You are on page 1of 26

‫املحاضرة الرابعة‬

‫املعجزات في السنة النبوية‬


‫معنى املعجزة واملصطلحات ذات الصلة بها‬
‫• املعجزة هي‪ :‬أمر خارق للعادة يجريه هللا تعالى على يد مدعي النبوة لتكون دليال على صدقه‬
‫وحجة على قومه‪.‬‬
‫• ول‪33‬م يرد هذا املص‪33‬طلح ف‪33‬ي ن‪33‬ص م‪33‬ن نص‪33‬وص القرآ‪33‬ن الكري‪33‬م والحدي‪33‬ث النبوي‪ ،‬إنم‪33‬ا جاءت‬
‫فيهما ألفاظ‪ :‬اآلية‪ ،‬والدليل‪ ،‬والبرهان‪ ،‬والبينة‪ ،‬ينظر على سبيل املثال اآليات التالية‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ [القمر‪]٢ :‬‬
‫ﱡﭐﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﱠ‬
‫[القصص‪]٣٢ :‬‬
‫ﱡﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﱠ [النساء‪]١٧٤ :‬‬
‫• وقال علي‪3‬ه الص‪3‬الة والس‪33‬الم‪َ (( :‬م ا م َن اأْل َ ْنب َياء م ْن َنب ّي إاَّل َقد ُا ْعط َي م َن اآْل َيات َم ا م ْث ُلهُ‬
‫َّ َ َ َّ ِ ُ ُ ِ ِ ْ ِ َ َِ ٍ ِ ُ َِ َ ِ َ ُ ِ َ ْ َ ُ ِ َ َ ْ َ ُِ‬
‫َآم َن َع َل ْيه ْال َب َش ُر‪َ ،‬وإن َم ا كان الذي أوتيت َوح ًي ا أ ْوح ى هللا إل َّي ‪ ،‬فأ ْرج و أن أكون أكث َرهمْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ً َ ْ َِ ْ َ َ ِ‬
‫)‪(7‬‬
‫ت ِابعا يوم ال ِقيام ِة))‬
‫• ولم يستخدم كبار األئمة لهذا املعنى إال لفظ دالئل النبوة وآيات النبوة‪ ،‬أما لفظ املعجزة‬
‫فهي من صنيع املتكلمين ولها شروط خاصة‪ ،‬فكل‪ 3‬معجزة عندهم آية وبينة وبرهان وال‬
‫عكس‪.‬‬
‫شروط املعجزة‬
‫• وللمعجزة شروط خمسة كلها متفق عليها ما عدا شرطا واحدا‪.‬‬
‫• أما الشروط املتفق عليها هي‪ :‬كونها خارقة للعادة‪ ،‬وظاهرة عليى يد نبي‪ ،‬مؤيدة لدعواه‪،‬‬
‫وعجز البشر عن اإلتيان بمثلها‪.‬‬
‫• وأما الشرط املختلف فيه هو اقتران املعجزة بالتحدي‪.‬‬
‫• وزاد بعضهم شرط التواتر بالنسبة للقرآن‪ ،‬ومنهم من خصص للقرآن شرطين فقط هما‬
‫وجود التحدي‪ ،‬وعجز البشر عن املعارضة باإلتيان بمثله مع وجود املقتضي وعدم املانع‬
‫من املعارضة‬
‫تقسيمات املعجزات‬
‫• املعجزات بالنظر إلى خاصية من خواصها تقس‪3‬يمات شتى عند العلماء‪.‬‬
‫• فمنه‪33‬م م‪33‬ن قس‪33‬مها إل‪33‬ى مشهورة منقرض‪33‬ة كمعجزات س‪33‬ائر األن‪33‬بياء عليه‪33‬م الص‪33‬الة والسالم ومتواترة‬
‫باقية كالقرآن‪.‬‬
‫• ومنه‪3‬م م‪3‬ن قس‪3‬مها إل‪3‬ى معنوي‪3‬ة – وال مثال له‪3‬ا س‪3‬وى القرآ‪3‬ن – وحس‪3‬ية‪ ،‬والحس‪3‬ية منقس‪3‬مة أيض‪3‬ا إلى‬
‫س‪33‬ماوية وذل‪33‬ك كانشقاق القم‪33‬ر‪ ،‬وأرضي‪33‬ة‪ ،‬واألرضي‪33‬ة منقس‪33‬مة أيض‪33‬ا إل‪33‬ى م‪33‬ا يتعل‪33‬ق باإلنسان كدعاء‬
‫الن‪33‬بي ص‪33‬لى هللا ‪ 3‬علي‪33‬ه وس‪33‬لم لبع‪33‬ض الص‪33‬حابة بالشفاء والفق‪33‬ه ف‪33‬ي الدي‪33‬ن‪ ،‬وم‪33‬ا يتعلق بالحيوانات‬
‫كجمل جابر رضي هللا عنه‪ ،‬وما يتعلق بالجمادات كتكثير الطعام واملياه‪ ،‬واإلخبار بالغيبيات وسيأتي‬
‫تفصيلها‪.‬‬
‫• ومنه‪3‬م م‪3‬ن قس‪3‬مها إل‪3‬ى متحدى به‪3‬ا فعال كالقرآ‪3‬ن ومتحدى به‪3‬ا إمكان‪3‬ا وقوة كس‪3‬ائر معجزات الن‪3‬بي صلى‬
‫هللا عليه وسلم الحسية‪.‬‬
‫• ومنهم من قسمها إلى متواترة مكفرة وآحادية مفسقة‪.‬‬
‫• ومنه‪33‬م م‪33‬ن قس‪33‬مها إل‪33‬ى جاري‪33‬ة عل‪33‬ى س‪33‬نن هللا‪ 3‬الروحاني‪33‬ة كبع‪33‬ض معجزات عيسى علي‪33‬ه الس‪33‬الم‪ ،‬وغير‬
‫جارية على سنن هللا الكونية كاآليات التسع ملوسى عليه السالم‪.‬‬
‫• واملعجزة م‪3‬ع كونه‪3‬ا آي‪3‬ة لص‪3‬دق الرس‪3‬ول فه‪3‬ي عام‪3‬ل لزيادة اإليمان‪ ،‬وآي‪3‬ة م‪3‬ن رحم‪3‬ة هللا‪ 3‬بأم‪3‬ة محم‪3‬د صلى‬
‫هللا‪ 3‬علي‪33‬ه وس‪33‬لم وتكريم‪33‬ا له‪33‬م ويشم‪33‬ل هذا الخي‪33‬ر كال النوعي‪33‬ن م‪33‬ن املعجزات‪ :‬املعنوي‪33‬ة والحس‪33‬ية‪ ،‬ففي‬
‫القرآن يقول جل وعال‪:‬‬
‫• ﱡﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ [األنفال‪.]٢ :‬‬
‫• وحوادث كتكثي‪3‬ر الطعام واملياه ف‪3‬ي الغزوات وغيره‪3‬ا املروي‪3‬ة ف‪3‬ي األحادي‪3‬ث الص‪3‬حيحة م‪3‬ا ه‪3‬ي إال دلي‪3‬ل رحمة‬
‫وتكريم من هللا ألمة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫اإلعجاز الغيبي في السنة النبوية‬
‫• سبق أن قلنا أن من العلماء من قسم املعجزات إلى سماوية وأرضية‪ ،‬وأن املعجزات‬
‫األرضية منقسمة إلى أنواع وذ‪3‬لك بالنظر إلى تعلقاتها ومن هذه األنواع ما يسمى باملعجزة‬
‫الغيبية أو اإلعجاز الغيبي‪،‬‬
‫• واملراد به إخباره صلى هللا عليه وسلم بأمر في األرض يعد من الغيبيات‪،‬‬
‫• وقد يكون حادثا في الزمن املاضي كإخباره عن اإلمم السابقة‪.‬‬
‫• أو في زمانه عليه الصالة والسالم ولكنه لم يقع وقت إخباره أو وقع ولكنه في منطقة بعيدة منه‬
‫كإخباره بهزيمة الفرس على يد الروم ووصفه عن بيت املقدس عند سؤال قومه عنه‪.‬‬
‫• أو يكون ما أخبر به حوادث ستحدث في املستقبل كأخبار الفتن وعالمات القيامة الكبرى‪.‬‬
‫اإلعجاز العلمي‬
‫• ه‪3‬و إخبار القرآ‪3‬ن الكري‪3‬م أ‪3‬و الس‪3‬نة النبوي‪3‬ة بحقيق‪3‬ة أثبته‪3‬ا العل‪3‬م التجري‪3‬بي وثب‪3‬ت عدم إمكانية‬
‫إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫• وه‪33‬و غي‪33‬ر التفس‪33‬ير العلم‪33‬ي أل‪33‬ن التفس‪33‬ير العلم‪33‬ي ه‪33‬و الكش‪33‬ف ع‪33‬ن معان‪33‬ي اآلي‪33‬ة أ‪33‬و الحدي‪33‬ث في‬
‫ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية‪.‬‬
‫أهم القواعد املتعلقة بأبحاث اإلعجاز العلمي في السنة النبوية‬
‫ألبحاث اإلعجاز العلمي قواعد وضوابط كثيرة ومن أهمها ما يلي‪:‬‬
‫• القاعدة األولى‪ :‬ثبوت الحدي‪3‬ث وداللت‪3‬ه وفق‪3‬ا للقواع‪3‬د املتب‪3‬ع عن‪3‬د املحدثي‪3‬ن ف‪3‬ي الحك‪3‬م على‬
‫الحدي ‪33‬ث بالص ‪33‬حة أ ‪33‬و الضع ‪33‬ف‪ ،‬والقواع ‪33‬د املتب ‪33‬ع عن ‪33‬د األص ‪33‬وليين ف ‪33‬ي اس ‪33‬تنباط الحكم‬
‫واالستدالل من النص‪.‬‬
‫• القاعدة الثانية‪ :‬ثبوت الحقيق‪33‬ة العلمي‪33‬ة وذل‪33‬ك م‪33‬ن خالل التجرب‪33‬ة العلمي‪33‬ة الت‪33‬ي قام بها‬
‫علماء متخصصون في املجال العلمي‪.‬‬
‫• القاعدة الثالثة‪ :‬وجود التواف‪3‬ق بي‪3‬ن دالل‪3‬ة الحدي‪3‬ث النبوي املس‪3‬تنبطة بالقواع‪3‬د الصحيحة‬
‫والحقيقة العلمية املثبتة بالتجربة الصحيحة بدون أي تكلف في الجانب اللغوي‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬عجب الذنب‬
‫• ع‪3‬ن أ‪3‬بي هريرة ضي هللا عن‪3‬ه أ‪3‬ن س‪3‬ول هللا ص‪3‬لى هللا علي‪3‬ه وس‪3‬لم قال‪ُ « :‬ك ُّل ْابن َآد َم َي ْأ ُك ُلهُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُر‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫اَّل ر‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫التراب‪ِ ،‬إ عجب الذن ِب ِمنه خ ِلق و ِف ِيه يركب »‬
‫• وعج‪3‬ب الذن‪3‬ب عظ‪3‬م لطي‪3‬ف ف‪3‬ي أس‪3‬فل الص‪3‬لب عن‪3‬د العج‪3‬ز وه‪3‬و العس‪3‬يب عن‪3‬د الدواب‪ ،‬وهو‬
‫رأس العصعص‪ ،‬ومكان رأس الذنب من ذوات األربع‪.‬‬
‫• وظاهر الحديث يدل على أن عجب الذنب ال يبلى‪.‬‬
‫• وم‪3‬ن العلماء م‪3‬ن يرى أ‪3‬ن عج‪3‬ب الذن‪3‬ب يبل‪3‬ى أيض‪3‬ا واملراد م‪3‬ن الحدي‪3‬ث أن‪3‬ه يبق‪3‬ى طويال بعد‬
‫فناء سائر الجس‪3‬د ثم يفنى‪ ،‬وهذا املعنى الثاني وإن كان خالف الظاهر‪ ،‬إال أنه قد دل عليه‬
‫عموم قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱠ [الرحمن‪.]٢٧ – ٢٦ :‬‬
‫• ويوج‪3‬ه الحدي‪3‬ث عن‪3‬د م‪3‬ن ذه‪3‬ب إلى املعن‪3‬ى الثاني أ‪3‬ن ((إال)) ف‪3‬ي الحديث ال تفيد االس‪3‬تثناء بل‬
‫تفيد العطف مثل الواو‪ ،‬ويكون معنى الحديث‪ :‬يفنى من اإلنسان كل شيء وعجب الذنب‪.‬‬
‫• ولك‪3‬ن يرد هذا التوجي‪3‬ه م‪3‬ا ف‪3‬ي رواي‪3‬ة همام عن‪3‬د مس‪3‬لم م‪3‬ن التص‪3‬ريح بأ‪3‬ن األرض ال تأكل‪3‬ه أي‬
‫عج‪33‬ب الذن‪33‬ب‪ ،‬وكذل‪33‬ك مفهوم رواي‪33‬ة األعرج عن‪33‬د الشيخي‪33‬ن بأن‪33‬ه يبق‪33‬ى حي‪33‬ث يرك‪33‬ب منه‬
‫املخلوق يوم القيامة بعد فنائه‪.‬‬
‫• وظاه‪3‬ر الحدي‪3‬ث أيض‪3‬ا يدل عل‪3‬ى أ‪3‬ن جس‪3‬د اإلنس‪3‬ان يبل‪3‬ى‪ ،‬ويرى بع‪3‬ض العلماء أ‪3‬ن هذا النص‬
‫عام مخصوص بأجساد األنبياء والشهداء واملؤذن املحتسب‪ ،‬فإنها ال تبلى أيضا‪.‬‬
‫• ويأت‪33‬ي الحدي‪33‬ث ع‪33‬ن عج‪33‬ب الذن‪33‬ب ف‪33‬ي س‪33‬ياق الكالم ع‪33‬ن النف‪33‬خ ف‪33‬ي الص‪33‬ور‪ ،‬والبعث‪ ،‬وفناء‬
‫اإلنس‪33‬ان‪ ،‬ويظه‪33‬ر هذا األم‪33‬ر جلي‪33‬ا بالنظ‪33‬ر إل‪33‬ى ص‪33‬نيع األئم‪33‬ة عندم‪33‬ا ترجموا لهذا الحدي‪33‬ث في‬
‫كتبه‪3‬م‪ ،‬فق‪3‬د أخرج‪3‬ه البخاري ف‪3‬ي تفس‪3‬ير اآلي‪3‬ة الثامن‪3‬ة عشرة م‪3‬ن س‪3‬ورة النباء‪ ،‬ومس‪3‬لم في كتاب‬
‫الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬وأبو داود في البعث والصور‪ ،‬وابن ماجه في ذكر القبر والبلي‪.،‬‬
‫• ويفه‪3‬م م‪3‬ن هذا أ‪33‬ن بقاء عج‪3‬ب الذن‪33‬ب إنم‪33‬ا يدل عليه‪33‬ا ظاه‪33‬ر الن‪3‬ص الذي يحتم‪33‬ل أيض‪3‬ا معنى‬
‫آخ‪3‬ر كم‪3‬ا تقدم‪ ،‬بينم‪3‬ا الحدي‪3‬ث ذات‪3‬ه ن‪3‬ص ف‪3‬ي النفختي‪3‬ن والبع‪3‬ث بع‪3‬د املوت‪ ،‬وه‪3‬و أمر ال خالف‬
‫ْ‬
‫فيه‪ ،‬فالنص إذن في استدالله على بقاء عجب الذنب ظني ثبوتا وداللة‪.‬‬
‫• وف‪33‬ي مجال عل‪33‬م األجن‪33‬ة اكتش‪33‬ف م‪33‬ا يس‪33‬مى بمح‪33‬ث الجنيني‪33‬ة (‪ )Embryonic induction‬وهو‬
‫عبارة ع‪33‬ن شري‪33‬ط أول‪33‬ي ال يبل‪33‬ى ويرك‪33‬ب من‪33‬ه الجني‪33‬ن‪ ،‬وق‪33‬د نال مكتشف‪33‬ه د‪ .‬هان‪33‬س سبيمان‬
‫(‪ )Hans Spemann‬عل‪33‬ى جائزة نوب‪33‬ل عام ‪ 1935‬ميالدية‪ .‬والكثي‪33‬ر م‪33‬ن باحث‪33‬ي اإلعجاز العلمي‬
‫يصرح بأن هذا يشبه تماما بعجب الذنب الوارد في الحديث السابق‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬وقوع الذباب في اإلناء‬
‫ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ ُّ‬
‫الذ َبابُ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ُ ُ َ َ َّ ُّ َ َّ‬
‫ض ْي الله عن ُه‪ ،‬ي ْقول‪ :‬ق َال الن ِبي صلى هللا علي ِه وسل ُم‪«ِ :‬إذا وقع‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ة‬‫ر‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫عن‬ ‫•‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ََ َْ َ ً َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب أح ِدكم فليغ ِمسه ثم ِلين ِزعه‪ ،‬ف ِإن ِفي ِإحدى جناحي ِه داء واألخرى ِشفاء»‬ ‫ِفي شر ِ‬
‫• قول‪33‬ه‪( :‬الذباب) نوع م‪33‬ن الحشرات‪ ،‬ولف‪33‬ظ ذباب مفرد‪ 3‬جمع‪33‬ه أذبة وذبان‪ ،‬ويقال مفرده‬
‫ذباب‪33‬ة‪ ،‬وس‪33‬مي ذباب‪33‬ا لكثرة حركت‪33‬ه واضطراب‪33‬ه‪ ،‬وقول‪33‬ه‪( :‬شراب أحدكم) ويدخ‪33‬ل ف‪33‬ي معنى‬
‫الشراب جمي ‪33‬ع املائعات‪ ،‬وف ‪33‬ي رواي ‪33‬ة إس ‪33‬ماعيل ب ‪33‬ن جعف ‪33‬ر عن ‪33‬د البخاري (إناء أحدكم)‬
‫فيدخ‪3‬ل في‪3‬ه أيض‪3‬ا م‪3‬ا يوض‪3‬ع ف‪3‬ي اإلناء م‪3‬ن الطعام‪ ،‬وهذا املفهوم ق‪3‬د جاء ص‪3‬ريحا ف‪3‬ي حديث‬
‫أبي سعيد الخدر‪3‬ي رضي هللا عنه كما عند اإلمام أحمد (‪ ،17/284‬رقم‪ )11189 :‬عن النبي‬
‫ص‪3‬لى هللا‪ 3‬علي‪3‬ه وس‪3‬لم‪ (( :‬إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه )) وإس‪3‬ناده صحيح ‪،‬‬
‫قول‪33‬ه‪( :‬فليغمسه) األم‪33‬ر في‪33‬ه إرشادي حي‪33‬ث قوب‪33‬ل في‪33‬ه الداء بالدواء‪ ،‬وف‪33‬ي رواي‪33‬ة إسماعيل‬
‫ب‪33‬ن جعف‪33‬ر زيادة لف‪33‬ظ (كله) بع‪33‬د قول‪33‬ه فليغمس‪33‬ه وه‪33‬ي تفي‪33‬د رف‪33‬ع توه‪33‬م املجاز في االكتفاء‬
‫بغمس بعضه فقط‪.‬‬
‫• وظاهر الحديث يدل على عدم تضرر املاء والطعام بوقوع الذباب فيه إذا تم غمسه كليا‬
‫وثم طرحه بعده‪.‬‬
‫• وعلة ذلك كما ذكر في الحديث حمل الذباب في إحدى جناحية من الشفاء‪.‬‬
‫• واستنبط الفقهاء من مفهوم الحديث أحكاما منها عدم إباحة أكل الذباب ألن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم أمر بطرحه بعد غمسه في املاء)‪ ،(29‬وأن قليل‪ 3‬املاء ال ينجس بوقوع ما‬
‫ليس له نفس سائلة كالذباب‪.‬‬
‫• ومن العلماء من يقول بأن ما يعم وقوعه في املاء كالذباب والبعوض ال ينجس‪3‬ه بخالف ما‬
‫ال يعم وقوعه في املاء كالعقارب‪.‬‬
‫• واستشكل ابن دقيق العيد إلحاق غير الذباب به في الحكم ألن علة الحكم في نظره قاصرة‬
‫في الذباب فقط وهي عموم البلوى به وأن في إحدى جناحيه داء وفي األخرى شفاء)‪.(30‬‬
‫• ويظهر مما سبق أن معظم األحكام الفقهية املستنبطة من الحديث إنما تستنبط من‬
‫مفهومه‪ ،‬وأن عدم تضرر الشراب أو الطعام بوقوع الذباب فيهما – وهو يتضمن فائدة‬
‫طبية – يؤخذ من ظاهر الحديث‪،‬‬
‫• فلذلك قال أبو الطيب الطبري‪ :‬لم يقصد النبي صلى هللا عليه وسلم بهذا الحديث بيان‬
‫النجاسة والطهارة وإنما قصد بيان التداوي من ضرر الذباب‪ ،‬وتعقبه الحافظ ابن حجر‬
‫بقوله‪ :‬وهو كالم صحيح إال أنه ال يمنع أن يستنبط منه حكم آخر‪.‬‬
‫• قال الباحث‪ :‬فمما سبق يفهم سر إخراج اإلمام البخاري للحديث في موضعين من‬
‫صحيحه األول في بدء الخلق‪ ،‬والثاني في الطب‪ ،‬ويبدو لي أن الحديث سيق في بيان املخرج‬
‫مما يعم به البلوى من الحشرات الضارة وهو مثل حالة الطوارئ عند حدوث شيء متكرر‬
‫يشق التجنب منه‪ ،‬وأنه ال حاجة إلراقة الشراب أو إلقاء الطعام في مرمى القمامات‬
‫فيؤدي ذلك إلى إتالف األموال والتبذير املمقوت إذا سقط فيه هذا النوع من الحشرات‬
‫وخاصة في بيئة يعز فيها الحصول على الطعام واملاء‪ ،‬وترتفع نسبة الفقراء املساكين‬
‫فتنكسر قلوبهم برؤية األطعمة امللقاة في املزبالت وهم في أمس حاجة إليها‪.‬‬
‫• أما معنى الداء والشفاء في جناحي الذباب ففيه اتجاهان عند العلماء‪،‬‬
‫• األول حمله على الظاهر‪،‬‬
‫• والثاني يؤول الداء إلى معنى آخر وهو ما يحدث في نفس اآلكل من التفرز والتقدر للطعام إذا وقع‬
‫فيه الذباب‪ ،‬والدواء رفع التفرز والتكبر بغمسه كله في الطعام وقلة املباالة بوقعه فيه‪ ،‬ورد‬
‫بعضهم هذا التأويل ووصفه بالتكلف في تحميل النص ما ال تحمله‪.‬‬
‫• أثبت الدراسات العلمية بأن الذباب وخاصة الذباب املنزلي ناقل للعديد من الجراثيم‬
‫املرضية مثل البكتريا والفطريات والطفيالت والفايروسات بين اإلنس‪3‬ان والحيوان‪ ،‬وكتب‬
‫في ذلك أبحاث كثيرة‪.‬‬
‫• وبجانب ذلك كتب العديد من الباحثين املسلمين في فوائد الذباب طبيا‪ ،‬ويقال أن في‬
‫الذباب فيروس يسمى بـ البكتريوفاج (‪ )bacteriophage‬وهذا الفيروس قاتل لجراثيم‬
‫معينة مسببة لبعض األمراض‪ ،‬وأنه قد استخدم الذباب في مرحلة معينة من الزمن‬
‫لغرض العالج من القرحات املزمنة‪.‬‬
‫• وأيا كانت النتائج الحاصلة من الدراسات واألبحاث العلمية الحديثة‪ ،‬فإنها قد أكدت‬
‫وجود السم وضده في الذباب وهو ما صرح به الحديث النبوي قبل أربعة عشر قرنا‪،‬‬
‫وهناك أمور يجب التنبه بها وهي أن الحديث السابق لم يدع أحدا إلى صيد الذباب‬
‫ووضعه في عنوة في اإلناء‪ ،‬ولم يشجع على ترك اآلنية مكش‪3‬وفة‪ ،‬ولم يشجع على اإلهمال‬
‫في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية املنازل من دخول الذباب إليها‪ ،‬وال يجبر أحدا‬
‫اشمأزت نفسه عن تناول ما في إنائه بعد وقوع الذباب فيه على تناوله‪ ،‬وال يمنع مقاومة‬
‫الذباب وإبادته ألجل صحة الشعب‪ ،‬وال يتبادر إلى ذهن أحد من علماء الدين أن الحديث‬
‫يدعو إلى إقامة مزارع للذباب التهاون في محاربته‪.‬‬
‫النموذج الثالث‪ :‬املدة اكتمال الجنين‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ َ ْ مْل َ ّ ّ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ ُ َ َّ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫•‬
‫ود – اًلرضي هللا‬ ‫س َع َ ٍ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬‫ل‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ام‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫الز‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ظ ب َغ ْيره‪َ ،‬فأتى َر ُج منْ‬ ‫َ ُ ُ َّ ُّ َ ْ َ َ َ ْ ّ َ َّ ُ َ ْ ُ َ‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫يد‬ ‫ع‬ ‫الس‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫الش‬ ‫‪:‬‬ ‫َعنه – يقول‬
‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ُ َ ُ َ ُ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫هللا‬ ‫ضي‬ ‫ر‬ ‫–‬ ‫ُّ‬
‫ي‬ ‫ار‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫يد‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ح‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫هللا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َلهُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‪َ :‬وك ْيف َيشقى َر ُج ٌل بغ ْير َع َمل؟ فق َ‬ ‫ود فق َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫عنه – ِ َف َح َّد َثه بذلك م ْن ق ْول ْابن َم ْسعُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َ َِ َ ِّ ِ ُ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫هللا َعل ْي ِه َو َسل َم‪َ ،‬يقو ُل‪ (( :‬إذا َمرَّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫صلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫الر ُج ُل‪َ :‬أ َت ْع َج ُب م ْن ذلك؟ فإني َسم ْعت َر ُسو َل هللا َ‬ ‫َّ‬
‫ص َر َها ِ َوج ْل َدهاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ َ ِ َ َ َ ً ِ ِ‬
‫ص َّو َرها َوخلق َس ْم َع َها َو َب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫هللا إل ْي َها َملكا‪ ،‬ف َ‬ ‫الن ْط َفة ث ْن َتان َوأ ْرب ُعون ل ْيلة‪ ،‬ب َعث ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ب‬
‫ُّ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ مْل َ َ ُ ُ َِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬يا َر ِب أذك ٌر أم أنثى؟ ف مْلي َق ِضي ُ َربك ما شاء‪ ،‬ويكت ُب ا َ لك‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولحم َها و ِعظام َها‪ ،‬ث َّم ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ُل َ َ ّ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُل َ ُّ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َّ َ ُ ُل َ َ ّ ْز ُ َ ْ‬
‫ضي‬ ‫ب ِر َ َقه َ‪ ،‬ف ُيق َ ِ َ اَل‬ ‫َي ُّق َو َ‪ :‬يا َ ر َِب أ َ َج ْل ُه‪ ُ ،‬فيمْل َق َو ُ رُب َّك َ ْما ُ ُش مْلاء َ َ‪ُ ،‬ويكتب َّ ا ل َك‪ ،‬ثم َ يقو َ‪:‬اَل يا َ ر ُِ‬
‫ربك ما شاء‪ ،‬ويكتب ا لك‪ ،‬ثم يخرج ا لك ِبالص ِحيف ِة ِفي ي ِد ِه‪ ،‬ف ي ِزيد على ما أ ِمر و‬
‫ُ‬ ‫َُْ‬
‫ينقص ))‪.‬‬
‫• قوله‪( :‬النطفة) قال ابن فارس‪ :‬النون والطاء والفاء أصالن أحدهما جنس من الحلي‬
‫اَل‬ ‫نطوف‪:‬‬ ‫وليلة‬ ‫الصافي‪،‬‬ ‫املاء‬ ‫النطفة‪:‬‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫فيه‪..‬‬ ‫ويتوسع‬ ‫يستعار‬ ‫ثم‬ ‫وبلل‪،‬‬ ‫ندوة‬ ‫واآلخر‬
‫وقال ُابن األثير تحت مادة ((نطف))‪ ْ :‬فيه اَل«‬ ‫َ‬ ‫‪،...‬‬ ‫ق‬‫حتى الصباح‪ُ ،‬والنطاف‪ :‬العر‬ ‫مطرت‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ إْل‬
‫الشرك وأهله‪ ،‬حتى ي ِسير الر ِاكب بين النطفتي ِن‬ ‫ي ْزال ا ِ َس م ي ِزيد وأهله‪ ،‬وينقص ِ‬
‫َيخشى جورا » أراد بالنطفتين بحر املشرق وبحر املغرب‪ ،‬يقال للماء الكثير والقليل‪ :‬نطفة‪،‬‬
‫وهو بالقليل أخص‪ ،‬وفسرها بعض العلماء السابقين باملني‪ ،‬وهي في العلم الحديث عبارة‬
‫عن خلية التكاثر (‪ )gamete‬سواء كانت مؤنثة (‪ )ovum‬أو مذكرة (‪.)sperm‬‬
‫• هذا الحديث حدث به الصحابي الجليل حذيفة بن أسيد الغفاري رضي هللا عنه من أجل‬
‫قضية استشكلت على صحابي آخر وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي هللا عنه‪,‬‬
‫• وهذه القضية هي كتابة شقاء اإلنسان قبل تمكنه من القيام بأي عمل‪ ،‬ومن ذلك يفهم‬
‫سياق الحديث‪.‬‬
‫• ويمكن القول بأن الحديث في أصله نص في بيان أمر من أمور اإليمان بالقضاء والقدر‪،‬‬
‫فلذلك وضعه اإلمام مسلم في كتاب القدر‪ ،‬وفي أثنائه حديث عن مراحل خلق اإلنسان‪،‬‬
‫فلذلك اختلفت أنظار العلماء في توجيه معناه‪ ،‬فمنهم من أجراه على ظاهره‪ ،‬ومنهم من‬
‫أول معناه‪ ،‬وذلك لتناقضه ظاهريا مع حديث عبد هللا بن مسعود املخرج في الصحيحين‬
‫فالحديث ْ‬
‫إذن في االستدالل به في بيان مراحل خلق اإلنسان ظني ثبوتا وداللة‪.‬‬
‫• وظاهره يدل على أن تصوير الجنين وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه يكون في‬
‫مدة األربعين الثانية من عمر الجنين‪.‬‬
‫• وقد أثبت العلم الحديث من خالل دراسات األجنة البشرية بأن مالمح اإلنسان تبدو على‬
‫الجنين في اليوم الثاني واألربعين من عمره‪ ،‬وأنها تكتمل بين األيام األربعين إلى الخامس‬
‫واألربعين من عمر الجنين بتكون األعضاء‪ ،‬ويتم طور إنش‪3‬اء الهيكل العظمي بين اليومين‬
‫الثالث واألربعين والتاسع واألربعين‪ ،‬ويتم طور كساء الهيكل العظمي باللحم بين اليومين‬
‫الخمسين والسادس والخمسين‪ ،‬ويتمايز خالل هذه الفترة كل أعضاء وأجهزة الجسم ما‬
‫عدا غدد التكاثر التي يتم تكوينها من بداية األسبوع التاسع إلى آخر فترة الحمل‪.‬‬
‫• واملالحظ مما سبق أن تصوير الجنين‪ ،‬وخلق سمعه‪ ،‬وبصره‪ ،‬وجلده‪ ،‬وعظامه‪ ،‬ولحمه‪،‬‬
‫وتحديد جنسه‪ ،‬كل ذ‪3‬لك تبدأ بعد مرور األربعين األولى من عمر الجنين‪ ،‬وهو موافق تماما‬
‫لظاهر حديث حذيفة بن أسيد رضي هللا عنه‪.‬‬
‫• وقد أول بعض العلماء حديث حذيفة بن أسيد رضي هللا عنه بتأويالت‬
‫• منها‪ :‬أن امللك يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء‪ ،‬فيجعل بعضها للجلد‪ ،‬بعضها للحم‪،‬‬
‫وبعضها للعظام‪ ،‬فيقدر ذلك كله قبل وجوده‪،‬‬
‫• ومنها‪ :‬يكون خلق ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وجود اللحم والعظام‪،‬‬
‫• ومنها‪ :‬يكون ذلك في بعض األجنة دون بعض‪،‬‬
‫• ومنها‪ :‬أن بعث امللك املذكور إنما هو في األربعين الرابعة أي بعد مضي مائة وعشرين يوما من عمر‬
‫الجنين‪،‬‬
‫• كل هذه التأويالت كما يبدو ملن يتأملها إما بعيدة أو رجم بالغيب ال يساندها أي نص من‬
‫نصوص الوحي‪ ،‬وهي في الحقيقة محاولة للتوفيق بين الحديثين املتعارضين ظاهريا‪،‬‬
‫• وجدير بالذكر أن كال الحديثين ليس قطعيا داللة في بيان مراحل خلق اإلنسان‪ ،‬وكل منهما‬
‫قابل للتأويل وحامل ألكثر من معنى‪ ،‬والنقاش في ذلك تطول وتستغرق صفحات‪ ،‬وهو‬
‫خارج عن نطاق البحث‪.‬‬
‫• ومما يالحظ في حديث حذيفة بن أسيد رضي هللا عنه أنه لم يتعرض لقضية نفخ الروح‬
‫وهو ما ال سبيل إلى معرفته إال بالوحي‪،‬‬
‫• وحديث ابن مسعود وإن كان فيه ذكر لنفخ الروح إال أن النص ليس صريحا في ذلك‬
‫ويحتمل أكثر من معنى‪ ,‬واألحاديث التي تبين وقت نفخ الروح في أسانيدها نظر‪.‬‬
‫• واستنبط القاضي عياض من حديث ابن مسعود أن نفخ الروح في تمام أربعة أشهر‬
‫ودخوله في الخامس‪ ،‬وقال‪ :‬وهذا قد جرب باملشاهدة‪ ،‬وعليه يعول فيما يحتاج إليه من‬
‫األحكام في االستلحاق عند التنازع‪ ،‬وفي وجوب النفقات على حمل املطلقات‪ ،‬وذ‪3‬لك لتيقنه‬
‫بحركة الجنين في الجوف‪.‬‬
‫• قال الباحث‪ :‬مجرد الحركة املشاهدة ببصر إنسان عادي ال يمكن دفع ما أثبت اآلليات‬
‫املعاصرة التي استطاعت مالحظة أمر أدق من مجرد حركة الجنين كنبض القلب‪ ،‬وعدد‬
‫السالمي وغير ذلك‪.‬‬
‫• ومن العلماء من قال بأن النفخ يكون إذا تم عمر الجنين أربعة عشرة شهرا وعشر أيام‪،‬‬
‫وعليه إذا سقط الجنين في مثل هذا العمر غسل وكفن ودفن وصلي عليه على خالف في‬
‫ذلك بين العلماء‪،‬‬
‫• وجنح بعض الفقهاء إلى ضابط آخر وهو تبين الخلقه‬
‫• ومنهم من قال بمضي واحد وثمانين يوما من عمر الجنين استدنادا إلى رواية ضعيفة‪،‬‬
‫وعليه حكموا بانقضاء العدة‪ ،‬وعتق أم الولد إذا سقطت منها جنين تبينت خلقته أو‬
‫مضى عليها من العمر واحد وثمانون يوما‪.‬‬
‫• قال الباحث‪ :‬فإذا كانت خلقة اإلنسان ظاهرة في الجنين قبل مرور ثمانين يوما من عمره‬
‫كما أثبته الطب الحديث وعلم األجنة من خالل اآلليات املعاصرة املتقدمة فال بد من‬
‫إعادة النظر في األحكام املتعلقة بهذا األمر‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

You might also like