Professional Documents
Culture Documents
5- عبد المهيمن حمزة
5- عبد المهيمن حمزة
TE
جامعة محمد الخامس بالرباط
U
IB
المملكة المغربية
T R
IS
D
R
O
TE
O
U
Q
T
O
N
O
D
SE
EA
PL
T:
IN
R
EP
PR
1
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
مقدمـــــــــــــــــــــة:
لقد شكلت مسألة إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي مطلبا ملحا للمجتمع
المغربي ولبعض الهيئات المدنية واألكاديمية والسياسية في مواجهة الرفض الرسمي للسلطات
المختصة ،حيث إن النضال من أجل تحقيق هذا المطلب دام مدة طويلة إلى غاية سنة 2007التي
اقتنع فيها بنك المغرب بضرورة إدخال صيغ مالية ال ربوية إلى النظام البنكي المغربي وترويجها من
داخل البنوك التقليدية ،إال أن هذه التجربة كان مصيرها الفشل بفعل الظروف السيئة التي رافقت
إطالقها فجعلت تكاليفها مرتفعة حيث تجاوزت تكاليف المنتجات الربوية ،لتتقدم الحكومة المغربية
بعدها بمشروع قانون يحمل رقم 103-12يتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبر في حكمها،
والذي من أهم مستجداته التنصيص على إحداث البنوك التشاركية .
وفي هذه الورقة البحثية سنقف مع المخاض العسير الذي عرفته عملية إدماج المصرفية
اإلسالمية في النظام البنكي المغربي ،وما اعترضته من معيقات أدت إلى رفض هذا اإلدماج في
مرحلة أولى ،وحالت دون نجاحه في مرحلة ثانية ،لنتحدث في األخير عن آفاق هذا اإلدماج من
خالل التوجه نحو إقرار قانون يسمح بتأسيس البنوك التشاركية ،هذه األفكار وغيرها سنتعرض لها
بالدرس والتحليل في المحاور التالية:
المبحث األول :إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي بين معارض ومؤيد
المطلب األول :خلفيات رفض إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
المطلب الثاني :النضال من أجل إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
المبحث الثاني :إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي :الحصيلة واآلفاق
المطلب األول :فشل تجربة إدماج تسويق المنتجات البديلة عبر البنوك التقليدية
المطلب الثاني :آفاق إدماج المصرفية االسالمية عبر تجربة البنوك التشاركية المرتقبة
2
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
المبحث األول :إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي بين معارض ومؤيد
سنحاول في هذا المبحث إبراز أهم المعيقات التي حالت دون القبول بإدماج المصرفية
االسالمية في النظام البنكي المغربي في مرحلة كان عنوانها البارز الرفض البات لهذا النمط من
المعامالت البنكية ،إال أن هذا الرفض قوبل بنضال شرس من طرف بعض الهيئات والفعاليات المدنية
والسياسية واألكاديمية .
المطلب األول :خلفيات رفض إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
ظل المغرب كما سبق القول رافضا للمصرفية اإلسالمية فترة طويلة من الزمن رغم مرور
نصف قرن عن أول تجربة للمؤسسات المالية اإلسالمية ،ففي سنة 1963عرفت مصر أول مؤسسة
مالية إسالمية حققت نجاحا الفتا ،إذ تجاوز المتعاملون معها مليون شخص ،بالرغم من أنه لم يكن بنكا
كامل النمو ،ولم يعمر أكثر من سنتين ،ثم أقبر على يد النظام الناصري ،ثم كانت التجربة الثانية بعد
إحراق المسجد األقصى سنة 1969من قبل الدول اإلسالمية في مؤتمرها المشهور ،والتي بادرت فيه
إلى إحداث البنك اإلسالمي للتنمية ،تاله تنظيم مؤتمر لالقتصاديين اإلسالميين في سنة ، 1970
ف كانت تلك األحداث بمثابة الشرارة األولى لالنطالق في التنظير والبحث من أجل بناء مؤسسات مالية
تستجيب لمقتضيات الشرع وتحديات العصر.1
بيد أن المغرب ظل بعيدا على المستوى الرسمي عن تحقيق حلم المصرف اإلسالمي،
ويعزى ذلك ألسباب متداخلة فمنها ما هو اقتصادي مرتبط بنظام الريع المهيمن على القطاع البنكي
بالمغرب ،ومنها ما هو سياسي مرتبط بغياب اإلرادة السياسية والتوجس من انتصار أطروحة
اإلسالميين الذين يجعلون من المصرفية اإلسالمية برنامجا نضاليا وورقة انتخابية ناجحة ،فضال عن
األسباب األخرى المرتبطة بعدم مالءمة اإلطار القانوني للمصرفية اإلسالمية واقتصاره على
استيعاب التمويالت التقليدية القائمة على الربا ،وكذا إقصاء المصرفية اإلسالمية وتهميش االقتصاد
اإلسالمي ككل في المناهج التعليمية والبحث العلمي.
فعلى صعيد العوامل االقتصادية التي تقف وراء عدم الترخيص الصريح إلنشاء بنك
إسالمي بالمغرب أو حتى فروع للبنوك التقليدية تختص بتقديم هذه المنتجات ،بل حتى شبابيك خاصة
بهذه المنتجات داخل هذه البنوك طيلة هذه المدة الطويلة ،إنما ترجع باألساس إلى مجموعات الضغط
التي تستفيد من الوضع المصرفي الحالي وتتخوف من المنافسة التي يمكن أن تمارسها هذه البنوك
اإلسالمية ،حيث ترى أن تسويق منتجات مالية من طرف مؤسسات مصرفية إسالمية فيه تهديد
مباشر للبنوك التقليدية وتحجيم لدورها ،خاصة وأن هذه األخيرة اعتادت على االشتغال بمنطق الريع
وفي منأى عن خدمة األهداف التنموية واالجتماعية التي تقوم عليها مخططات الدولة واستراتيجياتها
إال بقدر يسير ،فالبنوك المغربية ال تزال بعيدة عن االنخراط في تحقيق هذه األهداف ،حيث إن
أولوياتها تتلخص في تحقيق أرباحها ومشاريعها ،فدورها يقتصر على الوساطة في المديونية أو
االتجار في الديون بدل أن تكون فاعلة في الحياة االقتصادية كما هو الشأن بالنسبة للمصارف
اإلسالمية.2
كما أن هذا اللوبي المستفيد من الوضع الحالي للقطاع البنكي بالمغرب ،ساهم في تكريس
1لحسن الداودي ،الحلم الطويل ...النضال من أجل بنك إسالمي ،جريدة التجديد ،العدد ، 2362بتاريخ 18أبريل ، 2010ص
.6
2محمد نجيب بوليف ،واقع القطاع المالي والبنكي في المغرب ،مؤشرات ودالالت الطرق الريعية ،مداخلة في إطار أشغال اليوم
الدراسي المنظم من طرف مركز الدراسات والبحوث اإلنسانية بتنسيق مع كلية الحقوق بوجدة بتاريخ 6دجنبر 2007حول
موضوع " آفاق التمويالت البنكية البديلة بالمغرب" ،إعداد فريق من الباحثين في ماستر قانون العقار واألعمال ،تحت إشراف
الدكتورة دنيا مباركة ،ص 10
3
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
االعتقاد السائد بأن وجود البنوك اإلسالمية ومن خاللها التمويالت التي تسوقها داخل الجهاز
المصرفي المغربي قد يخلق مجموعة من المشاكل فيما يخص السياسة النقدية الوطنية والتحكم في
التضخم ،باإلضافة إلى مشكل الرقابة التي يمكن أن يمارسها البنك المركزي على هذه المصارف،
وقد لقي هذا الموقف دعما كبيرا من قبل الحكومات التي تعاقبت على إدارة شؤون البالد ،3وفي هذا
الصدد نذكر موقف الوزير الدكتور "فتح هللا ولعلو" الذي أدار قطاع المالية بالمغرب لواليتين
متتاليتين من سنة 1997إلى غاية 2007الذي كان يعبر في الكثير من المناسبات عن معارضته لقيام
البنوك اإلسالمية بالمغرب ألنها حسب قوله ال تساهم في التنمية ،4وكأن البنوك التقليدية بالمغرب
رائدة في ذلك ،5رغم أنه خبير اقتصادي ومن أقدم أساتذة االقتصاد بالجامعات المغربية.
وبذلك ووجهت الدعوات إلى اعتماد البنوك اإلسالمية بالمغرب بجملة من االنتقادات
وحمالت التشكيك في ميكانيزمات عملها ،بل وصلت المواجهة إلى درجة التهجم على االقتصاد
اإلسالمي ككل ،وهذا رد فعل طبيعي ومنتظر من المستفيدين من النظام البنكي القائم على الطرق
الريعية والمضاربة في الفائدة ،إذ من ادعاءاتهم أن فكرة البنوك اإلسالمية ما هي إال فكرة في سبيل
الشكل ليس إال ،بمعنى أنها عبارة عن إضافة كلمة "إسالم" إلى البنك ،وتغيير للمسميات المستخدمة
كتغيير كلمة "فائدة" بكلمة "العائد" أو "هامش الربح" ،مستدلين على ذلك باختالالت بعض
المؤسسات التي تدعي المرجعية اإلسالمية لتوجيه أصابع الشك إلى طبيعة البنوك اإلسالمية.6
والتشكيك في المصرفية اإلسالمية لم يكن مسألة جديدة ظهرت بالمغرب إلخراس
األصوات المطالبة بإقرار هذا النظام المالي ،وإنما هو مسألة قديمة ظهرت بظهور البنوك اإلسالمية
حيث اختلقها عدد من دعاة الفكر الرأسمالي لضرب االقتصاد اإلسالمي ،وفي هذا اإلطار نذكر كتابا
ألفه " " Stéphanie Parigiيحمل عنوان " ، 7"Des banque islamiqueبل وصلت مواجهتهم
للمصرفية اإلسالمية إلى درجة خلق بعض اإلشاعات مثل ما روج من قبل أحد البحوث األمريكية
التي خلصت فيه أن بعض البنوك اإلسالمية قد أودعت ودائعها النقدية ببنوك أجنبية وتأخذ عنها
الفوائد ، 8وذلك من أجل الضرب في صميم البنوك ذات المرجعية اإلسالمية وفي مصداقية ما تدعيه
في توجهها.9
وباإلضافة إلى ذلك فإن المعطى السياسي له أيضا دور كبير في رفض المصرفية وتأخير
اعتمادها بالمغرب ،وذلك ألن حزب العدالة والتنمية اإلسالمي منذ تأسيسه يجعل في زعم المسؤولين
والسياسيين من هذا الموضوع أحد أهم استراتيجياته التعبوية خالل الحمالت االنتخابية ،وبالتالي فإن
الترخيص للبنوك اإلسالمية ،هو في نظر هؤالء المسؤولين انتصار للطرح اإلسالمي لهذا الحزب مما
3عبد الحي الشريف ،المنتجات البنك ية البديلة لدى األبناك المغربية أي أساس شرعي وأي إطار قانوني ؟ رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق بالرباط السويسي ، 2008-2007،ص 92
4منصف بن طيبي ،تقديم الملف الخاص حول " التطبيقات االقتصادية اإلسالمية المعاصرة -الجزء الثاني ،"-مجلة الفرقان،
العدد ،2000 ،43ص 8
5رد األستاذ يونس بن الطيبي في مداخلته في الندوة التي نظمتها جامعة موالي إسماعيل بمكناس حول موضوع المنتجات
البنكية اإلسالمية بتاريخ 14فبراير 2008على هذا االدعاء بقوله " :إن التجربة العملية لمجموعة من الدول العربية واإلسالمية
أثبتت فعالية المصرف اإلسالمي وقدرته على رفع تحديات التنمية وذلك من خالل امتصاصه لجزء كبير من المدخرات التي تعود
للناس غير الراغبين في التعامل بالمعامالت المصرفية الربوية وتوظيفها في مختلف القطاعات المنتجة.
أما عن المشاكل المتعلقة بالمنافسة والرقابة والتحكم في السياسة النقدية وعالقة المصرف اإلسالمي مع بقية البنوك األخرى ،فإن
التجربة في الدول التي عملت بنظام ازدواجية جهازها المصرفي قد أثبتت كذلك أن المنافسة كانت حافزا لألبناك التقليدية من أجل
تطوير عملها وتحسين خدماتها وفت ح شبابيك أو فروع تتعامل بالمعامالت اإلسالمية ،ك"البنك العربي" الذي أسس " البنك العربي
اإلسالمي" .
6منى بن الطيبي ،نحو أداء أفضل للبنوك اإلسالمية ،رسالة لنيل دبلوم السلك العالي ،المدرسة الوطنية لإلدارة ،الرباط- 1994 ،
،1995ص 85
7
Stéphanie Parigi, Des banque islamique : Agent et religion, édition Ramsay, Paris, 1989.
8منى بن الطيبي ،مرجع السابق ،ص . 86
9جواد مريد ،البنوك اإلسالمية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب ،الطبعة األولى ،مطبعة المتقي
برينتر ،المحمدية ،2012 ،ص . 110
4
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
يشكل دعاية مجانية تساهم في تقويته وتدعيم مكانته في ظل التخوفات من اكتساحه للساحة السياسية
10
وتهديده للتوازنات القائمة.
بناء على ذلك يبدي البعض مخاوف من أن تصير البنوك اإلسالمية ،إذا ما أطلقت في
المغرب" ،ذراعا" ماليا لإلسالميين ،بينما يستغرب الخبير االقتصادي الدكتور عمر الكتاني إزاء هذه
المخاوف قائال" :لم التخوف؟ المفروض أنها مصالح دول ،ما دمنا نحاول جلب رؤوس أموال
أوروبية ،لم ال نجلب أموال إسالمية أيضا؟ إ ن الدعوة إلى إقامة بنوك إسالمية تأتي لتلبية حاجات
11
مجتمع مسلم ،وليس لمصلحة حزب ما ،ألن هذا األخير لن يدوم إلى األبد".
لذلك يرى عدد من المراقبين أن السبب في تأخير "اإلفراج" عن بنوك إسالمية في المغرب
هو الصراع ال خفي بين اإلسالميين وجماعات ضغط أو ما يسمى باللوبيات المؤثرة اقتصاديا وسياسيا،
إذ تسيطر على القطاع البنكي في المغرب عائالت ثرية ،حيث يرى الدكتور عمر الكتاني أن " الدولة
كانت تخشى من أن تنافس البنوك اإلسالمية البنوك التقليدية بحكم أن المجتمع مسلم ،وألن من يصفهم
الكتاني ب"عائالت غنية إضافة إلى اللوبي الفرنسي" هم من يسيطرون على القطاع البنكي ويجمعون
بين السلطة والمال ،فإنهم كانوا يخشون من دخول اإلسالميين هذا المجال "ألنهم إن فقدوا المال فقدوا
12
النفوذ السياسي أيضا".
وقد ظلت هذه الحساسية السياسية تجاه اإلسالميين قائمة حتى بعد اإلقرار بإمكانية ترويج
المنتوجات اإلسالمية لدى البنوك التقليدية ،وهو ما يستشف من رد وزير المالية المغربي السابق
"صالح الدين مزوار" في معرض جوابه عن سؤال طرحه النواب حول عدم تسمية المنتجات البديلة
باإلسالمية بقوله " :إن تسمية منتجات مالية باإلسالمية معناه اإلقرار بأن المنتجات التي تسوقها
البنوك التقليدية هي غير إسالمية" ،13واألمر نفسه يمكن أن نستشفه من تبرير والي البنك المركزي
بخصوص عدم الترخيص بإنشاء بنوك إسالمية ،بعد تلقي البنك ألزيد من عشرة طلبات من كل من
قطر واإلمارات والكويت والبحرين وليبيا ،باإلضافة إلى طلب داخلي ،والذي جاء خاليا من كل
عناصر اإلقناع إذ اكتفى بالقول بأن البنك المركزي لم يرخص لألبناك اإلسالمية ألن الطلبات كانت
كثيرة بالنسبة إلى السوق المغربي ،مضيفا أنه إذا تم إعطاء ترخيص لجهة دون أخرى فلن يبقى
المشكل تقنيا ،وسيتحول إلى مشكل سياسي ،ولتفادي هذا المشكل اعتمد بنك المغرب ثالث نوافذ
إسالمية.14
كما أن جميع الطلبات التي قدمت إلى السلطات المالية للترخيص بإحداث بنوك إسالمية
سواء كانت داخلية أو من خارج المغرب ووجهت بالرفض بدعوى أن القانون المغربي ال يسمح
بذلك ،حيث إن القانون البنكي يستلزم في البنوك توافر شروط وأشكال معينة ال تتالءم مع البنوك
اإلسالمية ،ومن بينها أن البنك يجب أن يتخذ من حيث اإلطار القانوني شكل شركة مجهولة االسم ،في
حين أن مجموعة البركة التي سبق أن تقدمت بطلب للمغرب تتخذ في مقترحها شكل شركة قابضة،
بينما تتخذ دار المال اإلسالمية في مقترحها على السلطات المالية المغربية إنشاء بنك إسالمي في
شكل شركة ذات المسؤولية المحدودة ،فقوبل طلبها بالرفض.15
ونشير في األخير إلى أن رفض المصرفية اإلسالمية بالمغرب لم يكن رفضا من أجل
10
?Abderrazzak El meziane, La finance islamique au Maroc, une finance alternative
www.conference.qfis.edu.qa
11سهام أشطو ،إقامة بنوك إسالمية في المغرب بين المطالب االجتماعية وضغوط لوبيات المال ،مقال منشور بموقع
www.la kome.comيتاريخ 29 :شباط/فبراير .2012
12سهام أشطو ،نفس المقال السابق.
13رد وزير المالية المغربي السابق "صالح الدين مزوار" على سؤال طرحه فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب المغربي،
برسم سنة 2008.
14ورد تصريح والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري في جريدة التجديد ،العدد الصادر بتاريخ .2009/03/26
15منصف بن الطيبي ،تقديم الملف الخاص حول " التطبيقات االقتصادية اإلسالمية المعاصرة -الجزء الثاني ،"-المرجع السابق،
ص.8
5
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
خدمة المصا لح االقتصادية للوبي البنكي المغربي والمصالح السياسية لخصوم اإلسالميين فحسب ،بل
كان رفضا ممنهجا تم تكريسه حتى على مستوى النظام التعليمي بالمغرب ،والذي ظل طيلة تلك المدة
أحاديا يقتصر على تدريس االقتصاد على الشكل الذي يحدده اإلطار الفلسفي الغربي ،مما أدى إلى
جهل الفئة المثقفة من أساتذة وطالب بميكانيزمات االقتصاد اإلسالمي.16
المطلب الثاني :النضال من أجل إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
سنتحدث في هذا المطلب عن الجهات التي تبنت النضال من أجل إقرار المصرفية
اإلسالمية في فقرة أولى ،لنتطرق بعدها إلى اهم المبررات المعتمدة في تبني هذا المطلب في فقرة
ثانية.
الفقرة األولى :الجهات المطالبة بإدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
انطلقت المطالبة بإدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي من الجامعة لتنتقل
إلى المجتمع خاصة بعد تأسيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في االقتصاد اإلسالمي ،وقد
تقوى ذلك أكثر بعد شروع اإلسالميين في ممارسة العمل السياسي داخل البرلمان عبر حزب العدالة
والتنمية.
أوال :انطالق المطالبة بإ دماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي من الجامعة
ظل تدريس االقتصاد اإلسالمي في الجامعات المغربية في البداية مرتبطا بالمبادرات
الفردية لبعض أساتذة االقتصاد من أبناء الصحوة اإلسالمية الذين انكبوا رغما على النظام التعليمي
بالدراسة والبحث والتأطير حول االقتصاد اإلسالمي بكل إشكالياته المختلفة ،فبدأنا نشهد بين الفينة
واالخرى بعض البحوث في شعبة االقتصاد حول االقتصاد اإلسالمي ،خاصة في بحث التخرج لنيل
اإلجازة والدراسات العليا ،رغم عدم إدماج مادة االقتصاد اإلسالمي ضمن المقرر الدراسي في شعبة
االقتصاد ،لكن الذي حصل هو أن الذين تابعوا دراستهم في سلك الدراسات العليا وسلك الدكتوراه،
تاب عوا التخصص والبحث في االقتصاد اإلسالمي والمؤسسات المالية اإلسالمية ،وهو تيار تقوى أكثر
مع ولوج أساتذة متخصصين في هذا المجال منهم "علي يوعال" بفاس و"محمد نجيب بوليف"
بطنجة 17و"عمر الكتاني" بالرباط ،هذا األخير الذي شرع في تدريس االقتصاد اإلسالمي لطلبة
السنة األولى بكلية الحقوق بالرباط منذ بداية التسعينيات ،بحيث لم يتطور األمر إلى خلق وحدات
ومسالك متخصصة في المالية اإلسالمية إال في اآلونة األخيرة ،وبالتالي بدأت االنفراجات تتوالى،
وبدأ التبشير باالقتصاد اإلسالمي ينتقل من الجامعة إلى المجتمع.18
إن هذه المجهودات الفردية التي بدلت على مستوى الجامعة المغربية من طرف األساتذة
المتخصصين في االقتصاد وفقه المعامالت المالية شكلت بحق نواة هامة النطالق الدعوات إلى األخذ
بنظام المصرفية اإلسالمية بالمغرب ،فبدأ التبشير باالقتصاد اإلسالمي يتجاوز الجامعة إلى المجتمع
16نشير إلى أن وزارة التعليم العالم أصدرت في اآلونة األخيرة بعض القرارات باعتماد مسالك الماستر متخصصة في المالية
اإلسالمية بشعب االقتصاد ،ونذكر على سبيل المثال :
-ماستر المالية اإلسالمية بالكلية المتعددة التخصصات بتطوان ،انطلق برسم الموسم الدراسي .2014-2013
-ماستر المالية اإلسالمية بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال بالرباط ،انطلق برسم الموسم الدراسي
.2015-2014
17يشغل الدكتور محمد نجيب بوليف حاليا منصب الوزير المنتدب المكلف بقطاع النقل بعد وصول حزب العدالة والتنمية
للحكومة ،وهو أستاذ االقتصاد بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة ،وقد سبق له مناقشة أطروحته لنيل دكتوراه الدولة في موضوع
التمويالت البنكية البديلة راجع :
- Mohamed Najib Boulif , Vers une nouvelle approche des placements , thèse de doctorat d'état
en sciences économiques, université Sidi Mohamed Ibn Abdellah , faculté des sciences juridique
économique et social Fès, 1996.
18لحسن الد اودي ،الحلم الطويل ...النضال من أجل بنك إسالمي ،مرجع سابق ،ص . 6
6
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
من خالل لقاء ات ومحاضرات وندوات احتضنتها مدن مختلفة ،ليتقرر على إثر توالي األنشطة العلمية
تنظيم ندوة دولية حول االقتصاد اإلسالمي سنة 1986بكلية اآلداب بالرباط ،وكان من أبرز من
حضروها الشيخ يوسف القرضاوي ،فكانت تلك الندوة بمثابة المحفز الرئيسي لتجميع كافة األساتذة
والخب راء والمتخصصين في االقتصاد االسالمي ودفعهم إلى التكتل في تنظيم جماعي موحد حتى
يكون لمشروعهم تأثير وقوة أكثر.
ثانيا :التوجه نحو تأسيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في االقتصاد اإلسالمي
سرعت الندوة المذكورة من وتيرة االلتفاف حول تنظيم موحد للنضال أكاديميا ومدنيا لقد ّ
من أجل إحداث البنوك اإلسالمية بالمغرب ،لتتوج بالمبادرة الكبرى والهامة وهي تأسيس الجمعية
المغربية للدراسات والبحوث في االقتصاد اإلسالمي سنة 1987التي ترأسها آنذاك الخبير االقتصادي
الدكتور لحسن الداودي وهو يشغل اآلن منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين األطر
بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم ،19فشكلت الجمعية فضاء مالئما للتأطير والعمل من أجل
االقتصاد اإلسالمي ،ومن خاللها تم تجميع جهود عشرات المختصين والمهتمين ،سواء من
االقتصاديين أو علماء الشريعة والقانون وغيرهم ،وبفضل ذلك تأسست فروع جديدة للجمعية في مدن
عدة داخل المغرب ،منها أكادير وتطوان ووجدة ومراكش والدار البيضاء ،وبفضل تلك الجهود إذن،
ومن خالل الجمعية ،تم تأطير أساتذة مادة االقتصاد واالقتصاد اإلسالمي ،التي أصبحت مادة أساسية
بشعبة الدراسات اإلسالمية في عدة جامعات ،20وليتطور الوضع في اآلونة األخيرة إلى فتح مسالك
للماستر متخصصة في االقتصاد والتمويل اإلسالمي.
ولقد أضحى ل لجمعية المغربية للدراسات والبحوث في االقتصاد اإلسالمي إشعاع دولي
ووطني ،وبفضل ذلك نظمت في السنوات األولى من التأسيس ندوة دولية بفاس بمشاركة خبراء
وباحثين من المشرق وأوربا ،ثم نظمت بعدها ندوة ثانية حول التجارة اإلسالمية برعاية ملكية،
وخارج المغرب كانت ألعضاء الجمعية مشاركات في ملتقيات وندوات متخصصة في مصر
والعربية السعودية وغيرها ،كانت سببا في ربط العالقة مع البنك اإلسالمي للتنمية ،خاصة مركز
الدراسات والبحوث بالبنك ،الذي توطدت عالقته بالجمعية لتصل إلى مستوى عقد شراكات لتنظيم
وتأطير دورات تكوينية وتدريبية في الدول الفرانكفونية ،خاصة اإلفريقية منها في االقتصاد والمالية
اإلسالمية.21
ثالثا :االنتقال نحو النضال السياسي من أجل إدماج المصرفية االسالمية في النظام البنكي
شهد النضال من أجل إدماج المصرفية االسالمية في النظام البنكي المغربي منعطفا هاما
بعد دخول الحركة اإلسالمية إلى العمل السياسي الحزبي ،وبالضبط سنة 1997حيث تمت إعادة
إحياء حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سابقا وتغيير تسميته فيما بعد باسم حزب العدالة
والتنمية ،ف وقع تحول في جبهة النضال من أجل مؤسسات بنكية إسالمية ،فأصبح العمل الحزبي وسيلة
من أجل تحقيق هذا الحلم ،وبالفعل تبنى حزب العدالة والتنمية المصرفية اإلسالمية في كافة برامجه
االنتخابية ،كما أن فريقه النيابي بمجلس النواب لم يدخر جهدا في تقديم مقترحات قوانين تهم
المصرفية اإلسالمية .
الفقرة الثانية :مبررات المطالبة بإدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي
تنطلق هذه األصوات الداعية إلى إقرار المصرفية اإلسالمية بالمغرب من المرجعية الدينية
للدولة التي هي اإلسالم ،كما نصت على ذلك كل الدساتير التي عرفها المغرب كان آخرها دستور
19نذكر أنه من أبرز من ترأسوا الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في االقتصاد اإلسالمي فضال عن الدكتور لحسن الداودي،
الدكتور عمر الكتاني أستاذ االقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط ،والدكتور عبد السالم بالجي أستاذ فقه المعامالت المالية.
20لحسن الداودي ،الحلم الطويل ...النضال من أجل بنك إسالمي ،مرجع سابق ،ص 6
21نفسه .
7
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
،222011فاعتبروا أن إنشاء البنوك اإلسالمية هو حق للمجتمع المغربي ،ألن كل إنسان له الحق في
أن يتعامل وفق معتقداته وقيمه وأخالقه ،وبما أن المجتمع المغربي مسلم فله الحق في التعامل مع
بنوك توازي هذه المعتقدات وتنطلق من قواعد الشريعة اإلسالمية في معامالتها.23
وتاريخيا كان التسليم في المغرب بربوية القرض البنكي أمرا مجمعا عليه من طرف النخبة
المغربية ،فلقد كانت المناشير الوزارية والظهائر السلطانية في العقود األولى من القرن العشرين تدعو
القضاة إلى التحفظ على القرض البنكي الربوي وتحثهم على عدم إمضائه وتوثيقه ألنه من العقود
والتعامالت الربوية التي توقع الفالحين المغاربة في أنواع من الضيق ،والبديل الذي طرحته دولة
الحماية الفرنسية في المغرب وقتئذ هو تأسيس الصناديق االحتياطية التي صدرت بشأنها ظهائر
مختلفة ،والقصد من ذلك إبعاد الناس عن اللجوء إلى القرض البنكي.24
وإلى غاية اآلن ما زال قانون االلتزامات والعقود المغربي يعتبر أن اشتراط الفائدة بين
المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه حيث ينص الفصل 870منه على أن "اشتراط الفائدة بين
المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر
للمقرض أو ألي شخص غيره يتخذ وسيطا له" ،وبالتالي يشكل هذا الفصل التزاما من قانون
االلتزامات والعقود بقواعد الشريعة اإلسالمية المحرمة للربا ،وتكريسا للحكم اإلسالمي في القرض
بفائدة ،حيث يستمد أصوله من الفقه اإلسالمي كمصدر تم االعتماد عليه عند صياغة هذا القانون سنة
.251913
ونظرا ألن هذا الفصل مازال قائما ،بحيث ال يوجد في التشريع المغربي ما يفيد إلغاءه أو
تعطيله سواء في القواعد العامة أو النصوص الخاصة ،فإنه وحسب موقف العديد من فقهاء القانون
المغربي 26يحق لزبناء البنوك التمسك ببطالن الفائدة استنادا على الفصل المذكور ،وأنه على المحكمة
أن تجيب على هذا الدفع وإال كان حكمها ناقص التعليل الموازي النعدامه ،27أضف إلى ذلك أن
22جاء في تصدير دستور المملكة المغربية لسنة " : 2011المملكة المغربية دولة إسالمية...كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ
ال دين اإلسالمي مكانة الصدارة فيها...وتؤكد وتلتزم بما يلي:
-تعميق أواصر االنتماء إلى األمة العربية واإلسالمية"..
كما ينص الفصل 3منه على أن " اإلسالم دين الدولة "..وينص الفصل 41على أن " الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة
والدين"...
23منصف بن الطيبي ،حول ضرورة إيجاد بنك إسالمي ،مداخلة في إطار أشغال اليوم الدراسي المنظم من طرف مركز
الدراسات والبحوث اإلنسانية بتنسيق مع كلية الحقوق بوجدة بتاريخ 6دجنبر 2007حول موضوع " آفاق التمويالت البنكية
البديلة بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص . 60
24المنشور الوزاري العدلي الصادر عام 1929الرباط الخزانة العامة مخطوط رقم . 113
25أحمد أدريوش" ،أصول قانون االلتزامات والعقود " ،بحث في األصول الفقهية والتاريخية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق بالرباط ،1991منشورات سلسلة المعرفة القانونية ،مطبعة ومكتبة األمنية ،
الرباط ،1996 ،ص .164
26من أبرزهم نذكر:
-عبد اللطيف هداية هللا – مقابلة بين الفصل 870من قانون االلتزامات والعقود والفصل 130من القانون التجاري ،المجلة
المغربية لقانون واقتصاد والتنمية ،عدد ،4سنة ،1994ص .27
-امحمد لفروجي ،الفوائد البنكية بين السعر القانوني والسعر االتفاقي للفوائد في الميدانين المدني والتجاري ،سلسلة القانون
والممارسة القضائية ،العدد 1سنة ، 2003منشورات المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت ،مطبعة النجاح الجديدة الدار
البيضاء ،ص .144
-رشيد مشقاقة ،اشتراط الفائدة في ضوء االجتهاد القضائي المغربي ،جريدة العلم ،عدد ، 16972بتاريخ 30أبريل ،1994
صفحة المجتمع والقانون.
-عبد اللطيف الحاتمي ،،الفوائد التأخيرية وشرعيتها –دراسة مقارنة– ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة
الحسن الثاني عين الشق ،كلية الحقوق الدار البيضاء 2001-2000 ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء
،2008ص 574إلى .578
-عبد السالم المريني ،الوديعة النقدية المصرفية في القانون المغربي والمقارن ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،
جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق /عين الشق ،الدار البيضاء ، 2004- 2003 ،ص . 492
27وهذا يعد من موجبات الطعن بالنقض حسب منطوق الفقرة الخامسة من الفصل 359من قانون المسطرة المدنية المغربي التي
تنص على أنه " :يجب أن تكون طلبات نقض األحكام المعروضة على المجلس األعلى مبنية على أحد األسباب التالية :
8
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
مقتضيات الفصل 870تتعلق بالنظام العام مما يتيح للقاضي إمكانية إثارتها تلقائيا ولو لم يثرها
األطراف ،رغم أن المحاكم غالبا ما تتحفظ في هذه المسألة ونادرا ما كانت تثير مسألة عقود القرض
المقرونة باشتراط الفائدة من تلقاء نفسها ،28ففي غالب الحاالت يثار الدفع من قبل أطراف العقد ،وهذا
يخالف القواعد العامة التي تقضي بأنه كلما تعلق أمر بالنظام العام إال وكان على المحكمة أن تثيره من
تلقاء نفسها دون الحاجة إلى التمسك به من قبل األطراف.29
وعليه فإن هذا الفصل كان له وقع كبير على توجه العديد من رجال القانون والقضاة
المغاربة نحو مناهضة الفوائد البنكية والمطالبة ببطالنها مما شكل دعما كبيرا لألصوات المدافعة عن
المصرفية اإلسالمية ،حيث تمت المطالبة بإلغاء كل نص قانوني مخالف للفصل 870من قانون
االلتزامات والعقود ،مقابل إحياء مقتضيات هذا الفصل ليصبح هو األصل الذي تحتكم إليه جميع مواد
القانون ،خاصة في ظل وجود مجموعة من البدائل والتمويالت البنكية التي يمكن أن تحل محل
القروض الربوية لتقوم بنفس وظيفتها التمويلية مع مراعاة قواعد الشريعة اإلسالمية والمساهمة في
التنمية على جميع مستوياتها سواء في اإلسكان أو االستهالك أو اإلنتاج واالستثمار.30
وهذا يتطلب في نظرهم جرأة واستعدادا على مستوى التشريع وإرادة سياسية على مستوى
القرار للتوجه نحو تحويل البنوك التقليدية إلى بنوك إسالمية ،أو على األقل إن لم يكن ذلك ممكنا بفتح
المجال أمام المصارف اإلسالمية لتعمل إلى جانب البنوك التقليدية وفق مبادئ التعددية والمنافسة
الحرة التي يفرضها التوجه الليبرالي ،وذلك حتى يترك الخيار أمام المواطن وال يفرض عليه الحل
الوحيد ،فيجد بذلك كل من يرغب في تجنب التعا مل بالفوائد مع البنوك التقليدية بديال ذا طابع إسالمي
يلجأ إليه إليداع أمواله أو طلب االستفادة من المنتجات االئتمانية لتمويل حاجياته.31
ويرى المدافعون عن المصرفية باإلسالمية أن إنشاء البنوك اإلسالمية هو الحل للرفع من
إقبال المغاربة على البنوك ،حيث إن نسبة البنكنة أو االستبناك ( )La Bancarisationتعد ضعيفة
جدا ،فأزيد من 3/4ثالثة أرباع من سكان المغرب ال يلجون إلى الخدمات البنكية ،وبالتالي يقدر عدد
32
المستفيدين من هذه الخدمات بحوالي 6ماليين مواطنا بنسبة %18من مجموع عدد السكان.
كما وصل عدد الحسابات البنكية المفتوحة بما في ذلك الحسابات المفتوحة لدى "بريد
...........................................
-5عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل".
28في هذا السياق نشير إلى أن القضاء المغربي قضى في عدة أحكام وقرارات ببطالن الفائدة االتفاقية البنكية استنادا إلى الفصل
870من قانون االلتزامات والعقود ،وكمثال على ذلك نذكر ما يلي:
-قرار المجلس األعلى عدد ، 1877في الملف التجاري عدد 98 /508بتاريخ ،1999 /12 /22منشور بمجلة قضاء
المجلس األعلى عدد ،65خاص بالقضاء التجاري بتاريخ 22يوليوز 2000مطبعة األمنية الرباط ص ،257جاء فيه:
"حيث إنه بمقتضى الفصل 870من قانون االلتزامات والعقود فإن الفائدة االتفاقية بين المسلمين ولو اتخذت شكل هدية أو أي
نفع للمقرض أو وسيطه باطلة ومبطلة للعقد المتضمن لها" .
-قرار المجلس األعلى عدد 1235في الملف المدني عدد 2000/2/1/2016بتاريخ ، 2001 /04 /04منشور بمجلة قضاء
المجلس األعلى عدد مزدوج ، 85/57السنة ،23ص ،44جاء فيه:
" ...حول الوسيلة األولى المتخذة من الخرق الجوهري للقانون ،وخرق قواعد اإلثبات والمساس بحقوق الدفاع ،ذلك أن الطاعن
دفع بأن الدين المضمن بااللتزام هو دين بفائدة ،وهو ما يسمى شرعا بالربا ،وهو شيء محرم بين المسلمين شرعا وقانونا".
-الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بمدينة الجديدة تحت عدد ،2238في الملف المدني رقم ، 87 /1بتاريخ 1987 /12 /31
منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 77مزدوج ،فبراير ،1997ص ،12جاء فيه:
"حيث إن الفوائد بين المسلمين محرمة لذا ينبغي رفض الفوائد البنكية".
29
Omar Azziman, Droit civil, droit des obligations, V :1 « Le Contrat », Editions Le Fennec,
Casablanca, 1995, p 172 .
30عبد المهيمن حمزة ،دور التمويالت البنكية البديلة في تعويض قروض االستهالك بفائدة – دراسة في منتوجي اإلجارة
والمرابحة ،-مجلة المنبر القانوني ،عدد مزدوج 2و ،3أبريل-أكتوبر ، 2012ص 17وما يليها.
31عبد المهيمن حمزة ،األساس القانونية للفوائد البنكية :دراسة نقدية في ضوء الفصل 870من ق.ل.ع ،مجلة القضاء التجاري،
العدد األول ،السنة األولى ،شتاء/ربيع ،2013 ،ص . 105
32
Noureddine Toujgani et Samir El Jaafari, Viabilité des Services bancaires au Consommateur au
Maroc, Revue Marocaine de Droit économique, N°2, janvier 2009, p 51.
9
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
المغرب" بالنسبة لألشخاص الذين يتجاوز سنهم 15سنة نسبة %29فقط ،مقابل %98بالنسبة
33
لفرنسا و %94بالنسبة إلسبانيا.
إن هذه المعطيات المرتبطة بضعف الولوج إلى الخدمات البنكية تؤكد وجود قطيعة بين
المؤسسات البنكية وشرائح واسعة من المجتمع المغربي ،وتعزى هذه القطيعة بالدرجة األولى إلى
العامل الديني ،فإذا كان كثير من الناس قد ألفوا بدافع الضرورة أو غيرها التعامل مع البنوك التقليدية
التي تتعامل بالربا ،فإنه في المقابل ثمة فئات عريضة تربأ بنفسها عن التعامل بصيغ التمويالت
الربوية لدى هذه البنوك ،وتفضل ،بدل إيداع أموالهم بالبنك ،االحتفاظ بسيولتها النقدية في صناديق
البيوت رغم ما يكتنف ذلك من الخطورة عليهم ،34كما تفضل هذه الفئات العيش في كنف الحاجة إلى
المسكن وضروريات العيش بدل طلب قروض السكن أو قروض لالستهالك من أجل تلبية
حاجياتهم.35
ويالحظ أنه حتى هذه الشريحة التي ترفض التعامل بالقروض البنكية يمكن تقسيمها إلى فئة
ترفض التعامل مع المؤسسات البنكية مطلقا أيا كان نوع المعاملة ،فيما توجد فئة أخرى تتعامل مع
األبناك لكنها ترفض أخذ الفوائد المستحقة لها في حالة الحساب ألجل أو سندات الصندوق على أساس
أنها ربا ،ومنهم من يأخذها ويتخلص منها بتسليمها للفقراء والمساكين.36
لكن هذه الشريحة التي ترفض التعامل بالقرض الربوي تكاد تكون مجمعة على استعدادها
للتعامل مع البنوك اإلسالمية ،وترغب في االستفادة من التمويالت البنكية البديلة ،وفي هذا السياق
ذكرت دراس ة حديثة أجرتها مؤسسة االستشارات المتخصصة في التمويالت اإلسالمية المعروفة
اختصارا ب "إيفاس" أن 97%من المغاربة مهتمون بالخدمات المالية اإلسالمية ،وأن % 70
مستعدون لالنخراط في هذه الخدمات في حالة اطمئنانهم بأن هذه الخدمات تتوافق مع الشريعة
اإلسالمية.37
كما أن المصرفية اإلسالمية ستكون سببا لتطوير االدخار الداخلي للمقاوالت المغربية
وتطويره حيث يرى الدكتور عمر الكتاني أن حوالي %20من المقاوالت المغربية ال تتعامل مع
األبناك ألسباب مبدئية ،وأن هناك حوالي %19مستعدة لتحويل تعاملها من البنوك التقليدية إلى البنوك
اإلس المية إذا تم الترخيص لهذه االخيرة بالتواجد في المغرب ،مما يفسر وجود طاقة تعاملية على
مستوى المقاوالت المغربية يمكن أن تستغلها المؤسسات المالية اإلسالمية وعلى الخصوص البنوك
اإلسالمية.38
وتفيد المصرفية اإلسالمية من جهة أخرى في استثمار مدخرات الجالية المغربية المقيمة
في الخارج والتي تفوق 20مليار درهم سنويا ،وبالتالي فبدل إيداع هذه المبالغ في البنوك التقليدية
على شكل ودائع قصيرة األجل ،يمكن استغالل هذه األموال واستثمارها عند إيداعها لدى البنوك
33سعيد خضراوي ،دور جمعيات السلفات الصغيرة في تقديم الخدمات المالية ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص ،جامعة
محمد الخامس ،كلية الحقوق /أكدال ،الرباط ، ،2009- 2008 ،ص . 2
34محمد أمنو البوطيبي ،التكييف الفقهي للتمويالت المصرفية الجديدة في البنوك المغربية ،مجلة المذهب المالكي ،العدد الرابع،
1428هـ – 2007م ،ص .93
35عبد المهيمن حمزة ،النظام القانوني للمرابحة العقارية كمنتوج جديد في العمل البنكي بالمغرب ،مساهمة في مؤلف جماعي
يحمل عنوان" :المستجدات التشريعية في المادة العقارية" ،سلسلة األنظمة والمنازعات العقارية ،العدد ،7منشورات مجلة
الحقوق ، 2013 ،ص . 219
36عبد الواحد شعير ،إشكالية الرهن العقاري الرسمي كضمان بنكي في ضوء التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق ،أطروحة
لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق /عين الشق ،الدار البيضاء ،1995 – 1994 ،ص
.291
37نشرت هذه الدراسة جريدة التجديد في العدد الصادر بتاريخ 13دجنبر ،2012كما نشرتها أيضا بموقعها االلكتروني:
. www.attajdid.ma
38عمر الكتاني ،قدرة المنتوجات البنكية البديلة على جلب استثمارات جديدة ،مداخلة في إطار أشغال اليوم الدراسي المنظم من
طرف مركز الدراسات والبحوث اإلنسانية بتنسيق مع كلية الحقوق بوجدة بتاريخ 6دجنبر 2007حول موضوع " آفاق
التمويالت البنكية البديلة بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص . 40
10
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
اإلسالمية التي تستثمرها سواء بالمشاركة أو بشكل منفرد أو مستقل ،حيث ستتحول هذه المبالغ إلى
استثمارات مباشرة مضمونة ،ألن أٍرباح ومداخيل البنوك اإلسالمية هي نتاج الستثمار وتوظيف تلك
األموال وليس المضاربة فيها باستخالص الفوائد الربوية ،ناهيك عن الخطر الذي أصبح يهدد المغرب
بفعل توجه الدول األوربية إلى إنشاء بنوك إسالمية الستقطاب أموال العمال المنتمين للدول اإلسالمية
والذين يقدر عدهم بحوالي 25مليون نسمة من بينهم نسبة كبيرة من المغاربة ،حيث سيجد هؤالء
أنفسهم أمام ضرورة االختيار بين أن يضعوا أموالهم في بنوك ربوية بالمغرب أو أن يحتفظوا بها في
بنوك إسالمية في أوربا ،وهذا يشكل مخاطرة من المغرب في حالة اإلبقاء على موقفه الرافض
العتماد المصرفية اإلسالمية فيه.39
وباإلضافة إلى ذلك ثمة دافع قوي للمطالبة بالترخيص للبنوك اإلسالمية يتمثل في خسارة
المغرب الستثمارات خليجية هامة يمكن أن يستقبلها في حالة توفره على نظام مصرفي إسالمي،
حيث إن أصحاب هذه االستثمارات يتحاشون وضع أموالهم في مصاريف تعتمد تمويالتها على النظام
الربوي المحض ،فهم قد ألفوا منذ أزيد من عقدين من الزمن أن ال يتعاملوا إال مع المصارف
اإلسالمية في بلدانهم ،ويجدون الخاصية الالربوية غالبا حتى في دول غير مسلمة مثل بريطانيا،40
فالمصرفية اإلسالمية تشكل للمغرب حافزا مهما الستقطاب األموال الخليجية في ظرفية قد ال تستمر،
وهي ظرفية تاريخية وليست متجددة بشكل مباشر ،فاستمرار رفاهية هذه الدول غير مضمون ،ألن
البترول قد ال يستمر في االرتفاع ،وكذلك وضعها السياسي واالجتماعي واالقتصادي بشكل عام.41
المبحث الثاني :إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي :الحصيلة واآلفاق
سنتطرق في هذا المبحث إلى تجربة تسويق المنتجات البديلة لدى البنوك التقليدية بموجب
دورية والي بنك المغرب رقم /33و2007/بتاريخ فاتح شتنبر 2007وما اعترضها من معيقات حالت
دون نجاح التجربة (المطلب االول) ،لتتجه الحكومة المغربية نحو تدشين مرحلة جديدة في مسار
إدماج المصرفية اإلسالمية في النظام البنكي المغربي ،وذلك بعدما تقدمت بمشروع قانون يقضي
بإحداث البنوك التشاركية (المطلب الثاني) .
المطلب األول :فشل تجربة إدماج تسويق المنتجات البديلة عبر البنوك التقليدية
قام والي بنك المغرب بإصدار دورية بتاريخ فاتح شتنبر 2007رقم /33و 2007/تتعلق
بتسويق المنتجات البنكية البديلة في البنوك التقليدية ،إال أن عملية إطالق هذه المنتوجات وظروف
تسويقها اعترتها مجموعة من مظاهر القصور بفعل التعقيدات القانونية واألعباء الضريبية المكلفة ،
كما أن الحملة الترويجية التي رافقت انطالقها كانت محتشمة أو هزيلة ،وكذا الطريقة الفاترة التي ال
ترقى إلى مستوى التفاعل اإليجابي في عرضها من قبل بعض البنوك مع الراغبين في الحصول على
تمويل بواسطتها ،مما أفضى إلى نتيجة واقعية وهي فشل التجربة فشال ذريعا في تحقيق األهداف
المالية واالجتماعية والتنموية المراد تحقيقها من وراء إحداث هذه المنتجات ،وفيما يلي سنتعرض أهم
العوامل والمظاهر التي أدت إلى هذا الفشل:
الفقرة األولى :ضعف اإلطار القانوني المنظم للمنتجات البديلة
من المالحظ أن تنزيل المنتجات البنكية البديلة ومقتضياتها القانونية جاءت في إطار
الدورية التي أصدرها بنك المغرب تحت رقم /33و ، 2007/ومن المعلوم أن ما تتضمنه الدوريات
من مقتضيات ال ترقى إلى درجة القواعد القانونية الملزمة للبنوك ،حيث تبقى لها الحرية في األخذ بها
11
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
أو عدم األخذ بها ،42حيث ال يملك بنك المغرب من خالل الدورية المذكورة قوة إلزام المؤسسات
البنكية بتطبيقها واحترام مضمونها ،وإن كنا ال ننكر ما لهذه التوصية من أهمية ومساهمة في خلق
نماذج من عقود جديدة يمكن أن تكون مفتاحا لما يمكن أن يعتمد كتشريع حقيقي في تنظيم المعامالت
والعقود المالية مستقبال.43
وعليه؛ فإن اإلطار القانوني السليم الذي كان يجب أن تخرج فيه إلى الوجود هو إما تعديل
القانون البنكي المغربي لتضاف إليه ،أو إصدار قانون جديد خاص بهذه المنتجات ،وإما على األقل
إصدار مرسوم وزاري ينظمها على غرار الطريقة التي تم بها اعتماد جمعيات القروض الصغرى،
وبالتالي فإن اإلطار القانوني يشكك أوال في النوايا من وراء إحداث هذه المنتجات ،ويفسر من جهة
أخرى مآل هاته المنتجات الذي هو الفشل.44
الفقرة الثانية :تسويق المنتجات البديلة والدعاية لها بشكل محتشم ومغرض
جرت العادة أن البنوك حينما تط لق منتوجا جديدا ،تشن حملة إشهارية لترويجه وإقناع
الناس بنجاعته ،وقبل ذلك تقوم بتكوين األطر البنكية التي ستوكل لها مهمة تنفيذ عمليات هذا المنتوج
الجديد ،حيث يفترض أن يقوم أي بنك وهو ينشد استقطاب شريحة جديدة من الناس للتعامل مع أي
منتوج جديد بحمالت إشهارية غاية في اإلخراج للتأثير على العمالء وتوجيههم لإلقبال عليه،
فالتسويق واإلشهار يعدان مرتكزا أساسيا ضمن استراتيجية المؤسسات البنكية باعتبارها طرفا تجاريا
يهدف إلى تحقيق الربح من وراء تجنيد وكاالت اإلشهار والتعاقد مع وسائل اإلعالم السمعية
والبصرية والمكتوبة ،وإنفاق مبالغ ضخمة لتسويق خدماتها .
كما تعمل البنوك أيضا على تتبع حمالتها اإلعالنية لمعرفة مدى استجابة الناس لها ،إذ
تعمل على تعديل مضمونها متى كانت االستجابة ضعيفة ،وبالتالي تعمل على الزيادة في إظهار
الجانب اإليجابي والمؤثر في المنتوج الجديد ،وتقديمه على أنه الحل األمثل للتمويل ،مع اإلشارة إلى
بعض االمتيازات مثل تخفيض نسبة الفائدة أو منح تسهيالت عديدة في األداء ،أو اإلعالن عن مجانية
الملف أو إعطاء أرقام خيالية عن عدد الزبناء الذين اختاروا عن طواعية المنتوج الجديد محل
اإلشهار ووضعوا بذلك ثقتهم في المؤسسة البنكية ككل.45
هكذا تتعامل األطر البنكية مع كل المنتوجات الجديدة التي تتعامل بالصيغ التقليدية ،لكن في
حالة التمويالت البديلة ،تم ابتداع نموذج آخر في التعامل مع الشرائح المجتمعية نموذج ال يعرف له
مثيل في فن التواصل التجاري ،فألول مرة يعرض منتوج في سياق المقارنة بمنتوج آخر وبكيفية
42إقرار هذه المنتجات بناء على توصية أو منشور أو دورية يجعلها ال تحظى بالقوة الملزمة الالزمة لتكون سارية المفعول
ومطبقة قانونا بشكل صحيح ،وهذا ما أكده المجلس األعلى في قرار حدد فيه الطبيعة القانونية للمناشير حيث جاء فيه :
"واعتمادا على االجتهاد القضائي ،فإن المناشير ليس لها قوة القانون وبالتالي ال تكون ملزمة للمحاكم بل ال تلزم إال الموظفين
الخاضعين تدرجا إلى الرئيس الصادرة عنه ،ثم إن التأويالت المعطاة للقوانين بواسطة المناشير الوزارية ،ليست لها إال قيمة
فقهية وال تلزم بتاتا المحاكم ،خاصة عندما تكون مخالفة للقانون".
-قرار الغرفة الجنائية بالمجلس األعلى ،صادر بتاريخ 19مارس ،1970منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ،العدد ،19ص
،58راجع :
-عبد المهيمن حمزة ،دور التمويالت البنكية البديلة في تعويض قروض االستهالك بفائدة ،مرجع سابق ،ص 17وما بعدها.
43جواد مريد ،البنوك اإلسالمية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص .306
44عبد اللطيف بروحو ،الوضع القانوني والمالي للتمويالت البديلة ،مرجع سابق ،ص .17
45ال تكتفي البنوك بحث الجمهور على استهالك منتوجاته الجديدة فقط ،بل تعمد إلى ربط إشهار هذه المنتجات بإشهار المؤسسة
البنكية ككل وإبراز هويتها وقيمتها وف لسفتها في التسويق ،بهدف تلميع صورتها وتحسين سمعتها لدى الجمهور ،فال يكفي
التعريف بمنتوجاتها ،إذ ينبغي أن ينضاف إلى ذلك اإلشهار المؤسساتي الذي يرمي إلى تحقيق جملة من األهداف أهمها:
-التعريف بالبنك كمؤسسة مستقلة متميزة في معاملتها وتسهيالتها عن باقي البنوك.
-إ براز الدور االجتماعي للبنك باعتباره مؤسسة مواطنة ،ال تهدف إلى مجرد تحقيق الربح ،وإنما إلى خدمة أهداف
اجتماعية ،والمساهمة في تنمية االقتصاد الوطني وتنفيذ السياسات العمومية.
-خلق وتدعيم الصورة والسمعة الحسنة للبنك لدى الجمهور ،يراجع:
- Piquet Sylvére, La publicité dans l’action commerciale, Libraire Vuibret , Paris, 1987, p 27.
12
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
مخلة بضوابط اإلشهار المقارن ،46حيث تعرض على الزبون صيغتان بجداول تفصيلية تتضمن
أشكال التمويل في الحالة الربوية وما يقابله في حالة التمويل البديل ،وترصف أرقام هذه مقابل أرقام
تلك ،وتذكر العديد من األطر البنكية الزبون بمزايا الصيغ الربوية وأفضليتها ،بل وتنخرط في مهمة
المقارنة والتوضيح حتى تجعل الزبون يقتنع رقميا بترك الصيغ البديلة.
هذه هي الطريقة التي تستقبل بها األطر البنكية الزبون وهو يريد أن يطلع على منتوج
التمويالت البديلة ،ف بدل أن تضعه في الصورة ،وتوضح له مفهوم المرابحة ،ودخول البنك كطرف في
العملية اإلنتاجية ،تربك عملها التواصلي ،وتنخرط في حملة ضمنية إلفشال هذا المنتوج الجديد ،ذلك
أن أي زبون ،حين تعرض عليه جداول مشحونة باألرقام ،ويعرض عليه أي منتوج في سياق مقارن،
فإن الطبيعي أن يختار الصيغة األكثر فائدة له ضمن الصيغ الموجودة ،ليخرج الزبون بنتيجة مفادها
أن المنتوج البديل غير مغر ألن القرض الربوي أريح منه .
الفقرة الثالثة :ارتفاع التكلفة الجبائية للمنتجات البنكية البديلة
من أهم أسباب فشل تجربة التمويالت البنكية البديلة عامل مرتبط بعدم مالءمة القوانين
الضريبية مع خصوصية هذه المنتجات ،مما ساهم بشكل مباشر في ارتفاع تكلفتها مقارنة بالمنتجات
الكالسيكية بسبب األعباء الضريبية ،حيث تم تطبيق مقتضيات النظام الضريبي الحالي على المنتجات
الجديدة دون تمتيعها بوضع جبائي خاص ،فضال عن عدم استفادتها من وضعية "منتوج جديد" في
المجال الضريبي ،وبالتالي تمت معاملتها على غرار التمويالت التقليدية بدون أي تمييز ،رغم أن
تكلفة هذا األخير منخفضة.47
وهكذا تم تطبيق نظام ضريبي مرهق على منتوج "إجار واقتناء" ،وذلك من خالل
إخضاعه للضريبة على الشركات بالنسبة لمؤسسات االئتمان على غرار المنتجات التقليدية مما طرح
إشكالية التهالك " ، "Amortissementكما طبق عليه في الوهلة األولى السعر العادي واألعلى
للضريبة على القيمة المضافة %20والتي تم تخفيضها بمناسبة قانون المالية لسنة
2010إلى ،48 10%فضال عن تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر من جهة ،وإدراج تكلفة الضريبة
على األرباح العقارية من جهة أخرى.
أما بالنسبة لمنتوج "المرابحة" فهناك إشكالية احتساب األرباح العقارية داخل األرباح
الخاضعة للضريبة على الشركات ،باإلضافة إلى إدراج تكلفة الضريبة على األرباح العقارية في ثمن
البيع ،وإخضاع هذا المنتوج للضريبة على القيمة المضافة بنسبة %10تضاف إلى تكاليف المنتوج،
مع تطبيق مصاريف التسجيل والتنبر.49
وعليه فإن هذه األعباء الضريبية الثقيلة أضرت بسمعة هذه المنتجات وخلقت تصورا لدى
46حدد المشرع المغربي ضوابط اإلشهار المقارن من خالل المادة 22من قانون حماية المستهلك التي تنص على ما يلي:
" كل إشهار يقارن بين خصائص أو أسعار أو تعريفات السلع أو المنتوجات أو الخدمات إما باإلشارة إلى عالمة الصنع أو
التجارة ،أو الخدمة الخاصة بالغير أو تجسيدها ،وإما باإلشارة إلى العنوان التجاري أو تسمية الشركة أو اإلسم التجاري أو
الشعار الخاص بالغير أو تجسيد ذلك.
ال يرخص به إال إذا كان نزيها وصادقا وأال يكون من شأنه إيقاع المستهلك في الغلط .
يجب أن يكون اإلشهار المقارن حول الخصائص ،متعلقا بالخصائص األساسية والهامة والمفيدة ،والتي يمكن التحقق منها ،للسلع
والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق.
يجب أن يكون كل إشهار مقارن حول األسعار أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة وفق نفس
الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خاللها باألسعار أو التعريفات المحددة من لدن المعلن باعتبارها خاصة به.".
47عبد اللطيف بروحو ،الوضع القانوني والمالي للتمويالت البديلة ،مرجع سابق ،ص .19
48قانون المالية رقم 45-09للسنة المالية ، 2010منشور بالجريدة الرسمية عدد 5800بتاريخ 31دجنبر .2009
49نشير إلى أن ضريبة التسجيل والتنبر كانت مزدوجة على منتوج المرابحة ولم يتم إلغاء االزدواجية إال مع القانون المالي لسنة
، 2009ولقد كانت االزدواجية الضريبية للتمويالت اإلسالمية وخاصة صيغة المرابحة عائقا كبيرا أمام تطورها ،وجاء في
مذكرة التقديم لهذا القانون بأن هذا التدبير يرمي إلى تفادي االزدواج الضريبي عند اقتناء العقارات عن طريق المرابحة ،وذلك
في إطار التدابير المتعلقة بواجبات التسجيل ،وتطبيق واجب النظام العام على اقتناء العقارات.
13
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
الزبناء مؤداه أن البنوك لها رغبة في جعلهم يؤدون ضريبة إضافية إذا ما أرادوا أن يتعاملوا بمنتجات
تتالءم مع مبادئهم وإال يجب عليهم أن يرضوا بما هو معروض عليهم من منتجات ربوية ،هذا
التصور وإن كان السبب فيه هي السلطات المالية المغربية وليست األبناك ،إال أنه أثر سلبا على سمعة
هذه األخيرة وعلى مصداقية تعامالتها .50
الفقرة الرابعة :غالء المنتوجات البنكية البديلة مقارنة بالمنتجات الربوية
نتيجة للعوامل المذكورة سلفا فإن عنوان الفشل هو غالء المنتجات البنكية البديلة مقارنة
بالمنتجات الربوية ،هذا الفشل تتحمل مسؤوليته الحكومة المغربية وليس المؤسسات البنكية ،ألن
السلطات المالية تعمدت تنزيل هذه المنتجات من دون أن تدرس جيدا طبيعتها من جميع الجهات ومن
دون أن توفر لها الظروف المالئمة إلنجاحها ،وخصوصا االرتباطات القانونية لها المنظمة لعمليات
البيع والتسجيل والتحفيظ ،كما أنها لم تعمل على خلق نظام مالي وجبائي خاص بها كعمليات تمويلية
باألساس ،وبالتالي إقرار إعفاءات أو تخفيضات ضريبية دائمة أو مؤقتة ،فكانت النتيجة كما سبق
الذكر هي ارتفاع التكلفة اإلجمالية للمنتوج البديل مقارنة بالقروض الربوية.
ولتوضيح هذه النتيجة سنعمل على إجراء مقارنة بين تكلفة القرض السكني بفائدة وتكلفة
تمويل السكن عبر المنتجات البديلة ،حيث سنركز على قيمة األقساط الواجبة التسديد في كال الحالتين،
علما أن مدة التمويل هي 20سنة أي 240شهرا ،وذلك استنادا على المعطيات الرسمية الصادرة عن
مؤسسة "التجاري وفا بنك" ،في مذكرة رقم 07/172بتاريخ 9أكتوبر :51 2007
قيمة القسط الشهري قيمة القسط الشهري قيمة القسط الشهري ثمن السكن الممول
مفتاح الفتح /إجارة واقتناء مفتاح الخير /مرابحة القرض السكني بفائدة
922درهم 860درهم 779درهم 100ألف درهم
2766درهم 2581درهم 2337درهم 300ألف درهم
4610درهم 4302درهم 3895درهم 500ألف درهم
انطالقا من هذا الجدول تتضح لنا المقارنة بين القرض الربوي والمنتجات المستحدثة على
مستو ى القسط الشهري ،أما لمعرفة التكلفة اإلجمالية نقوم بضرب مبلغ القسط الشهري في عدد شهور
التمويل الذي هو 240شهرا ،حيث تؤكد لنا هذه األرقام الحصيلة السلبية لتجربة المنتجات البديلة،
مما يدفعنا إلى اإلقرار بأن لوبيات القطاع البنكي الريعي نجحت بالفعل في قطع الطريق أمام
المعامالت البنكية الجديدة .
ونتيجة لذلك نرى أن الحل هو ضرورة إعادة النظر في النسق ككل والتوجه نحو إيجاد
أرضية اقتصادية وقانونية وجبائية متكاملة بالتوجه قدما نحو تأسيس بنوك إسالمية بالمغرب ،استجابة
النتظارات شريحة واسعة من المجتمع المغربي التي ال زالت ترفض التعامل مع األبناك التقليدية
القائمة حاليا ،وهذا رهين في نظرنا بتوفر اإلرادة االقتصادية للحكومة والفاعلين في الميدان
ا لمصرفي ،وقبلها توافر اإلرادة السياسية لدى صانعي القرار ،هذه األخيرة يمكن القول إنه تأكد
توفرها بعد التحوالت اإليجابية التي وصلت للمغرب بفضل الربيع العربي ،والتفاعل اإليجابي
للمغرب معها بنفَس إصالحي فكان للمصرفية اإلسالمية نصيب منه.
50جواد مريد ،البن وك اإلسالمية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص . 311
51
Attijariwafa bank , Lettre circulaire N° 172/07, code classement 124, le 9 octobre 2007,
annexe : 6 , comparatif mensualités.
14
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
المطلب الثاني :آفاق إدماج المصرفية االسالمية عبر تجربة البنوك التشاركية المرتقبة
بعد فشل تجربة إدماج المنتجات البديلة ضمن النظام البنكي التقليدي ،تتجه الحكومة
المغربية إلى إحداث البنوك اإلسالمية في السوق المالية المغربية تحت مسمى جديد وهو "البنوك
التشاركية" ،وذلك بعد تقدمها بمشروع قانون يحمل رقم 34-03يتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات
المعتبر في حكمها ،والذي من أهم مستجداته التنصيص على إحداث البنوك التشاركية ،حيث خصص
الباب الثالث كله لهذا النوع الجديد من البنوك ،والذي يشتمل على المواد من 52إلى . 73
وعليه فإننا سنتناول في هذا المطلب أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع القانون
المحدث للبنوك التشاركية ،لنبدي بعدها وجهة نظرنا حول هذا المشروع من خالل مالحظات
واقتراحات.
الفقرة األولى :مستجدات مشروع القانون المحدث للبنوك التشاركية بالمغرب
اعتبرت الحكومة المغربية في المذكرة التقديمية لمشروع القانون القاضي بإحداث البنوك
التشاركية 52أن هذا المشروع مبني على تقييم سابق واستخالص دروس هامة ،خاصة على ضوء
األزمة العالمية و انعكاساتها على اقتصاديات الدول و كذا التطورات التي عرفها المناخ القانوني على
المستوى الدولي و الوطني ،من أجل أخد هذه التطورات بعين االعتبار ووضع اآلليات الضرورية ال
سيما للوقاية من األزمات المالية و تدبيرها و تعزيز الرقابة على أنشطة مؤسسات االئتمان وخلق
شروط تطابق نظامنا البنكي مع أفضل المعايير المعمول بها على المستوى الدولي ،بات من
الضروري العمل على إعداد قانون جديد ينظم أنشطة مؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
بمقتضيات ومقاربة جديدة تأخذ بعين االعتبار كل هذه المعطيات.
وقد جاء في المذكرة أن فكرة إحداث البنوك التشاركية جاءت بناء على وعي السلطات
المالية بالمغرب بما يمكن أن تقدمه المنتوجات والخدمات المالية التشاركية فيما يخص تعبئة االدخار
والتمويل اإلضافي لالقتصاد الوطني ،وبالتالي أصبح من الضروري وضع إطار قانوني يحكم المالية
التشاركية ،حيث تم األخذ بعين االعتبار مجموعة من العناصرمن أجل إدخال مقتضيات تهم البنوك
التشاركية وهي:
-1نضج النظام المالي الوطني.
-2آفاق االستثمار و التمويل التي يختزلها هذا المجال ببالدنا.
-3إحداث قطب مالي يتميز بإشعاع على المستوى الجهوي والعالمي والذي يستوجب
توافر هذه الفئة من المالية العالمية.
-4ضرورة توفير منتوجات و خدمات مالية لفائدة المواطنين المقيمين وكذلك الجالية
المغربية المقيمة بالخارج التي يوفر لها القطاع المالي لبلد إقامتها منتوجات منبثقة عن المالية
التشاركية.
و تكمن أهم المحاور التي تطرقت لها هذه المقتضيات فيما يلي:
-المبادئ األساسية ،التعريف بالمفاهيم و صيغ العقود.53
52تعرف المادة 52من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبر في حكمها البنوك التشاركية على
أنها:
" تعتبر بنوكا تشاركية األشخاص المعنوية الخاضعة ألحكام هذا الباب والمؤهلة لمزاولة األنشطة المشار إليها في المادة األولى
أعاله بصفة اعتيادية بما ال يتعارض مع أحكام الشريعة وكذا العمليات التجارية والمالية واالستثمارية باستثناء كل عملية تعامل
بالفائدة أخذا أو عطاء".
53المواد من 52إلى 56من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
15
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
54المواد من 57إلى 60من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
55المواد من 61إلى 68من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
56المواد من 83إلى 102من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
57الفقرة األولى من المادة 56من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
58الفقرة الثالثة من المادة 56من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
59الفقرة الرابعة من المادة 56من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
60الفقرة الثانية من المادة 56من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
16
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
و حتى يتم االطمئنان إلى شرعية المعامالت التي ستقدم عليها البنوك التشاركية يتحدث
المشروع عن "هيئات المطابقة الشرعية " رغم أنه في التجارب المقارنة يستعمل تعبير "الرقابة
الشرعية" ،وتتم "المطابقة الشرعية" على مستويين اثنين :مستوى أول تقوم به هيئة مستقلة عن
األبناك تسمى " لجنة الشريعة المالية" ،وتنصيبها يتم في إطار التنسيق بين المجلس العلمي األعلى
وبنك المغرب ،ويقوم بنك المغرب بتوفير الوسائل اإلدارية ،61حيث يكون لهذه اللجنة دور شبه
تشريعي فتقوم بالمهام التالية :
-البث حول مطابقة العمليات والمنتوجات المقدمة للجمهور للشريعة.
-الرد على استشارات البنوك.
-إبداء رأي مسبق حول محتوى الحمالت الدعائية لمؤسسات االئتمان التي تزاول النشاط
المشار إليه في هذا الباب.
-اقتراح أي تدبير من شأنه اإلسهام في تنمية أي منتوج أو خدمة مالية مطابقة للشريعة.62
أما المستوى الثاني من عملية المطابقة الشرعية فتقوم به هيئة أخرى للتدقيق الداخلي تسمى
"لجنة االفتحاص" ،وهي ذات طبيعة تنفيذية تسهر على التنفيذ اليومي للمطابقة الشرعية ،بغرض
مطابقة المعامالت المالية مع األعمال التي تقوم بها هذه األبناك ،حيث تقوم بالمهام التالية:
-ال تعرف والوقاية من مخاطر عدم المطابقة ألحكام الشريعة.
-ضمان تتبع تطبيق آراء لجنة الشريعة للمالية ومراقبة مدى احترام هذا التطبيق.
-وضع المساطر والمرشد المتعلق بأحكام الشريعة الواجب احترامها.
-اعتماد التدابير المطلوبة في حالة عدم احترام الشروط المفروضة عند وضع منتوج
صدر بخصوصه رأي شرعي.63
ونعتقد في هذا السياق أن مصطلح المطابقة الشرعية سليم ومصادف للصواب ويفضي إلى
المراد من الرقابة الشرعية أال وهو التأكد من مدى مطابقة المعاملة مع الشريعة اإلسالمية ،كما نعتبر
أيضا أن تسمية "البنوك التشاركية" سليمة ألنها تهتم بالمقصد من إحداث هذه البنوك وليس فقط
بمرجعيتها ،حيث إن استقطاب أموال العمالء لدى هذا النوع من البنوك يقوم على مبدإ التشارك وليس
المتاجرة في األموال والديون.
كما نشيد بالمقتضيات التي تضمنها الفصل الثالث والتي ركزت على حماية الزبناء ،وهي
مقتضيات مهمة ألنها توفر الضمانات لودائعهم ومشاركاتهم ،حيث تنص المادة 70من المشروع على
أنه" :يحدث صندوق لضمان الودائع يعد لتعويض المودعين لدى البنوك المعتمدة للقيام بالعمليات
المنصوص عليها في هذا الباب وذلك في حالة عدم توفر ودائعهم أو جميع األموال األخرى القابلة
لإلرجاع.
يجوز كذلك للصندوق ،على وجه االحتياط واالستثناء ،أن يقدم لبنك تشاركي في وضعية
صعبة وفي حدود المتوفر ،مساعدات قابلة لإلرجاع أو أخد مساهمة في رأس مالها".
ورغم هذه اإليجابيات فإننا نرى أن المشروع اعترته جوانب من القصور والمحدودية
يمكن إجمالها في النقط التالية:
-ضعف الصيغة المطروحة بهذا المشروع مقارنة مع التطلعات واآلمال التي كانت معقودة
على هذا األخير ،حيث يالحظ أن المقتضيات التي تهم البنوك التشاركية جاءت بصيغة العموم وتفتقد
61المادة 61من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
62المادة 62من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
63المادة 67من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
17
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
إلى بعض التفاصيل التي من شأنها تنوير المقبل على التعامل مع هذه البنوك.
-غياب أي إشارة إل ى المعايير المحاسباتية الخاصة بالبنوك التشاركية في مشروع القانون،
مع العلم أن البنوك اإلسالمية حققت إنجازات متطورة عالميا في هذا المجال ،لذا لنوصي باالستفادة
بما راكمته التجارب الدولية بخصوص المعايير المحاسبية التي تلزم بها معظم البنوك المركزية
قطاع المصرفية اإلسالمية.
-فيما يخص اعتماد لجنة الشريعة المالية ،نرى أن اشتغالها تحت إشراف المجلس العلمي
األعلى كطرف خارجي سيطرح جدال حول استقاللية وحياد هذا األخير ،كما يشمل الغموض المحيط
حول تشكيل هذه اللجنة خصوصا وأن كتابتها ستسند إلى بنك المغرب ،64لذلك نرى أن الصيغة
المفضلة هي إنشاء هيئة مستقلة غير خاضعة ألي طرف خارجي ،وأن يتكون أعضاؤها من أشخاص
متخصصين في مجال فقه المعامالت المالية ،هؤالء يكون لهم الحق في التصويت على أي قرار ،مع
االستعانة بفريق استشاري يتكون من خبراء متخصصين في المجاالت ذات الصلة مثل قانون األعمال
واالقتصاد والمحاسبة والبنكيين الذين تلجأ إليهم اللجنة ألخذ رأيهم في الجوانب الفنية دون منحهم
الحق في التصويت على اتخاذ قرارات اللجنة المتعلقة بمطابقة خدمات البنوك التشاركية للشريعة
اإلسالمية.
-من أجل ضمان حياد واستقاللية لجنة االفتحاص الداخلي في القيام بمهامها يستحسن أن
تكون تابعة لمجلس إدارة البنك عوض اإلدارة التنفيذية شأنها شأن لجان التدقيق الداخلي الفني ،كما
ينبغي التنصيص في القانون على أن منشور تنظيمها يصدر بالتشاور أيضا مع لجنة الشريعة للمالية،
ألن عمل لجنة االفتحاص هو التدقيق الشرعي.
-ضرورة تقن ين كيفية تعامل البنك المركزي مع البنوك التشاركية عندما تحتاج هذه
األخيرة للسيولة المقدمة من طرفه ،أو ترغب في توظيف األموال ،دون أن يتم ذلك بمبدإ الفوائد بل
باالعتماد على مبدإ المشاركة ألنه يتوافق مع الشريعة اإلسالمية.
ختـــامــــــا ال يسعنا سوى الترحيب به ذا المشروع الهام الذي سيلحق المغرب بركب الدول
التي أدمجت المصرفية اإلسالمية في نظامها البنكي ،بعدما ظل متأخرا كثيرا في هذا المجال رغم
كونه دولة إسالمية و رغم توفره على كل اإلمكانيات المالية والبشرية التي يمكنها أن تضمن نجاح
عملية اإلدماج هاته.
بيد أن تحقيق هذا المبتغى يتوقف في نظرنا على ضرورة قيام الحكومة بمجموعة من
التدابير واإلجراءات الموازية لإلطار القانوني ،وخاصة العمل على مالءمة اإلطار التشريعي
والتنظيمي مع عمليات البنوك التشاركية بصفة كاملة ،ال جزئية ،خصوصا فيما يتعلق بالمدونة العامة
للضرائب ومدونة التأمينات ومدونة التجارة ومدونة تحصيل الديون العمومية وقانون المنافسة
والقوانين المنظمة للسوق المالية وتلك المعمول بها في مجال التحفيظ العقاري ،والغاية من هذه
المالءمة هي ضمان تنافسية متكافئة مع مؤسسات االئتمان األخرى ،مع مراعاة الطبيعة الخاصة
للعمليات المصرفية اإلسالمية في كل هذه التدابير ،وذلك حتى نتجنب الفشل الذريع الذي لحق تجربة
إدماج المنتجات البديلة في منظومة األبناك التقليدية سابقا.
المراجع المعتمدة :
-امحمد لفروجي ،الفوائد البنكية بين السعر القانوني والسعر االتفاقي للفوائد في الميدانين
المدني والتجاري ،سلسلة القانون والممارسة القضائية ،العدد 1سنة ،2003منشورات
المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
-جواد مريد ،البنوك اإلسالمية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب،
64تنص المادة 64من مشروع القانون الجديد المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها على أنه " :يقوم بنك
المغرب بأعمال سكرتارية لجنة الشريعة للمالية".
18
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
19
10th International Conference on Islamic Economics and Finance
20