار السلفية ‪ -‬اهلند‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1403 ،‬هـ‪1982-‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬رشح السنة‪ ،‬املؤلف‪ :‬حميي السنة‪ ،‬أبو حممد احلسني بن مسعود بن حممد بن‬
‫الفراء البغوي الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬حممد زهري الشاويش‪،‬‬
‫النارش‪ :‬املكتب اإلسالمي ‪ -‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫ ‪28.‬الرشح املمتع عىل زاد املستقنع‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن صالح بن حممد العثيمني‪ ،‬دار‬
‫النرش‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1428-1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬رشح خمترص الطحاوي‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن عيل أبو بكر الرازي اجلصاص‬
‫احلنفي‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬عصمت اهلل عنايت اهلل حممد‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬سائد بكداش‪ ،‬د‪ .‬حممد‬
‫عبيد اهلل خان‪ ،‬د‪ .‬زينب حممد حسن فالتة‪ ،‬أعد الكتاب للطباعة وراجعه‬
‫وصححه‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬سائد بكداش‪ ،‬النارش‪ :‬دار البشائر اإلسالمية ‪ -‬ودار الرساج‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل ‪1431‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪30.‬رشح خمترص خليل للخريش‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن عبد اهلل اخلريش املالكي أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر للطباعة ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪31.‬عقد اجلواهر الثمينة يف مذهب عامل املدينة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو حممد جالل الدين عبد‬
‫اهلل بن نجم بن شاس بن نزار اجلذامي السعدي املالكي‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬أ‪ .‬د‪.‬‬
‫محيد بن حممد حلمر‪ ،‬النارش‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1423 ،‬هـ‪2003-‬م‪.‬‬
‫ ‪32.‬العناية رشح اهلداية‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن حممد بن حممود‪ ،‬أكمل الدين أبو عبد اهلل‬
‫ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ مجال الدين الرومي البابريت‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫ ‪33.‬غلط الضعفاء من الفقهاء‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد اهلل بن َب ِّري بن عبد اجلبار املقديس‬
‫األصل املرصي‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬ابن أيب الوحش‪ ،‬املحقق‪ :‬الدكتور حاتم صالح‬
‫الضامن‪ ،‬النارش‪ :‬عامل الكتب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1407 ،‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫ ‪34.‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪ -‬املجموعة األوىل‪ ،‬مجع وترتيب‪ :‬أمحد بن عبد الرزاق‬
‫الدويش‪ ،‬النارش‪ :‬رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء ‪ -‬اإلدارة العامة‬
‫للطبع ‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫ ‪35.‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر أبو الفضل‬
‫العسقالين الشافعي‪ ،‬رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام‬
‫بإخراجه وصححه وأرشف عىل طبعه‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬عليه تعليقات‬
‫العالمة‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‪ ،‬النارش‪ :‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪36.‬فتح القدير‪ ،‬كامل الدين حممد بن عبد الواحد السيوايس املعروف بابن اهلامم‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪37.‬فتح القريب املجيب يف رشح ألفاظ التقريب = القول املختار يف رشح غاية‬
‫االختصار‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن قاسم بن حممد بن حممد‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬شمس‬

‫‪255‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫الدين الغزي‪ ،‬ويعرف بابن قاسم وبابن الغرابييل‪ ،‬بعناية‪ :‬بسام عبد الوهاب‬
‫اجلايب‪ ،‬النارش‪ :‬اجلفان واجلايب للطباعة والنرش‪ ،‬دار ابن حزم للطباعة والنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1425 ،‬هـ‪2005-‬م‪.‬‬
‫ ‪38.‬الفواكه الدواين عىل رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬املؤلف‪ :‬شهاب الدين‬
‫النفراوي األزهري املالكي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر‪ ،‬تاريخ النرش‪1415 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫ ‪39.‬كتاب األموال‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو ُعبيد القاسم بن سالم بن عبد اهلل اهلروي‬
‫البغدادي‪ ،‬املحقق‪ :‬خليل حممد هراس‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪40.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬املؤلف‪ :‬منصور بن يونس بن صالح الدين بن‬
‫حسن بن إدريس البهويت احلنبيل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪41.‬الالئحة التنفيذية جلباية الزكاة الصادرة من اهليئة العامة للزكاة والدخل‬
‫يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬بالقرار الوزاري رقم ‪ ،2216‬وتاريخ‬
‫‪1440/7/7‬هـ‪.‬‬
‫ ‪42.‬لسان العرب‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن‬
‫منظور األنصاري الرويفعي اإلفريقي‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثالثة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪43.‬جملة اجلمعية الفقهية السعودية‪ ،‬العدد (‪ )45‬تاريخ النرش‪1440-1439 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪44.‬جملة اجلمعية الفقهية السعودية‪ ،‬العدد (‪ )5‬تاريخ النرش‪1431-1430 :‬هـ‪.‬‬
‫ ‪45.‬جمموع الفتاوى شيخ اإلسالم أيب العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين‪،‬‬
‫مجع‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬النارش‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف‬
‫الرشيف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬عام النرش‪1416 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪46.‬املجموع رشح املهذب‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو زكريا حميي الدين حييى بن رشف النووي‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪47.‬املخصص‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو احلسن عيل بن إسامعيل بن سيده املريس‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫خليل إبراهيم جفال‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1417 ،‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬
‫ ‪48.‬املسالِك يف رشح مو َّطأ مالك‪ ،‬املؤلف‪ :‬القايض حممد بن عبد اهلل أبو بكر بن‬
‫العريب املعافري اإلشبييل املالكي‪ ،‬قرأه وع َّلق عليه‪ :‬حممد بن احلسني ُّ‬
‫السليامين‪،‬‬
‫السليامين‪ ،‬النارش‪َ :‬دار ال َغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫وعائشة بنت احلسني ُّ‬
‫‪1428‬هـ‪2007-‬م‪.‬‬
‫ ‪49.‬املسند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل إىل رسول اهلل ^‪ ،‬املؤلف‪:‬‬
‫مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪50.‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن حممد بن عيل الفيومي‬
‫ثم احلموي‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪51.‬املضاربة يف األسواق املالية مع اإلشارة حلالة سوق األسهم السعودية‪ ،‬املؤلف‪:‬‬
‫د‪ .‬حممد بن إبراهيم السحيباين‪ ،‬النارش‪ :‬موقع ‪ResearchGate‬‬

‫ ‪52.‬املطلع عىل ألفاظ املقنع‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أيب الفتح بن أيب الفضل البعيل‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬املحقق‪ :‬حممود األرناؤوط‪ ،‬وياسني حممود اخلطيب‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مكتبة السوادي للتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪1423‬هـ‪2003-‬م‪.‬‬
‫ ‪53.‬املعايري الرشعية‪ ،‬النص الكامل للمعايري الرشعية التي تم اعتامدها حتى صفر‬
‫‪1439‬هـ نوفمرب ‪2017‬م‪ .‬النارش‪ :‬هيئة املحاسبة واملراجعة للمؤسسات‬
‫املالية اإلسالمية‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪54.‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬املؤلف‪ :‬شمس الدين‪ ،‬حممد بن‬
‫أمحد اخلطيب الرشبيني الشافعي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫ ‪55.‬املغني‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة‬
‫اجلامعييل املقديس ثم الدمشقي احلنبيل‪ ،‬الشهري بابن قدامة املقديس‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫مكتبة القاهرة‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬تاريخ النرش‪1388 :‬هـ‪1968-‬م‪.‬‬
‫ ‪56.‬مقاييس اللغة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي‪ ،‬أبو احلسني‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر‪ ،‬عام النرش‪1399 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫ ‪57.‬املقدمات املمهدات‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد القرطبي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬الدكتور حممد حجي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1408 ،‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫ ‪58.‬املنتقى رشح املوطأ‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو الوليد سليامن بن خلف بن سعد بن أيوب بن‬
‫وارث التجيبي القرطبي الباجي األندليس‪ ،‬النارش‪ :‬مطبعة السعادة ‪ -‬بجوار‬
‫مصورة دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫حمافظة مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1332 ،‬هـ‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫ ‪59.‬منتهى اإلرادات‪ ،‬املؤلف‪ :‬تقي الدين حممد بن أمحد الفتوحي احلنبيل الشهري‬
‫بابن النجار‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬النارش‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1419 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫ ‪60.‬منح اجلليل رشح خمترص خليل‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن حممد عليش‪،‬‬
‫أبو عبد اهلل املالكي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬تاريخ النرش‪1409 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر تغير نية المكلف في عروضه على حول الزكاة‬

‫ ‪61.‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬املؤلف‪ :‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي املدين‪،‬‬
‫صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬عام النرش‪1406 :‬هـ‪1985-‬م‪.‬‬
‫ ‪62.‬ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬املؤلف‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل حممد بن‬
‫أمحد بن عثامن بن َقا ْيامز الذهبي‪ ،‬النارش‪ :‬دار املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‬
‫‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1382 ،‬هـ‪1963-‬م‪.‬‬
‫ ‪63.‬النظم املستعذب يف تفسري غريب ألفاظ املهذب‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن‬
‫حممد بن سليامن بن بطال الركبي‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬دراسة وحتقيق وتعليق‪ :‬د‪.‬‬
‫مصطفى عبد احلفيظ س ِ‬
‫ال‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة التجارية‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬عام النرش‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪1988‬م (جزء ‪1991 ،)1‬م (جزء ‪.)2‬‬
‫ ‪64.‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬املؤلف‪ :‬شمس الدين حممد بن أيب العباس أمحد‬
‫بن محزة شهاب الدين الرميل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪1404 :‬هـ‪-‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫ ‪65.‬النَّوادر وال ِّزيادات عىل ما يف املدَ َّونة من غريها من األُمهات‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو حممد‬
‫عبد اهلل بن أيب زيد عبد الرمحن النفزي‪ ،‬القريواين‪ ،‬املالكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحققني‪ ،‬النارش‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة‬
‫مانع الوطء ودواعيه‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫مانع الوطءِ ‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫مع وجود‬
‫عدمهما في استقرار الصداق‬
‫ِ‬
‫دراسة فقهية‬

‫د‪ .‬يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ‬


‫األستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء‬

‫‪261‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬خالق األزواج كلها‪ ،‬مسبغ النعم‪ ،‬واهب املنن‪،‬‬
‫ذي الطول ال إله إال هو إليه املصري‪ ،‬والصالة والسالم عىل معلم البرشية‪،‬‬
‫الذي جاء باملحجة البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فصل األحكام تفصيالً‪ ،‬وجاء بالترشيعات‬ ‫فإن الرشع احلنيف قد َّ‬
‫العظيمة والتنظيامت السامية يف شتى عالقات العبد بغريه‪َ ،‬ف َف َّصل َّ‬
‫وبي‬
‫وجل أحكام عالقته بغريه من بني جنسه‪.‬‬‫أحكام عالقة العبد بربه‪ ،‬وأبان َّ‬
‫فبي واجبات‬
‫وإن مما جاله وأوضحه أحكا َم العالقة بني الزوجني‪َّ ،‬‬
‫وبي‬
‫وبي احلقوق املالية املرتتبة عىل عقد النكاح‪َّ ،‬‬ ‫ٍّ‬
‫كل منهام جتاه زوجه‪َّ ،‬‬
‫رشائ َطها‪ ،‬وموانعها‪ ،‬ومؤكداهتا‪ ،‬ومسقطاهتا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصداق الزوجة هو من أعظم حقوقها عىل زوجها‪ ،‬وقد َّبي العلامء‬
‫أحكام هذا الصداق‪ ،‬وفصلوا يف ذلك‪ ،‬مستمدين ذلك من األدلة الرشعية‬
‫املعتربة‪.‬‬
‫وإن من مسائل الصداق التي تكلم عنها العلامء‪ ،‬وأفاضوا فيها‪ ،‬مسألة‬
‫استقرار الصداق بخلوة الزوج بزوجته‪ ،‬بعد العقد‪ ،‬وقبل الوطء‪ ،‬وقد‬
‫عتب هلذه اخللوة‪ ،‬وغري ُم ِ‬
‫عتب‪.‬‬ ‫اختلفوا يف ذلك ما بني ُم ِ‬
‫ثم إن الذين اعتربوا هذه اخللوة ِ‬
‫موجب ًة الستقرار الصداق اختلفوا فيام‬
‫إذا وجد مانع للوطء‪ ،‬أو لدواعيه‪ ،‬هل تكون اخللو ُة مع ذلك معترب ًة أو‬
‫ُ‬
‫والطرق حتى يف‬ ‫ُ‬
‫األقوال‬ ‫ال؟ وت ََش َّع َ‬
‫ب الكالم يف هذه املسألة‪ ،‬وكثرت فيها‬

‫‪262‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫املذهب الواحد(((‪ ،‬مما يستدعي حترير املذاهب الفقهية يف هذه املسألة‪ ،‬وشيئ ًا‬
‫من التفصيل واالستيعاب للمسائل املندرجة حتتها‪.‬‬
‫وعنونت هلا بـ «أثر اخللوة بالزوجة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رأيت بحث هذه املسألة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهلذا‬
‫الوطء‪ ،‬أو مان ِع الوطء ودواعيه‪ ،‬أو ِ‬
‫عدمهام‪ ،‬يف استقرار‬ ‫ِ‬ ‫مع وجود مان ِع‬
‫الصداق‪ -‬دراسة فقهية»‪.‬‬
‫حدود املوضوع‪:‬‬
‫الوطء‬
‫َ‬ ‫املوضوع منحرص يف بيان أثر اخللوة بالزوجة مع عدم ما يمنع‬
‫ودواع َيه يف استقرار الصداق‪ ،‬أو مع وجود ما يمنع الوطء ودواعيه أو مع‬
‫وجود ما يمنع الوطء فقط‪.‬‬
‫وال يدخل يف املوضوع غري ذلك مما له عالقة‪.‬‬
‫فال يدخل فيه أثر مبارشة الزوجة‪ ،‬أو تقبيلها‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬بدون‬
‫خلوة‪ ،‬يف استقرار الصداق‪.‬‬
‫وال يدخل فيه أيض ًا أثر اخللوة بالزوجة مع وجود ما يمنع الوطء‪،‬‬
‫ودواعيه‪ ،‬يف لزوم العدة‪ ،‬وال يف غريها‪.‬‬
‫أمهية املوضوع وأسباب اختياره‪:‬‬
‫تظهر أمهية هذا املوضوع وأسباب اختياره فيام ييل‪:‬‬

‫((( ومن ذلك تعدد الروايات عن اإلمام أمحد يف هذه املسائل‪ ،‬واختالف األصحاب يف‬
‫توجيهها‪ .‬انظر‪ :‬املغني ‪ ،252-250/7‬العقود البن تيمية ص‪ ،249-245‬القواعد‬
‫البن رجب (دار املعرفة) ‪.330-329/1‬‬

‫‪263‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪1.‬تَش ُّعب الكالم يف هذه املسألة‪ ،‬وكثرة األقوال فيها حتى يف املذهب‬
‫الواحد‪ ،‬وهذا يستدعي حترير املذاهب الفقهية يف هذه املسألة‪.‬‬
‫‪2.‬تَعدُّ د أنواع موانع الوطء‪ ،‬وتعدد أشكال وصور كل مانع‪ ،‬واختالف‬
‫ِ‬
‫ومعتب لبعضها‪ ،‬عىل تعدد يف اآلراء فيام ُيعترب‪،‬‬ ‫الفقهاء ما بني ِ‬
‫معتب هلا كلها‪،‬‬
‫وفيام ُيطرح‪.‬‬
‫‪3.‬حاجة املوضوع إىل سرب أحواله وتقسيمها؛ ليتضح حكم كل حال‪.‬‬
‫‪4.‬حاجة املوضوع إىل بيان عدة ضوابط تضبط املسألة؛ كضابط اخللوة‬
‫املعتربة‪ ،‬وضابط املانع املعترب‪ ،‬ونحومها‪.‬‬
‫أهداف املوضوع‪:‬‬
‫هيدف هذا املوضوع إىل ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬حترير املذاهب الفقهية يف هذا املوضوع‪.‬‬
‫‪2.‬الرتجيح بني األقوال‪ ،‬مع بيان الضوابط املعتربة يف املوضوع‪.‬‬
‫‪3.‬بيان احلكم يف بعض صور املوضوع التي مل يتكلم عنها العلامء‪.‬‬
‫‪4.‬خدمة املجتمع عامة‪ ،‬والقضاء خاصة‪ ،‬ببيان أحكام هذه املسألة‬
‫بتفاصيلها الدقيقة‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫بعد البحث يف قواعد البيانات‪ ،‬واملكتبات العامة‪ ،‬واجلامعية‪ ،‬مل أجد من‬
‫تكلم عن هذا املوضوع بتفصيل جيمع شتاته‪ ،‬ويبني أحكام صوره‪ ،‬السيام‬

‫‪264‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الشق املتعلق بأثر اخللوة بالزوجة مع وجود ما يمنع دواعي الوطء‪ ،‬وكذلك‬
‫أثر اخللوة بالزوجة مع قرص مدهتا؛ وذلك حني ال تتسع مدهتا للوطء‪،‬‬
‫وتتسع لدواعيه‪ ،‬أو حني تقرص عن دواعيه كذلك‪ ،‬وغري ذلك من الصور‬
‫التي حتتاج إىل بيان‪.‬‬
‫وما وجدته من الدراسات هو يف أحكام الصداق عموم ًا دون تفصيل‬
‫يف هذه املسائل‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫املنهج العلمي املبني عىل االستقراء لنصوص الرشع‪،‬‬
‫َ‬ ‫التزمت يف بحثي‬
‫واالستقراء لنصوص أهل العلم‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬واالستنباط منها‪ ،‬مراعي ًا يف‬
‫املنهج اإلجراءات اآلتية‪:‬‬
‫‪1.‬تصوير املسألة املراد بحثها تصوير ًا دقيق ًا قبل بيان حكمها‪ ،‬ليتضح‬
‫املقصود من دراستها‪.‬‬
‫‪2.‬االعتناء بالتفريق بني املصطلحات املتشاهبة يف املسألة‪.‬‬
‫‪3.‬الرتكيز عىل موضوع البحث وجتنب االستطراد‪.‬‬
‫‪4.‬االعتناء برضب األمثال الواقعية‪.‬‬
‫‪5.‬عزو اآليات إىل سورها مع ذكر رقم اآلية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪6.‬ختريج األحاديث من مصادرها األصلية مع إثبات الكتاب والباب‬


‫ورقم احلديث‪ ،‬وبيان ما ذكره أهل الشأن يف درجتها ‪ -‬إن مل تكن يف‬
‫الصحيحني أو أحدمها ‪ -‬فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذ بتخرجيها منها‪.‬‬
‫‪7.‬التعريف باملصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه املصطلح أو من‬
‫كتب املصطلحات املعتمدة‪.‬‬
‫‪8.‬توثيق املعاين من معاجم اللغة املعتمدة وتكون اإلحالة عليها باملادة‬
‫واجلزء والصفحة‪.‬‬
‫‪9.‬االعتناء بقواعد اللغة العربية‪ ،‬واإلمالء‪ ،‬وعالمات الرتقيم‪.‬‬
‫ ‪10.‬تكون اخلامتة متضمنة أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫ ‪11.‬إتباع البحث بفهرس للمراجع‪.‬‬
‫تقسيامت البحث‪:‬‬
‫يتألف هذا البحث من مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪،‬‬
‫وفهارس‪.‬‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫وتشتمل عىل حدود املوضوع‪ ،‬وأمهيته وأسباب اختياره‪ ،‬وأهدافه‪،‬‬
‫والدراسات السابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪ ،‬وتقسيامته‪.‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫‪266‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف اخللوة لغة ورشع ًا‪ ،‬والرشوط املعتربة للخلوة‬
‫بالزوجة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املراد بموانع الوطء‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف الصداق‪ ،‬واملراد باستقراره‪ ،‬وموجبات‬
‫استقراره‪.‬‬
‫ِ‬
‫الوطء وعدم مانع‬ ‫املبحث األول‪ :‬أثر اخللوة بالزوجة مع عدم مان ِع‬
‫دواعيه يف استقرار الصداق‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أثر اخللوة بالزوجة مع مانع الوطء دون دواعيه يف استقرار‬
‫الصداق‪.‬‬
‫ِ‬
‫الوطء ودواعيه يف استقرار‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أثر اخللوة بالزوجة مع مان ِع‬
‫الصداق‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫فهرس املراجع‪.‬‬
‫واهلل أسأل التوفيق والسداد واإلعانة‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫التمهيد‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الخلوة لغة وشرعاً ‪ ،‬والشروط المعتبرة‬


‫للخلوة بالزوجة‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف اخللوة لغة ورشع ًا‪:‬‬


‫اخلَلوة لغة‪ِ :‬من «خال اليشء َي ُلو ُخ ُل ّو ًا»(((‪.‬‬
‫املرة من اخلُ ُلو(((‪.‬‬
‫واخلَلوة‪ :‬اسم َّ‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫واخلُ ُل ّو يطلق عىل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي ُلو ُخ ُل ّو ًا َ‬
‫وخال ًء وأ ْخ َل إذا َل ْ‬ ‫ُ‬
‫املكان واليش ُء َ ْ‬ ‫«خال‬ ‫‪1.‬الفراغ‪ُ .‬يقال‪َ :‬‬
‫ش َء فِ ِيه»(((‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َي ُك ْن فيه َأحد َو َل َ ْ‬
‫الرجل و َأ ْخ َل‪َ :‬و َق َع ِف َم ْو ِض ٍع‬
‫ُ‬ ‫«خال‬ ‫‪2.‬الوقوع يف موضع ٍ‬
‫خال‪ُ .‬يقال‪َ :‬‬
‫زاح ُم فِ ِيه»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خال َل ُي َ‬

‫الصحاح للجوهري ‪ - 2330/6‬مادة (خال)‪.‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء ملحمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي ص‪ - 200‬مادة‬ ‫(((‬
‫(خال)‪.‬‬
‫لسان العرب البن منظور ‪ - 238 /14‬مادة (خال)‪.‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب ‪ .238/14‬وانظر‪ :‬املعجم الوسيط إلبراهيم مصطفى وآخرين ص‪254‬‬ ‫(((‬
‫‪ -‬مادة (خال)‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫امليض والذهاب‪ُ .‬يقال‪َ :‬خ َل اليش ُء ُخ ُل ّو ًا‪َ :‬م َض‪ .‬ومنه َ َق ْو ُل ُه َت َع َال‪ِ﴿ :‬إَون‬
‫ُ ِ (((‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ۡ ُ َّ َّ َ َ‬
‫ض وأ ْرسل ‪.‬‬ ‫َ‬
‫مِن أم ٍة إِل خل فِيها نذِير‪ ﴾24‬؛ أي َم َ‬
‫(((‬

‫وت بِ ِه‪َ ،‬و َم َع ُه‪ ،‬وإِليه‪ ،‬و َأ ْخ َل ْيت بِ ِه‪ ،‬إِذا ا ْن َف َر ْد ُت‬
‫‪3.‬االنفراد‪ُ « .‬يقال‪َ :‬خ َل ُ‬
‫بِ ِه»(((‪.‬‬
‫وهذا املعنى هو املناسب للمعنى االصطالحي(((‪.‬‬
‫ويف املعجم الوسيط‪« :‬اخللوة‪ :‬االنفراد بالنفس‪ ،‬وغريها»((((((‪.‬‬
‫واخللوة رشع ًا تطلق عىل معنيني‪:‬‬
‫‪1.‬االنفراد بالنفس‪ ،‬يف مكان خال‪ .‬ومنه‪ :‬اخللوة للذكر والعبادة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬ما جاء عن عائشة أم املؤمنني أهنا قالت‪« :‬أول ما بدئ به‬
‫رسول اهلل ‪ ‬من الوحي الرؤيا الصاحلة يف النوم‪ ،‬فكان ال يرى‬

‫فاطر‪.24 :‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬الصحاح ‪ ،2330/6‬لسان العرب ‪.241/14‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب ‪.239/14‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري للفيومي ‪ - 181/1‬مادة (خال)‪ ،‬املوسوعة‬ ‫(((‬
‫الفقهية الكويتية ‪.265/19‬‬
‫‪.204/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر هذا التقسيم للمعاين يف‪ :‬اخللوة وأثرها يف الفقه اإلسالمي للمرشف ص‪-37‬‬ ‫(((‬
‫‪.39‬‬

‫‪269‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح‪ ،‬ثم ُحبب إليه اخلالء‪ ،‬وكان خيلو بغار حراء‬
‫فيتحنث فيه»(((‪.‬‬
‫عقل ِمن الناس‬
‫‪2.‬االنفراد بالغري‪ ،‬يف مكان يأمنان فيه ِمن اطالع من ي ِ‬
‫َ َ‬
‫عليهام‪.‬‬
‫فـ«االنفراد بالغري»‪ :‬أي االجتامع به بحيث ال حيول بينهام حائل‪ ،‬وال‬
‫يوجد معهام أحد يعقل‪.‬‬
‫فإن حال بينهام حائل كام لو كانا يف بيت واحد وكان أحدمها يف غرفة‪،‬‬
‫واآلخر يف غرفة أخرى‪ ،‬فليست خلوة اصطالح ًا هبذا املعنى(((‪.‬‬
‫وكذا إذا وجد معهام أحدٌ يعقل‪ ،‬فليست خلوة(((‪.‬‬
‫أما إذا وجد معهام أحدٌ ال يعقل؛ كالصبي الذي ال َي ْع ِق ُل‪ ،‬فهي خلوة(((‪،‬‬
‫وكذا املجنون(((‪.‬‬

‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إىل رسول اهلل‬ ‫(((‬
‫‪.)3( 6/1 ‬‬
‫انظر‪ :‬فتح القدير البن اهلامم ‪ ،334-331/3‬تبيني احلقائق للزيلعي ‪،143-142/2‬‬ ‫(((‬
‫كشاف القناع للبهوتى ‪.151/5‬‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،143-142/2‬كشاف القناع ‪.151/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البحر الرائق البن نجيم ‪ ،163/3‬الفتاوى اهلندية ‪ ،304/1‬الدر املختار‬ ‫(((‬
‫‪ ،114/3‬رشح الزركيش ‪ ،435/2‬الرشح املمتع ‪.291/12‬‬
‫انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪.114/3‬‬ ‫(((‬

‫‪270‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ِ‬
‫عب عام يكون‬ ‫واملراد بالصبي الذي ال َي ْعق ُل عند بعض الفقهاء‪ :‬الذي ال ُي ِّ‬
‫بني املنفردين(((‪ ،‬وبعض الفقهاء يريد بالصبي هنا‪ :‬الصبي غري املميز مطلق ًا؛‬
‫أي الذي ال يميز‪ ،‬وال يعرف ما يكون بينهام‪ ،‬ولذا عربوا هنا بالتمييز(((‪.‬‬
‫وسواء كان ذلك االنفراد بني الرجل والرجل‪ ،‬أو بني املرأة واملرأة‪ ،‬أو‬
‫بني الرجل واملرأة‪.‬‬
‫لكن غالب ًا ما تطلق اخللوة اصطالح ًا عىل انفراد الرجل باملرأة سواء‬
‫كانت أجنبية أو حمرم ًا أو زوجة‪.‬‬
‫«يف مكان يأمنان فيه من اطالع من يعقل من الناس عليهام»‪ :‬وهذا‬
‫ُذ ِكر احرتاز ًا من األماكن التي ال يأمنان فيها من اطالع أحد عليهام؛ وذلك‬
‫كالطريق الذي يكثر مرور الناس عليه‪ ،‬وكذلك األماكن التي يكثر دخول‬
‫الناس عليها؛ كاملسجد الذي يكثر دخول الناس عليه(((‪.‬‬
‫و ُقيد االطالع بـ«من يعقل» احرتاز ًا من الصبي الذي ال يعقل ونحوه‪،‬‬
‫فإن اطالعه وعدمه سواء(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬البحر الرائق البن نجيم ‪ ،163/3‬الفتاوى اهلندية ‪ ،304/1‬الدر املختار‬ ‫(((‬
‫‪.114/3‬‬
‫انظر‪ :‬رشح الزركيش ‪ ،435/2‬اإلنصاف ‪ ،227/21‬الرشح املمتع ‪.291/12‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،151/5‬فتح القدير ‪ ،334-331/3‬تبيني احلقائق ‪،143-142/2‬‬ ‫(((‬
‫الفتاوى اهلندية ‪.305/1‬‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ .151/5‬وانظر رسالة‪ :‬اخللوة للمرشف ص‪ ،55 -40‬فقد ُذكر فيها‬ ‫(((‬
‫تعريف نحو التعريف الثاين للخلوة‪ ،‬و ُب ِّينت فيها أقسام اخللوة‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪271‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫واملقصود هبذا البحث عىل وجه اخلصوص خلوة الزوج بزوجته‪ ،‬وبناء‬
‫عىل ما سبق يمكن أن نعرف خلوة الزوج بزوجته بأهنا‪« :‬انفراد الزوج‬
‫بزوجته‪ ،‬بعد عقد النكاح الصحيح‪ ،‬يف مكان يأمنان فيه من اطالع من َيعقل‬
‫من الناس عليهام»‪.‬‬
‫و ُقيد االنفراد بكونه «بالزوجة» احرتاز ًا من االنفراد باملرأة غري الزوجة؛‬
‫كاالنفراد باملخطوبة؛ فإهنا ليست زوجة‪ ،‬و ُقيد بكونه «بعد عقد النكاح‬
‫الصحيح» احرتاز ًا من االنفراد باملرأة بعد عقد النكاح الفاسد أو الباطل‪،‬‬
‫واالنفراد هبا بعد أحدمها ال يوجب الصداق‪ ،‬قال ابن قدامة‪« :‬يف قول أكثر‬
‫أهل العلم»(((‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬الرشوط املعتربة للخلوة بالزوجة‪:‬‬
‫من خالل التعريف املختار تتبني الرشوط املعتربة للخلوة بالزوجة‪،‬‬
‫وهي كام ييل‪:‬‬
‫‪1.‬حصول انفراد الزوج بالزوجة‪.‬‬
‫أي وقوع االجتامع هبا؛ بحيث ال حيول بينهام حائل‪ ،‬وال يوجد معهام‬
‫أحد يعقل‪.‬‬
‫‪2.‬أن يكون االنفراد بعد عقد النكاح الصحيح‪ ،‬ال قبل العقد‪ ،‬وال بعد‬
‫عقد النكاح الفاسد أو الباطل‪.‬‬
‫‪3.‬أن يكونا يف مكان يأمنان فيه من اطالع من يعقل من الناس عليهام‪.‬‬

‫((( املغني ‪ .11/7‬وانظر‪ :‬املبسوط ‪.148/5‬‬

‫‪272‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وأضاف بعض العلامء رشط ًا آخر للخلوة بالزوجة ليرتتب عليها أثرها‪،‬‬
‫وهو‪:‬‬
‫‪4.‬أن َيعلم الزوج بالزوجة حال انفراده هبا‪.‬‬
‫العلم بالزوجة احرتاز ًا من انفراده هبا وهو ال يعلم‬ ‫ِ‬
‫لالنفراد‬ ‫واشتط‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ص بعض العلامء اشرتاط العلم يف‬ ‫بانفراده هبا‪ ،‬أو ال يعلم أهنا زوجته‪َ ،‬‬
‫وخ َّ‬
‫األعمى والنائم فقط(((‪.‬‬
‫بعض الفقهاء أن الرشط هو علمه هبا‪ ،‬ال علمها به‪ ،‬ولذا إن علم‬
‫ورصح ُ‬
‫هبا‪ ،‬ومل تعلم به‪ ،‬صحت اخللوة‪ ،‬واعتُربت(((‪.‬‬
‫أما اشرتاط «عدم وجود مانع من الوطء» فهذا لن أق َّيد اخللوة املؤثرة‬
‫به هنا حتى نتعرف عىل موانع الوطء‪ ،‬ونتعرف عىل أثرها يف هذه اخللوة‪،‬‬
‫واخلالف فيها‪ ،‬و«هل عدم وجود مانع من الوطء» ُيعدُّ قيد ًا معترب ًا العتبار‬
‫اخللوة؟ هذا هو حمل البحث‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى اهلندية ‪ ،304/1‬املغني ‪ ،251/7‬اإلنصاف ‪ ،227/21‬مطالب أويل‬
‫النهى للرحيباين ‪ ،205/5‬التعليق عىل الروض املربع البن عثيمني ‪ .302/2‬وقد‬
‫أورد شيخ اإلسالم ‪ ‬يف (العقود ص ‪ )238‬نقوالً عن اإلمام أمحد يف ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«وقد نص عىل أنه إذا مل يعلم هبا يف اخللوة ‪ ...‬أنه ال يستقر‪ .‬فقال يف رواية ابن هانئ ‪-‬‬
‫يف املكفوف يتزوج املرأة‪ ،‬فجيء باملرأة‪ ،‬فأدخلت عليه وأرخى السرت‪ ،‬وأغلق الباب‬
‫‪ -‬إن كان ال يعلم بدخوهلا عليه‪ ،‬فلها نصف الصداق‪ .‬وقال يف رواية مهنا ‪ -‬يف أعمى‬
‫عيل وأنا ال أعلم ‪ -‬فإن صدقته فليس عليه‬ ‫خال بامرأته‪ ،‬ثم قال مل أعلم هبا‪ُ ،‬أدخلت َّ‬
‫يشء‪ ،‬وإن كذبته فقالت دخلت عليه وهو يعلم‪ :‬فهو دخول‪ .‬قال القايض ألهنا إذا‬
‫كذبته فالظاهر خالف ما يدعيه؛ ألن العادة أنه ال خيفى عليه ذلك»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح القدير ‪ ،334-331/3‬تبيني احلقائق ‪ ،143-142/2‬الفتاوى اهلندية‬
‫‪.304/1‬‬

‫‪273‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المراد بموانع الوطء‪:‬‬


‫موانع الوطء َّ‬
‫كل ما ال يتمكن الزوج بسببه من وطء زوجته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تشمل‬
‫وهي من خالل التتبع واالستقراء لكالم الفقهاء عىل ثالثة أنواع(((‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬املوانع احلسية‪:‬‬
‫وذلك بأن حيول عن الوطء مانع حيس‪.‬‬
‫واملوانع احلسية هي‪:‬‬
‫‪ِ 1.‬صغر الزوج أو الزوجة‪ .‬وذلك بأن يكون الزوج ممن ال يطأ مثله‪ ،‬أو‬
‫تكون الزوجة ممن ال يوطأ مثلها؛ لصغرمها‪.‬‬
‫وقدَّ ر بعض العلامء الذي َيطأ مث ُله بالبلوغ‪ ،‬وقدَّ ره بعضهم بأن يكون‬
‫ابن عرش سنني‪.‬‬
‫وقدر بعضهم التي يوطأ مثلها باإلطاقة‪ ،‬وقدره بعضهم بأن تكون بنت‬
‫تسع سنني(((‪.‬‬
‫‪ِ 2.‬قرص مدة اخللوة‪ .‬وذلك بأن تقرص مدة اخللوة فال تتسع للوطء(((‪.‬‬

‫أي أمر عده أحد من العلامء مانع ًا‪ ،‬وإن كان العلامء خمتلفني يف أثر اخللوة مع‬
‫((( سأذكر هنا َّ‬
‫وجوده‪.‬‬
‫((( انظر يف اخلالف يف هذه املسائل‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،292/2‬املبسوط ‪ ،150/5‬تبيني‬
‫احلقائق ‪ ،143-142/2‬حاشية ابن عابدين ‪ ،115/3‬حاشية الدسوقي ‪،468/2‬‬
‫الرشح الصغري مع بلغة السالك ‪ ،87/2‬املغني ‪ ،157/10‬الرشح الكبري البن قدامة‬
‫‪.80/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬حاشية الدسوقي ‪ ،468/2‬بلغة السالك والرشح الصغري ‪.497/1‬‬

‫‪274‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪3.‬أن يكون أحد الزوجني مريض ًا مرض ًا يمنع اجلامع‪ ،‬أو يلحقه به‬
‫رضر(((‪.‬‬
‫‪4.‬أن يكون الرجل عنين ًا أو خصي ًا أو جمبوب ًا(((‪.‬‬
‫‪5.‬أن تكون املرأة رتقاء((( أو قرناء(((‪.‬‬
‫‪6.‬أن متنع املرأة الرجل من الوطء(((‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬املوانع الرشعية‪:‬‬
‫وذلك بأن حيول عن الوطء مانع رشعي‪.‬‬
‫واملوانع الرشعية هي‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون أحد الزوجني يف صالة‪.‬‬
‫‪2.‬أن يكون أحد الزوجني صائ ًام‪.‬‬
‫‪3.‬أن يكون أحد الزوجني حمرم ًا بحج أو بعمرة فرض ًا أو نفالً‪.‬‬
‫‪4.‬أن تكون املرأة حائض ًا أو نفساء‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الدر املختار ‪.115-114/3‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،292/2‬رشح فتح القدير ‪ ،332/3‬حاشية ابن عابدين‬ ‫(((‬
‫‪.114/3‬‬
‫الرتق هو‪« :‬كون الفرج مسدود ًا ملتصق ًا ال مسلك للذكر فيه» كشاف القناع ‪.109/5‬‬ ‫(((‬
‫وانظر‪ :‬القاموس املحيط ‪1143‬‬
‫القرن ِف ا ْل َف ْر ِج‪« :‬مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو حلم أو عظم»‪.‬‬ ‫(((‬
‫حاشية ابن عابدين ‪.115/3‬‬
‫العقود ص‪.245-243‬‬ ‫(((‬

‫‪275‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪5.‬أن تكون اخللوة يف املسجد‪.‬‬


‫وذلك؛ ألن الوطء يف كل هذه األحوال ممنوع رشع ًا‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬املانع الطبعي‪:‬‬
‫وذلك بأن حيول أمر يمنع من الوطء طبع ًا‪.‬‬
‫واملوانع الطبعية هي‪:‬‬
‫‪1.‬اخلوف من عدو أو حيوان أو نحومها‪.‬‬
‫‪2.‬احليض والنفاس‪ .‬فهام مانعان من الوطء رشع ًا وكذلك طبع ًا؛ وذلك‬
‫ألهنام أذى‪ ،‬والطبع السليم ينفر من استعامل األذى‪.‬‬
‫وذكر بعض الفقهاء من املوانع الطبعية‪ :‬أن يكون معهام ثالث؛ ألن‬
‫اإلنسان يكره أن جيامع امرأته بحرضة ثالث‪ ،‬ويستحي فينقبض عن الوطء‬
‫بمشهد منه‪ ،‬وقالوا‪ :‬سواء أكان الثالث بصري ًا أم أعمى‪ ،‬يقظان أم نائ ًام‪ ،‬بالغ ًا‬
‫ال أو امرأة‪ ،‬أجنبية أو منكوحته‪ ،‬وذلك؛ ألن‬ ‫أم صبي ًا‪ ،‬إن كان عاقالً‪ ،‬رج ً‬
‫األعمى إن كان ال يبرص فهو حيس‪ ،‬والنائم حيتمل أن يستيقظ ساعة فساعة‪،‬‬
‫فينقبض اإلنسان عن الوطء‪ ،‬مع حضوره‪ ،‬والصبي العاقل بمنزلة الرجل‬
‫ال فهو ملحق‬ ‫حيتشم اإلنسان منه كام حيتشم من الرجل‪ ،‬وإذا مل يكن عاق ً‬
‫بالبهائم‪ ،‬ال يمتنع اإلنسان عن الوطء ملكانه‪ ،‬وال يلتفت إليه‪ ،‬واإلنسان‬
‫حيتشم من املرأة األجنبية‪ ،‬ويستحيي‪ ،‬وكذا ال حيل هلا النظر إليهام فينقبضان‬
‫ملكاهنا(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبسوط ‪ .148/5‬وانظر أيض ًا‪ :‬تبيني احلقائق ‪ ،143-142/2‬جممع األهنر‬
‫لشيخي زاده ‪ ،350-349/1‬الدر املختار ‪.115-114/3‬‬

‫‪276‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫لكن اعتبار ذلك من موانع الوطء عند اخللوة فيه نظر؛ ألنه إذا كان مع‬
‫الزوجني ثالث‪ ،‬فإن اخللوة مل حتصل أصالً‪ ،‬ألن اخللوة هي االنفراد بالغري؛‬
‫أي االجتامع به بحيث ال يوجد معهام أحد ثالث‪ ،‬وهنا معهام ثالث‪.‬‬
‫وقد ُيقال‪ :‬إن من الفروق بني اخللوة املؤثرة مع األجنبية؛ أي املوجبة‬
‫لإلثم‪ ،‬واخللوة املؤثرة مع الزوجة؛ أي املقررة للصداق‪ :‬أهنا يف األوىل ال‬
‫أثرها وجو ُد مانع الوطء‬
‫أثرها وجو ُد مانع الوطء‪ ،‬أما الثانية ف ُيبطل َ‬
‫ُيبطل َ‬
‫‪-‬عند بعض العلامء‪.-‬‬
‫حترم اخللوة باألجنبية وإن وجد مانع حيس أو رشعي أو طبعي‬‫وعليه؛ ُ‬
‫َ‬
‫الصداق إن وجد يشء من ذلك‪.‬‬ ‫ُقرر اخللو ُة بالزوجة‬
‫من الوطء‪ ،‬وال ت ِّ‬
‫ويمكن أن يمثل لذلك بانفراد الرجل باملرأة ومعهام ثالث جمنون‪ ،‬فهنا‬
‫اخللوة متحققة‪ ،‬ولذلك حترم إذا كانت بأجنبية‪ ،‬لكن وجود املجنون يمنع‬
‫من الوطء طبع ًا احتشام ًا منه‪ ،‬ولذلك يمنع وجوده من أثر اخللوة بالزوجة‬
‫يف تقرير الصداق عند بعض العلامء‪.‬‬
‫ولذلك؛ يمكن اعتبار وجوده من موانع الوطء الطبعية هبذا التوجيه‪.‬‬
‫ولعل وجه هذا الفرق‪ :‬أن علة حتريم اخللوة باألجنبية هي «سد‬
‫الذريعة»‪ ،‬فيشمل ذلك سدَّ الذريعة إىل الوطء املحرم‪ ،‬وسدَّ الذريعة إىل‬
‫ما دونه من التقبيل والنظر ونحو ذلك‪ ،‬ويشمل ذلك أيض ًا سد الذريعة إىل‬
‫الوطء املحرم حني اخللوة أو بعدها‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫أما تقرير الصداق باخللوة بالزوجة ِ‬


‫فع َّلتُه عند َمن يقول ببطالن أثر‬
‫اخللوة مع وجود مان ٍع للوطء «أن اخللوة مظنة للوطء»‪ ،‬أو «لكوهنا متكني‬
‫كل ما يمنع من الوطء‪ ،‬أو ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫الصداق باخللوة ُّ‬ ‫تقرير‬ ‫من الوطء»(((‪ ،‬فيمنع‬
‫َ‬
‫ما ال حيصل به التمكني منه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫بعض الفقهاء من املوانع الطبعية أيض ًا‪ :‬عدم األمن من اطالع‬ ‫ومما ذكره ُ‬
‫أحد عليهام؛ كاخللوة يف الطريق الذي يكثر مرور الناس عليه‪ ،‬وكذلك اخللوة‬
‫يف األماكن التي يكثر ورود الناس عليها حلظة فلحظة؛ كاملسجد الذي هبذه‬
‫احلال‪ ،‬والذي ال يؤمن فيه من الدخول عليه ساعة فساعة‪َّ ،‬‬
‫فإن عَدَ َم األمن‬
‫هذا يوجب االنقباض عن الوطء‪ ،‬ف ُيعد مانع ًا طبعي ًا(((‪.‬‬
‫لكن هنا مل يتحقق رشط اخللوة املذكور يف التعريف‪ ،‬وهو «األمن من‬
‫اطالع أحد عليهام»‪ ،‬أي أن اخللوة املعتربة رشع ًا مل حتصل‪ ،‬فال حاجة العتبار‬
‫«عدم األمن من اطالع أحد عليهام» من موانع الوطء عند اخللوة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف الصداق‪ ،‬والمراد باستقراره‪ ،‬وموجبات‬


‫استقراره‪:‬‬

‫الصداق لغ ًة بفتح الصاد وكرسها لغة هو‪ :‬مهر املرأة(((‪.‬‬


‫واجلمع ُصدُ ق‪.‬‬

‫((( وسيأيت بحث علة تقرير الصداق باخللوة يف املبحث الثاين إن شاء اهلل‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبسوط ‪.148/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬هتذيب اللغة لألزهري ‪ 277/8‬مادة (صدق)‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫َو ُيقال أيض ًا‪ُ :‬صدْ َق ٌة َو َصدُ َق ٌة(((‪.‬‬


‫وهو‪ :‬ما يدفعه الزوج إىل زوجته بعقد الزواج‪.‬‬
‫وسمي الصداق صداق ًا؛ إلشعاره بصدق رغبة الزوج يف الزوجة‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح فهو‪ِ :‬‬
‫«العوض املسمى يف عقد النكاح‪ ،‬وما قام‬
‫مقامه»(((‪.‬‬
‫وقيل‪« :‬العوض يف النكاح ونحوه»(((‪.‬‬
‫وهو أشمل‪.‬‬
‫يسم‪.‬‬ ‫بالعوض‪ِ :‬‬
‫ِ‬
‫ومهر املثل إن مل َّ‬
‫ُ‬ ‫وض املسمى‪،‬‬
‫الع ُ‬ ‫واملراد‬
‫وقوله‪« :‬أو نحوه» أي نحو النكاح؛ كوطء الشبهة‪ ،‬أو الزنا بمكرهة‪ ،‬أو‬
‫الوطء يف النكاح الفاسد(((‪.‬‬
‫والصدُ قة‪ ،‬والنِّحلة‪ ،‬والفريضة‪،‬‬
‫وللصداق تسعة أسامء‪ :‬الصداق‪ ،‬واملهر‪َ ،‬‬
‫واألجر‪ ،‬والعالئق‪ ،‬والعقر‪ ،‬واحلباء(((‪.‬‬
‫شمس الدين البعيل احلنبيل ‪ ‬بقوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وقد نظم ثامني ًة منها‬

‫انظر‪ :‬مقاييس اللغة ال بن فارس ‪ 339/3‬مادة (صدق)‪.‬‬ ‫(((‬


‫املطلع عىل ألفاظ املقنع للبعيل ص‪.396‬‬ ‫(((‬
‫اإلقناع للحجاوي ‪.208/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬أحكام الصداق للعمري ص‪.39‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪.209/7‬‬ ‫(((‬

‫‪279‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وم ْه ٌـر نِ ْح َلـ ٌة و َف ِر َ‬


‫يضـ ٌة‬ ‫َصـدَ ٌاق َ‬
‫َ ِ (((‬ ‫اء َ‬ ‫ِ‬
‫وأ ْج ٌر ثم َع ْق ٌر َعلئ ُق‬ ‫ح َب ٌ‬
‫واملراد باستقرار الصداق‪ :‬ثبوته وكونه غري قابل للسقوط‪.‬‬
‫وذلك أن الصداق الذي جيب بالعقد يثبت ثبوت ًا غري مستقر؛ حيث إنه‬
‫قد يسقط كله؛ وذلك كام يف ال ُفرقة من ِق َبل الزوجة قبل الدخول‪ ،‬وقد يسقط‬
‫نصفه؛ وذلك كام يف الطالق قبل الدخول‪.‬‬
‫وال يستقر إال بوجود مؤكِّد من مؤكداته‪ ،‬فحينئذ يتأكد ويصري غري قابل‬
‫للسقوط(((‪.‬‬
‫ومؤكدات الصداق وموجبات استقراره أربعة؛ اتفقوا عىل بعضها‪،‬‬
‫واختلفوا يف بعضها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الوطء‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املوت‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬مقدمات اجلامع‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬اخللوة‪.‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء عىل أن الصداق يستقر بوطء الزوج زوجته‪ ،‬وبموت‬
‫أحد الزوجني‪.‬‬

‫((( املطلع ص‪.396‬‬


‫((( انظر‪ :‬أحكام الصداق ص‪.179‬‬

‫‪280‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫قال الكاساين ‪« :‬أما التأكد بالدخول فمتفق عليه»(((‪.‬‬


‫وقال‪« :‬ال خالف يف أن أحد الزوجني إذا مات حتف أنفه قبل الدخول‬
‫يف نكاح فيه تسمية أنه يتأكد املسمى‪ ،‬سواء كانت املرأة حرة أو أمة»(((‪.‬‬
‫وقال ابن رشد ‪« :‬واتفق العلامء عىل أن الصداق جيب كله بالدخول‬
‫أو املوت»(((‪.‬‬
‫وحكى املاوردي ‪ ‬االتفاق عىل استقرار الصداق بالوطء(((‪.‬‬
‫والدليل عىل استقرار الصداق بالوطء ما ييل‪:‬‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬أيام امرأة‬ ‫ُ‬ ‫‪1.‬عن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬قال‬
‫نكحت بغري إذن وليها فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فإن‬
‫دخل هبا فلها املهر بام استحل من فرجها))(((‪.‬‬

‫بدائع الصنائع للكاساين ‪.291/2‬‬ ‫(((‬


‫بدائع الصنائع ‪.291/2‬‬ ‫(((‬
‫بداية املجتهد البن رشد ‪ .48/3‬وانظر‪ :‬حاشية الدسوقي ‪ ،300/2‬رشح خمترص خليل‬ ‫(((‬
‫للخريش ‪ ،260/3‬كشاف القناع ‪ ،151/5‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪-172/39‬‬
‫‪.173‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي للاموردي ‪.173/12‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب يف الويل ‪ ،)2083( 435/3‬والرتمذي‪ ،‬أبواب‬ ‫(((‬
‫النكاح‪ ،‬باب ما جاء ال نكاح إال بويل ‪ .)1102( 229/3‬وقال‪« :‬حديث حسن»‪،‬‬
‫وقال األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪« :320/6‬حديث صحيح‪ ،‬وصححه ابن معني‬
‫وابن اجلارود وابن حبان واحلاكم والذهبي وابن عدى وابن اجلوزي»‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن النبي ‪ ‬أوجب للمرأة الصداق كام ً‬


‫ال‬
‫فلن‬‫ال بالوطء يف العقد الباطل‪َ ،‬‬
‫بالوطء‪ ،‬وألنه إذا كان الصداق يتقرر كام ً‬
‫ال به يف العقد الصحيح من باب أوىل(((‪.‬‬‫يتقرر كام ً‬
‫‪2.‬وألن املهر يتأكد بتسليم املبدل من غري استيفائه‪َ ،‬‬
‫فلن يتأكد بالتسليم‬
‫مع االستيفاء أوىل(((‪.‬‬
‫والدليل عىل استقرار الصداق باملوت ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬ما جاء عن ابن مسعود ‪ ‬أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ومل‬
‫يفرض هلا صداق ًا ومل يدخل هبا حتى مات‪ ،‬فقال ابن مسعود‪« :‬هلا مثل صداق‬
‫نسائها‪ ،‬ال وكس‪ ،‬وال شطط‪ ،‬وعليها العدة‪ ،‬وهلا املرياث»‪ ،‬فقام معقل بن‬
‫سنان األشجعي‪ ،‬فقال‪« :‬قىض رسول اهلل ‪ ‬يف بروع بنت واشق‬
‫امرأة منا مثل الذي قضيت»‪ ،‬ففرح هبا ابن مسعود(((‪.‬‬
‫قىض بالصداق كام ً‬
‫ال فيمن تويف‬ ‫‪‬‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أن النبي‬
‫زوجها ومل يدخل هبا(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ،131/3‬أحكام الصداق ص‪.183‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪.291/2‬‬ ‫(((‬
‫تزوج ومل ُي َس َّم َصدَ اق ًا حتى مات ‪452/3‬‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب فيمن َّ‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)2115‬والرتمذي‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء يف الرجل يتزوج املرأة فيموت‬
‫عنها قبل أن يفرض هلا ‪ ،)1145( 442/3‬وقال‪« :‬حديث ابن مسعود حديث حسن‬
‫صحيح‪ ،‬وقد روي عنه من غري وجه»‪ ،‬وقال األلباين يف (إرواء الغليل ‪« :)163/2‬هو‬
‫عىل رشط الشيخني»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املدونة ‪.230/2‬‬ ‫(((‬

‫‪282‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ال وجب بنفس العقد فصار دين ًا عليه‪ ،‬وال يسقط يشء‬ ‫‪2.‬وألن املهر كام ً‬
‫منه باملوت قياس ًا عىل سائر الديون(((‪.‬‬
‫واختلفوا يف استقرار الصداق بمقدمات اجلامع‪ ،‬واخللوة‪.‬‬
‫أما استقرار الصداق بمقدمات اجلامع؛ كال ُقبلة‪ ،‬واللمس بشهوة‪ ،‬والنظر‬
‫لفرج الزوجة بشهوة‪ ،‬بدون مجاع وال خلوة‪ ،‬فاختلفوا فيها عىل قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الصداق ال يستقر هبا‪.‬‬
‫وقال به‪ :‬املالكية(((‪ ،‬والشافعية(((‪ ،‬وهو وجه عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫َۡ َ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫واستدلوا‪ :‬بأن مقتىض قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن قب ِل أن‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ َ ٗ َ ُ‬ ‫َ َ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َم ُّسوه َّن َوق ۡد ف َرض ُت ۡم ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾(((‪ ،‬أن ال يكمل‬
‫الصداق لغري من وطئها؛ وال جتب عليها العدة؛ لكن تُرك عمومه فيمن خال‬
‫هبا لإلمجاع الوارد عن الصحابة؛ فيبقى فيام عداه عىل مقتىض العموم(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأنه كام تُرك العموم يف استقرار الصداق باخللوة للدليل‪،‬‬
‫فكذلك ُيرتك العموم يف استقرار الصداق بالتقبيل ونحوه للدليل‪ ،‬وهو ما‬
‫سيأيت بيانه إن شاء اهلل‪.‬‬

‫انظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪.291/2‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬مواهب اجلليل ‪.506/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬حاشيتا قليويب وعمرية ‪.279/3‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.329/1‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.237 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.256/21‬‬ ‫(((‬

‫‪283‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫القول الثاين‪ :‬أن الصداق يستقر باللمس بشهوة‪ ،‬والنظر إىل فرجها‬
‫بشهوة‪ ،‬وبالتقبيل حتى بحرضة الناس‪.‬‬
‫وهو قول إبراهيم النخعي(((‪ ،‬وهو املذهب عند احلنابلة(((‪ ،‬وقال يف‬
‫اإلنصاف‪« :‬وهو من املفردات»(((‪.‬‬
‫قال أمحد ‪« :‬إذا أخذها‪َ ،‬ف َم َّسها‪ ،‬وقبض عليها‪ ،‬من غري أن خيلو‬
‫هبا‪ ،‬هلا الصداق كامالً‪ ،‬إذا نال منها شيئ ًا ال حيل لغريه»(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪« :‬مذهب اإلمام أمحد ‪ ‬يف الذي به يستقر‬
‫الصداق‪ :‬أن يستحل منها ما ال يباح بدون النكاح‪.‬‬
‫فمتى حصل اإلفضاء‪ ،‬أو املس‪ ،‬الذي هو من خصائص النكاح‪ ،‬وجب‬
‫املهر؛ كاخللوة التي حيصل هبا ذلك‪ ،‬وكاالستمتاع بمبارشة أو نظر من غري‬
‫خلوة»(((‪.‬‬

‫أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪ 351/1‬قال‪ :‬حدثنا جرير عن مغرية عن إبراهيم قال‪:‬‬ ‫(((‬
‫«إذا اطلع منها عىل ما ال حيل لغريه وجب الصداق وعليها العدة»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كشاف القناع ‪ ،151/5‬مطالب أويل النهى ‪.205/5‬‬ ‫(((‬
‫اإلنصاف للمرداوي ‪ ،231/21‬مطالب أويل النهى ‪.205/5‬‬ ‫(((‬
‫الرشح الكبري البن قدامة ‪.256/21‬‬ ‫(((‬
‫العقود ص‪ .240‬ثم أورد يف تقرير مذهب اإلمام أمحد عدة نقول عنه‪ ،‬فقال‪« :‬قال يف‬ ‫(((‬
‫رواية مهنا‪ :‬إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل وجب عليه املهر‪ ،...‬ونقل‬
‫عنه حرب ‪ ...‬إذا أخذها عند نسوة فمسها وقبض عليها ونحوه من غري أن خيلو هبا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إذا نال منها شي ًئا ال حيل لغريه فعليه املهر‪ .‬وقال ‪ ...‬يف الصبي إذا كان ابن اثنتي‬
‫عرشة سنة فتلذذ هبا وجب الصداق‪ .‬فعلق وجوبه بمجرد تلذذه هبا‪ .‬وقال يف رواية‬

‫‪284‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وقال املرداوي‪« :‬وقيل‪ :‬بل املقرر [أي للصداق] هو استباحة ما ال يباح‬


‫إال بالنكاح من املرأة‪ ،‬فدخل يف ذلك اخللوة واللمس بمجردمها‪ ،‬وهو ظاهر‬
‫كالم أمحد ‪.(((»‬‬
‫واستدلوا بام ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن االستمتاع بالقبلة ونحوها ُي َعدُّ َمسيس ًا‪ ،‬فيدخل يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ َ ۡ َ َ َ ٗ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫﴿ِإَون َطلق ُت ُموه َّن مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه َّن َوق ۡد ف َرض ُت ۡم ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف‬
‫َ ۡ‬
‫َما ف َرض ُت ۡم﴾(((‪.‬‬
‫ونوقش‪ :‬بأن املسيس هنا إنام أريد به يف الظاهر الوطء‪ ،‬ال ما دونه(((‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأنه «ليس يف القرآن ما يوجب ختصيص ذلك بالوطء‪ ،‬بل قد‬
‫ٰ‬ ‫َۡ َ‬ ‫َ َ ُ َ ٰ ُ ُ َّ َ َ ُ ۡ َ ٰ ُ َ‬
‫جدِ﴾ ‪،‬‬
‫(((‬
‫قال تعاىل يف االعتكاف‪﴿ :‬ول تب ِشوهن وأنتم عكِفون ِف ٱلمس ِ‬
‫ََ ََ َ ََ ُ ُ َ ََ َ َ‬
‫جدال‬ ‫وكان هذا عا ًّما‪ ،‬وكذلك قوله يف اإلحرام‪﴿ :‬فل رفث ول فسوق ول ِ‬
‫َ ّ ((( (((‬
‫ۡ‬
‫ِف ٱل ِج﴾ » ‪.‬‬

‫أمحد بن احلسني بن حسان يف رجل تزوج امرأة فوجدها ممسوحة‪ ،‬وقد نال منها‪ ،‬ومل‬
‫يصل إليها‪ ،‬عليه الصداق ً‬
‫كامل»‪.‬‬
‫اإلنصاف ‪.229/21‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.256/21‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.256/21‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.187 :‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.197 :‬‬ ‫(((‬
‫العقود ص‪.244‬‬ ‫(((‬

‫‪285‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪‬‬ ‫‪2.‬وعن حممد بن عبد الرمحن بن ثوبان أن رسول اهلل‬


‫قال‪(( :‬من كشف مخار امرأته‪ ،‬ونظر إليها‪ ،‬وجب الصداق‪ ،‬دخل هبا أو مل‬
‫يدخل))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن احلديث رصيح يف وجوب مجيع الصداق بكشف مخار‬
‫الزوجة‪ ،‬والنظر إليها بشهوة‪ ،‬وإن مل حيصل الدخول‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن احلديث مرسل‪ ،‬فال حيتج به‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأنه مرسل عضده ظاهر القرآن وقول مجاهري السلف(((‪،‬‬
‫معتب‪.‬‬
‫ولذلك فهو َ‬
‫‪3.‬ومما عضده‪ :‬ما جاء عن عمر ‪ ‬قال‪« :‬إذا أغلقوا باب ًا‪ ،‬وأرخوا‬
‫سرت ًا‪ ،‬أو كشفوا مخار ًا‪ ،‬فقد وجب الصداق»(((‪.‬‬
‫((( أخرجه الدارقطني يف سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب املهر ‪ ،)3824( 473/4‬والبيهقي‬
‫يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو أرخى سرت ًا فقد‬
‫وجب الصداق وما روي يف معناه ‪ )14487( 418/7‬من حديث حممد بن عبد‬
‫الرمحن بن ثوبان مرسالً‪ ،‬وقال البيهقي‪« :‬وهذا منقطع‪ ،‬وبعض رواه غري حمتج به»‪.‬‬
‫وقال السخاوي يف (األجوبة املرضية فيام سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية‬
‫‪« :)914/3‬ضعيف يف سنده ابن هليعة مع إرساله»ا‪.‬هـ‪ .‬لكن قال ابن عبد اهلادي يف‬
‫(تنقيح حتقيق أحاديث التعليق ‪« :)200/3‬مل ينفرد به ابن هليعة»‪ ،‬وكذا قال األلباين‬
‫يف (إرواء الغليل ‪- )356/6‬معقب ًا عىل قول البيهقي‪« :‬وبعض رواته غري حمتج به»‪،-‬‬
‫قال‪« :‬يشري إىل ابن هليعة‪ ،‬لكنه مل يتفرد به‪ ،‬فعلة احلديث أنه مرسل‪ ،‬ألن حممد بن‬
‫عبد الرمحن بن ثوبان تابعي» ‪.‬‬
‫((( العقود ص‪.246‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ 350/3‬قال‪ :‬حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم‬
‫قال‪ :‬قال عمر‪ ،‬فذكره‪ ،‬وأخرجه بعده من طريق آخر قال‪ :‬حدثنا وكيع عن مسعر عن‬
‫محاد عن إبراهيم عن عمر بمثله‪ .‬وهو منقطع؛ ألن إبراهيم مل يدرك عمر ‪ ،‬لكن‬
‫يتقوى باآلثار األخرى‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪4.‬وكذلك‪ :‬ما جاء عن جابر ‪ ‬قال‪« :‬إذا نظر إىل فرجها ثم طلقها‬
‫فلها الصداق وعليها العدة»(((‪.‬‬
‫‪5.‬وألن اللمس نوع استمتاع باملرأة‪ ،‬فيجب به كامل الصداق؛‬
‫كالوطء(((‪.‬‬
‫‪6.‬وألن النظر إىل فرجها نوع استمتاع‪ ،‬فجاز أن يتعلق بجنسه كامل‬
‫الصداق؛ كاالستمتاع باملبارشة(((‪.‬‬
‫‪7.‬وألن وجوب املهر ال يقف عىل استيفاء مجيع مقاصد عقد النكاح‪،‬‬
‫بل عىل استيفاء جنس مقاصده‪ ،‬وهنا قد حصل يشء من مقاصده(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪« :‬وحينئذ؛ فاستمتاعه منها بام دون الفرج هو‬
‫استيفاء جلنس املقصود بالنكاح‪ ،‬فإن كان املعترب هو مجيع املستباح‪ ،‬فال سبيل‬
‫إليه‪ ،‬وإن كان جنس املستباح بالعقد‪ ،‬فهذا حيصل بالوطء يف الفرج‪ ،‬ودون‬
‫الفرج‪ ،‬وباملبارشة يف غري الفرج‪ ،‬وباخللوة املختصة بالنكاح‪ ،‬فإن هذا إذا مل‬
‫خيل بالزوجة‪ ،‬وقد ناله منها‪ ،‬فقد نال جنس املقصود بالنكاح‪ ،‬فحصل له‬ ‫ُ‬
‫جنس املقصود‪ ،‬وحصل عليها من متكينها له وبذهلا له ما حيصل للمرأة مع‬
‫الزوج‪ ،‬فاستوىف جنس املقصود‪ ،‬وبذلت له جنس املقصود»(((‪.‬‬
‫أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ 350/3‬قال‪ :‬حدثنا عبد األعىل عن سعيد عن مطر‬ ‫(((‬
‫عن حبان عن جابر به‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.256/21‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬العقود ص‪.240‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬العقود ص‪.245‬‬ ‫(((‬
‫العقود ص‪.245‬‬ ‫(((‬

‫‪287‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫والراجح واهلل أعلم هو القول الثاين؛ لقوة أدلته‪ ،‬وملا ورد عىل أدلة القول‬
‫اآلخر من مناقشات‪.‬‬
‫أما استقرار الصداق باخللوة‪ ،‬فبيان اخلالف فيه يف املبحث التايل‪:‬‬

‫‪288‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫المبحث األول‬
‫مانع الوطءِ وعدم مانع‬
‫ِ‬ ‫أثر الخلوة بالزوجة مع عدم‬
‫دواعيه في استقرار الصداق‬
‫اختلف العلامء يف استقرار الصداق باخللوة بالزوجة‪ ،‬مع اكتامل رشوط‬
‫اخللوة‪ ،‬وعدم ما يمنع من الوطء‪ ،‬وعدم ما يمنع من دواعيه‪ ،‬عىل أربعة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الصداق يستقر بمجرد اخللوة‪:‬‬
‫وقال به‪ :‬الزهري(((‪ ،‬والليث‪ ،‬واألوزاعي(((‪ ،‬واحلنفية(((‪ ،‬والشافعي يف‬
‫القديم(((‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬

‫أخرجه عبد الرزاق الصنعاين يف مصنفه ‪ 285/6‬عن معمر‪ ،‬عنه قال‪« :‬إذا أغلقت‬ ‫(((‬
‫األبواب‪ ،‬وجب الصداق‪ ،‬والعدة‪ ،‬واملرياث‪ ،‬وله الرجعة عليها ما مل يبت طالقها‪ ،‬وإن‬
‫قال‪ :‬مل أصبها‪ ،‬وقالت هي أيض ًا كذلك‪ ،‬ال يصدقان»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر ‪.495/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،150-148/5‬بدائع الصنائع ‪ ،291/2‬اهلداية ‪.200/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املهذب مع املجموع ‪ ،74/2‬مغني املحتاج ‪ .374/4‬واختلف الشافعية يف توجيه‬ ‫(((‬
‫مذهب الشافعي يف القديم؛ هل هو ُيرجح باخللوة قول مدعي الوطء‪ ،‬أو يرى أن اخللوة‬
‫مقررة للصداق؟ قال العمراين يف (البيان ‪« :)401/9‬فمن أصحابنا من قال‪ :‬مذهب‬
‫الشافعي ‪ ‬يف القديم يف اخللوة كقول مالك ‪ ‬يف أنه‪ :‬يرجح هبا قول من ادعى‬
‫اإلصابة ال غري‪ ،‬إال أنه ال فرق ‪ -‬عندنا ‪ -‬عىل هذا بني أن خيلو هبا يف بيته‪ ،‬أو يف بيت أبيها أو‬
‫أمها‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬مذهب الشافعي ‪ ‬يف القديم كقول أيب حنيفة‪ ،‬وهو املنصوص‬
‫يف القديم»‪ ،‬وقد حكامها املاوردي قولني عن الشافعي‪ .‬انظر‪ :‬احلاوي ‪.173/12‬‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ ،724/6‬الرشح الكبري البن قدامة ‪ ،250/21‬العقود ص‪،240‬‬ ‫(((‬
‫اإلنصاف ‪.227/21‬‬

‫‪289‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫فلو خال الزوج بزوجته خلوة مكتملة الرشوط‪ ،‬مع عدم ما يمنع من‬
‫الوطء‪ ،‬وعدم ما يمنع من دواعيه‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول هبا‪ ،‬يف نكاح فيه‬
‫تسمية للمهر‪ ،‬وجب عليه املسمى‪ ،‬وإن مل يكن يف النكاح تسمية‪ ،‬وجب‬
‫عليه كامل مهر املثل‪.‬‬
‫وعىل هذا جيب الصداق كامالً‪ ،‬وإن اتفق الزوجان عىل عدم وقوع‬
‫الوطء يف اخللوة(((‪.‬‬
‫واستدلوا بام ييل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ۡ َ َ ُّ ُ ۡ ۡ َ َ‬
‫َز ۡو ٖج َو َءات ۡي ُت ۡم‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫﴿ِإَون أردتم ٱستِبد ۡال زو ٖج مكن‬ ‫‪1.‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِإَوثۡ ٗما ُّمب ٗ‬ ‫ۡ َ ٰ ُ َّ َ ٗ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ ۡ ُ َ ًۡ ٔ َ َ ُ ُ َ ُ ُ ۡ ٰ َٗ‬
‫ينا‪20‬‬ ‫ِ‬ ‫إِحدىهن ۡ ق ِنطارا فل تأخذوا مِنه شيا ۚ أتأخذونهۥ بهتنا‬
‫ُ ّ ًَٰ‬ ‫ََ َ ۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َََۡ َ ُ ُ َُ ََۡ َۡ َ َۡ ُ ُ ۡ َ‬
‫وكيف تأخذونهۥ وقد أف ٰ‬
‫مِنكم مِيثقا‬ ‫ض بعضكم إِل بع ٖض وأخذن‬
‫َ ٗ‬
‫غل ِيظا‪.(((﴾21‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل ‪ ‬هنى الزوج عن أخذ يشء مما دفعه من‬
‫الصداق عند الطالق‪ ،‬وأبان أن علة النهي عن أخذ يشء منه هي «إفضاء‬
‫بعضهم إىل بعضهم»‪ ،‬واإلفضاء هو اخللوة‪.‬‬
‫يف «معاين القرآن»‪« :‬اإلفضاء أن خيلو هبا‪ ،‬وإن مل‬ ‫‪‬‬ ‫قال الفراء‬
‫جيامعها»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مصنف عبد الرزاق ‪ 285/6‬عن الزهري‪ ،‬البحر الرائق ‪ ،162/3‬جممع‬
‫الضامنات (دار الكتاب اإلسالمي) ‪ ،346/1‬مسائل اإلمام أمحد بن حنبل رواية ابن‬
‫أيب الفضل صالح‪ ،‬اإلنصاف ‪.229/21‬‬
‫((( النساء‪.21-20 :‬‬
‫((( ص‪.259‬‬

‫‪290‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ونوقش االستدالل باآلية من وجوه‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن الفراء قد خولف يف تفسري اإلفضاء‪ ،‬فقال الزجاج يف‬
‫«معانيه»‪ :‬إنه الغشيان‪ ،‬وقال ابن قتيبة يف «غريب القرآن» هو اجلامع‪ ،‬فكان‬
‫قول الفراء حمجوج ًا بغريه(((‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأنه دل الدليل عىل تعيني املعنى املراد بـ«اإلفضاء»‪ ،‬وأنه هو‬
‫«اخللوة الزوجية»‪.‬‬
‫قال الكاساين ‪« :‬ومأخذ اللفظ دليل عىل أن املراد منه اخللوة‬
‫الصحيحة؛ ألن اإلفضاء مأخوذ من الفضاء من األرض‪ ،‬وهو املوضع الذي‬
‫ال نبات فيه‪ ،‬وال بناء فيه‪ ،‬وال حاجز يمنع عن إدراك ما فيه‪ ،‬فكان املراد منه‬
‫اخللوة عىل هذا الوجه‪ ،‬وهي التي ال حائل فيها‪ ،‬وال مانع من االستمتاع‪،‬‬
‫ال بمقتىض اللفظ»(((‪.‬‬‫عم ً‬
‫وقال شيخ اإلسالم ‪« :‬واإلفضاء قد قيل هو اخللوة‪ ،...‬وقيل هو‬
‫اجلامع‪...‬‬
‫وإفضاء أحدمها إىل اآلخر هو وصوله وانتهاؤه إليه؛ كام قال النبي‬
‫‪(( :‬إذا أفىض أحدكم بيده إىل ذكره فليتوضأ))‪ُ ،‬يقال‪ :‬أفىض إليه‬
‫برسه وأفضيت إليك بكذا‪ ،‬وهو يتناول املبارشة وإن مل حيصل اجلامع كام‬
‫َ ۡ َ َ َ ُّ ُ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫يتناول ذلك لفظ املس يف قوله‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن قب ِل أن تمسوهن﴾‪،‬‬
‫َّ‬

‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪.172/12‬‬


‫((( بدائع الصنائع ‪ .292/2‬وانظر‪ :‬املبسوط ‪.148/5‬‬

‫‪291‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وهو ‪ ‬علق احلكم بإفضاء بعضهم إىل بعض‪ ،‬وأخذ امليثاق الغليظ‪،‬‬
‫وهو عقد النكاح‪ ،‬إذ كان جمرد اإلفضاء إىل أجنبية ال يوجب املهر‪.‬‬
‫فدل ذلك عىل اإلفضاء الذي اقتضاه امليثاق‪ ،‬فمتى أفىض أحدمها إىل‬
‫صاحبه إفضا ًء اقتضاه امليثاق الغليظ‪ ،‬وجب املهر‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذا حيصل باخللوة التي ختتص الزوجني‪ ،‬وهو أن ختلو به‬
‫ومتكنه من نفسها بمنزلة املرأة مع زوجها‪.‬‬
‫وحيصل أيض ًا باملبارشة التي ال تباح لغري الزوج‪.(((»....‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه َّن‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ ۡ َ َ َ ٗ َ ُ‬
‫َوق ۡد ف َرض ُت ۡم ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾ يفرس هذه اآلية‪ ،‬ويقيض عىل‬
‫اإلمجال واالحتامل فيها(((‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بعدم التسليم بقرص املراد بـ«املس» عىل الوطء‪ ،‬بل يعم ما‬
‫دون الوطء أيض ًا‪ ،‬وعىل التسليم باحتامهلا للمعنيني‪ ،‬فال يصح تفسري آية‬
‫باملجمل‪،‬‬
‫َ‬ ‫املجمل ال ُيفرس‬
‫َ‬ ‫اإلفضاء املحتملة بآية املس املحتملة أيض ًا؛ ألن‬
‫وعىل التسليم بأن املعنى الظاهر آلية املس هو الوطء‪ ،‬ومن َث َّم جيب محل‬
‫آية اإلفضاء عليه‪ ،‬فإنه قد رصف عن هذا الظاهر األدل ُة األخرى من النص‬
‫وآثار الصحابة والقياس‪ ،‬والتي تدل عىل أن املخلو هبا دون وطء تستحق‬
‫كامل الصداق‪ ،‬ومن َث َّم ال يصح تفسري آية اإلفضاء بآية املس(((‪.‬‬

‫((( العقود ص ‪.245-243‬‬


‫((( انظر‪ :‬احلاوي ‪.172/12‬‬
‫((( وسيتم بيان أوجه االستدالل بآية املس‪ ،‬ومناقشة ذلك بتفصيل عند إيراد أدلة القول‬
‫الثاين إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪2.‬وعن سعيد بن جبري‪ ،‬قال‪ :‬قلت البن عمر‪ :‬رجل قذف امرأته؟‬
‫فقال‪ :‬فرق نبي اهلل ‪ ‬بني أخوي بني العجالن‪ ،‬وقال‪(( :‬اهلل يعلم‬
‫أن أحدكام كاذب‪ ،‬فهل منكام تائب؟)) فأبيا‪ ،‬فقال‪(( :‬اهلل يعلم أن أحدكام‬
‫كاذب‪ ،‬فهل منكام تائب؟))‪ ،‬فأبيا‪ ،‬ففرق بينهام ‪-‬قال أيوب‪ :‬فقال يل عمرو‬
‫بن دينار‪ :‬يف احلديث يشء ال أراك حتدثه قال‪ -‬قال الرجل‪ :‬مايل؟ قال‪(( :‬ال‬
‫مال لك‪ ،‬إن كنت صادق ًا فقد دخلت هبا‪ ،‬وإن كنت كاذب ًا فهو أبعد منك))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬حكاه اب ُن حجر ‪ ،‬فقال‪« :‬وقد متسك [أي البخاري]‬
‫بقوله يف حديث الباب‪(( :‬فقد دخلت هبا))‪ ،‬عىل أن من أغلق باب ًا‪ ،‬وأرخى‬
‫سرت ًا عىل املرأة‪ ،‬فقد وجب هلا الصداق‪ ،‬وعليها العدة»(((‪.‬‬
‫وناقشه‪ :‬بـ«أنه ثبت يف الرواية األخرى يف حديث الباب‪(( :‬فهو بام‬
‫استحللت من فرجها))‪ ،‬فلم يكن يف قوله‪(( :‬دخلت عليها)) حجة ملن قال‬
‫إن جمرد الدخول يكفي»(((‪.‬‬
‫ومراده ما رواه البخاري عن ابن عمر‪ ،‬أن النبي ‪ ‬قال‬
‫للمتالعنني‪(( :‬حسابكام عىل اهلل‪ ،‬أحدكام كاذب‪ ،‬ال سبيل لك عليها))‬
‫قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬مايل؟ قال‪(( :‬ال مال لك‪ ،‬إن كنت صدقت عليها‪ ،‬فهو‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب املهر للمدخول عليها‪ ،‬وكيف الدخول‪ ،‬أو‬
‫طلقها قبل الدخول واملسيس ‪.)5349( 61/7‬‬
‫((( فتح الباري ‪.495/9‬‬
‫((( فتح الباري ‪.495/9‬‬

‫‪293‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫بام استحللت من فرجها‪ ،‬وإن كنت كذبت عليها‪ ،‬فذاك أبعد‪ ،‬وأبعد لك‬
‫منها))(((‪.‬‬
‫وجياب عن مناقشة ابن حجر‪ :‬بأن هذا احلديث ال يصح االستدالل به‬
‫عىل أن اخللوة ال يستقر هبا الصداق‪ ،‬وأنه إنام يستقر الصداق بالوطء فقط‪،‬‬
‫وذلك؛ ألنه إنام َذكر أهم سبب يوجب استقرار الصداق‪ ،‬وهو استحالل‬
‫اعتبار غريه‪.‬‬
‫َ‬ ‫الفرج‪ ،‬وهذا ال ينفي‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪« :‬فإن قيل فقد قال النبي ‪ ‬يف حديث‬
‫املالعنة‪(( :‬إن كنت صاد ًقا عليها فهو بام استحللت من فرجها‪ ،‬وإن كنت‬
‫كاذ ًبا عليها فهو أبعد لك منها)) فعلق احلكم بام استحله من فرجها‪.‬‬
‫قيل هذا صحيح‪ ،‬فإن ما استحله من فرجها يقرر املهر‪ ،‬لكن العلة ال جيب‬
‫أيضا يستقر املهر وإن مل يكن هناك استحالل‬‫تعميمها‪ ،‬أال ترى أنه باملوت ً‬
‫لفرجها‪ ،‬أال ترى أن قوله‪(( :‬بام استحللت من فرجها)) يعم كل وطأة وطئها‬
‫إياها‪ ،‬مع أن استقرار املهر ليس مرشو ًطا بقدر تلك الوطآت باتفاق املسلمني‪،‬‬
‫ومقصود الرسول أنه جرى ما يوجب أن تستحق به املهر»(((‪.‬‬
‫‪3.‬وعن حممد بن عبد الرمحن بن ثوبان أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((من كشف مخار امرأته ونظر إليها وجب الصداق‪ ،‬دخل هبا أو مل يدخل))(((‪.‬‬
‫وهذا نص يف عدم اشرتاط الوطء الستقرار الصداق‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب املتعة للتي مل يفرض هلا ‪.)5350( 62/7‬‬
‫((( العقود ص‪.247‬‬
‫((( تقدم خترجيه ص‪.286‬‬

‫‪294‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وتقدمت مناقشته‪ :‬بأن احلديث مرسل‪ ،‬فال حيتج به‪.‬‬


‫وأجيب‪ :‬بأنه مرسل عضده ظاهر القرآن وقول مجاهري السلف‪.‬‬
‫‪4.‬عن زرارة بن أيب أوىف أنه قال‪« :‬قىض اخللفاء الراشدون املهديون أن‬
‫من أغلق باب ًا‪ ،‬أو أرخى سرت ًا‪ ،‬فقد وجب املهر‪ ،‬ووجبت العدة»(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن األثر منقطع‪ ،‬فال حيتج به‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بأنه ثبت القول به موصوالً يف آثار أخرى عن بعض اخللفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬وعدد من الصحابة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪5.‬ما جاء عن نافع بن جبري قال‪« :‬كان أصحاب رسول اهلل ‪‬‬
‫يقولون‪ :‬إذا أرخى السرت وأغلق الباب فقد وجب الصداق»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب وجوب الصداق ‪288/6‬‬
‫(‪ ،)10875‬وسعيد بن منصور يف سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب فيام جيب به الصداق‬
‫‪ ،)762( 234/1‬وابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب من قال‪ :‬إذا أغلق‬
‫الباب وأرخى السرت فقد وجب الصداق ‪ ،)16695( 520/3‬والبيهقي يف السنن‬
‫الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو أرخى سرت ًا فقد وجب الصداق‬
‫وما روي يف معناه ‪ ،)14484( 417/7‬وقال‪« :‬هذا مرسل‪ ،‬زرارة مل يدركهم‪ ،‬وقد‬
‫رويناه عن عمر وعيل ‪ ‬موصوالً»‪.‬‬
‫((( رواه ابن حزم يف املحىل ‪ 74/9‬من طريق وكيع عن موسى بن عبيدة عن نافع بن جبري‬
‫به‪ ،‬وأورده ابن امللقن يف البدر املنري ‪ 689/7‬من رواية أيب عبيد القاسم بن سالم‬
‫وكيع‪َ ،‬عن موسى بن ُع َب ْيدَ ة‪َ ،‬عن نَافِع بن ُج َبري‪ ،‬ومل أقف عليه خمرج ًا يف‬
‫حديث ِ‬
‫من ِ‬
‫املصنفات املسندة‪ ،‬لكن أخرج ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب من قال‪:‬‬
‫إذا أغلق الباب وأرخى السرت فقد وجب الصداق ‪ )16697( 520/3‬عن وكيع =‬

‫‪295‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪6.‬وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال عمر بن اخلطاب ‪« :‬إذا‬


‫أرخيت الستور‪ ،‬وغلقت األبواب‪ ،‬فقد وجب الصداق»(((‪.‬‬
‫‪7.‬وعن ابن املسيب أن عمر قىض يف املرأة يتزوجها الرجل أنه إذا‬
‫أرخيت الستور فقد وجب الصداق(((‪.‬‬
‫‪8.‬وعن إبراهيم قال‪ :‬قال عمر‪« :‬إذا أرخي السرت‪ ،‬وأغلق الباب‪ ،‬وجب‬
‫الصداق»(((‪.‬‬
‫‪9.‬وعن األحنف بن قيس‪ ،‬أن عمر‪ ،‬وعلي ًا ‪ ‬قاال‪« :‬إذا أغلق باب ًا‬
‫وأرخى سرت ًا‪ ،‬فلها الصداق كامالً‪ ،‬وعليها العدة»(((‪.‬‬
‫= عن موسى بن عبيدة قال‪ :‬حدثني نافع بن جبري بن مطعم عن رجل من أصحاب النبي‬
‫‪ ‬قال‪« :‬إذا أرخى سرت ًا‪ ،‬أو أغلق باب ًا‪ ،‬فقد وجب الصداق»‪ .‬والروايات فيها‬
‫«موسى بن عبيدة»‪ .‬قال ابن حجر يف (التقريب ‪« :)552/1‬ضعيف»‪ ،‬إال أنه تشهد هلا‬
‫اآلثار األخرى عن الصحابة‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب وجوب الصداق ‪286/6‬‬ ‫(((‬
‫(‪ )10866‬عن معمر عن حييى بن أيب كثري عن أيب سلمة بن عبد الرمحن عن أيب هريرة‬
‫به‪ ،‬قال ابن حزم يف (املحىل ‪« :)75/9‬وهذا صحيح عن عمر»‪.‬‬
‫أخرجه مالك يف املوطأ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب إرخاء الستور ‪،)1100( 528/2‬‬ ‫(((‬
‫وأخرجه من طريقه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق‬
‫باب ًا أو أرخى سرت ًا فقد وجب الصداق وما روي يف معناه ‪ .)14480( 416/7‬وابن‬
‫املسيب مل يسمع من عمر‪ ،‬لكن تشهد اآلثار األخرى‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب وجوب الصداق ‪287/6‬‬ ‫(((‬
‫(‪ )10872‬عن الثوري عن منصور عن إبراهيم‪ .‬وإبراهيم مل يدرك عمر‪ ،‬لكن تشهد‬
‫له اآلثار األخرى كذلك‪.‬‬
‫أخرجه اإلمام أمحد يف مسائله برواية ابنه عبد اهلل ‪ ،1027/3‬والبيهقي يف السنن‬ ‫(((‬
‫الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو أرخى سرت ًا فقد وجب =‬

‫‪296‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪10.‬وعن مكحول قال‪ :‬اجتمع نفر من أصحاب النبي ‪ ‬فقال‬


‫عمر ومعاذ‪« :‬إنه إذا أغلق الباب وأرخى السرت فقد وجب الصداق»(((‪.‬‬
‫ ‪11.‬وعن ابن عمر قال‪« :‬إذا أجيفت األبواب وأرخيت الستور وجب‬
‫الصداق»(((‪.‬‬
‫ ‪12.‬وعن زيد بن ثابت ‪ ‬أنه كان يقول‪« :‬إذا دخل الرجل بامرأته‬
‫فأرخيت عليهام الستور فقد وجب الصداق»(((‪.‬‬

‫= الصداق وما روي يف معناه ‪ .)14482( 416/7‬وقال «وقد رويناه عن عمر وعىل‬
‫‪ ‬موصوالً»‪ ،‬وأخرج الدارقطني ‪ )230( 307/3‬له متابعة عن الشعبي عن عمر‬
‫وعيل ‪ ،‬وقال األلباين يف (إرواء الغليل ‪« :)356/6‬صحيح عن عمر وعيل»‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب من قال‪ :‬إذا أغلق الباب وأرخى‬
‫السرت فقد وجب الصداق ‪ )16694( 519/3‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل عن حجاج عن‬
‫مكحول به‪ .‬وهو منقطع؛ ألن مكحول مل يدرك عمر ومعاذ ًا‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب من قال‪ :‬إذا أغلق الباب وأرخى‬
‫السرت فقد وجب الصداق ‪ )16701( 520/3‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد عن عبيد اهلل عن‬
‫نافع عن ابن عمر به‪ ،‬ورواه ابن حزم يف املحىل ‪ 75/9‬من طريق أيب عبيد قال أخربنا‬
‫سعيد بن عبد الرمحن اجلمحي عن عبيد اهلل بن عمر عن نافع عن ابن عمر به‪.‬‬
‫((( أخرجه مالك يف املوطأ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب إرخاء الستور ‪ ،)1101( 528/2‬ومن‬
‫طريقه الشافعي يف األم (‪ ،)217/7‬ومن طريقهام البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‬
‫الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو أرخى سرت ًا فقد وجب الصداق وما روي يف‬
‫معناه ‪ )14480( 416/7‬عن الزهري عن زيد بن ثابت ‪ ‬به‪ .‬وهو «منقطع»؛‬
‫ألن الزهري مل يدرك زيد ًا‪ ،‬إال أنه ثبت بإسناد صحيح موصول من رواية عبد الرزاق‬
‫يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب وجوب الصداق ‪ - 11714( 336/6‬طبعة دار‬
‫التأصيل) بلفظ آخر عن الزهري عن سليامن بن يسار عن زيد بن ثابت‪ ،‬حيث قال‬
‫عبد الرزاق‪« :‬أخربنا بن جريج عن بن شهاب يف رجل نكح امرأة‪ ،‬فبنى هبا‪ ،‬ثم طلقها‬
‫فسئلت املرأة فقالت‪ :‬مل يمسسني‪ ،‬وسئل الرجل فقال‪ :‬مثل ذلك‪= ،‬‬ ‫بعد يومني‪ُ ،‬‬

‫‪297‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪13.‬وعن عطاء قال‪« :‬بلغنا إذا أهديت إليه‪ ،‬ف َغ َّلق عليها؛ وجب الصداق‪،‬‬
‫وإن مل يمسها‪ ،‬وإن أصبحت عذراء‪ ،‬وإن كانت حائض ًا‪ ،‬كذلك السنة»(((‪.‬‬

‫= فقال‪« :‬إذا دخل هبا وأرخى عليها األستار فقد وجب الصداق وعليها العدة»‪ ،‬ثم‬
‫أخربين عن سليامن بن يسار أن احلارث بن احلكم تزوج امرأة غريبة فدخل هبا فإذا هي‬
‫خرضاء فلم يكشفها كام قال واستحيى أن خيرج مكانه فقال عندها خملي ًا هبا‪] ،‬ثم خرج‬
‫فطلقها‪ ،‬وقال هلا نصف الصداق‪ .‬وقال مل أكشفها*[‪ .‬وهي ترد ذلك عليه‪ ،‬فرفع ذلك‬
‫إىل مروان‪ ،‬فأرسل مروان إىل زيد بن ثابت‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا سعيد رجل صالح كان من‬
‫شأنه كذا وكذا وهو عدل هل عليه إال نصف الصداق؟ فقال له زيد‪ :‬أرأيت لو أن املرأة‬
‫اآلن محلت ]فقالت[*‪ :‬هو ]منه*[‪ .‬أكنت مقي ًام عليها احلد؟ قال مروان‪ :‬ال‪ .‬فقال زيد‪:‬‬
‫بل هلا صداقها كامالً‪ ،‬فقىض مروان بذلك»‪* .‬ما بني املعكوفتني ] [ وقع فيه تصحيف‬
‫املصوب يف‬
‫َّ‬ ‫يف طبعة املكتب اإلسالمي نبه عليه املحقق األعظمي‪ ،‬واملثبت هنا هو‬
‫طبعة دار التأصيل‪ .‬وأخرجه ابن أيب شيبة‪ ،‬باب من قال‪ :‬أغلق الباب وأرخى السرت‬
‫فقد وجب الصداق ‪ )16693( 519/3‬من طريق آخر؛ قال‪ :‬حدثنا وكيع عن سفيان‬
‫عن أيب الزناد عن سليامن بن يسار بنحو سياق عبد الرزاق‪ ،‬ويف آخره «فقال له زيد‪:‬‬
‫لو أهنا جاءت بحمل‪ ،‬أو بولد أكنت تقيم عليها احلد؟»‪ ،‬وإسناده صحيح‪ ،‬وأخرجه‬
‫أمحد يف مسائله برواية ابنه عبد اهلل ‪ )1210( 329/1‬بإسناده عن سفيان عن أيب الزناد‬
‫عن سليامن بن يسار بنحو سابقه‪ ،‬ويف آخره‪« ،‬فقال له زيد‪ :‬تم صداقها ووجبت عليها‬
‫العدة حني خال هبا‪ ،‬فقال له‪ :‬إنه ممن ال ُيتهم‪ ،‬وقد زعم إنام وضع ثيابه‪ ،‬وقال عندها‪،‬‬
‫ال وال كثري ًا‪ ،‬فقال له زيد‪ :‬أعطها الصداق‪ ،‬ومرها فلتعتد‪ .‬قال فلام‬‫ومل يتناول منها قلي ً‬
‫أكثر عليه مروان قال له زيد‪ :‬أرأيت لو أهنا ادعت أنه أصاهبا‪ ،‬وأن هبا منه ولد ًا‪ ،‬كيف‬
‫كنت صانع ًا؟ أكنت مالعن ًا بينهام؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأمتم هلا صداقها‪ ،‬ومرها فلتعتد»‪،‬‬
‫وأخرجه الدارقطني يف سننه ‪ )307( 307/3‬بإسناده عن بكري بن األشج عن سليامن‬
‫بن يسار قال‪« :‬تزوج احلارث بن احلكم امرأة‪ ،‬فأغلق عليها الباب‪ ،‬ثم خرج فطلقها‪،‬‬
‫وقال‪ :‬مل أطأها‪ ،‬وقالت املرأة‪ :‬قد وطئني‪ ،‬فاختصموا إىل مروان‪ ،‬فدعا زيد بن ثابت‪،‬‬
‫فقال كيف ترى؟ فإن احلارث عندنا مصدق‪ ،‬فقال زيد‪ :‬أكنت رامجها لو حبلت؟ قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬فكذلك تصدق املرأة يف مثل هذا»‪.‬‬
‫((( أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب وجوب الصداق ‪285/6‬‬
‫(‪ )10864‬عن ابن جريج عن عطاء به‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪14.‬وعن أنس بن مالك أنه قال يف التي دخل هبا زوجها‪ ،‬ومل يطأها‪:‬‬
‫«إن الصداق هلا‪ ،‬وعليها العدة‪ ،‬وال رجعة له عليها»(((‪.‬‬
‫ ‪15.‬وعن املغرية بن شعبة‪ :‬أنه قىض يف امرأة عنني فرق بينهام بجميع‬
‫الصداق(((‪.‬‬
‫فهذه آثار عديدة عن الصحابة‪ ،‬تدل بمجموعها عىل استقرار الصداق‬
‫بمجرد اخللوة‪ ،‬وهي آثار يعضد بعضها بعض ًا‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة االستدالل هبذه اآلثار‪ :‬بأهنا حممولة عىل ما إذا حصلت‬
‫اخللوة‪ ،‬وا َّدعت املرأة الوطء‪ ،‬وأنكره الزوج‪ ،‬فيكون القول قوهلا؛ ألن ثبوت‬
‫قررة‬ ‫اخللوة يقوي َ‬
‫قول َمن يدعي الوطء‪ ،‬وال تدل عىل أن اخللوة بمجردها ُم ِّ‬
‫لكامل الصداق‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بأن غالب هذه اآلثار الواردة مطلقة‪ ،‬وغري مقيدة بذلك‪،‬‬
‫كاآلثار الواردة عن عمر وعيل وغريمها‪ ،‬والبد للتقييد بذلك من دليل‪ ،‬ومل‬
‫يوجد‪ ،‬وعليه؛ فهي تدل عىل أن اخللوة بمجردها مقررة لكامل الصداق‪.‬‬
‫ولذلك قال البيهقي ‪« :‬ظاهر ما روينا عن عمر وعيل ‪ ‬يدل‬
‫عىل أهنام جعال اخللوة كالقبض يف البيوع‪ .‬قال الشافعي ‪ :‬وروي عن‬

‫((( رواه ابن حزم يف املحىل ‪ 76/9‬من طريق ابن وهب وعن رجال من أهل العلم به‪ .‬وفيه‬
‫انقطاع وإهبام‪.‬‬
‫((( رواه ابن حزم يف املحىل ‪ 76/9‬من طريق محاد بن سلمة عن احلجاج بن أرطاة عن‬
‫الركني بن الربيع عن حنظلة به‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫عمر ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم؟»(((‪ ،‬وذلك يدل‬
‫عىل أنه ُيقىض باملهر‪ ،‬وإن مل تدع املسيس»(((‪.‬‬
‫لكن أثر زيد ‪ ‬جاء فيه يف رواية أخرى عنه يف رجل خيلو باملرأة‬
‫فيقول‪ :‬مل أمسها‪ ،‬وتقول قد مسني‪ ،‬قال‪« :‬القول قوهلا»(((‪.‬‬
‫ولذلك قال البيهقي ‪« :‬ظاهر الرواية عن زيد ‪ ‬يدل عىل أنه‬
‫ال يوجبه بنفس اخللوة‪ ،‬لكن جيعل القول قوهلا يف اإلصابة»(((‪.‬‬
‫لكن تعقبه ابن الرتكامين بقوله‪« :‬بل الظاهر املشهور عنه أنه أوجب كل‬
‫الصداق بنفس اخللوة‪ ،‬وهو املذكور يف املوطأ ورشوحه‪ ،‬وذكره ابن املنذر‬
‫يف اإلرشاف»‪ ،‬ثم بني ضعف الرواية املذكورة(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫احتامل‬ ‫وعند التأمل يظهر أن قول زيد ‪ ‬حمتمل لألمرين‪ ،‬ولكل‬
‫قرائ ُن تعضده‪.‬‬
‫فيعضد َ‬
‫قول البيهقي وجهان‪:‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ )10873( 288 /6‬عن الثوري‪ ،‬عن محاد‪ ،‬عن إبراهيم‬ ‫(((‬
‫قال‪ :‬قال عمر‪ ...‬فذكره‪ .‬وهو منقطع؛ ألن إبراهيم مل يدرك عمر‪.‬‬
‫السنن الكربى ‪.417/7‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه سعيد بن منصور‪ ،‬باب فيام جيب به الصداق ‪ ،)765( 234/1‬ومن طريقه‬ ‫(((‬
‫البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو أرخى سرت ًا‬
‫فقد وجب الصداق وما روي يف معناه ‪ .)14481( 416/7‬وفيه «عبد الرمحن بن أيب‬
‫الزناد‪ ،‬وعبد الرمحن هذا ذكره ابن اجلوزي يف كتاب الضعفاء‪ ،‬وقال أمحد‪ :‬مضطرب‬
‫احلديث‪ .‬وقال النسائي‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال حييى والرازي‪ :‬ال حيتج به» اجلوهر النقي البن‬
‫الرتكامين ‪.256/7‬‬
‫السنن الكربى للبيهقي ‪.417/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اجلوهر النقي ‪.102/2‬‬ ‫(((‬

‫‪300‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫األول‪ :‬أنه قد جاءت روايات أخرى تفيد أن احلديث له قصة‪ ،‬ويف‬


‫بعضها أن الزوج ينفي الوطء‪ ،‬والزوجة تدعيه؛ كام يف رواية عبد الرزاق‬
‫والدارقطني‪ ،‬وأن إجياب زيد ‪ ‬للصداق مبني عىل هذه الدعوى‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه وقع يف آخر رواية الدارقطني قول زيد ‪« :‬فكذلك‬
‫تُصدق املرأة يف مثل هذا»‪ ،‬وهو كالرصيح باألخذ بقول الزوجة‪ ،‬وبناء تقرير‬
‫الصداق عىل قوهلا(((‪.‬‬
‫تعقب ابن الرتكامين وجهان أيض ًا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ويعضد‬
‫األول‪ :‬الرواية املخترصة التي رواها مالك عن الزهري عن زيد ‪،‬‬
‫والتي فيها اإلطالق بتقرير الصداق بمجرد اخللوة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن الزهري رصح بأن اخللوة مقررة للصداق‪ ،‬وإن صادقت املرأة‬
‫عىل عدم املسيس‪ ،‬ثم ساق الرواية عن سليامن عن زيد حمتج ًا هبا‪ ،‬وهذا يدل‬
‫عىل أن قول زيد كقوله‪ ،‬واألخذ بفهم الراوي للرواية املحتملة أوىل‪ ،‬السيام‬
‫إن كان عامل ًا كالزهري‪.‬‬
‫ ‪16.‬إمجاع الصحابة ‪ ‬عىل أن اخللوة مقررة للصداق‪.‬‬
‫فقد حكى الطحاوي ‪ ‬إمجاع الصحابة ‪ ‬يف هذه املسألة من‬
‫اخللفاء الراشدين وغريهم‪.‬‬
‫قال ‪« :‬فقد تواترت أقوال أصحاب رسول اهلل ‪ ‬يف‬
‫ذلك‪ ،‬واتفقت عىل أن اإلمكان الذي ذكرنا‪ ،‬يكون به الذي ُمكن منه كاملامس‬
‫((( انظر‪ :‬دراسة تعقبات ابن الرتكامين يف اجلوهر النقي عىل البيهقي يف السنن الكربى‬
‫ص‪ 397‬حيث أيد قول البيهقي يف توجيه قول زيد ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫للمرأة التي أمكنته من نفسها‪ ،‬وال نعلم خمالف ًا هلم سواهم من أصحاب‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يف ذلك»(((‪.‬‬
‫وقال ابن رشد ‪« :‬وأما األحكام الواردة يف ذلك عن الصحابة فهو‬
‫أن من أغلق باب ًا‪ ،‬أو أرخى سرت ًا؛ فقد وجب عليه الصداق‪ ،‬مل ُيتلف عليهم‬
‫يف ذلك فيام حكموا»(((‪.‬‬
‫وقال املوفق ابن قدامة‪ ،‬وشمس الدين ابن قدامة‪ ،‬بعد إيراد آثار الصحابة‬
‫يف هذه املسألة‪« :‬وهذه قضايا اشتهرت‪ ،‬ومل خيالفهم أحدٌ يف عرصهم‪ ،‬فكان‬
‫إمجاع ًا»(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن إمجاع الصحابة حممول فقط عىل ما إذا حصلت اخللوة‪،‬‬
‫وادعت املرأة الوطء‪ ،‬وأنكره الزوج‪ ،‬فيكون القول قوهلا؛ ألن ثبوت اخللوة‬
‫يقوي قول من يدعي الوطء‪ ،‬فهذا قد أمجعوا عليه‪.‬‬
‫أما محل إمجاعهم عىل اعتبار اخللوة بمجردها مقررة لكامل الصداق‬
‫فغري ُمس َّلم‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بأنه تقدم احتامل أثر زيد ‪ ‬فقط ملا ذكرتم‪ ،‬بخالف باقي‬
‫آثار الصحابة‪.‬‬
‫لكن بناء عىل ذلك؛ ُيسلم بعدم رصاحة اإلمجاع عىل اعتبار اخللوة‬
‫بمجردها مقررة لكامل الصداق‪.‬‬
‫((( مشكل اآلثار ‪.269/1‬‬
‫((( بداية املجتهد ‪.49/3‬‬
‫((( املغني ‪ ،250/7‬الرشح الكبري ‪.251/21‬‬

‫‪302‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪17.‬أن التسليم املستحق قد ُوجد من جهة الزوجة‪ ،‬فيستقر به البدل؛‬


‫أجرت دارها وسلمتها(((‪.‬‬
‫كام لو وطئها‪ ،‬أو كام لو َّ‬
‫وذلك؛ ألن البدل يف عقد النكاح يتقرر بتسلي ِم َمن له البدل‪ ،‬ال باستيفاء‬
‫َمن عليه(((‪.‬‬
‫«والدليل عىل أهنا َس َّل َمت املبدل أن املبدل هو ما يستوىف بالوطء‪ ،‬وهو‬
‫املنافع‪ ،‬إال أن املنافع قبل االستيفاء معدومة‪ ،‬فال يتصور تسليمها‪ ،‬لكن هلا‬
‫حمل موجود‪ ،‬وهو العني‪ ،‬وأهنا متصور التسليم حقيقة‪ ،‬ف ُيقام تسليم العني‬
‫مقام تسليم املنفعة؛ كام يف اإلجارة‪ ،‬وقد وجد تسليم املحل؛ ألن التسليم هو‬
‫جعل اليشء سامل ًا للمسلم إليه‪ ،‬وذلك برفع املوانع‪ ،‬وقد وجد»(((‪.‬‬
‫ ‪18.‬وألن وجوب املهر ال يقف عىل استيفاء مجيع مقاصد عقد النكاح‪،‬‬
‫بل عىل استيفاء جنس مقاصده‪ ،‬وباخللوة قد حصل يشء من مقاصده(((‪.‬‬
‫تقرر البدل باالستيفاء‪ ،‬امتنع ِمن ذلك َمن عليه‬
‫ ‪19.‬وألنا لو علقنا ُّ‬
‫البدل قصد ًا منه إىل اإلرضار بمن له البدل(((‪.‬‬
‫ ‪20.‬وألن «تعليق وجوب املهر بالوطء ال يسوغ ال يف الباطن وال يف‬
‫احلكم الظاهر‪ .‬أما يف الباطن؛ فألنه موقوف عىل اختياره‪ ،‬واملرأة إذا بذلت‬

‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،148/5‬بدائع الصنائع‪ ،292/2‬اهلداية ‪ ،205/1‬املغني ‪،250/7‬‬ ‫(((‬


‫الرشح الكبري البن قدامة ‪ ،251/21‬كشاف القناع ‪.151/5‬‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪.148/5‬‬ ‫(((‬
‫بدائع الصنائع‪.292/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬العقود ص‪.245‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪.149/5‬‬ ‫(((‬

‫‪303‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫مجيع ما جيب عليها‪ ،‬واستمتع هبا فيام دون الفرج‪ ،‬وامتنع من اإليالج يف‬
‫الفرج‪ ،‬صار ثبوت حقها موقو ًفا عىل جمرد اختياره‪ ،‬وهذا ال جيوز‪ .‬وأما‬
‫الظاهر؛ فألن الوطء ال يمكن إثباته أصالً‪ ،‬فال جيوز تعليق االستحقاق يف‬
‫الظاهر بام ال يقوم عليه بينة‪ ،‬وال ُيقر به اخلصم‪ ،‬مع العلم بكثرة وجوده»(((‪.‬‬
‫ ‪21.‬وألن الزوجني وإن تصادقا عىل عدم الوطء؛ فإهنام متهامن يف‬
‫إقرارمها بالفرار من الصداق‪ ،‬أو العدة‪.‬‬
‫قيل ألمحد‪« :‬فإن قال‪ :‬مل أطأ‪ ،‬وقالت‪ :‬مل يطأين؟ قال‪ :‬هذا فار من‬
‫الصداق‪ ،‬هذه فارة من العدة»(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن الصداق ال يستقر بمجرد اخللوة بدون وطء‪:‬‬
‫وقال به‪ :‬رشيح(((‪ ،‬والشعبي(((‪ ،‬وبعض املالكية(((‪ ،‬والشافعي يف اجلديد(((‪،‬‬

‫العقود ص‪.247‬‬ ‫(((‬


‫مسائل اإلمام أمحد بن حنبل رواية ابن أيب الفضل صالح ‪.222/2‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪ 352/3‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية عن ليث عن الشعبي أن‬ ‫(((‬
‫رجال قال لرشيح‪ :‬إين تزوجت امرأة فمكثت عندي ثامن سنني ثم طلقتها وهي عذراء‬
‫قال ‪« :‬هلا نصف الصداق»‪.‬‬
‫أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪ 352/3‬قال‪ :‬حدثنا وكيع عن زكريا عن الشعبي قال‪:‬‬ ‫(((‬
‫«هلا نصف الصداق»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الفروق ‪.161-160/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬األم‪ ،230/5‬مغني املحتاج ‪ ،374/4‬أسنى املطالب (دار الكتاب اإلسالمي)‬ ‫(((‬
‫‪ ،204/3‬البيان ‪ ،401/9‬احلاوي ‪.173/12‬‬

‫‪304‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وحكاه بعض أصحاب اإلمام أمحد عنه(((‪ ،‬وهو قول ابن حزم(((‪.‬‬
‫فلو خال الزوج بزوجته خلوة مكتملة الرشوط‪ ،‬مع عدم ما يمنع من‬
‫الوطء وال دواعيه‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول هبا يف نكاح فيه تسمية للمهر‪،‬‬
‫جيب عليه نصف املسمى‪ ،‬وإن مل يكن يف النكاح تسمية وجب عليه املتعة‬
‫فقط‪.‬‬
‫وعىل هذا لو اتفقا عىل اخللوة‪ ،‬وادعت الوطء‪ ،‬وأنكره‪ ،‬مل يرتجح‬
‫جانبها؛ بل القول قوله بيمينه(((‪.‬‬
‫وال تأثري لطول اإلقامة‪ ،‬فلو طالت املدة أو قرصت ال جيب إال نصف‬
‫الصداق(((‪.‬‬
‫واستدلوا بام ييل‪:‬‬
‫َ ۡ َ َ َ ُّ ُ‬
‫وه َّن َوقَ ۡد فَ َر ۡض ُتمۡ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫‪1.‬قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن قب ِل أن تمس‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ َ ٗ َ ُ‬
‫ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ .250/7‬وانظر‪ :‬القواعد البن رجب ‪ 330-329/1‬حيث جاء فيه‪:‬‬ ‫(((‬
‫«ومن األصحاب من حكى رواية أخرى أنه ال يستقر املهر باخللوة ملجردها بدون‬
‫الوطء أخذا مما روي يعقوب بن بختان عن أمحد إذا خال هبا وقال مل أطأها وصدقته إن‬
‫هلا نصف الصداق وعليها العدة‪ ،‬وأنكر األكثرون هذه الرواية ومحلوا رواية يعقوب‬
‫هذه عىل وجه آخر وهو أن اخللوة إنام قررت املهر؛ ألنه مظنة الوطء املقرر فقامت‬
‫مقامه يف التقرير؛ ألن حقيقة الوطء ال يطلع عليه غالب ًا‪ ،‬فعلق احلكم عىل مظنته‪ ،‬فإذا‬
‫تصادق الزوجان عىل انتفاء احلقيقة التي هي الوطء مل يقبل ذلك يف إسقاط العدة؛ ألن‬
‫فيها حق ًا هلل تعاىل‪ ،‬وهل يقبل يف سقوط نصف املهر ؟ عىل روايتني»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املحىل ‪.80/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬األم ‪ ،230/5‬البيان ‪.401/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬احلاوي (دار الكتب العلمية) ‪.544/9‬‬ ‫(((‬

‫‪305‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعاىل أوجب نصف املفروض عند الطالق قبل‬
‫الوطء يف نكاح فيه تسمية؛ ألن املراد من املس هو الوطء‪ ،‬ومل يفصل بني‬
‫حال وجود اخللوة وعدمها‪ ،‬فمن أوجب كل املفروض قبل الوطء وبعد‬
‫اخللوة فقد خالف النص(((‪.‬‬
‫ال وجه الداللة‪« :‬واملسيس عبارة عن الوطء؛‬‫قال املاوردي ‪ ‬مفص ً‬
‫لثالثة معان‪ :‬أحدها‪ :‬أنه مروي يف التفسري عن ابن عباس‪ ،‬وابن مسعود‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن املسيس كناية ملا يستقبح رصحيه‪ ،‬وليست اخللوة مستقبحة‬
‫الترصيح فيكني عنها‪ ،‬والوطء مستقبح فكني باملسيس عنه‪ .‬والثالث‪ :‬أن‬
‫املسيس ال يتعلق به عىل املذهبني كامل املهر؛ ألنه لو خال هبا من غري مسيس‬
‫كمل عندهم املهر‪ ،‬ولو وطئها من غري خلوة كمل عليه املهر‪ ،‬ولو مسها‬
‫من غري خلوة وال وطء مل يكمل املهر‪ ،‬فكان محل املسيس عىل الوطء الذي‬
‫يتعلق به احلكم أوىل من محله عىل غريه‪ ،‬وإذا كان كذلك فقد جعل الطالق‬
‫قبل املسيس الذي هو الوطء موجب ًا الستحقاق نصف املهر»(((‪.‬‬
‫ونوقش االستدالل هبذه اآلية بام ييل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بأنه جيوز أن يكون قد َكنّى باملس َّبب الذي هو ُّ‬
‫املس عن السبب‬
‫الذي هو اخللوة(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪ .291/2‬وانظر‪ :‬أحكام القرآن للشافعي ‪ ،139/1‬الرشح الكبري‬
‫البن قدامة ‪.250/21‬‬
‫((( احلاوي ‪.173/12‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق ‪ ،167-162/3‬الرشح الكبري البن قدامة ‪.252/21‬‬

‫‪306‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثاني ًا‪ :‬أن قوله تعاىل‪﴿ :‬ت َم ُّسوه َّن﴾‪ :‬حيتمل أن حيمل عىل أصله يف اللغة‬
‫وهو املس‪ ،‬ال الوطء‪ ،‬ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪« :‬واهلل تعاىل قد علق احلكم باسم «الدخول»‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫جورِكم‬ ‫بئ ِ ُبك ُم ٱل ٰ ِت ِف ح‬ ‫﴿و َر َ ٰٓ‬
‫و«اإلفضاء» و«املس» فقال يف الربيبة‪َ :‬‬
‫كونُوا ْ َد َخ ۡل ُتم به َّن فَ َل ُج َن َ‬
‫اح‬
‫َّ َ َّ ۡ َ ُ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ت‬‫ك ُم َّٱلٰت َد َخ ۡل ُ‬
‫ّ َّ ٓ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِن ن ِسائ ِ‬
‫ََ ُ‬
‫عل ۡيك ۡم﴾(((‪.‬‬
‫ودخول الرجل بامرأته‪ ،‬هو خلوته هبا كام خيلو الرجل بامرأته‪ ،‬وهلذا‬
‫ُيقال‪ :‬دخل بامرأته؛ إذا بنى هبا‪ ،‬وإن مل يعرف هل وطئها أم ال؟‪...‬‬
‫ومعلوم أن اهلل مل يرد إال الدخول الذي خيتص النكاح‪ ،‬وإال فالرجل قد‬
‫يدخل عىل النساء األجانب‪ ،‬ويدخلن عليه‪ ،‬فال يتعلق بذلك حكم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ ۡ َ َ َ ُّ ُ‬
‫وكذلك قوله‪﴿ :‬مِن قب ِل أن تمسوهن﴾ ليس يف القرآن ما يوجب‬
‫ُ َ ٰ ُ ُ َّ (((‬
‫ََ‬
‫﴿ول تب ِشوهن﴾‬ ‫ختصيص ذلك بالوطء‪ ،‬بل قد قال تعاىل يف االعتكاف‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫وكان هذا عا ًّما وكذلك قوله يف اإلحرام‪﴿ :‬فل َرفث َول ف ُسوق﴾(((»(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬يؤيد هذا االحتامل أن الذين قالوا بوجوب كامل الصداق هم‬
‫اخللفاء الراشدون املهديون أبو بكر وعمر وعثامن وعيل وغريهم من‬

‫انظر‪ :‬بداية املجتهد ‪.49/3‬‬ ‫(((‬


‫النساء‪.23 :‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.187 :‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.197 :‬‬ ‫(((‬
‫العقود ص‪.245-243‬‬ ‫(((‬

‫‪307‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الصحابة‪ ،‬والقرآن نزل بلغتهم وهم يعرفون تأويله‪ ،‬وكان بام أشكل عليهم‬
‫منه يستعلمون رسول اهلل ‪ ،‬فيعلمهم بمراد اهلل تعاىل به‪ ،‬ويف‬
‫خالفهم جتهيل هلم‪ ،‬واخلروج عن مذاهبهم إىل ما سواها(((‪.‬‬
‫رابع ًا‪« :‬أنا قد وجدنا يف اللغة ما قد أباح لنا أن نسمي من أمكنه املسيس‪،‬‬
‫ومل يامس باسم املسيس؛ كام سمي اب ُن إبراهيم ‪ - ‬إما إسامعيل‪،‬‬
‫وإما إسحاق ‪ -‬ذبيح ًا؛ ال ألنه ُذبح‪ ،‬ولكن ملا أمكن من نفسه‪ ،‬وأمكن أبوه‬
‫ذلك منه؛ بأن تله للجبني‪ ،‬سمي بذلك ذبيح ًا‪ ،‬وإن مل ُيذبح‪ ،‬فمثل ذلك؛ ما‬
‫قد ذكرناه؛ من إمكان هذه املرأة نفسها زوجها من مجاعه حتى مل يكن بينه‬
‫وبني ذلك حائل‪ ،‬وال له منه مانع‪ ،‬جيوز أن يطلق عليه اسم مماس هلا وإن مل‬
‫يكن مماس ًا هلا يف احلقيقة»(((‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬أن بعض الفقهاء القائلني هبذا القول‪ ،‬حيملون املالمسة الواردة‬
‫ٓ‬
‫ّ َ َ (((‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َۡ َ‬
‫يف قوله تعاىل يف آية الوضوء‪﴿ :‬أو لمستم ٱلنِساء﴾ عىل املس ال عىل‬
‫الوطء‪ ،‬بل عىل املس املجرد عن الشهوة‪ ،‬وال حيملون املامسة الواردة يف قوله‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه َّن﴾((( عىل املس‪ ،‬ولو بشهوة‪،‬‬
‫وإنام يوجبون محله عىل الوطء ال غري‪ ،‬وال فرق بني اللمس واملس‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪« :‬ومن ادعى أن لفظ املس يف آية الطهارة‪،‬‬
‫املس هنا النكاح‪ ،‬مع أن املس‬
‫يتناول كل مس‪ ،‬ولو بغري شهوة‪ ،‬وجعل َّ‬
‫انظر‪ :‬رشح مشكل اآلثار ‪ 131/2‬بترصف يسري‪.‬‬ ‫(((‬
‫رشح مشكل اآلثار ‪.131/2‬‬ ‫(((‬
‫املائدة‪.6 :‬‬ ‫(((‬
‫البقرة‪.237 :‬‬ ‫(((‬

‫‪308‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫واللمس سواء‪ ،‬فقد فرق بني املتامثلني‪ ،‬بل املس واللمس العاري عن شهوة‬
‫حكم أصالً‪ ،‬وأما املس بشهوة ولذة‪ ،‬فهذا حمظور يف‬
‫ولذة‪ ،‬مل يعلق به الشارع ً‬
‫حكم باالتفاق»(((‪.‬‬
‫اإلحرام واالعتكاف‪ ،‬فقد علق الشارع به ً‬
‫سادس ًا‪ :‬أن قول املاوردي ‪« :‬أن املسيس ال يتعلق به عىل املذهبني‬
‫كامل املهر‪ ،»...‬والذي يوحي أن ال قائل بأن جمرد املسيس يستقر به الصداق‪،‬‬
‫غري ُمس َّلم‪ ،‬بل قال به بعض املتقدمني كام تقدم‪.‬‬
‫ُ‬
‫سابع ًا‪ :‬أن اآلية إن ُسلم بأهنا تدل عىل «أن الزوجة املخلو هبا وغري‬
‫املدخول هبا‪ ،‬ال تستحق كامل الصداق‪ ،‬وإنام تستحق نصفه»‪ ،‬فإن غاية‬
‫صف عن‬ ‫داللتها عىل ذلك إنام هو بداللة الظاهر‪ ،‬ال بداللة النص‪ ،‬وقد َ َ‬
‫هذا الظاهر األدل ُة األخرى من النص‪ ،‬وآثار الصحابة‪ ،‬والقياس‪ ،‬والتي‬
‫تدل عىل أن املخلو هبا دون وطء تستحق كامل الصداق‪.‬‬
‫َ َّ ۡ ُ ُ ّ َ ٓ َ َ َ ۡ َ َ ُّ ُ‬
‫وهنَّ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َ ۡ ُ‬
‫‪2.‬قوله تعاىل‪﴿ :‬ل جناح عليكم إِن طلقتم ٱلنِساء ما لم تمس‬
‫ََ ُُ َ ََ‬
‫ع ٱل ۡ ُم ۡق ِت قَ َد ُرهۥُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ْ َ ُ َّ َ َ ٗ َ َ ّ ُ ُ َّ َ َ ۡ‬
‫ِ‬ ‫أو تف ِرضوا لهن ف ِريضة ۚ ومتِعوهن ع ٱلموسِعِ قدرهۥ و‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ًّ َ َ ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫َ‬
‫سنِني‪. ﴾236‬‬
‫(((‬ ‫ُ‬
‫وفۖ حقا ع ٱلمح ِ‬ ‫َمتٰ َعۢا بِٱل َمع ُر ِ‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعاىل أوجب هلن املتعة يف الطالق يف نكاح ال تسمية‬
‫فيه مطلق ًا‪ ،‬من غري فصل بني حال وجود اخللوة وعدمها(((‪.‬‬
‫ويناقش بام نوقش به سابقه‪.‬‬

‫((( العقود ص‪.245-243‬‬


‫((( البقرة‪.236 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع‪.291/2‬‬

‫‪309‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َ ُّ‬


‫َز ۡو ٖج َو َءات ۡي ُت ۡم‬ ‫ٱست ِ ۡب َدال َز ۡو ٖج َّمكن‬ ‫دت ُم ۡ‬ ‫‪3.‬قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون أر‬
‫ينا‪20‬‬ ‫ِإَوثۡ ٗما ُّمب ٗ‬ ‫ارا فَ َل تَأۡ ُخ ُذوا ْ م ِۡن ُه َش ۡيً ٔا أتَأ ُخ ُذونَ ُهۥ ُب ۡه َتٰناٗ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫إ ۡح َدى ٰ ُه َّن ق َ‬
‫ِنط ٗ‬
‫ِ‬ ‫ۚ‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ ًَٰ‬ ‫َ َ َ َۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِنكم مِيثقا‬ ‫ض َب ۡعضك ۡم إ ِ ٰل َب ۡع ٖض وأخذن‬
‫ُ ُ‬ ‫َوك ۡيف تَأ ُخذونَ ُهۥ َوق ۡد أف َ ٰ‬
‫َ ٗ‬
‫غل ِيظا‪.(((﴾21‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن اإلفضاء هو اجلامع‪ ،‬وقد هنى اهلل سبحانه الزوج عن‬
‫أخذ يشء مما دفعه من الصداق عند الطالق‪ ،‬وأبان أن علة النهي عن أخذ‬
‫يشء منه هي وجود اجلامع‪ ،‬فدل ذلك عىل أن اجلامع هو الذي يتقرر به مجيع‬
‫الصداق ال ما دونه‪.‬‬
‫ونوقش بام ييل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن املراد باإلفضاء هو اخللوة‪ ،‬ال اإلمجاع‪ ،‬كام تقدم‪.‬‬
‫ثاني ًا‪« :‬ولو سلم أن ذلك كناية عن الوطء‪ ،‬فإن املراد ‪-‬واهلل أعلم‪-‬‬
‫التشنيع واملبالغة يف االنتهاء عن األخذ يف مثل هذه احلال‪ ،‬أي كيف تأخذونه‬
‫وقد حصل مباضعتكم ألزواجكم‪ ،‬ومثل ذلك ُيتعجب منه‪ ،‬وينكره أهل‬
‫املروءات»(((‪.‬‬
‫‪4.‬وعن ابن عباس ريض اهلل تعاىل عنهام أنه قال يف الرجل يتزوج املرأة‪،‬‬
‫فيخلو هبا‪ ،‬وال يمسها‪ ،‬ثم يطلقها‪« :‬ليس هلا إال نصف الصداق؛ ألن اهلل‬

‫((( النساء‪.21-20 :‬‬


‫((( رشح الزركيش ‪.316/5‬‬

‫‪310‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫َ ۡ َ َ َ ُّ ُ‬
‫وه َّن َوقَ ۡد فَ َر ۡض ُت ۡم ل َ ُهنَّ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫‪ ‬يقول‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن قب ِل أن تمس‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ ٗ َ ُ‬
‫ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾»(((‪.‬‬
‫ونوقش‪ :‬بأن األثر ضعيف‪.‬‬
‫‪5.‬وعن عبد اهلل بن مسعود قال‪« :‬هلا نصف الصداق‪ ،‬وإن جلس بني‬
‫رجليها»(((‪.‬‬
‫ونوقش‪ :‬بأن األثر ضعيف‪.‬‬
‫‪6.‬وألنه طالق قبل اإلصابة‪ ،‬فوجب أن ال يكمل به املهر‪ ،‬كالطالق‬
‫قبل اخللوة(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأنه دل الدليل عىل الفرق بني الطالق بعد اخللوة‪ ،‬والطالق‬
‫قبلها‪ ،‬فال وجه للقياس‪.‬‬

‫((( أخرجه الشافعي يف األم ‪ 230/5‬قال‪ :‬أخربنا مسلم عن ابن جريج عن ليث عن‬
‫طاوس عن ابن عباس ريض اهلل تعاىل عنهام به‪ .‬وضعف اإلمام أمحد األثر‪ .‬قال شمس‬
‫الدين ابن قدامة يف (الرشح الكبري ‪« :)251/21‬وما رووه عن ابن عباس ال يصح‪.‬‬
‫قال أمحد‪ :‬يرويه ليث‪ ،‬وليس بالقوي‪ ،‬وقد رواه حنظلة خالف ما رواه ليث‪ ،‬وحنظلة‬
‫أقوى من ليث»‪ ،‬وقال البيهقي يف (معرفة السنن ‪« :)245/10‬وليث بن أيب سليم‬
‫راوي حديث ابن عباس غري حمتج به»‪ ،‬وقال ابن امللقن يف (البدر املنرب ‪:)688/7‬‬
‫«ضعيف منقطع»‪ ،‬وقال ابن حجر يف (التلخيص احلبري ‪« :)218/3‬يف إسناده ضعف»‪.‬‬
‫((( أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب الصداق‪ ،‬باب من قال‪ :‬من أغلق باب ًا أو‬
‫أرخى سرت ًا فقد وجب الصداق وما روي يف معناه ‪ ،)14478( 416/7‬وقال‪« :‬فيه‬
‫انقطاع بني الشعبي وبني ابن مسعود»‪ ،‬وكذا قال ابن امللقن يف (البدر املنري ‪،)688/7‬‬
‫وابن حجر يف (التلخيص احلبري ‪.)217/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪.175/12‬‬

‫‪311‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪7.‬وألهنا خلوة خلت عن اإلصابة‪ ،‬فوجب أن ال يكمل هبا املهر؛‬


‫كاخللوة إذا كانا حمرمني أو صائمني رمضان(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن اخللوة إذا كانا حمرمني أو صائمني رمضان هي خلوة خالية‬
‫من متكني الزوجة من االستمتاع‪ ،‬وال بد مع اخللوة من التمكني منه؛ ألن‬
‫النكاح‪.‬‬
‫َ‬ ‫ذلك هو الذي خيتص‬
‫القول الثالث‪ :‬أن اخللوة بمجردها ال تقرر الصداق‪ ،‬ولكن إذا اختىل الزوج‬
‫بزوجته خلوة اهتداء(((‪ ،‬ثم طلقها‪ ،‬وادعت الوطء‪ ،‬وأنكره‪ ،‬فالقول قوهلا‪،‬‬
‫وجيب هلا الصداق‪ ،‬وال جيب إال بدعواها‪ ،‬وإن كانت خلوة زيارة(((‪ ،‬فالقول‬
‫قول الزائر عىل املشهور(((‪ ،‬وإن اتفقا عىل عدم الوطء‪ ،‬وجب نصف الصداق(((‪،‬‬

‫انظر‪ :‬احلاوي‪175/12‬بترصف‪.‬‬ ‫(((‬


‫خلوة االهتداء‪ :‬من اهلدوء والسكون؛ ألن كل واحد من الزوجني سكن لآلخر واطمأن‬ ‫(((‬
‫إليه وخلوة االهتداء هي املعروفة عندهم بإرخاء الستور كان هناك إرخاء ستور أو غلق‬
‫باب أو غريه‪ .‬انظر‪ :‬منح اجلليل ‪ ،433/3‬حاشية الدسوقي ‪ .236/8‬ويف رشح مياره‪:‬‬
‫«والتخلية بني الزوج وزوجته هو مراد علامئنا بإرخاء الستور‪ ،‬وليس املراد إرخاء سرت‬
‫وال إغالق باب»‪.‬‬
‫الز ْوجني لآلخر»‪ .‬الرشح الكبري للدرير ‪.300/2‬‬ ‫ِ‬ ‫الزيارة‪َ :‬أ ْي ِ‬
‫«زيار ُة َأحد َّ‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪ ،175/5‬منح اجلليل ‪،433/3‬‬ ‫(((‬
‫رشح ميارة ‪ .241-240/1‬ومعنى ذلك‪ :‬أنه «إن زار أحدمها اآلخر وتنازعا يف الوطء‬
‫صدق الزائر منهام بيمني؛ فإن زارته صدقت أنه وطئها‪ ،‬وال عربة بإنكاره؛ وإن زارها‬
‫صدق يف نفيه‪ ،‬وال عربة بدعواها الوطء؛ ‪ ،...‬فليس املراد أن الزائر يصدق مطلق ًا يف‬
‫النفي واإلثبات؛ فإن كانا مع ًا زائرين صدق يف نفيه‪ »...‬الرشح الكبري للدرير ‪.301/2‬‬
‫انظر‪ :‬املدونة ‪ ،230/2‬التاج واإلكليل ‪.186-175/5‬‬ ‫(((‬

‫‪312‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫إال أن يطول املقام فيتقرر كامل الصداق(((‪ ،‬حتى وإن اتفقا عىل عدم الوطء(((‪.‬‬
‫بعض الشافعية َ‬
‫أصل القول عن الشافعي(((‪.‬‬ ‫وقال به‪ :‬املالكية‪ ،‬وحكى ُ‬
‫واستدلوا بام ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن اخللوة يف دعوى اإلصابة‪ ،‬جتري جمرى اللوث يف القسامة‪ ،‬وذلك‬
‫موجب لتصديق املدعي‪ ،‬فكذلك اخللوة(((‪.‬‬
‫‪2.‬وألنه قد خال هبا‪ ،‬وأمكن منها‪ ،‬وخيل بينه وبينها‪ ،‬فيكون القول يف‬
‫اجلامع قوهلا(((‪.‬‬
‫‪3.‬وألن احلامل عىل الوطء يف «خلوة االهتداء» إذ خيل بني الزوج‬
‫أمر جبيل؛ ألن العادة أن الرجل إذا خال بامرأته أول خلوة‪ ،‬مع‬ ‫وزوجته ٌ‬
‫احلرص عليها‪ ،‬والتشوف إليها‪َّ ،‬‬
‫قل ما يفارقها قبل الوصول إليها‪ ،‬فإرخاء‬
‫السرت قائم للزوجة يف دعوى املسيس مقام الشاهد‪ ،‬فتحلف معه‪ ،‬وتستحق‬
‫الصداق كام ً‬
‫ال(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬االستذكار ‪ ،130/16‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪،175/5‬‬ ‫(((‬
‫رشح خمترص خليل للخريش ‪.260/3‬‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪ ،175/5‬منح اجلليل ‪،433/3‬‬ ‫(((‬
‫البيان والتحصيل ‪ .116/5‬وقيده كثري منهم بمدة سنة فأكثر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي ‪173/12‬؛ حيث قال‪« :‬واملذهب الثالث‪ :‬أن اخللوة يد ملدعي اإلصابة‬ ‫(((‬
‫منهام يف كامل املهر أو وجوب العدة‪ ،‬فإن مل يدعياها‪ ،‬مل يكمل باخللوة مهر‪ ،‬وال جيب هبا‬
‫عدة‪ .‬وهذا مذهب مالك‪ ،‬وبه قال الشافعي يف اإلمالء»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬احلاوي‪.177/12‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املدونة ‪.230/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬رشح مياره ‪.240/1‬‬ ‫(((‬

‫‪313‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الناس وال يعلنونه‪ ،‬فتعذرت إقامة البينة‬ ‫َسه‬‫ِ‬


‫ُ‬ ‫‪4.‬وألن اإلصابة مما َيست ُّ‬
‫عليها‪ ،‬فجاز أن يعمل فيها عىل ظاهر اخللوة الدالة عليها يف قبول قول‬
‫مدعيها(((‪.‬‬
‫‪5.‬واستدلوا عىل أن القول يف «خلوة الزيارة» قول «الزائر منهام» يف شأن‬
‫الوطء إثبات ًا أو نفي ًا‪ ،‬وأهنا إن زارته‪ ،‬صدقت يف وطئه‪ ،‬وال عربة بإنكاره‪،‬‬
‫وأنه إن زارها‪ ،‬صدق يف نفيه‪ ،‬وال عربة بدعواها الوطء‪ ،‬بأن العرف نشاطه‬
‫وجرأته عىل الوطء يف بيته‪ ،‬دون بيتها(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن املقرر للصداق يف اخللوة هو استباحة ما ال يستباح إال‬
‫بالنكاح من املرأة؛ وقد وقع باخللوة بمجردها‪ ،‬فيتقرر هبا الصداق‪ ،‬سواء‬
‫دل دليل عىل الوطء أو ال‪.‬‬
‫‪6.‬ويمكن االستدالل هلم عىل أن اخللوة بمجردها ال تقرر الصداق‪:‬‬
‫بأن آثار الصحابة إذا ُحلت عىل أن اخللوة بمجردها تقرر مجيع الصداق‬
‫َ ۡ َ َ َ ُّ ُ‬
‫وه َّن َوقَدۡ‬ ‫َّ ۡ ُ‬
‫فستكون خمالف ًة لظاهر آية ﴿ِإَون َطلق ُت ُموه َّن مِن قب ِل أن تمس‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ َ ٗ َ ُ‬ ‫َ ۡ‬
‫ف َرض ُت ۡم ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾‪ ،‬ولذلك جيب محلها عىل ما إذا‬
‫حصلت اخللوة‪ ،‬وادعت املرأة الوطء‪ ،‬وأنكره الزوج‪ ،‬فيكون القول قوهلا‪،‬‬
‫ال عىل أن اخللوة بمجردها تقرر الصداق‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأنه تقدم التسليم باحتامل أثر زيد ‪ ‬هلذا املعنى‪ ،‬وتقدم‬
‫عدم التسليم بحمل باقي آثار الصحابة ‪ ‬عليه‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪.177/12‬‬
‫((( انظر‪ :‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬رشح خمترص خليل للخريش ‪.260/3‬‬

‫‪314‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وأيض ًا‪ :‬تقدم أن اآلية ال تدل عىل أن استقرار الصداق إنام يكون بالوطء‬
‫دون ما عداه‪ ،‬وإن ُس ِّلم بأهنا تدل عىل أن الزوجة املخلو هبا ال تستحق‬
‫كامل الصداق‪ ،‬فإن غاية داللتها عىل ذلك إنام هو بداللة الظاهر‪ ،‬ال بداللة‬
‫صف عن هذا الظاهر األدل ُة األخرى من النص وآثار الصحابة‬ ‫النص‪ ،‬وقد َ َ‬
‫والقياس‪ ،‬والتي تدل عىل أن املخلو هبا دون وطء تستحق كامل الصداق‪.‬‬
‫‪7.‬واستدلوا عىل أنه إذا طال املقام يتقرر كامل الصداق‪ :‬بأن اللذة قد‬
‫حصلت ودامت(((‪.‬‬
‫‪8.‬وألن اإلقامة الطويلة تقوم مقام الوطء(((‪.‬‬
‫ونوقشا‪ :‬بأن اخللوة إن أوجبت كامل املهر استوى حكم طويلها‬
‫وقصريها‪ ،‬واستوى كوهنا يف بيته أو بيتها؛ كاإلصابة‪ ،‬وإن مل توجب كامل‬
‫املهر‪ ،‬كانت يف مجيع أحواهلا كذلك‪ ،‬وقد تكون اإلصابة يف قليل اخللوة وال‬
‫تكون يف كبريها‪ ،‬وقد تكون اإلصابة يف خلوة بيتها‪ ،‬وال تكون يف خلوة‬
‫بيته(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬التاج واإلكليل ‪186-175/5‬‬


‫((( انظر‪ :‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬رشح خمترص خليل للخريش ‪.260/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪.178/12‬‬

‫‪315‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫القول الرابع‪ :‬أن اخللوة بمجردها تقرر الصداق‪ ،‬لكن إذا اتفق الزوجان عىل‬
‫عدم الوطء مل جيب إال نصفه‪:‬‬
‫وقال به‪ :‬أمحد يف رواية(((‪ ،‬وابن شربمة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بأن اخللوة إنام قررت الصداق؛ ألهنا مظنة الوطء املقرر‬
‫للصداق‪ ،‬فقامت مقامه يف التقرير؛ ألن حقيقة الوطء ال ُيطلع عليه غالب ًا‪،‬‬
‫فعلق احلكم عىل مظنته‪ ،‬فإذا تصادق الزوجان عىل انتفاء احلقيقة التي هي‬
‫الوطء‪ ،‬مل ُيق َبل ذلك يف إسقاط العدة؛ ألن فيها حق ًا هلل تعاىل‪ ،‬و ُقبِل يف سقوط‬
‫نصف املهر؛ ألنه حق حمض للزوجة‪ ،‬وقد أقرت بسقوطه(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن املقرر للصداق يف اخللوة هو استباحة ما ال يستباح إال‬
‫بالنكاح من املرأة؛ وقد وقع باخللوة بمجردها‪ ،‬فيتقرر هبا الصداق‪ ،‬سواء‬
‫ُتقق من عدم الوطء أو ال‪.‬‬
‫والراجح يف هذه املسألة‪ :‬هو القول األول؛ وذلك لقوة أدلته من املنقول‬
‫واملعقول‪ ،‬وملناقشة أدلة األقوال األخرى‪ ،‬وملا تقدم ِمن أن الزوج إذا نال‬

‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،250/7‬الرشح الكبري البن قدامة ‪ ،250/21‬القواعد البن رجب‬
‫‪ .392/1‬وأيد هذا القول ابن عثيمني ‪‬؛ قال يف (الرشح املمتع ‪:)292/12‬‬
‫«وقال بعض أهل العلم‪ :‬إذا اتفق الزوجان عىل عدم حصول اجلامع‪ ،‬فإن اخللوة ال‬
‫اشرتطنا‬
‫توجب املهر؛ ألن األصل يف أن اخللوة أوجبت املهر أهنا مظنة الوطء‪ ،‬وهلذا َ ۡ َ‬
‫أن ال يكون عندمها مميز‪ ،‬وهذا القول هو ظاهر القرآن‪ ،...‬فظاهر قوله‪﴿ :‬مِن قب ِل أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َم ُّسوه َّن﴾ أنه لو خال هبا بدون مس فال يشء هلا»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬االستذكار ‪.436/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد البن رجب ‪.392/1‬‬

‫‪316‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫والزوج هبذه اخللوة قد‬


‫ُ‬ ‫من زوجته ما ال حيل إال للزوج استقر الصداق‪،‬‬
‫نال من زوجته ما ال حيل إال للزوج‪ ،‬فيستقر بذلك الصداق‪ ،‬وألن وجوب‬
‫الصداق ال يقف عىل استيفاء مجيع مقاصد عقد النكاح‪ ،‬بل عىل استيفاء‬
‫جنس مقاصده‪ ،‬وهنا قد حصل يشء من مقاصده‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪« :‬وحينئذ فاستمتاعه منها بام دون الفرج‪ ،‬هو‬
‫استيفاء جلنس املقصود بالنكاح‪ ،‬فإن كان املعترب هو مجيع املستباح‪ ،‬فال سبيل‬
‫إليه‪ ،‬وإن كان جنس املستباح بالعقد‪ ،‬فهذا حيصل بالوطء يف الفرج‪ ،‬ودون‬
‫الفرج‪ ،‬وباملبارشة يف غري الفرج‪ ،‬وباخللوة املختصة بالنكاح»(((‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫سبب اخلالف‪:‬‬
‫قال ابن رشد ‪« :‬وسبب اختالفهم يف ذلك معارضة حكم الصحابة‬
‫املنكوحة أنه‬ ‫يف ذلك لظاهر الكتاب‪ ،‬وذلك أنه نص ‪ ‬يف املدخول هبا‬
‫َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ َُ‬
‫ليس َجيوز أن يؤخذ من صداقها يشء يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وكيف تأخذونهۥ‬
‫قبل املسيس أن هلا‬ ‫املطلقة‬ ‫يف‬ ‫ونص‬ ‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫ض‬ ‫ك ۡم إ َ ٰل َب ۡ‬
‫ع‬
‫ََۡ ۡ َ ٰ َۡ ُ ُ‬
‫وقد أفض بعض‬
‫َ‬
‫(((‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫َّ‬
‫نصف الصداق‪ ،‬فقال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطلق ُت ُموه َّن مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه َّن َوق ۡد‬
‫َ ۡ‬ ‫َ ۡ َ َ َ ٗ َ ُ‬
‫ف َرض ُت ۡم ل ُه َّن ف ِريضة فن ِۡصف َما ف َرض ُت ۡم﴾‪ .‬وهذا نص كام ترى يف حكم كل‬
‫واحدة من هاتني احلالتني‪ ،‬أعني‪ :‬قبل املسيس‪ ،‬وبعد املسيس‪ .‬وال وسط‬
‫بينهام‪ ،‬فوجب هبذا إجياب ًا ظاهر ًا أن الصداق ال جيب إال باملسيس‪.‬‬
‫واملسيس ها هنا الظاهر من أمره أنه اجلامع‪ ،‬وقد حيتمل أن حيمل عىل‬
‫أصله يف اللغة وهو املس‪ ،‬ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة‪ ،‬ولذلك‬
‫((( العقود ص‪.245‬‬
‫((( النساء‪.21 :‬‬

‫‪317‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫قال مالك يف العنني املؤجل‪ :‬إنه قد وجب هلا الصداق عليه إذا وقع الطالق‬
‫لطول مقامه معها‪ ،‬فجعل له دون اجلامع تأثري ًا يف إجياب الصداق»(((‪.‬‬
‫وقال البيهقي ‪« :‬وكان الشافعي يف القديم يقول بقول عمر ويقول‪:‬‬
‫عمر أعلم بكتاب اهلل‪ ،‬وقد جيوز أن يكون إنام أراد اهلل بالتي طلقت قبل املس‬
‫التي مل خيل هبا وختيل بينه وبني نفسها‪ ،‬ثم قال يف القديم‪ :‬ولو خالفنا يف‬
‫هذا خمالف كان قوله مذهب ًا‪ ،‬ثم رجع يف اجلديد إىل أنه إنام جيب املهر كام ً‬
‫ال‬
‫باملسيس دون اإلغالق‪ ،‬والقول يف املسيس قول الزوج مع يمينه‪ ،‬واعتمد يف‬
‫ذلك عىل ظاهر الكتاب»(((‪.‬‬

‫((( بداية املجتهد ‪.49/3‬‬


‫((( معرفة السنن واآلثار‪.244/10‬‬

‫‪318‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫المبحث الثاني‬
‫أثر الخلوة بالزوجة مع ما يمنع الوطء دون دواعيه‬
‫في استقرار الصداق‬
‫تقدم بيان موانع الوطء‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وأمثلتها‪ ،‬وأهنا عىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫موانع حسية؛ كالرتق ونحوه‪ ،‬وموانع رشعية؛ كاإلحرام ونحوه‪ ،‬وموانع‬
‫طبعية؛ كاحليض والنفاس‪.‬‬
‫وتقدم بيان اخلالف يف أثر اخللوة بالزوجة مع عدم مانع من موانع الوطء‬
‫ودواعيه‪ ،‬وأن الراجح أن اخللوة بمجردها مقررة لكامل الصداق‪.‬‬
‫ثم إن موانع الوطء منها ما يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع دواعي الوطء؛‬
‫كالتقبيل‪ ،‬واللمس‪ ،‬واملبارشة‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ومنها ما يمنع الوطء ودواعيه؛‬
‫كاإلحرام ونحوه‪.‬‬
‫وهذا املبحث يف أثر اخللوة بالزوجة يف استقرار الصداق مع وجود مان ٍع‬
‫يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع دواع َيه‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك من املوانع احلسية‪:‬‬
‫‪ِ 1.‬صغر أحد الزوجني أو كليهام‪.‬‬
‫‪ِ 2.‬قرص مدة اخللوة؛ وذلك بأن تقرص مدهتا فال تتسع للوطء‪ ،‬وتتسع ملا‬
‫دونه؛ كالتقبيل مثالً‪.‬‬
‫‪3.‬كون أحد الزوجني مريض ًا مرض ًا يمنع اجلامع‪ ،‬أو يلحقه به رضر(((‪.‬‬
‫‪4.‬كون الرجل عنين ًا أو خصي ًا أو جمبوب ًا‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الدر املختار ‪ ،114/3‬حاشية ابن عابدين ‪.114/3‬‬

‫‪319‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪5.‬كون املرأة رتقاء‪ ،‬أو قرناء‪.‬‬


‫‪6.‬أن متنع املرأة الرجل من الوطء‪ ،‬وال متنعه من دواعيه‪.‬‬
‫ومن أمثلته من املوانع الرشعية‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون أحد الزوجني يف صالة(((‪.‬‬
‫‪2.‬أن تكون اخللوة يف املسجد‪.‬‬
‫ومن أمثلته من املوانع الطبعية‪:‬‬
‫‪1.‬خوف عدو أو حيوان أو نحومها(((‪.‬‬
‫‪2.‬أن تكون املرأة حائض ًا أو نفساء‪.‬‬
‫فإذا خال الزوج بزوجته مع وجود مان ٍع يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع دواعيه‪،‬‬
‫فهل هذه اخللوة مؤثرة يف استقرار كامل الصداق؟‬
‫مل أجد بعد البحث تفريق ًا رصحي ًا من العلامء بني املانع الذي يمنع الوطء‪،‬‬
‫وال يمنع دواعيه‪ ،‬واملانع الذي يمنع الوطء ودواعيه‪ ،‬إال عند بعض العلامء‬
‫يف املذهب احلنبيل يف توجيه روايات اإلمام أمحد ‪ ،‬والغالب عىل كالم‬
‫العلامء اإلطالق عند الكالم عن موانع الوطء‪ ،‬دون النظر يف كون املانع‬
‫يمنع دواعي الوطء أيض ًا أو ال‪.‬‬
‫لكن من خالل هذا اإلطالق يمكن أن نحمل كالمهم عىل عدم التفريق‪،‬‬
‫وأن ما يمنع من الوطء‪ ،‬حكمه واحد‪ ،‬سواء منع من دواعي الوطء أو ال‪،‬‬
‫السيام إذا أيد ذلك األمثل ُة التي يمثلون هبا عىل موانع الوطء‪ ،‬فكثري منها‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪114/3‬‬


‫((( انظر‪ :‬الفتاوى اهلندية ‪.305/1‬‬

‫‪320‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫بل أكثرها‪ ،‬ال متنع دواعي الوطء؛ كالرتق ونحوه‪ ،‬ومع ذلك جعلوا هلذا‬
‫املانع تأثري ًا‪.‬‬
‫وقد اختلف العلامء ‪-‬القائلون باستقرار الصداق باخللوة بالزوجة مع‬
‫عدم ما يمنع الوطء وعدم ما يمنع دواعيه‪ -‬يف استقرار الصداق باخللوة‬
‫بالزوجة‪ ،‬مع وجود مان ٍع يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع دواع َيه؛ كالصغر‪ ،‬والعنة‪،‬‬
‫والرتق‪ ،‬واحليض‪ ،‬ونحوها‪ ،‬عىل أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن اخللوة غري مقررة لكامل الصداق مع ما يمنع الوطء‪ ،‬وإن‬
‫مل يمنع دواع َيه‪:‬‬
‫وهو املعتمد يف مجيع املذاهب الفقهية األربعة يف مانع الصغر(((‪.‬‬
‫وقال به يف اجلملة يف باقي املوانع‪ :‬احلنفية(((‪.......................... ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق ‪ ،162/3‬تبيني احلقائق ‪ ،142/2‬جممع الضامنات ‪،346/1‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪ ،115/3‬حاشية الصاوي (دار املعارف) ‪ ،437/2‬مواهب اجلليل‬
‫‪ ،506/3‬املغني ‪ ،251/7‬اإلنصاف ‪ ،227/21‬كشاف القناع ‪ ،150/5‬مطالب أويل‬
‫النهى ‪.205/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،149/5‬تبيني احلقائق ‪ .144-143/2‬واستثنى احلنفية خلوة العنني أو‬
‫اخليص‪ ،‬وقالوا؛ ألهنام ال يمنعان من الوطء‪ ،‬واختلفوا يف املجبوب‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬خلوته‬
‫مقررة؛ ألنه يتصور منه السحق واإليالد‪ ،‬وألنه لو ولدت امرأته حلقه نسبه باإلمجاع‪،‬‬
‫وثبت هلا كامل الصداق‪ ،‬وقال أبو يوسف وحممد‪ :‬خلوته غري مقررة؛ ألن اجلب يمنع‬
‫الوطء؛ فيمنع صحة اخللوة؛ كالقرن والرتق‪ .‬انظر‪ :‬بدائع الصنائع ‪ ،292/2‬رشح فتح‬
‫القدير ‪ ،332/3‬حاشية ابن عابدين ‪ .114/3‬واختلفوا يف صوم غري رمضان؛ كصوم‬
‫التطوع‪ ،‬وقضاء رمضان‪ ،‬والكفارات عىل روايتني؛ أصحهام أنه ال يعد مانع ًا معترب ًا؛ ألنه‬
‫غري قوي يف املنع من الوطء؛ حيث إنه وإن وجب فيه القضاء‪ ،‬فإنه ال جيب فيه الكفارة‪،‬‬
‫بخالف صوم رمضان‪ .‬انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،150/5‬بدائع الصنائع ‪ .293/2‬واختلفوا‬
‫كذلك يف صالة النفل‪ .‬انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪.116/3‬‬

‫‪321‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪ .....‬وبعض املالكية(((‪ ،‬والشافعية يف القديم(((‪ ،‬واحلنابلة يف رواية(((‪.‬‬

‫ِ‬
‫ص ُمدة اخللوة عن الوطء‬ ‫((( انظر‪ :‬الفروق ‪ .161-160/1‬ورصح بعض املالكية بِ َعدِّ ق َ‬
‫مانع ًا معترب ًا يف باب العدة‪ ،‬فال تلزم العدة باخللوة التي تقرص عن الوطء‪ ،‬ف ُي َخ َّرج عليه‬
‫كونه مانع ًا معترب ًا أيض ًا يف باب الصداق‪ ،‬فال يستقر الصداق به‪ ،‬ومل أجده لغريهم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫حاشية الدسوقي ‪ ،468/2‬بلغة السالك والرشح الصغري ‪ 497/1‬حيث مثال للخلوة‬
‫غري املؤثرة يف باب العدة بـ «خلوة حلظة تقرص عن زمن الوطء»‪ .‬وإذا مل تؤثر اخللو ُة‬
‫القصرية يف لزوم العدة عند املالكية‪ ،‬فمن باب أوىل أن ال تؤثر يف استقرار الصداق؛‬
‫ألن املالكية يوجبون العدة حتى عند اتفاق الزوجني عىل عدم الوطء‪ ،‬بخالف استقرار‬
‫الصداق فال يقولون به عند اتفاقهام عىل عدم الوطء‪ ،‬معللني ذلك؛ بأن العدة حق هلل‪،‬‬
‫أما الصداق فحق للزوجة‪ .‬انظر‪ :‬حاشية الدسوقي ‪ .468/2‬وفرق بعض املالكية بني‬
‫صوم رمضان وصوم التطوع‪ .‬انظر‪ :‬الفروق ‪.161-160/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬معرفة السنن واآلثار ‪ ،244/10‬مغني املحتاج ‪ .225/3‬أما يف اجلديد فقد‬
‫تقدم أهنم ال يرون أن اخللوة مقررة للوطء مع عدم ما يمنع الوطء‪ ،‬فمن باب أوىل مع‬
‫وجوده‪ .‬انظر‪ :‬مغني املحتاج ‪ .225/3‬واختلف الشافعية يف القديم يف املانع الرشعي؛‬
‫كاحليض والصوم عىل وجهني؛ األول‪ :‬أن اخللوة معه غري مقررة‪ .‬والثاين‪ :‬أهنا مقررة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬روضة الطالبني ‪.588/5‬‬
‫وفرق أمحد يف رواية‬ ‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،250/7‬الكايف ‪ ،65/3‬اإلنصاف ‪َّ .227/21‬‬
‫كمل به الصداق‪ ،‬وصوم غري رمضان‪ ،‬فأكمل به الصداق‪.‬‬ ‫بني صوم رمضان‪ ،‬فلم ي ِ‬
‫ُ‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ .251/7‬حيث جاء فيه‪« :‬وعن أمحد‪ ،‬رواية ثالثة‪ :‬إن كانا صائمني صوم‬
‫رمضان‪ ،‬مل يكمل الصداق‪ ،‬وإن كان غريه‪ ،‬كمل‪ .‬قال أبو داود سمعت أمحد وسئل‬
‫عن رجل دخل عىل أهله‪ ،‬ومها صائامن يف غري رمضان فأغلق الباب‪ ،‬وأرخى السرت؟‬
‫قال‪ :‬وجب الصداق‪ .‬قيل ألمحد فشهر رمضان؟ قال‪ :‬شهر رمضان خالف هلذا‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬فكان مسافر ًا يف رمضان‪ .‬قال‪ :‬هذا مفطر يعني وجب الصداق»‪ .‬قال ابن‬
‫قدامة‪« :‬وهذا يدل عىل أنه متى كان املانع متأكد ًا‪ ،‬كاإلحرام وصوم رمضان‪ ،‬مل يكمل‬
‫الصداق»‪ ،‬وكذا أورد ذلك شيخ اإلسالم يف العقود ص‪ ،244‬حيث قال‪« :‬وقال يف‬
‫رواية مهنا يف الرجل خيلو بامرأته وهو صائم تطو ًعا وتكون هي صائمة تطو ًعا ثم‬
‫كامل‪ ،‬وإذا خال هبا يف شهر رمضان ثم طلقها فعليه نصف املهر‪ .‬فقد‬ ‫يطلقها عليه املهر ً‬
‫فرضا عليهام‪ ،‬وبني أن يكون تطو ًعا منهام»‪.‬‬‫فرق أمحد بني أن يكون الصوم ً‬

‫‪322‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫أدلة القول األول‪:‬‬


‫‪1.‬أن اخللوة ُجعلت كالوطء للتمكن من الوطء هبا‪ ،‬ومع املانع ال‬
‫يتمكن‪ ،‬فال تكون خلوة مقررة(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بعدم التسليم بأن اخللوة ُجعلت ِّ‬
‫مقر َرة للصداق للتمكن من‬
‫الوطء هبا‪ ،‬بل؛ ألهنا خلوة تم فيها متكني الزوجة للزوج من االستمتاع‬
‫بالوطء‪ ،‬أو بدواعيه‪ ،‬فاستقر هبا الصداق‪.‬‬
‫‪2.‬وألنه بوجود املانع من الوطء يف أحدمها مل يتمكن الزوج من تس ُّلم‬
‫الزوجة‪ ،‬فلم تستحق كامل الصداق؛ كام لو منعت تسليم نفسها إليه؛ حيققه‬
‫أن املنع من التسليم ال فرق بني كونه من أجنبي‪ ،‬أو من العاقد؛ كاإلجارة(((‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن وجود املانع من الوطء يف الزوجة ال يمنع من وجود متكني‬
‫الزوجة للزوج من االستمتاع بدواعي الوطء‪ ،‬ووجود املانع من الوطء يف‬
‫الزوج‪ ،‬ال يمنع من وجود متكني الزوجة للزوج من االستمتاع بالوطء‪،‬‬
‫وبدواعيه‪ ،‬فاستقر بذلك الصداق يف احلالني؛ ألن ِ‬
‫املقرر له هو «وجود متكني‬
‫الزوجة للزوج من االستمتاع بالوطء أو دواعيه»‪.‬‬
‫‪3.‬وألن الصداق مال‪ ،‬فال حيتاط يف إجيابه(((؛ ألنه ال جيب بالشك‪ ،‬فال‬
‫جيب إذا مل تصح اخللوة(((؛ لوجود ما يمنع الوطء‪.‬‬

‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪.143/2‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬املغني ‪.251/7‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اهلداية رشح بداية املبتدي ‪.152/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬البناية رشح اهلداية ‪.152/5‬‬ ‫(((‬

‫‪323‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ويناقش‪ :‬بأن استقرار الصداق هنا إنام هو بالدليل ِ‬


‫املوجب له‪ ،‬ال بالشك‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن اخللوة مقررة لكامل الصداق مع ما يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع‬
‫دواعيه‪:‬‬
‫وقال به‪ :‬احلنابلة‪ ،‬وهو املذهب(((‪ ،‬وهو من مفرداته(((‪ ،‬وهو مقتىض‬
‫الروايات املقررة للصداق بكل حال؛ بدون التفريق بني ما يمنع الوطء‬
‫ودواعيه؛ كاإلحرام‪ ،‬وما يمنع الوطء دون دواعيه؛ كاحليض(((‪.‬‬
‫واستثنوا ما إن خال هبا وهي صغرية ال يمكن وطؤها‪ ،‬أو كانت كبرية‬
‫فمنعته نفسها‪ ،‬أو كان أعمى فلم يعلم بدخوهلا عليه(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كشاف القناع ‪.152/5‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬اإلنصاف ‪.227/21‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ 251/7‬حيث قال ابن قدامة‪« :‬اختلفت الرواية عن أمحد فيام إذا خال هبا‪،‬‬ ‫(((‬
‫وهبام أو بأحدمها مانع من الوطء‪ ،‬كاإلحرام‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحليض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬أو مانع‬
‫حقيقي‪ ،‬كاجلب والعنة‪ ،‬أو الرتق يف املرأة‪ ،‬فعنه‪ :‬أن الصداق يستقر بكل حال» حيث‬
‫أطلق اب ُن قدامة بناء عىل هذه الرواية استقرار الصداق بكل حال‪ ،‬أي سواء كان املانع‬
‫يمنع الوطء دون دواعيه؛ كاحليض‪ ،‬والعنة‪ ،‬والرتق‪ ،‬أو كان يمنع الوطء ودواعيه؛‬
‫كاإلحرام‪ .‬وانظر‪ :‬العقود ص‪145‬حيث أورد شيخ اإلسالم عدة نقول عن اإلمام‬
‫أيضا يف رواية‬‫أمحد‪ ،‬تفيد هذا اإلطالق وعدم التفريق‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‪« :‬وقد قال ً‬
‫صائم يف شهر‬‫ً‬ ‫حائضا أو كان حمر ًما أو‬
‫ً‬ ‫رتا وكانت امرأته‬
‫مهنا إذا أغلق با ًبا وأرخى س ً‬
‫رمضان عليه الصداق وإن جاءت بولد فهو له»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ ،251/7‬الكايف ‪ ،65/3‬العقود ص ‪ ،242‬اإلنصاف ‪ ،227/21‬كشاف‬ ‫(((‬
‫القناع ‪ ،151/5‬مطالب أويل النهى ‪ .205/5‬وقد أورد شيخ اإلسالم يف العقود‬
‫ص‪ 242‬عدة نقول عن اإلمام أمحد يف هذه املسائل‪ ،‬فقال‪« :‬وقد نص عىل أنه إذا مل‬
‫أيضا يف جمبوب‬ ‫يعلم هبا يف اخللوة أو قالت ال أرىض به أنه ال يستقر‪ ،...‬ونقل عنه مهنا ً‬
‫تزوج امرأة فلام دخلت عليه نظرت إليه فإذا هو جمبوب فقالت ال أرىض هلا ذلك =‬

‫‪324‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وهو أيض ًا مقتىض الروايات املقررة للصداق يف اجلب ونحوه من املوانع‬


‫التي متنع الوطء فقط دون دواعيه(((‪.‬‬
‫ويرى بعض احلنابلة أن اخللوة مقررة لكامل الصداق مع ما يمنع‬
‫الوطء‪ ،‬وال يمنع دواعيه رواية واحدة‪ ،‬وأن الرواية األوىل النافية لتقرير‬
‫كامل الصداق حملها يف اخللوة مع ما يمنع الوطء‪ ،‬ويمنع دواعيه(((‪ ،‬ووجهها‬
‫بعضهم توجيهات أخرى‪ ،‬وأطلق بعضهم الروايتني يف اخللوة مع ما يمنع‬
‫الوطء‪ ،‬وال يمنع دواعيه(((‪.‬‬

‫= وعليه نصف الصداق إذا مل ترض به»‪ .‬قال شيخ اإلسالم معلالً‪« :‬فإهنا إذا مل ترض‬
‫به مل يكن قد حصل يشء من خصائص النكاح»‪ .‬وقال‪« :‬قال يف رواية ابن هانئ يف‬
‫املكفوف يتزوج املرأة فجيء باملرأة فأدخلت عليه وأرخى السرت وأغلق الباب إذا كان‬
‫ال يعلم بدخوهلا عليه فلها نصف الصداق‪ .‬وقال يف رواية مهنا يف أعمى خال بامرأته‬
‫عيل وأنا ال أعلم فإن صدقته فليس عليه يشء وإن كذبته‬ ‫ثم قال مل أعلم هبا ُأدخلت َّ‬
‫فقالت دخلت عليه وهو يعلم فهو دخول‪ .‬قال القايض ألهنا إذا كذبته فالظاهر خالف‬
‫ما يدعيه ألن العادة أنه ال خيفى عليه ذلك‪ .‬فقد قدم أصحابنا هنا العادة عىل األصل‪.‬‬
‫فكذلك يف دعوى إنفاقه فإن العادة هناك أقوى»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬العقود ص‪145‬حيث أورد شيخ اإلسالم عدة نقول عن اإلمام أمحد‪ ،‬تفيد‬
‫خص أو جمبوب‬ ‫هذا؛ قال‪« :‬وقال يف رواية مهنا إذا أغلق الباب وأرخى السرت وهو ِ‬
‫ٌّ‬
‫عليه الصداق‪ ،...‬وكذلك نقل عنه حنبل يف العنّني إذا أغلق الباب وأرخى السرت هلا‬
‫كامل‪ .‬وكذلك نقل عنه األثرم يف ِ‬
‫العنِّني إذا ُأ ِّجل فمضت السنة ففرق بينهام‬ ‫الصداق ً‬
‫هلا الصداق ً‬
‫كامل»‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف ‪ ،65/3‬اإلنصاف ‪.230/21‬‬
‫((( وقد حكى املرداوي يف اإلنصاف ‪ 230/21‬عن الزركيش وغريه طرق احلنابلة يف توجيه‬
‫الروايتني عن أمحد‪ ،‬فقال ‪« :‬تنبيه‪ :‬قال الزركيش وغريه‪ ،‬بعد أن ذكر الروايتني‪:‬‬
‫اختلفت طرق األصحاب يف هذه املسألة‪ ،‬فقال أبو اخلطاب يف «خالفه»‪ ،‬واملجد‬
‫والقايض يف «اجلامع»‪ ،‬فيام نقله عنه يف «القواعد»‪ :‬حمل الروايتني يف املانع؛ سواء =‬

‫‪325‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫أدلة القول الثاين‪:‬‬


‫‪1.‬عن زرارة بن أيب أوىف أنه قال‪« :‬قىض اخللفاء الراشدون املهديون أن‬
‫من أغلق باب ًا‪ ،‬أو أرخى سرت ًا‪ ،‬فقد وجب املهر ووجبت العدة»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن عموم قضاء اخللفاء الراشدين بوجوب املهر باخللوة‬
‫يشمل حال وجود مانع الوطء‪ ،‬وحال عدم وجوده(((‪.‬‬

‫= كان من جهته‪ ،‬أو من جهتها‪ ،‬رشعي ًا كان؛ كالصوم واإلحرام واحليض‪ ،‬أو حسيا؛‬
‫كاجلب والرتق ونحومها‪ .‬وقال القايض يف «اجلامع»‪ ،‬والرشيف يف «خالفه»‪ :‬حملهام إن‬
‫كان املانع من جهتها‪ ،‬أما إن كان من جهته‪ ،‬فإن الصداق يتقرر بال خالف‪ .‬ونسب‬
‫هذه الطريقة يف «القواعد» إىل القايض يف «خالفه»‪ .‬وقال القايض يف «املجرد» ‪-‬فيام‬
‫أظن‪ -‬وابن البنا‪ :‬حملهام إذا امتنع الوطء ودواعيه؛ كاإلحرام والصيام‪ .‬فأما إن كان ال‬
‫يمنع الدواعي؛ كاحليض واجلب والرتق‪ ،‬فيستقر‪ ،‬رواية واحدة‪ .‬ونسب هذه الطريقة‬
‫يف «القواعد» إىل القايض يف «املجرد»‪ ،‬وابن عقيل يف «الفصول»‪ .‬وقال القايض يف‬
‫«الروايتني»‪ :‬حملهام يف املانع الرشعي‪ ،‬أما املانع احليس‪ ،‬فيتقرر معه الصداق‪ .‬وهي قريبة‬
‫من التي قبلها‪ .‬ويقرب منها طريقة املصنف يف «املغني»‪ ،‬أن املسألة عىل ثالث روايات‪.‬‬
‫الثالثة‪ ،‬إن كان املانع متأكدا؛ كاإلحرام والصيام‪ ،‬مل يكمل‪ ،‬وإال كمل‪ .‬انتهى‪ .‬وهذه‬
‫الرواية الثالثة مل يرصح اإلمام أمحد‪ ، ،‬فيها باإلحرام‪ ،‬وإنام قاسه املصنف عىل‬
‫الصوم الذي رصح به اإلمام أمحد»‪ .‬وانظر أيض ًا‪ :‬العقود ص ‪ 145‬حيث جاء فيه‪« :‬وقد‬
‫حائضا أو كان حمر ًما‬
‫ً‬ ‫رتا وكانت امرأته‬
‫أيضا يف رواية مهنا إذا أغلق با ًبا وأرخى س ً‬
‫قال ً‬
‫صائم يف شهر رمضان عليه الصداق وإن جاءت بولد فهو له ا‪.‬هـ‪ .‬وقد جعل القايض‬ ‫أو ً‬
‫وغريه هذه الرواية تنايف تلك فجعلوا يف اخللوة مع املوانع الرشعية أو احلسية بأحدمها‬
‫(روايتان)‪ ،‬ويف املجرد جعل الروايتني يف املوانع التي متنع النكاح ودواعيه كاإلحرام‬
‫والصيام بخالف املوانع التي ال متنع دواعيه كاحليض‪ ،‬فإن املنصوص عنه أنه يستقر‬
‫معها املهر»‪.‬‬
‫((( تقدم خترجيه ص‪.295‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،155/10‬اإلنصاف ‪.227/21‬‬

‫‪326‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وقد تقدمت املناقشة بأن اخلرب منقطع‪ ،‬وتقدم اجلواب عىل هذه املناقشة‬
‫بأنه قد ثبتت آثار عديدة عن الصحابة يف ذلك(((‪.‬‬
‫وعموم تلك اآلثار يوجب استقرار الصداق باخللوة سواء حال وجود‬
‫مانع الوطء‪ ،‬أو عدم وجوده‪.‬‬
‫ثم إنه قد ورد فيها آثار خاصة يف املسألة‪ ،‬منها‪ :‬ما جاء عن عطاء قال‪:‬‬
‫«بلغنا إذا أهديت إليه‪ ،‬ف َغ َّلق عليها؛ وجب الصداق‪ ،‬وإن مل يمسها‪ ،‬وإن‬
‫أصبحت عذراء‪ ،‬وإن كانت حائض ًا‪ ،‬كذلك السنة»(((‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما جاء عن املغرية بن شعبة‪ :‬أنه قىض يف امرأة عنني فرق بينهام‬
‫بجميع الصداق(((‪.‬‬
‫حيث تدل بخصوصها عىل استقرار الصداق باخللوة وإن وجد مانع‬
‫الوطء‪.‬‬
‫‪2.‬عموم إمجاع الصحابة ‪ ‬عىل ذلك(((‪.‬‬
‫وقد تقدم بيان عدم رصاحة إمجاعهم عىل اعتبار اخللوة بمجردها مقررة‬
‫لكامل الصداق(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬ص ‪.299-295‬‬ ‫(((‬


‫تقدم خترجيه ص‪.298‬‬ ‫(((‬
‫تقدم خترجيه ص‪.299‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املغني ‪ .250/7‬وانظر نصوص اإلمجاع املنقولة سابق ًا ص‪.302-301‬‬ ‫(((‬
‫ص‪.302‬‬ ‫(((‬

‫‪327‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ومن باب أوىل أن يقال بعدم رصاحة إمجاعهم عىل استقرار الصداق‬
‫باخللوة مع ما يمنع من الوطء‪.‬‬
‫‪3.‬أن اخللوة نفسها مقررة للمهر‪ ،‬فال يمنع من تأثريها وجود مانع من‬
‫الوطء(((‪.‬‬
‫‪4.‬وألنه قد تم التسليم الذي تستحق به الزوجة الصداق‪.‬‬
‫‪5.‬وألهنا خلوة تم فيها متكني الزوجة للزوج من االستمتاع‪ ،‬فاستقر هبا‬
‫الصداق‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن اخللوة بمجردها ال تقرر الصداق‪ ،‬ولكن إذا اختىل الزوج‬
‫بزوجته خلوة اهتداء مع ما يمنع الوطء رشع ًا كحيض‪ ،‬دون ما يمنع دواعيه‪ ،‬ثم‬
‫طلقها‪ ،‬وادعت الوطء‪ ،‬وأنكره‪ ،‬فالقول قوهلا‪ ،‬وإن كانت خلوة زيارة‪ ،‬فالقول‬
‫قول الزائر عىل املشهور(((‪ ،‬وإن اتفقا عىل عدم الوطء وجب نصف الصداق(((‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬املغني ‪.250/7‬‬


‫((( انظر‪ :‬الذخرية ‪ ،376/4‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪،175/5‬‬
‫منح اجلليل ‪ ،433/3‬رشح مياره ‪.240/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املدونة ‪ 231-230/2‬حيث جاء فيها‪« :‬سئل مالك عن الرجل يدخل بامرأته‬
‫وهي حائض فتدعي املرأة أنه قد مسها وأنكر الزوج ذلك إن القول قوهلا ويغرم الزوج‬
‫الصداق إذا أرخيت عليها الستور‪ .‬فكل من خال بامرأته ال ينبغي له أن جيامعها يف‬
‫تلك احلال فادعت أنه قد مسها فيه كان القول قوهلا إذا كانت خلوة بناء‪ .‬قلت‪ :‬ومل قال‬
‫مالك‪ :‬القول قول املرأة قال‪ :‬ألنه قد خال هبا وأمكن منها وخيل بينه وبينها فالقول يف‬
‫اجلامع قوهلا»‪ ،‬التاج واإلكليل ‪.175/5‬‬

‫‪328‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫إال أن يطول املقام فظاهر إطالقهم أنه يتقرر كامل الصداق(((‪ ،‬حتى وإن اتفقا‬
‫عىل عدم الوطء(((‪:‬‬
‫وقال به‪ :‬املالكية‪.‬‬
‫واستدلوا بام استدلوا به يف املبحث األول‪.‬‬
‫ويناقشون بام نوقشوا به كذلك‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬إذا كان ما يمنع الوطء بالزوج‪ ،‬فاخللوة مقررة لكامل الصداق‪،‬‬
‫وإذا كان بالزوجة‪ ،‬فاخللوة غري مقررة لكامل الصداق‪:‬‬
‫وهو مقتىض قول أيب حنيفة يف املجبوب(((‪ ،‬وهو رواية عند احلنابلة(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬االستذكار ‪ ،130/16‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪،175/5‬‬ ‫(((‬


‫رشح خمترص خليل للخريش ‪.260/3‬‬
‫انظر‪ :‬الرشح الكبري للدرير ‪ ،301/2‬التاج واإلكليل ‪ ،175/5‬منح اجلليل ‪،433/3‬‬ ‫(((‬
‫البيان والتحصيل ‪ .116/5‬وقيده كثري منهم بمدة سنة فأكثر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬العناية رشح اهلداية (دار الفكر) ‪ 334/3‬حيث حكى قول أيب حنيفة يف تقرير‬ ‫(((‬
‫املهر بخلوة املجبوب خالف ًا للصاحبني‪ ،‬وعلل ذلك بكون املستحق عليها التسليم‪،‬‬
‫وقد أتت به‪ .‬وقد نسب هذا القول أليب حنيفة اب ُن قدامة يف (املغني ‪)251-250/7‬‬
‫حيث قال‪« :‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان املانع من جهتها‪ ،‬مل يستقر الصداق‪ ،‬وإن كان من‬
‫جهته؛ صيام فرض أو إحرام؛ مل يستقر الصداق‪ ،‬وإن كان جب ًا أو عنة؛ كمل الصداق؛‬
‫ألن املانع من جهته وذلك ال يمنع وجود التسليم املستحق منها ‪ ،‬فكمل حقها ‪ ،‬كام‬
‫يلزم الصغري نفقة امرأته إذا سلمت نفسها إليه»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اإلنصاف ‪.229/21‬‬ ‫(((‬

‫‪329‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫أدلة القول الرابع‪:‬‬


‫‪1.‬ما جاء عن عمر ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم؟‬
‫هلا الصداق كامالً‪ ،‬والعدة كاملة»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أنه يدل عىل عدم جواز إنقاص الصداق إن كان املانع من‬
‫الوطء من الزوج‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن األثر منقطع‪.‬‬
‫‪2.‬أنه إن كان املانع من الوطء بالزوج فقد تم التسليم الذي تستحق‬
‫به الزوجة الصداق‪ ،‬وإن كان املانع من الوطء بالزوجة فإنه مل يتم التسليم‬
‫الذي تستحق به الزوجة الصداق‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بعدم التسليم بأنه إن كان املانع من الوطء بالزوجة فإنه مل‬
‫يتم التسليم الذي تستحق به الزوجة الصداق‪ ،‬وذلك؛ ألن التسليم الذي‬
‫تستحق به الزوجة الصداق‪ ،‬هو التسليم الذي يتم فيه متكني الزوجة للزوج‬
‫من االستمتاع بالوطء‪ ،‬أو دواعيه‪ ،‬وقد ُوجد‪.‬‬
‫والراجح واهلل أعلم يف هذه املسألة‪:‬‬
‫هو القول الثاين؛ وهو أن اخللوة بالزوجة‪ ،‬مع ما يمنع الوطء‪ ،‬دون‬
‫دواعيه‪ ،‬يستقر هبا كامل الصداق‪ ،‬سواء كان ما يمنع الوطء منها‪ ،‬أو منه‪ ،‬أو‬
‫منهام‪ ،‬وذلك؛ ألنه قد نال من زوجته ما ال يناله إال الزوج‪ ،‬فخال هبا خلوة‬
‫الزوج مع زوجته؛ حيث اقرتن باخللوة متكني من الزوجة للوطء‪ ،‬أو دواعيه‪.‬‬

‫((( تقدم خترجيه ص‪.300‬‬

‫‪330‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الزوج من‬
‫َ‬ ‫ويستقر كامل الصداق هبذه اخللوة‪ ،‬حتى وإن منعت الزوج ُة‬
‫الوطء‪ ،‬خالف ًا ملا استثناه احلنابلة يف مذهبهم(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪« :‬ويتقرر املهر باخللوة‪ ،‬وإن منعته الوطء‪ ،‬وهو ظاهر‬
‫كالم أمحد يف رواية حرب‪ ،‬وقيل له‪ :‬فإن أخذها وعندها نسوة وقبض عليها‬
‫ونحو ذلك من غري أن خيلو هبا؟ قال‪ :‬إذا نال منها شيئ ًا ال حيل لغريه‪ ،‬فعليه‬
‫املهر»(((‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫سبب اخلالف‪:‬‬
‫يمكن رد اخلالف يف هذه املسألة بني القائلني بأثر اخللوة يف استقرار‬
‫الصداق مع عدم ما يمنع الوطء إىل اختالفهم يف علة استقرار الصداق‬
‫باخللوة‪.‬‬
‫ومن خالل استقراء تعليل العلامء الستقرار الصداق باخللوة‪ ،‬نجد أهنم‬
‫مل يتفقوا عىل علة واحدة‪ ،‬بل اختلفوا‪ ،‬بل حتى أصحاب املذهب الواحد‬
‫نجد أهنم يعللون استقرار الصداق باخللوة بعلل خمتلفة‪.‬‬
‫وهذه التعليالت هي عىل النحو التايل‪:‬‬
‫حكمه يف استقرار‬
‫َ‬ ‫أوالً‪ :‬أن اخللوة بالزوجة مظنة للوطء‪ ،‬فأخذت‬
‫الصداق‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،251/7‬الكايف ‪ ،65/3‬العقود ص ‪ ،242‬اإلنصاف ‪ ،227/21‬كشاف‬


‫القناع ‪ ،151/5‬مطالب أويل النهى ‪.205/5‬‬
‫((( الفتاوى الكربى ‪.474/5‬‬

‫‪331‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وهذه العلة ذكرها كثري من العلامء من خمتلف املذاهب(((‪ ،‬بل أدرجوا‬


‫هذه املسألة حتت قاعدة فقهية عربوا عنها بقوهلم‪« :‬املظنة تقوم مقام ِ‬
‫املئنّة»‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ ‬مبين ًا هذه العلة‪« :‬واحتجوا أيض ًا؛ بأن الغالب عند‬
‫إغالق الباب‪ ،‬وإرخاء السرت عىل املرأة‪ ،‬وقوع اجلامع‪ ،‬فأقيمت املظنة مقام‬
‫املئنة؛ لِا جبلت عليه النفوس يف تلك احلالة من عدم الصرب عن الوقاع غالب ًا؛‬
‫لغلبة الشهوة‪ ،‬وتوفر الداعية»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أن العلة هي «اخللوة» بمجردها؛ استناد ًا إىل إمجاع الصحابة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أن اخللوة جعلت كالوطء؛ «للتمكن من الوطء هبا»(((‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أن طالقها بعد اخللوة هبا‪ ،‬وردها؛ زهد ًا فيها‪ ،‬فيه ابتذال وكرس‬
‫هلا‪ ،‬فوجب جربه باملهر‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬أن العلة هي أن «التسليم املستحق؛ قد ُوجد من الزوجة»‪،‬‬
‫فيستقر به البدل هلا؛ كام لو أجرت دارها وسلمتها(((‪.‬‬
‫وذلك؛ ألن البدل يف عقد النكاح يتقرر بتسليم من له البدل‪ ،‬ال باستيفاء‬
‫من عليه(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬حاشية الدسوقي‪ ،468/2‬حاشيتا قليويب وعمرية ‪ ،279/3‬املغني ‪،99/8‬‬ ‫(((‬


‫القواعد البن رجب ص‪.330‬‬
‫فتح الباري البن حجر ‪.495/9‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق ‪.143/2‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،148/5‬بدائع الصنائع‪ ،292/2‬اهلداية ‪ ،205/1‬املغني ‪،250/7‬‬ ‫(((‬
‫الرشح الكبري البن قدامة ‪ ،251/21‬كشاف القناع ‪.151/5‬‬
‫انظر‪ :‬املبسوط ‪.148/5‬‬ ‫(((‬

‫‪332‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫قال الكاساين ‪« :‬والدليل عىل أهنا سلمت املبدل أن املبدل هو‬


‫ما ُيستوىف بالوطء‪ ،‬وهو املنافع‪ ،‬إال أن املنافع قبل االستيفاء معدومة‪ ،‬فال‬
‫تصور تسليمها‪ ،‬لكن هلا حمل موجود‪ ،‬وهو العني‪ ،‬وأهنا متصور التسليم‬ ‫ُي َّ‬
‫حقيقة‪ ،‬فيقام تسليم العني مقام تسليم املنفعة؛ كام يف اإلجارة‪ ،‬وقد ُوجد‬
‫تسليم املحل؛ ألن التسليم هو جعل اليشء سامل ًا للمسلم إليه‪ ،‬وذلك برفع‬
‫املوانع‪ ،‬وقد ُوجد»(((‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬أن العلة املقررة للصداق يف اخللوة واملبارشة ونحوها هي‬
‫«استباحة ما ال يستباح إال بالنكاح من املرأة»؛ أي هي نيل الزوج من الزوجة‬
‫ما ال حيل إال للزوج‪ ،‬وإذا خال هبا خلوة الزوج بزوجته‪ ،‬فقد نال منها ما ال‬
‫حيل لغريه‪.‬‬
‫وتتحقق هذه العلة يف اخللوة إذا اقرتن باخللوة متكني من الزوجة للوطء‪،‬‬
‫أو دواعيه‪ ،‬حتى وإن مل حيصل متكن من الزوج للوطء أو دواعيه؛ ملانع يمنعه‪.‬‬
‫وعليه؛ تكون علة استقرار الصداق باخللوة هي «اخللوة مع متكني الزوجة‬
‫الزوج مما ال حيل إال للزوج»‪ ،‬فإذا وجدت هذه العلة استقر الصداق‪ ،‬وهذا‬
‫َ‬
‫التعليل هو الراجح‪.‬‬
‫وقد قال ابن رجب ‪ ‬يف سياق اإلشارة إىل تعليالت األصحاب يف‬
‫مذهب اإلمام أمحد يف هذه املسألة‪« :‬وهذا يرجع إىل أن اخللوة مقررة ملظنة‬
‫الوطء‪ ،‬ومن األصحاب من قال إنام قررت حلصول التمكني هبا‪ ،‬وهي طريقة‬
‫القايض‪ ،‬وردها ابن عقيل بأن اخللوة مع اجلب ال متكني هبا‪ ،‬قال‪ :‬وإنام قررت‬
‫((( بدائع الصنائع‪.292/2‬‬

‫‪333‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ألحد أمرين إما إلمجاع الصحابة وهو حجة‪ ،‬أو ألن طالقها بعد اخللوة‬
‫هبا وردها زهد ًا فيها‪ ،‬فيه ابتذال وكرس هلا‪ ،‬فوجب جربه باملهر‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬
‫املقرر هو استباحة ما ال يستباح إال بالنكاح من املرأة‪ ،‬فدخل يف ذلك اخللوة‬
‫واللمس بمجردمها؛ ألن ذلك كله معقود عليه يف النكاح‪ ،‬واملهر يستقر بنيل‬
‫بعض املعقود عليه‪ ،‬ال يقف عىل نيل مجيعه‪ ،‬وهذا ظاهر كالم أمحد يف رواية‬
‫حرب‪ ،‬قيل له‪ :‬فإن أخذها وعندها نسوة‪ ،‬فمسها‪ ،‬وقبض عليها‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬من غري أن خيلو هبا؟ قال‪ :‬إذا نال منها شيئ ًا ال حيل لغريه فعليه املهر‪.‬‬
‫وعىل هذا؛ فقال الشيخ تقي الدين‪ :‬يتوجه أن يستقر املهر باخللوة‪ ،‬وإن‬
‫منعه((( الوطء‪ ،‬بخالف ما ذكره ابن حامد والقايض واألصحاب»(((‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ‪ ‬مبين ًا مآخذ األئمة فيام يستقر به الصداق‪:‬‬
‫«فمأخذ األئمة يف املقرر للصداق أمور ثالثة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه الوطء فقط؛ كقول مالك والشافعي‪ ،‬لكن مالك جيعل‬
‫واملقرر عندمها يف نفس‬
‫ِّ‬ ‫اخللوة حجة ملن يدعيه‪ ،‬فاخللوة حجة للمدعي‪،‬‬
‫األمر هو الوطء‪.‬‬
‫وأبو حنيفة وكثري من أصحابنا جيعلون املقرر هو التمكني من الوطء‪ ،‬كام‬
‫يقولون مثل ذلك يف النفقة‪ ،‬وهي طريقة القايض وأتباعه‪ ،‬وهؤالء جيعلون‬
‫مقررا ثان ًيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أيضا‬
‫مقررا‪ ،‬واملبارشة ً‬
‫ً‬ ‫اخللوة‬

‫((( هكذا يف القواعد «منعه»‪ ،‬ويف الفتاوى الكربى البن تيمية ‪« 474/5‬منعته» وهو‬
‫املناسب‪.‬‬
‫((( القواعد ص‪.330‬‬

‫‪334‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ثم هلم يف تفاصيل التمكني احلاصل باخللوة نزاع عىل األقوال املتقدمة‪.‬‬
‫وأمحد جيعل املقرر حصول جنس مقصود النكاح وهو أن ينال منها ما‬
‫ال حيل لغريه‪ ،‬فإذا نال منها ما حيرم عىل غريه‪ ،‬فعليه املهر عنده‪ ،‬كام قاله‬
‫إبراهيم النخعي‪ ،‬فإذا حصل استمتاع‪ ،‬استقر املهر‪ ،‬وإذا حصلت خلوة‬
‫ختتص النكاح‪ ،‬استقر املهر‪ ،‬وهي خلوة مع متكني‪.‬‬
‫وقد قال‪ :‬إذا ُجليت عليه‪ ،‬وعنده نساء‪ ،‬فعانقها‪ ،‬و َق َّبلها‪ ،‬ونال منها كل‬
‫يشء إال اجلامع‪ ،‬فعليه املهر‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إن دخل عليها ومعها نساء فال‪ ،‬حتى خيلو هبا‪ ،‬ويرخي السرت‪،‬‬
‫ويغلق الباب‪ ،‬وقال‪ :‬ال عدة عليها‪ ،‬وال يكون الصداق ً‬
‫كامل‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬إذا أخذها عند نسوة‪ ،‬فمسها وقبض عليها ونحوه من غري‬ ‫وقال ً‬
‫أن خيلو هبا فإذا نال منها شي ًئا ال حيل لغريه فعليه املهر‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله أمحد متب ًعا فيه ملن قبله من السلف هو ‪-‬إن شاء اهلل‪-‬‬
‫أشبه بالكتاب والسنة واآلثار واألصول»(((‪.‬‬

‫((( العقود ص‪.244‬‬

‫‪335‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫المبحث الثالث‬
‫مانع الوطءِ ودواعيه في‬
‫ِ‬ ‫أثر الخلوة بالزوجة مع‬
‫استقرار الصداق‬
‫تقدم بيان اخلالف يف أثر اخللوة بالزوجة‪ ،‬مع ما يمنع الوطء‪ ،‬دون‬
‫دواعيه‪ ،‬وأن الراجح أهنا مؤثرة‪ ،‬فيستقر هبا كامل الصداق‪.‬‬
‫وهذا املبحث يف أثر اخللوة بالزوجة يف استقرار الصداق‪ ،‬مع وجود‬
‫مان ٍع يمنع الوطء‪ ،‬ودواع َيه‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك من املوانع احلسية‪:‬‬
‫‪ِ 1.‬قرص مدة اخللوة؛ وذلك بأن تقرص مدهتا فال تتسع للوطء‪ ،‬وال‬
‫لدواعيه من تقبيل ونحوه(((‪.‬‬
‫‪2.‬كون أحد الزوجني مريض ًا مرض ًا يمنع من الوطء‪ ،‬ودواعيه‪.‬‬
‫‪3.‬أن متنع املرأ ُة الرجل من الوطء ودواعيه‪.‬‬
‫ومن أمثلته من املوانع الرشعية‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون الزوجان أو أحدمها صائمني صيام فرض‪.‬‬
‫‪2.‬أن يكون الزوجان أو أحدمها حمرمني‪.‬‬

‫((( وهذا مل أقف فيه عىل نصوص للفقهاء‪ ،‬وما وجدته عن املالكية مما تقدم هو يف قرص مدة‬
‫اخللوة عن الوطء‪ ،‬أما هنا فهو يف قرص مدهتا عن دواعي الوطء‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫فإذا خال الزوج بزوجته مع وجود مان ٍع يمنع الوطء‪ ،‬ودواعيه‪ ،‬فهل‬
‫هذه اخللوة مؤثرة يف استقرار كامل الصداق؟‬
‫كام تقدَّ م مل أجد تفريق ًا رصحي ًا من العلامء بني املانع الذي يمنع الوطء‪،‬‬
‫وال يمنع دواعيه‪ ،‬واملانع الذي يمنع الوطء ودواعيه‪ ،‬إال عند بعض العلامء‬
‫يف املذهب احلنبيل يف توجيه روايات اإلمام أمحد ‪ ،‬ومن املعلوم أن َمن‬
‫يرى عدم تأثري اخللوة مع ما يمنع الوطء دون دواعيه‪ ،‬ال بد أن يرى أيض ًا‬
‫عدم تأثريها مع ما يمنع الوطء ودواعيه‪ ،‬لكن هل من قال بتأثري اخللوة‬
‫مع ما يمنع الوطء‪ ،‬دون دواعيه‪ ،‬يقول أيض ًا بتأثريها مع ما يمنع الوطء‪،‬‬
‫ودواعيه؟‬
‫يمكن جعل اخلالف يف املسألة عىل أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫أن اخللوة غري مقررة لكامل الصداق مع ما يمنع الوطء ودواعيه‪.‬‬
‫وقال به‪ :‬احلنفية(((‪ ،‬وبعض املالكية(((‪ ،‬والشافعية يف القديم(((‪ ،‬وأمحد‬
‫يف رواية(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،149/5‬تبيني احلقائق‪144 -143/2‬‬ ‫(((‬


‫انظر‪ :‬الفروق ‪.161-160/1‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬معرفة السنن واآلثار ‪ ،244/10‬مغني املحتاج ‪ .225/3‬أما يف اجلديد فقد‬ ‫(((‬
‫تقدم أهنم ال يرون أن اخللوة مقررة للوطء مع عدم ما يمنع الوطء‪ ،‬فمن باب أوىل مع‬
‫وجوده‪ .‬انظر‪ :‬مغني املحتاج ‪.225/3‬‬
‫انظر‪ :‬الكايف ‪ ،65/3‬اإلنصاف ‪.230/21‬‬ ‫(((‬

‫‪337‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫و ُيستدل ألصحاب القول األول بام استدلوا به يف املبحث السابق‪ ،‬وأنه‬


‫إذا دل الدليل عىل عدم استقرار الصداق مع ما يمنع الوطء دون دواعيه؛‬
‫كالرتق‪ ،‬فمن باب أوىل أن ال يستقر الصداق مع ما يمنع الوطء ودواعيه؛‬
‫كاإلحرام‪.‬‬
‫وقد متت مناقشة أدلتهم‪ ،‬ولذلك ال يصح استدالهلم هنا بقياس األَوىل‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫أن اخللوة مقررة لكامل الصداق مع ما يمنع الوطء‪ ،‬ودواعيه‪.‬‬
‫وقال به‪ :‬أمحد يف رواية(((‪ ،‬وهو مقتىض الروايات املقررة للصداق بكل‬
‫حال؛ بدون التفريق بني ما يمنع الوطء ودواعيه؛ كاإلحرام‪ ،‬وما يمنع‬
‫الوطء دون دواعيه؛ كاحليض(((‪.‬‬
‫أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫‪1.‬عن زرارة بن أيب أوىف أنه قال‪« :‬قىض اخللفاء الراشدون املهديون أن‬
‫من أغلق باب ًا‪ ،‬أو أرخى سرت ًا‪ ،‬فقد وجب املهر ووجبت العدة»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الكايف ‪ ،65/3‬اإلنصاف ‪ .230/21‬وانظر ما تقدم ص‪325‬ح(‪ )3‬وفيه حكاية‬


‫حائضا أو كان حمر ًما‬
‫ً‬ ‫رتا وكانت امرأته‬
‫رواية مهنا عن أمحد‪« :‬إذا أغلق با ًبا وأرخى س ً‬
‫صائم يف شهر رمضان عليه الصداق وإن جاءت بولد فهو له»‪ ،‬وأن طريقة القايض‬ ‫ً‬ ‫أو‬
‫وغريه جعل الروايتني يف املوانع التي متنع النكاح ودواعيه؛ كاإلحرام والصيام‪ ،‬بخالف‬
‫املوانع التي ال متنع دواعيه؛ كاحليض‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،251/7‬كشاف القناع ‪ .152/5‬وانظر ما تقدم ص‪325‬ح(‪.)3‬‬
‫((( تقدم خترجيه ص‪.295‬‬

‫‪338‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن عموم قضاء اخللفاء الراشدين بوجوب املهر باخللوة‬
‫يشمل حال وجود مانع الوطء ودواعيه‪ ،‬وحال عدم وجوده(((‪.‬‬
‫وقد تقدمت املناقشة بأن اخلرب مرسل‪ ،‬وتقدم اجلواب عىل هذه املناقشة‪.‬‬
‫لكن يناقش هذا االستدالل‪ :‬بأن قضاء اخللفاء الراشدين بوجوب املهر‬
‫باخللوة‪ ،‬له علة‪ ،‬وقد تقدمت اإلشارة إىل العلة الراجحة الستقرار الصداق‬
‫باخللوة‪ ،‬وهي «متكني الزوجة الزوج مما ال حيل إال للزوج» ف ُيقيد االستدالل‬
‫هبذا اخلرب بام تتحقق فيه هذه العلة‪.‬‬
‫‪2.‬عموم إمجاع الصحابة ‪ ‬عىل ذلك‪.‬‬
‫وقد تقدم بيان عدم رصاحة إمجاعهم عىل اعتبار اخللوة بمجردها مقررة‬
‫لكامل الصداق(((‪.‬‬
‫ومن باب أوىل أن ُيقال بعدم رصاحة إمجاعهم عىل استقرار الصداق‬
‫باخللوة مع ما يمنع من الوطء ودواعيه‪.‬‬
‫‪3.‬أن اخللوة نفسها مقررة للصداق(((‪ ،‬فال يمنع من تأثريها وجود مانع‬
‫من الوطء ودواعيه‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن اخللوة مقررة للصداق إذا كانت خلوة ختتص النكاح‪،‬‬
‫وهي اخللوة مع التمكني‪ ،‬ال جمرد أي خلوة‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املغني ‪ ،251/7‬اإلنصاف ‪.227/21‬‬


‫((( ص‪.302‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني ‪.251/7‬‬

‫‪339‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫القول الثالث‪:‬‬
‫أن اخللوة بمجردها ال تقرر الصداق‪ ،‬ولكن إذا اختىل الزوج بزوجته‬
‫خلوة اهتداء مع ما يمنع الوطء ودواعيه رشع ًا؛ كإحرام‪ ،‬ثم طلقها‪ ،‬وادعت‬
‫الوطء‪ ،‬وأنكره‪ ،‬فالقول قوهلا‪ ،‬وإن كانت خلوة زيارة‪ ،‬فالقول قول الزائر‬
‫عىل املشهور‪ ،‬وإن اتفقا عىل عدم الوطء وجب نصف الصداق(((‪.‬‬
‫وقال به‪ :‬املالكية‪.‬‬
‫واستدلوا بام استدلوا به يف املبحث األول‪.‬‬
‫ويناقشون بام نوقشوا به كذلك‪.‬‬
‫القول الرابع‪:‬‬
‫إذا كان ما يمنع الوطء ودواعيه بالزوج فاخللوة مقررة للصداق‪ ،‬وإذا‬
‫كان بالزوجة فاخللوة غري مقررة له‪.‬‬
‫وهو رواية عند احلنابلة(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املدونة‪ ،‬التاج واإلكليل ‪ ،175/5‬رشح مياره ‪ 241-240/1‬حيث جاء فيه‪:‬‬
‫«وقد اخترص ابن احلاجب هذه املسألة بأوجز عبارة وألطف إشارة فقال‪ :‬واملذهب أن‬
‫القول قوهلا يف الوطء إذا خال هبا خلوة اهتداء وإن كانت حمرمة ‪ ،‬أو حائض ًا ‪ ،‬أو يف هنار‬
‫رمضان‪ .‬ثم قال‪ :‬ويف خلوة الزيارة مشهورها قول الزائر منهام للعرف بخالف خلوة‬
‫االهتداء» ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬العقود ص‪ ،244‬حيث قال حكى شيخ اإلسالم عدة روايات عن اإلمام أمحد‪،‬‬
‫ثم محلها عىل هذا‪ ،‬فقال‪« :‬وقال يف رواية مهنا يف الرجل خيلو بامرأته وهو صائم تطو ًعا‬
‫كامل وإذا خال هبا يف شهر رمضان‬ ‫ً‬ ‫وتكون هي صائمة تطو ًعا ثم يطلقها عليه املهر‬
‫ثم طلقها فعليه نصف املهر»‪ ،‬وقال أيض ًا‪« :‬وقد نص عىل أنه إذا مل يعلم هبا يف =‬

‫‪340‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫أدلة القول الرابع‪:‬‬


‫‪1.‬ما جاء عن عمر ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما ذنبهن إن جاء العجز من ِقبلكم؟‬
‫هلا الصداق كامالً‪ ،‬والعدة كاملة»(((‪.‬‬

‫أيضا يف جمبوب تزوج‬ ‫= اخللوة أو قالت ال أرىض به أنه ال يستقر‪ ،...‬ونقل عنه مهنا ً‬
‫امرأة فلام دخلت عليه نظرت إليه فإذا هو جمبوب فقالت ال أرىض هلا ذلك وعليه‬
‫نصف الصداق إذا مل ترض به»‪ .‬قال شيخ اإلسالم معلالً‪« :‬فإهنا إذا مل ترض به مل يكن‬
‫قد حصل يشء من خصائص النكاح»‪ .‬وقال أيض ًا‪« :‬قال يف رواية أيب احلارث‪ :‬إذا‬
‫أدخلت عليها وهي حائض أو كان الرجل ُم ِر ًما فأرخى السرت وأغلق الباب وجب‬
‫الصداق والعدة‪ .‬وكذلك نقل ابن منصور يف احلائض ويف الرجل املحرم إذا أغلق‬
‫الباب وأرخى السرت فقد وجب الصداق ووجبت العدة»‪ .‬ثم قال‪« :‬ومل أجد القايض‬
‫ذكر الرواية األخرى أنه ال يستقر املهر مع املوانع إال يف مسألتي مهنا املذكورتني يف‬
‫التي فرق فيها بني صوم رمضان وبني صوم التطوع ومسألة املجبوب التي قال فيها‬
‫عليه نصف الصداق إذا مل يرض هبا‪ .‬ومعلوم أنه إذا قال يف الصائمني يف رمضان‬
‫ال يستقر الصداق‪ ،‬ففي املحرمني أوىل؛ ألن اإلحرام حيرم ما حيرمه الصيام وزيادة‪،‬‬
‫ومل يذكروا عنه يف املحرمني أنه يستقر الصداق‪ ،‬وإنام املنصوص عنه فيام إذا كان هو‬
‫املحرم‪ ،‬وكذلك إذا كان هو الصائم يف رمضان‪ ،‬فإنه أوجب عليه كامل املهر؛ ألنه مل‬
‫يكن املانع من جهتها‪ .‬فقد فرق يف رواية مهنا بني أن يكون املانع به وحده‪ ،‬أو هبا وبه‪.‬‬
‫وهذا القول الثالث هو الذي قرره ابن عقيل يف املفردات فقال‪ :‬إذا خال هبا وهو حمرم‬
‫أو صائم أو جمبوب أو عنني استقر الصداق‪ ،‬نص عليه ومل يستقر إذا كان املانع منها‬
‫كإحرامها وصيامها رمضان»‪ .‬ثم قال بعد أن بني طرائق القايض أيب يعىل يف توجيه‬
‫روايات اإلمام أمحد يف املسألة‪« :‬فهذه ثالث طرق لألصحاب يف الروايتني والثالثة‬
‫سلكها القايض‪ .‬أحدها‪ :‬أن الروايتني مطل ًقا‪ .‬والثانية‪ :‬أهنام فيام يمنع الوطء‪ ،‬ودواعيه‪،‬‬
‫دون ما يمنعه فقط‪ .‬الثالثة‪ :‬أهنا يف موانع الزوجة‪ ،‬وأما موانع الزوج‪ ،‬فيستقر معها‬
‫قول واحدً ا؛ كطريقته يف التعليق وطريقة من اتبعه من أصحاب التعاليق كالرشيف‬ ‫ً‬
‫وابن عقيل وغريمها»‪.‬‬
‫((( تقدم خترجيه ص‪.300‬‬

‫‪341‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وجه الداللة‪ :‬أنه يدل عىل عدم جواز إنقاص الصداق إن كان املانع من‬
‫الوطء ودواعيه من الزوج‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن األثر منقطع‪.‬‬
‫‪2.‬وألن ما ُاست ِ‬
‫ُح َّق بالتسليم‪ ،‬ال يؤثر عجز الزوج عن التسليم فيه؛‬
‫كالنفقة(((‪.‬‬
‫أي أنه إن كان املانع بالزوج فقد تم التسليم الذي تستحق به الزوجة‬
‫الصداق‪ ،‬وال يؤثر فيه عجز الزوج‪.‬‬
‫‪3.‬وألن علة استقرار الصداق باخللوة هي «متكني الزوجة الزوج مما‬
‫ال حيل إال للزوج»‪ ،‬فإذا كان ما يمنع الوطء ودواعيه بالزوج‪ ،‬فقد حتققت‬
‫العلة‪ ،‬فيستقر الصداق‪ ،‬وإذا كان بالزوجة فإن العلة مل تتحقق‪ ،‬فال يستقر‬
‫الصداق‪.‬‬
‫والراجح واهلل أعلم هو القول الرابع؛ وهو أنه إذا كان ما يمنع الوطء‬
‫ودواعيه يف الزوج‪ ،‬استقر الصداق باخللوة‪ ،‬وإذا كان يف الزوجة‪ ،‬مل يستقر‬
‫هبا‪ ،‬وذلك؛ لقوة مأخذه‪.‬‬
‫وقد بني شيخ اإلسالم الروايات املنقولة عن أمحد ‪َّ ‬‬
‫ووجهها هبذا‬
‫وعب عن مأخذ اإلمام فيها‪ ،‬وهو أنه «إذا نال من الزوجة ما ال‬ ‫التوجيه‪َّ ،‬‬
‫حيل إال للزوج استقر الصداق»‪ ،‬وبنى عىل هذا املأخذ أنه «إذا خال هبا خلوة‬

‫((( انظر‪ :‬العقود ص‪.245‬‬

‫‪342‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الزوج بزوجته‪ ،‬فقد نال منها ما ال حيل إال للزوج‪ ،‬فيستقر الصداق هبذه‬
‫اخللوة‪ ،‬وإال مل يستقر»‪.‬‬
‫قال ‪« :‬وقد َّبي أمحد مأخذه‪ ،‬وهو أنه إذا نال منها ما ال حيل‬
‫لغريه‪ ،‬وذكر ذلك عن إبراهيم النخعي‪ ،‬وكذلك نصوصه يف اخللوة تدل‬
‫عىل ذلك‪ ،‬فإنه إذا خال هبا خلوة الزوج مع امرأته‪ ،‬استقر الصداق‪ ،‬وإال‬
‫فال‪ ،‬فإذا مل يعلم هبا مل خيتص هبذا بالزوجة‪ ،‬وكذلك إذا دخ َلت‪ ،‬فقالت‪ :‬ال‬
‫أرىض به‪ ،‬فليست هذه خلوة رجل مع امرأته‪ ،‬وأما إذا مكَّنته من التلذذ هبا‪،‬‬
‫فهذا دخول النكاح‪ ،‬وإن مل يطأها‪ ،‬فكذلك إذا خال هبا خلوة وهي حائض‪،‬‬
‫حمر ًما دوهنا‪ ،‬فإهنا خلت به خلوة‬‫فإن هذه خلوة نكاح‪ ،‬وكذلك إذا كان هو ِ‬
‫املرأة مع زوجها؛ إذ كان هذا ال حيل لغريه؛ فإن متكينها له من االستمتاع‬
‫هبا‪ ،‬مع املانع منه‪ ،‬ال حيل لغري الزوج‪ ،‬وهذا بخالف ما إذا كانا صائمني‪ ،‬أو‬
‫ُم ِرمني‪ ،‬فإنه مل يوجد إال جمرد اخللوة‪ ،‬واخللوة قد تكون باألجنبية حلاجة‪،‬‬
‫حرم‪ ،‬فجنس اخللوة ال خيتص بالنكاح‪ ،‬وإذا كان كل‬ ‫وقد تكون بذات ا ُمل ِ‬
‫صائم الفرض‪ ،‬أو حمر ًما‪ ،‬مل تكن قد مكَّنته يف اخللوة من االستمتاع‪،‬‬‫ً‬ ‫منهام‬
‫وال بد مع اخللوة من التمكني منه؛ ألن ذلك هو الذي خيتص النكاح‪ .‬وأما‬
‫جمرد اخللوة‪ ،‬مع امتناع ما يستباح بالنكاح‪ ،‬فهذا ليس فيه يشء من مقاصد‬
‫النكاح»(((‪.‬‬
‫وقال ‪« :‬ودخول الرجل بامرأته‪ ،‬هو خلوته هبا كام خيلو الرجل‬
‫بامرأته‪ ،‬وهلذا ُيقال‪ :‬دخل بامرأته؛ إذا بنى هبا‪ ،‬وإن مل يعرف هل وطئها أم‬

‫((( العقود ص‪.245‬‬

‫‪343‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫صائم‪ ،‬أو حمر ًما‪ ،‬أو كانت‬


‫ً‬ ‫حائضا‪ ،‬وإن كان هو‬
‫ً‬ ‫ال؟ و ُيقال ذلك‪ ،‬وإن كانت‬
‫رتقاء‪.‬‬
‫فأما إذا قالت‪ :‬ال أرضاه‪ ،‬أو كانت ممتنعة منه‪ ،‬بدفعها له عن نفسها‪،‬‬
‫أو بصومها الفرض‪ ،‬أو إحرامها‪ ،‬فهذا الدخول قد يكون من أجنبية مع‬
‫النكاح‪ ،‬بل هو‬
‫َ‬ ‫الرجل؛ خيلو هبا‪ ،‬ومتنعه نفسها‪ ،‬فليس هذا دخوالً خيتص‬
‫مشرتك بني النكاح وغريه‪.‬‬
‫ومعلوم أن اهلل مل ُي ِرد إال الدخول الذي خيتص النكاح‪ ،‬وإال فالرجل قد‬
‫يدخل عىل النساء األجانب‪ ،‬ويدخلن عليه‪ ،‬فال يتعلق بذلك حكم»(((‪.‬‬
‫وخترجي ًا عىل القول الراجح‪ ،‬وهو ما قرره اإلمام أمحد وشيخ اإلسالم‬
‫‪ ،‬فإن اخللوة إن حتققت رشع ًا؛ بأن انفرد الرجل بزوجته‪ ،‬يف مكان‬
‫قصت مدهتا عن‬ ‫ِ‬
‫يأمنان فيه من اطالع من َيعقل من الناس عليهام‪ ،‬لكن ُ‬
‫دواعي الوطء؛ من تقبيل‪ ،‬أو ملس‪ ،‬أو مبارشة؛ بأن كانت اخللو ُة حلظ ًة يسرية‬
‫َقص عن يشء من ذلك‪ ،‬فإهنا كذلك ال تقرر الصداق؛ ألنه مل ينل الزوج‬ ‫ت ُ‬
‫من الزوجة ما ال حيل إال للزوج؛ إذ إهنا ليست خلوة رجل مع امرأته‪ ،‬وألنه‬
‫مل يقرتن مع اخللوة التمكني من االستمتاع؛ أشبهت خلوته هبا وهي حمرمة‪،‬‬
‫واهلل ‪ ‬أعلم‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪.‬‬

‫((( العقود ص‪.245‬‬

‫‪344‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫الخاتمة‬
‫أمحد اهلل عىل توفيقه‪ ،‬وأشكره عىل تيسريه إمتا َم هذا البحث‪.‬‬
‫وأختم البحث باستخالص أهم ما توصلت إليه من النتائج‪ ،‬وهي عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪1.‬خلوة الزوج بزوجته هي‪« :‬انفراد الزوج بزوجته‪ ،‬بعد عقد النكاح‬
‫الصحيح‪ ،‬يف مكان يأمنان فيه من اطالع من َيعقل من الناس عليهام»‪.‬‬
‫كل ما ال يتمكَّن الزوج بسببه من وطء زوجته‪.‬‬‫موانع الوطء َّ‬
‫ُ‬ ‫‪2.‬تشمل‬
‫وهي من خالل التتبع واالستقراء لكالم الفقهاء عىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬املوانع احلسية‪.‬‬
‫وذلك بأن حيول عن الوطء مانع حيس؛ مثل ِصغر الزوج أو الزوجة‪،‬‬
‫وق َص مدة اخللوة عن الوطء‪ ،‬وكون أحد الزوجني مريض ًا مرض ًا يمنع‬ ‫ِ‬
‫اجلامع‪ ،‬أو يلحقه به رضر‪ ،‬وكون الرجل عنين ًا‪ ،‬وكون املرأة رتقاء أو قرناء‪،‬‬
‫ومنع املرأة الرجل من الوطء‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬املوانع الرشعية‪.‬‬
‫وذلك بأن حيول عن الوطء مانع رشعي؛ مثل أن يكون أحد الزوجني‬
‫يف صالة‪ ،‬أو صائ ًام‪ ،‬أو حمرم ًا بحج أو بعمرة فرض ًا أو نفالً‪ ،‬أو تكون املرأة‬
‫حائض ًا أو نفساء‪ ،‬أو تكون اخللوة يف املسجد‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫النوع الثالث‪ :‬املانع الطبعي‪.‬‬


‫وذلك بأن حيول أمر يمنع من الوطء طبع ًا؛ مثل اخلوف من عدو أو‬
‫حيوان أو نحومها‪.‬‬
‫‪3.‬املراد باستقرار الصداق‪ :‬ثبوته وكونه غري قابل للسقوط‪ ،‬وال يستقر‬
‫إال بوجود مؤكِّد من مؤكداته‪ ،‬فحينئذ يتأكد ويصري غري قابل للسقوط‪.‬‬
‫‪4.‬مؤكدات الصداق أربعة‪ ،‬اتفقوا عىل بعضها‪ ،‬واختلفوا يف بعضها‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الوطء‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املوت‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬مقدمات اجلامع‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬اخللوة‪.‬‬
‫‪5.‬اتفق الفقهاء عىل أن الصداق يستقر بوطء الزوج زوجته‪ ،‬وبموت‬
‫أحد الزوجني‪.‬‬
‫‪6.‬اختلفوا يف استقرار الصداق بمقدمات اجلامع؛ كاللمس بشهوة‪،‬‬
‫والنظر إىل فرجها بشهوة‪ ،‬والتقبيل‪ ،‬ونحوها‪ ،‬والراجح‪ :‬استقراره بذلك‪.‬‬
‫‪7.‬اختلفوا يف استقرار الصداق باخللوة بالزوجة بدون وطء‪ ،‬مع‬
‫اكتامل رشوط اخللوة‪ ،‬وعدم ما يمنع من الوطء‪ ،‬وعدم ما يمنع من دواعيه‪،‬‬
‫والراجح‪ :‬استقراره هبا‪ ،‬حتى إذا اتفق الزوجان عىل عدم الوطء‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫‪8.‬واختلفوا يف أثر اخللوة بالزوجة يف استقرار الصداق مع وجود مان ٍع‬


‫يمنع الوطء‪ ،‬وال يمنع دواع َيه؛ ككون الرجل عنين ًا‪ ،‬أو كون املرأة رتقاء‪،‬‬
‫أو حائض ًا‪ ،‬أو كون أحد الزوجني مريض ًا مرض ًا يمنع اجلامع‪ ،‬دون دواعيه‪،‬‬
‫والراجح‪ :‬استقراره هبا؛ سواء كان ما يمنع الوطء منها‪ ،‬أو منه‪ ،‬أو منهام‪،‬‬
‫وذلك؛ ألنه قد نال الزوج من زوجته ما ال يناله إال الزوج‪ ،‬فخال هبا خلوة‬
‫الزوج مع زوجته؛ حيث اقرتن باخللوة متكني من الزوجة للوطء‪ ،‬أو دواعيه‪.‬‬
‫‪9.‬اختلف الفقهاء القائلون بأثر اخللوة يف استقرار الصداق يف اجلملة‬
‫يف علة استقرار الصداق هبا‪ ،‬والراجح أن العلة املقررة للصداق يف اخللوة‬
‫واملبارشة ونحوها‪ :‬هي «استباحة ما ال يستباح إال بالنكاح من املرأة»‪.‬‬
‫وتتحقق هذه العلة يف اخللوة إذا اقرتن باخللوة متكني من الزوجة للوطء‪،‬‬
‫أو دواعيه‪ ،‬حتى وإن مل حيصل متكن من الزوج للوطء أو دواعيه؛ ملانع يمنعه‪.‬‬
‫وعليه؛ تكون علة استقرار الصداق باخللوة‪ :‬هي «اخللوة مع متكني‬
‫الزوجة الزوج مما ال حيل إال للزوج»‪ ،‬فإذا وجدت هذه العلة استقر الصداق‪.‬‬
‫ ‪10.‬واختلفوا يف أثر اخللوة بالزوجة يف استقرار الصداق‪ ،‬مع وجود مان ٍع‬
‫يمنع الوطء‪ ،‬ودواع َيه؛ كأن يكون الزوجان أو أحدمها حمرمني‪ ،‬والراجح‪:‬‬
‫أنه إذا كان ما يمنع الوطء ودواعيه يف الزوج‪ ،‬استقر الصداق باخللوة‪ ،‬وإذا‬
‫كان يف الزوجة‪ ،‬مل يستقر هبا‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫وأويص يف اخلتام بام ييل‪:‬‬


‫‪1.‬أمهية دراسة املسائل الدقيقة التي مل يتحرر فيها القول يف املذاهب‪ ،‬بل‬
‫يف املذهب الواحد‪ ،‬وذلك؛ لنُدرة دراستها دراسة خاصة؛ وذلك؛ كمسألة‬
‫أثر اخللوة بالزوجة‪ ،‬مع وجود ما يمنع الوطء‪ ،‬دون دواعيه‪ ،‬واختالف‬
‫احلكم بني كون املانع من الزوج أو الزوجة‪.‬‬
‫‪2.‬أمهية تطبيق وختريج املسائل التي مل يتطرق هلا الفقهاء املتقدمون‪،‬‬
‫وكذا النوازل احلادثة عىل أقواهلم يف املسائل املتقدمة‪.‬‬
‫وبعد؛ فهذا جهد املقل‪ ،‬فام كان فيه من صواب فهو بتوفيق اهلل وعونه‬
‫وتسديده‪ ،‬وما كان فيه من خطأ فمن نفيس والشيطان‪ ،‬واهلل املستعان‪ ،‬وهو‬
‫املوفق واملعني‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫فهرس المراجع‬
‫‪1.‬أحكام الصداق يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم بن صنيتان العمري‪،‬‬
‫اجلامعة اإلسالمية ‪ -‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬حممد نارص الدين األلباين‪،‬‬
‫املكتب اإلسالمي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪3.‬االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلامء األقطار فيام تضمنه املوطأ‬
‫من معاين الرأي واآلثار ورشح ذلك كله باإلجياز واالختصار‪ ،‬أبو عمر يوسف‬
‫بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد املعطي أمني قلعجي‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار قتيبة ‪ -‬دمشق‪ ،‬دار الوعي ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1414 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪4.‬اإلقناع يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬موسى بن أمحد بن موسى بن سامل بن‬
‫عيسى بن سامل احلجاوي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد اللطيف حممد موسى السبكي‪ ،‬دار‬
‫املعرفة ‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪5.‬األم‪ ،‬الشافعي أبو عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثامن بن شافع‬
‫بن عبد املطلب بن عبد مناف املطلبي القريش املكي‪ ،‬النارش‪ :‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬سنة النرش‪1410 :‬هـ ‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪6.‬اإلنصاف يف معرفة اخلالف مع الرشح الكبري‪ ،‬عالء الدين عيل بن سليامن‬
‫املرداوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬توزيع وزارة الشؤون اإلسالمية‬
‫واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪7.‬البحر الرائق‪ ،‬ابن نجيم‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪8.‬البدر املنري يف ختريج األحاديث واآلثار الواقعة يف الرشح الكبري‪ ،‬ابن امللقن‬
‫رساج الدين أبو حفص عمر بن عيل بن أمحد الشافعي املرصي‪ ،‬املحقق‪:‬‬

‫‪349‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫مصطفى أبو الغيط‪ ،‬وعبد اهلل بن سليامن‪ ،‬ويارس بن كامل‪ ،‬النارش‪ :‬دار اهلجرة‬
‫للنرش والتوزيع ‪ -‬الرياض‪-‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬
‫‪9.‬بداية املجتهد وهناية املقتصد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد بن‬
‫رشد القرطبي الشهري بابن رشد احلفيد‪ ،‬دار احلديث ‪ -‬القاهرة‪1425 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬بدائع الصنائع‪ ،‬عالء الدين الكاساين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1406‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬
‫ ‪11.‬البناية رشح اهلداية‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬البيان‪ ،‬العمراين‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1421 ،‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬البيان والتحصيل‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1408 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬التاج واإلكليل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1416 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬تبيني احلقائق‪ ،‬الزيلعي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫ ‪16.‬التعليق عىل الروض املربع‪ ،‬حممد بن صالح بن عثيمني‪ ،‬مؤسسة الشيخ حممد‬
‫بن صالح بن عثيمني‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1437 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪17.‬هتذيب اللغة‪ ،‬حممد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عوض مرعب‪،‬‬
‫دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬تنقيح حتقيق أحاديث التعليق‪ ،‬شمس الدين حممد بن أمحد بن عبد اهلادي‬
‫احلنبيل‪ ،‬حتقيق‪ :‬أيمن صالح شعبان‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬دار الفكر‪-‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1412 ،‬هـ‪1992-‬م‪.‬‬
‫ ‪20.‬حاشيتا قليويب وعمرية‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪1415 ،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪21.‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد‬
‫بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش‬
‫والتوزيع‪1424 ،‬هـ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد‬
‫بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي‪ ،‬املحقق‪ :‬الشيخ عيل حممد‬
‫معوض‪ ،‬الشيخ عادل أمحد عبد املوجود‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬
‫‪ -‬لبنان ‪ -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1419 ،‬هـ ‪1999-‬م‪.‬‬
‫ ‪23.‬اخللوة وأثرها يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬فاتن املرشف‪ ،‬رسالة ماجستري مقدمة لقسم‬
‫الفقه بكلية الرشيعة بجامعة اإلمام حممد بن سعود‪ ،‬لعام ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫ ‪24.‬دراسة تعقبات ابن الرتكامين يف اجلوهر النقي عىل البيهقي يف السنن الكربى‬
‫من أول كتاب النكاح إىل آخر كتاب املرتد‪ ،‬عبد الرمحن بن صالح الشمراين‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪25.‬الدر املختار‪ ،‬احلصكفي‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1412 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫ ‪26.‬الذخرية‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن إدريس القرايف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حجي‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الغرب ‪ -‬بريوت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬سنن أيب داود‪ ،‬أبو داود سليامن بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن‬
‫عمرو األزدي الس ِجستاين‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬حمَمد ِ‬
‫كامل قره بليل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ‬
‫دار الرسالة العاملية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫ ‪28.‬سنن الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪ ،‬الرتمذي‪،‬‬
‫أبو عيسى‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬أمحد حممد شاكر وحممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم‬
‫عطوة عوض‪ ،‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احللبي ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية‪1395 ،‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪29.‬رشح الزركيش عىل خمترص اخلرقي‪ ،‬شمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن عبد اهلل‬
‫الزركيش املرصي احلنبيل‪ ،‬قدم له ووضع حواشيه‪ :‬عبد املنعم خليل إبراهيم‪،‬‬
‫النارش دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫ ‪30.‬الرشح الكبري بحاشية الدسوقي‪ -‬حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي املالكي‪،‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪31.‬الرشح الكبري مع اإلنصاف يف معرفة اخلالف‪ ،‬شمس الدين عبد الرمحن بن‬
‫حممد بن قدامة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪ ،‬توزيع وزارة الشؤون اإلسالمية‬
‫واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪32.‬رشح خمترص خليل‪ ،‬حممد بن عبد اهلل اخلريش‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪33.‬رشح مشكل اآلثار‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن عبد امللك بن سلمة‬
‫األزدي احلجري املرصي املعروف بالطحاوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪34.‬رشح ميارة‪ ،‬مطبعة االستقامة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪35.‬الصحاح‪ ،‬أبو نرص إسامعيل بن محاد اجلوهري الفارايب‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد‬
‫الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة‪1407 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫ ‪36.‬صحيح البخاري‪ ،‬حممد بن إسامعيل أبو عبد اهلل البخاري اجلعفي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد زهري بن نارص النارص‪ ،‬دار طوق النجاة «مصورة عن السلطانية بإضافة‬
‫ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي»‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪37.‬صحيح سنن أيب داود‪ ،‬أبو عبد الرمحن حممد نارص الدين‪ ،‬بن احلاج نوح‬
‫بن نجايت بن آدم‪ ،‬األشقودري األلباين‪ ،‬مؤسسة غراس للنرش والتوزيع ‪-‬‬
‫الكويت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‬

‫‪352‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪38.‬العقود‪ ،‬شيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪،‬‬
‫مكتبة السنة املحمدية‪.‬‬
‫ ‪39.‬الفتاوى الكربى‪ ،‬أمحد ابن تيمية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1408‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫ ‪40.‬الفتاوى اهلندية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1310 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪41.‬فتح القدير‪ ،‬ابن اهلامم‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪42.‬الفروق‪ ،‬القرايف‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1402 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫ ‪43.‬الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار‪ ،‬أبو بكر بن أيب شيبة‪ ،‬عبد اهلل بن حممد‬
‫بن إبراهيم بن عثامن بن خواستي العبيس‪ ،‬املحقق‪ :‬كامل يوسف احلوت‪،‬‬
‫مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪44.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن‬
‫بن إدريس البهويت احلنبيل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪45.‬لسان العرب ملحمد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أيب الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن منظور‬
‫األنصاري اإلفريقي‪ ،‬دار صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪46.‬املبسوط‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪1414 ،‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬
‫ ‪47.‬جممع األهنر‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد شيخي زاده‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫ ‪48.‬جممع الضامنات‪ ،‬أبو حممد غانم بن حممد البغدادي احلنفي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪49.‬املحىل باآلثار‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم األندليس القرطبي‬
‫الظاهري‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪50.‬املدونة‪ ،‬مالك بن أنس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫ ‪51.‬مسائل اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬رواية ابن أيب الفضل صالح‪ ،‬الدار العلمية ‪-‬‬
‫اهلند‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪52.‬املصباح املنري يف غريب الرشح الكبري‪ ،‬ألمحد بن حممد بن عيل الفيومي ثم‬
‫احلموي‪ ،‬املكتبة العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪53.‬املصنف‪ ،‬عبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ ،‬دار الفكر‪1414 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫ ‪54.‬املصنف‪ ،‬عبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪،‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪55.‬املصنف‪ ،‬عبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬مركز البحوث ‪ -‬دار التأصيل‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية‪1437 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪56.‬مطالب أويل النهى يف رشح غاية املنتهى‪ ،‬مصطفى الرحيباين‪ ،‬املكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1415 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫ ‪57.‬املطلع عىل ألفاظ املقنع‪ ،‬حممد بن أيب الفتح بن أيب الفضل البعيل‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫حممود األرناؤوط‪ ،‬وياسني حممود اخلطيب‪ ،‬مكتبة السوادي للتوزيع‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫ ‪58.‬معاين القرآن‪ ،‬أبو زكريا حييى بن زياد بن عبد اهلل بن منظور الديلمي الفراء‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬أمحد يوسف النجايت‪ ،‬حممد عيل النجار‪ ،‬عبد الفتاح إسامعيل الشلبي‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار املرصية للتأليف والرتمجة ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪.‬‬
‫ ‪59.‬املعجم الوسيط‪ ،‬إلبراهيم مصطفى وآخرين‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬
‫ ‪60.‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬ملحمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي‪ ،‬دار النفائس‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫ ‪61.‬معرفة السنن واآلثار‪ ،‬أمحد بن احلسني بن عيل بن موسى اخلراساين‪ ،‬أبو بكر‬
‫البيهقي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد املعطي أمني قلعجي‪ ،‬النارشون‪ :‬جامعة الدراسات‬
‫اإلسالمية (كراتيش ‪ -‬باكستان)‪ ،‬دار قتيبة (دمشق ‪-‬بريوت)‪ ،‬دار الوعي‬

‫‪354‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫أثر الخلوة بالزوجة في استقرار الصداق‬

‫(حلب ‪ -‬دمشق)‪ ،‬دار الوفاء (املنصورة ‪ -‬القاهرة)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1412 ،‬هـ‬


‫‪1991 -‬م‪.‬‬
‫ ‪62.‬املغني‪ ،‬أبو حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة‪ ،‬مكتبة‬
‫القاهرة‪1388 ،‬هـ ‪1968 -‬م‪.‬‬
‫ ‪63.‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬حممد بن أمحد‬
‫اخلطيب الرشبيني الشافعي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫ ‪64.‬مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس القزويني الرازي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد السالم حممد‬
‫هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫ ‪65.‬منح اجلليل‪ ،‬دار الفكر‪1409 ،‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫ ‪66.‬مواهب اجلليل‪ ،‬أبو احلطاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1412 ،‬هـ‪1992-‬م‪.‬‬
‫ ‪67.‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬صادر عن‪ :‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية ‪-‬‬
‫الكويت‪ ،‬الطبعة‪( :‬من ‪1427 - 1404‬هـ)‪.‬‬
‫ ‪68.‬املوطأ‪ ،‬مالك بن أنس أبو عبداهلل األصبحي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬مرص‪.‬‬
‫ ‪69.‬اهلداية يف رشح بداية املبتدي‪ ،‬عيل بن أيب بكر بن عبد اجلليل الفرغاين املرغيناين‪،‬‬
‫أبو احلسن برهان الدين‪ ،‬املحقق‪ :‬طالل يوسف‪ ،‬النارش‪ :‬دار احياء الرتاث‬
‫العريب ‪ -‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬
‫دراسة تأصيلية قضائية‬

‫د‪ .‬فهد بن عبد الرحمن الدهمش‬


‫األستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء‬

‫‪357‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فلام كان علم القضاء من أجل العلوم قدر ًا وأعزها مكان ًا وأرشفها‬
‫ذكر ًا‪ ،‬ألنه مقام عيل ومنصب نبوي‪ ،‬به الدماء تعصم وتسفح‪ ،‬واألبضاع‬
‫حترم وتنكح‪ ،‬واألموال يثبت ملكها ويسلب‪ ،‬واملعامالت يعلم ما جيوز‬
‫منها وحيرم ويكره ويندب‪ ،‬وكانت طرق العلم به خفية املشارب‪ ،‬خموفة‬
‫العواقب‪ ،‬كان االعتناء بتقرير أصوله وحترير فصوله من أجل ما رصفت‬
‫له العناية‪ ،‬ومحدت عقباه يف البداية والنهاية‪ ،‬وليس علم القضاء كغريه من‬
‫العلوم(((‪.‬‬
‫وملا كان من أهم املسائل التي تكلم عنها الفقهاء يف باب الدعوى‪:‬‬
‫رشوط الدعوى‪ ،‬وقد ذكروا من ضمنها‪ :‬رشط الصفة يف الدعوى‪.‬‬
‫وقد اطلعت عىل مبادئ األوراق التجارية التي أصدرهتا وزارة التجارة‪،‬‬
‫وهي خالصة ما استقر عليه العمل من مبادئ يف قضايا األوراق التجارية‪.‬‬
‫والتي تضم (‪ )140‬مبدأ مستنبطة من قرارات اللجنة القانونية االستئنافية‬
‫لقرارات مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية عىل مستوى اململكة‪.‬‬

‫((( من مقدمة تبرصة احلكام‪ ،‬البن فرحون ‪.1/1‬‬

‫‪358‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫فرغبت أن أدرس بعضها دراس ًة فقهية نظامية‪ ،‬مقارن ًا هلا مع «نظام‬


‫ُ‬
‫املرافعات»‪ ،‬مع ذكر جمموعة من األحكام القضائية املكتسبة القطعية‪ ،‬مما له‬
‫عالقة باملبادئ حمل الدراسة‪.‬‬
‫اقترصت عىل املبادئ املتعلقة بالصفة يف الدعوى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫واهلل أسأل أن جيعله خالص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يتقبله وينفع به‪.‬‬
‫وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أمهية املوضوع وأسباب اختياره‪:‬‬
‫‪1.‬أمهية موضوع رشط الصفة‪ ،‬وما يرتتب عليه من قبول الدعوى‬
‫ورفضها‪ ،‬وعدم السري فيها‪.‬‬
‫‪2.‬إبراز أمهية املبادئ باعتبارها خالصة النتاج القضائي يف فرتة عمل‬
‫مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪3.‬الربط بني املبادئ وتأصيلها فقهي ًا‪ ،‬وتطبيقها قضائي ًا يف حماكم اململكة‬
‫العربية السعودية‪.‬‬
‫‪4.‬مجع املتفرق فيام يتعلق برشط الصفة يف الدعوى‪ ،‬وتأصيله فقه ًا‬
‫ونظام ًا‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫بعد البحث مل أجد من كتب عن هذه املبادئ‪ ،‬وذلك لقرب صدورها‬
‫وإعالهنا الرسمي من ِق َبل وزارة التجارة‪ ،‬وأما يف جمال احلديث عن الصفة‬
‫يف الدعوى‪ ،‬فقد جاء الكالم عنها ضمن ًا ومفرق ًا يف كتب الفقه‪ ،‬والقانون‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫درست املبادئ وفق املنهج اآليت‪:‬‬
‫ُ‬
‫أوالً‪ :‬دراسة مبادئ األوراق التجارية بالطريقة التالية‪:‬‬
‫‪1.‬ذكر نص املبدأ كام ورد يف مبادئ األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪2.‬رشح املبدأ وبيان صورته‪ ،‬وذكر ما له عالقة بـ«نظام املرافعات‬
‫الرشعية»‪ ،‬وذكر التطبيق املنشور معه باختصار وشمول حليثيات القضية‪.‬‬
‫‪3.‬ذكر تطبيقات قضائية له عالقة باملبدأ أو برشط الصفة بشكل عام‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬دراسة األحكام القضائية‪ ،‬وفق املنهج اآليت‪:‬‬
‫‪ .‬أبيانات القضية‪.‬‬
‫‪.‬بالتكييف للقضية‪.‬‬
‫‪.‬تملخص وقائع القضية‪.‬‬
‫‪.‬ثاحلكم وتسبيباته‪.‬‬
‫‪ .‬جبيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ثالث ًا‪ :‬وثقت األقوال من مصادرها األصيلة‪ ،‬واعتمدت عىل أمهات‬


‫كتب املصادر األصيلة إن وجد فيها ما يغني عن غريها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬ركزت عىل موضوع البحث وجتنبت االستطراد‪ ،‬واعتنيت‬
‫بدراسة ما جد من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬كتبت اآليات وفق الرسم العثامين مضبوطة بالشكل‪ ،‬مع‬
‫ترقيمها‪ ،‬وبيان سورها‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬خرجت األحاديث واآلثار من مصادرها املعتمدة ‪-‬مع ذكر‬
‫الكتاب والباب ثم اجلزء والصفحة ورقم احلديث أو األثر إن كان موجو ًدا‬
‫يف املصدر‪ -‬فإن كان احلديث أو األثر يف الصحيحني أو أحدمها اكتفى‬
‫بالعزو إليهام‪ .‬وإن مل يكن احلديث يف أحدمها فخرجته من مصادره التي‬
‫وقفت عليها‪ ،‬ثم ذكرت ما وقفت عليه من كالم أهل العلم عليه تصحيح ًا‬
‫أو تضعيف ًا‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬وثقت املعاين من معاجم اللغة املعتمدة‪ ،‬وأحلت عليه باملادة‬
‫واجلزء والصفحة‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬وضعت خامتة تضمنت أهم النتائج والتوصيات‪ ،‬بام يعطي فكرة‬
‫واضحة عام يتضمنه البحث‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫وفيها مقدمة وفصل متهيدي‪ ،‬وفصالن‪ ،‬وخامتة‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫وتشتمل عىل أمهية البحث وأسباب اختياره‪ ،‬والدراسات السابقة‪،‬‬
‫ومنهج البحث‪ ،‬وخطة البحث‪.‬‬
‫الفصل التمهيدي‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬معنى الصفة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬معنى املبادئ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ملحة عن مبادئ األوراق التجارية‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬جلنة الفصل يف منازعات األوراق التجارية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مبادئ األوراق التجارية‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬رشط الصفة يف الدعوى‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رشوط الدعوى‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التأصيل الفقهي والنظامي لرشط الصفة يف الدعوى‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رشط الصفة عند الفقهاء‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الصفة يف «نظام املرافعات»‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الصفة يف املدعي واملدعى عليه‪.‬‬


‫الفصل الثاين‪ :‬الصفة يف مبادئ األوراق التجارية‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬توافر رشط الصفة‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبدأ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رشح املبدأ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حتديد صاحب الصفة يف الدعوى‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبدأ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رشح املبدأ‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التظلم من غري ذي صفة‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبدأ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رشح املبدأ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫وفيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫فهرس املصادر‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الفصل التمهيدي‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‬
‫معنى الصفة‬
‫معنى الصفة لغ ًة‪:‬‬
‫حله‬ ‫وصفت اليشء وصف ًا وصف ًة‪ ،‬أي َّ‬ ‫ُ‬ ‫الصفة يف اللغة مصدر من‬
‫و َن َعتَه‪ ،‬ومنه الصفة عند النحويني‪ ،‬فهم يعنون به النعت كاسم الفاعل مثل‬
‫ضارب‪ ،‬أو اسم املفعول مثل مرضوب‪ ،‬ونحوها(((‪ ،‬ومن الصفة بمعنى‬
‫ان َ َ ٰ‬‫ۡ َ ّ َ َ ُّ َ َّ ۡ َ ٰ ُ ۡ ُ ۡ َ َ ُ‬ ‫ََٰ َ ّ ۡ ُ‬
‫ع‬ ‫ٱحكم بِٱل ِقۗ وربنا ٱلرحمن ٱلمستع‬ ‫ب‬
‫النعت‪ ،‬قوله تعاىل‪﴿ :‬قل ر ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫َما ت ِصفون‪ ،(((﴾112‬أي ما تصفونه من الكذب تعاىل اهلل عام يقوله الظاملون‪.‬‬
‫وتأيت بمعنى األ َمارة الالزمة لليشء كالسواد والبياض‪ ،‬والعلم‬
‫أصل واحد‪ ،‬وهو حتلية‬ ‫واجلهل‪ ،‬قال ابن فارس‪« :‬الواو والصاد والفاء‪ٌ :‬‬
‫اليشء‪ ،‬وصفتُه ِ‬
‫أصفه وصف ًا‪ ،‬والصفة األمارة الالزمة لليشء‪ ،‬كام يقال َو َزنتُه‬
‫وزن ًا»(((‪.‬‬

‫((( الصحاح‪ ،‬للجوهري ‪.1189/3‬‬


‫((( سورة األنبياء‪.112 :‬‬
‫((( مادة (وصف) معجم مقاييس اللغة ‪ ،634/1‬الصحاح‪ ،‬للجوهري ‪ ،1189/3‬لسان‬
‫العرب ‪.223/15‬‬

‫‪365‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫معنى الصفة اصطالح ًا‪:‬‬


‫هي والية مبارشة الدعوى يف املدعي واملدعى عليه‪ ،‬وذلك بأن تكون‬
‫الدعوى أو الدفع من صاحب احلق أو من يقوم مقامه‪ ،‬فأصحاب احلقوق‬
‫هم ذوو الصفة يف املخاصمة‪ ،‬وسيأيت مزيد تفصيل وبيان هلا يف التأصيل‬
‫بإذن اهلل تعاىل(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬قواعد املرافعات‪ ،‬حممد وعبد الوهاب العشاموي ‪ ،581 - 580/1‬الكاشف‬
‫رشح نظام املرافعات‪ ،‬الشيخ عبد اهلل بن خنني ‪ ،34/1‬أحكام الدعوى القضائية‪،‬‬
‫البن خنني ص‪ ،145‬أصول املرافعات الرشعية‪ ،‬هشام عوض ص‪ ،231‬القضاء‬
‫ونظامه يف الكتاب والسنة‪ ،‬لعبد الرمحن احلمييض ص‪.387‬‬

‫‪366‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المبحث الثاني‬
‫معنى المبادئ‬
‫معنى املبادئ لغ ًة‪:‬‬
‫مصدر ميمي من بدأ‪ ،‬ومبدأ اليشء أوله ومادته التي‬
‫ٌ‬ ‫مجع مبدأ‪ ،‬وهي‬
‫يتكون منها وقواعده األساسية التي يقوم عليها‪ ،‬كالنواة مبدأ النخل‪،‬‬
‫وكاحلروف مبدأ الكالم‪.‬‬
‫و ُيطلق البدء عىل عدة معان‪ ،‬منها‪ :‬اإلنشاء واالخرتاع‪ ،‬وجعل اليشء‬
‫أوالً(((‪.‬‬
‫معنى املبادئ اصطالح ًا‪:‬‬
‫املبادئ اصطالح ًا‪ :‬هي قواعد اليشء األساسية التي يقوم عليها(((‪.‬‬
‫وأما تعريف املبادئ القضائية‪ :‬فقد تعددت التعريفات للمبادئ القضائية‬
‫العتبارات متعددة‪ ،‬ومن هذه التعريفات‪:‬‬
‫أهنا‪ :‬جمموعة القواعد التي تستنتج من األحكام القضائية‪ ،‬والتي هتدف‬
‫إىل تغطية غياب النص الترشيعي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قواعد قضائية يضعها القايض‪ ،‬هيدف يف املقام األول تغطية غياب‬
‫النصوص(((‪.‬‬
‫((( مادة (بدأ) معجم مقاييس اللغة ‪ ،212/1‬لسان العرب ‪ ،31/2‬الكليات ص‪.20‬‬
‫((( انظر املعجم الوسيط ‪ ،42/1‬التعريفات‪ ،‬للجرجاين ص‪ ،197‬كشاف اصطالحات‬
‫الفنون ‪.12/1‬‬
‫((( املبادئ القضائية يف حماكم اململكة العربية السعودية ص‪ 39‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ومما يؤخذ عىل هذه التعريفات‪ ،‬ذكر الغاية من املبادئ وهي خارجة عن‬
‫حد التعريف‪.‬‬
‫ومن أشهر التعريفات للمبادئ‪ ،‬التعريف الصادر من املحكمة العليا‬
‫هبيئتها العامة بأن املبدأ القضائي هو‪:‬‬
‫القاعدة القضائية العامة املوضوعية واإلجرائية التي تقررها املحكمة‬
‫العليا‪ ،‬وتُراعى عند النظر يف القضايا وإصدار األحكام والقرارات(((‪.‬‬
‫لحظ عىل هذا التعريف بعض املآخذ‪ ،‬وذلك لكون بعض القيود غري‬
‫و ُي َ‬
‫داخلة يف حد التعريف‪.‬‬
‫فقيد‪( :‬التي تقررها املحكمة العليا)‪ ،‬هو قيد لذكر مصدر املبادئ‪ ،‬وهو‬
‫خارج عن التعريف‪.‬‬
‫وقيد‪( :‬تراعى عند النظر يف القضايا وإصدار األحكام والقرارات)‪،‬‬
‫هذا قيد تم ذكره لبيان ثمرة وفائدة املبدأ وجمال العمل به‪ ،‬وهذا خارج عن‬
‫حد التعريف‪.‬‬
‫ذكر ألنواع القواعد العامة أو املبادئ‪،‬‬
‫قيد‪( :‬املوضوعية واإلجرائية) هو ٌ‬
‫وهذا خارج عن احلد‪.‬‬
‫فلو قيل إن تعريف املبدأ القضائي‪ :‬القاعدة القضائية العامة؛ لكان أدق‬
‫يف التعريف‪ ،‬وصار شام ً‬
‫ال للمحدود‪.‬‬

‫((( املبادئ والقرارات ص‪.33‬‬

‫‪368‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المبحث الثالث‬
‫لمحة عن مبادئ األوراق التجارية‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬لجنة الفصل في منازعات األوراق التجارية‪.‬‬

‫يف عام ‪1350‬هـ صدر «نظام املحكمة التجارية» باألمر السامي رقم‬
‫(‪ )32‬وتاريخ ‪1350/1/15‬هـ‪ ،‬واختص املجلس التجاري األعىل‬
‫‪-‬املشار إليه يف الباب الثالث من النظام‪ -‬بالفصل يف املنازعات التجارية‪،‬‬
‫ومنها قضايا األوراق التجارية‪.‬‬
‫ثم صدر قرار جملس الوزراء رقم (‪ )288‬وتاريخ ‪1380/6/2‬هـ‪،‬‬
‫بنقل اختصاصات املجلس التجاري األعىل إىل وزارة التجارة‪.‬‬
‫يف عام ‪1383‬هـ صدر «نظام األوراق التجارية» باملرسوم امللكي رقم‬
‫(‪ )37‬وتاريخ ‪1383/10/11‬هـ‪ ،‬وقد أوكل النظام لوزير التجارة تعيني‬
‫اجلهة التي تنظر يف املنازعات الناشئة عن تطبيق النظام‪.‬‬
‫وصدر قرار وزير التجارة رقم (‪ )262‬وتاريخ ‪1384/11/26‬هـ‪،‬‬
‫بتشكيل هيئة فض املنازعات التجارية‪ ،‬وكان من اختصاصاهتا فرض‬
‫العقوبات الواردة يف «نظام األوراق التجارية»‪.‬‬
‫ويف عام ‪1385‬هـ صدر «نظام الرشكات»‪ ،‬والذي نص يف مادته (‪)232‬‬
‫عىل إنشاء‪ :‬هيئة حسم منازعات الرشكات التجارية‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ثم يف عام ‪1387‬هـ صدر قرار جملس الوزراء باملوافقة دمج هيئة فض‬
‫املنازعات التجارية‪ ،‬وهيئة حسم منازعات الرشكات التجارية يف هيئة‬
‫واحدة تسمى‪ :‬هيئة حسم املنازعات التجارية‪ ،‬مع تشكيل هيئة متييز جتارية‬
‫تتوىل املصادقة عىل القرارات االبتدائية الصادرة من اهليئة‪.‬‬
‫وصدر قرار وزير التجارة برقم (‪ )137‬وتاريخ ‪1387/2/20‬هـ‪ ،‬بأن‬
‫هيئات حسم املنازعات التجارية هي املختصة بالنظر يف املنازعات الناشئة‬
‫عن تطبيق «نظام األوراق التجارية»‪.‬‬
‫ثم صدرت عدة قرارات وزارية‪ :‬رقم (‪ )353‬ورقم (‪ )354‬بتاريخ‬
‫‪1388/5/11‬هـ‪ ،‬ورقم (‪ )358‬وتاريخ ‪1388/5/16‬هـ‪ ،‬والقاضية‬
‫بتشكيل جلان األوراق التجارية للنظر يف القضايا الناشئة عن تطبيق أحكام‬
‫«نظام األوراق التجارية» يف كل من الرياض وجدة والدمام‪.‬‬
‫ثم صدر قرار وزاري رقمه (‪ )859‬وتاريخ ‪1403/3/13‬هـ‪ ،‬من وزير‬
‫التجارة‪ ،‬بشأن إجراءات الفصل يف منازعات األوراق التجارية‪ ،‬والذي‬
‫نص يف املادة التاسعة منه‪« :‬تنظر دعاوى األوراق التجارية أمام اجلهة التي‬
‫حيددها وزير التجارة»(((‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل القرار السابق‪ ،‬تم إنشاء أول مكتب للفصل يف منازعات‬
‫األوراق التجارية‪ ،‬بمسمى‪ :‬مكتب الفصل يف منازعات األوراق‬

‫((( موقع املركز الوطني للوثائق واملحفوظات‪.‬‬


‫‪https://ncar.gov.sa/Documents/‬‬
‫‪Details?Id=%2BBfuWHMEsUVsthHs8xyUfw%3D%3D‬‬

‫‪370‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫التجارية بالرياض‪ ،‬بقرار وزاري من وزير التجارة رقم (‪ ،)918‬وتاريخ‬


‫‪1403/3/25‬هـ‪ ،‬ويتكون املكتب من أربعة أعضاء‪ ،‬وخيتص بالفصل يف‬
‫املنازعات الناشئة عن تطبيق نظام األوراق التجارية بمنطقة الرياض(((‪.‬‬
‫ويتوىل كل عضو يف املكتب التحقيق يف القضية والفصل فيها بالنسبة‬
‫للحق العام واخلاص‪.‬‬
‫ويف نفس القرار الوزاري السابق تم إنشاء جلنة قانونية (استئنافية)‬
‫تتكون من‪ 3 :‬أعضاء‪ ،‬رئيس وعضوين مع عضو احتياطي حيل حمل أي‬
‫عضو من األعضاء الثالثة عند غيابه‪ ،‬وكان من ضمن اختصاصاهتا‪ :‬الفصل‬
‫يف التظلامت املقدمة ضد القرارات الصادرة يف قضايا األوراق التجارية‪،‬‬
‫والتي حتال إليها من وزير التجارة‪ ،‬ويعترب القرار الصادر من هذه اللجنة‬
‫هنائي ًا بعد التصديق عليه من وزير التجارة‪.‬‬
‫وتم تعديل آلية التظلم أو االعرتاض بالتقدم مبارشة إىل اللجنة‬
‫القانونية أو إدارة الفرع التابع هلا‪ ،‬بالقرار الوزاري رقم (‪ )154‬وتاريخ‬
‫‪1431/1/6‬هـ(((‪.‬‬

‫((( موقع املركز الوطني للوثائق واملحفوظات‪.‬‬


‫‪https://ncar.gov.sa/Documents/‬‬
‫‪Details?Id=xEvZiwNHSd%2BIVIkNMsgQ4Q%3D%3D‬‬
‫((( موقع املركز الوطني للوثائق واملحفوظات‪.‬‬
‫‪https://ncar.gov.sa/Documents/‬‬
‫‪Details?Id=qRph%2FdYIqBmwUqw%2FuHRGLA%3D%3D‬‬

‫‪371‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫كام تم التعديل يف نفس القرار السابق يف املادة الثالثة منه‪ :‬بأن يتم التظلم‬
‫أو االعرتاض من قرارات مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية‬
‫باململكة‪ ،‬أمام اللجنة القانونية بالرياض‪ ،‬وختتص بالفصل يف التظلامت‬
‫واالعرتاضات املقدمة ضد مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية‪،‬‬
‫وتكون قراراهتا قطعية وهنائية‪.‬‬
‫وتكون القرارات الصادرة من هذه املكاتب مشمولة بالنفاذ املعجل بغري‬
‫كفالة‪ ،‬وجيب أن تبني ذلك يف قراراهتا‪ ،‬كام نص عليه القرار الوزاري رقم‬
‫(‪ ،)859‬وتاريخ ‪1403/3/13‬هـ‪ ،‬والقرار الوزاري رقم (‪ )154‬وتاريخ‬
‫‪1431/1/6‬هـ‪.‬‬
‫ويف عام ‪1433‬هـ‪ ،‬صدر املرسوم امللكي رقم (‪ )53‬وتاريخ‬
‫‪1433/8/13‬هـ‪ ،‬باملوافقة عىل «نظام التنفيذ»‪ ،‬حيث اعترب النظام األوراق‬
‫التجارية سندات تنفيذية‪ ،‬وتوقفت وزارة التجارة عن استقبال قضايا‬
‫األوراق التجارية يف احلق اخلاص‪.‬‬
‫ثم صدر تعميم رئيس املجلس األعىل للقضاء بتاريخ ‪1439/3/16‬هـ‪،‬‬
‫والذي نص عىل حتديد تاريخ ‪1439/6/1‬هـ‪ ،‬موعد ًا لنقل اختصاص‬
‫مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية يف الدعاوى العامة إىل‬
‫املحاكم اجلزائية‪ ،‬وتوقفت بعدها وزارة التجارة عن استقبال قضايا األوراق‬
‫التجارية يف قضايا احلق العام‪.‬‬
‫ثم صدر قرار رئيس املجلس األعىل للقضاء بتاريخ ‪1442/2/21‬هـ‪،‬‬
‫بنقل االختصاص يف قضايا احلق اخلاص املنظورة لدى مكاتب الفصل يف‬

‫‪372‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫منازعات األوراق التجارية إىل املحاكم والدوائر التجارية املختصة‪ ،‬ونقل‬


‫االختصاص يف قضايا احلق العام إىل املحاكم والدوائر اجلزائية‪ ،‬اعتبار ًا من‬
‫‪1442/3/1‬هـ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبادئ األوراق التجارية‪:‬‬

‫هي جمموعة من املبادئ املتعلقة باألوراق التجارية أصدرهتا وزارة‬


‫التجارة‪ ،‬والتي تضم (‪ )140‬مبدأ مستنبطة من قرارات اللجنة القانونية‬
‫االستئنافية لقرارات مكاتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية عىل‬
‫مستوى اململكة والصادرة من العام ‪1434‬هـ وحتى العام ‪1439‬هـ‪.‬‬
‫وهي خالصة ما استقر عليه العمل من مبادئ يف قضايا األوراق‬
‫التجارية‪.‬‬
‫وتشتمل املجموعة عىل (‪ )15‬باب ًا‪ ،‬وجاء الباب األول يف مفهوم الورقة‬
‫التجارية‪ ،‬والباب الثاين‪ :‬يف الرشوط الشكلية للورقة التجارية‪ ،‬والباب‬
‫الثالث‪ :‬يف الرشوط املوضوعية‪ ،‬والباب الرابع‪ :‬يف االختصاص الوالئي‬
‫واملكاين‪ ،‬والباب اخلامس‪ :‬يف رشط الصفة‪ ،‬والباب السادس‪ :‬فيام يتعلق‬
‫بإجراءات التبليغ‪ ،‬والباب السابع‪ :‬فيام يتعلق بأسباب عدم سامع الدعوى‪،‬‬
‫والباب الثامن‪ :‬يف املدد النظامية‪ ،‬والباب التاسع‪ :‬يف إجراءات نظر الدعوى‪،‬‬
‫والباب العارش‪ :‬يف اإلجراء اجلوهري‪ ،‬والباب احلادي عرش‪ :‬يف الدفع‬
‫اجلوهري‪ ،‬والباب الثاين عرش‪ :‬يف احلق العام‪ ،‬والباب الثالث عرش‪ :‬يف قبول‬
‫التامس إعادة النظر ورفضه‪ ،‬والباب الرابع عرش‪ :‬يف صالحيات اللجنة‬

‫‪373‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫القانونية‪ ،‬والباب اخلامس عرش‪ :‬يف موضوعات عامة كالضامن االحتياطي‬


‫يف الورقة التجارية وحيازة الورقة التجارية وغري ذلك‪.‬‬
‫وسيكون جمال البحث ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬يف الباب اخلامس‪ :‬باب الصفة‪،‬‬
‫وكام هو واضح من عنوان الباب فإنه يتحدث عن الصفة‪ ،‬ولكن احلديث يف‬
‫هذا الباب ليس متسق ًا يف نطاق واحد‪ ،‬وإنام الصفة يف هذا الباب عىل أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬الصفة باعتبارها رشط ًا يف الدعوى‪ ،‬وهذا يشمل املبدأ األول‬
‫يف الباب‪ :‬مبدأ رقم (‪ ،)34‬واملبدأ الثاين يف الباب‪ :‬مبدأ رقم (‪ ،)35‬واملبدأ‬
‫الثالث يف الباب‪ :‬مبدأ رقم (‪.)36‬‬
‫الثاين‪ :‬أما املبدأ رقم (‪ )37‬فاملقصود به الصفة يف الورقة التجارية‪ ،‬وذلك‬
‫ناقل للملكية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تظهري ٍ‬ ‫بأن ُيكَم لغري صاحب الورقة التجارية من دون‬
‫الثالث‪ :‬أما املبدأ رقم (‪ )38‬فاملقصود به‪ :‬تغري الوصف للمدعي واملدعى‬
‫عليه‪ ،‬بجعل املدعي مدعى عليه‪ ،‬وجعل املدعى عليه مدعي‪ ،‬وهذا يتكلم‬
‫عليه الفقهاء يف باب متييز املدعي من املدعى عليه‪ ،‬وهو من املسائل املهمة‬
‫شكلة التي يدور عليها علم القضاء(((‪.‬‬‫ا ُمل ِ‬

‫الرابع‪ :‬أما املبدأ رقم (‪ ،)39‬فيتحدث عن صفة ناظر القضية‪ ،‬بحيث‬


‫أن الذي نظر القضية هو من كان يمثل االدعاء العام عند رفع دعوى احلق‬
‫العام‪ ،‬وهذا مما يطعن يف استقاللية ناظر القضية م ِ‬
‫صدر احلكم‪.‬‬ ‫ُ‬

‫((( تبرصة احلكام‪ ،‬البن فرحون ‪ ،140/1‬معني احلكام‪ ،‬للطرابليس ص‪.53‬‬

‫‪374‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وأما حمل بحثي من مبادئ هذا الباب‪ ،‬فسأقترص ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬عىل‬
‫ما يتعلق بالصفة من جهة كوهنا رشط ًا يف الدعوى‪ ،‬وهذا يشمل‪ ،‬املبادئ‬
‫باألرقام‪.)36( ،)35( ،)34( :‬‬

‫‪375‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الفصل األول‬
‫شرط الصفة في الدعوى‬
‫المبحث األول‬
‫شروط الدعوى‬
‫ٌ‬
‫رشوط سواء فيام يتعلق باملدعي أو املدعى عليه أو الدعوى أو‬ ‫للدعوى‬
‫املدعى به‪ ،‬وسأمجلها يف اآليت‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون كل من املدعي واملدعى عليه بالغ ًا عاقالً‪.‬‬
‫‪2.‬أن تكون الدعوى يف جملس القضاء‪.‬‬
‫‪3.‬أن تكون الدعوى بصيغة اجلزم واليقني‪.‬‬
‫تصور ثبوته‪.‬‬
‫‪4.‬أن يكون املدعى به مما ُي َّ‬
‫‪5.‬أن يكون املدعى به معلوم ًا‪.‬‬
‫‪6.‬أن تكون الدعوى ُم ِ‬
‫لزمة للخصم بحق من احلقوق‪.‬‬
‫‪7.‬أن يكون هناك نزاع حقيقي بني املدعي واملدعى عليه‪.‬‬
‫‪8.‬أن يكون كل من املدعي واملدعى عليه معلوم ًا‪.‬‬
‫‪9.‬أن يكون ا ُملدَّ َعى به مما أباحته الرشيعة‪.‬‬
‫ ‪10.‬أال يصدر من املدعي ما يناقض دعواه‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ ‪11.‬أن تكون الدعوى صادرة من صاحب احلق أو من يقوم مقامه‬


‫كالويص والوكيل‪ ،‬وهذا هو حمل البحث هنا‪ ،‬و ُيستثنى من ذلك ما كان من‬
‫حقوق اهلل‪ ،‬أو ما يعرف بدعوى احلسبة(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬رشح أدب القايض للخصاف‪ ،‬للصدر الشهيد ‪ ،122/2‬حاشية ابن عابدين‪،‬‬
‫‪ 513/11‬وما بعدها‪ ،‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري ‪ ،226-223/4‬مغني‬
‫املحتاج ‪ ،618-617 ،143-141/4‬الرشح الكبري‪ ،‬لشمس الدين ابن قدامة‬
‫‪ ،122/29 ،460/28‬املبدع‪ ،‬البن مفلح ‪ ،73/10‬رشوط أطراف الدعوى‪،‬‬
‫للعرجاين ص‪.184 ،166 ،115 ،78‬‬

‫‪377‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المبحث الثاني‬
‫التأصيل الفقهي والنظامي لشرط الصفة في الدعوى‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شرط الصفة عند الفقهاء‪:‬‬

‫بحق غالب ًا‪ ،‬وطلب اسرتجاعه أو‬


‫ملا كان أساس الدعوى هو االدعاء ٍّ‬
‫املحافظة عليه‪ ،‬وأن رفعها للقضاء هو لقطع النزاع والفصل يف اخلصومات‪،‬‬
‫وذلك بأخذ احلق لصاحبه من املعتدي عليه‪ ،‬كان ال بد حينها أن يكون‬
‫املطالب بذلك هو صاحب احلق أو من ينوب عنه‪ ،‬فأصحاب احلقوق هم‬
‫ذوو الصفة يف املخاصمة عنها أمام القضاء‪ ،‬وهم املختصون بتحصيلها‪.‬‬
‫فاملراد برشط الصفة يف الدعوى‪ :‬أن تكون الدعوى والدفع من صاحب‬
‫احلق أو من يقوم مقامه‪ ،‬لتخويل املدعي حق االدعاء واملخاصمة‪ ،‬وتكليف‬
‫املدعى عليه وإجباره عىل اجلواب واملدافعة‪.‬‬
‫فهي صفة يف طريف اخلصومة‪ ،‬وذلك بأن تكون الدعوى أو الدفع من‬
‫صاحب احلق أو من يقوم مقامه‪ ،‬سوا ًء كان مدعي ًا أو مدعى عليه‪ ،‬بحيث‬
‫يكون املدعي هو صاحب احلق الذي يتقدم بالدعوى للمطالبة بحقه‪،‬‬
‫ويكون املدعى عليه هو املطا َلب باحلق املدَّ عى به‪ ،‬فال تقام الدعوى إال ممن‬
‫يكون خص ًام فيها‪ ،‬أو عىل من يكون خص ًام فيها‪.‬‬
‫أو كام يعرب بعضهم‪ :‬أن ترفع الدعوى من ذي صفة عىل ذي صفة‪ ،‬فال‬
‫تُق َبل الدعوى عىل من ال شأن له يف النزاع‪ ،‬أو ممن ال شأن له يف النزاع‪ ،‬إذ ال‬

‫‪378‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫يمكن حتريك الدعوى القضائية ضد شخص ليس له عالقة أو صفة باحلق‬


‫موضوع الدعوى(((‪.‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء هذا الرشط من جهة املعنى‪ ،‬وإن مل ينصوا عىل رشطيته‬
‫هبذا اللفظ‪ ،‬وقد أشار له الفقهاء يف ثنايا الكالم عن الدعوى واملدعي وذكروا‬
‫يف ثنايا تعريفه أنه من يطلب حق ًا لنفسه‪ ،‬وخيرج بذلك دعوى الفضويل‪ ،‬فلم‬
‫جييزوا لغري صاحب احلق أن يدعي‪ ،‬إال أن يكون نائب ًا عنه‪ ،‬وتكلموا عن‬
‫ذلك حني كالمهم عن الدعوى وصحيحها وفاسدها‪ ،‬وألفاظ الدعوى‪،‬‬
‫وصورها‪ ،‬مما يدل يف ثناياه عىل ما تم ذكره من رشط الصفة‪.‬‬
‫وذلك كقوهلم يف صور الدعوى‪ :‬لو ادعى عليه عين ًا يف يده‪ ،‬وقال‪ :‬هي‬
‫لفالن الغائب‪ ،‬فاألصح أن اخلصومة تنرصف عنه‪ ،‬بخالف ما لو أضاف‬
‫ا ُمللك إىل من ال متكن خماصمته‪ ،‬كقوله‪ :‬هي البني الطفل‪ ،‬ونحوه(((‪.‬‬
‫وجاء يف «رشح أدب القايض» للخصاف((( عن املسألة السابقة‪« :‬ال‬
‫تندفع عنه اخلصومة حتى يقيم البينة عىل ذلك‪ ،‬فإن أقام البينة فال خصومة‬
‫بينه وبني املدعي»‪.‬‬
‫((( قواعد املرافعات‪ ،‬حممد وعبد الوهاب العشاموي ‪ ،581-580/1‬الكاشف رشح‬
‫نظام املرافعات‪ ،‬معايل الشيخ عبد اهلل بن خنني ‪ ،34/1‬أصول املرافعات الرشعية‪،‬‬
‫هشام عوض ص‪ ،234-231‬رشوط أطراف الدعوى‪ ،‬العرجاين ص‪ ،116‬الوجيز‬
‫يف نظام املرافعات‪ ،‬متويل املريس ص‪.223‬‬
‫((( انظر‪ :‬أدب القايض‪ ،‬البن القاص ‪ ،220/1‬أدب القضاء‪ ،‬للغزي ص‪ ،162‬معني‬
‫احلكام‪ ،‬للطرابليس ص‪ ،53‬األصول القضائية يف املرافعات الرشعية‪ ،‬عيل قراعة‬
‫ص‪ ،7‬أصول علم القضاء وقواعد املرافعات‪ ،‬عبد الرمحن عياد ص‪.147‬‬
‫((( رشح أدب القايض للخصاف‪ ،‬البن مازة ‪270/3‬‬

‫‪379‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ومن األمثلة التي ذكرها أهل العلم ما جاء يف «أدب القضاء للغزي»(((‪:‬‬
‫«الفصل التاسع‪ :‬فيمن يدعي حق ًا لغريه‪ ،‬وليس بوكيل وال ويل‪ ،‬لكن‬
‫مقصوده أن يتوصل إىل حقه‪..‬منها‪ :‬لو أحرض شخص ًا إىل القايض‪ ،‬وقال‪ :‬يل‬
‫عىل فالن الغائب دين‪ ،‬وهذا وكيله‪ ،‬وغريض أن أ َّد ِع َي يف وجهه‪ ،‬فإن أنكر‬
‫الوكالة‪ ،‬وقلنا‪ :‬ليس بعزل‪ ،‬أو قال‪ :‬ال أعلم أين وكيله‪ ،‬فقال املدعي‪ :‬يل بينة‬
‫ُسمع يف األصح‪ ،‬ألن الوكالة حق للوكيل فليس لغريه‬ ‫عىل أنه وكيله‪ ،‬فال ت َ‬
‫أن يدعي بغري إذنه»‪.‬‬
‫وجاء يف «الدر املختار»(((‪« :‬وركنها ‪-‬أي الدعوى‪ -‬إضافة احلق إىل‬
‫نفسه لو أصي ً‬
‫ال كـ(يل عليه كذا)‪ ،‬أو إضافته إىل من ناب املدعي عنه منابه‬
‫كوكيل وويص»ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال ابن مفلح يف «املبدع»((( يف تعريف الدعوى‪« :‬ويف الرشع إضافته‬
‫إىل نفسه استحقاق يشء يف يد غريها أو يف ذمته‪ ،‬واملدعى عليه من يضاف‬
‫إليه استحقاق يشء عليه»ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫فإضافة استحقاق اليشء لنفسه أو وصيه هو رشط الصفة‪ ،‬فلو كان احلق‬
‫لغريه مث ً‬
‫ال من غري نيابة مل تصح الدعوى‪.‬‬
‫وجاء يف «فتاوى النسفي»‪ :‬ادعى مشرتي األرض عىل بائعه أن هذه‬
‫األرض وقف وقد بعتُها من بائعه بغري حق‪ ،‬قال‪ :‬ليس له هذه املخاصمة‬

‫((( أدب القضاء‪ ،‬للغزي ص‪ ،162‬وانظر‪ :‬مغني املحتاج للرشبيني ‪.545/4‬‬


‫((( الدر املختار مع حاشية ابن عابدين ‪.513/11‬‬
‫((( املبدع ‪ ،145/10‬وانظر اإلنصاف‪ ،‬للمرداوي ‪.119/29‬‬

‫‪380‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫إنام ذلك إىل املتويل‪ ،‬وإن مل يكن ثمة ٍّ‬


‫متول فالقايض ينصب متولي ًا فيخاصمه‬
‫ويثبت الوقفية‪ ،‬فإذا ثبت ذلك ظهر بطالن البيع فيشرتي املشرتي الثمن من‬
‫بائعه(((‪.‬‬
‫فهنا املشرتي ليس له صفة يف الدعوى‪ ،‬وال تقبل خماصمته‪ ،‬وإنام الدعوى‬
‫ملتويل الوقف‪ ،‬وإن مل يكن له ٍّ‬
‫متول فالقايض ينصب متولي ًا‪.‬‬
‫وقال يف «مشكل اآلثار»‪ :‬وقد وجدنا أهل العلم ال خيتلفون يف السارق‬
‫إذا أقر بالرسقة عند اإلمام‪ ،‬وذكر له أوصافها‪ ،‬أنه يقطع يف ذلك وإن مل‬
‫خياصمه رب املرسوق‪ ،‬وخيتلفون فيه إذا ا ُّد ِعيت عليه رسقة ثوب يف يده‬
‫يدعيه لنفسه‪ ،‬وينكر أن يكون رسقه‪ ،‬فإنه هنا ال خصومة بينه وبني من يدعي‬
‫ذلك عليه حتى يكون الذي يدعي ذلك رب الثوب أو من يقوم مقامه(((‪.‬‬
‫وأردت اإلشارة له باختصار‪ ،‬لبيان أن‬
‫ُ‬ ‫وغري ذلك مما ذكره الفقهاء‪،‬‬
‫رب عندهم وإن مل ينصوا عىل اشرتاطه‪.‬‬
‫رشط الصفة معت ٌ‬
‫وقال ابن نجيم يف كالمه يف ضابط الصفة للمدعى عليه ومن يكون‬
‫خص ًام‪« :‬ال ينتصب أحد خص ًام عن أحد بغري وكالة وال نيابة وال والية‪ ،‬إال‬
‫يف مسألتني‪ :‬األوىل‪ :‬أحد الورثة ينتصب خص ًام عن البقية يف مال امليت وما‬
‫عليه‪ ،‬والثانية أحد املوقوف عليهم ينتصب خص ًام عن البقية»(((ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬املحيط الربهاين ‪.197/6‬‬


‫((( مشكل اآلثار ‪ 95/2‬بترصف‪.‬‬
‫((( الفوائد الزينية ص‪.177‬‬

‫‪381‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الصفة في «نظام المرافعات»‪:‬‬

‫جاءت اإلشارة إىل رشط الصفة يف الدعوى يف «نظام املرافعات‬


‫الرشعية»‪ ،‬ويف غريها من التنظيامت(((‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ما نصت املادة السادسة والسبعون من «نظام املرافعات»((( عىل الدفع‬
‫بانعدام الصفة‪:‬‬
‫‪1.‬الدفع بعدم اختصاص املحكمة النتفاء واليتها أو بسبب نوع‬
‫الدعوى أو قيمتها‪ ،‬أو الدفع بعدم قبول الدعوى النعدام الصفة أو األهلية‬
‫أو املصلحة أو ألي سبب آخر‪ ،‬وكذا الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق‬
‫الفصل فيها؛ جيوز الدفع به يف أي مرحلة تكون فيها الدعوى وحتكم به‬
‫املحكمة من تلقاء نفسها‪.‬‬
‫كام جاء يف املادة الثالثة من «نظام املرافعات»‪:‬‬

‫((( ومن ذلك ما جاء يف قواعد وإجراءات عمل جلان الفصل يف املنازعات واملخالفات‬
‫التأمينية‪ ،‬واملوافق عليها بقرار من جملس الوزراء قرار رقم (‪ )190‬وتاريخ‬
‫‪1435/5/9‬هـ‪ ،‬يف مادته الثانية‪« :‬ترفع دعاوى املنازعات واملخالفات التأمينية ممن‬
‫له صفة أو مصلحة يف النزاع إىل اللجان االبتدائية وفق ًا لإلجراءات املبينة يف هذه‬
‫القواعد»‪.‬‬
‫((( «نظام املرافعات الرشعية» صدر باملرسوم امللكي رقم (م‪ )1/‬وتاريخ‬
‫‪1435/1/22‬هـ‪ ،‬وتم نرشه بتاريخ ‪1435/2/3‬هـ‪ ،‬ويتضمن أحكام ًا عامة‪،‬‬
‫واالختصاصات‪ ،‬ورفع الدعوى‪ ،‬وحضور اخلصوم وغياهبم‪ ،‬وإجراءات اجللسات‪،‬‬
‫والدفوع‪ ،‬وتنحي القضاة‪ ،‬وإجراءات اإلثبات‪ ،‬وإصدار األحكام واالعرتاض عليها‪،‬‬
‫والقضاء املستعجل واإلهناءات‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫«ال يقبل أي طلب أو دفع ال تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مرشوعة‪،‬‬
‫ومع ذلك تكفي املصلحة املحتملة إذا كان الغرض من الطلب االحتياط‬
‫لدفع رضر حمدق أو االستيثاق حلق خيشى زوال دليله عند النزاع فيه»‪.‬‬
‫فقوله‪« :‬لصاحبه» يعني صاحب الطلب أو الدفع(((‪.‬‬
‫وأيض ًا قوله‪« :‬لصاحبه يف مصلحة» يعني صاحب احلق له يف الطلب أو‬
‫الدفع مصلحة‪ ،‬إذ القاعدة األساسية من قواعد املرافعات‪ :‬ال دعوى بغري‬
‫مصلحة‪ ،‬فأي طلب أو دفع البد أن يكون لصاحبه فيه مصلحة(((‪.‬‬
‫واختلف القانونيون يف الفرق بني الصفة واملصلحة عىل ثالثة اجتاهات‪:‬‬
‫االجتاه األول‪ :‬ذهبوا إىل أن الصفة يف الدعوى ليست إال وصف ًا من أوصاف‬
‫املصلحة‪ ،‬ألهنم يعدون املصلحة هي الرشط الوحيد لقبول الدعوى‪ ،‬بمعنى‬
‫أن الصفة املطلوبة يف الدعوى ليست إال املصلحة الشخصية املبارشة‪ ،‬بأن‬
‫يكون رافع الدعوى هو صاحب املركز القانوين أو احلق املتنازع فيه‪ ،‬فهام‬
‫متالزمتان‪ ،‬فال يوجد صاحب حق إال وله مصلحة يف مطالبته‪ ،‬وال يوجد‬
‫مصلحة يف املطالبة إال لصاحب احلق أو من ُينيبه‪ ،‬فبنا ًء عىل هذا ال ُيتاج إىل‬
‫اشرتاط الصفة يف الدعوى بل يكتفى برشط املصلحة‪.‬‬
‫وهلذا نجد أن بعض أهل العلم حينام يتكلمون عىل رشط الصفة يذكرونه‬
‫يف معرض الكالم رشط املصلحة‪ ،‬وكذا إذا حتدثوا عن رشط الصفة نجدهم‬
‫((( انظر‪ :‬الكاشف البن خنني ‪.35/1‬‬
‫((( نظرية املصلحة يف الدعوى‪ ،‬رشقاوي ص‪ ،79‬بواسطة بحث‪ :‬رشط املصلحة يف دعوى‬
‫احلقوق يف نظام املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬حممد اللحيدان ص‪.137‬‬

‫‪383‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫يتحدثون عنه من جهة املصلحة‪ ،‬وهذا راجع إىل ما ذكرته سابق ًا من كوهنام‬
‫رشط ًا واحد ًا عندهم‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪ :‬ذهبوا إىل أن رشط الصفة واملصلحة خمتلطان أو متالزمان‬
‫عرف بالصفة‬‫يف بعض الصور‪ ،‬ومتاميزان يف بعضها‪ ،‬فيفرقون بني ما ُي َ‬
‫املوضوعية والصفة اإلجرائية‪ ،‬فإذا كان املدعي يدعي لنفسه‪ ،‬فإن مصلحته‬
‫الشخصية املبارشة هي بذاهتا صفته يف رفعها‪ ،‬وهي التي تسمى بالصفة‬
‫املوضوعية‪ ،‬فتختلط الصفة يف اخلصومة باملصلحة الشخصية املبارشة‪.‬‬
‫وأما إذا كان يدعي ملن هو نائب عنه‪ ،‬فالصفة هنا للنائب‪ ،‬وهي التي‬
‫تسمى بالصفة اإلجرائية‪ ،‬أما املصلحة الشخصية املبارشة فلصاحب احلق‬
‫األصيل‪.‬‬
‫ويبدو التفريق بينهام بوضوح حينام يعني ا ُملن ِّظم األشخاص الذين‬
‫يملكون الصفة ملامرسة الدعوى‪.‬‬
‫االجتاه الثالث‪ :‬ذهبوا إىل الفصل بني املصلحة املبارشة يف الدعوى‪ ،‬وبني‬
‫الصفة فيها‪ ،‬فقالوا إن رشط الصفة الزم مستقل بذاته عن رشط املصلحة‪،‬‬
‫فال ُيغني وجود املصلحة عن رشط الصفة‪ ،‬ألن املصلحة الشخصية املبارشة‬
‫هي الفائدة التي تعود عىل الشخص من مبارشة الدعوى‪ ،‬أما الصفة يف‬
‫الدعوى فهي سلطة مبارشة الدعوى‪ ،‬ومما يؤيد ذلك‪:‬‬

‫‪384‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫‪1.‬أن رشط الصفة ال بد من حت ُّققه يف طريف الدعوى‪ :‬املدعي واملدعى‬


‫عليه‪ ،‬بخالف رشط املصلحة فال بد من حتققه يف املدعي(((‪.‬‬
‫‪2.‬أن رشط املصلحة يظهر ارتباطه باملدعى به وهو احلق يف الدعوى‪،‬‬
‫وأما رشط الصفة فيظهر ارتباطه باملدعي أو املدعى عليه‪.‬‬
‫‪3.‬أن اشرتاط املصلحة هو يف املدعي‪ ،‬وال يمكن اشرتاطها يف املدعى‬
‫عليه‪ ،‬بينام رشط الصفة فيشرتط حتققها يف املدعي واملدعى عليه(((‪.‬‬
‫وعىل كل حال فاحتادمها واندماجهام يف بعض األحوال ال جيب أن يؤدي‬
‫إىل القول بدجمهام‪ ،‬وإنام لكل منهام اختصاصهام املنفرد‪ ،‬فاملصلحة تتع َّلق‬
‫يتوخاها اخلصم من إقامة الدعوى‪ ،‬بينام تتمثل الصفة يف‬ ‫َّ‬ ‫بالفائدة التي‬
‫السلطة والوالية التي متكن اخلصم من إقامة الدعوى(((‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الصفة في المدعي والمدعى عليه‪:‬‬

‫وتكون الصفة للمدعي يف األحوال التالية‪:‬‬


‫‪1.‬كونه أصي ً‬
‫ال يف الدعوى‪.‬‬
‫‪2.‬النائب عن صاحب احلق بوكالة‪.‬‬
‫‪3.‬الويص عىل فاقد األهلية‪.‬‬
‫((( قواعد املرافعات الرشعية‪ ،‬للعشاموي ‪ ،580/1‬الوسيط يف قانون املرافعات املدنية‪،‬‬
‫نبيل عمر ص‪ ،306‬اخلصومة يف الدعوى املدنية‪ ،‬د‪ .‬يارس باسم‪ ،‬أ‪ .‬جياد الدليمي‬
‫ص‪ 14‬وما بعدها‪ ،‬مبادئ املرافعات الرشعية‪ ،‬حممود وايف ص‪ 121‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( رشط الصفة يف أطراف الدعوى القضائية‪ ،‬حممد صبحي ص‪.33‬‬
‫((( رشط الصفة يف الدعوى بني الرشيعة والقانون‪ ،‬سامل املطوع ص‪.35‬‬

‫‪385‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫‪4.‬الويل‪.‬‬
‫‪5.‬ناظر الوقف‪.‬‬
‫‪6.‬من له والية بإذن الشارع له بحسب واليته السلطانية(((‪.‬‬
‫‪7.‬ويف الواقع املعارص يشمل ما يسمى بالشخصية االعتبارية كالرشكات‬
‫واألجهزة احلكومية بتعيني ممثل هلا يف الدعوى‪ ،‬كام جاء يف املادة الثامنة‬
‫والثامنني من «نظام الرشكات»((( من أنه «يمثل رئيس جملس اإلدارة الرشكة‬
‫أمام القضاء وهيئات التحكيم والغري‪ .‬ولرئيس املجلس بقرار مكتوب أن‬
‫يفوض بعض صالحياته إىل غريه من أعضاء املجلس أو من الغري يف مبارشة‬
‫عمل أو أعامل حمددة»‪ ،‬وبنا ًء عىل هذه املادة فالصفة منعقدة لرئيس جملس‬
‫اإلدارة أو من ينيبه يف الرتافع‪.‬‬
‫ونصت املادة السابعة بعد املائتني من «نظام الرشكات» عىل أنه‪ .1« :‬مع‬
‫مراعاة القيود الواردة يف قرار التصفية‪ ،‬يمثل املصفي الرشكة أمام القضاء‬
‫والغري»‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬األصول القضائية يف املرافعات الرشعية ص‪ ،15‬رشوط الدعوى يف نظام‬


‫املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرمحن العايد ص‪.25‬‬
‫((( صدر باملرسوم امللكي رقم (م‪ )3/‬بتاريخ ‪1437/1/28‬هـ‪ .‬يتضمن النظام‪ :‬اثني‬
‫عرش باب ًا‪ ،‬تتضمن أحكام ًا عامة‪ ،‬واألشكال التي تتخذها الرشكات‪ ،‬وأسباب انقضاء‬
‫الرشكة‪ ،‬وتأسيس الرشكات‪ ،‬وحتول الرشكات واندماجها‪ ،‬والرشكات األجنبية‪،‬‬
‫وتصفية الرشكات‪ ،‬والعقوبات‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وبنا ًء عىل املادة السابقة‪ ،‬فالصفة منعقدة للمصفي يف حال تصفية‬


‫الرشكة‪ ،‬وال حيق للرشكاء وال غريهم الرتافع عنها‪ ،‬وسيأيت ٌ‬
‫بيان تطبيقي‬
‫لذلك يف التطبيقات القضائية ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪.-‬‬
‫كام جاء أيض ًا يف املادة اخلامسة والستني بعد املائة من «نظام املرافعات»‬
‫عدد منهم‪:‬‬ ‫اإلشارة إىل ٍ‬

‫«جيب عىل املحكمة ‪-‬بعد النطق باحلكم‪ -‬إفهام اخلصوم بطرق االعرتاض‬
‫املقررة ومواعيدها‪ ،‬كام جيب عليها إفهام األولياء واألوصياء والنظار وممثيل‬
‫األجهزة احلكومية ونحوهم ‪-‬إن صدر احلكم يف غري مصلحة من ينوبون‬
‫عنه أو بأقل مما طلبوا‪ -‬بأن احلكم واجب االستئناف أو التدقيق وأهنا سرتفع‬
‫القضية إىل حمكمة االستئناف»‪.‬‬
‫وأما املدعى عليه فيقال فيه ما قيل يف املدعي‪ ،‬من كونه أصي ً‬
‫ال يف‬
‫اخلصومة‪ ،‬أو نائب ًا عنه‪ .‬وضابط اخلصومة‪ :‬كل من ملك إنشاء يشء ملك أو‬
‫لزمه إذا أقر به‪ ،‬يكون خص ًام فيه‪ ،‬وأما إذا مل يرتتب عىل إقراره حكم مل يكن‬
‫خص ًام بإنكاره‪ ،‬فال تتوجه الدعوى عليه(((‪.‬‬
‫وجاء يف املادة التاسعة واألربعني من «نظام املرافعات» ٌ‬
‫ذكر هلم‪:‬‬
‫«يف اليوم املعني لنظر الدعوى حيرض اخلصوم بأنفسهم أو من ينوب‬
‫عنهم‪ ،‬فإذا كان النائب وكي ً‬
‫ال تعني كونه ممن له حق التوكل حسب النظام»‪.‬‬

‫((( انظر روضة القضاة‪ ،‬للسمناين ‪ ،186/1‬األصول القضائية يف املرافعات الرشعية‪،‬‬


‫عيل ُق ّراعة ص‪ ،56 ،32‬أحكام الدعوى القضائية‪ ،‬ابن خنني ص‪ ،155-145‬رشوط‬
‫أطراف الدعوى‪ ،‬عبداهلل العرجاين ص‪.138‬‬

‫‪387‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وخالصة ما مىض‪ :‬متى ما حتقق تع ُّلق احلق بطريف الدعوى‪ ،‬انعقدت‬


‫الصفة هلام يف الدعوى‪ ،‬وبانتفائها ينتفي رشط قبول الدعوى‪.‬‬
‫ٌ‬
‫رشط لقبوهلا‪ ،‬واالستمرار يف موضوعها‪،‬‬ ‫ورشط الصفة يف الدعوى‪ ،‬هو‬
‫فإذا كان الرشط غري متحقق ابتدا ًء‪ ،‬فإنه يمنع من السري فيها‪ ،‬وأما إذا زالت‬
‫سبب النقطاع اخلصومة ‪ -‬كام سيأيت ‪.-‬‬ ‫ٌ‬ ‫الصفة بعد السري يف الدعوى فإهنا‬
‫وملا كانت الصفة يف الدعوى رشط يف املدعي واملدعى عليه‪ ،‬وكان الزم‬
‫عدم الرشط عدم املرشوط‪ ،‬فإنه يرتتب عىل انتفاء رشط الصفة عدم قبول‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫وللدفع بانتفاء رشط الصفة أحكام وآثار‪ ،‬أمجلها يف اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الدفع بعدم قبول الدعوى النتفاء الصفة هو من الدفوع املوضوعية‬
‫التي جيوز إثارهتا يف أي حالة تكون عليها الدعوى‪ ،‬وال يشرتط تقديمها يف‬
‫ابتداء الدعوى‪ ،‬وقبل السري فيها‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الدفع بعدم قبول الدعوى النتفاء الصفة هو من الدفوع التي جيوز‬
‫أن يتصدى هلا قايض املوضوع ابتدا ًء وال يشرتط أن يتقدم هبا املدعى عليه‪.‬‬
‫حيث نصت املادة السادسة والسبعون من «نظام املرافعات» عىل ذلك‪:‬‬
‫«‪ .1‬الدفع بعدم اختصاص املحكمة النتفاء واليتها أو بسبب نوع‬
‫الدعوى أو قيمتها‪ ،‬أو الدفع بعدم قبول الدعوى النعدام الصفة أو األهلية‬
‫أو املصلحة أو ألي سبب آخر‪ ،‬وكذا الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق‬
‫الفصل فيها؛ جيوز الدفع به يف أي مرحلة تكون فيها الدعوى وحتكم به‬
‫املحكمة من تلقاء نفسها»‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ثالث ًا‪ :‬إذا رأت املحكمة أن الدفع بعدم قبول الدعوى لعيب يف صفة‬
‫املدعى عليه قائم عىل أساس‪ ،‬أجلت نظر الدعوى لتبليغ ذي الصفة‪ ،‬كام‬
‫نصت عليه املادة السابعة والسبعون‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬إذا زالت الصفة أثناء السري يف الدعوى‪ ،‬فال خيلو ذلك من حالني‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬إذا مل تكن الدعوى قد هتيأت للحكم يف موضوعها‪ ،‬فإن‬
‫سري اخلصومة ينقطع‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬إذا هتيأت الدعوى للحكم‪ ،‬فال تنقطع اخلصومة‪ ،‬وعىل‬
‫املحكمة احلكم فيها‪.‬‬
‫وعىل هذا نصت املادة الثامنة والثامنون من «نظام املرافعات»‪:‬‬
‫«‪ .1‬ما مل تكن الدعوى قد هتيأت للحكم يف موضوعها‪ ،‬فإن سري‬
‫اخلصومة ينقطع بوفاة أحد اخلصوم‪ ،‬أو بفقده أهلية اخلصومة‪ ،‬أو بزوال‬
‫صفة النيابة عمن كان يبارش اخلصومة عنه‪ ،‬عىل أن سري اخلصومة ال ينقطع‬
‫أجل مناس ًبا للموكِّل إذا كان قد بادر‬‫بانتهاء الوكالة‪ .‬وللمحكمة أن متنح ً‬
‫ً‬
‫وكيل جديدً ا خالل مخسة عرش يو ًما من انتهاء الوكالة األوىل‪ .‬أما إذا‬ ‫فعني‬
‫هتيأت الدعوى للحكم‪ ،‬فال تنقطع اخلصومة‪ ،‬وعىل املحكمة احلكم فيها»‪.‬‬
‫واملراد بزوال صفة النيابة هنا‪ :‬الويص والويل دون الوكيل(((‪.‬‬
‫وقد رشحت املادة التاسعة والثامنون من «نظام املرافعات» معنى كون‬
‫الدعوى قد هتيأت للحكم‪:‬‬

‫((( انظر‪ :‬املادة الثانية واخلمسون من «نظام املرافعات» والالئحة التنفيذية له‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫«تعد الدعوى مهيأة للحكم يف موضوعها إذا أبدى اخلصوم أقواهلم‬


‫وطلباهتم اخلتامية يف جلسة املرافعة قبل وجود سبب االنقطاع»‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬يتبني مما مىض يف الفقرة (رابع ًا) الفرق بني الصفة يف الدعوى‬
‫كرشط من رشوط قبول الدعوى‪ ،‬وصفة املمثل يف التقايض‪ ،‬فال يؤدي‬
‫زوال الصفة يف الدعوى إىل انقطاع اخلصومة‪ ،‬وإنام إىل عدم قبول الدعوى‪،‬‬
‫بينام الصفة يف التقايض فقد تؤدي إىل انقطاع اخلصومة‪ ،‬ما مل تتهيأ القضية‬
‫للحكم(((‪.‬‬
‫فرق به بني الصفة املوضوعية واإلجرائية كام مر معنا سابق ًا يف‬
‫وهذا مما ُي َّ‬
‫الكالم عىل الفرق بني املصلحة والصفة يف الدعوى‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬حتكم املحكمة يف الدفوع املنصوص عليها يف النظام ‪-‬يف املادتني‬
‫اخلامسة والسبعني‪ ،‬والسادسة والسبعني‪ -‬استقالالً‪ ،‬ما مل تقرر ضمها إىل‬
‫موضوع الدعوى‪ ،‬وعند ضمها للموضوع عىل املحكمة بيان أسباب القبول‬
‫أو الرد يف احلكم‪.‬‬
‫وإن حكمت بقبول الدفع استقالالً عن موضوع الدعوى‪ ،‬فيكون‬
‫حكمها خاضع ًا لطرق االعرتاض‪ ،‬كام نصت عليه «الالئحة التنفيذية لنظام‬
‫املرافعات» (‪:)2/77‬‬
‫«إذا حكمت املحكمة ‪-‬عىل استقالل‪ -‬بقبول الدفع فيكون حكمها‬
‫خاض ًعا لطرق االعرتاض»‪.‬‬

‫((( رشط الصفة يف أطراف الدعوى القضائية‪ ،‬حممد العايدي‪ ،‬ص‪،49‬‬

‫‪390‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الفصل الثاني‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬
‫المبحث األول‬
‫توافر شرط الصفة‬
‫وفيه ثالث مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المبدأ‪:‬‬

‫املبدأ (‪ :)34‬التحقق من توافر رشط الصفة ألطراف الدعوى من‬


‫املسائل األولية التي يتعني البت فيها قبل السري يف موضوعها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شرح المبدأ‪:‬‬

‫رشط الصفة يف الدعوى هو من أوائل الرشوط التي يتعني النظر فيها‬


‫قبل السري يف الدعوى‪ ،‬وكام تم بيانه سابق ًا عن معنى الرشط‪ ،‬وخالصته‪:‬‬
‫بأنه من له حق اخلصومة وإقامة الدعوى‪ ،‬فأصحاب احلقوق هم ذووالصفة‬
‫يف املخاصمة عنها أمام القضاء‪.‬‬
‫فهو من املسائل األولية التي يتعني حتققها بداءة‪ ،‬ويتوجب عىل قايض‬
‫املوضوع الفصل فيها من تلقاء نفسه ولو مل يكن َث َّم دفع من قبل أطراف‬
‫الدعوى‪ ،‬لتعلقها بالنظام العام‪ ،‬كام نصت عليه املادة السادسة والسبعون من‬
‫«نظام املرافعات»‪« :‬وحتكم به املحكمة من تلقاء نفسها»‪ ،‬وألنه ينبني عىل‬
‫عدم حتقق الرشط عدم قبول الدعوى‪ ،‬سوا ًء كان الدفع بذلك قبل السري يف‬

‫‪391‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الدعوى أم أثناءها‪ ،‬كام نصت عىل ذلك املادة السادسة والسبعون من «نظام‬
‫املرافعات»‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك فإذا تم متثيل املدعي من قبل شخص ليس له صفة يف‬
‫الدعوى‪ ،‬فإن اإلجراءات التي أدت إىل قبول حضور هذا الشخص تعترب‬
‫باطلة‪ ،‬ويرتتب عىل ذلك بطالن القرار‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تطبيق له‪ ،‬خالصته‪:‬‬ ‫وتم ذكر‬
‫أقامت املدعية دعواها طالب ًة إلزام املدعى عليه دفع مبلغ ‪ 6.000‬آالف‬
‫ريال‪ ،‬قيمة شيك سحبه املدعى عليه ألمر املدعية دون أن يكون به مقابل‬
‫تدخل يف الدعوى ممثل االدعاء‪ ،‬وصدر القرار يف احلق اخلاص‬ ‫وفاء‪ ،‬وقد َّ‬
‫بإلزام املدعى عليه دفع املبلغ‪ ،‬ويف احلق العام تغريمه بدفع مبلغ مخسامئة‬
‫ريال‪ ،‬والتشهري به يف اللوحات املعدة لذلك يف الغرف التجارية الصناعية‬
‫باململكة‪.‬‬
‫ثم تظ َّلم املدعى عليه من القرار‪ ،‬ونظرت اللجنة القانونية التظ ُّلم وتم‬
‫قبوله‪ ،‬وبعد نظر القضية‪ ،‬تبني أن الئحة الدعوى يف احلق اخلاص مقامة من‬
‫الوكيل الرشعي بموجب وكالة صادرة من كتابة العدل‪ ،‬وتبني أن الوكالة‬
‫يف إقامة الدعوى واملخاصمة ضد مؤسسة (‪ ،)...‬وقد حرض املوكَّل جلسة‬
‫النزاع وكي ً‬
‫ال عن املدعية بنا ًء عىل هذه الوكالة التي ال ختوله الرتافع يف هذه‬
‫القضية‪ ،‬وإنام هي حمصورة يف الرتافع ضد املؤسسة (‪.)...‬‬

‫‪392‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وحيث ال صفة للمدعي وكال ًة هنا‪ ،‬فإنه يتعني معه إلغاء القرار املتظ َّلم‬
‫منه الصادر يف دعوى احلق اخلاص‪ ،‬إلقامتها من غري ذي صفة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪:‬‬

‫القضية األوىل‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫القضية رقم (‪ ،)65‬لعام ‪1439‬هـ‪ ،‬املحكمة العامة بتبوك‪ ،‬الدائرة‬
‫التجارية الثانية‪ ،‬ومتت املصادقة عىل احلكم من حمكمة االستئناف باملدينة‬
‫املنورة الدائرة التجارية األوىل‪ ،‬قضية رقم (‪ ،)146‬لعام ‪1441‬هـ‪.‬‬
‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫املطالبة بإصالح العيب الناشئ بعد االستعامل‪ ،‬أو دفع قيمته‪.‬‬
‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬
‫تتلخص وقائع القضية بتقدم وكيل املدعية بدعوى مفادها أن موكلته‬
‫قد تعاقدت مع املدعى عليه عن طريق طليقها (‪ )...‬بموجب عقد مؤرخ‬
‫يف ‪1434/10/9‬هـ‪ ،‬عىل أن تقوم مؤسسة (‪ )...‬اململوكة للمدعى عليه‬
‫بتوريد وتركيب وعمل أرضية للملعب الذي مساحته ألفان وثامنامئة مرت‬
‫مربع‪ ،‬بقيمة إمجالية قدرها مائتان وثامنون ألف ريال‪ ،‬وتسلم املدعى عليه‬
‫املبلغ املشار إليه‪ ،‬وبعد تنفيذ املدعى عليه للمرشوع واستالم طليق موكلته‬
‫للمرشوع‪ ،‬عىل أن تقوم مؤسسة املدعى عليه بضامن املوقع وامللعب ملدة‬
‫سبع سنوات ضد تغري اللون أو متزق الورق‪ ،‬وذلك بموجب سند تسليم‬

‫‪393‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وضامن‪ ،‬وبعد ثالث سنوات من استالم املرشوع‪ ،‬حدث متزق للورق‬


‫وامتنعت املؤسسة عن الصيانة الدورية التي تقدمها‪.‬‬
‫ويطالب بإلزام املدعى عليها بأن تدفع ملوكلته مبلغ ًا وقدره مائتان‬
‫وثامنون ألف ريال‪ ،‬أو إصالح العشب الصناعي بامللعب‪.‬‬
‫وبسؤال وكيل املدعى عليها‪ :‬دفع بعدم صفة املدعية لكوهنا ال يوجد هلا‬
‫عالقة تعاقدية مع املدعى عليها‪ ،‬كام دفع بعدم صفة موكله لكون عقد زوج‬
‫املدعية كان مع رشكة (‪ )..‬ورشكة (‪ ،)..‬وأن دور موكله كان متثيل الرشكة‬
‫يف أعامل الرتكيب والتجهيز دون ضامن جودة العشب‪.‬‬
‫وطلبت الدائرة من موكل املدعية بيان صفتها يف الدعوى‪ ،‬فذكر أن‬
‫موكلته هي مالكة املرشوع‪ ،‬وأن طليقها قد وقع العقد نيابة عنها ثم حصل‬
‫الطالق وبانت منه‪ ،‬وقدم ما يثبت ذلك‪ ،‬وطلب إدخال زوج موكلته السابق‬
‫يف الدعوى‪.‬‬
‫كام تقدم بام يثبت وجود حتويالت بنكية من موكلته حلساب املدعى عليه‬
‫فيام خيص املرشوع املشار إليه‪.‬‬
‫وأحرض وكيل املدعية شاهد وشهد بأنه ملا كان هو املسؤول عن امللعب‬
‫العائد لعمته يف السنة الثالثة حرض إليه املدعى عليه‪ ،‬وذكر أنه ال يستطيع أن‬
‫يقوم بصيانة للملعب‪ ،‬ألن اإلنجيلة تالفة‪ ،‬وذكر الشاهد أنه يشهد بذلك‬
‫شهادة يلقى هبا اهلل‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫كام قدم وكيل املدعى عليه مذكرة طلب فيها إدخال رشكة (‪ )...‬يف‬
‫ال يف اخلصومة ضد موكله يف نفس‬ ‫الدعوى‪ ،‬ودفع بأن الشاهد كان وكي ً‬
‫موضوع الدعوى‪ ،‬وأن عقد زوج املدعية كان مع رشكة (‪ ،)...‬وأن موكله‬
‫موظف بالرشكة‪ ،‬وقدم إقرار ًا للرشكة بأن موكله موظف بالرشكة‪.‬‬
‫وأجاب وكيل املدعية بأن املدعى عليه هو صاحب مؤسسة (‪ )...‬وهو‬
‫ممثل مؤسسة (‪ ،)...‬وهلذا هو الذي تعاقد مع موكلته بصفته ممث ً‬
‫ال ملؤسسة‬
‫(‪)...‬‬
‫جرى خماطبة فرع وزارة التجارة واالستثامر لالستفسار عن مؤسسة‬
‫(‪ )...‬للعشب الصناعي وسجلها التجاري رقم (‪ ،)...‬فورد جواب فروع‬
‫الوزارة بمنطقة تبوك متضمن ًا أن مؤسسة (‪ )...‬تعود لـ(‪ )...‬وليس للمدعى‬
‫عليه‪ ،‬وأجاب وكيل املدعية بأن املدعى عليه هو املفوض من املؤسسة وهو‬
‫الذي أبرم العقد‪ ،‬وهو الذي استلم املبلغ من موكلته‪ ،‬وسلمها سندات‬
‫القبض‪.‬‬
‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ ملا كانت الصفة يف اخلصومة من رشوط قبول الدعوى‪ ،‬وهي من‬
‫املسائل األولية التي يأيت بحثها سابق ًا عىل النظر يف موضوع الدعوى‪ ،‬وتقيض‬
‫هبا الدائرة دون توقف عىل طلب أو دفع من أحد اخلصوم‪.‬‬
‫ـ واستناد ًا للامدة رقم (‪ )76‬من «نظام املرافعات الرشعية»‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ـ وبام أن انعقاد اخلصومة القضائية بني أصحاب الصفة يف التداعي‬


‫مناطه حتديد أطراف الرابطة العقدية أو النظامية التي تعترب مصدر احلق‬
‫املطلوب تقريره أو االلتزام الذي حصل اإلخالل به‪ ،‬مما يثبت معه أنه حني‬
‫تنعدم هذه العالقة تنتفي الصفة يف التداعي‪.‬‬
‫ـ وملا تبني أن وكيال املتداعيني‪ ،‬قد قدم كل منهام عقد ًا خمتلف ًا عن اآلخر‪.‬‬
‫ـ وتبني بدراسة الدعوى وجود عقدين خمتلفني للمرشوع املشار إليه‪،‬‬
‫فأحدمها برقم‪ ..‬وتاريخ‪ ..‬بني مؤسسة (‪ )...‬وممثلها املدعى عليه‪ ،‬والثاين‬
‫برقم‪ ..‬وتاريخ‪ ..‬بني رشكة (‪ )...‬وممثلها املدعى عليه و(‪.)...‬‬
‫ـ وملا كان زوج املدعية السابق هو املتعاقد مع اجلهتني لكال العقدين‪،‬‬
‫وقد قدمت املدعية ما يؤيد مصلحتها يف الدعوى‪ ،‬وأن املرشوع يعود هلا‪،‬‬
‫وبقي أصل سالمة ذلك متقرر ًا لتغيب طليقها عن احلضور‪ ،‬مما يؤيد صفتها‬
‫يف الدعوى‪.‬‬
‫ـ وأما الدعوى فقد أقيمت من ذي صفة فيها‪ ،‬إال أن كال العقدين قد‬
‫تضمن بيان اسم املتعاقد مع طليق املدعية‪.‬‬
‫ـ وبام أن املخاطبة مع فرع وزارة التجارة قد بينت أن املؤسسة التجارية‬
‫مالكها (‪.)...‬‬
‫ـ وأن وكيل املدعية أقام دعواه عىل املدعى عليه وليس عىل املؤسسة‬
‫املذكورة أو مالكها‪ ،‬فإنه يكون قد أقامها عىل غري ذي صفة‪ ،‬وال ينال من‬
‫ذلك أنه قد مثل املؤسسة املذكورة واستلم البالغ من املدعية‪ ،‬فإن ذلك ال‬

‫‪396‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ينقل ما التزمت به املؤسسة املشار إليها إىل ذمته‪ ،‬وكان عىل املدعية أن تقيم‬
‫دعواها عىل املؤسسة املتعاقد معها‪.‬‬
‫وحكمت الدائرة بعدم قبول دعوى املدعية لرفعها عىل غري ذي صفة‪.‬‬
‫ومتت املصادقة عىل احلكم من حمكمة االستئناف‪.‬‬
‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬
‫عند التأمل يف القضية نجد أن القايض قد أثبت الصفة للمدعية مع أن‬
‫زوج املدعية السابق هو املتعاقد مع الرشكة‪ ،‬وذلك ملا قدمته املدعية مما يؤيد‬
‫مصلحتها يف الدعوى‪ ،‬وأن املرشوع يعود هلا‪.‬‬
‫وأما الصفة يف املدعى عليه‪ ،‬فنجد أن العقد كان مع املؤسسة‪ ،‬واملدعى‬
‫عليه ممثل للمؤسسة وليس مالك ًا هلا حسب البيانات الرسمية‪.‬‬
‫فتبني أن الدعوى قد ُرفعت عىل غري ذي صفة‪ ،‬مما ترتب عليه عدم قبول‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫ونجد أن القايض قد نص رصاح ًة عىل أن رشط الصفة هو من املسائل‬
‫األولية التي يأيت بحثها سابق ًا عىل النظر يف موضوع الدعوى‪.‬‬
‫القضية الثانية‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫القضية رقم (‪ ،)467‬لعام ‪1441‬هـ‪ ،‬حمكمة االستئناف بجدة‪ ،‬الدائرة‬
‫التجارية الثالثة‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫طلب تعيني حمكم عن املدعى عليها‪.‬‬
‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬
‫تقدم املدعي وكالة دعوى ملخصها‪ :‬أنه اختري حمك ًام عن املدعية يف‬
‫القضية املقامة من رشكة (‪ )...‬ضد مؤسسة (‪ ،)...‬وقد تم التواصل مع‬
‫حمكم املدعى عليها لالجتامع واختيار رئيس هيئة التحكيم‪ ،‬ولكنه اعتذر‬
‫وقدم تنازل عن الدعوى‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك تقدم املدعي وكالة بطلبه املتمثل بتسمية وتعيني حمك ٍم‬
‫عن الطرف اآلخر‪ ،‬بنا ًء عىل رشط التحكيم الوارد يف العقد املربم بينهام‪ ،‬بنا ًء‬
‫عىل سبق اعتذار املحتكم ا ُملختار من املدعى عليها‪.‬‬
‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ بنا ًء عىل املادة (‪ )15‬من «نظام التحكيم» الصادر بمرسوم ملكي رقم‬
‫(م‪ ،)34/‬يف ‪1433/5/24‬هـ‪ ،‬التي نصت عىل اختيار املحكمني‪ ،‬ونصت‬
‫يف الفقرة (‪ )2‬من املادة عىل أنه‪« :‬إذا مل يتفق طرفا التحكيم عىل إجراءات‬
‫اختيار املحكمني‪ ،‬أو خالفها أحد الطرفني‪ ،‬أو مل يتفق املحكامن املعينان عىل‬
‫أمر مما يلزم اتفاقهام عليه‪ ،‬أو إذا ختلف الغري عن أداء ما ُعهد به إليه يف هذا‬
‫الشأن‪ ،‬تولت املحكمة املختصة ‪-‬بنا ًء عىل طلب من هيمه التعجيل‪ -‬القيام‬
‫باإلجراء أو بالعمل ما مل ينص االتفاق عىل كيفية أخرى إلمتام هذا اإلجراء‬
‫أو العمل»‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ـ وحيث إن الطلب حمل النظر مل يتقدم به أحد من طريف التحكيم‪ ،‬وهو‬


‫خالص هلام‪ ،‬مما يعني أن إقامة الدعوى من املحكم فيه خمالفة ملقتىض‬
‫ٌ‬ ‫حق‬
‫ٌّ‬
‫املادة‪ ،‬املنوه عنها أعاله‪ ،‬لكونه ليس من طريف الدعوى‪.‬‬
‫ـ مما سبق يتبني أنه ال صفة له بإقامة هذا الطلب من ذاته‪.‬‬
‫حكمت الدائرة بعدم قبول الطلب بحالته الراهنة‪.‬‬
‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬
‫نصت املادة املنوه هبا أعاله عىل أن املحكمة تتوىل القيام باإلجراءات‬
‫املذكورة بنا ًء عىل طلب من هيمه التعجيل من طريف التحكيم‪ ،‬ولكون‬
‫املدعي هنا ليس أحد طريف التحكيم الذي يتعلق هبام حق التقدم بالطلب‬
‫للمحكمة‪ ،‬وهذا احلق هلام‪ ،‬إذ إن أصحاب احلقوق هم ذوو املخاصمة أمام‬
‫القضاء‪ ،‬ورشط الصفة يف هذه القضية مل يتحقق يف جانب املدعي‪ ،‬فاملدعي‬
‫هنا ال صفة له يف الدعوى‪ ،‬وبنا ًء عليه حكمت الدائرة بعدم قبول الطلب‪.‬‬
‫ونجد هنا أن القايض قام بالتحقق من توافر رشط الصفة ألطراف‬
‫الدعوى‪ ،‬اعتبار ًا منه بأولية النظر يف رشط الصفة والبت فيها قبل السري يف‬
‫موضوع الدعوى‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المبحث الثاني‬
‫تحديد صاحب الصفة في الدعوى‬
‫وفيه ثالث مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المبدأ‪:‬‬

‫املبدأ (‪ :)35‬عدم حتقق ناظر القضية من صاحب الصفة يف الدعوى‬


‫يتعني معه إلغاء القرار‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شرح المبدأ‪:‬‬

‫يف املبدأ السابق ذكرنا أن رشط الصفة يف الدعوى هو من أوائل الرشوط‬


‫التي يتعني النظر فيها قبل السري يف الدعوى‪ ،‬ويف هذا املبدأ يتحدث عن أن‬
‫ناظر القضية إذا مل يتحقق من صاحب الصفة يف الدعوى‪ ،‬وتم احلكم‪ ،‬فإنه‬
‫يتعني معه إلغاء القرار‪ ،‬لكون الدعوى مل يثبت فيها من هو صاحب الصفة‬
‫حتى صدور احلكم فيها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تطبيق له‪ ،‬خالصته‪:‬‬ ‫وتم ذكر‬
‫أحيلت املعاملة إىل مكتب الفصل يف منازعات األوراق التجارية‪،‬‬
‫بخطاب مرفق به الئحة الدعوى العامة‪ ،‬ضد املدعى عليه (‪ ،)...‬وذلك‬
‫لسحبه الشيك حمل الدعوى عىل حساب مقفل‪.‬‬
‫وصدر يف شأن الدعوى قرار مكتب الفصل يف منازعات األوراق‬
‫التجارية‪ ،‬يقيض برد الدعوى يف احلق العام‪ ،‬إلقامتها عىل غري ذي صفة‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وبعد تظ ُّلم املدعي العام‪ ،‬أحيل تظ ُّلمه إىل اللجنة القانونية‪ ،‬وصدر قرار‬
‫إلغاء قرار مكتب الفصل يف املنازعات‪ ،‬وإعادة القضية إىل مكتب الفصل‬
‫مصدر القرار‪ ،‬إلعادة النظر جمدد ًا‪ ،‬يف ضوء ما ورد من أسباب‪.‬‬
‫ثم تقدم املدعي يف دعوى احلق اخلاص‪ ،‬طالب ًا إلزام املدعى عليه بدفع‬
‫مبلغ الشيك‪ ،‬وقرر املكتب ضم دعوى احلق اخلاص إىل دعوى احلق العام‪،‬‬
‫ونظرت الدعوى جمدد ًا‪ ،‬وتم إصدار قرار املكتب برد الدعوى يف احلقني‬
‫العام واخلاص‪ ،‬إلقامتها عىل غري ذي صفة‪.‬‬
‫وتظلم املدعيان يف احلق اخلاص والعام‪ ،‬أمام اللجنة القانونية‪ ،‬وصدر‬
‫قرار اللجنة بإلغاء قرار املكتب‪ ،‬وإعادته للمكتب مصدر القرار‪ ،‬ونظرت‬
‫القضية وصدر بشأهنا القرار حمل التظلم برد الدعوى يف احلقني اخلاص‬
‫والعام‪ ،‬إلقامتها عىل غري ذي صفة‪.‬‬
‫ثم تظلم املدعي باحلق اخلاص‪ ،‬وأحيل تظلمه إىل اللجنة القانونية‪،‬‬
‫ونظرت اللجنة الدعوى حمل التظلم‪ ،‬وأصدرت قرارها فيه بإلغاء قرار‬
‫املكتب‪ ،‬وسببت فيه بالتايل‪:‬‬
‫‪1.‬أن الساحب للشيك حمل الدعوى هو مؤسسة (‪ ،)...‬ومل حيدد يف‬
‫الشيك اسم مالك املؤسسة‪ ،‬وقد تبني أن املؤسسة كانت ملك ًا لـ (‪ ،)...‬ثم‬
‫انتقلت املؤسسة إىل ملكية املدعى عليه‪ ،‬ومل حيدد يف امللف تاريخ انتقال‬
‫امللكية‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫‪2.‬أن ملف القضية اشتمل عىل إفادتني من البنك‪ ،‬ومل يبني يف خطايب‬
‫البنك من هو املالك للحساب رقم‪ ...‬املسحوب عليه الشيك‪.‬‬
‫‪3.‬أن إفادة إدارة السجل التجاري جاءت مرافق ًا هلا عدة صور من‬
‫وثائق السجل التجاري للمؤسسة ال تتضمن بيان ًا حيدد فيه تاريخ انتقال‬
‫امللكية بني املالكني للمؤسسة‪.‬‬
‫‪4.‬مل يتضح من األوراق املرسلة من إدارة السجل التجاري بيان مالك‬
‫املؤسسة التجارية تاريخ التحرير‪.‬‬
‫األمر الذي يتعني معه إلغاء القرار الصادر من املكتب‪ ،‬وإعادة القضية‬
‫لنظرها جمدد ًا يف ضوء األسباب السابقة‪.‬‬
‫فعند تأمل القضية السابقة نجد أن رد الدعوى إلقامتها عىل غري ذي‬
‫بينة واضحة‪ ،‬وال زالت الصفة يف الدعوى مل تتبني‪،‬‬ ‫صفة‪ ،‬مل يبن أيض ًا عىل ٍ‬
‫ُ‬
‫فال ُيدرى من هو مصدر الشيك‪ ،‬هل هو املالك األول أم الثاين‪ ،‬وبنا ًء عىل‬
‫ذلك‪ :‬عدم حتقق ناظر القضية من صاحب الصفة يف الدعوى‪ ،‬يتعني معه‬
‫إلغاء القرار الصادر يف ذلك‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪:‬‬

‫القضية األوىل‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫القضية رقم (‪ ،)12506‬املحكمة التجارية بالرياض‪ ،‬الدائرة التجارية‬
‫الثانية عرشة‪ ،‬ومتت املصادقة عىل احلكم من حمكمة االستئناف بالرياض‪،‬‬
‫الدائرة التجارية الرابعة‪ ،‬قضية رقم (‪.)608‬‬
‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫طلب تعويض عن اخلسائر‪ ،‬والربح الفائت‪.‬‬
‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬
‫تتلخص وقائع القضية بتقدم وكيل املدعي بدعوى مفادها أن موكله‬
‫هو الوكيل احلرصي لرشكة (‪ )...‬لبيع الدواجن داخل اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬وتفاجأ موكله بوجود إعالنات للمدعى عليها عن منتجات‬
‫الرشكة املذكورة عىل خرائط قوقل‪ ،‬مما يتبني معه اعتداء املدعى عليها عىل‬
‫موكله‪ ،‬فيطلب إلزام املدعى عليها بتعويض موكله عن اخلسائر‪ ،‬والتعويض‬
‫عن الربح الفائت‪ ،‬وأخذ تعهد عىل املدعى عليها بعدم التعدي مرة أخرى‪،‬‬
‫وتم سؤال وكيل املدعي‪ :‬هل موكله يملك العالمة التجارية أم أنه وكيل‪،‬‬
‫فأفاد بأنه وكيل‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ بنا ًء عىل ما نصت عليه املادة (‪ )76‬من «نظام املرافعات الرشعية» من‬
‫أن «الدفع بعدم اختصاص املحكمة النتفاء واليتها‪ ،‬أو بسبب نوع الدعوى‬
‫وقيمتها‪ ،‬أو الدفع بعدم قبول الدعوى النعدام الصفة‪...‬جيوز الدفع به يف‬
‫أي مرحلة تكون فيها الدعوى‪ ،‬وحتكم به املحكمة من تلقاء نفسها»‪.‬‬
‫ـ وحيث إن الصفة يف اخلصومة القضائية تتولد عن مركز نظامي أو‬
‫َع ْقدي جيمع بني شخصني من شأنه أن يرتب حق ًا ألحدمها جتاه اآلخر أو‬
‫التزام ًا‪.‬‬
‫ـ وعليه فإن انعقاد اخلصومة القضائية بني أصحاب الصفة يف التداعي‬
‫مناطه حتديد أطراف الرابطة العقدية‪ ،‬أو النظامية التي تشكل املصدر املبارش‬
‫للحق املطلوب تقريره‪ ،‬أو االلتزام الذي حصل اإلخالل به‪ ،‬مما يتبني من‬
‫خالله أنه حني تنعدم هذه العالقة تنعدم معها املصلحة يف اخلصومة‪ ،‬وتنفي‬
‫الصفة يف التداعي‪.‬‬
‫ـ وحيث تبني للدائرة أن املدعية ال تربطها أي عالقة تعاقدية مع املدعى‬
‫عليها‪ ،‬وإنام عالقتها التعاقدية حسب إفادهتا مع رشكة (‪ ،)...‬فبالتايل تنعدم‬
‫الصفة بني املدعية واملدعى عليها‪ ،‬وإن كان للمدعية أية مطالبات فلها أن‬
‫تقيمها عىل الرشكة األجنبية ملخالفتها أحكام عقد الوكالة احلرصية بينهام‪.‬‬
‫األمر الذي تنتهي معه الدائرة إىل إقامة الدعوى املاثلة عىل غري ذي‬
‫صفة‪ ،‬وحكمت الدائرة بعدم قبول الدعوى‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫وصدِّ ق احلكم من حمكمة االستئناف‪.‬‬


‫ُ‬
‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬
‫عند التأمل يف القضية ويف حكم الدائرة‪ ،‬نجد أن املدعى عليها ‪-‬بنا ًء عىل‬
‫حكم الدائرة‪ -‬مل ختالف نظام الوكاالت احلرصية‪ ،‬ومل تكن سبب ًا يف الرضر‬
‫ا ُملدَّ عى به من املدعي‪.‬‬
‫وإنام الدعوى تتوجه عىل الرشكة األجنبية مانحة الوكالة‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك فإن املدعى عليها ليس صاحب صفة الدعوى‪ ،‬ونجد أن‬
‫انتفاء الصفة يف هذه القضية يف جانب املدعى عليه‪.‬‬
‫القضية الثانية‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫القضية رقم (‪ ،)15046‬املحكمة التجارية بالرياض‪ ،‬الدائرة التجارية‬
‫الثامنة عرشة‪ ،‬ومتت املصادقة عىل احلكم من حمكمة االستئناف بالرياض‪،‬‬
‫الدائرة التجارية الرابعة‪ ،‬قضية رقم (‪.)694‬‬
‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫توريد أعمدة كهربائية‪ ،‬واملطالبة برد جزء من الثمن مقابل النقص يف‬
‫التوريد‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬


‫تقدم وكيل املدعي إىل املحكمة بدعوى أنه تم االتفاق مع املدعى عليها‬
‫عىل توريد أعمدة كهربائية لصالح املدعي بمبلغ قدره مائة ألف ريال‪ ،‬وقد‬
‫تم تسليم هذا املبلغ للمدعى عليها‪ ،‬ولكنها قامت بتوريد أعمدة بقيمة‬
‫سبعني ألف ريال‪ ،‬وتبقى يف ذمتها ثالثون ألف ريال‪ ،‬وطلب إلزامها هبذا‬
‫املبلغ املتبقي‪ ،‬ودفع أتعاب املحاماة‪.‬‬
‫وتم سؤال الوكيل عن سبب رفع الدعوى باسم مالك الرشكة‪ ،‬وليس‬
‫باسم الرشكة؟ ذكر الوكيل‪ :‬أن مالك الرشكة ال يستطيع التوكيل بصفته‬
‫مدير ًا للرشكة بسبب شطب السجل التجاري للرشكة‪.‬‬
‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ ملا كان وكيل املدعي يطلب إلزام املدعى عليها برد املبلغ‪ ،‬لعدم توريد‬
‫املدعى عليها باقي األعمدة للمدعي‪.‬‬
‫ـ وملا كانت الصفة يف اخلصومة رشط من رشوط قبول الدعوى‪ ،‬وهي‬
‫من املسائل األولية التي يأيت بحثها سابق ًا عىل النظر موضوع الدعوى‪،‬‬
‫وتقيض به الدائرة دون توقف عىل طلب أو دفع يبدى من أحد اخلصوم‪،‬‬
‫باعتبارها من املسائل اإلجرائية املتعلقة بالنظام العام‪ ،‬حسب ما ورد يف‬
‫املادة السادسة والسبعني من «نظام املرافعات الرشعية»‪.‬‬
‫ـ وملا كانت الدعوى مرفوعة باسم (‪ ،)...‬والعقد حمل الدعوى باسم‬
‫رشكة (‪ )...‬للمقاوالت‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ـ وبام أن ذمة الرشكة تعترب ذمة مستقلة عن ذمة مالكها‪ ،‬بنا ًء عىل ما‬
‫نصت عليه مواد نظام الرشكات يف ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ صفة بأن يرفع الدعوى باسمه الشخيص‪ ،‬مما تنتهي‬ ‫فليس للاملك‬
‫معه الدائرة إىل عدم قبول الدعوى إلقامتها من غري ذي صفة‪.‬‬
‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬
‫املدعي يف هذه القضية تقدم بصفته الشخصية‪ ،‬ومل يتقدم بصفته مالك ًا‬
‫للرشكة‪ ،‬والعقد حمل الدعوى طرف الدعوى فيه‪ :‬الرشكة‪ ،‬وليس املالك‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك مل يكن مالك الرشكة هنا طرف ًا يف الدعوى بصفته‬
‫الشخصية‪ ،‬لكون ذمة الرشكة تعترب ذمة مستقلة عن ذمة مالكها‪.‬‬
‫وفقد رشط الصفة هنا يف جانب املدعي‪ ،‬مما ترتب عليه احلكم بعدم‬
‫قبول الدعوى‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫المبحث الثالث‬
‫التظلم من غير ذي صفة‬
‫وفيه ثالث مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المبدأ‪:‬‬

‫املبدأ (‪ُ :)36‬ير َفض التظلم شك ً‬


‫ال إذا قدمه غري ذي صفة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شرح المبدأ‪:‬‬

‫يشري املبدأ إىل أن التظلم إذا تقدم به غري ذي صفة فإنه يستوجب رفضه‪،‬‬
‫النعدام رشط الصفة‪ ،‬وذلك كام إذا تقدم به أحد الرشكاء يف الرشكة‪ ،‬وذلك‬
‫لكون الرشكة ذات ذمة مالية مستقلة عن الرشكاء‪ ،‬وبنا ًء عىل نظام الرشكات‬
‫فالذي يمثل الرشكة هو رئيس جملس اإلدارة بصفته الرسمية هذه‪ ،‬فلو تقدم‬
‫هبا بصفته رشيك ًا مل تُقبل‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التطبيق القضائي للمبدأ‪:‬‬

‫القضية األوىل‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫القضية رقم (‪ )3091‬لعام ‪1440‬هـ‪ ،‬املحكمة التجارية بالرياض‪،‬‬
‫الدائرة التجارية الثانية‪ ،‬وتم املصادقة عىل احلكم من حمكمة االستئناف‬
‫بالرياض الدائرة التجارية األوىل‪ ،‬القضية رقم (‪ ،)1220‬لعام ‪1440‬هـ‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫طلب احلكم ببطالن العقد‪ ،‬ورد املبلغ حمل العقد‪.‬‬
‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬
‫تتلخص وقائع القضية يف أن وكيل املدعي‪ :‬رشكة (‪ )...‬تقدم للمحكمة‬
‫بدعوى مفادها أن املدعى عليها رشكة (‪ )...‬زعمت أهنا املقاول من الباطن‬
‫املنوط به تنفيذ مرشوعات حمطات (‪ )..‬لصالح الرشكة (‪ )..‬املقاول‬
‫الرئيس‪ ،‬وأهنا ترغب يف التنازل عن املرشوع لصالح مقاول آخر من الباطن‪،‬‬
‫وعرضت عىل املدعية التنازل عن تنفيذ املرشوع مقابل ‪14.400.000‬‬
‫ريال‪ ،‬دفعت املدعية للمدعى عليها مبلغ ثالثة ماليني ريال عىل دفعتني‪ ،‬ثم‬
‫تبني للمدعية أن املدعى عليها أدخلت عليها الغش والتدليس وقت التعاقد‬
‫ال لوروده عىل حمل غري موجود وقت‬ ‫للمرشوع‪ ،‬األمر الذي جعل العقد باط ً‬
‫التعاقد‪ ،‬ولعدم اعتامد املدعى عليها كمقاول من الباطن‪ ،‬األمر الذي يبطل‬
‫العقد املوقع بني املدعية واملدعى عليها تطبيق ًا لقاعدة‪ :‬إذا بطل اليشء بطل‬
‫ما يف ضمنه‪ ،‬وأطلب احلكم ببطالن العقد ورد مبلغ ثالثة ماليني ريال‪.‬‬
‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ ملا كانت الصفة يف اخلصومة رشط من رشوط قبول الدعوى‪ ،‬وهي‬
‫من املسائل األولية التي يأيت بحثها سابق ًا عىل النظر يف موضوع الدعوى‪،‬‬
‫وتقيض به الدائرة دون توقف عىل طلب أو دفع يبدى من أحد اخلصوم‪،‬‬

‫‪409‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫باعتبارها من املسائل اإلجرائية املتعلقة بالنظام العام‪ ،‬حسب ما ورد يف املادة‬


‫السادسة والسبعني من «نظام املرافعات»‪.‬‬
‫ـ وملا كانت الدعوى مقامة بصفته رشيك ًا‪.‬‬
‫ـ وحيث إن رافع الدعوى ال يمثل الرشكة هبذه الوكالة‪.‬‬
‫مما تنتهي معه الدائرة إىل عدم قبول الدعوى إلقامتها من غري ذي صفة‪.‬‬
‫وجاء يف مصادقة االستئناف عىل احلكم‪« :‬وصحيفة الدعوى التي‬
‫قدمت من وكيل عن رشيك بنص الوكالة التي اختارها املحامي للدعوى‪،‬‬
‫وأرفقها واستند عليها‪ ،‬بل وحرض اجللسة وكيل آخر عن املدعية وبوكالة‬
‫أخرى وأيض ًا إنام هي عن رشيك‪ ،‬والعربة بنص الوكالتني‪ ،‬ورئيس جملس‬
‫اإلدارة قد يوكل بصفته رشيك ًا‪ ،‬وقد يوكل بصفته رئيس ًا ملجلس اإلدارة‪،‬‬
‫بحسب ما يريد إقامة الدعوى من أجله‪ ،‬وذلك متعلق بصحيفة الدعوى‬
‫وقيدها قضية‪ ،‬ومتعلق ببيانات الدعوى‪ ،‬وليس بام سوى ذلك»‪.‬‬
‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬
‫يف هذه القضية نجد أن القايض مل يدخل يف موضوع الدعوى‪ ،‬وإنام‬
‫تناول رشط الصفة باعتبار نظره أولي ًا سابق ًا عىل النظر يف موضوع الدعوى‪.‬‬
‫وعند البحث يف رشط الصفة‪ ،‬نجد أن املدعي هنا باعتباره رشيك ًا يف‬
‫الرشكة‪ ،‬وبنا ًء عىل ذلك قام بتوكيل املحامي للرتافع يف القضية‪.‬‬
‫وقد نصت املادة الثامنة والثامنون من «نظام الرشكات» عىل أنه‪« :‬يمثل‬
‫رئيس جملس اإلدارة الرشكة أمام القضاء وهيئات التحكيم والغري‪ .‬ولرئيس‬

‫‪410‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫املجلس بقرار مكتوب أن يفوض بعض صالحياته إىل غريه من أعضاء‬


‫املجلس أو من الغري يف مبارشة عمل أو أعامل حمددة»‪.‬‬
‫مما يعني أن صاحب الصفة هنا هو رئيس جملس اإلدارة أو من ُينيبه‪،‬‬
‫وهو الذي يتعني عليه التوكيل للمحامي يف الرتافع‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك قضت الدائرة بعدم قبول الدعوى‪.‬‬
‫القضية الثانية‪:‬‬
‫بيانات القضية‪:‬‬
‫رقم القضية‪ )520( :‬لعام ‪1439‬هـ‪ ،‬املحكمة التجارية بجدة‪ ،‬الدائرة‬
‫التجارية الثامنة‪ ،‬وقد صادقت عليه حمكمة االستئناف بمنطقة مكة املكرمة‪،‬‬
‫الدائرة التجارية الثانية‪ ،‬قضية رقم (‪ )2115‬لعام ‪1440‬هـ‪.‬‬
‫التكييف للقضية‪:‬‬
‫طلب تسليم الشيكات‪.‬‬
‫ملخص وقائع القضية‪:‬‬
‫تتلخص وقائع القضية يف أن وكيل املدعية‪ :‬رشكة (‪ )...‬لإلنشاء‬
‫والتعمري‪ ،‬تقدم بدعوى حاصلها‪ :‬أن املدعى عليه حول ملدير موكلته مبلغ ًا‬
‫وقدره ‪ 300.000‬ريال الستثامرها يف مرشوع مقاوالت من مشاريع‬
‫موكلته‪ ،‬وتسلم املدعى عليه من موكلته شيكات بتاريخ مستقبيل عىل سبيل‬
‫الضامن لرأس املال واألرباح املتوقعة بمبلغ قدره ‪ 500.000‬ألف ريال‪،‬‬

‫‪411‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ثم قام مدير موكلته بتحويل مبالغ تزيد عىل ‪ 400.000‬ريال حلساب‬
‫املدعى عليه عىل دفعات‪ ،‬رغم أن املرشوع خرس وتكبد أرضار ًا كبرية‪ ،‬وقد‬
‫صدر قرار رسمي بتصفية موكلته‪ ،‬وتم تعيني (‪ )...‬مصفي ًا هلا‪ ،‬وطلب‬
‫احلكم عاج ً‬
‫ال بإيقاف قرارات التنفيذ الصادرة عىل املعاملة رقم (‪ )...‬لدى‬
‫حمكمة التنفيذ واملقامة من املدعى عليه‪ ،‬وكذلك إلزام املدعى عليه بتسليم‬
‫الشيكات حمل الدعوى لعدم استحقاقه هلا‪.‬‬
‫وطلب وكيل املدعى عليه االستمهال للرد‪ ،‬ثم يف اجللسة األخرى حرض‬
‫وكيل املدعية‪ ،‬ومل حيرض وكيل املدعى عليه‪ ،‬وأصدرت الدائرة احلكم‪.‬‬
‫احلكم وتسبيباته‪:‬‬
‫ـ حيث إن من رشوط صحة الدعوى وقبوهلا أمام القضاء وجود الصفة‬
‫لطريف الدعوى يف ذات احلق املتنازع فيه‪ ،‬وأن يعرتف الرشع هبذه الصفة‪،‬‬
‫ويعتربها كافية لتخويل املدعي حق االدعاء واملخاصمة‪ ،‬وتكليف املدعى‬
‫عليه وإجباره عىل اجلواب واملدافعة‪.‬‬
‫ـ وحيث إن هذه الدعوى مقامة من املدعية رشكة (‪ )...‬وقرر وكيلها يف‬
‫صف هلا‪.‬‬
‫الئحة الدعوى بأنه صدر قرار رسمي بتصفية موكلته‪ ،‬وتعيني ُم ٍّ‬
‫ـ وبالتايل ليس للرشكة أي صفة يف إقامة أي دعوى بعد تصفيتها‪،‬‬
‫والصفة منعقدة للمصفي‪.‬‬
‫األمر الذي تنتهي معه الدائرة إىل احلكم بعدم قبول الدعوى‪ ،‬إلقامتها‬
‫من غري ذي صفة‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫بيان انعدام الصفة وأثرها يف احلكم القضائي‪:‬‬


‫عند التأمل يف القضية نجد أن الوكيل تقدم بالدعوى باعتباره وكي ً‬
‫ال يف‬
‫الدعوى عن الرشكة‪ ،‬مطالب ًا بحقوق الرشكة يف ذمة املدعى عليه‪.‬‬
‫ولكن الرشكة املدعية بحسب إقرار الوكيل قد صدر قرار بتصفيتها‪،‬‬
‫صف هلا‪.‬‬
‫وتعيني ُم ٍّ‬
‫وجاء يف املادة السابعة بعد املائتني من «نظام الرشكات»‪ .1« :‬مع مراعاة‬
‫القيود الواردة يف قرار التصفية‪ ،‬يمثل املصفي الرشكة أمام القضاء والغري»‪.‬‬
‫فالصفة القضائية هنا منعقدة للمصفي وليست لوكيل الرشكة املدعية‪،‬‬
‫إذ ليس للرشكة أي صفة يف إقامة الدعوى‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل هذا حكمت الدائرة بعدم قبول الدعوى‪ ،‬ونجد هنا أن الصفة‬
‫منتفية يف جانب املدعي‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫الخاتمة‬
‫ويف ختام هذا البحث أمحد اهلل ‪ ‬مستحق احلمد‪ ،‬محد ًا طيب ًا كثري ًا‬
‫مبارك ًا فيه‪ ،‬كام حيب ربنا ويرىض‪ ،‬وأسأل اهلل ‪ ‬أن جيعل هذا العمل‬
‫خالص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به‪ ،‬وأن يغفر يل زليل وتقصريي‪.‬‬
‫ثم إين قد توصلت خالل بحثي لعدة نتائج وتوصيات‪ ،‬أمجلها يف اآليت‪:‬‬
‫‪1.‬أن الصفة يف الدعوى هي والية مبارشة الدعوى يف املدعي واملدعى‬
‫عليه‪ ،‬وذلك بأن تكون الدعوى أو الدفع من صاحب احلق أو من يقوم‬
‫مقامه‪.‬‬
‫‪2.‬أشار «نظام املرافعات الرشعية» إىل اشرتاط الصفة‪ ،‬كام يف املادة‬
‫السادسة والسبعني‪.‬‬
‫‪3.‬تعريف املبادئ القضائية‪ :‬القواعد القضائية العامة‪.‬‬
‫‪4.‬رشط الصفة هو من الرشوط املعتربة عند الفقهاء يف الدعوى‪ ،‬ولو مل‬
‫يذكروه بالنص الرصيح عليه‪.‬‬
‫رب يف ٍّ‬
‫كل من املدعي واملدعى عليه‪.‬‬ ‫‪5.‬رشط الصفة معت ٌ‬
‫مغاير لرشط املصلحة يف الدعوى‪ ،‬وإن كان‬
‫ٌ‬ ‫‪6.‬رشط الصفة يف الدعوى‬
‫هناك تداخل بينهام يف بعض الصور‪.‬‬
‫وأويص يف ختام هذا البحث باستكامل مرشوع دراسة املبادئ القضائية‪،‬‬
‫وتأصيلها فقه ًا ونظام ًا‪.‬‬
‫وصىل اهلل وسلم وبارك عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫فهرس المراجع‬
‫‪1.‬أحكام الدعوى القضائية‪ ،‬معايل الشيخ عبد اهلل بن حممد آل خنني‪ ،‬إصدار‬
‫اجلمعية العلمية القضائية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1440 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬أدب القايض‪ ،‬أمحد بن أيب أمحد الطربي‪ ،‬املعروف بابن القاص‪ ،‬ت‪335 :‬هـ‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬حسني بن خلف اجلبوري‪ ،‬مكتبة الصديق للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪3.‬أدب القضاء‪ ،‬رشف الدين عيسى بن عثامن بن عيسى بن غازي الغزي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬األصول القضائية يف املرافعات الرشعية‪ ،‬عيل قراعة‪ ،‬مطبعة النهضة‪ ،‬مرص‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1344 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬أصول املرافعات الرشعية يف النظام القضائي السعودي‪ ،‬د‪ .‬هشام موفق‬
‫عوض‪ ،‬الشقري للنرش وتقنية املعلومات‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1439 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6.‬أصول علم القضاء وقواعد املرافعات يف التنظيم القضائي والدعوى‬
‫واالختصاص‪ -‬دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي وبأنظمة اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬عبد الرمحن عياد‪ ،‬معهد اإلدارة العامة‪ ،‬الرياض‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪7.‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف‪ ،‬أليب احلسن عالء الدين عيل بن‬
‫سليامن املرداوي‪ ،‬ت‪885 :‬هـ‪ ،‬مع املقنع والرشح الكبري‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل‬
‫الرتكي‪ ،‬توزيع‪ :‬وزارة الشؤون اإلسالمية واإلرشاد والدعوة واإلرشاد‬
‫باململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪8.‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬املسمى‪ :‬الصحاح‪ :‬أليب نرص إسامعيل بن محاد‬
‫اجلوهري الفارايب‪ ،‬ت‪398 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب التحقيق بدار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫‪9.‬تبرصة احلكام يف أصول األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬برهان الدين إبراهيم بن‬
‫عيل بن حممد ابن فرحون‪ ،‬اليعمري‪ ،‬ت‪799 :‬هـ‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪10.‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري‪ ،‬شمس الدين حممد عرفة الدسوقي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫‪1230‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬اخلصومة يف الدعوى املدنية‪ ،‬د‪ .‬يارس باسم‪ ،‬أ‪ .‬جياد الدليمي‪ ،‬بحث منشور‪،‬‬
‫كلية احلقوق‪ ،‬جامعة املوصل‪.‬‬
‫ ‪12.‬الدر املختار رشح تنوير األبصار وجامع البحار‪ ،‬حممد بن عيل بن حممد‬
‫احل ْصني املعروف بعالء الدين احلصكفي احلنفي‪ ،‬ت‪1088 :‬هـ‪ ،‬مع حاشية‬ ‫ِ‬
‫ابن عابدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد املجيد حلبي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1428‬هـ‪.‬‬
‫ ‪13.‬روضة القضاة وطريق النجاة‪ ،‬املؤلف‪ :‬عيل بن حممد بن أمحد‪ ،‬أبو القاسم‬
‫السمناين‪ ،‬ت‪499 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬صالح الدين الناهي‪،‬‬‫الرحبي املعروف بابن ِّ‬
‫ّ‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪14.‬رشح أدب القايض للخصاف‪ ،‬برهان األئمة حسام الدين عمر بن عبد العزيز‬
‫بن مازة البخاري‪ ،‬املعروف بالصدر الشهيد‪ ،‬ت‪536 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حميي هالل‬
‫الرسحان‪ ،‬مطبعة اإلرشاد بغداد‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1397‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬الرشح الكبري‪ ،‬أليب الفرج شمس الدين عبد الرمحن بن حممد بن أمحد بن‬
‫قدامة املقديس‪ ،‬ت‪682 :‬هـ‪ ،‬مع املقنع واإلنصاف‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪،‬‬
‫توزيع‪ :‬وزارة الشؤون اإلسالمية واإلرشاد والدعوة واإلرشاد باململكة‬
‫العربية السعودية‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ ‪16.‬رشح مشكل اآلثار‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن عبد امللك بن سلمة‬
‫األزدي احلجري املرصي املعروف بالطحاوي‪ ،‬ت‪321 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪17.‬رشط الصفة يف أطراف الدعوى القضائية‪ ،‬حممد صبحي العايدي‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستري منشورة‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬اجلامعة األردنية‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬رشط الصفة يف الدعوى بني الرشيعة والقانون‪ ،‬سامل املطوع‪ ،‬بحث تكمييل‬
‫باملعهد العايل للقضاء‪ ،‬جامعة اإلمام‪ ،‬اململكة العربية السعودية ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫ ‪19.‬رشط املصلحة يف دعوى احلقوق يف نظام املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬حممد‬
‫بن عبد اهلل اللحيدان‪ ،‬بحث تكمييل منشور‪ ،‬قسم العدالة اجلنائية‪ ،‬جامعة‬
‫نايف العربية للعلوم األمنية‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪20.‬رشوط أطراف الدعوى يف الفقه ونظام املرافعات الرشعية‪ ،‬عبد اهلل بن نارص‬
‫العرجاين‪ ،‬بحث تكمييل‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪21.‬رشوط الدعوى يف نظام املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرمحن بن‬
‫عايد العايد‪ ،‬بحث منشور بمجلة اجلمعية العلمية القضائية السعودية‪ ،‬العدد‬
‫التاسع‪1438 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪22.‬القضاء ونظامه يف الكتاب والسنة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم احلمييض‪،‬‬
‫مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء الرتاث اإلسالمي بجامعة أم‬
‫القرى‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪23.‬قواعد املرافعات يف الترشيع املرصي واملقارن‪ ،‬حممد العشاموي‪ ،‬عبد الوهاب‬
‫العشاموي‪ ،‬املطبعة النموذجية‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪1957 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬الكاشف يف رشح نظام املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬معايل الشيخ عبد اهلل بن‬
‫حممد آل خنني‪ ،‬دار ابن فرحون‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ ‪25.‬الكليات‪ ،‬أليب البقاء أيوب بن موسى احلسيني الكفوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عدنان‬


‫درويش‪ ،‬حممد املرصي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪26.‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن منظور اإلفريقي‪ ،‬ت‪711 :‬هـ‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫ ‪27.‬املبادئ القضائية يف حماكم اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪ .‬منصور بن حممد‬
‫الشبيب‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬املعهد‬
‫العايل للقضاء‪1434 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪28.‬مبادئ املرافعات الرشعية يف ضوء نظام املرافعات الرشعية السعودي اجلديد‬
‫لعام ‪1435‬هـ‪ ،‬د‪ .‬حممود عيل وايف‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1437 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا‪ ،‬واهليئة الدائمة والعامة‬
‫بمجلس القضاء األعىل‪ ،‬واملحكمة العليا‪ ،‬إصدار مركز البحوث بوزارة‬
‫العدل‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪1438 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪30.‬املبدع يف رشح املقنع‪ ،‬برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن حممد بن مفلح‬
‫احلنبيل‪ ،‬ت‪884 :‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي للطباعة والنرش‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪31.‬املحيط الربهاين يف الفقه النعامين فقه اإلمام أيب حنيفة ‪ ،‬أبو املعايل برهان‬
‫الدين حممود بن أمحد بن عبد العزيز بن عمر بن َم َاز َة البخاري احلنفي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫‪616‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الكريم سامي اجلندي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان الطبعة األوىل‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪32.‬معني احلكام فيام يرتدد بني اخلصمني من األحكام املؤلف‪ ،‬أبو احلسن عالء‬
‫الدين عيل بن خليل الطرابليس احلنفي‪ ،‬ت‪844 :‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بدون طبعة‬
‫وبدون تاريخ‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫الصفة في مبادئ األوراق التجارية‬

‫ ‪33.‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬شمس الدين حممد بن اخلطيب‬
‫الرشبيني‪ ،‬ت‪977 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد خليل عيتايب‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1428 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪34.‬مقاييس اللغة‪ ،‬أليب احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ ،‬ت‪395 :‬هـ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫السالم هارون‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪35.‬الوجيز يف نظام املرافعات الرشعية السعودي‪ ،‬د‪ .‬متويل عبد املؤمن املريس‪ ،‬دار‬
‫اإلجادة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1438 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪36.‬الوسيط يف قانون املرافعات املدنية‪ ،‬نبيل عمر‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنرش‪،‬‬
‫مرص‪ ،‬بدون طبعة‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي‬
‫أثر من آثار التظهير التام‬
‫للورقة التجارية‬
‫دراسة تحليلية‬

‫أحمد بن بختيان العلوني‬


‫األستاذ المساعد في قسم السياسة الشرعية‬
‫بالمعهد العالي للقضاء‬

‫‪421‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫المقدمة‬
‫والسالم عىل أرشف األنبياء واملرسلني‪،‬‬
‫والصالة َّ‬
‫رب العاملني‪َّ ،‬‬ ‫احلمدُ هللِ ِّ‬
‫سيدنا حممد بن عبد اهلل‪ ،‬املبعوث رمحة للناس‪ ،‬صلَّ اهللُ عليه وعىل آله‬
‫وصحبه وسلم تسليام كثري ًا‪ .‬أما بعد‪..‬‬
‫أن التضامن الرصيف يرتبط باألوراق التجارية وتداوهلا‪،‬‬ ‫شك فيه َّ‬
‫فمام ال َّ‬
‫ومقتىض هذا التضامن أن يكون للحامل احلق يف الرجوع عىل الطرف اآلخر‬
‫امللتزم سواء كان شخص ًا أو عدة أشخاص‪ ،‬ودون أي ترتيب معني‪ ،‬ويشرتط‬
‫أن يتخذ اإلجراءات القانونية يف مواعيدها وفق ًا للنظام املطبق واملعمول به‬
‫يف هذا املجال‪.‬‬
‫فحتَّى يستفيد احلامل من الرجوع عىل امللتزم بموجب هذه األوراق‬
‫التجارية فال بد من التقيد بالتدابري املحددة نظام ًا ووفق ًا ملوعد االستحقاق‪،‬‬
‫أن هناك ارتباط ًا بني موعد االستحقاق وبني‬ ‫واملالحظ يف الكثري من األنظمة َّ‬
‫تداخل إجراءاته‪.‬‬
‫أن بعض رشاح النظام يعتربون التضامن الرصيف حك ًام قاسي ًا قصد‬ ‫كام َّ‬
‫منه املرشع متكني احلامل من احلصول عىل دينه‪ ،‬أو تيسري عملية االئتامن يف‬
‫املعامالت التجارية وفق ًا لألوراق التجارية‪.‬‬
‫األمهية العلمية هلذا املوضوع‪:‬‬
‫ٍ‬
‫نقاط عدة منها‪:‬‬ ‫تتمثل األمهية العلمية هلذا املوضوع يف‬

‫‪422‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪1.‬أن تناول هذا املوضوع يف نطاق النظام التجاري السعودي يعترب‬


‫إضافة علمية وإثراء للمكتبة النظامية والفقهية‪.‬‬
‫‪2.‬يسهم تناول هذا املوضوع يف تطوير النشاط التجاري (االقتصادي)؛‬
‫إذ أن هذا النشاط ‪-‬كام هو معلوم‪ -‬يقوم عىل عنرصي الرسعة واالئتامن‪،‬‬
‫والكتابة يف هذا البحث تتعلق بأحد عنارص النشاط التجاري‪.‬‬
‫‪3.‬تناول التضامن الرصيف كام هو منصوص عليه يف األنظمة السعودية‬
‫يساعد يف ضبط هذه الرشوط ومن ثم تطوير النظام يف هذا املجال‪.‬‬
‫فإن األمهية العلمية يف هذا املوضوع تربز أيض ًا من‬ ‫‪4.‬إىل جانب ذلك ِّ‬
‫أمهية التظهري الناقل للملكية يف األوراق التجارية يف احلياة العملية‪ ،‬ملا‏ تؤديه‬
‫هذه األوراق من وظائف اقتصادية كبرية خاصة يف جمال التجارة والتجار‪.‬‬
‫تناول هذا البحث يفيد إىل حد ما اجلهات القضائية (املحاكم‬ ‫‪ُ 5.‬‬
‫التجارية أو املحاكم القائمة بأعامهلا إىل حني إنشائها ببعض املناطق) القائمة‬
‫عىل فصل منازعات األوراق التجارية‪.‬‬
‫تلك هي أبرز النقاط التي تعكس األمهية العلمية ملوضوع هذا البحث‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬
‫ٍ‬
‫نقاط عدة منها‪:‬‬ ‫تتمثل األسباب التي دفعت إىل اختيار هذا املوضوع يف‬
‫‪1.‬أمهية هذا املوضوع يف احلياة العملية يف جمال التجارة‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪2.‬قلة الدراسات والبحوث يف هذا املجال املتعلق باألنظمة التجارية‬


‫السعودية‪.‬‬
‫‪3.‬اإلجابة عىل هذه التساؤالت‪ :‬ما هي الرشوط الالزمة لتحقق‬
‫التضامن الرصيف يف التظهري الناقل للملكية؟ وما هو أساسه الرشعي‬
‫والنظامي يف األنظمة التجارية السعودية؟ وما أثرها يف حتقيق االئتامن؟‬
‫‪4.‬الرغبة يف هذا التخصص ومن ثم ‏اإلسهام فيه إسهام ًا علمي ًا وفكري ًا‬
‫ومواصلة التأهيل األكاديمي يف هذا املجال‪.‬‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫يتم تناول هذا املوضوع يف نطاق األنظمة التجارية السعودية‪ ،‬ونظام‬
‫األوراق التجارية السعودي الصادر يف عام ‪1383‬هـ‪ ،‬مع تعديالته‪.‬‬
‫ومجيع الوسائل واألنظمة املتعلقة ذات العالقة بموضوع الدراسة‪.‬‬
‫‏أهداف البحث‪:‬‬
‫هيدف هذا البحث إىل اآليت‪:‬‬
‫‪1.‬بيان مفهوم التضامن الرصيف‪ ،‬ومفهوم التظهري الناقل للملكية‬
‫باإلضافة إىل طبيعتهام يف األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪2.‬إبراز الرشوط املوضوعية والشكلية لتحقق التضامن الرصيف يف‬
‫التظهري الناقل للملكية يف األنظمة التجارية السعودية‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪3.‬إبراز املعوقات يف جمال حتقيق التضامن الرصيف بني املظهرين يف‬


‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬وكيفية معاجلتها‪.‬‬
‫‪4.‬بيان كييفية اجتناب فقدان هذا التضامن عند اللجوء إىل التظهري‬
‫الناقل للملكية‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪ :‬‏‬
‫حسب اطالعي مل أجد دراسة سابقة تناولت هذا املوضوع بذات الكيفية‬
‫املوضحة يف هيكل هذا البحث‪.‬‬
‫‪1.‬ضامنات الوفاء‏بالكمبيالة‪ ،‬عيل بن محدان الفرعني‪ ،‬جامعة آل البيت‪.‬‬
‫قدمت هذه الرسالة لنيل درجة العاملية يف املاجستري يف عام ‪2013‬م‪.‬‬
‫لقد حتدث الباحث يف هذه الدراسة عن الضامنات القانونية للوفاء‬
‫بالكمبيالة كمقابل الوفاء والقبول‪ ،‬كام تطرق الباحث أيض ًا للضامنات‬
‫االتفاقية للوفاء بالكمبيالة كالضامنات العينية وغريها‪.‬‬
‫بينام سنحرص دراستنا وبشكل رئييس عىل بيان ماهية التضامن الرصيف‬
‫والرشوط الالزمة لتحققه يف التظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫وبالتايل ستضيف دراستنا عىل هذه الدراسة نوع ًا آخر من ضامنات‬
‫الوفاء بالكمبيالة‪ ،‬وهو التضامن الرصيف بني املوقعني عىل الكمبيالة‪.‬‬
‫كام يعترب التضامن الرصيف من ضامنات الوفاء جلميع األوراق التجارية‬
‫وفق ًا لرشوط حمددة لكل نوع من هذه األوراق الثالثة‪( :‬الكمبيالة‪ ،‬الشيك‪،‬‬
‫السند ألمر)‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫أوجه التشابه بني الدراسة احلالية وهذه الدراسة‪:‬‬


‫‪1.‬كال الدراستني تتعلق بنظام األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪2.‬كالمها يتحدث ‏عن ضامنات الوفاء يف األوراق التجارية‪ ،‬ولكن‬
‫بطرق خمتلفة سيتم بياهنا يف أوجه االختالف‪.‬‬
‫‏أوجه االختالف بني الدراستني‪:‬‬
‫‪1.‬‏إن هذه الدراسة تتحدث عن ضامنات عديدة للوفاء بالكمبيالة‪،‬‬
‫ولكن مل تتحدث عن ضامنه التضامن الرصيف‪ ،‬بينام تتحدث دراستي ‪ -‬إن‬
‫صح التعبري ‪ -‬عن ضامنة أخرى يمكن االستفادة منها يف وفاء الكمبيالة‬
‫وكذلك بقية األوراق التجارية‪ ،‬أال وهي التضامن الرصيف بني املوقعني عىل‬
‫الورقة التجارية‪.‬‬
‫‪2.‬خصت هذه الدراسة الكمبيالة دون غريها من األوراق التجارية‪،‬‬
‫بينام تتحدث دراستي عن التظهري الناقل للملكية والذي يمكن أن يقع عىل‬
‫األوراق التجارية مجيعها‪.‬‬
‫‪3.‬سأوضح يف دراستي ماهية التضامن الرصيف‪ ،‬بينام مل تتحدث هذه‬
‫الدراسة عن ذلك ولكنها حتدثت عن ضامنات أخرى‪.‬‬
‫‪4.‬بحثت هذه الدراسة يف اململكة األردنية‪ ،‬وفق ًا لقانون التجارة األردين‬
‫ومل يتطرق الباحث إىل النظام السعودي يف ذلك‪ ،‬بينام ستكون دراستي وفق ًا‬
‫للنظام السعودي‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪2.‬الضامن االحتياطي وأثره يف االلتزام الرصيف‪ ،‬أمحد بن حممد الشعالن‪،‬‬


‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ .‬بحث تكمييل مقدم لنيل درجة‬
‫العاملية يف املاجستري يف السياسة الرشعية يف عام ‪2008‬م‪.‬‬
‫حتدث الباحث يف هذه الرسالة عن ماهية الضامن االحتياطي وبيان‬
‫وصفته وأمهيته‪ ،‬كام حتدث عن رشوط الضامن االحتياطي يف النظام وبيان‬
‫آثارها وانقضائه‪ ،‬كام حتدث عن آثار الضامن االحتياطي يف االلتزام الرصيف‪.‬‬
‫بينام سأسلط الضوء يف دراستي عىل بيان الرشوط الالزم حتققها لتضامن‬
‫املوقعني (املظهرين) عىل الورقة التجارية‪ ،‬ومن هؤالء املوقعني (الضامن‬
‫االحتياطي)‪ ،‬وكذلك نبني عالقته مع بقية امللتزمني يف الورقة التجارية‪.‬‬
‫أوجه التشابه بني الدراسة احلالية وهذه الدراسة‪:‬‬
‫‪ 1.‬كال الدراستني تتعلق بنظام األوراق التجارية‪.‬‬
‫‪ 2.‬كال الدراستني تتطرق إىل التضامن الرصيف‪ ،‬ولكن من زوايا خمتلفة‪.‬‬
‫أوجه االختالف بني الدراستني‪:‬‬
‫‪1.‬تتحدث هذه الدراسة بشكل رئييس عن الضامن االحتياطي وآثاره‬
‫يف االلتزام الرصيف‪ ،‬بينام تتحدث دراستي عن التضامن الرصيف يف التظهري‬
‫الناقل للملكية (أي بني املوقعني) عىل الورقة التجارية‪.‬‬
‫‪2.‬تبني هذه الدراسة مدى تأثري الضامن االحتياطي عىل االلتزام‬
‫الرصيف‪ ،‬ولكن دراستي توضح رشوط تضامن املظهر تظهري ًا ناق ً‬
‫ال للملكية‬
‫وعالقته بغريه من امللتزمني‪ ،‬وهذا ما سنضيفه عىل هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫تقسيم البحث‪:‬‬
‫املبحث التمهيدي‪ :‬‏مفهوم التضامن الرصيف‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التضامن باعتباره ‏مفردا وفيه فرعان‪ :‬‏‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف التضامن لغة واصطالحا‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف الرصف لغة واصطالح ًا‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف التضامن الرصيف باعتباره مركبا وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف التضامن الرصيف عند رشاح النظام‪.‬‬
‫‏الفرع الثاين‪ :‬موقف فقهاء الرشيعة من التضامن الرصيف‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬طبيعة وأساس التضامن الرصيف‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬طبيعة التضامن الرصيف وفيه ثالثة أفرع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مبدأ وحدة الدين‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬مبدأ تعدد الروابط‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬النيابة التبادلية الناقصة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أساس التضامن الرصيف يف األوراق التجارية وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السند النظامي لقيام التضامن الرصيف‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الفرع الثاين‪ :‬أشخاص التضامن الرصيف‪.‬‬


‫املبحث الثاين‪ :‬التظهري التام (الناقل للملكية)‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرشوط املوضوعية الالزم حتققها يف التظهري الناقل‬
‫للملكية وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الرشوط املوضوعية العامة للتظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الرشوط املوضوعية اخلاصة للتظهري الناقل للملكية‪:‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرشوط الشكلية الالزم حتققها يف التظهري الناقل‬
‫للملكية‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الرشوط الشكلية اإللزامية للتظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الرشوط الشكلية االختيارية للتظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫سوف أتبع ‪-‬بعون اهلل تعاىل‪ -‬املنهج الوصفي التحلييل؛ إلنجاز هذا‬
‫البحث إن شاء اهلل متبع ًا يف ذلك اخلطوات‪:‬‬
‫‪1.‬عزو اآليات القرآنية إىل سورها بذكر اسم السورة‪ ،‬ورقم اآلية‪ ،‬مع‬
‫كتابتها بالرسم العثامين‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪2.‬ختريج األحاديث واآلثار من مصادرها األصلية‪ ،‬مع بيان درجة‬


‫احلديث‪ ،‬وإن كان يف الصحيحني أو أحدمها اكتفي بالعزو إليهام‪.‬‬
‫‪3.‬الرتمجة لألعالم الوارد ذكرهم يف البحث برتاجم خمترصة‪ ،‬ما عدا‬
‫املشهورين منهم‪.‬‬
‫‪4.‬ذكر املعاين اللغوية واالصطالحية للمصطلحات الفقهية والقانونية‬
‫الواردة يف البحث‪.‬‬
‫‪5.‬الرجوع إىل مجيع األنظمة والتعليامت واللوائح التي تعلق هبا‬
‫املوضوع‪ ،‬مع بيان رقم املرسوم امللكي الصادر به النظام وتارخيه‪.‬‬
‫‪6.‬تذييل البحث بخامتة ُيبيَّ فيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث‬
‫من خالل بحث هذا املوضوع‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫المبحث التمهيدي‬
‫مفهوم التضامن الصرفي‬
‫لدراسة التضامن الرصيف وبيان مفهومه‪ ،‬جيب أن نعرف التضامن‬
‫الرصيف باعتباره مفرد ًا لغة واصطالح ًا يف (املطلب األول)‪ ،‬كام جيب أن‬
‫نعرفه باعتباره مركب ًا يف (املطلب الثاين)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التضامن الصرفي باعتباره مفرداً ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف التضامن لغة واصطالح ًا‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬التضامن لغة‪:‬‬
‫كلمة التضامن مشتقة من الفعل َض ِم َن َي ْض َمن‪ ،‬ومن خالل البحث يف‬
‫ٍ‬
‫معان عدة منها‪:‬‬ ‫أن هلذه الكلمة ومشتقاهتا‬‫معاجم اللغة العربية وجدنا َّ‬
‫نت اليشء بمعنى‬ ‫ضم ُ‬ ‫َض ِم َن اليشء‪ :‬كفل به؛ َ‬
‫وض َمنّه إياه يكفله‪ ،‬يقال ْ‬
‫أضمنه ضامن ًا فأنا ضام ٌن وهو مضمون؛ ومنه قول النبي ‪(( :‬من‬
‫خرج يف سبيل اهلل فهو ضام ٌن عىل اهلل اجلنة))((( أي ذو ضامن عىل اهلل‪،‬‬
‫والضمني هو الكفيل ومجعه ضمناء(((‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود يف سننه كتاب اجلهاد باب الغزو يف البحر (‪ )7/3‬رقم احلديث‬
‫(‪ ،)2494‬والبخاري يف «األدب املفرد» باب فضل من دخل بيته بسالم ص‪ 422‬رقم‬
‫احلديث(‪ ،)1094‬وابن حبان يف صحيحه كتاب الصالة باب إفشاء السالم وإطعام‬
‫الطعام (‪ )251/2‬رقم احلديث(‪ ،)499‬واحلديث صحيح‪.‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.)257/13( ،‬‬

‫‪431‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ثاني ًا‪ :‬التضامن اصطالح ًا‪:‬‬


‫ومن خالل البحث عن تعريف اصطالحي لكلمة التضامن مل أجد‬
‫تعريف ًا جامع ًا مانع ًا هلا‪.‬‬
‫وهلذا يمكن القول بأنه‪ :‬يقصد بالتضامن االحتاد ومعاونة الغني أو‬
‫القوي لإلنسان الفقري أو الضعيف‪ ،‬وهو سلوك إنساين يتمثل يف ختفيف آالم‬
‫ِّ‬
‫ومعاناة الناس‪ ،‬وتقديم املساعدة لآلخرين عند احلاجة‪ ،‬ويستمد التضامن‬
‫قواعده من التعاليم الدينية والعادات واألعراف واملواثيق والقوانني‬
‫سوي سليم يؤمن بأن اإلنسان‬
‫ٍّ‬ ‫الدولية‪ ،‬ومن الشعور الداخيل يف كل إنسان‬
‫خملوق ضعيف حيتاج يف مرحلة ما إىل مساعدة اآلخر‪ ،‬وهي قيمة إنسانية‬
‫تضمن استقرار املجتمعات وتقدُّ مها‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف الرصف لغة واصطالح ًا‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف الرصف لغة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معان عدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫هي مشتقة من الفعل رصف يرصف‪ ،‬والرصف لغة له‬
‫(رصف)؛ من‬ ‫التغيري والتقليب من حال إىل حال‪ ،‬وهو مصدر الفعل ّ‬
‫رصف الزمان ورصوفه وتصاريفه؛ أي تقلباته‪ ،‬وترصيف الرياح حتويلها‬
‫ف الدَّ ْه ِر ِحدْ ثانُه ونَوائ ُبه(((‪.‬‬
‫وص ُ‬
‫من وجه إىل وجه‪ ،‬ومن حال إىل حال‪ْ َ ،‬‬

‫((( انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ .)190/9( ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬جمموعة من املؤلفني‪،‬‬
‫(‪.)513/1‬‬

‫‪432‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ثاني ًا‪ :‬تعريف الرصف اصطالح ًا‪:‬‬


‫وهو ما يسمى‪ ،‬بـ(قانون الرصف) يف االصطالح القانوين ويراد به‪:‬‬
‫جمموعة القواعد القانونية التي حتكم احلقوق وااللتزامات الناشئة‬
‫عن األوراق التجارية‪ ،‬وقد سميت بذلك؛ ألن الكمبيالة ‪ -‬وهي أقدم‬
‫األوراق التِّجارية ‪ -‬قد ارتبطت تارخيي ًا يف أول نشأهتا بتنفيذ عقد الرصف‬
‫املسحوب(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف التضامن الصرفي باعتباره مركباً ‪:‬‬


‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫وبياهنا فيام ييل‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف التضامن الرصيف عند رشاح النِّظام‪:‬‬
‫السعودي‪ ،‬تعريف «التضامن الرصيف»‪،‬‬ ‫مل يتناول نظام األوراق التِّجارية ُّ‬
‫شأنه يف ذلك شأن تعريف «األوراق التِّجارية » نفسها‪ ،‬مع أنه تناول أحكام‬
‫هذا التضامن‪ ،‬ويبدو أن املنَ ِّظم ترك تعريفها للرشاح حتى يواكبوا كل تطور‬
‫يطرأ عىل األعراف والعادات التجارية‪.‬‬
‫السعودي عىل هذا‬
‫وقد نصت املادة (‪ )58‬من نظام األوراق التِّجارية ُّ‬
‫التضامن بقوهلا‪« :‬ساحب الكمبيالة وقابلها ومظهرها وضامنها االحتياطي‬
‫مسئولون مجيع ًا بالتضامن نحو حاملها‪ ،‬وللحامل مطالبتهم منفردين أو‬
‫جمتمعني دون مراعاة أي ترتيب»‪.‬‬
‫((( أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد بن تركي بن حممد اخلثالن‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار كنوز إشبيلية الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪1431 ،‬هـ ‪2010-‬م‪ ،‬ص (‪.)39‬‬

‫‪433‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫وألن الكمبيالة تعترب من أهم األوراق التِّجارية يف نظر القوانني‬


‫لظهورها تأرخيي ًا قبل غريها‪ ،‬لذلك تنظم القوانني أحكامها عادة تفصي ً‬
‫ال‬
‫كنموذج لألوراق التِّجارية‪ ،‬ثم حتيل عليها عند معاجلتها ألحكام السند‬
‫ألمر أو الشيك ‪ ،‬ويؤكد هذا ما أورده املنظم ُّ‬
‫السعودي يف املادة (‪ )89‬من‬ ‫(((‬

‫نظام األوراق التجارية‪ ،‬والتي نصت عىل أنه‪« :‬ترسي أحكام الكمبيالة عىل‬
‫السند ألمر باملقدار الذي ال تتعارض مع ماهيته»‪.‬‬
‫وهناك تعريفات عدة أوردها رشاح النِّظام التجاري فيام خيص التضامن‬
‫الرصيف‪ ،‬وتلك التعريفات تكاد تكون متقاربة يف املضمون‪ ،‬وإن اختلفت يف‬
‫األلفاظ‪ ،‬وأبرز تلك التعريفات ما ييل‪:‬‬
‫الضامنات التي خوهلا املن ّظم التجاري للدائن يف‬
‫‪ُ 1.‬ع ِّرف بأنه‪« :‬من أهم َّ‬
‫الورقة التِّجارية من أجل احلصول عىل احلق الثابت فيها»(((‪.‬‬
‫صه ميزة التضامن عىل املبلغ الثابت يف‬‫و ُيؤخذ عىل هذا التعريف َق ْ َ‬
‫الورقة التجارية‪ ،‬واحلال أن التضامن الرصيف ال يقترص عىل ذلك فحسب‪،‬‬
‫بل يتعدى ذلك؛ ليشمل أيض ًا كافة ملحقات ذلك املبلغ من مصاريف‬
‫االحتجاج واإلخطارات وغري ذلك من املرصوفات(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د سميحة القيلويب‪ ،‬ص ‪ ،19‬النارش‪ :‬دار النهضة العربية‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫((( األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عيل حسني يونس‪ ،‬ص‪ ،197‬النارش‪ :‬دار الفكر العريب القاهرة‪،‬‬
‫بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املادتني (‪ )61 ،60‬من نظام األوراق التِّجارية السعودي‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪2.‬و ُع ِّرف بأنه‪« :‬التزام مجيع املوقعني عىل الورقة التِّجارية بأداء مبلغها‬
‫للحامل عىل وجه التضامن سواء يف موعد استحقاقها األصيل أم يف حالة‬
‫ترتب احلق للحامل يف الرجوع املبسرت عىل الضامنني»(((‪.‬‬
‫وعىل ضوء خمتلف التعريفات التي قيلت يف (التضامن الرصيف)‪ ،‬نستطيع‬
‫خوله النِّظام حلامل الورقة التجارية‪ ،‬يف الرجوع إىل مجيع‬‫حق َّ‬
‫تعريفه بأنه‪ٌ :‬‬
‫املو ّقعني عليها ومطالبتهم جمتمعني أو منفردين‪ ،‬بأصل املبلغ الوارد فيها‪،‬‬
‫وذلك يف موعد استحقاقها املحدد‪ ،‬أو قبل ذلك امليعاد وفق ًا للحاالت املحددة‬
‫نظام ًا‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬موقف فقهاء الرشيعة من التضامن الرصيف‪:‬‬
‫بالضامن الرشعي الذي تكلم عنه‬ ‫بالتأمل يف هذا التضامن ومقارنته َّ‬
‫الضامن الرشعي عند الفقهاء‬ ‫عرف َّ‬ ‫فقهاؤنا ‪ ‬نجد أنه ال خيرج عنه‪ ،‬و ُي ّ‬
‫بأنه‪« :‬ضم ذمة الضامن إىل ذمة املضمون عنه يف التزام احلق»(((‪ ،‬وهذا هو‬
‫املقصود بتضامن املوقعني عىل الورقة التجارية(((‪ ،‬مع أن بعض الباحثني‬
‫الضامن الرشعي وتضامن املوقعني عىل الورقة التِّجارية‬ ‫يفرق بني َّ‬
‫املعارصين ّ‬
‫يف أمرين(((‪ ،‬سأذكرها بإجياز‪:‬‬
‫املبسوط يف األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬صالح الدَّ ْين الناهي‪ ،‬ص ‪ ،414‬النارش‪ :‬رشكة‬ ‫(((‬
‫الطبع والنرش األهلية بغداد‪ ،‬بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫الرشح الكبري عىل املقنع‪ ،‬ابن قدامة شمس الدَّ ْين املقديس‪ ،)6/14( ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور‬ ‫(((‬
‫عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي ‪ -‬الدكتور عبد الفتاح حممد احللو‪ ،‬النارش‪ :‬هجر‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع واإلعالن القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ ‪1995-‬م‪.‬‬
‫أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪ ،‬ص (‪.)413‬‬ ‫(((‬
‫ذكرها د‪ .‬سعد اخلثالن يف كتابه‪ :‬أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‬ ‫(((‬
‫(‪.)413‬‬

‫‪435‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الضامن الرشعي مطالبة من شاء‪ :‬من الضامن‬ ‫األمر األول‪ :‬أن للدائن يف َّ‬
‫أو املضمون عنه‪ ،....‬بينام يف التضامن الرصيف ليس للدائن مطالبة أي من‬
‫الضامنني (املو ِّقعني)‪ ،‬بل يلزمه أوالً مطالبة املسحوب عليه يف الكمبيالة‬
‫والشيك أو املحرر يف السند ألمر‪ ،‬فإذا امتنع عن الوفاء كان له الرجوع عىل‬
‫الضامنني‪.‬‬
‫الضامن الرشعي ضامنون عدة‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منهم‬ ‫األمر الثاين‪ :‬إذا اجتمع يف َّ‬
‫ضمن حصة من الدَّ ْين (وهو ضامن للضامنني اآلخرين) فإنَّه إذا قام أحد‬
‫الضامنني بوفاء الدَّ ْين‪ ،‬فليس له الرجوع عىل أي من الضامنني اآلخرين إال‬
‫بقدر حصته من الدَّ ْين‪ ،‬أما يف التضامن الرصيف فإن عىل امللتزم الذي أوىف‬
‫مبلغ الورقة التِّجارية للحامل الرجوع إىل بقية املتضامنني اآلخرين امللتزمني‬
‫قبله ‪ -‬جمتمعني أو منفردين ‪ -‬بام أوفاه كامالً‪.‬‬
‫ويميل الباحث مع ما ذهب إليه الكثري من فقهائنا‪ ،‬وهو أن كال األمرين‬
‫الضامن الرشعي‪.‬‬‫السالف ذكرمها ال ُي ِرجان التضامن الرصيف من إطار َّ‬
‫وأنقل فيام يأيت عبارات بعض الفقهاء حول هذه املسألة‪:‬‬
‫قال املاوردي ‪« :(((‬وهذا كام قال َّ‬
‫الضامن وثيقة املال ال ينتقل من‬
‫ذمة املضمون عنه إال باألداء‪ ،‬وللمضمون له مطالبة كل واحد من الضامن‬

‫او ْر ِد ُّي‬
‫ص ُّي ا َمل َ‬
‫بن حبِي ٍ ِ‬
‫ب ال َب ْ‬
‫ِ‬
‫احل َس ِن َع ِ ُّل ب ُن َم ُ َّمد ِ َ ْ‬
‫الم ُة َأ ْقض ال ُق َض ِ‬
‫اة َأ ُبو َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫((( وهو اإل َما ُم ال َع َّ َ‬
‫الشافِ ِع ُّي‪ ،‬ولد يف البرصة سنة‪364‬هـ‪ ،‬وتويف يف بغداد يف سنة ‪450‬هـ‪ ،‬وله مصنفات‬ ‫َّ‬
‫كثرية منها احلاوي الكبري‪ ،‬واألحكام السلطانية وغريها‪ .‬انظر‪ :‬لسان امليزان‪ ،‬أبو‬
‫الفضل أمحد بن عيل بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪،‬‬
‫(‪ ،)24/6‬النارش‪ :‬دار البشائر اإلسالمية الطبعة‪ :‬األوىل‪2002 ،‬م‪ .‬سري أعالم النبالء‪،‬‬
‫للذهبي‪.)311-312/13( ،‬‬

‫‪436‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫واملضمون عنه‪ ،‬حتى يقيض حقه من أحدمها فيربئان مع ًا‪ ،‬وقال ابن أيب‬
‫بالضامن من ذمة املضمون عنه‪ ،‬إىل ذمة الضامن‬
‫ليىل وداود‪ :‬قد انتقل احلق َّ‬
‫كاحلوالة»(((‪.‬‬
‫وجاء يف «رشح اخلريش»‪« :‬وصح ضامن الضامن وإن تسلسل»(((‪.‬‬
‫وقال املوفق ابن قدامة((( ‪« :‬وإن ضمن الضامن ضامن آخر صح؛‬
‫ألنه َد ْين الزم يف ذمته‪ ،‬فصح ضامنه‪ ،‬كسائر الديون‪ ،‬ويثبت احلق يف ذمم‬
‫ِ‬
‫ض مرة مل جيب‬ ‫ثالث‪ ،‬أهيم قضاه برئت ذممهم كلها؛ ألنه حق واحد‪ ،‬فإذا ُق َ‬
‫قضاؤه مرة أخرى‪ ،‬وإن أبرأ الغريم املضمون عنه‪ ،‬برئ الضامنان؛ ألهنام‬
‫فرع»(((‪.‬‬

‫احلاوي الكبري‪ ،‬للاموردي‪ ،‬مرجع سابق‪.)436/6( ،‬‬ ‫(((‬


‫رشح خمترص خليل‪ ،‬ملحمد بن عبد اهلل اخلريش‪ ،)23/6( ،‬النارش‪ :‬دار الفكر للطباعة‬ ‫(((‬
‫‪-‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬
‫موفق الدَّ ْين أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة بن مقدام بن نرص املقديس‪،‬‬ ‫(((‬
‫اجلامعييل‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الصاحلي‪ ،‬احلنبيل‪ ،‬ولد بجامعيل سنة ‪541‬هـ‪ ،‬وتويف يف‬
‫منزله سنة ‪620‬هـ‪ ،‬له مصنفات كثرية منها املغني والكايف والعمدة‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم‬
‫النبالء املؤلف‪ :‬شمس الدَّ ْين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثامن بن َقا ْيامز الذهبي‪،‬‬
‫(‪ ،)152-150/16‬النارش‪ :‬دار احلديث‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪1427 :‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬
‫املغني‪ ،‬ابن قدامة موفق الدَّ ْين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة اجلامعييل املقديس‬ ‫(((‬
‫الدمشقي احلنبيل‪ ،)409/4( ،‬النارش‪ :‬مكتبة القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪1388 ،‬هـ‬
‫‪1968-‬م‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫المبحث األول‬
‫طبيعة وأساس التضامن الصرفي في األوراق التجارية‬
‫ويقتيض الكالم عن التضامن الرصيف أن نوضح طبيعة هذا التضامن يف‬
‫األوراق التجارية يف (املطلب األول)‪ ،‬وبيان أساس ومصدر هذا التضامن‬
‫يف (املطلب الثاين)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬طبيعة التضامن الصرفي في األوراق التجارية‪:‬‬

‫الضامنات التي خوهلا النِّظام حلامل‬ ‫يعترب التضامن الرصيف من أهم َّ‬
‫الورقة التِّجارية من أجل احلصول عىل احلق الثابت فيها‪ ،‬إذ يعد كل ُمو ِّقع‬
‫عىل الورقة التِّجارية ضامن ًا للوفاء هبا عند امتناع املسحوب عليه عن هذا‬
‫الضامنات املقدمة حلامل‬ ‫الوفاء‪ ،‬فكلام ازدادت التواقيع عليها ازدادت َّ‬
‫الورقة التجارية‪.‬‬
‫وبذلك تتحد الطبيعة القانونية للتضامن الرصيف بقيامه عىل ثالثة مبادئ‬
‫تتمثل يف وحدة الدَّ ْين وتعدد الروابط‪ ،‬والنيابة التبادلية الناقصة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مبدأ وحدة الدَّ ْين‪:‬‬
‫ويقصد بوحدة الدَّ ْين عدم قابليته لالنقسام‪ ،‬وأن مضمون التزام‬
‫املتضامنني الرصفيني واحد ويتمثل يف دفع قيمة الورقة التِّجارية للحامل(((؛‬
‫((( انظر‪ :‬املوسوعة التِّجارية‪ ،‬واملرصفية األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬حممود الكيالين‪،‬‬
‫(‪ ،)232/3‬النارش‪ :‬دار الثقافة‪-‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪1428 ،‬هـ‪2007-‬م‪ .‬وانظر‪:‬‬
‫التضامن الرصيف األوراق التِّجارية‪ ،‬يوسف عودة غانم املنصوري‪ ،‬ص (‪.)135‬‬
‫وانظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪ ،‬ص (‪.)40‬‬

‫‪438‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫وبمعنى آخر أنه حيق للدائن (حامل الورقة) الرجوع إىل أي من املدينني بكل‬
‫الدَّ ْين أي بكامل قيمة الورقة التجارية‪ ،‬ويرتتب عىل هذا املبدأ أثران بالغا‬
‫األمهية‪ :‬األول يتمثل يف حق احلامل يف املطالبة بكل الدَّ ْين الرصيف‪ ،‬والثاين‬
‫أن استيفاء احلامل لد ْينه من أحد امللتزمني يمنعه من الرجوع عىل اآلخرين‪.‬‬
‫فأما عن حق احلامل يف املطالبة بكل الدَّ ْين‪ ،‬فيقصد به مطالبة املتضامنني‬
‫الرصفيني بكل مبلغ الورقة التجارية‪ ،‬باعتبار أن حمل التزامهم واحد‪ ،‬كام‬
‫أن له احلرية يف اختيار كيفية الرجوع عليهم منفردين أو جمتمعني دون أن‬
‫ُيلز َم بمراعاة ترتيب التزاماهتم‪ ،‬وبذلك يمكن له الرجوع إىل كل مو ِّقع عىل‬
‫الورقة التِّجارية‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة (‪ )58‬من نظام األوراق التِّجارية‬
‫بقوهلا‪ « :‬ساحب الكمبيالة وقابلها ومظهرها وضامنها االحتياطي مسئولون‬
‫مجيع ًا بالتضامن نحو حاملها وللحامل مطالبتهم منفردين أو جمتمعني دون‬
‫وف بقيمتها‬ ‫مراعاة أي ترتيب‪ ،‬ويثبت هذا احلق لكل ُمو ّقع عىل الكمبيالة َّ‬
‫جتاه املسئولني نحوه»‪.‬‬
‫ويرسي هذا النص عىل السند ألمر أيض ًا بداللة املادة (‪ )3/89‬والتي‬
‫نصت عىل أنه‪« :‬ترسي أحكام الكمبيالة عىل السند ألَ ٍ‬
‫مر باملقدار الذي ال‬
‫تتعارض ماهيته‪ ،‬منها‪:‬‬
‫األحكام املتعلقة باستحقاق الكمبيالة ووفائها»‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الفرع الثاين‪ :‬مبدأ تعدد الروابط‪:‬‬


‫ويقوم التضامن عىل مبدأ تعدد الروابط‪ ،‬والذي يقصد به أن كل مدين‬
‫تربطه بالدائن رابطة مستقلة عن غريها من الروابط األخرى‪ ،‬بحيث أن‬
‫الرابطة التي تربط بني هذه العالقات املتعددة ال تكون سوى وحدة الدَّ ْين(((‪.‬‬
‫وبذلك يمكن للدائن الرجوع إىل امللتزمني جمتمعني أو منفردين ملطالبتهم‬
‫بنفس الدَّ ْين‪ ،‬إذ تنشأ بني الدائن وكل ملتزم عالقة قانونية خاصة‪ ،‬ولذلك‬
‫كل من هذه الروابط بالظروف اخلاصة‬ ‫فمن الطبيعي أن يتأثر االلتزام يف ٍ‬
‫بالدائن وامللتزم الذي يتم الرجوع إليه(((‪.‬‬
‫ويرجع أساس تعدد الروابط يف التضامن الرصيف التي جتمع احلامل‬
‫بكل ُمو ِّقع عىل الورقة التِّجارية إىل مبدأ استقالل التوقيعات‪ ،‬بمعنى أن‬
‫التزام كل ُمو ِّقع عىل الورقة التِّجارية مستقل عن التزام املو ِّقعني اآلخرين‪،‬‬
‫ويرتتب عن هذا املبدأ أنه ال يمكن ألحد امللتزمني االحتجاج عىل احلامل‬
‫بأوجه الدفع اخلاصة بالساحب أو املسحوب عليه القابل(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬دراسات قانونية يف األنظمة التجارية السعودية‪ ،‬د‪ .‬أمحد صالح خملوف وزهري‬
‫عباس كريم‪ ،‬ص (‪ ،)310‬النارش‪ :‬مكتبة العامل العريب‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1437‬هـ‪2016-‬م‪.‬‬
‫((( املادة (‪ )58‬من نظام األوراق التجارية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد الشواريب‪ ،‬وأ‪ .‬عاطف الشواريب‪ ،‬وأ‪ .‬عمرو‬
‫الشواريب‪ ،‬ص‪ ،277‬النارش‪ :‬رشكة ناس للطباعة‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪2015 ،‬م‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬النيابة التبادلية الناقصة‪:‬‬


‫ومضمون هذه النيابة أن كل مدين متضامن يعترب مم ِّث ً‬
‫ال عن باقي املتضامنني‬
‫باألعامل النافعة التي يقوم هبا ال يف األعامل الضارة(((‪ ،‬ومعنى ذلك أنه إذا‬
‫ال نافع ًا استفاد منه مجيع املتضامنني اآلخرين‪ ،‬أما إذا‬‫أتى أحد املدينني عم ً‬
‫ضار ًا‪َ ،‬فأ َث ُر هذا العمل يقترص عليه وحده‪ ،‬وال ينرصف إىل غريه‬‫ال ّ‬‫أتى عم ً‬
‫من املدينني املتضامنني‪ ،‬إن هذا املبدأ أرسى دعائمه يف األحكام والقواعد‬
‫العامة يف املعامالت وكذلك يف القانون(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أساس التضامن الصرفي في األوراق التجارية‪:‬‬

‫ال شك أن افرتاض التضامن من أجل تنفيذ االلتزام التجاري يعد‬


‫حك ًام قاسي ًا أراد به املنظم تقوية وتيسري عملية االئتامن الذي يقوم عليه‬
‫الوسط التجاري‪ ،‬وهذا من خالل توفري االئتامن التجاري للدائن ومنحه‬
‫فرص استيفاء َد ْينه من أي مو ِّقع عىل الورقة التِّجارية إذا ُع ِّر َض أحدهم‬
‫لإلفالس(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الوسيط يف رشح القانون املدين‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،)192/1( ،‬أحكام‬
‫االلتزام‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر الفار‪ ،‬ص (‪ ،)167‬دراسات قانونية يف األنظمة التجارية‬
‫السعودية‪ ،‬د‪ .‬أمحد صالح خملوف وزهري عباس كريم‪ ،‬ص (‪.)312-311‬‬
‫((( القانون املدين وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬عبد املجيد عبد احلكيم‪ .‬ومعه آخرون‪-210/2( ،‬‬
‫‪.)213‬‬
‫((( أساسيات القانون‪ ،‬د‪ .‬حممد حسن قاسم‪ ،‬ود‪ .‬حممد السيد الفقي‪ ،‬ص (‪،)387‬‬
‫منشورات احللبي احلقوقية‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ولذلك جيب بيان السند القانوين لقيام هذا التضامن وبيان األشخاص‬
‫الذين يشملهم‪ ،‬وسيتم احلديث عن هذا املطلب عرب الفرعني التاليني‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السند النظامي لقيام التضامن الرصيف‪:‬‬
‫يعد تضامن املو ِّقعني عىل الورقة التِّجارية من أكثر ضامنات احلامل‬
‫فعالية‪ ،‬إذ كلام حظيت بتوقيعات كثرية‪ ،‬تأكَّد ح ّقه يف الرجوع إىل موقعيها؛‬
‫الضامنات‬‫بمعنى أنه كلام كثرت التواقيع عىل الورقة التجارية‪ ،‬كلام ازدادت َّ‬
‫الضامنات الرصفية التي‬‫املقدمة حلاملها‪ ،‬وبذلك يعترب التضامن من أهم َّ‬
‫حتمي حامل الورقة التجارية‪ ،‬باعتباره املبدأ املهم الذي جيعل من كل مو ِّقع‬
‫عليها ضامن ًا للوفاء هبا عند امتناع املدين‪ ،‬وبناء عىل هذا فام هو األساس‬
‫النظامي لوجود هذا التضامن؟‬
‫من أجل حتديد األساس النظامي لقيام التضامن الرصيف‪ ،‬فال بد أن‬
‫يتم الرجوع إىل القواعد العامة‪ ،‬وذلك ألن التضامن الرصيف يستمد بعض‬
‫أحكامه من القانون املدين‪ ،‬ألنه أبو القوانني كام يقال؛ وألنه املرجع يف كل ما‬
‫مل يرد فيه نص قانوين من املعامالت التي تتعلق بالقانون اخلاص‪ ،‬وبالنسبة‬
‫السعودية فإنه مستمد من الرشيعة اإلسالمية(((‪،‬‬ ‫للنظام يف اململكة العربية ُّ‬
‫كام هو معلوم‪ ،‬ولتحديد األساس النظامي للتضامن الرصيف ال بد من‬
‫الرجوع للفقه اإلسالمي ملعرفة موقف علامء املسلمني من التضامن‪.‬‬

‫((( املادة (‪ )7‬النظام األسايس للحكم‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫قد ب َّينَّا سابق ًا موقف فقهاء الرشيعة اإلسالمية من التضامن الرصيف(((‪،‬‬


‫الضامن الرشعي وهو «ضم ذمة الضامن إىل ذمة‬ ‫وخلصنا إىل أنه ال خيرج عن َّ‬
‫املضمون عنه يف التزام احلق»(((؛ إذ ًا يمكن القول بأن األساس النِّظامي أو‬
‫الضامن الرشعي الذي تكلم عنه فقهاؤنا قدي ًام‬
‫الرشعي للتضامن الرصيف هو َّ‬
‫وحديث ًا‪ ،‬وإن كان هناك اختالف يف تفاصيلهام الدقيقة؛ لكن ذلك ال خيرج‬
‫الضامن الرشعي(((‪.‬‬‫التضامن الرصيف من إطار َّ‬
‫وأما التضامن الرصيف الذي حيكمه قانون الرصف فيجد أساسه يف نظام‬
‫السعودي قد خصص مادة واحدة فقط تناول‬ ‫األوراق التجارية‪ ،‬إذ إن املنظم ُّ‬
‫فيها تضامن املو ِّقعني عىل الكمبيالة وهي املادة (‪ ،)58‬ثم أحال إليها بأهنا‬
‫ترسي عىل تضامن املو ّقعني عىل السند ألمر والشيك بامدتني الحقتني((( عىل‬
‫املادة (‪ ،)58‬وتنص هذه املادة عىل أن‪« :‬ساحب الكمبيالة وقابلها ومظهرها‬
‫وضامنها االحتياطي مسئولون مجيع ًا بالتضامن نحو حاملها‪ ،‬وللحامل‬
‫مطالبتهم منفردين أو جمتمعني دون مراعاة أي ترتيب‪ ،‬ويثبت هذا احلق‬
‫لكل مو ّقع عىل كمبيالة َّ‬
‫وف بقيمتها جتاه املسئولني نحوه‪.‬‬
‫والدعوى املقامة عىل أحد امللتزمني ال حتول دون مطالبة الباقني ولو كان‬
‫التزامهم الحق ًا ملن ُو ِّجهت إليه الدعوى ابتدا ًء»‪.‬‬

‫انظر‪ :‬موقف فقهاء الرشيعة‪ ،‬من ص‪ 437-435‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫(((‬


‫الرشح الكبري عىل املقنع‪ ،‬البن قدامة املقديس‪ ،‬حتقيق‪ :‬الرتكي ‪ -‬احللو‪.)6/14( ،‬‬ ‫(((‬
‫أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪ ،‬ص (‪.)407‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املادتني (‪ )89‬و(‪ )101‬من نظام األوراق التِّجارية‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪443‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ويستفاد من هذا النص بأنه مل يقترص فقط عىل إلزام كافة املو ِّقعني عىل‬
‫الكمبيالة يف مواجهة احلامل بالوفاء عىل وجه التضامن‪ ،‬وإنام أقام أيض ًا نوع ًا‬
‫من التضامن الداخيل بني املوقعني أنفسهم‪ ،‬كام أن كل موقع عىل الكمبيالة‬
‫بأية صفة كانت مسؤوالً عىل وجه التضامن مع املوقعني اآلخرين للوفاء‬
‫هبا‪ ،‬وبمعنى آخر أن املسؤولية التضامنية للوفاء يتحملها مجيع املوقعني‬
‫عىل الكمبيالة من الساحب‪ ،‬واملسحوب عليه القابل واملظهر‪ ،‬والضامن‬
‫االحتياطي‪ ،‬نحو احلامل بالوفاء بقيمتها إذا امتنع املدين األصيل عن الوفاء‬
‫به يف ميعاد االستحقاق‪.‬‬
‫ويؤكد ذلك القرار رقم (‪1404/59‬هـ) جلسة(‪1404/7/27‬هـ)‪،‬‬
‫والذي جاء فيه‪ :‬وحيث أن املدعي وقد ظهر إليه الشيك موضوع الدعوى‪،‬‬
‫ومل يوفيه املظهر حقه يف امليعاد املحدد‪ ،‬فإنه جيوز له الرجوع عىل الساحب‬
‫وال جيوز للساحب أن حيتج عليه بالدفوع املبنية عىل عالقته الشخصية‬
‫باملستفيد األول من الشيك(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬أشخاص التضامن الرصيف‪:‬‬
‫تنشأ الورقة التِّجارية وهي ال حتمل سوى توقيع الساحب‪ ،‬ثم تتواىل‬
‫عليها التواقيع من املظهرين والضامن االحتياطي‪ ،‬وكذلك توقيع املسحوب‬

‫((( انظر‪ :‬جمموعة املبادئ النظامية يف مواد األوراق التجارية‪ ،‬وزارة التجارة‪-157/1( ،‬‬
‫‪1404 ،)159-158‬هـ‪1405-‬هـ‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫عليه إذا قبلها(((‪ ،‬وحينئذ يكون مجيع هؤالء املوقعني ملتزمني عىل وجه‬
‫التضامن جتاه احلامل‪.‬‬
‫وبناء عىل ذلك فقد أثري التساؤل حول املركز القانوين للملتزمني‬
‫الرصفيني يف الورقة التجارية‪ ،‬هل يلتزمون هبا بوصفهم َمدينني أصليني‪ ،‬أم‬
‫بوصفهم كفالء متضامنني فحسب؟‬
‫نبي مركز كل ملتزم يف الورقة‬
‫ولإلجابة عىل هذا التساؤل جيب أن ِّ‬
‫التجارية‪ ،‬وبيان ذلك فيام ييل‪:‬‬
‫‪1.‬بالنسبة للساحب و(املحرر يف السند ألمر)‪ :‬فيختلف حتديد املركز‬
‫القانوين من حالة ألخرى‪ ،‬ففي حالة عدم قبول املسحوب عليه للورقة‬
‫التجارية‪ ،‬فال خالف بني رشاح األنظمة حول اعتباره املدين األصيل‪ ،‬وذلك‬
‫ألنه هو الذي أوجدها وأول من تعهد بالوفاء هبا أمام املستفيد(((‪.‬‬
‫وأما يف حالة قبول املسحوب عليه الورقة التجارية‪ ،‬فيكون للرشاح يف‬
‫ذلك آراء عدة‪ :‬وأرجح هذه اآلراء ذهب إىل أن الساحب بعد قبول املسحوب‬
‫عليه يظل مدين ًا أصلي ًا يف الورقة التجارية‪ ،‬واستندوا يف رأهيم إىل أن رجوع‬
‫احلامل عىل املسحوب عليه أوالً االستفتاء قبل رجوعهم عىل الساحب‪ ،‬وال‬
‫يكفي للقول بتحول مركز الساحب من مدين أصيل إىل كفيل متضامن مع‬

‫((( ويف حال مل يقبلها املسحوب عليه فإنه يعد أجنبي ًا عن الكمبيالة ليس له أي عالقة هبا‪،‬‬
‫وبالتايل يكون يف هذه احلالة خارج نطاق بحثنا‪.‬‬
‫((( األوراق التِّجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬مصطفى كامل طه‪ ،‬ص (‪.)133‬‬

‫‪445‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫املسحوب عليه‪ ،‬وذلك نتيجة لتعدد الروابط إذ إن التزام الساحب مستقل‬


‫بذاته غري تابع لغريه من االلتزامات(((‪.‬‬
‫‪2.‬وأما املسحوب عليه‪ ،‬فال يصبح ملتزم ًا رصفي ًا إال إذا و َّقع عىل‬
‫الكمبيالة بالقبول‪ ،‬وعندئذ يصبح متضامن ًا مع غريه من املو ِّقعني عليها بأداء‬
‫قيمتها‪.‬‬
‫‪3.‬وأما بالنسبة للمظهر فقد اختلف الرشاح حول حتديد املركز القانوين‬
‫له‪ ،‬فذهب جانب من الرشاح إىل اعتباره بمركز املدين األصيل املتضامن‪،‬‬
‫وذهب رأي إىل القول بأنه كفيل متضامن(((‪.‬‬
‫وأرجح اآلراء عند أكثر الفقهاء‪ ،‬رأي حاول التوفيق بني الرأيني‬
‫السابقني‪ ،‬واعترب املظهر يف مركز قانوين خاص‪ ،‬جيمع صفتي املدين األصيل‬
‫والكفيل املتضامن(((‪ ،‬وهو رأي جدير بالتأييد‪ ،‬ألن املظهر يف الواقع حيتل‬
‫مركز ًا وسط ًا بني املدين األصيل؛ نظر ًا الستقاللية التزامه‪ ،‬وبني الكفيل‬
‫املتضامن؛ ألن إفالسه ال يؤثر عىل حلول أجل الورقة التجارية‪ ،‬وكون‬
‫التزامه هش ًا يسقط بمجرد إمهال احلامل(((‪.‬‬

‫األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬أبو زيد رضوان‪ ،‬ص (‪ ،)294‬النارش‪ :‬دار الفكر العريب‪-‬‬ ‫(((‬
‫القاهرة‪ ،‬بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل العمران‪ ،‬ص (‪.)186‬‬ ‫(((‬
‫األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عصام حنفي حممود‪ ،‬ص (‪ ،)195‬بدون طبعة‪ ،‬وبدون ذكر سنة‬ ‫(((‬
‫النرش‪.‬‬
‫التضامن الرصيف يف األوراق التِّجارية‪ ،‬يوسف عودة املنصوري‪ ،‬ص (‪.)79-78‬‬ ‫(((‬

‫‪446‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫المبحث الثاني‬
‫التظهير الناقل للملكية‬
‫ولدراسة التظهري الناقل للملكية‪ ،‬جيب أن نعرف التظهري الناقل‬
‫للملكية يف (املطلب األول)‪ ،‬وبعد ذلك نرشع يف بيان الرشوط املوضوعية‬
‫هلذا التظهري يف (املطلب الثاين) والرشوط الشكلية يف (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التظهير الناقل للملكية‪:‬‬

‫التظهري هو‪ :‬ترصف قانوين تنتقل بموجبه الورقة التجارية‪ ،‬وما متثله‬
‫بت هذا‬‫من حقوق من شخص اسمه املظهر إىل شخص اسمه املظهر له‪ ،‬و ُي ْث ُ‬
‫يدون عادة عىل ظهر الصك‪ ،‬ومن هنا أتت تسمية الترصف‬ ‫الترصف ببيان َّ‬
‫املذكور بـ«التظهري»(((‪.‬‬
‫وللتظهري فوائد متعددة يتجىل أمهها يف السامح حلامل الكمبيالة‬
‫باستخدامها كأداة وفاء للديون التي ترتتب عليه بأن يتنازل عنها لدائنه‬
‫بتظهريها لصاحله‪ ،‬أو باحلصول عىل قيمتها قبل موعد استحقاقها عن طريق‬
‫خصمها لدى أحد املصارف‪ ،‬واملظهر له الذي انتقلت إليه الكمبيالة يستطيع‬
‫بدوره تظهري الكمبيالة من جديد فيصبح مظهر ًا ومن يتلقى منه الكمبيالة‬
‫مظهر ًا له‪.‬‬
‫وهكذا تطوف الكمبيالة من يد مظهر إىل آخر حتى تستقر لدى احلامل‬
‫األخري الذي يتقدم للمسحوب عليه أو املحرر بموعد استحقاقها للمطالبة‬

‫((( األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬ص (‪.)134‬‬

‫‪447‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫بقيمتها‪ ،‬وكلام زادت مرات التظهري وحصلت الكمبيالة عىل تواقيع جديدة‬
‫كلام زادت ضامنات الوفاء هبا؛ ألن كل مظهر ضامن نظام ًا الوفاء هبا أن‬
‫ختلف املسحوب عليه أو املحرر عن أداء قيمتها‪.‬‬
‫ولقيام التضامن بني املظهرين ال بد من توافر رشوط موضوعية‬
‫سنتناوهلا يف هذا املبحث‪ ،‬وأخرى شكلية نتناوهلا الحق ًا‪ ،‬وقبل احلديث عن‬
‫هذه الرشوط جيب التوضيح بأن التظهري بحسب الغرض الذي يسعى إىل‬
‫حتقيقه عىل ثالثة أنواع(((‪:‬‬
‫ـ التظهري التام (الناقل للملكية)‪.‬‬
‫ـ التظهري التوكييل‪.‬‬
‫ـ التظهري التأميني‪.‬‬
‫وسيكون موطن دراستنا هو التظهري الناقل للملكية‪.‬‬
‫تعريف التظهري الناقل للملكية‪:‬‬
‫التظهري الناقل للملكية‪ ،‬أو ما يسمى التظهري التام هو أكثر أنواع التظهري‬
‫انتشار ًا وأكثرها أمهية(((‪ ،‬وأحسن ما قيل يف تعريفه أنه‪ :‬ترصف قانوين يتم‬

‫((( األوراق التجارية يف النظام السعودي د‪ .‬عبد اهلل العمران‪ ،‬ص (‪.)133‬‬
‫((( ينظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬سميحة القليويب‪ ،‬ص (‪ .)112‬واألوراق التِّجارية يف‬
‫النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬ص (‪.)133‬‬

‫‪448‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫بموجبه نقل احلق الثابت يف الورقة التِّجارية من املظهر إىل املظهر إليه بعبارة‬
‫تفيد ذلك(((‪.‬‬
‫وقيل يف تعريفه أيض ًا‪ :‬هو التظهري الذي يقوم فيه املظهر بالتنازل عن‬
‫حقوقه الثابتة يف الورقة التِّجارية إىل املظهر إليه(((‪.‬‬
‫ويتضح من التعاريف بأن هذا اإلجراء يتم من جانب املظهر وملصلحة‬
‫املظهر إليه‪ ،‬وال بد لصحة هذا اإلجراء من توافر رشوط معينة‪ ،‬وسيأيت معنا‬
‫الحق ًا تفصيل الكالم يف هذه الرشوط‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشروط الموضوعية للتظهير الناقل للملكية‪:‬‬

‫يعترب التظهري من الترصفات القانونية التي ترد عىل الورقة التجارية‪،‬‬


‫ولذلك ال بد له من توافر رشوط موضوعية‪ .‬ويقصد بالرشوط املوضوعية‪:‬‬
‫الرشوط الالزمة لصحة التزام املظهر التزام ًا رصفي ًا بمقتىض الورقة التِّجارية‬
‫يف مواجهة املظهر إليه‪ ،‬ويمكن تشبيه تظهري الورقة التِّجارية بسحبها‪،‬‬
‫فكأن املظهر يعيد سحب الورقة عىل املسحوب عليه نفسه‪ ،‬واملظهر بمثابة‬ ‫َّ‬
‫الساحب‪ ،‬واملظهر إليه بمثابة املستفيد‪ ،‬وحينئذ‪ ،‬فالرشوط املوضوعية‬
‫املطلوبة توافرها لصحة هذا النوع من التظهري هي الرشوط املوضوعية‬
‫املطلوبة توافرها لصحة إنشاء الورقة التِّجارية عموم ًا‪ ،‬باإلضافة إىل رشوط‬

‫((( األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬واألوراق التجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‬
‫كامل طه‪( ،‬ص‪.)68‬‬
‫((( األوراق التِّجارية والتقايض يف منازعاهتا يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممود حممد هاشم‪،‬‬
‫ص (‪.)79‬‬

‫‪449‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫خاصة هبذا النوع من التظهري وسوف نتعرض هلا بيشء من التفصيل عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الرشوط املوضوعية (العامة) للتظهري الناقل للملكية‪:‬‬
‫هذه الرشوط ال ختتص بالتظهري فقط‪ ،‬بل هي عامة لصحة إنشاء‬
‫األوراق التِّجارية ولكل التزام تعاقدي ولكل ترصف قانوين‪ ،‬ومل يتعرض‬
‫نظام األوراق التِّجارية هلذه الرشوط باعتبار أهنا ختضع للقواعد العامة‬
‫السعودية‪ ،‬والتي حتكمها الرشيعة اإلسالمية التي متثل‬ ‫يف اململكة العربية ُّ‬
‫النِّظام العام يف البالد‪ ،‬إال أن النِّظام تعرض ملسائل جزئية متعلقة باألهلية‪،‬‬
‫وسيأيت بيان ذلك الحق ًا‪.‬‬
‫وهذه الرشوط هي‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬الرضا‪:‬‬
‫يشرتط لصحة إنشاء أي عقد من العقود املالية وجود الرتايض بني‬
‫كره ًا بغري حق‪ ،‬لقوله‬ ‫َ‬ ‫املتعاقدين(((‪ ،‬فال يصح العقد إن كان أحدمها ُم‬
‫َّ ٓ َ‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ٰ َ ُ َ ۡ َ ُ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬يأيها ٱلِين ءامنوا ل تأكلوا أمولكم بينكم بِٱلب ِط ِل إِل أن‬
‫كمۡ‬‫ّ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َّ َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ ً َ َ‬
‫اض مِنك ۚم ول تقتلوا أنفسك ۚم إِن ٱلل كن ب ِ‬ ‫تكون ت ِجٰ َرة عن ت َر ٖ‬
‫ِيما‪[ ﴾29‬النساء‪ .]29 :‬وقال النبي ‪(( :‬إنام البيع عن تراض‬ ‫َرح ٗ‬

‫((( انظر‪ :‬الرشح الكبري عىل املقنع‪ ،‬البن قدامة املقديس‪ .)17/11( ،‬امللخص الفقهي‪،‬‬
‫د‪ .‬صالح الفوزان‪ ،‬ص (‪ ،)246‬النارش‪ :‬دار ابن حزم ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة‬
‫النرش ‪1429‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫منكم))(((‪ ،‬إال أن ُيكره بحق فيصح التعاقد‪ ،‬كام لو أكرهه احلاكم عىل بيع‬
‫ماله لوفاء دينه‪ ،‬فإن هذا إكراه بحق(((‪.‬‬
‫وبناء عىل هذا يلزم لصحة االلتزام الرصيف الناشئ عن التظهري‪ :‬رضا‬
‫كل من املظهر واملظهر إليه‪ ،‬وإن كان االلتزام الرصيف يعترب التزام ًا شكلي ًا‬
‫فإن هذه الشكلية ال يمكنها أن حتجب دور هذه اإلرادة (الرضا) يف نشوء‬
‫هذا االلتزام‪ ،‬والتعبري عن إرادة املظهر يتخذ مظهر ًا مادي ًا هو التوقيع عليها‪،‬‬
‫والتعبري عن إرادة املظهر إليه يكون بتس ُلمه هذه الورقة وحيازته هلا(((‪.‬‬
‫كام أن املظهر يلتزم بالورقة التِّجارية ليس ألن توقيعه ز َّين هذه الورقة‪،‬‬
‫بل ألنه أراد (أي ارتىض) أن يلتزم هبا؛ ولكي يكون رضا املظهر منتج ًا ألثره‬
‫من الوجهة القانونية جيب أن يكون صادر ًا عن إرادة مستنرية حرة(((‪ ،‬أي‬
‫أي عيب من عيوب الرضا كالغلط واإلكراه والتدليس‪.‬‬ ‫جيب أن ال يشوهبا ِّ‬
‫الرشط الثاين‪ :‬املحل‪:‬‬
‫ويعترب املحل رشط ًا رضوري ًا من رشوط الترصفات القانونية‪ ،‬وحتى‬
‫يكون الترصف صحيح ًا ال بد من وجود حمل يضاف إليه ويكون قاب ً‬
‫ال‬

‫أخرجه ابن حبان يف صحيحه كتاب البيوع باب البيع املنهي عنه (‪ )340/11‬حديث‬ ‫(((‬
‫رقم (‪ ،)4967‬واحلديث صحيح‪.‬‬
‫امللخص الفقهي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬د‪ .‬صالح الفوزان‪ ،‬ص (‪.)246‬‬ ‫(((‬
‫تظهري األوراق التجارية‪ ،‬بسام محد الطراونة‪ ،‬ص (‪ ،)182-181‬النارش‪ :‬دار وائل‬ ‫(((‬
‫للنرش والتوزيع‪-‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة النرش ‪2004‬م‪.‬‬
‫األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬ص (‪.)67‬‬ ‫(((‬

‫‪451‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫حلكمه‪ ،‬وتظهري الورقة التجارية كغريه من الترصفات القانونية ال بد فيه من‬


‫وجود املحل وإال اعترب التظهري باط ً‬
‫ال(((‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬السبب‪:‬‬
‫سبب التظهري هو العالقة القانونية األصلية التي أدت إىل أن إنشائه‪،‬‬
‫والتي قامت بني املظهر واملظهر إليه‪ ،‬والتي جعلت من املظهر مدين ًا للمظهر‬
‫إليه بمبلغ الورقة‪.‬‬
‫ويشرتط لصحة التظهري أن يكون هذا السبب موجود ًا ومرشوع ًا‪ ،‬وال‬
‫خيالف النِّظام العام أو اآلداب العامة‪ ،‬وتعترب باطلة كل ورقة جتارية ظهرت‬
‫لدفع د ْين قامر أو رشوة مثالً‪ ،‬أو لدفع إجيار بيت خمصص للدعارة‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك(((‪.‬‬
‫وإذا ب ُطل التظهري النعدام السبب أو لعدم مرشوعيته فإن أثر البطالن‬
‫مقصور عىل طريف العالقة املظهر واملظهر إليه‪ ،‬ومن ثم فإنه غري ٍ‬
‫نافذ يف‬
‫مواجهة احلامل حسن النية عم ً‬
‫ال بمبدأ تطهري الدفوع(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية والتقايض يف منازعاهتا‪ ،‬د‪ .‬حممود حممد هاشم‪ ،‬ص (‪،)49‬‬
‫تظهري األوراق التجارية‪ ،‬بسام محد الطراونة‪ ،‬ص (‪.)191‬‬
‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية وفق ًا لنظام األوراق التجارية السعودي واتفاقية جنيف‪ ،‬عبد‬
‫الفضيل حممد أمحد‪ ،‬ص (‪ ،)23‬النارش‪ :‬مكتبة اجلالء باملنصورة ‪ -‬مرص‪ ،‬بدون سنة‬
‫نرش‪ .‬األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬ص (‪.)70-69‬‬
‫((( تظهري األوراق التجارية‪ ،‬بسام محد الطراونة‪ ،‬ص (‪.)198‬‬

‫‪452‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الرشط الرابع‪ :‬األهلية‪:‬‬


‫ويشرتط لصحة التظهري أن يصدر عن أهلية كاملة يعتد هبا نظام ًا‪ ،‬واملراد‬
‫باألهلية الكاملة‪ :‬أن يكون الشخص بالغ ًا عاقالً‪ ،‬فال يصح تظهري املجنون‬
‫أو الصغري للورقة التجارية‪ ،‬وقد نصت (املادة الثامنة) من نظام األوراق‬
‫التِّجارية عىل ذلك مقررة‪« :‬إن التزامات ال ُق َّص الذين ليسوا جتار ًا وعديمي‬
‫األهلية الناشئة من توقيعاهتم عىل الكمبيالة تكون باطلة بالنسبة إليهم‬
‫فقط‪ ،‬وجيوز هلم التمسك هبذا البطالن يف مواجهة كل حامل للكمبيالة ولو‬
‫كان حسن النية»‪ ،‬كام نصت (املادة السابعة) من النِّظام عىل أنه‪« :‬ال يعترب‬
‫ال لاللتزام؛ إال إذا بلغ من العمر ثامين عرشة سنة»‪ ،‬ويالحظ‬ ‫السعودي أه ً‬
‫ُّ‬
‫من النص السابق أنه مل يرد يف النِّظام ما يفرق بني أهلية الرجل وأهلية املرأة‬
‫يف االلتزام بالورقة التِّجارية‪ ،‬وذلك تطبيق ًا للقواعد العامة التي حتكمها‬
‫الرشيعة اإلسالمية‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الرشوط املوضوعية (اخلاصة) للتظهري الناقل للملكية‪:‬‬
‫ويضاف إىل الرشوط العامة سابقة الذكر رشوط خاصة بالتظهري الناقل‬
‫للملكية وهذه الرشوط هي‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬صدور التظهري من احلامل الرشعي للورقة التجارية‪:‬‬
‫ومعنى ذلك أن التظهري لن يكون صحيح ًا‪ ،‬ولن يرتب آثاره إال إذا قام‬
‫به احلامل الرشعي للورقة التجارية‪ ،‬واحلامل الرشعي للورقة التِّجارية هو‬

‫‪453‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫املستفيد األصيل أو احلائز الذي يثبت أنه صاحب احلق بسلسلة غري منقطعة‬
‫من التظهريات حتى ولو كان آخرها تظهري ًا عىل بياض‪.‬‬
‫ولقد نص نظام األوراق التِّجارية عىل ذلك بقوله‪« :‬يعترب حامل‬
‫الكمبيالة حاملها الرشعي متى ثبت أنه صاحب احلق فيها بتظهريات غري‬
‫منقطعة‪ ،‬ولو كان آخرها تظهري ًا عىل بياض‪ ،‬والتظهريات املشطوبة تعترب‬
‫يف هذا الشأن كأن مل تكن وإذا أعقب التظهري عىل بياض تظهريا آخر يعترب‬
‫املو ّقع عىل هذا التظهري األخري أنه هو الذي إليه احلق يف الكمبيالة بالتظهري‬
‫عىل بياض» املادة (‪.)16‬‬
‫الرشط الثاين‪ :‬أن يكون التظهري بات ًا غري معلق عىل رشط‪:‬‬
‫ويشرتط لصحة التظهري أن يكون التظهري خالي ًا من كل رشط جيعل‬
‫التزام املظهر بضامن مبلغ الكمبيالة (الورقة التجارية) معلق ًا عىل رشط ‪ -‬أي‬
‫أمر مستقبل غري حمقق الوقوع‪ ،-‬وهو ما يسمى بالتظهري الرشطي‪ ،‬ألن ذلك‬
‫جيعل تداول الكمبيالة متعذر ًا ويعطلها عن القيام بوظيفتها كأداة للوفاء‬
‫ووسيلة لالئتامن(((‪.‬‬
‫وجيب التوضيح بأن التظهري الرشطي ال يقع باطالً‪ ،‬وإنام يبطل فقط‬
‫الرشط الذي علق عليه مع بقاء التظهري صحيح ًا‪.‬‬
‫وقد عرب عن ذلك نظام األوراق التِّجارية يف املادة (‪ )13‬بقوله‪« :‬ال جيوز‬
‫تعليق التظهري عىل رشط‪ ،‬وكل رشط يعلق عليه التظهري يعترب كأنه مل يكن»‬
‫((( الوجيز يف األوراق التِّجارية وفق ًا لنظام األوراق التِّجارية السعودي‪ ،‬د‪ .‬إيناس خلف‬
‫اخلالدي‪ ،‬ص (‪.)52‬‬

‫‪454‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الرشط الثالث‪ :‬أن يكون حمل التظهري هو مبلغ الورقة التِّجارية بأكمله‪:‬‬
‫أي أن يقع التظهري عىل كامل مبلغ الورقة التِّجارية ال عىل جزء منه‪ ،‬وقد‬
‫اعترب قانون جنيف املوحد التظهري اجلزئي باط ً‬
‫ال(((‪.‬‬
‫السعودي كام نصت عىل ذلك‬
‫واتبعه يف ذلك نظام األوراق التِّجارية ُّ‬
‫املادة (‪ )13‬بأن‪« :‬التظهري اجلزئي باطل»‪.‬‬
‫ويالحظ أن النِّظام َّفرق بني التظهري اجلزئي والتظهري املعلق عىل رشط‪،‬‬
‫ال كله‪ ،‬بينام مل يبطل الثاين بل اعتربه صحيح ًا مع بطالن‬
‫فاعترب األول باط ً‬
‫الرشط الذي علق عليه فقط‪.‬‬
‫الرشط الرابع‪ :‬أن يكون املظهر إليه شخص ًا موجود ًا‪:‬‬
‫فال يصح التظهري إذا كان املظهر إليه غري موجود أصالً‪ ،‬أو كان موجود ًا‬
‫ثم تويف أو زالت شخصيته «كالرشكة بعد تصفيتها وزواهلا»(((‪.‬‬
‫الرشط اخلامس‪ :‬قبول املظهر إليه‪:‬‬
‫ويرتبط هذا القبول بمجرد وجود الورقة التِّجارية يف حوزة املظهر إليه‪،‬‬
‫ويف حالة رفض املظهر إليه للتظهري فإنه ال يبقى للتظهري أي قيمة نظامية‬
‫توف شخص‬ ‫بالنسبة إليه‪ ،‬وكذلك إذا مل يعلم املظهر إليه بالتظهري‪ ،‬كأن ُي َّ‬
‫ويرتك بني املوجودات ورقة مظهرة لشخص رفض استالمها‪ ،‬فإن هذه‬
‫((( أحكام األوراق التِّجارية األوراق التِّجارية الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪ ،‬ص‬
‫(‪.)198‬‬
‫((( أحكام األوراق التِّجارية األوراق التِّجارية الفقه اإلسالمي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪،‬‬
‫ص (‪.)198‬‬

‫‪455‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الورقة تعترب ُملك ًا لورثة املظهر‪ ،‬ويعترب ذلك التظهري يف حكم التظهري‬
‫املشطوب أي باطال لعدم قبول املظهر إليه(((‪.‬‬
‫الرشط السادس‪ :‬أن َي ِرد التظهري عىل ورقة جتارية جيوز تظهريها‪:‬‬
‫ويشرتط لصحة التظهري أن َي ِرد عىل ورقة جتارية جيوز تظهريها‪ ،‬وهذا‬
‫ي ُظر تداوهلا مثل العبارة‪ :‬ليست‬ ‫يقتيض أن تكون الورقة خالية من رشط َ ْ‬
‫ألمر‪ ،‬أو أي عبارة أخرى تفيد معناها‪ ،‬وهذه العبارة من البيانات االختيارية‬
‫التي أجازت األنظمة اشتامل الورقة التِّجارية عليها‪ ،‬كام عرب عن ذلك نظام‬
‫األوراق التِّجارية يف (املادة الثانية عرشة)‪.‬‬
‫الرشط السابع‪ :‬أن يتم التظهري قبل عمل احتجاج عدم الدفع أو قبل فوات‬
‫ميعاد االستحقاق‪:‬‬
‫ويشرتط لصحة التظهري أن يتم قبل عمل احتجاج عدم الدفع((( أو‬
‫قبل فوات ميعاد االستحقاق‪ ،‬وذلك ألن الورقة التي تم عمل احتجاج‬
‫عدم الدفع بشأهنا أو فات امليعاد املحدد الستحقاقها‪ ،‬مل تعد صاحلة للقيام‬
‫بدورها كأداة وفاء وائتامن‪ ،‬ومن ثم ال جيوز تداوهلا بالطريق التجارية(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عيل مجال الدَّ ْين عوض‪ ،‬ص (‪.)58-56‬‬
‫((( االحتجاج هو ورقة رسمية حترر بواسطة موظف خمتص وذلك إلثبات امتناع‬
‫املسحوب عليه عن الوفاء‪ ،‬وتسمى (احتجاج عدم القبول) أو (احتجاج عدم الدفع)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التزامات وحقوق حامل الورقة التجارية‪ ،‬د‪ .‬حممد حسني سعيد‪ ،‬ص (‪،)185‬‬
‫النارش‪ :‬عامل الكتب‪-‬القاهرة‪ ،‬بدون ذكر رقم الطبعة‪ .‬واملادة (‪ )54‬من نظام األوراق‬
‫التِّجارية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية يف النظام التجاري السعودي‪ ،‬د‪ .‬سعيد حييى‪ ،‬ص (‪،)111‬‬
‫سنة النرش‪1405 :‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ومن هذا يتبني أن التظهري جيب أن يتم قبل موعد استحقاق الورقة‪ ،‬إال‬
‫السعودي قد أجاز تظهري الكمبيالة بعد موعد استحقاقها رشيطة‬ ‫أن النِّظام ُّ‬
‫أن يتم ذلك قبل عمل احتجاج عدم الدفع أو قبل فوات ميعاده‪ ،‬وقد عرب عن‬
‫ذلك بقوله‪« :‬التظهري الالحق مليعاد االستحقاق يرتب آثار التظهري السابق‬
‫له‪ ،‬أما التظهري الالحق الحتجاج عدم الدفع أو احلاصل بعد انقضاء امليعاد‬
‫املحدد لعمل هذا االحتجاج فريتب آثار حوالة احلق» املادة (‪ )20‬من نظام‬
‫األوراق التجارية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الشروط الشكلية للتظهير الناقل للملكية‪:‬‬

‫إن التظهري ترصف إرادي شكيل يتم بالكتابة وال يمكن أن يقع التعبري‬
‫عنه مشافهة‪ ،‬فهو يتم بإجراء مادي يتمثل يف الكتابة‪ ،‬أو التوقيع عىل موضع‬
‫معني هو الورقة أو الورقة املتصلة هبا‪ ،‬والتوقيع ال يكون معترب ًا إال إذا كان‬
‫إمضاء أو بصمة إهبام أمام شاهد ْين(((‪.‬‬
‫ويشرتط لصحة إنشاء التظهري توافر بيانات معينة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عام قد يكون‬
‫هناك من بيانات اختيارية‪ ،‬وهذا يعني أن كتابة التظهري بوصفها شكلية‬
‫الطابع تتشكل من بيانات إلزامية‪ ،‬وأهنا يمكن أن تتضمن بيانات اختيارية‪،‬‬
‫وتثار مسألة إلغاء التظهري‪ ،‬حيث يتم إلغاء التظهري بشطبه‪ ،‬أو كتابة عبارة‬
‫تفيد اإللغاء كعبارة(ملغي)‪ ،‬ثم يوقع حتتها‪ ،‬ولكن إذا بقيت الورقة يف حيازة‬
‫املظهر حتى ميعاد االستحقاق وتقدم إىل املدين طالب ًا وفاء الدَّ ْين وجب عىل‬

‫((( التظهري التمليكي وأثره يف األوراق التِّجارية‪ ،‬إبراهيم عيل احللبويس‪ ،‬جملة احلقوق‬
‫‪-‬كلية القانون اجلامعة املستنرصية ‪ -‬العراق‪ ،‬العدد ‪2012 ،)283/4( ،17-16‬م‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫املدين الوفاء للحامل وال قيمة للتظهري امللغي؛ ألنه حيازة احلامل الذي‬
‫ألغي التظهري للورقة ‪-‬يفهم منه أنه‪ -‬مل يتنازل عن ملكية احلق الثابت‬
‫هبا‪ ،‬عىل أن للمظهر الذي يريد إلغاء تظهريه أن يطلب من املظهر إليه إذا‬
‫كانت حيازة الورقة قد انتقلت إليه أن يظهر الورقة تظهري ًا عكسي ًا بدالً من‬
‫إلغاء تظهريه‪ ،‬وإذا ترتب عىل قيام املظهر إليه بتظهري الورقة التزامه التزام ًا‬
‫الضامن بوضع‬ ‫رصفي ًا جيعله ضامن ًا للورقة فإنه يستطيع أن يتخلص من هذا َّ‬
‫ال من البيانات‬ ‫الضامن يف التظهري العكيس‪ ،‬وسأعالج فيام يأيت ك ً‬‫رشط عدم َّ‬
‫اإللزامية والبيانات االختيارية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الرشوط الشكلية اإللزامية‪:‬‬
‫لقد عاجلت املادة (‪ )14‬من نظام األوراق التِّجارية الرشوط الشكلية‬
‫اإللزامية يف التظهري‪ ،‬والتي البد من التقيد هبا عىل الوجه الصحيح‪ ،‬ويالحظ‬
‫من نص هذه املادة أن الرشوط الشكلية اإللزامية الواجب توفرها يف التظهري‬
‫هي‪ :‬كتابة التظهري عىل ذات الورقة التِّجارية أو الورقة املتصلة هبا (الرشط‬
‫األول)‪ ،‬وأن يقرتن التظهري بتوقيع املظهر (الرشط الثاين)‪.‬‬
‫الرشط األول‪ :‬كتابة التظهري‪:‬‬
‫ال ُيعتد باألوراق التِّجارية من الوجهة القانونية؛ إال بصدورها يف صك‬
‫يتضمن البيانات املقررة قانون ًا(((‪.‬‬

‫((( األوراق التِّجارية يف الترشيع املرصي‪ ،‬د‪ .‬أمني حممد بدر‪ ،‬مكتبة النهضة املرصية‬
‫‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1954 ،‬م‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫وتعد الكتابة ركن ًا جوهري ًا يف االلتزام الرصيف الذي ال يكون له وجود‬


‫إال بوجود الصك‪ ،‬كام يالحظ أن رشط الكتابة يف األوراق التِّجارية هو‬
‫رشط شكيل؛ فإذا فقدت الكتابة هذا الرشط فإهنا ال توجد أصالً‪ ،‬إذ إنه‬
‫ٍ‬
‫تراض بني املظهر واملظهر إليه لتامم تظهري الورقة‬ ‫ال يكفي أن يكون هناك‬
‫التجارية؛ بل ال بد من وجود الكتابة؛ ألن الكتابة هنا ليست رشط إثبات‬
‫حيل حمل اليمني أو اإلقرار بل رشط انعقاد(((‪.‬‬
‫وبالرجوع إىل نص املادة (‪ )14‬من نظام األوراق التِّجارية نالحظ أهنا‬
‫تشري إىل أن التظهري ُيكتَب عىل الكمبيالة نفسها‪ ،‬ويستفاد من كلمة «يكتب»‬
‫الواردة يف مطلع الفقرة األوىل من املادة املشار إليها بأن التظهري جيب أن‬
‫يكون مكتوب ًا‪ ،‬إال أن الكتابة قد تأخذ عدة أشكال تبع ًا لعدد من العوامل‬
‫املختلفة والتي منها مراعاة متطلبات الكتابة القانونية والتطورات التي تتم‬
‫السعودي مل حيدد ماهية الكتابة‬
‫عىل أساليب الكتابة‪ ،‬ويالحظ إىل أن املنظم ُّ‬
‫املقصودة‪ ،‬وربام يرجع ذلك إىل صعوبة حتديد املعنى الدقيق للكتابة‪.‬‬
‫كام ُيشرتط أيض ًا لصحة التظهري أن ترد الكتابة عىل السند نفسه أو الورقة‬
‫املتصلة به‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )1/14‬عىل أنه‪« :‬يكتب التظهري عىل الكمبيالة‬
‫ذاهتا أو عىل ورقة أخرى متصلة هبا ويوقعه املظهر»‪ ،‬وعليه فإن التظهري جيب‬
‫أن يكون عىل الورقة التِّجارية ذاهتا أو عىل الورقة املتصلة هبذه الورقة‪ ،‬وال‬
‫جيوز أن يرد التظهري عىل أي يشء آخر(((‪.‬‬
‫((( األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد الشواريب‪ ،‬ص (‪.)132‬‬
‫((( الوجيز يف األوراق التِّجارية وفق ًا لنظام األوراق التِّجارية السعودي‪ ،‬د‪ .‬إيناس خلف‬
‫اخلالدي‪ ،‬ص (‪.)53-52‬‬

‫‪459‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫فإذا وقع التظهري عىل ورقة خارجية مستقلة عن الورقة التجارية؛ فإنه ال‬
‫يعترب تظهري ًا وإنام حوالة مدنية ترسي عليها قواعد القانون املدين‪ ،‬والسبب‬
‫يف ذلك هو أن التظهري عىل ورقة مستقلة يتعارض متام ًا مع مبدأ الكفاية‬
‫الذاتية للورقة التجارية(((‪.‬‬
‫وقد يقع التظهري عىل وجه الورقة أو عىل ظهرها‪ ،‬أو عىل وجه الورقة‬
‫املتصلة هبا أو عىل ظهرها‪ ،‬وذلك ألن النِّظام مل يبني فيام إذا جيب وقوع‬
‫التظهري عىل وجه أو عىل ظهر الورقة التِّجارية أو عىل الورقة املتصلة هبا‪،‬‬
‫إال أن الغالب هو وقوع التظهري عىل ظهر الورقة التِّجارية أو عىل ظهر‬
‫الورقة املتصلة هبا‪ ،‬ولعل هذا هو السبب يف تسميته بالتظهري‪ ،‬إذ إن ذلك‬
‫يمنع اختالط التظهري بغريه من التواقيع التي تقع عىل وجه الورقة كتوقيع‬
‫الضامن االحتياطي للساحب أو توقيع املسحوب عليه القابل(((‪.‬‬
‫ويالحظ أن املنظم التجاري ال يشرتط مكان ًا حمدد ًا يوضع التظهري عليه‬
‫يف ظهر الورقة‪ ،‬وبالتايل جيوز أن يتم التظهري يف أي مكان يف ظهر الورقة‪،‬‬
‫سواء يف أعىل الورقة التِّجارية أو أوسطها أو يف أسفلها(((‪.‬‬

‫((( األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عيل مجال الدَّ ْين عوض‪ ،‬ص (‪.)130‬‬
‫((( الوسيط يف رشح القانون التجاري‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر العطري‪ ،‬ص (‪.)130‬‬
‫((( انظر‪ :‬املادة (‪ )14‬من نظام األوراق التجارية‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الرشط الثاين‪ :‬توقيع املظهر‪:‬‬


‫مل يشرتط نظام األوراق التِّجارية لصحة التظهري الناقل للملكية ذكر‬
‫بيانات معينة يف صيغة التظهري سوى ذكر بيان واحد هو توقيع املظهر‪،‬‬
‫مكتفي ًا فقط برضورة اقرتان هذه الصيغة بتوقيع املظهر(((‪.‬‬
‫عب املظهر هبذا التوقيع عن إرادته يف نقل احلق الثابت يف السند إىل‬
‫إذ ُي ِّ‬
‫املظهر إليه وضامن الوفاء به يف ميعاد االستحقاق‪ ،‬وجيوز أن يقع التوقيع‬
‫باإلمضاء أو اخلتم أو بصمة اإلصبع(((‪.‬‬
‫فإن ورد اسم املظهر إليه يف صيغة التظهري كان اسمي ًا‪ ،‬وإن كان املظهر‬
‫إليه هو حامل الكمبيالة دون بيان اسمه كان التظهري حلامله‪ ،‬وإن اقترص عىل‬
‫توقيع املظهر كان التظهري عىل بياض‪ ،‬وهذه هي أنواع التظهري الثالثة من‬
‫حيث الشكل والتي ال تنتقل الكمبيالة إال باتباع أحدها من احلامل السابق‬
‫إىل احلامل الالحق(((‪.‬‬
‫وهذا ما نص عليه نظام األوراق التِّجارية أنه‪« :‬جيوز أال يكتب يف‬
‫التظهري اسم املستفيد‪ ،‬كام جيوز أن يقترص التظهري عىل توقيع املظهر (التظهري‬
‫عىل بياض)» وأضاف أنه‪ ...« :‬ويعترب التظهري للحامل تظهري ًا عىل بياض»‪،‬‬
‫وسأوضح هذه األنواع فيام ييل‪:‬‬

‫((( الوجيز يف األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬إيناس خلف اخلالدي‪ ،‬ص (‪.)53‬‬
‫((( األوراق التِّجارية وعمليات البنوك‪ ،‬د‪ .‬عزيز العكييل‪ ،‬ص (‪.)98-97‬‬
‫((( األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬ص (‪.)141‬‬

‫‪461‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪1.‬التظهري االسمي‪:‬‬
‫التظهري االسمي هو الذي يعني فيه اسم املستفيد من التظهري (املظهر‬
‫إليه) فرتد صيغة التظهري ‪-‬عىل سبيل املثال ‪-‬عىل النحو التايل‪« :‬ادفعوا‬
‫ملحمد أمحد أو ألمره» وبعدها يوقع املظهر(((‪.‬‬
‫‪2.‬التظهري للحامل (أو حلامله)‪:‬‬
‫التظهري للحامل أو (حلامله) هو الذي ال يعني فيه اسم املستفيد من‬
‫التظهري‪ ،‬ويكون املستفيد هو حامل الكمبيالة أي ًا كان‪ ،‬أي بغض النظر عن‬
‫شخصيته‪ ،‬فيذكر يف التظهري «ادفعوا حلامله»(((‪.‬‬
‫ويالحظ أن نظام األوراق التِّجارية مل جيز إنشاء الكمبيالة «حلامله»؛‬
‫ولكنه أجاز تظهريها حلامله‪ ،‬واعترب هذا التظهري بمثابة التظهري عىل بياض‪.‬‬
‫‪3.‬التظهري عىل بياض‪:‬‬
‫التظهري عىل بياض هو الذي يقترص عىل توقيع املظهر دون أي بيان‬
‫آخر(((‪.‬‬
‫ولقد نصت عىل ذلك املادة (‪ )3-2/14‬بأنه‪« :‬وجيوز أال يكتب يف‬
‫التظهري اسم املظهر إليه‪ ،‬كام جيوز أن يقترص التظهري عىل توقيع املظهر‬
‫(التظهري عىل بياض)؛ وإذا كان التظهري عىل بياض جاز للحامل أن يمأل‬

‫((( األوراق التجارية‪ ،‬د‪ .‬عزيز العكييل‪ ،‬ص (‪.)99‬‬


‫((( األوراق التجارية‪ ،‬د‪ .‬عزيز العكييل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)99‬‬
‫((( األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عصام حنفي حممود‪ ،‬ص (‪.)107‬‬

‫‪462‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫البيان بكتابة اسمه أو اسم شخص آخر أو أن يظهر الكمبيالة من جديد عىل‬
‫بياض أو إىل شخص آخر‪ ،‬أو أن يسلم الكمبيالة إىل شخص آخر دون أن‬
‫يمأل البياض ودون أن يظهرها»‪​​.‬‬
‫وعىل هذا يعد التظهري تظهري ًا عىل بياض‪ ،‬إذا مل يذكر يف عبارة التظهري‬
‫اسم املظهر له‪ ،‬أو إذا اقترص املظهر عىل وضع توقيعه دون إضافة أية عبارة‪،‬‬
‫ففي احلالة األوىل يمكن أن يرد التظهري عىل صدر الكمبيالة أو عىل ظهرها‬
‫النتفاء حدوث اخللط بني توقيع املظهر وتوقيعات امللتزمني اآلخرين‬
‫كالقابل أو الضامن‪.‬‬
‫أ َّما يف احلالة الثانية فيتعني أن يرد التظهري عىل ظهر الكمبيالة‪ ،‬أو عىل‬
‫الورقة املتصلة هبا‪ ،‬حتى ال خيتلط توقيع املظهر بتوقيع بقية امللتزمني‪ ،‬إذ‬
‫إن ظهر الكمبيالة حيتفظ به للتظهريات‪ ،‬مما ال يدع جماالً للشك يف طبيعة‬
‫التوقيعات الواردة عليه‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الرشوط الشكلية االختيارية للتظهري (الناقل) للملكية‪:‬‬
‫وهي البيانات التي ال يلزم إدراجها يف التظهري‪ ،‬بل هي راجعة إىل اختيار‬
‫املتعاملني هبا‪ ،‬فإن شاءوا أدرجوها‪ ،‬وإن شاءوا مل يدرجوها‪.‬‬
‫ويقترص أثر الرشوط االختيارية عىل املظهر الذي سبق أن ذكرها يف‬
‫الكمبيالة بخالف البيانات التي يذكرها الساحب‪ ،‬والتي يمتد أثرها إىل مجيع‬
‫املتعاملني بالورقة التجارية‪ ،‬ألهنا رشوط يقرتن هبا نشوء االلتزام الرصيف‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ويفرتض يف البيانات التي يذكرها املظهر أال تكون قد أدرجت من‬


‫الساحب‪ ،‬أو أحد املظهرين السابقني له‪ ،‬وإال ملا أصبح هلذه البيانات أمهية‬
‫بالنسبة له ما دام أن الكمبيالة قد اقرتنت هبا سابق ًا‪.‬‬
‫وهذه الرشوط الشكلية (االختيارية) منها ما هو خاص بالتظهري فقط‪،‬‬
‫ومنها ما هو عام‪ ،‬أي جائز عند إنشاء الورقة التِّجارية وكذلك عند تظهريها‪،‬‬
‫وبيان ذلك فيام ييل‪:‬‬
‫(أ) الرشوط الشكلية االختيارية (العامة)‪:‬‬
‫ويقصد هبا البيانات االختيارية التي جيوز استعامهلا عند إنشاء الورقة‬
‫التِّجارية سواء من قبل الساحب أو املحرر‪ ،‬وجيوز أيض ًا استعامهلا من قبل‬
‫املظهر يف التظهري‪.‬‬
‫وجيب التنبيه إىل أن هذه البيانات ال عدد هلا وال حرص وللساحب أو‬
‫املظهر اشرتاط ما شاء من البيانات االختيارية‪ ،‬ولكن هذا التخيري ليس عىل‬
‫إطالقه‪ ،‬وإنام مقيد بوجوب أن تكون هذه البيانات التي ترد عىل الورقة‬
‫التِّجارية مالئمة لطبيعة األوراق التجارية‪ ،‬وعدم خمالفتها للقواعد اآلمرة‬
‫والنِّظام واآلداب العامة‪ ،‬ولذلك سأقترص عىل بيان أكثرها انتشار ًا‪ ،‬وبياهنا‬
‫فيام ييل‪:‬‬
‫الضامن‪:‬‬
‫الرشط األول‪ :‬رشط عدم َّ‬
‫األصل أن مجيع املوقعني عىل الكمبيالة ضامنون وفاء الكمبيالة إذا ختلف‬
‫املسحوب عليه عن ذلك‪ ،‬لكن النِّظام أعطى للساحب (أحيان ًا)‪ ،‬وللمظهر‬

‫‪464‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الضامن‪ ،‬بالنسبة للساحب يمكنه اشرتاط‬ ‫(عموم ًا) حق اشرتاط اإلعفاء من َّ‬
‫إعفائه من ضامن قبول الكمبيالة‪ ،‬وبالتايل فإنه يمتنع عن احلامل أن يقوم‬
‫بتقديمها للمسحوب عليه لقبوهلا‪ ،‬ولكن ليس للساحب أن يشرتط إعفاءه‬
‫من ضامن الوفاء‪ ،‬ألن الساحب هو منشئ الكمبيالة وامللتزم األول بدفع‬
‫قيمتها‪ ،‬وليس مقبوالً أن يصدر الساحب الكمبيالة ويشرتط عدم ضامن‬
‫الوفاء للحامل‪ ،‬كون الكمبيالة تستمد قيمتها أساس ًا من التزام الساحب‬
‫والذي تتحدد استناد ًا عليه التزامات باقي املوقعني عليها(((‪.‬‬
‫ولقد نصت املادة (‪ )11‬من نِّظام األوراق التجارية عىل أنه‪« :‬يضمن‬
‫ساحب الكمبيالة قبوهلا ووفاءها‪ ،‬وجيوز أن يشرتط إعفاءه من ضامن القبول‬
‫دون ضامن الوفاء»‪.‬‬
‫كام نصت املادة (‪ )1/15‬من نِّظام األوراق التجارية عىل أنه‪« :‬يمكن‬
‫للمظهر قبول الكمبيالة ووفائها ما مل يشرتط غري ذلك»‪.‬‬
‫ويتضح من النصوص السابقة أن نِّظام األوراق التجارية أعطى احلق‬
‫للمظهر يف أن يشرتط أو ال يشرتط قبول الكمبيالة ووفاؤها‪ ،‬بينام مل ي ِ‬
‫عط‬ ‫ُ‬
‫للساحب سوى حق اشرتاط عدم القبول دون عدم الوفاء‪.‬‬

‫((( األوراق التِّجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬عيل البارودي‪ ،‬ص (‪.)72‬‬

‫‪465‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الرشط الثاين‪ :‬رشط عدم التضامن‪:‬‬


‫الضامنات املقررة للوفاء باألوراق‬
‫ُيعد التضامن الرصيف من أهم َّ‬
‫التجارية‪ ،‬ويعني التضامن الرصيف قيام التضامن بني مجيع املوقعني عىل‬
‫الورقة التجارية(((‪.‬‬
‫ويرتتب عىل ذلك أنه يف حالة امتناع املدين األصيل عن الوفاء بقيمة‬
‫الورقة التِّجارية حيق حلاملها الرشعي الرجوع عىل سائر املوقعني اآلخرين‬
‫جمتمعني أو منفردين(((‪.‬‬
‫َّإل أن التضامن الرصيف ال يتعلق بالنِّظام العام وبالتايل جيوز استبعاده‬
‫بالنص عىل ذلك يف الورقة التِّجارية ويعرف هذا البيان برشط عدم‬
‫التضامن(((‪.‬‬
‫الرشط الثالث‪ :‬رشط الرجوع بال مصاريف أو من دون احتجاج‪:‬‬
‫(أ) رشط الرجوع بال مصاريف‪:‬‬
‫رشط الرجوع بال مصاريف أو دون نفقة‪ ،‬رشط يمكن إدراجه يف مجيع‬
‫صور األوراق التِّجارية(((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تعريف التضامن الرصيف ص‪ 433‬من هذا البحث‪ ،‬د‪ .‬عيل حسني يونس‪،‬‬ ‫(((‬
‫األوراق التِّجارية‪ ،‬ص (‪.)197‬‬
‫املادة (‪ )58‬من نظام األوراق التِّجارية‪.‬‬ ‫(((‬
‫األوراق التِّجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬عيل البارودي‪ ،‬ص (‪ ،)126‬واألوراق التِّجارية‬ ‫(((‬
‫واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬مصطفى كامل طه‪ ،‬ص (‪.)145‬‬
‫انظر‪ :‬أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد اخلثالن‪ ،‬ص (‪104- 99‬‬ ‫(((‬
‫‪.)106 -‬‬

‫‪466‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ومؤدى الرشط أنه يف حالة امتناع املسحوب عليه من قبول الورقة‬


‫التِّجارية ُيعفى حاملها الرشعي من حترير احتجاج عدم القبول(((‪.‬‬
‫ويمكن لسائر املوقعني عىل الورقة التِّجارية إدراج رشط الرجوع بال‬
‫مصاريف‪ ،‬أي سواء كان منشئ الورقة أو أحد املظهرين أو الضامنني‬
‫االحتياطيني (الكفالء)‪ ،‬ففي مجيع األحوال ُيعفى احلامل الرشعي للورقة‬
‫التِّجارية من حترير االحتجاج‪ ،‬ولكن يتحدد نطاق اإلعفاء بحسب الشخص‬
‫الذي أدرج يف الورقة التجارية(((‪.‬‬
‫(ب) بيان عدم االحتجاج‪:‬‬
‫األصل أن يضمن احلامل قيمة اإلسناد ومجيع املصاريف املرتتبة عىل‬
‫عمل احتجاج عدم القبول أو عدم الوفاء‪ ،‬غري أن احلامل قد يشرتط عدم‬
‫االحتجاج عند تظهري الورقة التِّجارية ليعفي نفسه من مرصوفات االحتجاج‬
‫عند رجوع احلامل عليه بقيمة الورقة‪ ،‬ويقترص أثر هذا الرشط عندئذ عىل‬
‫املظهر الذي وضعه وال يرسي عىل الساحب واملظهرين السابقني(((‪.‬‬

‫((( القانون التجاري‪ ،‬عدنان خري‪ ،‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪،‬‬
‫ص (‪.)53‬‬
‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية والتقايض يف منازعاهتا يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممود هاشم‪،‬‬
‫ص (‪.)66‬‬
‫((( تضامن املوقعون عىل األوراق التِّجارية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬د‪ .‬حممد عيل حممد بني مقداد‪،‬‬
‫ص (‪.)48‬‬

‫‪467‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الرشط الرابع‪ :‬رشط وصول القيمة‪:‬‬


‫ويقصد ببيان وصول القيمة‪ ،‬ذكر سبب نقل احلق الثابت يف الورقة‬
‫التِّجارية من قبل املظهر إىل املظهر إليه‪ ،‬وبمعنى آخر يقصد به أن املحرر‬
‫يتعهد بدفع مبلغ معني؛ ألن القيمة املقابلة له قد وصلته‪ ،‬كأن يكون هذا‬
‫التعهد سببه أنه اشرتى بضاعة مل يدفع ثمنها‪ ،‬أو أنَّه مدين بقرض عليه‬
‫سداده‪ ،‬ولذا فهو يذكر بأن تعهده له سبب وإن مل ُيلزم بذكر نوع السبب(((‪،‬‬
‫ويف الواقع أن بيان وصول القيمة ليس له أمهية تذكر‪ ،‬ذلك أن احلامل الذي‬
‫يتلقى الكمبيالة ال هيمه الوقوف عىل سبب إنشائها‪.‬‬
‫كام أن القواعد العامة ذاهتا ال تشرتط ذكر السبب يف السندات العادية؛‬
‫بل يفرتض أن لكل التزام سبب ًا مرشوع ًا حتى يثبت العكس‪.‬‬
‫لذلك فقد جاء قانون جنيف املوحد خالي ًا من هذا البيان‪ ،‬وسايره يف‬
‫السعودي‪،‬‬‫ذلك كثري من األنظمة التجارية ‪ ،‬ومنها نظام األوراق التِّجارية ُّ‬
‫(((‬

‫حيث مل تذكره املادة (األوىل) منه ضمن البيانات اإللزامية التي عددهتا‬
‫لصحة الكمبيالة‪.‬‬

‫((( األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬مجال الدَّ ْين عوض‪ ،‬ص (‪.)45‬‬
‫((( منها القانون التجاري اللبناين انظر‪ :‬القانون التجاري (األوراق التِّجارية)‪ ،‬د‪ .‬حممد‬
‫السيد الفقي‪ ،‬ص (‪.)82‬‬

‫‪468‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫(ب) الرشوط الشكلية االختيارية (اخلاصة) يف التظهري الناقل للملكية‪:‬‬


‫عىل عكس إنشاء الورقة التجارية‪ ،‬فإن للتظهري بيانات اختيارية غري‬
‫إلزامية‪ ،‬وهذه البيانات ذاهتا االختيارية يف التظهري هي بيانات إلزامية عند‬
‫إنشاء الورقة التجارية‪ ،‬كتأريخ التظهري واسم املظهر وغريه‪ ،‬وبياهنا فيام ييل‪:‬‬
‫تأريخ التظهري‪:‬‬
‫وال ريب يف أن تأريخ التظهري له أمهية كبرية يف الورقة التجارية‪ ،‬إذ إنه‬
‫حيقق فوائد كثرية‪ ،‬منها معرفة الزمن الذي تم فيه التظهري‪ ،‬وبالتايل حتديد‬
‫أهلية املظهر وقت التظهري‪ ،‬ويفيد تأريخ التظهري‪ ،‬كذلك يف معرفة الوقت‬
‫الذي تم فيه التظهري يف حالة إفالس املظهر‪ ،‬وما يرتتب عىل ذلك من‬
‫إجراءات‪ ،‬وتفيد كتابة التأريخ كذلك يف معرفة ما إذا كان التظهري قد وقع‬
‫قبل تأريخ االستحقاق أو بعده‪ ،‬أو بعد عمل احتجاج عدم الوفاء‪ ،‬أو بعد‬
‫الفرتة املعينة لعمل االحتجاج؛ ملا يرتتب عىل ذلك من آثار مهمة يف جمال‬
‫التعامل التجاري(((‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن نظام األوراق التِّجارية مل يشرتط أن يكون التظهري‬
‫مؤرخ ًا‪ ،‬ونص عىل ذلك يف املادة (‪« :)2-3/20‬يعترب التظهري اخلايل من‬
‫التأريخ أنه قد حصل قبل انقضاء امليعاد املحدد لعمل االحتجاج؛ إال إذا‬
‫أثبت غري ذلك‪ ،‬وال جيوز تقديم تأريخ التظهري وإن وقع اعترب تزوير ًا»‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬القانون التِّجاري (األوراق التِّجارية)‪ ،‬د‪ .‬حممد السيد الفقي‪ ،‬ص (‪.)98-97‬‬

‫‪469‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫رشط عدم التظهري‪:‬‬


‫يستطيع املظهر أن يقرن تظهريه برشط عدم التظهري كأن يكتب مثالً‪:‬‬
‫(وعني دفع املبلغ ألمر فالن‪ ،‬وال جيوز تظهري الكمبيالة بعد اآلن) ونحو‬
‫الضامن عند من تلقى عنه‬‫ذلك من العبارات‪ ،‬وبذلك تقف مسؤوليته عن َّ‬
‫الكمبيالة فقط‪ ،‬وال يكون مسؤوالً عن املظهر إليهم الالحقني‪ ،‬وهيدف‬
‫من يدرج هذا الرشط إىل ضامن عدم الرجوع إليه إال ممن تلقى عنه الورقة‬
‫التَّجارية؛ ألي سبب من األسباب‪ ،‬كأن تربطه به عالقة شخصية‪ ،‬أو أنه‬
‫يطمئن إليه وال يطمئن إىل غريه من املظهرين الالحقني(((‪.‬‬
‫بيان اسم املظهر إليه‪:‬‬
‫يستطيع املظهر أن يظهر الورقة التِّجارية مع عدم كتابة اسم املظهر إليه‪،‬‬
‫كام يمكنه أن يظهر الورقة دون رشط األمر‪ ،‬ويف كال احلالني تستمر الورقة‬
‫التِّجارية قابلة للتداول بالطرق التجارية‪ ،‬وال يعيقها عن ذلك سوى إضافة‬
‫املظهر عبارة رصحية تتضمن رشط عدم التظهري(((‪ ،‬ويقترص التظهري يف حالة‬
‫عدم كتابة اسم املظهر إليه عىل توقيع املظهر فقط(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬سميحة القليويب‪ ،‬ص (‪ .)122‬واألوراق التِّجارية‬
‫ووسائل الدفع اإللكرتونية‪ ،‬د‪ .‬مصطفى كامل طه‪ ،‬ود‪ .‬وائل أنور بندق‪ ،‬ص (‪.)76‬‬
‫((( انظر‪ :‬التظهري وفق ًا لنظام األوراق التِّجارية السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممد بن إسامعيل آل الشيخ‪،‬‬
‫ص (‪.)18-17‬‬
‫((( املادة (‪ )14‬من نظام األوراق التِّجارية‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الخاتمة‬
‫وفيها‪ :‬النتائج والتوصيات‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي بنعمه تتم الصاحلات‪ ،‬والصالة والسالم عىل من ختم اهلل‬
‫به الرساالت نبينا حممد وعىل آله وصحبه‪ ،‬ومن اهتدى هبدهيم من الصاحلني‬
‫والسلف‪ ،‬وحسن أولئك رفيق ًا‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فإنني أشكر اهلل ‪ ‬أن م َّن َّ‬


‫عيل بإمتام هذا البحث ولقد توصلت‬
‫من خالله إىل النتائج التالية‪:‬‬
‫‪1.‬إن التضامن الرصيف املنصوص عليه يف نظام األوراق التجارية‪ ،‬ال‬
‫خيرج عن إطار الضامن الرشعي الذي يتعامل به املسلمون منذ أكثر من‬
‫أربعة عرش قرن ًا مضت‪ ،‬وهو ضم ذمة الضامن إىل ذمة املضمون عنه يف‬
‫التزام احلق‪ ،‬وإن كان هناك اختالف يف تفاصيلهام الدقيقة؛ لكن ذلك ال‬
‫الضامن الرشعي‪.‬‬
‫خيرج التضامن الرصيف من إطار َّ‬
‫‪2.‬إن التضامن الرصيف من أهم الضامنات التي منحها املنظم حلامل‬
‫الورقة التجارية وللمويف عىل السواء‪ ،‬والذي من خالله يستطيع الدائن‬
‫الرجوع عىل امللتزمني بالورقة التجارية‪ ،‬منفردين أو جمتمعني‪ ،‬سواء كان‬
‫ذلك يف ميعاد استحقاق الورقة التجارية أم قبل ذلك امليعاد لتحقق أحد‬
‫أسباب الرجوع‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪3.‬إن طبيعة التضامن الرصيف وعالقة احلامل بامللتزمني تقوم عىل ثالثة‬
‫مبادئ‪ :‬مبدأ وحدة الدين‪ ،‬ومبدأ تعدد الروابط‪ ،‬ومبدأ النيابة التبادلية‬
‫الناقصة‪.‬‬
‫‪4.‬يعترب التضامن الرصيف احلاصل ملصلحة احلامل يف الورقة التجارية‪،‬‬
‫مفرتض ًا بنص النظام؛ إذ ينص عليه رصاحة‪ ،‬فال جمال لالتفاق عليه بني‬
‫األطراف عىل العمل به‪ ،‬وذلك لعدم إمكانية تصور وجود مثل هذا االتفاق‬
‫لغياب التعارف املسبق بني املدينني‪.‬‬
‫‪5.‬إن أشخاص التضامن الرصيف هم‪ :‬الساحب‪ ،‬واملسحوب عليه‬
‫القابل‪ ،‬واملظهر الذي هو حمل دراستنا‪ ،‬والضامن االحتياطي‪.‬‬
‫‪6.‬أن التضامن الرصيف ال يتعلق بالنِّظام العام وبالتايل جيوز استبعاده‬
‫بالنص عىل ذلك يف الورقة التِّجارية‪ ،‬ويعرف هذا البيان برشط عدم‬
‫التضامن‪.‬‬
‫‪7.‬إذا كان منشئ الورقة التِّجارية هو الذي أدرج فيها رشط عدم‬
‫التضامن أفاد منه هو وسائر املوقعني الالحقني له عىل الورقة التجارية‪،‬‬
‫أما إذا أدرجه أحد املظهرين فإن أثره يقترص عليه دون سائر املوقعني سواء‬
‫السابقني عليه أو الالحقني له‪.‬‬
‫‪8.‬يشرتط لتضامن املظهر تضامن ًا رصفي ًا مع باقي املوقعني عىل الورقة‬
‫التجارية ‪-‬إضافة إىل الرشوط املوضوعية‪ ،-‬أن يكون املظهر مستوفي ًا‬

‫‪472‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫للرشوط الشكلية اإللزامية اخلاصة به وهي‪ :‬الكتابة والتوقيع‪ ،‬وبيان نوع‬


‫التظهري بعبارة توضح ذلك إن كان تأميني ًا‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫كام أويص يف هناية البحث بام ييل‪:‬‬
‫‪1.‬االهتامم بموضوع (التضامن الرصيف)‪ ،‬وزيادة إيضاحه والكتابة فيها‬
‫بشكل مستقل عن غريه؛ ملا يشكله من أمهية يف التعامل التجاري‪ ،‬السيام يف‬
‫اململكة‪ ،‬حيث ال يوجد كتاب ‪ -‬فيام أعلم ‪ -‬أفرد عن موضوع التضامن‬
‫الرصيف‪ ،‬باإلضافة إىل أنه مل يتطرق نظام األوراق هلذه الضامنة إال يف مادة‬
‫واحدة فقط‪.‬‬
‫‪2.‬وأويص كل من يتعامل بالبيع والرشاء أو أي معاملة جتارية بأن يتخذ‬
‫مجيع السبل التي حتفظ به حقه‪ ،‬ومن ذلك التعامل باألوراق التجارية‪.‬‬
‫‪3.‬كام أويص اجلهات املسئولة والتي تقوم بتطوير األنظمة والقوانني‬
‫بالسعي اجلاد يف تطوير نظام األوراق التجارية‪ ،‬واحلرص عىل تفعيله تفعي ً‬
‫ال‬
‫شامالً‪ ،‬وذلك لوجود الثمرة الناجتة يف تفعيله‪ ،‬وهي املحافظة عىل حقوق‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪4.‬كام أويص رشاح األنظمة أن يقوموا برشح نظام األوراق التجارية‪،‬‬
‫وباألخص املواد التي تتعلق بالتضامن الرصيف‪ ،‬وأن يقوموا بتيسريه وتسهيله‬
‫ليفهمه كل من يقرؤه‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ثبت المصادر والمراجع‬


‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫كتب احلديث الرشيف‪:‬‬
‫‪1.‬سنن أيب داود‪ ،‬أليب داود سليامن بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد‬
‫الس ِج ْستاين‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد النارش‪:‬‬
‫بن عمرو األزدي ِّ‬
‫املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا ‪-‬بريوت‪.‬‬
‫‪2.‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬حممد بن حبان بن أمحد بن حبان بن معاذ‬
‫بن َم ْعبدَ ‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ ،‬ال ُبستي‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪-‬بريوت الطبعة‪ :‬الثانية‪1414 ،‬هـ ‪1993-‬م‪.‬‬
‫‪3.‬صحيح األدب املفرد‪ ،‬ملحمد بن إسامعيل بن إبراهيم بن املغرية البخاري‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬حقق أحاديثه وعلق عليه‪ :‬حممد نارص الدين األلباين‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الصديق للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة‪1418 ،‬هـ ‪1997-‬م‪.‬‬

‫كتب الفقه‪:‬‬
‫‪1.‬احلاوي الكبري‪ ،‬أليب احلسن عيل بن حممد البرصي البغدادي الشهري باملاوردي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬الشيخ عيل حممد معوض ‪-‬الشيخ عادل أمحد عبد املوجود‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪-‬لبنان الطبعة‪ :‬األوىل‪1419 ،‬هـ ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪2.‬الرشح الكبري عىل املقنع‪ ،‬ابن قدامة شمس الدَّ ْين املقديس‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور‬
‫عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي ‪-‬الدكتور عبد الفتاح حممد احللو‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫هجر للطباعة والنرش والتوزيع واإلعالن القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1415 ،‬هـ‬
‫‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪3.‬رشح خمترص خليل‪ ،‬ملحمد بن عبد اهلل اخلريش‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر للطباعة‬
‫‪-‬بريوت الطبعة‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪4.‬املغني‪ ،‬ابن قدامة موفق الدَّ ْين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة اجلامعييل‬
‫املقديس الدمشقي احلنبيل‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬بدون طبعة‪،‬‬
‫‪1388‬هـ ‪1968-‬م‪.‬‬
‫‪5.‬امللخص الفقهي‪ ،‬د‪ .‬صالح الفوزان‪ ،‬النارش‪ :‬دار ابن حزم ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬سنة النرش ‪1429‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬

‫كتب األدب ومعاجم اللغة‪:‬‬


‫‪1.‬لسان العرب ملحمد بن عيل بن مكرم‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدَّ ْين ابن منظور‬
‫األنصاري الرويفعي اإلفريقي‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪1414،‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬املعجم الوسيط‪ ،‬ملجمع اللغة العربية بالقاهرة تأليف‪ :‬جمموعة من املؤلفني‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الدعوة‪.‬‬

‫كتب تراجم األعالم‪:‬‬


‫‪3.‬سري أعالم النبالء املؤلف‪ :‬شمس الدَّ ْين أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثامن‬
‫بن َقا ْيامز الذهبي‪ ،‬النارش‪ :‬دار احلديث‪-‬القاهرة الطبعة‪1427 :‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬
‫‪4.‬لسان امليزان‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن عيل بن حممد بن أمحد بن حجر العسقالين‬
‫حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬النارش‪ :‬دار البشائر اإلسالمية الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬

‫الكتب القانونية‪:‬‬
‫‪1.‬أحكام األوراق التِّجارية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬سعد بن تركي بن حممد اخلثالن‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار كنوز إشبيلية الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪1431 ،‬هـ ‪2010-‬م‪.‬‬
‫‪2.‬أساسيات القانون‪ ،‬د‪ .‬حممد حسن قاسم ود‪ .‬حممد السيد الفقي‪ ،‬منشورات‬
‫احللبي احلقوقية‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫‪3.‬األوراق التِّجارية يف الترشيع املرصي‪ ،‬أمني حممد بدر‪ ،‬مكتبة النهضة املرصية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1954 ،‬م‪.‬‬
‫‪4.‬األوراق التِّجارية يف النظام التجاري السعودي‪ ،‬د‪ .‬سعيد حييى‪ ،‬سنة النرش‪:‬‬
‫‪1405‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪5.‬األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬إلياس حداد‪ ،‬النارش‪ :‬معهد اإلدارة‬
‫العامة ‪ -‬الرياض‪ ،‬بدون ذكر رقم الطبعة‪ ،‬سنة النرش ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪6.‬األوراق التِّجارية يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل بن حممد العمران‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫معهد اإلدارة العامة الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪1416 ،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪7.‬األوراق التِّجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬عيل البارودي‪ ،‬النارش‪ :‬دار املطبوعات‬
‫اجلامعية‪ ،‬سنة النرش ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪8.‬األوراق التِّجارية واإلفالس‪ ،‬د‪ .‬مصطفى كامل طه‪ ،‬النارش‪ :‬دار املطبوعات‬
‫اجلامعية ‪-‬اإلسكندرية‪ ،‬سنة النرش ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪9.‬األوراق التِّجارية والتقايض يف منازعاهتا يف النظام السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممود حممد‬
‫هاشم‪ ،‬النارش‪ :‬مطبعة قاصد كريم ‪ -‬القاهرة‪ ،‬سنة النرش ‪1407‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬أبو زيد رضوان‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر العريب‪-‬القاهرة‪،‬‬
‫بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫ ‪11.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد الشواريب‪ ،‬وأ‪ .‬عاطف الشواريب‪ ،‬وأ‪ .‬عمرو‬
‫الشواريب‪ ،‬النارش‪ :‬رشكة ناس للطباعة‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪12.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عصام حنفي حممود‪ ،‬بدون طبعه‪ ،‬وبدون ذكر سنة‬
‫النرش‪.‬‬
‫ ‪13.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عيل مجال الدَّ ْين عوض‪ ،‬النارش‪ :‬مطبعة جامعة القاهرة‬
‫والكتاب اجلامعي‪ ،‬الطبعة األوىل سنة النرش ‪1995‬م‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ ‪14.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬عيل حسن يونس‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر العريب القاهرة‪،‬‬
‫بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫ ‪15.‬األوراق التِّجارية وفقا لنظام األوراق التجارية السعودي واتفاقية جنيف‪ ،‬عبد‬
‫الفضيل حممد أمحد‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة اجلالء باملنصورة‪-‬مرص‪ ،‬بدون سنة نرش‪.‬‬
‫ ‪16.‬األوراق التِّجارية‪ ،‬د سميحة القيلويب‪ ،‬النارش‪ :‬دار النهضة العربية القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة السادسة‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬التزامات وحقوق حامل الورقة التجارية‪ ،‬د‪ .‬حممد حسني سعيد‪ ،‬النارش‪ :‬عامل‬
‫الكتب‪-‬القاهرة‪ ،‬بدون ذكر رقم الطبعة‪.‬‬
‫ ‪18.‬التضامن الرصيف يف األوراق التِّجارية‪ ،‬يوسف عودة غانم املنصوري‪،‬‬
‫منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬الطبعة األوىل‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬تضامن املوقعني عىل األوراق التِّجارية دراسة مقارنة‪ ،‬د‪ .‬حممد عيل بني مقداد‪،‬‬
‫النارش‪ :‬عامل الكتب احلديث ‪-‬إربد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة النرش ‪1430‬هـ‪-‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫ ‪20.‬تظهري األوراق التجارية‪ ،‬بسام محد الطراونة‪ ،‬النارش‪ :‬دار وائل للنرش‬
‫والتوزيع‪-‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة النرش ‪2004‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬دراسات قانونية يف األنظمة التجارية السعودية‪ ،‬د‪ .‬أمحد صالح خملوف وزهري‬
‫عباس كريم‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة العامل العريب‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1437 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2016‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬القانون التجاري‪ ،‬عدنان خري‪ ،‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫سنة ‪2003‬م‪.‬‬
‫ ‪23.‬القانون املدين وأحكام االلتزام‪ ،‬د‪ .‬عبد املجيد عبد احلكيم ود‪ .‬طه البشري وأ‪.‬‬
‫عبد الباقي البكري‪ ،‬النارش‪ :‬وزارة التعليم العايل والبحث العلمي ‪-‬العراق‪،‬‬
‫بدون ذكر رقم الطبعة وسنة النرش‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫ ‪24.‬املبسوط يف األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬صالح الدَّ ْين الناهي‪ ،‬النارش‪ :‬رشكة الطبع‬
‫والنرش األهلية بغداد‪ ،‬بدون ذكر سنة النرش‪.‬‬
‫ ‪25.‬جمموعة املبادئ النظامية يف مواد األوراق التجارية‪ ،‬وزارة التجارة‪ ،‬اجلزء‬
‫األول‪1404 ،‬هـ‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫ ‪26.‬املوسوعة التِّجارية‪ ،‬واملرصفية األوراق التِّجارية‪ ،‬د‪ .‬حممود الكيالين‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الثقافة‪-‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪1428 ،‬هـ‪2007-‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬الوجيز يف األوراق التِّجارية وفقا لنظام األوراق التِّجارية السعودي‪ ،‬د‪ .‬إيناس‬
‫خلف اخلالدي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الثقافة‪-‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‪1437 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2016‬م‪.‬‬
‫ ‪28.‬الوسيط يف رشح القانون التجاري (األوراق التِّجارية وعمليات البنوك)‪،‬‬
‫د‪ .‬عزيز العكييل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الثقافة‪-‬عامن‪ ،‬الطبعة السادسة‪1436 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2015‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬الوسيط يف رشح القانون التجاري‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر العطري‪ ،‬النارش‪ :‬دار الثقافة‪-‬‬
‫عامن‪ ،‬سنة النرش‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪30.‬الوسيط يف رشح القانون املدين (نظرية االلتزام بوجه عام)‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق أمحد‬
‫السنهوري‪ ،‬النارش‪ :‬منشورات دار احللبي احلقوقية ‪-‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫اجلديدة‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫املجالت العلمية‪:‬‬
‫‪1.‬التظهري التمليكي وأثره يف األوراق التِّجارية‪ ،‬إبراهيم عيل احللبويس‪ ،‬جملة‬
‫احلقوق ‪-‬كلية القانون اجلامعة املستنرصية ‪ -‬العراق‪ ،‬العدد ‪،17-16‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫التضامن الصرفي أثر من آثار التظهير التام للورقة التجارية‬

‫الضامنات الرصفية للوفاء بالكمبيالة دراسة وفق ًا لنظام‬


‫‪2.‬القبول كضامنة من َّ‬
‫األوراق التِّجارية السعودي‪ ،‬ملحمد بن إسامعيل آل الشيخ‪ ،‬جملة جامعة امللك‬
‫عبد العزيز (االقتصاد واإلدارة)‪ ،‬العدد ‪ ،10‬سنة النرش ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬
‫دراسة تطبيقية مقارنة بالفقه والنظام السعودي‬

‫د‪ .‬محمد بن خالد بن عبد الله اللحيدان‬


‫أستاذ مساعد في قسم السياسة الشرعية‬
‫المعهد العالي للقضاء بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬

‫‪481‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المقدمة‬
‫إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه‪ ،‬من هيده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال رشيك له‪ ،‬وأن حممد ًا عبده‬
‫ورسوله ‪ ،(((‬أما بعد‪:‬‬
‫فنظام اإلقطاع كان السمة األساسية للنظام االجتامعي واالقتصادي‬
‫يف العامل اإلسالمي‪ ،‬وميزة احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬وهلذا فإن الفقهاء‬
‫مض منه‬‫‪ ‬قد حتدثوا عنه يف كتبهم‪ ،‬وذكروا أنواعه‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬وما ُي َ‬
‫وما ينقض‪.‬‬
‫ومن فضل اهلل ‪ ‬أنه أوجب عىل العبد االنقياد التام له سبحانه‪،‬‬
‫ولرسوله ‪ ،‬وهذا أمر معلوم من الدين بالرضورة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أن يكون التحاكم برشعه ووحيه سبحانه‪ ،‬ومما جيب فيه التحاكم إىل رشعه‬
‫تعاىل مسائل اإلقطاع‪ ،‬فهي ليست بمعزل عن ذلك‪ ،‬حيث من املمكن أن‬
‫يسوغ اإلمام ألحد من الناس ماالً من بيت املال عىل غري الوجه الرشعي‪،‬‬
‫وهبذا يكون قد جتاوز العدل‪ ،‬فكان من رمحة اهلل تعاىل أن جعل له أو ملن‬
‫ينيبه يف ذلك عىل وجه اخلصوص طريق ًا للرجوع عن هذا اإلقطاع املخالف‬
‫للرشع واملصلحة والنظام‪.‬‬
‫وبعد البحث يف كثري من املكتبات واملجالت العلمية مل أجد أحد ًا من‬
‫الباحثني حتدث عن هذا املوضوع ببحث مستقل‪ ،‬يبني فيه حكم إبطال‬
‫((( من خطبة احلاجة وردت هبذه الصيغة عند مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫ختفيف الصالة واخلطبة‪ ،‬برقم‪.)593/2( ،)868( :‬‬

‫‪482‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫اإلقطاع‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬وإن كان قد حتدث بعض الباحثني عن أحكام اإلقطاع‬


‫يف العموم دون احلديث عن حكم نقضه‪ ،‬وملا ال خيفى عىل املتأمل ما تقوم به‬
‫الدولة ‪-‬رعاها اهلل‪ -‬يف حماربة مجيع أشكال الفساد‪ ،‬ومن أوجه ذلك الفساد‬
‫احلاصل باإلقطاعات املمنوعة رشع ًا ونظام ًا‪ ،‬والتي تكون مؤثرة تأثري ًا‬
‫كبري ًا عىل األمن االقتصادي واالجتامعي‪ ،‬لذلك رأيت مناسبة البحث يف‬
‫موضوع‪( :‬نقض اإلقطاع) من اجلانب الفقهي والنظامي والتطبيقي‪ ،‬وفيام‬
‫ييل تقسيامت البحث‪:‬‬
‫املبحث التمهيدي‪ :‬التعريف بمفردات العنوان‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف النقض‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬تعريف النقض لغ ًة‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬تعريف النقض اصطالح ًا‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف اإلقطاع‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬تعريف اإلقطاع لغ ًة‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬تعريف اإلقطاع اصطالح ًا‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف نقض اإلقطاع باعتبارها لقب ًا مركب ًا‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫املبحث األول‪ :‬أنواع اإلقطاع‪:‬‬


‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أنواع اإلقطاع يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أنواع اإلقطاع يف النظام السعودي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حكم النقض واإلقطاع‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حكم النقض‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬حكم النقض يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬حكم النقض يف النظام السعودي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬حكم اإلقطاع‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬حكم اإلقطاع يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬حكم اإلقطاع يف النظام السعودي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم نقض اإلقطاع‪:‬‬
‫وفيه ست مسائل‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬إقطاع األرض ملن ال يستطيع إحيائها‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬ختلف املقطع له عن اإلحياء مطلق ًا‪.‬‬


‫ ‪-‬املسألة الثالثة‪ :‬ختلف املقطع عن اإلحياء الصحيح‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الرابعة‪ :‬منح اإلقطاع من غري صاحب الصالحية‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة اخلامسة‪ :‬إقطاع ملك الغري‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة السادسة‪ :‬إقطاع ما فيه إرضار بالناس‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أثر نقض اإلقطاع‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر النقض عىل املقطع‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أثر النقض عىل الغري‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫وتشمل أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫الفهارس‪:‬‬
‫وتشمل‪( :‬فهرس اآليات‪ ،‬فهرس األحاديث النبوية‪ ،‬فهرس اآلثار‪،‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع)‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المبحث التمهيدي‬
‫تعريف النقض واإلقطاع‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف النقض‪:‬‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف النقض لغ ًة‪:‬‬
‫ن َق َض َين ُقض‪ ،‬ن ْقض ًا‪ ،‬فهو ناقض‪ ،‬واملفعول َمنْقوض‪ ،‬فالنون والقاف‬
‫ِ‬
‫البناء واحلَ ْب ِل‬ ‫والضاد أصل صحيح يدل عىل نكث يشء‪ ،‬والنَ ْق ُض‪َ :‬ن ْق ُض‬
‫والعهد‪ ،‬وهو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء‪ ،‬وهو ضدّ اإلبرام‪ ،‬ون َقض‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫إحكامه(((‪.‬‬ ‫أفسده بعد‬
‫ونقضت الغزل إذا نكثته وحللته‪ ،‬ومنه‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ونحوه‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫األمر‬
‫َ‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ولتكونوا كٱل ِت نقضت غ ۡزل َها ِم ۢن َبع ِد ق َّو ٍة أنكٰثا﴾(((‪.‬‬ ‫قول اهلل تعاىل‪َ :‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف النقض اصطالح ًا‪:‬‬


‫حتدث الفقهاء كثري ًا عن مسائل النقض وأحكامه غري أن كثري ًا منهم مل‬
‫يفرد له تعريف ًا خاص ًا‪ ،‬إال أهنم يذكرون معناه يف معرض حديثهم عنه‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب البن منظور (‪ ،)242/7‬مادة‪( :‬نقض)‪ ،‬والصحاح تاج اللغة‬
‫للجوهري (‪ ،)1110/3‬مادة‪( :‬نقض)‪ ،‬ومقاييس اللغة البن فارس (‪،)470/5‬‬
‫وأساس البالغة (‪ )472/2‬مادة‪( :‬نقض)‪.‬‬
‫((( سورة النحل‪ :‬من اآلية‪ ،92 :‬وينظر يف تفسري اآلية‪ :‬فتح القدير (‪.)183/٣‬‬

‫‪486‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ما جاء يف «املبسوط» قوله عن معنى النقض هو‪« :‬إبطال حكم احلاكم»(((‪.‬‬
‫وما جاء يف «أسنى املطالب»‪« :‬ويف تعبريهم بنقض وانتقض مساحمة‪ ،‬إذ‬
‫املراد أن احلكم مل يصح من أصله»(((‪.‬‬
‫وما ورد يف «إعانة الطالبني»‪« :‬فاملراد من نقضه‪ :‬إظهار بطالنه‪ ،‬ألنه‬
‫باطل من أصله‪ ،‬وليس املراد البطالن نفسه‪ ،‬إلهيامه أنه كان صحيح ًا ثم‬
‫بطل»(((‪.‬‬
‫ومما سبق يظهر بأن قوهلم إبطال إنام هو عىل سبيل املجاز وإال فهو يف‬
‫احلقيقة مل يثبت احلكم ليبطل‪ ،‬لذلك عرفه البعض بإظهار اإلبطال وهذا كله‬
‫خالف لفظي فاجلميع متفقني عىل أنه إظهار بطالن احلكم‪.‬‬
‫وبعد ذكر هذه التعاريف أجد أن أفضل ما يمكن أن يعرف به النقض‬
‫بأنه(((‪ :‬إبطال احلكم ممن له والية ذلك‪ ،‬عند وجود سببه‪.‬‬
‫حمرتزات التعريف‪:‬‬
‫ـ التعبري بـ «إبطال»‪ :‬تعبري جمازي‪ ،‬فال يقصد به حقيقته وإنام يقصد به‬
‫إظهار بطالن احلكم‪ ،‬أي عدم صحته ونفوذه‪.‬‬
‫ـ «ممن له والية ذلك»‪ :‬أي‪ :‬هو مقيد بأن تكون له والية النقض‪ ،‬فيخرج‬
‫به من ليس له والية النقض‪.‬‬
‫املبسوط (‪.)175/11‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)304/4‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)٢٣٣/٤‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬نقض األحكام القضائية ألمحد اخلرضي (‪.)١٨٢/١‬‬ ‫(((‬

‫‪487‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ «عند وجود سببه»‪ :‬أي‪ :‬سبب النقض‪ ،‬وأسباب النقض متعددة‪،‬‬


‫ومنها خمالفة الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف اإلقطاع‪:‬‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف اإلقطاع لغ ًة‪.‬‬
‫طع بمعنى‬ ‫واملفعول ُم ْق َطع‪ ،‬وترد مادة َق َ‬ ‫أقطع ُيقطع‪ ،‬إ ْقطاع ًا‪ ،‬فهو ُم ْقطِع‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االقتسام‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فتقطع ٓوا أم َرهم بين ُه ۡم ز ُب ٗرا﴾(((‪،‬وقيل‪ :‬املفارقة‬
‫طع فالن‬ ‫أي‪ :‬تفرقوا فيه‪ .‬ومن معاين اإلقطاع التمليك واإلرفاق يقال‪ :‬است َق َ‬
‫اإلمام قطِيع ًة فأقطع ُه إياها أي‪ :‬سأله أن جيعلها له إقطاع ًا يتملكه ويستبدُّ به‬
‫وينفرد‪ ،‬وهو أكثر ما يستعمل يف إقطاع األرض(((‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف اإلقطاع اصطالح ًا‪:‬‬
‫عرف احلنفية اإلقطاع بأنه‪« :‬ما يقطعه اإلمام أي‪ :‬يعطيه من األرايض‬ ‫َّ‬
‫رقبة‪ ،‬أو منفعة ملن له حق يف بيت املال»(((‪.‬‬

‫((( سورة املؤمنون‪ :‬من اآلية‪ ،53 :‬وينظر يف تفسري اآلية‪ :‬جامع البيان يف تأويل القرآن‬
‫أليب جعفر الطربي املعروف بتفسري الطربي (‪.)41/19‬‬
‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب (‪ )21/8‬مادة‪( :‬قطع)‪ ،‬ومعجم مقاييس اللغة (‪ ،)101/5‬وخمتار‬
‫الصحاح (ص‪.)553:‬‬
‫((( حاشية رد املحتار عىل الدر املختار‪ ،)532/4( ،‬بترصف‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وعرفه املالكية واحلنابلة بأنه‪« :‬تسويغ اإلمام من مال اهلل شيئ ًا ملن يراه‬
‫َّ‬
‫ال لذلك»(((‪.‬‬‫أه ً‬
‫عرف الشافعية اإلقطاع بأنه‪« :‬ما خيص به اإلمام بعض الرعية من‬ ‫وقد َّ‬
‫األرض املوات‪ ،‬فيختص به‪ ،‬ويصري أوىل بإحيائه ممن مل يسبق إىل إحيائه»(((‪.‬‬
‫وأجد أن أفضل وأجود هذه التعاريف تعريف املالكية واحلنابلة ألن‬
‫هذا التعريف يندرج حتته مجيع أنواع اإلقطاعات‪ ،‬إضافة إىل بيان أصل هذا‬
‫املال وأنه من مال اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫و ُيعاب عىل تعريف احلنفية بأنه عرب عن اإلقطاع باإلعطاء‪ ،‬واإلعطاء‬
‫يكون دون مقابل‪ ،‬رغم أن احلنفية يرون وجوب اإلحياء ملن يقطع له‪ ،‬فكان‬
‫التعبري الذي جاء به املالكية واحلنابلة أوىل لكون التسويغ هو اإلذن يف تناول‬
‫االستحقاق من جهة معينة‪.‬‬
‫و ُيعاب عىل تعريف الشافعية بأنه‪ :‬تعريف اقترص عىل بيان إقطاع‬
‫التمليك‪ ،‬ومل يتناول إقطاع غري املوات‪ ،‬كإقطاع العامر إن رأى اإلمام‬
‫املصلحة‪ ،‬ولذا فهو تعريف خمتص بإقطاع املوات دون غريه‪ ،‬وتعريف‬
‫املالكية واحلنابلة أعم‪.‬‬

‫((( رشح منح اجلليل عىل خمترص خليل (‪ ،)15/4‬وحاشية الروض املربع (‪.)٤٨٥/٥‬‬
‫((( املجموع رشح املهذب‪.)107/16( ،‬‬

‫‪489‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف نقض اإلقطاع باعتبارها لقباً مركباً ‪:‬‬

‫عرف نقض اإلقطاع بلفظه املركب‪ ،‬وباملفهوم الذي نقصده‬ ‫مل أجد من َّ‬
‫بالبحث‪ ،‬وأجد أنه من املناسب تعريفه بتعرف خاص ًا بموضوع البحث دون‬
‫غريه من مواضيع اإلقطاع‪ ،‬ويمكن تعريفه بأنه‪ :‬إبطال ما ُس ِّو َغ من عقار‬
‫للغري‪.‬‬
‫حمرتزات التعريف‪:‬‬
‫ـ فاإلبطال‪ :‬كام ذكرنا سابق ًا ٌ‬
‫جماز‪ ،‬فهو مل يصح ابتداء ليثبت ثم يبطل‪،‬‬
‫فاملقصود إظهار اإلبطال‪.‬‬
‫ـ ما ُس ِّو َغ‪ :‬والتسويغ هو اإلذن يف تناول االستحقاق من جهة معينة‪،‬‬
‫و ُبني للمجهول هنا ألن من أسباب بطالنه كام سيأيت ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬صدوره‬
‫من غري صاحب الصالحية‪.‬‬
‫ـ والعقار‪ :‬لبيان أن هذا البحث إنام هو يف كل ما كان ثابت ًا وله أصل‪.‬‬
‫ـ الغري‪ :‬وهو املقطع له‪.‬‬

‫‪490‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المبحث األول‬
‫أنواع اإلقطاع‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع اإلقطاع في الفقه اإلسالمي‪:‬‬

‫اختلف الفقهاء يف تقسيم اإلقطاع إىل عدة تقسيامت‪ ،‬حيث قسمت‬


‫املذاهب الثالثة((( اإلقطاع إىل نوعني ومها‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬إقطاع استغالل‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬إقطاع متليك‪.‬‬
‫غري أن مذهب احلنابلة((( قد زاد نوع ًا آخر وهو‪:‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬إقطاع إرفاق‪.‬‬
‫وسأسري يف بيان أنواع اإلقطاع عىل ما جاء به احلنابلة ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪.-‬‬

‫((( هذا من ناحية إفراده بتقسيامت خاصة‪ ،‬أما من ناحية احلديث عنه فجميعهم قد‬
‫حتدثوا عن إقطاع اإلرفاق غري أهنم مل يسموه هبذا االسم‪ ،‬إنام جعلوه من أنواع إقطاع‬
‫االستغالل‪ .‬ينظر‪ :‬البحر الرائق رشح كنز الدقائق (‪ ،)313/7‬وفتح القدير البن اهلامم‬
‫(‪ ،)82/10‬واملدونة الكربى (‪ ،)195/15‬وحاشية الصاوي عىل الرشح الصغري‬
‫(‪ ،)87/4‬وخمترص املزين (ص‪ ،)193‬واملجموع رشع املهذب (‪.)90/16‬‬
‫((( ينظر‪ :‬رشح منتهي اإلرادات (‪ ،)366/2‬وكشاف القناع (‪.)410/3‬‬

‫‪491‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫النوع األول‪ :‬إقطاع االستغالل‪:‬‬


‫وهو‪« :‬إقطاع منفعة األرض ملن يستغلها‪ ،‬إن شاء أن يزرع‪ ،‬وإن شاء أن‬
‫يؤجر‪ ،‬وإن شاء أن يزارع فيها»(((‪ .‬وقد قسمه الفقهاء إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬إقطاع اخلراج‪ ،‬وهو ما حيصل من غلة(((‪ ،‬واألرايض‬
‫اخلراجية نوعان‪:‬‬
‫ـ األول‪ :‬أرض العنوة‪ :‬وهي األرايض التي غلب أصحاهبا عليها‬
‫وفتحها املسلمون من دون عقد أو عهد‪ ،‬وتم إبقاء األرايض املفتوحة عنوة‬
‫يف أيدي أصحاهبا و ُف ِرض عليها اخلراج‪.‬‬
‫ـ الثاين‪ :‬أرض الصلح‪ :‬وهي ما ُص ٍولح عليها غري املسلمني(((‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬إقطاع العرش(((‪ :‬وهو ما جيب يف الزرع من العرش(((‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى (‪.)127/30‬‬ ‫(((‬


‫يقصد باخلراج هنا احلقوق التي توضع عىل األرض وتؤدى عنها ملالك األرض أو ملن‬ ‫(((‬
‫هلم احلق يف منفعتها‪ ،‬فيفوض إىل شخص غلة أرض معينة دون رقبتها‪ .‬ينظر‪ :‬النهاية‬
‫(‪ ،)2/19‬واملصباح املنري (‪.)1/166‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)58/2‬وتبيني احلقائق (‪ ،)248/3‬والكايف البن عبد الرب‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)282/1‬ومواهب اجلليل (‪ ،)278/2‬واملجموع للنووي (‪ ،)536/5‬واملغني‬
‫(‪ ،)22/3‬والكايف (‪.)160/4‬‬
‫وتنحرص زكاة العرش يف مخسة أصناف‪ .1 :‬أرض أسلم عليها أهلها‪ .2 .‬أرض العرب‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪ .3‬األرض املفتوحة التي قسمها اإلمام بني الفاحتني‪ .4 .‬الدار التي يتخذها املسلم‬
‫بستان ًا‪ .5 .‬ما أحياه املسلم من األرض امليتة بإذن اإلمام وكانت تسقى بامء السامء‬
‫والعيون‪ .‬ينظر‪ :‬حتفة الفقهاء للسمرقندي (‪ ،)319/1‬واالم للشافعي (‪.)11/4‬‬
‫ينظر‪ :‬املبسوط (‪.)54/3‬‬ ‫(((‬

‫‪492‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫النوع الثاين‪ :‬إقطاع متليك‪:‬‬


‫وهو‪« :‬متليك اإلمام جمرد ًا عن العوضية»(((‪ ،‬وقد قسمه الفقهاء إىل ثالثة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬إقطاع العامر‪ ،‬وهو عىل ثالثة رضوب‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬ما َّ‬
‫تعي مالكه يف بالد املسلمني‪.‬‬
‫تعي مالكه يف بالد احلرب ورغب اإلمام بتمليكه‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما َّ‬
‫حلث اهلمم الظفر هبا‪.‬‬
‫يتعي مالكه‪.‬‬
‫ـ الرضب الثالث‪ :‬ما مل َّ‬
‫القسم الثاين‪ :‬إقطاع املوات(((‪ ،‬وهو عىل ثالثة رضوب‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان فيه عامرة إسالمية‪ ،‬ثم صار موات ًا‪ ،‬ومل ُيعرف‬
‫مالكه‪.‬‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان فيه عامرة جاهلية ثم صار موات ًا‪.‬‬
‫ـ الرضب الثالث‪ :‬ما كان موات ًا ومل ُيم َلك قط(((‪.‬‬

‫((( حاشية الدسوقي (‪.)5/6‬‬


‫((( وهي األرض اخلراب التي حتتاج إىل إصالح وزراعة وعمل‪ .‬ينظر‪ :‬األحكام السلطانية‬
‫أليب يعىل (ص‪.)212‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الفتاوى اهلندية (‪ ،)386/6‬وحاشية الدسوقي (‪ ،)68/4‬واألحكام السلطانية‬
‫للاموردي (ص‪ ،)292‬واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪.)212‬‬

‫‪493‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫القسم الثالث‪ :‬إقطاع املعادن(((‪ ،‬وهو رضبان‪:‬‬


‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان جوهره غري ظاهر‪ ،‬وال ُيتوصل إليه إال بعمل‬
‫كمعادن الذهب والفضة‪.‬‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان جوهره ظاهر ًا‪ ،‬و ُيتوصل إليه بغري عمل‬
‫كالكحل(((‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬إقطاع إرفاق(((‪:‬‬
‫وهو‪ :‬منح حق االنتفاع ملا بني العامر من الرحاب‪ ،‬ومقاعد األسواق‪.‬‬
‫وهو ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما خيتص بأفنية الشوارع‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ما خيتص بالصحراء‪ ،‬وله رضبان‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان السرتاحة املسافرين‪.‬‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان لالستيطان‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما خيتص بأفنية الدور‪.‬‬

‫((( وهي‪ :‬بقاع األرض التي أودعها اهلل جل يف عاله اجلواهر‪ .‬ينظر‪ :‬األحكام السلطانية‬
‫للاموردي (ص‪.)197‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪ ،)279/5‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪،)197‬‬
‫واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪.)219‬‬
‫((( ينظر املبسوط (‪ ،)9/3‬واملهذب (‪ ،)23/2‬وخمترص املزين (‪ ،)178/1‬واألحكام‬
‫السلطانية للاموردي (ص‪ ،)187‬والكايف البن قدامة (‪ ،)445/2‬واألحكام السلطانية‬
‫أليب يعىل (ص‪.)209‬‬

‫‪494‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع اإلقطاع في النظام السعودي‪:‬‬

‫نح السامية‪.‬‬‫ِ‬
‫النوع األول‪ :‬امل ُ‬
‫يصدر هذا النوع من املنح من املقام السامي الكريم‪ ،‬وهو عبارة عن‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بمساحات‬ ‫توجيه لألمانات والبلديات بمنح املواطنني ِق َطع أراض‬
‫وذلك بعد أن يتقدم املواطن للديوان امللكي بطلب منحة أرض‪.‬‬
‫ِ‬
‫األراض املوزعة لالستغالل‪:‬‬ ‫النوع الثاين‪:‬‬
‫يف هذا النوع تقوم وزارة البيئة واملياه والزراعة بتوزيع األرايض البور‬
‫عىل املؤهلني الستغالهلا طبق ًا للنظام‪ ،‬بمساحات ال تقل عن مخسة هكتارات‬
‫يف كل حال وال تتجاوز عرشة هكتارات يف حالة التوزيع عىل األفراد‪ ،‬أو‬
‫أربعامئة هكتار يف حالة التوزيع عىل الرشكات‪ ،‬وأجاز النظام التجاوز عن‬
‫جملس الوزراء(((‪.‬‬‫احلدود املذكورة بقرار ِمن ِ‬

‫وذلك التوزيع الستثامرها بمدة ال تقل عن سنتني‪ ،‬وال تزيد عن ثالث‬


‫سنوات‪ ،‬ويكون ملن ُوزعت له حق االختِصاص‪ ،‬ثم ُت َّلك هذه األرض‬
‫يفوضه(((‪.‬‬
‫بقرار من وزير الزراعة‪ ،‬بعد تصديقه من جاللة امللك أو من ِّ‬

‫((( ينظر‪ :‬املادة الثانية من «نظام توزيع األرايض البور» الصادر باملرسوم امللكي رقم‪:‬‬
‫(م‪ )26/‬وتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املادة السادسة والتاسعة من ذات النظام‪.‬‬

‫‪495‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫النوع الثالث‪ :‬منح البلدية‪:‬‬


‫ختتص هبا األمانات والبلديات‪،‬‬
‫قد كان يف السابق هذا النوع من املنح التي ُّ‬
‫ِ‬
‫طريق‬ ‫التقديم هلا ع ْن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويكون‬ ‫وذلك للمواطنني من ذوي الدخل املحدود‪.‬‬
‫فتح ِ‬
‫باب التقدي ِم هلذا النو ِع م َن ِ‬
‫املنح(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمانة عندَ ِ‬

‫((( ألغي هذا النوع باألمر السامي رقم‪ )20562( :‬بتاريخ‪1434/6/2 :‬هـ ونقلت مجيع‬
‫الطلبات السابقة الغري منفذة إىل وزارة اإلسكان‪ .‬ينظر‪ :‬موقع أمانة منطقة الرياض‪:‬‬
‫‪https://eservices.alriyadh.gov.sa/Pages/ServicesRedirect.‬‬
‫‪aspx?ServiceCode=4&MainServiceCode=6‬‬
‫وإدارة موقع أمانة منطقة اجلوف‪:‬‬
‫‪http://www.amanataljouf.net/Pages/FAQ.aspx‬‬
‫وبحث احللول املقرتحة ملشكلة األرايض البيضاء (ص‪ ،)3‬وقد أوردهتا هنا رغم‬
‫إلغائها؛ ألن النقض قد يقع عليها لعيب يف ذلك املنح‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المبحث الثاني‬
‫حكم النقض واإلقطاع‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حكم النقض‪:‬‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حكم النقض يف الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫جيوز لإلمام أن خيصص والية مراجعة األحكام‪ ،‬ووالية النقض يف جهة‬
‫قضائية معينة تُرفع هلا األحكام الصادرة من القضاة‪ ،‬أو ما حييله هو له مما‬
‫حيتاج إىل نظر قضائي‪ ،‬فيكون ألعضاء هذه اجلهة حق مراجعة األحكام‬
‫وحق التأكد من سالمة تطبيق األنظمة‪ ،‬وتكون قراراهتم قطعية وهنائية‪،‬‬
‫فتنقض األحكام املجانبة للصواب‪ ،‬وتصدق ما وافق الصواب منها‪ ،‬وال‬
‫جيوز لغريهم أن يامرس هذا العمل؛ ألنه قد خص به غريه(((‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬درر احلكام (‪ ،)635-629/4‬ومعني احلكام (ص‪ ،)32‬والفتاوى اخلانية‬


‫(‪ ،)449/2‬وتبرصة احلكام (‪ ،)87/1‬والبهجة يف رشح التحفة (‪ ،)87/1‬وأدب‬
‫القضاء (ص ‪ ،)475‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)31‬واملغني (‪،)113/9‬‬
‫واألحكام السلطاين أليب يعىل (ص‪ .)20‬أما يف االجتهادات فإنه ليس للقايض اآلخر‬
‫أن ينقض حكم األول‪ ،‬وذلك ما دام وقع يف موضع يسوغ فيه االجتهاد‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم‪« :‬ومل يوجب أحد من األئمة نقض حكم احلاكم‪ ،‬وال إبطال فتوى املفتي بكونه‬
‫خالف قول زيد أو عمرو‪ ،‬وال ُيعلم أحدٌ سوغ النقض بذلك من األئمة واملتقدمني من‬
‫أتباعهم‪ ،‬وإنام قالوا‪ :‬ينقض من حكم احلاكم ما خالف نص كتاب‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو إمجاع‬
‫األمة» ينظر‪ :‬إعالم املوقعني (‪.)224/4‬‬

‫‪497‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وقد وردت أدلة عىل مرشوعية هذا‪ ،‬منها‪:‬‬


‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما روي عن عيل بن أيب طالب ‪ ‬أنه قال‪ :‬ملا بعثني رسول اهلل‬
‫‪ ‬إىل اليمن‪ ،‬حفر قوم زبية لألسد‪ ،‬فازدحم الناس عىل الزبية‪،‬‬
‫ووقع فيها األسد‪ ،‬فوقع فيها رجل‪ ،‬وتعلق الرجل برجل‪ ،‬وتعلق اآلخر‬
‫باآلخر‪ ،‬حتى صاروا أربعة‪ ،‬فجرحهم األسد فيها فهلكوا‪ ،‬ومحل القوم‬
‫السالح‪ ،‬فكادوا أن يكون بينهم قتال‪ ،‬قال‪ :‬فأتيتهم‪ ،‬فقلت‪ :‬أتقتلون مائتي‬
‫رجل من أجل أربعة أناس؟ تعالوا أقض بينكم بقضاء‪ ،‬فإن رضيتموه‬
‫فهو قضاء بينكم‪ ،‬وإن أبيتم رفعتم إىل رسول اهلل ‪ ،‬فهو أحق‬
‫بالقضاء‪ ،‬قال‪ :‬فجعل لألول ربع الدية‪ ،‬وجعل للثاين ثلث الدية‪ ،‬وجعل‬
‫للثالث نصف الدية‪ ،‬وجعل للرابع الدية وجعل الديات عىل من حرض‬
‫الزبية‪ ،‬عىل القبائل األربعة‪ ،‬فسخط بعضهم‪ ،‬وريض بعضهم‪ ،‬ثم قدموا عىل‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فقصوا عليه القصة‪ ،‬فقال‪(( :‬أنا أقيض بينكم))‪ ،‬فقال‬
‫قائل‪ :‬فإن علي ًا قد قىض بيننا‪ ،‬فأخربوه بام قىض عيل ‪ ،‬فقال رسول اهلل‬
‫‪(( :‬القضاء كام قىض عيل))(((‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود الطياليس يف مسنده‪ ،‬أحاديث عيل ‪،‬برقم‪ ،)115( :‬وبمعناه‬
‫عند الشافعي يف األم‪ ،‬باب‪ :‬الديات‪ )187/7( ،‬برقم‪ ،)1748( :‬وأمحد يف مسنده‪،‬‬
‫مسند العرشة املبرشين باجلنة‪ ،‬مسند اخللفاء الراشدين‪ ،‬من مسند عيل بن أيب طالب‬
‫‪ )129/1( ‬برقم‪ ،)1066( :‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب‪:‬‬
‫مجاع الديات فيام دون النفس‪ )112/8( ،‬برقم‪ ،)15903( :‬وقال عنه‪« :‬هذا احلديث‬
‫قد ُأرسل آخره»‪ ،‬وقال‪« :‬يف سنده حنش بن املعتمر وهو غري حمتج به»‪ ،‬والعسقالين‬

‫‪498‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أنه يؤخذ من هذه القصة جواز التقايض عىل درجتني‪ ،‬فإن علي ًا ‪‬‬
‫قىض بينهم ثم استأنفوا احلكم عند النبي ‪ ‬فأمضاه‪ ،‬فكان هناك‬
‫جهتان قضائيتان إحدامها تصدر احلكم‪ ،‬واألخرى تعيد النظر فيه فتقره أو‬
‫تنقضه‪ ،‬وملا أقره النبي ‪ ‬ثبت احلكم ويف هذا داللة عىل جواز أن‬
‫تكون هناك جهة عليا تقرر األحكام‪ ،‬وما تقرره يكون منهي ًا للنزاع(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪:‬‬
‫أن عمر ‪ ‬كتب إىل األمصار‪« :‬أال تُقتل نفس دوين»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أن صنيع عمر ‪ ‬يفيد مرشوعية ختصيص بعض األحكام لكي‬
‫يراجعها ويعيد النظر فيها غري القايض الذي أصدرها من أجل إقرارها أو‬
‫نقضها من جهة أعىل‪ ،‬وأن ما تقرره هو املعترب(((‪.‬‬
‫يف التلخيص احلبري‪ ،‬كتاب الديات (‪ )59/4‬برقم‪ ،)1943( :‬وقال عنه‪« :‬فيه حنش‪،‬‬
‫وهو ضعيف»‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نظام القضاء يف اإلسالم للمرصفاوي (ص‪.)153-152‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب‪ :‬الدم يقيض فيه األمراء‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪ ،)416/9( )7959‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب من زنى بامرأة‬
‫مستكرهة‪ ،‬برقم‪ ،)236/8( ،)16527( :‬وقال األلباين يف إرواء الغليل (‪:)31/8‬‬
‫«وهذا إسناد صحيح عىل رشط البخاري»‪.‬‬
‫((( جزء مما سبق يف مرشوعية النقض سبق أن كتبت عنه يف رسالتي لنيل الدكتوراه يف‬
‫الفقه املقارن من املعهد العايل للقضاء‪ ،‬واملعنونة بـ‪« :‬املبادئ القضائية يف القضاء العام‬
‫السعودي يف الدعاوى والبينات ‪ -‬من املبدأ رقم (‪ ،)3404‬إىل املبدأ رقم (‪.»)3499‬‬

‫‪499‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فمام سبق يتضح جلي ًا جواز مراجعة األحكام والقرارات من املحكمة‬


‫العليا بناء عىل توجيه ويل األمر وإنابته هلا؛ ملا ذكرناه من األدلة‪ ،‬وألنه ال‬
‫خالف يف جواز حكم اإلمام األعظم‪ ،‬ألن له الوالية العظمى(((‪ ،‬فله اإلنابة‬
‫فيام كان من صالحياته‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬حكم النقض يف النظام السعودي‪:‬‬
‫مراجعة األحكام وسالمة تطبيق األنظمة يف نظام القضاء يف اململكة‬
‫العربية السعودية هو نظام يقوم عىل الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وفيه ُأسندت‬
‫مراجعة األحكام يف قضايا نوعية إىل املحكمة العليا وذلك بعد أن يتم تأييده‬
‫من حمكمة االستئناف‪.‬‬
‫فاالعرتاض بطلب النقض عىل األحكام والقرارات التي تصدرها أو‬
‫تؤيدها حماكم االستئناف يكون أمام املحكمة العليا(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بداية املجتهد (‪ ،)565/2‬واإلحكام يف متييز الفتاوى من األحكام (ص‪،)27‬‬
‫وتبرصة احلكام (‪ ،)21/1‬وينظر‪ :‬نقض األحكام للسديس (ص‪ ،)87‬ونقض‬
‫األحكام القضائية للخضري (ص‪.)295-280‬‬
‫((( وذلك يف االختصاصات اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬مراجعة األحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها حماكم االستئناف‪ ،‬بالقتل أو‬
‫القطع أو الرجم أو القصاص يف النفس أو فيام دوهنا‪.‬‬
‫‪ .2‬مراجعة األحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها حماكم االستئناف‪ ،‬املتعلقة‬
‫بقضايا مل ترد يف الفقرة السابقة أو بمسائل إهنائية ونحوها‪ ،‬وذلك دون أن تتناول وقائع‬
‫القضايا‪ ،‬متى كان حمل االعرتاض عىل احلكم ما ييل‪:‬‬
‫أ‪ .‬خمالفة أحكام الرشيعة اإلسالمية وما يصدره ويل األمر من أنظمة ال تتعارض معها‪.‬‬
‫سليم طب ًقا ملا نص عليه يف النظام‬ ‫ً‬
‫تشكيل ً‬ ‫ب‪ .‬صدور احلكم من حمكمة غري مشكلة‬
‫=‬ ‫وغريه من األنظمة‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫هذا يف عموم الدعاوى‪ ،‬أما يف مسائل اإلقطاع فإن األصل فيها عدم‬
‫وجود دعوى‪ ،‬فهي ال ت َِر ُد بالطريقة املذكورة سابق ًا؛ ألن اإلقطاع صاحب‬
‫املعني بسياسة األمة سياسة رشعية طبق ًا ألحكام‬
‫ُّ‬ ‫احلق فيه ويل األمر(((‪ ،‬فهو‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهو املرشف عىل تطبيق الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬واألنظمة(((‪ ،‬وله بنا ًء‬
‫عىل هذه الوالية أن يعهد بام له من والية إىل غريه‪ ،‬ومن ذلك والية النظر يف‬
‫صحة اإلقطاع‪ ،‬فال جيوز النظر فيه إال بعد توجيه من ويل األمر‪ ،‬حيث أن‬
‫العمل يف النظر يف صحة اإلقطاع ال يكون إال بعد صدور أمر ملكي موجه‬
‫إىل املحكمة العليا ينص فيه رصاحة بالنظر يف صحة إقطاع بعينه‪ ،‬أو عدد‬
‫من اإلقطاعات معني(((‪.‬‬
‫وهذا األمر إنام هو راجع إىل والية ويل األمر العظمى التي جيوز له فيها‬
‫اإلنابة كام بينا ذلك يف املبحث السابق‪.‬‬

‫= ج‪ .‬صدور احلكم من حمكمة أو دائرة غري خمتصة‪.‬‬


‫د‪ .‬اخلطأ يف تكييف الواقعة‪ ،‬أو وصفها وصف ًا غري سليم‪ .‬ينظر‪ :‬املادة احلادية عرشة من‬
‫«نظام القضاء» الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )78/‬وتاريخ‪١٤28/9/19 :‬هـ‪.‬‬
‫((( سيأيت مزيد بيان يف صاحب احلق يف والية اإلقطاع عند احلديث عن املسألة الرابعة من‬
‫املبحث الثالث ‪-‬بمشيئة اهلل تعاىل‪.-‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املادة‪ :‬اخلامسة واخلمسون من «النظام األسايس للحكم» الصادر باألمر امللكي‬
‫رقم‪( :‬أ‪ )90/‬وتاريخ‪1412/8/27:‬هـ‪.‬‬
‫((( من ذلك األمر امللكي رقم‪ )49180( :‬بتاريخ‪1440/9/1 :‬هـ‪ ،‬واألمر امللكي رقم‪:‬‬
‫(‪ )1104‬بتاريخ‪1441/2/18:‬هـ‪ ،‬ورقم‪ )54318( :‬بتاريخ‪1411/9/27:‬هـ‪،‬‬
‫الوارد إىل املحكمة العليا بشأن النظر يف صحة اإلقطاع‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم اإلقطاع‪:‬‬


‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حكم اإلقطاع يف الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫األصل يف اإلقطاع من حيث مرشوعيته اجلواز وهذا باتفاق الفقهاء(((‪،‬‬
‫ويدل لذلك‪:‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫ما روي عن عروة بن الزبري أن عبد الرمحن بن عوف ‪ ‬قال‪ :‬أقطعني‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬وعمر بن اخلطاب أرض كذا وكذا‪ ،‬فذهب الزبري إىل‬
‫آل عمر فاشرتى نصيبه‪ ،‬فأتى عثامن بن عفان فقال‪ :‬إن عبد الرمحن زعم أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬أقطعه وعمر بن اخلطاب أرض كذا وكذا‪ ،‬وإين اشرتيت‬
‫نصيب آل عمر‪ ،‬فقال عثامن‪« :‬عبد الرمحن جائز الشهادة له وعليه»(((‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪:‬‬
‫ما روي عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪« :‬أراد النبي ‪ ‬أن يقطع‬
‫من البحرين‪ ،‬فقالت األنصار‪ :‬إلخواننا من املهاجرين مثل الذي ُيقطع لنا‪،‬‬
‫قال‪(( :‬سرتون بعدي أثره))»(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)194/6‬واالستذكار (‪ ،)146/3‬واملهذب (‪،)426/1‬‬
‫واملغني (‪.)443/5‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬من حديث عبد الرمحن بن عوف ‪ ‬برقم‪)1670( :‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب آداب القايض‪ ،‬باب‪ :‬ما بقول يف لفظ‬
‫التعديل برقم (‪.)125/10( )19763‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلزية‪ ،‬باب‪ :‬ما أقطع النبي من البحرين‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪.)1153/3( )3094‬‬

‫‪502‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫ما روي عن ابن عمر ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬أقطع الزبري‬
‫ض((( َفر ِسه‪ ،‬فأجرى الفرس حتى قام‪ ،‬ثم رمى سوطه‪ ،‬فقال رسول اهلل‪:‬‬
‫ُح ْ َ‬
‫((أعطوه حيث بلغ السوط))(((‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫ما روي عن وائل بن حجر‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬أقطعه أرض ًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأرسل معي معاوية أن أعطها إياه‪ ،‬أو قال‪(( :‬أعلمها إياه))»(((‪.‬‬

‫((( حرض‪ :‬بضم احلاء وإسكان الضاد املعجمة هو‪ :‬العدو‪ ،‬ينظر‪ :‬تلخيص احلبري (‪.)61/3‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬مسند عبد اهلل بن عمر‪ ،‬برقم‪ )6458( :‬واللفظ له‪ ،‬وأبو داود‬
‫يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬اخلراج والفيء واألمارة‪ ،‬باب‪ :‬يف إقطاع األرضني‪ ،‬برقم‪)3072( :‬‬
‫(‪ ،)326/8‬و البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬القطائع‪ ،‬برقم‬
‫(‪ ،)238/6( )11790‬وابن حجر يف التلخيص احلبري (‪ )1038/3‬وقال عنه‪« :‬فيه‬
‫العمري الكبري وفيه ضعف»‪ ،‬وله أصل يف الصحيح من حديث أسامء بنت أيب بكر أن‬
‫النبي ‪« :‬أقطع الزبري أرض ًا من أموال بني النضري» وهذا أخرجه البخاري‬
‫يف صحيحه باب‪ :‬ما كان النبي ‪ ‬يعطي املؤلفة قلوهبم وغريهم‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪.)2982‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬مسند القبائل‪ ،‬برقم‪ ،)26630( :‬والبيهقي يف السنن الكربى‪،‬‬
‫كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب القطائع‪ ،‬برقم‪ )238/6( )11789( :‬وابن حبان يف‬
‫صحيحه‪ ،‬باب‪ :‬إخباره عام يكون يف أمته من الفتن واحلوادث‪ ،‬برقم‪)7091( :‬‬
‫(‪.)368/6‬‬

‫‪503‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫الدليل اخلامس‪:‬‬
‫روي عن ابن حريث ‪ ‬قال‪«:‬خط يل رسول اهلل ‪ ‬دار ًا‬
‫باملدينة بقوس وقال‪(( :‬أزيدك‪ ،‬أزيدك))»(((‪.‬‬
‫الدليل السادس‪:‬‬
‫ما روي أن رسول اهلل ‪« ‬أقطع بالل بن احلارث املزين معادن‬
‫القبلية»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫تدل الروايات السابقة عىل أن النبي ‪ ‬كان ُيقطِع املوات‬
‫ألصحابه ‪ ،‬وذلك إما مكافئة هلم عىل ما بذلوه خدمة للدين وللدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وإما حلاجتهم لذلك اإلقطاع‪ ،‬وكذلك يدل عىل أن هذا اإلقطاع‬
‫إنام هو حق لويل األمر‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬اخلراج واإلمارة والفيء‪ ،‬باب‪ :‬يف إقطاع األرضني‪،‬‬
‫برقم‪ ،)2662( :‬واللفظ له‪ ،‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‬
‫القطائع برقم‪.)240/6( )11800( :‬‬
‫((( أخرجه مالك يف املوطأ‪ ،‬باب الراء‪ ،‬ربيعة بن أيب عبد الرمحن املدين‪ ،‬برقم‪)582( :‬‬
‫(‪ ،)236/3‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف إقطاع‬
‫املعادن الباطنة‪ ،‬برقم‪ ،)250/6( )11841( :‬واللفظ هلام وهو مرسل‪ ،‬وأخرجه أبو‬
‫داود يف سننه‪ ،‬كتاب اخلراج واألمارة والفيء‪ ،‬باب‪ :‬إقطاع األرضني (‪،)443/3‬‬
‫والطربي بلفظ‪« :‬أقطع له العقيق كله» يف معجم الطرباين الكبري برقم‪)1140( :‬‬
‫(‪ ،)357/1‬واحلاكم بلفظ‪« :‬أقطع بالل بن احلارث العقيق أمجع» يف املستدرك‪ ،‬كتاب‬
‫الزكاة (‪ )404/1‬وصحح إسناده‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫اآلثار‪:‬‬
‫األثر األول‪:‬‬
‫ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه‪ :‬أن أبا بكر الصديق ‪ ‬أقطع‬
‫جل ْرف إىل قناة((((((‪.‬‬
‫الزبري ‪ ‬ما بني ا ُ‬
‫األثر الثاين‪:‬‬
‫ما روي عن موسى بن طلحة‪« :‬أن عثامن أقطع مخسة من أصحاب النبي‬
‫‪ :‬الزبري‪ ،‬وسعد ًا‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وخباب بن‬
‫األرت»(((‪.‬‬

‫((( اجلرف‪ :‬بالضم‪ ،‬وهو موضع عىل ثالثة أميال من املدينة نحو الشام‪ ،‬به كانت أموال‬
‫لعمر بن اخلطاب ‪ ‬وألهل املدينة‪ ،‬وفيه بئر جسم وبئر مجل‪ .‬وقناة‪ :‬واد باملدينة‪،‬‬
‫وهي أحد أوديتها الثالثة‪ ،‬عليه حرث ومال‪ .‬ينظر‪ :‬معجم البلدان للحموي‪،‬‬
‫(‪ )128/2‬و(‪.)401/4‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه واللفظ له‪ ،‬كتاب‪ :‬السري‪ ،‬باب‪ :‬ما قالوا يف الوايل أله‬
‫أن يقطع شيئ ًا من األرض؟ برقم‪ ،)33696( :‬والبيهقي بلفظ‪« :‬أن أبا بكر أقطع‪،‬‬
‫وأن عمر أقطع الناس العقيق» يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬سواء كل‬
‫موات ال مالك له أين كان‪ ،‬برقم‪.)241/6( )11803( :‬‬
‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه‪ ،‬كتاب السري‪ ،‬باب‪ :‬ما قالوا يف الوايل أله أن يقطع شيئ ًا‬
‫من األرض؟ برقم‪ ،)33696( :‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪،‬‬
‫باب‪ :‬إقطاع املوات‪ ،‬برقم‪.)239/6( )11795( :‬‬

‫‪505‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫األثر الثالث‪:‬‬
‫ما روي عن سويد بن غفلة أنه قال‪« :‬استقطعت علي ًا ‪ ‬فقال‪:‬‬
‫اكتب هذا ما أقطع عىل سويد ًا أرض ًا لدوابه ما بني كذا إىل كذا وما شاء‬
‫اهلل»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫هذه اآلثار الواردة عن اخللفاء الراشدين ‪ ‬تدل عىل أن عملهم‬
‫جاري عىل مرشوعية اإلقطاع من ويل أمر املسلمني‪ ،‬وأن ذلك ثابت عندهم‪.‬‬
‫هذا من حيث األصل أما عىل وجه التفصيل فأبينه وفق أنواع اإلقطاع‬
‫والتي سبق بياهنا‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬حكم إقطاع االستغالل‪:‬‬
‫قد بينا سابق ًا تقسيمه إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬اخلراج‪ .‬فحكمه خيتلف باختالف املراد اإلقطاع له عىل‬
‫ثالث حاالت هي‪:‬‬

‫((( أخرجه أبو شيبة يف مصنفه (‪ ،)640/7‬والسيوطي يف جامع املسانيد واملراسيل‬


‫(‪ ،)236/15‬وابن جرير يف تاريخ األمم والرسل وامللوك‪ ،)589/3( ،‬وهو ضعيف‬
‫كام ذكر ذلك ابن حجر يف تقريب التهذيب (‪ )66/1‬ألن فيه إبراهيم بن مهاجر بن‬
‫جابر البجيل وهو صدوق لني احلفظ‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ احلالة األوىل(((‪ :‬أن يكون من أهل املصالح ممن ليس له رزق مفروض‪،‬‬
‫فحكمه عدم صحة اإلقطاع له مطلق ًا(((‪.‬‬
‫ـ احلالة الثانية(((‪ :‬أن يكون من أهل الصدقة‪ ،‬فال يقطع له‪ ،‬فالذي عليه‬
‫املذاهب الثالث غري املذهب احلنفي أنه ال يقطع له‪ ،‬ألن اخلراج يفء وأهل‬
‫الصدقات ال يستحقونه‪.‬‬
‫ـ احلالة الثالثة(((‪ :‬أن يكون من أهل اجليش فأجاز الفقهاء اإلقطاع هلم‪،‬‬
‫ألن هلم أرزاق مقدرة يستحقوهنا عوض ًا هلم عن محاية الدين والبلد والدفاع‬
‫عنه‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬العرش‪ .‬وحكمه ال جيوز إقطاعه ألنه زكاة وله أصناف‬
‫حمددة وال جيوز دفعه لغريهم‪ ،‬فإذا كان املقطع له من أهلها جاز إقطاعه‬
‫إياه(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اخلراج أليب يوسف (ص‪ ،)204‬وبدائع الصنائع (‪ ،)102/2‬والكايف‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)482/1‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)194‬واالستخراج (ص‪.)727‬‬
‫غري أنه جيوز أن يعطى من مال اخلراج برشطني‪ :‬الرشط األول‪ :‬كونه ً‬
‫ماال مقدر ًا وجد‬ ‫(((‬
‫سبب استباحته‪ .‬والرشط الثاين‪ :‬كونه مال حل ووجب‪ ،‬وذلك ليصح التسبب عليه‬
‫واحلوالة به‪ .‬فبهذين الرشطني خيرج عن حكم اإلقطاع‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اخلراج أليب يوسف (ص‪ ،)204‬وبدائع الصنائع (‪ ،)102/2‬والكايف‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)482/1‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)194‬واالستخراج البن رجب‬
‫(ص‪.)727‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ )102/2‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪،)195‬‬ ‫(((‬
‫واالستخراج (ص‪.)724‬‬
‫ينظر‪ :‬املبسوط (‪ ،)54/3‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)194‬واحلاوي الكبري‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)436/10‬وجمموع الفتاوي (‪.)81/25‬‬

‫‪507‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ثاني ًا‪ :‬حكم إقطاع التمليك‪:‬‬


‫قد بينا سابق ًا تقسيمه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬إقطاع العامر‪ .‬فحكمه خيتلف باختالف رضوبه الثالث‬
‫وهي‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬إقطاع العامر الذي تعني مالكه يف بالد املسلمني‪.‬‬
‫وهذا ال جيوز لإلمام وال غريه متليكه ألحد من الناس(((‪ ،‬ويدل لذلك‬
‫َ ُ ۡ ُ ْ َ ٓ َ ۡ ُ َّ‬
‫ٱلكمِ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ ْٓ َ ۡ ََٰ ُ َ ۡ َ ُ‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ول تأكلوا أمولكم بينكم بِٱلب ِط ِل وتدلوا بِها إِل‬
‫ۡ ۡ ََ ُۡ َۡ َُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ ُ ُ ْ َ ٗ ّ ۡ َ‬
‫ٱلث ِم وأنتم تعلمون ‪. ﴾188‬‬
‫(((‬
‫اس ب ِ ِ‬ ‫ٰ‬
‫لِ أكلوا ف ِريقا مِن أمو ِل ٱنل ِ‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬إقطاع العامر يف بالد احلرب؛ رغب ًة من اإلمام حلث‬
‫اهلمم الظفر هبا‪.‬‬
‫فهذا جيوز لإلمام أو نائبه يف ذلك إقطاعه‪ ،‬ويدل لذلك‪:‬‬
‫ما روي أن متيم الداري ‪ ‬سأل النبي ‪ ‬أن يقطعه عيون‬
‫البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه(((‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬اخلراج (ص‪ ،)172‬والفواكه الدواين (‪ ،)271/2‬واألحكام السلطانية‬


‫للاموردي (ص‪ ،)192‬واألحكام أليب يعىل (ص‪.)219‬‬
‫((( سورة البقرة اآلية‪.188 :‬‬
‫((( األموال البن زنجويه (ص‪ ،)617‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)287‬الباب‬
‫السابع عرش يف حكم اإلقطاع‪ ،‬واحلاوي الكبري (‪ ،)482/7‬واالعتبار بذكر اخلطط‬
‫واآلثار للمقريزي (‪.)180/1‬‬

‫‪508‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫‪‬‬ ‫وما روي عن أيب ثعلبة اخلشني ‪ ‬أنه سأل النبي‬


‫أن يعطيه أرايض كانت بيد الروم‪ ،‬فأعجبه ذلك وقال‪(( :‬أال تسمعون ما‬
‫يقول؟)) فقال‪ :‬والذي بعثك باحلق ليفتحن عليك‪ ،‬فكتب له بذلك كتاب ًا(((‪.‬‬
‫ـ الرضب الثالث‪ :‬ما مل يتعني مالكه‪.‬‬
‫إما هبالك أصحاهبا ومل ُيع َلموا‪ ،‬أو ليس له مالك‪ ،‬فهذا جيوز لإلمام أو‬
‫نائبه يف ذلك إقطاعها ملصالح املسلمني(((‪ ،‬ويدل لذلك ما روي عن عثامن‬
‫‪ ‬أنه أقطع أرض السواد((((((‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬إقطاع املوات‪ .‬فحكمه خيتلف باختالف رضوبه الثالث‬
‫وهي‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬األحكام السلطانية للاموردي (ص‪ )287‬الباب السابع عرش يف حكم اإلقطاع‪،‬‬ ‫(((‬
‫واالعتبار بذكر اخلطط واآلثار للمقريزي (‪ )180/1‬ذكر القطائع واإلقطاعات‪،‬‬
‫وبحر املذاهب (ص‪ ،)286‬واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪.)229‬‬
‫وهذا يف غري أرض اخلراج والتي سبق بيان حكمها‪ ،‬ينظر‪ :‬اخلراج (ص‪ ،)211‬والتاج‬ ‫(((‬
‫واإلكليل (‪ ،)601/7‬األحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)193‬واالستخراج‬
‫(ص‪.)257‬‬
‫السواد‪ :‬رستاق يف العراق‪ ،‬وهي األرض املغنومة التي فتحها عمر بن اخلطاب ‪،‬‬ ‫(((‬
‫وسميت سواد ًا ألن العرب حني جاءوا نظروا إىل مثل الليل من النخيل والشجر فسموه‬
‫سواد ًا‪ ،‬وقيل ألهنم كانوا جيمعون بني اخلرضة والسواد يف االسم‪ .‬ينظر‪ :‬عون املعبود‬
‫(‪ ،)194/8‬واحلاوي الكبري (‪.)256/14‬‬
‫ينظر‪ :‬األموال البن زنجويه (ص‪ ،)632‬واخلراج أليب يوسف (‪ ،)27:‬واحلاوي‬ ‫(((‬
‫الكبري (‪.)256/14‬‬

‫‪509‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان فيه عامرة إسالمية‪ ،‬ثم صار موات ًا‪ .‬فهذا اختلف‬
‫الفقهاء فيه عىل ثالثة أقوال‪ ،‬هي‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ُيملك ملن حيييه إذا مل يعلم أربابه‪ ،‬أما إذا علموا فال‬
‫يملك ألحد باإلحياء‪.‬‬
‫وهو قول احلنفية واحلنابلة(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك؛ بأن من يعلم مالكه يكون ملكه باقي لعدم ما يزيله وهبذا‬
‫ال يكون موات ًا(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه ُيملك ملن حييه ُعلم أربابه أم مل يعلموا‪ ،‬برشط مواهتا‬
‫وطول املدة‪ ،‬وعلم صاحبها باإلحياء وسكوته عن ذلك(((‪.‬‬
‫وهو مذهب املالكية(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك؛ بأن طول املدة والسكوت يدل عىل تركه لألرض(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه ال ُيملك بأي حال‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)313/7‬وجممع األهنار (‪ ،)557/2‬واألحكام السلطانية أليب‬ ‫(((‬


‫يعىل (ص‪.)213:‬‬
‫ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪.)213/7‬‬ ‫(((‬
‫وقالوا‪ :‬بأن املحيي إذا أحياها دون طول املدة ودون علمه بأهنا مملوكة فله قيمة العامرة‬ ‫(((‬
‫قائمة‪ ،‬أما إذا كان يعلم بأهنا كانت مملوكة فله قيمة العامرة منقوضة‪ .‬ينظر‪ :‬مواهب‬
‫اجلليل رشح خمترص اخلليل للحطاب (‪.)601/7‬‬
‫ينظر‪ :‬مواهب اجلليل (‪.)601/7‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪510‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وهو مذهب الشافعية(((‪.‬‬


‫ويمكن أن يعلل هلم‪ :‬بأن ترك األرض خراب ًا بعد عامرهتا ال يكفي إلزالة‬
‫ملك ثابت وسابق‪.‬‬
‫الراجح ‪-‬وهلل أعلم‪ -‬القول األول وهو ما ذهب إليه احلنفية واحلنابلة‬
‫وذلك؛ لكونه وسط ًا بني القولني‪ ،‬وألن من ُيعرف مالكه ال جيوز إزالة ملكه‬
‫عنه إال برضاه‪ ،‬ومن ال يعرف فهو موات ال حق ألحد فيه‪ ،‬وإعامره وإحياؤه‬
‫أوىل من بقائه موات ًا‪.‬‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان فيه عامرة جاهلية ثم صار موات ًا‪.‬‬
‫فهذا جيوز إقطاعه(((‪ ،‬وبدل لذلك قوله ‪(( :‬عادي األرض هلل‬
‫ولرسوله‪ ،‬ثم لكم من بعد‪ ،‬فمن أحيا شيئ ًا من موتان األرض فله رقبتها))(((‪.‬‬
‫ـ الرضب الثالث‪ :‬ما كان موات ًا ومل يملك قط‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬حترير األحكام (ص‪.)106‬‬


‫((( ينظر‪ :‬اخلراج البن يوسف (ص‪ ،)176:‬واألم (‪ ،)48/4‬واملغني (‪.)326/2‬‬
‫((( أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬ال يرتك ذمي حيييه‬
‫برقم‪ ،)237/6( )11784( :‬والسيوطي يف جامع املسانيد واملراسيل (‪،)155/5‬‬
‫والسيوطي يف الفتح الكبري برقم‪ ،)209/2( )7610( :‬وهو ضعيف فقد رواه‬
‫البيهقي من طريف ليث بن أيب سليم‪ ،‬وهو ضعيف قال عنه ابن حجر يف تقريب‬
‫التهذيب (‪ :)81/16‬الليث بن أيب سليم بن زنيم ‪ -‬بالزاي والنون ‪ -‬مصغر‪ ،‬واسم‬
‫أبيه أيمن‪ ،‬وقيل أنس‪ ،‬وقيل غري صدوق اختلط جد ًا ومل يتميز حديثه فرتك‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فهذا جيوز لإلمام أو نائبه يف ذلك إقطاعه ملن يكون قادر ًا عىل اإلحياء(((‪،‬‬
‫ويدل له ما سبق ذكره من األدلة عند احلديث عن أدلة مرشوعية اإلقطاع(((‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬إقطاع املعادن‪ .‬وحكمه خيتلف باختالف رضبيه‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان جوهره غري ظاهر‪ ،‬وال يتوصل إليه إال بعمل‪.‬‬
‫فهذا اختلف الفقهاء فيه عىل قولني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬جواز إقطاعها‪.‬‬
‫وهو قول احلنفية‪ ،‬وأحد قويل الشافعية وأحد قويل احلنابلة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بإقطاع النبي ‪« ‬لبالل بن احلارث معادن القبلية»(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬عدم جواز إقطاعها‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪ ،)265/3‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪،)190‬‬ ‫(((‬
‫واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪ ،)212‬وقد سبق عدد من األدلة عند احلديث عن‬
‫أدلة مرشوعية اإلقطاع‪.‬‬
‫وهنا ال بد من بيان مسألة متفرعة عن اإلحياء‪ ،‬وهي هل يشرتط إذن اإلمام لإلحياء؟‬ ‫(((‬
‫وهذا قد اختلف فيه الفقهاء عىل قولني‪ :‬القول األول‪ :‬وهو اشرتاط إذن اإلمام‪ ،‬وهو‬
‫قول أيب حنيفة‪ ،‬وذلك؛ ألنه عدم اشرتاط ذلك مدعاة إىل حدوث اخلالف واخلصومة‬
‫بني املسلمني‪ .‬القول الثاين‪ :‬عدم اشرتاط إذن اإلمام‪ ،‬وهو قول اجلمهور‪ ،‬وذلك؛‬
‫لعموم قوله ‪(( :‬من أحيا أرض ًا موات ًا فهي له))‪ .‬والراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬هو‬
‫القول األول‪ ،‬ألن ذلك ضبط ألرايض بيت املال‪ ،‬ودفع ًا ملا قد حيصل من التجاوز يف‬
‫ذلك‪ ،‬ومنع ًا للخصومة بني املسلمني‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)292/6‬ورد املحتار (‪ ،)6/10‬واملهذب (‪،)557/1‬‬ ‫(((‬
‫واملجموع (‪ ،)111/16‬والكايف (‪.)442/2‬‬
‫سبق خترجيه عند بيان الدليل السادس يف املسألة األوىل وهي‪ :‬حكم اإلقطاع يف الفقه‬ ‫(((‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وهو قول املالكية وأحد قويل الشافعية واحلنابلة(((‪.‬‬


‫واستدلوا‪ :‬بالقياس‪ ،‬حيث قاسوه عىل منع اإلقطاع يف املعادن الظاهرة‪.‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬القول األول لوجود نص رصيح فيه والقياس‬
‫املذكور قياس مع الفارق فاملعادن الظاهرة ال حتتاج إىل عمل الستخراجها‬
‫لذلك منعت‪ ،‬أما الباطنة فتحتاج إىل عمل فال يصح القياس عليها‪.‬‬
‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان جوهره ظاهر ًا‪.‬‬
‫فال جيوز إقطاع اجلواهر الظاهرة إقطاع متليك وهو قول املذاهب‬
‫األربعة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪ :‬بام روي عن النبي ‪ ‬بأن األبيض بن مجال استقطعه‬
‫امللح الذي بمأرب اليمن‪ ،‬فأقطعه إياه‪ ،‬فلام وىل‪ ،‬قال رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫أتدري ما أقطعته؟ إنام أقطعت له املاء ِ‬
‫العدَّ ‪ ،‬قال‪ :‬فرجع عنه(((‪.‬‬
‫فالنبي ‪ ‬ملا تبني له أن هذا كاملاء ِ‬
‫العدَّ رجع عن إقطاعه مما يدل‬
‫عىل منع اإلقطاع يف ذلك‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املهذب (‪ ،)557/1‬واملجموع (‪ ،)111/16‬والكايف (‪.)443/2‬‬


‫((( هذا غري أن املالكية يرون جواز إقطاعها إقطاع إرفاق ال إقطاع متليك‪ .‬ينظر‪ :‬بدائع‬
‫الصنائع (‪ ،)292/6‬ورد املحتار (‪ ،)6/10‬والتاج واإلكليل (‪ ،)80/3‬والرشح‬
‫الصغري للدرديري (‪ ،)87/4‬واحلاوي الكبري (‪ ،)348/9‬واملغني (‪،)146/8‬‬
‫والكايف البن قدامة (‪.)443/2‬‬
‫((( أخرجه اهلروي يف غريب احلديث برقم‪ ،)78( :‬وبنحوه يف كتاب األموال البن زنجويه‬
‫برقم‪ ،)796( :‬وابن سعد يف الطبقات الكربى برقم‪ ،)2938( :‬والبخاري يف التاريخ‬
‫الكبري برقم‪.)449( :‬‬

‫‪513‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ثالث ًا‪ :‬حكم إقطاع اإلرفاق‪:‬‬


‫قد بينا سابق ًا تقسيمه إىل ثالثة أقسام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما خيتص بأفنية الشوارع‪ ،‬ففي حكمه قوالن(((‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه راجع إىل نظر اإلمام فيام يراه صاحل ًا‪ ،‬فإن رأى أن‬
‫الصالح املنع منع‪ ،‬وإن رأى اإلجالس أجلس‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنه عىل اإلمام منعهم من اإلرضار والتعدي عىل تلك‬
‫األفنية‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ما خيتص بالصحراء‪ .‬وحكمه خيتلف باختالف رضبيه‪،‬‬
‫ومها‪:‬‬
‫ـ الرضب األول‪ :‬ما كان السرتاحة املسافرين‪.‬‬
‫فعىل اإلمام حفظه وإصالح عورته والتخلية عنه‪ ،‬والسابق إليه أحق‬
‫بحلوله فيه‪ ،‬لقوله ‪ِ (( :‬منَى ُ‬
‫مناخ من سبق))(((‪ ،‬فإذا نزلوه سواء‬
‫عدل بينهم نفي ًا للنزاع(((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪ ،)475/5‬واألحكام السلطانية للاموردي (ص‪،)187‬‬
‫واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪.)209‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف جامع السنن‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء أن منى مناخ من سبق‪ ،‬برقم‪،)881( :‬‬
‫وقال عنه‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وأخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬باب‪ :‬امللحق املستدرك من‬
‫مسند األنصار برقم‪ ،)24977( :‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء أن منى مناخ من‬
‫سبق‪ ،‬برقم‪ ،)864( :‬وابن ماجه يف سننه‪ ،‬باب‪ :‬النزول بمنى‪ ،‬برقم‪ ،)3026( :‬وابن‬
‫خزيمة يف صحيحه‪ ،‬باب‪ :‬مجاع أبواب ذكر أفعال اختلف الناس يف إباحته للمحرم‪،‬‬
‫برقم‪ ،)2672( :‬واحلاكم يف املستدرك برقم‪ )467/1( )1667( :‬وقال‪« :‬هذا حديث‬
‫صحيح عىل رشط مسلم ومل خيرجاه»‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬األحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)187‬واملغني (‪.)577/5‬‬

‫‪514‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ الرضب الثاين‪ :‬ما كان لالستيطان‪.‬‬


‫فحكمه راجع إىل نظر اإلمام فإن رأى األصلح الرتك تركهم‪ ،‬وإن كان‬
‫األصلح املنع منعهم‪.‬‬
‫ـ الرضب الثالث‪ :‬ما خيتص بأفنية الدور‪.‬‬
‫فحكمه إذا كان االرتفاق مرض ًا بأصحاب الدور فإنه عىل اإلمام منعهم‬
‫من ذلك‪ ،‬إال إذا ريض أصحاب الدور بذلك؛ ألنه حقهم‪ ،‬أما إذا مل يكن‬
‫هناك رضر عليهم‪ ،‬ففيه قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال جيوز االرتفاق إال إذا أذن أصحاب هذا احلريم‪.‬‬
‫وهو قول للشافعية‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك‪ :‬بأنه تابع ألمالكهم فهم أحق به‪ ،‬فإن أذنوا فقد أباحوا‬
‫ذلك احلق‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جيوز االرتفاق بغري إذن أصحاهبا‪.‬‬
‫وهو قول احلنفية واملالكية‪ ،‬ورأي للشافعية‪ ،‬واحلنابلة(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك‪ :‬بأن احلريم بغري مرفق إذا وصل أهله إىل حقهم ساواهم‬
‫الناس فيام عدا ذلك‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬األحكام السلطانية للاموردي (ص‪ ،)187‬واألحكام السلطانية أليب يعىل‬
‫(ص‪.)209‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪ ،)475/5‬واملبسوط (‪ ،)90/3‬واألحكام السلطانية‬
‫للاموردي (ص‪ ،)187‬واألحكام السلطانية أليب يعىل (ص‪.)209‬‬

‫‪515‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وهذا هو الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ألن كونه تابع ًا ال يلزم أن ُيمنع الناس‬
‫بعد أخذ أهله حقهم منه‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬حكم اإلقطاع يف النظام السعودي‪:‬‬
‫قد بينا سابق ًا تنوعه إىل ثالثة أنواع‪ ،‬وحكمه نظام ًا((( خيتلف باختالف‬
‫أنواعه‪:‬‬
‫ُ‬
‫األول‪ :‬املنح السامية‪:‬‬ ‫النوع‬
‫ُ‬
‫األصل يف هذا النوع من اإلقطاعات جوازه نظام ًا؛ مما يدل لذلك األمر‬
‫امللكي رقم‪ )24726( :‬بتاريخ‪1379/12/6 :‬هـ والذي نص فيه عىل‪:‬‬
‫«منع اإلمارات من إقطاع الناس إال بأمر منا»‪ .‬وكذلك األمر امللكي رقم‪:‬‬
‫(‪ )640‬بتاريخ‪1389/1/11:‬هـ والذي أكد أن اإلقطاع واملنح ال يعترب‬
‫وال يعتد به إال إذا صدر من ويل األمر‪ ،‬كذلك مما يدل عىل اجلواز صدور‬
‫عدد من األوامر السامية يف اإلقطاع منها عىل سبيل املثال‪ :‬املنح باألمر‬
‫السامي رقم‪ )76( :‬بتاريخ‪1425/3/7 :‬هـ‪ ،‬واملنح باألمر السامي رقم‪:‬‬
‫(‪ )60285‬بتاريخ‪1436/12/2 :‬هـ(((‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬متليك األرايض املوزعة‪:‬‬
‫أجاز املنظم السعودي متليك األرايض الزراعية أو األرايض املعدة‬
‫لإلنتاج احليواين وذلك بعد استثامر األرض ممن ُخص بذلك التوزيع‪،‬‬
‫((( هذه األنواع عند النظر فيها من اجلانب الفقهي تعترب داخلة من ضمن إقطاعات‬
‫التمليك بقسميه األول والثاين بحسب طبيعة املنح احلكومي (عامر ًا أو موات ًا)‪.‬‬
‫((( التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل (‪.)1/363‬‬

‫‪516‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ويكون ذلك بعد انتهاء املدة املحددة لالستثامر‪ ،‬حيث نُص عىل هذا النوع يف‬
‫«نظام توزيع األرايض البور» يف املادة التاسعة من النظام وهي‪« :‬إذا قام من‬
‫صدر لصاحله قرار التوزيع باستثامر األرض وانتهت املدة املحدَّ دة لالستثامر‬
‫ُت َّلك األرض املوزعة ملن صدر لصاحله قرار التوزيع‪ ،‬وذلك بقرار من وزير‬
‫أن هذا القرار ال ُيعترب نافذ ًا إال بعد أن تتم املصادقة عليه من‬
‫الزراعة‪ ،‬عىل َّ‬
‫جاللة امللك أو من يفوضه»(((‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬منح البلدية‪:‬‬
‫هذا النوع كان موجود ًا يف السابق غري أنه ُألغي باألمر السامي رقم‪:‬‬
‫(‪ )20562‬بتاريخ‪1434/6/2 :‬هـ حيث نُص فيه عىل وقف توزيع املنح‬
‫البلدية ونقل مجيع الطلبات السابقة الغري منفذة إىل وزارة اإلسكان((((((‪.‬‬

‫((( الصادر باملرسوم ملكي رقم‪( :‬م‪ )26/‬وتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬


‫((( ينظر‪ :‬موقع أمانة منطقة الرياض‪:‬‬
‫‪h t t p s : / / e s e r v i c e s . a l r i y a d h . g o v. s a / P a g e s / S e r v i c e s R e d i r e c t .‬‬
‫‪aspx?ServiceCode=4&MainServiceCode=6‬‬
‫وإدارة موقع أمانة منطقة اجلوف‪:‬‬
‫)‪http://www.amanataljouf.net/Pages/FAQ.aspx‬‬

‫واحللول املقرتحة ملشكلة األرايض البيضاء‪( ،‬ص‪.)3‬‬


‫((( أما ما يتعلق باملعادن يف النظام فإن الرواسب وهي‪ :‬املعادن أو اخلامات املوجودة يف‬
‫موضعها بشكل طبيعي واملتوافرة بكميات ذات مؤرشات اقتصادية تعد ملك للدولة‪،‬‬
‫وال جيوز أن يكتسبها الغري بالتقادم‪ ،‬ويشمل ذلك اخلامات بجميع أنواعها أي ًا كان‬
‫شكلها أو تركيبها‪ ،‬سواء أكانت عىل سطح األرض أو يف باطنها‪ ،‬ويشمل ذلك إقليم‬
‫الدولة الربي ومناطقها البحرية؛ كام نصت عىل ذلك الفقرة األوىل من املادة الثانية من‬
‫=‬ ‫«نظام االستثامر التعديني»‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫‪....................‬‬

‫= وما يتعلق بانتقال ملكية املعادن واخلامات فتنتقل ملكيتها عن طريق رخصة حمددة‬
‫املدة ال تتجاوز ثالثني سنة قابلة للتجديد بام ال يزيد جمموعها عن ستني سنة‪ ،‬وال تزيد‬
‫مساحة موقع الرخصة عىل مخسني كيلو مرت مربع وهذا فيام يتعلق بالتعدين‪ ،‬أما رخصة‬
‫املنجم الصغري فلمدة ال تتجاوز عرشين سنة قابلة للتجديد بام ال يزيد جمموعها عن‬
‫أربعني سنة‪ ،‬وأما رخصة حمجر مواد البناء فهي ملدة ال تتجاوز عرش سنوات‪ ،‬قابلة‬
‫للتجديد بام ال يزيد كل جتديد عن مخس سنوات‪ ،‬وال تزيد املساحة عىل كيلو مرت مربع؛‬
‫كام نصت عليه املادة الثانية واألربعون‪ ،‬والثالثة واألربعون‪ ،‬والرابعة واألربعون من‬
‫ذات النظام‪.‬‬
‫وتسمى هذه الرخصة برخصة االستغالل فتنتقل ملكية املرخص باستغالله إىل‬
‫املرخص له بمجرد استخراج الرخصة يف املوقع املحدد فيها‪ ،‬وذلك خالل مدة‬
‫الرخصة؛ كام نصت عىل ذلك الفقرة الثانية من املادة الثانية من النظام‪ .‬وهذه الرخصة‬
‫ال جيوز منحها إال للشخص ذي الصفة االعتبارية؛ وفق املادة الثالثة عرشة من النظام‪.‬‬
‫ونصت املادة اخلمسون من النظام عىل أنه يلتزم حامل رخصة االستغالل بدفع مقابل‬
‫مايل لالستغالل من الدخل الصايف السنوي بام يعادل رضيبة الدخل‪ ،‬عىل أن حتسم‬
‫الزكاة املستحقة عليه من ذلك‪ .‬ومقابل مايل لكل طن من اخلام املنتج أو نسبة من صايف‬
‫اإليرادات الناجتة من النشاط املحدد يف الرخصة وفق ًا ملا حتدده الالئحة‪.‬‬
‫وقد استثنى النظام أنواع ًا من املعادن وهو ما نصت عليه املادة اخلامسة من أنه ال ترسي‬
‫أحكام النظام عىل ما يأيت‪:‬‬
‫‪ .1‬املواد أو الرواسب أو املوارد اهليدروكربونية‪ ،‬ويستثنى من ذلك الفحم احلجري‪.‬‬
‫‪ .2‬الآللئ واملرجان واملواد البحرية املشاهبة‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بنوعية األرايض التي تطبق عليها رخصة النشاط التعديني فقد نصت‬
‫املادة السادسة من النظام عىل أهنا تُطبق عىل األرايض اململوكة للدولة أو اململوكة‬
‫ملكية خاصة أو التي يكون جزء منها مملوك ًا للدولة واآلخر مملوك ًا ملكية خاصة‪ ،‬أو‬
‫عىل املناطق البحرية‪.‬‬
‫واستثنى النظام ما ييل‪:‬‬
‫=‬ ‫أ‪ .‬األرايض التي تشغلها األماكن املقدسة‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المطلب الثالث‪ :‬حكم نقض اإلقطاع‪:‬‬

‫األصل أن اإلقطاع فيام جيوز فيه اإلقطاع إذا تم من صاحب الصالحية‬


‫وهو ويل األمر أو من ينيبه يف حق اإلقطاع وفق أحكامه املذكورة سابق ًا أنه‬
‫حجة وال جيوز نقضه‪ ،‬قال ابن رشد‪« :‬ما أقطعه أمري املؤمنني من أموال‬
‫املسلمني التي جيوز له بيعها بإقطاعه حكم‪ ،‬ال جيوز له الرجوع فيه يف حياة‬
‫املقطع وال بعد وفاته‪ ،‬وهو مال من مالِه بنفس اإلقطاع‪ ،‬يورث عنه كسائر‬
‫ماله»(((‪.‬‬
‫وأيض ًا جاءت نصوص املبادئ القضائية متفقة مع هذا احلكم يف حال‬
‫كون ذلك اإلقطاع خايل عام يبطله رشع ًا‪ ،‬كام جاء ذلك يف املبدأ القضائي‬
‫رقم (‪ ،)354‬ونصه‪« :‬ما يصدره ويل األمر من إقطاع‪ ،‬إذا ُبني عليه إجراء‪،‬‬

‫= ب‪ .‬األرايض التي تشغلها املنشآت العسكرية أو املناطق املحجوزة لعمليات املواد‬


‫اهليدروكربونية‪ ،‬أو مناطق اكتشاف املواد اهليدروكربونية‪ ،‬ما مل يصدر قرار من الوزير‬
‫املختص برفع احلظر عنها بنا ًء عىل طلب من الوزير‪.‬‬
‫ج‪ .‬األرايض واملناطق البحرية التي حتدد بقرار من جملس الوزراء‪.‬‬
‫ومل أجعلها من ضمن أنواع اإلقطاعات نظام ًا ألن هذه االستغالل كام ذكرنا يكون‬
‫بمقابل مايل فليس إقطاع ًا‪ ،‬ثم إنه ال خيول حامل الرخصة ملكية األرض موقع الرخصة‬
‫كام نصت عىل ذلك املادة اخلامسة واألربعون يف فقرهتا الثالثة من أنه‪« :‬ال ختول رخصة‬
‫االستغالل حاملها حق متلك أي جزء من األرض موقع الرخصة‪ ،‬وال ختوله أيض ًا‬
‫أي حق مل ُينص عليه رصاحة فيها»‪ .‬فهي ختوله إنتاج واستغالل املعادن املحددة يف‬
‫الرخصة املوجودة يف موقع الرخصة وبيعها ونقلها‪ .‬ينظر‪« :‬نظام االستثامر التعديني»‬
‫الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )140/‬وتاريخ‪1441/10/19 :‬هـ‪.‬‬
‫((( مواهب اجلليل (‪.)400/6‬‬

‫‪519‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وترتب عليه صدور صكوك وأحكام‪ ،‬ال يليق رده‪ ،‬إال ملوجب رشعي؛ ألن‬
‫إلغاء مثل ذلك يسبب إشكاالً‪ ،‬وإرضار ًا بالذين اشرتوا»(((‪.‬‬
‫وكذلك ما نصت عليه املادة الثالثة من «نظام التسجيل العيني للعقار»‬
‫فيام يتعلق بحجية سجل تلك الصكوك من أنه‪« :‬يكون للسجل العقاري قوة‬
‫إثبات مطلقة‪ ،‬وال جيوز الطعن يف بياناته بعد انتهاء اآلجال املحددة للطعن‬
‫املنصوص عليها يف هذا النظام إال تأسيس ًا عىل خمالفتها ملقتىض األصول‬
‫الرشعية أو تزويرها»(((‪.‬‬
‫هذا من حيث األصل‪ ،‬لكن هناك عدد من احلاالت نُص فيها عىل جواز‬
‫نقضه لسبب يف ذلك اإلقطاع‪ ،‬وهذه احلاالت أذكرها عىل شكل مسائل عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬ختلف املقطع له عن اإلحياء(((‪:‬‬
‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬

‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )2/188( :‬بتاريخ‪1324/2/25 :‬هـ‬
‫من جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة‬
‫والعامة بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)135‬‬
‫((( «نظام التسجيل العيني للعقار» الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )6/‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪1423/2/11‬هـ‪.‬‬
‫((( اإلحياء يقصد به هنا‪ :‬عامرة األرض املوات‪ ،‬اخلالية عن االختصاص أو امللك‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫العناية (‪ ،)69/10‬واإلنصاف (‪.)368/6‬‬

‫‪520‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫أوالً‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬


‫فتخلف املقطع له عن إحياء األرض التي ُأقطعت له ليس من األمور‬
‫املسلمة التي توجب النقض لثبوته‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء فيه‪ ،‬وهو مبني‬
‫عىل مسألة ما يفيده اإلقطاع أو بعبارة أخرى هل يشرتط اإلحياء لتملك‬
‫اإلقطاع؟‬
‫العلامء متفقون عىل أنه إذا رشط ويل األمر اإلحياء عىل من ُأقطِع له فهو‬
‫الزم وال ُيملك العقار إال إذا أويف بذلك الرشط وهو اإلحياء(((‪ ،‬لقوله‬
‫‪(( :‬املسلمون عىل رشوطهم))(((‪ ،‬وأما إذا مل يشرتط ذلك فهل‬
‫يفيد التمليك بمجرد اإلقطاع؟‬
‫اختلف يف ذلك عىل قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ال بد من اإلحياء‪ ،‬فال يملك بمجرد اإلقطاع‪.‬‬
‫وهو قول احلنفية(((‪ ،‬والشافعية(((‪ ،‬واملذهب عنه احلنابلة(((‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬البحر الرائق (‪ ،)285/7‬والذخرية (‪ ،)153/6‬وحاشية البجريمي (‪،)218/3‬‬ ‫(((‬
‫واإلنصاف (‪.)127/16‬‬
‫أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬الرشكة‪ ،‬باب‪ :‬الرشط يف الرشكة وغريها‪،‬‬ ‫(((‬
‫برقم‪ ،)11761( :‬وأبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب‪ :‬يف الصلح رقم (‪،)3594‬‬
‫واحلاكم يف املستدرك‪ ،‬كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪ :‬املسلمون عىل رشوطهم‪ ،‬برقم‪،)2309( :‬‬
‫وقال عنه‪« :‬هذا أصل يف الكتاب وله شاهد من حديث عائشة وأثر ابن مالك ‪.»‬‬
‫ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)294/6‬واملبسوط (‪.)2/23‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬احلاوي (‪ ،)482/7‬واملجموع (‪.)227/15‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الكايف (‪ ،)243/2‬واملغني (‪ ،)146/7‬وهو قول حممد بن إبراهيم‪ ،‬ينظر فتاوى‬ ‫(((‬
‫الشيخ (‪.)300/8‬‬

‫‪521‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫واستدلوا‪:‬‬
‫بفعل عمر ‪ ‬مع بالل بن احلارث الذي أقطعه رسول اهلل‬
‫‪ ‬العقيق حيث قال له‪« :‬إن رسول اهلل ‪ ‬مل يقطعك‬
‫لتحجره عن الناس‪ ،‬مل يقطعك إال لتعمل‪ .‬قال‪ :‬فأقطع عمر بن اخلطاب‬
‫للناس العقيق»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫هذا دليل ظاهر الداللة عىل أن اإلحياء رشط للتملك‪ ،‬إذ لو مل يكن‬
‫كذلك ملا جاز فعل عمر ‪ ‬يف نزع اإلقطاع من بالل ‪ ‬ولكان قوله‬
‫كذلك خمالف ًا‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يشرتط اإلحياء‪ ،‬فيملك بمجرد اإلقطاع‪.‬‬
‫وهو قول املالكية(((‪ ،‬ورأي للحنابلة(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬من أقطع قطيعة أو‬
‫حتجر أرض ًا ثم مل يعمرها أو مل يعمر بعضها‪ ،‬برقم‪ )246/6( )11824( :‬واللفظ‬
‫له‪ ،‬واهلروي يف األموال‪ ،‬كتاب‪ :‬أحكام األرضني يف إقطاعها‪ ،‬وإحيائها‪ ،‬ومحاها‪،‬‬
‫ومياهها‪ ،‬باب‪ :‬إحياء األرضني واحتجازها والدخول عىل من أحياها‪ ،‬برقم‪)612( :‬‬
‫(‪ ،)168/2‬وحديث إقطاع بالل ‪ ‬سبق خترجيه يف الدليل السادس يف املسألة‬
‫األوىل‪ :‬حكم اإلقطاع يف الفقه اإلسالمي من املبحث الثاين‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬التاج واإلكليل (‪ ،)430/1‬والذخرية (‪.)153/6‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اإلنصاف (‪ ،)127/16‬واملغني (‪.)146/8‬‬

‫‪522‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫واستدلوا‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫بام ورد عن عبد الرمحن بن عوف قال‪ :‬أقطعني الرسول‬
‫وعمر بن اخلطاب ‪ ‬أرض كذا وكذا‪ ،‬فذهب الزبري ‪ ‬إىل آل عمر‬
‫فاشرتى نصيبه منهم‪ ،‬فأتى عثامن بن عفان ‪ ‬فقال‪ :‬إن عبد الرمحن‬
‫بن عوف ‪ ‬زعم أن رسول اهلل ‪ ‬أقطعه وعمر بن اخلطاب‬
‫‪ ‬أرض كذا وكذا‪ ،‬وإين اشرتيت نصيب آل عمر‪ .‬فقال عثامن ‪:‬‬
‫«عبد الرمحن جائز الشهادة له وعليه»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫لو كان اإلحياء رشط ًا لتملك اإلقطاع ملا أجاز عثامن ‪ ‬بيع اإلقطاع‬
‫قبل إحيائه وألنكر عىل الزبري ‪ ‬ذلك الرشاء‪.‬‬
‫واستدلوا أيض ًا‪:‬‬
‫بام ورد أن «الرسول ‪ ‬نزل يف موضع املسجد حتت دومة(((‪،‬‬
‫فأقام ثالث ًا ثم خرج إىل تبوك وإن جهينة حلقوه بالرحبة(((‪ ،‬فقال هلم‪(( :‬من‬

‫((( أخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬مسند عبد الرمحن بن عوف ‪ ،‬برقم‪،)1670( :‬‬
‫والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬آداب القايض‪ ،‬باب‪ :‬ما يقال يف لفظ التعديل‪،‬‬
‫برقم‪ ،)20865( :‬وصححه الضياء يف املختارة‪ ،‬مسند عبد الرمحن بن عوف‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪.)919‬‬
‫((( الدوم‪ :‬ضخام الشجر‪ ،‬وقيل النبق‪ ،‬وقيل شجر يشبه النخل‪ ،‬ينظر‪ :‬تاج العروس‬
‫(‪ ،)186/32‬ولسان العرب (‪.)212/12‬‬
‫((( الرحبة‪ :‬ناحية بني املدينة والشام قريبة من وادي القرى‪ ،‬ينظر‪ :‬معجم البلدان‬
‫(‪.)33/3‬‬

‫‪523‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫أهل ذي املروة))(((‪ ،‬فقالوا‪ :‬بنو رفاعة من جهينة‪ ،‬فقال‪(( :‬قد أقطعتها لبني‬
‫رفاعة)) فاقتسموها‪ ،‬فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫لو كان اإلحياء رشط ًا لتملك اإلقطاع ألنكر الصحابة ‪ ‬هذا‬
‫البيع‪ ،‬فلام مل ينقل لنا ذلك دل عىل عدمه وصحة البيع والتملك قبل اإلحياء‪.‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬هو القول األول وهو قول اجلمهور وذلك؛ ألنه‬
‫دليل رصيح يف املسألة وهو حجة‪ ،‬وأما الدليل األول للقول املخالف فيمكن‬
‫أن جياب عنه بأنه كام أنه ليس فيه ما يفيد اإلحياء فإنه كذلك ال يوجد فيه‬

‫((( ذو املروة‪ :‬نخل شامل املدينة يف طريق الشام جلهينة‪ ،‬ينظر‪ :‬معجم البلدان (‪،)76/4‬‬
‫وتاريخ املدينة البن شبة (‪.)110/1‬‬
‫((( ويف آخره‪« :‬ثم سألت أباه عبد العزيز عن هذا احلديث‪ ،‬فحدثني ببعضه ومل حيدثني به‬
‫كله»‪ ،‬واحلديث أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬اخلراج‪ ،‬باب‪ :‬يف إقطاع األرضني‪،‬‬
‫برقم‪ ،)3068( :‬والبيهقي يف السنن الكربى كتاب‪ :‬إحياء املوات‪ ،‬باب‪ :‬من أقطع‬
‫قطيعة فباعها‪ ،‬برقم‪ ،)246/6( )11827( :‬وهو من حديث سربة بن عبد العزيز بن‬
‫الربيع اجلهني‪ ،‬عن أبيه‪ .‬وضعفه األلباين يف ضعيف سنن أيب داود وقال عنه‪« :‬إسناده‬
‫ضعيف؛ ألن الربيع اجلهني جد سربة تابعي؛ فهو مرسل»‪ ،‬وقال أيض ًا‪« :‬رجاله ثقات‪،‬‬
‫لكن الظاهر أنه مرسل؛ ألن جد سربة بن عبد العزيز‪ ،‬إنام هو الربيع اجلهني‪ ،‬وهو‬
‫تابعي يروي عن أبيه سربة بن معبد‪ ،‬وله صحبة‪ ،‬ومل ُيذكر أبوه يف السند‪ ،‬لذلك فهو‬
‫مرسل‪ ،‬إال أن يقال‪ :‬إن املراد بقوله عن جده ‪ ..‬اجلد األعىل لعبد العزيز وهو‪ :‬سربة‪.‬‬
‫وعليه جرى املنذري يف خمترصه (‪)263/4‬؛ فقال‪ :‬عن سربة بن معبد اجلهني ‪...‬‬
‫فذكر احلديث وسكت عنه‪ ،‬وعليه يكون احلديث منقطع ًا؛ ألن عبد العزيز مل يذكروا‬
‫له إال عن أبيه الربيع‪ .‬وله حديث يف حتريم املتعة يرويه مسلم (‪ .)133/4‬فالراجح أنه‬
‫مرسل وقد كنت حسنت إسناد هذا احلديث يف بعض تعليقايت‪ ،‬وكان ذلك غفلة مني‬
‫عن هذه العلة»‪ .‬ينظر‪ :‬ضعيف سنن أيب داود (‪.)458/2‬‬

‫‪524‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ما يفيد عدمه‪ ،‬وإن كان األصل العدم إال أن ذلك منقوض بطول املدة التي‬
‫يمكن فيها اإلحياء دون نقله‪ ،‬ثم هو مل ُينص فيه رصاحة عىل عدم اإلحياء‪،‬‬
‫وأما الدليل الثاين وإن كان أقوى يف الداللة عىل احلكم من األول إال أنه‬
‫يبق إال ما استدل به‬
‫حديث ضعيف كام بينا يف احلوايش فال يستند عليه‪ ،‬فلم َ‬
‫اجلمهور‪.‬‬
‫وبناء عىل ما سبق‪ ،‬فإنه عىل القول األول والذي جيعل اإلحياء رشط ًا‬
‫للتمليك فإنه جيوز لإلمام أو نائبه يف ذلك استعادة ما أقطعه هو أو غريه ممن‬
‫قبله إذا عجز املقطع له عن اإلحياء(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬
‫خيتلف باختالف اإلقطاع‪ ،‬فإن كان اإلقطاع سكني ًا وقد سبق بيانه بأنواع‬
‫املنح فإنه ال يشرتط اإلحياء ليملك العقار‪ ،‬وذلك استناد عىل قرار جملس‬
‫الوزراء رقم‪ )1250( :‬بتاريخ‪1396/7/16 :‬هـ املتضمن املوافقة عىل‬
‫قرار اهليئة القضائية العليا ونصه‪« :‬أن عمل احلكومة قدي ًام وحديث ًا يف اعتبار‬
‫اإلقطاع مفيد ًا للتملك وأهنا تصدر وثائق اإلقطاع‪ ،‬وتكتب اجلهات الرسمية‬
‫للمحاكم إلعطاء املقطعني حجج االستحكام عىل األرايض املقطعة هلم بناء‬
‫عىل األوامر السامية‪ ،‬فيبيعون تلك األرايض حتت سمع وبرص احلكومة‪،‬‬
‫وتشرتي يف بعض احلاالت احلكومة منهم‪ ،‬وليس يف عمل احلكومة هذا ما‬

‫((( وقد قيد احلنفية ذلك بإمهال املقطع له ثالث سنني‪ ،‬ومل أجد غريهم ممن نص عىل املدة‬
‫غري أن احلنابلة نصوا عىل أنه إذا طالت املدة فإن اإلمام يقول له‪ :‬إن أحييتها وإال فأرفع‬
‫يدك عنها‪ .‬ينظر‪ :‬اخلراج (‪ ،)72/1‬واملغني (‪.)238/6‬‬

‫‪525‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫خيالف الرشع‪ ،‬بل تشهد له القواعد الرشعية‪ ،‬وبناء عىل ما تقدم فإن اهليئة‬
‫ترى بأن اإلقطاع يفيد التملك‪ ،‬وهو الذي عليه العمل اجلاري يف اململكة إال‬
‫ما رافقه رشط حني اإلقطاع بأال يملكه صاحبه إال باإلحياء‪ ،‬فيكون الرشط‬
‫معترب ًا وال يتحقق ملك بدونه»(((‪.‬‬
‫أما إن كان اإلقطاع زراعي ًا فإنه يشرتط لثبوت التملك اإلحياء‪ ،‬وذلك‬
‫استناد ًا عىل املادة الثامنة من «نظام توزيع األرايض يف البور»(((‪ ،‬ونصها‪:‬‬
‫ُرشف من الناحية الفنية عىل األرايض املوزعة‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫«لوزارة الزراعة أن ت ِ‬
‫ِ‬
‫استثامرها‪ .‬وجيوز بقرار من وزير‬ ‫ُراقب جدية أصحاب االختِصاص يف‬ ‫ت ِ‬
‫الزراعة واملياه إلغاء اختِصاص من يث ُبت ُ‬
‫عجزه عن استثامر األرض أو عدم‬
‫ِ‬
‫وختصيصها لشخص آخر‬ ‫ِ‬
‫إنذاره بشهرين‪،‬‬ ‫جديتِه يف ِخالل ا ُملدة ا ُملحدَّ دة بعد‬
‫ِ‬
‫باستثامرها»(((‪.‬‬ ‫يقوم‬
‫وقد جاء قرار املحكمة العليا رقم‪ )41172155( :‬وتاريخ‪:‬‬
‫‪1441/9/11‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬موافق ًا لكون‬
‫اإلحياء رشط للتملك‪ ،‬ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب احلكم يف‬
‫الفقرة الثالثة‪« :‬كام مل يتحقق فضيلته من إحياء األرض املنهى عنها»‪،‬‬
‫وهو أيض ًا ما تضمنه قرار املحكمة العليا رقم‪ )41168206( :‬وتاريخ‪:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬التعميم رقم‪/12/179( :‬ت) بتاريخ‪1396/8/28 :‬هـ يف التصنيف‬


‫املوضوعي (‪.)367-327/1‬‬
‫((( الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )29/‬بتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬
‫((( ونُص كذلك يف املادة السادسة من ذات النظام عىل‪« :‬أال تقل مدة االستثامر من أجل‬
‫التملك عن سنتني وال تزيد عن ثالث سنوات»‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫‪1441/12/25‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬ونص احلاجة‬


‫منه ما جاء يف تسبيب احلكم يف الفقرة الثالثة‪« :‬مل يذكر املنهي أنه أحيا‬
‫األرض‪ ،‬وكذلك مل يذكر قرار هيئة النظر وجود إحياء‪ ،‬ومل يتحقق القايض‬
‫من اإلحياء وشموله لألرض املنهى عنها»‪ .‬وكان مضمون هذه القرارات‬
‫نقض اإلقطاع‪.‬‬
‫فيتبني مما سبق أن حكم اإلحياء يف اإلقطاع السكني موافق لقول‬
‫املالكية‪ ،‬والرأي الثاين للحنابلة‪ ،‬وأما حكم اإلحياء يف اإلقطاع الزراعي‬
‫موافق التفاق الفقهاء من أنه إذا وجد رشط باإلحياء حني اإلقطاع فهو‬
‫الزم‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬إقطاع األرض ملن ال يستطيع اإلحياء‪:‬‬
‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬
‫اشرتط الشافعية جلواز اإلقطاع أن يكون ملن يستطيع اإلحياء‪ ،‬عىل هذا‬
‫فإن ُأقطع من ال يستطيع اإلحياء فعىل اإلمام نقضه(((‪.‬‬
‫وعللوا ذلك؛ بأن اإلحياء رشط للتملك اإلقطاع فمن ال يستطيعه‬
‫ابتدا ًء ال ُيقطع‪ ،‬وأيض ًا اإلقطاع ملن ال يستطيع اإلحياء فيه إدخال للرضر‬
‫عىل املسلمني من غري فائدة(((‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املجموع رشح املهذب (‪ ،)107/16‬واملهذب (‪.)557/1‬‬


‫((( ينظر‪ :‬املجموع (‪.)107/16‬‬

‫‪527‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ومل أجد يف املذاهب األخرى من اشرتط هذا الرشط عند اإلقطاع‪.‬‬


‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬
‫اشرتط اإلقطاع أو املنح الزراعي أن يكون املقطع أو املمنوح له قادر ًا‬
‫عىل اإلحياء‪ ،‬وهو ما يظهر من نص املادة الثالثة من «نظام توزيع األرايض‬
‫ال الستغالل األرايض البور من تتوفر فيه‬ ‫البور» ونصها‪« :‬يعترب مؤه ً‬
‫الرشوط اآلتية‪ -2 ... :‬أن يكون متمتع ًا بأهلية األداء‪ ،».‬وأيض ًا نص عىل‬
‫ذلك يف الفقرة الثالثة من املادة الرابعة من ذات النظام وذلك عند املفاضلة‬
‫يف توزيع األرايض‪« :‬تُراعى ا ُملفاضلة يف توزيع األرايض بموجب النِظام‪،‬‬
‫وفق الرتتيب التايل‪ -3 ... :‬األقدر عىل االستثامر‪.».‬‬
‫أما يف اإلقطاع السكني فال يشرتط ذلك حيث ال يشرتط اإلحياء لتملك‬
‫األرض كام بينا ذلك سابق ًا‪.‬‬
‫ويتضح مما سبق أن يف اإلقطاع الزراعي موافقة ملذهب الشافعية من‬
‫عدم جواز اإلقطاع ملن ال يستطيع اإلحياء‪ ،‬ويف اإلقطاع السكني كام ذكرنا‬
‫موافقة ملذهب املالكي والرأي الثاين للحنابلة من عدم اشرتط اإلحياء‬
‫لتملك العقار‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬ختلف املقطع له عن اإلحياء الصحيح‪:‬‬


‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء فيام يعد إحيا ًء من عدمه عىل قولني(((‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن اإلحياء حيصل بام عده الناس إحياء‪ ،‬فهو راجع إىل‬
‫ال ُعرف‪.‬‬
‫وهو قول احلنفية(((‪ ،‬ووجه عند الشافعية(((‪ ،‬ورواية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬
‫أن الشارع قد أوجب اإلحياء لكنه مل جيعل له حد ًا وال حد له باللغة‪،‬‬
‫فريجع فيه إىل ال ُعرف(((‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن حيصل بالتحويط‪.‬‬
‫وهو املذهب عند الشافعية(((‪ ،‬واألرجح عند احلنابلة(((‪.‬‬

‫هذا اخلالف مبني عىل رأي من يشرتط اإلحياء لتملك اإلقطاع‪ ،‬وهم اجلمهور غري‬ ‫(((‬
‫املالكية‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬رد املحتار (‪.)433/6‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬أسنى املطالب (‪ ،)442/2‬وهناية املحتاج (‪.)339/5‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)176/8‬واإلنصاف (‪.)107/16‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املبدع (‪.)251/5‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬مغني املحتاج (‪.)365/2‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬الروض املربع (‪.)426/2‬‬ ‫(((‬

‫‪529‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫واستدلوا‪:‬‬
‫بقوله ‪(( :‬من أحاط حائط ًا عىل أرض فهي له))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫فهذا النص رصيح يف الداللة عىل أن اإلحياء يكون بإحاطة احلائط‪.‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬القول األول‪ ،‬وذلك؛ أن الرشع مل ينص رصاحة عىل‬
‫معنى اإلحياء وال شكله‪ ،‬وهو خيتلف باختالف البلدان والناس واألوقات‪،‬‬
‫وأما دليل القول الثاين فيمكن أن جياب عنه بأن حتويط احلائط إنام هو صورة من‬
‫صور اإلحياء وليس دائ ًام األصل‪ ،‬ثم إنه صادر ممن له والية اإلقطاع يف ذلك‬
‫الزمان ‪ ‬فيكون رشط ًا خاص ًا بذلك الزمان ممن َأقطع‪ ،‬وعىل هذا‬
‫فمن مل يقم بإحياء اإلقطاع والعقار اإلحياء الصحيح فلإلمام نقض إقطاعه؛‬
‫ألن فعله ال ينطبق عليه معنى اإلحياء الصحيح‪ ،‬واإلحياء رشط للتمليك كام‬
‫رجحنا ذلك وهو قول اجلمهور كام بينا ذلك سابق ًا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬
‫بينا سابق ًا بأن النصوص النظامية يف اإلقطاع السكني ال تشرتط اإلحياء‬
‫لتملك اإلقطاع‪ ،‬وهذا يلزم منه عدم وجوب اإلحياء هبيئة معينة كي يكون‬
‫حجة وال ينقض‪.‬‬

‫((( أخرجه أمحد يف مسنده برقم‪ ،)20238( :‬والبيهقي يف السنن‪ ،‬كتاب‪ :‬إحياء املوات‪،‬‬
‫باب‪ :‬ما يكون إحياء‪ ،‬وما يرجى فيه من األجر‪ ،)245/6( )11818( ،‬وأبو داود يف‬
‫سننه‪ ،‬كتاب اخلراج‪ ،‬باب‪ :‬يف إحياء املوات‪ ،)3077( ،‬وضعفه األلباين يف ضعيف‬
‫سنن أيب داود (‪.)461/2‬‬

‫‪530‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫أما يف اإلقطاع الزراعي فقد نُص فيه رصاحة عىل مساحة اإلحياء وكيفيته‬
‫ألجل التملك‪ ،‬فقد نص عىل أنه جيب أن يتم ري ما ال يقل عن ربع املساحة‬
‫املخصصة لالستثامر‪ ،‬أما اإلقطاع احليواين فلم حيدد كيفية اإلحياء إنام جعله‬
‫راجع ًا إىل العرف الذي يقيض بجدية اإلنتاج احليواين‪ ،‬وهو ما نصت عليه‬
‫املادة السابعة يف الفقرة الثانية من «نظام توزيع األرايض البور»((( وهي‪:‬‬
‫لصاله القرار استثامر األرض خالل املدة املحددة‬ ‫ِ‬ ‫«جيب عىل من صدر‬
‫فيه‪ ،‬وتُعترب األرض ُمستثمرة ِزراعي ًا بِ َر ِّي ُجزء ِمنها ال يقل عن (‪ )%25‬من‬
‫مساحتِها بام من شأنِه اإلنتاج الفعيل‪ ،‬وتُعترب ُمستثمرة حيواني ًا إذا ثبِت جدية‬
‫تبي عدم‬‫اإلنتاج احليواين خالل املدة املحددة لالستثامر»‪ ،‬فإذا ُأقطع ثم َّ‬
‫إحيائه وفق املعترب واملحدد بالنظام جاز نقضه ملخالفته رشط اإلقطاع‪.‬‬
‫أما ما كان قبل صدور النظام فإن تقدير اإلحياء الصحيح راجع فيه‬
‫إىل العرف كام نص عىل ذلك خطاب املقام السامي رقم‪ )7448( :‬عام‪:‬‬
‫‪1395‬هـ والذي نُص فيه عىل أن‪« :‬أي مواطن سبق أن وضع يده عىل أرض‬
‫ال أو إحاطتها بجدار‪،‬‬ ‫موات وأحياها اإلحياء الرشعي‪ ،‬سواء بزراعتها فع ً‬
‫أو هيأها ملا تصلح له قبل صدور نظام توزيع األرايض البور فإنه أحق هبا‪،‬‬
‫‪ ...‬ولذا فإن العرف له دخل كبري فيام يعد إحيا ًء وما ال يعد إحيا ًء‪ ... ،‬وإن‬
‫الذي حيدد قضاء كل جهة حسب عرف البلد»(((‪.‬‬

‫((( الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )26/‬بتاريخ ‪1388/7/6‬هـ‪.‬‬


‫((( التصنيف املوضوعي (‪.)250/1‬‬

‫‪531‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وأيض ًا نصوص املبادئ القضائية متفقة مع هذا احلكم كام جاء ذلك يف‬
‫املبدأ القضائي رقم (‪ )240‬ما نصه‪« :‬اإلحياء كغريه من األشياء التي مل حيد‬
‫الشارع فيها حد ًا معين ًا؛ الختالفه باختالف األغراض‪ ،‬واملنافع‪ ،‬فريجع فيه‬
‫إىل العرف»(((‪.‬‬
‫وقد اعترب القضاء أن جمرد التحويط ال يعد إحيا ًء كام جاء ذلك يف املبدأ‬
‫القضائي رقم‪ )3/3/3( :‬ونصه‪« :‬جمرد التحويط والتسوير ال يعتد به يف‬
‫التملك»(((‪.‬‬
‫وقد جاء قرار املحكمة العليا رقم‪ )41172155( :‬وتاريخ‪:‬‬
‫‪1441/9/11‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬موافق ًا هلذا‬
‫األمر‪ ،‬ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب احلكم يف الفقرة الثالثة‪« :‬كام‬
‫مل يتحقق فضيلته من إحياء األرض املنهى عنها وصفته وكيفيته وشموليته‬
‫للموقع»‪ ،‬ويف موضع آخر يف التسبيب ما نصه‪« :‬وملا قرره مجع من الفقهاء‬
‫أن من مل يتحقق يف غالب مساحته اإلحياء‪ ،‬فلإلمام اسرتداد ما أمهل منها‬
‫ما مل يتم إحياؤه إحيا ًء رشعي ًا صحيح ًا‪ ،‬وهذا ما فعله عمر مع بالل ‪‬‬

‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )9/4/41( :‬بتاريخ‪1399/2/11 :‬هـ‬
‫من جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة‬
‫والعامة بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)111‬‬
‫((( قرار اهليئة العامة باملحكمة العليا بتاريخ‪1432/1/9 :‬هـ من جمموعة املبادئ‬
‫والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة بمجلس القضاء‬
‫األعىل واملحكمة العليا‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫يف إقطاع النبي ‪ ‬لبالل أرض العقيق(((»‪ ،‬وهو أيض ًا ما تضمنه‬


‫قرار املحكمة العليا رقم‪ )41168206( :‬وتاريخ‪1441/12/25 :‬هـ‬
‫‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب‬
‫احلكم يف الفقرة الثالثة‪« :‬ومل يتحقق القايض من اإلحياء وشموله لألرض‬
‫املنهى عنها»‪.‬‬
‫فيتبني مما سبق بأنه ما كان قبل صدور النظام وعند عدم وجوده فإن‬
‫املرجع يف كيفية اإلحياء العرف وهذا موافق لقول احلنفية ومن وافقهم من‬
‫الشافعية واحلنابلة‪ ،‬وأما ما كان بعد صدور النظام فقد بني فيه كيفية اإلحياء‬
‫الزراعي بزراعة وري ما ال يقل عن الربع‪ ،‬وأما اإلحياء لغرض اإلنتاج‬
‫وجعل راجع ًا إىل العرف‪.‬‬
‫احليواين فلم يقيد بيشء ُ‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬منح اإلقطاع من غري صاحب الصالحية‪:‬‬
‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬
‫اتفقت املذاهب األربعة عىل أنه ال بد لتمليك اإلقطاع أن يكون صادر ًا‬
‫من اإلمام أو نائبه يف ذلك(((‪.‬‬

‫((( سبق ختريج حديث بالل ‪ ‬يف الدليل السادس يف املسألة األوىل‪ :‬حكم اإلقطاع يف‬
‫الفقه اإلسالمي من املبحث الثاين‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املبسوط (‪ ،)2/23‬واخلراج (ص‪ ،)172‬والتاج واإلكليل (‪ ،)3/6‬والذخرية‬
‫(‪ ،)285/5‬واملجموع (‪ ،)107/16‬واملهذب (‪ ،)557/1‬واملغني (‪،)142/8‬‬
‫والكايف (‪.)442/2‬‬

‫‪533‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وعللوا ذلك؛ بأن اإلقطاع كاإلعطاء من بيت املال وهو ال يكون إال من‬
‫اإلمام فكذلك اإلقطاع ال يكون إال منه‪.‬‬
‫يقول القرايف‪« :‬وليس للعامل إقطاع إال بإذن اإلمام ألنه كاإلعطاء من‬
‫بيت املال»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬
‫تضافرت النصوص النظامية واألوامر امللكية عىل منع اإلقطاع أو املنح‬
‫من غري أن يكون ذلك من صاحب الصالحية وهو جاللة امللك خادم‬
‫احلرمني الرشيفني وليس لغريه هذا احلق‪ ،‬من ذلك األمر امللكي رقم‪:‬‬
‫(‪ )24726‬بتاريخ ‪1379/12/6‬هـ والذي نص عىل‪« :‬منع األمارات من‬
‫إقطاع الناس إال بأمر منا»(((‪ .‬وكذلك األمر امللكي رقم‪ )640( :‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪1379/1/11‬هـ والذي أكد أن اإلقطاع واملنح ال يعترب وال يعتد به إال إذا‬
‫صدر من ويل األمر(((‪.‬‬
‫أمر من املقام السامي بإيقاف إقطاع األرايض يف األمر رقم‪:‬‬ ‫ثم صدر ٌ‬ ‫َّ‬
‫(‪ )4997/2‬بتاريخ‪1400/7/17 :‬هـ ونُص فيه‪« :‬نظر ًا ألنه حصل توسع‬
‫يف اإلقطاع بالنسبة لألرايض‪ ،‬ورغب ًة منا يف حتديد هذه األمور لتوفري أكرب‬
‫قدر للمحتاجني للسكن فقد أمرنا بإيقاف اإلقطاع واملنح اعتبار ًا من تاريخ‬
‫أمرنا هذا ‪ .(((»....‬وذلك يف غري األوامر امللكي‪.‬‬
‫الذخرية (‪.)285/5‬‬ ‫(((‬
‫التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل (‪.)1/363‬‬ ‫(((‬
‫التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل (‪.)1/363‬‬ ‫(((‬
‫التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل (‪.)601/3‬‬ ‫(((‬

‫‪534‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫وأيض ًا قد نص «نظام توزيع األرايض البور» يف املادة التاسعة عىل أنه‬


‫يشرتط إلمضاء إقطاع وزارة الزراعة تصديق جاللة امللك عىل هذا‪« :‬عىل‬
‫أن هذا القرار ال ُيعترب نافذ ًا إال بعد أن تتم املصادقة عليه من جاللة امللك أو‬
‫من ِ‬
‫يفوضه»(((‪.‬‬
‫وأيض ًا نصوص املبادئ القضائية متفقة مع هذا احلكم كام جاء ذلك يف‬
‫املبدأ القضائي رقم‪ )314( :‬ما نصه‪« :‬اإلقطاع ال بد العتباره أن يصدر ممن‬
‫يملكه»(((‪ ،‬وكذلك املبدأ القضائي رقم‪ )3/226( :‬نُص عىل أن‪« :‬األرايض‬
‫املوات أمرها راجع لويل األمر»(((‪.‬‬
‫وقد جاء قرار املحكمة العليا رقم‪ )41171206( :‬وتاريخ‪:‬‬
‫‪1441/10/20‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬موافق ًا‬
‫الشرتاط صدور اإلقطاع من اإلمام‪ ،‬ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب‬
‫احلكم يف عارش ًا‪« :‬اإلقطاع منسوب لـ ‪ ......‬وقد صدر األمر الكريم رقم‪:‬‬
‫(‪ )20980‬يف‪1389/11/3 :‬هـ التأكيدي لألمر السامي الكريم رقم‪:‬‬
‫(‪ )24726‬يف‪1379/12/6 :‬هـ ونصه‪« :‬ال يمكن قبول أي إقطاع إال ما‬
‫كان من جاللة امللك أو احلكومة»‪ .‬وعمم بالتعميم رقم‪/148/2( :‬ت)‬
‫((( الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )26/‬بتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬
‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )3/126( :‬بتاريخ‪1420/2/3 :‬هـ من‬
‫جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة‬
‫بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (‪.)126:‬‬
‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة بتاريخ‪1420/2/3 :‬هـ من جمموعة املبادئ‬
‫والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة بمجلس القضاء‬
‫األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)126‬‬

‫‪535‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫يف‪1389/12/23 :‬هـ»‪ .‬وهو أيض ًا ما تضمنه قرار املحكمة العليا رقم‪:‬‬


‫(‪ )4182165‬وتاريخ‪1441/10/27 :‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض‬
‫اإلقطاع‪ -‬ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب احلكم‪« :‬وألن ذلك كله‬
‫يضاف إىل األمر السامي رقم‪ )24726( :‬يف‪1379/12/6 :‬هـ القايض‬
‫بمنع األمارات من إقطاع أراض للناس إال بأمر من امللك واملؤكَّد باألمر‬
‫السامي رقم‪ )640( :‬بتاريخ‪1389/1/11 :‬هـ املتضمن أن املنح والعطاء‬
‫ال ُيعترب إال إذا كان صادر ًا من ويل األمر»‪ .‬وهو أيض ًا ما تضمنه قرار املحكمة‬
‫العليا رقم‪ )41168206( :‬وتاريخ‪1441/12/25 :‬هـ‪.‬‬
‫فيتضح مما سبق بأن النظام والقضاء موافق التفاق املذاهب األربعة‬
‫من حيث وجوب صدور اإلقطاع من ويل األمر وهو امللك فهو صاحب‬
‫الصالحية يف ذلك‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬إقطاع ملك الغري‪:‬‬
‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬
‫نص الفقهاء يف املذاهب األربعة((( عىل عدم جواز اإلقطاع فيام كان‬
‫مملوك ًا ألحد‪ ،‬وأن اإلقطاع مقصور عىل ما كان منفك ًا عن املِ ْلك‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املبسوط (‪ ،)2/23‬واخلراج (ص‪ ،)172‬والتاج واإلكليل (‪ ،)3/6‬واملهذب‬


‫(‪ ،)557/1‬وكشاف القناع (‪ ،)403/2‬واملغني (‪.)155/4‬‬

‫‪536‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫َُُۡ ْ َٓ‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ ْٓ َ ۡ ََٰ ُ َ ۡ َ ُ‬
‫قول اهلل ‪﴿ : ‬ول تأكلوا أمولكم بينكم بِٱلب ِط ِل وتدلوا بِها‬
‫ۡ ۡ ََ ُۡ َۡ َُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ۡ َّ َ ۡ ُ ُ ْ َ ٗ ّ ۡ َ‬
‫ٱلث ِم وأنتم تعلمون ‪. ﴾188‬‬ ‫ٰ‬ ‫إِل ُ‬
‫ٱلك ِم لِ أكلوا ف ِريقا مِن أمو ِل ٱنل ِ‬
‫اس ب ِ ِ‬
‫(((‬

‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أن إقطاع ملك اإلنسان هو أكل ألموال الناس بالباطل عن طريق احلاكم‬
‫وهو ال جيوز وجيب نقضه‪.‬‬
‫واستدلوا أيض ًا‪:‬‬
‫بام ورد عن‪« :‬عمر بن اخلطاب ‪ ‬أنه كتب إىل سعد ُيقطع سعيد بن‬
‫زيد أرض ًا فأقطعه أرض ًا لبني الرقيل‪ ،‬فأتى ابن الرقيل عمر ‪ ‬فقال‪ :‬يا‬
‫أمري املؤمنني عالم صاحلتمونا؟ قال‪ :‬عىل أن تؤدوا إلينا اجلزية ولكم أرضكم‬
‫وأموالكم وأوالدكم‪ .‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أقطعت أريض سعيد بن زيد‪.‬‬
‫فكتب إىل سعد رد عليه أرضه‪ ،‬ثم دعاه إىل اإلسالم فأسلم»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫فعل عمر ‪ ‬دليل رصيح عىل وجوب نقض من ُأقطع له ملك‬
‫غريه‪ ،‬وإعادته لصاحبه‪.‬‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية‪.188 :‬‬


‫((( أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬السري‪ ،‬مجاع أبواب السري‪ ،‬باب‪ :‬األرض إذا‬
‫أخذت عنوة فوقفت للمسلمني بطيب أنفس الغانمني مل جيز بيعها إذا أسلم من هي يف‬
‫يده ومل يسقط خراجها‪ ،‬برقم‪ ،)239/9( )18415( :‬وقال عنه‪« :‬يف إسناده ضعف»‪.‬‬
‫وأخرجه املتقي اهلندي يف كنز اجلهاد من قسم األفعال‪ ،‬باب‪ :‬يف أحكام اجلهاد‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪ )11631‬وهو ضعيف ألن يف إسناده جهالة‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬


‫تضافرت النصوص النظامية عىل عدم جواز إقطاع ما كان مملوك ًا للغري‪،‬‬
‫من ذلك ما أكده األمر السامي رقم‪ )8/1950( :‬بتاريخ ‪1405/12/21‬هـ‬
‫املوجه للبلديات والذي نص فيه عىل‪« :‬عدم تطبيق أوامر منح األرايض‬
‫السكنية إال يف األرايض املخططة واملعدة للسكن اخلالية من االدعاءات»(((‪،‬‬
‫وهذا يف اإلقطاع السكني‪ ،‬أما ما يتعلق باإلقطاع الزراعي فقد نص «نظام‬
‫توزيع األرايض البور» يف مادته األوىل الفقرة األوىل عىل أنه‪« :‬يقصد‬
‫باألرايض البور يف أحكام هذا النظام كل أرض تتوفر فيها الرشوط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون ُمنفكة عن حقوق امللكية أو االختِصاص‪ ،(((».... .‬فمتى تبني‬
‫غري ذلك وأهنا وقعت عىل ملك الغري وجب نقضها تقدي ًام حلق صاحبها‬
‫فيها‪.‬‬
‫ومن ذلك أيض ًا األرايض املخصصة للمرافق العامة للدولة فهي من قبيل‬
‫األمالك التي ال جيوز إقطاعها كام نصت عىل ذلك األوامر رقم‪)24154( :‬‬
‫بتاريخ‪1400/10/12 :‬هـ ورقم‪ )428( :‬بتاريخ‪1414/3/1 :‬هـ‪،‬‬
‫ورقم‪/3335( :‬م‪/‬ب) بتاريخ‪1425/12/4 :‬هـ‪ ،‬ورقم‪ )988( :‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪1415/11/20‬هـ‪ ،‬فال ُيترصف فيها إال ملا ُخ ِصصت له وال يستثنى أحد‪.‬‬
‫وأيض ًا قد نص املبدأ القضائي رقم (‪ )313‬عىل مثل ذلك حيث نص‬
‫عىل أن‪« :‬اإلقطاع إذا صدر عىل أرض مملوكة ملك ًا معترب ًا قبله‪ ،‬فال أثر‬

‫((( ينظر‪ :‬التعميم الوزاري رقم‪/24/12( :‬ت) بتاريخ‪1406/2/7 :‬هـ‪.‬‬


‫((( الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )26/‬بتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫لإلقطاع»(((‪ ،‬وكذلك احلال إذا وقع اإلقطاع عىل يشء سبق إقطاعه فإنه‬
‫ال يعمل به وجيب نقضه كام نص عىل ذلك باملبدأ القضائي رقم‪)266( :‬‬
‫ونصه‪« :‬ال يقبل اإلقطاع‪ ،‬وال يفيد التملك‪ ،‬إذا وقع عىل عني مشمولة‬
‫بإقطاع سابق؛ إذ ما شغل بسابق ال يشغل بالحق‪ ،‬مادام السابق قائ ًام»(((‪.‬‬
‫فيتبني مما سبق بأن النظام مواقف التفاق املذاهب األربعة من عدم جواز‬
‫إقطاع ما كان مملوك ًا للغري وجووب نقضه عند وقوعه‪.‬‬
‫املسألة السادسة‪ :‬إقطاع ما فيه إرضار بالناس‪:‬‬
‫وسأتطرق هلا من جانبني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اجلانب الفقهي‪:‬‬
‫اتفقت املذاهب األربعة((( عىل منع إقطاع ما فيه إرضار بعامة الناس‪،‬‬
‫ومنع إقطاع ما فيه حاجة الناس الذي ال غنى هلم عنه‪.‬‬

‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )6/32( :‬بتاريخ‪1420/1/9 :‬هـ من‬
‫جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة‬
‫بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)126‬‬
‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )2/268( :‬بتاريخ ‪1411/11/22‬هـ‬
‫من جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة‬
‫والعامة بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)116‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)292/6‬واخلراج (ص‪ ،)172‬وعمدة القارئ (‪،)220/12‬‬
‫واملجموع من املهذب (‪ ،)193/16‬واملغني (‪.)238/6‬‬

‫‪539‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫قال الكاساين‪« :‬وكذلك أرض امللح والقار والنفط ونحوها مما ال‬
‫يستغني عنها املسلمون ال تكون أرض موات حتى ال جيوز لإلمام أن يقطعها‬
‫ألحد ألهنا حق لعامة املسلمني ويف اإلقطاع إبطال حقهم‪ ،‬هذا ال جيوز»(((‪.‬‬
‫وقال اخلطايب‪« :‬وأما املياه التي يف العيون واملعادن الظاهرة كامللح‪:‬‬
‫والقار والنفط ونحوها‪ ،‬ال جيوز إقطاعها‪ ،‬وذلك أن الناس كلهم رشكاء يف‬
‫امللح واملاء وما يف معنامها مما يستحقه األخذ له بالسبق إليه فليس ألحد أن‬
‫حيتجرها لنفسه أو حيتظر منافعها عىل أحد من رشكائه املسلمني»(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫فإذا ُأقطع مثل ذلك اسرتد؛ وذلك استناد ًا حلديث أبيض بن محال ‪‬‬
‫الذي أقطعه النبي ‪ ‬امللح الذي بمأرب حيث رجع ‪ ‬عن‬
‫هذا اإلقطاع بعدما تبني أن ذلك اإلقطاع فيه يشء ال يستغني عنه الناس(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلانب النظامي‪:‬‬
‫صدرت كثري من التعاميم التي تتعلق هبذا املوضوع وذلك بمنع إقطاع ما‬
‫فيه إرضار بالناس وبحاجاهتم‪ ،‬ومن ذلك إقطاع العقارات الكبرية‪ ،‬ومنها ما‬
‫نص عليه األمر امللكي رقم‪ )28364( :‬بتاريخ‪1397/11/22 :‬هـ والذي‬
‫نص عىل عدم جواز إقطاع مساحات كبرية ومنع بيع مثل ذلك(((‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫الشؤون البلدية والقروية‬ ‫ذلك أيض ًا ما نص عليه اخلطاب املوجه إىل وزير‬
‫بدائع الصنائع (‪.)292/6‬‬ ‫(((‬
‫عمدة القارئ (‪.)220/12‬‬ ‫(((‬
‫احلديث سبق خترجيه يف القسم الثالث‪ :‬إقطاع املعادن يف املسألة األوىل‪ :‬حكم اإلقطاع‬ ‫(((‬
‫يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬التصنيف املوضوعي لتصاميم وزارة العدل (‪.)2/600‬‬ ‫(((‬

‫‪540‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫برقم‪ )901( :‬وتاريخ‪1398/1/11 :‬هـ والذي جاء فيه‪« :‬بلغنا أن بعض‬


‫ٍ‬
‫أشخاص ماليني األمتار‬ ‫البلديات حتيل إىل كاتب العدل معامالت بإعطاء‬
‫غري حمددة بمساحة معينة‪ ،‬وذلك بنا ًء عىل أوامر سامية‪ .‬فنرغب إليكم إبالغ‬
‫مجيع البلديات بعدم إحالة أي معاملة من هذا القبيل غري حمددة بمساحة‬
‫ِ‬
‫كاتب العدل‪ .‬وقد أعطيت نسخة من هذا ملعايل وزير العدل إلبالغ‬ ‫معينة إىل‬
‫ٍ‬
‫إجراء عليها‪،‬‬ ‫كتاب العدل بالرفع عن أي معاملة من هذا النوع قبل اختاذ أي‬
‫نرغب االطالع والتميش بموجبه»(((‪.‬‬
‫وكذلك فيام يتعلق باإلقطاع الزراعي واحليواين فقد نص فيه عىل منع أن‬
‫تكون األرايض متعلقة بمصالح املدن والعمران‪ ،‬وذلك نص املادة األوىل‬
‫الفقرة الثالثة من «نظام توزيع األرايض البور» ونصها‪ُ « :‬يقصد باألرايض‬
‫البور يف أحكام هذا النظام كل أرض تتوفر فيها الرشوط التالية‪ - 3 ...:‬أن‬
‫تكون خارجة عن حدود العمران وما يتعلق بمصاحله يف املدن والقرى»(((‪.‬‬
‫وقد وافقت نصوص املبادئ القضائية ذلك ومنها ما نص عليه املبدأ‬
‫القضائي رقم‪ )6/260( :‬من أن‪« :‬األرايض أمالك عامة للدولة‪ ،‬وهلا‬
‫الترصف هبا باإلقطاع أو غريه وفق املصلحة»(((‪ ،‬كذلك املبدأ القضائي‬

‫((( التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل (‪.)600/3‬‬


‫((( الصادر باملرسوم امللكي رقم‪( :‬م‪ )26/‬بتاريخ‪1388/7/6 :‬هـ‪.‬‬
‫((( قرار جملس القضاء األعىل بتاريخ‪1419/03/27 :‬هـ من جمموعة املبادئ والقرارات‬
‫الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة جملس القضاء األعىل‬
‫(ص‪.)124‬‬

‫‪541‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫رقم (‪ )279‬ونصه‪« :‬الوادي والطريق من مصالح املسلمني فال ُيم َلك»(((‪،‬‬


‫وكذلك مما نصت املبادئ القضائية عليه يف عدم متليك ما فيه إرضار بالناس‬
‫كام يف املبدأ القضائي رقم (‪ )311‬ونصه‪« :‬ما تعلق به مصالح املدن والقرى‬
‫ال يسوغ متليكه‪ ،‬إذا كان متليكه مرض ًا بمصاحلهم»(((‪.‬‬
‫وقد جاء قرار املحكمة العليا رقم‪ )41171206( :‬وتاريخ‪:‬‬
‫‪1441/10/20‬هـ ‪-‬والذي كان مضمونه نقض اإلقطاع‪ -‬موافق ًا هلذا األمر‬
‫ونص احلاجة منه ما جاء يف تسبيب احلكم يف الفقرة السادسة عرش من‪« :‬أن‬
‫عىل فرض صحة الصك حمل الدراسة فإن منح وإقطاع مثل هذه املساحة‪،‬‬
‫ويف هذه األماكن التي هي من احلاجة بمكان لتوفريها‪ ،‬وعدم منحها هبذه‬
‫املساحة‪ ،‬خمالف للمصلحة العامة‪ ،‬ومن املتقرر رشع ًا أن من رشوط اإلقطاع‬
‫وجود املصلحة وزوال املفسدة»‪ .‬وهو أيض ًا ما تضمنه قرار املحكمة العليا‬
‫رقم‪ )41171206( :‬وتاريخ‪1441/10/20 :‬هـ‪ ،‬وأيض ًا ما تضمنه قرار‬
‫املحكمة العليا رقم‪ )41182276( :‬وتاريخ‪1441/12/29 :‬هـ‪.‬‬
‫فمتى ما وجد مثل ذلك فإنه جيوز لإلمام أو من ينيبه نقض هذا اإلقطاع‬
‫إلرضاره بالغري‪ ،‬وتعديه عىل مصاحلهم‪ ،‬فالنظام هنا وافق املذاهب األربعة يف‬
‫وجوب أن يكون اإلقطاع غري مرض بالعامة‪ ،‬وأنه ٍ‬
‫خال مما حيتاج إليه الناس‪.‬‬ ‫ُ‬

‫((( قرار جملس القضاء األعىل رقم‪ )5/103( :‬بتاريخ‪1416/02/18 :‬هـ من جمموعة‬
‫املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة جملس‬
‫القضاء األعىل (ص‪.)119‬‬
‫((( قرار جملس القضاء األعىل هبيئته الدائمة رقم‪ )6/330( :‬يف ‪1421/5/19‬هـ من‬
‫جمموعة املبادئ والقرارات الصادرة من اهليئة القضائية العليا واهليئة الدائمة والعامة‬
‫بمجلس القضاء األعىل واملحكمة العليا (ص‪.)126‬‬

‫‪542‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫المبحث الثالث‬
‫أثر نقض اإلقطاع‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أثر النقض على المقطع‪:‬‬

‫بأن كان العقار بيده ومل ينتقل إىل غريه‪ ،‬فهذا حيازته ثابت‪ ،‬ويده باقية‬
‫عليه فيلزمه رده لبيت املال وهذا باتفاق الفقهاء(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬
‫قال‪(( :‬عىل اليد ما‬ ‫‪‬‬ ‫أن النبي‬ ‫‪‬‬ ‫بام روي عن سمرة‬
‫أخذت حتى تؤديه))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫هذا دليل رصيح عىل وجوب رد ملك الغري إىل صاحبه‪ ،‬ومنه اإلقطاع‪،‬‬
‫فيجب رده إىل ملك الدولة وبيت املال إذا ثبت عدم استحقاق الشخص له‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)128/7‬ورشح فتح القدير (‪ ،)7/6‬والكايف يف فقه أهل‬
‫املدينة (‪ ،)474/1‬واملهذب (‪ ،)331/2‬واجلامع الصغري (ص‪ ،)255‬واملغني‬
‫(‪ ،)118/13‬والرشح الكبري (‪.)551/5‬‬
‫((( أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬أبواب اإلجارة‪ ،‬برقم‪ ،)3143( :‬والرتمذي‪،‬‬
‫أبواب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف أن العارية مؤداة‪ ،‬برقم‪ )1250( :‬وقال عنه‪« :‬هذا‬
‫حديث حسن»‪ ،‬وابن ماجه يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬الصدقات‪ ،‬باب‪ :‬العارية‪ ،‬برقم‪،)2412( :‬‬
‫وأمحد يف املسند‪ ،‬أول مسند البرصيني‪ ،‬باب‪ :‬ومن حديث سمرة بن جندب‪ ،‬عن النبي‬
‫‪ ‬برقم‪ ،)19706( :‬واحلاكم يف املستدرك‪ ،‬كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬برقم‪،)2262( :‬‬
‫وقال عنه‪« :‬هذا حديث صحيح اإلسناد عىل رشط البخاري ومل خيرجاه»‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫واستدلوا أيض ًا‪:‬‬


‫بقوله ‪(( :‬من أحيا أرض ًا ميتة فهي له‪ ،‬وليس لعرق ظامل فيه‬
‫حق))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أن نقض اإلقطاع بعد منحه فيه داللة واضحة عىل أن هذا اإلقطاع فيه‬
‫ظلم‪ ،‬وليس لصاحبه حق فيه‪ ،‬وهذا الظلم جيب رفعه وال يكون ذلك إال‬
‫برد العقار إىل أمالك الدولة‪.‬‬
‫أما أثر ذلك النقض نظام ًا فإنه تم تشكيل فريق عمل باألمر السامي‬
‫الكريم رقم‪ )37384( :‬بتاريخ‪1439/7/27 :‬هـ ملعاجلة اإلشكاالت‬
‫املتصلة بالصكوك العقارية والتي صدرت فيها قرارات بالنقض من املحكمة‬
‫درس وفق ًا لألحكام املقررة‪ ،‬وقد تضمن األمر السامي التنبيه‬ ‫العليا فإنه ُي َ‬
‫عىل ما ورد يف الفقرة الثانية من املادة السابعة والعرشون بعد املائتني من‬
‫«الالئحة التنفيذية لنظام املرافعات» والتي نصت عىل أنه‪« :‬إذا ظهر لدائرة‬
‫يف قضية أو طلب معروض أمامها ما يستوجب إعادة النظر يف صك متلك‬

‫((( أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ،)743/2‬وابن أيب شيبة يف مصنفه (‪ ،)487/4‬والنسائي‬


‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫يف السنن الكربى (‪ ،)405/3‬والرتمذي يف سننه (‪ )662/3‬وقال عنه‪« :‬هذا‬
‫غريب! وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي ‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫حس ٌن‬
‫مرسالً‪ .‬والعمل عىل هذا احلديث عند بعض أهل العلم‪ ،‬وهو قول أمحد وإسحاق‬
‫‪ ،»...‬والزيلعي يف نصب الراية (‪ ،)106/3( ،)408/5‬وحسنه ابن حجر يف بلوغ‬
‫املرام (ص‪ )897‬وذكر له طرق ًا أخرى يف الفتح (‪ )19/5‬ثم قال‪« :‬ويف أسانيدها مقال‬
‫لكن يتقوى بعضها ببعض»‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫عقار لوجود خطأ يف اإلجراءات الواردة فيه يتعذر تصحيحه أو تكميله وقد‬
‫يعود عليه بالنقض فرتفعه إىل املحكمة العليا لتقرر ما تراه بشأنه‪ ،‬وذلك‬
‫كصدور الصك من غري خمتص»(((‪ ،‬وذلك ما دام مل يترصف فيه بأي نوع من‬
‫أنواع الترصفات‪ ،‬ثم يستكمل ما يلزم يف شأنه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر النقض على الغير‪:‬‬

‫واملقصود هبم هنا من آل إليهم العقار املقطع بطريق مرشوع؛ كالرشاء‬


‫مثالً‪ ،‬فبعد أن تناقلته األيدي ببيع ورشاء‪ ،‬يصدر قرار بنقض اإلقطاع فهذا‬
‫اختلف الفقهاء يف حكمه عىل ثالثة أقوال(((‪:‬‬

‫((( تم تعديل هذه املادة بموجب قرار معايل وزير العدل رقم‪ )5062( :‬وتاريخ‪:‬‬
‫‪1440/9/7‬هـ لتصبح بالنص التايل‪« :‬إذا ظهر للجهة املختصة يف وزارة العدل أو‬
‫املجلس األعىل للقضاء ما يستوجب إعادة النظر يف صك استحكام عقار لوجود خطأ‬
‫يف اإلجراءات الواردة فيه يتعذر تصحيحه أو تكميله وقد يعود عليه بالنقض فيحال‬
‫للمحكمة العليا إن كان الصك مؤيد ًا من حمكمة االستئناف أو ملحكمة االستئناف فيام‬
‫سوى ذلك‪ ،‬وذلك لدراسته وتقرير ما يلزم بشأنه‪ ،‬وتكون اإلحالة من وزارة العدل أو‬
‫املجلس األعىل للقضاء بحسب األحوال» ‪.‬‬
‫((( هذه األقوال مل ينص فيها الفقهاء رصاحة يف مسائل اإلقطاع‪ ،‬إنام هو ختريج عىل قوهلم‬
‫فيمن وجد ماله بعد أن ُقسم‪ ،‬وال يمكن أن خيرج ذلك عىل مسألة ما تناقلته األيدي‬
‫يف الغصب؛ ألن معنى الغصب من التعدي والقهر غري موجود هنا‪ ،‬وأيض ًا العقار ال‬
‫يتصور غصبه كام ذكر ذلك احلنفية وبعض احلنابلة؛ ألنه ال يمكن نقله‪ .‬وال يمكن‬
‫كذلك خترجيه عىل مسألة بيع اإلنسان ما ال يملك؛ ألن املقطع عند بيعه اإلقطاع يرى‬
‫بأنه مالك له؛ ألنه يملك ما يفيد التملك من الصك الصادر من اجلهة املختصة‪ ،‬فلم يبق‬
‫سوى خترجيه عىل من وجد ماله بعد أن قسم؛ بجامع أن تلك القسمة كانت من اإلمام‬
‫كاإلقطاع‪ ،‬وأهنا خلت مما يشوهبا من اإلكراه والتعدي‪ ،‬والقصد إىل بيع ما ال يملك‪،‬‬
‫وأيض ًا بكونه ال ُملك للاملك القديم يف املحل بوجه‪ ،‬وإنام الثابت له حق اإلعادة‪= .‬‬

‫‪545‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫القول األول‪ :‬تستحق الدولة العقار مع دفع الثمن ملن بيده‪.‬‬


‫وهو قول أيب حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬واملذهب عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬
‫ما روي عن ابن عباس ‪ ‬أنه قال‪ :‬جاء رجل إىل النبي ‪‬‬
‫فقال‪ :‬إين وجدت بعريي يف املغنم كان أخذه املرشكون‪ ،‬فقال له رسول اهلل‬
‫‪(( :‬انطلق فإن وجدت بعريك قبل أن ُيقسم فخذه‪ ،‬وإن وجدته‬
‫قد ُقسم فأنت أحق به بالثمن إن أردته))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫= عىل أن هذا ال يمنع من األخذ بام استقر عند الفقهاء يف مسائل الضامن‪ ،‬وذلك يف‬
‫الرجوع عىل البائع األول وهو املقطع له عند تعذر اسرتداد اإلقطاع؛ ألنه ثبت أن‬
‫هذا املال ال يستحقه‪ .‬ينظر ما تعلق بمسائل الضامن‪ :‬اهلداية رشح البداية (‪،)120/4‬‬
‫وخمترص الطحاوي (ص‪ ،)118‬والرشح الصغري (‪ ،)85/4‬وبداية املجتهد (‪،)316/2‬‬
‫وهناية املحتاج (‪ ،)147/5‬والوجيز (‪ ،)206/1‬واإلنصاف (‪ ،)123/6‬واملقنع‬
‫(‪.)232/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)128/7‬ورشح فتح القدير (‪ ،)7/6‬والكايف يف فقه أهل‬
‫املدينة (‪ ،)474/1‬واملغني (‪.)118/13‬‬
‫((( أخرجه الدارقطني يف سننه‪ ،‬كتاب السري‪ ،)115-114/4( ،‬والبيهقي يف السنن‬
‫الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬السري‪ ،‬باب‪ :‬من فرق بني وجوده قبل القسم وبني وجوده بعده‪،‬‬
‫وما جاء فيام اشرتي من أيدي العدو‪ ،‬برقم‪ )118/9( )18252( :‬وقال عنه‪« :‬هذا‬
‫احلديث يعرف باحلسن بن عامرة‪ ،‬عن عبد امللك بن ميرسة‪ ،‬واحلسن بن عامرة مرتوك‬
‫ال حيتج به‪ .‬ورواه أيضا مسلمة بن عيل اخلشني‪ ،‬عن عبد امللك‪ ،‬وهو أيض ًا ضعيف‪.‬‬
‫وروي بإسناد آخر جمهول عن عبد امللك‪ ،‬وال يصح يشء من ذلك‪ .‬وروي عن إسحاق‬
‫بن عبد اهلل بن أيب فروة‪ ،‬وياسني بن معاذ الزيات‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن سامل بن عبد اهلل‪،‬‬
‫عن أبيه مرفوع ًا عىل اختالف بينهام يف لفظه‪ ،‬وإسحاق وياسني مرتوكان ال حيتج هبام»‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فاجلهة املسؤولة تستحق العقار بالثمن ألنه انتقل من ملكها إىل ملك‬
‫غريها‪ ،‬وذلك قياس ًا عىل من وجد ماله بعد القسمة فال يستحقه إن أراده إال‬
‫بالثمن‪.‬‬
‫وعللوا ذلك‪ :‬بأن األخذ بالقيمة مراعاة للجانبني‪ :‬جانب امللك القديم‬
‫بإيصاله إىل قديم ملكه املأخوذ منه بغري وجه‪ ،‬وجانب احلائزين اجلدد بصيانة‬
‫ملكهم اخلاص عن الزوال من غري عوض‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬تستحق الدولة العقار عىل من بيده مطلق ًا‪ ،‬وللمشرتي‬
‫الرجوع عىل من باعه‪ .‬وهو رأي الشافعية(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫َ ُّ َ َّ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ام ُنوا ل تأكل ٓوا أ ۡم َوٰلكم بَ ۡي َنكم‬ ‫﴿يأيها ٱلِين ء‬‫بقوله تعاىل‪ٰٓ :‬‬
‫ّ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ٓ َ َ ُ َ َ ٰ َ ً َ َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫اض مِنك ۚم ول تقتلوا أنفسك ۚم إِن‬ ‫بِٱلب ِط ِل إِل أن تكون ت ِجرة عن تر ٖ‬
‫َّ َ َ َ ُ‬
‫ك ۡم َرح ٗ‬
‫ِيما ‪.(((﴾29‬‬ ‫ٱلل كن ب ِ‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫ال وأك ً‬
‫ال ألموال‬ ‫أن نقض اإلقطاع يدل عىل أن اإلقطاع ابتدا ًء كان باط ً‬
‫بيت املال بوجه باطل فوجب إعادته إليه‪.‬‬
‫واستدلوا أيض ًا‪:‬‬

‫((( ينظر‪ :‬املهذب (‪ ،)331/2‬واجلامع الصغري (ص‪ ،)255‬واملحىل (‪.)300/7‬‬


‫((( سورة النساء‪ ،‬آية رقم‪.29 :‬‬

‫‪547‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫بام روي عن عمر ‪ ‬أنه قال‪« :‬من أحيا أرض ًا ميتة فهي له»‪ ،‬ويروى‬
‫عن عمرو بن عوف‪ ،‬عن النبي ‪ ‬وقال‪(( :‬يف غري حق مسلم‪،‬‬
‫وليس لعرق ظامل فيه حق))(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫هذا احلديث أساس يف أن العدوان ومنه اإلقطاع عىل غري الوجه الرشعي‬
‫ال يكسب املعتدي حق ًا‪ ،‬فمن ُأقطع عىل غري الوجه الرشعي فال يستحق‬
‫متلكها بالقيمة أو البقاء فيها بل تنزع منه ما دامت لبيت املال(((‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬الدولة ال تستحق العقار عىل من هو بيده مطلق ًا‪.‬‬
‫وهو الرواية الثانية عند احلنابلة(((‪.‬‬
‫واستدلوا‪:‬‬
‫بام روي عن ابن عمر ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من أدرك‬
‫ماله قبل أن ُيقسم فهو له وإن أدركه بعد أن ُقسم فليس له فيه يش))(((‪.‬‬
‫واستدلوا أيض ًا‪:‬‬

‫أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬املزارعة‪ ،‬باب‪ :‬من أحيا أرض ًا موات ًا‪.)106/3( ،‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املعني (‪.)118/13‬‬ ‫(((‬
‫ينظر‪ :‬املغني (‪ ،)118/13‬والرشح الكبري (‪.)551/5‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه الطرباين يف األوسط‪ ،‬برقم‪ ،)216/8( ،)8444( :‬وقال‪« :‬مل يرو هذا احلديث‬ ‫(((‬
‫عن الزهري إالَّ ياسني‪ ،‬تفرد به سويد بن عبد العزيز»‪ .‬والزيلعي يف نصب الراية‬
‫(‪ ،)345/3‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪.)6/2‬‬

‫‪548‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫بام روي أن عمر ‪ ‬كتب إىل السائب بن األقرع(((‪« :‬أيام رجل من‬
‫املسلمني وجد رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به‪ ،‬وإن وجده يف أيدي التجار‬
‫بعد ما قسم فال سبيل إليه‪ ،‬وأيام حر اشرتاه التجار فرد عليهم رؤوس‬
‫أمواهلم‪ ،‬فإن احلر ال يباع وال يشرتى»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫فكام أن مال اإلنسان إذا ُقسم ُ‬
‫ووزع مل ُيرجع فيه عىل من استلمه بطريق‬
‫مرشوع‪ ،‬فكذلك اإلقطاع إذا تناقلته األيدي فإنه يمنع أخذه ممن وصلت‬
‫إليه بطريق مرشوع‪.‬‬
‫الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن لكل قول مما سبق حظ من النظر‪ ،‬فلكل قول‬
‫رأي سديد‪ ،‬ويرجع اختالفهم هذا إال النظر يف جلب املصلحة ودرء املفسدة‪،‬‬

‫((( هو السائب بن األقرع بن عوف بن جابر بن سفيان الثقفي‪ ،‬وأمه مليكة‪ .‬دخل السائب‬
‫مع أمه عىل النبي ‪ ‬فمسح برأسه‪ ،‬ودعا له‪ ،‬وشهد فتح هناوند مع النعامن‬
‫بن مقرن‪ ،‬وكان عمر بن اخلطاب ‪ ‬بعثه بكتابه إىل النعامن‪ ،‬ثم استعمله عمر‬
‫عىل املدائن‪ .‬وويل أصبهان‪ ،‬ومات هبا‪ .‬ينظر‪ :‬اإلصابة يف متييز الصحابة (‪،)16/3‬‬
‫والطبقات الكربى (‪.)82/6‬‬
‫((( أخرجه البيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬السري‪ ،‬مجاع أبواب السري‪ ،‬باب‪ :‬من فرق‬
‫بني وجوده قبل القسم وبني وجوده بعده وما جاء فيام اشرتي من أيدي العدو‪ ،‬برقم‪:‬‬
‫(‪ ،)190/9( )18257‬وقال‪« :‬قال الشافعي يف رواية أيب عبد الرمحن عنه‪ :‬هذا عن‬
‫عمر ‪ ‬مرسل‪ ،‬إنام روي عن الشعبي عن عمر ‪ ،‬وعن رجاء بن حيوة عن‬
‫عمر وكالمها مل يدرك عمر ‪ ‬وال قارب ذلك‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وحديث سعد‬
‫أثبت من احلديث عن عمر ‪ ‬؛ ألنه عن الركني بن الربيع عن أبيه أن سعد ًا فعله‬
‫به‪ ،‬واحلديث عن عمر ‪ ‬مرسل»‪ .‬والسيوطي يف مجع اجلوامع‪ ،‬برقم‪)3967( :‬‬
‫(‪.)245/12‬‬

‫‪549‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فمن غ َّلب جانب املصلحة ملن كانت بيده قال بعدم جواز أخذ ما تناقلته‬
‫األيدي بوجه رشعي مطلق ًا‪ ،‬ومن غ َّلب جانب درء املفسدة التي تقع بإجازة‬
‫مثل هذه الترصفات قال بردها مطلق ًا‪ ،‬ومن قال بأهنا تؤخذ بمقابل حاول‬
‫اجلمع بني جلب املصالح ودرء املفاسد؛ لذا وألن اجلمع بني األقوال أوىل‬
‫من الرتجيح فيام بينها لذلك أجد أنه من املناسب أن تعامل اإلقطاعات كل‬
‫بحسبها‪ ،‬فال يقدم أحد هذه األقوال عىل غريه‪ ،‬إنام تُنظر املصلحة الراجحة‬
‫يف كل إقطاع بحسبه‪ ،‬مع دفع املفسدة املرتتبة يف كل حال عىل حدة‪ ،‬فإذا‬
‫ُو ِجد أن األفضل النزع بمقابل ُقدِّ م‪ ،‬وإن رأي غري ذلك ُقدِّ م كل بحسبه‪.‬‬
‫أما أثر ذلك النقض نظام ًا فإنه تم تشكيل فريق عمل باألمر السامي‬
‫الكريم رقم‪ )37384( :‬بتاريخ‪1439/7/27 :‬هـ ‪-‬املشار إليه سابق ًا‪-‬‬
‫ملعاجلة اإلشكاالت املتصلة بالصكوك العقارية والتي صدرت فيها‬
‫قرارات بالنقض من املحكمة العليا‪ ،‬والذين جرى عملهم عىل أنه إذا كان‬
‫العقار املشمول بالصك قد اكتمل ختطيطه وفق خمطط معتمد والتي ظهر‬
‫يف أساساهتا خلل وترتب عليه إيقافها أو إلغاؤها‪ ،‬فإنه يرجع عىل البائع‬
‫األول بقيمة الصك ويودع يف اخلزينة العامة للدولة‪ ،‬مع مساءلة من تسبب‬
‫يف إصدار الصكوك تأديبي ًا أو جنائي ًا‪ ،‬ويف مجيع األحوال ال ُيوقف الترصف‬
‫يف صك العقار الذي اكتمل ختطيط أو الصكوك التي تفرعت منه ويتم رفع‬
‫ما بتوصل إليه الفريق لكل حالة عىل حدة يف شأن املقرتح املناسب ملعاجلتها‪.‬‬
‫ففي هذا أخذ بالقول الثالث الذي نص عىل أن الدولة ال تستحق العقار‪،‬‬
‫وأخذ بام قرره الفقهاء يف مسائل الضامن وتغريم من تسبب بالرضر‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫الخاتمة‬
‫أهم النتائج‪:‬‬
‫ـ املقصود بالنقض‪ :‬إبطال احلكم ممن له والية ذلك‪ ،‬عند وجود سببه‪.‬‬
‫ـ املقصود باإلقطاع‪ :‬تسويغ اإلمام من مال اهلل شيئ ًا ملن يراه أه ً‬
‫ال لذلك‪.‬‬
‫ـ املقصود بنقض اإلقطاع بأنه‪ :‬إبطال ما ُس ِّو َغ من عقار للغري‪.‬‬
‫ـ قسم اجلمهور اإلقطاع قسمني‪ :‬إقطاع استغالل‪ ،‬وإقطاع متليك‪ ،‬وزاد‬
‫احلنابلة قسم‪ :‬إقطاع إرفاق‪ ،‬ومجيعهم قد حتدثوا عنه غري أهنم مل يسموه هبذا‬
‫االسم‪ ،‬إنام جعلوه من أنواع إقطاع االستغالل‪.‬‬
‫ـ املقصود بإقطاع االستغالل‪ :‬إقطاع منفعة األرض ملن يستغلها‪ ،‬إن‬
‫شاء أن يزرع‪ ،‬وإن شاء أن يؤجر‪ ،‬وإن شاء أن يزارع فيها‪.‬‬
‫ـ املقصود بإقطاع التمليك‪ :‬متليك اإلمام جمرد ًا عن العوضية‪.‬‬
‫ـ أنواع اإلقطاع يف النظام السعودي ثالثة‪ :‬املِنح السامية‪ ،‬واألرايض‬
‫املوزعة لالستغالل‪ ،‬ومنح البلدية‪ ،‬وقد أ ُلغي النوع األخري باألمر السامي‬
‫رقم‪ )20562( :‬بتاريخ‪1434/6/2 :‬هـ ونقلت الطلبات السابقة غري‬
‫املنفذة إىل وزارة اإلسكان‪.‬‬
‫ـ االعرتاض بطلب النقض عىل األحكام والقرارات التي تصدرها أو‬
‫تؤيدها حماكم االستئناف يكون أمام املحكمة العليا‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ جيوز لإلمام أو نائبه يف ذلك إقطاع العامر الذي مل يتعني مالكه ملصالح‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫ـ جيوز لإلمام إقطاع ما كان فيه عامرة جاهلية ثم صار موات ًا‪.‬‬
‫ـ جيوز لإلمام إقطاع ما كان موات ًا ومل يملك قط ملن يكون قادر ًا عىل‬
‫اإلحياء‪.‬‬
‫ـ األصل أن اإلقطاع فيام جيوز فيه اإلقطاع إذا تم من صاحب الصالحية‬
‫وفق أحكامه املذكورة حجة وال جيوز نقضه‪.‬‬
‫ـ العلامء متفقون عىل أنه إذا رشط ويل األمر اإلحياء عىل من ُأقطِع له‬
‫فهو الزم وال ُيملك العقار إال إذا أويف بذلك الرشط وهو اإلحياء‪.‬‬
‫ـ الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أنه إذا مل يشرتط اإلمام عند اإلقطاع اإلحياء‬
‫فإنه ال بد منه‪ ،‬فال يملك بمجرد اإلقطاع‪ ،‬وهو قول احلنفية‪ ،‬والشافعية‪،‬‬
‫واملذهب عنه احلنابلة‪.‬‬
‫ـ ال يشرتط نظام ًا اإلحياء لتملك اإلقطاع السكني‪.‬‬
‫ـ إن كان اإلقطاع زراعي ًا فإنه يشرتط لثبوت التملك اإلحياء‪.‬‬
‫ـ اشرتط النظام يف اإلقطاع أو املنح الزراعي أن يكون املقطع أو املمنوح‬
‫له قادر ًا عىل اإلحياء‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ـ الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن اإلحياء حيصل بام عده الناس إحياء‪ ،‬فهو‬
‫راجع إىل العرف‪ ،‬وهو قول احلنفية‪ ،‬ووجه عند الشافعية‪ ،‬ورواية عند‬
‫احلنابلة‪.‬‬
‫ـ يشرتط لتملك اإلقطاع الزراعي أن يتم ري ما ال يقل عن ربع املساحة‬
‫املخصصة لالستثامر‪.‬‬
‫ـ اتفقت املذاهب األربعة عىل أنه ال بد لتمليك اإلقطاع أن يكون صادر ًا‬
‫من اإلمام أو نائبه يف ذلك‪.‬‬
‫ـ نص الفقهاء يف املذاهب األربعة عىل عدم جواز اإلقطاع فيام كان‬
‫مملوك ًا ألحد‪.‬‬
‫ـ تضافرت النصوص النظامية عىل عدم جواز إقطاع ما كان مملوك ًا‬
‫للغري‪.‬‬
‫ـ اتفقت املذاهب األربعة عىل منع إقطاع ما فيه إرضار بعامة الناس‪،‬‬
‫ومنع إقطاع ما فيه حاجة الناس الذي ال غنى هلم عنه‪.‬‬
‫ـ إذا ن ُِقض العقار بيد املقطع له ومل ينتقل إىل غريه‪ ،‬فهذا حيازته ثابتة‪،‬‬
‫ويده باقية عليه فيلزمه رده‪.‬‬
‫ـ الراجح ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أنه إذا ن ُِقض العقار وقد تناقلته األيدي أن تعامل‬
‫اإلقطاعات كل بحسبها‪ ،‬فال يقدم أحد األقوال الثالثة املذكورة عىل غريه‪،‬‬
‫إنام تُنظر املصلحة الراجحة يف كل إقطاع بحسبه مع دفع املفسدة املرتتبة يف‬
‫كل حال عىل حدة‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫أويص نفيس وإخويت بتقوى اهلل ‪ ‬يف الرس والعلن‪ ،‬وإخالص النية‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬ثم أويص بـ‪:‬‬
‫ـ إصدار نظام خاص بتملك العقار جيمع األوامر والقرارات والتعاميم‬
‫ضمن مواد‪:‬‬
‫املنثورة‪ ،‬و ُي َّ‬
‫أ‪ .‬تتعلق بام جيوز فيه اإلقطاع وما ال جيوز‪.‬‬
‫ب‪ .‬الرشوط الواجب توفرها يف العقار واملقطِع وا ُملقطع له‪.‬‬
‫ج‪ .‬بيان مفهوم اإلحياء الصحيح لكل نوع‪ ،‬ومدة اإلمهال‪.‬‬
‫د‪ .‬عقوبات وجزاءات تأديبية رادعة ملن خيالف أحكام النظام؛ وذلك‬
‫كله محاية للصكوك العقارية من اإللغاء والنقض‪.‬‬
‫ـ إحداث إقطاع جديد يسمى باإلقطاع الصناعية ُيمنح ملن ُينشأ فيه‬
‫مصنع ًا وفق أحكام ورشوط خاصة وذلك إضافة إىل اإلقطاع الزراعي‬
‫واإلنتاج احليواين‪.‬‬
‫ـ نقل األعامل املكلفة هبا وكالة األرايض فيام يتعلق بتحديد األرايض‬
‫املقطعة أو املمنوحة إىل هيئة عقارات الدولة‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فهرس اآليات‬
‫رقم الصفحة‬
‫َ ُ ۡ ُ ْ َ ٓ َ ۡ ُ َّ‬ ‫ُ ۡ‬ ‫ََ َۡ ُ ُ ْ َ َ ُ‬
‫﴿ول تأكل ٓوا أ ۡم َوٰلكم بَ ۡي َنكم بِٱل َبٰ ِط ِل وتدلوا بِها إِل‬
‫‪537-508‬‬
‫ٱلك ِم‬
‫ۡ ۡ ََ ُۡ َۡ َُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ ُ ُ ْ َ ٗ ّ ۡ َ‬
‫ٱلث ِم وأنتم تعلمون‪﴾188‬‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫لِ أكلوا ف ِريقا مِن أمو ِل ٱنلاس ب ِ ِ‬
‫[البقرة]‬
‫‪547‬‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ٰ َ ُ َ ۡ َ ُ‬
‫﴿ يأيها ٱلِين ءامنوا ل تأكلوا أمولكم بينكم بِٱلب ِط ِل‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َۡ ُ ْ َ ُ‬ ‫َّ ٓ َ َ ُ َ َ ً َ َ‬
‫اض ّمِنك ۡ ۚم َول تق ُتل ٓوا أنف َسك ۡ ۚم‬ ‫إِل أن تكون ت ِجٰ َرة عن ت َر ٖ‬
‫ُ‬
‫ك ۡم َرح ٗ‬ ‫َّ َّ َ َ َ‬
‫ِيما‪[ ﴾29‬النساء]‬ ‫إِن ٱلل كن ب ِ‬
‫ُ َ َ ٗ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ْ َ َّ َ َ َ ۡ َ َ‬
‫ت غ ۡزل َها ِم ۢن َب ۡع ِد ق َّو ٍة أنكٰثا﴾‬
‫‪486‬‬
‫﴿ولتكونوا كٱل ِت نقض‬
‫[النحل‪]92 :‬‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫﴿ف َتق َّط ُع ٓوا أ ۡم َرهم بَ ۡي َن ُه ۡم ُز ُب ٗرا﴾ [املؤمنون‪]53 :‬‬
‫‪488‬‬

‫‪555‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فهرس األحاديث النبوية‬


‫رقم الصفحة‬ ‫احلديث‬
‫ما روي عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪« :‬أراد النبي ‪‬‬
‫‪502‬‬
‫أن يقطع من البحرين‪»...‬‬
‫ما روي أن رسول اهلل ‪« ‬أقطع بالل بن احلارث املزين‬
‫‪504‬‬
‫معادن القبلية»‬
‫ما روي عن عبد الرمحن بن عوف ‪ ‬قال‪« :‬أقطعني رسول‬
‫‪502‬‬
‫اهلل ‪»... ‬‬
‫ما ورد أن «الرسول ‪ ‬نزل يف موضع املسجد حتت‬
‫‪523‬‬
‫دومة‪»...‬‬
‫‪482‬‬ ‫((إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه‪ ،‬من هيده اهلل فال مضل له‪))...‬‬

‫ما روي عن ابن عمر ‪« ‬أن رسول اهلل ‪ ‬أقطع‬


‫‪503‬‬
‫الزبري ُخ ْ َ‬
‫ض فرسه‪»...‬‬
‫ما روي عن وائل بن حجر‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬أقطعه‬
‫‪503‬‬
‫أرض ًا‪»...‬‬
‫ما روي عن أيب ثعلبة اخلشني ‪ ‬أنه سأل النبي ‪‬‬
‫‪509‬‬
‫أن يعطيه أرايض كانت بيد الروم‪...‬‬
‫ما روي عن عمر بن حريث ‪ ‬أنه قال‪« :‬خط يل رسول اهلل‬
‫‪504‬‬
‫‪»... ‬‬

‫‪556‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫رقم الصفحة‬ ‫احلديث‬


‫ما روي عن ابن عباس ‪ ‬أنه قال‪ :‬جاء رجل إىل النبي‬
‫‪546‬‬ ‫‪ ‬فقال‪« :‬إين وجدت بعريي يف املغنم كان أخذه‬
‫املرشكون‪»...‬‬
‫ما روي أن متيم الداري ‪ ‬سأل النبي ‪ ‬أن يقطعه‬
‫‪508‬‬
‫عيون البلد‪...‬‬
‫قوله ‪(( :‬عادي األرض هلل ولرسوله‪ ،‬ثم لكم من‬
‫‪511‬‬
‫بعد‪))...‬‬

‫ما روي عن سمرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬عىل اليد‬


‫‪543‬‬
‫ما أخذت حتى تؤديه))‬

‫ما روي عن عمرو بن عوف عن النبي ‪ ‬وقال‪(( :‬يف‬


‫‪548‬‬
‫غري حق مسلم‪))...‬‬

‫ما روي عن عيل بن أيب طالب ‪ ‬أنه قال‪«:‬ملا بعثني رسول‬


‫‪498‬‬
‫اهلل ‪ ‬إىل اليمن‪»...‬‬
‫‪514‬‬ ‫ِ‬
‫قوله ‪(( :‬منَى مناخ من سبق))‬
‫‪530‬‬ ‫قوله ‪(( :‬من أحاط حائط ًا عىل أرض فهي له))‬

‫قوله ‪(( :‬من أحيا أرض ًا ميتة فهي له‪ ،‬وليس لعرق‬
‫‪544‬‬
‫ظامل فيه حق))‬

‫ما روي أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من أدرك ماله قبل أن‬
‫‪548‬‬
‫ُيقسم‪))...‬‬

‫‪557‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فهرس اآلثار‬
‫رقم الصفحة‬ ‫احلديث‬
‫‪506‬‬ ‫‪‬‬ ‫ما روي عن سويد بن غفلة أنه قال‪« :‬استقطعت علي ًا‬
‫‪»...‬‬
‫‪499‬‬ ‫ما روي عن أن عمر ‪ ‬كتب إىل األمصار‪« :‬أال تُقتل نفس‬
‫دوين»‬
‫‪505‬‬ ‫ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه‪« :‬أن أبا بكر الصديق‬
‫‪ ‬أقطع‪»...‬‬
‫‪505‬‬ ‫ما روي عن موسى بن طلحة‪« :‬أن عثامن أقطع مخسة من‬
‫أصحاب النبي ‪»... ‬‬
‫‪537‬‬ ‫ما ورد عن‪ :‬عمر بن اخلطاب ‪ ‬أنه كتب إىل سعد ُيقطع‬
‫سعيد بن زيد أرض ًا‪...‬‬
‫‪549‬‬ ‫ما روي أن عمر ‪ ‬كتب إىل السائب بن األقرع‪« :‬أيام رجل‬
‫من املسلمني‪»...‬‬
‫‪522‬‬ ‫فعل عمر ‪ ‬مع بالل بن احلارث الذي أقطعه رسول اهلل‬
‫‪ ‬العقيق‪...‬‬

‫‪558‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫فهرس المصادر والمراجع‬


‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫كتب التفسري‪:‬‬
‫‪1.‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪ -‬املعروف بتفسري الطربي‪ ،‬ملحمد بن جرير‪،‬‬
‫أبو جعفر الطربي (ت‪310 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬دار‬
‫هجر للطباعة والنرش والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬فتح القدير‪ ،‬ملحمد بن عيل بن حممد بن عبد اهلل الشوكاين (ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫ابن كثري ‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫كتب احلديث‪:‬‬
‫‪3.‬كتاب األموال‪ ،‬حلميد بن زنجويه (ت‪247 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬شاكر ذيب فياض‪،‬‬
‫مركز امللك فيصل للبحث والدراسات‪.‬‬
‫‪4.‬كتاب األموال‪ ،‬أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن سالم (ت‪224 :‬هـ)‪ ،‬دار الفضيلة ‪-‬‬
‫مرص‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪5.‬تقريب التهذيب‪ ،‬العسقالين‪ :‬أمحد بن عيل (ت‪852 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪6.‬التلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري (ت‪623:‬هـ)‪ ،‬أمحد بن‬
‫حجر العسقالين‪( ،‬ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬رشكة الطباعة الفنية املتحدة‪1964 ،‬م‬
‫‪7.‬هتذيب التهذيب‪ ،‬العسقالين ابن حجر (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬مؤسسة التاريخ العريب‪.‬‬
‫‪8.‬جامع املسانيد واملراسيل‪ ،‬السيوطي (ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪9.‬سنن ابن ماجة‪ ،‬ابن ماجة (ت‪273 :‬هـ)‪ ،‬حممد بن يزيد‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪10.‬سنن الرتمذي‪ ،‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة (ت‪279 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪11.‬السنن الكربى‪ ،‬أبو بكر البيهقي‪ ،‬أمحد بن احلسني بن عيل بن موسى‬


‫س ْو ِجردي اخلراساين (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبد القادر عطا‬ ‫اخلُ ْ َ‬
‫النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1424 ،3‬هـ‪.‬‬
‫ ‪12.‬صحيح البخاري‪ ،‬حممد بن إسامعيل البخاري (ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬دمشق‪ ،‬مجع‬
‫وتدقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪1932 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪13.‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن احلجاج النيسابوري (ت‪261 :‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪14.‬صحيح مسلم برشح النووي‪ ،‬ليحيي بن رشف النووي (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة‬
‫املرصية‪ ،‬ط‪1349 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪15.‬عمدة القاري‪ ،‬العيني‪ ،‬حممد بن أمحد (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪16.‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬العسقالين‪ ،‬أمحد بن حجر (ت‪852 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ ،15‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪17.‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬احلاكم‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد النيسابوري‬
‫(ت‪405 :‬هـ)‪.‬‬
‫ ‪18.‬جممع الزوائد‪ ،‬اهليثمي‪ ،‬عيل بن أيب بكر (ت‪807 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ال‬
‫يوجد تاريخ نرش‪.‬‬
‫ ‪19.‬املسند‪ ،‬ابن حنبل‪ ،‬أمحد بن حنبل‪( ،‬ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫كتب اللغة‪:‬‬
‫ ‪20.‬تاج العروس رشح القاموس‪ ،‬حممد مرتىض الزبيدي (ت‪1205 :‬هـ)‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫سنة ‪1306‬هـ‪.‬‬
‫ ‪21.‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬إسامعيل اجلوهري (ت‪392 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬
‫عبد الغفور‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪22.‬القاموس املحيط‪ ،‬جمد الدين حممد بن يعقوب الفريوزآبادي (ت‪817 :‬هـ)‪،‬‬


‫املطبعة احلسينية‪1330 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪23.‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن بكر بن منظور املرصي (ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬سنة‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬خمتار الصحاح‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي (ت‪660:‬هـ)‪ ،‬الطبعة‬
‫األمريية‪ ،‬ط‪.6‬‬
‫ ‪25.‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أبو احلسن أمحد بن فارس بن زكريا (ت‪395 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬مطبعة عيسى احللبي‪ ،‬ط‪1366 ،1‬هـ‪.‬‬
‫كتب الفقه احلنفي‪:‬‬
‫ ‪26.‬البحر الرائق‪ ،‬ابن نجيم‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم (ت‪970:‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫ط‪1993 ،8‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ ،‬الكاساين‪ ،‬عالء الدين بن مسعود‬
‫(ت‪587:‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪.7‬‬
‫ ‪28.‬تبيني احلقائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬فخر الدين عثامن الزيلعي (ت‪743 :‬هـ)‪،‬‬
‫الطبعة األمريية‪ ،‬ط‪1314 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬اخلراج‪ ،‬أبو يوسف‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم (ت‪182 :‬هـ)‪ ،‬دار احلداثة ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬
‫ ‪30.‬درر احلكام يف رشح غرر األحكام‪ ،‬حممد بن فراموز بن عيل الشهري بمال خرسو‬
‫(ت‪885 :‬هـ)‪ ،‬الطبعة العامرة الرشفية‪ ،‬سنة ‪1304‬هـ‪.‬‬
‫ ‪31.‬رد املحتار عىل الدر املختار رشح األبصار‪ ،‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني (ت‪:‬‬
‫‪1252‬هـ)‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪32.‬العناية عىل اهلداية‪ ،‬حممد بن حممد بن حممود أكمل الدين البابريت (ت‪:‬‬
‫‪786‬هـ)‪ ،‬مطبوع هبامش فتح القدير‪.‬‬

‫‪561‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪33.‬فتح القدير يف رشح اهلداية للمرغيناين (ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬ابن اهلامم كامل الدين‬
‫حممد بن عبد الواحد بن عبد احلميد (ت‪861 :‬هـ)‪ ،‬مطبعة مصطفى حممد‬
‫صاحب املكتبة التجارية الكربى بمرص‪1356 ،‬هـ‪ .‬وهبامشه العناية رشح‬
‫اهلداية للبابريت‪ ،‬وبذيله حاشية سعد اهلل احللبي عىل العانية‪.‬‬
‫ ‪34.‬املبسوط الرسخيس‪ ،‬أبو بكر حممد بن أمحد بن أيب سهل (ت‪490 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪35.‬معني احلكام فيام يرتدد بني اخلصمني من األحكام‪ ،‬عيل بن خليل الطرابليس‬
‫(ت‪844 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة األمريية ببوالق‪ ،‬ط‪1300 ،1‬هـ‪.‬‬
‫كتب الفقه املالكي‪:‬‬
‫ ‪36.‬البهجة يف رشح التحفة‪ ،‬أبو احلسن عيل بن عبد السالم التسويل (ت‪:‬‬
‫‪1258‬هـ)‪ ،‬املطبعة البهية بمرص‪.‬‬
‫ ‪37.‬التاج واإلكليل ملخترص خليل‪ ،‬املواق‪ ،‬حممد بن يوسف (ت‪897 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪38.‬تبرصة احلكام يف أصول األقضية ومناهج األحكام‪ ،‬إبراهيم بن عيل بن فرحون‬
‫املدين (ت‪799 :‬هـ)‪ ،‬مطبعة مصطفى احللبي‪ ،‬سنة ‪1378‬هـ‪1958-‬م‪.‬‬
‫مطبوع عىل هامش فتح العيل املالك‪.‬‬
‫ ‪39.‬الرشح الصغري عىل أقرب املسالك‪ ،‬الدردير‪ ،‬أمحد بن حممد (ت‪1201 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار املعارف ‪ -‬مرص‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪40.‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري‪ ،‬العدوي‪ ،‬أمحد بن حممد (ت‪1230 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫ ‪41.‬الذخرية يف فروع املالكية‪ ،‬القرايف‪ ،‬أبو العباس أمحد بن إدريس (ت‪684 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬أمحد عبد الرمحن‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪42.‬الفواكه الدواين عىل رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬أمحد بن غنيم بن سامل‬
‫النفراوي (ت‪1125 :‬هـ)‪.‬‬
‫ ‪43.‬املدونة الكربى‪ ،‬اإلمام مالك بن أنس (ت‪179 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة اخلريية‪.‬‬
‫ ‪44.‬مواهب اجلليل لرشح خمترص خليل‪ ،‬احلطاب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد عبد‬
‫الرمحن املغريب (ت‪954 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫كتب الفقه الشافعي‪:‬‬
‫ ‪45.‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن‬
‫حبيب البرصي (ت‪450:‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪46.‬أدب القضاء (الدرر املنظومات يف األقضية واحلكومات)‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم‬
‫بن عبد اهلل بن عبد املنعم املعروف بابن أيب الدم (ت‪642:‬هـ)‪.‬‬
‫ ‪47.‬أسنى املطالب رشح روض الطالب‪ ،‬لزكريا بن حممد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين‬
‫الدين أبو حييى (ت‪926 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫ ‪48.‬األم‪ ،‬اإلمام أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي (ت‪204 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة‬
‫األمريية‪ ،‬ط‪1324 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪49.‬حتفة املحتاج يف رشح املنهاج‪ ،‬ألمحد بن حممد بن عيل بن حجر اهليتمي (ت‪:‬‬
‫‪972‬هـ)‪ ،‬روجعت وصححت عىل عدة نسخ بمعرفة جلنة من العلامء‪ ،‬مطبوع‬
‫عىل هامش حاشيتي الرشواين والعبادي‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى ‪ -‬مرص‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫ ‪50.‬حاشية البجريمي‪ ،‬سليامن بن حممد بن عمر ال ُب َج ْ َي ِم ّي املرصي الشافعي‬
‫(ت‪1221:‬هـ)‪ ،‬وهو مع كتاب اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع للخطيب‬
‫الرشبيني ‪-‬بأعىل الصفحة يليه ‪ -‬مفصوالً بفاصل حاشية البجريمي عليه‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪1415 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪563‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪51.‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو رشح خمترص املزين‪ ،‬لعيل بن‬
‫حممد بن حبيب املاوردي (ت‪450:‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل حممد وعادل أمحد‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪52.‬املجموع رشح املهذب‪ ،‬النووي‪ ،‬حييى بن رشف (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪1996 ،22‬م‪.‬‬
‫ ‪53.‬مغنى املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬الرشبيني‪ ،‬حممد اخلطيب (ت‪:‬‬
‫‪977‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،6‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪54.‬املهذب‪ ،‬الشريازي‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم ابن عيل بن يوسف (ت‪476 :‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار إحياء الرتاث العريب‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪55.‬هناية املحتاج إىل رشح املنهاج‪ ،‬شمس الدين حممد الرميل (ت‪1004 :‬هـ)‬
‫املطبعة البهية املرصية‪1304 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪56.‬الوجيز يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬أبو حامد الغزايل (ت‪505 :‬هـ)‪ ،‬مطبعة‬
‫اآلداب‪1317 ،‬هـ‪.‬‬
‫كتب الفقه احلنبيل‪:‬‬
‫ ‪57.‬االستخراج ألحكام اخلراج‪ ،‬ابن رجب عبد الرمحن احلنبيل (ت‪795 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫احلداثة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪58.‬حاشية الروض املربع رشح زاد املستقنع‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‬
‫العاصمي النجدي (ت‪1392 :‬هـ)‪ ،‬ط‪1397 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ ‪59.‬الروض املربع رشح زاد املستقنع‪ ،‬منصور البهويت (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬مكتبة‬
‫الرياض احلديثة‪1390 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪60.‬رشح منتهي اإلرادات‪ ،‬البهويت (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬املطبعة العامرة الرشفية‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬سنة ‪1319‬هـ‪ .‬وهو مطبوع عىل هامش كشاف القناع‪.‬‬

‫‪564‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪61.‬جمموع فتاوى ومقاالت الشيخ ابن باز‪( ،‬ت‪1420 :‬هـ)‪ ،‬الرئاسة العامة‬
‫إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬ط‪1401 ،4‬هـ‪.‬‬
‫ ‪62.‬جمموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم (ت‪728 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫عامل الكتب‪.‬‬
‫ ‪63.‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬البهويت (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬دار عامل الكتب‪.‬‬
‫ ‪64.‬املغني‪ ،‬عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقديس (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫كتب عامة وحديثة يف الرشيعة‪:‬‬
‫ ‪65.‬قواعد املرافعات يف الترشيع املرصي واملقارن‪ ،‬د‪ .‬حممد العشاموي‪ ،‬مكتبة‬
‫اآلداب للنرش والتوزيع ‪ -‬القاهرة‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪66.‬مبادئ قانون القضاء املدين‪ ،‬د‪ .‬فتحي وايل‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫ ‪67.‬النظام القضائي‪ ،‬حممد رأفت عثامن‪.‬‬
‫ ‪68.‬نظام القضاء يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬مجال صادق املرصفاوي‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن‬
‫سعود اإلسالمية ‪ -‬الرياض‪1981،‬م‪.‬‬
‫ ‪69.‬نقض األحكام‪ ،‬بحث تكمييل لنيل شهادة املاجستري يف الفقه املقارن‪ ،‬عبد اهلل‬
‫بن عيل السديس‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ‪ -‬املعهد العايل‬
‫للقضاء‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪70.‬نقض األحكام القضائية‪ ،‬سلسة الرسائل اجلامعية‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن‬
‫سعود اإلسالمية‪ ،‬أمحد بن حممد اخلضري‪.‬‬
‫كتب السري والتاريخ‪:‬‬
‫ ‪71.‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬ابن األثري‪ ،‬املبارك بن حممد (ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫املعرفة ‪ -‬بريوت‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫نقض اإلقطاع‬

‫ ‪72.‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬القرطبي‪ ،‬يوسف بن عبد الرب (ت‪463 :‬هـ)‪،‬‬


‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪2003 ،4‬م‪.‬‬
‫ ‪73.‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬أمحد بن عيل العسقالين (ت‪852 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪74.‬الطبقات الكربى‪ ،‬ابن سعد‪ ،‬حممد بن سعد بن منيع البرصي (ت‪230 :‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1997 ،9‬م‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬
‫دراسة نظرية تطبيقية على إجراءات التحقيق الجنائي‬
‫في «نظام اإلجراءات الجزائية» السعودي‬

‫د‪ .‬إيمان بنت عبد الله بن عبد الواحد الخميس‬


‫قسم أصول الفقه ‪ -‬كلية الشريعة‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬

‫‪567‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل عىل كثري فضله وعظيم آالئه‪ ،‬والصالة والسالم عىل نبينا حممد‬
‫خاتم رسله وأنبيائه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن انتظام حياة اإلنسانية‪ ،‬واستقامة أمور البرشية‪ ،‬ال تتم إال بإقامة‬
‫العدل‪ ،‬وقد جاءت به كافة رشائع األنبياء‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬لَ َق ۡد أَ ۡر َس ۡل َنا ُر ُسلَناَ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َۡ َ َ ُ ُ ۡ َٰ َ َ ۡ َ َ َُ‬ ‫ۡ َ‬
‫َّ‬
‫ت وأنزلا معهم ٱلكِتب وٱل ِمزيان ِلقوم ٱنلاس بِٱلقِس ِط﴾ ‪،‬‬
‫(((‬
‫بِٱلَ ّيِنٰ ِ‬
‫وهذا البحث سيتناول «العدل» باعتباره مقصدً ا من مقاصد الرشيعة‪ ،‬مع‬
‫بيان يشء من تطبيقاته يف «نظام اإلجراءات اجلزائية» السعودي يف مرحلة‬
‫التحقيق‪.‬‬
‫أمهية املوضوع يف جانبه النظري‪:‬‬
‫أمهية مقصد العدل‪ ،‬حيث ُي َعدُّ من املقاصد القطعية للرشيعة اإلسالمية‬
‫سنبي‪ ،‬واحلاجة قائمة لتحرير املراد منه‪ ،‬ودراسته دراسة مقاصدية‪،‬‬
‫عىل ما ِّ‬
‫ُت َب ِّي االجتاهات يف تسميته‪ ،‬وموقعه من التقسيامت املشهورة للمقاصد‪،‬‬
‫توجهت إىل دراسته كمقصد من مقاصد‬ ‫خاصة مع ُش ِّح الدراسات التي َّ‬
‫الرشيعة‪.‬‬
‫أمهية املوضوع يف جانبه التطبيقي‪:‬‬
‫تظهر أمهية املوضوع يف اجلانب التطبيقي يف أمور منها‪:‬‬

‫((( سورة احلديد آية ‪25‬‬

‫‪568‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫‪1.‬إن حمل الدراسة يف اجلانب التطبيقي هو «نظام اإلجراءات اجلزائية»‬


‫يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬وهو يكتسب أمهيته من مكانة اململكة العربية‬
‫السعودية الدينية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪.‬‬
‫‪2.‬أن هذا املوضوع إثراء للدراسات املقاصدية بدراسة تطبيقية عىل‬
‫نصوص مواد قانونية‪.‬‬
‫‪3.‬عدم وجود دراسة سابقة ربطت بني «نظام اإلجراءات اجلزائية»‬
‫السعودي يف اململكة العربية السعودية ومقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫هيدف هذا البحث إىل أمرين‪:‬‬
‫‪1.‬دراسة اجلوانب النظرية التأصيلية ملقصد العدل‪ ،‬وحترير املراد به‪،‬‬
‫وبيان اختالف الوجهات يف تسميته‪ ،‬وبيان موقعه من التقسيم املعروف‬
‫للمقاصد‪ ،‬واالستدالل له كمقصد بالطرق الكاشفة عن مقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫‪2.‬بيان االرتباط بني أحد مقاصد الرشيعة اإلسالمية ‪-‬وهو العدل‪-‬‬
‫و«نظام اإلجراءات اجلزائية» السعودي فيام يتعلق بالتحقيق اجلنائي‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪«1.‬مقصد العدل يف القرآن الكريم»‪ ،‬للدكتور حممد سليم العوا‪ ،‬وهي‬
‫حمارضة ألقاها الدكتور العوا يف إطار دورة مقاصد القرآن الكريم يف نسختها‬
‫الثانية‪ ،‬والتي انعقدت يف املحمدية باملغرب‪ ،‬عام ‪1437‬هـ‪ ،‬وطبعتها‬
‫مؤسسة الفرقان‪ ،‬وكان حمل الدراسة فيها هو مقصد العدل من حيث وروده‬

‫‪569‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫يف القرآن الكريم‪ ،‬والعدل يف القصص القرآين‪ ،‬وهذا البحث يتناول العدل‬
‫بدراسة مقاصدية عامة غري حمصورة بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫‪«2.‬مقصد العدل يف حياة الصحابة»‪ ،‬للدكتور حامد حممد إبراهيم‬
‫منصور‪ ،‬منشور يف جملة املدونة‪2016 ،‬م‪ ،‬وهذا البحث أشبه بدراسة‬
‫تارخيية عن أنواع العدل‪ ،‬ومدى حت ُّققه يف عرص الصحابة‪ ،‬وآثار العدل يف‬
‫زمنهم‪ ،‬وهذا البحث الذي نحن بصدده دراسة للعدل كمقصد من مقاصد‬
‫الرشيعة‪ ،‬وبيان موقعه يف التقسيم املعروف للمقاصد‪ ،‬وحتقيق كونه مقصدً ا‬
‫من مقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫‪«3.‬مقصد العدل عند شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،»‬للدكتور يوسف‬
‫املحمدي‪ ،‬وهو منشور يف جملة البحوث والدراسات الرشعية‪ ،‬العدد الثامن‬
‫عرش ‪1435‬هـ‪ ،‬والدراسة اختصت بدراسة هذا املقصد عند شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية فقط‪ ،‬وهذا البحث الذي نحن بصدده ال خيتص بعامل معني‪ ،‬ثم‬
‫إن مدار احلديث يف الكتاب عن العدل يف حياة ابن تيمية ‪ ‬وكيف كان‬
‫يتمثله يف حياته ويظهر جليا يف كتاباته مع خمالفيه‪ ،‬وكيف كان ‪ ‬يرجح‬
‫بالعدل ويعلل به يف كثري من اجلزئيات‪.‬‬
‫‪«4.‬مقصد العدل وتطبيقاته يف الترصفات املالية»‪ ،‬للدكتور أمحد عزب‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪ ،‬النارش‪ :‬مركز اللغات األجنبية‪ ،‬العدد ‪ ،24‬و«مقصد‬
‫العدل يف املال ومدى حت ُّققه يف التطبيقات املالية املعارصة»‪ ،‬لصالح حممود‬
‫صالح‪ ،‬منشور يف جملة علوم الرشيعة والقانون‪ ،‬العدد ‪ ،3‬عام ‪2017‬م‪،‬‬
‫و«جتل مقصد العدل يف املعامالت املالية»‪ ،‬للدكتور‪ :‬فوزي غالب‪ ،‬منشور‬ ‫ِّ‬

‫‪570‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫يف جملة الفقه والقانون‪ ،‬عام ‪2017‬م‪ ،‬وهذه الدراسات كلها متجهة إىل‬
‫مقصد العدل يف املال خاصة‪ ،‬ومدى حت ُّقق هذا املقصد يف املعامالت املالية‪،‬‬
‫وجاءت وفق هذا مباحثها‪ ،‬وهذا البحث يف دراسة مقصد العدل بشكل‬
‫عام‪ ،‬وبيان موقعه من التقسيم املعروف للمقاصد‪ ،‬وتطبيقه عىل إجراءات‬
‫التحقيق اجلنائي‪.‬‬
‫التعسف يف استعامل احلق»‪ ،‬للدكتور‬
‫ُّ‬ ‫‪ِّ 5.‬‬
‫«جتل مقصد العدل يف نظرية‬
‫فوزي غالب‪ ،‬جملة الفقه والقانون‪ ،‬والدراسة كام هو واضح خمتصة بتجلية‬
‫التعسف‪ ،‬وجزاء‬
‫ُّ‬ ‫التعسف ومقصد العدل‪ ،‬وبيان معايري‬
‫ُّ‬ ‫العالقة بني نظرية‬
‫التعسف‪ ،‬فهي ال تلتقي مع هذا البحث ال يف مباحث الدراسة وال األهداف‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪«6.‬مقصد العدل وصداه يف الترشيع اجلنائي اإلسالمي»‪ ،‬د‪ .‬عوض‬
‫حممد عوض‪ ،‬منشور ضمن جمموعة بحوث بعنوان «مقاصد الرشيعة‬
‫وقضايا العرص»‪ ،‬عام ‪2007‬م‪ ،‬وهذا البحث دراسة قانونية وليست‬
‫مقاصدية‪ ،‬فبحث الدكتور عوض يدرس مبدأ الرشعية وصلته بالعدل‪،‬‬
‫ومناط املسؤولية وصلته بالعدل‪ ،‬وشخصية املسؤولية وصلتها بالعدل‪،‬‬
‫جلرم والعقاب‪ ،‬فالبحثان ال‬
‫ومظاهر املساواة يف الرشيعة‪ ،‬والتناسب بني ا ُ‬
‫يلتقيان يف األهداف‪ ،‬وال يف املباحث‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتأ َّلف هذا البحث من‪ :‬مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬ومبح َثني‪ ،‬وخامتة‪.‬‬
‫املقدمة‪:‬‬

‫‪571‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫وفيها‪ :‬أمهية املوضوع‪ ،‬وأهداف البحث‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬وخطة‬


‫البحث‪ ،‬واملنهج امل َّت َبع‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬التعريف بمفردات العنوان‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف مقصد العدل وبيان أقسامه‪:‬‬
‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬تعريف «املقصد» يف اللغة واالصطالح‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬تعريف «العدل» يف اللغة واالصطالح‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثالثة‪ :‬أقسام العدل‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف «نظام اإلجراءات اجلزائية»‪:‬‬
‫وفيه مسألتان‪:‬‬
‫ ‪-‬املسألة األوىل‪ :‬تعريف «النظام» يف اللغة‪ ،‬ويف اصطالح القانونيني‪.‬‬
‫ ‪-‬املسألة الثانية‪ :‬التعريف باإلجراءات اجلزائية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التعريف بالتحقيق اجلنائي‪ ،‬وبيان اجلهة املختصة به‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اعتبار العدل مقصدً ا من مقاصد الرشيعة‪:‬‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬االجتاهات يف تسمية املقصد‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫املطلب الثاين‪ :‬موضع مقصد العدل يف التقسيامت املشهورة للمقاصد‪.‬‬


‫املطلب الثالث‪ :‬األدلة عىل اعتبار العدل مقصدً ا من مقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مقصد العدل وتطبيقاته يف إجراءات التحقيق يف «نظام‬
‫اإلجراءات اجلزائية»‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫فهرس املراجع‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫‪1.‬االستقراء ملصادر املوضوع ومراجعه املتقدمة واملتأخرة‪.‬‬
‫‪2.‬رسم اآليات بالرسم العثامين‪ ،‬مع بيان أرقامها‪ ،‬وعزوها إىل سورها‪.‬‬
‫‪3.‬ختريج األحاديث واآلثار الواردة يف صلب البحث من مصادرها‪،‬‬
‫بالصحيحني أو أحدمها إن كان احلديث فيهام أو يف أحدمها‪ ،‬وإال‬
‫َ‬ ‫واالكتفاء‬
‫خرجتُها من املصادر األخرى املعتمدة‪ ،‬مع ِذكْر ما قاله أهل احلديث فيها‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪َ 4.‬ع ْزو نصوص العلامء وآرائهم إىل كُتبهم مبارشة‪ ،‬إال إذا َّ‬
‫تعذر ذلك‪،‬‬
‫فيتم التوثيق بالواسطة‪.‬‬
‫‪5.‬بيان معاين غريب األلفاظ من مصادرها ومراجعها املناسبة‪.‬‬
‫اقترصت يف توثيق املواد النظامية عىل ِذكْر رقم املادة يف صلب البحث‬
‫ُ‬ ‫‪6.‬‬
‫حتى ال أطيل احلوايش بالتكرار‪.‬‬
‫وأسال اهلل التوفيق والسداد‪ ،‬إنه سميع جميب‪ ،‬وال حول وال قوة إال به‪.‬‬

‫‪573‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫التمهيد‬
‫التعريف بمفردات العنوان‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف مقصد العدل وبيان أقسامه‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف «املقصد» يف اللغة واالصطالح‪:‬‬


‫«املقصد» لغة‪:‬‬
‫قصد َقصدً ا‪ ،‬ومقصدً ا‪ ،‬واجلمع م ِ‬
‫قاصد(((‪.‬‬ ‫مصدر ميمي من َقصدَ ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫قال ابن جني‪« :‬أصل مادة (ق ص د) ومواقعها يف كالم العرب‪:‬‬
‫ٍ‬
‫اعتدال كان ذلك‬ ‫والتوجه‪ ،‬والنهود‪ ،‬والنهوض نحو اليشء‪ ،‬عىل‬ ‫ُّ‬ ‫االعتزام‪،‬‬
‫َص يف بعض املواضع بقصد‬ ‫أو َج ْور‪ ،‬هذا أصله يف احلقيقة‪ ،‬وإن كان قد ُي ُّ‬
‫االستقامة دون امليل‪ ،‬أال ترى أنك تقصد اجلور تار ًة كام تقصد العدل أخرى‪،‬‬
‫والتوجه شامل هلام مجي ًعا»(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فاالعتزام‬
‫والتوجه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فاملعنى األصيل للقصد هو األَ ُّم‪،‬‬
‫«املقاصد» يف االصطالح‪:‬‬
‫عرف العلامء املتقدمون ممن هلم إسهام يف علم املقاصد‪ ،‬وغاية ما‬
‫مل ُي ِّ‬
‫خصص يف كتابه‬
‫ذكروه عَدُّ املقاصد وبيان أنواعها‪ ،‬حتى الشاطبي الذي َّ‬

‫((( انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة (ق ص د) (‪.)3643 - 3642/5‬‬


‫((( انظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬للزبيدي (‪.)37-36/9‬‬

‫‪574‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫جتاوز تعريفها‪ ،‬ولعله رأى‬


‫خاصا للحديث عن املقاصد َ‬ ‫ًّ‬ ‫«املوافقات» جز ًءا‬
‫يف التمثيل كاش ًفا ُيغني عن التعريف‪ ،‬وربام أنه كتب كتابه للراسخني من‬
‫العلامء ممن ال حيتاجون هلذا البيان‪.‬‬
‫وأما املعارصون فقد ُعنُوا بتعريف املقاصد وحتديد املراد هبا‪ ،‬وأطال‬
‫توضح‬‫بعضهم حتى أخذ التعريف جان ًبا وصف ًّيا‪ ،‬وشأن التعريفات أن ِّ‬
‫املراد بأوجز العبارات‪ ،‬ولعل من أفضل التعريفات وأوجزها تعريفها بأهنا‪:‬‬
‫«الغايات التي ُو ِضعت الرشيعة ألجل حتقيقها ملصلحة العباد»‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تعريف «العدل» يف اللغة واالصطالح‪:‬‬
‫«العدل» لغ ًة‪:‬‬
‫عدل فالنًا‪ ،‬أي‪ :‬يساويه‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫جاء يف «لسان العرب»‪« :‬فالن ي ِ‬
‫َ‬
‫عدلك عندنا يشء‪ ،‬أي‪ :‬ما يقع عندنا يشء موقعك‪ ،‬وعَدَ ل املكاييل‬ ‫ما ي ِ‬
‫َ‬
‫وازنُه‪ ،‬وعادلت بني‬ ‫ِ‬
‫وعاد ُله ِ‬ ‫يعدله ً‬
‫عدل‪،‬‬ ‫واملوازين سواها‪ ،‬وعَدَ ل اليشء ِ‬
‫وتعديل اليشء تقويمه‪،‬‬‫ِ‬ ‫سو ْيت بينهام‪،‬‬‫الشيئني‪ ،‬وعَدَ لت فالنًا بفالن؛ إذا َّ‬
‫وقيل‪ :‬ال َعدْ ُل تقويمك اليشء باليشء من غري جنسه جتعله له ً‬
‫مثل‪ ،‬وال َعدْ ل‬
‫ِ‬
‫والعدْ ل وال َعديل سواء‪ ،‬أي‪ :‬النظري واملثيل»(((‪.‬‬
‫فالعدل باملعنى اللغوي هو التسوية واملامثلة واملوازنة‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫«العدل»‬
‫يمكن َح ْص معاين العدل ذات العالقة بالبحث يف معنيني‪:‬‬

‫((( (‪ )433 -430/11‬مادة (عدل)‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫األول‪ :‬التسوية‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قول الرازي‪« :‬العدل هو التسوية»(((‪،‬‬


‫وقول القاسمي‪« :‬وأصل العدل هو املساواة يف األشياء»(((‪.‬‬
‫التوسط والتوازن‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق ح َّقه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الثاين‪:‬‬
‫ومن ذلك ما أخرج الرتمذي يف صحيحه‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬عن‬
‫َ َ َ ٰ َ َ َ ۡ َ ٰ ُ ۡ ُ َّ ٗ َ َ ٗ‬
‫النبي ‪ ‬يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وكذل ِك جعلنكم أمة وسطا﴾ ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(((‬

‫(( ً‬
‫عدل‪ ،‬الوسط العدل))(((‪.‬‬
‫وقال ابن حزم‪« :‬هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه»(((‪.‬‬
‫املتوسط بني اإلفراط والتّفريط»(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫اجلرجاين‪« :‬العدل‪ :‬األمر‬
‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫وقال ابن كثري‪« :‬هو القسط واملوازنة»(((‪.‬‬
‫َِ‬
‫طرف‬ ‫وقال السيوطي‪« :‬العدل‪ :‬هو الرصاط املستقيم املتوسط بني‬
‫اإلفراط والتفريط املو َمى به إىل مجيع الواجبات يف االعتقاد واألخالق‬
‫والعبودية»(((‪.‬‬

‫مفاتيح الغيب (‪.)479/12‬‬ ‫(((‬


‫حماسن التأويل (‪.)179/3‬‬ ‫(((‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية‪.143 :‬‬ ‫(((‬
‫كتاب التفسري‪ ،‬باب سورة البقرة (‪.)207/5‬‬ ‫(((‬
‫مداواة النفوس ص(‪.)81‬‬ ‫(((‬
‫التعريفات‪ ،‬للجرجاين (‪.)153‬‬ ‫(((‬
‫تفسري ابن كثري (‪.)595/4‬‬ ‫(((‬
‫اإلتقان يف علوم القرآن (‪.)182/3‬‬ ‫(((‬

‫‪576‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وقال السعدي يف تعريفه‪َ « :‬ب ْذل احلقوق الواجبة‪ ،‬وتسوية املستح ِّقني يف‬
‫حقوقهم»(((‪.‬‬
‫وعرفه ابن عاشور بأنه‪« :‬مساواة بني الناس أو بني أفراد األمة يف تعيني‬
‫َّ‬
‫األشياء ملستحقيها‪ ،‬ويف متكني كل ذي حق من ح ِّقه بدون تأخري»(((‪.‬‬
‫وقال أبو زهرة‪« :‬وهو إعطاء كل ذي حق ح َّقه»(((‪.‬‬
‫جمرد املساواة‪ ،‬وإن كان بينهام نوع‬ ‫وهو هبذا املعنى ‪-‬أي الثاين‪ُّ -‬‬
‫أدق من َّ‬
‫امتزاج‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬أقسام العدل‪:‬‬
‫قسم العلامء العدل باعتبارات متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫َّ‬
‫يتوجه إليه‪:‬‬
‫‪1.‬أقسام العدل باعتبار ما َّ‬
‫قسمني‪:‬‬
‫وينقسم هبذا االعتبار إىل َ‬
‫(أ) عدل اإلنسان يف نفسه‪:‬‬
‫قال املاوردي‪« :‬ويكون ذلك بحملها عىل املصالح‪ ،‬وك ِّفها عن القبائح‪،‬‬
‫جتاوز أو تقصري‪َّ ،‬‬
‫فإن التجاوز‬ ‫ُث َّم بالوقوف يف أحواهلا عىل أعدل َ‬
‫األمرين؛ من ُ‬

‫((( الرياض النارضة واحلدائق النرية الزاهرة‪ ،‬لعبد الرمحن بن نارص السعدي ص(‪.)253‬‬
‫((( أصول النظام االجتامعي ص(‪.)186‬‬
‫((( زهرة التفاسري (‪.)4251/8‬‬

‫‪577‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫فيها َج ْور‪ ،‬والتقصري فيها ظلم‪ ،‬و َمن ظلم نفسه فهو لغريه أظلم‪ ،‬ومن جار‬
‫أج َور»(((‪.‬‬
‫عليها فهو عىل غريه ْ‬
‫(ب) عدل اإلنسان مع غريه‪:‬‬
‫قال املاوردي‪« :‬وهو عىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬عدل اإلنسان فيمن دونه‪ :‬كالسلطان يف رع َّيته‪ ،‬والرئيس‬
‫مع صحابته‪ ،‬فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء‪ :‬باتِّباع امليسور‪ ،‬وحذف‬
‫املعسور‪ ،‬وت َْرك التّس ُّلط بالقوة‪ ،‬وابتغاء ِّ‬
‫احلق يف السرية‪.‬‬
‫كالرع َّية مع سلطاهنا‪،‬‬‫َّ‬ ‫القسم ال َّثاين‪َ :‬عدْ ل اإلنسان مع َمن فوقه‪:‬‬
‫والصحابة مع رئيسها‪ ،‬ويكون ذلك بثالثة أشياء‪ :‬بإخالص ال َّطاعة‪ ،‬و َب ْذل‬
‫وصدْ ق الوالء‪.‬‬‫النُّرصة‪ِ ،‬‬

‫القسم ال ّثالث‪ :‬عدل اإلنسان مع أكفائه‪ :‬ويكون بثالثة أشياء‪ْ َ :‬‬


‫بتك‬
‫وكف األذى»(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫االستطالة‪ ،‬وجمانبة اإلدالل(((‪،‬‬
‫‪2.‬أقسام العدل من حيث الظهور واخلفاء‪:‬‬
‫وينقسم هبذا االعتبار إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫(أ) ظاهر‪:‬‬

‫((( أدب الدنيا والدين ص(‪.)140‬‬


‫((( جاء يف لسان العرب (‪« :)247/11‬أدل عليه وتد ّلل‪ :‬انبسط‪ .‬وقال ابن دريد‪ّ :‬‬
‫أدل‬
‫عليه وثق بمح َّبته فأفرط عليه»‪.‬‬
‫((( أدب الدنيا والدين ص(‪.)140‬‬

‫‪578‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫«فمن العدل فيها ما هو ظاهر‪ ،‬يعرفه كل أحد بعقله‪،‬‬‫قال ابن القيم‪ِ :‬‬
‫كوجوب تسليم الثمن عىل املشرتي‪ ،‬وتسليم املبيع عىل البائع للمشرتي‪،‬‬
‫وحتريم تطفيف املكيال وامليزان‪ ،‬ووجوب الصدق والبيان‪ ،‬وحتريم الكذب‬
‫واخليانة والغش‪ ،‬وأن جزاء القرض الوفاء واحلمد»(((‪.‬‬
‫(ب) خفي‪:‬‬
‫َ‬
‫‪-‬أهل‬ ‫قال ابن القيم‪« :‬ومنه ما هو َخ ِف ُّي‪ ،‬جاءت به الرشائع أو رشيعتنا‬
‫اإلسالم‪ -‬فإن عامة ما هنى عنه الكتاب والسنة من املعامالت يعود إىل حتقيق‬
‫وج ِّله‪ ،‬مثل َأكْل املال بالباطل‪ ،‬وجنسه من‬‫العدل‪ ،‬والنهي عن الظلم؛ ِد ِّقه ِ‬
‫الربا وامليرس‪ ،‬وأنواع الربا وامليرس التي هنى عنها النبي ‪ :‬مثل‬
‫حل َبلة‪ ،‬وبيع الطري يف اهلواء‪ ،‬والسمك يف املاء‪ ،‬والبيع‬ ‫بيع الغرر‪ ،‬وبيع َح َبل ا َ‬
‫صاة‪ ،‬وبيع املد ّلس‪ ،‬واملالمسة‪ ،‬واملنابذة‪،‬‬ ‫أجل غري مسمى‪ ،‬وبيع ا ُمل َ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل‬
‫واملزابنة‪ ،‬واملحاقلة‪ ،‬والنَّجش‪ ،‬وبيع الثمر قبل ُبدُ ِّو صالحه‪ ،‬وما ُ ِني عنه‬
‫من أنواع املشاركات الفاسدة‪ ،‬كاملخابرة َبز ْرع بقعة بعينها من األرض»(((‪.‬‬
‫(ج) متنازع فيه‪:‬‬
‫تنازع فيه املسلمون خلفائه واشتباهه‪،‬‬‫قال ابن القيم‪« :‬ومن ذلك ما قد َ‬
‫فقد يرى هذا العقد والقبض صحيحا ً‬
‫عدل‪ ،‬وإن كان غريه يرى فيه َج ْو ًرا‬
‫ً َ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُْ‬
‫ٱلرسول وأو ِل‬ ‫يوجب فساده‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬أطِيعوا ٱلل وأطِيعوا َّ‬

‫((( السياسة الرشعية يف إصالح الراعي والرعية ص(‪.)124‬‬


‫((( املرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪579‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ٱلر ُسول إن ُك ُ‬
‫نتمۡ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُّ ُ َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ۡ َ َََٰ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ٱللِ َو َّ‬ ‫ٱلم ِر مِنكمۖ فإِن تنزعتم ِف شءٖ فردوه إِل‬
‫ِ ِ‬ ‫َ َ َ ۡ ‪َۡ َ ۡ َ ٞ‬‬
‫ً‬ ‫َ َّ ۡ‬ ‫ُۡ‬
‫تؤم ُِنون بِٱللِ َوٱلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِرۚ ذٰل ِك خي َوأحس ُن تأوِيل‪. » ﴾59‬‬
‫((( (((‬

‫‪3.‬أقسام العدل من حيث اإلطالق والتقييد‪:‬‬


‫قسمني‪:‬‬
‫ينقسم هبذا االعتبار إىل َ‬
‫ً‬
‫منسوخا يف يشء من‬ ‫ُ‬
‫العقل ُح ْسنَه‪ ،‬وال يكون‬ ‫‪1.‬عدل مطلق‪ :‬يقتيض‬
‫جل ْور يف حال‪ ،‬وذلك هو اإلحسان إىل َمن أحسن‪،‬‬ ‫األزمنة‪ ،‬وال يوصف با َ‬
‫َف أذاه‪.‬‬
‫َف األذية عمن ك َّ‬
‫وك ّ‬
‫ً‬
‫منسوخا‬ ‫عدل بالرشع‪ ،‬ويمكن أن يكون‬ ‫‪2.‬عدل مقيد‪ :‬يعرف كونه ً‬
‫يف بعض األحوال واألزمنة‪ ،‬وذلك مثل مقابلة السوء بمثله‪ ،‬كأحوال‬
‫ْ‬
‫وكأخذ مال املرتد(((‪.‬‬ ‫القصاص‪ ،‬و ُأ ُروش اجلنايات‪،‬‬
‫يصح أن يوصف عىل املجاز يف‬ ‫ُّ‬ ‫قال الراغب األصفهاين‪« :‬وهذا النحو‬
‫ُ‬ ‫‪ۡ ٞ‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫زؤا َس ّي ِ َئ ٖة َس ّي ِ َئة ّمِثل َها﴾(((‪،‬‬ ‫جل ْور‪ ،‬ولذلك قال تعاىل‪﴿ :‬وج ٰٓ‬
‫بعض األحوال با َ‬
‫ربا بالسيئة املتقدِّ مة‬ ‫فسمى جزاء السيئة سيئة من حيث إنه لو مل يكن معت ً‬
‫كانت هي سيئة»(((‪.‬‬
‫‪3.‬أقسام العدل من حيث االستطاعة عليه‪:‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬آية‪.59 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬السياسة الرشعية يف إصالح الراعي والرعية ص(‪.)124‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬الذريعة إىل مكارم الرشيعة ص(‪.)250‬‬ ‫(((‬
‫سورة الشورى‪ ،‬آية‪.40 :‬‬ ‫(((‬
‫الذريعة إىل مكارم الرشيعة ص(‪.)251-250‬‬ ‫(((‬

‫‪580‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ينقسم العدل باعتبار االستطاعة عليه وعدمها إىل قسمني‪ :‬عدل‬


‫مستطاع‪ ،‬وعدل غري مستطاع؛ إذ العدل الكامل ‪-‬كام يقول ابن تيمية‪ -‬قد‬
‫متعذ ًرا من جهة العلم به‪ ،‬أو من جهة العمل به‪ ،‬فيكون الواجب‬‫ِّ‬ ‫يكون‬
‫عندئذ ما كان أشبه بالعدل وأقرب إليه(((‪.‬‬
‫ً‬
‫وعمل‪ ،‬ولكن‬ ‫علم‬ ‫قال ابن تيمية‪« :‬والعدل املحض يف كل يشء ِّ‬
‫متعذ ٌر ً‬
‫األمثل فاألمثل»(((‪.‬‬
‫ويتَّضح هذا التقسيم َج ِل ًّيا يف تأكيد الرشيعة عىل العدل بني الزوجات‪،‬‬
‫ََ‬
‫﴿ولن‬ ‫ثم بيان أن العدل غري مستطاع ولو مع احلرص‪ ،‬كام قال تعاىل‪:‬‬
‫ََُۡ ْ‬ ‫َ َ ۡ ُ ۡ (((‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ َ ُ ْٓ َ َ ۡ ُ ْ َۡ َ ّ َ ٓ َ َ‬
‫تست ِطيعوا أن تعدِلوا بي ٱلنِساءِ ولو حرصتم﴾ ‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وأوفوا‬
‫َّ‬ ‫ۡ ََۡ َ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ُ َ ُّ َۡ‬
‫ط ل نكل ِف نف ًسا إِل ُو ۡس َع َها﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلكيل وٱل ِمزيان بِٱل ِقس ِ ۖ‬
‫وكذا عموم أدلة الرشيعة التي أمرت بالتسديد واملقاربة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف «نظام اإلجراءات الجزائية»‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬تعريف «النظام» يف اللغة‪ ،‬ويف اصطالح القانونيني‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪« :‬النِّظام» يف اللغة‪:‬‬
‫مصدر من َن َظم ينْ ُظم نِ َظا ًما‪ ،‬ومجعه‪ُ :‬ن ُظم‪ ،‬وأنظمة‪ ،‬وأناظِيم‪.‬‬

‫انظر‪ :‬االستقامة (‪.)435/1‬‬ ‫(((‬


‫جمموع الفتاوى‪.)99/10( ،‬‬ ‫(((‬
‫سورة النساء‪ ،‬آية‪.129 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األنعام‪ ،‬آية‪.152 :‬‬ ‫(((‬

‫‪581‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫يقال‪َ :‬ن َظم اللؤلؤ‪ ،‬أي‪ :‬مجعه يف سلك واحد فانتظم‪.‬‬


‫والنظام‪ :‬الطريقة واالتساق(((‪.‬‬
‫فاملعنى اللغوي للنظام يدل عىل التأليف واجلمع واالتساق‪.‬‬
‫ثان ًيا‪« :‬النظام» يف اصطالح القانونيني‪:‬‬
‫ُع ِّرف «النظام» بتعريفات كثرية لدى القانونيني‪ ،‬مفادها أنه‪« :‬جمموعة‬
‫األُ ُسس السياسية‪ ،‬واالجتامعية‪ ،‬واالقتصادية التي يقوم عليها ُّ‬
‫جتم ٌع ما يف‬
‫ٍ‬
‫زمن ما»(((‪.‬‬
‫وهو يف اململكة العربية السعودية عىل درجات؛ أعالها «النظام األسايس‬
‫للحكم»‪ ،‬ثم األنظمة األساسية األخرى‪ ،‬ثم األنظمة العامة‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬التعريف باإلجراءات اجلزائية‪:‬‬
‫ُع ِّرفت اإلجراءات اجلزائية بتعريفات وصفية‪ ،‬فقيل‪ :‬هي‪« :‬جمموعة‬
‫القواعد الرشعية والنظامية التي تن ِّظم عملية الكشف عن اجلرائم والتحقيق‬
‫فيها‪ ،‬وتع ُّقب مرتكبيها وحماكمتهم‪ ،‬وكيفية حتقيق العقوبة يف حقهم ‪-‬يف‬
‫حال إدانتهم بارتكاب جريمة جنائية‪ ،-‬وتقدِّ م يف الوقت ذاته احلامية الالزمة‬
‫لألفراد؛ لضامن عدم إساءة معاملتهم‪ ،‬أو إدانتهم خطأ»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬تاج العروس‪ ،)497/33( ،‬ولسان العرب‪ ،)578/12( ،‬مادة (ن ظ م)‪.‬‬
‫((( السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪ .‬حممد املرزوقي‪ ،‬ص(‪.)83‬‬
‫((( رشح نظام اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬للدكتور عبد احلميد احلرقان‪ ،‬ص(‪.)7‬‬

‫‪582‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وقيل‪ :‬هي‪« :‬جموعة من القواعد التي تسنُّها الدولة‪ ،‬أو أي جمموعة‬


‫منظمة لكي تؤدي إىل اكتشاف اجلريمة‪ ،‬وتع ُّقب املجرمني للوصول إليهم‪،‬‬
‫والتحقيق معهم‪ ،‬ومن ثم حماكمتهم‪ ،‬وتنفيذ ما يصدر بحقهم من عقوبة»(((‪.‬‬
‫وقيل‪« :‬القواعد التي تتوىل حتديد اجلرائم والعقوبات املنصوص عليها‬
‫يف قانون العقوبات‪ ،‬واإلجراءات الواجبة االتباع منذ حلظة ارتكاب اجلريمة‬
‫إىل حني إيقاع العقاب بمرتكبها»(((‪.‬‬
‫والتعريفات فيام يظهر متقاربة‪ ،‬هتدف إىل توضيح موضوع اإلجراءات‬
‫اجلزائية‪ ،‬وهو تنظيم نشاط سلطات الدولة الناشئ عن ارتكاب جريمة عىل‬
‫أرضها‪ ،‬وبيان اهلدف منها‪ ،‬وهو حتقيق العدالة اجلنائية‪ ،‬غري أن التعريف‬
‫األول أكثر التصا ًقا بـ«نظام اإلجراءات اجلزائية» السعودي الذي هو حمل‬
‫البحث؛ وذلك أنه نص عىل القواعد الرشعية‪ ،‬فهو يقنِّن حقيقة االستناد‬
‫إىل الرشيعة اإلسالمية يف األنظمة السعودية؛ فقد استفتح «النظام األسايس‬
‫للحكم» يف اململكة العربية السعودية يف بابه األول ومادته األوىل باإلعالن‬
‫عىل أن دين الدولة هو اإلسالم‪ ،‬ون ََّصت عىل أن دستورها((( كتاب اهلل وسنة‬
‫رسوله‪.‬‬
‫ل وحتليلً‪ ،‬رمسيس هبنام‪ ،‬ص(‪.)5‬‬ ‫((( اإلجراءات اجلنائية تأصي ً‬
‫((( املدخل إىل علم القانون‪ ،‬عباس الرصاف‪ ،‬ص(‪.)39-34‬‬
‫َ‬
‫شكل الدّ ولة ونظا َم احلكم‬ ‫تبي‬ ‫ِ‬
‫القواعد األساس ّية التي ِّ‬ ‫((( والدستور هو‪« :‬جمموعة من‬
‫فيها‪ ،‬ومدى ُس ْلطتها إزاء األفراد‪ ،‬وحقوق املواطنني يف الدَّ ولة»‪ .‬انظر‪ :‬معجم اللغة‬
‫معربة ومجعها دساتري‪ ،‬جاء يف‬ ‫العربية املعارصة‪ ،)743/1( ،‬والدستور هو‪ :‬كلمة َّ‬
‫معربة‪ ،‬وهي حني ُع ِّربت عن األصل‬ ‫معجم الصواب اللغوي‪« :)371/1( ،‬الكلمة َّ‬
‫الفاريس ( ُد ْستور) ُض َّم حرفها األول ليوافق أوزان العرب‪ ،‬نحو‪ْ ُ :‬ب ُلول ُ ْ‬
‫وج ُهور‬

‫‪583‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫مستمدَّ ة من الكتاب‬
‫َ‬ ‫وهذا يعني أن القواعد األساسية للدولة وأنظمتها‬
‫والسنة‪ ،‬وهذا ما تؤكِّده املادة السابعة من ذات النظام بالنص؛ حيث جاء‬
‫فيها‪« :‬يستمد احلكم يف اململكة العربية السعودية سلطته من كتاب اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وسنة رسوله‪ ،‬ومها احلاكامن عىل هذا النظام ومجيع أنظمة الدولة»‪ ،‬وجاء يف‬
‫املادة الثالثة والعرشين‪« :‬وتطبق رشيعته ‪-‬أي اإلسالم‪.»-‬‬
‫ويف املادة الثامنة من «النظام األسايس للحكم»‪« :‬يقوم احلكم يف اململكة‬
‫العربية السعودية عىل أساس العدل والشورى واملساواة وفق الرشيعة‬
‫اإلسالمية»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة السادسة والعرشين‪« :‬حتمي الدولة حقوق اإلنسان وفق‬
‫الرشيعة اإلسالمية»‪.‬‬
‫كام نص النظام يف املادة السابعة واخلمسني عىل مسؤولية َمن يع ِّينهم‬
‫امللك عن تطبيق الرشيعة‪ ،‬وفيها‪ُ « :‬يعترب نواب رئيس جملس الوزراء‪،‬‬
‫والوزراء األعضاء بمجلس الوزراء‪ ،‬مسئولني بالتضامن أمام امللك عن‬
‫تطبيق الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬واألنظمة‪ ،‬والسياسة العامة للدولة»‪.‬‬

‫وخ ْرطوم‪ ،‬ومن اجلائز أن حتتفظ بفتح الدال ‪-‬بحسب األصل‪ -‬كام حيدث‬ ‫و ُع ْرقوب ُ‬
‫يف نطق كثري من الكلامت الدخيلة»‪ ،‬وجاء يف معجم متن اللغة‪ُ « :)409/2( ،‬أولعت‬
‫العامة بإطالقه عىل معنى اإلذن واإلجازة‪ ،‬فإذا قال الرجل لصاحبه‪ :‬دستور‪ ،‬كان‬
‫مراده أستأذن منك‪ ،‬ولكن املعنى الذي غلب هذه املعاين هلذا اللفظ عند كل كتَبة‬
‫العربية ورجال حكوماهتا هو إطالقه عىل نظام تأسيس الدولة يف الدول املق ّيدة ذات‬
‫احلكم الشوري تبني عليه وال تتعدّ اه يف كل أعامهلا وسائر قوانينها»‪.‬‬

‫‪584‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التعريف بالتحقيق الجنائي والجهة المختصة به‪:‬‬

‫ُع ِّرف التحقيق اجلنائي بتعريفات كثرية متقاربة‪ ،‬مفادها أنه‪« :‬جمموعة‬
‫اإلجراءات التي تبارشها سلطة التحقيق ضمن اإلطار الذي رسمه النظام‬
‫هبدف البحث والتنقيب عن األدلة التي تساعد عىل كشف احلقيقة يف جريمة‬
‫ارت ِ‬
‫ُك َبت؛ لتحديد مدى كفايتها إلحالة املتهم إىل املحاكمة»(((‪.‬‬
‫واجلهة املختصة بالتحقيق يف اجلرائم يف اململكة العربية السعودية هي‬
‫النيابة العامة وف ًقا للامدة الثالثة من نظامها(((‪.‬‬
‫والنيابة هي‪ :‬جهاز قضائي مستقل‪ ،‬خيتص بالتحقيق‪ ،‬ويقوم بالعمل فيه‬
‫حم ِّققون جنائيون تتمتع أعامهلم بالصفة القضائية‪ ،‬وهلم احلصانة القضائية(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬رشح قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬حممود حسني‪ ،‬ص(‪.)501‬‬


‫((( انظر‪ :‬نظام هيئة التحقيق واالدعاء العام‪ ،‬املادة الثالثة‪ ،‬موقع النيابة العامة‪:‬‬
‫‪https://www.pp.gov .sa/actualites/313#313.‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظام هيئة التحقيق واال ِّدعاء العام‪ ،‬املادة اخلامسة‪ ،‬األمر امللكي لرقم‪ :‬أ‪،240/‬‬
‫التاريخ‪1438/9/22 :‬هـ‪.‬‬

‫‪585‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫المبحث األول‬
‫مقصدا من مقاصد الشريعة‬
‫ً‬ ‫اعتبار العدل‬
‫المطلب األول‪ :‬االتجاهات في تسمية المقصد‪:‬‬

‫بالتأمل يف كتابات املح ِّققني نلحظ وجود اجتاهني عند العلامء يف تسمية‬
‫املقصد؛ فمنهم َمن جعل املقصد هو املساواة‪ ،‬واخلروج من هذا األصل إنام‬
‫هو ملوانع‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪« :‬واملساواة يف الترشيع أصل ال يتخ َّلف إال عند وجود‬
‫مانع»(((‪.‬‬
‫وممن اختار التسمية باملساواة ابن عاشور(((‪ ،‬وعالل الفايس(((‪.‬‬
‫وبناء عىل هذا فاألصل وجوب املساواة إال يف بعض املواضع املستثناة‪،‬‬
‫حرر ابن عاشور فرو ًقا يمتنع معها اعتبار املساواة واالعتداد هبا؛ وذلك‬ ‫وقد َّ‬
‫معتبة‪ ،‬وهذه املوانع أو العوارض متى حت َّققت أوجبت‬ ‫ِ‬
‫متى ُوجدَ ت موانع َ‬
‫إلغاء ُحكم املساواة؛ وأنواع املوانع أربعة‪:‬‬
‫‪1.‬املوانع ِ‬
‫اجلبِ ِّل ّية‪:‬‬
‫للرجل فيام تقرص فيه عنه بموجب أصل ِ‬
‫اخل ْلقة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كمنع مساواة املرأة‬
‫ومنها منع مساواة الرجل للمرأة يف حق كفالة الصغار‪.‬‬

‫((( مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)127/2( ،‬‬


‫((( املرجع السابق الصفحة نفسها‬
‫((( مقاصد الرشيعة ومكارمها‪ ،‬ص(‪.)232‬‬

‫‪586‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫‪2.‬املوانع الرشعية‪:‬‬
‫وهي ما كان سببها تعيني الرشع‪ ،‬والترشيع احلق ال يكون إال مستندً ا إىل‬
‫معتبة(((‪.‬‬
‫حكمة أو علة َ‬
‫‪3.‬املوانع االجتامعية‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معان معقولة‪ ،‬أو عىل‬ ‫وأكثرها ما ُبنِي عىل ما فيه صالح املجتمع‪ ،‬أو عىل‬
‫ما اعتاده الناس‪ ،‬وتواضعوا عليه‪ ،‬فأصبح ً‬
‫أصل هلم يعتمدونه ويتعاملون‬
‫به‪.‬‬
‫‪4.‬املوانع السياسية‪:‬‬
‫وهي األحوال التي تؤ ِّثر يف سياسة األمة‪ ،‬فتقتيض إبطال ُحكم املساواة‬
‫بني أصناف أو أشخاص‪ ،‬أو يف أحوال خاصة‪ ،‬مراعا ًة لتحقيق مصلحة من‬
‫مصالح األمة(((‪.‬‬
‫وجعل بعض املح ِّققني أن األصل واملقصد هو العدل الذي هو إعطاء‬
‫كل ذي حق ح َّقه‪ ،‬وقد يكون احلق أحيانًا يف املساواة‪ ،‬وقد يكون يف التفريق‪،‬‬
‫ولذا أنكروا عىل َمن يقول‪ :‬اإلسالم دين املساواة؛ قال ابن عثيمني يف تفسري‬

‫((( وقد يكون هذا حمل اتفاق بني العلامء‪ ،‬وقد يكون حمل خالف؛ كخالفهم يف التسوية بني‬
‫األوالد يف العطايا‪ ،‬عدم التسوية بني ملك اليمني يف القسم‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬انظر‪ :‬الدر‬
‫املختار وحاشية ابن عابدين‪ ،)696/5( ،‬املعونة عىل مذهب عامل املدينة ص(‪،)1616‬‬
‫أسنى املطالب يف رشح روض الطالب‪ ،)230/3( ،‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين‬
‫ألفاظ املنهاج‪.)567/3( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)129/2( ،‬‬

‫‪587‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫َ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ل ي َ ۡس َتوِي مِنكم َّم ۡن أنف َق مِن ق ۡب ِل ٱلف ۡتحِ َوق ٰ َتل﴾(((‪« :‬دين‬
‫اإلسالم دين العدل يف العمل واجلزاء‪ .... ،‬إنك لن جتد يف القرآن كلمة‬
‫املساواة بني الناس‪ ،‬بل ال بد من فرق‪ ،‬بل أكثر ما يف القرآن نفي املساواة‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ َ ۡ َ ُ َ َ َّ َ َ‬ ‫ُۡ َۡ‬
‫ِين ل َي ۡعل ُمون﴾((( وآيات كثرية‪،‬‬ ‫﴿قل هل ي َ ۡس َتوِي ٱلِين يعلمون وٱل‬
‫فاحذر أن تتابع فتكون كالذي ينعق بام ال يسمع إال دعاء ونداء‪ ،‬بدل من‬
‫أن تقول‪( :‬الدين اإلسالمي دين مساواة) قل‪( :‬دين العدل الذي أمر اهلل به‪،‬‬
‫يعطي كل ذي حق حقه)‪ ... ،‬والذين ينطقون بكلمة (مساواة) إذا َّقررنا هذا‬
‫وأنه من القواعد الرشعية اإلسالمية ألزمونا باملساواة يف هذه األمور‪ ،‬وإال‬
‫لصنا متناقضني‪ ،‬فنقول‪ :‬دين اإلسالم هو دين العدل‪ ،‬يعطي كل إنسان ما‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫يستحق‪ ...‬واخلالصة أن التعبري بأن دين اإلسالم دين املساواة غلط وليس‬
‫بصحيح‪ ،‬بل هو دين العدل وال شك»(((‪.‬‬
‫ويقول أبو زهرة‪« :‬وليس العدل يف حقيقته كام هو يف اإلسالم؛ هو‬
‫عدل‪ ،‬ومنها ما يكون‬‫املساواة يف كل صورها‪ ،‬بل إن من املساواة ما يكون ً‬
‫ظلم‪ ،‬فاملساواة حيث ختتلف األسباب واألعامل وقوة اإلنتاج ظلم كل الظلم‬
‫ً‬
‫‪ ...‬وليس العدل أن يكون الناس سواء يف الغنى والفقر؛ ألهنام ثمرتان يف‬
‫تفاوت‪ ،‬وتفاوت الفرص واختالف املقادير‪ ،‬إذن فالتفاوت‬ ‫أكثر أحواهلام ُ‬
‫بني الناس يف الغنى والفقر من احلقائق الثابتة التي ال يمكن حموها من‬
‫الوجود‪ ،‬ولذلك اعرتف القرآن هبذه احلقيقة‪ ،‬ومل حياول الرشع اإلسالمي‬
‫((( سورة احلديد‪ ،‬آية‪.10 :‬‬
‫((( سورة الزمر‪ ،‬آية‪.9 :‬‬
‫((( تفسري العثيمني‪ :‬احلجرات ‪ -‬احلديد‪ ،‬ص(‪.)384‬‬

‫‪588‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫س َّن نظام املساواة بني األغنياء الفقراء يف الثمرات والنتائج املالية‪ ،‬ولكنه‬
‫يرخص نفس الفقري‪ ،‬وجعل‬ ‫عالج الفقر بتخفيف ويالته‪ ،‬ومنعه من أن ِّ‬
‫للفقري كل احلقوق اإلنسانية والقانونية والسياسية واالجتامعية التي للغني‬
‫عىل سواء‪.‬‬
‫ومهام يكن أمر التالزم بني العدالة واملساواة‪ ،‬أو االنفكاك الفكري‬
‫املقرر أن املساواة القضائية والقانونية والسياسية ركن من‬ ‫بينهام‪ ،‬فإن من َّ‬
‫سوى القرآن بني الرشيف‬ ‫أركان العدالة‪ ،‬وجزء من حقيقتها‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫النسيب والضعيف يف األحكام القضائية‪ ،‬واعترب القضاء الذي َي ِكيل للناس‬
‫بكي َلني ُح ً‬
‫كم جاهل ًّيا»(((‪.‬‬
‫وممن اختار التسمية بالعدل الشيخ حممد الغزايل(((‪ ،‬ود‪ .‬حممد عامرة(((‪،‬‬
‫ومجلة من العلامء والباحثني(((‪.‬‬
‫وسواء قلنا‪ :‬إن املقصد هو املساواة‪ ،‬وما خرج منها فهو ملوانع معتربة‪،‬‬
‫إن بمساواة‬‫أو قلنا‪ :‬إن األصل هو العدل‪ ،‬بمعنى إعطاء كل ذي حق ح َّقه؛ ْ‬
‫أو بتفرقة‪ ،‬فال يعدو أن يكون خال ًفا يف املصطلح؛ فإن َمن َس َّم ْوه باملساواة‬
‫تبي معنا يف كالم ابن عاشور املتقدِّ م‪ ،‬غري أن‬ ‫مل يقولوا به عىل إطالقه كام َّ‬
‫واستقرارا فيام يظهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫تسميته بمقصد العدل أكثر ا ِّطرا ًدا‬
‫رشيعة القرآن من دالئل إعجازه‪ ،‬ص(‪.)70-69‬‬ ‫(((‬
‫ل عن املدخل إىل مقاصد الرشيعة من‬‫سمنار األولويات الرشعية‪ ،‬ص(‪ ،)14-13‬نق ً‬ ‫(((‬
‫األصول النصية إىل اإلشكاالت املعارصة‪ ،‬حرز اهلل‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،‬ص(‪.)49‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ونحو تفعيل مقاصد الرشيعة‪ ،‬ص(‪ )91‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪589‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫المطلب الثاني‪ :‬موضع مقصد العدل من التقسيمات المشهورة‬


‫للمقاصد‪:‬‬

‫قسم العلامء املقاصد الرشعية بعدة اعتبارات‪ ،‬أشهرها‪:‬‬


‫َّ‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أقسام املقاصد باعتبار املصالح التي جاءت الرشيعة برعايتها‪:‬‬
‫وتنقسم إىل مقاصد رضورية‪ ،‬وحتسينية‪ ،‬وحاجية‪ ،‬ويلتحق هبذه الثالثة‬
‫املقاصد التكميلية‪.‬‬
‫عرفها الشاطبي‪« :‬ما ال بد منها يف قيام مصالح‬ ‫فاملقاصد الرضورية كام َّ‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا ُفقدت مل َ ْت ِر مصالح الدنيا عىل استقامة‪ ،‬بل عىل‬
‫وهتارج((( و َف ْوت حياة‪ ،‬ويف األخرى َف ْوت النجاة والنعيم‪ ،‬والرجوع‬
‫ُ‬ ‫فساد‬
‫باخلرسان املبني»(((‪.‬‬
‫وعرفها ابن عاشور بقوله‪« :‬هي التي تكون األمة بمجموعها وآحادها‬‫َّ‬
‫يف رضورة إىل حتصيلها‪ ،‬بحيث ال يستقيم النظام باختالهلا‪ ،‬بحيث إذا‬
‫ٍ‬
‫وتالش»(((‪.‬‬ ‫انخرمت تؤول حالة األمة إىل فساد‬
‫واملقاصد احلاجية‪:‬‬
‫وهي املصالح التي ُي ْفت َقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق املؤدي‬
‫يف الغالب إىل احلرج واملشقة الالحقة بفوت املطلوب(((‪ ،‬وحتتاج األمة إليها‬
‫أي‪ :‬فتن وقتال‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،)389/2( ،‬مادة (هـ ر ج)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫(((‬
‫املوافقات‪.)17/2( ،‬‬ ‫(((‬
‫مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)232/3( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪.)21/2( ،‬‬ ‫(((‬

‫‪590‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ٍ‬
‫وجه َح َس ٍن‪ ،‬بحيث لوال مراعاهتا ملا‬ ‫القتناء مصاحلها وانتظام أمورها عىل‬
‫فسد النظام‪ ،‬ولكنه يصري إىل حالة غري منتظمة(((‪.‬‬
‫املقاصد التحسينية‪:‬‬
‫ِ‬
‫واحلاج ِّي‪ ،‬وهي ما ال يتعلق هبا‬ ‫وتأيت يف املرتبة الثالثة بعد الرضوري‬
‫رضورة خاصة وال حاجة عامة‪ ،‬ولكنه يلوح فيها غرض يف َج ْلب َمك ُْرمة‪،‬‬
‫أو يف نفي نقيض هلا(((‪.‬‬
‫قال الطاهر ابن عاشور‪« :‬واملصالح التحسينية هي عندي ما كان هبا كامل‬
‫حال األمة يف نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة‪ ،‬وهلا هبجة منظر املجتمع يف‬
‫مرأى بقية األمم‪ ،‬حتى تكون األمة اإلسالمية مرغو ًبا يف االندماج فيها‪ ،‬أو‬
‫مدخل يف ذلك‪ ،‬سواء كانت عادات‬ ‫ً‬ ‫يف التقرب منها‪ ،‬فإن ملحاسن العادات‬
‫عامة؛ كسرت العورة‪ ،‬أم خاصة ببعض األمم؛ كخصال الفطرة‪ ،‬وإعفاء‬
‫اللحية‪ ،‬واحلاصل أهنا مما تُرا َعى فيها املدارك الراقية البرشية»(((‪.‬‬
‫وأما ُمك َِّمالت املقاصد فقد أفردها الشاطبي بعد ذكره املراتب الثالثة‬
‫عىل استقالل‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬البن عاشور‪ ،‬ص(‪ ،)241‬وانظر‪ :‬ضوابط املصلحة‬
‫يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬ص(‪.)111‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربهان يف أصول الفقه‪.)79/2( ،‬‬
‫أيضا يف ذلك‪ :‬ضوابط‬
‫((( مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬البن عاشور‪ ،‬ص(‪ ،)241‬وانظر ً‬
‫املصلحة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬ص(‪.)111‬‬

‫‪591‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫وقال‪« :‬كل مرتبة من هذه املراتب ينضم إليها ما هو كالتتمة والتكملة‬


‫مما لو فرضنا َف ْقدَ ه مل ُ ِ‬
‫ي َّل بحكمته األصلية»(((‪.‬‬
‫وقد أشكل عىل بعض املعارصين عدم اشتامل هذه التقسيامت عىل‬
‫وخصوصا يف هذا العرص‪ ،‬ومن ذلك مقصد‬ ‫ً‬ ‫املقاصد التي حتتاجها األمة‪،‬‬
‫العدل‪ ،‬فمن ذلك دعوة الغزايل إىل الزيادة عىل األصول اخلمسة (الدين‪،‬‬
‫النفس‪ ،‬العقل‪ ،‬العرض‪ ،‬املال)‪ ،‬قال‪« :‬ما املانع من أن أستفيد من جتارب‬
‫أربعة عرش قرنًا يف األمة اإلسالمية؟ ‪ ...‬ولقد وجدت أن القرون أ َّدت‬
‫إىل نتائج ُم َّرة؛ لفساد احلكم؛ إذ يمكنني أن أضيف إىل األصول اخلمسة‪:‬‬
‫ََ‬
‫وخصوصا أن عندي القرآن الكريم الذي يقول‪﴿ :‬لق ۡد‬ ‫ً‬ ‫احلرية‪ ،‬والعدالة‪،‬‬
‫ان ِلَ ُق َ‬
‫وم ٱنلَّاسُ‬ ‫ۡ‬
‫َٰ َ َ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َۡ َ َۡ ُ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت وأنزلا معهم ٱلكِتب وٱل ِمزي‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫أرسلنا رسلنا بِٱليِن ِ‬
‫ۡ‬
‫ٱلق ۡ‬
‫النبوات كلها‪ ،‬قد تكون األصول‬ ‫َّ‬ ‫هدف‬ ‫العدالة‬ ‫فكأن‬ ‫‪،‬‬‫(((‬
‫﴾‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫بِ‬
‫اخلمسة ضوابط للقضايا الفرعية عندنا‪ ،‬لكن لكي نضبط نظام الدولة ال بد‬
‫من ضامن للحريات»(((‪.‬‬
‫ورأى بعض املهتمني هبذا العلم أن املقاصد املتعلقة باملجتمع مل ُت ْع َط‬
‫متوج ًها للفرد بحفظ نفسه ودينه وعقله‬ ‫ِّ‬ ‫حقها‪ ،‬وأن النظر للمقاصد كان‬
‫وماله وعرضه‪ ،‬واقرتح بعضهم أن يضاف لتعريف املصلحة عند اإلمام‬

‫((( املوافقات‪.)24/2( ،‬‬


‫((( سورة احلديد‪ ،‬آية‪.25 :‬‬
‫((( سمنار األولويات الرشعية‪ ،‬ص(‪ ،)14-13‬نق ً‬
‫ل عن املدخل إىل مقاصد الرشيعة من‬
‫األصول النصية إىل اإلشكاالت املعارصة‪ ،‬حلرز اهلل‪ ،‬ص(‪.)72‬‬

‫‪592‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫الغزايل‪ ،‬والذي ذكر فيه الرضوريات اخلمس(((‪ ،‬فقال‪« :‬ولو كان يل‬
‫أن أضيف إىل تعريف الغزايل للمصلحة لقلت مستخد ًما عبارته‪ :‬نعني‬
‫باملصلحة املحافظة عىل مقصود الرشع‪ ،‬ومقصود الرشع من اخللق أن‬
‫وع ْرضهم وأمنهم وحقوقهم‬ ‫حيفظ عليهم دينهم وعقلهم ونسلهم وماهلم ِ‬
‫وحرياهتم‪ ،‬وإقامة العدل والتكافل يف أمة نموذجية‪َّ ،‬‬
‫وكل ما ُي َي ِّس عليهم‬
‫ويتمم مكارم األخالق‪ ،‬وهيدهيم إىل التي هي‬ ‫حياهتم‪ ،‬ويرفع احلرج عنهم‪ِّ ،‬‬
‫أقوم يف األدب واألعراف والنُّ ُظم واملعامالت»(((‪.‬‬
‫حضورا ملقصد العدل‬
‫ً‬ ‫والراصد للكتابات املعارصة يف هذا العلم سيجد‬
‫عند كثري من املعارصين‪ ،‬إما رصاحة‪ ،‬أو بِ َعدِّ ه من الرضوريات التي قام‬
‫عليها اإلسالم(((‪.‬‬
‫فمن ذلك أن ابن عاشور أطال النَّ َفس يف استقصاء عدد من املقاصد‪،‬‬
‫ومن ذلك مقصد املساواة(((‪.‬‬
‫وكذلك عالل الفايس‪ ،‬فقد جعل املساواة مقصدً ا بذاهتا‪.‬‬
‫غري أن ابن عاشور وعالالً الفايس مل َّ‬
‫يتطر َقا للحرص اخلاميس للرضوريات‪،‬‬
‫وكأهنام يرون أن عَدَّ هذه مقاصد عامة للرشيعة ال يتعارض مع املصالح التي‬
‫جاءت الرشيعة برعايتها‪.‬‬

‫انظر‪ :‬املستصفى‪.)286/2( ،‬‬ ‫(((‬


‫السياسة الرشعية بني نصوص الرشيعة ومقاصدها‪ ،‬ص(‪.)116-115‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬تفسري املنار‪.)411/11( ،‬‬ ‫(((‬
‫مقاصد الرشيعة‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪593‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ويظهر هذا الرأي بوضوح عند الشيخ ابن بيه؛ حيث يرى أن القسمة‬
‫الثالثية للمقاصد (الرضوريات‪ ،‬احلاجيات‪ ،‬التحسينيات) مقبول‪ ،‬ولكن‬
‫ال يمنع من إجياد مقاصد عامة تكون مقصودة للشارع‪ ،‬وبالتايل تتع َّلق هبا‬
‫األحكام تع ُّل ًقا مصلح ًّيا تتقاطع مع تلك املصالح وال تتبا َين معها(((‪.‬‬
‫والذي يظهر أنه يلزم قبل النظر إىل موضع العدل من هذا التقسيم التأ ُّم ُل‬
‫يف معيار تصنيف العلامء لألحكام وفق هذه املراتب‪ ،‬فإن قيل‪ :‬هو باعتبار‬
‫نوع احلكم التكليفي؛ فام كان األمر فيه مشدَّ ًدا كان من الرضوريات‪ ،‬وما‬
‫أمرا أو هن ًيا غري مشدَّ د كان من احلاجيات‪ ،‬وما كان دون ذلك كاملباح‬ ‫كان ً‬
‫فهو من التحسينيات‪ ،‬فال شك أن العدل يف غالب األمر ال َي ِق ُّل عن ُرتبة‬
‫لتوارد األدلة وتواترها عىل وجوبه إال فيام قل(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرضوريات؛‬
‫وإن نُظِر إىل أن التقسيم يراعي معيار املصلحة واملفسدة التي تعلق هبا‬
‫احلكم التكليفي؛ فام زادت أمهيته كان يف الرضوري‪ ،‬وإن ق َّلت عنه فهي يف‬
‫احلاجيات‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن العدل يدخل يف األمور الرضورية من ِح ْفظ الدين‬
‫والنفس والعقل والنسل واملال‪ ،‬واحلاجية كذلك(((‪.‬‬

‫((( عالقة مقاصد الرشيعة بأصول الفقه‪ ،‬البن بية‪ ،‬ص(‪.)87‬‬


‫((( ومما وقفت عليه يف ذلك استحباب العدل يف ال َقسم بني ملك اليمني؛ جاء يف أسنى‬
‫ب ا ْل َعدْ ُل َب ْين َُه َّن ‪-‬أي ملك‬
‫املطالب يف رشح روض الطالب‪ُ « :)230/3( ،‬ي ْست ََح ُّ‬
‫اليمني‪.»-‬‬
‫((( قال ابن عاشور يف التحرير والتنوير‪« :)254/14( ،‬والعدل‪ :‬إعطاء احلق إىل صاحبه‪،‬‬
‫وهو األصل اجلامع للحقوق الراجعة إىل الرضوري واحلاجي من احلقوق الذاتية‬
‫وحقوق املعامالت»‪.‬‬

‫‪594‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ٍ‬
‫بعدل قامت‪،‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬فإذا ُأقيم أمر الدنيا‬‫قال ابن تيمية‪« :‬العدل نظام ِّ‬
‫وإن مل يكن لصاحبها يف اآلخرة من َخالق‪ ،‬ومتى مل َت ُقم بعدل مل َت ُقم‪ ،‬وإن‬
‫ي َزى به يف اآلخرة»(((‪.‬‬
‫كان لصاحبها من اإليامن ما ُ ْ‬
‫قال املاوردي‪« :‬اعلم أن ما به تص ُلح الدنيا حتى تصري أحواهلا منتظمة‪،‬‬
‫تفرعت‪ ،‬وهي‪ :‬دين ُم َّت َبع‪،‬‬‫وأمورها ملتئمة‪ ،‬ستة أشياء هي قواعدها‪ ،‬وإن َّ‬
‫وسلطان قاهر‪ ،‬وعدل شامل‪ ،‬وأمن عام‪ ،‬وخصب دائم‪ ،‬وأمل فسيح»(((‪،‬‬
‫ثم رشع املاوردي يف بيان هذه القواعد حتى وصل إىل العدل فقال‪« :‬وأما‬
‫القاعدة الثالثة فهي عدل شامل يدعو إىل األلفة‪ ،‬ويبعث عىل الطاعة‪ ،‬وتتعمر‬
‫به البالد‪ ،‬وتنمو به األموال‪ ،‬ويكثر معه النسل‪ ،‬ويأمن به السلطان‪ ...‬وليس‬
‫جل ْور؛ ألنه ليس‬ ‫يشء أرسع يف خراب األرض وال أفسد لضامئر اخللق من ا َ‬
‫يقف عىل حد‪ ،‬وال ينتهي إىل غاية‪ ،‬ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى‬
‫يستكمل»(((‪.‬‬
‫وقال ابن خلدون يف مقدمته حني تك َّلم عن الظلم وأثره يف خراب الدول‬
‫والعمران‪ ،‬قال‪« :‬اعلم أن هذه هي احلكمة املقصودة للشارع يف حتريم الظلم‪،‬‬
‫وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه‪ ،‬وذلك ُم ْؤ ِذن بانقطاع النوع‬
‫البرشي‪ ،‬وهي احلكمة العامة املراعية للرشع يف مجيع مقاصده الرضورية‬
‫اخلمسة؛ من حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬واملال‪ ،‬فلام كان الظلم‬
‫كام رأيت ُم ْؤ ِذنًا بانقطاع النوع َلِا أ ّدى إليه من ختريب العمران‪ ،‬كانت حكمة‬
‫((( جمموع الفتاوى‪.)146/28( ،‬‬
‫((( أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص(‪.)133‬‬
‫((( املرجع السابق الصفحة نفسها‬

‫‪595‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫اخلطر فيه موجودة‪ ،‬فكان حتريمه مهمًّ ‪ ،‬وأدلته من القرآن والسنة كثرية‪ ،‬أكثر‬
‫من أن يأخذها قانون الضبط واحلرص»(((‪.‬‬
‫واجلدير ِّ‬
‫بالذكْر أن معايري تصنيف األحكام وفق هذه املراتب حمل جدل‬
‫بني املعارصين(((‪.‬‬
‫وما هيمنا هو أن العدل قد أكَّدت عليه الرشيعة‪ ،‬وجاءت أدلتها رصحية‬
‫يف األمر به واحلث عىل القيام بمتطلباته‪ ،‬سواء كان العدل مقصدً ا من مقاصد‬
‫ً‬
‫استقالل‪ ،‬أو منطو ًيا يف املقاصد‪ ،‬وإن كان القول بأنه القيمة‬ ‫الرشيعة الكلية‬
‫الكلية التي حتتكم إليها املقاصد‪ ،‬وأنه املقصد األعظم الذي تنتظم عليه مجلة‬
‫الرضوريات واحلاجيات؛ أوفق يف نظري‪.‬‬
‫ولذا قال ابن عاشور‪« :‬والعدل‪ :‬إعطاء احلق إىل صاحبه‪ ،‬وهو األصل‬
‫اجلامع للحقوق الراجعة إىل الرضوري واحلاجي من احلقوق الذاتية‬
‫ََ ُُۡ ْ‬
‫وحقوق املعامالت؛ إذ املسلم مأمور بالعدل يف ذاته‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ول تلقوا‬
‫ُ ۡ َ َّ ۡ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫بِأيدِيكم إِل ٱتلهلكةِ﴾ ‪ ،‬ومأمور بالعدل يف املعاملة‪ ،‬وهي معاملة مع‬
‫(((‬

‫خالقه باالعرتاف له بصفاته‪ ،‬وبأداء حقوقه‪ ،‬ومعاملة مع املخلوقات من‬


‫أصول املعارشة العائلية واملخالطة االجتامعية‪ ،‬وذلك يف األقوال واألفعال‪،‬‬
‫َ ُُۡۡ َ ۡ ُ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ٱعدِلوا َول ۡو َك َن َذا قُ ۡر َ ٰ‬
‫ب﴾(((‪ ،‬وقال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذا‬ ‫قال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذا قلتم ف‬
‫مقدمة ابن خلدون‪.)288/1( ،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬معايري التمييز بني مراتب املقاصد الثالث دراسة أصولية‪ ،‬نجم الدين الزنكي‪،‬‬ ‫(((‬
‫بحث ن ُِش يف جملة الدراسات اإلسالمية بجامعة امللك سعود‪ ،‬عدد ‪1438 ،3‬هـ‪.‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية‪.195 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األنعام‪ ،‬آية‪.152 :‬‬ ‫(((‬

‫‪596‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ ُ ُ ْ ۡ‬ ‫َ َ‬
‫ك ۡم ُتم َب ۡ َ‬
‫ُ‬
‫تفرعت ش َعب نظام‬ ‫اس أن تكموا بِٱلعد ِل﴾ ‪ ،‬ومن هذا َّ‬
‫(((‬
‫ي ٱنلَّ ِ‬ ‫ح‬
‫املعامالت االجتامعية؛ من آداب‪ ،‬وحقوق وأقضية‪ ،‬وشهادات‪ ،‬ومعاملة مع‬
‫َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ََ ٔ ُ َ ۡ َ َ ٰٓ َ َّ َ ۡ ُ ْ‬
‫األمم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ول ي ِرمنكم شنان قو ٍم ع أل تعدِلوا﴾ » ‪.‬‬
‫((( (((‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقسام املقاصد بحسب األصلية والتبعية‪:‬‬


‫قسم بعض الباحثني مقاصد الرشيعة باعتبار األصلية والتبعية إىل‬
‫َّ‬
‫قسمني‪:‬‬
‫(أ) مقاصد األصول‪:‬‬
‫وهي تلك املقاصد الرشعية التي جاءت األحكام لتحقيقها باعتبار‬
‫ذاهتا؛ ألهنا هي التي مت ِّثل املصلحة املطلوبة‪.‬‬
‫وقد م َّثل بعض الباحثني للمقاصد األصلية بمقصد العدل؛ قال‬
‫عبد املجيد النجار بعد أن ذكر مقاصد األصول‪« :‬وذلك مثل مقصد حفظ‬
‫النفس‪ ،‬ومقصد السكن والرمحة يف الزواج‪ ،‬ومقصد العدل االجتامعي‪،‬‬
‫فهذه كلها وما يف حكمها جاءت الرشيعة تتطلب حتقيقها يف ذاهتا‪ ،‬وال‬
‫تطلبها لتحقيق يشء آخر وراءها»(((‪.‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬آية‪.58 :‬‬ ‫(((‬


‫سورة املائدة‪.8 :‬‬ ‫(((‬
‫التحرير والتنوير‪.)254/14( ،‬‬ ‫(((‬
‫مقاصد الرشيعة بأبعاد جديدة‪ ،‬ص(‪.)45‬‬ ‫(((‬

‫‪597‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫(ب) مقاصد الوسائل‪:‬‬


‫وهي تلك املقاصد التي هي مصالح‪ ،‬ولكنها ليست مصالح يف ذاهتا؛ إذ‬
‫بالنظر إليها يف ذاهتا ال حيصل هبا نفع‪ ،‬وإنام هي مصالح باعتبار أهنا تؤدي إىل‬
‫حتقيق مصالح أصلية تتوقف عليها‪ ،‬ولو مل تتح َّقق هي فإن املصالح األصلية‬
‫ال تتح َّقق أو يداخلها اخللل واالضطراب‪ ،‬وذلك مثل اإلشهاد يف النكاح‪،‬‬
‫فإن فيه مصلحة‪ ،‬ولكنها ليست مصلحة يف ذاهتا‪ ،‬وإنام هي مصلحة تؤدي‬
‫ُبعده عن‬‫إىل حتقيق مقصد االستقرار والسكينة واالستمرارية يف الزواج‪ ،‬وت ِ‬
‫عوامل االضطراب واالنحالل(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أقسام املقاصد باعتبار القطع والظن‪:‬‬
‫وتنقسم هبذا االعتبار إىل مقاصد قطعية وظنية وومهية‪.‬‬
‫فاملقاصد القطعية‪ :‬هي التي تواترت عىل إثباهتا طائفة عظمى من األدلة‬
‫والنصوص‪ ،‬ورضب ابن عاشور هلا ً‬
‫مثال بمقصد التيسري‪ ،‬فقال‪« :‬ما يؤخذ‬
‫تكر ًرا ينفي احتامل املجاز واملبالغة‪ ،‬نحو كون مقصد‬
‫مكرر أدلة القرآن ُّ‬
‫من َّ‬
‫الشارع التيسري»(((‪.‬‬
‫واملقاصد الظنية‪ :‬هي التي تقع دون مرتبة القطع واليقني‪ ،‬قال ابن‬
‫عاشور‪« :‬فأما املقاصد الظنية فتحصيلها سهل من استقراء غري كبري‬

‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة بأبعاد جديدة‪ ،‬ص(‪.)45‬‬


‫((( مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)143/3( ،‬‬

‫‪598‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫علم باصطالح الشارع‪،‬‬


‫لترصفات الرشيعة؛ ألن ذلك االستقراء ُيكسبنا ً‬
‫وما يراعيه من الترشيع»(((‪.‬‬
‫واملقاصد الومهية‪ :‬هي التي ُيتخ َّيل و ُي َّ‬
‫توهم أهنا صالح وخري ومنفعة إال‬
‫أهنا غري ذلك؛ كمقصد الرمحة الذي يؤ ِّدي إىل نفي احلدود‪ ،‬ونحو ذلك(((‪.‬‬
‫ومقصد العدل باعتبار هذا التقسيم هو من املقاصد القطعية التي جاءت‬
‫األدلة به رصحية ومتواترة‪ ،‬وسيأيت معنا االستدالل عىل هذا يف مبحث‬
‫مستقل إن شاء اهلل‪.‬‬
‫َّ ً‬
‫متوها هبذا االعتبار؟ العدل من‬ ‫وهل يمكن أن يكون مقصدً ا ظن ًّيا أو‬
‫حيث هو مقصد قطعي ثابت متواتر‪ ،‬واخللل يف الظن أو التوهم عندئذ إنام‬
‫هو خللل يف حتقيق املناط عند الناظر؛ وذلك أن الناظر قد خي َّيل إليه وجود‬
‫املقصد مع عدم وجوده؛ كتعليل بعضهم التسوية بني الذكر واألنثى يف‬
‫عدل‪ ،‬وأن عدم التسوية كان باعتبار العرف وتارخيية‬ ‫املرياث بأن التسوية ٌ‬
‫النص‪ ،‬واإلشكال هنا فيام ظهر ليس يف كون العدل مقصدً ا من مقاصد‬
‫الرشيعة‪ ،‬بل يف تنزيل املقصد عىل الوقائع واألحكام‪ ،‬وما حيتاجه هذا‬
‫التنزيل من استقراء ألحكام الرشيعة كلها قبل النظر اجلزئي‪.‬‬
‫يقول الرشيف وهو يتحدث عن التسوية يف املرياث بني الذكر واألنثى‪:‬‬
‫وآل إىل نتائج خمت َّلة‬
‫احلريف السطحي الذي عمد إليه الفقهاء َ‬
‫«وبدل التأويل ْ‬

‫((( املرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬علم مقاصد الرشيعة‪ ،‬اخلادمي‪ ،‬ص(‪.)74-73‬‬

‫‪599‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫أو مبهمة‪ ،‬أو غري ذات معنى‪ ،‬ينبغي اعتامد تأويل أفضل منه بكثري‪ ،‬وهو‬
‫التأويل املستنري بروح اإلسالم ومقاصده»(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫استقراء واضح ألحكام‬ ‫وتوهم وجود العدل هنا ناتج عن قصور‬ ‫ُّ‬
‫الرشيعة‪ ،‬كأحكام القوامة وما يتعلق هبا من لزوم اإلنفاق‪ ،‬وإن كانت املرأة‬
‫غنية‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬باإلضافة إىل احلاالت التي ساوت املرأة الرجل أو فاقته‬
‫فيها يف قسمة املرياث‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬أقسام املقاصد من حيث العموم واخلصوص‪:‬‬
‫منحى آخر يف تقسيم مقاصد‬
‫نحا ابن عاشور يف كتابه مقاصد الرشيعة ً‬
‫الرشيعة‪ ،‬فقسمها إىل ثالثة أقسام‪ :‬عامة‪ ،‬وخاصة‪ ،‬وجزئية‪.‬‬
‫فاملقاصد العامة‪ :‬هي األهداف والغايات التي جاءت الرشيعة بحفظها‬
‫ومراعاهتا يف مجيع أبواب الترشيع وجماالته‪ ،‬أو يف أغلبها‪ ،‬وجعل من املقاصد‬
‫العامة مراعاة الرضوريات اخلمس‪.‬‬
‫واشرتط هلا أربعة رشوط‪:‬‬
‫‪1.‬الثبات‪ ،‬وذلك أن يكون حتقيقها للمصلحة حمل جزم أو َغ َلبة ظن‪.‬‬
‫‪2.‬الظهور والوضوح بحيث ال خيتلف يف حتديدها‪.‬‬
‫‪3.‬االنضباط‪ ،‬أي‪ :‬وجود َحدّ هلا ال تتجاوزه وال تقرص عنه‪.‬‬
‫‪4.‬االطراد‪ ،‬فال ختتلف باختالف املكان والزمان(((‪.‬‬
‫((( اإلسالم واحلرية‪ ..‬سوء الفهم التارخيي‪ ،‬حممد الرشيف‪ ،‬ص(‪.)97‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة‪ ،‬البن عاشور‪ ،‬ص(‪ )171‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وأما املقاصد اخلاصة‪ ،‬فهي‪ :‬الغايات اخلاصة بباب من أبواب الرشيعة‪،‬‬


‫أو بأبواب متعدِّ دة‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬أن من مقاصد أبواب العبادات حتقيق اخلضوع هلل تعاىل‬
‫وحسن الصلة به‪ ،‬ومن مقاصد املعامالت‪ :‬تنمية املال وتداوله‬
‫واالنقياد له‪ُ ،‬‬
‫بني الناس‪ ،‬وحفظه‪ ،‬والعدل فيه‪.‬‬
‫ومن مقاصد اجلنايات‪ :‬حصول الزجر والردع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أما املقاصد اجلزئية‪ ،‬فهي‪ :‬املتعلقة بمسألة معينة دون غريها؛ كالطهارة‪،‬‬
‫والصالة‪ ،‬والسلم‪ ،‬والوقف‪ ،‬وغري ذلك(((‪.‬‬
‫ومقصد العدل باعتبار هذا التقسيم قد يدخل يف األقسام الثالثة كلها‪،‬‬
‫فهو مقصد عام بالنظر إىل أن الرشيعة جاءت بمراعاته يف مجيع أبواب‬
‫خاصا بباب من أبواب الرشيعة‪،‬‬ ‫الترشيع‪ ،‬أو يف أغلبها‪ ،‬وقد يكون مقصدً ا ًّ‬
‫كاملعامالت واحلدود‪ ،‬وقد يكون مقصدً ا جزئ ًّيا متعل ًقا بمسألة كام يف هبة‬
‫األوالد ونحوها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أقسام املقاصد باعتبار حمل صدورها‪:‬‬
‫ً‬
‫وتنقسم هبذا االعتبار إىل قسمني‪:‬‬
‫‪1.‬مقاصد الشارع‪ :‬وهي التي قصدها الشارع من وراء أمره وهنيه حتقي ًقا‬
‫للمصلحة و َد ْر ًءا للمفسدة‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة‪ ،‬البن عاشور‪ ،‬ص(‪ )171‬وما بعدها‪ ،‬مقاصد الرشيعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لليويب‪ ،‬ص(‪ ،)370‬االجتهاد املقاصدي‪ ،‬للخادمي‪ ،‬ص(‪.)54‬‬

‫‪601‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫‪2.‬مقاصد للمك َّلف‪ :‬وهي التي يقصدها املك َّلف من اعتقاده وأفعاله‪،‬‬
‫والتي متيز صحيحها من فاسدها‪ ،‬وما هو من العبادات أو من املعامالت‪،‬‬
‫وغري ذلك(((‪.‬‬
‫والعدل باعتبار هذا التقسيم هو من مقاصد الشارع وغاياته؛ إذ جاءت‬
‫األدلة الرشعية باألمر به‪ ،‬واإلخبار أنه غاية يف ذاته‪ ،‬ووجوب استجالبه‬
‫وحتصيله بالطرق ا ُملفضية إليه كام سيأيت معنا يف مبحث أدلة اعتباره مقصدً ا‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أقسام املقاصد من حيث مدى حت ُّققها يف نفسها أو نسبية ثبوهتا‪:‬‬
‫ً‬
‫قسمني‪:‬‬
‫وتنقسم هبذا االعتبار إىل َ‬
‫‪1.‬املقاصد احلقيقية‪ :‬وهي املقاصد التي يمكن أن تدرك العقول ُح ْسنها‬
‫أو ُق ْبحها‪ ،‬ولو من غري استناد إىل رشع أو ُع ْرف‪.‬‬
‫‪2.‬املقاصد ال ُع ْرفية‪ :‬وهي التي أدركت العقول ُح ْسنها بالتجربة‪ ،‬أي‬
‫بعد جتريبها واكتشاف مالءمتها لصالح اجلمهور‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬إدراك‬
‫كون عقوبة اجلاين رادع ًة إياه عن ال َع ْود إىل مثل جنايته‪ ،‬ورادع ًة َ‬
‫غريه عن‬
‫اإلجرام(((‪.‬‬
‫والعدل بالنظر إىل هذا التقسيم هو من املقاصد احلقيقية‪ ،‬ولذا قال ابن‬
‫عاشور‪« :‬املعاين احلقيقية هي التي هلا حت ُّقق يف نفسها‪ ،‬بحيث تدرك العقول‬
‫السليمة مالءمتها للمصلحة أو منافرهتا هلا‪ ...‬كإدراك كون العدل ناف ًعا»(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪.)7/2( ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)165/3( ،‬‬
‫((( مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)165/3( ،‬‬

‫‪602‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وخالصة األمر يف هذا أن تقسيامت العلامء للمقاصد كثرية‪ ،‬واعتبارات‬


‫احلرص والتقسيم متجدِّ دة ومتعدِّ دة‪ ،‬قد وقفت هنا عىل أظهرها‪ ،‬وما هيمنا‬
‫ً‬
‫دخول أساس ًّيا يف مقاصد الرشيعة‪ ،‬بل هو األصل‬ ‫داخل‬‫ً‬ ‫هو اعتبار العدل‬
‫الذي تنتظم عليه بقية املقاصد‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬األدلة عىل اعتبار العدل مقصدً ا من مقاصد الرشيعة‪:‬‬
‫إن طرق الكشف عن املقاصد الرشعية من أخطر مباحث املقاصد‪،‬‬
‫وأوالها بالتمحيص والتدقيق؛ ذلك أنه يرتتب عليها اعتامد هذا املقصد‪،‬‬
‫وترجيحا‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫وبناء املسائل عليه حتقي ًقا واستنبا ًطا‬
‫ولذا قال ابن عاشور‪« :‬عىل الباحث يف مقاصد الرشيعة أن ُيطِيل التأمل‬
‫والترسع يف ذلك؛‬
‫ُّ‬ ‫وجييد التث ُّبت يف إثبات مقصد رشعي‪ ،‬وإياه والتساهل‬
‫تتفرع عنه أدلة وأحكام كثرية يف‬
‫ألن تعيني مقصد رشعي كيل أو جزئي أمر َّ‬
‫االستنباط‪ ،‬ففي اخلطأ فيه خطر عظيم‪.‬‬
‫ترصفات الرشيعة يف‬‫فعليه أن ال ُي َع ِّي مقصدً ا رشع ًيا إال بعد استقراء ُّ‬
‫النوع الذي يريد انتزاع املقصد الرشعي منه‪ ،‬وبعد اقتفاء آثار أئمة الفقه‬
‫ليستيضء بأفهامهم‪ ،‬وما حصل هلم من ممارسة قواعد الرشع‪ ،‬فإن هو فعل‬
‫ذلك اكتسب قوة استنباط يفهم هبا مقصود الشارع»(((‪.‬‬
‫التعرف‬
‫ويقول الدكتور عبد املجيد النجار‪« :‬تعترب هذه املشكلة؛ مشكلة ُّ‬
‫عىل املقاصد‪ ،‬من أخطر املشاكل يف هذا الباب؛ وذلك ألن تعيني املقصد‬

‫((( مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪.)138/3( ،‬‬

‫‪603‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫الرشعي يرتتب عليه تعيني األحكام بالفهم من نصوصها‪ ،‬أو باستنباطها‬


‫بالقياس أو املصلحة‪ ،‬وكذلك تنزيلها عىل الواقع‪ ،‬فإذا ما َ‬
‫داخل تعيني‬
‫تلك املقاصد خلل أو وهم حلق اخلطأ باألحكام ذاهتا‪ ،‬فإذا األمر جيري‬
‫عىل غري ما أراده اهلل تعاىل أحكا ًما؛ نتيجة جريانه عىل غري ما أراده مقاصد‪،‬‬
‫وذلك انحراف بالرشيعة عن حقيقتها ينشأ بسبب اخلطأ يف تعيني املقصد‬
‫الرشعي»(((‪.‬‬
‫التعرف عىل مقاصد الشارع‪« :‬فبامذا يعرف‬
‫قال الشاطبي يف حديثه حول ُّ‬
‫ما هو مقصود له مما ليس بمقصود له؟‬
‫واجلواب أن النظر ههنا ينقسم بحسب التقسيم العقيل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يقال‪ :‬إن مقصد الشارع غائب عنا حتى يأتينا ما ِّ‬
‫يعرفنا به‪...‬‬
‫وحاصل هذا الوجه احلمل عىل الظاهر مطل ًقا‪ ،‬وهو رأي الظاهرية الذين‬
‫مظان العلم بمقاصد الشارع يف الظواهر والنصوص‪ ... ،‬والثاين‪:‬‬‫َّ‬ ‫حيرصون‬
‫يف الطرف اآلخر من هذا‪ ،‬إال أنه رضبان‪:‬‬
‫األول‪ :‬دعوى أن مقصد الشارع ليس يف هذه الظواهر وال ما ُي ْف َهم منها‪،‬‬
‫أمر آخر وراءه‪ ،‬وي َّط ِرد هذا يف مجيع الرشيعة‪ ،‬حتى ال يبقى يف‬‫وإنام املقصود ٌ‬
‫تمسك يمكن أن يلتمس منه معرفة مقاصد الشارع‪ ،‬وهذا رأي‬ ‫ظاهرها ُم َّ‬
‫كل قاصد إلبطال الرشيعة‪ ،‬وهم الباطنية‪.‬‬

‫((( مقاصد الرشيعة بأبعاد جديدة‪ ،‬ص(‪.)25-24‬‬

‫‪604‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫الرضب الثاين‪ :‬بأن يقال‪ :‬إن مقصود الشارع االلتفات إىل معاين األلفاظ‪،‬‬
‫بحيث ال تعترب الظواهر والنصوص إال هبا عىل اإلطالق‪ ،‬فإن خا َلف النص‬
‫املعنى النظري ا ُّط ِرح و ُقدِّ م املعنى النظري‪ ،‬وهو إما بناء عىل وجوب مراعاة‬
‫املصالح عىل اإلطالق‪ ،‬أو عىل عدم الوجوب‪ ،‬لكن مع حتكيم املعنى جدًّ ا‬
‫(املتعمقني يف‬
‫ِّ‬ ‫حتى تكون األلفاظ الرشعية تابعة للمعاين النظرية‪ ،‬وهو رأي‬
‫القياس)‪ ،‬املقدِّ مني له عىل النصوص‪ ،‬وهذا يف طرف آخر من القسم األول‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يقال باعتبار األمرين مجيعا‪ ،‬عىل وجه ال ُ ِ‬
‫ي ُّل فيه املعنى‬ ‫ً‬
‫بالنص‪ ،‬وال بالعكس؛ لتجري الرشيعة عىل نظام واحد ال اختالف فيه وال‬
‫تناقض‪ ،‬وهو الذي َأ َّمه أكثر العلامء الراسخني»(((‪.‬‬
‫ومن أهم الطرق التي ذكرها العلامء يف استخالص املقاصد الرشعية‪:‬‬
‫‪1.‬النص الرصيح عىل كونه مقصدً ا مرا ًدا للشارع‪.‬‬
‫‪2.‬األمر والنهي االبتدائي الترصحيي‪ ،‬قال الشاطبي‪« :‬فإن األمر معلوم‬
‫أمرا القتضائه الفعل؛ فوقوع الفعل عند وجود األمر به مقصود‬
‫أنه إنام كان ً‬
‫الكف عنه»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫مقتض لنفي الفعل أو‬ ‫للشارع‪ ،‬وكذلك النهي معلوم أنه‬
‫‪3.‬االستقراء‪ ،‬سواء كان استقرا ًء لألحكام أو أدلة األحكام املختلفة‪.‬‬
‫‪4.‬اإلمجاع‪.‬‬

‫((( املوافقات‪.)134-132/3( ،‬‬


‫((( املوافقات‪.)134/3( ،‬‬

‫‪605‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ومقصد العدل من املقاصد التي جاءت الرشيعة باعتباره مقصدً ا من‬


‫طرق كثرية‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫أول‪ :‬النص عىل كونه مقصدً ا للرشع يف مجلة من النصوص‪:‬‬ ‫ً‬
‫ت َوأَ َ‬
‫نز ۡلَا َم َع ُه ُم ۡٱلك َِتٰبَ‬ ‫ٰ‬
‫ََ ۡ َۡ َ َۡ ُ ُ ََ ۡ‬
‫ٱلَ ّينَ‬
‫كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬لقد أرسلنا رسلنا ب ِ ِ ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ َ َ‬
‫ان ِلَ ُق َ‬
‫وم ٱنلَّ ُ‬
‫اس بِٱلقِ ۡس ِط﴾(((‪ ،‬والقسط هو العدل عىل ما تقدَّ م‪.‬‬ ‫وٱل ِمزي‬
‫وقول النبي ‪(( :‬إنام ُب ِع ْث ُت ألمتم مكارم األخالق))(((‪ ،‬قال ابن‬
‫عبد الرب‪« :‬ويدخل فيه الصالح واخلري والدين والفضل واملروءة واإلحسان‬
‫والعدل»(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أمر الشارع به‪:‬‬
‫مبارشا فيام ال ينحرص من األدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫واألمر به قد جاء ً‬
‫ۡ‬
‫َّ َّ َ َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ‬
‫س ِن﴾(((‪ ،‬واأللف والالم يف‬‫ٱل ۡح َ ٰ‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬إِن ٱلل يأمر بِٱلعد ِل و ِ‬
‫لفظ «العدل» للعموم واالستغراق‪ ،‬فال يبقى من قليل العدل وكثريه يشء‬
‫إال اندرج فيه(((‪.‬‬

‫سورة احلديد‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫(((‬


‫أخرجه أمحد يف «مسنده»‪ )513/14( ،‬برقم (‪ )7829‬عن أيب هريرة ‪ ،‬وأورده‬ ‫(((‬
‫احلاكم بلفظ‪(( :‬بعثت ألمتم صالح األخالق))‪ ،‬وقال‪« :‬هذا حديث صحيح عىل رشط‬
‫مسلم‪ ،‬ومل خيرجاه»‪ .‬انظر‪ :‬املستدرك عىل الصحيحني للحاكم‪.)670/2( ،‬‬
‫التمهيد‪.)332/24( ،‬‬ ‫(((‬
‫سورة النحل‪ ،‬آية‪.90 :‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬قواعد األحكام‪.)189/2( ،‬‬ ‫(((‬

‫‪606‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫قال السعدي‪« :‬فالعدل الذي أمر اهلل به يشمل العدل يف ح ِّقه ويف حق‬
‫عباده‪ ،‬فالعدل يف ذلك أداء احلقوق كاملة مو َّفرةً‪ ،‬بأن يؤدي العبد ما أوجب‬
‫وحق عباده‪ ،‬ويعامل‬ ‫اهلل عليه من احلقوق املالية والبدنية واملركبة منهام يف ح ُّقه ُّ‬
‫وال ما عليه حتت واليته سواء يف ذلك والية‬ ‫كل ٍ‬ ‫اخللق بالعدل التام‪ ،‬فيؤدي ُّ‬
‫اإلمامة الكربى‪ ،‬ووالية القضاء ون َُّواب اخلليفة‪ ،‬ونواب القايض»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٰٓ َ ۡ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َ ُ َ ُّ ْ ۡ َ َ‬
‫ت إِل أهل ِها ِإَوذا‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬إِن ٱلل يأمركم أن تؤدوا ٱلمن ِ‬
‫ُۡ َ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ ُ ُ ْ ۡ‬ ‫ك ۡم ُتم َب ۡ َ‬ ‫َ َ‬
‫اس أن تكموا بِٱلعد ِل﴾ ‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬قل أمر ر ِب‬ ‫(((‬
‫ي ٱنلَّ ِ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ۡ ُ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ت لِعدِل بَ ۡي َنك ُم﴾(((‪.‬‬ ‫بِٱلقِ ۡس ِط﴾(((‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬وأمِر‬
‫ُ َ َ ٓ َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َّ َ ۡ‬
‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا كونوا قوٰمِني بِٱلقِس ِط شهداء ِلِ‬ ‫وقوله تعاىل‪ٰٓ :‬‬
‫َ ُ ۡ َ ًّ َ ۡ َ ٗ َ َّ ُ َ َ‬ ‫ِك ۡم أَو ۡٱل َو ٰ ِ َليۡن َو ۡٱلَ ۡق َرب َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ۡ َ َ ٰٓ َ ُ‬
‫ٱلل أ ۡو ٰل‬ ‫نيۚ إِن يكن غن ِيا أو ف ِقريا ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ ِ‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫ولو ع أ‬
‫َ ۡ ُ ٓ ْ ۡ ُ ۡ ُ ْ َ َّ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ٱلل كن ب ِ َما‬ ‫ى أن ت ۡعدِل ۚوا ِإَون تلوۥا أو تع ِرضوا فإِن‬ ‫ب ِ ِه َماۖ فَ َل تَ َّتب ِ ُعوا ْ ٱل َه َو ٰٓ‬
‫ون َخب ٗ‬ ‫ََُۡ َ‬
‫ريا‪.(((﴾135‬‬ ‫ِ‬ ‫تعمل‬
‫ۡ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َّ َ َّ ُ َ َ ٓ َ ۡ‬
‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا كونوا قوٰمِني ِلِ شهداء بِٱلقِس ِ ۖ‬
‫ط‬ ‫وقوله تعاىل‪ٰٓ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ََ ٔ ُ َ ۡ َ َ ٰٓ َّ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ْ ُ َ ۡ َ ُ َّ ۡ َ ٰ َ َّ ُ ْ‬
‫ول ي ِرمنكم شنان قو ٍم ع أل تعدِل ۚوا ٱعدِلوا هو أقرب ل ِلتقوىۖ وٱتقوا‬
‫َ ُ َ‬ ‫ٱلل َخب ُ‬ ‫ٱلل إ َّن َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ري ۢ ب ِ َما ت ۡع َملون‪ ،(((﴾8‬وقول رسول اهلل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ۚ ِ‬
‫تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص(‪.)447‬‬ ‫(((‬
‫سوة النساء‪ ،‬آية‪.58 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األعراف‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة الشورى‪ ،‬آية‪.15 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة النساء‪ ،‬آية‪.135 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة املائدة‪ ،‬آية‪.8 :‬‬ ‫(((‬

‫‪607‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫حيب‬ ‫ِ‬ ‫((إذا حكمتم فاعدلوا‪ ،‬وإذا قتلتم َفأ ْح ِسنُوا‪َّ ،‬‬
‫ُمْس ٌن ُّ‬ ‫‪‬‬ ‫فإن اهلل‬
‫املحسنني))(((‪.‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت ‪ ‬قال‪« :‬بايعنا رسول اهلل ‪ ‬عىل‬
‫السمع والطاعة يف ُع ْسنا و ُي ْسنا‪ ،‬و َمن َْشطِنا ومكارهنا‪ ،‬وعىل أن ال ننازع‬
‫األمر أهله‪ ،‬وعىل أن نقول بالعدل أين كنَّا‪ ،‬ال نخاف يف اهلل لومة الئم»(((‪.‬‬
‫وعن عامر قال‪ :‬سمعت النعامن بن بشري ‪ ‬وهو عىل املنرب يقول‪:‬‬
‫أعطاين أيب عط َّي ًة‪ ،‬فقالت َع ْم َرة بنت رواحة‪ :‬ال أرىض حتى يشهد رسول اهلل‬
‫‪ ، ‬فأتى رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ّ :‬إن أعطيت ابني من َع ْم َرة‬
‫بنت رواحة عط َّية‪ ،‬فأمرتني أن ُأ ْش ِهدك يا رسول اهلل‪ .‬قال‪(( :‬أعطيت سائر‬
‫ولدك مثل هذا؟))‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪(( :‬فاتَّقوا اهلل واعدلوا بني أوالدكم))‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فرجع فر َّد عط َّيته(((‪.‬‬
‫ومن األمر به األمر بموجباته وطرائقه‪ ،‬وكل ما هو وسيلة وطريق‬
‫َُۡ ْ‬ ‫ِ‬
‫س يف مجلة من اآليات‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬أوفوا‬ ‫ّ‬ ‫موصل إليه‪ ،‬كاألمر بالعدل احل ِّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ْ ۡ‬ ‫ۡ ََۡ ََ َ ُ‬
‫كونُوا ْ م َِن ٱل ۡ ُم ۡخ ِس َ‬
‫اس ٱل ُم ۡس َتقِي ِم‪َ 182‬ول‬
‫ين‪َ 181‬وزِنوا بِٱلقِ ۡس َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلكيل ول ت‬

‫((( جممع الزوائد‪ ،)197/5( ،‬واللفظ له‪ ،‬وقال‪« :‬رواه الطرباين يف األوسط ورجاله‬
‫ثقات»‪ .‬وذكره األلباين يف «صحيح اجلامع» (‪ ،)194/1‬وقال‪« :‬حسن»‪ ،‬وكذلك يف‬
‫الصحيحة برقم (‪.)469‬‬
‫((( أخرجه النسائي يف «سننه»‪ ،‬كتاب البيعة‪ ،‬باب البيعة عىل القول بالعدل‪)4135( ،‬‬
‫وصححه األلباين يف الصحيحة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪،)139/7‬‬
‫((( رواه البخاري يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب اهلبة‪ ،‬باب اإلشهاد يف اهلبة‪.)2587( )158/3( ،‬‬

‫‪608‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫((( َ َ ۡ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُۡ‬ ‫َۡ‬ ‫َ ۡ َ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ ٓ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ ْ‬


‫سدِين‪﴿ ، ﴾183‬وأوفوا‬ ‫ِ‬
‫تبخسوا ٱنلاس أشياءهم ول تعثوا ِف ٱلۡرض مف ِ‬
‫((( َ َ ۡ ُ ْ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ْ ۡ‬ ‫ۡ َ َ َ ۡ‬
‫اس ٱل ُم ۡس َتقِي ِم﴾ ‪﴿ ،‬وأوفوا ٱلكيل وٱل ِمزيان‬ ‫ٱلك ۡيل إِذا كِ ُت ۡم َوزِنوا بِٱلقِ ۡس َط ِ‬
‫ۡ ۡ َ ُ َ ّ ُ َ ۡ ً َّ ُ ۡ َ َ ((( َ َ ٰ َ ۡ ِ َ ۡ ُ ْ ۡ ۡ َ َ َ ۡ َ َ‬
‫ط ل نكل ِف نفسا إِل وسعها﴾ ‪﴿ ،‬ويقوم أوفوا ٱل ِمكيال وٱل ِمزيان‬ ‫بِٱلقِس ِ ۖ‬
‫ٓ‬
‫َّ َ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫اس أش َيا َءه ۡم﴾(((‪ ،‬والنهي عن التطفيف يف امليزان‬ ‫ط َول ت ۡبخ ُسوا ٱنل‬ ‫بِٱلقِ ۡس ِ ۖ‬
‫ۡ َ ُ ْ ََ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ‪ّ َُّۡ ٞ‬‬
‫يف آيات كثرية كام يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ويل ل ِلمطفِفِني‪ 1‬ٱلِين إِذا ٱكتالوا ع‬
‫َ َ ُ ُ ۡ َ َّ َ ُ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اس ي َ ۡس َت ۡوفون‪ِ 2‬إَوذا كلوهم أو وزنوهم ي ِسون‪. ﴾3‬‬
‫(((‬
‫ٱنلَّ ِ‬
‫واألمر بتعيني األئمة العدول‪ ،‬ون َْصب القضاة بني الناس‪ ،‬وغري ذلك مما‬
‫ً‬
‫واستدالل‪.‬‬ ‫ال ينحرص تت ُّب ًعا‬
‫ومن األمر به الثناء عىل َمن يقوم به ويتَّصف به‪ ،‬وبيان ثوابه‪ ،‬ومن األدلة‬
‫عىل ذلك‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ون ب ۡ َ‬
‫ٱل ّ ِق َوبِهِۦ َي ۡعدِلون‪.(((﴾181‬‬
‫َ َّ ۡ َ َ ۡ َ ٓ َّ ‪َ ُ ۡ َ ٞ‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ومِمن خلقنا أمة يهد‬
‫ِ‬
‫َۡ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ ُ َ ُ َّ ‪ۡ َ ُ ۡ َ ٞ‬‬
‫وس أمة يهدون بِٱل ِق وبِهِۦ يعدِلون‪. ﴾159‬‬
‫(((‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ومِن قو ِم م ٰٓ‬

‫سورة الشعراء‪ ،‬آيات‪.183-181 :‬‬ ‫(((‬


‫سورة اإلرساء‪ ،‬آية‪.35 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األنعام‪ ،‬آية‪.152 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة هود‪ ،‬آية‪.85 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة املطففني‪ ،‬آيات‪.3-1 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األعراف‪ ،‬آية‪.181 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة األعراف‪ ،‬آية‪.159 :‬‬ ‫(((‬

‫‪609‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫َ َ َ َ َّ ُ َ َ ٗ َّ ُ َ ۡ َ َ ُ ُ َ ٓ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ُ َ َ‬
‫عٰ‬ ‫ي أحدهما أبكم ل يقدِر‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬وضب َ ٱلل مثل رجل ِ‬
‫ۡ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ َ‬
‫ي هل ي َ ۡس َتوِي ه َو َو َمن‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫هه َل يَ‬
‫ع َم ۡولَى ٰ ُه أ ۡي َن َما يُ َو ّج ُّ‬
‫ِ‬ ‫ك َ َٰ‬ ‫َ ۡ َ ُ َ َ ٌّ‬
‫شءٖ وهو‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُۡ ُ َۡ ۡ َ ُ‬
‫يم‪. ﴾76‬‬
‫(((‬
‫صر ٖط مستقِ ٖ‬ ‫يأمر بِٱلعد ِل وهو ع ِ‬
‫وقال ‪َّ (( :‬‬
‫إن املقسطني يوم القيامة عىل منابر من نور‪ ،‬عن‬
‫يمني الرمحن‪- ،‬وكلتا يدَ يه يمني‪ -‬الذين يعدلون يف حكمهم وأهليهم وما‬
‫َو ُلوا))(((‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬سبعة يظ ُّلهم‬
‫ظل إال ظ ُّله‪ :‬إمام عدل‪ ،‬وشاب نشأ يف عبادة اهلل‪،‬‬ ‫اهلل تعاىل يف ظ ِّله يوم ال َّ‬
‫وتفر َقا‬
‫َّ‬ ‫ورجل قلبه مع َّلق يف املساجد‪ ،‬ورجالن حتا َّبا يف اهلل اجتم َعا عليه‬
‫عليه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب ومجال‪ ،‬فقال‪ :‬إين أخاف اهلل‪ ،‬ورجل‬
‫تصدَّ ق بصدقة فأخفاها‪ ،‬حتى ال تعلم شامله ما تنفق يمينه‪ ،‬ورجل ذكر اهلل‬
‫خال ًيا ففاضت عيناه))(((‪.‬‬

‫((( سورة النحل‪ ،‬آية‪.76 :‬‬


‫((( أخرجه مسلم يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب فضيلة اإلمام العادل‪)1458/3( ،‬‬
‫(‪.)1827‬‬
‫((( رواه البخاري يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب فضل من ترك الفواحش‪)164/8( ،‬‬
‫(‪ ،)6806‬ومسلم يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب فضل إخفاء الصدقة‪)715/2( ،‬‬
‫(‪.)1031‬‬

‫‪610‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َّ (( :‬‬
‫إن‬
‫جملسا إمام عادل‪ ،‬وأبغض‬
‫أحب النَّاس إىل اهلل يوم القيامة‪ ،‬وأدناهم منه ً‬
‫َّ‬
‫جملسا إمام جائر))(((‪.‬‬
‫النَّاس إىل اهلل وأبعدهم منه ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬النهي عن ضده وهو الظلم‪:‬‬
‫جاءت أدلة الرشع متواترة بالنهي عن الظلم‪ ،‬والتحذير منه‪ ،‬وبيان‬
‫عاقبته يف مواضع كثرية‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ٱلل ِلَغفِ َر ل ُه ۡم َول‬ ‫ِين كف ُروا َوظل ُموا ل ۡم يَك ِن‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬إِن ٱل‬
‫ً‬
‫ِلَ ۡهد َِي ُه ۡم َط ِريقا‪.(((﴾168‬‬
‫ِك ۡم ل َ َّما َظلَ ُموا ْ َو َجا ٓ َء ۡت ُهمۡ‬
‫َۡ ُ‬ ‫َََ ۡ َۡ َ َۡ ُۡ ُ َ‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ولقد أهلكنا ٱلقرون مِن قبل‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫نزي ٱل َق ۡو َم ٱل ُم ۡجرم َ‬ ‫ۡ َ ّ َ ٰ َ َ َ ُ ْ ُ ۡ ُ ۚ ْ َ َٰ َ َ ۡ‬ ‫ُر ُسلُ ُ‬
‫ِني‪.(((﴾13‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫وا‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ؤ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ِ ِ‬‫ٱل‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ۡ َ ۡ َ َّ ُ ّ ۡ َ َ ٓ َۡ‬
‫ۡرضنا أو‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬وقال ٱلِين كف ُروا ل ُِرسل ِ ِهم لُخ ِرجنكم مِن أ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ۡ َ ٰٓ َ ۡ ۡ َ ُّ ُ ۡ َ ُ ۡ َ َّ َّ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫لَ ُعودن ِف مِلتِناۖ فأوح إِل ِهم ربهم لهل ِكن ٱلظل ِ ِمني‪. ﴾13‬‬
‫(((‬ ‫ٰ‬
‫َ َ َ ۡ َ َ َّ َّ َ َ ٰ ً َ َّ َ ۡ َ ُ َّ ٰ ُ َ َّ‬
‫ون إِن َما‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ول تسب ٱلل غفِل عما يعمل ٱلظل ِم ۚ‬
‫ۡ َۡ َ‬ ‫َۡ َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫يُؤخ ُِره ۡم ِلَ ۡو ٖم تشخ ُص فِيهِ ٱلبصر‪. ﴾42‬‬
‫(((‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫حسنه‬
‫أخرجه الرتمذي (‪ ،)1329‬واللفظ له‪ ،‬وقال‪« :‬حديث حسن غريب»‪ ،‬وقد َّ‬ ‫(((‬
‫السيوطي يف «اجلامع الصغري» (‪ ،)2174‬ونقل املناوي عن ابن القطان قوله‪« :‬احلديث‬
‫حسن»‪« .‬فيض القدير»‪.)411/2( ،‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬آية‪.168 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة يونس‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة إبراهيم‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة إبراهيم‪ ،‬آية‪.42 :‬‬ ‫(((‬

‫‪611‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ َ ٰٓ َ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ َ ۡ‬


‫ك ِهم‬‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬وت ِلك ٱلقرى أهلكنٰهم لما ظلموا وجعلنا ل ِمهل ِ ِ‬
‫ٗ‬
‫َّم ۡوعِدا‪.(((﴾59‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َۡ‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬أَ ۡسم ۡع به ۡم َو َأبۡ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ك ِن ٱلظٰل ِمون ٱلوم ِف‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ل‬ ‫اۖ‬ ‫ن‬ ‫ون‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫و‬‫ۡ‬ ‫ي‬ ‫ۡ‬
‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ني‪.(((﴾38‬‬ ‫ب‬‫م‬‫َض َلٰل ُّ‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬
‫ََۡ َ َ َ ۡ َََ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫حل‬ ‫ومۖ وقد خاب من‬ ‫ح ٱل َق ُّي ِ‬ ‫ت ٱل ُو ُجوهُ ل ِل َ ّ‬
‫ِ‬
‫وقوله تعاىل‪َ َ َ :‬‬
‫﴿وعن ِ‬
‫ُ ۡ‬
‫ظل ٗما‪.(((﴾111‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َۡ ُ َ‬
‫﴿و َوق َع ٱلق ۡول َعل ۡي ِهم ب ِ َما ظل ُموا ف ُه ۡم ل يَن ِطقون‪.(((﴾85‬‬ ‫وقوله تعاىل‪:‬‬
‫َ َ َ َ َ ُّ َ ُ ۡ َ ۡ ُ َ ٰ َ َّ َ ۡ َ َ ٓ ُ ّ َ َ ُ ٗ‬
‫ت يبعث ِف أمِها رسول‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬وما كن ربك مهل ِك ٱلقرى ح ٰ‬
‫ۡ ُ َ ٰٓ َّ َ َ ۡ ُ َ َ ٰ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫َي ۡتلوا َعل ۡي ِه ۡم َءايٰت ِ َنا ۚ َو َما ك َّنا ُم ۡهل ِِك ٱلقرى إِل وأهلها ظل ِمون‪. ﴾59‬‬
‫(((‬

‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ ُ َّ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬


‫ِين ظل ُموا َم ۡعذ َِرت ُه ۡم َول ه ۡم‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ف َي ۡو َمئ ِ ٖذ ل ينفع ٱل‬
‫َ‬
‫ي ُ ۡس َت ۡع َت ُبون‪.(((﴾57‬‬

‫سورة الكهف‪ ،‬آية‪.59 :‬‬ ‫(((‬


‫سورة مريم‪ ،‬آية‪.38 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة طه‪ ،‬آية‪.111 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة النمل‪ ،‬آية‪.85 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة القصص‪ ،‬آية‪.59 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة الروم‪ ،‬آية‪.57 :‬‬ ‫(((‬

‫‪612‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وعن أيب ذر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬قال اهلل‬


‫حمر ًما؛ فال‬
‫حرمت الظلم عىل نفيس‪ ،‬وجعلته بينكم َّ‬
‫‪ :‬يا عبادي‪ ،‬إين َّ‬
‫تظاملوا‪.((())...‬‬
‫وعن عائشة ‪ ‬قالت‪َّ :‬‬
‫إن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من ظلم‬
‫ِقيد شرب من األرض ُط ِّوقه من سبع أرضني))(((‪.‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬اتَّقوا الظلم؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫وعن جابر ‪َّ ‬‬
‫الظلم ظلامت يوم القيامة))(((‪.‬‬
‫والظلم مل يأت يف الرشع بالنهي عنه فقط‪ ،‬بل والنهي عن كل وسيلة‬
‫إليه؛ من شهادة للزور‪ ،‬وكذب‪ ،‬واعتداء ونحو ذلك‪ ،‬والنصوص الرشعية‬
‫يف هذا متكاثرة ومتواترة ال َي ِفي املقام بحرصها‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬االستقراء العام للرشيعة‪:‬‬
‫فالعدل ملحوظ يف مجلة أوامر الرشع وأخباره وأحكامه‪ ،‬بل هو روح‬
‫الرشيعة وسمتها الظاهرة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪1.‬أن العدل هو امليزان يف اآلخرة‪.‬‬

‫((( رواه مسلم يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب حتريم الظلم وغصب األرض‬
‫وغريها‪.)2577( )1994/4( ،‬‬
‫((( رواه البخاري ومسلم؛ البخاري يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب املظلم والغصب‪ ،‬باب إثم من‬
‫ظلم شي ًئا من األرض‪ ،)2452( )130/3( ،‬ومسلم يف «صحيحه» كتاب املساقاة‪،‬‬
‫باب حتريم الظلم‪.)1612( )1231/3( ،‬‬
‫((( رواه مسلم يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب حتريم الظلم‪)1996/4( ،‬‬
‫(‪.)2578‬‬

‫‪613‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ۡ‬ ‫َّ ۡ َ َ َ ّ ُ ۡ َ َ ٓ َ َ ّ َ ۡ ۡ َ‬
‫ب َمن َي ۡع َمل ُس ٓو ٗءا‬ ‫ٰ‬
‫ان أه ِل ٱلك ِ ۗ‬
‫ِت‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬ليس بِأمانِيِكم ول أم ِ ِ‬
‫ريا‪َ 123‬و َمن َي ۡع َم ۡل مِنَ‬ ‫َ‬
‫لا َول نَ ِص ٗ‬ ‫ٱللِ َو ِ ّٗ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ ۡ َ‬ ‫ُۡ‬
‫ون‬
‫ِ‬ ‫يد لۥ مِن د‬ ‫ِ‬ ‫ي َز بِهِۦ ول‬
‫َ َ َ ۡ ُ َ َ ُ َ ُ ۡ ‪َ َ َ َّ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َ َ ْ ُ َ ٞ‬‬ ‫َّ َ‬
‫نث وهو مؤمِن فأو ٰٓلئِك يدخلون ٱلنة ول‬ ‫ت مِن ذكر أو أ ٰ‬
‫ٍ‬ ‫ٱلصٰل ِحٰ ِ‬
‫ُۡ َُ َ‬
‫ون نَقِ ٗ‬
‫ريا‪.(((﴾124‬‬ ‫يظلم‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬من كانت له‬
‫مظلم ٌة ألحد من ِع ْر ِضه أو يشء ف ْليتح َّل ْله منه اليوم قبل أن ال يكون دينار‬
‫وال درهم‪ ،‬إن كان له عمل صالح ُأ ِخذ منه بقدر مظلمته‪ ،‬وإن مل يكن له‬
‫حسنات ُأ ِخذ من سيئات صاحبه ف ُط ِرح عليه))(((‪.‬‬
‫يفرق بني الكبري والصغري‪ ،‬والرشيف والوضيع‪،‬‬ ‫‪2.‬أن ِ‬
‫اإلسالم ملا جاء مل ِّ‬
‫يفرق بني الناس يف أعراقهم أو‬
‫والسوقة‪ ،‬واملسلم وغري املسلم‪ ،‬ومل ِّ‬
‫واألمري ُّ‬
‫َّ‬
‫لغاهتم‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬بل جعل مقياس التفاضل هو التقوى‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬إِن‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َ ۡ َ َ ُ ۡ َ َّ َ ۡ َ ٰ ُ ۡ َّ َّ َ َ ٌ َ‬
‫أكرمكم عِند ٱللِ أتقىك ۚم إِن ٱلل عل ِيم خبِري‪. ﴾13‬‬
‫(((‬

‫ويف احلديث أن النبي ‪ ‬قال يف حجة الوداع‪(( :‬يا أهيا الناس‪،‬‬


‫َأ َل إن ربكم واحد‪ ،‬وإن أباكم واحد‪َ ،‬أ َل ال فضل لعريب عىل عجمي‪ ،‬وال‬

‫((( سورة النساء‪ ،‬آيتان‪.124 ،123 :‬‬


‫((( رواه البخاري يف «صحيحه»‪ ،‬كتاب املظامل والغصب‪ ،‬باب من كانت له مظلمة عند‬
‫رجل فح ّللها‪.)2449( )130/3( ،‬‬
‫((( سورة احلجرات‪ ،‬آية‪.13 :‬‬

‫‪614‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫لعجمي عىل عريب‪ ،‬وال ألمحر عىل أسود‪ ،‬وال ألسود عىل أمحر َّإل بالتقوى‪،‬‬
‫َأ َب َّل ْغ ْت؟)) قالوا‪ :‬بلغ رسول اهلل ‪.(((‬‬
‫‪3.‬أن اإلسالم جاء بالعدل بني العباد يف احلقوق والواجبات الدينية تب ًعا‬
‫ۡ َ َ ۡ ُ ۡ (((‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ ْ َّ‬
‫لقدرهتم واستطاعتهم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فٱتقوا ٱلل ما ٱستطعتم﴾ ‪.‬‬
‫ُ َۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫﴿لُنفِ ۡق ذو َس َع ٖة ّمِن َس َعتِهِۖۦ َو َمن قد َِر َعل ۡيهِ رِ ۡزق ُهۥ فل ُينفِ ۡق‬ ‫وقال تعاىل‪ِ :‬‬
‫ٱلل﴾(((‪.‬‬‫م َِّما ٓ َءاتَى ٰ ُه َّ ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ ُ َ ۡ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ٱلل نف ًسا إِل ُو ۡس َع َها﴾(((‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ل يُكل ِف‬
‫َّ ٓ َ‬ ‫َّ ُ َ ۡ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ٱلل نف ًسا إِل َما َءاتى ٰ َها﴾(((‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ل يُكل ِف‬
‫ُ َ‬ ‫ُُۡ ۡ ََ ُ ۡ ُ ُ َ‬
‫وس أ ۡم َوٰل ِك ۡم ل‬ ‫وقال تعاىل يف التوبة من الربا‪ِ﴿ :‬إَون تبتم فلكم ر ُء‬
‫َ َ ُۡ َ َ‬ ‫َۡ‬
‫تظل ُِمون َول تظل ُمون‪.(((﴾279‬‬
‫احلكَم ومصالح العباد‬ ‫يقول ابن ال َقيمِ‪« :‬الرشيعة مبناها وأساسها عىل ِ‬
‫ّ‬
‫يف املعاش واملعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورمحة كلها‪ ،‬ومصالح كلها‪ ،‬وحكمة‬
‫كلها‪ ،‬فكل مسألة خرجت من العدل إىل اجلور‪ ،‬وعن الرمحة إىل ضدها‪،‬‬

‫وصححه األلباين يف «الصحيحة»‬


‫َّ‬ ‫رواه أمحد يف «مسنده»‪،)23489( )474/38( ،‬‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)2700‬وقال اهليثمي يف «جممع الزوائد»‪« :)269/3( ،‬رجاله رجال الصحيح»‪.‬‬
‫سورة التغابن‪ ،‬آية‪.16 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة الطالق‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية‪.286 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة الطالق‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫(((‬
‫سورة البقرة‪ ،‬آية‪.279 :‬‬ ‫(((‬

‫‪615‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫وعن املصلحة إىل املفسدة‪ ،‬وعن احلكمة إىل العبث‪ ،‬فليست من الرشيعة‬
‫وإن ُأدخلت فيها بالتأويل»(((‪.‬‬
‫وتضمنها لغاية‬
‫ُّ‬ ‫وقال‪« :‬ومن له َذ ْوق يف الرشيعة‪ ،‬واطالع عىل كامهلا‪،‬‬
‫مصالح العباد يف املعاش واملعاد‪ ،‬وجميئها بغاية العدل الذي يسع اخلالئق‪،‬‬
‫تبي له‬
‫تضمنته من املصالح‪َّ ،‬‬‫وأنَّه ال عدل فوق عدهلا‪ ،‬وال مصلحة فوق ما َّ‬
‫علم‬
‫وأن من أحاط ً‬‫أن السياسة العادلة جزء من أجزائها‪ ،‬وفرع من فروعها‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫حيتج معها إىل سياسة‬
‫وح ُسن فهمه فيها مل ْ‬
‫بمقاصدها‪ ،‬ووضعها موضعها‪َ ،‬‬
‫غريها البتة»(((‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اإلمجاع منعقد عىل أن الرشيعة جاءت بمراعاة الرضوريات اخلمس‪:‬‬
‫ً‬
‫وقد تقدَّ م معنا أن العدل هو القيمة التي حتتكم إليها بقية املقاصد؛ فحفظ‬
‫الكليات اخلمس هو عني العدل‪ ،‬واإلخالل هبا واالعتداء عليها عني الظلم؛‬
‫يتضمن املصلحة العامة واملنفعة الشاملة؛ إذ يكون اجلميع يف أمن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فالعدل‬
‫و ُيمنع الظلم والبغي والعدوان‪ ،‬وهو بذلك يدفع أرضار هذه املوبقات عن‬
‫الرضوريات اخلمس (الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬واملال‪ِ ،‬‬
‫والعرض‪ ،‬والعقل)‪.‬‬
‫كل يشء‪ ،‬فإذا ُأقيم أمر الدنيا بعدل قامت‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬العدل نظام ِّ‬
‫وإن مل يكن لصاحبها يف اآلخرة من َخالق‪ ،‬ومتى مل تقم بعدل مل تقم وإن‬
‫ي َزى به يف اآلخرة»(((‪.‬‬
‫كان لصاحبها من اإليامن ما ُ ْ‬

‫((( إعالم املوقعني عن رب العاملني‪.)11/3( ،‬‬


‫((( الطرق احلكمية‪ ،‬ص(‪.)5‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪.)146/28( ،‬‬

‫‪616‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وقال ابن خلدون يف مقدِّ مته حني تكلم عن الظلم وأثره يف خراب الدول‬
‫والعمران‪« :‬اعلم أن هذه هي احلكمة املقصودة للشارع يف حتريم الظلم‪ ،‬وهو‬
‫ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه‪ ،‬وذلك ُم ْؤ ِذ ٌن بانقطاع النوع البرشي‪،‬‬
‫وهي احلكمة العامة املراعية للرشع يف مجيع مقاصده الرضورية اخلمسة؛ من‬
‫حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬واملال‪ ،‬فلام كان الظلم كام رأيت‬
‫ُم ْؤ ِذنًا بانقطاع النوع َلِا أ َّدى إليه من ختريب العمران‪ ،‬كانت حكمة اخلطر‬
‫فيه موجودة‪ ،‬فكان حتريمه مهمًّ ‪ ،‬وأد َّلته من القرآن والسنة كثرية‪ ،‬أكثر من‬
‫أن يأخذها قانون الضبط واحلرص»(((‪.‬‬
‫فاخلالصة مما تقدَّ م أن العدل مقصد عظيم من مقاصد الرشيعة‪،‬‬
‫واالستدالل له مما ال ينحرص‪ ،‬بل ال يكاد الناظر يف األدلة الرشعية واألحكام‬
‫ً‬
‫تعليل‪ ،‬إال وهو يسوقه إىل العدل‪.‬‬ ‫حكم‪ ،‬أو‬ ‫التفصيلية أن جيد ً‬
‫دليل‪ ،‬أو ً‬
‫قال ابن تيمية يف رشحه للحديث الذي رواه أبو ذر ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬قال اهلل ‪ :‬يا عبادي‪ ،‬إين َّ‬
‫حرمت الظلم عىل‬
‫حمر ًما؛ فال تظاملوا‪.((())...‬‬
‫نفيس‪ ،‬وجعلته بينكم َّ‬
‫حمر ًما فال‬
‫قال‪« :‬وأما هذه اجلملة الثانية وهي قوله‪(( :‬وجعلته بينكم َّ‬
‫تظاملوا))‪ ،‬فإهنا جتمع الدين كله؛ َّ‬
‫فإن ما هنى اهلل عنه راجع إىل الظلم‪ ،‬وكل‬
‫ما أمر به راجع إىل العدل»(((‪.‬‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪.)288/1( ،‬‬


‫((( سبق ختريج احلديث‪ ،‬ص(‪)613‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪.)157/18( ،‬‬

‫‪617‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ومن مجيل ما قال أبو زهرة حول العدل‪« :‬بيانه أعىل مما تشمله عقولنا‪،‬‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ ۡ ُ ُ ۡ‬
‫وقد ابتدأ سبحانه وتعاىل به‪ ،‬أي يف قوله‪﴿ :‬إِن ٱلل يأمر بِٱلعد ِل﴾ ؛ ألنه‬
‫(((‬

‫يتعلق بالكافة‪ ،‬وهو مطلوب يف كل حال»(((‪.‬‬

‫((( سورة النحل‪ ،‬آية‪.90 :‬‬


‫((( زهرة التفاسري (‪.)4249/8‬‬

‫‪618‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫المبحث الثاني‬
‫مقصد العدل وتطبيقاته في «نظام اإلجراءات‬
‫الجزائية»‬
‫إن العدل هو املقصد األسايس الذي يستهدفه «نظام اإلجراءات‬
‫اجلزائية»‪ ،‬يقول الدكتور عبد احلميد احلرقان يف رشحه لـ«نظام اإلجراءات‬
‫اجلزائية»‪« :‬وتستهدف اإلجراءات اجلزائية حتقيق العدالة اجلنائية‪ ،‬عن‬
‫طريق التوفيق بني مصلحة املجتمع يف الكشف عن اجلرائم والتحقيق مع‬
‫املتهمني فيها‪ ،‬وحماكمتهم‪ ،‬ومعاقبتهم متى ثبت ُجرمهم من جهة‪ ،‬ومصلحة‬
‫األفراد يف محاية حقوقهم وحرياهتم الفردية التي جاءت النصوص الرشعية‬
‫والنظامية بإقرارها من جهة أخرى»(((‪.‬‬
‫سنتطرق لتطبيقات العدل يف إجراءات التحقيق‪ ،‬سواء منها ما‬ ‫َّ‬ ‫وفيام يأيت‬
‫يتع َّلق بالتنقيب عن األدلة‪ ،‬أو إجراءات التحقيق املق ِّيدة حلرية املتهم‪ ،‬فمن‬
‫هذه التطبيقات‪:‬‬
‫‪ 1.‬رضورة أن تكون اإلجراءات ناجزة‪:‬‬
‫فالتأخري يف اإلجراءات قد يتس َّبب يف تغيري أو إلغاء حال كان الواجب‬
‫بقاؤها‪ ،‬وقد يتس َّبب التأخري يف حلاق الرضر بشخص بريء‪ ،‬ولذا نص‬
‫النظام عىل وجوب املبادرة يف أمور كثرية؛ كحفظ األدلة اجلنائية‪ ،‬واملحافظة‬
‫ُغي؛ فأي تأخري يف االنتقال ملوقع اجلريمة‬ ‫ُطمس معاملها أو ت َّ‬
‫عليها من أن ت َ‬
‫ومعاينته قد يتسبب يف تغيري أدلة اجلريمة‪ ،‬مما يؤ ِّثر يف عدالة التحقيق‪.‬‬
‫((( رشح «نظام اإلجراءات اجلزائية»‪ ،‬ص(‪.)7‬‬

‫‪619‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫جاء يف املادة التاسعة والسبعني‪:‬‬


‫«ينتقل املح ِّقق ‪-‬عند االقتضاء‪ -‬فور إبالغه بوقوع جريمة داخلة يف‬
‫اختصاصه إىل مكان وقوعها إلجراء املعاينة الالزمة قبل زواهلا‪ ،‬أو َط ْمس‬
‫معاملها‪ ،‬أو تغيريها»‪.‬‬
‫وهذا االنتقال يكون وجوب ًّيا يف اجلرائم الكبرية حتى لو ُو ِجد شك أو‬
‫نزاع يف االختصاص املكاين والنوعي(((‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪-‬أي ما جيب التعامل معه عىل الفور‪ -‬حق املتهم يف‬
‫االستجواب خالل أربع وعرشين ساعة‪ ،‬وح ُّقه يف إبالغه ً‬
‫فورا بأسباب‬
‫القبض عليه أو توقيفه‪.‬‬
‫جاء يف املادة التاسعة بعد املائة‪:‬‬
‫فورا‪ ،‬وإذا َّ‬
‫تعذر‬ ‫«جيب عىل املح ِّقق أن يستجوب املتهم املقبوض عليه ً‬
‫ذلك ف ُيو َدع مكان التوقيف إىل حني استجوابه‪ ،‬وجيب أال تزيد مدة إيداعه‬
‫عىل أربع وعرشين ساعة‪ ،‬فإذا مضت هذه املدة دون استجوابه وجب عىل‬
‫مدير التوقيف إبالغ رئيس الدائرة التي يتبعها املح ِّقق‪ ،‬وعىل الدائرة أن تبادر‬
‫إىل استجوابه ً‬
‫حال‪ ،‬أو تأمر بإخالء سبيله»‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الئحة اإلجراءات اجلزائية‪.)1/53( ،‬‬

‫‪620‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وجاء يف املادة السادسة عرشة بعد املائة‪:‬‬


‫فورا ُّ‬
‫كل َمن ُيقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو توقيفه‪،‬‬ ‫« ُيب َّلغ ً‬
‫ويكون له حق االتصال بمن يراه إلبالغه‪ ،‬ويكون ذلك حتت رقابة رجل‬
‫الضبط اجلنائي»‪.‬‬
‫‪ 2.‬وجوب املحافظة عىل األدلة‪:‬‬
‫جيب عىل املح ِّققني املحافظة عىل األدلة اجلنائية؛ ألن ضياع األدلة أو‬
‫تغيريها أو التعدي عليها بأي وسيلة مؤ ِّثر يف عدالة التحقيق وصحة نتائجه‪.‬‬
‫جاء يف املادة التاسعة والسبعني‪:‬‬
‫«ينتقل املحقق ‪-‬عند االقتضاء‪ -‬فور إبالغه بوقوع جريمة داخلة يف‬
‫اختصاصه إىل مكان وقوعها إلجراء املعاينة الالزمة قبل زواهلا أو طمس‬
‫معاملها أو تغيريها»‪.‬‬
‫ونصت «الئحة نظام اإلجراءات اجلزائية» (‪ :)2/55‬أن للمحقق أن‬ ‫َّ‬
‫مرسحا للجريمة‪ ،‬أو التي‬
‫ً‬ ‫يأمر بوضع األختام عىل األماكن التي كانت‬
‫خت َّلفت فيها آثار‪ ،‬أو أشياء تُفيد يف كشف احلقيقة‪.‬‬
‫ومن ذلك املحافظة عىل املضبوطات أثناء التفتيش بإحرازها حتى ال‬
‫ُغي مضامينها وما احتوت عليه‪ ،‬جاء يف املادة اخلمسني‪ُ :‬‬
‫«تفظ األشياء‬ ‫ت َّ‬
‫املحرزة يف أماكن ُت َعدُّ هلذا الغرض لدى جهة الضبط اجلنائي املختصة‪،‬‬
‫َ‬
‫حمتوية عىل إجراءات السالمة واألمان‪ ،‬ويكون حفظها بحسب ما تقتضيه‬
‫طبيعة كل ُم َرز»‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫‪3.‬أن إجراءات التحقيق ال تعني احلق يف التعدي والتجاوز يف حق املتهم‬


‫أو غريه‪:‬‬
‫فمن ذلك أنه ال يتعدى رضر إجراء املعاينة ملن أصيب يف موقع اجلريمة‬
‫بمنع إسعاف املصابني؛ وذلك أن عدم إسعاف املصابني أو التأخري يف ذلك‬
‫رضر و َت َعدٍّ عليهم بال حق‪.‬‬
‫جاء يف املادة التاسعة والسبعني‪:‬‬
‫«ينتقل املح ِّقق ‪-‬عند االقتضاء‪ -‬فور إبالغه بوقوع جريمة داخلة يف‬
‫اختصاصه إىل مكان وقوعها إلجراء املعاينة الالزمة‪ ...‬وال حيول ذلك دون‬
‫إسعاف املصابني»‪.‬‬
‫ومن هذا اجلانب ‪-‬ضامن عدم التعدي‪ -‬أن «نظام اإلجراءات اجلزائية»‬
‫يمنع التفتيش والدخول عىل األماكن املسكونة إال يف أحوال منصوصة وفق‬
‫أمر مس َّبب‪ ،‬مع وضوح اهلدف من التفتيش‪ ،‬وأن يكون ذلك وفق ضوابط‬
‫معينة وحمدَّ دة‪ ،‬وال يتعدى التفتيش إىل غري املتهم إال مع وجود قرائن‬
‫وأمارات تُثبت عالقته؛ ألن تعدي الرضر إىل غري املتهم مع عدم وجود‬
‫ٍ‬
‫مناف للعدل‪.‬‬ ‫قرائن وأمارات ضده اعتداء‬
‫جاء يف املادة الثانية واألربعني‪:‬‬
‫«ال جيوز لرجل الضبط اجلنائي الدخول إىل أي مكان مسكون‪ ،‬أو تفتيشه‬
‫إال يف األحوال املنصوص عليها نظا ًما‪ ،‬وبأمر مس َّبب من النيابة العامة‪ ،‬وما‬
‫عدا املساكن ف ُيكتفى يف تفتيشها بإذن مس َّبب من املحقق»‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫جاء يف املادة السادسة واألربعني‪:‬‬


‫«ال جيوز التفتيش إال للبحث عن األشياء اخلاصة باجلريمة اجلاري مجع‬
‫املعلومات عنها‪ ،‬أو التحقيق يف شأهنا»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة السابعة واألربعني‪:‬‬
‫«يكون تفتيش املسكن بحضور صاحبه أو َم ْن ُينيبه‪ ،‬أو أحد أفراد أرسته‬
‫تعذر حضور أحد هؤالء وجب أن يكون‬ ‫الكامل األهلية املقيم معه‪ ،‬وإذا َّ‬
‫التفتيش بحضور عمدة احلي أو َم ْن يف ُحكمه أو شاهدَ ين‪ ،‬و ُي َمكَّن صاحب‬
‫املسكن أو َم ْن ينوب عنه من االطالع عىل إذن التفتيش‪ ،‬و ُي ْث َبت ذلك يف‬
‫املحرض‪.‬‬
‫وجاء يف املادة اخلامسة واخلمسني‪:‬‬
‫«ال جيوز تفتيش غري املتهم أو مسكن غري مسكنه‪ ،‬إال إذا اتضح من‬
‫أمارات قوية أن هذا التفتيش سيفيد يف التحقيق»‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪-‬أي ضامن عدم التعدي‪ -‬أن التفتيش ال يكون يف الليل؛ ألنه‬
‫وقت السكون‪ ،‬فالتفتيش فيه ُم ْف ِزع للمتهم و َمن حوله‪.‬‬
‫جاء يف املادة الثانية واخلمسني‪:‬‬
‫هنارا من رشوق الشمس إىل غروهبا يف حدود‬ ‫«جيب أن يكون التفتيش ً‬
‫خيوهلا النظام‪ ،‬ويمكن أن يستمر التفتيش إىل الليل ما دام‬ ‫السلطة التي ِّ‬
‫متصل‪ ،‬وال جيوز دخول املساكن ً‬
‫ليل إال يف حال التل ُّبس باجلريمة«‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إجراؤه‬

‫‪623‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ومن ذلك ‪-‬أي ضامن عدم التعدي‪ -‬أن النظام يمنع االعتداء عىل‬
‫األموال‪ ،‬وحتى املضبوطات ال بد ِمن حفظها‪ ،‬وهذا احلفظ قد يكون حف ًظا‬
‫معنو ًّيا باملحافظة عىل الرسية‪ ،‬أو حف ًظا ماد ًّيا؛ لذا جاء يف املادة اخلمسني‪:‬‬
‫املحرزة يف أماكن ُت َعدُّ هلذا الغرض لدى جهة الضبط‬‫َّ‬ ‫«‪ْ ُ ...‬‬
‫‪-2‬ت َفظ األشياء‬
‫اجلنائي املختصة‪ ،‬حمتوية عىل إجراءات السالمة واألمان‪ ،‬ويكون حفظها‬
‫بحسب ما تقتضيه طبيعة كل حمرز»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة احلادية والستني‪:‬‬
‫«جيب عىل املحقق وعىل كل من وصل إىل علمه ‪-‬بسبب التفتيش‪-‬‬
‫معلومات عن األشياء واألوراق املضبوطة؛ أن حيافظ عىل رسيتها‪ ،‬وأال‬
‫ينتفع هبا بأي طريقة كانت‪ ،‬أو ُيفيض هبا إىل غريه‪ ،‬إال يف األحوال التي يقيض‬
‫مسوغ نظامي‪ ،‬أو انتفع هبا بأي طريقة كانت‪،‬‬‫النظام هبا‪ ،‬فإذا أفىض هبا دون ِّ‬
‫تع َّينت مساءلته»‪.‬‬
‫ومن ضامن عدم التعدي أنه ال جيوز فض املختومات إال بوجود املتهم‪،‬‬
‫أو وكيله‪ ،‬أو َمن ُضبِطت معه‪.‬‬
‫جاء يف املادة احلادية واخلمسني‪:‬‬
‫«ال جيوز فض األختام املوضوعة ‪-‬طب ًقا للامدة (اخلمسني) من هذا‬
‫النظام‪ -‬إال بحضور املتهم‪ ،‬أو وكيله‪ ،‬أو َمن ُضبِطت عنده هذه األشياء‪ ،‬أو‬
‫بعد دعوهتم لذلك وإبالغهم هبا وعدم حضورهم يف الوقت املحدد»‪.‬‬

‫‪624‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ومن ذلك ‪-‬أي ضامن عدم جتاوز إجراءات التحقيق بالتعدي عىل‬
‫احلقوق‪ -‬أنه ال جيوز مراقبة املحادثات اهلاتفية وتسجيلها إال بأمر أو إذن‬
‫مس َّبب‪ ،‬وال ُيزاد فيه عن املدة املحددة‪.‬‬
‫جاء يف املادة السادسة واخلمسني‪:‬‬
‫«للرسائل الربيدية والربقية واملحادثات اهلاتفية وغريها من وسائل‬
‫االتصال ُحرمة‪ ،‬فال جيوز اال ِّطالع عليها أو مراقبتها إال بأمر مس َّبب وملدة‬
‫حمددة‪ ،‬وف ًقا ملا ينص عليه هذا النظام»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة السابعة واخلمسني‪:‬‬
‫«للنائب العام أن يأمر بضبط الرسائل واخلطابات واملطبوعات والطرود‪،‬‬
‫وله أن يأذن بمراقبة املحادثات اهلاتفية وتسجيلها‪ ،‬متى كان لذلك فائدة يف‬
‫ظهور احلقيقة يف جريمة وقعت‪ ،‬عىل أن يكون األمر أو اإلذن مس َّب ًبا وحمدَّ ًدا‬
‫بمدة ال تزيد عىل عرشة أيام قابلة للتجديد وف ًقا ملقتضيات التحقيق»‪.‬‬
‫‪4.‬االستعانة باخلرباء لضامن دقة التحقيق وضامن العدالة‪:‬‬
‫قد تتطلب ظروف التحقيق معرفة أمر تقرص خربة املحقق الفنية عن‬
‫اإلملام به‪ ،‬فيستعني بخبري خمتص يوضح له ما استعىص عىل إدراكه؛ كتحديد‬
‫سبب الوفاة‪ ،‬وساعتها‪ ،‬أو نوع السالح‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهذا بال شك أوثق‬
‫حتري العدالة‪.‬‬
‫يف ِّ‬
‫جاء يف الالئحة التنفيذية لـ«نظام اإلجراءات اجلزائية» (‪« :)2/54‬يك ِّلف‬
‫املحقق خرباء األدلة اجلنائية بالبحث عام تركه اجلاين من آثار تفيد التحقيق؛‬

‫‪625‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ور ْفع‬
‫كآثار األقدام والبصامت وبقع الدم وفحص املالبس‪ ،‬وبقية األشياء‪َ ،‬‬
‫وأخذ صور ملكان وقوع‬ ‫اآلثار املتخ ِّلفة عن اجلريمة‪ ،‬ووضع رسم ختطيطي‪ْ ،‬‬
‫اجلريمة»‪.‬‬
‫‪5.‬حق اخلصوم يف الدفاع واالعرتاض عىل اخلرباء املنتدَ بني للمعاينة‪:‬‬
‫متى استعان املح ِّقق بخبري واعرتض عليه اخلصوم فإن قاعدة نَدْ ب‬
‫اخلرباء تنص عىل أنه للخصوم احلق يف االعرتاض إذا ُو ِجدت أسباب‬
‫تدعو إىل ذلك‪ ،‬ويقدَّ م االعرتاض للمحقق مس َّب ًبا ؛ ويف االلتفات العرتاض‬
‫اخلصوم والفصل فيه حتقيق ظاهر ملقصد العدل ؛ وقد جاء التعليل يف النظام‬
‫بأن اخلبري شاهد فني يرا َعى فيه ما يف الشاهد من االحرتاز من العداوة‬
‫والقرابة ونحوها‪.‬‬
‫جاء يف املادة الثامنة والسبعني‪:‬‬
‫«للخصوم االعرتاض عىل اخلبري إذا ُو ِجدت أسباب قوية تدعو إىل‬
‫يبي فيه أسباب‬
‫ذلك‪ ،‬و ُيقدَّ م االعرتاض إىل املحقق للفصل فيه‪ ،‬وجيب أن َّ‬
‫االعرتاض»‪.‬‬
‫وذلك أن اخلبري شاهد فني يرا َعى فيه ما يف الشاهد من االحرتاز من‬
‫العداوة والقرابة‪ ،‬ونحوها(((‪.‬‬
‫تقريرا‬
‫ً‬ ‫وجاء يف املادة السابعة والسبعني‪« :‬لكل واحد من اخلصوم أن يقدِّ م‬
‫من خبري آخر بصفة استشارية»‪ ،‬وجاء يف الالئحة (‪ )4/51‬أن للخبري أن‬

‫((( انظر‪ :‬محاية الشهود يف القانون اجلنائي الوطني والدويل‪ ،‬أمحد الشواين‪ ،‬ص(‪.)49‬‬

‫‪626‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫يطلب متكينه من االطالع عىل األوراق واألشياء التي سبق تقديمها للخبري‬
‫املعي من ِق َبل املح ِّقق‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪6.‬وجوب توثيق اإلجراءات‪:‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬توثيق شهادة الشهود‪ ،‬وكامل البيانات اخلاصة هبم‪ ،‬وكذلك‬
‫توثيق سامع املح ِّقق هلا‪ ،‬وتصديق الشاهد عليها حتى ال ت َّ‬
‫ُغي زيادة‪ ،‬أو‬
‫نقصانًا‪ ،‬أو حتري ًفا‪ ،‬مما يؤثر عىل العدالة‪ ،‬وهذا له أثر كبري يف إثبات اجلريمة‬
‫وبيان ظروفها وإسنادها إىل املتهم أو براءته منها‪ ،‬وتكمن أمهية الشهود يف‬
‫أثرا‪ ،‬فال يبقى إال االعتامد عىل شهادة الشاهد يف كشفها‪،‬‬
‫أن اجلاين قد ال يرتك ً‬
‫ولذا ومع التقدم العلمي فال زالت شهادة الشهود عامد اإلثبات اجلنائي‪،‬‬
‫وتدوين الشهادة إجراء دقيق‪ ،‬ولذا جاء يف املادة السادسة والتسعني‪:‬‬
‫«عىل املحقق أن ُيثبت يف املحرض البيانات الكاملة عن كل شاهد‪ ،‬تشمل‬
‫وسنّه‪ ،‬ومهنته أو وظيفته‪ ،‬وجنسيته‪ ،‬ومكان إقامته‪،‬‬ ‫اسم الشاهد‪ ،‬ولقبه‪ِ ،‬‬
‫وصلته باملتهم واملجني عليه واملدَّ ِعي باحلق اخلاص‪ .‬وتُدَ َّون تلك البيانات»‬
‫‪-‬أي بيانات الشاهد‪« -‬وشهادة الشهود‪ ،‬وإجراءات سامعها يف املحرض من‬
‫عتمد يشء من‬‫غري تعديل‪ ،‬أو شطب‪ ،‬أو كشط‪ ،‬أو حتشري‪ ،‬أو إضافة‪ ،‬وال ُي َ‬
‫ذلك إال إذا صدّ ق عليه املح ِّقق والكاتب والشاهد»‪.‬‬

‫‪627‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫وجاء يف املادة السابعة والتسعني‪:‬‬


‫«يضع كل من املح ِّقق والكاتب توقيعه عىل الشهادة‪ ،‬وكذلك الشاهد‬
‫بعد تالوهتا عليه‪ ،‬فإن امتنع عن وضع توقيعه أو بصمته‪ ،‬أو مل يستطع‪،‬‬
‫ف ُي ْث َب ُت ذلك يف املحرض مع ذكر األسباب التي ُي ْب ِدهيا»‪.‬‬
‫‪7.‬وجود ضامنات لالستجواب والتوقيف تضمن عدالة املعاملة مع‬
‫املتهم ِ‬
‫وح ْفظ كرامته بعدم إكراهه أو إيذائه‪:‬‬
‫التعدي عىل املتهم بإساءة املعاملة أو اإلكراه مؤ ِّثر كبري عىل عدالة‬
‫التحقيق وصدق االستجواب‪ ،‬ولذا نص النظام عىل عدالة املعاملة‪ِ ،‬‬
‫وح ْفظ‬
‫كرامة املتهم‪ ،‬وعدم التأثري عىل إرادته باإلكراه والتحليف‪.‬‬
‫جاء يف املادة الثانية بعد املائة‪:‬‬
‫«جيب أن يكون االستجواب يف حال ال تأثري فيها عىل إرادة املتهم يف‬
‫إبداء أقواله‪ ،‬وال جيوز حتليفه وال استعامل وسائل اإلكراه ضده‪ ،‬وال جيوز‬
‫استجواب املتهم خارج مقر جهة التحقيق إال لرضورة يقدِّ رها املحقق»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة اخلامسة والستني‪:‬‬
‫«للمتهم حق االستعانة بوكيل أو حما ٍم حلضور التحقيق»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة السبعني‪:‬‬
‫«ليس للمحقق ‪-‬أثناء التحقيق‪ -‬أن يعزل املتهم عن وكيله أو حماميه‬
‫احلارض معه»‪.‬‬

‫‪628‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫وجاء يف املادة اخلامسة والثالثني‪:‬‬


‫«يف غري حاالت التل ُّبس ال جيوز القبض عىل أي إنسان‪ ،‬أو توقيفه إال‬
‫بأمر من السلطة املختصة بذلك»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة السادسة الثالثني أنه‪ :‬جيب معاملته «بام حيفظ كرامته‪ ،‬وال‬
‫جيوز إيذاؤه جسد ًّيا أو معنو ًّيا‪ ،‬وجيب إخباره بأسباب توقيفه‪ ،‬ويكون له‬
‫احلق يف االتصال بمن يرى إبالغه»‪.‬‬
‫‪8.‬حق التظ ُّلم واإلبالغ يف حالة اإليقاف غري املرشوع‪:‬‬
‫لكل َمن ُأوقف احتياط ًّيا أن يتظلم‪ ،‬وكذلك حيق لكل من علم بوجود‬
‫موقوف بصفة غري مرشوعة أو يف مكان غري خمصص للتوقيف أن يب ِّلغ‬
‫فورا إىل املكان الذي يوجد فيه املوقوف‪.‬‬
‫النيابة‪ ،‬وعىل عضو النيابة أن ينتقل ً‬
‫جاء يف املادة اخلامسة عرشة بعد املائة‪« :‬وللموقوف احتياط ًّيا التظ ُّلم من‬
‫أمر توقيفه‪ ،‬أو أمر متديد التوقيف»‪.‬‬
‫وجاء يف املادة الثامنة والثالثني‪:‬‬
‫«عىل املختصني من أعضاء النيابة العامة زيارة السجون ودور التوقيف‬
‫يف دوائر اختصاصهم يف أي وقت دون التقيد بالدوام الرسمي‪ ،‬والتأكد‬
‫من عدم وجود مسجون أو موقوف بصفة غري مرشوعة‪ ،‬وأن يطلعوا عىل‬
‫سجالت السجون وأماكن التوقيف‪ ،‬وأن يتَّصلوا باملسجونني واملوقوفني‪،‬‬
‫وأن يسمعوا شكاواهم‪ ،‬وأن يتس َّلموا ما يقدِّ مونه يف هذا الشأن‪ ،‬وعىل‬

‫‪629‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫مديري السجون أماكن التوقيف أن يقدِّ موا ألعضاء النيابة العامة كل ما‬
‫حيتاجونه ألداء مهامهم»‪.‬‬
‫وجاء يف الالئحة (‪« :)2/26‬عىل أعضاء النيابة املختصني بزيارة‬
‫السجون وأماكن التوقيف التح ُّقق من وجود سجل قيد شكاوى املسجونني‬
‫أو املوقوفني‪ ،‬واالطالع عليه‪ ،‬والتوقيع يف آخر صفحة بام يفيد ذلك» ‪.‬‬
‫‪9.‬مراعاة ظروف املتهم‪:‬‬
‫إن النظام يؤكد عىل أنه ومع وجود االهتام فال بد أن يعامل املتهم بعدالة‬
‫ال للحيف عليه وظلمه‪ ،‬فنص النظام عىل االلتفات‬ ‫وال يكون االهتام سبي ً‬
‫حلالة املتهم الصحية‪ ،‬والنظر يف االعرتاضات التي ُيبدهيا‪ ،‬فجاء يف املادة‬
‫احلادية عرشة بعد املائة‪« :‬إذا اعرتض املتهم عىل نقله‪ ،‬أو كانت حالته‬
‫الصحية ال تسمح بالنقل يب َّلغ املحقق بذلك‪ ،‬وعليه أن ُيصدر أمره ً‬
‫فورا بام‬
‫يلزم»‪.‬‬

‫‪630‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل يف األوىل واآلخرة‪ ،‬وصىل اهلل عىل نبينا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه‬
‫وقفت عليها يف هذا البحث‪:‬‬‫ُ‬ ‫وسلم‪ ،‬وفيام يأيت أهم النتائج التي‬
‫‪1.‬العدل باملعنى اللغوي هو التسوية واملامثلة واملوازنة‪.‬‬
‫‪2.‬العدل املراد يف هذا البحث يدور حول معن َيني‪ :‬التسوية‪ ،‬وإعطاء كل‬
‫ذي حق ح َّقه‪.‬‬
‫قسم العلامء العدل باعتبارات متعدِّ دة‪.‬‬
‫‪َّ 3.‬‬
‫‪4.‬اإلجراءات اجلزائية هي جمموعة القواعد الرشعية والنظامية‬
‫التي تُن ِّظم عملية الكشف عن اجلرائم والتحقيق فيها‪ ،‬و َت َع ُّقب مرتكبيها‬
‫وحماكمتهم‪ ،‬وكيفية حتقيق العقوبة يف حقهم ‪-‬يف حال إدانتهم بارتكاب‬
‫جريمة جنائية‪ -‬وتُقدِّ م يف الوقت ذاته احلامية الالزمة لألفراد؛ لضامن عدم‬
‫إساءة معاملتهم أو إدانتهم خطأ‪.‬‬
‫‪5.‬التحقيق اجلنائي هو جمموعة اإلجراءات التي تبارشها سلطة التحقيق‬
‫ضمن اإلطار الذي رسمه النظام هبدف البحث والتنقيب عن األدلة التي‬
‫تساعد عىل كشف احلقيقة يف جريمة ارت ِ‬
‫ُك َبت لتحديد مدى كفايتها إلحالة‬
‫املتهم إىل املحاكمة‪.‬‬
‫‪6.‬اجلهة املختصة بالتحقيق يف اجلرائم يف اململكة العربية السعودية هي‬
‫النيابة العامة‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫‪7.‬يوجد اجتاهان عند العلامء يف تسمية املقصد‪ ،‬فمنهم َمن جعل املقصد‬
‫هو املساواة‪ ،‬واخلروج من هذا األصل إنام هو ملوانع حت ِّقق معنًى أدق‪ ،‬وهو‬
‫العدل‪ ،‬ومنهم من جعل األصل واملقصد هو العدل الذي هو إعطاء كل ذي‬
‫حق ح َّقه‪.‬‬
‫واستقرارا من التسمية باملساواة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪8.‬التسمية بمقصد العدل أكثر ا ِّطرا ًدا‬
‫‪9.‬العدل قد أكَّدت عليه الرشيعة‪ ،‬وجاءت أد َّلتها رصحية يف األمر به‪،‬‬
‫واحلث عىل القيام بمتط َّلباته‪ ،‬سواء كان العدل مقصدً ا من مقاصد الرشيعة‬
‫ً‬
‫استقالل‪ ،‬أو منطو ًيا يف املقاصد‪.‬‬ ‫الكلية‬
‫ ‪10.‬العدل هو القيمة الكلية التي حتتكم إليها املقاصد‪ ،‬وهو املقصد‬
‫األعظم الذي تنتظم عليه مجلة الرضوريات واحلاجيات‪.‬‬
‫ ‪11.‬حفظ الكليات اخلمس هو عني العدل‪ ،‬واإلخالل هبا واالعتداء‬
‫عليها عني الظلم‪.‬‬
‫ ‪12.‬مقصد العدل من مقاصد األصول‪ ،‬فهو يف ذاته مصلحة‪.‬‬
‫‪13.‬مقصد العدل من املقاصد القطعية يف الرشيعة‪.‬‬
‫خاصا‬
‫ًّ‬ ‫ ‪14.‬مقصد العدل قد يكون مقصدً ا عا ًّما‪ ،‬وقد يكون مقصدً ا‬
‫بباب من أبواب الرشيعة‪ ،‬وقد يكون مقصدً ا جزئ ًّيا متعل ًقا بمسألة‪.‬‬
‫ ‪15.‬مقصد العدل من مقاصد الشارع وغاياته‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪16.‬مقصد العدل من املقاصد احلقيقية التي هلا حت ُّقق يف نفسها‪ ،‬بحيث‬


‫تدرك العقول السليمة مالءمتها للمصلحة أو منافرهتا هلا‪.‬‬
‫ ‪17.‬طرق الكشف عن املقاصد الرشعية من أخطر مباحث املقاصد‬
‫وأوالها بالتمحيص والتدقيق؛ ذلك أنه يرتتب عليها اعتامد هذا املقصد‪،‬‬
‫وترجيحا‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫وبناء املسائل عليه حتقي ًقا واستنبا ًطا‬
‫ ‪18.‬ومقصد العدل من املقاصد التي جاءت الرشيعة باعتباره مقصدً ا‬
‫من طرق كثرية؛ حيث جاءت النصوص الرشعية بإثبات كون العدل مقصدً ا‬
‫للرشع‪.‬‬
‫ ‪19.‬جاءت النصوص الرشعية املتواترة باألمر بالعدل ابتدا ًء‪.‬‬
‫ ‪20.‬جاءت النصوص الرشعية متواترة باألمر بموجبات العدل‬
‫وطرائقه‪ ،‬وكل ما هو وسيلة وطريق موصل إليه‪.‬‬
‫ ‪21.‬جاءت األدلة متواترة عىل النهي عن ضد العدل وهو الظلم‪،‬‬
‫والنهي عن كل وسيلة وطريقة تؤدي إليه‪.‬‬
‫ ‪22.‬العدل ملحوظ باستقراء الرشع وأخباره وأحكامه‪ ،‬وهو روح‬
‫الرشيعة ِ‬
‫وس َمتها الظاهرة‪.‬‬
‫‪23.‬العدل مقصد عظيم من مقاصد الرشيعة‪ ،‬واالستدالل له مما ال‬
‫ينحرص‪ ،‬بل ال يكاد الناظر يف األدلة الرشعية واألحكام التفصيلية أن جيد‬
‫ً‬
‫تعليل إال وهو يسوقه إىل العدل‪.‬‬ ‫حكم أو‬ ‫ً‬
‫دليل أو ً‬

‫‪633‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪24.‬العدل هو املقصد األسايس الذي يستهدفه «نظام اإلجراءات‬


‫اجلزائية»‪.‬‬
‫ظاهرا يف مجلة من التطبيقات يف «نظام‬
‫ً‬ ‫ظهورا‬
‫ً‬ ‫ ‪25.‬أن ملقصد العدل‬
‫اإلجراءات اجلزائية» يف مرحلة التحقيق‪.‬‬
‫خالصا‪ ،‬فام كان‬
‫ً‬ ‫وختاما‪ :‬أسأل اهلل تعاىل أن ينفع هبذا اجلهد‪ ،‬وأن جيعله‬
‫ً‬
‫من صواب فمن اهلل‪ ،‬وما كان من خطأ فمن نفيس والشيطان‪ ،‬واهلل املستعان‬
‫أن يوفقنا إىل اخلري‪ ،‬وهيدينا إىل احلق‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪ ،‬وعىل‬
‫آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪634‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫‪1.‬االجتهاد املقاصدي (حجيته‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬جماالته)‪ ،‬نور الدين بن خمتار اخلادمي‪،‬‬
‫الدوحة‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬كتاب األمة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد بن حبيب البرصي‬
‫البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي‪ ،‬النارش‪ :‬دار مكتبة احلياة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪3.‬االستقامة‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن‬
‫عبد اهلل بن أيب القاسم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبيل الدمشقي‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫د‪ .‬حممد رشاد سامل‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود ‪ -‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬اإلسالم واحلرية سوء الفهم التارخيي‪ ،‬حممد الرشيف‪ ،‬منشورات رابطة‬
‫العقالنيني العرب‪ ،‬دار البرتاء للتوزيع‪ ،‬عام ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪5.‬اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،‬د‪ .‬حممد عامرة‪ ،‬عامل املعرفة‪1985 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6.‬أسنى املطالب يف رشح روض الطالب‪ ،‬زكريا بن حممد بن زكريا األنصاري‪،‬‬
‫زين الدين أبو حييى السنيكي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪7.‬أصول النظام االجتامعي يف اإلسالم‪ ،‬حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬
‫الكويت‪.‬‬
‫‪8.‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد شمس‬
‫الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪9.‬البداية والنهاية‪ ،‬أبو الفداء إسامعيل بن عمر بن كثري القريش البرصي ثم‬
‫الدمشقي‪ ،‬املحقق‪ :‬عيل شريي‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬

‫‪635‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪10.‬الربهان يف أصول الفقه‪ ،‬عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويني‪،‬‬
‫أبو املعايل‪ ،‬امللقب بإمام احلرمني‪ ،‬املحقق‪ :‬صالح بن حممد بن عويضة‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الرزاق احلسيني‪،‬‬
‫حممد بن عبد ّ‬
‫حممد بن ّ‬‫ ‪11.‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ّ ،‬‬
‫أبو الفيض‪ ،‬املل ّقب بمرتىض‪َّ ،‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬املحقق‪ :‬جمموعة من املحققني‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار اهلداية‪.‬‬
‫ ‪12.‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلميل‪ ،‬أبو‬
‫جعفر الطربي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الرتاث ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪13.‬التحرير والتنوير «حترير املعنى السديد وتنوير العقل اجلديد من تفسري الكتاب‬
‫املجيد»‪ ،‬حممد الطاهر بن حممد بن حممد الطاهر بن عاشور التونيس‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫الدار التونسية للنرش‪ ،‬تونس‪1984 :‬هـ‪.‬‬
‫وصححه‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ ‪14.‬التعريفات‪ ،‬عيل بن حممد بن عيل الزين الرشيف اجلرجاين‪ ،‬ضبطه‬
‫مجاعة من العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية بريوت ‪-‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1403 ،‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬أبو الفداء إسامعيل بن عمر بن كثري القريش البرصي ثم‬
‫الدمشقي‪ ،‬املحقق‪ :‬سامي بن حممد سالمة‪ ،‬النارش‪ :‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان‪ ،‬عبد الرمحن بن نارص بن عبد اهلل‬
‫السعدي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد الرمحن بن معال اللوحيق‪ ،‬النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1420 ،‬هـ ‪2000-‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬تفسري احلجرات ‪ -‬احلديد‪ ،‬الشيخ حممد بن صالح بن حممد العثيمني‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الثريا للنرش والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬

‫‪636‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪18.‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬حممد رشيد بن عيل رضا القلموين‬
‫احلسيني‪ ،‬النارش‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬محاية الشهود يف القانون اجلنائي الوطني والدويل‪ ،‬أمحد الشواين‪ ،‬املركز القومي‬
‫لإلصدارات القانونية‪ ،‬الطبعة األوىل‪2014 ،‬م‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪20.‬الدر املختار رشح تنوير األبصار وجامع البحار‪ ،‬حممد بن عيل بن حممد ِ‬
‫احل ْصني‬
‫املعروف بعالء الدين احلصكفي احلنفي‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد املنعم خليل إبراهيم‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1423 ،‬هـ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬الذريعة إىل مكارم الرشيعة‪ ،‬أبو القاسم احلسني بن حممد املعروف بالراغب‬
‫األصفهاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد أبو زيد العجمي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار السالم ‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬عام النرش‪1428 :‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫ ‪22.‬الرياض النارضة واحلدائق النرية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبد اهلل بن حممد‪ ،‬حمب‬
‫الدين الطربي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫ ‪23.‬زهرة التفاسري‪ ،‬حممد بن أمحد بن مصطفى بن أمحد املعروف بأيب زهرة‪ ،‬دار‬
‫النرش‪ :‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫ ‪24.‬السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬د‪ .‬حممد املرزوقي‪ ،‬العبيكان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪25.‬سنن الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪ ،‬الرتمذي‪،‬‬
‫أبو عيسى‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬وحممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم‬
‫عطوة عوض‪ ،‬املدرس يف األزهر الرشيف‪ ،‬النارش‪ :‬رشكة مكتبة ومطبعة‬
‫مصطفى البايب احللبي ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1395 ،‬هـ ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫ ‪26.‬املجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب‬
‫بن عيل اخلراساين‪ ،‬النسائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬النارش‪ :‬مكتب‬
‫املطبوعات اإلسالمية ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪27.‬السياسة الرشعية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد اهلل بن أيب القاسم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبيل الدمشقي‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫وزارة الشئون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ‪ -‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪28.‬رشح قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬حممود حسني‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬رشح «نظام اإلجراءات اجلزائية»‪ ،‬للدكتور عبد احلميد احلرقان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1436 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪30.‬رشيعة القرآن من دالئل إعجازه‪ ،‬حممد بن أمحد بن مصطفى بن أمحد املعروف‬
‫بأيب زهرة‪ ،‬النارش‪ :‬دار العروبة ‪ -‬القاهرة‪ ،‬عام النرش‪1381 :‬هـ ‪1961 -‬م‪.‬‬
‫ ‪31.‬املسند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل إىل رسول اهلل ^ = صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪32.‬ضوابط املصلحة يف الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬حممد البوطي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ ‪33.‬الطرق احلكمية‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة دار البيان‪.‬‬
‫ ‪34.‬عالقة مقاصد الرشيعة بأصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل بن بية‪ ،‬مركز دراسات مقاصد‬
‫الرشيعة التابع ملؤسسة الفرقان‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪35.‬علم املقاصد الرشعية‪ ،‬نور الدين بن خمتار اخلادمي‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1421 ،‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ ‪36.‬فيض القدير رشح اجلامع الصغري‪ ،‬زين الدين حممد املدعو بعبد الرؤوف بن‬
‫تاج العارفني بن عيل بن زين العابدين احلدادي ثم املناوي القاهري‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫املكتبة التجارية الكربى ‪ -‬مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1356 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪638‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪37.‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‬
‫بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي‪ ،‬امللقب بسلطان العلامء‪ ،‬راجعه‬
‫وع َّلق عليه‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة الكليات األزهرية ‪-‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ ‪38.‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬النارش‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪1394‬هـ ‪1974 -‬م‪.‬‬
‫ ‪39.‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن منظور‬
‫األنصاري الرويفعي اإلفريقي‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫ ‪40.‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬أبو احلسن نور الدين عيل بن أيب بكر بن سليامن‬
‫اهليثمي‪ ،‬املحقق‪ :‬حسام الدين القديس‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة القديس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام‬
‫النرش‪1414 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫ ‪41.‬جمموع الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية احلراين‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬النارش‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة‬
‫املصحف الرشيف‪ ،‬املدينة النبوية‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬عام النرش‪:‬‬
‫‪1416‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫ ‪42.‬حماسن التأويل‪ ،‬حممد مجال الدين بن حممد سعيد بن قاسم احلالق القاسمي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد باسل عيون السود‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪43.‬مداواة النفوس‪ ،‬أبو حممد عيل بن أمحد بن سعيد بن حزم األندليس القرطبي‬
‫الظاهري‪ ،‬النارش‪ :‬دار اآلفاق اجلديدة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1399 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬

‫‪639‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪44.‬املدخل إىل علم القانون‪ ،‬عباس الرصاف‪ ،‬دار الثقافة للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪-‬‬
‫األردن‪ ،‬الطبعة‪ :‬اخلامسة عرشة‪.‬‬
‫ ‪45.‬املدخل إىل مقاصد الرشيعة من األصول النصية إىل اإلشكاالت املعارصة‪،‬‬
‫عبد القادر بن حرز اهلل‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة األوىل‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪46.‬املستصفى‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطويس‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد السالم‬
‫عبد الشايف‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫ ‪47.‬مسند اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬أبو عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن‬
‫أسد الشيباين‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إرشاف‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ ‪48.‬معايري التمييز بني مراتب املقاصد الثالث دراسة أصولية‪ ،‬نجم الدين الزنكي‪،‬‬
‫بحث ن ُِش يف جملة الدراسات اإلسالمية بجامعة امللك سعود‪ ،‬عدد ‪،3‬‬
‫‪1438‬هـ ‪.‬‬
‫ ‪49.‬معجم الصواب اللغوي دليل املثقف العريب‪ ،‬الدكتور أمحد خمتار عمر‪ ،‬بمساعدة‬
‫فريق عمل‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫ ‪50.‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار عبد احلميد عمر‪ ،‬بمساعدة فريق‬
‫عمل‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫ ‪51.‬معجم متن اللغة‪ ،‬أمحد رضا (عضو املجمع العلمي العريب بدمشق)‪ ،‬دار مكتبة‬
‫احلياة ‪ -‬بريوت‪1377 ،‬هـ ‪1380 -‬هـ‪.‬‬
‫ ‪52.‬املعونة عىل مذهب عامل املدينة‪ ،‬أبو حممد عبد الوهاب بن عيل بن نرص الثعلبي‬
‫احلق‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة التجارية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البغدادي املالكي‪ ،‬املحقق‪ :‬محيش عبد‬
‫مصطفى أمحد الباز ‪ -‬مكة املكرمة‪ ،‬أصل الكتاب‪ :‬رسالة دكتوراه بجامعة أم‬
‫القرى بمكة املكرمة‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪53.‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬حممد بن أمحد‬
‫اخلطيب الرشبيني الشافعي‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫ ‪54.‬مفاتيح الغيب = التفسري الكبري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن‬
‫احلسني التيمي الرازي امللقب بفخر الدين الرازي خطيب الري‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪55.‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية وعالقتها باألدلة الرشعية‪ ،‬الدكتور حممد سعد بن‬
‫أمحد اليويب‪ ،‬دار اهلجرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪56.‬مقاصد الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬حممد الطاهر بن حممد بن حممد الطاهر بن عاشور‬
‫التونيس‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد احلبيب ابن اخلوجة‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬قطر‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫ ‪57.‬املقاصد العامة للرشيعة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور يوسف حامد العامل‪ ،‬الدار العاملية‬
‫للكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪58.‬مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو احلسني‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫ ‪59.‬املوافقات‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطبي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلامن‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ ‪60.‬مقاصد الرشيعة بأبعاد جديدة‪ ،‬الدكتور عبد احلميد النجار‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪61.‬مقاصد الرشيعة ومكارمها‪ ،‬عالل الفايس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫السادسة‪2012 ،‬م‪.‬‬

‫‪641‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫مقصد العدل‬

‫ ‪62.‬املقدمة‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬أبو زيد عبد الرمحن بن حممد‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫ ‪63.‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن عامر األصبحي املدين‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫بشار عواد معروف ‪ -‬حممود خليل‪ ،‬النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪64.‬نظام اإلجراءات اجلزائية والئحته‪ ،‬موقع هيئة اخلرباء‪.‬‬
‫ ‪65.‬النظام األسايس للحكم‪ ،‬موقع هيئة اخلرباء‪.‬‬
‫ ‪66.‬نظام هيئة التحقيق واال ِّدعاء‪ ،‬موقع النيابة العامة‪.‬‬

‫‪642‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم‬
‫من الكراسي العلمية‬
‫(كرسي الشيخ‪ :‬راشد بن دايل لدراسات األوقاف‬
‫بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية أنموذجاً )‬
‫دراسة قانونية‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن سعدون العبد المنعم‬

‫‪643‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل أرشف األنبياء واملرسلني‪،‬‬
‫نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫َّ َ َ ۡ َ ُ َ َ َّ َ َ‬ ‫ُۡ َۡ‬
‫ِين ل‬ ‫فلقد م َّيز اهلل العلامء فقال‪﴿ :‬قل هل ي َ ۡس َتوِي ٱلِين يعلمون وٱل‬
‫َ َ‬
‫وخص العلامء بفضل الدرجات‬ ‫َُّ‬ ‫َي ۡعل ُمون﴾(((‪ ،‬ثم وعد املؤمنني أن يرفعهم‪،‬‬
‫ِنك ۡم َو َّ َ ُ ْ ۡ ۡ َ َ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ ۡ َ َّ ُ َّ َ َ َ ْ‬
‫ام ُنوا م‬
‫ت﴾(((‪،‬‬ ‫ٱلِين أوتوا ٱلعِ َلم درج ٰ ٖ‬ ‫فقال‪﴿ :‬يرفعِ ٱلل ٱلِين ء‬
‫َ ۡ َ ۡ َ َ ُۡ‬ ‫َُ َ َ َ ُ ّ َ ۡ‬
‫ۡرض وٱستعمركم‬ ‫وحض عىل إعامر الكون‪ ،‬فقال‪﴿ :‬هو أنشأكم مِن ٱل ِ‬ ‫َّ‬
‫ِيها﴾(((‪ ،‬وإعامر األرض يكون بالعلم‪.‬‬ ‫ف َ‬

‫وإن معيار تقدم األمم وحترضها ُيقاس باهتاممها بالعلم والقراءة‬


‫والبحث؛ وهلذا يتحتم علينا أن نأخذ بأسباب املعرفة‪ ،‬ونحفز اهلمم من‬
‫أجل رفعة أمتنا وهنضتها‪.‬‬
‫عيل بن أيب طالب ‪« :‬واعلموا أن الناس أبناء ما حيسنون‪،‬‬ ‫قال ُّ‬
‫وقدر كل امرئ ما حيسن‪ ،‬فتكلموا يف العلم تتبني أقداركم»‪ ،‬وقالوا‪ :‬ليس‬
‫أحض عىل طلب العلم منها(((‪.‬‬‫كلم ٌة َّ‬

‫سورة الزمر‪ ،‬آية (‪.)9‬‬ ‫(((‬


‫سورة املجادلة‪ ،‬آية (‪.)11‬‬ ‫(((‬
‫سورة هود‪ ،‬آية (‪.)61‬‬ ‫(((‬
‫جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬أيب األشبال الزهريي‪،‬‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)416/1‬الرتاتيب اإلدارية‪ ،‬حممد عبد احلي بن عبد الكبري اإلدرييس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد‬
‫اهلل اخلالدي‪.)235/2( ،‬‬

‫‪644‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ولكي حيقق البحث العلمي نتائج عملية‪ ،‬ويسهم يف تنمية املجتمع‬


‫وتطويره‪ ،‬فال بد من توفر مقومات مادية وبرشية‪.‬‬
‫والكرايس العلمية حتتل مكانة مهمة يف مسرية اجلامعات عموم ًا‪،‬‬
‫واجلامعات السعودية خصوص ًا؛ لدعم البحث العلمي‪ ،‬وتصدير املعرفة‬
‫للمجتمع‪ ،‬فاملعرفة والبحث العلمي من املطالب األساسية للتنمية والتطوير‪.‬‬
‫وتقوم فكرة الكرايس البحثية عىل الرشاكة املجتمعية بني أفراد أو هيئات‬
‫أو مؤسسات جمتمعية مع اجلامعات هبدف دعم الكفاءات العلمية‪ ،‬وخدمة‬
‫املجتمع(((‪.‬‬
‫وقد تعددت أنواع هذه الكرايس‪ ،‬عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪1.‬الكرايس املؤقتة‪ :‬وهي تنشأ بصفة مؤقتة لعالج مشكلة موجودة‬
‫يف أحد قطاعات املجتمع‪ ،‬أو جماالت البحث العلمي‪ ،‬وترتاوح مدهتا من‬
‫ثالث إىل مخس سنوات‪ ،‬وغالب ًا ما متول من خالل أحد الداعمني‪.‬‬
‫‪2.‬الكرايس الدائمة‪ ،‬وتنشأ ألحد سببني‪:‬‬
‫األول‪ :‬عالج ملشكالت زمنية يعاين منها املجتمع أو أحد قطاعاته‪،‬‬
‫وحتتاج ملتابعة وتطوير أساليب العالج يف ضوء تطور بعض الظواهر املؤثرة‬
‫يف املشكلة‪.‬‬

‫((( دراسة احتياجات العمل اخلريي السعودي من الكرايس البحثية‪ ،‬املركز الدويل‬
‫لألبحاث والدراسات «مداد»‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪645‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫الثاين‪ :‬تطوير اجتاهات بحثية وتطبيقاهتا يف جمال معني‪ ،‬بام خيدم املجتمع‬
‫واإلنسانية‪ ،‬ويسهم يف تطوير ملعرفة يف هذا االجتاه(((‪.‬‬
‫إن فكرة عقد البحث تقوم عىل التقاء إرادة طرفني األوىل للكريس‪،‬‬
‫والثانية للباحث؛ حيث إن الكريس يرغب يف استثامر ما يتوصل إليه الباحث‪،‬‬
‫وي ِكم هذه العالقة عقد البحث؛ وألمهية دراسة عقد البحث املدعوم من‬ ‫ُ‬
‫حرصت يف هذا البحث‬
‫ُ‬ ‫تلك الكرايس العلمية نشأت فكرة هذا البحث‪ ،‬وقد‬
‫أن يكون ُم َركز ًا عىل اجلانب النظامي (القانوين)؛ ألنني اطلعت عىل بحث‬
‫قام فيه الباحث بدراسة عقد البحث العلمي دراسة فقهية‪ ،‬وسأذكره ‪-‬بإذن‬
‫اهلل‪ -‬يف الدراسات السابقة للموضوع‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬
‫‪1.‬عىل الرغم من األمهية النظرية والعملية لعقد البحث العلمي كوسيلة‬
‫من وسائل نقل املعرفة العلمية‪ ،‬إال أنه مل حيظ بدراسات واسعة‪ ،‬ومل يأخذ ما‬
‫يستحقه من الدراسة الكافية‪.‬‬
‫‪2.‬كثرة الكرايس البحثية العلمية يف اجلامعات السعودية؛ وقد يرتتب‬
‫عىل ذلك غموض جتاه احلقوق املقررة للباحث‪ ،‬أو الكريس؛ نتيجة عدم‬
‫استيعاب العالقة التعاقدية لكافة احلقوق والواجبات من الطرفني‪.‬‬

‫((( دليل الكرايس العلمية‪ ،‬جامعة اجلوف‪ ،‬معهد الدراسات والبحوث االستشارية‬
‫والتدريب‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪646‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وظهور عقد البحث العلمي وانتشاره الواسع كأسلوب جديد لنقل‬


‫املعرفة والتجارب العلمية للبرشية كافة‪ ،‬حيتم علينا رضورة االهتامم هبذا‬
‫اللون من العقود احلديثة‪.‬‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫يف ظل تنافس اجلامعات يف إقامة الكرايس العلمية كأحد وسائل نرش‬
‫األبحاث العلمية‪ ،‬وإقامة الورش العلمية‪ ،‬واملؤمترات‪ ،‬ودعم الرسائل‬
‫العلمية هبدف النهوض بدعم البحث العلمي؛ فإن األبحاث العلمية‬
‫تقوم عىل اتفاق بني الكريس والباحث‪ ،‬ويكون هناك عقد مربم بينهام‪،‬‬
‫ولذا َركزت هذه الدراسة عىل بيان مفهوم عقد البحث العلمي‪ ،‬وبيان آلية‬
‫التعاقد‪ ،‬ومتويل املشاريع‪ ،‬وبيان أركانه‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وااللتزامات املرتتبة‬
‫عليه‪ ،‬وآثاره‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫هيدف البحث إىل بيان‪:‬‬
‫‪1.‬بيان مفهوم عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫‪2.‬ذكر أركان البحث العلمي‪ ،‬وخصائصه‪.‬‬
‫‪3.‬بيان االلتزامات املرتتبة عىل عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫‪4.‬ذكر آثار عقد البحث العلمي‪.‬‬

‫‪647‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪5.‬جعل عقد البحث املدعوم من كريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات‬


‫األوقاف بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية نموذج ًا هلذه الدراسة‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫عقد البحث العلمي من العقود التي ظهرت مع التقدم العلمي‪ ،‬األمر‬
‫الذي دعا الكرايس للتعاقد مع الباحثني‪ ،‬ومن هنا بدأ الباحثون يتناولونه‬
‫بالدراسة‪ ،‬ومن البحوث التي وقفت عليها‪:‬‬
‫‪1.‬عقد البحث العلمي‪ ،‬للباحث‪ :‬نصري صبار اجلبوري‪ ،‬كلية القانون‪،‬‬
‫جامعة بغداد‪1426 ،‬هـ‪2005 ،‬م‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬وقد ُعنيت هذه الرسالة‬
‫باجلانب القانوين حلامية حقوق املؤلف‪ ،‬يف ضوء قانون محاية حق املؤلف‬
‫حتدثت فيه عن عقد البحث العلمي من الناحية‬
‫ُ‬ ‫العراقي‪ ،‬وأما هذا البحث فقد‬
‫القانونية تطبيق ًا عىل عقد كريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف يف‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية باململكة العربية السعودية‪ ،‬والفرق‬
‫ظاهر بني قانون محاية حق املؤلف العراقي‪ ،‬وقوانني عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫‪2.‬عقد البحث العلمي دراسة فقهية‪ ،‬د‪ .‬سامل بن عبيد اهلل املطريي‪ ،‬وهو‬
‫بحث حمكم منشور يف جملة جامعة أم القرى لعلوم الرشيعة والدراسات‬
‫اإلسالمية‪1441 ،‬هـ‪2020 ،‬م‪ ،‬وقد اهتم مؤلفه بتوصيفه‪ ،‬وبيان حكمه‬
‫الفقهي‪ ،‬ومتييزه عن العقود املسامة املشاهبة له‪ ،‬كعقد البيع واإلجارة والسلم‬
‫واملقاولة‪ ،‬مع بيان أوجه االتفاق واخلالف بينه وبني هذه العقود‪ ،‬وأما هذا‬
‫حتدثت فيه عن عقد البحث العلمي من الناحية القانونية تطبيق ًا‬
‫ُ‬ ‫البحث فقد‬
‫عىل عقد كريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪ ،‬والفرق ظاهر‬

‫‪648‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫بني احلديث عن عقد البحث العلمي من الناحية الفقهية‪ ،‬وعقد البحث‬


‫العلمي من الناحية القانونية‪.‬‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫البحث ينطلق من عقد البحث املدعوم من كريس الشيخ‪ :‬راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية كأنموذج‬
‫للدراسة‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫قامت هذه الدراسة عىل املنهج التحلييل‪ ،‬وذلك من خالل األنظمة‬
‫واللوائح املتعلقة بالكرايس العلمية يف جامعة اإلمام حممد بن سعود‬
‫اإلسالمية عموم ًا‪ ،‬وما خيص الكريس خصوص ًا كالعقد املربم بني الكريس‬
‫والباحث‪.‬‬
‫وقد اعتمدت عىل حتليل كافة املعلومات التي تم مجعها واالطالع‬
‫عليها يف عدد من املصادر املختلفة؛ لدراستها وفهم أبعادها ومدى إمكانية‬
‫االستفادة منها‪ ،‬لتقديم نتائج تليق بالقارئ الكريم وفق ًا ملنهجية علمية‬
‫رصينة‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتضمن البحث‪ :‬مقدمة‪ ،‬ومتهيد ًا وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وفهارس‪.‬‬

‫‪649‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫وتتضمن‪ :‬أمهية املوضوع‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬ومشكلته‪ ،‬وأهدافه‪،‬‬
‫والدراسات السابقة‪ ،‬وحدوده‪ ،‬ومنهجيته‪ ،‬وخطته‪.‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫ويتضمن بيان مفهوم عقد البحث العلمي‪ ،‬وفيه مخسة فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف العقد‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف البحث‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف العلم‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تعريف عقد البحث العلمي (مركب ًا)‪.‬‬
‫الفرع اخلامس‪ :‬تعريف الكرايس العلمية‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الكرايس العلمية ودورها يف دعم البحث العلمي‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬جهود كريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل يف دعم البحث‬
‫العلمي‪:‬‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بكريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل لدراسات‬
‫األوقاف‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬جهود كريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل يف دعم البحث‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪650‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬آلية التعاقد ومتويل املشاريع البحثية يف كريس الشيخ‪:‬‬


‫راشد بن دايل‪:‬‬
‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬آلية تعاقد الكريس مع الباحث‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬آلية متويل املشاريع البحثية من الكريس‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أركان وخصائص عقد البحث العلمي‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أركان عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬خصائص عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أحكام عقد البحث العلمي‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬االلتزامات املرتتبة عىل عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬آثار عقد البحث العلمي‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫وفيها‪ :‬النتائج‪ ،‬والتوصيات‪.‬‬
‫املراجع‪.‬‬

‫‪651‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫التمهيد‬
‫ويتضمن بيان مفهوم عقد البحث العلمي‬
‫وفيه مخسة فروع‪:‬‬
‫عقد البحث العلمي يعترب مفهوم ًا حديث النشأة‪ ،‬نظر ًا حلداثة فكرته‪،‬‬
‫تعريف موحدٌ لعقد البحث العلمي؛ ولذا سنقوم بتعريف‬ ‫ٌ‬ ‫وبالتايل فال يوجد‬
‫مفرداته أوالً‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف كلمة «عقد»‪:‬‬
‫وش ِ‬
‫دة‬ ‫العقد لغة‪« :‬العني والقاف والدال أصل واحد يدل عىل َشدٍّ ِ‬
‫وثوق»(((‪ ،‬وعاقدته مثل عاهدته(((‪« ،‬واملعاقدة املعاهدة»(((‪« ،‬وموضع‬ ‫ٍ‬
‫العقد‪ :‬وهو ما عقد عليه»(((‪« ،‬وعقد العهد أو اليمني‪ :‬أكده وأحكمه‪ ،‬قال‬
‫َ َّ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ ُ ُ ۡ َ َ ٔ ُ ُ‬
‫وه ۡم نَ ِص َ‬
‫يب ُه ۡم﴾(((»(((‪.‬‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وٱلِين عقدت أيمنكم فـات‬
‫والعقد يدل عىل التوثيق واإلحكام وااللتزام‪.‬‬

‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪.)86/4( ،‬‬ ‫(((‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،)86/4( ،‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن منظور‪،‬‬ ‫(((‬
‫(‪.)297/3‬‬
‫خمتار الصحاح‪ ،‬حممد بن أيب بكر الرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يوسف الشيخ حممد‪ ،‬ص‪ ،214‬لسان‬ ‫(((‬
‫العرب‪ ،‬ابن منظور‪.)297/3( ،‬‬
‫القاموس املحيط‪ ،‬حممد بن يعقوب الفريوزآبادي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب حتقيق الرتاث يف‬ ‫(((‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص‪.300‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬آية (‪.)33‬‬ ‫(((‬
‫معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار عمر‪.)1526/2( ،‬‬ ‫(((‬

‫‪652‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ويف االصطالح‪ :‬اتفاق بني طرفني يلتزم بمقتضاه كل منهام تنفيذ ما اتفقا‬
‫عليه(((‪.‬‬
‫ويف القانون‪« :‬توافق إرادتني عىل إحداث أثر قانوين‪ ،‬سواء كان هذا‬
‫األثر‪ ،‬هو إنشاء التزام‪ ،‬أو نقله‪ ،‬أو تعديله‪ ،‬أو إهناؤه»(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف كلمة «بحث»‪:‬‬
‫البحث يف اللغة‪« :‬الباء واحلاء والثاء أصل واحد‪ ،‬يدل عىل إثارة‬
‫َخ ِب(((‪ ،‬والبحث‪« :‬بذل اجلهد‬
‫وتست ْ‬
‫اليشء» ‪ ،‬والبحث أن تسأل عن يشء ْ‬
‫(((‬

‫يف موضوع ما»(((‪.‬‬


‫ويف االصطالح‪« :‬دراسة متخصصة يف موضوع معني حسب مناهج‬
‫وأصول معينة»(((‪.‬‬

‫القاموس الفقهي لغة واصطالح ًا‪ ،‬د‪ .‬سعدي أبو حبيب‪ ،‬ص‪ ،255‬معجم لغة الفقهاء‪،‬‬ ‫(((‬
‫حممد رواس قلعجي‪ ،‬حامد صادق قنيبي‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬د‪ .‬عبد الرازق بن أمحد السنهوري‪.)138/1( ،‬‬ ‫(((‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪.)204/1( ،‬‬ ‫(((‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،)204/1( ،‬كتاب العني‪ ،‬اخلليل بن أمحد الفراهيدي‪،‬‬ ‫(((‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬مهدي املخزومي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم السامرائي‪ ،)207/3( ،‬لسان العرب‪ ،‬ابن‬
‫منظور‪.)115/2( ،‬‬
‫معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار‪.)161/1( ،‬‬ ‫(((‬
‫كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب بن إبراهيم أبو‬ ‫(((‬
‫سليامن‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪653‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫تقص وتت ُّبع ملوضوع معني وفق منهج خاص‬‫وقيل‪« :‬دراسة مبنية عىل ٍّ‬
‫لتحقيق هدف معني‪ :‬من إضافة جديد‪ ،‬أو مجع متفرق‪ ،‬أو ترتيب خمتلط‪ ،‬أو‬
‫غري ذلك من أهداف البحث العلمي»(((‪.‬‬
‫فالبحث بمفهومه املعارص‪ ،‬عبارة عن‪ :‬مجع مسائل وآراء تتعلق بموضوع‬
‫واحد ثم يقوم الباحث بفحصها والتأكد من صحتها‪ ،‬من أجل الوصول إىل‬
‫حلول ونتائج‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف كلمة «العلمي»‪:‬‬
‫ِ‬
‫العلمي‪ :‬بكرس العني‪ ،‬نسبة إىل العلم‪ ،‬و«العني والالم وامليم يدل عىل‬
‫أثر باليشء يتميز به عن غريه»(((‪ .‬والعلم‪ :‬نقيض اجلهل(((‪،‬و َع ِلم اليش َء‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َع َرفه(((‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ل ت ۡعل ُمون ُه ُم ٱلل َي ۡعل ُم ُه ۡم﴾(((‪ ،‬و َع ِلم اليشء‪ :‬أي َق َن به‬
‫َ ۡ َ ۡ ُ ُ ُ َّ ُ ۡ َ‬
‫ت﴾(((‪.‬‬‫وصدَّ قه(((‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فإِن عل ِمتموهن مؤمِنٰ ٖ‬

‫البحث العلمي حقيقته‪ ،‬ومصادره‪ ،‬ومادته‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وطباعته‪ ،‬ومناقشته‪،‬‬ ‫(((‬
‫حقيقته‪ ،‬ومصادره‪ ،‬ومادته‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وطباعته‪ ،‬ومناقشته‪ ،،‬د‪ .‬عبد العزيز‬
‫بن عبد الرمحن الربيعة‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪.)109/4( ،‬‬ ‫(((‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،)110/4( ،‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪.)417/12( ،‬‬ ‫(((‬
‫خمتار الصحاح‪ ،‬الرازي‪ ،‬ص‪ ،217‬القاموس املحيط‪ ،‬الفريوز آبادي‪ ،‬ص‪،1140‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،)417/12( ،‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار‪،‬‬
‫(‪.)1541/2‬‬
‫سورة األنفال‪ ،‬آية (‪.)60‬‬ ‫(((‬
‫معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار‪.)1541/2( ،‬‬ ‫(((‬
‫سورة املمتحنة‪ ،‬آية (‪.)10‬‬ ‫(((‬

‫‪654‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ويف االصطالح‪« :‬االعتقاد اجلازم املطابق للواقع»(((‪ ،‬وهو هبذا يرادف‬


‫اليقني‪ ،‬وهو أخص‪ ،‬وقيل‪ :‬إدراك اليشء عىل ما هو به(((‪.‬‬
‫ومن خالل النظر يف تعريفات البحث نجد أهنا تتوافق مع تعريف البحث‬
‫العلمي؛ ألن البحث اصطالح ًا يراد به البحث يف أي جمال من املجاالت‬
‫العلمية‪ ،‬وهذه التعريفات املتنوعة تشرتك يف العنارص التالية‪:‬‬
‫‪1.‬أهنا متخصصة يف موضوع حمدد‪.‬‬
‫‪2.‬أهنا تعتمد عىل أساليب ومناهج علمية‪.‬‬
‫‪3.‬أهنا شاملة لكافة العلوم‪.‬‬
‫‪4.‬هتدف إىل زيادة املعلومات لالستفادة منها يف سائر ميادين احلياة‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تعريف «عقد البحث العلمي» (مركب ًا)‪:‬‬
‫عقد البحث العلمي من العقود اجلديدة‪ ،‬وقد عرفه الباحثون بتعاريف‬
‫متنوعة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪«1.‬صورة من صور نقل املعلومات من الشخص صاحب التخصص‬
‫إىل الشخص املستعلم عن هذه املعلومات لغاية يبغيها من وراء هذه‬
‫املعلومات»(((‪.‬‬
‫((( التعريفات‪ ،‬عيل بن حممد اجلرجاين‪ ،‬ص‪ ،155‬التعريفات الفقهية‪ ،‬حممد عميم‬
‫الربكتي‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫((( التعريفات‪ ،‬اجلرجاين‪ ،‬ص‪ ،155‬التوقيف عىل مهامت التعاريف‪ ،‬عبد الرؤوف بن تاج‬
‫العارفني املناوي‪ ،‬ص‪ ،310‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار‪.)1487/2( ،‬‬
‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬نصري صبار اجلبوري‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪655‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ويؤخذ عىل هذا التعريف أنه‪ :‬مل يذكر املقابل املايل الذي يأخذه الباحث‬
‫نظري ما قدمه‪ ،‬والذي يعد التزام ًا رئيس ًا يقع عىل عاتق الكريس(((‪.‬‬
‫كام أنه حرص البحث العلمي بنقل املعلومات‪ ،‬بينام ثمة صور أخرى مل‬
‫تذكر ومنها‪ :‬التجارب العملية الطبية واهلندسية ونحوها‪.‬‬
‫‪«2.‬عقد يلتزم بمقتضاه شخص ذو صفة خاصة بإجراء دراسات‬
‫معرفية عقلية‪ ،‬ذات صلة بمهاراته‪ ،‬باستخدام املنهج العلمي‪ ،‬لقاء مقابل‬
‫مايل‪ ،‬هبدف الوصول إىل معارف متثل إضافة علمية جديدة يف جمال العلوم‬
‫النظرية أو التطبيقية»(((‪.‬‬
‫ويؤخذ عىل التعريف‪ :‬اإلطالة يف التعريف‪ ،‬والتفصيل فيه بام ال تدعو‬
‫احلاجة له‪.‬‬
‫ويرى الباحث أن عقد البحث العلمي هو‪ :‬عمل يقوم به ُمؤ ِّل ٌ‬
‫ف(((؛‬
‫حلساب شخص آخر‪ ،‬مقابل أجرة معينة‪ ،‬وفق ضوابط يضعها من يكون‬
‫املؤلف حلسابه‪.‬‬

‫((( عقد البحث العلمي يف الترشيع اجلزائري‪ ،‬عائشة كاميل‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫((( عقد البحث العلمي بني النظرية والتطبيق‪ ،‬د‪ .‬مجال بن سيد خليفة‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫((( املؤلف‪ :‬هو الشخص الذي ابتكر املصنف‪ ،‬واملصنف هو‪ :‬أي عمل أديب‪ ،‬أو علمي‪،‬‬
‫أو فني‪ .‬ينظر‪« :‬نظام محاية حقوق املؤلف»‪ ،‬الصادر باملرسوم امللكي رقم (م‪،)41/‬‬
‫بتاريخ ‪1424/7/2‬هـ‪ ،‬املادة (‪.)1‬‬

‫‪656‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫الفرع اخلامس‪ :‬تعريف الكرايس العلمية‪:‬‬


‫كريس البحث‪ :‬وحدة أكاديمية تُنشأ يف اجلامعة؛ هبدف هتيئة البيئة‬
‫البحثية الالزمة لنمو جمال علمي متخصص‪ ،‬و ُي َم َّول الكريس من مصادر‬
‫خارج ميزانية اجلامعة‪ ،‬ويتمتع بمرونة إدارية ومالية(((‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وملزيد من‬ ‫((( الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬ص‪،9‬‬
‫التعريفات ينظر‪ :‬دور إدارة الكرايس البحثية يف رفع تصنيف اجلامعات السعودية‪،‬‬
‫مريم بنت عبد اهلل املالكي‪ ،‬ص‪ ،776‬تقييم جتربة الكرايس البحثية يف اجلامعات‬
‫السعودية الناشئة عىل ضوء التجارب املحلية والعاملية‪ ،‬زينة بنت حممد القحطاين‪ ،‬جملة‬
‫العلوم الرتبوية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ص‪.433‬‬

‫‪657‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫المبحث األول‬
‫الكراسي العلمية ودورها في دعم البحث العلمي‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬جهود كرسي الشيخ‪ :‬راشد بن دايل في دعم البحث‬


‫العلمي‪:‬‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫كريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل لدراسات األوقاف هو من ضمن جمموعة‬
‫من الكرايس البحثية التي تُرشف عليها جامعة اإلمام حممد بن سعود‬
‫أذكر تعريف ًا‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وقبل أن ُأ َ‬
‫برز شيئ ًا من جهود الكريس العلمية‪،‬‬
‫خمترص ًا بالكريس‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بكريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪:‬‬
‫تم توقيع عقد إنشاء كريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف يف‬
‫‪1432/2/11‬هـ‪ ،‬املوافق ‪2011/1/25‬م(((‪.‬‬
‫وللكريس هيئة علمية استشارية يرأسها أستاذ الكريس‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل بن‬
‫حممد العمراين‪ ،‬وعضوية أ‪ .‬د‪ .‬عصام بن حسن كوثر‪ ،‬و أ‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز بن‬

‫((( التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف ‪1434‬هـ‪1435/‬هـ‪-‬‬
‫‪2013‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪658‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫حممد احلجيالن‪ ،‬و د‪ .‬يوسف بن عثامن احلزيم‪ ،‬و د‪ .‬عبد الرمحن بن إبراهيم‬
‫اجلريوي(((‪.‬‬
‫وهيدف الكريس إىل ربط خمرجات البحث العلمي يف اجلامعة بحاجات‬
‫املجتمع من خالل توفري البيئة املالئمة للبحث والتطوير‪ ،‬من خالل حتقيق‬
‫أهداف عامة وخاصة(((‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬جهود الكريس يف دعم البحث العلمي‪:‬‬
‫من أبرز أنشطة الكريس التي استمرت خالل أربع سنوات‪:‬‬
‫‪1.‬عقد الكريس أكثر من (‪ )16‬اجتامع ًا باهليئة العلمية االستشارية‪.‬‬
‫‪َ 2.‬م َّو َل الكريس أكثر من (‪ )20‬بحث ًا‪.‬‬
‫‪3.‬نرش الكريس أكثر من (‪ )8‬بحوث يف جمالت علمية حمكمة‪.‬‬
‫‪4.‬قام الكريس بطباعة أكثر من (‪ )13‬كتاب ًا‪.‬‬
‫‪5.‬نسق الكريس ثالث زيارات لثالثة من األساتذة لربنامج األستاذ‬
‫الزائر‪.‬‬
‫‪6.‬اقرتح الكريس سبعة عناوين لرسائل علمية وتم تسجيلها وقبوهلا‪.‬‬

‫((( التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف ‪1434‬هـ‪1435/‬هـ‪-‬‬
‫‪2013‬م‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫((( التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف ‪1433‬هـ‪1434/‬هـ‪-‬‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪659‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪7.‬ترجم الكريس كتابني من اللغة العربية إىل اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وكتاب ًا‬
‫من اللغة اإلنجليزية إىل اللغة العربية‪.‬‬
‫‪8.‬أقام الكريس أكثر من (‪ )18‬حلقة نقاش‪.‬‬
‫‪9.‬أقام الكريس أكثر من (‪ )7‬ورش عمل‪.‬‬
‫ ‪10.‬قام الكريس بـ (‪ )11‬رحلة علمية‪.‬‬
‫ ‪11.‬وقع الكريس أكثر من (‪ )6‬مذكرات تعاون(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آلية التعاقد وتمويل المشاريع البحثية في كرسي‬


‫الشيخ‪ :‬راشد بن دايل‪:‬‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬آلية تعاقد الباحث مع الكريس‪.‬‬
‫تتوىل اهليئة العلمية االستشارية للكريس اقرتاح بعض املشاريع العلمية‬
‫املحققة ألهداف الكريس وجماالته العلمية‪ ،‬ومن ثم تضع اخلطوط العريضة‬
‫ملضمون الدراسة‪ ،‬وكذلك تستقطب الباحثني املميزين والقادرين عىل القيام‬
‫بتلك املشاريع البحثية بالشكل املطلوب‪.‬‬

‫((( هذه اإلحصائيات تم مجعها وحتليلها من خالل االطالع عىل التقارير السنوية لكريس‬
‫الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف لعام ‪1433‬هـ‪1434/‬هـ‪2012 -‬م‪،‬‬
‫وعام ‪1434‬هـ‪1435/‬هـ‪2013 -‬م‪ ،‬وعام ‪1435‬هـ‪1436/‬هـ‪2014-‬م‪ ،‬وعام‬
‫‪1436‬هـ‪1437/‬هـ‪2015-‬م‪.‬‬

‫‪660‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وعند استقطاب الباحثني‪ ،‬يتم توقيع العقد معهم‪ ،‬وقد نصت الالئحة‬
‫عىل أن التعاقد مع الباحثني‪ ،‬ومساعدي الباحثني‪ ،‬واملستشارين‪ ،‬واملدربني‪...‬‬
‫إلخ يكون وفق ًا لعقود موقعة من رئيس جملس كرايس البحث(((‪.‬‬
‫من أجل ذلك كان ال بد من وجود عقد مكتوب يمثل اتفاقية متويل‬
‫املرشوع البحثي بني الكريس والباحث‪ ،‬ويرتكز هذا العقد عىل دعم البحث‬
‫العلمي يف جمال األوقاف من قبل الكريس‪ ،‬وقيام الباحث بالبحث العلمي‬
‫األصيل‪ ،‬وبام يتفق مع قواعد البحث العلمي‪ ،‬وكذلك بعض البنود التي‬
‫تنظم العالقة التعاقدية بني الكريس والباحث‪.‬‬
‫وقد قام الكريس بصياغة اتفاقية لتمويل املشاريع البحثية التي تتم‬
‫املوافقة عليها من قبل الكريس‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬آلية متويل املشاريع البحثية من الكريس‪:‬‬
‫املنح البحثية هي‪ :‬التمويل الذي ُيقدَّ م إلنجاز مرشوع علمي يعتمد عىل‬
‫األسس العلمية املتعارف عليها‪ ،‬ويتم نتيجة جهود فردية‪ ،‬أو مشرتكة(((‪.‬‬
‫ول املهام التي ُأنشئت من أجلها الكرايس‬
‫ومتويل املشاريع البحثية من َأ َ‬
‫البحثية‪ ،‬ويمكن للباحثني الراغبني يف تقديم مرشوعات علمية التقدم بطلب‬
‫مبارش للكريس يتضمن اسم املرشوع وتفصيالته العلمية‪ ،‬ويتم العرض عىل‬
‫اهليئة العلمية االستشارية ملناقشته‪ ،‬وحتديد مدى مالئمة املرشوع ألهداف‬
‫الكريس‪ ،‬باإلضافة إىل عدد من االعتبارات العلمية واألخالقية التي تقيمها‬
‫((( الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬املادة (‪ ،)63‬ص‪.29‬‬
‫((( قواعد وإجراءات املنح البحثية‪ ،‬ص‪.108‬‬

‫‪661‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫اللجنة العلمية يف املرشوعات املقدمة‪ ،‬كام تقوم اهليئة العلمية االستشارية‬


‫بالكريس بالنظر يف املدة الزمنية املطلوبة لتنفيذ املرشوع العلمي‪ ،‬وكفاءة‬
‫الباحث وغري ذلك مما له صلة بالبحث ومتويله‪.‬‬
‫وقد نصت الئحة كرايس البحث املعتمدة من جملس اجلامعة بقرار رقم‬
‫(‪1432/1431-2319‬هـ) املعقودة بتاريخ ‪1432/5/1‬هـ؛ عىل جواز‬
‫استعانة الكريس بباحثني متخصصني يف البحوث التي ختدم جمال الكريس‬
‫بعد موافقة اهليئة العلمية االستشارية للكريس(((‪.‬‬
‫وقد نصت الالئحة عىل أن من مرصوفات كرايس البحث‪ :‬مكافآت‬
‫الباحثني‪ ،‬ومساعدي الباحثني‪ ،‬واملدربني‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬
‫ال موحد ًا للكرايس العلمية باجلامعة‪ ،‬وجاء فيه‬
‫وقد أصدرت اجلامعة دلي ً‬
‫ذكر مكافآت متويل املرشوعات‪ ،‬واملنح البحثية واإلنتاج العلمي‪ ،‬وخيتلف‬
‫مقدار املكافأة حسب مهمة الشخص‪ ،‬وبيان ذلك عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪1.‬الباحث الرئيس من محلة الدكتوراه يعطى ثامنية آالف شهري ًا بام ال‬
‫يزيد عن اثني عرش شهر ًا‪.‬‬
‫‪2.‬الباحث املشارك من محلة الدكتوراه يعطى مخسة آالف شهري ًا بام ال‬
‫يزيد عن اثني عرش شهر ًا‪.‬‬

‫((( قواعد وإجراءات املنح البحثية‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫((( الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬املادة (‪ ،)56‬ص‪.26‬‬

‫‪662‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪3.‬الباحث املشارك من محلة املاجستري يعطى ثالثة آالف شهري ًا بام ال‬
‫يزيد عن اثني عرش شهر ًا‪.‬‬
‫‪4.‬الباحث املشارك من محلة البكالوريوس يعطى ألفني ريال بام ال يزيد‬
‫عن اثني عرش شهر ًا‪.‬‬
‫‪5.‬الباحث املشارك من طالب املرحلة اجلامعية يعطى ألف ريال بام ال‬
‫يزيد عن اثني عرش شهر ًا‪.‬‬
‫‪6.‬مكافأة من يكلف بإعداد بحوث أو دراسات أو تقارير حتقق أهداف‬
‫الكريس‪ ،‬ما ال يزيد عن مخسني ألف ريال للبحث أو الدراسة الواحدة‪.‬‬
‫‪7.‬قيمة املنح البحثية لطالب الدراسات العليا للامجستري مخسة عرش‬
‫ألف ريال‪ ،‬وللدكتوراه ثالثون ألف ريال‪.‬‬
‫‪8.‬مكافأة تأليف الكتب واملوسوعات واملعاجم أو ترمجتها‪ ،‬ما ال‬
‫يزيد عن مخسني ألف ريال للكتب العربية‪ ،‬وما ال يزيد عن مخسة وسبعني‬
‫ألف ريال للكتب املرتمجة‪ ،‬وما ال يزيد عن مائة ألف للجزء الواحد من‬
‫املوسوعات واملعاجم العربية أو املرتمجة(((‪.‬‬
‫ويقوم الكريس بتمويل الباحثني بمبلغ ال يزيد عن مخسني ألف ريال‬
‫تقدم عىل دفعتني(((‪.‬‬

‫((( الئحة كرايس البحث‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)1‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ويرصف الكريس التمويل للباحث عىل النحو التايل‪:‬‬


‫أ‪ .‬تدفع الدفعة األوىل وقدرها ‪ %50‬من مبلغ التمويل بعد شهر من‬
‫توقيع االتفاقية‪.‬‬
‫ب‪ .‬تدفع الدفعة الثانية وقدرها ‪ %50‬من مبلغ التمويل بعد تسليم‬
‫النسخة النهاية للمرشوع البحثي(((‪.‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)6‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪664‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫المبحث الثاني‬
‫أركان وخصائص عقد البحث العلمي‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫لعقد البحث العلمي أركان؛ فهو عقد كسائر العقود‪ ،‬وأركانه تتفق مع‬
‫سائر العقود‪ ،‬وأما خصائصه‪ ،‬فللبحوث خصائص تتفق يف بعضها وختتلف‬
‫يف بعضها عن سائر العقود‪ ،‬وسيتم توضيح ذلك يف هذا املبحث‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أركان عقد البحث العلمي‪:‬‬

‫أركان عقد البحث العلمي ال ختتلف عن غريها من سائر أركان العقود‬


‫ٍ‬
‫واجبات وحقوق ًا‪ ،‬وجيب عىل كال املتعاقدين‬ ‫يف اجلملة؛ ألن العقد ُيرتب‬
‫االلتزام هبا‪ ،‬وأركان العقد عند فقهاء القانون ثالثة هي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الرضا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املحل‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬السبب(((‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الرضا أو اإلجياب والقبول‪:‬‬
‫ويكون بني طريف العقد‪ ،‬ومها الكريس والباحث‪ ،‬ف ُيشرتط رضامها‬
‫مجيع ًا‪ ،‬والباحث قد يكون شخص ًا طبيعي ًا‪ ،‬وقد يكون شخص ًا معنوي ًا‪.‬‬
‫((( نظرية العقد‪ ،‬السنهوري‪ ،)147/1( ،‬نظرية العقد يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد رساج‪،‬‬
‫ص‪ ،165‬نظرية العقد يف الرشيعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪ ،‬د‪ .‬عبد املنعم بن فرج‬
‫الصده‪.)145/1( ،‬‬

‫‪665‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫واملراد بالشخص الطبيعي‪ ،‬هو‪ :‬اإلنسان الذي تثبت له الشخصية‬


‫القانونية أصالً‪ ،‬بمجرد والدته‪ ،‬ويصلح أن يكون دائن ًا بحقوق‪ ،‬أو مدين ًا‬
‫بحقوق‪ ،‬أو ملتزم ًا هبا(((‪.‬‬
‫ويراد بالشخص املعنوي أو االعتباري‪ :‬من له ذمة مالية‪ ،‬متكنه من‬
‫حتقيق األغراض التي أنشئت من أجلها‪ ،‬كالدولة وما تفرع عنها من جهات‬
‫إدارية‪ ،‬وجتمعات لألموال اخلاصة كالرشكات واملؤسسات واجلمعيات(((‪.‬‬
‫فقد يكون الباحث شخص ًا اعتباري ًا وذلك كأن يتفق الكريس مع هيئة‬
‫أو جملة علمية أو جهة بحثية تتوىل القيام بالبحث‪ ،‬ال سيام أن هناك أبحاث‬
‫ٍ‬
‫خمتربات أو معامل أو غري لك‪ ،‬فاجلهد كله ال يمكن أن يقوم‬ ‫طبية حتتاج إىل‬
‫به باحث واحد فقط‪.‬‬
‫وألن الرضا يشء يكون يف القلب‪ ،‬وال يمكن االطالع عليه‪ ،‬فإنه يقوم‬
‫مقامه الكتابة أو النطق أو املعاطاة كام يف البيوع ‪-‬مثالً‪ ،-‬وذلك بوجه عام‪،‬‬
‫ومن أجل رفع اخلالف يف التعاقد البحثي فقد ُاشرتط أن يكون العقد مكتوب ًا‬
‫وموقع ًا بني الكريس والباحث(((‪ ،‬حتى يوافق القبول اإلجياب من مجيع‬

‫((( املعجم القانوين (إنجليزي‪-‬عريب)‪ ،‬حارث بن سليامن الفاروقي‪ ،‬ص‪ ،522‬املدخل‬


‫لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬خالد بن عبد العزيز الرويس‪ ،‬رزق بن مقبول الريس‪،‬‬
‫ص‪ ،236‬معجم القانون‪ ،‬جممع اللغة العربية بجمهورية مرص العربية‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫((( قانون الوقف‪ ،‬حممد أمحد فرج السنهوري‪ ،)819/2( ،‬املعجم القانوين‪ ،‬الفاروقي‪،‬‬
‫ص‪ ،522‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬الرويس‪ ،‬الريس‪ ،‬ص‪ ،270‬معجم‬
‫القانون‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫((( ينظر‪ :‬آلية تعاقد الكريس مع الباحث من هذا البحث‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫الوجوه‪ ،‬وقد نص املنظم ‪-‬أيض ًا‪ -‬عىل رضورة تنظيم العالقات التعاقدية‬
‫فنص عىل أنه‪« :‬جيب عىل أصحاب احلقوق تنظيم عالقاهتم وحقوقهم مع‬
‫مؤسسات اإلنتاج والطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬وهيئات اإلذاعة‪ ،‬وغريها‬
‫من اجلهات املرخص هلا بمزاولة أنشطتها‪ ،‬بموجب عقود موثقة حتدد مجيع‬
‫احلقوق وااللتزامات جلميع األطراف أصحاب العالقة»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املحل‪:‬‬
‫وهو‪« :‬اليشء الذي يقع عليه تعاقد املتعاقدين‪ ،‬وتظهر فيه آثار العقد‬
‫وأحكامه»(((‪.‬‬
‫وحمل العقد هنا هو العمل الذي يقوم به الباحث وهو‪ :‬اإلنتاج العلمي‪،‬‬
‫واملقابل املايل الذي يستحقه الباحث مقابل إنتاجه العلمي املتفق عليه‪.‬‬
‫ويشرتط للمحل ما ييل‪:‬‬
‫‪1.‬أن يكون عقد البحث العلمي ُمنص ّب ًا عىل دراسات األوقاف وما‬
‫يتعلق هبا(((‪ ،‬وعىل ذلك فال يصح أن يكون عقد البحث العلمي عىل أبحاث‬
‫ال تتعلق باألوقاف كالطب أو اهلندسة أو غريها‪.‬‬

‫((( «نظام محاية حقوق املؤلف»‪ ،‬الصادر باملرسوم امللكي رقم (م‪ )41/‬بتاريخ‬
‫‪1442/7/2‬هـ‪ ،‬املادة (‪ ،)13‬فقرة (‪.)1‬‬
‫((( أحكام العقد يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين‪ ،‬أمحد بن حممد داود‪.)139/1( ،‬‬
‫((( التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف ‪1433‬هـ‪1434/‬هـ‪-‬‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪667‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪2.‬أن يكون عنوان البحث الذي تم التعاقد عليه معلوم ًا لدى الكريس‬
‫والباحث‪ ،‬وهذا ما تم النص عليه يف مقدمة اتفاقية متويل املرشوع البحثي‪،‬‬
‫وكذلك املقابل املايل للباحث فيكون معلوم ًا للكريس والباحث(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬السبب‪:‬‬
‫وهو‪« :‬الغرض املبارش الذي يقصد املتعاقد الوصول إليه من وراء‬
‫التزامه التعاقدي»(((‪.‬‬
‫أي الباعث عىل التعاقد‪ ،‬وهو رغبة الكريس زيادة املعرفة‪ ،‬ودعم البحث‬
‫العلمي يف جمال األوقاف‪ ،‬والباعث للباحث إما أن يكون بحث ًا للرتقية‪ ،‬أو‬
‫للحصول عىل درجة علمية كاملاجستري أو الدكتوراه‪ ،‬أو الرغبة يف نرش‬
‫العلم‪.‬‬
‫وال بد أن يكون الباعث موافق ًا لقواعد النظام من قبل الكريس والباحث‪،‬‬
‫فالكريس يلتزم بالضوابط العامة التي وضعتها اجلامعة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن اللغة العربية هي لغة كرايس البحث يف اجلامعة‪ ،‬وجيوز عند االقتضاء‬
‫االعتامد عىل اللغات األخرى؛ لتنفيذ بعض مهام الكريس أو كلها(((‪.‬‬
‫والضوابط اخلاصة التي تكون بني الكريس والباحث‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫((( نظرية العقد يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد رساج‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫((( الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬املادة (‪ ،)5‬ص‪.10‬‬

‫‪668‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫أنه يرصف مبلغ التمويل من الكريس للباحث عىل دفعتني‪ :‬األوىل‬


‫وقدرها ‪ %50‬بعد شهر من توقيع االتفاقية‪ ،‬والثانية وقدرها ‪ %50‬بعد‬
‫تسليم النسخة النهائية للمرشوع البحثي(((‪ .‬وكذلك الباحث فإنه جيب‬
‫عليه أن يلتزم بالضوابط العلمية العامة للبحث العلمي‪ ،‬وكذلك الضوابط‬
‫اخلاصة التي يشرتطها الكريس‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫يلتزم الباحث بتنفيذ ما يطلب منه من‪ :‬حلقات نقاش‪ ،‬أو حمارضات‪ ،‬أو‬
‫عرض حول املرشوع البحثي(((‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص عقد البحث العلمي‪:‬‬

‫عقد البحث العلمي من العقود اجلديدة‪ ،‬ومع هذا فيمكن االستفادة من‬
‫خصائص العقود بوجه عام‪ ،‬وإضافة خصائص خاصة مرتبطة بعقد البحث‬
‫العلمي‪ ،‬وهذه اخلصائص هي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬عقد البحث العلمي عقد رضائي‪:‬‬
‫أي أن هذا العقد يتم باتفاق الطرفني‪ ،‬ومها‪ :‬الكريس والباحث‪ ،‬ومع‬
‫كونه عقد ًا رضائي ًا إال أنه يرتب حقوق ًا ووجبات‪ ،‬ويكون ذلك بإبرام عقد‬
‫مكتوب بني الطرفني ُيوضح فيه حقوق الكريس والباحث‪ ،‬وواجباهتام؛ حتى‬
‫حيفظ الطرفان حقوقهام‪ ،‬ويعرف الطرفان واجباهتام؛ وذلك دفع ًا للخصومة‬
‫أو النزاع‪.‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪669‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫«والتأليف واالخرتاع أو االبتكار‪ ،‬حقوق خاصة ألصحاهبا‪ ،‬أصبح هلا‬


‫لتمول الناس هلا‪ ،‬وهذه احلقوق ُيعتد‬
‫يف ال ُعرف املعارص قيمة مالية معتربة؛ ُّ‬
‫هبا رشع ًا‪ ،‬فال جيوز االعتداء عليها»(((‪.‬‬
‫وقد نص املنظم عىل رضورة تنظيم العالقات التعاقدية فنص عىل أنه‪:‬‬
‫«جيب عىل أصحاب احلقوق تنظيم عالقاهتم وحقوقهم مع مؤسسات اإلنتاج‬
‫والطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬وهيئات اإلذاعة‪ ،‬وغريها من اجلهات املرخص‬
‫هلا بمزاولة أنشطتها‪ ،‬بموجب عقود موثقة حتدد مجيع احلقوق وااللتزامات‬
‫جلميع األطراف أصحاب العالقة»(((‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن العقود املوثقة ‪-‬يف الغالب‪ -‬ال تكون إال عن رضا من‬
‫كال الطرفني‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عقد البحث العلمي عقد ملزم للجانبني‪:‬‬
‫ومعنى ملزم للجانبني‪ ،‬أي‪ :‬أن يلتزم «املتعاقدان بالتقابل فيام بينهام‪ ،‬كل‬
‫منهام نحو اآلخر»(((‪.‬‬
‫كل من الكريس والباحث بام اتفقا عليه‪ ،‬فالكريس يقدم‬‫أي‪ :‬أن يقوم ّ‬
‫املقابل املايل املحدد‪ ،‬والباحث يقدم البحث املتفق عىل عنوانه وخطته وغري‬
‫ذلك مما يتم االتفاق عليه‪.‬‬

‫((( جملة جممع الفقه اإلسالمي‪.)2095/5( ،‬‬


‫((( «نظام محاية حقوق املؤلف»‪ ،‬الصادر باملرسوم امللكي رقم (م‪ )41/‬بتاريخ‬
‫‪1442/7/2‬هـ‪ ،‬املادة (‪ ،)13‬فقرة (‪.)1‬‬
‫((( نظرية العقد‪ ،‬عبدالرزاق بن أمحد السنهوري‪.)129/1( ،‬‬

‫‪670‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وبعد إبرام العقد ال حيق ألي طرف أن ُينهي العقد بإرادته املنفردة‪ ،‬وإذا‬
‫أهنى العقد دون موافقة الطرف اآلخر وجب عليه أن يتحمل ما التزم به‪.‬‬
‫وإذا مل يقم أحد املتعاقدين بالتزامه كان للطرف اآلخر أن يتحلل من‬
‫التزامه بفسخ العقد(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬عقد البحث العلمي من العقود حمددة املدة‪:‬‬
‫وذلك بأن يتم االتفاق بني الكريس والباحث عىل أن ينجز هذا البحث‬
‫املتفق عليه خالل مدة معينة(((‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬عقد البحث العلمي من عقود املعاوضة‪:‬‬
‫كل طرف من طريف العقد يأخذ مقابالً‪ ،‬فالكريس يأخذ اإلنتاج العلمي‪،‬‬
‫والباحث يستحق املقابل املايل‪ ،‬ويتم حتديده بكل وضوح أثناء توقيع العقد‪.‬‬
‫وقد نصت اتفاقية متويل املرشوع البحثي عىل اتفاق الطرفني ‪-‬ومها‪:‬‬
‫الكريس والباحث‪ -‬عىل أن يقوم الكريس بتقديم منحة لتمويل املرشوع‬
‫البحثي املقدم من الطرف الثاين ‪-‬الباحث‪ -‬حتت عنوان (وفق ما يتم االتفاق‬
‫عليه)‪ ،‬بمبلغ قدره (وفق ما يتم االتفاق عليه)(((‪.‬‬

‫((( نظرية العقد‪ ،‬عبدالرزاق بن أمحد السنهوري‪.)681/2( ،‬‬


‫((( املدة الزمنية التي حددها كريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل للمشاريع البحثية ترتاوح من‬
‫ستة أشهر إىل تسعة أشهر‪ ،‬وهي ختتلف باختالف موضوع البحث‪ ،‬ويتم االتفاق عىل‬
‫املدة الزمنية خالل توقيع االتفاقية مع الباحث‪ ،‬ينظر اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪.‬‬

‫‪671‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫خامس ًا‪ :‬عقد البحث العلمي عقد مدين(((‪:‬‬


‫عقد البحث العلمي من العقود املدنية‪ ،‬ونقيض العقد املدين العقد‬
‫التجاري(((‪ ،‬فال يكتسب عقد البحث العلمي الصفة التجارية بالتبعية‪،‬‬
‫وخصوص ًا يف البحوث املقدمة للكرايس العلمية يف اجلامعات بوجه عام(((؛‬
‫ألن األعامل التجارية وردت عىل سبيل احلرص(((‪ ،‬ومل َي ِرد ذكر األبحاث‬
‫العلمية كنوع من هذه األعامل‪ ،‬سواء قصد الباحث احلصول عىل الربح أو‬
‫مل يقصد‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬عقد البحث العلمي من عقود االعتبار الشخيص(((‪:‬‬
‫العقود بحسب صفة املتعاقدين تنقسم إىل قسمني‪ :‬عقود تقوم عىل‬
‫االعتبار الشخيص‪ ،‬وعقود ال تقوم عىل مثل هذا االعتبار‪ ،‬فالعقود التي‬
‫تقوم عىل االعتبار الشخيص‪ ،‬تكون شخصية املتعاقد حمل اعتبار وأمهية‪،‬‬
‫سواء يف مرحلة االنعقاد أو يف مرحلة التنفيذ(((‪.‬‬

‫عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫(((‬


‫الفرق بني القانون املدين والقانون التجاري‪ :‬أن القانون املدين ينظم العالقات بني‬ ‫(((‬
‫خمتلف األفراد دون متييز بني صفة القائم به‪ ،‬وأما القانون التجاري فينظم عالقات‬
‫معينة من األعامل‪ ،‬وهي األعامل التجارية‪ ،‬وينطبق عىل فئة معينة وهم‪ :‬التجار‪ ،‬وهو‬
‫أضيق من القانون املدين‪ ،‬ينظر‪ :‬القانون التجاري السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممد بن حسن اجلرب‪،‬‬
‫ص‪.1‬‬
‫عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫(((‬
‫النظام التجاري «نظام املحكمة التجارية»‪ ،‬املادة (‪.)2‬‬ ‫(((‬
‫عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫(((‬
‫نظرية العقد يف القوانني املدنية العربية‪ ،‬د‪ .‬عصمت بن عبد املجيد بكر‪ ،‬ص‪.72‬‬ ‫(((‬

‫‪672‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وعقد البحث العلمي يقوم عىل ثقة الكريس بالباحث‪ ،‬وهذه الثقة مبنية‬
‫عىل السمعة الطيبة‪ ،‬والكفاءة العلمية‪ ،‬واألمانة‪ ،‬ولذلك فإن الكريس حيرص‬
‫عىل انتقاء من يتقدم له من الباحثني‪ ،‬بل إن الكرايس العلمية ‪-‬أحيان ًا‪-‬‬
‫تستكتب من تثق بقدرته وكفاءته العلمية‪.‬‬
‫ويتفرع عىل ذلك مسألة مهمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫إذا تويف الباحث أو فقد األهلية أو تعرض لغري ذلك من العوارض التي‬
‫متنعه من إنجاز البحث العلمي بغري إرادته واختياره‪ ،‬فإن الكريس ال يرجع‬
‫عىل الورثة؛ ألن عقد البحث العلمي من عقود االعتبار الشخيص‪ ،‬والصفة‬
‫االعتبارية للباحث تأبى انتقال آثار العقد إىل الورثة(((‪.‬‬

‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬د‪ .‬نصري بن صبار اجلبوري‪ ،‬ص‪.63‬‬

‫‪673‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫المبحث الثالث‬
‫أحكام عقد البحث العلمي‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫عقد البحث العلمي عقد كسائر العقود األخرى امللزمة للجانبني‪ ،‬فيه‬
‫كل من‬‫التزامات‪ ،‬وهلذه االلتزامات آثار‪ ،‬وهذا يستوجب أن نبني التزامات ٍّ‬
‫الكريس أمام الباحث‪ ،‬والتزامات الباحث أمام الكريس‪ ،‬ثم نبني آثار هذه‬
‫االلتزامات‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االلتزامات المترتبة على عقد البحث العلمي‪:‬‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬
‫ال شك أن االلتزام األصيل للكريس هو دفع املقابل املايل‪ ،‬وااللتزام‬
‫األصيل للباحث هو تقديم البحث أو ما تم االتفاق عليه‪ ،‬وليس معنى هذا‬
‫أن هذا هو االلتزام الوحيد الذي يقع عىل عاتق الكريس والباحث بل إن‬
‫هناك التزامات أخرى سريد ذكرها يف هذا املطلب‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التزامات الكريس‪:‬‬
‫يلتزم الكريس بمقتىض عقد البحث‪ ،‬وبمقتىض اللوائح العامة املنظمة‬
‫للكرايس العلمية باجلامعة بااللتزام بام نصت عليه‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪674‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫أوالً‪ :‬متويل البحث أو الدراسة‪:‬‬


‫ٍ‬
‫منحة لتمويل املرشوع البحثي التزام ًا رئيس ًا‪،‬‬ ‫يعد التزام الكريس بتقديم‬
‫ويتم حتديد مبلغ املنحة يف اتفاقية متويل املرشوع البحثي‪.‬‬
‫وقد نصت الالئحة ‪-‬أيض ًا‪ -‬عىل ذكر مكافآت متويل املرشوعات‪ ،‬واملنح‬
‫البحثية‪ ،‬واإلنتاج العلمي(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬االلتزام باحلقوق الفكرية‪:‬‬
‫وذلك بأن يلتزم الكريس بتقديم التمويل للمرشوع البحثي‪ ،‬وال يعني‬
‫تقديم التمويل أن يتم نسبة اإلنتاج العلمي للكريس دون الباحث‪ ،‬فالكريس‬
‫يتملك املادة العلمية((( مع وجوب ذكر اسم الباحث‪ ،‬ويف حال عدم متويل‬
‫قرر تعويض ًا مالي ًا للباحث‪.‬‬
‫البحث ونرشه فإن هذا ُي ِّ‬
‫وقد نص املنظم عىل أنه «جيوز للجنة((( أن تقرر تعويض ًا مالي ًا لصاحب‬
‫حق املؤلف املعتدى عليه الذي يتقدم بالشكوى‪ ،‬ويكون التعويض متناسب ًا‬
‫مع حجم االعتداء والرضر الذي حلق به»(((‪.‬‬

‫الئحة كرايس البحث‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫(((‬


‫سيأيت بيان ذلك ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬عند احلديث عىل حقوق امللكية يف آثار العقد يف املبحث‬ ‫(((‬
‫الثالث يف املطلب الثاين‪.‬‬
‫أي‪ :‬اللجنة املختصة للنظر يف املخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا النظام‪ ،‬ينظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫«نظام محاية حقوق املؤلف»‪ ،‬املادة (‪)1‬‬
‫«نظام محاية حقوق املؤلف»‪ ،‬املادة (‪.)22‬‬ ‫(((‬

‫‪675‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التزامات الباحث‪:‬‬


‫يلتزم الباحث بمقتىض عقد البحث‪ ،‬وبمقتىض اللوائح العامة املنظمة‬
‫للكرايس العلمية باجلامعة بااللتزام بام نصت عليه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكون البحث وفق اإلطار املعتمد‪:‬‬
‫يلتزم الباحث بمقتىض عقد البحث العلمي بتقديم البحث إىل الكريس‪،‬‬
‫وفق ًا لإلطار العام املعتمد‪ ،‬وهذا هو االلتزام الرئيس‪ ،‬وذلك بالقيام بالبحث‬
‫وفق الضوابط واملعايري العلمية‪ ،‬وهذا االلتزام هو جوهر عقد البحث‬
‫العلمي‪ ،‬والسبب الرئيس يف هذا العقد هو‪ :‬البحث الذي يعتمد عىل كفاءة‬
‫الباحث وقدرته العلمية وخربته يف هذا املوضوع‪ ،‬وقدرته عىل الوصول إىل‬
‫أفضل النتائج(((‪.‬‬
‫واملعترب هنا هو حتقيق النتيجة ال بذل العناية فقط‪ ،‬فإذا بذل الباحث‬
‫عنايته يف إنجاز البحث يف امليعاد املحدد ولكنه مل ينجزه فإن ذلك ال يعفيه‬
‫من املسؤولية إال أن يثبت السبب املانع له من ذلك‪ ،‬أو أن البحث كان‬
‫يتوقف عىل تقديم معلومات من الكريس ولكن الكريس مل يقدمها له(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عدم إجراء التعديالت اجلذرية‪:‬‬
‫نصت االتفاقية عىل أنه «ال جيوز للطرف الثاين ‪-‬الباحث‪ -‬إجراء أي‬
‫تعديالت جذرية عىل املرشوع وعىل وجه اخلصوص (نوع املرشوع‪ ،‬عنوان‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬مقدمة االتفاقية‪ ،‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ‬
‫راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.139‬‬

‫‪676‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫املرشوع‪ ،‬اخلطة املنهجية للمرشوع‪ ،‬امليزانية التفصيلية للمرشوع) إال بعد‬


‫احلصول عىل موافقة الطرف األول ‪-‬الكريس‪.(((»-‬‬
‫والسبب يف ذلك رغبة الكريس بذات العنوان الذي تم انتقاؤه‪،‬‬
‫واملفردات البحثية التي تم االتفاق عليها‪ ،‬وغري ذلك مما يؤكد لنا حرص‬
‫الكريس عىل العناية باختيار املواضيع التي حتقق طموح الكريس وأهدافه‪،‬‬
‫فهو يعقد حلقات نقاش لكل موضوع يطرحه للبحث؛ للخروج بالنتائج‬
‫املرجوة من هذا البحث‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املحافظة عىل رسية املعلومات‪:‬‬
‫قد يتطلب البحث العلمي الكشف من قبل الكريس عن بعض‬
‫املعلومات للباحث‪ ،‬وهنا جيب عىل الباحث عدم إفشاء هذه املعلومات‬
‫الرسية لآلخرين‪ ،‬وقد نصت اتفاقية متويل املرشوع البحثي عىل أنه‪« :‬يلتزم‬
‫الطرف الثاين ‪-‬الباحث‪ -‬باملحافظة عىل رسية مجيع البيانات التي سيزوده‬
‫هبا الطرف األول‪ ،‬وعدم إفشائها للغري سوا ًء أنجزت الدراسة واملرشوع‬
‫حمل البحث أم مل تنجز ألي سبب‪ ،‬ويبقى االلتزام هبذه الرسية مستمر ًا حتى‬
‫يف حال انتهاء هذه االتفاقية وتسليم هذا املرشوع»(((‪.‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)4‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)12‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد‬
‫بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وتربز أمهية االلتزام برسية املعلومات لئال يقوم الباحث باستخدام هذه‬
‫لحق الرضر بالكريس أو بمصاحله(((‪.‬‬ ‫املعلومات بشكل ي ِ‬
‫ُ‬
‫واملقصود برسية املعلومات‪ ،‬هي‪ :‬املعلومات غري املعروفة لدى منافيس‬
‫املستفيد؛ ألهنم هم الذين حيققون املنافع من توصلهم إليها(((‪.‬‬
‫وااللتزام بالرسية جيب أن يكون مؤبد ًا وال يقترص عىل مدة العقد املربم‬
‫بني الكريس والباحث؛ ألن محاية مصالح املستفيد ليس هلا وقت حمدد(((‪.‬‬
‫وحتى لو مل يتم اشرتاط هذا الرشط فإنه ال يليق بالباحث رشع ًا وال‬
‫لحق الرضر بغريه‪ ،‬ويتعني عىل الباحث‬‫ُخ ُلق ًا أن يفيش هذه األرسار‪ ،‬لئال ي ِ‬
‫ُ‬
‫أن يكون أه ً‬
‫ال هلذه الثقة التي منحه إياها الكريس بتمكينه من االطالع عىل‬
‫بعض املعلومات الرسية‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬االلتزام بالوقت املحدد‪:‬‬
‫عقد البحث العلمي عقد كسائر العقود له مدة؛ ولذا جيب عىل الباحث‬
‫أن يلتزم بتسليم البحث العلمي ‪-‬حمل العقد‪ -‬يف الوقت املتفق عليه‪ ،‬وقد‬
‫ذكر كريس الشيخ راشد بن دايل أن املدة ختتلف باختالف عنوان البحث‪،‬‬

‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.142‬‬


‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫((( عقد البحث العلمي‪ ،‬اجلبوري‪ ،‬ص‪.145‬‬

‫‪678‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وأهنا من ستة أشهر إىل تسعة أشهر‪ ،‬وأن املدة يتم حتديدها يف اتفاقية متويل‬
‫املرشوع البحثي(((‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬القيام بتنفيذ ما يطلبه الكريس‪:‬‬
‫إذا طلب الكريس من الباحث تنفيذ‪ :‬حلقات نقاش‪ ،‬أو حمارضات‪ ،‬أو‬
‫عروض حول املرشوع البحثي الذي يعمل عىل تنفيذه(((‪ ،‬فإنه جيب عليه‬
‫القيام بذلك؛ واهلدف من هذه املتطلبات هو حتقيق الفائدة املرجوة من‬
‫اختيار املوضوع حمل البحث؛ ألن االستامع إىل مالحظات وآراء املختصني‬
‫من خالل حلقات النقاش وورش العمل يزيد من قوة البحث‪ ،‬ومن احتواء‬
‫الباحث لكافة جوانبه‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬عدم نرش البحث إال بإذن الكريس‪:‬‬
‫الباحث الذي حيصل عىل أقل من ‪ %70‬يف التحكيم النهائي من إمجايل‬
‫درجات املحكمني ال يشري إذا أراد نرش البحث أنه ممول من الكريس‪ ،‬إال‬
‫املرشوعات التي يتمكن أصحاهبا من نرشها يف املجالت العاملية ذات‬
‫التصنيفات املتقدمة وفق ًا ملا هو معتمد يف برنامج النرش(((‪.‬‬

‫((( يف لقاء مع أستاذ الكريس األستاذ الدكتور‪ :‬عبداهلل بن حممد العمراين ذكر هذه املعلومة‪،‬‬
‫وأن العقود ختتلف‪ ،‬ولكنها ال تقل عن ستة أشهر‪ ،‬وال تزيد عن تسعة أشهر‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)3‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)5‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫والسبب يف ذلك هو رغبة الكريس يف املحافظة عىل جودة خمرجاته‪ ،‬فقد‬


‫يعرتي الباحث ما يعرتيه من األسباب التي تؤثر عىل جودة بحثه من ندرة‬
‫املراجع أو ضعف املادة العلمية ألسباب خارجة عن إرادته فال خيرج بحثه‬
‫بالشكل املطلوب؛ فلذلك اشرتط الكريس أال يذكر الباحث أنه ممول من‬
‫الكريس‪ ،‬عدا ما يتم املوافقة عىل نرشه يف املجالت العاملية ذات التصنيفات‬
‫املتقدمة وفق ًا ملا هو معتمد يف برنامج النرش العاملي يف اجلامعة‪.‬‬
‫وكذلك ال جيوز للباحث نرش البحث أو التوسع فيه إال بعد احلصول‬
‫عىل إذن من الكريس(((‪.‬‬
‫ويف حال املوافقة عىل نرشه فيلزم الباحث تصدير املرشوع بشكر الكريس‬
‫عىل الدعم وفق ًا للصيغة املحددة من الكريس‪ ،‬مع اإلشارة يف صفحة الغالف‬
‫إىل دعم الكريس وفق ًا للصيغة التي يراها الكريس(((‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬تسليم النسخ‪:‬‬
‫يلتزم الباحث بتزويد الكريس بنخسة ورقية مطبوعة من املرشوع‬
‫البحثي‪ ،‬وملخص للمرشوع ال يقل عن صفحتني‪ ،‬مع نسختني رقميتني‬
‫إحدامها بصيغة (‪ ،)PDF‬واألخرى بصيغة (‪.((()Word‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)9‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)10‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد‬
‫بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)7‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪680‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وحتى يتسنى للكريس طباعة البحث املقدم ‪-‬يف حال رغبة الكريس‪ -‬أو‬
‫االستفادة منه‪ ،‬فال بد أن يكون مقدم ًا للكريس بصيغة (‪ ،)Word‬وخوف ًا من‬
‫اختالف اخلطوط أو أي يشء يؤثر عىل خروج البحث بالصورة التي قدمها‬
‫الباحث فيتم تزويد الكريس بصيغة (‪)PDF‬؛ للرجوع إليه عند ذلك‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬التقارير الدورية‪:‬‬
‫يزود الباحث الكريس بتقرير دوري بعد شهر عن إنجاز العمل(((؛وذلك‬
‫من أجل ضامن أن املرشوع البحثي يميض وفق اخلطة الزمنية املقدرة له‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدم من بيان التزامات الكريس والتزامات الباحث‬
‫نرى أن عقد البحث املدعوم من كريس الشيخ راشد بن دايل قد استوىف‬
‫املتطلبات املهمة لعقود األبحاث‪ ،‬ويمكن ألي كريس ناشىء أن يستفيد من‬
‫هذا العقد مع باحثيه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار عقد البحث العلمي‪:‬‬

‫املقصود من التعاقد بني الكريس والباحث هو العقد ذاته‪ ،‬ومع ذلك‬


‫تغري يف وجوب‬
‫فإن هلذا العقد امللزم للجانبني آثار مهمة قد يرتتب عليها ٌ‬
‫احلقوق وااللتزامات التي تم االتفاق عليها؛ ولذا سأحتدث عن تلك اآلثار‪.‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)13‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد‬
‫بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪681‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫أوالً‪ :‬احلقوق الفكرية‪:‬‬


‫نصت الالئحة عىل أن حقوق ملكية الدراسات واألبحاث املنجزة‬
‫والربامج التدريبية واالستشارية لكريس البحث‪ ،‬ويف حال انتهاء مدة كريس‬
‫البحث تؤول مجيع حقوقه وممتلكاته للجامعة(((‪.‬‬
‫وعىل ذلك فال حيق للباحث نرش البحث أو الترصف فيه بأي نوع من‬
‫أنواع الترصف إال بعد موافقة اجلهة املختصة وهي الكريس أو اجلامعة إذا‬
‫آل إليها بعد انتهاء مدة الكريس‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عدم االلتزام باملدة املحددة‪:‬‬
‫تَقدَّ م معنا ‪-‬عند الكالم عىل التزامات الباحث‪ -‬احلديث عن وجوب‬
‫التزام الباحث باملدة املتفق عليها بني الكريس والباحث‪.‬‬
‫وإذا مل يتم إنجاز املرشوع البحثي خالل املدة املحددة والتي ترتاوح من‬
‫ستة إىل تسعة أشهر بحسب نوع البحث فإنه جيوز للكريس اعتبار العقد‬
‫منتهي ًا(((‪.‬‬
‫وإذا توقف الباحث عن إعداد املرشوع ألي سبب جاز للكريس استعادة‬
‫مبلغ التمويل املدفوع(((‪.‬‬

‫((( الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬املادة (‪ ،)73‬ص‪.30‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)2‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬
‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)8‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد بن‬
‫دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪682‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫وقد أجازت هذه الفقرة للكريس استعادة مبلغ التمويل جواز ًا ال‬
‫وجوب ًا‪ ،‬فجعلت ذلك سلطة تقديرية للكريس‪ ،‬فإذا كان الباحث قد توقف‬
‫ٍ‬
‫قريب له‬ ‫لسبب مقبول كأن يمر بعارض صحي أو وفاة‬ ‫ٍ‬ ‫عن إكامل املرشوع‬
‫أو غري ذلك فله أال يطلب منه إعادة املبلغ تقدير ًا لظروفه‪ ،‬وإذا رأى الكريس‬
‫ٍ‬
‫لسبب غري مقبول كأن يكون هتاون ًا‬ ‫أن سبب توقف الباحث عن إكامل بحثه‬
‫فله أن يطلب منه املبلغ من باب املحافظة عىل مال الكريس‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬انقضاء العقد‪:‬‬
‫إذا قام الباحث بتقديم ما طلب منه كام ً‬
‫ال خالل املدة الزمنية املتفق‬
‫عليها‪ ،‬فإن التزامه التعاقدي من جهته انتهى‪ ،‬وانقىض االلتزام الناشئ عنه‪،‬‬
‫وكذلك إذا قام الكريس بتسليم الباحث الدفعة الثانية واألخرية من متويله‬
‫للبحث فإن التزامه التعاقدي انتهى‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفصل عند النزاع‪:‬‬
‫األصل هو عدم نشوء خالف بني الكريس والباحث‪ ،‬وإذا نشأ خالف‬
‫فيتم السعي حلله ودي ًا وفق املدة املقررة‪ ،‬وإذا مل يمكن حل النزاع ودي ًا فيتم‬
‫اللجوء إىل اجلهة القضائية‪ ،‬ونصت االتفاقية عىل أن يكون الرفع للجهة‬
‫القضائية بمدينة الرياض‪.‬‬

‫‪683‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫سوى ودي ًا‪ ،‬وإذا مل يتم حله‬


‫«وإذا حصل خالف بني الكريس والباحث ف ُي َّ‬
‫خالل تسعني يوم ًا من نشوء النزاع فيتم اللجوء للجهة القضائية املختصة‬
‫بمدينة الرياض»(((‪.‬‬

‫((( اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪ ،‬املادة (‪ ،)14‬وهذه االتفاقية خاصة بكريس الشيخ راشد‬
‫بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪684‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫الخاتمة‬
‫وفيها أهم النتائج والتوصيات‬
‫احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪ ،‬والصالة والسالم عىل خري‬
‫الربيات‪ ،‬سيدنا حممد وعىل آله وصحبه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فمن أهم النتائج التي توصلت إليها‪:‬‬
‫‪1.‬يمثل البحث العلمي الدعامة األساسية لتطور الدول وتقدمها‬
‫وهنضتها يف شتى املجاالت‪ :‬اقتصادي ًا واجتامعي ًا وسياسي ًا‪.‬‬
‫‪2.‬يمثل التعامل بنظام عقد البحث العلمي استجابة متقدمة ملرحلة‬
‫جديدة من مراحل التطور املعريف‪.‬‬
‫‪3.‬حرصت عدد من الدول عىل مستوى العامل عىل إنشاء كرايس بحثية‬
‫هبدف إثراء البحث العلمي وتطويره‪ ،‬وحث املؤسسات اخلاصة عىل تشجيع‬
‫الباحثني املبتكرين‪ ،‬وتبني أفكارهم‪.‬‬
‫‪4.‬أدت الكرايس العلمية دور ًا فاع ً‬
‫ال يف معاجلة العديد من القضايا‪،‬‬
‫وأحدثت نقلة نوعية يف املجتمع املعريف‪ ،‬كام أسهمت وتسهم يف دعم‬
‫االبتكار واإلبداع واإلنتاج العلمي‪.‬‬
‫‪5.‬عقد البحث العلمي من العقود امللزمة للجانبني والباحث بمقتىض‬
‫العقد يلتزم بتسليم البحث إىل اجلهة املستفيدة ورسية املعلومات‪ ،‬ويلتزم‬
‫املستفيد أ ّي ًا كان نوعه بدفع األجر والتعاون من الباحث وعدم االعتداء عىل‬
‫نتاجه الفكري‪ ،‬اعتداء من شأنه أن ُيرض بحقوق الباحث األدبية واملالية‪.‬‬

‫‪685‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪6.‬يرى الباحث أن تعريف عقد البحث العلمي‪ ،‬هو‪ :‬عمل يقوم به‬
‫مؤلف؛ حلساب شخص آخر‪ ،‬مقابل أجرة معينة‪ ،‬وفق ضوابط يضعها من‬
‫يكون املؤلف حلسابه‪.‬‬
‫‪7.‬أركان عقد البحث العلمي كغريه من العقود‪ ،‬وهي‪ :‬الرضا‪ ،‬واملحل‪،‬‬
‫والسبب‪.‬‬
‫‪8.‬لعقد البحث العلمي خصائص منها‪ :‬أن هذا العقد رضائي‪ ،‬وملزم‬
‫للجانبني‪ ،‬وهو حمدد املدة‪ ،‬وهو من عقود املعاوضة‪ ،‬وهو عقد مدين‪.‬‬
‫‪9.‬التزامات الكريس املرتتبة عىل العقد‪ :‬متويل البحث‪ ،‬وااللتزام‬
‫باحلقوق الفكرية‪.‬‬
‫ ‪10.‬التزامات الباحث املرتتبة عىل العقد‪ ،‬هي‪ :‬أن يكون البحث‬
‫وفق اإلطار املعتمد‪ ،‬وأال جيري الباحث أي تعديالت جذرية‪ ،‬واملحافظة‬
‫عىل رسية املعلومات‪ ،‬وااللتزام بالوقت املحدد‪ ،‬والقيام بتنفيذ ما يطلبه‬
‫الكريس‪ ،‬وعدم نرش البحث إال بإذن الكريس‪ ،‬وتسليم النسخ‪ ،‬وتسليم‬
‫الكريس التقارير الدورية‪.‬‬
‫ ‪ 11.‬آثار عقد البحث العلمي‪ :‬احلقوق الفكرية‪ ،‬وعدم االلتزام باملدة‬
‫املحددة‪ ،‬وانقضاء العقد‪ ،‬والفصل عند النزاع‪.‬‬
‫أهم التوصيات‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مزيد من الكرايس البحثية املتخصصة أمر يف غاية األمهية‬ ‫‪1.‬تأسيس‬
‫واحلاجة له قائمة‪.‬‬

‫‪686‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫‪2.‬املسامهة يف توعية الرشكات واملؤسسات ورجال األعامل لتبني دعم‬


‫الكرايس العلمية يف اجلامعات‪.‬‬
‫‪3.‬نرش البحوث العلمية واالبتكارات يف املجتمع‪ ،‬وإظهارها إعالمي ًا؛‬
‫لتشجع الداعمني عىل دعم الكرايس البحثية‪.‬‬
‫مزيد من الندوات والربامج العلمية‪ ،‬وإجراء الدراسات‬ ‫ٍ‬ ‫‪4.‬تنظيم‬
‫األكاديمية؛ لظهور الكرايس العلمية بالشكل املطلوب‪.‬‬
‫‪5.‬مراجعة عقود الكرايس العلمية كل ثالث سنوات نظر ًا لتجدد‬
‫وسائل املعرفة‪ ،‬وجتدد العقود‪ ،‬وحاجات املجتمع‪.‬‬
‫‪6.‬رفع سقف دعم الكريس؛ لزيادة عدد األبحاث التي تستحق الدعم‪،‬‬
‫وفق ضوابط ورشوط الكريس‪.‬‬
‫‪7.‬مواصلة الكريس لعمله؛ حيث أنه أهنى دورته ‪-‬أربع سنوات‪،-‬‬
‫وثمة مشاريع بحثية وأفكار علمية لدى الكريس مل يسعفه الوقت إلنجازها‪.‬‬
‫‪8.‬أهيب بالكرايس العلمية الناشئة االستفادة من جتارب الكرايس‬
‫العلمية املميزة‪ ،‬ومنها كريس الشيخ‪ :‬راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫المراجع‬
‫‪1.‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪2.‬اتفاقية متويل مرشوع بحثي‪( ،‬خاصة بكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات‬
‫األوقاف)‪.‬‬
‫‪3.‬البحث العلمي حقيقته‪ ،‬ومصادره‪ ،‬ومادته‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وطباعته‪،‬‬
‫ومناقشته‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز بن عبد الرمحن الربيعة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬الرتاتيب اإلدارية‪ ،‬حممد عبد احلي بن عبد الكبري اإلدرييس‪( ،‬ت‪1382 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد اهلل اخلالدي‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪5.‬التعريفات‪ ،‬عيل بن حممد اجلرجاين‪( ،‬ت‪816 :‬هـ)‪ ،‬ضبطه وصححه مجاعة من‬
‫العلامء بإرشاف النارش‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪6.‬التعريفات الفقهية‪ ،‬حممد عميم الربكتي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪7.‬التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪،‬‬
‫‪1433‬هـ‪1434/‬هـ‪2012-‬م‪.‬‬
‫‪8.‬التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪،‬‬
‫‪1434‬هـ‪1435/‬هـ‪2013-‬م‪.‬‬
‫‪9.‬التقرير السنوي لكريس الشيخ راشد بن دايل لدراسات األوقاف‪،‬‬
‫‪1435‬هـ‪1436/‬هـ‪2014-‬م‪.‬‬
‫ ‪10.‬التوقيف عىل مهامت التعاريف‪ ،‬عبد الرؤوف بن تاج العارفني املناوي‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪1031‬هـ)‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪11.‬القاموس الفقهي لغة واصطالح ًا‪ ،‬د‪ .‬سعدي أبو حبيب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1408 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪688‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ ‪12.‬القاموس املحيط‪ ،‬حممد بن يعقوب الفريوزآبادي (ت‪817 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫مكتب حتقيق الرتاث يف مؤسسة الرسالة بإرشاف‪ :‬حممد بن نعيم العرقسويس‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬
‫‪1426‬هـ‪.‬‬
‫ ‪13.‬القانون التجاري السعودي‪ ،‬د‪ .‬حممد بن حسن اجلرب‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪14.‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ ،‬د‪ .‬خالد بن عبد العزيز الرويس‪ ،‬د‪ .‬رزق بن‬
‫مقبول الريس‪ ،‬مكتبة الشقري‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪15.‬املعجم القانوين (إنجليزي‪-‬عريب)‪ ،‬حارث بن سليامن الفاروقي‪ ،‬مكتبة لبنان‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪16.‬الوسيط يف رشح القانون املدين اجلديد‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق بن أمحد السنهوري‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫ ‪17.‬أحكام العقد يف الفقه اإلسالمي والقانون املدين‪ ،‬د‪ .‬أمحد بن حممد داود‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪َ ،‬عامن‪ ،‬الطبعة األوىل‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪18.‬تقييم جتربة الكرايس البحثية يف اجلامعات السعودية الناشئة عىل ضوء التجارب‬
‫املحلية والعاملية‪ ،‬زينة بنت حممد القحطاين‪ ،‬جملة العلوم الرتبوية‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب‪( ،‬ت‪463 :‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق أيب األشبال الزهريي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الطبعة األوىل‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪20.‬دراسة احتياجات العمل اخلريي السعودي من الكرايس البحثية‪ ،‬املركز الدويل‬
‫لألبحاث والدراسات «مداد»‪.‬‬
‫ ‪21.‬دليل الكرايس العلمية‪ ،‬جامعة اجلوف‪ ،‬معهد البحوث والدراسات االستشارية‬
‫والتدريب‪.‬‬

‫‪689‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ ‪22.‬دور إدارة الكرايس البحثية يف رفع تصنيف اجلامعات السعودية‪ ،‬مريم‬


‫بنت عبد اهلل املالكي‪ ،‬رسالة ماجستري من كليات الرشق العريب يف اإلدارة‬
‫واإلرشاف الرتبوي‪ ،‬الرسالة غري منشورة‪.‬‬
‫ ‪23.‬عقد البحث العلمي‪ ،‬نصري بن صبار اجلبوري‪ ،‬رسالة دكتوراه غري مطبوعة‬
‫من كلية القانون‪ ،‬بجامعة بغداد‪ ،‬ربيع األول‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪24.‬عقد البحث العلمي بني النظرية والتطبيق‪ ،‬د‪ .‬مجال بن سيد خليفة‪1439 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪25.‬عقد البحث العلمي يف الترشيع اجلزائري‪ ،‬عائشة كاميل‪ ،‬رسالة ماجستري‬
‫مقدمة لكلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم احلقوق‪ ،‬بجامعة العريب بن‬
‫مهيدي‪2011 ،‬م‪2012 -‬م‪ ،‬غري منشورة‪.‬‬
‫ ‪26.‬قانون الوقف‪ ،‬حممد أمحد فرج السنهوري‪ ،‬مطبعة مرص‪1368 ،‬هـ‬
‫ ‪27.‬قواعد وإجراءات املنح البحثية‪ ،‬مطبوعات جامعة اإلمام‪.‬‬
‫ ‪28.‬كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب بن‬
‫إبراهيم أبو سليامن‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪29.‬كتاب العني‪ ،‬اخلليل بن أمحد الفراهيدي‪( ،‬ت‪170 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬مهدي‬
‫املخزومي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم السامرائي‪ ،‬دار ومكتبة اهلالل‪.‬‬
‫ ‪30.‬الئحة كرايس البحث بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬مطبوعات‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1432 ،‬هـ‬
‫ ‪31.‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن منظور‪( ،‬ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪32.‬جملة جممع الفقه اإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي بجدة‪ ،‬النارش‪ :‬منظمة‬
‫املؤمتر اإلسالمي بجدة‪.‬‬
‫ ‪33.‬خمتار الصحاح‪ ،‬حممد بن أيب بكر الرازي‪( ،‬ت‪666 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬يوسف‬
‫الشيخ حممد‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة العرصية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪690‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫عقد البحث المدعوم من الكراسي العلمية‬

‫ ‪34.‬معجم القانون‪ ،‬جممع اللغة العربية بجمهورية مرص العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬


‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫ ‪35.‬معجم اللغة العربية املعارصة‪ ،‬د‪ .‬أمحد خمتار عمر (ت‪1424 :‬هـ)‪ ،‬بمساعدة‬
‫فريق عمل‪ ،‬النارش‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬الطبعة األوىل‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪36.‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬حممد بن رواس قلعجي‪ ،‬حامد بن صادق قنيبي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬الطبعة الثانية‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪37.‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس القزويني (ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد السالم بن حممد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪38.‬موقع هيئة اخلرباء بمجلس الوزراء‪ ،‬النظام التجاري «نظام املحكمة التجارية»‪.‬‬
‫ ‪39.‬موقع هيئة اخلرباء بمجلس الوزراء‪« ،‬نظام محاية حقوق املؤلف»‪.‬‬
‫ ‪40.‬نظرية العقد‪ ،‬عبد الرزاق بن أمحد السنهوري‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪41.‬نظرية العقد يف الرشيعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪ ،‬د‪ .‬عبد املنعم بن فرج‬
‫الصده‪ ،‬دار النهضة العربية‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪42.‬نظرية العقد يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد رساج‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪43.‬نظرية العقد يف القوانني املدنية العربية‪ ،‬د‪ .‬عصمت بن عبد املجيد بكر‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪2015 ،‬م‪.‬‬

‫‪691‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة‬
‫في القضاء السعودي‬

‫محمد عبد الباسط إبراهيم‬


‫باحث في القضاء والسياسة الشرعية‬

‫‪693‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل أرشف خلق اهلل أمجعني‪،‬‬
‫سيدنا ونبينا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه ومن سلك دربه إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الرشائع الساموية جاءت حلفظ الرضوريات اخلمس التي ال تستقيم‬
‫ٍ‬
‫عقوبات تنفذ عىل من تعدى‬ ‫الرشائع والنظم‬ ‫احلياة إال هبا‪ ،‬وقد َوضعت‬
‫ُ‬
‫عليها‪ ،‬وقد حددت بعضها‪ ،‬وخولت إىل القايض سلطة التقدير يف بعضها‪.‬‬
‫وهيدف تنفيذ العقوبات إىل أهداف نبيلة وغايات سامية‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬
‫حتقيق العدالة‪ ،‬والردع اخلاص والعام‪ ،‬وإصالح املجرم؛ غري أن هناك‬
‫حاالت استثنائية يكون فيها عدم تنفيذ العقوبة أدعى وأبلغ إىل حتقيق اهلدف‬
‫املرجو منها من تنفيذها‪.‬‬
‫لذا جاء هذا البحث بعنوان‪« :‬وقف تنفيذ العقوبة يف القضاء السعودي»‬
‫ليدرس هذا املوضوع‪.‬‬
‫األمهية العلمية للموضوع‪:‬‬
‫‪1.‬تعلقه بالقضاء الذي به الدماء تعصم وتسفح‪ ،‬واألبضاع حترم‬
‫وتنكح‪ ،‬واألموال يثبت ملكها ويسلب‪ ،‬فكان البحث يف ما يتعلق بذلك‬
‫من األمهية بمكان‪.‬‬

‫‪694‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫‪2.‬تعلقه بإنزال العذاب عىل من أجرم‪ ،‬وخطورة القيام بذلك؛ حيث‬


‫يرتاوح بني اإلفراط والتفريط‪ ،‬وكالمها مذموم‪.‬‬
‫‪3.‬بيان حكم الشارع يف وقف تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫‪4.‬تعلقه بإصالح الفرد واملجتمع‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫بعد البحث يف املكتبات والشبكة العنكبوتية وقفت عىل مخس دراسات‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪1.‬وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية‪ ،‬دراسة تطبيقية لنظام وقف التنفيذ يف‬
‫اجلرائم التي ينظرها ديوان املظامل باململكة العربية السعودية‪ .‬بحث مقدم‬
‫الستكامل متطلبات احلصول عىل درجة املاجستري يف مكافحة اجلريمة‪ ،‬يف‬
‫أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية بقسم العدالة اجلنائية‪ ،‬من الباحث‪:‬‬
‫عبد السالم بن عبد العزيز التوجيري‪ ،‬عام ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪2.‬وقف تنفيذ العقوبة يف النظام السعودي والقانون املرصي‪ ،‬دراسة‬
‫تأصيلية مقارنة تطبيقية‪ ،‬بحث مقدم الستكامل متطلبات احلصول عىل‬
‫درجة املاجستري يف مكافحة اجلريمة‪ ،‬يف أكاديمية نايف للعلوم األمنية بقسم‬
‫العدالة اجلنائية‪ ،‬من الباحث‪ :‬عبد اهلل بن أمحد الديري‪ ،‬عام ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪3.‬وقف تنفيذ العقوبة يف «نظام اإلجراءات اجلزائية» السعودي‪ ،‬دراسة‬
‫تأصيلية مقارنة‪ .‬بحث مقدم الستكامل متطلبات احلصول عىل درجة‬

‫‪695‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫املاجستري يف مكافحة اجلريمة‪ ،‬يف أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية بقسم‬
‫الرشيعة والقانون‪ ،‬من الباحث‪ :‬حممد بن إبراهيم اخلطيب‪ ،‬عام ‪1436‬هـ‪.‬‬
‫‪4.‬وقف تنفيذ القرار اإلداري يف القانون السوداين‪ ،‬دراسة مقارنة بالنظام‬
‫السعودي‪ .‬بحث مقدم الستكامل متطلبات احلصول عىل درجة املاجستري يف‬
‫مكافحة اجلريمة‪ ،‬يف أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية بقسم الرشيعة‬
‫والقانون‪ ،‬من الباحث‪ :‬ماهر سعيد مصطفى مكاوي‪ ،‬عام ‪1440‬هـ‪.‬‬
‫‪5.‬وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬مؤلف للدكتور‬
‫عبد الفتاح خرض‪.‬‬
‫فهذه الدراسات تتفق مع هذا البحث يف أن مجيعها يتعلق بوقف تنفيذ‬
‫العقوبة‪ ،‬وختتلف معه يف التايل‪:‬‬
‫أما الدراسة األوىل فقد اختلفت مع هذا البحث من جهتني‪:‬‬
‫‪1.‬أهنا اكتفت بدراسة وقف تنفيذ العقوبات التي ينظرها ديوان املظامل‬
‫فقط دون غريها‪.‬‬
‫‪2.‬أهنا مل تتطرق إىل أنظمة صدرت حديث ًا بحكم أهنا كانت قبل صدور‬
‫هذه األنظمة‪ .‬فإهنا اكتفت بقرار نائب رئيس جملس الوزراء‪ ،‬ومذكرة شعبة‬
‫اخلرباء‪ ،‬الصادرين عام ‪1401‬هـ‪ ،‬و«قواعد املرافعات واإلجراءات أمام‬
‫ديوان املظامل» لعام ‪1409‬هـ‪ ،‬ومل تتطرق للمواد املتعلقة باألنظمة الصادرة‬
‫بعد ذلك كـ«نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»‪ ،‬و«نظام األسلحة‬

‫‪696‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫والذخائر»‪ ،‬الصادرين عام ‪1426‬هـ‪ ،‬و«نظام املرور» لعام ‪1428‬هـ‪،‬‬


‫و«نظام اإلجراءات اجلزائية» لعام ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫أما الدراسة الثانية فتختلف معه من جهة‪ ،‬أهنا مل تتضمن أنظمة حديثة‬
‫صدرت بعد تاريخ دراستها‪.‬‬
‫وأما الدراسة الثالثة فإهنا حمصورة يف «نظام اإلجراءات اجلزائية» فقط‬
‫دون التطرق إىل وقف التنفيذ يف األنظمة األخرى‪.‬‬
‫وأما الدراسة الرابعة فإهنا تتعلق بوقف تنفيذ القرار اإلداري فقط‬
‫بخالف هذا البحث حيث أنه تناول وقف إنزال العقوبة باملجرم فهي خمتلفة‬
‫عنه كليا‪.‬‬
‫وأما الدراسة اخلامسة فإهنا ختتلف عنه يف أهنا مل تشتمل عىل األنظمة‬
‫احلديثة املتعلقة بوقف التنفيذ‪ ،‬حيث اكتفت بقرار نائب رئيس جملس‬
‫الوزراء‪ ،‬ومذكرة شعبة اخلرباء‪ ،‬الصادرين عام ‪1401‬هـ‪ ،‬و«قواعد‬
‫املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لعام ‪1409‬هـ‪ ،‬ومل تتطرق للمواد‬
‫املتعلقة باألنظمة الصادرة بعد ذلك كـ«نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات‬
‫العقلية»‪ ،‬و«نظام األسلحة والذخائر»‪ ،‬الصادرين عام ‪1426‬هـ‪ ،‬و«نظام‬
‫املرور» لعام ‪1428‬هـ‪ ،‬و«نظام اإلجراءات اجلزائية» لعام ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫ومما يميز هذا البحث عن الدراسات السابقة أنه اشتمل عىل سوابق‬
‫قضائية من القضاء اجلزائي‪ ،‬وخصوص ًا الدوائر اجلزائية املنظمة التي كان‬
‫سابق ًا يف ديوان املظامل‪ ،‬من خالل أحكامها املنشورة يف موقع ديوان املظامل‪.‬‬

‫‪697‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتكون البحث من مقدمة ومتهيد‪ ،‬وأربعة مباحث‪ ،‬وخامتة‪ ،‬عىل النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬يف التعريف بمفردات العنوان‪:‬‬
‫وفيه ستة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف كلمة وقف‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف التنفيذ‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعريف العقوبة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تعريف القضاء‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬املراد بوقف تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬أسباب وقف التنفيذ‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬يف مرشوعية وقف تنفيذ العقوبة‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أنواع العقوبات من حيث حكم وقف تنفيذها يف الرشيعة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬وفق تنفيذ العقوبة يف األنظمة الوضعية‬
‫املبحث الثاين‪ :‬رشوط وقف التنفيذ‪:‬‬

‫‪698‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬


‫املطلب األول‪ :‬الرشوط املتعلقة باملحكوم عليه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرشوط املتعلقة بالعقوبة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرشوط املتعلقة باجلريمة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬سلطة القايض يف وقف تنفيذ العقوبة‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬سلطة القايض التقديرية يف وقف التنفيذ‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬سلطة القايض من حيث تقدير العقوبة التي يشملها وقف‬
‫التنفيذ‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مدة وقف التنفيذ وآثار احلكم به‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مدة وقف التنفيذ‪:‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬األثر املرتتب عىل املحكوم عليه‪:‬‬
‫وفيه ثالثة فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثناء مدة وقف التنفيذ‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬بعد انقضاء مدة وقف التنفيذ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬بعد إلغاء وقف التنفيذ‪.‬‬

‫‪699‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫اخلامتة‪:‬‬
‫وفيها ذكر أهم النتائج‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫املنهج املتبع يف هذا البحث‪ :‬هو املنهج الوصفي التحليل‪ ،‬االستقرائي‬
‫وفق النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1.‬االكتفاء باألنظمة السعودية فقط دون مقارنتها بأنظمة الدول‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ 2.‬عزو اآليات إىل مواضعها يف املصحف الرشيف‪ ،‬وذلك بذكر اسم‬
‫السورة‪ ،‬ورقم اآلية‪ ،‬والتقيد بالرسم العثامين‪.‬‬
‫‪3.‬االكتفاء بذكر احلديث الذي يف الصحيحني أو أحدمها مع ذكر‬
‫الكتاب‪ ،‬والباب‪ ،‬ورقم احلديث‪ ،‬واجلزء والصفحة يف احلاشية‪ ،‬وإن كان‬
‫احلديث يف غريمها فيذكر مع احلكم عليه من أهل االختصاص‪.‬‬
‫‪4.‬إيراد كالم أهل العلم بنصه‪ ،‬مع التنبيه عند الترصف يف احلاشية‪.‬‬

‫‪700‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫التمهيد‬
‫في التعريف بمفردات العنوان‬
‫وفيه ستة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف كلمة وقف‪:‬‬

‫يقول ابن فارس((( ‪« :‬الواو والقاف والفاء‪ :‬أصل واحد يدل عىل‬
‫متكث يف يشء ثم يقاس عليه‪ .‬منه وقفت أقف وقوف ًا‪ .‬ووقفت وقفي»(((‪.‬‬
‫وكلمة وقف تطلق ويراد هبا عدة معان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫سوار من عاج(((‪.‬‬
‫احلبس‪ ،‬يقال‪ :‬حبسته حبس ًا‪ .‬واحلبس‪ :‬ما وقف(((‪.‬‬

‫أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا بن حممد بن حبيب الرازي‪ ،‬وقيل‪ :‬القزويني‬ ‫(((‬
‫املنجم‪ ،‬وغريه‪ ،‬ومن تالميذه‪ :‬بديع‬
‫ّ‬ ‫الزهراوي األشتاجردي‪ ،‬ومن شيوخه‪ :‬ابن‬
‫الزمان‪ ،‬وغريه‪ ،‬ومن مصنفاته‪ :‬املجمل‪ ،‬وفقه اللغة‪ّ ،‬‬
‫توف سنة مخس وتسعني وثالثامئة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البلغة يف تراجم أئمة النحو واللغة للفريوزآبادي (ص‪ ،)80 :‬إنباه الرواة عىل‬
‫أنباه النحاة للقفطي (‪.)129/1‬‬
‫معجم مقاييس اللغة البن فارس (‪.)135/6‬‬ ‫(((‬
‫املرجع السابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫مقاييس اللغة (‪ ،)127/2‬خمتار الصحاح للرازي (ص‪.)344 :‬‬ ‫(((‬

‫‪701‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف التنفيذ‪:‬‬

‫التنفيذ مصدر للفعل َن َّف َذ ُينَ ِّف ُذ َتن ِْفيذ ًا‪ ،‬يقول ابن فارس ‪(« :‬نفذ)‬
‫النون والفاء والذال‪ :‬أصل صحيح يدل عىل مضاء يف أمر وغريه‪ .‬ونفذ‬
‫السهم الرمية نفاذ ًا‪ .‬وأنفذته أنا‪ .‬وهو نافذ‪ :‬ماض يف أمره»(((‪.‬‬
‫ويفهم من هذا أن التنفيذ يطلق ويراد به عدة معان منها‪:‬‬
‫‪1.‬إمضاء اليشء‪ ،‬نحو‪ :‬مىض يف األمر يميض (مضاء) إذا نفذ(((‪.‬‬
‫‪2.‬اجلواز‪ :‬جواز اليشء واخللوص منه‪ .‬تقول‪ :‬نفذت أي جزت(((‪.‬‬
‫‪3.‬نفاد اليشء‪ :‬ونفق الزاد َينْ َف ٌق نفق ًا أي ن َِفدَ ‪.‬‬
‫واملعنى األقرب إىل موضوع البحث من هذه املعاين السابقة هو املعنى‬
‫األول‪ :‬وهو (اإلمضاء)‪.‬‬
‫تعريف التنفيذ يف االصطالح‪ :‬عرفه بعض الباحثني املعارصين بقوله‪:‬‬
‫«العمل بمقتىض احلكم وإمضاؤه عىل املحكوم عليه طوع ًا أو بإجبار ويل‬
‫األمر»(((‪.‬‬

‫مقاييس اللغة (‪.)458/5‬‬ ‫(((‬


‫خمتار الصحاح (ص‪ ،)295 :‬هتذيب اللغة لألزهري (‪.)314/14‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب البن منظور (‪ ،)514/3‬هتذيب اللغة (‪.)314/14‬‬ ‫(((‬
‫نظرية تنفيذ األحكام القضائية املدنية ألمحد عيل جرادات (ص‪.)74 :‬‬ ‫(((‬

‫‪702‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫عرف التنفيذ بأنه العمل‪ ،‬والعمل ليس‬ ‫ويالحظ عىل هذا التعريف أنه َّ‬
‫من معاين التنفيذ يف اللغة‪ ،‬واملعاين الرشعية ال بد أن يكون هلا عالقة باملعاين‬
‫اللغوية؛ ألهنا منقولة من اللغة(((‪ ،‬كام أن فيه ً‬
‫طوال بذكر أنواع التنفيذ‪.‬‬
‫ويمكن تعريفه بأنه‪ :‬إمضاء احلكم القضائي بإيقاعه عىل املحكوم عليه‬
‫طوع ًا أو جرب ًا‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف العقوبة لغة واصطالحاً ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬العقوبة لغة‪:‬‬


‫العقوبة مصدر للفعل عاقب يعاقب عقوبة‪ ،‬يقول ابن فارس ‪:‬‬
‫«العني والقاف والباء أصالن صحيحان‪ :‬أحدمها يدل عىل تأخري يشء‬
‫وإتيانه بعد غريه‪ .‬واألصل اآلخر يدل عىل ارتفاع وشدة وصعوبة»(((‪.‬‬
‫والعقب‪ ،‬والعقب‪ ،‬والعاقبة‪ :‬ولد الرجل‪ ،‬يقال‪ :‬ليست لفالن عاقبة أي‬
‫ليس له ولد‪ ،‬وكل من خلف بعد يشء فهو عاقبة‪ ،‬وعاقبة كل يشء آخره(((‪.‬‬
‫ويقال لقي فالن من فالن عقبة الضبع‪ ،‬أي شدة‪ ،‬والعقاب‪ :‬اخليط الذي‬
‫يشد به طرف ًا حلقة القرط(((‪.‬‬

‫روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه عىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل البن‬ ‫(((‬
‫قدامة (‪.)550/2‬‬
‫مقاييس اللغة (‪.)77/4‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب (‪.)613/1‬‬ ‫(((‬
‫هتذيب اللغة (‪.)186/1‬‬ ‫(((‬

‫‪703‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫والعقاب واملعاقبة‪ :‬أن جتزي الرجل بام فعل سوء ًا‪ ،‬واالسم العقوبة‪.‬‬
‫ويقال أعقبته بمعنى عاقبته(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬يف االصطالح‪:‬‬
‫فقد تعددت عبارات الفقهاء يف تعريف العقوبة‪ ،‬ومن أبرزها‪« :‬زواجر‬
‫وضعها اهلل تعاىل للردع عن ارتكاب ما حظر‪ ،‬وترك ما أمر به»(((‪.‬‬
‫وعرفها بعضهم بقوله‪« :‬اجلزاء املقرر ملصلحة اجلامعة عىل عصيان أمر‬
‫الشارع»‪.‬‬
‫هذان التعريفان متقاربان يف املعنى وإن اختلفا يف املبنى‪ ،‬إال أن الثاين‬
‫أشمل حيث شمل العقوبات التعزيرية‪ ،‬واحلدية‪ ،‬بينام اخترص األول عىل‬
‫العقوبات احلدية دون التعزيرية‪ ،‬وذلك من خالل قوله‪« :‬وضعها اهلل»‪ ،‬إال‬
‫أن هذا التعريف األخري أيض ًا ق َّيدها بعصيان أمر الشارع‪ ،‬فأخرج خمالفات‬
‫األنظمة الوضعية التي ال تتعارض مع أحكام الرشيعة‪.‬‬
‫وقد عرفها بعضهم باجلزاء(((‪.‬‬
‫وقد تعددت عبارات القانونيون أيض ًا يف تعريفها‪ ،‬وقد عرفها بعضهم‬
‫بقوله‪« :‬جزاء يوقع باسم املجتمع تنفيذ ًا حلكم قضائي عىل من تثبت‬
‫مسؤوليته عن اجلريمة»(((‪.‬‬
‫هتذيب اللغة (‪ ،)183/1‬لسان العرب (‪.)619/1‬‬ ‫(((‬
‫األحكام السلطانية والواليات الدينية للاموردي (ص‪.)325 :‬‬ ‫(((‬
‫القاموس الفقهي للدكتور سعدي أبو حبيب (ص‪.)255 :‬‬ ‫(((‬
‫رشح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬د‪ .‬حممود حممود مصطفى (ص‪.)555 :‬‬ ‫(((‬

‫‪704‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ويمكن تعريفها بأهنا‪ :‬اجلزاء الذي تو ِّقعه اجلهات املختصة عىل من ثبتت‬
‫مسؤوليته يف ارتكاب جريمة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تعريف القضاء لغة واصطالحاً ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف القضاء يف اللغة‪:‬‬


‫قال ابن فارس ‪« :‬قىض القاف والضاد واحلرف املعتل‪ :‬أصل‬
‫ََ َ‬
‫صحيح يدل عىل إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه جلهته»(((‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فقضى ٰ ُه َّن‬
‫ََۡۡ‬ ‫َ َۡ َ َ َ‬
‫ي﴾(((‪ ،‬أي أحكم خلقهن» انتهى كالمه‪.‬‬ ‫سبع سمٰو ٖ‬
‫ات ِف يوم ِ‬
‫وتطلق كلمة القضاء ويراد هبا أيض ًا‪ :‬احلكم(((‪ ،‬فمن ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫َّ ُ (((‬
‫َ َ َ َ ُّ َ َ َّ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َّ ٓ‬
‫ض ربك أل تعبدوا إِل إِياه﴾ ‪.‬‬ ‫﴿وق ٰ‬
‫وتأيت أيض ًا بمعنى‪ :‬الفراغ من اليشء تقول‪ :‬قىض حاجته‪ ،‬وتأيت بمعنى‬
‫َََ َُ ُ َ ٰ ََ َ ََ‬
‫ض عل ۡيهِۖ﴾((( أي قتله‪ ،‬وتأيت‬
‫القتل‪ ،‬نحو‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬فوكزهۥ موس فق ٰ‬
‫بمعنى الصنع والتقدير‪ ،‬يقال‪ :‬قضاه أي صنعه وقدره(((‪.‬‬

‫مقاييس اللغة (‪.)99/5‬‬ ‫(((‬


‫سورة فصلت‪ ،‬آية‪.)12( :‬‬ ‫(((‬
‫مقاييس اللغة (‪ ،)99/5‬خمتار الصحاح (ص‪ ،)255 :‬لسان العرب (‪.)186/15‬‬ ‫(((‬
‫سورة اإلرساء‪ ،‬آية‪.)23( :‬‬ ‫(((‬
‫سورة القصص‪ ،‬آية‪.)15( :‬‬ ‫(((‬
‫خمتار الصحاح (ص‪ ،)255 :‬لسان العرب (‪.)186/15‬‬ ‫(((‬

‫‪705‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ثاني ًا‪ :‬تعريف القضاء يف االصطالح‪:‬‬


‫لقد تعددت عبارات الفقهاء يف تعريف القضاء الختالف أنظارهم(((‪:‬‬
‫فنظر بعضهم إىل كونه صف ًة‪ ،‬فعرفه بأنه‪ :‬صفة حكمية يتصف هبا القايض‬
‫تستلزم إمضاء حكمه‪.‬‬
‫ونظر بعضهم إىل كونه فع ً‬
‫ال يقوم به القايض‪ ،‬فعرفه بأنه‪« :‬فصل‬
‫ْ‬
‫الُ ُصو َمات َوقطع املنازعات»(((‪.‬‬
‫وبإمعان النظر يف املعنيني نجد أن هناك صلة وثيقة بينهام؛ ألن القضاء‬
‫بمعنى فصل اخلصومات عىل وجه اإللزام ال يتحقق إال إذا حتقق فيمن قام‬
‫به صفة القضاء‪ ،‬كام أن القضاء باعتباره صفة للقايض ال يتحقق مقتضاه‬
‫بدون الفصل يف اخلصومات(((‪.‬‬
‫عرف فقهاء املذاهب القضاء بعبارات خمتلفة‪،‬‬‫فباالعتبارين السابقني َّ‬
‫وكلها ال تسلم من النقض‪ ،‬واملجال ال يسع لذكرها واالعرتاض عليها؛ لذا‬
‫سيكتفي الباحث بذكر التعريف املختار فحسب‪ ،‬حيث إن الغرض من ذلك‬
‫هو تقريب الصورة فقط ال غري‪.‬‬
‫التعريف املختار‪ :‬فصل اخلصومات وقطع املنازعات بإظهار حكم‬
‫الشارع فيها عىل سبيل اإللزام‪.‬‬
‫((( نظرية الدعوى بني الرشيعة اإلسالمية وقانون املرافعات املدنية والتجارية لنعيم ياسني‬
‫(ص‪.)20 :‬‬
‫((( لسان احلكام يف معرفة األحكام (ص‪.)218 :‬‬
‫((( نظرية الدعوى بني الرشيعة اإلسالمية وقانون املرافعات املدنية والتجارية (ص‪.)21 :‬‬

‫‪706‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المطلب الخامس‪ :‬المراد بوقف تنفيذ العقوبة‪:‬‬

‫لقد عرف الدكتور حممود مصطفى وقف التنفيذ بقوله‪ :‬أن يصدر‬
‫القايض حكمه بالعقوبة ويأمر بإيقاف تنفيذها ملدة معينة‪ ،‬فإن انقضت بغري‬
‫أن ُيلغى وقف التنفيذ سقط احلكم واعترب كأن مل يكن‪ ،‬وإن ال نفذت العقوبة‬
‫املوقوف تنفيذها مع العقوبة اجلديدة(((‪.‬‬
‫ويتضح من خالل هذا التعريف‪ :‬أن وقف التنفيذ يقوم عىل أساس أن‬
‫املسؤولية من قبل املتهم قد قامت وأنه مستحق للعقوبة لتوافر أسباهبا‪،‬‬
‫لكن قد يلحظ القايض أن اجلاين متورط يف ارتكاب اجلريمة‪ ،‬وأنه يتمتع‬
‫بسجل نظيف وخال من السوابق القضائية مما َيض ُعف معه احتامل عودته‬
‫إىل اإلجرام مرة أخرى‪ ،‬فيحكم عليه القايض بالعقوبة مع وقف تنفيذها(((‪.‬‬
‫ويظل تنفيذ احلكم الصادر بحق اجلاين معلق ًا عليه ومهدد ًا به خالل‬
‫مدة زمنية حيددها النظام‪ ،‬فإذا انقضت هذه املدة دون أن ُيلغى وقف التنفيذ‬
‫سقط احلكم‪ ،‬أما إذا ُألغي اإليقاف الستحقاق اجلاين لعقوبة عن جريمة‬
‫وقعت منه خالل املدة التي حددها النظام‪ ،‬فإن العقوبة املوقوفة تنفذ عليه‬
‫مع العقوبة اجلديدة(((‪.‬‬

‫((( رشح قانون العقوبات القسم العام بواسطة‪ :‬عبد السالم بن عبد العزيز التوجيري‪ ،‬من‬
‫خالل رسالته‪ :‬وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)79-78 :‬‬
‫((( وفق تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)79 :‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬

‫‪707‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المطلب السادس‪ :‬أسباب وقف التنفيذ‪:‬‬

‫إن وقف التنفيذ إجراء هيدف إىل إصالح اجلاين‪ ،‬وحتديد ًا إذا كان مبتدئ ًا‬
‫أو ضئيل اخلطر‪ ،‬بمعنى أن إيقاف التنفيذ خيضع لسلطة القايض التقديرية‪،‬‬
‫ولكن وفق ًا لظروف اجلاين وربام ظروف أرسته‪.‬‬
‫وقد جاء يف املادة (‪ )214‬من «نظام اإلجراءات اجلزائية» السعودي‪:‬‬
‫عىل أن‪« :‬للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تنص يف حكمها عىل وقف تنفيذ‬
‫عقوبة السجن التعزيرية يف احلق العام‪ ،‬وإذا رأت من أخالق املحكوم‬
‫عليه‪ ،‬أو ماضيه‪ ،‬أو ِسنِّه‪ ،‬أو ظروفه الشخصية‪ ،‬أو الظروف التي ارتكبت‬
‫فيها اجلريمة أو غري ذلك ما يبعث عىل القناعة بوقف التنفيذ‪ ،‬وإذا ارتكب‬
‫املحكوم عليه أي جريمة خالل مدة ثالث سنوات من التاريخ الذي أصبح‬
‫فيه احلكم املوقوف هنائ ّي ًا‪ ،‬وحكم عليه يف احلق العام باإلدانة وتوقيع عقوبة‬
‫السجن عليه فللمحكمة بنا ًء عىل طلب املدِّ عي العام إلغاء وقف تنفيذ‬
‫العقوبة واألمر بإنفاذها دون اإلخالل بالعقوبة املحكوم بتوقيعها يف اجلريمة‬
‫اجلديدة»(((‪.‬‬
‫يتضح من خالل هذا النص النظامي أن القايض يراعي حال اجلاين بعد‬
‫احلكم عليه يف تنفيذ العقوبة حيث تقتيض احلال يف بعض القضايا وقف‬
‫العقوبة نظر ًا ملا يظهر من أخالق املحكوم عليه‪ ،‬أو ماضيه‪ ،‬أو سنه‪ ،‬أو‬
‫ظروفه الشخصية‪ ،‬أو الظروف التي وقع فيها من استحق عليه العقوبة‪.‬‬
‫وقد يكون يف وقف عقوبة السجن جتنيب للمحكوم عليه اآلثار السلبية التي‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/1/22‬هـ‪.‬‬

‫‪708‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫قد ترتتب عىل سجنه نتيجة االختالط داخل السجن مع معتادي اإلجرام‪،‬‬
‫والتي قد تزيد عىل اآلثار السلبية لسجنه(((‪.‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية التي تؤيد ذلك‪:‬‬
‫أقام فرع هيئة الرقابة والتحقيق دعوى عىل متهم بوصفه موظف ًا عام ًا‬
‫طلب لنفسه وأخذ مبلغ ًا من املال لإلخالل بواجبه الوظيفي وطلبت اهليئة‬
‫معاقبته وفق ًا لنص املادة األوىل من «نظام مكافحة الرشوة»‪ .‬أنكر املتهم‬
‫ما نسب إليه وألجل القرائن الكثرية التي ساقها االدعاء حكمت الدائرة‬
‫بإدانته بجريمة الرشوة وتعزيره عن ذلك بسجنه سنة واحدة وتغريمه‪:‬‬
‫(‪ )10.000‬ريال‪ ،‬ولعدم وجود سوابق عىل املتهم ولظروفه الصحية وكرب‬
‫سنه أوقفت الدائرة تنفيذ عقوبة السجن املقيض هبا عليه إعامالً للامدة (‪)32‬‬
‫من «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل»(((‪.‬‬
‫يالحظ يف هذه القضية أن الدائرة راعت مايض املتهم‪ ،‬وسنه‪ ،‬وظروفه‬
‫الصحية‪.‬‬

‫((( إبراهيم بن صالح الزغيبي‪ ،‬مسائلقضائية(ص‪ ،)9:‬وقف تنفيذ العقوبة‪2011/5/13،‬م‪.‬‬


‫‪http://www.cojss.com/vb/archive/index.php/t-5345.html‬‬
‫((( رقم القضية‪/3/207 :‬ق لعام ‪1427‬هـ‪ ،‬وحكمت هيئة التدقيق بتأييد احلكم رقم‪:‬‬
‫‪/266‬د‪/‬ج‪ 11/‬لعام ‪1427‬هـ‪.‬‬

‫‪709‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المبحث األول‬
‫في مشروعية وقف تنفيذ العقوبة‬
‫المطلب األول‪ :‬أنواع العقوبات من حيث حكم وقف تنفيذها في‬
‫الشريعة اإلسالمية‪:‬‬

‫َص‬
‫ُص عليه‪ ،‬وما مل ُين َّ‬
‫تتنوع العقوبة يف الرشيعة اإلسالمية بحسب ما ن َّ‬
‫عليه‪ ،‬وبحسب حقوق اهلل‪ ،‬وحقوق العباد إىل‪ :‬عقوبات احلدود‪ ،‬وعقوبات‬
‫القصاص‪ ،‬وعقوبات التعزير‪.‬‬
‫فاحلد‪ :‬عقوبة مقدرة وجبت حق ًا هلل تعاىل(((‪.‬‬
‫فاحلدود جيب عىل اإلمام وواليه إقامتها استجابة ألمر اهلل تعاىل حيث‬
‫ّ ۡ ُ َ ْ ََ َ َۡ َ َۡ ُ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َ َّ َ ۡ ُ ْ ُ َّ‬
‫لةٖۖ َول تأخذكم‬ ‫ح ٖد مِنهما مِائة ج‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫قال‪﴿ :‬ٱلزانِية وٱلز ِان فٱج ِلوا‬
‫ٱللِ َو ۡٱلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخِر َو ۡل َي ۡش َهدۡ‬
‫َّ‬ ‫ُ ُۡ ُۡ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََۡ ‪ٞ‬‬
‫ِۖ‬ ‫ِين ٱللِ إِن كنتم تؤمِنون ب ِ‬ ‫ب ِ ِهما رأفة ٓ ِف د ِ‬
‫ۡ‬
‫َع َذ َاب ُه َما َطائ َفة‪ّ ٞ‬م َِن ٱل ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ِني‪.(((﴾2‬‬ ‫ِ‬
‫حيث أمر اهلل ‪ ‬بإقامة احلد عىل من زنى وهنى عن االمتناع عن‬
‫إقامتها شفقة باملحدود(((‪.‬‬
‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ُ َ َ َ ٓ َ ۢ َ َ َ َ َ َ ٗ‬
‫وقال‪﴿ :‬وٱلسارِق وٱلسارِقة فٱقطعوا أيدِيهما جزاء بِما كسبا نكٰل‬
‫يز َحك ‪ٞ‬‬ ‫ٱللِ َو َّ ُ‬
‫ٱلل َعز ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫ِيم‪.(((﴾38‬‬ ‫ِ‬ ‫م َِن ۗ‬
‫االختيار لتعليل املختار (‪ ،)79/4‬مغني املحتاج (‪.)460/5‬‬ ‫(((‬
‫سورة النور‪ ،‬آية‪.)2(:‬‬ ‫(((‬
‫اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)165/12‬‬ ‫(((‬
‫سورة املائدة‪ ،‬آية (‪.)38‬‬ ‫(((‬

‫‪710‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫فقد حدد اهلل ‪ ‬عقوبة السارق والسارقة يف كتابه وأوجبها‪ ،‬وهي‬


‫حق خالص هلل تعاىل فال ُيسقطها يشء(((‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬فعن عائشة ‪ ،‬أن قريش ًا أمههم شأن املرأة املخزومية‬
‫التي رسقت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن يكلم فيها رسول اهلل ‪‬؟ فقالوا‪ :‬ومن‬
‫جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد(((‪ ،‬حب رسول اهلل ‪ ‬فكلمه أسامة‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪(( :‬أتشفع يف حد من حدود اهلل))‪ ،‬ثم قام فخطب‪،‬‬
‫ثم قال‪(( :‬إنام أهلك الذين قبلكم‪ ،‬أهنم كانوا إذا رسق فيهم الرشيف تركوه‪،‬‬
‫وإذا رسق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪ ،‬وايم اهلل لو أن فاطمة بنت حممد‬
‫(((‬
‫رسقت لقطعت يدها))‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن (‪)166/6‬‬


‫((( أسامة بن زيد بن حارثة بن رشاحيل الكلبي يكنى أسامة أبا زيد وقيل أبا حممد‪ ،‬يقال‬
‫له احلب ابن احلب‪ ،‬مات باجلرف يف آخر خالفة معاوية سنة أربع ومخسني‪ .‬انظر‪:‬‬
‫االستيعاب يف معرفة األصحاب البن عبد الرب (‪ ،)77-75/1‬أسد الغابة يف معرفة‬
‫الصحابة البن األثري (‪.)195-194/1‬‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب حديث الغار‪ ،‬رقم احلديث‪،3475 :‬‬
‫(‪ ،)175/4‬ومسلم‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب قطع السارق الرشيف وغريه‪ ،‬والنهي عن‬
‫الشفاعة يف احلدود‪ ،‬رقم احلديث‪)1315/3( ،1688-8 :‬‬

‫‪711‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫قال الشوكاين((( ‪«:‬فإذا كان ترك احلدود واملداهنة فيها وإسقاطها‬


‫عن األكابر من أسباب اهلالك كانت إقامتها عىل كل أحد من غري فرق بني‬
‫رشيف ووضيع من أسباب احلياة»(((‪.‬‬
‫ُص عىل حتريمها‬
‫يتضح من خالل النصوص السابقة أن جرائم احلدود ن َّ‬
‫ُص عىل عقوبتها‪ ،‬بل لقد عينت الرشيعة العقوبات يف جرائم احلدود‬ ‫ون َّ‬
‫تعيين ًا دقيق ًا بحيث مل ترتك للقايض حرية يف اختيار نوع العقوبة أو تقدير‬
‫كمها‪ ،‬فال تسمح الرشيعة للقايض أن ينقص العقوبة أو يستبدل غريها هبا‬
‫أو يوقف تنفيذها‪ ،‬ومل جتعل الرشيعة لظروف اجلريمة أو املجرم أي أثر عىل‬
‫عقوبات جرائم احلدود‪ ،‬كام أهنا مل جتعل للسلطة التنفيذية حق العفو عن‬
‫هذه العقوبات‪.‬‬
‫ومن ثم سميت هذه العقوبات بالعقوبات املقدرة حق ًا هلل تعاىل‪ ،‬إشارة‬
‫إىل أهنا حمددة النوع واملقدار‪ ،‬وأهنا الزمة فال يمكن املساس هبا‪.‬‬
‫أما القصاص‪ ،‬فهو عقوبة مقدرة حق ًا لألفراد‪ .‬ومعنى أهنا حق لألفراد‪:‬‬
‫أن للمجني عليه‪ ،‬أو وليه فقط احلق يف العفو عنها‪ ،‬فليس لإلمام وال من‬
‫ينوب عنه حق العفو أو وقف التنفيذ يف جرائم القصاص‪.‬‬

‫((( حممد بن عيل بن حممد بن عبد اهلل الشوكاين‪ :‬فقيه جمتهد من كبار علامء اليمن‪ ،‬من‬
‫أهل صنعاء‪ .‬ولد هبجرة شوكان (من بالد خوالن‪ ،‬باليمن) ونشأ بصنعاء‪ ،‬له مؤلفات‬
‫كثرية‪ ،‬منها‪ :‬نيل األوطار من أرسار منتقى األخبار‪ ،‬فتح القدير يف التفسري‪ ،‬ت سنة‪:‬‬
‫‪1250‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم للزركيل (‪.)298/6‬‬
‫((( نيل األوطار للشوكاين (‪.)128/7‬‬

‫‪712‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ومما سبق يتضح أن جرائم احلدود والقصاص ال يدخلهام وقف التنفيذ‪،‬‬


‫فلم يبق إال النوع الثالث واألخري من أنواع العقوبات يف الرشيعة وهي‬
‫العقوبات التعزيرية‪ ،‬فمجال هذا النوع األخري‪ ،‬واسع حيث تُرك للقايض‬
‫أو ويل األمر سلطة تقدير العقوبة التي تالئم شخصية املتهم وسوابقه‬
‫ومدى تأثره بالعقوبة التي من شأهنا منع اجلريمة وإصالح اجلاين‪ ،‬فبالتايل‬
‫يكون وقف تنفيذ العقوبة منحرص يف العقوبات التعزيرية دون غريها من‬
‫العقوبات األخرى(((‪.‬‬
‫واتفق احلنفية(((‪ ،‬واملالكية(((‪ ،‬والشافعية(((‪ ،‬واحلنابلة((( يف بعض‬
‫املواضع عىل أنه جيوز لإلمام ترك تنفيذ العقوبة التعزيرية إذا رأى من وراء‬
‫ذلك مصلحة‪.‬‬
‫احلث عىل ترك تنفيذ العقوبة‬ ‫وقد ثبت عن النبي ‪ ‬يف عدة أدلة ُّ‬
‫التعزيرية يف بعض األحيان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ِ‬
‫اهليئات َع َث ِ‬
‫راتم إال احلُدُ و َد))(((‪.‬‬ ‫قول النبي ‪ِ (( :‬أقي ُلوا َذ ِوي‬
‫وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)76 :‬‬ ‫(((‬
‫البحر الرائق رشح كنز الدقائق (‪.)49/5‬‬ ‫(((‬
‫حاشية الدسوقي (‪.)354-332/4‬‬ ‫(((‬
‫احلاوي الكبري (‪.)432/7‬‬ ‫(((‬
‫الكايف يف فقه اإلمام أمحد (‪.)111/4‬‬ ‫(((‬
‫أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلدود‪ ،‬باب‪ :‬يف احلد يشفع فيه (‪ )428/6‬رقم‪:‬‬ ‫(((‬
‫‪ ،4375‬والبيهقي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬الرسقة‪ ،‬باب‪ :‬ما يكون حرز ًا وما ال يكون‬
‫(‪ )465/8‬رقم‪ ،17229 :‬والنسائي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬احلدود‪ ،‬باب‪ :‬التجاوز‬
‫عن زلة ذي اهليئة (‪ ،)468/6‬رقم‪ ،7254 :‬صححه األلباين يف صحيح األدب املفرد‬
‫(ص‪.)178 :‬‬

‫‪713‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫وجه الداللة‪ :‬دليل احلديث عىل أن اإلمام خمري يف التعزير إن شاء عزر‬
‫وإن شاء ترك‪ ،‬ولو كان التعزير واجب ًا كاحلد لكان ذو اهليئة وغريه يف ذلك‬
‫سواء(((‪.‬‬
‫يتفق ما ورد يف هذا احلديث مع األغراض التي يوقف التنفيذ من أجلها‪،‬‬
‫والظروف التي ينغي مراعاهتا‪.‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء ‪ ‬يف كتبهم ما يدل عىل مرشوعية وقف التنفيذ‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫ما جاء يف البحر الرائق‪« :‬إن كان املدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما‬
‫فعل يوعظ استحسان ًا وال يعزر‪ ،‬فإن عاد وتكرر منه روي عن أيب حنيفة‬
‫أنه يرضب وهذا جيب أن يكون يف حقوق اهلل تعاىل‪ ،‬فإن حقوق العباد ال‬
‫يتمكن القايض فيها من إسقاط التعزير‪ ...‬ألنه إذا كان ذا مروءة فقد حصل‬
‫تعزيره باجلر إىل باب القايض والدعوى فال يكون مسقط ًا حلق اهلل تعاىل يف‬
‫التعزير»(((‪.‬‬
‫وجاء يف حاشية الدسوقي‪« :‬التعزير املتمحض حلق اهلل يسقط عن‬
‫مستحقه إذا جاء تائب ًا بخالف التعزير حلق اآلدمي»(((‪.‬‬
‫وجاء يف احلاوي الكبري‪« :‬قال الشافعي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬والتعزيز ليس‬
‫بحد جيب بكل حال وقد جيوز تركه وال يأثم من تركه قد فعل غري يشء يف‬
‫((( معامل السنن للخطايب (‪.)300/3‬‬
‫((( البحر الرائق رشح كنز الدقائق ومنحة اخلالق وتكملة الطوري (‪.)49 /5‬‬
‫((( الرشح الكبري للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (‪.)354 /4‬‬

‫‪714‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫عهد رسول اهلل ‪ ‬غري حد فلم يرضب فيه من ذلك الغلول وغريه‬
‫ومل يؤت بحد قط فعفاه(((»‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وقف تنفيذ العقوبة في األنظمة الوضعية‪:‬‬

‫أخذت أنظمة الدول احلديثة بمبدأ وقف تنفيذ العقوبة‪ ،‬ومنها اململكة‬
‫العربية السعودية التي تنبثق أنظمتها من روح الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وقد‬
‫وردت عدة مواد يف أنظمة خمتلفة يف اململكة العربية السعودية يف شأن وقف‬
‫تنفيذ العقوبة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬نصت املادة (‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات‬
‫العقلية»((( عىل أن‪:‬‬
‫«‪ -1‬للمحكمة ‪ -‬وألسباب معتربة‪ ،‬أو إذا ظهر هلا من أخالق املحكوم‬
‫عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها‬
‫اجلريمة أو غري ذلك مما يبعث عىل االعتقاد بأن املتهم لن يعود إىل خمالفة أحكام‬
‫هذا النظام ‪ -‬النزول عن احلد األدنى من عقوبة السجن املنصوص عليها‬
‫يف املواد (السابعة والثالثون)‪ ،‬و(الثامنة والثالثون) و(التاسعة والثالثون)‬
‫و(األربعني) و(احلادية واألربعني) من هذا النظام‪ .‬كام أن للمحكمة وقف‬
‫تنفيذ عقوبة السجن املحكوم هبا طبق ًا للامدة الثامنة واألربعني من هذا‬
‫النظام لألسباب نفسها‪ ،‬ما مل يكن سبق أن حكم عليه وعاد إىل املخالفة‬
‫نفسها‪ .‬وجيب أن تبني األسباب التي استند إليها يف احلكم يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫((( احلاوي الكبري للاموردي (‪.)434/7‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬

‫‪715‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫‪ -2‬إذا عاد املحكوم عليه الرتكاب جريمة من اجلرائم املعاقب عليها‬


‫بموجب هذا النظام خالل مدة ثالث سنوات من تاريخ وقف تنفيذ العقوبة‪،‬‬
‫فللمحكمة إلغاء وقف التنفيذ واألمر بإنفاذها دون اإلخالل بالعقوبة املقرر‬
‫عن اجلريمة اجلديدة‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا انقضت مدة وقف تنفيذ العقوبة دون عودة املحكوم عليه‬
‫الرتكاب إحدى اجلرائم املعاقب عليها يف النظام يعد احلكم املوقوف كأن مل‬
‫يكن وتنقيض كل آثاره»‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املادة السابعة واخلمسون من «نظام األسلحة والذخائر»(((‪:‬‬
‫«لديوان املظامل‪ -‬وألسباب معتربة‪ ،‬أو إذا ظهر له من أخالق املحكوم عليه‬
‫أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها املخالفة‬
‫أو غري ذلك مما يبعث عىل االعتقاد بأن املتهم لن يعود إىل خمالفة أحكام هذا‬
‫النظام‪ -‬وقف تنفيذ عقوبة السجن املحكوم هبا من العقوبات الواردة يف‬
‫هذا النظام ما مل يكن سبق أن حكم عليه وعاد إىل املخالفة نفسها‪ .‬وجيب أن‬
‫تبني األسباب التي استند إليها يف احلكم يف مجيع األحوال‪.‬‬
‫أ‪ -‬إذا عاد املحكوم عليه الرتكاب خمالفة من املخالفات املعاقب عليها‬
‫بموجب هذا النظام خالل مدة ثالث سنوات من تاريخ وقف تنفيذ العقوبة‬
‫فلديوان املظامل إلغاء وقف التنفيذ واألمر بإنفاذ العقوبة دون اإلخالل‬
‫بالعقوبة املقرر عن املخالفة اجلديدة‪.‬‬

‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426/7/25‬هـ‪.‬‬

‫‪716‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ب‪ -‬إذا انقضت مدة وقف تنفيذ العقوبة دون عودة املحكوم عليه‬
‫الرتكاب إحدى املخالفات املعاقب عليها يف هذا النظام‪ ،‬فإن احلكم‬
‫املوقوف يعد كأن مل يكن وتنقيض كل آثاره»‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املادة الثانية والثامنون من «نظام املرور»(((‪« :‬جيوز للمحكمة‬
‫املختصة ‪ -‬والعتبارات تقدرها‪ -‬وقف تنفيذ العقوبة املحكوم هبا»‪.‬‬
‫(((‬
‫رابع ًا‪ :‬املادة الرابعة عرشة بعد املائتني من «نظام اإلجراءات اجلزائية»‬
‫يف فقرهتا الثانية‪« :‬للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تنص يف حكمها عىل‬
‫وقف تنفيذ عقوبة السجن التعزيرية يف احلق العام‪ ،‬إذا رأت من أخالق‬
‫املحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي‬
‫ارتكبت فيها اجلريمة أو غري ذلك ما يبعث عىل القناعة بوقف التنفيذ‪ .‬وإذا‬
‫ارتكب املحكوم عليه أي جريمة خالل مدة ثالث سنوات من التاريخ الذي‬
‫أصبح فيه احلكم املوقوف هنائي ًا وحكم عليه يف احلق العام باإلدانة وتوقيع‬
‫عقوبة السجن عليه‪ ،‬فللمحكمة ‪ -‬بنا ًء عىل طلب املدعي العام ‪ -‬إلغاء وقف‬
‫تنفيذ العقوبة واألمر بإنفاذها دون اإلخالل بالعقوبة املحكوم بتوقيعها يف‬
‫اجلريمة اجلديدة»‪.‬‬

‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )85/‬وتاريخ ‪1428/10/26‬هـ‪.‬‬


‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬

‫‪717‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المبحث الثاني‬
‫شروط وقف التنفيذ‬
‫يشرتط لوقف التنفيذ رشوط منها ما يتعلق باملحكوم عليه‪ ،‬ومنها ما‬
‫يتعلق بالعقوبة‪ ،‬ومنها ما يتعلق باجلريمة‪ .‬وبيان ذلك يف ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشروط المتعلقة بالمحكوم عليه‪:‬‬

‫يعمل نظام وقف التنفيذ عىل األخذ بيد اجلاين الذي ال يبدو عليه‬
‫عالمات اخلطورة اإلجرامية نظر ًا للظروف التي ارتكب فيها اجلريمة‪.‬‬
‫فيشرتط جلواز األمر باإليقاف أن يكون للمحكوم عليه من أخالقه‬
‫وماضيه احلسن وسنه والظروف التي ارتكب فيها اجلريمة سواء متثلت‬
‫هذه الظروف بحالته الشخصية كبواعث اجلاين ودوافعه أو كانت ظروف ًا‬
‫بيئية مستمدة من الظروف املحيط باجلاين وقت ارتكاب اجلريمة كاستفزاز‬
‫املجني عليه‪ ،‬أو احلاجة امللحة‪ ،‬أو الظروف العائلية للجاين‪ ،‬ما يبعث عىل‬
‫االعتقاد بأنه لن يعود إىل السلوك اإلجرامي مرة أخرى(((‪.‬‬
‫وليست الرشوط منحرصة يف األمور التي ورد ذكرها يف الفقرة السابقة‪،‬‬
‫وإنام تركت األنظمة والقوانني للقايض سلطة تقدير ظروف اجلاين حسب‬
‫ما يراه مناسب ًا‪ ،‬فقد يوقف القايض التنفيذ مع وجود سوابق قضائية للمتهم‪،‬‬
‫وقد ال يوقف التنفيذ مع خلوه من السوابق القضائية‪ ،‬فيختلف األمر‬

‫((( وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية (ص‪ ،)34 :‬وقف تنفيذ العقوبة‬
‫التعزيرية (ص‪.)97 :‬‬

‫‪718‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫باختالف أنظمة الدول‪ ،‬فقد جعلت بعضها خلو صحيفة اجلاين رشط ًا‬
‫لوقف التنفيذ‪ ،‬مثل‪ :‬املغرب(((‪ ،‬وسورية(((‪ ،‬ولبنان(((‪ ،‬ومل تشرتطه بعض‬
‫األنظمة مثل‪ :‬مرص(((‪ ،‬وليبيا(((‪ ،‬والكويت(((‪.‬‬
‫أما يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬فإن األنظمة التي صدرت بشأن وقف‬
‫التنفيذ ال ختلو بمجموعها عن هذه الرشوط املذكورة فبعضها ينص عىل‬
‫خلو صحيفة اجلاين من السوابق كـ«نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات‬
‫العقلية»(((‪.‬حيث جاء يف الفقرة األوىل من املادة الستني منه عىل أن‪:‬‬
‫«‪ -1‬للمحكمة ‪ -‬وألسباب معتربة‪ ،‬أو إذا ظهر هلا من أخالق املحكوم‬
‫عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها‬
‫اجلريمة أو غري ذلك مما يبعث عىل االعتقاد بأن املتهم لن يعود إىل خمالفة أحكام‬
‫هذا النظام ‪ -‬النزول عن احلد األدنى من عقوبة السجن املنصوص عليها‬
‫يف املواد (السابعة والثالثون)‪ ،‬و(الثامنة والثالثون) و(التاسعة والثالثون)‬

‫املادة (‪ )55‬من قانون العقوبات الصادر يف‪28 :‬مجادى اآلخرة ‪1382‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )168‬من قانون العقوبات الصادر باملرسوم الترشيعي رقم (‪ )148‬وتاريخ‬ ‫(((‬
‫‪1949/06/22‬م‪.‬‬
‫املادة (‪ )169‬من قانون العقوبات الصادر بمرسوم ترشيعي رقم (‪ )340‬وتاريخ‬ ‫(((‬
‫‪1943/03/01‬م‪.‬‬
‫املادة (‪ )55‬من قانون العقوبات رقم (‪ )58‬لسنة ‪1937‬م‪ ،‬وآخر تعديل له سبتمرب‬ ‫(((‬
‫‪2020‬م‪.‬‬
‫املواد (‪ )117-112‬من قانون العقوبات الصادر بتاريخ ‪1954/02/20‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )82‬من قانون العقوبات الكويتي رقم (‪ )16‬لسنة ‪1960‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬م‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪719‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫و(األربعني) و(احلادية واألربعني) من هذا النظام‪ .‬كام أن للمحكمة وقف‬


‫تنفيذ عقوبة السجن املحكوم هبا طبق ًا للامدة الثامنة واألربعني من هذا النظام‬
‫لألسباب نفسها‪ ،‬ما مل يكن سبق أن حكم عليه وعاد إىل املخالفة نفسها»‪.‬‬
‫و«نظام األسلحة والذخائر»(((حيث جاء يف املادة الثامنة واألربعني منه‪:‬‬
‫«لديوان املظامل(((‪ -‬وألسباب معتربة‪ ،‬أو إذا ظهر له من أخالق املحكوم‬
‫عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها‬
‫املخالفة أو غري ذلك مما يبعث عىل االعتقاد بأن املتهم لن يعود إىل خمالفة‬
‫أحكام هذا النظام‪ -‬وقف تنفيذ عقوبة السجن املحكوم هبا من العقوبات‬
‫الواردة يف هذا النظام ما مل يكن سبق أن حكم عليه وعاد إىل املخالفة نفسها»‪.‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية عىل ذلك ما جاء يف مدونة األحكام اجلزائية‬
‫الصادرة عن ديوان املظامل‪:‬‬
‫أقام فرع هيئة الرقابة والتحقيق دعوى ضد متهمني طالب ًا معاقبتهام‪،‬‬
‫ملسامهتهام يف حترير حمرر رسمي هو وثيقة سفر إجازة لألفراد بطريق‬
‫االصطناع ومسامهتهام يف استعامله‪ ،‬اعرتفا يف حمارض التحقيق ما أدى إىل‬
‫إدانتهام بجريمتي التزوير واالستعامل واحلكم عليهام تعزير ًا بالسجن سنة‬
‫واحدة وغرامة قدرها‪( :‬ألف) ريال واعرتضا عىل احلكم وطلبا تدقيقه‬

‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426/7/25‬هـ‪ ،‬يف املادة (‪.)57‬‬
‫((( انتقل االختصاص القضائي من ديوان املظامل إىل املحاكم اجلزائية‪.‬‬

‫‪720‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫فأيدت اهليئة احلكم وأضافت إيقاف عقوبة السجن عنهام لعدم وجود‬
‫سوابق عليهام ومراعاة لظروفهام الشخصية والعائلية(((‪.‬‬
‫(((‬
‫وبعضها يرتك تقدير األمر للقايض كـ«نظام اإلجراءات اجلزائية»‬
‫حيث نصت املادة الرابعة عرشة بعد املائتني منه يف فقرهتا الثانية‪« :‬للمحكمة‬
‫التي تنظر الدعوى أن تنص يف حكمها عىل وقف تنفيذ عقوبة السجن‬
‫التعزيرية يف احلق العام‪ ،‬إذا رأت من أخالق املحكوم عليه أو ماضيه أو سنه‬
‫أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها اجلريمة أو غري ذلك ما‬
‫يبعث عىل القناعة بوقف التنفيذ»‪.‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية عىل ذلك‪ :‬أقام فرع هيئة الرقابة والتحقيق بمنطقة‬
‫الرياض دعوى بموجب قرار االهتام رقم (‪/595‬ج) لعام ‪1428‬ه‪ ،‬ضد‬
‫متهم ساهم مع جمهول يف تزوير حمرر رسمي وهو شهادة اجتياز امتحان‬
‫درجة البكالوريوس‪ ،‬وذلك بطريق االصطناع بأن حصل عليها من جمهول‪،‬‬
‫وهي مصنعة بالكامل ومصدقة بأختام وتواقيع منسوبة إىل سفارة اململكة‬
‫العربية السعودية بالقاهرة‪ ،‬واستعمل املحرر املزور مع علمه بحقيقته بأن‬
‫تقدم به إىل مكتب االستقدام؛ لغرض استقدام زوجته‪ .‬وطلب فرع اهليئة‬
‫بمنطقة الرياض معاقبة املتهم بموجب املادتني (‪ )6 ،5‬من «نظام مكافحة‬
‫التزوير» وقرار جملس الوزراء رقم (‪ )223‬لعام ‪1399‬هـ‪ .‬وحكمت الدائرة‬
‫بإدانة املتهم بام نُسب إليه من تزوير واستعامل‪ ،‬ومعاقبته عن ذلك بسجنه سنة‬
‫((( رقم القضية‪/3/748 :‬ق لعام ‪1427‬هـ‪ ،‬ورقم حكم التدقيق‪/25 :‬ت‪ 2/‬لعام‬
‫‪1428‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬

‫‪721‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫واحدة وتغريمه مبلغ (ألف) ريال مع وقف تنفيذ عقوبة السجن نظر ًا إىل‬
‫الباعث الذي من أجله قام بتزوير هذا املحرر‪ ،‬وحكمت حمكمة االستئناف‬
‫بتأييده‪.‬‬
‫يالحظ يف هذه القضية أنه مل يذكر يف سبب وقف تنفيذ احلكم خلو سجل‬
‫املحكوم عليه‪ ،‬وإنام لسبب الباعث‪.‬‬
‫ومل تُغ َفل مراعاة ظروف اجلاين وإمكانية صالحه‪ .‬كام هو ظاهر يف املواد‬
‫آنفة الذكر وغريها‪.‬‬
‫وكذا يف بعض األمثلة التطبيقية‪ ،‬منها‪ :‬أقيمت دعوى ضد متهمني لقيام‬
‫األول بوصفه موظف ًا بإدارة املرور بقبول رجاء وتوصية الثاين بتمكينه من‬
‫استعامل جهاز احلاسوب اآليل اخلاص به باإلدارة وبرقمه الرسي يف تسجيل‬
‫بيانات العديد من السيارات من ضمنها سيارتان مرسوقتان‪ ،‬سجل ملكيتهام‬
‫باسم الثالث‪ ،‬ومسامهة املتهمني يف تزوير حمررات رسمية هي السجالت‬
‫اخلاصة بإدارة املرور‪ ،‬وأقر املتهامن بصحة ما نسب إليهام وجاءت أقوال‬
‫الثالث متناقضة يف أقواله املصدقة رشع ًا وأقواله أمام الدائرة‪ ،‬وساقت‬
‫املدعية أدلة االهتام وطلبت من املحكمة معاقبة املتهمني طبق ًا لنص املادتني‪:‬‬
‫(‪ )10 ،4‬من «نظام مكافحة الرشوة» ونص املادتني‪ )6 ،5( :‬من «نظام‬
‫مكافحة التزوير» وقرار جملس الوزراء رقم (‪ )223‬لعام ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫ال سمح للثاين بالتسجيل‬‫وبتالوة قرار االهتام عليهم أجاب األول بأنه فع ً‬
‫باجلهاز ثقة به واجلهاز ال يقبل أي سيارة عليها خمالفة وهو ال يعلم شيئ ًا‬

‫‪722‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫عن السيارتني‪ ،‬وأجاب الثالث بأنه اتفق مع الثاين بتسجيل السيارتني لدى‬
‫املرور بمبلغ (مخسة آالف ريال) لكل سيارة‪.‬‬
‫وإعامالً ملبدأ تداخل اجلرائم والعقوبات فإن الدائرة تكتفي بمعاقبة‬
‫املتهمني بالعقوبة املنصوص عليها يف املادة (‪ )6‬من النظام السابق ذكره‬
‫لكوهنا األشد‪ ،‬وحيث إن الدائرة حتكم بالسجن والغرامة‪ ،‬فإنه توقف عقوبة‬
‫السجن نظر ًا ملا أبداه املتهمون من ضياعهم وضياع مستقبلهم وترصفاهتم‬
‫تدل عىل ندمهم عىل ما فعلوه‪ ،‬وحكمت حمكمة االستئناف بتأييد احلكم(((‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الشروط المتعلقة بالعقوبة‪:‬‬

‫قيدت بعض األنظمة القضاة بأال حيكموا بوقف تنفيذ العقوبة إال إذا‬
‫بلغت حد ًا معينا ًكام هو احلال يف القانون املرصي(((‪ ،‬حيث قيد القايض‬
‫بأال ُيكم بوقف التنفيذ إال إذا كانت عقوبة احلبس ال تزيد مدهتا عن سنة‬
‫وبالغرامة أي ًا كان مبلغها‪ ،‬فالعربة هنا بالقدر املحكوم به من العقوبة وليس‬
‫(((‬
‫بالقدر املحدد عىل اجلريمة‪ ،‬كام هو احلال يف قانون العقوبات الكويتي‬
‫حيث قيدها بالعقوبة التي ال تتجاوز مدهتا سنتني‪.‬‬
‫هذا من حيث مدة العقوبة التي يمكن وقف تنفيذها‪ ،‬أما من حيث نوع‬
‫العقوبة فلقد حددت بعض الترشيعات العقوبات التي جيوز وقف تنفيذها‬

‫((( رقم القضية‪/3/895 :‬ق لعام ‪1430‬هـ‪.‬‬


‫((( املادة (‪ )55‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫((( الصادر عام ‪1960‬م يف املادة (‪ )82‬منه‪.‬‬

‫‪723‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫بأن تكون جنحية أو تكديرية كقانون العقوبات اللبناين(((‪ ،‬حيث أجاز وقف‬
‫تنفيذ هذه العقوبات سواء كانت سالبة للحرية‪ ،‬أو مقيد هلا‪ ،‬أو مالية‪ ،‬ومنع‬
‫وقف تنفيذ العقوبات يف اجلنايات‪ ،‬والعقوبات اإلضافية‪ ،‬والفرعية‪ ،‬وكذا‬
‫يف التدابري االحرتازية‪ ،‬والتعويضات‪.‬‬
‫أما يف اململكة العربية السعودية فلم حتدد العقوبة التي جيوز وقف‬
‫تنفيذها من حيث املدة الزمنية‪ ،‬حيث تُرك األمر إىل سلطة القايض(((‪.‬‬
‫لذا نجد يف بعض التطبيقات وقف تنفيذ عقوبة حبس مدهتا سنة‬
‫واحدة(((‪ ،‬وبعضها ثالث سنوات فام فوق مثل هذه القضية‪ :‬أقامت هيئة‬
‫الرقابة والتحقيق دعوى عىل متهم لرشوعه يف تقليد عملة سعودية وهي‬
‫ورقة واحدة من فئة مخسني ريال بأن قام بتصويرها عن طريق املاسح‬
‫الضوئي لغرض تروجيها وقيامه بتزوير شهادة الكفاءة املتوسطة ألخيه‬
‫بتصويرها عىل نفس اجلهاز‪ ،‬وساقت األدلة وطلبت معاقبته وفق ًا لنص‬
‫املادتني (‪ )6 ،5‬من «نظام مكافحة التزوير» ونص املادة (‪ )8 ،2‬من املرسوم‬
‫امللكي رقم (م‪ )38/‬لعام‪1421 :‬هـ‪ ،‬وباستجوابه أمام الدائرة أنكر ذلك‬
‫غري أن الدائرة واستناد ًا ملا جاء يف أدلة االهتام حكمت بإدانته ملا نسب‬
‫((( املادة (‪ )169‬من قانون العقوبات اللبناين الصادر بمرسوم ترشيعي رقم (‪)340‬‬
‫وتاريخ ‪1943/3/1‬م‪.‬‬
‫((( املادة (‪ )47‬من «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لعام ‪1409‬هـ‪،‬‬
‫واملادة (‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية» الصادر بمرسوم ملكي‬
‫رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪ .‬وغريمها من األنظمة املشار إليها يف احلوايش‬
‫التالية‪.‬‬
‫((( كام هو احلال يف القضية رقم‪/1/5384 :‬ق لعام ‪1428‬هـ آنفة الذكر‪.‬‬

‫‪724‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫إليه من جريمتي التزوير والرشوع يف تقليد عملة سعودية متداولة نظام ًا‬
‫ومعاقبته عنهام بسجنه ثالث سنوات وستة أشهر وتغريمه ستة عرش ألف‬
‫ريال مع وقف تنفيذ عقوبة السجن ملا كان أثر اجلريمتني اقترص عىل املتهم‬
‫دون الوصول للغري(((‪.‬‬
‫أما من حيث حتديد نوع العقوبة‪ ،‬فبتتبع نصوص األنظمة التي تطرقت‬
‫إىل وقف التنفيذ يمكن القول بأهنا تكون يف عقوبة احلبس كام جاء يف املادة‬
‫(‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»(((‪ ،‬واملادة (‪)57‬‬
‫من «نظام األسلحة والذخائر»(((‪ ،‬واملادة (‪ )214‬من «نظام اإلجراءات‬
‫اجلزائية»(((‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الشروط المتعلقة بالجريمة‪:‬‬

‫اختلفت األنظمة والقوانني يف الدول املختلفة يف حتديد اجلرائم التي‬


‫جيري فيها وقف التنفيذ‪ ،‬فمنهم من أطلقها يف مجيع اجلرائم مثل القانون‬
‫الكويتي(((‪ ،‬ومنهم من استثنى بعض اجلرائم كنظام العقوبات السوري يف‬
‫املادة (‪ )168‬منه‪ ،‬حيث استثنى جرائم اجلنايات‪ ،‬وبعضها ترك األمر لتقدير‬
‫القايض كام هو احلال يف قانون العقوبات اللبناين(((‪.‬‬
‫مؤيد من هيئة التدقيق بالرقم‪/75 :‬د‪/‬ج‪ 3/‬لعام ‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ‪1426/7/25 :‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ‪1435/1/22 :‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )82‬من قانون العقوبات الصادر عام ‪1960‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر عام ‪1943‬م يف املادة (‪ )169‬منه‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪725‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫أما يف اململكة العربية السعودية فإن بعض األنظمة((( قرصهتا يف جرائم‬


‫التزوير والرشوة‪ ،‬ووسعت بعضها النطاق يف جرائم أخرى كام هو احلال‬
‫مع «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل»(((‪.‬حيث نصت عىل‬
‫أن‪« :‬للدائرة إذا رأت من أخالق املحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه‬
‫الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها اجلريمة أو غري ذلك مما يبعث عىل‬
‫القناعة بوقف التنفيذ أن تنص يف حكمها عىل وقف تنفيذ العقوبة»‪.‬‬
‫وسعت النطاق وتركت للقايض السلطة يف ما يراه مناسب ًا ومل‬ ‫فهذه املادة َّ‬
‫حترصها يف جريمتي الرشوة والتزوير‪ ،‬وقد أشارت هذه القواعد يف املادة‬
‫السابعة واألربعني عىل أهنا تُلغي ما تعارض معه مما سبق‪.‬‬
‫خالصة القول‪ :‬فإن اململكة العربية السعودية حتكم بالرشيعة اإلسالمية‬
‫التي تقسم العقوبة إىل عقوبات يف جرائم احلدود‪ ،‬والقصاص‪ ،‬والتعزير‪،‬‬
‫وقد سبق بيان ما جيوز فيه وقف التنفيذ رشع ًا وما ال جيوز‪ ،‬فإن اململكة‬
‫العربية السعودية تأخذ بوقف التنفيذ يف اجلرائم التي يعاقب عليها‬
‫بالعقوبات التعزيرية فقط(((‪.‬‬

‫((( قرار نائب رئيس جملس الوزراء رقم‪/8 :‬هـ‪ 23517/‬وتاريخ ‪1401/10/18‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر عام ‪1409‬هـ يف املادة (‪.)32‬‬
‫((( وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)116 :‬‬

‫‪726‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المبحث الثالث‬
‫سلطة القاضي التقديرية في وقف تنفيذ العقوبة‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬سلطة القاضي التقديرية في وقف التنفيذ‪:‬‬

‫كانت سلطة القايض يف اململكة العربية السعودية من حيث مبدأ وقف‬


‫التنفيذ مقصورة عىل قضايا الرشوة والتزوير عند احلكم باحلد األدنى املقرر‬
‫لعقوبة احلبس أو الغرامة‪ ،‬حيث ورد يف مذكرة شعبة اخلرباء املوافق عليها‬
‫من قبل نائب رئيس جملس الوزراء بتاريخ ‪1401/10/18‬هـ ورقم‪/7( :‬‬
‫هـ ‪ -)23517‬ما نصه‪« :‬جيوز يف احلاالت التي تصدر فيها هيئة احلكم يف‬
‫قضايا الرشوة والتزوير حكام بتوقيع احلد األدنى املقرر لعقوبة احلبس أو‬
‫الغرامة أن تويص بوقف تنفيذ العقوبة املحكوم هبا إذا استظهرت من أخالق‬
‫املتهم أو من ظروفه الشخصية أو ظروف ارتكابه اجلريمة أو الباعث عليها‬
‫ما حيمل عىل االعتقاد بأن املتهم لن يعود إىل ارتكاب اجلريمة مرة أخرى»‪.‬‬
‫ثم توسعت بعد ذلك سلطة القايض من حيث مبدأ وقف التنفيذ بصدور‬
‫«قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لعام ‪1409‬هـ(((‪،‬‬
‫واألنظمة التالية هلا كـ«نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»(((‪ ،‬ونظام‬

‫((( بقرار جملس الوزراء رقم (‪ )190‬وتاريخ ‪1409/11/16‬هـ املنشور يف جريدة أم‬
‫القرى العدد ‪ ،3266‬وتاريخ ‪1409/12/04‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫األسلحة والذخائر(((‪ ،‬ونظام املرور(((‪ ،‬و«نظام اإلجراءات اجلزائية»(((‪،‬‬


‫حيث نصت املادة (‪ )32‬من «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان‬
‫املظامل» املشار إليها عىل أنه‪« :‬للدائرة إذا رأت من أخالق املحكوم عليه أو‬
‫ماضيه أو ِسنه أو ظروفِه الشخصية أو الظروف التي ارتكب فيها اجلريمة‪،‬‬
‫كمها عىل‬‫أن تنُص يف ح ِ‬
‫أو غري ذلك مما يبعث عىل القناعة بوقف التنفيذ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫وقف تنفيذ العقوبة‪ ،‬وال أثر لذلك اإليقاف عىل اجلزاءات التأديبية التي‬
‫خيضع هلا املحكوم عليه‪.‬‬
‫و ُيلغى اإليقاف إذا ُأدين املحكوم عليه أمام إحدى دوائر الديوان بعقوبة‬
‫بدنية يف قضية جزائية ُأخرى ارتكبها ِخالل ثالث سنوات من تاريخ صدور‬
‫تنفيذه هنائي ًا»؛ فبالتايل مل تعد سلطة القايض يف إيقاف التنفيذ‬
‫ُ‬ ‫حلكم املوقوف‬
‫ا ُ‬
‫حسب هذه املادة‪ ،‬وغريها من املواد املشار إليها مقصورة عىل جرائم الرشوة‬
‫والتزوير بل أصبحت شاملة لكل ما تنظره الدوائر اجلزائية‪.‬‬
‫كام أن هذه املواد متنح القايض صالحية وقف التنفيذ بام يراه مناسب ًا‬
‫وإن كان املحكوم عليه عائد ًا أو سبق له االستفادة من نظام وقف التنفيذ‪،‬‬
‫حيث مل يرد فيها ما ُيقيد سلطة القايض ما دام أنه يرى أن املجرم املاثل أمامه‬
‫بطبيعته وأخالقه وماضيه وظروفه وسنه ممن يؤمل صالحه‪ ،‬وكذلك منحت‬
‫القايض سلطة تنفيذ العقوبة مع توفر رشوط الوقف حيث أهنا جعلت وقف‬
‫تنفيذ العقوبة جوازي ًا من خالل ما ورد يف املواد املشار إليها‪« :‬للمحكمة»‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426 /7/25‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )85/‬وتاريخ ‪1428/10/26‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬

‫‪728‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ويفهم من النصوص الواردة يف املواد املشار إليها رضورة ذكر األسباب‬


‫الداعية إىل وقف التنفيذ عند صدور احلكم بإدانة املتهم مع وقف التنفيذ؛‬
‫ألن األصل هو تنفيذ احلكم متى كان هنائي ًا‪ ،‬وهذا ما نُص عليه رصاحة يف‬
‫املادة الستني من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»‪« :‬وجيب أن‬
‫تبني األسباب التي استند إليها يف احلكم يف مجيع األحوال»‪ ،‬وكذلك املادة‬
‫السابعة واخلمسون من «نظام األسلحة والذخائر»‪.‬‬
‫ومن األمثلة التطبيقية عىل ذلك‪ :‬ما جاء يف مدونة األحكام اجلزائية‬
‫الصادرة عن ديوان املظامل‪:‬‬
‫أقام فرع هيئة الرقابة والتحقيق دعوى عىل متهمني طالب ًا معاقبتهام ألهنام‬
‫سامها مع جمهول يف اصطناع رخصة إقامة‪ ،‬األول ساهم مع جمهول يف تزوير‬
‫جتديد الرخصة بطريقة االصطناع واستعامل املحرر املزور حمتج ًا بصحته‬
‫وطلب فرع اهليئة إدانتهام بام نسب إليهام وتعزيرمها‪ ،‬وقد أنكر املتهم ما نسب‬
‫إليه‪ ،‬والعرتافه املصادق عليه وإفادة اجلهة املنسوب إليها رخصة اإلقامة‬
‫بعدم صحتها مؤداه‪ :‬إدانة األول وتعزيره بالسجن سنة واحدة وتغريمه‬
‫(ألفي) ريال مع وقف تنفيذ عقوبة السجن املقيض هبا عليه؛ ألنه يعول‬
‫زوجتني وطفلني ويف إدخاله السجن إرضار هبم وخللو سجله من السوابق‪،‬‬
‫وعدم إدانة املتهم الثاين لعدم كفاية األدلة(((‪.‬‬

‫((( رقم القضية‪/3/5953 :‬ق لعام ‪1427‬هـ‪ ،‬وأيدته هيئة التحقيق باحلكم‪:‬‬
‫‪/108‬د‪/‬ج‪ 10/‬لعام ‪1428‬هـ‪.‬‬

‫‪729‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬سلطة القاضي من حيث تقدير العقوبة التي‬


‫يشملها وقف التنفيذ‪:‬‬

‫لقد اختلفت األنظمة يف حتديد سلطة القايض يف وقف التنفيذ من حيث‬


‫نوع العقوبة ومقدارها‪ ،‬أما يف اململكة العربية السعودية فلم يكن هبا قبل‬
‫عام ‪1401‬سند نظامي يوضح طبيعته ومدته وآثاره غري أنه بحلول هذا‬
‫العام صدرت موافقة نائب رئيس جملس الوزراء (رقم‪/7 :‬هـ‪23517/‬‬
‫وتاريخ ‪1401/01/18‬هـ) عىل وقف تنفيذ العقوبة املقرتح يف مذكرة‬
‫شعبة اخلرباء بمجلس الوزراء (رقم ‪ 11‬وتاريخ ‪1401/09/2‬هـ) ورغم‬
‫ذلك فإن جهة احلكم يف قضايا التزوير والرشوة مل تكن متلك بموجب ذلك‬
‫التنظيم إال جمرد التوصية بوقف التنفيذ ورفع األمر مع احلكم إىل رئيس‬
‫جملس الوزراء للتصديق عليه(((‪.‬‬
‫فإن مذكرة شعبة اخلرباء املشار إليها آنف ًا قد قيدت تطبيق وقف التنفيذ‬
‫باحلاالت التي تصدر فيها جهة احلكم يف قضايا التزوير والرشوة حك ًام‬
‫بتوقيع احلد األدنى املقرر لعقوبة احلبس أو الغرامة(((‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫ما نص عليه بأنه‪« :‬جيوز يف احلاالت التي تصدر فيها هيئة احلكم يف قضايا‬
‫الرشوة أو التزوير حكام بتوقيع احلد األدنى املقرر لعقوبة احلبس أو الغرامة‬
‫أن تويص بوقف تنفيذ العقوبة املحكوم هبا إذا استظهرت من أخالق‪.»...‬‬

‫((( وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)135 :‬‬


‫((( املرجع السابق‪.‬‬

‫‪730‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ومن ذلك يتضح أن للمحكمة تطبيق وقف التنفيذ يف حاالت احلكم‬


‫بالغرامة أو احلكم باحلبس أو هبام مع ًا برشط أال جتاوز العقوبة احلد األدنى‬
‫(((‬
‫املقرر هلذه العقوبة يف «نظام مكافحة التزوير»((( و«نظام مكافحة الرشوة»‬
‫يف اململكة‪.‬‬
‫ثم توسعت بعد ذلك سلطة القايض بصدور قرار جملس الوزراء رقم‬
‫(‪ )190‬لعام ‪1409‬هـ باملوافقة عىل «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام‬
‫ديوان املظامل»‪ ،‬من خالل املادة (‪ )32‬منها‪ ،‬حيث جعلت هذه املادة للدوائر‬
‫اجلزائية سلطة إيقاف تنفيذ عقوبات مجيع اجلرائم التي تنظرها‪ ،‬ومل يعد األمر‬
‫متعلق ًا بجرائم الرشوة والتزوير فحسب‪ ،‬بل أصبح أكثر شموالً بحيث يسع‬
‫كل ما تنظره الدوائر اجلزائية يف ديوان املظامل(((‪.‬‬
‫أما «نظام مكافحة الرشوة»(((‪ ،‬فلم حيدد احلد األدنى للعقوبة‪ ،‬وإنام‬
‫اكتفى بتحديد حدها األعىل فقط سواء كانت هذه العقوبة هي السجن أو‬
‫الغرامة وذلك يف مجيع اجلرائم الواردة فيه‪ ،‬وكذلك املادة (‪ )32‬من «قواعد‬
‫املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لسنة ‪1409‬هـ(((‪ ،‬فلم تضع حد ًا‬
‫بحيث ال جيوز للدائرة اجلزائية التي تقنع بوقف التنفيذ جتاوزه عند احلكم‬
‫الصادر عام‪1380 :‬هـ‪ ،‬ثم ألغي بموجب «النظام اجلزائي جلرائم التزوير» الصادر عام‬ ‫(((‬
‫‪1435‬هـ‪.‬‬
‫الصادر عام ‪1412‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)139 :‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )36/‬وتاريخ ‪1412/12/29‬هـ‪ ،‬وذلك يف املادة‬ ‫(((‬
‫األوىل منه‪.‬‬
‫الصادرة بقرار جملس الوزراء رقم (‪ )190‬وتاريخ ‪1409/11/16‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪731‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫بالعقوبة سواء كانت تلك العقوبة سجن ًا أو غرامة وإنام أجازت‪« :‬للدائرة‬
‫إذا رأت من أخالق املحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو‬
‫الظروف التي ارتكبت فيها اجلريمة أو غري ذلك مما يبعث عىل القناعة بوقف‬
‫التنفيذ أن تنص يف حكمها عىل وقف تنفيذ العقوبة»‪.‬‬
‫إال أن هذه املادة مل تقيد العقوبة التي يمكن إيقاف تنفيذها بحد معني‬
‫ولكنها أطلقتها‪ ،‬وبالتايل قد يكون ألية مدة أو أي مقدار تراه املحكمة كافي ًا‬
‫للتهديد ومناسبة للجريمة املرتكبة متى ُألغي اإليقاف‪ ،‬وليس معنى ذلك أن‬
‫القايض يمكن له أن يصل بالعقوبة املوقوف تنفيذها إىل احلد األقىص‪ ،‬بل‬
‫جيب عليه أن ينزل بالعقوبة إىل احلد الذي يراه كافي ًا وحمقق ًا أغراض العقوبة‬
‫متى ألغي وقف التنفيذ(((‪.‬‬
‫من ناحية أخرى فإن سلطة القايض مقيدة فيام خيص اإلجراءات التأديبية‬
‫التي خيضع هلا املحكوم عليه حيث ورد يف املادة (‪ )32‬من «قواعد املرافعات‬
‫واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لسنة ‪1409‬هـ عىل أن‪« :‬ال أثر لذلك الوقف‬
‫عىل اإلجراءات التأديبية التي خيضع هلا املحكوم عليه»‪.‬‬
‫كام جيب عىل املحكمة أن تنص يف حكمها عىل وقف تنفيذ العقوبة التبعية‬
‫باعتبارها تابعة للعقوبة األصلية بخالف العقوبة التكميلية((( ‪-‬كاملصادرة‬
‫مثالً‪ -‬لكوهنا تابعة لطبيعة اجلريمة‪ ،‬أما ما حيصل عليه املجرم نتيجة جلرمه‬

‫((( الرشوة رشع ًا ونظام ًا ملحمد حميي الدين عوض (ص‪.)180-179 :‬‬
‫((( هي التي يتوقف توقيعها عىل نطق احلاكم هبا‪ ،‬بينام العقوبة التبعية‪ :‬يقيض هبا القانون‬
‫كأثر حتمي للحكم بالعقوبة األصلية‪.‬‬

‫‪732‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫فهو مما ال سلطة للقايض عىل إيقاف تنفيذه طبق ًا لنص املادة (‪ )32‬من‬
‫«قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» لعام ‪1409‬هـ‪ ،‬وكذلك‬
‫بالنسبة لتعويض من أصابه رضر فال يمكن للقايض أن يوقف تنفيذه لكونه‬
‫من احلقوق اخلاصة التي تتقرر للغري يف حالة عدم تنازله(((‪.‬‬

‫((( وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)142 :‬‬

‫‪733‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫المبحث الرابع‬
‫مدة وقف التنفيذ وآثار الحكم به‬
‫المطلب األول‪ :‬مدة وقف التنفيذ‪:‬‬

‫إذا أصدر القايض احلكم مع األمر بوقف تنفيذه فإن وقف التنفيذ ال‬
‫يكون مؤبد ًا وإنام يكون مقيد ًا بمدة زمنية حمددة تنقيض آثاره بانقضائها‪ ،‬أو‬
‫بارتكاب املحكوم عليه جريمة أخرى أثناء هذه املدة املحددة‪.‬‬
‫وختتلف مدة وقف التنفيذ باختالف الدول‪ ،‬كام أن زمن ابتدائها أيض ًا‬
‫خيتلف باختالف األنظمة املرعية يف خمتلف الدول‪ ،‬حيث أن بعض الدول‬
‫اعتربت زمن ابتدائه من تاريخ صدور احلكم والبعض اآلخر اعتربهتا من‬
‫تأريخ صريورة احلكم هنائي ًا(((‪.‬‬
‫فبعض الدول جعلت مدة وقف التنفيذ ثالث سنوات كام هو احلال يف‬
‫القانون املرصي(((‪ ،‬والكويتي(((‪ ،‬كل ذلك ابتداء من اليوم الذي يكون فيه‬
‫احلكم هنائيا(((‪ ،‬ويف لبنان تكون املدة مخس سنوات إذا كانت العقوبة جنائية‪،‬‬
‫وسنتان إذا كانت كدرية(((‪.‬‬

‫كام هو احلال يف املادة (‪ )56‬من قانون العقوبات املرصي لعام ‪1953‬م‪ ،‬واملادة (‪)82‬‬ ‫(((‬
‫من قانون العقوبات الكويتي لعام ‪1960‬م‪.‬‬
‫املادة (‪ )56‬من قانون العقوبات لعام ‪1953‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )82‬من قانون العقوبات الكويتي لعام ‪1960‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )56‬من قانون العقوبات لعام ‪1953‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫املادة (‪ )171‬من قانون العقوبات لعام ‪1943‬م‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪734‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫أما يف اململكة العربية السعودية فإن مدة وقف التنفيذ كانت يف قرار نائب‬
‫رئيس جملس الوزراء رقم‪/7 :‬هـ‪ 23517 /‬ومذكرة شعبة اخلرباء رقم‪:‬‬
‫‪ 111‬الصادرين عام ‪1401‬هـ مخس سنوات‪ ،‬ثم ُق ِّلصت إىل ثالث سنوات‬
‫بصدور «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل»(((‪ ،‬وذلك يف‬
‫املادة (‪ )32‬منه‪ ،‬حيث نصت عىل أنه‪« :‬و ُيلغى اإليقاف إذا ُأدين املحكوم‬
‫عليه أمام إحدى دوائر الديوان بعقوبة بدنية يف قضية جزائية ُأخرى ارتكبها‬
‫تنفيذه هنائي ًا»‪ ،‬حيث‬
‫ُ‬ ‫حلكم املوقوف‬ ‫ِ‬
‫خالل ثالث سنوات من تاريخ صدور ا ُ‬
‫أن املادة (‪ )48‬من «قواعد اإلجراءات واملرافعات أمام ديوان املظامل» املشار‬
‫إليها آنف ًا نصت عىل أهنا تلغي كل ما يتعارض معها من أحكام‪ ،‬فبالتايل‬
‫أصبحت مدة وقف التنفيذ ثالث سنوات بدالً من مخس سنوات‪ ،‬وهذا ما‬
‫جاء يف األنظمة الصادرة بعد هذه القواعد‪ ،‬منها‪ :‬ما جاء يف الفقرة األوىل‬
‫من املادة (‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»(((‪« :‬إذا‬
‫عاد املحكوم عليه الرتكاب جريمة من اجلرائم املعاقب عليها بموجب هذا‬
‫النظام خالل مدة ثالث سنوات من تاريخ وقف تنفيذ العقوبة‪ ،‬فللمحكمة‬
‫إلغاء وقف التنفيذ واألمر بإنفاذها دون اإلخالل بالعقوبة املقرر عن اجلريمة‬
‫اجلديدة»‪.‬‬
‫وكذا املادة (‪ )57‬من «نظام األسلحة والذخائر»(((‪ ،‬كام نصت املادة‬
‫(‪ )214‬من «نظام اإلجراءات اجلزائية»((( يف فقرهتا الثانية‪ ...« :‬وإذا ارتكب‬
‫الصادر بقرار جملس الوزراء رقم (‪ )190‬وتاريخ ‪1409/11/16‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426 /7/25‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪735‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫املحكوم عليه أي جريمة خالل مدة ثالث سنوات من التاريخ الذي أصبح‬
‫فيه احلكم املوقوف هنائي ًا وحكم عليه يف احلق العام باإلدانة وتوقيع عقوبة‬
‫السجن عليه‪ ،‬فللمحكمة ‪ -‬بنا ًء عىل طلب املدعي العام ‪ -‬إلغاء وقف تنفيذ‬
‫العقوبة واألمر بإنفاذها دون اإلخالل بالعقوبة املحكوم بتوقيعها يف اجلريمة‬
‫اجلديدة»‪.‬‬
‫أما زمن ابتداء مدة الوقف فإهنا كانت تبدأ يف اململكة العربية السعودية‬
‫بمجرد صدور احلكم وتوقيع املحكوم عليه يف قرار نائب رئيس جملس‬
‫الوزراء رقم‪/7 :‬هـ‪ 23517 /‬ومذكرة شعبة اخلرباء رقم‪ 111 :‬الصادرين‬
‫عام ‪1401‬هـ‪ ،‬وبصدور «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان‬
‫املظامل»(((‪ ،‬صارت املدة تبدأ من تاريخ صريورة احلكم هنائي ًا‪ ،‬وذلك يف املادة‬
‫(‪ )32‬منه املشار إليها آنف ًا‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة (‪ )214‬من «نظام‬
‫اإلجراءات اجلزائية»((( يف فقرهتا الثانية‪ ...« :‬وإذا ارتكب املحكوم عليه‬
‫أي جريمة خالل مدة ثالث سنوات من التاريخ الذي أصبح فيه احلكم‬
‫املوقوف هنائي ًا»‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار المرتبة على المحكوم عليه‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أثناء مدة وقف التنفيذ‪:‬‬


‫إن أثر األمر بوقف التنفيذ يتمثل يف تعليق مركز املحكوم عليه وذلك‬
‫حتى يتضح ما سيؤول إليه أمره‪ ،‬إما بإلغاء وقف التنفيذ لظهور ما يتطلب‬
‫((( الصادر بقرار جملس الوزراء رقم (‪ )190‬وتاريخ ‪1409/11/16‬هـ‪.‬‬
‫((( الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬

‫‪736‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ذلك خالل مدة الوقف‪ ،‬أو بإهناء هذه الفرتة بنجاح‪ ،‬وهذا ما هيدف إليه هذا‬
‫النظام بتجنيب املحكوم عليه اآلثار السلبية املؤثرة عىل شخصيته فاهلدف‬
‫من هذا النظام ال يتحقق متى ترتبت أية آثار للحكم املوقوف ولو كانت‬
‫مؤقتة(((‪.‬‬
‫فإذا قضت املحكمة باحلبس والغرامة وشمل الوقف احلبس فقط دون‬
‫الغرامة‪ ،‬وجب تنفيذ الغرامة‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن الوقف يقترص عىل‬
‫العقوبة األصلية وحدها إذا اقترص عليها احلكم دون العقوبة التبعية أو‬
‫التكميلية ما مل ينص احلكم عىل الوقف الشامل جلميع العقوبات التبعية(((‪.‬‬
‫ويف اململكة العربية السعودية فإن وضع املحكوم عليه مع وقف التنفيذ‬
‫‪-‬كام هو احلال يف بقيت الدول‪ -‬يتسم بمرحلة قلق وخوف من تطبيق‬
‫العقوبة املوقوفة يف حال إلغائها متى خالف املحكوم عليه رشوط استمرار‬
‫وقف التنفيذ املنصوص عليها يف األنظمة الواردة يف ذلك بعدم إدانته أمام‬
‫إحدى الدوائر اجلزائية بعقوبة بدنية يف قضية جزائية أخرى ارتكبها خالل‬
‫املدة املحددة نظام ًا من تاريخ اكتساب احلكم املوقوف تنفيذه القطعية‪ ،‬إال‬
‫أن وضع املحكوم عليه مع وقف التنفيذ يف أثناء مدة وقف التنفيذ ال يمنحه‬
‫فرصة اخلالص من اجلزاءات التأديبية التي خيضع هلا املحكوم عليه(((‪.‬‬

‫((( وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية لعبد الفتاح خرض (ص‪.)58-57 :‬‬
‫((( الوسيط يف قانون العقوبات ألمحد فتحي رسور (ص‪.)542 :‬‬
‫((( وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية (ص‪.)151 :‬‬

‫‪737‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫الفرع الثاين‪ :‬بعد انقضاء مدة وقف التنفيذ‪:‬‬


‫إذا انقضت املدة املقررة نظام ًا لوقف التنفيذ دون إخالل املحكوم عليه‬
‫برشط من رشوط الوقف فإن أنظمة بعض الدول تعترب احلكم كأنه نفذ‪،‬‬
‫حيث إن اآلثار اجلنائية املرتتبة عىل احلكم باإلدانة باقية ويظل احلكم مسج ً‬
‫ال‬
‫يف صحيفة سوابق املحكوم عليه(((‪.‬‬
‫أما يف اململكة العربية السعودية فإن احلكم يعترب بعد انقضاء مدة الوقف‬
‫املقررة نظام ًا ‪-‬وهي ثالث سنوات‪-‬كأن مل يكن‪ ،‬وذلك بالنسبة لآلثار‬
‫اجلنائية‪ ،‬حيث وردت عدة نصوص يف أنظمة خمتلفة تدل عىل ذلك‪ ،‬منها‪ :‬ما‬
‫ورد يف الفقرة الثانية من املادة (‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات‬
‫العقلية»(((‪« :‬إذا انقضت مدة وقف تنفيذ العقوبة دون عودة املحكوم عليه‬
‫الرتكاب إحدى اجلرائم املعاقب عليها يف النظام يعد احلكم املوقوف كأن مل‬
‫يكن وتنقيض كل آثاره»‪ ،‬وكذا املادة السابعة واخلمسون من «نظام األسلحة‬
‫والذخائر» يف القفرة (ب)(((‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬وضع املحكوم عليه بعد إلغاء الوقف‪:‬‬
‫ُيل َغى وقف تنفيذ العقوبة إذا ثبت ارتكاب املحكوم عليه جلريمة(((خالل‬
‫فرتة الوقف‪ ،‬وهذه الصورة البسيطة إللغاء الوقف‪ ،‬وهي التي وردت يف‬
‫وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية (ص‪.)60 :‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم‪( .‬م‪ )39/‬وتاريخ ‪.1426/7/8‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426 /7/25‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫بعض األنظمة اشرتطت أن تكون اجلريمة حكم فيها بعقوبة من نفس نوع العقوبة‬ ‫(((‬
‫املوقوف تنفيذها أو أشد منها مثل‪ :‬قانون العقوبات اللبناين يف املادة (‪ ،)171‬والسوري‬

‫‪738‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫تنظيم وقف التنفيذ باململكة العربية السعودية‪ ،‬وفق ًا لقرار نائب رئيس‬
‫جملس الوزراء‪ ،‬ومذكرة شعبة اخلرباء‪ ،‬يف هذا الشأن(((‪.‬‬
‫وكذلك األنظمة الصادرة بعدمها‪ ،‬فمنها‪ :‬ما ورد يف الفقرة األوىل من‬
‫املادة (‪ )60‬من «نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية»(((‪ ،‬حيث‬
‫نصت عىل أنه‪« :‬إذا عاد املحكوم عليه الرتكاب جريمة من اجلرائم املعاقب‬
‫عليها بموجب هذا النظام خالل مدة ثالث سنوات من تاريخ وقف تنفيذ‬
‫العقوبة‪ ،‬فللمحكمة إلغاء وقف التنفيذ واألمر بإنفاذها دون اإلخالل‬
‫بالعقوبة املقررة عن اجلريمة اجلديدة»‪ ،‬وكذا الفقرة األوىل من املادة (‪)57‬‬
‫من «نظام األسلحة والذخائر»(((‪ ،‬واملادة الرابعة عرشة بعد املائتني من «نظام‬
‫اإلجراءات اجلزائية»((( يف فقرهتا الثانية‪.‬‬
‫وتضيف الترشيعات اجلنائية إىل الصور البسيطة الصورتني التاليتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬إذا ثبت ارتكابه جلريمة قبل احلكم بالوقف ومل حيكم فيها إال‬
‫بعد الوقف‪ ،‬وال يشرتط أن يكون هذا احلكم قاب ً‬
‫ال للتنفيذ؛ إذ يتصور أن‬
‫يكون هو اآلخر مشموالً بالوقف‪ ،‬ومع ذلك فإنه حيدث أثره من حيث‬
‫إمكان االستناد إليه يف إلغاء الوقف‪.‬‬

‫يف املادة (‪.)170‬‬


‫وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية (ص‪.)64 :‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ ‪1426 /7/25‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )2/‬وتاريخ ‪1435/01/22‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪739‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫الثانية‪ :‬إذا صدر قبل الوقف حكم باحلبس‪ ،‬ومل تكن املحكمة عاملة به‬
‫وقت احلكم بالوقف(((‪.‬‬
‫يبقى هناك تساؤل حول ما إذا ارتكب املحكوم عليه جريمة أخرى‬
‫يب؟‬
‫جوازي أم وجو ٌّ‬
‫ٌّ‬ ‫خالل مدة الوقف‪ ،‬فهل إلغاء الوقف‬
‫فإذا نظرنا إىل األنظمة الواردة يف اململكة العربية السعودية يف شأن‬
‫الوقف نجد أهنا مل ترصح بالوجوب وال عدمه‪ ،‬حيث كان الوضع يف‬
‫املايض وقبل صدور «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل»‬
‫لعام ‪1409‬هـ قائ ًام عىل نصني يفيد أحدمها ضمن ًا بجعل اإللغاء جوازي ًا‬
‫للقايض وهو النص الوارد يف كتاب نائب رئيس جملس الوزراء رقم ‪/7‬هـ‪/‬‬
‫‪ 23517‬وتاريخ ‪1401/01/18‬هـ حيث جاء فيه‪« :‬إذا ثبت ارتكابه ألي‬
‫جريمة خالل مدة مخس سنوات التالية لتاريخ التعهد فسوف حيال إىل ديوان‬
‫املظامل للنظر يف تنفيذ العقوبة املوقوفة باإلضافة إىل تنفيذ احلكم بالعقوبة‬
‫التي صدر هبا احلكم يف اجلريمة الالحقة»‪.‬‬
‫أما النص اآلخر ففيه ما يرجح وجوب اإللغاء دون ترك ذلك لتقدير‬
‫القايض وهو النص الوارد يف مذكرة شعبة اخلرباء رقم ‪ 111‬وتاريخ‬
‫‪1401/09/20‬هـ حيث يقول‪« :‬إذا ثبت ارتكاب املتهم جريمة رشوة أو‬
‫تزوير قبل انقضائها نفذت عليه العقوبة املوقوفة والعقوبة التي يصدر هبا‬
‫احلكم يف اجلريمة اجلديدة»‪.‬‬

‫((( وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية (ص‪.)64 :‬‬

‫‪740‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫فإذا تأملنا الصيغة الواردة يف قرار نائب رئيس جملس الوزراء املشار إليه‬
‫نجد أهنا مل ترصح بالوجوب؛ ولكن يفهم منها اجلواز من خالل عبارة‪:‬‬
‫«حيال إىل ديوان املظامل للنظر يف تنفيذ العقوبة املوقوفة»‪.‬‬
‫وبالرجوع إىل مذكرة الشعبة(((‪ ،‬نجدها تقول‪ ...« :‬إذا ثبت ارتكاب‬
‫املتهم جريمة رشوة أو تزوير قبل انقضائها نفذت عليه العقوبة املوقوفة‪،‬‬
‫والعقوبة التي يصدر هبا احلكم يف اجلريمة اجلديدة»‪.‬‬
‫وهي صيغة يرجح معها الوجوب عىل اجلواز بالنظر إىل عبارة‪...« :‬‬
‫نفذت عليه العقوبة املوقوفة‪.(((»...‬‬
‫ويالحظ أن هناك تعارض بني قرار نائب رئيس جملس الوزراء‪ ،‬ومذكرة‬
‫شعبة اخلرباء‪ ،‬حيث ُيفهم من األول جواز وقف التنفيذ حال ارتكاب‬
‫املحكوم عليه جريمة أخرى‪ ،‬ويفهم من مذكرة شعبة اخلرباء الوجوب‪.‬‬
‫وبعد صدور «قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل» عام‬
‫‪1409‬هـ وهي القواعد التي ألغت كل ما يتعارض معها من أحكام طبق ًا ملا‬
‫ورد يف مادهتا رقم (‪ )47‬فإهنا مل تنص أيض ًا رصاحة عىل وجوب إلغاء وقف‬
‫التنفيذ حال ارتكاب املحكوم عليه جريمة أخرى خالل فرتة الوقف إال أن‬
‫الصيغة تدل عىل الوجوب‪ ،‬حيث جاء يف املادة (‪ )32‬منها ما نصه‪« :‬ويلغى‬
‫اإليقاف إذا أدين املحكوم عليه أمام إحدى دوائر الديوان بعقوبة بدنية يف‬

‫((( املوافق عليها من قبل نائب رئيس جملس الوزراء بتاريخ ‪1401/10/18‬هـ ورقم‬
‫(‪/7‬هـ ‪.)23517‬‬
‫((( وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية (ص‪.)64 :‬‬

‫‪741‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫قضية جزائية أخرى ارتكبها خالل ثالث سنوات من تاريخ صدور احلكم‬
‫املوقوف تنفيذه هنائي ًا»‪.‬‬
‫إال أن األنظمة الصادرة بعد ذلك كـ«نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات‬
‫العقلية» لعام ‪1426‬هـ‪ ،‬و«نظام األسلحة والذخائر» الصادر يف العام ذاته‪،‬‬
‫و«نظام اإلجراءات اجلزائية» لعام ‪1435‬هـ تدل عىل اجلواز حيث ورد يف‬
‫كل من األنظمة املشار إليها عبارة‪« :‬للمحكمة»‪ ،‬فهذا ما يبعث بالقناعة إىل‬
‫أن حكم إلغاء الوقف بعد ارتكاب املحكوم عليه جريمة أخرى أثناء فرتة‬
‫الوقف هو اجلواز وليس الوجوب‪.‬‬

‫‪742‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫الخاتمة‬
‫وفيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث‪ ،‬ومتثل يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1.‬أن وقف تنفيذ العقوبة مرشوع وهو موافق لروح الرشيعة السمحاء‬
‫ومقاصدها‪.‬‬
‫‪2.‬أن وقف التنفيذ ال يكون إال يف العقوبات التعزيرية‪.‬‬
‫‪3.‬أنه يراعى فيه حال املحكوم عليه والظروف التي ارتكبت فيها‬
‫اجلريمة‪ ،‬وأنه يؤمل يف إصالحه دون تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫‪4.‬أن املدة املعتربة يف وقف التنفيذ يف اململكة العربية السعودية‪ :‬ثالث‬
‫سنوات‪ ،‬تبدأ من حني صريورة احلكم هنائي ًا‪.‬‬
‫‪5.‬إذا انتهت مدة الوقف دون إخالل املحكوم عليه برشوط الوقف فإن‬
‫النظام املعمول به يف اململكة العربية السعودية‪ :‬اعتبار اجلريمة كأن مل تكن‪.‬‬
‫وصىل اهلل وسلم وبارك عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫قائمة المراجع‬
‫‪1.‬األحكام السلطانية‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد بن حبيب‬
‫البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي (املتوىف‪450 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار احلديث‬
‫‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪2.‬االختيار لتعليل املختار‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد اهلل بن حممود بن مودود املوصيل‬
‫البلدحي‪ ،‬جمد الدين أبو الفضل احلنفي (املتوىف‪683 :‬هـ)‪ ،‬عليها تعليقات‪:‬‬
‫الشيخ حممود أبو دقيقة (من علامء احلنفية ومدرس بكلية أصول الدين سابق ًا)‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مطبعة احللبي ‪ -‬القاهرة (وصورهتا دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫وغريها)‪ ،‬تاريخ النرش‪1356 :‬هـ‪1937-‬م‬
‫‪3.‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‬
‫بن عبد الرب بن عاصم النمري القرطبي (املتوىف‪463 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬عيل حممد‬
‫البجاوي‪ ،‬النارش‪ :‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1412 ،‬هـ‪1992-‬م‬
‫‪4.‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو احلسن عيل بن أيب الكرم حممد بن‬
‫حممد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباين اجلزري‪ ،‬عز الدين ابن األثري‬
‫(املتوىف‪630 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬عيل حممد معوض‪ ،‬عادل أمحد عبد املوجود‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ ،‬سنة النرش‪1415 :‬هـ‪1994-‬م‬
‫‪5.‬إنباه الرواة عىل أنباه النحاة‪ ،‬املؤلف‪ :‬مجال الدين أبو احلسن عيل بن يوسف‬
‫القفطي (املتوىف‪646 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الفكر العريب ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ومؤسسة الكتب الثقافية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1406‬هـ‪1982-‬م‪.‬‬
‫‪6.‬البحر الرائق رشح كنز الدقائق‪ ،‬املؤلف‪ :‬زين الدين بن إبراهيم بن حممد‪،‬‬
‫املعروف بابن نجيم املرصي (املتوىف‪970 :‬هـ)‪ ،‬ويف آخره‪ :‬تكملة البحر الرائق‬
‫ملحمد بن حسني بن عيل الطوري احلنفي القادري (املتوىف‪ :‬بعد ‪1138‬هـ)‪،‬‬

‫‪744‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫وباحلاشية‪ :‬منحة اخلالق البن عابدين‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪،‬‬


‫الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫‪7.‬البلغة يف تراجم أئمة النحو واللغة‪ ،‬املؤلف‪ :‬جمد الدين أبو طاهر حممد بن‬
‫يعقوب الفريوزآبادي (املتوىف‪817 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار سعد الدين للطباعة‬
‫والنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪1421‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪8.‬هتذيب اللغة‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن األزهري اهلروي‪ ،‬أبو منصور (املتوىف‪:‬‬
‫‪370‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عوض مرعب‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪9.‬اجلامع املسند الصحيح املخترص من أمور رسول اهلل ^ وسننه وأيامه =‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن إسامعيل أبو عبد اهلل البخاري اجلعفي‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬حممد زهري بن نارص النارص‪ ،‬النارش‪ :‬دار طوق النجاة (مصورة عن‬
‫السلطانية بإضافة ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪10.‬اجلامع ألحكام القرآن = تفسري القرطبي‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد‬
‫بن أيب بكر بن فرح األنصاري اخلزرجي شمس الدين القرطبي (املتوىف‪:‬‬
‫‪671‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد الربدوين وإبراهيم أطفيش‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب املرصية‬
‫‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1384 ،‬هـ‪1964-‬م‪.‬‬
‫ ‪11.‬حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي‬
‫املالكي (املتوىف‪1230 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫ ‪12.‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو رشح خمترص املزين‪ ،‬املؤلف‪:‬‬
‫أبو احلسن عيل بن حممد بن حممد بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري‬
‫باملاوردي (املتوىف‪450 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬الشيخ عيل حممد معوض‪ ،‬الشيخ عادل‬
‫أمحد عبد املوجود‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪1419 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ ‪13.‬الديباج املذهب يف معرفة أعيان علامء املذهب‪ ،‬املؤلف‪ :‬إبراهيم بن عيل بن‬
‫حممد‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬برهان الدين اليعمري (املتوىف‪799 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق وتعليق‪:‬‬
‫الدكتور حممد األمحدي أبو النور‪ ،‬النارش‪ :‬دار الرتاث للطبع والنرش‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ ‪14.‬ديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عارصهم من ذوي الشأن‬
‫األكرب‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن حممد‪ ،‬ابن خلدون أبو زيد‪ ،‬ويل‬
‫الدين احلرضمي اإلشبييل (املتوىف‪808 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1408 ،‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬الرشوة رشع ًا ونظام ًا موضوع ًا وشكالً‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد حميي الدين عوض‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار النهضة العربية‬
‫ ‪16.‬روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه عىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫املؤلف‪ :‬أبو حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة اجلامعييل‬
‫املقديس ثم الدمشقي احلنبيل‪ ،‬الشهري بابن قدامة املقديس (املتوىف‪620 :‬هـ)‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مؤسسة الر َّيان للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1423 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫ ‪17.‬سنن ابن ماجه‪ ،‬املؤلف‪ :‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني (املتوىف‪:‬‬
‫حممد كامل قره بليل‪َ ،‬عبد‬
‫‪273‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬عادل مرشد‪َّ ،‬‬
‫ال ّلطيف حرز اهلل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1430 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬سنن أيب داود‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو داود سليامن بن األشعث بن إسحاق بن بشري‬
‫الس ِج ْستاين (املتوىف‪275 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬ش َعيب‬ ‫بن شداد بن عمرو األزدي ِّ‬
‫األرناؤوط‪ ،‬حمَمد ِ‬
‫كامل قره بليل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫‪1430‬هـ‪2009-‬م‪.‬‬
‫ ‪19.‬السنن الكربى‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن عيل اخلراساين‪،‬‬
‫النسائي (املتوىف‪303 :‬هـ)‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه‪ :‬حسن عبد املنعم شلبي‪،‬‬

‫‪746‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫أرشف عليه‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬قدم له‪ :‬عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1421 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫س ْو ِجردي‬
‫ ‪20.‬السنن الكربى‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن احلسني بن عيل بن موسى اخلُ ْ َ‬
‫اخلراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي (املتوىف‪458 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد عبد القادر عطا‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنات‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1424 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫ ‪21.‬السياسة الرشعية‪ ،‬املؤلف‪ :‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫السالم بن عبد اهلل بن أيب القاسم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبيل الدمشقي‬
‫(املتوىف‪728 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬وزارة الشئون اإلسالمية واألوقاف والدعوة‬
‫واإلرشاد ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1418 ،‬هـ‬
‫ ‪22.‬شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن حممد بن عمر بن عيل‬
‫ابن سامل خملوف (املتوىف‪1360 :‬هـ)‪ ،‬علق عليه‪ :‬عبد املجيد خيايل‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1424 ،‬هـ‪2003-‬م‬
‫ ‪23.‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو نرص إسامعيل بن محاد‬
‫اجلوهري الفارايب (املتوىف‪393 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد الغفور عطار‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫دار العلم للماليني ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة ‪1407‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬قواعد املرافعات واإلجراءات أمام ديوان املظامل‪ ،‬الصادر بقرار جملس الوزراء‬
‫رقم (‪ )190‬وتاريخ ‪1409/11/16‬هـ‪ ،‬املنشور يف جريدة أم القرى العدد‬
‫‪ ،3266‬وتاريخ ‪1409/12/04‬هـ‪.‬‬
‫ ‪25.‬الكايف يف فقه اإلمام أمحد‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو حممد موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن‬
‫حممد بن قدامة اجلامعييل املقديس ثم الدمشقي احلنبيل‪ ،‬الشهري بابن قدامة‬
‫املقديس (املتوىف‪620 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬

‫‪747‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ ‪26.‬لسان احلكام يف معرفة األحكام‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن حممد بن حممد‪ ،‬أبو الوليد‪،‬‬
‫لسان الدين ابن ِّ‬
‫الش ْحنَة الثقفي احللبي (املتوىف‪882 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬البايب‬
‫احللبي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1393 ،‬هـ‪1973-‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬لسان العرب‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن‬
‫منظور األنصاري الرويفعي اإلفريقي (املتوىف‪711 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر‬
‫‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1414 ،‬هـ‬
‫ ‪28.‬خمتار الصحاح‪ ،‬املؤلف‪ :‬زين الدين أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر بن عبد القادر‬
‫احلنفي الرازي (املتوىف‪666 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬يوسف الشيخ حممد‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة‬
‫العرصية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بريوت ‪ -‬صيدا‪ ،‬الطبعة‪ :‬اخلامسة‪1420 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬مذكرة شعبة اخلرباء بمجلس الوزراء املوافق عليها من قبل نائب رئيس جملس‬
‫الوزراء‪ ،‬بتاريخ ‪1401/10/18‬هـ ورقم (‪/7‬هـ‪.)23517/‬‬
‫‪http://www.cojss.com/vb/‬‬ ‫ ‪30.‬مسائل قضائية‪ ،‬إبراهيم بن صالح الزغيبي‪،‬‬
‫‪archive/index.php/t-5345.html‬‬

‫ ‪31.‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو عبد اهلل احلاكم حممد بن عبد اهلل بن‬
‫حممد بن محدويه بن نُعيم بن احلكم الضبي الطهامين النيسابوري املعروف بابن‬
‫البيع (املتوىف‪405 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1411 ،‬هـ‪1990-‬م‪.‬‬
‫ ‪32.‬املسند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل إىل رسول اهلل ^‪ ،‬املؤلف‪:‬‬
‫مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري (املتوىف‪261 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪748‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ ‪33.‬مشكاة املصابيح‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن عبد اهلل اخلطيب العمري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪،‬‬
‫ويل الدين‪ ،‬التربيزي (املتوىف‪741 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬حممد نارص الدين األلباين‪،‬‬
‫النارش‪ :‬املكتب اإلسالمي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪34.‬معامل السنن‪ ،‬وهو رشح سنن أيب داود‪ ،‬املؤلف‪ :‬أبو سليامن محد بن حممد بن‬
‫إبراهيم بن اخلطاب البستي املعروف باخلطايب (املتوىف‪388 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫املطبعة العلمية ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪1351‬هـ‪1932-‬م‪.‬‬
‫ ‪35.‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪،‬‬
‫أبو احلسني (املتوىف‪395 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬عام النرش‪1399 :‬هـ‪1979-‬م‪.‬‬
‫ ‪36.‬نظام اإلجراءات اجلزائية السعودي‪ ،‬الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪)2/‬‬
‫وتاريخ ‪1435/1/22‬هـ‪.‬‬
‫ ‪37.‬نظام األسلحة والذخائر‪ ،‬الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )45/‬وتاريخ‬
‫‪1426 /7/25‬هـ‪.‬‬
‫ ‪38.‬نظام املرور‪ ،‬الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )85/‬وتاريخ ‪1428/10/26‬هـ‪.‬‬
‫ ‪39.‬نظام مكافحة الرشوة‪ ،‬الصادر بمرسوم ملكي رقم (م‪ )36/‬وتاريخ‬
‫‪1412/12/29‬هـ‪.‬‬
‫ ‪40.‬نظام مكافحة املخدرات واملؤثرات العقلية‪ ،‬الصادر بمرسوم ملكي رقم‬
‫(م‪ )39/‬وتاريخ ‪1426/7/8‬هـ‪.‬‬
‫ ‪41.‬نظرية الدعوى بني الرشيعة اإلسالمية وقانون املرافعات املدنية والتجارية‪،‬‬
‫املؤلف‪ :‬حممد نعيم ياسني‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثانية‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪42.‬نظرية تنفيذ األحكام القضائية املدنية يف الفقه اإلسالمي‪-‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫املؤلف‪ :‬أمحد عيل جرادات‪ ،‬النارش‪ :‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪749‬‬
‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬ ‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬
‫وقف تنفيذ العقوبة في القضاء السعودي‬

‫ ‪43.‬نيل األوطار‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن عيل بن حممد بن عبد اهلل الشوكاين اليمني‬
‫(املتوىف‪1250 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عصام الدين الصبابطي‪ ،‬النارش‪ :‬دار احلديث‪،‬‬
‫مرص‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1413 ،‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬
‫ ‪44.‬اهلداية الكافية الشافية لبيان حقائق اإلمام ابن عرفة الوافية ‪( -‬رشح حدود‬
‫ابن عرفة)‪ ،‬املؤلف‪ :‬حممد بن قاسم األنصاري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬الرصاع التونيس‬
‫املالكي (املتوىف‪894 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬املكتبة العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1350 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪45.‬الوسيط يف قانون العقوبات‪ ،‬املؤلف‪ :‬أمحد فتحي رسور‪ ،‬النارش‪ :‬دار النهضة‬
‫العربية‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪46.‬وقف تنفيذ العقوبة التعزيرية ‪ -‬دراسة تطبيقية لنظام وقف التنفيذ يف اجلرائم‬
‫التي ينظرها ديوان املظامل باململكة العربية السعودية‪ ،‬رسالة ماجستري‪-‬‬
‫لعبد السالم بن عبد العزيز التوجيري‪ ،‬أكاديمية األمري نايف للعلوم األمنية‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫ ‪ 47.‬وقف تنفيذ العقوبة يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد الفتاح خرض‪.‬‬

‫‪750‬‬
‫العـدد الرابع والعشرون | محرم ‪1443‬هـ | أغسطس ‪2021‬م‬ ‫مجلة قضاء | مجلة علمية محكمة‬

You might also like