You are on page 1of 25

‫حول تربية‬

‫الطفال وتعليم‬
‫الجهال‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫مةِ‬ ‫ل‬
‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫خ‬‫حةِ ال ّ ْ ِ‬
‫شي‬ ‫ما َ‬ ‫س ََ‬ ‫لِ َ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ّ‬ ‫عَبْد ِ الل‬
‫ّ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ِ‬

‫قام بتنسيق المقال ونشره ‪:‬‬


‫د‬
‫قادِرِ أبُوْ َزي ْ ٍ‬
‫ن عَبْد ِ ال َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ما‬ ‫ْ‬
‫سل َ‬‫َ‬
‫ـ عَامَلَهُ اللّـهُ بِلُطْفِهِ الْخَفِيْ‪،‬آمين ـ‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫الحمد لله وحده ‪ ،‬وصلى الله وسلم على من ل نبي بعده محمد وآله وصحبه ومن سار‬
‫على نهجه ‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد كثر السؤال عن استقدام الخادمات والمربيات والمعلمات ‪ ،‬وعملهن داخل البيوت‬
‫‪ ،‬وفي دور التربية والحضانة وروضات الطفال ‪ ،‬كما كثر تناقل ما تفعله الجمعيات من‬
‫اليهود والنصارى والمشركين في بلدهم ‪ ،‬كما في أمريكا ‪ ،‬وبريطانيا ‪ ،‬وأستراليا ‪،‬‬
‫وكندا ‪ ،‬وروسيا ‪ ،‬وهولندا ‪ ،‬والوليات الخرى التي تحاول عمل ما يصرف المسلمين‬
‫عن أصل دينهم ‪ ،‬حيث تحتضن الطفال الذين فقدوا آباءهم أو من يعولهم ‪ ،‬وقد جعلت‬
‫لها مراكز في البلدان النامية ‪ ،‬مثل‪ :‬مصر ‪ ،‬والسودان ‪ ،‬والسلفادور ‪ ،‬وهندوراس ‪،‬‬
‫وكينيا ‪ ،‬وأوغندا ‪ ،‬والفلبين وغيرها ‪ .‬وهكذا الدعاة المنصرون الذين يغزون البلد‬
‫الفقيرة ‪ ،‬وينتهزون حاجة أهلها وعجزهم ‪ ،‬فيفتحون بها مدارس ومعاهد ومستشفيات ‪،‬‬
‫ويحرصون على تنشئة الطفال على أيديهم ‪ ،‬ويتصرفون في المناهج العلمية ‪ ،‬ويربون‬
‫أولد المسلمين كما شاءوا ‪ ،‬ويلقنونهم عقائدهم الكفرية ‪ ،‬وأديانهم المنحرفة ‪ ،‬ولقد‬
‫نجحوا في كثير من مخططاتهم ‪ ،‬وأضلوا أعدادا وأفرادا وجماعات كثيرة من ناشئة‬
‫المسلمين ذكورا وإناثا ‪ .‬وهكذا ما يفعله الكثير من المسلمين المعجبين‪ -‬وللسف‪-‬‬
‫بالكفار وعلومهم ‪ ،‬حيث يبعثون أولدهم وفلذات أكبادهم من ذكور وإناث إلى تلك‬
‫الدول المتقدمة ‪-‬كما يعبرون‪ -‬قاصدين منهم التربية والتدريب ‪ ،‬وتعلم لغاتهم الراقية‬
‫في زعمهم؛ فل تسأل عن آثار ذلك ومفاسده ‪ ،‬وأقرب ذلك وأشهره ما تؤثره تربية‬
‫المستقدمين إلى بلد المسلمين كالنساء اللتي يتولين تربية الطفال وحضانتهم ‪،‬‬
‫وكالمدربين والمعلمين في المدارس والمنازل ‪ ،‬من أولئك العداء اللداء الذين‬
‫يضمرون العداء للسلم وأهله ‪ ،‬ويحملون مذاهب هدامة ‪ ،‬أو كفرا بواحا ‪ ،‬أو بدعا‬
‫منكرة مكفرة أو مفسقة ‪ ،‬قد أشربتها قلوبهم ‪.‬‬

‫ول شك أن كل أولئك على يقين من صحة ما يدينون به وأحقيته ‪ ،‬رغم بعد ذلك عن‬
‫الصواب ‪ ،‬ولكنهم تربوا على تلك الديان منذ الطفولة ‪ ،‬وتلقوا عقائدهم الزائفة عمن‬
‫يثقون بنصحه ‪ ،‬ولقنهم آباؤهم ومعلموهم ما يؤكد لهم صحتها وسلمتها ‪ ،‬وبطلن ما‬
‫سواها ‪ ،‬فتمسكوا بتلك المذاهب والنحل وعضوا عليها بالنواجذ ‪ ،‬وزين لهم الشيطان‬
‫أن الصواب في جانبهم ‪ ،‬وأنهم على عقيدة صحيحة الصول ‪ ،‬قويمة الدلة ‪ ،‬تلقوها‬
‫عمن يثقون بعلمه ونصحه ‪ ،‬فلهذا يندر أن يتخلوا عن معتقداتهم ودياناتهم ‪ ،‬وكيف‬
‫يتحولون عن مذاهب ومعتقدات تقلدوها عن أسلفهم ومشايخهم الذين هم محل ثقة‬
‫عندهم وإجلل وإكبار ‪ ،‬فل يتصورون أو يخطر ببال أحد منهم أن يصدر خطأ أو ضلل‬
‫أو انحراف من أفراد علمائهم فضل عن جماعتهم ‪.‬‬

‫ول شك أن أولئك الوافدين مع رسوخ تلك العقائد في نفوسهم ‪ ،‬ومع تمكنهم من‬
‫إظهارها والدعوة إليها ‪ ،‬متى أمنوا الضرر فل بد أن يحرصوا بكل ما أوتوه من جهد‬
‫على نشر دياناتهم ‪ ،‬وترسيخها في نفوس من يتولون تعليمه محتسبين في ذلك الجر‬
‫َ‬
‫عا ﴾ [ سورة‬
‫صن ْ ً‬
‫ن ُ‬
‫سنُو َ‬
‫ح ِ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن أن َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫سبُو َ‬
‫ح َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫والثواب ‪ ،‬كما قال الله عنهم‪َ ﴿ :‬‬
‫الكهف الية ‪.] 104‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫لكن الدعاة إلى دين السلم الصحيح ‪ ،‬وعقيدة السلف الصالح ‪ ،‬يرجون من الله ما ل‬
‫يرجو هؤلء من التعليم أو التربية أو الحضانة ‪.‬‬
‫فل تسأل عما يقومون به من بث سمومهم ‪ ،‬ونفث شرورهم في أذهان من يحتكون‬
‫بهم ‪ ،‬أو يتولون تنشئتهم وتعليمهم ‪ ،‬فيتلقن أولئك الطفال والجهال ما يلقيه عليهم‬
‫أولئك المربون والمدرسون من عقائد منحرفة ‪ ،‬وبدع منكرة ‪ ،‬مسلمين بصحتها ‪،‬‬
‫محسنين الظن بأساتذتهم ومشايخهم الذين اختارهم أولياء المور لهم ليتربوا على‬
‫أيديهم ‪ ،‬فيصعب بعد ذلك تخلي أحدهم عن هذه التوجيهات والتعاليم التي نشأ على‬
‫استحسانها في صغره ‪ ،‬ويخيل إليه أن من خالفها فقد خالف الصواب ‪ ،‬ولو كان من‬
‫آبائه وإخوانه أو المواطنين معه إل من شاء الله تعالى ‪.‬‬

‫فل جرم أحببت أن أكتب كلمات حول هذا الموضوع تحت هذه العناوين‪:‬‬

‫شفقة الباء ورحمتهم بأولدهم ‪:‬‬

‫ل شك أن النسان العاقل يهمه صلح أولده واستقامتهم ‪ ،‬ويتمنى سلمة فطرهم ‪،‬‬
‫ويسره تمسكهم بالحق وسيرهم على الصراط السوي ‪ ،‬وتخلقهم بمعالي الخلق‬
‫وفضائل العمال ‪ ،‬وعملهم بتعاليم الدين الصحيح ‪ ،‬ويستاء ويشق عليه متى رآهم‬
‫منحرفين ضالين قد خالفوا سنة الله تعالى وشرعه ‪ ،‬وتنكبوا الطريق السوي ‪،‬‬
‫وارتكبوا المآثم وفعلوا الجرائم ‪.‬‬

‫ولقد جبل الله الوالدين على محبة الولد والشفقة عليهم والرحمة بهم ‪ ،‬وإيثارهم‬
‫بالمصالح والملذات في هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬والخوف عليهم من أسباب العطب‬
‫والهلك ‪ ،‬فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه السلم نداءه لبنه الذي عصى عليه ‪،‬‬
‫ن‬‫ول تَك ُ ْ‬ ‫عنَا َ‬ ‫م َ‬‫ب َ‬ ‫ي اْرك َ ْ‬ ‫ل يَا بُن َ َّ‬ ‫ز ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وكَا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ح ابْن َ ُ‬‫ونَادَى نُو ٌ‬ ‫فقال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ن ﴾ [ سورة هود الية ‪ .] 42‬وبعد أن خرج البن عن طاعة أبيه وتمرد‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ع الْكَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫نَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِ ّ‬‫هلِي َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ابْنِي ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬لم يغفل عنه بل دعا ربه أن ينجيه بقوله‪َ ﴿ :‬ر ِّ‬
‫ق ﴾ [ سورة هود الية ‪ . ] 45‬فهو يتذكر أن ربه تعالى وعده بنجاة أهله‬ ‫ح ُّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫عدَ َ‬‫و ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ َ‬‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫هل‬ ‫ْ‬ ‫وأ‬‫ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫قل‬ ‫﴿‬ ‫بقوله‪:‬‬
‫ل ﴾ [ سورة هود الية ‪ . ] 40‬فظن أن ابنه من أهله الذين وعد الله بنجاتهم ‪،‬‬ ‫و ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ق ْ‬
‫ك ﴾ [ سورة هود الية ‪ ] 46‬أي‪:‬‬ ‫هل ِ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫ولكن الله تعالى عاتبه بقوله‪ ﴿ :‬إِن َّ ُ‬
‫الذين وعدناك بنجاتهم ‪ .‬فعرف من هذا شفقة الوالد على ولده ولو كان عاصيا له‬
‫وخارجا عن طواعيته ‪ .‬وهكذا ما حكى الله تعالى عن إبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ -‬مما يدل‬
‫على شفقته وخوفه على ولده ‪ ،‬ففي مقام الطلب والرجاء لما قال الله تعالى له‪﴿ :‬‬
‫ريَّتِي ﴾ [ سورة البقرة الية ‪. ] 124‬‬ ‫قا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫عل ُ َ‬
‫ن ذُ ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫ل َ‬ ‫ما ً‬ ‫س إِ َ‬
‫ك لِلن ّا ِ‬ ‫جا ِ‬‫إِنِّي َ‬
‫فلم يغفل عن ذريته لما منحه الله هذه المامة التي هي جعله قدوة وأسوة لمن بعده‬
‫من الناس الذين هداهم الله للسلم ‪ ،‬فلما وعده ربه بهذه المامة لم يغفل عن ذريته؛‬
‫لحرصه على صلحهم ‪ ،‬وأهليتهم لن يكونوا قدوة للناس في أمر الدين الصحيح ‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫صَل ِ‬ ‫م ال َّ‬ ‫قي َ‬ ‫علْنِي ُ‬
‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫با ْ‬ ‫وهكذا حكى الله تعالى عنه دعاءه لربه بقوله‪َ ﴿ :‬ر ِّ‬
‫ريَّتِي ﴾ [ سورة إبراهيم الية ‪ .] 40‬فما غفل عن ذريته بل أشركهم مع نفسه في‬ ‫ذُ ّ ِ‬
‫هذه الدعوة الصالحة ‪ ،‬بأن يجعله مقيما للصلة ‪ ،‬محافظا عليها ‪ ،‬وكذا ذريته؛ لما لها‬
‫من أثر بليغ في صلح الذرية واستقامتهم ‪ .‬وكل هذا دليل كمال الشفقة والرقة‬
‫والرحمة للولد ‪ ،‬ورجاء أن يستقيموا على الخير ‪ ،‬ويسلكوا الصراط السوي المتمثل‬
‫في إقامة الصلة ‪ ،‬وما تؤثره من ثمرات وأعمال صالحة ‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫جنُبْنِي‬ ‫وا ْ‬‫وهكذا في مقام الخوف ‪ ،‬فقد حكى الله تعالى عنه عليه السلم قوله‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬ ‫وبن ِ َ َ‬
‫م ﴾ [ سورة إبراهيم الية ‪ .] 35‬فلم يقتصر في طلب النجاة‬ ‫صنَا َ‬ ‫عبُدَ اْل ْ‬ ‫ن نَ ْ‬‫يأ ْ‬ ‫َ َ ّ‬
‫من الشرك على نفسه ‪ ،‬بل أشرك بنيه ‪ ،‬فطلب نجاتهم من عبادة الصنام؛ لما رأى‬
‫من ضلل الكثير‪ -‬كأبيه وقومه‪ -‬بعبادة تلك الخشاب والحجار التي ينحتونها ‪ ،‬ثم‬
‫يظلون لها عاكفين ‪ ،‬تقليدا لبائهم وأسلفهم ‪ .‬وهكذا مدح الله تعالى إسماعيل ‪-‬عليه‬
‫ة ﴾ [ سورة مريم الية ‪.] 55‬‬ ‫والَّزكَا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫صَل ِ‬‫ه بِال َّ‬‫هل َ ُ‬‫مُر أ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن يَأ ُ‬ ‫وكَا َ‬ ‫السلم‪ -‬بقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫والمر منه يستدعي الطلب والحرص على التطبيق منهم للصلة التي هي عماد‬
‫الدين ‪ ،‬والتي ذكر أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬والزكاة وهي حق المال ‪.‬‬
‫ب ﴾ [ سورة البقرة الية‬ ‫قو ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫م بَنِي ِ‬ ‫هي ُ‬
‫ها إِبَْرا ِ‬ ‫صى ب ِ َ‬ ‫و َّ‬ ‫و َ‬ ‫وقال الله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ه َ‬ ‫قا َ‬
‫ل لِبَنِي ِ‬ ‫ت إِذْ َ‬
‫و ُ‬‫م ْ‬‫ب ال َ‬ ‫قو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضَر ي َ ْ‬‫ح َ‬ ‫هدَاءَ إِذْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫م كُنْت ُ ْ‬ ‫‪ ] 132‬إلى قوله‪ ﴿ :‬أ ْ‬
‫دي ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ .] 133‬فهذا كله من تمام الحرص‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫والشفقة على القريب الدنى قبل البعيد من أنبياء الله تعالى ورسله ‪ ،‬وهم القدوة‬
‫والسوة لمن بعدهم ‪ ،‬فالمر لهم يعم كل من دان بدينهم من أتباعهم ‪ .‬وقد ذكر ابن‬
‫صطَبِْر‬ ‫وا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫صَل ِ‬
‫ك بِال َّ‬‫هل َ َ‬ ‫مْر أ َ ْ‬ ‫كثير ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬عند تفسير قوله تعالى‪ْ ﴿ :‬‬
‫وأ ُ‬ ‫َ‬
‫ها ﴾ [ سورة طه الية ‪ .] 132‬عن ابن أبي حاتم بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه‬ ‫علَي ْ َ‬‫َ‬
‫أن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كان يوقظ أهله لصلة التهجد بالليل ‪ ،‬ويتلو هذه‬
‫الية الكريمة ‪ .‬فإن ظاهرها يعم صلة الفرض والنفل ‪.‬‬

‫ويدخل في الهل‪ :‬الولد والخدم والزوجات ومن تحت كفالة النسان ‪ ،‬كما ذكروا ذلك‬
‫َ‬
‫م نَاًرا‬ ‫وأ َ ْ‬
‫هلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قوا أَن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫منُوا ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫في تفسير قوله تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫جاَرةُ ﴾ [ سورة التحريم الية ‪ ] 6‬يعني‪ :‬أنقذوهم وخلصوهم‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ها النَّا ُ‬
‫س َ‬ ‫و ُ‬
‫قودُ َ‬ ‫َ‬
‫من الكفر والبدع وكبائر الذنوب وصغائرها ‪ ،‬مما يسبب العقوبة الخروية بدخول النار‬
‫التي وقودها الناس والحجارة ‪ .‬فوقايتهم تستدعي الحرص على تربيتهم ‪ ،‬وتهذيب‬
‫أخلقهم ‪ ،‬وتلقينهم في الصغر ما يعرفون به ربهم ودينهم ونبيهم وما يلزمهم أن يدينوا‬
‫به في هذه الحياة ‪ ،‬وبيان الحسنة والسيئة ‪ ،‬وأسباب كل منهما ‪ .‬فالوالد والولي‬
‫الناصح يبذل جهده في تقويم موليه ‪ ،‬وفي نصحه وإرشاده ‪ ،‬وتحريضه على الخير ‪،‬‬
‫وتحذيره من العاقبة السيئة؛ ليكون سببا في نجاته وفلحه ‪ ،‬كما أن الله تعالى قذف‬
‫في قلبه الرحمة التي تستجلب الرقة والشفقة في الدنيا ‪ ،‬فقد روى أبو هريرة ‪-‬رضي‬
‫الله عنه‪ : -‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قبل الحسن ‪ ،‬فقال القرع‬
‫بن حابس ‪ :‬إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم ‪ .‬فقال رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬إنه من ل يرحم ل يرحم »(‪ ،)1‬وعن عائشة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ -‬قالت‪ :‬قدم ناس من العراب فقالوا‪ :‬أتقبلون صبيانكم؟ لكنا والله ما‬
‫نقبل ‪ .‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬أو أملك أن كان الله نزع‬
‫منكم الرحمة » وفي لفظ‪ « :‬أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة »(‪ ،)2‬وفي‬
‫حديث أسامة بن زيد أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما رفع إليه ابن بنته ‪ ،‬ونفسه‬
‫تقعقع ‪ ،‬ففاضت عيناه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقال‪ « :‬هذه رحمة جعلها الله في‬
‫قلوب عباده ‪ ،‬وإنما يرحم الله من عباده الرحماء »(‪ )3‬فهذه الرحمة التي جعلها‬
‫الله تعالى في قلوب الباء يكون من آثارها الشفقة عليهم ‪ ،‬والحرص على إيصال‬
‫الخير إليهم ‪ ،‬ودفع الشر عنهم ‪ ،‬سيما وقت الطفولية والحاجة ‪ ،‬وتستمر حتى الموت‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري في الدب برقم ‪ 5997‬ومسلم في الفضائل برقم ‪.2318‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري في الدب برقم ‪ 5998‬ومسلم في الفضائل برقم ‪.2317‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري في الجنائز برقم ‪ 1284‬ومسلم في الجنائز برقم ‪.923‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫غالبا ‪ .‬فمتى كان يحب لهم الصحة والسلمة والبعد عن العطب والضرر فإن عليه أن‬
‫يحرص على تقويم أولده وتهذيب أخلقهم ‪ ،‬وإرشادهم إلى ما ينفعهم في الدار الخرة‬
‫ويوصلهم إلى رضوان ربهم سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫ما ورد في الولد وتأثيرهم على الباء ‪:‬‬

‫يشاهد أن الرجل متى رزق أولدا من ذكور أو إناث فإنه ينشغل بشأنهم ‪ ،‬ويهتم‬
‫بتحصيل الرزق ‪ ،‬ويسعى في جمع المال ‪ ،‬ويكدح ويشقى في الطلب والتكسب ‪،‬‬
‫وينشغل بذلك عن التعلم والتفقه ‪ ،‬ويؤثر البقاء والمقام معهم أو بقربهم ‪ ،‬ولو فاتته‬
‫الفضائل والعمال الصالحة ‪ ،‬فقد روى الترمذي(‪ )1‬عن عمر بن عبد العزيز قال‪ :‬زعمت‬
‫المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قالت‪ :‬خرج رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ذات‬
‫يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول‪ « :‬إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون ‪،‬‬
‫وإنكم لمن ريحان الله » قال الترمذي ‪ " :‬ل نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا‬
‫من خولة " أي‪ :‬فهو منقطع ‪ ،‬لكن عمر جزم به ‪ ،‬وقد لقي في المدينة من روى عن‬
‫خولة يقينا ‪ ،‬ومعناه أن محبة الولد تحمل أباه على البخل بالمال ‪ ،‬والحرص على‬
‫جمعه؛ ليخلفه لولده ‪ ،‬أو لينفقه عليه في حياته ‪ ،‬وكذا على الجبن الذي هو ضد‬
‫الشجاعة ‪ ،‬فل يخرج للجهاد خوفا من القتل وضياع أولده ‪ ،‬فإن خرج لم يكن معه‬
‫الجرأة على القدام ‪ ،‬وكذا على الجهل لكبابه على التكسب ‪ ،‬والنشغال بالتجارات أو‬
‫الحرف ‪ ،‬أو العمال التي يتحصل منها على المال ‪ ،‬فيبقى على جهله ‪ ،‬ويفوته التعلم‬
‫والتفقه في الدين ‪ .‬وقوله‪ « :‬وإنكم لمن ريحان الله » أي‪ :‬كالريحان الذي هو‬
‫(‪)2‬‬
‫طيب الريح؛ لنهم يشمون ويقبلون ‪ ،‬فكأنهم من جملة الرياحين ‪ ،‬فقد روى الترمذي‬
‫عن أنس « أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يدعو الحسن والحسين‬
‫فيشمهما ويضمهما إليه » ‪ ،‬وروى الطبراني في الوسط(‪ )3‬عن أبي أيوب قال‪« :‬‬
‫دخلت على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والحسن والحسين يلعبان‬
‫بين يديه ‪ ،‬فقلت‪ :‬أتحبهما يا رسول الله؟ قال‪ :‬وكيف ل وهما ريحانتاي‬
‫من الدنيا أشمهما » ‪ ،‬وروى البزار(‪ )4‬عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ « :-‬الولد ثمرة القلب ‪ ،‬وإنهم مجبنة مبخلة محزنة » ‪ ،‬وروى‬
‫أيضا عن السود بن خلف أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أخذ حسنا فقبله فقال‪« :‬‬
‫إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة »(‪ ،)5‬وروى المام أحمد(‪ )6‬عن الشعث بن قيس قال‪:‬‬
‫قال لي رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬هل لك من ولد؟ » قلت‪ :‬غلم‬
‫ولد لي في مخرجي إليك ‪ ،‬ولوددت أن مكانه شبع القوم ‪ .‬قال‪ « :‬ل‬
‫تقولن ذلك ‪ ،‬فإن فيهم قرة عين ‪ ،‬وأجرا إذا قبضوا ‪ ،‬ثم إنهم لمجبنة‬
‫محزنة ‪ ،‬إنهم لمجبنة محزنة » ‪ ،‬وعن يعلى بن مرة الثقفي قال‪ :‬جاء الحسن‬
‫والحسين يسعيان إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فضمهما إليه ‪ ،‬وقال‪ « :‬إن الولد‬
‫مبخلة مجبنة »(‪ )7‬فهذه الحاديث وما في معناها تدل على أن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قد نبه المة على ما هو أمر طبيعي واقعي من أن الباء في الغالب يتصفون‬
‫‪ )(1‬هو في سننه كما في تحفة الحوذي ‪ 37 / 6‬باب ما جاء في حب الوالد لولده‪.‬‬
‫‪ )(2‬كما في التحفة ‪ 276 / 10‬في مناقب الحسن والحسين‪.‬‬
‫‪ )(3‬ذكره الهيثمي في الفضائل من مجمع الزوائد ‪ 181 / 9‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫‪ )(4‬كما في كشف الستار برقم ‪ 1892‬وفيه عطية العوفي وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪ )(5‬هو في كشف الستار برقم ‪ 1891‬قال في مجمع الزوائد ‪'' : 155 / 8‬ورجاله ثقات ''‪.‬‬
‫‪ )(6‬هو في المسند ‪ 211 / 5‬وفي سنده مجالد بن سعيد وهو ضعيف‪ ،‬ويشهد له ما قبله من الحاديث‪.‬‬
‫‪ )(7‬رواه ابن ماجه برقم ‪ 3666‬وفي إسناده سعيد بن أبي راشد وثقه ابن حبان قال البوصيري في الزوائد ‪ '' : 99 / 4‬هذا‬
‫إسناد صحيح رجاله ثقات ''‪ .‬وكذا صححه الحاكم ‪ 164 / 3‬وأقره الذهبي‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫بالجبن والبخل؛ لتأثير محبة الولد ‪ ،‬والشفقة عليه ‪ ،‬فإذا كانت محبة الولد ركيزة في‬
‫القلب ‪ ،‬وظهر أثرها في العمل ‪ ،‬بشدة الطلب والجمع والتكسب ‪ ،‬ثم المساك‬
‫والتقتير على النفس وعلى الهل والضيف ‪ ،‬والتوقف عن النفاق في وجوه الخير ‪،‬‬
‫فإن من الواجب والمؤكد أن يعنى الوالد بولده في التهذيب والسعي في الصلح ‪،‬‬
‫والتعهد في الصغر وبعد الكبر؛ ليكون قرة عين لبويه ‪ ،‬وتثمر التربية الصالحة‬
‫بالستقامة والبعد عن النحراف والزيغ ‪.‬‬

‫أسباب كثرة النحراف في الشباب ‪:‬‬

‫المشاهد في هذه الزمنة وقوع انحراف الكثير من الشباب عن الستقامة ‪ ،‬وانهماكهم‬


‫في الفساد ‪ ،‬وانغماسهم في الشهوات التي أردت بالكثير منهم ‪ ،‬وجلبت لهم الشرور‬
‫والضرار ‪ ،‬فعاثوا في الرض فسادا ‪ ،‬وأضاعوا الصلوات ‪ ،‬وتعاطوا المسكرات‬
‫والمخدرات ‪ ،‬ولذلك أسباب ومغريات (منها) الهمال من الباء والولياء ‪ ،‬فإن أغلب‬
‫الباء‪ -‬هداهم الله‪ -‬منشغلون عن أولدهم ‪ ،‬فأحدهم يذهب إلى وظيفته أو مقر عمله‬
‫كل صباح ‪ ،‬ويرجع آخر النهار ‪ ،‬وقد ل يرجع إلى منزله حتى يؤويه المبيت ‪ ،‬فيتقلص‬
‫النهار وهو في تقليب تجارته أو حرفته وصناعته ‪ ،‬أو في زياراته واتصالته بأصدقائه‬
‫ورفقائه ‪ ،‬فل يبقى لهله إل أقل الوقت وآخره ‪ ،‬فهو ل يتفرغ لهله ‪ ،‬ول يتفقد أعمال‬
‫ولده ‪ ،‬ول يحدث نفسه بما يحصل لهم من بعده ‪ ،‬فإما أن يكل تربيتهم إلى الخدم‬
‫والمعلمين ‪ ،‬وإما أن يهملهم ويترك لهم الحبل على الغارب ‪ ،‬بحيث يتمكنون من‬
‫الذهاب والتقلب كيف شاءوا ‪ ،‬والختلط بأهل الفساد والمعاصي ممن يزين لهم‬
‫الوقوع في المسكرات ‪ ،‬وتعاطي المخدرات ‪ ،‬وشرب الدخان ‪ ،‬وسماع الغاني ‪،‬‬
‫والعكوف على النظر إلى الصور الخليعة ‪ ،‬والكباب على الفلم الهابطة ‪ ،‬والتمثيلت‬
‫الماجنة ‪ ،‬فتفسد أخلقهم ‪ ،‬وتنحرف طباعهم ‪ ،‬فتثقل عليهم الصلوات ‪ ،‬ويستصعبون‬
‫حضور الجماعات ‪ ،‬ويهون عليهم أمر جميع العبادات ‪ ،‬ويعتادون غشيان المحرمات ‪،‬‬
‫وينهمكون في الفساد ‪ ،‬وينغمسون في اقتراف الفواحش والمنكرات ‪ ،‬فل ينتبه ولي‬
‫أحدهم إل بعد أن تتمكن من ولده تلك العادات السيئة ‪ ،‬وتصبح ركيزة في نفسه ‪ ،‬يندر‬
‫أن يقلع عنها مهما بذل والده من النصح والتوجيه ‪ ،‬والتحذير والتخويف والتهديد ‪،‬‬
‫ومهما فعل من الضرب والحبس والتعزير ‪ ،‬فيندم الب ولت حين مندم ‪ ،‬ويعض كفه‬
‫على ما فرط منه من الغفلة والهمال ‪.‬‬

‫مع أن الكثير من الباء وأولياء المور قد يغفلون عن أولدهم ‪ ،‬وينشغلون بحرفهم‬


‫وأعمالهم ‪ ،‬فيصلح أولدهم ‪ ،‬وتتولهم عناية الله ‪ ،‬ويحفظهم ربهم عن الخطار‬
‫فأُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن﴾‬
‫سُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ل َ‬
‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫دي َ‬
‫هت َ ِ‬ ‫و ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫د الل ّـ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه ِ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫والضرار‪َ ﴿ :‬‬
‫[ سورة العراف الية ‪.] 178‬‬

‫كما أن من أسباب هذا النحراف في الشباب سوء التربية ‪ ،‬فإن الكثير من الباء قد‬
‫يتنزل على رغبة أهله وولده عندما يتضجرون أمامه ‪ ،‬ويشتكون الفراغ والتحجر‬
‫والتضييق ‪ ،‬ويطلبون منه ما يسليهم ويفرج عنهم الهموم والحزان ‪ ،‬ويشغلهم عن‬
‫التفكير والتعقيد والنزواء ‪ ،‬فيرغبون إليه في جلب ما يرفهون به عن أنفسهم بزعمهم‬
‫‪ ،‬ويجلب لهم الفرح والنبساط ‪ ،‬ويضربون له المثال بفلن وآل فلن ‪ ،‬فينخدع‬
‫بتعليلتهم ‪ ،‬ويحزنه بكاؤهم وشكاياتهم ‪ ،‬فيلبي طلباتهم ‪ ،‬ويبذل لهم ماله رخيصا ‪،‬‬
‫فيجلب لهم ما يفسد أخلقهم ‪ ،‬وما يصدهم به عن سواء السبيل ‪ ،‬من آلت اللهو‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫واللعب وأجهزة الغاني وأشرطة الفيديو والكاسيت ‪ ،‬ومن الصحف والمجلت الفاسدة‬
‫‪.‬‬

‫ول تسأل عما في طياتها من خلعة ومجون ودعارة وفساد ‪ ،‬وما تزرعه في نفوس‬
‫الولد والهل ذكورا وإناثا من ميل إلى الدعة والخمول ‪ ،‬والنقطاع عن العمال ‪ ،‬ومن‬
‫اندفاع إلى اقتراف الفواحش ‪ ،‬وارتكاب المحرمات التي تمثلها لهم تلك الفلم‬
‫والشرطة والصور الفاتنة ‪ ،‬حيثما يشاهدون فيها الصورة الفاتنة ‪ ،‬والمرأة المتبرجة‬
‫شبه العارية ‪ ،‬وصور الشباب أمام النساء ‪ ،‬وما بها من حلق اللحى ‪ ،‬وشرب الدخان ‪.‬‬

‫ول تسأل عن تأثير هذه المرئيات والمسموعات في قلوب الشباب ‪ ،‬على غفلة من‬
‫الب أو الولي ‪ ،‬زاعما أن هذا من باب التسلية والترفيه ‪ ،‬وتنشيط النفوس ‪ ،‬وإزالة‬
‫السآمة والملل ‪ ،‬ونحو ذلك من العذار الباردة ‪ ،‬ولم يشعر أن الذين نشروا هذه‬
‫الملهي ‪ ،‬وصوروا هذه الفلم في هذه اللت والجهزة ‪ ،‬لهم أهداف سيئة زائدة على‬
‫هدف الستغلل ‪ ،‬واكتساح الموال ‪ ،‬فإنهم قد عرفوا أن المسلمين من العرب‬
‫وغيرهم ذكورا وإناثا عندهم من الفهم والدراك ‪ ،‬وقوة الذاكرة ما يمكنهم من معرفة‬
‫الصناعات ‪ ،‬والقدرة على الختراع ‪ ،‬والنتاج الفكري والعملي ‪ ،‬بحيث يستغني‬
‫المسلمون عما يستوردونه من إنتاج أولئك الكفرة من الصناعات والجهزة والدوات ‪.‬‬
‫‪ . .‬إلخ ‪ ،‬فتكسد سلعهم ‪ ،‬أو يقل من يحتاج إليها ‪ ،‬مما يضعف اقتصادهم ‪ ،‬ويقلل من‬
‫الحتياج إلى إنتاجهم ‪ ،‬فلعل هذا من أشهر مقاصدهم ‪ ،‬فانشغل به شباب المسلمين‬
‫والعرب ‪ ،‬وصيروه شغلهم الشاغل ‪ ،‬فضاعت أعمارهم فيما ل أهمية له ‪ ،‬أو فيما فيه‬
‫هلكهم المعنوي وهم ل يشعرون ‪.‬‬

‫كما أن من أسباب النحراف كثرة المفسدين ودعاة الضلل الذين وقعوا في شباك‬
‫الردى ‪ ،‬وتمكن منهم الفساد ‪ ،‬فأحبوا أن يغروا جلساءهم وزملءهم ‪ ،‬ويوقعوهم فيما‬
‫وقعوا فيه ولم يستطيعوا التخلص منه ‪ ،‬وهدفهم أن يكثر أشباههم ‪ ،‬ويتمكنوا من‬
‫الظهور ‪ ،‬ويقل النكار عليهم ‪ ،‬ويحتجوا على من أنكر عليهم بفعل الخرين ‪ ،‬فكثيرا ما‬
‫ننصح بعض الشباب عن شرب الدخان ‪ ،‬وحلق اللحية ‪ ،‬وسماع الغناء ‪ ،‬فيقول‪ :‬الناس‬
‫مثلي كثير؛ أما رأيت غيري ‪ ،‬هذا شيء موجود في العالم ‪ ،‬أل ينكره غيرك؟! ونحو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫مع أنهم عند التحقيق يعرفون خطأهم ‪ ،‬وفساد ما اقترفوه ‪ ،‬ولكن لما تمكن ذلك منهم‬
‫‪ ،‬وسيطرت تلك العادات عليهم ‪ ،‬واستولى عليهم خلطاؤهم وزملؤهم ‪ ،‬وتحكمت‬
‫فيهم تلك الفعال السيئة ‪ ،‬لم يجدوا بدا من أن يبرروا موقفهم بأن لهم قدوة ‪ ،‬وأن‬
‫الناس سواهم كثير ‪.‬‬

‫ونحن ننصح أولياء المور عن الهمال والضاعة لولدهم وفلذات أكبادهم ‪ ،‬ونقول‪ :‬إن‬
‫الواجب على الب وولي المر أن يتفقد جلساء ولده ‪ ،‬ويتحقق من صلحهم‬
‫واستقامتهم ‪ ،‬ومتى كانوا أفاضل وعبادا أتقياء ‪ ،‬من خيرة الشباب وأهل اللتزام‬
‫والعمل الصالح ‪ ،‬أوصاه بملزمتهم ‪ ،‬وحضه على مجالستهم ‪ ،‬وعلى القتداء بهم ‪،‬‬
‫ومنافستهم ومسابقتهم إلى الخيرات وإلى حلقات العلم والمذاكرة والقراءة ‪،‬‬
‫والحرص على الستفادة ‪ ،‬وإن كان جلساؤه من أهل السفه واللهو ‪ ،‬وإضاعة الوقت ‪،‬‬
‫وأهل الضحك والمزاح ‪ ،‬فإن عليه أن ينصحه بالبعد عنهم ‪ ،‬ويحذره من الجلوس‬
‫معهم ‪ ،‬حرصا على الستفادة من الزمان ‪ ،‬وعلى حفظ العمار فيما يعود على‬
‫النسان بالمصلحة في دينه ودنياه ‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫أما إن كانوا من أهل الفساد والخنا ‪ ،‬وعمل الفواحش وفعل المنكرات ‪ ،‬والنهماك في‬
‫المحرمات ‪ ،‬فإن صحبتهم تردي بمن صحبهم ‪.‬‬

‫وقد نهى الله تعالى رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن مجالسة مثل هؤلء بقوله‬
‫َ‬
‫ضوا‬‫خو ُ‬ ‫حتَّى ي َ ُ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ض َ‬
‫ر ْ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫في آيَاتِنَا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو َ‬
‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وإِذَا َرأي ْ َ‬‫تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سيَن ّك ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم‬
‫ع الق ْ ِ‬ ‫ذّكَرى َ‬
‫م َ‬ ‫عدَ ال ِ‬ ‫عدْ ب َ ْ‬‫ن فل ت َق ُ‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫ما يُن ْ ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫ه َ‬ ‫ر ِ‬‫ث غي ْ ِ‬‫دي ٍ‬‫ح ِ‬‫في َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ن﴾‬‫مي َ‬‫الظال ِ ِ‬
‫[ سورة النعام الية ‪ . ] 68‬والمر لرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولكل فرد من‬
‫أفراد أمته ‪.‬‬

‫والخوض في آيات الله تعالى يعم من يستهزئ بها ‪ ،‬أو يكذب بها ‪ ،‬أو يطعن في صحتها‬
‫‪ ،‬أو يعيب أهلها ‪ ،‬ويدخل في اليات كلم الله تعالى وسنة النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وأحكام الشرع ‪ ،‬والحلل والحرام ‪ ،‬فكل من خاضوا في ذلك بالباطل حرم‬
‫الجلوس معهم ‪ ،‬ولو كانوا من المتسمين بالسلم ‪ ،‬فمن جلس معهم غافل عن الحكم‬
‫ثم تذكر ‪ ،‬أو بدءوا بكلم مباح ثم انتقلوا إلى الخوض المنهي عنه ‪ ،‬فإن عليه المبادرة‬
‫بالقيام عنهم إن لم يتأثروا بالنصح ‪ ،‬ولم يقبلوا المعروف ‪ ،‬وقد نبه الله تعالى‬
‫ب‬‫في الْكِتَا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫قدْ نََّز َ‬‫و َ‬
‫المؤمنين على هذا الحكم َ‪ ،‬وأكده مرة أخرى بقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حت ّى‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬
‫م َ‬‫عدُوا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها فل ت َق ُ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬
‫ست َ ْ‬‫وي ُ ْ‬ ‫ها َ‬
‫فُر ب ِ َ‬‫ه يُك ْ َ‬ ‫ت الل ّـ ِ‬
‫م آيَا ِ‬‫عت ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬‫ن إِذَا َ‬
‫أ ْ‬
‫م ﴾ [ سورة النساء الية ‪.] 140‬‬ ‫ه ْ‬‫مثْل ُ ُ‬
‫م إِذًا ِ‬‫ه إِنَّك ُ ْ‬
‫ر ِ‬ ‫ث َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫دي ٍ‬‫ح ِ‬
‫في َ‬ ‫ضوا ِ‬
‫خو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫وهذا وعيد شديد ‪ ،‬وتهديد أكيد ‪ ،‬لمن جلس مع الخائضين في آيات الله ‪ ،‬والمستهزئين‬
‫بها ‪ ،‬حيث اعتبر من جلس معهم مثلهم ‪ ،‬أي لقراره وسكوته مع تمكنه من النكار ‪ ،‬أو‬
‫من مبارحة المكان ‪ ،‬والبعد عن أولئك المستهزئين ‪.‬‬

‫ولقد مدح الله تعالى عباده المؤمنين به حقا ‪ ،‬الذين وعدهم بمضاعفة الجر بقوله‪﴿ :‬‬
‫َ‬
‫سَل ٌ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ولَك ُ ْ‬
‫مالُنَا َ‬ ‫قالُوا لَنَا أ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫غ َ‬‫عوا الل ّ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ِ‬‫وإِذَا َ‬ ‫َ‬
‫وإِذَا‬ ‫﴿‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫]‬ ‫‪55‬‬ ‫الية‬ ‫القصص‬ ‫سورة‬ ‫[‬ ‫﴾‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫غي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫عل‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ َّ‬ ‫م ُّ‬
‫ما ﴾ [ سورة الفرقان الية ‪.] 72‬‬ ‫َ ً‬ ‫را‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫روا‬ ‫م‬
‫ِ َ ّ‬ ‫و‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫الل‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫َ‬

‫ويدخل في اللغو الخوض في آيات الله بالباطل والسخرية بالحكام ‪ ،‬والتكذيب باليات‬
‫‪ ،‬والطعن في القرآن ونحو ذلك ‪ ،‬فكله من اللغو المنهي عنه ‪ ،‬فمتى اشتملت‬
‫المجالس على مثل ذلك ‪ ،‬فإن العاقل الذي يريد نجاة نفسه يتركها ‪ ،‬ويربأ بنفسه عن‬
‫مجالسة أهلها ‪ ،‬حتى ل يعلق به شيء من وضرهم ودنسهم ‪ ،‬فيصعب التخلص منه ‪.‬‬

‫وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلة والسلم بمجالسة أهل الصلح والصلح ‪،‬‬
‫والتمسك بالدين الصحيح ‪ ،‬والمؤمنين بالله ورسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وذلك في‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ش ِّ‬
‫ع ِ‬‫وال ْ َ‬
‫ة َ‬ ‫م بِال ْ َ‬
‫غدَا ِ‬ ‫ن َرب َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫عو َ‬
‫ن يَدْ ُ‬ ‫ع ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫صبِْر ن َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫وا ْ‬ ‫مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫م ﴾ [ سورة الكهف الية ‪ .] 28‬وهؤلء هم الذين‬ ‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عيْنَاك َ‬ ‫عدُ َ‬ ‫وَل ت َ ْ‬
‫ه َ‬‫ه ُ‬
‫ج َ‬
‫و ْ‬
‫ن َ‬
‫ريدُو َ‬
‫يُ ِ‬
‫أسلموا قديما ‪ ،‬وفارقوا الكفار ‪ ،‬وقاطعوهم ‪ ،‬فأمر الله نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بأن يصبر نفسه معهم ‪ ،‬ول ينظر إلى غيرهم نظرة إكبار وإجلل ‪.‬‬

‫وقد روي أن المشركين طلبوا من النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يطرد عنه ضعفاء‬
‫المسلمين وفقراءهم ‪ ،‬من المماليك والموالي والحلفاء الذين أسلموا معه ‪ ،‬وذكروا‬
‫أنهم يأنفون عن مجالستهم ‪ ،‬فهم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بطردهم طمعا في‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫إسلم أولئك الكابر من المشركين ليسلم غيرهم ‪ ،‬ولكن الله تعالى نهاه عن طرد‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ش ِّ‬‫ع ِ‬‫وال ْ َ‬‫ة َ‬ ‫غدَا ِ‬‫م بِال ْ َ‬ ‫ن َرب َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫عو َ‬
‫ن يَدْ ُ‬ ‫وَل تَطُْرِد ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أولئك المؤمنين بقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫فتَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫فتَطُردَ ُ‬ ‫ه ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 52‬إلى قوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫ه ُ‬
‫ج َ‬
‫و ْ‬
‫ن َ‬ ‫ريدُو َ‬ ‫يُ‬
‫ِ َّ‬
‫ن ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 52‬وفي هذا ترغيب في مجالسة الصالحين ‪،‬‬ ‫مي َ‬‫الظال ِ ِ‬
‫والقرب منهم ‪ ،‬والستفادة من علومهم وأعمالهم ‪ ،‬وفي ضمن ذلك التحذير من‬
‫مجالسة الشرار والمفسدين ‪ ،‬وأهل الغي والضلل ‪.‬‬

‫ولقد وردت السنة النبوية في التحذير من جلساء السوء ‪ ،‬والترغيب في صحبة الخيار‬
‫والصالحين ‪ ،‬والقرب منهم ‪ ،‬كما في قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬مثل‬
‫الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ‪ ،‬فحامل‬
‫المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا طيبة ‪،‬‬
‫ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا خبيثة » متفق عليه‬
‫عن أبي موسى(‪ .)1‬وروى أنس ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫« ومثل جليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء‬
‫أصابك من ريحه ‪ ،‬ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير ‪ ،‬إن لم يصبك‬
‫(‪)2‬‬
‫من سواده أصابك من دخانه »‬
‫قال النووي في شرح مسلم ‪ " :‬وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة‬
‫ومكارم الخلق والورع والعلم والدب ‪ ،‬والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ‪،‬‬
‫ومن يغتاب الناس ‪ ،‬أو يكثر فجوره وبطالته ‪ ،‬ونحو ذلك من النواع المذمومة "‪ ) 3(.‬ا هـ‬
‫‪.‬‬

‫والتمثيل واقعي فالجليس الصالح إما أن يفيدك بفوائد علمية ‪ ،‬أو يدلك على خير ‪،‬‬
‫وإما أن يحذرك من الشرور ‪ ،‬أو على القل يكون قدوة حسنة في قوله وفعله ‪ .‬أما‬
‫الجليس السوء فهو إما أن يغويك ويوقعك في الردى ‪ ،‬وإما أن يكسلك عن الطاعات ‪،‬‬
‫وإما أن يكون قدوة سيئة في أفعاله وكلماته ‪.‬‬

‫وقد روى أبو سعيد ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪« :-‬‬
‫ل تصاحب إل مؤمنا ول يأكل طعامك إل تقي »(‪ )4‬قال في تحفة الحوذي‪" :‬‬
‫المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين؛ لن مصاحبتهم مضرة في الدين ‪« .‬‬
‫ول يأكل طعامك إل تقي » أي‪ :‬متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله "‪ )5(.‬ا‬
‫هـ ‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪« :-‬‬
‫المرء على دين خليله ‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل »(‪ )6‬والخليل هو الصديق‬
‫المصاحب ‪ ،‬يعني أن الغالب على النسان القتداء بأصدقائه وجلسائه ‪ ،‬فهو يقتدي بهم‬
‫ويحتذي حذوهم ‪ ،‬فإن كانوا صالحين سعد بهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬وجمعه الله بهم في‬
‫دار كرامته ‪ ،‬وإن كانوا أشقياء أثروا فيه ‪ ،‬وأردوه وأوقعوه في الشقاء ‪ ،‬فيندم في‬
‫َ‬
‫ل يَا لَيْتَنِي ات َّ َ‬
‫خذْ ُ‬
‫ت‬ ‫علَى يَدَي ْ ِ‬
‫ه يَ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫ض الظّال ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ع ُّ‬
‫م يَ َ‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫‪ )(1‬هو في صحيح البخاري برقم ‪ 5534 ،2101‬ومسلم برقم ‪ 2628‬ورواه بقية الجماعة‪.‬‬
‫‪ )(2‬هو في سنن أبي داود برقم ‪ 4829‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر شرح النووي على مسلم ‪.178 / 16‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو داود في الدب برقم ‪ ،4832‬والترمذي برقم ‪ 2397‬وإسناده حسن‪ .‬ورواه أحمد ‪ ، 38 / 3‬والحاكم ‪128 / 4‬‬
‫وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪ )(5‬انظر تحفة الحوذي على الترمذي ‪ 76 / 6‬للمباركفوري‪.‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو داود برقم ‪ ، 4833‬والترمذي برقم ‪ ،2379‬والحاكم ‪ 171 / 4‬وإسناده حسن‪ ،‬وصححه الحاكم والذهبي‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫خلِيل ﴾ [ سورة الفرقان ‪:‬‬ ‫فَلنًا َ‬ ‫خذْ ُ‬ ‫م أَت َّ ِ‬ ‫ويْلَتَى لَيْتَنِي ل َ ْ‬ ‫سبِيل * يَا َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ع الَّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫‪ . ] 28 : 27‬هكذا حكى الله عن هذا الظالم أسفه على خلة فلن الذي أضله عن‬
‫الذكر ‪ ،‬وصده عنه ‪ ،‬وزين له الكفر والفسوق والمعاصي ‪ ،‬وقد قال تعالى عنهم وهم‬
‫فبِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫ن َ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عدَ ال ْ َ‬ ‫ك بُ ْ‬ ‫وبَيْن َ َ‬‫ت بَيْنِي َ‬ ‫ل يَا لَي ْ َ‬ ‫جاءَنَا َ‬
‫قا َ‬ ‫حتَّى إِذَا َ‬ ‫في العذاب‪َ ﴿ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن﴾‬ ‫ركو َ‬ ‫ُ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫عذَا ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫م أن ّك ْ‬ ‫مت ُ ْ‬‫م إِذْ ظل ْ‬ ‫و َ‬
‫م الي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫عك ُ‬ ‫َ‬
‫ن يَن ْف َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن* َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ق ِ‬
‫[ سورة الزخرف ‪ 38 :‬ـ ‪ . ] 39‬أي ل يخفف عنهم اجتماعهم في العذاب ‪ ،‬بل تنقلب‬
‫ْ َ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫ض ُ‬‫ع ُ‬ ‫ذ بَ ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬ ‫خ ّلءُ ي َ ْ‬‫تلك الصداقة والمحبة عداوة وبغضا ‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ال ِ‬
‫ٌ َ‬
‫ن ﴾ [ سورة الزخرف الية ‪. ] 67‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت َّ ِ‬‫و إ ِ ّل ال ْ ُ‬ ‫عدُ ّ‬‫ض َ‬‫ع ٍ‬ ‫لِب َ ْ‬

‫والخلء هم الصدقاء في الدنيا ‪ .‬وقال ابن عبد القوي(‪: )1‬‬

‫وصــاحب إذا صــاحبت كــل مــوفق * * * ول تصحب الردى فتردى مع‬


‫الردي‬
‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه * * * فكــــل قـــرين بالمقـــارن‬
‫يقتـــدي‬

‫وهذا أمر مشاهد ‪ ،‬فيعرف كل إنسان بجلسائه ‪ ،‬ومما يروى عن علي ‪:‬‬

‫فل تصحـب أخـا الجـهل * * * وإيـــــــــــاك وإيـــــــــــاه‬


‫فكــم مـن جـاهل أردى * * * حليمــــا حــــين آخـــاه‬
‫يقـــاس المـــرء بــالمرء * * * إذا مـــا المـــرء ماشــاه‬
‫وللشيء على الشيء * * * مقــــــاييس وأشـــــباه‬
‫وفي القصيدة المعروفة بالزينبية قوله‪:‬‬

‫واحـــذر مصاحبـــة اللئــيم فإنــه * * * يعدي كما يعدي الصحيح الجرب‬

‫وكلم العلماء في اختيار الصحبة كثير ‪ ،‬وفيما ذكرنا كفاية ‪.‬‬

‫أهمية الوقت والحرص على استغلله فيما يفيد ‪:‬‬

‫لما كان كثير من الباء يشغل أولده بما يذهب عليهم الزمان؛ لطول الفراغ ‪ ،‬والحتياج‬
‫إلى النشغال فيه بما يخففه ‪-‬في زعمه‪ -‬أحببنا أن نشير هنا إلى أهمية الوقت ‪،‬‬
‫وأفضل ما ينشغل المرء فيه ‪ .‬فإن الوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال‬
‫النسان في التجارة ‪ ،‬يحافظ عليه العاقل ‪ ،‬ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء‬
‫العمل ‪ ،‬أو ينقص فيخسر ويندم ‪ .‬فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا‬
‫استغله في الخير والعلم والعمل الصالح ‪ ،‬ويخسر في ضد ذلك ‪ ،‬فيجب على العاقل‬
‫أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه ‪،‬‬
‫متذكرا أنه مسئول ومحاسب عن زمانه ‪ ،‬كما روي عنه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬‬
‫ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع‪ -‬أو عن خمس‪ -‬عن عمره فيما‬

‫‪ )(1‬انظر هذه الشعار ونحوها في (الداب الشرعية) لبن مفلح ‪ 561 / 3‬وقد أطال في هذا الموضوع‪ ،‬فراجعه إن شئت‪،‬‬
‫فقد أجاد وأفاد ـ رحمه الله تعالى ـ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫أفناه ‪ ،‬وعن شبابه فيما أبله ‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ‪،‬‬
‫وعن علمه ماذا عمل به »(‪.)1‬‬

‫فقد ذكر من هذه الخصال العمر كله ‪ ،‬وخص الشباب مع أنه من جملة العمر ‪ ،‬وذلك‬
‫أن عادة الشباب ميلهم إلى اللهو واللعب والبطالة وإضاعة الوقت ‪ ،‬ومن لم يكن منهم‬
‫كذلك فهو محل غرابة وعجب ‪ ،‬حيث مال عن ما يقتضيه الصبا والجهل ‪ ،‬ولهذا ورد في‬
‫(‪)2‬‬
‫الحديث عن عقبة بن عامر رفعه‪ « :‬عجب ربك من الشاب ليست له صبوة »‬
‫فمتى ترك الشاب هواه وما يتمناه فإن نفسه تميل عادة إلى اللهو واللعب والمرح‬
‫والبطالة ‪ ،‬فمتى مكنه وليه من مراده فإنه ينهمك في ذلك ‪ ،‬ويغفل عن مصالحه‬
‫العاجلة والجلة ‪ ،‬وينغمس في دحض الباطل والفساد حتى يتمكن ذلك من نفسه ‪ ،‬ول‬
‫يشعر بالخسران المبين حتى يعقل ويتفكر ويحتاج إلى نفسه ‪ ،‬فحينئذ يبلغ منه السف‬
‫والندم مبلغه ‪ ،‬وقد فات الوان ‪.‬‬

‫ول شك أن العاقل يجب عليه أن يستحضر نهايته ‪ ،‬ويفكر في مستقبله ‪ ،‬ويتذكر عاقبة‬
‫أمره ‪ ،‬فيستغل زمانه في كل شيء يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه ‪ ،‬ول يفرط‬
‫في لحظة من لحظات عمره بإضاعتها فيما ل فائدة فيه ‪ ،‬متذكرا قول الله تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الن َّ ِ‬
‫ذيُر ﴾‬ ‫جاءَك ُ ُ‬ ‫ن تَذَك َّر َ‬
‫و َ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫ما يَتَذَك ُّر ِ‬
‫في ِ‬ ‫مْرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م نُ َ‬
‫ع ِّ‬ ‫مخاطبا لهل النار‪ ﴿ :‬أ َ‬
‫[ سورة فاطر الية ‪ .] 37‬فقد ذكرهم ربهم تعالى بأنه عمرهم أي‪ :‬مد لهم في العمار‬
‫‪ ،‬بحيث يتمكنون من التذكر والتفكر في عاقبة أمرهم ونهايتهم ‪ ،‬فيعملون ما فيه‬
‫نجاتهم من العذاب والنكال ‪ ،‬ويشغلون أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة والخير في‬
‫دنياهم وأخراهم ‪.‬‬

‫ول شك أن كل يوم يمر بالنسان فإنه يقربه إلى الخرة ‪ ،‬ويدنيه من أجله ‪ ،‬وأن كل‬
‫ه‬
‫خيًْرا يََر ُ‬ ‫ل ذََّر ٍ‬
‫ة َ‬ ‫قا َ‬‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ليل أو نهار يطوى على ما فيه من خير أو شر‪َ ﴿ :‬‬
‫ف َ‬
‫شًّرا يََرهُ ﴾ [ سورة الزلزلة ‪ 7 :‬ـ ‪.] 8‬‬ ‫ل ذََّر ٍ‬
‫ة َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫* َ‬

‫ولقد أمر الله تعالى نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالعمل في وقت فراغه بقوله تعالى‪:‬‬
‫ب ﴾ [ سورة الشرح الية ‪ ] 7‬أي‪ :‬فاعمل في ساعة تتفرغ فيها‬ ‫ص ْ‬ ‫ت َ‬
‫فان ْ َ‬ ‫فَر ْ‬
‫غ َ‬ ‫فإِذَا َ‬
‫﴿ َ‬
‫ما تستفيد منه لخرتك ‪ ،‬وبهذا يعرف أن ليس هناك وقت يسمى فراغا ‪ ،‬بل كل ساعة‬
‫أو جزء منها ل يكون عند النسان فيه عمل فسوف يجد ما يعمله فيه ‪ ،‬ولو بالذكر‬
‫والتلوة والعلم والعمل ‪.‬‬

‫فالعاقل يبخل بعمره أن يضيع منه شيء سبهلل ‪ ،‬دون أن يستفيد من كل ساعة تمر‬
‫به ‪ ،‬حتى ل يخسر جزءا من حياته ‪ ،‬مستحضرا قول الشاعر(‪: )3‬‬

‫أليس مــن الخســران أن لياليـا * * * تمر بل نفع وتحسب من عمري‬

‫وبهذا يعرف خسران الكثير من أكابر وأصاغر يظهرون الملل من طول الوقت ‪،‬‬
‫ويقبلون على اللعب بما يسمى البلوت ‪ ،‬ونحوه من الملهي ‪ ،‬أو على ما يعرضونه من‬
‫أفلم خليعة تحوي صورا ماجنة ‪ ،‬وقصصا خيالية ‪ ،‬تشغل الفكار ‪ ،‬وتضيع العمار ‪،‬‬

‫‪ )(1‬رواه الترمذي في أول أبواب القيامة عن أبي برزة السلمي برقم ‪ ،2419‬وعن ابن مسعود برقم ‪ 2418‬وصحح حديث‬
‫أبي برزة‪ .‬وحديث ابن مسعود حسن‪ ،‬وشاهده ما قبله‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ، 151 / 4‬وابن عدي في الكامل ‪ 465 / 4‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫‪ )(3‬ارجع إلى ما ذكره ابن رجب ـ رحمه الله ـ في أول كتابه (لطائف المعارف) حيث توسع في هذا المعنى‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫وكان الولى أن يضنوا بتلك الساعات الثمينة ‪ ،‬ويشغلوها في تلوة القرآن ‪ ،‬أو مذاكرة‬
‫في حديث أو فقه ‪ ،‬أو أدب أو تاريخ فيه عبرة ‪ ،‬أو تعلم وتعليم ‪ ،‬أو أذكار وعبادات ‪،‬‬
‫ونصائح وإرشادات ‪ ،‬أو عرض لمواضيع تهم المجتمع ‪ ،‬وسعي في نفع المسلمين ‪ ،‬فإن‬
‫الكثير من أولئك الذين يظهرون الملل والسآمة من طول الوقت وكثرة الفراغ ‪،‬‬
‫ويعملون أعمال وألعابا يستفرغون بها زمانهم ‪ ،‬لو تعلموا فيه أحكام دينهم ‪ ،‬أو تدبروا‬
‫وقرءوا كتاب ربهم ‪ ،‬أو تفقهوا في دينهم ‪ ،‬لستفادوا من فراغهم فائدة كبرى ‪ ،‬فإن‬
‫الغالب عليهم الجهل المركب ‪ ،‬فلو سألتهم عن معنى آية أو حديث فقهي ‪ ،‬أو تفسير‬
‫غريب ‪ ،‬أو محتوى كتاب مشهور لما أجابوا بقليل ول بكثير ‪.‬‬

‫فما أخسر صفقة من أضاع وقته الثمين وعمره الطويل في غير فائدة دينية أو دنيوية ‪.‬‬
‫وأخسر منه من شغل عمره المديد في ضد الطاعة ‪ ،‬من عكوف على الملهي ‪،‬‬
‫وسماع للغاني ‪ ،‬وإنصات لقصص وأضحوكات ‪ ،‬وتماثيل خيالية ‪ ،‬نسجتها أيدي العداء‬
‫اللداء ‪ ،‬لهدف إضاعة الوقات ‪ ،‬واستفراغ العمار باسم التسلية والترفية عن النفس ‪،‬‬
‫موا أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن ﴾ [ سورة‬‫قلِبُو َ‬ ‫قل َ ٍ‬
‫ب يَن ْ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ي ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫سي َ ْ‬
‫و َ‬
‫ترفيها بريئا كما يعبرون ‪َ ﴿ :‬‬
‫الشعراء الية ‪.]227‬‬

‫مسئولية الباء وأولياء المور ‪:‬‬

‫لقد ثبت في الصحيح قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬كلكم راع وكلكم‬
‫مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمام راع ومسئول عن رعيته ‪ ،‬والرجل راع على‬
‫أهل بيته وهو مسئول عن رعيته »(‪ )1‬الحديث ‪ .‬فرعاية الرجل لهل بيته هي‬
‫سياسته لمرهم ‪ ،‬وإيصالهم حقوقهم الواجبة ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح في‬
‫شرح هذا الحديث(‪ : )2‬وجاء من حديث أنس « فأعدوا للمسألة جوابا » وسنده‬
‫حسن ‪ ،‬ولبن عدي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه‪ « :‬إن الله سائل كل راع‬
‫عما استرعاه ‪ ،‬حفظ ذلك أم ضيعه »(‪)3‬وقد روى الترمذي(‪ )4‬حديث ابن عمر ‪،‬‬
‫وأشار إلى ما في الباب من حديث أبي موسى وأنس ‪ ،‬ثم ذكر أسانيدها ‪ ،‬ورجح فيها‬
‫الرسال ‪.‬‬

‫وبالجملة فالحديث صحيح عن ابن عمر وغيره ‪ ،‬ومعلوم أن الرعاية تستلزم المانة ‪،‬‬
‫والجتهاد في حفظ الرعية ‪ ،‬والنظر في المصالح ‪ ،‬والبعاد عن أسباب الضرر‬
‫والهلك ‪ ،‬فإذا شعر العبد بأنه مسترعى على أهل بيته ‪ ،‬فإنه يحرص على من‬
‫استرعاه الله إياهم ‪ ،‬ويبذل جهده في إصلحهم ‪ ،‬وجلب الخير لهم ‪ ،‬وحراستهم عن‬
‫الشرور والضرار وأسباب الهلك والتردي ‪ ،‬فل بد أن يعد للسؤال جوابا ‪ ،‬وللجواب‬
‫صوابا ‪.‬‬

‫كما أن العاقل يعلم أن مصلحته في حماية الرعية التي تحت يده ‪ ،‬حيث إن صلحهم‬
‫واستقامتهم يجلب له السعادة ‪ ،‬والحياة الطيبة ‪ ،‬وقرة العين عندما يرى ثمرة عنايته‬
‫قد أينعت وأسفرت عن ذرية صالحة ‪ ،‬تبر بالوالد ‪ ،‬وتحنو على الولد ‪ ،‬وتطيع الله تعالى‬

‫رواه البخاري في مواضع أولها رقم ‪ 893‬عن ابن عمر‪ ،‬وأخرجه بقية الجماعة‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫انظر الفتح ‪ 113 / 13‬حيث شرح الحديث هناك‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫كما في الكامل ‪.730 / 1‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫كما في تحفة الحوذي ‪ 361 / 5‬في الجهاد‪ ،‬باب ما جاء في المام‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫‪ ،‬وتعمل السباب في النجاة من عذابه ‪ .‬فإن أصل الرعاية في رعي بهيمة النعام أي‪:‬‬
‫إسامتها ‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن ﴾ [ سورة النحل الية ‪ .] 10‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬كُلوا‬
‫مو َ‬
‫سي ُ‬‫ه تُ ِ‬
‫في ِ‬‫جٌر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬‫و ِ‬
‫﴿ َ‬
‫َ‬
‫م ﴾ [ سورة طه الية ‪.] 54‬‬ ‫مك ُ ْ‬
‫عا َ‬‫وا أن ْ َ‬‫ع ْ‬‫واْر َ‬‫َ‬

‫فرعاة الدواب المأمونون الناصحون يلحظونها ‪ ،‬ويقصدون بها الماكن المعشبة ‪،‬‬
‫ويراقبونها بنظرهم ‪ ،‬ويحفظونها عن السباع واللصوص والضياع ‪ ،‬فمتى فرط الراعي‬
‫في الحفظ والنتباه فإنه مسئول عما ند منها وملزم بالضمان ‪ ،‬وقد قال الشاعر(‪: )1‬‬

‫ومن رعى غنما في أرض مسبعة * * * ونــام عنهــا تــولى رعيهـا‬


‫السـد‬

‫وهكذا يكون أولياء المور متى فرط أحدهم ‪ ،‬وأهمل أولده ‪ ،‬وغفل عن مصلحة‬
‫رعيته ‪ ،‬فإنه يعتبر ملوما وسوف يحاسب على تفريطه ‪ ،‬ويندم على إهماله ‪ ،‬وبطريق ا‬
‫لولى من أفسد رعيته ‪ ،‬ورباهم على سماع الفحشاء والمنكر ‪ ،‬وجلب لهم الجهزة‬
‫التي تفسد أخلقهم ‪ ،‬وتقضي على معنوياتهم ‪ ،‬فإنه مسئول عن إفسادهم وسيندم‬
‫حين ل ينفع الندم ‪.‬‬

‫القدوة الحسنة والقدوة السيئة ‪:‬‬

‫المعتاد والغالب أن البناء والذرية يقتدون بالباء والمربين والمعلمين ‪ ،‬كما حكى الله‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن* َ‬‫ضال ِّي َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫وا آبَاءَ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫م أَل ْ َ‬ ‫ه ْ‬‫ذلك عن أهل الجاهلية في مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِن َّ ُ‬
‫سلْنَا‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬
‫ُ‬
‫ن ﴾ [ سورة َالصافات ‪ 69 :‬ـ ‪ .] 70‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫عو َ‬ ‫هَر ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫علَى آثَا ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫َ‬ ‫على أ ّ‬ ‫َ‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ها إِن ّا َ‬ ‫ُ‬
‫متَْرفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ر إ ِل قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫في قْري َ ٍ‬ ‫ن قبْل ِك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ﴾ [ سورة الزخرف الية ‪ . ] 23‬وقال تعالى عن قوم‬ ‫مقتَدُو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫على آثَا ِ‬ ‫وإِن ّا َ‬ ‫َ‬
‫ن ﴾ [ سورة الشعراء الية ‪ .] 74‬وقال‬ ‫علو َ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا كذَل ِك ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫﴿‬ ‫إبراهيم‪:‬‬
‫َّ‬ ‫قالُوا أ َ‬
‫ؤنَا ﴾ [‬ ‫عبُدُ آبَا ُ‬ ‫ما كَا َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ونَذََر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫﴿‬ ‫هود‪:‬‬ ‫تعالى عن قوم‬
‫سورة العراف الية ‪ .] 70‬وغير ذلك من اليات ‪.‬‬

‫فالباء قدوة حسنة أو سيئة لولدهم ‪ ،‬والقتداء هو التقليد والتباع ‪ ،‬والتمسك بما عليه‬
‫السلف من عقيدة أو عمل ‪ .‬فالمعتاد أن البناء يحسنون الظن بآبائهم ‪ ،‬ويتمسكون‬
‫بما كانوا عليه ‪ ،‬ويعتقدونه سفينة النجاة ‪ ،‬ففي قصة موت أبي طالب لما قال له النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬قل‪ :‬ل إله إل الله ‪ .‬كلمة أحاج لك بها عند الله‬
‫قال له الحاضرون من المشركين‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان‬
‫آخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد المطلب »(‪.)2‬‬

‫ن ﴾ [ سورة المؤمنون‬ ‫ولِي َ‬‫في آبَائِنَا اْل َ َّ‬ ‫هذَا ِ‬‫عنَا ب ِ َ‬


‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫ما َ‬
‫وقد قال عن قوم نوح‪َ ﴿ :‬‬
‫الية ‪ .] 24‬وذلك دليل شدة تمسك الخلف بسنة من سبقهم ‪ ،‬وتصلبهم في ما تلقوه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كَا َ‬
‫ن‬ ‫ع َّ‬ ‫صدَّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ريدُ أ ْ‬ ‫ل يُ ِ‬‫ج ٌ‬‫هذَا إ ِ ّل َر ُ‬‫ما َ‬ ‫عنهم ‪ ،‬كما قال عن المشركين‪َ ﴿ :‬‬
‫م ﴾ [ سورة سبأ الية ‪. ] 43‬‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫عبُدُ آبَا ُ‬
‫يَ ْ‬

‫‪ )(1‬هو أبو مسلم الخراساني‪ ،‬كما في ترجمته في سير أعلم النبلء ‪ ، 53 / 6‬وتاريخ بغداد ‪. 208 / 10‬‬
‫‪ )(2‬أخرجه البخاري في الجنائز برقم ‪ 1360‬وفي تفسير التوبة‪ ،‬ورواه مسلم في اليمان برقم ‪.39‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫ثم إن هناك أخص من التقليد في العقائد أل وهو تأسي الذرية والطفال بما عليه‬
‫المربون وأولياء المور ‪ ،‬واتباعهم في أفعالهم وأقوآله م ‪ ،‬دون تفكير في الحسن‬
‫والقبيح ‪ ،‬والضار والنافع ‪ ،‬والخير والشر ‪ ،‬فمتى كان المربي أو الولي مستقيما متبعا‬
‫للحق ‪ ،‬فإن من تحت يده غالبا يقتدون به ‪ ،‬فتراهم يحافظون على الصلوات في‬
‫الجماعة ‪ ،‬ويتقربون بالنوافل ‪ ،‬ويسابقون إلى المساجد ‪ ،‬ويواظبون على الذكار‬
‫والدعية عقب الصلوات المكتوبة ‪ ،‬ويكثرون من ذكر الله تعالى وتلوة كتابه وتدبره ‪،‬‬
‫ويحبون الخير وأهله ‪ ،‬مقتدين في ذلك بمن يربيهم ويعلمهم ‪ ،‬ويرون أن ذلك هو سبيل‬
‫النجاة ‪ ،‬وإن لم يكن الولي أو المربي يعلمهم ويلقنهم هذه الفضائل والفوائد ‪ ،‬فأما إن‬
‫أضاف إلى أفعاله الحسنة النصح والرشاد ‪ ،‬وتوجيه من تحت يده ‪ ،‬وترغيبهم في فعل‬
‫الخيرات ‪ ،‬وحثهم على الكثار من القربات ‪ ،‬فحدث ول حرج عن تأثرهم وتقبلهم‬
‫وتلقيهم لنصائحه وإرشاداته ‪ ،‬واطمئنانهم إلى صحة ما يهديهم إلى فعله ‪ ،‬وتطبيقهم‬
‫لكل صغيرة وكبيرة يدعوهم إليها غالبا ‪.‬‬

‫وبضد ذلك نرى أن الباء وأولياء المور والمربين والمعلمين متى كانوا منحرفين زائغين‬
‫‪ ،‬ظهر الفساد غالبا فيمن تحت أيديهم من الطفال والذراري ‪ ،‬فينشئون على‬
‫استعمال السباب والشتم واللعن والقذف والعيب والثلب وسيئ المقال أو على‬
‫الوقاحة والرذالة والرعونة والجفاء وخشونة الطباع ‪ ،‬أو على النحراف في الخلق‬
‫والطبائع ‪ ،‬أو على الحسد والظلم والكذب والخيانة والسرقة والختلس والفجور وقول‬
‫الزور ‪ ،‬أو على المعاصي الظاهرة ولو كانت منكرة في العقل والفطرة ‪ ،‬فتراهم‬
‫يقلدون أكابرهم ومشايخهم في شرب الدخان ‪ ،‬وحلق اللحى ‪ ،‬وتعاطي المسكرات‬
‫والمخدرات ‪ ،‬والعكوف على سماع الغاني والملهي ‪ ،‬والنظر في الصور الفاتنة ‪،‬‬
‫والصحف الماجنة ‪ ،‬والفلم الهابطة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬

‫ول شك أن إظهار أمثال هذه المعاصي أمام النشء الصغير غير المميز ‪ ،‬مما يدفعه‬
‫إلى التلوث بها ‪ ،‬أو ببعضها ‪ ،‬سواء تهاون والده به بادئ ذي بدء أو حذر منها ‪ ،‬فإذا‬
‫أعلن فعلها أمام الطفال والجهال ‪ ،‬حتى نشبوا في تلك الحبائل ‪ ،‬ثم حاول تخليصهم‬
‫وإنقاذهم منها تعب في ذلك ولم يستطع ‪ ،‬فيندم حين ل ينفع الندم ‪ .‬فل تسأل عما‬
‫يحدث من جراء التخلق بمثل هذه الخلق الرذيلة ‪ ،‬حيث يتحلى الولد بالعقوق‬
‫والعصيان ‪ ،‬والمخالفة الظاهرة لولي أمره ‪ ،‬ويصبح كل على أبويه ‪ ،‬يذيقهما مرارة‬
‫الحياة ‪ ،‬ويجرعهما غصص الذى ‪ ،‬حيثما لم يترب على معرفة حق الله تعالى ‪ ،‬وما أمر‬
‫به في حق البوين ‪ ،‬وإنما يسعى في نيل شهوته البهيمية ‪ ،‬واتباع غريزته الدنية ‪ ،‬ونيل‬
‫ما يهواه ‪ ،‬دون مبالة بحل أو حرمة أو حق لله أو للوالدين ‪ ،‬حيث ل يعرف من العلم‬
‫والدين ما يردعه أو يمنعه عن العبث بحق ربه وأهله ‪ ،‬كما يعبث الطفل بلعبته ‪.‬‬

‫ولقد كثر هذا الضرب في شباب المسلمين ‪ ،‬فتراهم يتسكعون في السواق والطرق ‪،‬‬
‫يعاكسون ‪ ،‬ويمارسون المنكر ‪ ،‬وتجدهم طوال الليل على الرصفة وأطراف الطرق‬
‫المتطرفة ‪ ،‬وفي الصحاري وخارج المدن ‪ ،‬يلعبون ويمرحون ‪ ،‬ونرى أحدهم في‬
‫جلسائه وقد أشعل سيجارته ‪ ،‬وتفيهق في مشيته ‪ ،‬وتحلى كما تتحلى الناث بالتختم‬
‫بالذهب أو الضيق من اللباس ‪ ،‬مما يسبب التأنث والنحراف عن شيم الرجال‬
‫وشهامتهم ‪ ،‬فنهاية أحد أولئك الكسل والبطالة ‪ ،‬فتراه عاطل خامل ‪ ،‬فل نجاح في‬
‫الدراسة ‪ ،‬ول لزوم لعمل مفيد ‪ ،‬ول حرفة ول صناعة ‪ ،‬حتى إن الكثير من آبائهم‬
‫يتمنون لهم الموت سريعا ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫وكم حاول بعض الولياء القضاء على هؤلء‪ -‬ولو كانوا أبناءهم‪ -‬وإعدامهم من الوجود؟‬
‫لما يلقونه من الذى وسوء المقال ‪ ،‬وتكبد الخسارة ‪ ،‬وإنفاق الموال الطائلة عليهم ‪،‬‬
‫وهذا هو نتيجة الهمال في زمن المهال ‪ ،‬أو هو أثر التربية السيئة ‪ ،‬والتنشئة على‬
‫اللهو والباطل ‪ ،‬حتى تمكن فيهم الفساد ‪ ،‬فحاول الولي إقامتهم ولت حين مناص ‪.‬‬

‫حكم تربية الكفار لولد المسلمين ‪:‬‬

‫لقد قرأت سابقا ما نشر في جريدة الرياض عدد (‪ )5277‬وتاريخ ‪ 1403 / 2 / 2‬هـ تحت‬
‫عنوان (هل تصح كفالة المسيحي للمسلم) بقلم عبد الله السباك ‪ ،‬الذي ذكر أنه اتفق‬
‫صدفة بخواجة أسترالي ‪ ،‬وعلم بواسطته أن هناك جمعيات في بلد النصارى ‪،‬‬
‫كبريطانيا وأستراليا وهولندا وكندا والوليات المتحدة ‪ ،‬وأن تلك الجمعيات تعمل ما‬
‫يكون صرفا لولد المسلمين عن دين السلم ‪ ،‬وذلك بكفالة الطفال الذين فقدوا‬
‫آباءهم ومن يعولهم ‪ ،‬وأنها جعلت لها مراكز في البلدان النامية ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

‫وأنا أجيب على عنوان المقالة الذي جاء بالستفهام عن حكم كفالة المسيحي‬
‫للمسلم ‪ ،‬فأقول‪ :‬ل يجوز شرعا تمكين الكفار من الولية على المسلمين ‪ ،‬فإن ديننا‬
‫الحنيف قد جاء بالتفريق بين القارب لجل السلم ‪ ،‬نهى عن موالة من حاد الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ورسوله ولو كان من الباء أو البناء أو العشيرة فقال تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫خوانَك ُ َ‬ ‫ل تَت َّ ِ‬
‫ن ﴾ [ سورة‬ ‫ما ِ‬ ‫علَى اْلِي َ‬ ‫فَر َ‬ ‫حبُّوا الْك ُ ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ولِيَاءَ إ ِ َِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وإ ِ ْ َ‬‫م َ‬ ‫خذُوا آبَاءَك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫خذُوا الْكَا ِ‬ ‫منُوا ل تَت َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ولِيَاءَ‬‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫التوبة الية ‪ .] 23‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫ذ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ﴾ [ سورة النساء الية ‪ .] 144‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ل يَت َّ ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ذَل ِك فلي ْ َ‬ ‫ن ي َف َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ن َ‬‫منِي َ‬‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬‫ولِيَاءَ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫ن الكا ِ‬ ‫منُو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ال َ ُ‬
‫ء ﴾ [ سورة آل عمران الية ‪. ] 28‬‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّـ ِ‬

‫وأمر الله تعالى بالهجرة من بلد الكفر ‪ ،‬ومفارقة الهل والقبيلة ‪ ،‬رغم ما ركب في‬
‫الفطر من حب الوطان والتعصب للقبائل؛ فتجب الهجرة والفرار من البلد التي يعلن‬
‫فيها الكفر ‪ ،‬ويستذل فيها المسلمون ‪ ،‬ويلقون الذى ‪ ،‬ويسمعون السخرية والستهزاء‬
‫بدينهم وبحرمات السلم؛ فيجب عليهم الخروج منها حفاظا على الدين ‪ ،‬وحرصا على‬
‫التمسك بالعقيدة ‪ ،‬وإعلن العمل بشعائر السلم ‪ ،‬وإنما عذر الله من الهجرة‬
‫َ‬
‫ولْدَا ِ‬
‫ن‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ء َ‬
‫سا ِ‬
‫والن ِّ َ‬
‫ل َ‬
‫جا ِ‬
‫ر َ‬
‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫في َ‬
‫ع ِ‬
‫ض َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫المستضعفين بقوله تعالى‪ ﴿ :‬إ ِ ّل ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫سبِيًل ﴾ [ سورة النساء الية ‪.] 98‬‬ ‫ن َ‬ ‫هتَدُو َ‬ ‫وَل ي َ ْ‬ ‫حيل َ ً‬
‫ة َ‬ ‫ن ِ‬
‫عو َ‬ ‫َل ي َ ْ‬
‫ستَطِي ُ‬

‫وذلك أن بقاء المسلم بين ظهراني قوم كفار يكون سببا في تعذيبه وأذاه ‪ ،‬وإلحاق‬
‫الضرر به ‪ ،‬أو سببا في افتتانه ورجوعه عن دينه ‪ ،‬وإذا كان هذا يتصور في الرجل‬
‫الكبير العاقل ‪ ،‬فكيف بالطفل الصغير الذي ل يميز بين الديان ‪ ،‬فيجب إبعاد أولد‬
‫المسلمين عن ولية الكفار والمشركين وأهل البدع والمعاصي؛ وذلك لن كل فرد‬
‫غالبا يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه ‪ ،‬ويألف العادات والعمال والخلق المنتشرة‬
‫الشائعة في الوطن الذي يعيش فيه ‪ ،‬وبين المواطنين الذين ينشأ بين ظهرانيهم ‪،‬‬
‫وتظهر وتنطبع آثارها في ديانته ومعتقده ومعاملته ‪.‬‬

‫فإن عاش الطفل وتربى في بلد تحكم بالشرع الشريف ‪ ،‬وتطبقه في العادات‬
‫والقربات ‪ ،‬فتؤدي الواجبات الدينية ‪ ،‬وتتجنب المحرمات ‪ ،‬وتتنزه عن الجرائم‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫ومساوئ الخلق ‪ ،‬فإن هذه العمال ‪-‬ول بد‪ -‬سوف تتحكم في ميوله ‪ ،‬ويهواها بقلبه ‪،‬‬
‫ويألفها وينصبغ قلبه بمحبتها ‪ ،‬ويبغض أضدادها وينفر منها ‪ ،‬ويكره أهلها ويمقتهم ‪.‬‬

‫أما إن تربى في مجتمع يظهر الفساد ‪ ،‬ويعتدي على العباد ‪ ،‬ويبطش بغير حق ‪،‬‬
‫ويخالف مقتضى العقل والنقل ‪ ،‬ويستحسن خلف الشرع ‪ ،‬وينتهك الحرمات ‪ ،‬ويخل‬
‫بالواجبات ‪ ،‬ويدين بالبدع ‪ ،‬ويستحسنها ويعمل بموجبها ‪ ،‬فإن ذلك الناشئ عادة يكون‬
‫منهم ‪ ،‬ويعمل كعملهم ‪ ،‬ويعتقد ما يعتقدونه من كفر أو إلحاد أو نفاق ‪ ،‬أو بدع مضللة‬
‫أو مفسقة ‪ ،‬ويجزم بأن ذلك هو عين الصواب ‪ ،‬وأن ما عداه خطأ وضلل ‪ .‬فتأثير البيئة‬
‫والمجتمعات في تغيير الفطر وصرف القلوب أمر محسوس جلي ل شك فيه ‪ ،‬وقد دل‬
‫على ذلك الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ « :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫يمجسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء‬
‫فطََر النَّا َ‬
‫س‬ ‫ه الَّتِي َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّـ ِ‬ ‫فطَْر َ‬ ‫»(‪ )1‬ثم يقول أبو هريرة ‪ " :‬اقرءوا إن شئتم ‪ِ ﴿ :‬‬
‫َ‬
‫ه ﴾ فقد أخبر أن الطفل يولد على الفطرة ‪ ،‬وهي الحنيفية‬ ‫ق الل ّـ ِ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ها ل تَب ْ ِ‬ ‫علَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫السمحة ‪ ،‬فلو ترك وفطرته لعرف أن له ربا خالقا مالكا متصرفا ‪ ،‬وعرف أن الذي‬
‫خلقه ورزقه وسخر له البوين ‪ ،‬وكمل خلقه ‪ ،‬أن له عليه حقوقا وعبادات ‪ ،‬كما على‬
‫العبد لمالكه ‪ .‬ثم أخبر أنه ينصرف وينحرف عن تلك الفطرة بما ألفى عليه أبويه ‪،‬‬
‫حيث نشأ معهما وتلقى عنهما ما يدينان به من يهودية أو نصرانية أو مجوسية ‪ ،‬أو وثنية‬
‫أو بوذية أو هندوسية ‪ ،‬أو غيرها من الملل الكفرية ‪ ،‬وهكذا إن كان أبواه يعتقدان‬
‫عقيدة منحرفة ‪ ،‬كبدعة الرافضة والفلسفة ‪ ،‬والدروز والباطنية ‪ ،‬والبعثية والنصيرية ‪،‬‬
‫والمعطلة والمشبهة ‪ ،‬والبهائية والقاديانية ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬فإن البوين يلقنان أولدهما ما‬
‫يدينان به ؛ فيتربى الطفل على تلك العقائد الضالة جازما بصحتها ‪ ،‬عازفا عما سواها ‪،‬‬
‫ل يحدث نفسه بالنظر في غيرها ‪ ،‬فيعزب عن باله ما تتكون منه ‪ ،‬وما تحويه من‬
‫الكفر والضلل ‪ ،‬والنحراف عن الهدي المستقيم ‪ ،‬ول يتصور ما يرد عليها من الدلة‬
‫َ‬
‫ن أُوتُوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن أتَي ْ َ‬ ‫ولَئ ِ ْ‬ ‫النيرة التي توضح فسادها ‪ ،‬وقد قال تعالى في اليهود ‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م بِتَاب ِ ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ما ب َ ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قبْلَت َ ُ‬ ‫ع ِ‬‫ت بِتَاب ِ ٍ‬ ‫ما أن ْ َ‬‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫قبْلَت َ َ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ما تَب ِ ُ‬ ‫ة َ‬
‫ل آي َ ٍ‬ ‫ب بِك ُ ِّ‬ ‫الْكِتَا َ‬
‫ض ﴾ [ سورة البقرة الية ‪] 145‬مع أن هذا في شأن القبلة ‪ ،‬وهي فرد من‬ ‫ع ٍ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫قبْل َ َ‬ ‫ِ‬
‫د‬
‫هو ُ‬ ‫ك الْي َ ُ‬ ‫عن ْ َ‬‫ضى َ‬ ‫ن تَْر َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫جزئيات الديانة ‪ ،‬فكيف بأصل َ العقيدة ‪ ،‬فقد قال تعالى ‪َ ﴿ :‬‬
‫م ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ .] 120‬فمتى تربى شخص‬ ‫ه ْ‬ ‫مل ّت َ ُ‬‫ع ِ‬ ‫حتَّى تَتَّب ِ َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫وَل الن َّ َ‬ ‫َ‬
‫منذ حداثته على أخلق أو عقائد ‪ ،‬ونشأ عليها وألفها ‪ ،‬فإن تحويله عنها من الصعوبة‬
‫بمكان ‪ ،‬مهما بذلت له المحاولت ‪ ،‬وأقيمت عليه البراهين ‪ ،‬وأوضحت له الحجج التي‬
‫تنير الحق ‪ ،‬وتبين سفاهة من دان بتلك الديان الباطلة ‪ ،‬أو انتحل تلك النحل الزائغة ‪،‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫قلُو ُ‬ ‫مى ال ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ولَك ِ ْ‬ ‫صاُر َ‬ ‫مى اْلب ْ َ‬ ‫ع َ‬‫ها َل ت َ ْ‬ ‫فإِن َّ َ‬
‫أو صدق بتلك العقائد المنحرفة ‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬
‫ر ﴾ [ سورة الحج الية ‪ .] 46‬فرجوع مثل هذا إلى الصواب مع‬ ‫صدُو ِ‬ ‫في ال ُّ‬ ‫ال ّتِي ِ‬
‫رسوخ الباطل في ذهنه ‪ ،‬شبه المستحيل إل ما شاء الله ‪ .‬ولما كانت التربية في سن‬
‫الطفولية لها هذا التأثير في تقويم النسان أو انحرافه ‪ ،‬رأينا النصارى والرافضة‬
‫ونحوهم من أعداء السلم والسنة يبذلون كل وسيلة ‪ ،‬ويعملون كل حيلة في الحصول‬
‫على ولية وحضانة وتربية أطفال المسلمين ‪ ،‬سيما الذين يفقدون آباءهم بموت أو‬
‫قتل أو غيبة أو سجن مؤبد أو تشريد ‪ ،‬كما هو حاصل في كثير من البلد تاركين خلفهم‬
‫أعدادا كثيرة من الطفال والذراري ‪ ،‬ممن ل يزالون في سن الطفولية ‪ ،‬فبعد أن‬
‫يغيب أو يموت الباء ‪ ،‬ويبقى أولئك الطفال منقطعين ‪ ،‬ل يجدون من يعولهم أو يرعى‬
‫شئونهم من قريب أو نسيب ‪ ،‬أو ذي رحم ‪ ،‬أو مسلم يشفق على ذرية إخوته‬

‫‪ )(1‬الحديث رواه البخاري برقم ‪ 1385‬وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬والية رقم ‪ 30‬من سورة الروم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫المسلمين ‪ ،‬فعند ذلك ينتهز الفرصة أعداء الدين ‪ ،‬من نصارى وشيوعيين ‪ ،‬ويهود‬
‫وفلسفة ‪ ،‬ورافضة وقبوريين ‪ ،‬والضلل من المتصوفة وغيرهم ‪ ،‬فيتتبعون أولئك‬
‫الطفال في أكواخهم ومساكنهم المتواضعة ‪ ،‬ويغرونهم بالمال ‪ ،‬وبالمنازل الرفيعة ‪،‬‬
‫وينقلونهم من فقر وفاقة وشدة مؤنة إلى رغد عيش ورفاهية وبيوت مكيفة مكملة‬
‫بكل ما يتمنون ‪ ،‬فيربونهم كما أرادوا ‪ ،‬ويعلمونهم الديان التي ينتحلونها ‪ ،‬ويتولون‬
‫تنشئتهم كما يريدون ‪ ،‬ويغسلون أدمغتهم من روح السلم ‪ ،‬ومن دينهم الذي ولدوا‬
‫عليه ‪ ،‬والذي صبر عليه آباؤهم وأجدادهم ‪ ،‬وتمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ حتى‬
‫فارقوا الدنيا ‪ .‬وبل شك أن هؤلء الطفال متى نشأوا وتربوا على أيدي أولئك الكفار‬
‫والمبتدعين ‪ ،‬بعيدين عن أهليهم وأوطانهم ‪ ،‬ومقر أديانهم وأديان أسلفهم ‪ ،‬فإنهم‬
‫يدينون بديانة أولئك المربين والمدربين ‪ ،‬ل يعرفون غيرها ‪ ،‬ول يخطر ببالهم أن هناك‬
‫دينا أصلح مما تعلموه ؛ فيصبح أولد المسلمين كفارا ومشركين ‪ ،‬أو نصارى ويهودا ‪،‬‬
‫أو روافض ومبتدعين ‪ ،‬أو نحو ذلك من الديانات الباطلة ‪ ،‬ويصبحون وبال على الدين‬
‫الصحيح ‪ ،‬وأعداء للسلم الذي هو دين آبائهم وأسلفهم ‪ ،‬والواقع يشهد بذلك ‪ .‬وقد‬
‫ذكر بعض الدعاة الذين سافروا إلى البلد النازحة أن أعدادا كبيرة من مسلمي الهند‬
‫ومسلمي أفغانستان نزحوا إلى قارة أستراليا التي يحكمها النصارى ‪ ،‬فنشأ أولدهم‬
‫على ‪ .‬دين النصارى ‪ ،‬وتعلموا لغتهم ‪ ،‬ودانوا بما هم عليه ‪ ،‬حيث لم يكن هناك من‬
‫يعلمهم دين السلم ‪ ،‬فتولى النصارى تربيتهم ولقنوهم دين النصرانية ‪.‬‬

‫فتح المدارس والمستشفيات في بلد السلم ‪:‬‬

‫لقد فكر أعداء الله تعالى فيما يتوصلون به إلى إضلل المسلمين ‪ ،‬ويكسبون به‬
‫قلوبهم وأبدانهم ‪ ،‬ويغيرون به أديانهم ‪ ،‬فبذلوا كل جهد في التهويد والتنصير ‪ ،‬والخراج‬
‫من المعتقد السليم ‪ ،‬والدين القويم ‪ ،‬بعد أن رأوا قوة المسلمين وانتصارهم ‪ ،‬وفتحهم‬
‫البلد بعد فتحهم القلوب ‪ ،‬ورأوا أن الدين الصحيح والعقيدة السلفية ل يقوم أمامها‬
‫قائم ‪ ،‬ول يستطيع مقاومتها ذو قوة وبأس ومنعة ‪ ،‬فلم يجدوا سوى الغزو الفكري ‪،‬‬
‫والسعي في الصد عن الصراط السوي ‪ ،‬فبذلوا كل ما يستطيعونه من قوة ‪ ،‬وأعملوا‬
‫كل حيلة ووسيلة ‪ ،‬وكان من بين ما فكروا فيه ‪ ،‬ونجحوا في تفكيرهم ‪ ،‬هو فتح‬
‫المدارس التبشيرية كما يعبرون ‪ ،‬فأسسوا الكثير من تلك المدارس في بلد يدين‬
‫أهلها بالسلم ‪ ،‬سيما بين الدول الفقيرة التي تعوزها النفقة ‪ ،‬ويهم أحدهم تحصيل‬
‫القوت الضروري ‪ ،‬فانتهز أولئك المنصرون الفرص في حينها ‪ ،‬وعرضوا عليهم أن يبنوا‬
‫لهم مدارس ومستشفيات ‪ ،‬ودور تعليم ‪ ،‬وخدعوهم بأن ذلك للرفق بهم والرحمة‬
‫والنسانية ‪ ،‬وقاسموهم أنهم لهم ناصحون ‪ ،‬ليعلموا أولدهم ‪ ،‬ويعالجوا مرضاهم ‪،‬‬
‫فصدقهم أولئك الهالي ‪ ،‬فبادروا وانتهزوا الفرصة ‪ ،‬ولم يهمهم ما بذلوا من الموال‬
‫الطائلة في إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات ‪ ،‬وما أولوهم من العناية والتربية‬
‫والتعليم والعلج ‪ ،‬هذه حيلة النصارى ‪ ،‬ومثلهم الرافضة الذين يدعون السلم وهم‬
‫بعيدون منه ‪ ،‬فقد اشتهر عنهم غزوهم لغلب البلد السلمية التي يدين أهلها بالسنة ؛‬
‫ليصرفوهم إلى عقيدة الرفض والتشيع ‪ ،‬فيؤسسون عندهم ما يحتاجونه من المدارس‬
‫والمرافق ‪ ،‬ويبذلون لهم المنح الدراسية ‪ ،‬ويحرصون على استقدام أفواج الطلب من‬
‫مختلف البلد السلمية التي تدين بعقيدة أهل السنة ؛ ليتولوا تعليمهم كما يشاءون‬
‫فيزينون لهم معتقد التشيع الزائغ ‪ ،‬ويوهمونهم صحة ما هم عليه ‪ ،‬وهكذا يفعل كل من‬
‫كان على نحلة أو اعتقاد‪ -‬ولو اتضح خطؤه‪ -‬في الدعوة إلى أديانهم ‪ ،‬وعدم المبالة بما‬
‫يصرفونه على تأسيس تلك المدارس ودور التعليم ‪ ،‬ول يهمهم ما أنفقوه على‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫التلميذ ‪ ،‬وما أعطوه لهم من قليل المال وكثيره ؛ ليكون ذلك حافزا لولئك الجهلة‬
‫على النضواء تحت رعايتهم ‪ ،‬والتهافت إلى مدارسهم ودور تعليمهم ‪ ،‬والتلقي عن‬
‫أساتذتهم ؛ لكون التعليم مجانا ‪ ،‬باسم التعليم والتثقيف ‪ ،‬وإزالة الجهل ‪ ،‬مع ما يبذلون‬
‫للطلب ويغرونهم به من المرتبات والجوائز ‪ ،‬والطعمة المجانية ‪ ،‬والكسوة وإنفاق‬
‫كل ما يحتاجونه من الكتب والقلم والدفاتر ‪ ،‬والدوات المدرسية ‪ ،‬فل جرم تمكنوا‬
‫من نيل مقاصدهم ‪ ،‬فوصلوا إلى تبديع وتنصير الفئات والجماعات من شباب‬
‫المسلمين وكهولهم وشيوخهم ‪ ،‬بهذه الحيل الفاتنة ‪ ،‬وحيث إن تربية الطفال ينتج عنها‬
‫التدين بما يلقيه المربي ‪ ،‬واعتقاده أصل ومنهجا ‪ ،‬يصعب النفكاك عنه والتخلي عن‬
‫العمل به ‪ ،‬ولو كان في أصله دينا باطل ‪ ،‬أو كفرا أو ضلل ‪ ،‬فإن هذه الحضانة والتربية‬
‫بأيدي الكفار والمضلين ل تجوز شرعا ‪ ،‬فل يجوز أن يمكن الكافر من تولي الطفل‬
‫المسلم حال طفوليته ‪ ،‬ولو كان ذلك الكافر أو المبتدع أباه أو أخاه ‪ ،‬أو قريبه أو نسيبه‬
‫‪ ،‬كما أن القريب المسلم إذا كان فاسقا أو عاصيا ل يجوز أن يتولى حضانة الصبي‬
‫المسلم مهما كانت قرابته ؛ لنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ‪ ،‬ول حظ‬
‫للطفل في حضانته ؛ لنه ينشأ على طريقته ‪ ،‬ويقع فيما وقع فيه ‪ .‬وهذا أمر محسوس‬
‫‪ ،‬فإن المطلوب من الحضانة أمر زائد على الغذاء والحفظ البدني ‪ ،‬والتطهير‬
‫والتنظيف الظاهر ‪ ،‬ذلك المر هو التغذية الروحية ‪ ،‬وتنمية الفطرة الدينية ‪ ،‬وتطبيقها‬
‫عمليا ‪ ،‬فمتى كان المربي أو المعلم منحرفا زائغا في المعتقد ‪ ،‬أو متلبسا بذنب مكفر‬
‫أو مفسق ‪ ،‬فإنه يظهر حال تلبسه به أمام أولئك الطفال ‪ ،‬ويوهمهم أن ذلك الذنب‬
‫حسن أو ل محذور فيه ‪ ،‬فلذلك يشاهد أن المبتدعة كالمعتزلة والرافضة ونحوهم ينشأ‬
‫أولدهم على معتقدهم الزائغ ‪ ،‬كما أن تارك الصلة وشارب الخمر والمدخن والزاني‬
‫وآكل الربا والسارق والقاذف واللعان والطعان ونحوهم يألف أولدهم تلك المعاصي ‪،‬‬
‫ويفعلونها محاكاة لبائهم ‪ ،‬ويصعب تحويلهم عنها ‪ ،‬حيث نشأوا عليها منذ نعومة‬
‫أظفارهم ‪ ،‬فل يعرفون سواها ‪ ،‬ولم يجدوا موجها صالحا في صغرهم ينبههم على‬
‫خطرها وضررها ‪ .‬فإذا كان هذا في العصاة والمذنبين فكيف بالكفار والمشركين من‬
‫النصارى والوثنيين والملحدين ‪ .‬وإليك بعض ما قال علماء السلم في حضانة الكافر‬
‫للمسلم وحكمها ‪.‬‬
‫قال أبو محمد ابن قدامة في المغني ‪ " : 612 / 7‬ول تثبت‪ -‬يعني الحضانة‪ -‬لكافر على‬
‫مسلم ‪ ،‬وبهذا قال مالك والشافعي وسوار والعنبري ‪ .‬وقال ابن القاسم وأبو ثور‬
‫وأصحاب الرأي ‪ :‬تثبت له ؛ لما روي عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه عن جده رافع‬
‫بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ‪ ،‬فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‪:‬‬
‫ابنتي وهي فطيم أو شبهه ‪ .‬وقال رافع ‪ :‬ابنتي ‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أقعد ناحية » وقال لها ‪ « :‬اقعدي ناحية » ‪،‬‬
‫وقال ‪ « :‬ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬
‫اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها ‪ .‬رواه أبو داود (‪ .)1‬ولنا ‪ :‬أنها ولية ‪ ،‬فل تثبت‬
‫لكافر على مسلم ‪ ،‬كولية النكاح والمال ‪ ،‬ولنها إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى ‪،‬‬
‫فإن ضرره أكثر ‪ ،‬فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن السلم بتعليمه الكفر وتزيينه له ‪،‬‬
‫وتربيته عليه ‪ ،‬وهذا أعظم الضرر ‪ .‬والحضانة إنما تثبت لحظ الولد ‪ ،‬فل تشرع على‬
‫وجه يكون فيه هلكه وهلك دينه ‪ .‬فأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ‪ ،‬ول‬

‫‪ )(1‬هو في سنن أبي داود في كتاب الطلق برقم ‪ ، 2244‬ورواه أيضا النسائي في سننه (المجتبى) ‪ ، 185 / 6‬وابن ماجه‬
‫في الحكام برقم ‪ 2352‬من طرق عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه به ‪ .‬وعند ابن ماجه ‪ :‬عن عبد الحميد بن سلمة ‪.‬‬
‫وجعل النسائي المولود ذكرا ‪ ،‬وكذا عند ابن ماجه ‪ .‬وذكر المزي أن رافع بن سنان هو جد جد عبد الحميد ؛ فيكون‬
‫الحديث مرسل أو منقطعا ‪ .‬وذكره البوصيري في الزوائد وقال ‪ :‬عبد الحميد وأبوه وجده مجهولون ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫يثبته أهل النقل ‪ ،‬وفي إسناده مقال ‪ .‬قال ابن المنذر(‪ : )2‬ويحتمل أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم علم أنها تختار أباها بدعوته ‪ ،‬فكان ذلك خاصا في حقه " ا هـ ‪.‬‬

‫وهذا الخلف المذكور وقع فيما إذا كان الكافر قريبا للطفل ‪ ،‬كالم التي هي أولى‬
‫بالحضانة ‪ ،‬وأعرف بشئون التنظيف والعناية بالطفل ‪ ،‬وأصبر على حمله وفصاله ‪،‬‬
‫وأعرف بتغذيته ورعاية مصالحه ‪ .‬وقال ابن حزم في المحلى ‪: 742 / 11‬‬
‫" الم أحق بحضانة الولد الصغير والبنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الحتلم أو‬
‫النبات مع التمييز وصحة الجسم ‪ ،‬فإن لم تكن الم مأمونة في دينها ودنياها نظر لهما‬
‫بالحوط في دينهما ثم دنياهما ‪ ،‬فحيثما كانت الحياطة لهما في كل الوجهين وجبت‬
‫هنالك ‪ ،‬عند الب أو الخ أو الخت أو العمة أو الخالة ‪ ،‬أو العم أو الخال ‪ .‬وذو الرحم‬
‫أولى من غيرهم بكل حال ‪ ،‬والدين مغلب على الدنيا ‪ . . .‬والم الكافرة أحق‬
‫بالصغيرين مدة الرضاع ‪ ،‬فإذا بلغا من السن والستغناء ومبلغ الفهم فل حضانة لكافرة‬
‫علَى الْب ِ ّ ِ‬
‫ر‬ ‫ونُوا َ‬ ‫عا َ‬‫وت َ َ‬
‫ول فاسقة ‪ . .‬وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل ‪َ ﴿ :‬‬
‫ن ﴾ [ سورة المائدة الية ‪ ] 2‬وقال‬ ‫وا ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫عدْ َ‬ ‫علَى اْلِثْم ِ َ‬ ‫ونُوا َ‬ ‫عا َ‬ ‫وَل ت َ َ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬‫والت َّ ْ‬ ‫َ‬
‫ط ﴾ [ سورة النساء الية ‪ ] 135‬وقوله تعالى ‪﴿ :‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن بِال ْ ِ‬‫مي َ‬ ‫ق َّ‬
‫وا ِ‬ ‫تعالى ‪ ﴿ :‬كُونُوا َ‬
‫ه ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 120‬فمن ترك الصغير‬ ‫وبَاطِن َ ُ‬ ‫هَر اْلِثْم ِ َ‬ ‫وذَُروا ظَا ِ‬ ‫َ‬
‫والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر ‪ ،‬ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وعلى ترك الصلة ‪ ،‬والكل في رمضان ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬والنس‬
‫إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر ‪ ،‬أو على صحبة من ل خير فيه ‪ ،‬والنهماك على‬
‫البلء فقد عاون على الثم والعدوان ‪ ،‬ولم يعاون على البر والتقوى ‪ ،‬ولم يقم بالقسط‬
‫‪ ،‬ول ترك ظاهر الثم وباطنه ‪ ،‬وهذا حرام ومعصية ‪ ،‬ومن أزالهما عن المكان الذي فيه‬
‫ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلة والصوم ‪ ،‬وتعلم القرآن ‪ ،‬وشرائع السلم ‪،‬‬
‫والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والتنفير عن الخمر والفواحش ‪،‬‬
‫فقد عاون على البر والتقوى ‪ ،‬ولم يعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬وترك ظاهر الثم‬
‫وباطنه ‪ ،‬وأدى الفرض في ذلك ‪.‬‬
‫ن‬
‫ع َ‬‫ض ْ‬ ‫ت يُْر ِ‬ ‫والِدَا ُ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫وأما مدة الرضاع فل نبالي عن ذلك ؛ لقول الله تعالى ‪َ ﴿ :‬‬
‫ن ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ ، ] 233‬ولن الصغيرين في هذه‬ ‫ولَي ْن كَا ِ َ‬ ‫ه َّ‬‫وَلدَ ُ‬ ‫َ‬
‫ملي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫أ ْ‬
‫السن ومن زاد عليها بعام أو عامين ل فهم لهما ‪ ،‬ول معرفة بما يشاهدان ‪ ،‬فل ضرر‬
‫عليهما في ذلك ‪ ،‬فإن كانت الم مأمونة في دينها والب كذلك فهي أحق من الب ‪،‬‬
‫لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ‪ ،‬ثم الجدة كالم ‪ ،‬فإن لم تكن‬
‫مأمونة ل الم ول الجدة في دينها ‪ ،‬أو تزوجت غير مأمون في دينه ‪ ،‬وكان الب مأمونا‬
‫فالب أولى ثم الجد ‪ ،‬فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه ‪ ،‬وكان للصغير أو‬
‫الصغيرة أخ مأمون في دينه ‪ ،‬أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى ‪ ،‬وهكذا في‬
‫القارب بعد الخوة ‪ ،‬فإن كان أحدهما أحوط في دينه ‪ ،‬والخر أحوط في دنياه ‪،‬‬
‫فالحضانة لذي الدين‪ -‬إلى أن قال‪ -‬وأيضا فنحن ل ننكر تخييره إذا كان أحد البوين‬
‫أرفق به ‪ ،‬ول شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ل يخير بين خير وشر ‪ ،‬ول‬
‫شك في أنه عليه الصلة والسلم ل يخير إل بين خيرين ‪ ،‬وكذلك نحن على يقين من‬
‫أنه عليه الصلة والسلم ل يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في‬
‫حالته ‪ ،‬فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ‪ ،‬ويميل إلى الراحة والهمال ‪ " . . .‬إلى آخر‬
‫كلمه رحمه الله تعالى ‪.‬‬
‫فمتى سقطت حضانة القريب الذي يهمل الولد ‪ ،‬أو يربيهم على الكفر والفسوق‬
‫والمعاصي ‪ ،‬أو في مجتمع وبيئة بعيدة عن العلم‬

‫‪ )(2‬وفي طبعة التركي ‪ :‬قاله ابن المنذر ‪ .‬وقد يرجحه النقل عن ابن القيم كما يأتي ‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫والدين وتفاصيل الشريعة ‪ ،‬فبطريق الولى إذا كان المربي بعيد الصلة والنسب من‬
‫أولئك الطفال ‪ ،‬ول قصد له ول أرب في إصلح أديانهم ‪ ،‬بل جل همه صرفهم عن‬
‫عقيدتهم ‪ ،‬وتلقينهم ملة غير ملة آبائهم وأسلفهم ‪ ،‬وهذا بل شك هدف تلك الدول‬
‫الكافرة من حرصهم على احتضان ذراري المسلمين الذين فقدوا آباءهم وأهليهم ‪ ،‬أو‬
‫الذين ابتلوا بالفقر والفاقة ‪ ،‬واشتدت حاجتهم إلى المادة البدنية والروحية ‪ ،‬وقد اتفق‬
‫جمهور العلماء على أن العاصي والفاسق ل ولية له على الصبي المحكوم بإسلمه ‪،‬‬
‫وأحب أن أنقل هنا كلم بعض العلماء ‪ ،‬لتوضيح ذلك ‪ ،‬وذكر المفاسد التي تنشأ عن‬
‫تولي الفسقة وتربيتهم ‪ ،‬فمن ذلك كلم شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ ،‬قال في‬
‫مجموع الفتاوى ‪ " : 131 / 34‬فلو قدرنا أن الب ديوث ل يصونه والم تصونه لم نلتفت‬
‫إلى اختيار الصبي ‪ ،‬فإنه ضعيف العقل ‪ ،‬قد يختار أحدهما؟ لكونه يوافق هواه الفاسد ‪،‬‬
‫ويكون الصبي قصده الفجور ومعاشرة الفجار ‪ ،‬وترك ما ينفع من العلم والدين والدب‬
‫والصناعة ‪ ،‬فيختار من أبويه من يحصل له معه ما يهواه ‪ ،‬والخر قد يرده ويصلحه ‪.‬‬
‫ومتى كان المر كذلك فل ريب أنه ل يمكن من يفسد معه حاله ‪ .‬والنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪ « :‬مروهم بالصلة لسبع ‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر ‪،‬‬
‫وفرقوا بينهم في المضاجع »(‪ )1‬فمتى كان أحد البوين يأمره بذلك والخر ل‬
‫يأمره ‪ ،‬كان عند الذي يأمره بذلك دون الخر ؛ لن ذلك المر له هو المطيع لله‬
‫ورسوله في تربيته ‪ ،‬والخر عاص لله ورسوله ‪ ،‬فل نقدم من يعصي الله فيه على من‬
‫يطيع الله فيه ‪ ،‬بل يجب إذا كان أحد البوين يفعل معه ما أمر الله به ورسوله ‪ ،‬ويترك‬
‫ما حرم الله ورسوله ‪ ،‬والخر ل يفعل معه الواجب ‪ ،‬أو يفعل معه الحرام ‪ ،‬قدم من‬
‫يفعل الواجب ‪ ،‬ولو اختار الصبي غيره ‪ ،‬بل ذلك العاصي ل ولية له عليه بحال ‪ ،‬بل كل‬
‫من لم يقم بالواجب في وليته فل ولية له عليه ‪ ،‬بل إما أن ترفع يده عن الولية‬
‫ويقام من يفعل الواجب ‪ ،‬وإما أن يضم إليه من يقوم بالواجب معه ‪ ،‬فإذا كان مع‬
‫حصوله عند أحد البوين ل تحصل طاعة الله ورسوله في حقه ‪ ،‬ومع حصوله عند الخر‬
‫تحصل قدم الول قطعا " ا هـ ‪.‬‬

‫فهذا كلم شيخ السلم رحمه الله تعالى في البوين ‪ ،‬مع ما جبل عليه من الشفقة‬
‫والرحمة حيث ذكر أن الولد ل يقر على اختياره إذا مال مع الذي ل يصلحه ول يربيه‬
‫التربية السلمية ‪ ،‬فكيف إذا كان المربي أجنبيا من الطفل ‪ ،‬بعيدا عن قصد إصلحه‬
‫في دينه وعقيدته ‪ ،‬بل ل يألو جهدا في إبعاده عن دين السلم ‪ ،‬وتلقينه ملة الكفر‬
‫التي يدين بها ذلك المربي ‪ ،‬ويعتقد النجاة في اعتناقها ‪ .‬وقد صرح ابن القيم رحمه‬
‫الله تعالى باشتراط اتفاق الدين بين الحاضن والمحضون ‪ ،‬فقال رحمه الله في (زاد‬
‫المعاد) ‪ : 132 / 4‬وقد اشترط في الحاضن ستة شروط (اتفاق الدين) فل حضانة‬
‫لكافر على مسلم ؛ لوجهين ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه ‪ ،‬وأن ينشأ عليه ويتربى عليه‬
‫‪ ،‬فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه ‪ ،‬وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها‬
‫عباده ‪ ،‬فل يراجعها أبدا ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬كل مولود يولد‬
‫على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »(‪ )2‬فل يؤمن تهويد‬
‫الحاضن وتنصيره للطفل المسلم ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه أبو داود كما في سننه برقم ‪ 495‬عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخاري في صحيحه برقم ‪ 1385‬وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد تقدم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫وإن قيل ‪ :‬الحديث إنما جاء في البوين خاصة ‪ .‬قيل ‪ :‬الحديث خرج مخرج الغالب ‪ ،‬إذ‬
‫الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه ‪ ،‬فإن فقد البوان أو أحدهما قام ولي الطفل‬
‫من أقاربه مقامهما ‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬أن الله سبحانه قطع الموالة بين المسلمين والكفار ‪ ،‬وجعل المسلمين‬
‫بعضهم أولياء بعض ‪ ،‬والكفار بعضهم أولياء بعض ‪ .‬والحضانة من أقوى أسباب الموالة‬
‫التي قطعها الله تعالى بين الفريقين ‪ .‬وقال أهل الرأي وابن القاسم وأبو ثور ‪ :‬تثبت‬
‫الحضانة لها مع كفرها وإسلم الوالد ‪ ،‬واحتجوا بما روى النسائي في سننه ‪ ،‬من حديث‬
‫عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن‬
‫تسلم ‪ ،‬فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ :‬ابنتي وهي فطيم أو شبهه ‪ ،‬وقال‬
‫رافع ‪ :‬ابنتي ‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬اقعد ناحية » وقال لها ‪« :‬‬
‫اقعدي ناحية » وقال لهما ‪ « :‬ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها(‪ . )1‬قالوا ‪ :‬ولن‬
‫الحضانة لمرين ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬وخدمة الطفل ‪ ،‬وكلهما يجوز من الكافرة ‪ .‬قال الخرون‬
‫‪ :‬هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان‬
‫النصاري الوسي ‪ ،‬وقد ضعفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان‪ ،‬وكان سفيان‬
‫الثوري يحمل عليه ‪ ،‬وضعف ابن المنذر الحديث ‪ ،‬وضعفه غيره ‪ ،‬وقد اضطرب في‬
‫القصة ‪ ،‬فروى أن المخير كان بنتا ‪ ،‬وروى أنه كان ابنا ‪.‬‬
‫وقال الشيخ في (المغني) ‪ :‬وأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ‪ ،‬ول يثبته أهل‬
‫النقل ‪ ،‬وفي إسناده مقال ‪ .‬قاله ابن المنذر ‪ .‬ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة‬
‫مذهب من اشترط السلم ‪ ،‬فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها ‪ ،‬وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلف هدى‬
‫الله الذي أراده من عباده ‪ ،‬ولو استقر جعلها مع أمها ‪ ،‬لكان فيه حجة ‪ ،‬بل أبطله الله‬
‫سبحانه بدعوة رسوله ‪ .‬ومن العجب أنهم يقولون ‪ :‬ل حضانة للفاسق ‪ .‬فأي فسق‬
‫أكبر من الكفر ‪ ،‬وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى‬
‫الضرر المتوقع من الكافر ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬
‫هذا كلم ابن القيم رحمه الله فارجع إليه في معرفة بقية الشروط ‪ ،‬وكل هذا فيما إذا‬
‫كان الحاضن أحد البوين ‪ ،‬أو القارب الذين تربطهم بالطفل أواصر الخوة والشفقة‬
‫والرحمة ‪ ،‬لجل القرابة ‪ ،‬وحمية الرحم ‪ ،‬وتدفعهم تلك الغريزة إلى النصح لهم ‪ ،‬وبذل‬
‫الخير والدللة عليه ‪ ،‬وأخذ الحيطة والحماية عن أسباب الردى ‪.‬‬

‫وقال المام النووي رحمه الله تعالى في (روضة الطالبين) ‪ " : 98 / 9‬فالحضانة للم‬
‫إن رغبت فيها ‪ ،‬لكن لستحقاقها شروط ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬كونها مسلمة إن كان الطفل مسلما بإسلم أبيه ‪ ،‬فل حضانة لكافرة على‬
‫مسلم ‪ ،‬وقال الصطخري ‪ :‬لها الحضانة ‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬الم الذمية أحق بالحضانة من الب المسلم إلى أن يبلغ الولد سبع سنين ‪ ،‬ثم‬
‫الب بعد ذلك ‪ .‬قال الصحاب ‪ :‬والصحيح الول ‪ ،‬فعلى هذا حضانته لقاربه المسلمين‬
‫على ما يقتضيه الترتيب ‪ ،‬فإن لم يوجد أحد منهم فحضانته على المسلمين ‪ . . .‬ولو‬
‫وصف صبي من أهل الذمة السلم نزع من أهل الذمة سواء صححنا إسلمه أم ل ‪ ،‬ول‬
‫يمكنون من كفالته ‪ ،‬والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته‬
‫على الصحيح؟ لن فيه مصلحة له " ا هـ ‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه أبو داود برقم ‪ 2244‬والنسائي وقد تقدم ‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫وقال صاحب (المهذب) في فقه الشافعية كما في الشرح ‪320 / 18‬؟ " ول تثبت‪-‬‬
‫الحضانة‪ -‬لكافر على مسلم ‪ ،‬وقال أبو سعيد الصطخري ‪ :‬تثبت للكافر على المسلم ؛‬
‫لما روى عبد الحميد بن سلمة(‪ )1‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬أسلم أبي ‪ ،‬وأبت أمي أن تسلم ‪،‬‬
‫وأنا غلم ‪ ،‬فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ « :‬يا غلم اذهب إلى‬
‫أيهما شئت ‪ ،‬إن شئت إلى أبيك ‪ ،‬وإن شئت إلى أمك » فتوجهت إلى أمي ‪،‬‬
‫فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول ‪ « :‬اللهم اهده » فملت إلى‬
‫أبي فقعدت في حجره‪.‬‬
‫والمذهب الول ؛ لن الحضانة جعلت لحظ الولد ‪ ،‬ول حظ للولد المسلم في حضانة‬
‫الكافر ؛ لنه يفتنه عن دينه ‪ ،‬وذلك من أعظم الضرر ‪ ،‬والحديث منسوخ ‪ ،‬ولن المة‬
‫أجمعت على أنه ل يسلم الصبي المسلم إلى الكافر " ا هـ ‪.‬‬
‫ثم قال الشارح المطيعي في تكملة شرح المهذب ‪ 322 / 18‬بعد أن تكلم على‬
‫الحديث ‪ " :‬وفي إسناده اختلف كثير ‪ ،‬وألفاظه مختلفة مضطربة " ونقل عن‬
‫(التقريب) لبن حجر في ترجمة عبد الحميد بن جعفر قال ‪ " :‬صدوق رمي بالقدر ‪،‬‬
‫وربما وهم " ‪.‬‬

‫وقال أبو حاتم ‪ :‬ل يحتج به ‪ .‬وكان سفيان يضعفه ‪ ،‬ووثقه ابن معين(‪ .)2‬ثم قال الشارح‬
‫المطيعي في تكملة المجموع ‪ " : 324 / 18‬ول تثبت الحضانة لفاسق ؛ لنه ل يؤمن أن‬
‫ينشأ الطفل على منزعه ‪ ،‬وإن كان أحد البوين مسلما ‪ ،‬فالولد مسلم ‪ ،‬ول تثبت عليه‬
‫الحضانة للكافر ‪ ،‬وقال أبو سعيد الصطخري ‪ :‬تثبت ؛ لحديث عبد الحميد ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬إن هذا الحديث استدل به القائلون بثبوت الحضانة للم الكافرة ‪ ،‬كأبي حنيفة‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وابن القاسم المالكي وأبي ثور ‪ ،‬وذهب الجمهور إلى أنه ل حضانة للكافرة‬
‫على ولدها المسلم ‪ ،‬وأجابوا عن الحديث بما فيه من المقال والضطراب ‪ ،‬وقال‬
‫َ‬
‫ل الل ّـ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫المصنف ‪ :‬إنه منسوخ ‪ ،‬ولعله يحتج بأدلة عامة كقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬‬
‫سبِيًل ﴾ [ سورة النساء الية ‪ ] 141‬وبنحو « السلم‬ ‫ن َ‬‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫علَى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫لِلْكَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا‬‫منُوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫يعلو ول يعلى » ‪ 3‬وقد استدل ابن القيم بقوله تعالى ‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫( )‬

‫م نَاًرا ﴾ [ سورة التحريم الية ‪ ] 6‬على أن المراعى أول في التخيير‬ ‫وأ َ ْ‬


‫هلِيك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫أَن ْ ُ‬
‫أو الستهام بالقرعة ما هو أصلح للصغير ‪ ،‬وأن أيا ما كان المر من التخيير أو التعيين‬
‫م نَاًرا ﴾ وحكى‬ ‫هلِيك ُ ْ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قوا أَن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫أو القتراع فإن أولئك مقيد بقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬‬
‫عن شيخه ابن تيمية أنه قال ‪ :‬تنازع أبوان صبيا عند الحاكم ‪ ،‬فخير الولد بينهما فاختار‬
‫أباه ‪ ،‬فقالت أمه ‪ :‬سله لي شيء يختاره ‪ .‬فسأله فقال ‪ :‬أمي تبعثني كل يوم للكاتب‬
‫والفقيه يضرباني ‪ ،‬وأبي يتركني ألعب مع الصبيان ؛ فقضى به للم ‪.‬‬
‫ورجح هذا ابن تيمية ‪ .‬فإذا كانت روح الشرع تقضي بمراعاة صالح الصغير ‪ ،‬فإن مما ل‬
‫شك فيه أن إلقاءه في أحضان الكفر قضاء على صلحه دنيا وأخرى ‪ ،‬ومن ثم يتعين‬
‫خطأ أبي سعيد الصطخري ‪ ،‬وأبي حنيفة وأصحابه ‪ ،‬وابن القاسم وأبي ثور ‪ .‬وقال‬
‫العمراني ‪ :‬إن الحضانة لحظ الولد ‪ ،‬ول حظ له في حضانة الكافر ؛ لنه ل يؤمن أن‬
‫يفتن عن دينه ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل يعني حديث عبد‬
‫الحميد بن جعفر المتقدم مرارا ‪ .‬وإن صح فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه‬

‫‪ )(1‬الصواب عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬وقد تقدم الحديث مرارا ‪ ،‬وهذا من الختلف فيه ‪.‬‬
‫‪ )(2‬ذكر هذه القوال الذهبي في (ميزان العتدال) في ترجمة عبد الحميد بن جعفر ‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه الدارقطني في سننه ‪ 252 / 3‬عن عائذ بن عمر المزني ‪ ،‬وعلقه البخاري كما في الفتح ‪. 220 / 3‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫وسلم علم أنه يختار أباه ‪ ،‬فلهذا خيره ‪ ،‬فيكون ذلك خاصا لذلك الولد دون غيره " ا هـ‬
‫‪.‬‬

‫ومن هذه النقول يتضح أن الجمهور على منع ولية الكافر ‪ ،‬وحضانته للطفل المسلم ‪،‬‬
‫وأن من أجاز ذلك كأصحاب الرأي وهم الحنفية ومن وافقهم فقد خصوه بأحد البوين ‪،‬‬
‫تمسكا بحديث عبد الحميد المذكور ‪ ،‬وقد عرفت ضعف الحديث وما فيه من‬
‫الختلف ‪ ،‬ومع ذلك فل مانع من حضانة الم الكافرة في الصغر ؛ لمكان الشفقة‬
‫والرحمة ‪ ،‬فإن زمن الرضاعة وبعده بسنة أو سنتين ل تأثير معه لدينها وأعمالها‬
‫الكفرية ‪ ،‬لكن متى بلغ الطفل سنا يميز به ‪ ،‬ويعرف ما يتدين به ‪ ،‬ويتأثر بالتلقين ‪،‬‬
‫ويخاف أن يألف أعمال الكفار ويميل إليها ‪ ،‬وجب نزعه من أحضان أقاربه غير‬
‫المسلمين ‪ ،‬وتسليمه إلى من يسعى في إصلحه ‪ ،‬ويربيه التربية السلمية ‪ ،‬وهذا‬
‫واجب على المسلمين عموما في كل دولة وبلد بالنسبة إلى أولد إخوتهم ‪ ،‬من يتيم‬
‫فقد أباه ومن يحصنه ويتوله ‪ ،‬أو ينفق عليه من قريب أو أخ شفيق ‪ ،‬ومن فقير يعجز‬
‫وليه عن النفقة وتوابعها ‪ ،‬فعلى المسلمين المؤمنين أن تحملهم الشفقة الدينية ‪،‬‬
‫والخوة السلمية على احتضان أولد إخوتهم في الدين وعلى توليهم ورعايتهم وإصلح‬
‫أحوآله م ‪ ،‬وقد ورد الترغيب في كفالة اليتيم ‪ ،‬فعن سهل بن سعد الساعدي رضي‬
‫الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أنا وكافل اليتيم في‬
‫الجنة هكذا »(‪ )1‬وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا ‪ .‬قال ابن بطال ‪ :‬حق‬
‫على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ؛ ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ول منزلة في الخرة أفضل من ذلك ‪ ،‬والكافل هو القائم بأمر اليتيم المربي له ‪.‬‬

‫وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬من قبض‬
‫يتيما من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة ‪ ،‬إل‬
‫أن يعمل ذنبا ل يغفر »(‪ )2‬يعني مثل الشرك الذي ل يغفر إل بالتوبة منه ‪ ،‬أو مثل‬
‫حقوق الدميين التي ل بد فيها من القصاص ‪ .‬وعن مرة الفهري رضي الله عنه عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين »(‪ )3‬في‬
‫الوسطى والتي تلي البهام ‪ .‬وذكر الحسن البصري رحمه الله أن يتيما كان يحضر‬
‫طعام ابن عمر ‪ ،‬فدعا بطعام ذات يوم ‪ ،‬فطلب يتيمه فلم يجده ‪ ،‬فجاء بعدما فرغ ‪. . .‬‬
‫فجاءه بسويق وعسل فقال ‪ :‬دونك هذا فوالله ما غبنت ‪ .‬قال الحسن ‪ :‬وابن عمر‬
‫والله ما غبن(‪ .)4‬والمعنى أن اليتيم لما فاته الطعام المعتاد عوضه عنه سويقا وعسل ‪،‬‬
‫وهو من خير الطعام ‪ ،‬فأخبره بأنهم ما غبنوه بأكلهم الطعام ‪ ،‬فقد حصل على خير منه‬
‫‪ ،‬وابن عمر ما غبن ؛ لحصوله على أجر إطعام اليتامى ‪ ،‬وكان ابن عمر رضي الله عنه‬
‫ل يأكل طعاما إل وعلى خوانه يتيم(‪ .)5‬وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪« :‬خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن‬
‫إليه ‪ ،‬وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ‪ .‬أنا وكافل اليتيم‬
‫في الجنة كهاتين »(‪ )6‬يشير بأصبعيه ‪ .‬وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري كما في الفتح ‪ 436 / 10‬برقم ‪ ، 6005‬والترمذي كما في تحفة الحوذي ‪ ، 45 / 6‬وأبو داود برقم ‪، 4150‬‬
‫وأورد له الحافظ شواهد كثيرة وأشار الترمذي إلى عدة أحاديث ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه الترمذي في البر والصلة كما في التحفة ‪ 44 /6‬وفي إسناده ضعف ‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 133‬وغيره ‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 134‬وإسناده صحيح إلى الحسن وهو البصري ‪.‬‬
‫‪ )(5‬كما عند البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 136‬وله في الصحيح نحوه في كتاب الطعمة الباب ‪. 12‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن ماجه برقم ‪ ، 3679‬والبخاري في الدب المفرد برقم ‪ ، 137‬وإسناده ضعيف ‪.‬‬
‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬
‫‪6‬‬

‫« كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين »(‪)1‬بأصبعيه السبابة والوسطى ‪.‬‬
‫وروى عبد الرحمن بن أبزى قال ‪ :‬قال داود عليه السلم ‪ :‬كن لليتيم كالب الرحيم ‪،‬‬
‫واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد(‪.)2‬‬
‫وقد حث الله تعالى على إعطاء اليتامى من الصدقات العامة والخاصة كقوله تعالى ‪﴿ :‬‬
‫ن ﴾ [ سورة البقرة‬ ‫ساكِي َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬‫مى َ‬ ‫والْيَتَا َ‬ ‫قْربَى َ َ‬ ‫وي ال ْ ُ‬ ‫ه ذَ ِ‬‫حب ِّ ِ‬ ‫علَى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬‫وآتَى ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫سيًرا ﴾‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ما وَأ ِ‬ ‫سكِينًا وَيَتِي ً‬ ‫م ْ‬ ‫حبِّهِ ِ‬ ‫م عَلى ُ‬ ‫ن الطعَا َ‬ ‫مو َ‬ ‫الية ‪ ] 177‬وقال تعالى ‪﴿ :‬وَيُطعِ ُ‬
‫َ‬
‫ما أفاءَ‬‫َ‬
‫في الفيء وخمس الغنيمة بقوله ‪َ ﴿ :‬‬ ‫َ‬
‫[ سورة النسان الية ‪ ] 8‬وجعل لهم حقا‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫ْ‬
‫وال َيَتَا َ‬‫ذي القْربَى َ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول ِ ِ‬‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ولِلَّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قَرى فلِل ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ه ِ‬‫ن أَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫علَى َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّـ ُ‬
‫ن لِل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫فأ َ َّ‬
‫ء َ‬‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫غن ِ ْ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫موا أن َّ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وا ْ‬‫﴾ [ سورة الحشر الية ‪ ] 7‬وقوله ‪َ ﴿ :‬‬
‫مى ﴾ [ سورة النفال الية ‪ ] 41‬واليات‬ ‫واليَتَا َ‬ ‫ْ‬ ‫قْربَى َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ول ِ ِ‬‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ولِلَّر ُ‬‫ه َ‬ ‫س ُ‬
‫م َ‬‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫في ذكر اليتامى كثيرة معلومة ‪ ،‬ففي هذه النصوص الحث على كفالة اليتامى ‪،‬‬
‫والنفاق عليهم ‪ ،‬واحتضانهم ‪ ،‬والحرص على إنقاذهم من الفقر والجوع والضرر‬
‫والهوان ‪ ،‬وحمايتهم من ولية الشيوعيين والمشركين ‪ ،‬واليهود والنصارى ‪،‬‬
‫والروافض ‪ ،‬وسائر المبتدعين الذين ل هدف لهم سوى الضلل والخراج من الدين‬
‫القويم ‪ ،‬فمتى تساهل المسلمون وانشغلوا عن هؤلء اليتامى والمعوزين انتهز هؤلء‬
‫العداء الفرص وتقبلوا رعايتهم ‪ ،‬فبذلك يخسرهم المسلمون ‪ ،‬بل يصبحون حربا على‬
‫آبائهم وإخوانهم ‪ ،‬وأقاربهم وأسلفهم الذين هم من رجال الدين وأعوانه ‪ .‬والواقع‬
‫يشهد بذلك ‪ ،‬فإن النصارى يبثون دعاتهم في القطار السلمية ‪ ،‬ويمدونهم بالموال‬
‫الطائلة ‪ ،‬فيقومون بتأسيس المدارس لجميع المراحل ‪ ،‬وتلقين أولد المسلمين مبادئ‬
‫النصرانية وعلومها مجانا ؛ كما يقومون ببناء المستشفيات والعلج فيها مجانا ‪ ،‬ليكسبوا‬
‫بذلك قلوبهم ‪ ،‬ولينشئوا الطفال في بيئة بعيدة عن السلم وعلومه ‪ ،‬ومن ثم يميل‬
‫هؤلء الفقراء واليتامى إلى النصارى ‪ ،‬لما رأوا من جهود أهل النصرانية ‪ ،‬وهكذا يفعل‬
‫دعاة الروافض في استجلب العامة إلى معتقدهم الزائغ بهذه الحيل والسباب ‪ ،‬ولقد‬
‫قرأت سابقا في مجلة المجتمع العدد (‪ )616‬وتاريخ ‪ 1403 / 6 / 28‬هـ ما نصه ‪ " :‬ففي‬
‫الوقت الذي تعمل فيه الدوائر التنصيرية على تنصير المسلمين في مخيمات اللجئين‬
‫في الدول المجاورة لفغانستان ‪ ،‬وإغرائهم بالبتعاد عن ساحات الجهاد ‪ ،‬تقوم‬
‫الشيوعية الملحدة وبمختلف الوسائل لتحويل أبناء المسلمين اليتامى إلى الشيوعية ‪،‬‬
‫فقد أفادت النباء مؤخرا بأن قوات الحتلل السوفييتي أرسلت ومنذ ثلث سنوات أكثر‬
‫من سبعة وعشرين ألف طفل مسلم أفغاني عنوة إلى موسكو ‪ ،‬بهدف تغيير‬
‫معتقداتهم " ا هـ ‪.‬‬
‫أفل يكون المسلمون وأهل السنة أولى بالهتمام وبذل الجهود في تنشئة وتربية‬
‫الطفال ‪ ،‬حتى أولد الكفار والمشركين الصغار الذين لم يزالوا على فطرة الله التي‬
‫فطر الناس عليها ‪ ،‬فإن هناك دول كثيرة تعاني من الفقر والفاقة ‪ ،‬والشدة والحاجة‬
‫الشيء الكثير ‪ ،‬مع بقائهم على الملل الكفرية ‪ ،‬وكثيرا ما تجري بينهم الحروب‬
‫والمنازعات التي ل يكون الهدف منها سوى الغراض المادية البحتة ‪ ،‬ففي تلك الحال‬
‫يسهل اقتناص شبابهم وأطفالهم ‪ ،‬وتنشئتهم على " السلم الذي هو دينهم بأصل‬
‫الفطرة ‪ ،‬وذلك يحتاج إلى تكريس جهود مخلصة ‪ ،‬وإلى أموال طائلة تبذل في سبيل‬
‫الله ‪ ،‬وفي بناء المساجد ‪ ،‬وفتح مدارس خيرية ‪ ،‬وطبع المصاحف وتوزيعها بين‬
‫المسلمين ‪ ،‬وترجمة كتب العقيدة والتوحيد بشتى اللغات ‪ ،‬وتفريقها هناك ‪ ،‬والحرص‬
‫على إبعاد أولئك الطفال والشباب عن المجتمعات والبيئات الكفرية ‪ ،‬وتعليمهم اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬فمن ثم يتم التأثر ‪ ،‬ويقوى السلم وأهله ‪ ،‬ويكثر معتنقوه ‪ ،‬ويدخل الناس‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم كما في الزهد من صحيحه برقم ‪ 2983‬مسندا ‪ ،‬ورواه مالك ‪ 948 / 2‬مرسل ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 138‬مطول ‪.‬‬
‫َ‬ ‫حة ال َّ‬
‫‪5‬‬ ‫ن‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬
‫جبْرِي ْ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫َ‬

‫في دين الله أفواجا ‪ ،‬بدل ما هم يخرجون منه أفواجا ‪ ،‬وبقوة السلم والمسلمين يتم‬
‫المن والستقرار ‪ ،‬ويحيا المسلمون الحياة الطيبة ‪ ،‬ويردون غزو العداء وفتكهم‬
‫وحيلهم التي قد نجحوا في الكثير باكتساح كثير من بلدان المسلمين ‪ ،‬وكثير من‬
‫القبائل والسر التي أصبحت معهم ‪ ،‬وتدين بمعتقداتهم السيئة ‪ .‬فمتى يفيق‬
‫المسلمون من هذا السبات والغفلة؟! فالله المستعان ‪ ،‬وعليه التكلن ‪ ،‬وصلى الله‬
‫على محمد ‪ ،‬وآله وصحبه وسلم(‪.)1‬‬

‫‪ )(1‬المصدر ‪ :‬مجلة البحوث السلمية ‪،‬ع ‪ / 53 :‬ص ‪.175 ، 126‬‬

You might also like