Professional Documents
Culture Documents
204 تيه ورشاد من القابلية لالستعمار إلى القابلية للرشد ،نحو نموذج بديل
*******
خصيصاوال أعرف ما العالقة بين نشأة "البوهيمية" مذهبًا في العيش وفي الحياة بباريس ِّ
عام 1830م ،واستعمار فرنسا للجزائر في نفس السنة ،أي عام 1830م؟
تخطت حدودَ فرنسا ،وقطعت البحر َّ أن "روح البوهيمية" هي التي وهل هذا يعني َّ
المتوسط ،لتستولي على مقدَّرات الجزائر يو َمها ،وإلى اليوم؟
ِّ
مجردا ِّمن سلوكه ،أم أنَّه نشر
َّ المستعمر الفرنسي إلينا
ِّ األمر كذلك ،فهل انتقل
ُ وإذا كان
وفرخ ،ثم ترك آثارا ال تمحى في األنفس وفي "وباء البوهيمية" في أوساطنا ،فباض بعد أمدَّ ،
العقول ،وفي دنيا الناس؟
*******
حين أالحظ بعض مظاهر المجتمعات العربية واإلسالمية ،بمختلف شرائحها وتوجهاتها
الفن ،المحترف منهأسجل نقاطا حول الفن وتمثالته في شتى مجاالت ِّ ورموزها ،وحين ِّ
والعفويِّ ،السافر منه والكامن...
ثم حين أستمع إلى بعض الخطباء الذين يطلُّون من شاشات التلفزيون ،أو أقرأ ما يكتبه
الكثير من مستخدمي وسائل التواصل االجتماعيِّ ،من تغريدات ،وتعليقات ،وأفكار فجة
مبتورة...
بل حين أراقب بعض الساسة ،وبعض َمن اعتلوا عرش األدب والرواية واشتهروا فيها،
ونالوا الجوائز واألوسمة زورا وبهتانا...
وأن وأسجل ،وأستمع ،وأراقب ...أتأ َّكد َّ
أن البوهيمية تولد من رحم التمردَّ ، ِّ حين أالحظ،
تتلون بلون "البوهيمية" األكثر تطرفاَّ ،
وأن وأن صورة العصر َّ التمرد وليد السفه والسذاجةَّ ،
السياق العام بات أميل ما يكون إلى تقبُّل الشذوذ منه إلى الصبر على االلتزام وروح المسؤولية.
*******
205 تيه ورشاد من القابلية لالستعمار إلى القابلية للرشد ،نحو نموذج بديل
تصرفا مخالفا
ُّ ويتصرف
َّ ي إلى وبال على أهله وبلده، حول البوهيم ُّوحتى أوان الفتن ،يت َّ
صة – إلى اتباعه،الغر منهم بخا َّ
َّ والشباب
َ للمعايير واألخالق والمواثيق ،فيحمل الناس –
واالستماع إليه ،واعتقاد بطولته ،بل وحتى إلى رفض القيم والتفلت منها تحت عنوان البطولة
أن البوهيمية الجديدة ،أحيانا تتلبَّس بلبوس الدين الزائف ...فيترك العقال َء حيارى ،ذلك َّ
(حركات ،وجماعات ،وأفكار شاذَّة ،وادعاءات) ،وأحيانا أخرى َّ
تتلون البوهيمية بلون العلم
متمردون ،أدب منحرف ،إعالم بارد) ،وفي كثير من األحيان ِّ (مذاهب علموية ،شبه علماء
تكون السياسة هي اللون األيسر للبوهيمي ،فيركب قطارها (مظاهرات ،غرور ،أحزاب وأفكار
منحرفة ،محاورات تلفزيونية)...
أن أسوء أنواعها تلك التي تحمل شعار وثمة أشكال أخرى من البوهيمية الجديدة ،غير َّ
"البطولة واالدعاء" ،وتخدع الناس "بحسن النية الظاهر" ،فتختفي وراء أكمام الفوضى لتبني
شها ،ثم تبيض وتفرخ وتنشر وباءها في اآلفاق... ع َّ
*******
وتبقى المدرسة ،والتربية ،وزرع األخالق والقيم ،هي ص َّمام األمان ،وهي السبيل الوحيد
لمعالجة جميع أنواع السفه ،والفسوق ،والعصيان ،والبوهيمية ،والجهل ،والجهالة ...ولذا،
صة أوان الفتن واألزمات ،هو جهاد التربية، فأعظم جهاد في جميع الظروف واألوقات ،وبخا َّ
الحق.
ِّ وهو جهاد تأطير اإلنسان ليكون سويًّا ،ولئالَّ تنحرف به السبل عن سبيل
أن اغتيال الحرية ،وزرع النمطية ،وإلغاء الخصوصية ،وقولبة مع ضرورة التذكير َّ
العقول ،ووزَ ع العواطف ،وشحذ المشاعر ...أي ما يمكن تلخيصه بعبارة "التعليم المستبد"
(الدكتاتوري)؛ جميع هذا ال يحرك قيد أنملة ،وال يسهم في مواجهة أنواع التفلت والفوضى؛
وإنما الذي يليق دواء ناجعا ،وشفاء أكيدا ،هو احترام كرامة اإلنسان ،واعتبار حرية التلميذ
والمعلم ،واحتكام الجميع إلى القيم وإلى المقاصد ،والليونة في اعتماد الوسائل والعناوين؛
واالجتهاد في جعل التربية جزءا من السياق ،ال نشازا عن السياق؛ والجهاد والصبر والمصابرة
أن النصر في حلبة المدرسة نصر مؤكد في في إيجاد األجوبة ألسئلة العصر المحيرة؛ ذلك َّ
وأن االنهزام فيها انهزام ال مفر منه في غيرها. غيرهاَّ ،
وننتهي إلى المعادلة التالية:
مدرسة جيدة = مجتمع سليم.
مدرسة سيئة = مجتمع سقيم.
مرة أخرى.فلننظر في دور التعليم والمعلم ،ونحن على أبواب الدخول المدرسيَّ ،