Professional Documents
Culture Documents
عرض بعنوان:
من إعداد:
علي حريش
باعال يحيى
الموسم الجامعي:
1443هـ 2022-2021 /م
بسم هللا الرحمن الرحيم
مــــقـــدمـــــة
يهدف كل من القانون واألخالق إلى ضبط السلوك االجتماعي لألفراد ،وذلك بغية الحفاظ على حقوق
ومصالح ومشاعر المواطنين ،وعدم تعرضهم لإليذاء أو الضرر ،وإذا كانت األخالق ذات طبيعة «مثالية» تسعى
إلى تحقيق ما ينبغي أن يكون ،فإن القانون ذو نزعة «واقعية» يسعى إلى تحقيق الممكن والمتاح .
ويعد موضوع األخالقيات المهنية موضوعا شائعا في العالم ،وهو مهم وأساسي في حياة األفراد ،فهو
ال يتعلق بالجوانب الفنية في العمل ،وإنما باألساس األخالقي له ،كما أنه ال يخاطب العقل فقط بل الضمير
والوجدان أيضا ،فهو حوار النفس قبل حوار اآلخرين ،إذ منذ القدم كان موضوع أخالقيات المهنة محل اهتمام
الرتباطه بكل جوانب الحياة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ،عالوة على ذلك فإن هذه األخالقيات
وثيقة الصلة بالعقيدة اإلسالمية بل ال تقوم إال بها.
وموضوع األخالقيات المهنية في المهن المرتبطة بالتوثيق أصبح من المواضيع التي تحظى باهتمام
متزايد خالل السنوات األخيرة نظ ار لعدة أسباب ،في مقدمتها تزايد الفضائح األخالقية والنقد الموجه لمختلف المهن
والمعايير التي تعتمدها بعيدا عن اإلطار األخالقي ،حيث أن تخليق الحياة العملية و تنمية االلتزام بالمثل
والقيم األخالقية واالعتبارات القانونية والسلوكيات االيجابية تعتبر من السياسات الرئيسية التي ينبغي وضعها
في المقام األول وأن تسير في فلكها جميع السياسات األخرى المنشودة التي توصل جميعا نحو تحسين األداء
وبالتالي تحسين رفاهية المجتمع .
ونتطرق إلشكالية البحث المتعلقة في مدى انعكاس تقنين أخالقيات المهن التوثيقية على جودة العمل
التوثيقي ومساهمته في تحقيق األمن العقاري المنشود ،ودلك عبر اإلجابة على أسئلة متعددة مرتبطة بتعريف
أخالقيات المهن التوثيقية ،وأساسها القانوني ،وأثرها في تحقيق األمن التوثيقي ثم أخي ار السبل الكفيلة بتعزيز
وتفعيل وتجويد أخالقيات المهن التوثيقية.
المبحث الثاني :واقع أخالقيات مهن التوثيق وتأثيره على األمن العقاري وسبل تخليقه
2
المبحث األول :األساس القانوني وأهم أخالقيات مهنيي التوثيق
إن مما ال شك فيه أن المشرع المغربي قد أولى اهتماما كبي ار للمقتضيات األخالقية لكل المهن عموما
ومهن التوثيق خصوصا ،وسنحاول من خالل هذا المبحث التعرف على مظاهر هذه العناية وذلك من خالل
التعرف على األساس القانوني لتلك األخالقيات بمختلف القوانين (المطلب األول) على أن نفصل القول في
بعض هذه األخالقيات في (المطلب الثاني).
العدول
1
المادة 4من قانون 16.03
"يتعين على كل عدل التحلي باألمانة والوقار ،والحفاظ على شرف المهنة وأسرار المتعاقدين"...
2
مدونة أخالقيات العدول
تهدف هذه المدونة إلى :إرساء معايير أخالقية ،وقواعد ومبادئ أساسية آلداب مهنة التوثيق العدلي ،وقيم
وثقافة مهنية عالية لدى العدول ،وتعزيز االلتزام بهذه المعايير والقواعد والقيم ،وترسيخ أسس الممارسات
الجيدة والحكامة الرشيدة ،وذلك من خالل توعية العدول وتوجيههم نحو األخالق المهنية السليمة ،وكذا بيان
واجباتهم ومسؤولياتهم المهنية ،ودورهم في تحسين الخدمات المقدمة من طرفهم وتعزيز مصداقية مهنتهم.
تعزيز ثقة المواطن بعمل العدول ،وزيادة االحترام والتقدير لدور هذه المهنة في توفير الخدمات بأفضل طريقة
ممكنة.3
ظهير شريف رقم 1-06-56صادر في 15من محرم 14( 1427فبراير )2006بتنفيذ القانون رقم 16-03المتعلق بخطة
العدالة.
مسودة مدونة أخالقيات العدول كما أعدتها الهيئة الوطنية للعدول 2
3
الموثق
من خالل بحثنا عن األساس القانوني لاللتزامات األخالقية للموثق ،نجد أن المادة الثانية من القانون 32.094
هي القاعدة األساس التي بنيت عليها هذه االلتزامات:
المادة 2
يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ األمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه األخالق الحميدة وأعراف
وتقاليد المهنة
المادة 3
تنص المادة على أنه" :يشترط في المترشح لمهنة التوثيق أن يكون:
4ـ متمتعا بحقوقه الوطنية والمدنية وذا مروءة وسلوك حسن"...
.الفصل 43من ظهير 4ماي 1925
ينص هذا الفصل على مسألة السيرة الحسنة أي على أن الموثق لكي يتم اختياره لهذه المهنة يستحسن أن يكون
حسن السيرة.
ولكن المالحظ في هذا القانون أنه لم يجعل األخالق من الشروط األساسية لولوج المهنة وإنما جعله شرطا ثانويا.
المحامي:
الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمر الدولي للمحامين المنعقد بفاس ايام 28غشت الى 4شتنبر 2005
"بقدر ما أصبح لمهنة المحاماة من طابع عالمي فإنها تواجه ضرورة توحيد القيم السلوكية المثلى،
.من يضيف حتى المادة 3من نفس القانون التي جاء فيها« :يتقيد المحامي في سلوكه المهني بمبادئ
االستقالل والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف ،وما تقتضي األخالق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة"
ظهير شريف رقم 1.11.179صادر في 25من ذي الحجة 22( 1432نوفمبر )2011بتنفيذ القانون رقم 32.09المتعلق 4
4
5
القانون المنظم لمهنة المحاماة
المادة :11هذه المادة ألزمت نقيب هيئة المحاكاة بالنظر في ملفات المترشحين من أجل االطالع على مجموعة
من المعطيات ومن بينها أخالقهم.
المادة :12تنص هذه المادة على القسم الذي يؤديه المترشحون ومنطوق هذا القسم هو" " :أقسم باهلل العظيم أن
أمارس مهام الدفاع واالستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقالل وإنسانية ،وأال أحيد عن االحترام الواجب
للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي أنتمي إليها وأن أحافظ على السر المهني ،وأال أبوح أو أنشر ما
يخالف القوانين واألنظمة واألخالق العامة ،وأمن الدولة ،والسلم العمومي".
المادة :61والتي تعاقب المحامي على االخالل بالمروءة والشرف.
المطلب الثاني :أهم أخالقيات مهنيي التوثيق
سنحاول في هذا المطلب التعرف على أهم األخالق التي يجب على مهنيي التوثيق التحلي بها ،بداية
بالعدل والموثق في (فقرة أولى) وبعد ذلك ننتقل للحديث عن أخالقيات المحامي في (فقرة ثانية).
الفقرة األولى :أخالقيات العدل والموثق
سنفتتح هذه الفقرة بالحديث عن العدل (أوال) قبل أن نختمها بأخالقيات الموثق (ثانيا)
أوال :أخالقيات العدول
ينبغي على العدل لكي يمارس هذه المهنة الجليلة والشريفة أن يتسم بمجموعة من األخالق ومن بين
هذه األخالق :اإلخالص والصدق واألمانة والنزاهة والعفة وسنحاول التفصيل في كل خلق على حدة.
أ ـ اإلخالص:
يتصدر اإلخالص قائمة األخالق التي يجب على العدل التحلي بها ،وإخالص العدل هو أداؤه لمهامه
عن طريق جعل غايته من هذه المهنة صيانة حقوق الناس وتوثيق معامالتهم على أكمل وجه ،ويعتبر اإلخالص
من األخالق التي يقسم العدل على التحلي بها أثناء ممارسته لمهامه ،كما جاء في المادة 10من قانون :16.03
"أقسم ب اهلل العظيم أن أودي بكل أمانة وإخالص المهام المنوطـة بـيء وأن أحافظ كـل المحافظة على أسرار
ظهير شريف رقم 1.08.101صادر في 20من شوال 20( 1429أكتوبر )2008بتنفيذ القانون رقم 28.08المتعلق 5
بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة الجريدة الرسمية 5680 -بتاريخ 7ذو القعدة 6( 1429نوفمبر ،)2008ص .4044
5
المتعاقدين ،وأن أسلك في ذلك كله مسلك العدل المخلص األمين ".واالخالص في مجال التوثيق يستدعي أن
يكون الباعث الذي دفع بالعدل لتلقي اإلشهاد هو استشعار عظم المسؤولية التي قلدها هللا له.
كما يستدعي اإلخالص في التوثيق ،أن يكون عمل العدل موافقا للمقتضيات القانونية والشرعية ،وأن
تكون الشهادات التي يتلقاها غير خارجة عن دائرة التعامل ،ألن العمل يجب أن يكون خالصا وموافقا للصواب،
إذ ال يمكن للعدل أن يكون مخلصا وفي نفس الوقت يتهاون في تلقي جميع الشهادات التي تعرض عليه دون
أن يميز بين اإلشهاد الذي يحفظ لألفراد حقوقهم ويحقق األمن التوثيقي وبين الذي يعرضها للضياع والنهب
ويهدد أمنهم وثقتهم.6
ب ـ الصدق:
رغم أن القانون 16.03لم ينص بشكل صريح على وجوب تحلي العدل بالصدق ،إال أن هذا األخير
يبقى من اآلداب واألعراف المهنية التي يجب أن يتصف بها كل من انتمى لهذه المهنة الشريفة ،كما أنه يعد
من األخالق الالزمة التي اشترط الفقهاء توفرها في العدل.
هذا ويمكن اعتبار ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 4من قانون 16.03من ضرورة كون العدل
ذا مروءة وسلوك حسن ،مقتضى قانونيا يلزم العدل بالتحلي بخلق الصدق ،لكون هذا األخير من مستلزمات
المروءة والسلوك الحسن.
والصدق في مجال التوثيق العدلي له مظاهر عدة هدفها حماية األمن التوثيقي وتحقيقه ويتجلى ذلك من خالل
المظاهر التالية:
أن يكون العدل صادقا مع نفسه :بأن ال يتأثر بالعوامل المادية التي ستبعده عن هذه الخصلة الحميدة.
أن يكون العدل صادقا في حديثه :مع زمالئه في المهنة ،ومع شركائه من موظفي اإلدارات التي
يتعامل معها ،ومع األفراد الذين يقصدونه إما لتلقي الشهادات منهم ،أو قصد استشارته في واقعة أو
نازلة معينة ،كنوازل اإلرث والمعامالت وغيرها ،فال يقول إال ما تيقن من صدقه.
ضمانات التوثيق العدلي ودورها في تحقيق األمن التوثيقي للمعامالت العقارية ـ للطالب محمد االمام العزاوي ـ تحث اشراف 6
الدكتور الحسن الراغيبي أطروحة لنيل الدكتوراه في كلية الشريعة ـ سنة .2017ص67 :
6
أن يكون العدل صادق الوعد :خاصة وأن القانون المنظم لخطة العدالة حدد للعدل مدة يجب أال
يتجاوزها في تحرير الوثيقة ،وهذه المدة حددتها المادة 27من مرسوم تطبيق قانون خطة العدالة 7في
6أيام ،كما يتحتم على العدل متابعة اإلجراءات التي تمر منها الوثيقة العدلية ،من تسجيل وتضمين
وخطاب ،بل يجب عليه أن يجتهد وسعه ما أمكن لجعل شركائه اإلداريين يعجلون اإلجراءات حتى
تسلم الوثائق ألربابها في أجال معقولة.
أن يكون العدل صادقا في معامالته :مع أطراف العقد ،فال يغش في تحديد أتعابه ،بل عليه أن يلتزم
بما حدده المشرع المغربي في تعريفة األجور.8
ج ـ األمانة:
يعد خلق األمانة أساس أخالقيات العدالة وأقدسها ،فبواسطته يؤدي العدل واجبه المهني بتفان ودقة
متناهية ،وإيمانا من المشرع المغربي بأهمية هذه الخصلة الخلقية ،ألزم العدل بالتحلي بها في بندين .فنص أوال
في المادة 2من قانون 16.03على أنه ":يتعين على العدل التحلي باألمانة ،"...ثم بعد ذلك جاء فأدرج األمانة
ضمن األخالق التي يقسم العدل على التحلي بها ،بل إنه كرر خلق األمانة في القسم مرتين جعله بداية القسم
ونهايته ،كما هو مبين من صيغة القسم في اآلتي " :أقسم باهلل العظيم أن أودي بكل أمانة وإخالص المهام
المنوطة بي ،وأن أحافظ كل المحافظة على أسرار المتعاقدين ،وأن أسلك في ذلك كله مسلك العدل المخلص
9
األمين".
كما أن هذا الخلق يفرض على العدل أن يؤدي ما يجب عليه من حق الغير بأمانة :وما يجب على
العدل من حق للمتعاقدين يتمثل في تلقي اإلشهاد وفق ما هو محدد في قانون 16.03ومرسوم تطبيقه ،فال
يتهاون في التلقي والتحرير حتى يقع في أغالط وأخطاء من شأنها أن تضر بمصالح المتعاقدين ،كما تتجلى
األمانة هنا في تلقي ما يمليه الطرفان ،وتحريره وفق ما هو عليه في مذكرة الحفظ ،فال يكون فيه تغيير وال تبديل
وال زيادة وال نقصان ،وإن كانت الشهادة من إنشاء العدل ،فاألمانة فيها أن تكون مضامينها خالية من الكذب
والتالعب بالحقائق.10
ـ مرسوم رقم 2.08.378صادر في 28من شوال 28( 1429أكتوبر )2008بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03المتعلق بخطة العدالة ـ جريدة 7
7
د ـ :الوقار:
هذا الخلق نص عليهما المشرع في المادة 2من قانون :16.03يجب على العدل التحلي باألمانة والوقار،
والحفاظ على شرف المهنة .ومن مظاهر الوقار في مجال التوثيق العدلي ،أن تكون تصرفات العدل ومظاهره
بعيدة كل البعد عنما من شأنه أن يمس هيبته ووقاره ،أو يهدد استقامته ،فال يكون أسي ار لشهواته ،بل عليه أن
يتثبت عند الشبهات ويعرض عن الهفوات ،ويضبط نفسه عن سرعة الحركات ،ويلزم الصمت إال من ضرورة ال
يجد فيها من الكالم بدا.
ه ـ النزاهة والعفة:
هما خلقان لم ينص عليهما المشرع المغربي في قانون 16.03بشكل صريح ،وذلك راجع إلى أنه
اعتبرهمـا يـنضـويان تحت لواء حق األمانة ،وبالتالي ال داعي لذكرهمـا فإذا كان قانون 16:03المنظم لخطة
العدالة لم يشر لهذين الخلفين ،فإن القانون الملغى 81ـ 11كان قد نص على خلق النزاهة في الفصل 9منه،
إذ جاء فيه ":وأن أسلك في ذلك كله مسلك العدل المخلص النزيه."...
كانت هذه بعضا من أهم األخالق التي يجب على العدل أن يتخلق بها أثناء ممارسته للمهنة ،ويبقى
اإلشكال المطروح هنا هو :إلى أي حد يمكن اعتبار الوسائل واإلجراءات التي يتم تجنيدها للبحث والتحقيق في
مدى اتصاف المرشح لمهنة العدالة باآلداب واألخالق المذكورة أعاله فعالة وتحقق العرض المتوخى منها؟ غالبا
ما يتم االعتماد ،على السجل العدلي للتأكد من انعدام السوابق القضائية للمترشح ،ومن مروءته وحسن سلوكه،
باعتبارهما إحدى الشروط المطلوبة توفرها في من أراد االنتساب لهذه المهنة كما هو منصوص عليه في الفقرة
الثالثة والسادسة والسابعة والثامنة من المادة 4من قانون .16.03غير أن خلو السجل العدلي من هذه الجرائم
والجنح والمخالفات ،ال يعني بالضرورة كون صاحبه ذا مروءة وسلوك وأخالق حسنة.
بالنظر إلى أن الموثق شأنه شأن العدل ال بد وأن يتسم بنفس األخالق التي أشرنا إليها أعاله سنحاول
التطرق باختصار إلى هذه األخالق وكيف تناولها المشرع في القانون المنظم للمهنة وكذا في القوانين الملغاة.
8
لقد نصت أغلب القوانين المنظمة لمهنة التوثيق على شرط االستقامة والنزاهة فيمن يريد االنخراط في
هذه المهنة ،والهدف من وراء ذلك هو الحيلولة دون تسرب عناصر تنعدم فيها الثقة واألمانة ،تعرض حقوق
األشخاص للضياع ،وتمس بالسمعة التي تتمتع بها المهنة على الصعيد االجتماعي.11
والمشرع المغربي تأث ار منه بقانون التوثيق الفرنسي صار على نهجه بخصوص هذا الموضوع ،فهذا
األخير أشار إلى مسألة السيرة الحسنة في الفصل 43منه .12والمالحظ أن المشرع المغربي صار على نفس
13
الملغي ،حيث لم ينص على مسألة األخالق والسيرة الحسنة ضمن النهج في ظل ظهير 4مايو 1925
الشروط المطلوبة لولوج هذه المهنة كمتمرن ،بل اشترط فقط أن يحظى طلب هذا األخير بالقبول من طرف
النيابة.14
أما في قانون 32-09فقد أدرك المشرع مدى أهمية الجانب األخالقي في ممارسة مهنة التوثيق ،وإبعاد
العناصر المفتقرة لالنضباط والنزاهة وحسن األخالق لما يشكلونه من خطورة على حقوق الناس ومصالحهم،
حيث اشترط في المترشح لمهنة التوثيق أن يكون متمتعا بحقوقه الوطنية والمدنية وذا مروءة وسلوك حسن.15
كما جاءت مقتضيات أخرى في القانون المذكور تشترط أال يكون المترشح محكوما عليه من أجل جناية
أو جنحة ،باستثناء الجنح غير العمدية ،وال يقبل هذا الشخص لالنخراط في المهنة ولو رد اعتباره.16
واشترط المشرع في المترشح اال يكون قد صدر في حقه في إطار الوظيفة العمومية أو المهن الحرة عقوبة نهائية
تأديبية أو إدارية باإلقالة أو التشطيب أو العزل أو اإلحالة على التقاعد أو سحب اإلذن أو الرخصة.17
محمد الربيعي ـ األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم ،الطبعة الثانية ،مكتبة المعرفة مراكش ص34 : 11
9
كما ينبغي أال يكون قد حكم عليه بإحدى العقوبات التي تطبق على مسيري المقاوالت والتي وردت في مدونة
التجارة في القسم الخامس من الكتاب الخامس.18
وال يقبل للترشح لمهنة التوثيق كل من أخل بالتزام صحيح يربطه بإدارة أو مؤسسة عمومية لمدة محددة.19
إن الهدف من المقتضيات التي جاءت في المادة الثالثة من قانون 32-09هو إبعاد فئات من األشخاص
صدرت في حقهم عقوبات زجرية الرتكابهم جنايات أو جنح عمدية ،أو اتخذت في حقهم عقوبات تأديبية أو
إدارية ،أو ثبت إخاللهم بالتزام صحيح يربطهم بإدارة أو مؤسسة عمومية ،ألن هذه األفعال تتنافى وما تتطلبه
مهنة التوثيق من استقامة ونزاهة وانضباط وسلوك قويم.20
جاء في الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمر الدولي للمحامين المنعقد بفاس ايام 28غشت الى 4شتنبر
" 2005بقدر ما أصبح لمهنة المحاماة من طابع عالمي فإنها تواجه ضرورة توحيد القيم السلوكية المثلى،
واعتماد التكوين المستمر والتوفيق بين وجوب احترام الحريات وصيانة النظام العام ....دون ان ننسى انها
قبل كل شيء مهنة انسانية مثالية"...
إن القاعدة العامة في نشوء القاعدة القانونية أنها تكون أخالقا قارة وأعرافا عامة أو فئوية فيضع لها
المشرع جزاءا وتقنينا ويدمجها ضمن النصوص القانونية .وقد عرفت تقاليد وأعراف المهنة هذا المسار ،فقد كانت
أخالقا سامية يتحلى بها رجال الدفاع بإرادة واختيار دون حساب للزجر أو غيره ألن المهنة ال يختارها إال الشرفاء
المحبون للعدل واإلنصاف والحرية والمدافعون على حقوق اإلنسان وعن المشروعية والحريات العامة.21
وقد عرفت المهنة في المغرب قواعد تنظيمية منذ صدور قانون المسطرة المدنية لسنة 1913ومن بعدها
صدر ظهير مهنة المحاماة في 1924/01/10تاله بعد ذلك ظهير 10شتنبر ،1993وهذا األخير عرف عدة
تعديالت كان آخرها القانون رقم 28-08الصادر في 20أكتوبر 2008والمعمول به حاليا.
ـ محمد الربيعي :التزام الموثق بإرشاد الزبون ونصحه مقال منشور بمجلة اإلشعاع عدد 32يونيو 2007ص 85 20
21خالد خالص محامي بهيئة الرباط "مدخل لدراسة أعراف وتقاليد المحاماة " مجلة الحوار المتمدن العدد 1236
10
وهكذا ألزمت المادة 11من قانون المهنة مجلس الهيئة بإجراء بحث حول أخالق المرشح للتمرين.
فالمحامي المبتدئ يبدأ حياته المهنية بأدائه اليمين القانونية التي تنص عليها المادة 12من قانون
المهنة المفروضة عليه ،ذلك بأنه سيمارس مهام الدفاع واالستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقالل
وإنسانية ،وهو ما تؤكده المادة الثالثة من قانون المهنة.
وتضيف المادة 61من قانون المهنة المتعلقة بتحديد األخطاء التي تعرض المحامي المرتكب لها للعقاب
التأديبي والتي تنص على ما يلي" :يعاقب تأديبيا :المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية أو
التنظيمية
وقواعد المهنة وأعرافها ،أو إخالل بالمروءة والشرف ولو تعلق األمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني "،
هذا باإلضافة إلى القوانين الداخلية التي تنظم مختلف هيئات المحامين بالمغرب ومع اختالف في أرقام الفصول
التي تنص على ما يأتي« :يجب على المحامي اثناء ممارسته مهامه ان يتحلى بالنزاهة واالستقالل واألخالق
واللياقة والشرف وروح الزمالة وعليه ان يمتنع في حياته الخاصة عن كل عمل يمس الشرف او الكرامة واألخالق
أو يخالف القوانين والتنظيمات"( .المادة 31من النظام الداخلي لهيئة المحامين ببني مالل مثال).
وفيما يلي إطاللة سريعة على مجموعة من األخالقيات المنظمة للمهنة والتي ال يسعنا الوقت لتناولها
بالتحليل نوردها كما يلي:
ان أخالقيات المحامي ترتكز على السلوك الشخصي الفردي حيث ان هذا السلوك يؤثر سلباً وايجاباً
على مركز المهنة وعلى سمعة المحاماة عامة.
يمتنع على المحامي اي سلوك ال يشرفه شخصياً او يتنافى مع كرامة المهنة .
يقتصر المحامي في التعريف بنفسه على جهده العلمي والعملي في نطاق المهنة.
يلزم المحامي الظهور بالزي الالئق بكرامة المهنة وعليه ان يمارس مهنته في مقر ومكتب معلوم ويحظر
عليه تصيد الموكلين والقضايا خارج مكتبه .
يتحتم على المحامي -بوصفه عون من اعواناً ًً العدالة -واجب االمتنـ ـ ــاع عما يعط ـ ـ ـ ــل حسم الدعـ ـ ـ ـ ـ ــاوى
او يخ ـ ــل بسيـر العدالة .
يجب ان تكون مخاطبة المحامي للمحكمة متصفة بالصراحة واإلنصاف واالستقامة .
11
من واجب المحامي ان يراعي االيجاز ومعالجة الموضوعات مباشرة.
يمن ـ ــع على المحامي االتصــال بالقاضـ ــي ومناقشت ـ ــه على انف ـ ـ ـ ـ ـراد في موضوع دعـ ـ ـ ـ ــوى محل نظر أمام
القاضـ ـ ـ ـ ــي.
عل ــى المحامـ ـ ــي تنمي ـ ــة روح الزمالـ ـ ــة بين القض ـ ـ ــاء والمحامي ــن القائمـ ـ ــة عل ــى الع ـ ـ ـ ــدل واالحتـ ـ ـ ـ ـرام
المتب ـ ـ ـ ـ ـ ــادل.
عند تلقي التكليف من موكله يتحتم على المحامي استخالص جميع الوقائع الجوهرية التي تكون سبب
الدعوى او وجه الدفاع وذلك بعد التحقيق الشامل.
بمجرد االقتناع بسبب للدعوى او وجه للدفاع وقبول التكليف ،على المحامي التحلي بأعلى درجات
المسؤولية واالخالص السترداد حقوق موكله .
يجب على المحامي الحفاظ على عالقة الثقة المتميزة بينه وبين موكله والتي يحصل المحامي بموجبها
على اسرار موكله.
يمتنع على المحامي الترافع أو اسداء االستشارة في دعوى أو أمر سبق ان وكل فيه لمصلحة شخص
حتى بعد انتهاء وكالته .
يحظر على المحامي شراء كل أو بعض الشيء المتنازع عليه أو ان تكون اتعابه حصة عينية من حقوق
موكله المتنازع عليها.
على المحامي ان يقوم بإبالغ موكله عن اية مفاوضات تسوية او اتصاالت تصالح من الطرف اآلخر
على ان يتم ابرام تلك التسوية او التصالح ان وجدت بعد موافقة موكله.
وال تفوتنا الفرصة دون أن نشير إلى عالمية األعراف والتقاليد التي تميز مهنة المحاماة وذلك بحكم عدة
قواسم مشتركة بين المحامين في كل بقاع العالم ،وأن البذلة السوداء التي يرتدونها لرمز ذو داللة عميقة على
وحدتهم في تحمل عبء وهموم هذه المهنة ،وفي الدفاع عن قيم سامية منها الدفاع عن الحق وسيادة القانون
والوقوف إلى جانب المظلوم ،والحفاظ على كرامة المواطن والحرص على آداب وأخالق المهنة المتجلية في
النزاهة واالستقالل والشرف واألمانة والحفاظ على روحي الزمالة والتضامن والمساهمة بشكل فعال في تحسين
القوانين لتساير التطور الذي يعرفه المجتمع ،والعمل على احترام مؤسسات القضاء باعتبارها الضامنة للحريات.22
12
وهنا أستحضر مقتطفا من خطاب المغفور له الملك الحسن الثاني الذي وجهه إلى أعضاء األمانة العامة
والمكتب الدائم التحاد المحامين العرب في 24ماي 1993جاء فيه «العدل يعرفه الكل ولكن ال يصل إليه
الكل إال أن هناك وسائل للوصول إلى العدل منها القاضي بالطبع وكذلك المحامي".23
إن المحامي ملزم في حياته المهنية والخاصة ان يكون متحليا بالنزاهة واالستقالل واللياقة والزمالة والشرف
واألخالق الحميدة محترما القوانين والتنظيمات ومنسجما مع قواعد المهنة ،ألن سمعة أي مجموعة منظمة إنما
تنطبع بمسلك أعضائها ،وإن سلوك بعض المحامين إذا أسيء فهمه ولو كان سليما بذاته يمكن ان يلحق أشد
األذى بالمهنة ،ولكي تؤدي مهنة المحاماة رسالتها على أحسن وجه البد ان تجد ضمانتها األولى في كفاءة
واستقامة المزاولين للمهنة ،وتمسكهم بالقيم األخالقية وتقيدهم بمبادئ الشرف والنزاهة واالستقامة .فقواعد ونظم
مهنة المحاماة وأعرافها رفعت مكانة المحامي ودوره في المجتمع ،فالبد ان يكون بمنأى عن بعض ما يسيء له
ولكرامته.
المبحث الثاني :واقع أخالقيات مهن التوثيق وتأثيره على األمن التوثيقي والعقاري وسبل
تخليقها
سجل المتابعون للحقل القضائي والحقوقي وأيضا المعنيون بإعداد ميثاق إصالح منظومة العدالة معاناة
منظومة العدالة بكل مكوناتها ،من نقص في الشفافية وتراجع في أخالقيات الممارسة المهنية وأعرافها ،األمر
الذي يفسح المجال لممارسات منحرفة يساهم بعض المواطنين ،بوعي أو بدون وعي في شيوعها ،مما ال يساهم
في تحصين منظومة العدالة وتخليقها ،ويؤثر على دور القضاء والمهن المساعدة له في تخليق الحياة العامة.
لذلك جعلوا من األهداف االستراتيجية الكبرى إلصالح منظومة العدالة تخليق منظومة العدالة ،مؤكدين أن تخليق
هذه المنظومة يقوم على المقاربة األخالقية المرتكزة على مجموعة من القيم والواجبات الضابطة لقواعد السلوك
المهني ،والهادفة إلى تملك مبادئ األخالقيات والسلوكيات القويمة ،ترسيخا للمسؤولية األدبية واألخالقية لكل
الفاعلين في منظومة العدالة.
المطلب األول :واقع أخالقيات مهن التوثيق وتأثيره على األمن التوثيقي والعقاري
سنحاول من خالل هذا المطلب التطرق إلى واقع أخالقيات مهن التوثيق في (الفقرة األولى) ،قبل أن نتعرف
على تأثير هذه األخالقيات على األمن العقاري في (فقرة ثانية)
23كما وزد في العزيز بنزاكور "مستقبل مهنة المحاماة" العدد ،19يونيو 1999
13
الفقرة األولى :واقع أخالقيات مهن التوثيق
أوال :اإلحصاءات الرسمية الحكومية
تنجز و ازرة العدل تقري ار سنويا أثناء تقديم الميزانية الفرعية لو ازرة العدل بلجنة التشريع بالبرلمان وخالله
يتم عرض حصيلة األداء السنوي والبرامج المستقبلية ،ومضمون الحصيلة يشتمل على معطيات تقنية حول
عدد المتابعات الموجهة ضد مساعدي القضاء
وفيما يلي االحصائيات الخاصة بالمتابعات التي تم تحريكها إلى حدود أكتوبر :242020
عدد الملفات عدد الملفات عدد المتابعات المهنة
الجارية المحكومة
0 1 1 التراجمة
13 6( 13براءة) 26 الخبراء
22 2(4العزل) 26 الموثقون
11 0 11 المحامون
11 8 19 العدول
ونورد مقارنة وتطو ار لعدد المتابعات الخاصة بالمهن التوثيقية بين سنوات ،2018 ،2014و 2020كما تم
تجميعها خالل التقارير السنوية لو ازرة العدل:
عدد المتابعات المهنة
2020 2018 2014
11 22 57 المحامون
22 8 26 الموثقون
19 20 8 العدول
وبالنسبة للشكايات فهي في مستوى تصاعدي سنويا ،فالمحامون فقط عرفت عدد الشكايات ضدهم بهيئة الدار
البيضاء 480شكاية سنة ،2006لتتجاوز 1200في 2020
24عرض السيد وزير العدل بمناسبة تقديم الميزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق االنسان بمجلس النواب برسم سنة 2021
بتاريخ 28أكتوبر ،2020منشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات ،تم االطالع عليه بتاريخ 20أبريل 2022
14
ولألسف فالهيئات المهنية ال تتعامل بالشفافية الضرورية في تبليغ اإلحصائيات الخاصة بهذا الموضوع
غير أن بعض المنابر اإلعالمية تحدث على أن الوكيل العام للملك بالبيضاء ،قد أحال على نقيب هيئة المحامين
بالبيضاء ،أزيد من 1200شكاية توصل بها من مواطنين يتهمون فيها بعض المحامين بارتكابهم مخالفات
مهنية ،منها حوالي 50شكاية لها صلة ببيع عقارات في ملكية زبناء لهم ،دون سند قانوني ،أو تزوير أحكام
قضائية.25
ومن بين الملفات التي أحالها الوكيل العام على أنظار هيئة المحامين بالبيضاء ،ملف محام استغل توكيل زبونة
وقام ببيع عقار في ملكيتها ،علما أن هذه األخيرة قامت بسحب نيابتها قبل تاريخ بيع العقار ،وملف آخر لمحام
يهودي متوّفى ،باستغالل وكالة ملغاة قانونا.26
ّ تصرف في عقار
ّ
إن واقع المهن القضائية والحقوقية يثير كثي ار من القلق وال يزيد إال اختالال .ومع أن إحصائيات و ازرة
العدل تفصيلية وتعكس تزايدا في عدد المتابعات الزجرية والتأديبية والعقوبات الموقعة في حق بعض المحامين
والموثقين والعدول والمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة وتعكس ارتفاع وتيرة الشكايات والتظلمات المثارة،
إال أنها بعيدة عن نقل الحقيقة ،ألن عددا من المتضررين ال يجرؤون على التظلم ،وألن عددا من المهنيين
كثي ار ما ال يتركون أث ار لمخالفاتهم. .
وإن هذه الزيادة المثيرة في عدد المتابعات والتظلمات تثير أكثر من سؤال ،فهل مرد ذلك تفعيل الرقابة أم وعي
الناس بحقوقهم أم ارتفاع معدل الجرائم؟
ثانيا :تشخيص المشرفين على قطاع العدل
يسجل جل المتدخلين والباحثين في القطاع تراجعا في أخالقيات الممارسة المهنية وأعرافها وهذا التشخيص
يتقاسمه مسؤولون إداريون وسياسيون ومهنيون بمختلف مرجعياتهم ،ويجمعون على أن واقع مهن التوثيق ضمن
مهن العدالة يعيش وضعا أخالقيا مزريا ما جعل هاجس التخليق ومطلبه يكون حاض ار في كل المناسبات الفكرية
والعلمية المتعلقة بالقطاع كما أنه هاجس في الحياة العامة.
وكان وزير العدل والحريات ،مصطفى الرميد ،قد افتتح أشغال اللقاء الوطني األول بين محكمة النقض
والغرفة الوطنية للتوثيق العصري بالمغرب ،المنظم تحت شعار« :آفاق مهنة التوثيق على ضوء قانون 32.09
والعمل القضائي ، 27بكلمة أكد فيها ،أن القانون الجديد لمهنة التوثيق « ،32.09سيفتح آفاقا جديدة أمام
مهنة التوثيق العصري ويجعلها أكثر تنظيما ونجاعة وتخليقا» .مضيفا ،أن مهنة التوثيق العصري تعتبر شريكا
"25موقع اليوم " ،24إحالة 1200شكاية رفعها متقاضون ضد محامين https://alyaoum24.com/163174.htmlاطلع عليه بتاريخ 20أبريل
2022
26موقع اليوم " ،24إحالة 1200شكاية رفعها متقاضون ضد محامين https://alyaoum24.com/163174.htmlاطلع عليه بتاريخ 20أبريل
2022
الصفحة االلكترونية لجريدة بيان اليوم في مقال بعنوان "في لقاء وطني حول آفاق ومستقبل مهنة التوثيق العصري بالمغرب" بتاريخ 12 افتتاحية 27
نونبر 2012
15
أساسيا في منظومة العدالة ضمن باقي المهن القضائية ،وأن الحوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة
أولى أهمية خاصة لهذه المهن تأهيال وتخليقا.
واعتبر مصطفى فارس الرئيس األول لمحكمة النقض "،أن عدالة قريبة من المواطن تستدعي منا
اعتماد مقاربات تشاركية واالنفتاح على كافة الفاعلين في شأن العدالة بهدف ترسيخ أخالقيات مهنية متينة
جيدة".28 قضائية حكامة قواعد وإرساء
كما أضاف مصطفى مداح ،الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض" ،عمل المشرع باألساس ،من خالل
سن هذا القانون ،على إيجاد الحلول للعديد من اإلشكاليات ذات الصلة بممارسة المهنة ،والمتعلقة – كما ال
يخفى عليكم – بالتكوين والتكوين المستمر والتخليق ،فضال عن مستجدات تكتسي أهمية بالغة"
و صرح األستاذ شكيب مصبير وهو الكاتب العام للنقابة الوطنية لعدول المغرب والرئيس السابق للمجلس
الجهوي لعدول استئنافية الرباط بأن "التخليق يعتبر ضرورة ومن األولويات التي يجب أن ينتبه إليها المهنيون،
ألن اإلنشغال بمفهوم الحكامة الجيدة وجودة الخدمات المرتقبة يبقى انشغاال قاص ار ما لم تبسط تلك الخدمات
29
على بساط أخالقي رفيع مما يجعل الرقابة الذاتية هي الضامن"
كما صرح المحامي وعضو مجلس هيئة المحامين بالرباط األستاذ حسن حلحول "ويمكن القول بأن المجتمع
المهني على بينة تامة من وجود أزمة ثقة تجاه المحامين ،نتجت ال محالة عن الهوة الكبيرة التي صارت بين
األخالقيات والممارسة المهنية .كما أن المهنيون واعون قبل غيرهم بضرورة الرجوع الحترام األخالقيات
والتمسك بها وبجل الضوابط واألعراف والتقاليد ،نظ ار لما أصبحت تعرفه مهنة المحاماة من تسيب وفوضى
تسيء إلى العدالة بصفة عامة ،والى المهنة والمهنيين بصفة خاصة.30
ثالثا :خالصة االختالالت األخالقية البنيوية في مهن التوثيق
28اللقاء الوطني األول بين محكمة النقض والغرفة الوطنية للتوثيق العصري بالمغرب ،المنظم تحت شعار« :آفاق مهنة التوثيق على ضوء قانون
32.09والعمل القضائي»،
صحفي مع األستاذ شكيب مصبير وهو الكاتب العام للنقابة الوطنية لعدول المغرب والرئيس السابق للمجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط ، حوار 29
منشور بموقع العلوم القانونية ،اطلع عليه بتاريخ 18أبريل 2022على الساعة الواحدة
30حسن حلحول ،مقال بعنوان ،أخالقيات مهنة المحاماة ،وتحديات الثابت والمتغير منشور بموقع https://www.danapress.maبتاريخ 16
يونيو 2020اطلع عليه بتاريخ 12أبريل 2022
16
يبدو جليا أنه لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة ،وتجليات أفعال منحرفة في عدد
من المرافق المرتبطة بمهن التوثيق التي تسيء إلى سمعة المهن وسمعة الجهاز القضائي برمته وتتطلب
ضرورة المعالجة الفورية بل والتصدي الصارم ،ويمكن تصنيفها إلى ثالث مستويات من االختالالت:
اختالالت على مستوى المهام ،حيث تطفو سلوكيات التماطل والتقاعس والالمباالة والتوظيف السلبي
للسلطة التقديرية وافتعال أسباب غير معقولة للتغيب وغيرها
اختالالت على مستوى التدبير ،حيث تنتشر سلوكيات االختالس واستغالل النفوذ وتحصيل المنافع
غير المشروعة والتبذير في الممتلكات العامة وغيرها.
اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة ،سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين ،حيث تبرز
سلوكيات النصب واالحتيال وغيرها.
يعتبر العقار مصدر من المصادر المجددة للثروة ومقوما فعاال لالستثمار والتنمية االقتصادية
واالجتماعية ،فهو من األمور الحساسة والتي لها وزن ثقل اقتصادي واجتماعي .حيث عمدت مختلف تشريعات
العالم على ايجاد نظم عقارية متباينة تخضع للتحيين من أجل استقرار المالك والحائزين لألمالك والحقوق العينية
العقاري ،وذلك بتنظيم عمليات التملك واالستغالل والتداول لهذه األموال بما يضمن حقوق المتعاملين والدولة
على حد سواء بما يؤدي إلى إرساء الثقة والطمأنينة واستقرار المراكز القانونية ودرء للمنازعات ،وبمفهوم آخر
توفير األمن واالستقرار القانوني.31
واألمن العقاري يقصد به الطمأنينة التي تنزع الخوف و الفزع عند اإلنسان ،وال يتأتى ذلك إال عن طريق
توفير الحماية الالزمة لألموال ،واألمن القانوني أحد أهم المبادئ المتداولة في المجال القانوني ونكاد نسمعه
في كل المجاالت التي تتطلب التقنين والتشريع ،وهو متعدد المظاهر ومتنوع الدالالت واألبعاد ،و يعرفه فقهاء
القانون بانه كل ضمانة أو نظام قانوني يهدف إلى تأمين ،و دون مفاجآت ،حسن تنفيذ االلتزامات ،و تالفي او
على األقل الحد من عدم الوثوق في تطبيق القانون،و األمن التوثيقي حسب رأي الدكتور عبد المجيد غميجة
يتميز بالطابع الشكلي ،يتجلى من خالل اآللية التي يفرضها المشرع لتوثيق العقد و إثباته ،كشرط الرسمية في
17
إجراء التصرفات العقارية ،و عدم االعتراف بالمحررات العرفية في الميدان العقاري ،و ذلك بهدف تحصين
المعامالت العقارية بأكبر ما يمكن من الضمانات نظ ار ألهمية العقار في التنمية االقتصادية واالجتماعية.32
وبالتالي فإن تحقيق األمن التوثيقي رهين بتوفير ضمانات قانونية تتعلق بشكل الوثيقة وكذا بالجهة المكلفة
بتحريرها ،فسالمة الوثيقة تستدعي أوال ان يكون كاتبها متوف ار على كفاءات مهنية تمكنه من ضبط القواعد
والضوابط التوثيقية ،واحترام االلتزامات المهنية المفروضة ،وكفاءات أخالقية تجعله محل ثقة وأمن من طرف
المتعاقدين ،فالكفاءات األخالقية إضافة إلى المراقبة والتأديب تعد أهم اآلليات والضمانات المقررة فقها وقانونا
للمتعاقدين في حماية حقوقهم ،وبث الثقة في نفوسهم ،وكذلك صياغة الوثائق العقارية في شكل معين.
المحافظة على استقرار المراكز القانونية وقيام الثقة في العالقات القانونية والقدرة على توقع األمور
مسبقا ورسم وتخطيط العالقات المستقبلية.
ضمان لحماية حقوق األفراد ومصالحهم ،فهو من الضروريات التي يستلزمها النشاط االقتصادي
واالجتماعي ،لذا تلتزم السلطات بتحقيق قدر من الثبات النسبي واالستقرار للعالقات القانونية
إشاعة األمن والطمأنينة ألطراف العالقة العقدية.
تحقيق األمن المادي والمتمثل في حماية األشخاص واألموال من االعتداء
ضمان تأمين النتائج بحيث يستطيع كل فرد أن يتوقع هذه النتائج ويعتمد عليها ،فمن سيبرم عقدا
سيعرف مقدما االلتزامات التي عليه وحدودها ونطاقها وكذلك ما للمتعاقد اآلخر.
منح أرضية ُمطمئنة لالستثمار وتحصين الملكية ،وكما قال محمد أوجار وزير العدل األسبق في كلمته
االفتتاحية خالل أشغال المؤتمر األول لموثقي المغرب المنعقد بمراكش من 18إلى 20مارس
،2019والذي ينظمه المجلس الوطني للهيئة "فالموثق كما يستشف من تسميته هو مصدر ثقة
واطمئنان لدى الدولة والمواطن ،وعمله مرتكز على الثقة التي يضعها فيه األطراف ،سواء في اإلشهاد
على تعاقداتهم أو حماية ودائعهم أو تلقي تصريحاتهم ،وكل إخالل بهذه الثقة المفترضة في الموثق
هو مساس بالمهنة وبمصداقيتها ومكانتها ،ومساس باألمن التعاقدي للمواطنين ،وهكذا فاالرتقاء بمهنة
32عبد المجيد غميجة ،المدير العام للمعهد العالي للقضاء ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،عرض مقدم في اللقاء الدولي
األول حول "األمن التعاقدي وتحديات التنمية" المنظم من طرف الهيئة الوطنية للموثقين أيام 18و 19أبريل 2014
18
التوثيق العصري ـ يقول الوزير ـ وتحديثها وعصرنتها وتطوير آليات العمل فيها ال يقل أهمية عن ورش
التخليق فيها ،بل إن تخليق هذه المهنة يشكل حجر الزاوية في كل المشاريع والمخططات المرتبطة
33
بها ،سواء على المستوى التشريعي أو التنظيمي"
حسب ما ورد في ميثاق إصالح منظومة العدالة ،فإن هذه األخيرة تعاني بكل مكوناتها من مجموعة من
االختالالت ،34ويعد التخليق من المداخل األساسية لتحصين هذه المنظومة من مختلف مظاهر الفساد واالنحراف،
لما لذلك من تعزيز لثقة المواطن فيها ،وتكريس دورها في تخليق الحياة العامة ،ودعم إشاعة قيم ومبادئ المسؤولية
والمحاسبة والحكامة الجيدة.
وينبني التخليق في هذه المحطة على معالجة متكاملة تجمع بين المقاربة القانونية الرامية إلى تحصين هذه
المنظومة ضد مختلف أسباب الفساد ،وبين المقاربة األخالقية المرتكزة على مجموعة من القيم والواجبات الضابطة
35
والهادفة إلى تملك مبادئ األخالقيات والسلوكيات القويمة ،ترسيخا للمسؤولية األدبية لقواعد السلوك المهني
واألخالقية لكل فاعلي منظومة العدالة ،وذلك بالعمل على بلوغ مجموعة من األهداف.36
الفقرة األولى :مفهوم وأهداف تخليق مهن التوثيق
لقد بات من المألوف ،خاصة في اآلونة األخيرة ،اإللحاح على مطلب التخليق ،باعتباره مدخال أساسيا ال بد
من ولوجه في جل اإلصالحات ،على اختالف مستوياتها وأصعدتها ،والمقصود بتخليق أي قطاع ،من جهة،
تطهيره من كل ممارسة معيبة ،أو تصرف مشين أو انحراف أو تجاوز أو فساد بمختلف أشكاله ،يمس بالمشروعية،
ويجعل القطاع المعني يحيد عن الغرض الذي تم إحداثه من أجله ،وهو خدمة األفراد والجماعات ،وتمكينهم مما
يخوله القانون لهم ،مما ال يتأتى إال باعتماد مرجعية سلوكية وقيم مؤسسة على األخالق ،منبثقة من ركائز دينية
عما هو محظور ومنبوذ ،وتحث على ما هو
تكف ّ
أو فلسفية راسخة في القدم ،وواسعة االنتشار وسهلة اإلدراكُ ،
مستحب ومنشود.37
عبد الصمد الكباص ،مقال منشور بجريدة االتحاد االشتراكي بتاريخ 20مارس 2019 33
عبد العزيز بنزاكور ،قيم وأخالقيات المهن القضائية ،مجلة المحاكم المغربية ،العدد ،150يناير ،2016ص .20 37
19
ان مواجهة االختالالت بمستوياتها الثالث المشار إليها في الفقرة السابقة ،تتطلب جرأة وصرامة من طرف
من لديه سلطة القرار بو ازرة العدل والحريات والسلطة القضائية والهيئات المهنية المختلفة؛ ألن من شأن ذلك أن
يحقق جملة من األهداف اإلجرائية واآلنية لمنظومة التوثيق وعلى جميع المستويات الداخلية والخارجية ،نوجزها
فيما يلي:
خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم يطمئنون إلى العاملين بها ،خاصة وأن
بعض المواطنين ،من المرتفقين أو غيرهم ،انطبعت في أذهانهم صورة نمطية سلبية وقائمة عن هذه
المؤسسات،
الرفع من جودة الخدمات التوثيقية المقدمة للوافدين ،وهذا يتطلب من جميع العاملين بهذا الجهاز التحلي
بمبدأين اثنين:
أما أوالهما فهو الفعالية في التعامل مع طلبات المرتفقين ،ويمكن ابرازها من خالل الشرح الجيد لما
يطلبه الزبون ،وتبسيط اإلجراءات وتسريعها واالكتفاء بما يحدده القانون
وأما المبدأ الثاني فهو المرونة ،أي أن تكون اإلجراءات التي يتخذها الموثق مناسبة للهدف المتوخى
من الخدمة بشكل عام ،وهو المحافظة على التوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة ،دون
المساس بجوهر القانون المنظم للعمل
تطهير الجسد المهني من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات المشينة التي تضر بصورة الجهاز،
إذ من شأن انتشار القيم اإليجابية في المرفق محاصرة العناصر الفاسدة والتحجيم من تأثير
سلوكياتها الشاذة ،وفي المقابل إعادة المصداقية واالعتبار للعناصر الصالحة والمصلحة
المساعدة في التنزيل السليم لقواعد العدالة ،بحكم أن القواعد األخالقية تقوم بدور المكمل للقاعدة
القانونية وتساعد على انتشار تطبيقها واحترامها.
إن بلوغ األهداف المسطرة أعاله ،يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة على جعل التخليق أم ار واقعيا
وليس مجرد حلم يراود أذهان المخلصين أو شعا ار يوظف لالستهالك وتأثيث منظومة اإلصالح المنشود .ويمكن
التمييز في هذا اإلطار بين أنواع من اآلليات:
20
أ :اآلليات القانونية والدستورية :تفعيل مضمون الدستور والقوانين المنظمة
ينص الفصل 36من الدستور على ما يلي "يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحاالت تنازع المصالح،
وعلى استغالل التسريبات المخلة بالتنافس النزيه ،وكل مخالفة ذات طابع مالي.
على السلطات العمومية الوقاية ،طبقا للقانون ،من كل أشكال االنحراف المرتبطة بنشاط اإلدارات والهيئات
العمومية ،وباستعمال األموال الموجودة تحت تصرفها ،وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها ،والزجر عن هذه
االنحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في استغالل مواقع النفوذ واالمتياز ،ووضعيات االحتكار والهيمنة ،وباقي
الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العالقات االقتصادية.
21
السير على منوال المجلس األعلى للسلطة القضائية والتفكير في تركيبة يمثل فيها أعضاء هذه المؤسسات
الدستورية داخل المجالس الجهوية والهيئات المهنية المساعدة للقضاء من أجل اإلطالع واإلسهام في
تخليق الحياة العامة.
إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك المهني للعاملين في مجال التوثيق ال يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة
على مستوى التخليق ما لم يكن مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ ،والمتابعة الكفيلة بجعل التخليق هما يوميا ال
مجرد شعار مناسباتي ،وفي هذا السياق نقترح ما يلي:
تعميم مدونات السلوك المهني (مدونة القيم القضائية وميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط) على كافة
العاملين بالجهاز القضائي (قضاة ،كتاب ضبط ،محامون ،عدول خبراء ،موثقين ،تراجمه ).تنفيذا لتوصية
ميثاق إصالح منظومة العدالة التوصية رقم 53التي بموجبها حثوا المجلس األعلى للسلطة القضائية،
وكذا هيئات باقي المهن القضائية والقانونية على وضع مدونات سلوك ،تتضمن القواعد األخالقية والمهنية
التي يجب االلتزام بها من قبل المعنيين بها ،مع العمل على نشر هذه المدونات
إحياء األيام الوطنية الخاصة بالتخليق بشراكة وحضور ممثلي المهن التوثيقية (اليوم الوطني لمحاربة
الرشوة ،اليوم الوطني لسياسة الجودة ).عبر ندوات دراسية وتوزيع ملصقات وغيرها ...
التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك مركزيا وجهويا ومحليا مع ضرورة تعميمها
على كافة الموظفين والقضاة ومساعدي القضاء،
تقنين التأطير المهني واألخالقي من طرف الهيئات المهنية
التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في المجال العملي أفقيا وعموديا؛ وذلك ألن الكثير من القيم األخالقية
والقواعد السلوكية المهنية ،ال تحتاج في العمل بها إلى مواثيق أو مدونات سلوكيات ،بقدر ما يمكن
اكتسابها عن طريق القدوة الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس أو الموظف األعلى للموظف األدنى،
أو الموظف النشيط للمتقاعس .باعتبارها تنزيال عمليا وممارسة واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير
من التعابير والشرح.38
محمد اكيج ،مقال بعنوان التخليق في اإلدارة القضائية ،منشور بالموقع الرسمي لمنظمة الحريات للتواصل بين موظفي قطاع 38
22
- إحداث مؤسسات للتكوين في المهن القضائية والمساعدة.
تعميق وتوسيع مجال التكوين على األخالقيات المهنية وعلى المواطنة وجعل التكوين المستمر للمهنيين
الرسميين إجبارياً
- إحياء أعراف وتقاليد المهن وحفظها من التراجع
إش ارك المجتمع المدني كشريك في التخليق وكقوة اقتراحية
إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض المظاهر السلوكية غير الالئقة،
هل يمكن التفكير في مرصد لتتبع مؤشرات التخليق في كل المهن المساعدة للقضاء لوضع مؤشرات
إحصائية لتقييم آليات التتبع والمراقبة ونشر تقريره السنوي وتعميمه
وال تفوتنا اإلشارة في هذه المحطة أن نثير مسألة على درجة قصوى من األهمية ،وهي تلك المتعلقة بباحثي
اليوم ،هذه الفئة التي ستشكل قضاة ومحاميي المستقبل من دون أدنى شك ستكون عرضة لمواقف تتطلب منها
اتخاذ ق اررات صعبة ،والموازنة بين أنظمة معتقدات وأفكار متعارضة بشأن السلوك األخالقي ،في هذا اإلطار،
غالبا ما يتم إهمال تدريس األخالقيات القانونية في كليات الحقوق باعتبارها مكنة يمكن من خاللها تخليق قواعد
السلوك القانوني المهني ،يقول الداعي إلى مثل هذا التوجه أنه إذا كان الهدف من التعليم القانوني هو إعداد
خريجين قانونيين مؤهلين لمزاولة المهام القانونية على أعلى مستوى ،فإن ذلك سيضل غير كاف لتجنب الوقوع
39
في المنزلقات ،لذلك يجب تعليمهم كيف يستخدمون البوصالت األخالقية بشكل مناسب
فطالب القانون ال يستطيع االعتماد على مجرد القواعد القانونية وحدها ليكون مهنيا ناجحا وخادماً قانونياً
الئقاً ،بل يجب تدريبه حتى يتقن استخدام بوصلته األخالقية ،وترويضه كي يتحمل مسؤولياته األخالقية
واالجتماعية ،وبالتأكيد فإن تطوير وتنمية الفضائل داخل الفرد من شأنه أن يحسن ويوجه سلوكه األخالقي،
وهكذا ،بالنسبة لطالب الحقوق الذي يرغب في أن يكون رجال ناجحا ،من شأن سعيه وراء هذه الفضائل وغيرها
عاما شريف.40 ٍ
موقرا ،أو مدع ً
أن يدعمه في تحقيق أهدافه لكبي يصبح محاميا ناجحا ،أو قاضيا ً
الهاشمي بن واضح ،منهجية إعداد البحوت الدراسات العليا (ماستر-ماجستر - 40
23
وح ِّسه السليم .فهي
ط بضمير الفرد ِ
االلت ازمات األخالقية ال تسندها دائما جزاءات قانونية ،ذلك أن احترامها ُم َنا ٌ
مجرد قرار عقالني يتبنى سلوكيات نموذجية ومثالية .ولذلك فإن احترامها قد يكون موضوع صراع َداخلي تضطرم
به نفسية اإلنسان ،ويتطلب منه التغلب على النوازع الداخلية الرافضة لها ،إذ في العادة ال توجد كوابح خارجية
تحمي المبادئ األخالقية".41
ونعتقد انه يجب التفكير قبل المراقبة والتفتيش والمتابعة في الوقاية؟ بتعبير آخر ،أال يجب إعادة النظر
في شروط ولوج المهن وفي إجراءات البحث التي تتم حول المرشحين لها ،والحد من التدفق الهائل وبأعداد ال
تستطيع بعض المهن (التي أضحت آخر خيار لعدد ممن ال بديل لهم عنها) استيعابها تكوينا وماديا وأدبيا،
غير أن المشرع المغربي عمل على تنظيم المهن المتدخلة في التوثيق ،وخصوصا األشخاص المؤهلين
لتحرير العقود الرسمية أو المحررات الثابتة التاريخ ،وحتى يتمكن محرري العقود من القيام بمهمتهم على أحسن
وجه ،فقد أفرد المشرع رقابة صارمة على عملهم.
مراقبة الموثق:
وتمارس الرقابة على عمل الموثق من طرف الوكيل العام للملك أو من ينوب عنه بمرافقة مفتش من و ازرة المالية
وايضا ممثل المجلس الجهوي ،حيث يقومون بتفتيش الموثقين ،طبقا لما جاء في المادة 69من القانون .32.0942
كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة القضائية في الندوة الوطنية حول موضوع " :مدونة األخالقيات القضائية. 41
محطة هامة في تأطير السلوك القضائي" .الرباط 25-24يونيو -.2021 -المصدر :موقع المجلس األعلى للسلطة القضائية
-42حيث نصت على أنه" :يمكن للوكيل العام للملك لدى محكمة االستئناف أن يقوم بمراقبة أي مكتب للتوثيق بكيفية مفاجئة،
وله ان يختار من يساعده في ذلك.
للوكيل العام للملك وممثلي الو ازرة المكلفة بالمالية حق البحث والتفتيش واالطالع الواسع على أصول العقود والسجالت والسندات
والقيم والمبالغ النقدية والحسابات البنكية والبريدية ووثائق المحاسبة وكافة الوثائق التي يكون تقديمها مفيدا لمهمتهم.
يلزم الموثق بالرد على األسئلة الموجهة له ،واالستجابة لما يقتضيه التفتيش".
24
وتحقيق األمن التوثيقي رهين بتفعيل الرقابة القضائية على عمل الموثق ،إذ يجب ان تكون هذه الرقابة فعلية
وموضوعية ،وال تقتصر فقط على الجانب الشكلي ،وتتخذ طابعا فجائيا ،كما هو األمر في فرنسا ،كما يجب أن
تكون منظمة ودورية ،وذلك بهدف الوقوف على مختلف االختالالت التي تحول دون تحقيق األهداف المتوخاة
من هذه المؤسسة القائمة الذات.
وعليه فإن أي تفكير في تطوير هذه المهنة ،يبقى متوقفا على مدى تفعيل الرقابة القضائية على أعمال الموثقين،
فكلما استشعر الموثق بأنه مراقب من طرف الجهات القضائية المختصة ،كلما ازدادت ضمانات المترددين على
هذه المؤسسة ،ومن ثم ال يمكن الحديث عن أمن توثيقي ،إال إذا تم تفعيل الرقابة القضائية على أعمال الموثق،
وذلك من منطلق أن القضاء هو الحامي الطبيعي والحارس األمين على حقوق األفراد وممتلكاتهم.43
مراقبة العدل:
ويخضع العدل كذلك لرقابة قضائية صارمة أثناء مزاولة مهامه ،سواء من طرف قاضي التوثيق الذي يمارس
رقابة فعلية على المحررات العدلية ،أو من طرف وزير العدل الذي يمارس بدوره رقابة على العدول ،حسب ما
جاء في المادة 40من القانون 16.03المتعلق بخطة العدالة ،التي تنص على أنه" :يخضع العدل في مزاولة
عمله لمراقبة وزير العدل والقاضي المكلف بالتوثيق ،وكذا لرقابة النيابة العامة.
ومن هنا يتضح لنا أن الرقابة القضائية الممارسة على عمل العدول تتخذ أشكاال متعددة ،حيث يمارسها
وزير العدل بطريقة غير مباشرة ،والقاضي المكلف بالتوثيق الذي يمارس سلطة مباشرة عليهم ،وكذا رقابة النيابة
العامة ،ومن شأن هذه الرقابة أن تساعد على استمرارية مؤسسة التوثيق العدلي وسالمة مساطره ،وتكمن أهميتها
في ضبط سلوك العدول وتصرفاتهم.44
-43عبد اللطيف العلكي ،دور الرقابة على أعمال الموثق في تعزيز األمن العقاري ،مجلة المتوسط للدراسات القانونية
والقضائية،ع ،4شتنبر ،2017ص 115-112بتصرف.
-44عبد اللطيف العلكي ،دور الرقابة على أعمال الموثق في تعزيز األمن العقاري ،م.س ،ص .117-116
25
الرقابة غير القضائية على محرري العقود الرسمية.
وهي األكثر فعالية في الجانب األخالقي وتعتبر الرقابة الذاتية غاية في األهمية ،وذلك لكونها تهتم أساسا
بتنظيم مهنة التوثيق وتخليقها وتحصينها وتأهيلها حتى تبقى مهنة االئتمان على الحقوق.
تسهر األجهزة الوطنية والمتمثلة في كل من الغرفة الوطنية للموثقين والغرفة الجهوية على تنظيم المهنة ،وتمثيلها
أمام األغيار والمؤسسات ،كما أنها تتمتع بنفوذ أدبي في حالة إخالل الموثق بواجباته ،التي تمس شرف المهنة
وأخالقياتها.
وإذا ما ثبت إخالل الموثق للنصوص القانونية المنظمة للمهنة أو إخالله بواجباته المهنية ،أو ارتكب أعماال تمس
بشرف المهنة أو االستقامة أو التجرد ،فإنه يتعرض لعقوبات تأديبية.45
أما بالنسبة للرقابة الذاتية على عمل العدول ،فكما مر معنا أن المحرر العدلي ورقة رسمية ،تخضع لرقابة
صارمة ومشددة ،فهو يخضع بمناسبة مزاولة مهامه والمتمثلة أساسا في إضفاء الصفة الرسمية على العقود التي
يتلقاها من األطراف لرقابة الهيئة الوطنية للعدول ،والمجلس الجهوي للعدول ،طبقا لما جاء في المادة 52من
قانون 16.03المتعلق بخطة العدالة.46
لكن يتعين على المشرع المغربي أن يوفر للهيئة الوطنية للعدول الوسائل واآلليات التي تمكنها من ممارسة رقابة
صارمة على العدول ،وذلك بهدف ضمان جودة الوثيقة المحررة من طرفهم ،ما دام أن تحقيق األمن التوثيقي
مرتبط بسالمة المحررات من حيث الشكل والمضمون.
-45تنص المادة 73من قانون 32.09المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق على انه" :يمكن إصدار عقوبات تأديبية ضد كل موثق
خالف النصوص القانونية المنظمة للمهنة ،أو أخل بواجباته المهنية ،أو ارتكب أعماال تمس بشرف المهنة أو االستقامة أو التجرد
أو األخالق الحميدة أو أعراف وتقاليد المهنة.
ال تحول المتابعات التأديبية دون تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو المتضررين زج ار لألفعال التي تكون جنحا
أو جنايات".
-46تنص المادة 52من القانون 16.03المتعلق بخطة العدالة على أن" :تحدث بمقتضى هذا القانون هيئة وطنية للعدول،
يوجد مقرها بالرباط ،تتفرع عنها مجالس جهوية على صعيد دوائر محكمة االستئناف.
تتمتع الهيئة الوطنية للعدول بالشخصية المعنوية ،وتضم جميع العدول".
26
وتجدر اإلشارة إلى أن الرقابة على عمل الموثقين والعدول ليست بهدف التشكيك في حياد ونزاهة الموثق،
وليس بهدف الكشف عن أخطائه ،بل الهدف منها حماية المهنة وتوفير امن توثيقي للمستفيدين من خدماتها،
إضافة إلى حماية الحقوق العينية وإرساء الثقة والطمأنينة لدى األفراد المعنيين بالوثيقة.
تفعيل نظام المحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة للسلوكيات المشينة مثل االرتشاء (الفصل
248و 249من ق .ج) ،اختالس األموال (الفصول 241و242من ق .ج) ،استغالل النفوذ (الفصل
250من ق .ج) ،الغدر (الفصول 243و 244من ق .ج) ،تحصيل منافع غير قانونية (الفصول
245و ،)246المحسوبية الفصل 254من ق.ج) ،الشطط في استعمال السلطة وخيانة األمانة
(الفصلين 547و 555من ق.ج) ،التزوير (الفصل ين 334و 367من ق .ج)،
توحيد إجراءات المراقبة والتفتيش والبحث بالنسبة لجميع المهن المساعدة للقضاء وتوفير اإلمكانيات
المادية والوسائل البشرية الكافية للنيابة العامة لتفعيل المراقبة والتفتيش وإخضاع أعضائها للتكوين
والتخصص في مجال المراقبة المالية على الخصوص
تفعيل آليات الرقابة التي أحدثتها أو حينتها القوانين الجديدة في الحد من التجاوزات المهنية ومن اإلجرام
تفعيل المساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند وجود اختالالت أخالقية أو مهنية،
إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي بكافة المحاكم أو عبر البوابة اإللكترونية لمديرية
الموارد البشرية لو ازرة العدل أو ودادية موظفي العدل أو الودادية الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو
جمعية المحامين بالمغرب أو الهيئة الوطنية للعدول أو هيئة المفوضين القضائيين ،ألن من شأن ذلك
أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز القضائي ويحد من توسع دائرة المظاهر السلبية في مرافق العدالة.
27
خاتمة
نخلص للقول أن أخالقيات المهن التوثيقية تظل حج ار أساسا في تحقيق أهداف هذه المهن
واختصاصاتها من ضمان لحقوق المرتفقين ،وحقوق الدولة وضمان سمو القانون وسيادته وخلق الثقة بين
مؤسساته فيما بينها وفيما بين تلك المؤسسات وعموم المواطنين
والتأطير القانوني لهذه االخالقيات وإن كان ضروريا إلضفاء اللزوم واالجبار على مضمونها ،ال أعتقد
أنه سينجح في مقاومة الفساد وتخليق هذه المهن في غياب انخراط المجتمع بكل تالوينه السياسية والفكرية
واألكاديمية وسيبقى دوما االنسان والفرد هو جوهر التفكير وجوهر التقنين وجوهر التنزيل فإن فسد فلن يمكن
لوثيقة تسمى مدونة وال غيرها أن تصلحه،
لذلك تبقى الدعوة مفتوحة والنقاش ساريا إليجاد حلول مبتكرة لبناء هذا االنسان داخل مؤسسات بنائه
وهي األسرة والمدرسة والمجتمع ،فال مستقبل ألمة بال أخالق فما بالك بمهنة أو حرفة كما قال أحمد شوقي:
ذهبوا أخالقهم ذهبت هم إن بقيت ما األخالق األمم إنما
28
ملحق رقم 1
مقتطف من التقرير السنوي لوزير العدل أمام لجنة التشريع بالبرلمان المغربي
2021 أكتوبر بتاريخ وهبي اللطيف عبد األستاذ العدل وزير قدمه
29
30
الئحة المصادر والمراجع
oضمانات التوثيق العدلي ودورها في تحقيق األمن التوثيقي للمعامالت العقارية ـ للطالب محمد االمام
العزاوي ـ تحث اشراف الدكتور الحسن الراغيبي أطروحة لنيل الدكتوراه في كلية الشريعة ـ سنة 2017
oمحمد الربيعي ـ األحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم ،الطبعة الثانية ،مكتبة
المعرفة مراكش
مقاالت ولقاءات
oمحمد الربيعي :التزام الموثق بإرشاد الزبون ونصحه مقال منشور بمجلة اإلشعاع عدد 32يونيو
2007
oافتتاحية الصفحة االلكترونية لجريدة بيان اليوم في مقال بعنوان "في لقاء وطني حول آفاق ومستقبل
مهنة التوثيق العصري بالمغرب" بتاريخ 12نونبر 2012
oاللقاء الوطني األول بين محكمة النقض والغرفة الوطنية للتوثيق العصري بالمغرب ،المنظم تحت
شعار« :آفاق مهنة التوثيق على ضوء قانون 32.09والعمل القضائي
oحسن حلحول ،مقال بعنوان ،أخالقيات مهنة المحاماة ،وتحديات الثابت والمتغير منشور بموقع
https://www.danapress.maبتاريخ 16يونيو 2020اطلع عليه بتاريخ 12أبريل 2022
oعبد الصمد الكباص ،مقال منشور بجريدة االتحاد االشتراكي بتاريخ 20مارس 2019
oعبد العزيز بنزاكور ،قيم وأخالقيات المهن القضائية ،مجلة المحاكم المغربية ،العدد ،150يناير
،2016ص 20
oعبد اللطيف العلكي ،دور الرقابة على أعمال الموثق في تعزيز األمن العقاري ،مجلة المتوسط
للدراسات القانونية والقضائية،ع ،4شتنبر ،2017
oظهير شريف رقم 1-06-56صادر في 15من محرم 14( 1427فبراير )2006بتنفيذ القانون
رقم 16-03المتعلق بخطة العدالة.
31
oالقانون التنظيمي رقم ،100 – 13المتعلق بالمجس األعلى للسلطة القضائية الصادر تنفيذه بمقتضى
الظهير الشريف رقم 1-16-40الصادر في 14من جمادى اآلخرة 24( 1437مارس )2016
الجريدة الرسمية عدد - 1455تا رجب 14( 1437أبريل 2015
oظهير شريف رقم 1.16.41صادر في 14من جمادى اآلخرة 24( 1437مارس )2016تنفيذ
القانون التنظيمي رقم 106.13 :المتعلق بالنظام األساسي للقضاة
oظهير شريف رقم 1.11.179صادر في 25من ذي الحجة 22( 1432نوفمبر )2011بتنفيذ
القانون رقم 32.09المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق الجريدة الرسمية عدد 5989مكرر بتاريخ 28ذو
القعدة 26( 1432اکتوبر )2011ص 5228
oظهير شريف رقم 1.08.101صادر في 20من شوال 20( 1429أكتوبر )2008بتنفيذ القانون
رقم 28.08المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة الجريدة الرسمية 5680 -بتاريخ 7ذو
القعدة 6( 1429نوفمبر ،)2008ص 4044
32
الفهرس
المبحث الثاني :واقع أخالقيات مهن التوثيق وتأثيره على األمن التوثيقي والعقاري وسبل تخليقها
13 .....................................................................................
الفقرة الثانية :تأثير أخالقيات المهن التوثيقية على األمن العقاري 17 ................
33