You are on page 1of 21

‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫قصيدة نكبة دمشق "ألحمد شوقي"‬


‫(دراسة تحليلية)‬

‫د‪ /‬عادل هنداوي شعبان‬

‫مدرس بمركز اللغات‪ ،‬بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات‬

‫‪0‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫قصيدة نكبة دمشق ألحمد شوقى‬


‫"دراسة تحليلية "‬
‫د‪ /‬عادل هنداوي*‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إن القصيدة وليد يعيش في وجدان الشاعر‪ ،‬تبدأ بالتأثر واالنفعال وتنتهى بالمخاض‪ ،‬ويكتمل‬
‫وأساليب‪،‬‬
‫َ‬ ‫هذا الوليد باألحداث التي يحياها الشاعر ليل نهار؛ فيتمخض وجدانه عن جمل وعبارات‬
‫وخيال خصب‪ ،‬وأحاسيس جياشة‪ ،‬وموسيقى معبرة؛ ليصل ذلك كله إلى عقل المتلقى وقلبه؛ فينفعل‬
‫باألحداث‪ ،‬ويحس بإحساس الشاعر ونبضه ‪ .‬وتأتي عظمة الشعرمن " إن الفن الشعري خاصة‪،‬‬
‫اليقف على دالالت اللغة الوضعية‪،‬بل إنه يقوم بعملية خلق جديد لألشياء معتمدا على تركيباته‬
‫اللغوية ‪،‬حيث يبتعد عن فكرة البعد الواحد ‪،‬فنستطيع أن نرى أبعادا متعددة تلوح من خالل القصيدة‬
‫‪،‬وعلى ذلكفاللغة في الشعر تعتمد على شفاهية حدسية ‪،‬وعلى لمعان خاطف يتموج خلف الكلمات؛‬
‫ليحيي عالمها المغلق حيث تستكن التجربة بمشاعرها المختلفة مختبئة وراء كنهها ‪ .‬ومن هنا ندرك‬
‫أن القصيدة ال تحتمل معنى محددا ‪ ،‬بل إن معانيها تتخلق فى السياق العام‬

‫وفي هذه السطور نحاول أن نقف على إبداع شوقى الشعرى في قصيدته ال ُمعْنونَة "نكبة‬
‫دمشق" تلك المدينة التي أصابها الفرنسيون بمدافعهم؛ وأدى ذلك إلى دمارهائل أصاب تلك المدينة‬
‫التاريخية العريقة ‪ ،‬و –اآلن ‪ -‬ولكن هذه المرة على يد أبنائه المتنازعين والمتناحرين عل السلطة‬
‫‪،‬وحكم البالد !‬
‫وحاول "شوقى"‪ -‬بما يملك من رصيد ثقافي واسع‪ ،‬ولغة تراثية خصبة‪ ،‬وعاطفة قومية‬
‫جياشة – أن ينقل إلينا تجربته الشعرية في قصيدته الحماسية‪ .‬وقبل أن نتناول القصيدة‪ ،‬يجب أن نؤكد‬
‫ثراء هذه القصيدة‪ ،‬وغناها برموزها وإيحاءتها؛ فهى تمثل نموذجا ً لكالسيكية شوقى‪ ،‬ونحن على‬
‫يقين أننا لم نقل الكلمة األخيرة في هذه القصيدة؛ ألن الشعر العظيم ح َّمما ٌل أوجه‪.‬‬

‫والنص الثري دالليا ً وفنيا ً يحتفظ دائما ً بسر كامن غامض في أعماقه‪ .‬وسأحاول في‬
‫الصفحات القادمة قراءة هذه القصيدة قراءة تحليلية‪ ،‬ومعتقداً في الوقت ذاته أن األعمال الفنية قابلةٌ‬
‫آن إلى المراجعة‪.‬‬
‫في كل ٍ‬

‫‪1‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫وقد جاء هذا البحث في مقدمة‪ ،‬ومدخل للدراسة يضم ذكراً للقصيدة‪ ،‬أعقبها شر ٌح لمعانيها‬
‫وفكرتها‪ ،‬ثم تناولت القصيدة من حيث ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬قراءة اللفظ الشعري وتوظيفه‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬البناء األسلوبي‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التصوير وأثره في بنية النص‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬موسيقى القصيدة‪.‬‬
‫مدخل الدراسة ‪:‬‬
‫نكبة دمشق ألمير الشعراء "أحمد شوقي"‬
‫أَ َر ُّق‬
‫ق‬ ‫بَ َردى‬ ‫صبا‬
‫َ‬ ‫َسال ٌم ِمن‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫َو َدمـ ــ ٌع ال يُ َكف َك ُ‬
‫ف يـــا ِد َمشـــ ُ‬
‫َو َمعـــــــ ِذ َرةُ اليَرا َع ِة َوالقَوافـــــــي‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ـف يَ ِد ُّق‬
‫َجال ُل الـ ـرُز ِء عَن َوصـ ٍ‬
‫َواط ِرهـــا لِقَلـــبي‬
‫َو ِذكـــرى عَن خ ِ‬ ‫********‬ ‫ت أَبَدًا َو َخفـــــــ ُ‬
‫ق‬ ‫ـــــــك تَلَفُّق ٌ‬
‫إِلَي ِ‬
‫ــــك بِ ِه اللَيــــالي‬
‫َوبــــي ِم ّما َر َمت ِ‬ ‫********‬ ‫ق‬‫ب ُعمــ ُ‬ ‫ِجراح ٌ‬
‫ــات لَهــا فــي القَلــ ِ‬
‫َدخَلتُ ِك َواألَصــــــي ُل لَهُ اِئتِالق‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ت طَلــ ُ‬
‫ك القَ َسما ِ‬‫ــاح ُ‬
‫َو َوجه ُِك ض ِ‬
‫َوتَحـــتَ ِجنانِ ِك األَنهـــا ُر تَجـــري‬ ‫********‬ ‫ق‬‫ق َو ُورْ ُ‬ ‫ـــــاك أَورا ٌ‬
‫َو ِمل ُء ُرب ِ‬
‫صبا ٌح‬‫ِ‬ ‫ُغرٌّر‬ ‫َو َحولــــــــي فِتيَةٌ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ــل غاي ٌ‬
‫ــات َو َسب ُ‬ ‫لَهُم فــي الفَض ِ‬
‫َعلـــــى لَهَواتِ ِهم ُش َعرا ُء لُس ٌ‬
‫ـــــن‬ ‫********‬ ‫َوفـــي أَعطـ ــافِ ِهم ُخطَبـ ــا ُء ُشد ُ‬
‫ق‬
‫رُواةُ قَصـ ـــائِدي فَاع َجب لِ ِش ٍ‬
‫عر‬ ‫********‬ ‫بِ ُك ِّصل َم َحلَّم ٍة يَرويـ ـــــ ِه َخلـ ـــــ ُ‬
‫ق‬
‫ت‬ ‫زت إِبـ ـــــا َءهُ ْم َحتّى تَلَظَّم ْ‬ ‫َغ َم ُ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫نــوف األُســ ِد َواضــ َ‬
‫ط َر َم ال َم َد ُّق‬ ‫ُ‬ ‫أُ‬
‫ض َّمج ِمنَ ال َشكي َم ِة ُكلُّق حُرٍّر‬ ‫َو َ‬ ‫********‬ ‫ق‬‫أَبِ ٍّري ِمن أُ َميَّمةَ فيـــــ ِه ِعتـــــ ُ‬
‫ت‬‫ُ أَنبـــــــا ًء تَوالَ ْ‬ ‫لَحاهـــــــا‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫مع ال َولِ ِّصي بِمــــا يَ ُش ُّق‬
‫َعلــــى َس ِ‬
‫إِلــــــى الــــــ ُدنيا بَريــــــ ٌد‬ ‫يُفَصِّص لُها‬ ‫********‬ ‫ــــاق بَر ُ‬
‫ق‬ ‫َويُج ِملُهــــا إِلــــى اآلف ِ‬
‫ث فيهـــــا‬ ‫لِ َرو َع ِة األَحـــــدا ِ‬ ‫تَكـــــا ُد‬ ‫********‬ ‫ق‬‫صد ُ‬ ‫تُخــا ُل ِمنَ ال ُخرافَ ِة َوهــ َي ِ‬
‫ت‬ ‫ـــــاريخ ُد َّمك ْ‬
‫ِ‬ ‫َمعـــــالِ ُم الت‬
‫َوقيـــــ َل‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ف َو َحر ُ‬ ‫َوقيـــــ َل أَصـــــابَها تَلَ ٌ‬
‫ــــالم ِظئرًا‬ ‫إلس ِ‬‫ق لِ ِ‬ ‫أَلَســــ ِ‬
‫ت ِد َمشــــ ُ‬ ‫********‬ ‫ق ؟‬ ‫رض َعةُ األُبُ َّمو ِة ال تُ َع ُّق‬
‫َو ُم ِ‬
‫ك لَم يُ َج َّمملْ‬‫الــــدين تا ُج َ‬
‫ِ‬ ‫صال ُح‬ ‫َ‬ ‫********‬ ‫َولَ ْم يو َس ْم بِأَزيَنَ ِمنـــــهُ فَر ُ‬
‫ق‬
‫ت‬‫رض طالَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُكلُّق َحضــا َر ٍة فــي األَ‬ ‫********‬ ‫ق‬‫ي ِعر ُ‬ ‫ــو ِّص‬ ‫لَهـــا ِمن َس ِ‬
‫رح ِك العُلـ ِ‬
‫َسما ُؤ ِك ِمن ُحلــى الماضــي ِكتــابٌ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ــاريخ َر ُّق‬ ‫ِ‬ ‫ُك ِمن ُحلــى الت‬ ‫َوأَرض ِ‬
‫ت الدَولَةَ ال ُكبرى َو ُمل ًكا‬
‫بَنَيـــــــ ِ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ُغبـ ــــا ُر َحضـ ــــا َرتَي ِه ال يُ َش ُّق‬

‫‪2‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫ــــــام أَعــــــال ٌم َوعُرسٌ‬


‫لَهُ بِالش ِ‬ ‫********‬ ‫تَ ُد ُّق‬
‫ق‬ ‫بَشـــــــــائِ ُرهُ بِأَنـــــــــ َدلُ ٍ‬
‫س‬
‫ع الخلـــ ِد َوي َح ِك مـــا دَهاهـــا‬ ‫ُربـــا ُ‬ ‫********‬ ‫ق ؟‬ ‫ق أَنَّمهـ ــــا َد َر َست أَ َح ُّق‬ ‫أَ َح ٌّر‬
‫ـــان ُمنَض ٌ‬
‫َّمدات ؟‬ ‫الجن ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َوهَل ُغ َر ُ‬ ‫********‬ ‫ق ؟‬ ‫مس نَسـ ــ ُ‬ ‫َوهَل لِنَعي ِم ِه َّمن َكأ َ ِ‬
‫ــال؟‬
‫قاص ِر ِمن ِحج ٍ‬‫َوأَيــنَ ُدمــى ال َم ِ‬ ‫********‬ ‫تُ َش ُّق‬
‫ق‬ ‫ــــــــــــتار‬
‫ٍ‬ ‫َوأَس‬ ‫ُمهَتَّم َك ٍة‬
‫يــك نــا ٌر‬‫بَ َرزنَ َوفـ ـي نَواحـ ـي األَ ِ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ــــك أَفــــرا ٌخ تُ َز ُّق‬
‫َو َخلــــفَ األَي ِ‬
‫ق‬
‫طري ٍ‬ ‫إِذا رُمـــــنَ ال َسال َمةَ ِمن َ‬ ‫********‬ ‫ت طُر ُ‬
‫ق‬ ‫أَتَت ِمن دونِ ِه لِل َمو ِ‬
‫َوال َمنايــــــــــا‬ ‫ف‬‫ــــــــــل لِلقَذائِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫بِلَي‬ ‫********‬ ‫ق‬‫صع ُ‬ ‫ـــف َو َ‬ ‫َورا َء َسمائِ ِه َخطـ ٌ‬
‫ق‬‫صفَ ال َحديــــ ُد اح َم َّمر أُفــــ ٌ‬
‫إِذا َع َ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫َعلـــــى َجنَباتِ ِه َواســـــ َو َّمد أُفـــــ ُ‬
‫هــن‬
‫َك بَعــ َد َو ٍ‬ ‫َسلي َمن را َع غيـــد ِ‬ ‫********‬ ‫ق ؟‬ ‫خر فَر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫أَبَيــــنَ فُؤا ِد ِه َوال َ‬
‫َوإِن أَالنـ ــــــوا‬ ‫َولِل ُمسـ ــــــتَع ِمرينَ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫قُلـ ــــوبٌ َك ِ‬
‫الحجـ ــــا َر ِة ال ت َِر ُّق‬
‫يش ِه َو َرمــــى فَ َرنســــا‬ ‫ــــاك بِطَ ِ‬
‫َرم ِ‬ ‫********‬ ‫ف َو ُحمـــ ُ‬
‫ق‬ ‫صل َ ٌ‬
‫ب بِ ِه َ‬ ‫أَخـــو َحر ٍ‬
‫َح ٍّر‬
‫ق‬ ‫إِذامـــــــا جـــــــا َءهُ طُالبُ‬ ‫********‬ ‫يَقـــو ُل ِعصـــابَةٌ َخ َرجوا َو َشقّوا‬
‫فَ َرنســـــــــا‬ ‫َعرفُهُ‬
‫ت ِ‬ ‫َد ُم الثُ ّو ِ‬
‫ار‬ ‫********‬ ‫ق‬‫َو َح ُّق‬ ‫َوتَعلَ ُم أَنَّمهُ نـــــــــو ٌر‬
‫رضها فيــــ ِه َحيــــاةٌ‬ ‫َجرى فــــي أَ ِ‬ ‫********‬ ‫َك ُمنهَلِّص ال َسما ِء َوفيــــــ ِه ِرز ُ‬
‫ق‬
‫بِال ٌد مـ ـــــاتَ فِتيَتُهـ ـــــا لِتَحيـــــــا‬ ‫********‬ ‫قَو ِم ِه ُم لِيَبقـــــوا‬ ‫َوزالـــــوا دونَ‬
‫ت ال ُشعوبُ َعلــــى قَناهــــا‬ ‫َوحُرِّص َر ِ‬ ‫********‬ ‫قَناهــــا تُســــتَ َر ُّق‬
‫ق‬ ‫فَ َكيــــفَ َعلــــى‬
‫ــــوريَّمةَ اطَّم ِرحوا األَمــــاني‬
‫بَني س ِ‬ ‫********‬ ‫األَحــــال َم أَلقــــوا‬ ‫َوأَلقــــوا عَن ُك ُم‬
‫أَن تُ َغ ّروا‬ ‫السيا َس ِة‬
‫ِ‬ ‫فَ ِمن ِخد ِ‬
‫َع‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫اإلمــــا َر ِة َوهــــ َي ِر ُّق‬
‫ب ِ‬ ‫بِأَلقــــا ِ‬
‫ِمن َذليـ ٍ‬
‫ــــل‬ ‫بَدا لَ َ‬
‫ك‬ ‫صيَ ٍد‬
‫َ‬ ‫َو َك ْم‬ ‫********‬ ‫ب ُعنــ ُ‬
‫ق‬ ‫ت ِمنَ ال َمصــلو ِ‬ ‫َكمــا مالَ ْ‬
‫ثُ َّمم تَمضـــي‬ ‫ث‬‫ــك تَحـــ ُد ُ‬
‫ق ال ُملـ ِ‬ ‫فُتـــو ُ‬ ‫********‬ ‫ق‬‫َوال يَمضــــي لِ ُمختَلِفيــــنَ فَتــــ ُ‬
‫َحـــن ُمختَلِفـــونَ دا ًرا‬‫حت َون ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫نَ َ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫َولَ ِكن ُك ُّقلنـ ـــا فــــي الهَ ِّصم َشر ُ‬
‫َويَج َمعُنـــــــا إِذا اختَلَفَت بِال ٌد‬ ‫********‬ ‫ف َونُطـــــ ُ‬
‫ق‬ ‫ـــــان غَي ُر ُمختَلِ ٍ‬ ‫بَي ٌ‬
‫ت أَو َحيــــــا ٍة‬ ‫َوقَفتُ ْم بَيــــــنَ َمو ٍ‬ ‫********‬ ‫َهر فَا ْشقَوا‬
‫فَإِن رُمتُ ْم نَعيـــ َم الـــد ِ‬
‫َولِألَوط ِ‬
‫ـــــان فـــــي د َِم ُكلِّص حُرٍّر‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫يَ ٌد َسلَفَت َو َديـ ٌ‬
‫ـــــن ُمســــــت َِح ُّق‬
‫َو َمن يَســــقى َويَشــــ َربُ بِال َمنايــــا‬ ‫********‬ ‫إِذا األَحـرا ُر لَم يُسـقوا َويَ سقوا ؟‬
‫ضحايا‬ ‫ك َكال َ‬ ‫َوال يَبــــــني ال َممالِ َ‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ق َوال ي ُِح ُّق‬‫َوال يُدني ال ُحقــــو َ‬
‫فَفـــــي القَتلـــــى ِألَجي ٍ‬
‫ـــــال َحيـــــاةٌ‬ ‫********‬ ‫َوفــي األَســرى فِدًى لَهُ ُم َو ِعتــ ُ‬
‫ق‬
‫َولِلحُرِّص يَّم ِة ال َحمـــــــــرا ِء بـــــــــابٌ‬ ‫********‬ ‫يُ َد ُّق‬
‫ق‬ ‫ض َّمر َج ٍة‬
‫ُم َ‬ ‫يَ ٍد‬ ‫بِ ُكلِّص‬

‫‪3‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫ق‬
‫الل بَني ِد َمشــــ ٍ‬ ‫َجزا ُك ْم ذو ال َج ِ‬ ‫********‬ ‫رق أَ َّمولُهُ ِد َمشــــــ ُ‬
‫ق‬ ‫ال َش ِ‬ ‫َو ِع ُّقز‬
‫صرتُ ْم يَو َم ِمحنَتِ ِه أَخـــــــا ُك ْم‬ ‫نَ َ‬ ‫********‬ ‫ق‬‫ــــر أَخيــــ ِه َح ُّق‬
‫خ بِنَص ِ‬‫أَ ٍ‬ ‫َو ُكلُّق‬
‫َومــــا كــــانَ الــــ ُدرو ُز قَبيــــ َل َشرٍّر‬ ‫********‬ ‫أُ ِخذوا بِمــــا لَم يَســــت َِحقّوا‬‫َوإِن‬
‫يف‬ ‫ض ٍ‬ ‫َ‬ ‫َوقُراةُ‬ ‫ذا َدةٌ‬ ‫َولَ ِكن‬ ‫********‬ ‫صفا َخ ُشنوا َو َرقُّقوا‬ ‫َكيَنب ِ‬
‫ــــوع ال َ‬
‫عاف‬ ‫َش ٌ‬ ‫َجبَ ٌل أَ َش ُّقم لَهُ‬ ‫لَهُم‬ ‫********‬ ‫ُون بُلــ ُ‬
‫ق‬ ‫ب الج ِ‬ ‫وار ُد فــي ال َسحا ِ‬
‫َم ِ‬
‫بل‬
‫ِش ٍ‬ ‫َولِ ُكلِّص‬ ‫لِ ُكلِّص لَبــــــــــو َء ٍة‬ ‫********‬ ‫نِضـــــا ٌل دونَ غايَتِ ِه َو َرشـــــ ُ‬
‫ق‬
‫َكأ َ َّمن ِمنَ ال َس َموأَ ِل فيـــــ ِه َشيئًا‬ ‫********‬ ‫ق‬ ‫ِجهاتِ ِه َش َر ٌ‬
‫ف َو َخلـ ـــــ ُ‬ ‫فَ ُكلُّق‬

‫حول القصيدة ومعانيها ‪:‬‬


‫تدور الفكرة المحورية "لنكبة دمشق" حول حزن الشاعر على المدينة العربية ذات الحضارة‬
‫العريقة‪ ،‬والتراث التليد‪ ،‬وما حل بها من دمار وقتل وتخريب على يد المستعمر الفرنسي الغاشم‪،‬‬
‫ويدعو شوقى في قصيدته الشعب السوري إلى الصمود والتضحية بالغالي والنفيس دفاعا ً عن حرية‬
‫الوطن‪ ،‬ثم ر َّمكز على فكرة أن الثورات هي الخالص من الذل واالستعباد‪.‬‬
‫لقد ظهرت عاطفة شوقي القومية متض ِّصمنةً مشاعر الحزن واألسى لما أصاب هذا البلد‬
‫العربي الشقيق ‪ .‬فقد "كان شوقى يبغض االحتالل‪،‬ويحقر من يمتدحه أو يرضاه وإن كان من العلية‬
‫والسراة " فاستهل قصيدته بتحية دمشق ولكن تحية تملؤها الدموع‪ ،‬فوجَّمه التحية واصفا ً إياها بأنها‬
‫ق من نسائم نهرها الزاخر‪ ،‬وهذه الدموع ال تجف ح َزنا ً على ما أصابها‪ .‬لقد عجز الشعراء‬ ‫أر ُّق‬
‫ْ‬
‫والكتاب عن وصف ما لحقِها من ِعظم الرُّق زء وزاد من وقع األلم‪ ،‬مالها في القلوب من حب‪ ،‬وما في‬
‫الخاطر من ذكريات‪.‬‬
‫ثم نرى "شوقى" يستعيد ذكرياته عن هذه المدينة العريقة‪ ،‬حيث إنه زارها قبل ُمصابها‪،‬‬
‫ووصفها بتألقها وبهائها‪ ،‬وأنهارها‪ ،‬وأشجارها السامقة‪ ،‬وحفاوة استقبال أهلها حتى إنه وجد من بُلغاء‬
‫دمشق وفصحائها من يردد شعره‪.‬‬
‫لقد حرَّمك شعر شوقى الوطنى مشاعر أهل دمشق؛ فدفعهم إلى الجهاد‪ ،‬ومقاومة المستعمر‪،‬‬
‫وتحرير األوطان‪ .‬وأهل دمشق – أصالً – يتمتعون بصفات الشهامة والمروءة؛ فهم من نسل بني‬
‫أمية‪.‬‬
‫ثم يدعو "شوقى" على األنباء السيئة التي يكره الناس سماعها ‪ ،‬فقد انتشر نبأ هذه النكبة في‬
‫العالم كله‪ ،‬عبر وسائل اإلعالم المختلفة‪ ،‬ومن شدة بشاعتها يكاد ال يصدقها أحد‪ .‬ودمشق مدنية‬
‫تاريخة عريقة امتدت يد العدوان على آثارها ف َّمدمرتها‪ ،‬ونسى الناس أن هذه المدينة في يوم من األيام‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫كانت بمثابة األم لبالد اإلسالم؛ حيث كانت مركزاً للخالفة‪ .‬لذا وجب على األبناء – اآلن‪ -‬الزود عنها‬
‫وحمايتها ‪.‬‬
‫لقد اشتهرت هذه المدينة بأبطالها الذين خلَّمدهم التاريخ أمثال‪ :‬صالح الدين األيوبي الذي‬
‫حرَّمر الشام من الصليبيين‪ ،‬وكانت بطوالته تاجا ً تزهو به على مر التاريخ‪ ،‬ثم يستطرد "شوقى" في‬
‫وصف هذه المدينة العريقة ‪...‬‬
‫ٌ‬
‫لحدث َجللْ يكاد ال يصدقه عقل‪ ،‬ثم يصف الفزع والهلع الذي‬ ‫إن ما أصاب دمشق من دمار وخراب‬
‫أ صاب الن ساء و هروبهن من الموت ا لذي أ حاط بهن من كل جا نب‪ ،‬و خروجهن هائمات ع لى‬
‫وجوههن في ظالم الليل تحت قصف المدافع‪ ،‬ودوي الرصاص‪ ،‬ونيران الحرائق التي أتت على‬
‫األخضر واليابس‪.‬‬
‫ثم نرى شوقى يُلقى بالالئمة على هؤالء المستعمرين مندداً بهم؛ ألنهم يقولون ما ال يفعلون‪،‬‬
‫فهم الذين ينادون بالحرية والمساواة‪ ،‬ولكنهم ال يطبقون ذلك في بالد العرب !‬
‫وينادي "شوقي" على دمشق قائالً لها‪ :‬أسألى َم ْن ر َّموع نساءك في ظالم الليل ؟ هل هناك‬
‫فرق بين الصخر وقلبه ؟ ولكن ال عجب‪ ،‬فهذا دأب المستعمر‪ ،‬فهو يمتلك قلبا ً قاسياً‪ ،‬بل أشد قسوة من‬
‫الحجارة‪.‬‬
‫ثم يلقى شوقى بالالئمة على القائد الفرنسي األحمق الذي ضرب دمشق بكل قسوة وأضاع‬
‫سمعة بالده في العالم‪ ،‬وزاد الطين بلةً‪ ،‬أنه أتَّمهم الثوار – الذين يطلبون حق بالدهم – أنهم عصابة‬
‫خرجوا على النظام العام !‬
‫ثم يمضى شوقى – بأدلته – عارضا ً موقف فرنسا وتناقضها‪ ،‬فهى الدولة التي تعرف معنى‬
‫الثورة‪ ،‬وتدرك قيمة الحرية وأهميتها‪ ،‬حيث دعت في ثورتها إلى مبادئ (العدل والحرية والمساواة)‬
‫وما نالوا ذلك إال بدماء الثوار األحرار‪.‬‬
‫ولذا نجد الشاعر – دائما ً – يستنكر استهانة فرنسا بالحرية‪ ،‬وتنكرها للقيم اإلنسانية في بالد‬
‫الشرق !‬

‫واتجه "شوقى" – بشعره الحماسى – لدفع السوريين للثورة على االستعمار‪ ،‬ونصحهم‬
‫بالحذر من خدع المستعمر الذي يحاول أن يصرفهم – بأوهامه وحيله – عن قضية بالدهم‪ ،‬ويبذل ما‬
‫في وسْع ِه إلحداث الفرقة بينهم‪.‬‬
‫ويمضى مدلالً و ُمبرهنا ً على صحة كالمه‪ ،‬حيث يحسب بعض الناس ميل العنق كبراً وفخراً‬
‫! ولكن ليس كل من مال عنقه متكبراً‪ .‬أال ترى المصلوب تميل عنقه بعد وفاته ؟‬

‫‪5‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫ثم ينصح "شوقى" الشعب السوري بضرورة االتحاد ونبذ الفُرْ قة؛ ألنها شر األدواء‪ .‬ونصَّمب‬
‫نفسه ناصحا ً من باب األخوة التي تجمع أبناء الشرق‪ ،‬ووحدة اللغة والدين‪ ،‬والثقافة ‪...‬‬
‫ويستمر شوقى في إسداء النصح لهم؛ حيث إنهم بين الحياة والموت‪ ،‬فإما أن يعيشوا حياةً‬
‫حرةً‪ ،‬وإما أن يرضوا بالذل والهوان‪.‬‬
‫ويجب عليهم ان يدفعوا ثمن الحرية التي ال تشرى بالمال‪ ،‬ولكن بدماء األحرار ثم يمضى‬
‫مؤكداً على الفكرة نفسها حيث يقول‪َّ :‬م‬
‫إن باب الحرية ال يفتح إال بطول النضال والكفاح‪ ،‬فال تمل في‬
‫طلبها‪ ،‬فهى حتما ً سُتنال‪ .‬وهذا كان دأب شوقى –دائما‪ -‬فى استنهاض الهمم بشعره الوطنى المفعم‬
‫بالحماسة "فالبد أن يكون الشاعر الوطني ثائر النفس‪ ،‬فائر العاطفة ‪،‬يعبر عن ثورته بشعر متدفق‬
‫‪،‬ينزل فى قلوب مواطنيه نارا تصهر القوى ‪،‬وتستثير العزائم ‪ ،‬ويرفع لهم منارا من مثلهم األعلى فى‬
‫الحرية‪ ،‬ويدفعهم دفعا إلى جهاد عدوهم‘ والصبر على ما يلون فى جهادهم من تضحية وردى "‬
‫ثم اختتم شوقى القصيدة بإطراء هذه المدينة التليدة‪ ،‬وبنيها البواسل‪ ،‬حيث يرى أن عز‬
‫الشرق أوله دمشق‪ ،‬فأهل دمشق هم الذين هبُّقوا لنُصْ رة إخوانهم من الدروز‪ ،‬وهذا ح ٌّر‬
‫ق وواجب‪.‬‬
‫فالدروز هم حماة الديار‪ ،‬ولم يكونوا في يوم من األيام مع المستعمر ضد إخوانهم‪ ،‬و هم ع لى‬
‫شجاعتهم أهل كرم ومروءة‪ ،‬يزودون عن حماهم‪ ،‬متحصنين بجبلهم الصامد على مر الزمن ثم يختتم‬
‫قصيدته بتنوع أساليب الدفاع والزود عن الحمى‪ ،‬مدلالً بالشبل وأمه في الدفاع عن العرين‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬قراءة اللفظ الشعري ‪:‬‬


‫اللفظة عند الشاعر‪ ،‬هي أداته للتعبير عن فنه وموهبته‪ ،‬وهي ال تقف في الفن الشعري عند‬
‫حدود داللتها الوضعية‪ ،‬بل إنها تحمل دفقات من العواطف والمشاعر‪ ،‬إلى جانب داللتها المعجمية‪.‬‬

‫والشاعر يستطيع بما يمتلكه من موهبة الشعر‪ ،‬أن يحلق باللغة إلى آفاق بعيدة ودالالت‬
‫متعددة‪ ،‬يختلف الناس حولها‪ ،‬ومن هنا يأتى جمال الفن الشعري الذي ال يزال معناه وداللته موصولةً‬
‫بسياقها‪ .‬يقول عبدالقاهر الجرجاني‪" :‬وهل تجد أحدا يقول ‪:‬هذه اللفظة فصيحة ‪،‬إال وهو يعتبر مكانها‬
‫من النظم ‪،‬وحسن مالئمة معناها لمعانى جاراتها "ويقول"فقد اتضح إذن اتضاحا ال يدع للشك مجاال‬
‫أن األلفاظ ال تتفاضل من حيث هى ألفاظ مجردة ‪،‬وال من حيث هي كلم مفردةٌ ‪،‬وأن الفضيلة وخالفها‬
‫‪،‬فى مال ئمة معنى اللفظة لمعنى التى تليها ‪،‬وما أشبه ذلك مما ال تعلُّقق له بصريح اللفظ ") والختيار‬
‫اللفظ الشعرى شروط منها "أن يكون سمحا ً سهل مخارج الحروف من مواضعها‪ ،‬عليه رو نق‬
‫الفصاحة‪ ،‬مع الخلو من البشاعة"‬

‫‪6‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫ومن مطالعتنا لديوان شوقىال نشك في أنه قرأ ووعى مفردات المعجم اللغوي؛ حيث ظهرت‬
‫براع ته اللغو ية‪ ،‬وتمك نه من استخدام األلفاظ‪ ،‬وو ضعها في سياقها ال فني "فاأللفاظ في الق صيدة‬
‫جزئيات حيوية لبناء عضوي كامل‪ ،‬بحيث إننا لو أبدلنا لفظا ً مكان آخر ال يتغير المعنى الموضوع له‬
‫هذا اللفظ فحسب‪ ،‬بل يتغير أو يفسد البناء العضوي الذي كانت تلك اللفظة تشكل جزءاً منه"‪.‬‬
‫وقد استخدم "شوقى" ألفاظا ً تدل على الحزن‪ ،‬واأللم‪ ،‬واألسى‪ ،‬وأثر الدمار والهالك الذي‬
‫ق ‪ -‬لَحاها هللاُ‬ ‫لحق بدمشق‪ .‬مثل قوله ‪َ ( :‬ودَم ٌع ال يُ َكف َكفُ ‪َ -‬جال ُل ال ُرز ِء ‪ِ -‬جراحاتٌ لَها في القَل ِ‬
‫ب عُم ُ‬
‫يك نا ٌر ‪ -‬أَتَت ِمن دونِ ِه لِل َمو ِ‬
‫ت‬ ‫ق ‪َ -‬و في نَواحي األَ ِ‬ ‫أَنبا ًء ‪َ -‬م عالِ ُم التاري ِ ُد َّككتْ ‪ -‬أَ صابَها تَلَفٌ َو َحر ُ‬
‫الحجا َر ِة ‪َ -‬د ُم الثُ ّوا ِر ‪-‬‬ ‫ق ‪ -‬قُ ٌ‬
‫لوب َك ِ‬ ‫ق ‪َ -‬واس َو َّكد أُف ُ‬
‫ق ‪ -‬اح َم َّكر أُف ٌ‬ ‫ف َوال َمنايا ‪َ -‬خطفٌ َو َ‬
‫صع ُ‬ ‫ق ‪ -‬لِلقَذائِ ِ‬ ‫طُر ُ‬
‫جيال َحياةٌ ‪-‬‬‫ضحايا ‪ -‬فَفي القَتلى ِألَ ٍ‬ ‫ب بِال َمنايا – َكال َ‬ ‫ت أَو َحيا ٍة ‪ -‬يَسقى َويَش َر ُ‬
‫ق ‪ -‬بَينَ َمو ٍ‬ ‫في ال َه ِّمم شَر ُ‬
‫ض َّكر َج ٍة)‪.‬‬
‫الحمرا ِء ‪ -‬يَ ٍد ُم َ‬
‫لح ِّمريَّك ِة َ‬
‫َولِ ُ‬
‫وقد أجاد شوقى استخدام هذه األلفاظ‪ ،‬في سياقاتها المختلفة وعبَّمر من خاللها عن هول‬
‫المصيبة وآثار النكبة‪.‬‬

‫ومن أمثلة إجادته اختيار ألفاظ معجمه في معرض حديثه عن الذكريات وإثارة المشاعر‬
‫والعواطف يقول ُمحدِّصثا ً دمشق التليدة‪:‬‬
‫ق؟‬‫رض َعةُ األُبُ َّكو ِة ال تُ َع ُّق‬
‫َو ُم ِ‬ ‫سالم ِظئ ًرا‬ ‫ق لِ ِ ِ‬ ‫أَلَســــــــ ِ‬
‫ت ِد َمش ُ‬
‫س ْم بِأَزيَنَ ِمنهُ فَر ُ‬
‫ق‬ ‫َولَ ْم يو َ‬ ‫تاج َك لَم يُ َج َّكم ْل‬
‫الديـــــــن ُ‬
‫ِ‬ ‫الح‬
‫ص ُ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ي ِعر ُ‬‫رح ِك ال ُعل ِو ِّم‬
‫س ِ‬‫لَها ِمن َ‬ ‫َو ُك ُّقل َحضا َر ٍة في األَر ِ طالَتْ‬
‫ق‬
‫ض ِك ِمن ُحلى التاري ِ َر ُّق‬ ‫َوأَر ُ‬ ‫سما ُ ِ ِمن ُحلى الماضـي ِك ٌ‬
‫تاب‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ُغبا ُر َحضا َرتَي ِه ال يُ َ‬
‫ش ُّق‬ ‫ت الدَولَةَ ال ُكبـــــــرى َو ُمل ًكا‬
‫بَنَي ِ‬
‫بَشائِ ُرهُ بِأَن َدلُ ٍ تَ ُد ُّق‬
‫ق‬ ‫ُـــــــــرس‬
‫ٌ‬ ‫الشام أَعال ٌم َوع‬
‫ِ‬ ‫لَهُ بِ‬

‫لقد استخدم "شوقي" هنا هذه االلفاظ الموحية مثل استخدامه لفظة (ظئراً) التي توحى ‪ ،‬فهي‬
‫األم بالنسبة لإلسالم ثم استدعى الشاعر الشخصية التراثية "صالح الدين" حيث إن الظرف الحالي‬
‫يتطلب مثل هذه الشخصية التراثية‪ ،‬التي دحضت قوى البغى الصليبي وأزاحتهم عن بالد اإلسالم‪.‬‬
‫ومن الكلمات الموحية في موضعها‪ ،‬كلمة (أنباء) بدالً من (أخبار)؛ ألن (النبأ) ال يكون إال لإلخبار‬
‫بما ال يعلمه الم ُخبَّمر‪ ،‬أما (الخبر) فيجوز أن يكون على علم به‪ ،‬أو ال يكون‪ .‬وفي (النبأ) معنى عظيم؛‬
‫أي يكون في األمر الجلل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫فالولى‬
‫ُّق‬ ‫ومن األلفاظ ذات الداللة الموحية في البيت نفسه لفظة (الولى) بديالً عن (النصير)‬
‫تتضمن المودة والَنُّقصْ رة معاً‪ ،‬أما "النصير" فال تشترط المودة‪.‬‬

‫وأيضا ً استخدامه (القتلى) بديالً عن الموتى؛ ألن الموت فع ٌل ربان ٌي‪ ،‬أما القتل ففعل آدم ّى‪،‬‬
‫ولكنه هنا لغاية شريفة‪ ،‬دفاعا ً عن األرض والعرض ‪ ..‬يقول شوقي ‪:‬‬
‫ى لَ ُه ُمو و ِعت ُ‬
‫ق‬ ‫وفى األسرى فد ً‬ ‫ففي القتلى ألجيال حياة ***‬
‫وذكر أيضا ً لفظة (د ْين) وهي توحى بِعظَم العطاء والتضحية دفاعا ً عن األوطان‪ ،‬وأكد ذلك‬
‫بتوصيفها بـ ( ُمسْتحق) التي تفيد اإللزام ووجوب األداء‪.‬‬
‫ق‬
‫ُمست َِح ُّق‬ ‫سلَفَت َودَينٌ‬
‫وطان في د َِم ُك ِّمل ُح ٍّرر *** يَ ٌد َ‬
‫ِ‬ ‫َولِ َ‬

‫ومنها أيضا ً كلمة ( ُمض َّكرجة) التي توحى بتكريم هذه اليد المخضبة بالدماء وكذا لفظة (يدق)‬
‫ظم التضحيات توظيف اللون األحمر (لون‬ ‫التي توحى باالستجابة‪ ،‬وكلمة الحمراء التي تدل على ِع َ‬
‫الدماء) ‪.‬‬
‫ق‬
‫يُ َد ُّق‬ ‫ض َّكر َج ٍة‬
‫ُم َ‬ ‫يَ ٍد‬ ‫باب *** بِ ُك ِّمل‬
‫ٌ‬ ‫الحمرا ِء‬
‫َ‬ ‫لح ِّمريَّك ِة‬
‫َولِ ُ‬
‫ومن األلفاظ التي تدل على أن الحرية حق مشروع للشعوب كلمة (الحقوق) في قوله‪:‬‬
‫ق‬
‫ق َوال يُ ِح ُّق‬
‫الحقو َ‬ ‫َوال يَبني ال َممالِ َك َكال َ‬
‫ضحايا *** َوال يُدني ُ‬
‫وقد استخدم "شوقي" (وإن أالنوا) ولم يقل (ولم يلينوا) ألن أثر الماضى هنا يدل على‬
‫رضوخ المستعمر‪ ،‬واستبداله للمندوب السامى ‪:‬‬
‫تَ ِر ُّق‬
‫ق‬ ‫ال‬ ‫الحجا َر ِة‬ ‫َوإِن أَالنوا *** قُ ٌ‬
‫لوب َك ِ‬ ‫َولِل ُمستَع ِمرينَ‬
‫كذلك استخدم الفعل الماضي (إذا رمن) بديال عن المضارع ‪ ،‬وهذا االستخدام الزمنى‪،‬يدل‬
‫على ثقته بوعى الثوار وتجاوزهم خالفاتهم السياسية‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ق‬ ‫ريق *** أَتَت ِمن دونِ ِه لِل َمو ِ‬
‫ت طُر ُ‬ ‫سال َمةَ ِمن طَ ٍ‬
‫إِذا رُمنَ ال َ‬
‫ً‬
‫وقد استخدم شوقي ألفاظا سهلة تجرى على ألسنة الناس مثل لفظة (يشرب) التي أوحت بحب‬
‫االستشهاد دفاعا ً عن األوطان‪ ،‬وأجاد توظيفها‪ ،‬فكانت داللتها أكثر عمقاً‪ ،‬وهكذا كان دأب شوقى‪،‬‬
‫فعلى الرغم من إجادته لغة التراث فإنه أجاد أيضا ً استعمال اللغة السهلة التي يتحدث بها عامة الناس‬
‫وج َّممل بها شعره‬

‫ونجد ولَ َعه ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬بأسماء المخترعات الحديثة واأللفاظ العصرية التي أجادوجعلها من‬
‫مفردات معجمه الشعري هذا دأبه في ديوانه يقول "شوقى"‪:‬‬
‫ق‬
‫اآلفاق بَر ُ‬
‫ِ‬ ‫يُفَ ِّم‬
‫صلُها إِلى الدُنيا بَري ٌد *** َويُج ِملُها إِلى‬

‫‪8‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫الحجا َر ِة ال تَ ِر ُّق‬
‫ق‬ ‫َوإِن أَالنوا *** قُ ٌ‬
‫لوب َك ِ‬ ‫َولِل ُمستَع ِمرينَ‬
‫ق‬
‫اإلما َر ِة َوه َي ِر ُّق‬‫ب ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِة أن تُ َغ ّروا *** بِألقا ِ‬ ‫فَ ِمن ِخ َد ِ ِ‬
‫السيا َ‬
‫ومن هذه األلفاظ (بريد – برق – المستعمرين – قذائف – السياسة ‪. )...‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬البناء األسلوبي ‪:‬‬


‫بنى الشاعر قصيدته على جملة من األساليب الخبرية واإلنشائية‪ ،‬وخرجت األساليب‬
‫اإلنشائية – معظمها – عن معانيها المعروفة مثل أساليب النداء‪ ،‬واألمر‪ ،‬واالستفهام‪ ،‬والشرط ‪...‬‬
‫وجاءت أساليب القصيدة – جُلها – خبرية‪ ،‬تناسب األجواء الحزينة التي عرضها وأك َّمد عليها شوقي‪.‬‬
‫وأراد أن ينقلها إلى جمهوره العربي من المحيط إلى الخليج‪ .‬ومن أمثلة األساليب الخبرية قوله‪:‬‬

‫(دمع ال يكفكف) (ذكرى عن خواطرها لقلبي) (وبى مما رمتك به الليالى) (جراحات لها في‬
‫القلب عمق) (وحولى فتية غر صباح) (لهم في الفضل غايات وسبق) (وضج من الشكيمة كل حر)‬
‫(دم الثوار تعرفه فرنسا)‪.‬‬

‫أما األساليب اإلنشائيةبعالقتها المتشابكة ‪ ،‬وقدرتها على التجدد والحركة وفاعليتها فى‬
‫استقطاب المتلقي ‪،‬وتشكيل البعد النفسي الذى يربطه بالمبدع ‪ ،‬والقضاء على الرتابة والنمطية‪ ،‬الذي‬
‫قد تقع فيها األساليب الخبرية وتعطينا لونا مميزا من التعبير الفني المؤثر فى أفكارنا ومشاعرنا"قد‬
‫استخدمها شوقى بشكل ُمح َّمدد‪ ،‬وجاءت قليلة‪ ،‬فمثالً جاء أسلوب االستفهام في ستة أبيات‪ ،‬واألمر في‬
‫أربعة‪ ،‬والنداء والشر في ثالثة أبيات‪ ،‬والدعاء في موضعين‪ ،‬وغابت أساليب إنشائية أُخرى عن‬
‫القصيدة‪.‬‬

‫االستفهام ‪ :‬ومن أمثلته في القصيدة قوله ‪:‬‬


‫رض َعةُ األُبُ َّكو ِةال تُ َع ُّق‬
‫ق‬ ‫سالم ِظئ ًرا *** َو ُم ِ‬
‫ق لِ ِ ِ‬ ‫أَلَس ِ‬
‫ت ِد َمش ُ‬
‫وخرج أسلوب االستفهام هنا عن أصل وضعه إلى التقرير الذي يريد به تأكيد فكرته‪ ،‬وهي‬
‫أن دمشق كاألم الحانية على أبنائها‪ ،‬وهي كذلك لإلسالم وأهله‪.‬‬

‫وقوله في استفهام متتابع ‪:‬‬


‫ق؟‬‫ست أَ َح ُّق‬
‫ق أَنَّكها َد َر َ‬ ‫يح ِك ما دَهاها *** أَ َح ٌّق‬‫ُربا ُ الخل ِد َو َ‬
‫ضداتٌ ؟ *** َوهَل لِنَعي ِم ِهنَّك َكأَم ِ نَس ُ‬
‫ق؟‬ ‫نان ُمنَ َّك‬
‫الج ِ‬
‫ِ‬ ‫َوهَل ُغ َرفُ‬
‫فقد استخدم االستفهام في البيت األول للتعجب‪ ،‬فهو لم يُصدق ما حدث لهذه المدينة العريقة‬
‫من دمار وخراب ! وجاء االستفهام في البيت الثاني مرتين بتكرار أداته (هل) ويحمل هذا االستفهام‬
‫اللوعة واألسى على مصير قصور بغداد‪ ،‬وما بها من بهاء وجمال‪ ،‬ثم أصابها ما أصابها‪ ،‬وهنا‬

‫‪9‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫خرج االستفهام عن موضعه األصلى‪ ،‬وحمل داللة النفى المشوب باألسى والحزن‪ ،‬حيث نفى حالها‬
‫اآلن عن حالها ب‪.‬‬

‫وقد جاء االستفهام – أيضا ً – الذي يحمل داللة النفى‪ ،‬حيث ال فرق بين قلوب المستعمرين‬
‫والصخر في قوله ‪:‬‬
‫ق؟‬ ‫هن *** أَبَينَ فُؤا ِد ِه َوال َ‬
‫صخ ِر فَر ُ‬ ‫سلي َمن را َ غي َد ِ بَع َد َو ٍ‬
‫َ‬
‫وأتى االستفهام في موضع آخر للتعجب والسخرية من تناقض الفرنسيين مع مبادئ‬
‫ثورتهم‪،‬تنكروا لها في سوريا‬

‫ُعوب عَلى قَناها *** فَ َكيفَ عَلى قَناها تُستَ َر ُّق‬


‫ق؟‬ ‫ت الش ُ‬
‫َو ُح ِّمر َر ِ‬

‫األمـر‪11 :‬‬
‫وقد تأثر شوقى بالمتنبى وظهرت عنده نبرة األنا عالية‪ ،‬حيث انتقل من الحديث عن النكبة‪،‬‬
‫إلى الحديث عن نفسه مستخدما ً فعل األمر (فاعجب) ‪:‬‬
‫شع ٍر *** بِ ُك ِّمل َم َحلَّك ٍة يَروي ِه َخل ُ‬
‫ق‬ ‫ُرواةُ قَصائِدي فَ َ‬
‫اعجب لِ ِ‬
‫واستخدم األمر في صدر البيت موجها ً حديثه للمدينة المنكوبة‪ ،‬طالبا ً منها أن تسأل من‬
‫السبب في ترويع النساء ؟ فيقول ‪:‬‬
‫ق‬ ‫هن *** أَبَينَ فُؤا ِد ِه َوال َ‬
‫صخ ِر فَر ُ‬ ‫سلي َمن را َ غي َد ِ بَع َد َو ٍ‬
‫َ‬
‫وقوله ناصحا ً ومحفزاً أبناء سوريا بترك األمانى واألحالم‪ ،‬ومواجهة المستعمر بالقوة‪ ،‬حيث‬
‫إنه ما أخذ بالقوة ال يُسترد بغيرها‪.‬‬
‫بَني سو ِريَّكةَ اطَّك ِرحوا األَماني *** َوأَلقوا عَن ُك ُم األَحال َم أَلقوا‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ت أَو َحيا ٍة *** فَ ِن ُرمتُ ْم نَعي َم الدَه ِر فَا ْ‬
‫شقَوا‬ ‫َوقَفتُ ْم بَينَ َمو ٍ‬
‫حيث خي ّر شوقى أبناء سوريا بين الحياة الذليلة أو اإلقبال على الموت من أجل الحياة‬
‫الكريمة‪ ،‬وجاء األمر يحمل داللة النصح والحث على المقاومة وبذل الدماء‪.‬‬

‫النداء ‪:‬‬
‫جاء النداء في القصيدة في مواضع قليلة‪ ،‬استخدم "شوقى" أدوات النداء المعروفة وحذفها‬
‫في مواضع أخرى ‪:‬‬
‫ق *** َودَم ٌع ال يُ َكف َكفُ يا ِد َمش ُ‬
‫ق‬ ‫صبا بَ َردى أَ َر ُّق‬
‫سال ٌم ِمن َ‬
‫َ‬
‫وحذف األداة‪ ،‬وجاء بالمنادى مباشرة‪ ،‬لتحمل داللة القرب فيقول ‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫تُ َع ُّق‬
‫ق‬ ‫ال‬ ‫رض َعةُ األُبُ َّكو ِة‬
‫سالم ِظئ ًرا *** َو ُم ِ‬
‫ق لِ ِ ِ‬ ‫أَلَس ِ‬
‫ت ِد َمش ُ‬
‫وقوله‬
‫بَني سو ِريَّكةَ اطَّك ِرحوا األَماني *** َوأَلقوا عَن ُك ُم األَحال َم أَلقوا‬
‫الدعاء ‪:‬‬
‫جاء الدعاء في القصيدة قليالً‪ ،‬وقد استخدمه "شوقى" ‪: :‬‬

‫وفى الحالة الثانية ‪ :‬يستخدم يدعوعلى األنباء السيئة التي يصعب سماعها على كل ُمحب لدمشقفيقول‬
‫‪:‬‬
‫ق‬
‫ش ُّق‬
‫مع ال َولِ ِّمي بِما يَ ُ‬
‫س ِ‬‫هللاُ أَنبا ًء تَوالَتْ *** عَلى َ‬ ‫لَحاها‬

‫ومن أساليب الشرط التي استعملها شوقى في القصيدة‬


‫ق‬ ‫ريق *** أَتَت ِمن دونِ ِه لِل َمو ِ‬
‫ت طُر ُ‬ ‫سال َمةَ ِمن طَ ٍ‬
‫إِذا رُمنَ ال َ‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق *** عَلى َجنَباتِ ِه َواس َو َّكد أُف ُ‬
‫ق‬ ‫الحدي ُد اح َم َّكر أُف ٌ‬
‫َ‬ ‫صفَ‬
‫إِذا َع َ‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق *** يَقو ُل ِعصابَةٌ َخ َرجوا َو َ‬
‫شقّوا‬ ‫َح ٍّر‬ ‫إِذا ما جا َءهُ طُ ُ‬
‫الب‬
‫ومما سبق نجد "شوقى" قد عمد إلى األساليب اإلنشائية – القليلة – وهي عناصر مساندة‬
‫إليقاعية النص‪ ،‬ولكنه كان على وعي بتوظيفها؛ بما يملكه من ملكة اإلبداع‪ ،‬والقدرة على التعامل مع‬
‫المتغيرات األسلوبية ووضعها في سياقاتها المختلفة‪ ،‬والشك أن هذه األساليب تعطى زخما ً للبنية‬
‫التركيبية الكلية للنص‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬التصوير وأثره في بنية النص ‪:‬‬


‫جاء التصوير في النص نابعا ً من عاطفة "شوقى" الحماسية‪ ،‬ومالئما ً للمحتوى الفكري ‪،‬‬
‫و ُمعبِّصراً عن الوضع األليم لدمشق والعاطفة عنصر مهم في إثراء قرائح الشعراء‪ ،‬وإمدادهم بالصور‬
‫الفنية التي تعبر عن صدق اإلحساس "فالعاطفة دون صورة عمياء‪ ،‬وأن الصورة دون عاطفة‬
‫فارغة‪ ،‬فالشعر تركيب بين الصورة والعاطفة"(‪ )14‬وتخضع الصورة في الشعر لعبقرية المبُدع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫وقد جاء التصوير في نكبة دمشق مشحونا ً بعاطفة حماسية‪ ،‬وبلغ ٍة حزينة تناسب الحدث‬
‫"فالصورة رسم قوام الكلمات المشحونة باإلحساس والعاطفة"() وقد استخدم "شوقى" الخيال الجزئي‬
‫التفسيري؛ لتكتمل الصورة الكلية للنص‪ .‬ومن الخيال الجزئي‪:‬‬

‫التشبيه‬
‫والتشبيه من الصور الجزئية التي اعتمد عليها في تكوين صورة كلية للنكبة‪ ،‬مثل قوله في‬
‫تشبيه سماء دمشق‪ :‬بالكتاب الذي يجمع مآثر الماضي‪ ،‬وأرضها بالرَّمق الذي يُكتب عليه أمجاد‬
‫تاريخها العريق ‪:‬‬
‫ق‬
‫ض ِك ِمن ُحلى التاري ِ َر ُّق‬‫تاب *** َوأَر ُ‬ ‫سما ُ ِ ِمن ُحلى الماضي ِك ٌ‬ ‫َ‬
‫وقوله في تشبيه دم الثوار من أبناء سوريا بالنور الذي يَجُبُّق ظلمات العبودية واالستبداد‪.‬‬
‫ق‬
‫َو َح ُّق‬ ‫َد ُم الثُ ّوا ِر تَع ِرفُهُ فَ َرنسا *** َوتَعلَ ُم أَنَّكهُ نو ٌر‬
‫ونراه في موضع آخر يشبهه بالمطر الذي يروى األرض؛ فيروي غرس الحرية‪.‬‬
‫ق‬
‫سما ِء َوفي ِه ِرز ُ‬ ‫َجرى في أَ ِ‬
‫رضها في ِه َحياةٌ *** َك ُمن َه ِّمل ال َ‬
‫نتشبيه بالحجارة ‪:‬‬
‫ق؟‬ ‫هن *** أَبَينَ فُؤا ِد ِه َوال َ‬
‫صخ ِر فَر ُ‬ ‫سلي َمن را َ غي َد ِ بَع َد َو ٍ‬
‫َ‬
‫المعنى نفسه قول ‪:‬‬
‫ال تَ ِر ُّق‬
‫ق‬ ‫الحجا َر ِة‬ ‫َولِل ُمستَع ِمرينَ ‪َ -‬وإِن أَالنوا ‪ *** -‬قُ ٌ‬
‫لوب َك ِ‬
‫ونجد شوقى يدافع عن الدروز‪ ،‬وينفىما لحق بهم من كالم كاذب‪ ،‬ونراه يشبههم في حمايتهم‬
‫للديار‪ ،‬وما يتصفون به من أخالق العرب‪ ،‬بالينبوع الصافى عند لينهم‪ ،‬وبالحجر الصلد وقت الزود‬
‫عن الحمى‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫َوما كانَ الدُرو ُز قَبي َل ش ٍّرَر *** َوإِن أُ ِخذوا بِما لَم يَست َِحقّوا‬
‫صفا َخشُنوا َو َرقُّقوا‬
‫يف *** َكيَنبو ِ ال َ‬
‫ض ٍ‬ ‫َ‬ ‫َولَ ِكن ذا َدةٌ َوقُراةُ‬
‫ومن التشبيه الضمني قوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫ب عُن ُ‬ ‫صيَ ٍد بَدا لَ َك ِمن َذ ٍ‬
‫ليل *** َكما مالَتْ ِمنَ ال َمصلو ِ‬ ‫َو َك ْم َ‬
‫لقد شبه ضمنيا ً حاله الذليل الذي يتكلف الترفع والعزة‪ ،‬بالمصلوب الذي مال عنقه بعد‬
‫إعدامه‪ ،‬فيبدو للرائى أنه متكبر ولكنه في حقيقة األمر فقد الحياة‪.‬‬

‫االستعارة ‪:‬‬
‫االستعارة – في لغتنا العربية – لها قيمة عظيمة‪ ،‬وكلما كانت مبتكرة زادت روعتها‪ ،‬وعظم‬
‫رونقها‪ ،‬وأحدثت أثراً في النفس‪.‬الجرحانى بقوله "‪.)(،،‬‬
‫‪12‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫وقد رفع قدرها وأعلى شأنها "ابن رشيق" في العمدة‪ ،‬حيث يقول‪" :‬االستعارة أفضل‬
‫المجاز‪ ،‬وليس في الشعر أعجب منها‪ ،‬وهي من محاسن الكالم إذا وقعت موقعها‪ ،‬ونزلت‬
‫موضعها()‪.‬‬
‫وجاءت االستعارة في القصيدة في مواضع كثيرة منها قوله ‪:‬‬
‫ق *** َودَم ٌع ال يُ َكف َكفُ يا ِد َمش ُ‬
‫ق‬ ‫صبا بَ َردى أَ َر ُّق‬
‫سال ٌم ِمن َ‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث شبه دمشق إنسانا‪ ،‬يُلقى عليه التحية‪ ،‬التي تفوق رقة النسيم وكذلك جعلها شخصا ينادى‬
‫عليه في قافية البيت‬

‫ونراه في موضع آخر يصور القلب بإنسان يتلفت على دمشق ‪:‬‬
‫ق‬‫َو َخف ُ‬ ‫يك تَلَفُّقتٌ أَبَدًا‬‫واط ِرها لِقَلبي *** إِلَ ِ‬
‫َو ِذكرى عَن َخ ِ‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫ب عُم ُ‬ ‫تك بِ ِه اللَيالي *** ِجراحاتٌ لَها في القَل ِ‬ ‫َوبي ِم ّما َر َم ِ‬
‫حيث شبه هنا الليالى‪ ،‬وجعلها إنسانا ً قادراً على الرمى بسهام نافذة‪ ،‬وامتد بالصورة؛ ليبين‬
‫أثر السهام (لها في القلب عمق) ومن االستعارة تشبيه دمشق – في جمالها وبهائها – بفتاة جميلة‬
‫فاتنة‪ ،‬مشرقة الوجه‪ .‬يقول ‪:‬‬
‫ت طَل ُ‬
‫ق‬ ‫ضاح ُك القَ َ‬
‫سما ِ‬ ‫ِ‬ ‫د ََخلت ُِك َواألَصي ُل لَهُ اِئتِال ٌ‬
‫ق *** َو َوج ُه ِك‬
‫ومنها قوله ‪:‬‬

‫ق‬ ‫ريق *** أَتَت ِمن دونِ ِه لِل َمو ِ‬


‫ت طُر ُ‬ ‫سال َمةَ ِمن طَ ٍ‬
‫إِذا رُمنَ ال َ‬
‫حيث شبه الموت بإنسان يأتى من كل مكان؛ ليعصف بنساء دمشق‪.‬‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫ق َوال يُ ِح ُّق‬
‫الحقو َ‬
‫ضحايا *** َوال يُدني ُ‬ ‫َوال يَبني ال َممالِ َك َكال َ‬
‫حيث جعل الحقوق شيئا ً قريب المنال‪ ،‬إذا بذلت الدماء‪.‬‬
‫ومن االستعارة التصريحية قوله ‪:‬‬
‫ض َّكج ِمنَ الشَكي َم ِة ُك ُّقل ُح ٍّرر *** أَبِ ٍّري ِمن أُ َميَّكةَ في ِه ِعت ُ‬
‫ق‬ ‫َو َ‬
‫جاء في صدر البيت (وضج من الشكيمة كل حر) حيث شبه ما يكبح األحرار من قيود‬
‫االستعمار بلجام الفرس الذي يكبح جماحه‪.‬‬
‫ومنها أيضا ً قوله ‪:‬‬

‫تُ َز ُّق‬
‫ق‬ ‫يك أَفرا ٌ‬
‫يك نا ٌر *** َو َخلفَ األَ ِ‬
‫بَ َرزنَ َوفي نَواحي األَ ِ‬

‫‪13‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫شبه – هنا – أطفال سوريا الصغار أثناء القصف‪ ،‬بأفراخ الطير‪ ،‬وهي عاجزة في الحصول‬
‫على طعامها‪ .‬والصورة هنا عبّرت عن هول الموقف وبشاعة المستعمر‪ ،‬وقسوة قلبه التي لم ين ُج‬

‫الكناية ‪:‬‬
‫ُعنى النقاد والبالغيون القدامى بها‪ ،‬حيث إنها تمثل لونا ً من ألوان الخيال‪ ،‬ويتجاذبها طرفان‬
‫هما الحقيقة والمجاز‪ ،‬وكالهما مطروح في السياق على حد سواء‪ .‬ذكرها‬
‫عنها السكاكى في مفتاحه "الكناية هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه‪ ،‬لينتقل‬
‫من المذكور إلى المتروك‬
‫أما الخطيب القزويني‪ ،‬فكان أكثر وضوحا ً في تعريفها‪ ،‬حيث ذكر أن "الكناية‪ :‬لفظ أريد به‬
‫الزم معناه‪ ،‬مع جواز إرادة معناه حينئ ٍذ"()‪.‬‬
‫ومن التعبيرات الكنائية التي لجأ إليها شوقى قوله ‪:‬‬
‫َغ َمزتُ إِبا َء ُه ْم َحتّى تَلَ َّكتْ *** أُنوفُ األُس ِد َواضطَ َر َم ال َم َد ُّق‬
‫ق‬
‫ففي قوله ‪( :‬تلظت أنوف األُسْد) كناية عن الغضب الشديد ‪:‬‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق *** َودَم ٌع ال يُ َكف َكفُ يا ِد َمش ُ‬
‫ق‬ ‫صبا بَ َردى أَ َر ُّق‬
‫سال ٌم ِمن َ‬
‫َ‬
‫(دمع ال يكفكف) كناية عن الحزن الشديد ‪.‬‬
‫وقوله في موضع آخر ‪:‬‬
‫ش َعرا ُء لُسنٌ *** َوفي أَعطافِ ِهم ُخطَبا ُء شُد ُ‬
‫ق‬ ‫عَلى لَ َهواتِ ِهم ُ‬
‫الشطر األول‪ :‬كناية عن نسبة‪ ،‬وهي نسبة الشعر إلى فتياتهم ‪ ،‬أما الشطر الثاني‪ :‬فكناية عن‬
‫نسبة الخطابة إليهم‪.‬‬
‫وقد عبّر شوقى – بأسلوبه الكنائي – عن ملك بني أمية الواسع‪ ،‬الذي انطلق من دمشق‬
‫عاصمة الخالفة األموية إلى األندلس في قوله ‪:‬‬
‫تَ ُد ُّق‬
‫ق‬ ‫بِأَن َدلُ ٍ‬ ‫الشام أَعال ٌم َوع ٌ‬
‫ُرس *** بَشائِ ُرهُ‬ ‫ِ‬ ‫لَهُ بِ‬
‫وعندما أراد أن يم القائد الفرنسي بحبه للقتل وإراقة الدماء عبّر بلفظه (أخو حرب) نسب‬
‫الحرب إليه بإضافتها ‪:‬‬
‫صلَفٌ َو ُحم ُ‬
‫ق‬ ‫يش ِه َو َرمى فَ َرنسا *** أَخو َحر ٍ‬
‫ب بِ ِه َ‬ ‫َرما ِ بِطَ ِ‬
‫لفظة (فتوق)‬

‫‪14‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫تَح ُد ُ ثُ َّكم تَمضي *** َوال يَمضي لِ ُمختَلِفينَ فَت ُ‬


‫ق‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫يُ َد ُّق‬ ‫ض َّكر َج ٍة‬
‫ُم َ‬ ‫يَ ٍد‬ ‫باب *** بِ ُك ِّمل‬
‫ٌ‬ ‫الحمرا ِء‬
‫َ‬ ‫لح ِّمريَّك ِة‬
‫َولِ ُ‬
‫حيث استخدم هنا (الحرية الحمراء) و(يد مضرجة) كنايتان عن الكفاح والنضال‪ ،‬وتظهر‬
‫براعة الصورة بتوظيفه للون‪ ،‬كذا عنصر الحركة‪ ،‬األمر الذي يظهر براعة " شوقى" التصويرية‬
‫في رسم اللوحة الفنية‪.‬‬

‫المجاز المرسل‪:‬‬
‫المجاز المرسل هو كلمة يتم استعمالها في غير معناها األصلي لعالقة غير المشابهة‪ ،‬مع‬
‫وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى األصلي وعرفها الجرجاني بقوله‪ " :‬كل كلمة أريد بها غير ما‬
‫وقعت له في وضع واضعها لمالحظة بين الثاني واألول فهي مجاز()‪.‬‬
‫وعن منزلة المجاز عند العرب يقول‪" :‬العرب كثيراً ما تستعمل المجاز‪ ،‬وتعده من كالمها‪،‬‬
‫فإنه دليل الفصاحة‪ ،‬ورأس البالغة‪ ،‬وبه بانت لغتها عن سائر اللغات"()‪.‬‬
‫ومن نماذج المجاز المرسل في "نكبة دمشق" قوله‪:‬‬
‫ق‬ ‫َو َمع ِذ َرةُ اليَرا َع ِة َوالقَوافي *** َجال ُل ال ُرز ِء عَن َو ٍ‬
‫صف يَ ِد ُّق‬
‫حيث عبر عن النثر والشعر بلفظي (اليراعة – القوافى) فاستخدم األولى وهي القلم مجاز‬
‫عن النثر‪ ،‬وعالقته اآللية‪ ،‬واألخرى (القوافى) مجاز عن الشعر‪ ،‬وعالقته جزئية‪.‬‬

‫وقوله في موضع آخر مستخدما ً لفظة (يد) مجاز عن النعمة والفضل ‪:‬‬
‫ق‬
‫ُمست َِح ُّق‬ ‫سلَفَت َودَينٌ‬
‫وطان في د َِم ُك ِّمل ُح ٍّرر *** يَ ٌد َ‬
‫ِ‬ ‫َولِ َ‬
‫قراءة في موسيقى القصيدة ‪:‬‬
‫الموسيقى هي روح الشعر‪ ،‬فال يُسمى الكالم شعراً بدونها‪ ،‬وهذه الموسيقى تنبع من مفردات‬
‫اللغة التي يجيد الشاعر توظيفها محققةً النغم الشعرى‪ .‬والموسيقى في الشعر إما خارجية تنشأ عن‬
‫تكرار النغم فتألفه األذن‪ ،‬وتأنس به النفس‪ ،‬وتتمثل في الوزن والقافية‪ ،‬وإما داخلية‪ ،‬تنبع من حسن‬
‫اختيار الشاعر أللفاظه وإجادته توظيفها في سياقاتها‪ ،‬وتمثل روح الشاعر وبراعته‪.‬‬

‫‪ -1‬الموسيقى الخارجية ‪:‬‬


‫(أ) الوزن الشعري‪ :‬يمثل الوزن أهمية كبيرة في لغة العرب الشاعرة‪ ،‬بل يُع ُّقد عنصراً رئيسا ً‬
‫من عناصر الشعر‪ ،‬لذا قال عنه ابن رشيق "هو أعظم أركان حد الشعر وأَوْ الها به خصوصية‪ ،‬وهو‬
‫مشتمل على القافية وجالب لها ضرورة‪ ،‬إال أن تختلف القوافى فيكون ذلك عيبا ً في التقفية ال في‬

‫‪15‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫بين "ريتشاردز" أهمية الوزن في الشعر فقال‪ :‬إن الوزن ينزع إلى زيادة الحيوية في‬ ‫الوزن()‪ .‬وقد َّم‬
‫المشاعر العامة وفي االنتباه()‪.‬‬
‫أما عن أثر الوزن الشعري العربي في نفوس سامعيه يقول د‪ .‬محمد غنيمي هالل‪" :‬كانت‬
‫صياغة الشعر العربي منذ القديم في كالم‪ ،‬ذى توقيع موسيقى‪ ،‬ووحدة في النظم‪ ،‬تشد من أزر‬
‫المعنى‪ ،‬وتجعله ينفذ إلى "قلوب سامعيه ومنشديه‪ ،‬وتوحى بما ال يستطيع القول أن يشرحه"()‪.‬‬
‫أما عن "نكبة دمشق"‪ ،‬فقد اختار لها شوقى بحر الوافر‬
‫مفاعلتن مفاعلتن فعولن‬ ‫مفاعلتن مفاعلتن فعولن‬
‫وعن علَّمة تسميته يقول ابن رشيق "لوفور أجزائه وتداً بوتد"()‪ .‬وهذا البحر من البحور‬
‫األثيرة في شعرنا العربي‪ ،‬حيث يحتل المرتبة الثالثة بعد الطويل والكامل‪ ،‬من حيث كثرة النظم عند‬
‫الشعراء القدامى‪ .‬يقول د‪ .‬إبراهيم أنيس‪" :‬بحر الطويل يجيء في المرتبة األولى‪ ،‬يليه الكامل‪،‬‬
‫فالوافر‪ ،‬فالبسيط"()‪ .‬وقد ربط بعض الدارسين بين موضوع القصيدة والبحر الذي ينظم فيه الشعر‪،‬‬
‫أى بين موقف الشاعر في معانيه وعاطفته‪ ،‬وب ين اإليقاع والوزن اللذين اختارهما للتعبير عن‬
‫موقفه()‪ .‬والحقيقة أن هذه اآلراء يخالفها الصواب؛ ألن الشعراء العرب لم يتخذوا لكل غرض شعري‬
‫بحراً خاصا ً به‪ ،‬والدليل على ذلك تعدد أغراض القصيدة الواحدة‪ ،‬وقد نُظمت في بحر شعري واحد‪.‬‬
‫القافية ‪ :‬للقافية أهمية كبيرة في شعرنا العربي‪ ،‬فهي شريكة الوزن في االختصاص‬
‫بالشعر‪ ،‬وال يكون شعراً حتى يكون له وزن وقافية‪" .‬والقافية من آخر حرف في البيت إلى أول‬
‫ساكن يليه من قبله‪ ،‬مع حركة الحرف الذي قبل الساكن‪ .‬والقافية على هذا المذهب – وهو الصحيح –‬
‫تكون مرة بعض كلمة‪ ،‬ومرة كلمة‪ ،‬ومرة كلمتين"()‪.‬‬
‫وهناك اختالفات كثيرة حول تعريف القافية‪ ،‬حتى أننا نجد من يجعلها آخر حرفين من آخر‬
‫البيت"()‪ ،‬وهناك آراء كثيرةأما عن قافية القصيدة‪ ،‬فإن شوقى قد ُوفَّمق في اختيارها‪ ،‬حيث جاءت ُج َّمل‬
‫أبياته – متمكنة في البيت‪ .‬مثل قوله ‪:‬‬
‫ُعوب عَلى قَناها *** فَ َكيفَ عَلى قَناها تُستَ َر ُّق‬
‫ق‬ ‫ت الش ُ‬ ‫َو ُح ِّمر َر ِ‬
‫ْ‬ ‫فجاءت القافية (تُسترق) يتطلبها معنى البيت‪ ،‬بعد ذكره (ح‬
‫ُرِّصرت) ‪.‬‬
‫وقوله في موضع آخر‪:‬‬
‫ق‬
‫ب عُن ُ‬ ‫صيَ ٍد بَدا لَ َك ِمن َذ ٍ‬
‫ليل *** َكما مالَتْ ِمنَ ال َمصلو ِ‬ ‫َو َك ْم َ‬
‫فجاءت كلمة (عنق) قافية للبيت؛ حيث إن المصلوب ال يميل إال عنقه‪،‬‬

‫صحتُ َونَحنُ ُمختَلِفونَ دا ًرا *** َولَ ِكن ُك ُّقلنا في ال َه ِّمم شَر ُ‬
‫ق‬ ‫نَ َ‬
‫ف َونُط ُ‬
‫ق‬ ‫َويَج َم ُعنا إِذا اختَلَفَت بِال ٌد *** بَيانٌ َغي ُر ُمختَلِ ٍ‬
‫فإن البيان في معناه المراد في البيت‪ ،‬أي اإلفصاح يستلزم االتفاق في النطق في معناه‬

‫‪16‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫والحقيقة إن شوقى قد ُوفِّصق في كثير من معانيه إال أنه في بعض قوافيه‪ ،‬جاءت ألفاظه‬
‫مجلوبة للقافية‪ .‬مثل قوله‪:‬‬
‫ُرس *** بَشائِ ُرهُ بِأَن َدلُ ٍ تَ ُد ُّق‬
‫ق‬ ‫الشام أَعال ٌم َوع ٌ‬
‫ِ‬ ‫لَهُ بِ‬
‫فنجده في عجز البيت‪ ،‬استخدم المبتدأ (بشائره) ثم أتى بخبره – الجملة الفعلية – قافية‬
‫للبيت‪ ،‬وق ّدم الجار والمجرور‪.‬‬
‫وهناك قواف كثيرة‪ ،‬جاءت مجلوبة قسراً على البيت مثل ‪:‬‬
‫ق‬ ‫تاب *** َوأَر ُ‬
‫ض ِك ِمن ُحلى التاري ِ َر ُّق‬ ‫سما ُ ِ ِمن ُحلى الماضي ِك ٌ‬
‫َ‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫لِتَحيا *** َوزالوا دونَ قَو ِم ِه ُم لِيَبقوا‬ ‫فِتيَتُها‬ ‫ماتَ‬ ‫بِال ٌد‬
‫‪ -2‬الموسيقى الداخلية ‪:‬‬
‫تختلف الموسيقى الداخلية عن الخارجية‪ ،‬في أنها ال تحكمها قوانين الوزن والقافية‪ ،‬وتخضع‬
‫لموهبة الشاعر‪ ،‬وقدرته الفنية على الصياغة‪ ،‬واختيار كلمات المعجم الشعري‪ ،‬وتناغمها وتناسقها‬
‫مع الموسيقى الخارجية؛ لتكتمل سيمفونيته "فالقدرات الفنية لدى الفنان أرحب من تحديدها برسوم‬
‫ُمح َّمددة وتعقيدات"()‪.‬‬
‫ومن الموسيقى الداخلية في القصيدة ‪:‬‬
‫‪ -1‬التصريع ‪:‬‬
‫وهو لون من ألوان الصنعة الفنية التي يعمد إليها الشعراء في مطلع قصائدهم‪ .‬ذكره‬
‫القزويني في اإليضاح بقوله‪ " :‬هو جعل العروض مقفاه تقفية ال َّمدرْ ب ‪ .)( "...‬وقال عنه ابن رشيق‪:‬‬
‫"ما كان عروض البيت فيه تابعة لضربهتنقص بنقصه‪ ،‬وتزيد بزيادته"()‬

‫شوقى ‪:‬‬
‫ق‬ ‫صبا بَ َردى أَ َر ُّق‬
‫ق *** َودَم ٌع ال يُ َكف َكفُ يا ِد َمش ُ‬ ‫سال ٌم ِمن َ‬
‫َ‬

‫‪ -2‬الجناس ‪:‬‬
‫هو ضرب من ضروب الصنعة اللفظية في لغتنا العربية‪.،‬تكرار حروف بعينها‪ ،‬تظهر‬
‫براعة المبدع في استخدام موسيقى وقد استخدم شوقى الجناس في شعره‪ ،‬وأجاده إلى حد بعيد‪.‬‬
‫ورق) في عجز‬
‫ومن الجناس الناقص في القصيدة كلمتى (أوراق – ْ‬

‫ق‬ ‫َوتَحتَ ِجنانِ ِك األَنها ُر تَجري *** َو ِمل ُء ُربا ِ أَورا ٌ‬


‫ق َو ُو ْر ُ‬

‫‪17‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫فقد جانس بين (توالت – والولى) وهو جناس ناقص‪.‬‬


‫ق‬‫ش ُّق‬
‫مع ال َولِ ِّمي بِما يَ ُ‬
‫س ِ‬‫لَحاها هللاُ أَنبا ًء تَوالَتْ *** عَلى َ‬
‫وأيضا ً جاء الجناس الناقص في موضع آخر مثل ‪:‬‬
‫صحتُ َونَحنُ ُمختَلِفونَ دا ًرا *** َولَ ِكن ُك ُّقلنا في ال َه ِّمم شَر ُ‬
‫ق‬ ‫نَ َ‬
‫جاء الجناس ناقصا ً بين كلمتي (لكن – كلنا)‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ق‬
‫ق َوال يُ ِح ُّق‬
‫الحقو َ‬
‫ضحايا *** َوال يُدني ُ‬ ‫َوال يَبني ال َممالِ َك َكال َ‬
‫ق) ‪.‬‬
‫فقد جانس بين الفعلين (يبنى – يدنى)(الحقوق – يح ُّق‬
‫التكرار ‪:‬‬
‫تقنية صوتية‪ ،‬يُعتمد عليها في موسيقى اللفظ‪ ،‬حيث يعمد الشاعر إلى تكرار حرف معين‪ ،‬أو‬
‫كلمة معينة‪ ،‬أو جملة‪.‬‬
‫والتكرار في القصيدة‪ ،‬جاء بتكرار حروف‪ ،‬وتكرار كلمات بعينها‪ .‬فتكرار الحروف‪ ،‬نجده‬
‫في تكرار حرف الرَّموى (القاف) في القصيدة كلها‪.‬‬
‫ق – طل ٌ‬
‫ق ‪)...‬‬ ‫ق – ع ْم ُ‬ ‫ق – خ ْف ُ‬
‫ق – يد ُّق‬
‫مثل (دمش ُ‬
‫وقد استخدم شوقى "حروفا ً بعينها بكثافة عالية ووزعها‪ ،‬توزيعا ً منسجما ً داخل القصيدة‪ ،‬مثل‬
‫حرف الراء (معذرة – اليراعة – الرزء – األنهار – تجرى – رباك – أوراق – ورق – رواة –‬
‫يرويه ‪ )...‬وكذلك حرف القاف على سبيل المثال فضالً عن استخدامه رويا ً للقافية مثل (ائتالف –‬
‫القسمات – قيل – قناها – ورقاء – ورق – يسقى ‪ -‬دمشق – شرق ‪.)...‬‬
‫وأيضا ً تكرار حرف الالم بكثافة بلغت خمس مرات أحيانا ً في البيت الواحد مثل ‪:‬‬
‫ت طَل ُ‬
‫ق‬ ‫سما ِ‬‫ضاح ُك القَ َ‬‫ِ‬ ‫ق *** َو َوج ُه ِك‬ ‫د ََخلت ُِك َواألَصي ُل لَهُ اِئتِال ٌ‬
‫ق‬
‫ش ُّق‬
‫مع ال َولِ ِّمي بِما يَ ُ‬
‫س ِ‬‫لَحاها هللاُ أَنبا ًء تَوالَتْ *** عَلى َ‬
‫ق‬
‫اآلفاق بَر ُ‬
‫ِ‬ ‫صلُها إِلى الدُنيا بَري ٌد *** َويُج ِملُها إِلى‬ ‫يُفَ ِّم‬
‫َوقي َل َمعالِ ُم التاري ِ ُد َّككتْ *** َوقي َل أَصابَها تَلَفٌ َو َحر ُ‬
‫ق‬
‫ومن تكرار الكلمات ذات المعنى الواحد قوله ‪:‬‬
‫بَني سو ِريَّكةَ اطَّك ِرحوا األَماني *** َوألقوا عَن ُك ُم األحال َم ألقوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ومنها تكرار كلمة (أحق) الذي أكد بها شدة التحسر واأللم‬

‫أَ َح ُّق‬
‫ق‬ ‫أَنَّكها َد َر َ‬
‫ست‬ ‫يح ِك ما دَهاها *** أَ َح ٌّق‬
‫ق‬ ‫ُربا ُ الخل ِد َو َ‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫ُعوب عَلى قَناها *** فَ َكيفَ عَلى قَناها تُستَ َر ُّق‬
‫ق‬ ‫ت الش ُ‬ ‫َو ُح ِّمر َر ِ‬
‫وقوله مؤكداً هول الموقف وبشاعة الدمار‪:‬‬
‫ق *** عَلى َجنَباتِ ِه َواس َو َّكد أُف ُ‬
‫ق‬ ‫الحدي ُد اح َم َّكر أُف ٌ‬
‫َ‬ ‫صفَ‬‫إِذا َع َ‬
‫الخاتمة‬

‫‪18‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫جاءت قراءة القصيدة من جوانب ع َّمدة‪ ،‬منها اللفظ الشعري‪ ،‬وكيف استخدمه "شوقي" وأجاد‬
‫توظيفهقدرات لغوية تراثية‪ ،‬وكذا استعماله بعض األلفاظ العصرية الحديثة‪ ،‬وإبداعه في صياغتها‪،‬‬
‫ودقته في اختيار ألفاظ بعينها‪ ،‬ووضعها في سياقاتها من النص‪ .‬ثم تناولت الجانب األسلوبي وكيف‬
‫استعمل شوقي أساليبه ؟ وذكرت أن األساليب معظمها خبرية‪ ،‬تناسب الحدث واألجواء الحماسية‬
‫للقصيدة‪ ،‬وتعبر عن مشاعره القومية‪ ،‬تجاه دمشق وما أصابها على يد المستعمر‪ .‬وجاءت أساليب‬
‫ذكرت بعضا ً منها على سبيل‬ ‫ُ‬ ‫اإلنشاء من أمر ونداء‪ ،‬واستفهام ‪ ...‬بنسبة ضئيلة جداً في القصيدة‪،‬‬
‫المثال ال الحصروتناولت القراءة التصويرية وأثرها في بناء النص‪ ،‬واستخدام " شوقي" الخيال‬
‫الجزئي من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز؛ لتكتمل الصورة الكلية لرؤيته الفنية في القصيدة‪ ،‬ثم‬
‫ت القراءة بالحديث عن موسيقى القصيدة (الخارجية والداخلية) فجاءت الموسيقى الخارجية‬ ‫خت ْم ُ‬
‫متمثلة في الوزن الشعري والقافية‪ .‬وجاءت الموسيقى الداخلية معبرةً عن عبقرية " شوقي" وقد‬
‫اخترت نماذج لتعبر عنها – على سبيل المثال ال الحصر‪ -‬؛ لتكتمل بذلك معزوفته الفنية‪.‬‬
‫ويجدر بي أن أقول‪ :‬إنه من طبيعة القراءة أنها ال تنتصر لرأي على آخر‪ ،‬أو أن تفضِّص ل قراءة‬
‫على أخرى‪ ،‬ولكن تظل القراءة تخضع لرؤى أصحابها‪ ،‬ومن طبيعة القراءة ونظريتها أن تسمح‬
‫بالتعددية‪ ،‬وتنأى عن أحادية النظرة‪ ،‬بل كل قراءة تضيف – بال شك – إلى العمل‪ ،‬ويظل العمل الفني‬
‫معينا ً ال ينضب‪ ،‬تنهل منه األجيال على مر العصور‪.‬‬
‫وهللا أسأل العون والسداد‬

‫‪19‬‬
‫العدد السادس عشر لسنة ‪ __ 2015‬الجزء الثالث‬

‫‪20‬‬

You might also like