Professional Documents
Culture Documents
وتحاول الفيزياء أن تفهم الظواهر الطبيعية والقوى والحركة المؤثرة في سيرها ،وصياغة المعرفة في قوانين ال تفسر العمليات
السالفة فقط بل التنبؤ بمسيرة العمليات الطبيعية بنماذج تقترب رويدا رويدا من الواقع.
يعتبر علم الفيزياء من أحد أقدم التّخصصات األكاديمية ،فهي قد بدأت بالبزوغ منذ العصور الوسطى وتميزت كعلم حديث في القرن
السابع عشر ،وباعتبار أن أحد فروعها ،وهو علم الفلك ،يعد من أعرق العلوم الكونية على اإلطالق ]7[.خالل معظم األلفي سنة
الماضية ،كانت الفيزياء والكيمياء وعلم األحياء وبعض فروع الرياضيات ،جز ًءا من الفلسفة الطبيعية ،ولكن خالل الثورة العلمية
في القرن السابع عشر ظهرت هذه العلوم الطبيعية كمساعي بحثية فريدة في حد ذاتها .تتقاطع الفيزياء مع العديد من مجاالت البحث
متعددة التخصصات ،مثل الفيزياء الحيوية والكيمياء الكمومية ،وحدود الفيزياء التي لم يتم تعريفها بشكل صارم .غالبًا ما تشرح
األفكار الجديدة في الفيزياء اآلليات األساسية التي تدرسها علوم أخرى وتقترح طر ًقا جديدة للبحث في التخصصات األكاديمية
مثل الرياضيات والفلسفة.
تهتم الفيزياء في نفس الوقت بدقة القياس وابتكار طرق جديدة للقياس تزيد من دقتها؛ فهذا هو أساس التوصل إلى التفسير السليم
للظواهر الطبيعية .وتقدم الفيزياء ما توصلت إليه من طرق القياس لالستخدام في جميع العلوم الطبيعية والحيوية
األخرى كالكيمياء والطب والهندسة واألحياء وغيرها .إن التقدم الحضاري والمدني يدين بشكل كبير للتقدم الباهر لعلم الفيزياء،
فجميع األجهزة التي تمأل حياتنا اليومية أساسها الفيزياء ،مثل الرادار والالسلكي والراديو والتلفزيون والهاتف
المحمول والحاسوب وأجهزة التشخيص في الطب مثل أشعة إكس والتصوير بالرنين المغناطيسي والعالج باألشعة ،والنظارات،
والتلسكوبات ومسبارات المريخ والفضاء ،وأفران الميكروويف ،والكهرباء والترانزيستور والميكروفون ،وغيرها[.معلومة ]2باإلضافة
إلى مفاهيم أخرى كالفضاء والزمن ،ويتعامل مع خصائص كونية محسوسة يمكن قياسها مثل القوة والطاقة والكتلة والشحنة .وتعتمد
[]8 الفيزياء المنهج التجريبي ،أي أنها تحاول تفسير الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكم الكون عن طريق نظريات قابلة لالختبار.
وللفيزياء مكانة متميزة في الفكر اإلنساني ،وكما تأثرت بأفرع المعرفة اإلنسانية األخرى؛ فقد كان لها أيضا األثر الحاسم في بعض
الحقول المعرفية والعلمية األخرى مثل الفلسفة والرياضيات وعلم األحياء .ولقد تجسدت أغلب التّطورات التي أحدثتها بشكل عملي في
عدّة قطاعات من التقنية والطب .فعلى سبيل المثال ،أدى التّقدم في فهم الكهرومغناطيسية إلى االنتشار الواسع في استخدام األجهزة
الكهربائية مثل التلفاز والحاسوب ،وكذلك تطبيقات الديناميكا الحرارية إلى التطور المذهل في مجال المحركات ووسائل النقل
الحديثة ،وميكانيكا الكم إلى اختراع معدات مثل المجهر اإللكتروني ،كما كان لعصر الذرة -بجانب آثاره المدمرة -استعماالت هامة
[ ]9 لتطويع اإلشعاع في عالج السرطان وتشخيص األمراض.
معظم الفيزيائيين اليوم هم عادة متخصصون في مجالين متكاملين وهما الفيزياء النظرية والفيزياء التجريبية ،وتهتم األولى بصياغة
النظريات باعتماد نماذج رياضية ،فيما تهتم الثانية بإجراء االختبارات على تلك النظريات ،باإلضافة إلى اكتشاف ظواهر طبيعية
جديدة .وبالرغم من الكم الهائل من االكتشافات المه ّمة التي حققتها الفيزياء في القرون األربعة الماضية ،إال أن العديد من المسائل ال
طا وأبحاثًا مكثّفة.
تزال بدون جواب إلى حد اآلن ،كما أن هناك مجاالت نظرية وتطبيقية تشهد نشا ً
أصل التسمية
كلمة فيزياء مأخودة من اللغة اإلغريقية " φυσικήفيزياء" وهي مكونة من كلمتين " "ἐπιστήμη epistḗmēوتعني "معرفة
الطبيعة" ]3[]2[]1[.في البداية تم تعريبها من اإلغريقية إلى فيزيقا [ ]10واستخدم عدد من العلماء العرب في فجر اإلسالم هذا االسم ،كما
ظ فيزياء سجعًا مع لفظ كيمياء .واآلن لفظ فيزيقا لم يعد يستعمل وبقي لفظ فيزياء هو المستخدم ،وقد تم تعريبه أيضا ًاستخدم بعضُهم لف َ
من علم الطبيعة إلى طبيعياء ،سجعا ً مع لفظ فيزياء ولفظ كيمياء.
التاريخ
:تاريخ الفيزياء
مخطوطة لكتاب عربي في علم الفلك يوضح منازل القمر حول كوكب األرض.
يتضح علم الفلك المصري القديم في آثار مثل سقف قبر سينيموت من األسرة الثامنة عشرة لمصر.
علم الفلك هو واحد من أقدم العلوم الطبيعية .كانت الحضارات المبكرة التي يعود تاريخها إلى ما قبل 3000سنة قبل الميالد،
مثل السومريين والمصريين القدماء وحضارة وادي السند ،لديهم معرفة تنبؤية وفهم أساسي لحركات الشمس والقمر والنجوم .كانت
النجوم والكواكب تعبد في كثير من األحيان ،ويعتقد أنها تمثل آلهة .في حين أن التفسيرات للمواقف المرصودة للنجوم كانت في كثير
من األحيان غير علمية وتفتقر إلى األدلة ،وضعت هذه المالحظات المبكرة األساس لعلم الفلك في وقت الحق ،حيث تم العثور على
النجوم الجتياز دوائر كبيرة عبر السماء ،والتي لم تفسر مدارات الكواكب.
وفقًا آلسغر آبو ،يمكن العثور على أصول علم الفلك الغربي في بالد ما بين النهرين ،وكل الجهود الغربية في العلوم الدقيقة تنحدر من
آثارا تُظهر معرفة األبراج وحركات األجرام السماوية ]12[،في حين كتب
علم الفلك البابلي المتأخر ]11[.ترك علماء الفلك المصريون ً
الشاعر اليوناني هوميروس العديد من األجرام السماوية في كتابه "اإللياذة" و"األوديسة"؛ في وقت الحق قدم علماء الفلك اليوناني
أسماء ،والتي ال تزال تستخدم حتى اليوم ،بالنسبة لمعظم األبراج المرئية من نصف الكرة الشمالي.
[]13
تاريخ الفيزياء الكالسيكية
إسحاق نيوتن ( ،)1643-1727الذي كانت قوانين الحركة والجاذبية العالمية من المعالم الرئيسية في الفيزياء الكالسيكية.
ألبرت أينشتاين ( ،)1879-1955الذي أدى عمله في التأثير الكهروضوئي ونظرية النسبية إلى ثورة في فيزياء القرن العشرين.
إسحاق نيوتن وإلبرت إينشتاين أبوا الفيزياء الكالسيكية والحديثة
أصبحت الفيزياء عل ًما منفصالً عندما استخدم األوروبيون الحديثون األوائل األساليب التجريبية والكمية الكتشاف ما يُعتبر اآلن قوانين
الفيزياء.
تشمل التطورات الرئيسية في هذه الفترة االستعاضة عن نموذج مركز األرض للنظام الشمسي بنموذج كوبرنيكوس الشمسي،
والقوانين التي تحكم حركة الهيئات الكوكبية التي حددها يوهانس كيبلر بين عامي 1609و ،1619والعمل الرائد في مجال
التلسكوبات وعلم الفلك الرصدي بواسطة غاليليو غاليلي في القرنين السادس عشر والسابع عشر ،واكتشاف إسحاق نيوتن وتوحيد
قوانين الحركة والجاذبية العالمية التي ستحمل اسمه ]22[.طور نيوتن أيضا حساب التفاضل والتكامل ،الدراسة الرياضية للتغيير ،والتي
[]23 قدمت أساليب رياضية جديدة لحل المسائل الفيزيائية.
نتج اكتشاف قوانين جديدة في الديناميكا الحرارية والكيمياء والكهرومغناطيسية عن جهود بحثية أكبر خالل الثورة الصناعية مع زيادة
احتياجات الطاقة ]24[.تظل القوانين التي تضم الفيزياء الكالسيكية مستخدمة على نطاق واسع جدًا للكائنات ذات المقاييس اليومية التي
نظرا ألنها توفر تقريبًا وثي ًقا للغاية في مثل هذه الحاالت ،كما أن النظريات مثل ميكانيكا الكم ونظرية
تنتقل بسرعات غير نسبيةً ،
النسبية تبسط إلى نظير اتها الكالسيكية عند هذا الحد .النطاقات .ومع ذلك ،أدت عدم الدقة في الميكانيكا الكالسيكية لألجسام الصغيرة
جدًا والسرعات العالية جدًا إلى تطور الفيزياء الحديثة في القرن العشرين.
كيمياء
ِع ْلم ال ِكيِ ْميَاء هو العلم الذي يدرس المادة والتغيُّرات التي تطرأ عليها ]1[،تحديدًا بدراسة خواصها ،بنيتها ،تركيبها ،سلوكها ،تفاعالتها وتداخالتها
التي تحدثها]6[]5[]4[]3[]2[.
ِع ْلم ال ِكيِ ْميَاء هو العلم الذي يدرس المادة والتغيُّرات التي تطرأ عليها ]7[،تحديدًا بدراسة خواصها ،بنيتها ،تركيبها،
سلوكها ،تفاعالتها وما تحدثه من خاللها ]11[]10[]9[]8[]4[.ويدرس علم الكيمياء الذرات والروابط التي تحدث بينها مكونةً الجزيئات ،وكيف
تترابط هذه الجزيئات فيما بعدها لت ُ ّ
كون المادة ]12[.ويدرس أيضًا التفاعالت التي تحدث بينها ]14[]13[.وللكيمياء أهمية كبيرة في حياتنا
كالصناعات الغذائية ،صناعة المواد التنظيفية ،الدهانات،
ّ دورا مه ًما في الصناعات بمختلف أنواعها،
وتدخل في مجاالت كثيرة وتلعب ً
األصبغة ،صناعة األدوية والعقاقير ،النسيج والمالبس واألسلحة وغيرها .ولها تطبيقات أخرى في الطب والعلوم
األخرى ]16[]15[.ويطلق على الكيمياء تسمية «الع ْل ُم ال َم ْركَزي» ]17[،وذلك لدوره الجوهري في ربط العلوم الطبيعية ببعضها.
يُع ُّد جابر بن حيان الملقّب بـ «أبي الكيمياء» ]19[،المؤسّس الحقيقي لمفهوم علم الكيمياء ،المبني على مفهوم التجريبية ]20[،إذ يقول:
«إن واجب المشتغل في الكيمياء هو العمل وإجراء التجربة ،وإن المعرفة ال تحصل إال َّ بها» ]21[.حتى أن العرب س َّموا
الكيمياء عامةً بـ « َ
ص ْن َعة َجابر» ]23[]22[.وكلمة كيمياء ذات أصل عربي ،وتشتق الكلمة من المصدر كمي بمعنى أستر
وأخفى ]25[]24[،ووجهة ذلك تعتمد على الكتمان وتحريم إذاعتها وإفضاء أسرارها لغير أهلها لكون هدفها تحويل المعادن البخسة
تتفرع منها أقسام أخرى ،أهمها :الكيمياء العامة والتي تدرس المبادئ األساسية في
إلى ذهب وفضة ]26[.تنقسم الكيمياء إلى فروع عدة ّ
الكيمياء ،والكيمياء العضوية وتهتم بدراسة المواد العضوية ،أي التي تحتوي على عنصر الكربون ،والكيمياء غير العضوية والكيمياء
[]27 الفيزيائية والكيمياء الحيوية والكيمياء التحليلية.
أصل التسمية
أصح وأرجح األقوال بأن أصل كلمة «كيمياء» من اللغة العربية؛[ ]28وذلك ألن صناعة الكيمياء في العصور الوسطى كانت تعتمد
على الكتمان وتحريم إذاعتها وإفضاء أسرارها لغير أهلها لكون هدفها تحويل المعادن البخسة إلى ذهب وفضة ،واكتشاف اإلكسير
الذي يعيد الصحة والشباب إلى اإلنسان ،باإلضافة إلى ذلك فقد كانت الكيمياء من المعارف المغلفة بالغموض والكتمان ،فقد أورد
حاجي خليفة صيغة وصية كيميائي لتلميذه يحذره فيها بكتمان سر هذه الصنعة وعدم إذاعتها ]29[،ألن في إذاعتها خرابًا للعالم ،ويذكر
مرارا في رسائله وكتبه ،ولهذا نجد أن ابن خلدون يهاجم أهل هذه الصنعة وكتاباتهم المليئة باأللغاز
ً هذا المعنى جابر بن حيان
والطلسمات التي يتعذر فهمها ]31[]30[.وقد ذكر محمد بن أحمد في مفاتيح العلوم في القرن الرابع للهجرة ]32[،أن كلمة كيمياء مشتقة من
الناس إ ْذ ت ُ ُك ُّموا إنه من
َ ست ََره؛ وقد تَأ َ َّول بعضهم قوله :بَ ْل لو شَه ْدتَ
المصدر كمى ومعناها خفى وأستر ]33[]28[]28[،وكَمى الشي َء وت َ َك َّماهَ :
الناس ما أَنا ُمضْم ٌر ،مخَافَةَ أَن يَثْ َرى بذلكَ تَ َك َّميت الشيء .و َك َمى الشهادة يَ ْكميها َك ْميًا وأَ ْكماهاَ :كت َ َمها وقَ َم َعها؛ قال كثيّر :وإني أل َ ْكمي
كاش ُح يَثْرى :يَ ْف َرح .وا ْنــ َك َمى أَي ا ْست َْخفى .وت َ َك َّمتْهم الفتنُ إذا غَشيَتْهم .وت َــ َك َّمى ق ْرنَه :قَ َ
صده ،وقيل :ك ُّل َم ْقصود ُم ْعت َ َمد ُمتَــ َك ّم ً
ى.
متداوال بين طائفة من الناس دون ً طى به ]34[]28[]28[.وسمي العلم كيميا ًء ألن هذا العلم كان طى .وتَــ َك َّمى في سالحه :تَغَ َّ وت َــ َك َّمى :تَغَ َّ
غيرها ،بسبب االعتقاد الذي سيطر على عقول الناس طيلة العصور الوسطى ،وهو إمكانية تحويل المعادن البخسة إلى ذهب وفضة،
وتحضير إكسير الحياة ،ذلك السائل السحري الذي يعيد الصحة والشباب لإلنسان ،ومن ثم فقد حرص الكيميائيون القدامى على كتمان
سر صنعتهم ،وكتب بعض الكيميائيين العرب المتأخرىن نسبيًا ال سيما بعد القرن السادس هجري معلومات في الكيمياء
وتحويل المعادن إلى ذهب وفضة برموز وألغاز وتعمدوا الغموض واإلرباك .والكيمياء في اللغة الحيلَة والح ْذق ،وكان يراد بها ع ْند
القدماء :تحويل المعادن الخسيسة إلى أخرى أسمى وأعلى قيمة ]36[]35[.وهناك أقوال أن أصل كلمة كيمياء مصري وهي كيم أو كمت
ومعناها األرض السوداء وهي تربة وادي النيل ،وينسب ذلك أن الكيمياء فن مصري قديم ،وكانت تعرف آنذاك بسر الكهنة أو
الصناعة التحتوية (نسبة إلى تحوت أو تحوتي أو جحوتي) ]37[.وهناك من يقول كلمة كيمياء مشتقة من الكلمة اإلغريقية خيما
Chymaبمعنى التحليل والتفريق ،ويرى غيرهم أن لفظة كيمياء قد حورت عن اللفظة العبرية (شامان) وتعني السر أو الغموض.
ً
اشتقاقََ ا من المصدر كمى ]38[.وتكتب كلمة كيمياء في اللغات ً
وفعال، وهناك مدلوالت كثيرة على أن أصل الكلمة عربية اس ًم
األوروبية ( Alchimicaمعرفةً بأل) ]39[،وكل كلمة التينية معرفة بأل تكون من أصل عربي كالجبر والكحول؛[ ]40أما كلمة كيمياء لم
[]40 يرد ذكرها في أي حضارة أو لغة قبل العرب ،وكان أول من عرف علم الكيمياء هم العرب.
التاريخ
في العصور القديمة
عرف اإلنسان الكيمياء منذ القدم ،وقد اصطلح على تسمية الكيمياء القديمة بـ الخيمياء[ ]41التي تعد مزي ًجا من ممارسة علوم الكيمياء
والفيزياء والفلك والفلسفة؛[ ]42والتي كانت تمارس بشكل غير علمي ،وال تخلو من الشعوذة والسيمياء؛[ ]43والتي عرفها ابن
خلدون الخيمياء بأنها« :علم ينظر في المادة التي يتم بها تكوين الذهب والفضة بالصناعة» ]39[.وقد ارتبط هذا الفن منذ
الحضارات القديمة بالمعادن والتعدين وصناعة األلوان والدواء وبعض الصناعات الفنية كدبغ الجلود وصبغ القماش وصناعة الزجاج،
وحتى طبخ الطعام قد يصاحبه تغيرات كيميائية معينة مثل نبات البفرة الذي زرعه األميرنديون في فنزويال منذ آالف السنين قبل
الميالد ،وتحتوي جذور هذا النبات على حمض الهيدروسيانيك القاتل ،وقد عرف الهنود الحمر القدامى هذه المادة السامة وقاموا
بالتخلص منها بالتسخين الذي يحول هذا الحمض إلى مواد غير سامة .واستخدم اإلنسان منذ أكثر من ثالثة آالف سنة قبل الميالد
محلول الشب وبعض الصبغات المحضرة من العفص ولحاء بعض ثمار األشجار وأوراق نبات السماق في تلوين الجلود
[]46[]45[]44 والقماش.
الحضارات اإلنسانيَّة األولى كالحضارة كالصينية والمصريَّة والبابليَّة والهنديَّة نجحت في جمع معرفة عمليَّة بخصوص التعدين
وصنع الفخار واألصبغة ،غير أنَّها لم ت ُ ّ
طور معرفة نظريَّة منظمة يُمكن اعتبارها عل ًما .وكما ظهرت فرضيات الكيميائيَّة في بالد
يتكون من أربعة عناصر أساسيَّة ،ي ّ
ُشكل تمازجها كل جسم معروف اإلغريق عندما ساد االعتقاد عند بعض فالسفة اإلغريق َّ
أن العالم َّ
أن هذه العناصر هي النار والهواء واألرض في الكون ،و ُ
طرحت هذه الفرضيَّة بصورتها النهائيَّة علي يد أرسطو ،الذي افترض َّ
والماء ]47[.وفي بالد اإلغريق أيضًا ظهرت الفلسفة الذريَّة ،وترجع إلى القرن الخامس قبل الميالد ،حيث افترض الفيلسوف اإلغريقي
ديموقريطس أن جميع المواد تتكون من دقائق متانهية في الصغر غير قابلة للتجزئة تسمى الذرات ]49[]48[.وعلى عكس النظريَّة الذريَّة
[]51[]50 الذرة عند اإلغريق كان فلسفيًا تما ًما ولم يستند على المالحظة والتجريب العلمي. في العلوم الحديثة َّ
فإن مفهوم َّ
في العصر الهيلينستي ازدهرت الخيمياء ،وقد تداخلت الخيمياء مع السحر والشعوذة عند دراسة طبيعة المواد ،بهدف اكتشاف طريقة
واستمر ازدهار الخيمياء
َّ لتحويل المواد إلى ذهب أو صنع إكسير الحياة الذي يمنح الخلود ،واكتُشفت في هذه الفترة عمليَّة التقطير.
في اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة ،ومن أبرز الخيميائيين في هذه الفترة زوسيموس من بانوبوليس .وبعد سقوط اإلمبراطورية الرومانية،
انتقل وتركز التطوير الكيميائي في الحضارة اإلسالمية عند العرب والمسلمين ،وكانوا أول من اشتغل بالكيمياء كعلم له قواعده
كبيرا ،حيث تحول الكيمياء من
ازدهارا ً
ً وقوانينه ،وذلك من القرن األول للهجرة .وكان لهم دور كبير في تطور الكيمياء وازدهاره
مجرد صنعة أو حرفة يختص بها المشعوذين وتبحث عن أشياء خرافية مثل إكسير الحياة وتحويل المعادن الرخيصة إلى ثمينة ،إلى
علم متكامل قائم بذاته يقوم على التجربة العملية والمنهج العلمي ]52[.وقد أسس المسلمون مفهوم تجريبية علم الكيمياء ،فقال جابر بن
[]54[]53 حيان:
إن واجب المشتغل في الكيمياء هو العمل وإجراء التجربة ،وإن المعرفة ال تحصل إالَّ بها
علماء العرب أول من أسس مفهوم التجريبية في الكيمياء؛ وعرفوا العمليات الكيميائية داخل المختبرات ،وطوروا وصنعوا له أدواته الخاصة،
وهي نفسها التي نستعملها اليوم.
وعلم الكيمياء علم عربي األساس والمنهج ،حيث وضع العلماء العرب المسلمين نظرية كيميائية ناضجة ومنه ًجا علميًا قوي ًما .ولقد
وطوروا المختبر الكيميائي وصنعوا له أدواته الخاصة؛ وال يزال بعضها بشكل أو بآخر مستخدما ً إلى اليوم،
ّ تعمقوا في فهم هذا العلم،
وعرفوا العمليات الكيميائية داخل المختبرات والعناصر األساسية للمواد ،واجتهدوا في التطبيق .وكان أول من عمل واشتغل بالكيمياء
َّ
من العرب والمسلمين خالد بن يزيد ]56[]55[،وهو شقيق الخليفة األموي معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ،أما حاجي خليفة
صاحب كتاب «كشف الظنون» ،فيقول عن خالد« :إنه أول من تكلم في علم الكيمياء ،ووضع فيها الكتب ...ونظر في
كتب الفالسفة من أهل اإلسالم» ]58[]57[.ولقد انصرف خالد بن يزيد انصرافًا تا اما إلى دراسة العلوم بعامة ،وعلم الصنعة أو
الكيمياء بخاصة ،وذلك بعد أن اختزلت الخالفةُ دونه ،فلم يجد منها عوضًا إال أن يبلغ آخر هذه الصناعة ]59[.وله في الكيمياء رسائل،
وله فيها شعر كثير كذلك ،وإذا لم يحقق خالد بن يزيد شي ًءا في مجال الكيمياء ،فإنه وضع اللبنة األولى على طريق البحث وعمل
التجربة ]60[.وم َّما يروى من شعره في الكيمياء ،وما ينبغي على الباحث أن يبذلَه من جهد في فك رموزها وتحصيل ثمراتها قولُه:
راجيَا أخانا ،فقد نلتَ الذي كنتَ ِ الرموز مدانيًا ِ إذا كنتَ في ح ِِّل
ْ
امتألت للرائدينَ أفا ِعيَا قد ترتع بها ف ْهي جنَّة ْ واإل فال
واصيَاموز أسوار تشيب النَّ ِ الر ِ من ُّ المضروب من دون نَ ْي ِلها ُ صنعةُ هي ال َّ
المرء من حبل الوري ِد تدا ِن َيا ِ إلى ولكنَّها أدنى إذا كان عا ِل ًما
أجرام الجسوم كما ِه َيا َ على البُ ْعد فالظن كالعين ال ت َرى ُّ أ ِع ْد ً
نظرا،
فوس التَّراقِيَا
بلغت فيه النُّ ُْ وقد سرنا
ُدرك ُّ خمين ي َ
ِ أبالظن والت َّ
ِِّ
وقد كان من تالميذ خالد بن يزيد الكيميائي جابر بن حيان الذي يسمى بـ «أبو الكيمياء» ]58[،وينسب له وضع أسس الكيمياء الحديثة،
وقد وضع تصانيف كثيرة ً في الكيمياء ،قيل :عددها 232كتابا ،وقيل :بلغت خمسمائة ]61[.وضاع أكثرها ،وتُرجم بعض ما بقي منها
إلى الالتينية ]62[.وقد صنع جابر بن حيان أهم الحموض المعدنية ،مثل حمض النتريك ،وحمض الكبريت وحمض
هيدروكلوريك ]63[.وبقيت من أهم المركبات في الصناعة الكيميائية ألكثر من ألف عام .وهو أول من حضّر حمض الكبريتيك وسماه
زيت الزاج ،وأول من استحضر ماء الذهب ،وينسب إليه تحضير بعض المركبات الكيميائية األخرى .وقد درس خصائص مركبات
الزئبق واستحضرها ]65[]64[.وهو أول من وصف أعمال التقطير والتبلور والتذويب والتحويل إلخ ]69[]68[]67[]66[]54[.وقد قام جابر بن
[]71[]70 حيان أيضًا باختراع اإلنبيق ،كما قام باختراع المقطرة والمعوجة كجزء من اإلنبيق.
تفاعل احتراق الميثان؛ حيث توجد 4ذرات هيدروجين و 4ذرات أكسجين و 1ذرة كربون قبل التفاعل وبعده .الكتلة الكلية بعد التفاعل هي نفسها
التي كانت قبل التفاعل.
في العصور الحديثة استمر تطور علم الكيمياء بعد إسهامات المسلمين فيه؛ وفي القرن السابع عشر الميالدي ]73[،عندما قام بويل
بأبحاث ،وقسم األجسام إلى مواد أولية وهي :العناصر والمركبات والمخاليط؛ وصاغ قانون الذي يعرف باسمه ،وضف فيه العالقة
بين ضغط الغاز وحجمه ]74[.وتلته بعددها أبحاث بالك والفوازييه عن االحتراق والتأكسد ،وقانون حفظ الكتلة ]77[]76[]75[،الذي أشار من
قبل العالم المسلم األندلسي أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي ،وذلك في كتابه «رتبة الحكيم» ]78[.ومن ثم برستلي الذي اكتشف
األكسجين في الهواء ]79[،ثم كافنديش الذي اكتشف تكوين الماء ]80[،ومن ثم اقترح دالتون مقتر ًحا بالنظرية الذرية عن تكون
المادة؛[ ]81بأنها تتكون من ذرات غير قابلة لالنقسام ،تتشابه الذرات المكونة للعنصر في الحجم والكتلة والخواص الكيميائية وتختلف
ً
جدوال دوريًا للعناصر في الستينيات من القرن التاسع عشر ذرات العنصر عن ذرات العناصر األخرى ]82[.تم تطويره بعد ذلك ليصبح
عندما ابتكر العالم ديمتري منديلييف الجدول الدوري ،وقام مندليف بترتيب العناصر طبقًا لكتلتها الذرية .وفي نهاية القرن التاسع عشر
وتعرف
َّ اكتشف وليام ر امزي الغازات النبيلة ،بالتعاون مع اللورد رايلي ،وبالتالي ملء الهيكل األساسي للجدول الدوري]84[]83[.
الكيمياء الحديثة بأنها :العلم الذي يدرس المادة والتغيرات التي تطرأ عليها ]7[،وتحديدًا تتم دراسة خواصها ،وبنيتها ،وتركيبها،
[]11[]10[]4 وسلوكها ،وتفاعالتها ،وتداخالتها التي تحدثها.
وفي مطلع القرن العشرين ،اكتمل فهم األسس النظرية للكيمياء بسبب سلسلة من االكتشافات التي نجحت في استكشاف واكتشاف
طبيعة البنية الداخلية للذرات .ففي عام 1897اكتشف العالم طومسون اإللكترونات في الذرة ]85[،وفي عام 1911وفي محاولة من
العالم رذرفورد إلثبات صحة نظرية العالم طومسون بأن الذرة تتكون من إلكترونات سالبة الشحنة تتوسطها شحنة موجبة موزعةً
بالتساوي قام العالم رذرفورد بتجربة تعرف باسم «تجربة رقاقة الذهب» ]86[،اكتشف من خاللها الهيكل الداخلي للذرة وتنبأ
بوجود البروتونات في الذرة ]87[]86[،وشرح أنواع مختلفة من النشاط اإلشعاعي ونجح بتحويل طبيعة العنصر األول بقذف
النيتروجين بجسيمات ألفا .وفيما بعد عام 1926م أظهرت أبحاث العالمين شرودينجر ودوبروكلي أن اإللكترونات تدور
[]89[]88 حول النواة بمدارات غير ثابتة تسمى «السحابة اإللكترونية».
األحياء
علم األحياء هو علم طبيعي يُعنى بدراسة الحياة والكائنات الحية ،بما في ذلك هياكلها ووظائفها ونموها وتطورها وتوزيعها
ٌ
ميدان واس ٌع يتألف من العديد من الفروع والتخصصات الفرعيَّة ،لكنها تتضمن بعض المفاهيم العا ّمة وتصنيفها ]1[.األحياء الحديثة هي
الموحدة التي تربط بين فروعها ال ُمختلفة وتسير عليها جميع الدراسات والبحوث .يُنظر إلى الخلية في علم األحياء عموما ً باعتبارها
حرك الذي يولد األنواع الجديدة .ومن المفهوم
وحدة الحياة األساسية ،والجين باعتباره وحدة التوريث األساسية ،والتطور باعتباره ال ُم ّ
أن جميع الكائنات الحيّة تبقى على قيد الحياة عن طريق استهالك وتحويل الطاقة ،ومن أيضا ً في علم األحياء في الوقت الحاضر ّ
خالل تنظيم البيئة الداخلية للحفاظ على حالة ُمستقرة وحيويّة.
ينقسم علم األحياء إلى فروع حسب نطاق الكائنات الحيَّة التي تدرسها ،وأنواع الكائنات الحيَّة المدروسة ،واألساليب ال ُمستخدمة في
دراستها .فتدرس الكيمياء الحيوية العمليات الكيميائية ال ُمتعلقة بالكائنات الحيَّة ،ويدرس علم األحياء الجزيئي التفاعالت ال ُمعقدة التي
تحصل بين ال ُجزيئات البيولوجية ،ويُعنى علم النبات بدراسة حياة النباتات ال ُمختلفة ،ويدرس علم األحياء الخلوي الخلية التي تُع ّد
الوحدة البنائية األساسية للحياة ،ويدرس علم وظائف األعضاء الوظائف الفيزيائية والكيميائية ألنسجة وأعضاء وأجهزة الكائن الحي،
تنوع الحياة ،ويُعنى علم البيئة بالبحث في كيفيّة تفاعل الكائنات الحيَّة مع
بينما يدرس علم األحياء التطوري العمليات التي أدّت إلى ّ
[ ]2 بيئتها.
التسمية
يُشتق ُمصطلح علم األحياء الالتيني ( )Biologiaمن اليونانية ( biosتعني حياة و logiaتعني دراسة أو علم) ]4[]3[.ظهر هذا
ال ُمصطلح للمرة األولى عام 1736عندما استخدمه كارلوس لينيوس في أحد كتبه ،وتبع ذلك ترجمته لأللمانية ( )Biologieعام
1771في ترجمة لعمل لينيوس .دخل هذا ال ُمصطلح حيّز االستخدام الحديث في أطروحة من ستة ُمجلدات من تأليف
العالم األلماني غوتفريد راينولد تريفيرانوس ،الذي قال" ]5[:سيكون موضوع أبحاثنا هو أشكال الحياة ومظاهرها ال ُمختلفة ،والظروف
والقوانين التي تحدث بموجبها هذه الظواهر ،واألمور واألسباب التي أثرت فيها .وسنُشير إلى العلم الذي يهتم بهذه األمور باسم علم
األحياء ( )biologieأو مبدأ الحياة (.")Lebenslehre
التاريخ
على الرغم من ظهور علم األحياء بشكله الحالي حديثا ً نسبيّاً ،إال أن العلوم التي تتضمنها األحياء أو تتعلق فيها كانت تُدرس منذ
العصور القديمة .فقد كانت الفلسفة الطبيعية تُدرس في بالد الرافدين ومصر وشبه القارة الهندية والصين .بَيْد ّ
أن أصول علوم األحياء
الحديثة ومنهجها في دراسة الطبيعة تعود إلى اليونان القديمة ]6[.فكان أبقراط بمثابة مؤسس علم الطب ،باإلضافة إلى
ُمساهمة أرسطو الكبيرة في تطوير علم األحياء ،حيث كان لكتبه التي أظهر فيها ميوله للطبيعة أهميةٌ خاصةٌ مثل كتاب "تاريخ
الحيوانات" ،تبع ذلك أعما ٌل أكثر تجريبية ر ّكزت على السببية البيولوجية وتنوع الحياة .كتب ثيوفراستوس بعد ذلك سلسلة من الكتب
في علم النبات اعتُبرت األهم من نوعها في هذا العلم في العصور القديمة حتى العصور الوسطى]7[.
أسهم العلماء المسلمون كذلك إسهامات ُمه ّمة في علم األحياء ،مثل الجاحظ ،وأبو حنيفة الدينوري الذي كتب في علوم النباتات ]8[،وأبو
بكر الرازي الذي كتب في علم التشريح وعلم وظائف األعضاء .كما أولى المسلمون الطب اهتماما ً خاصاً ،فترجموا علوم اليونانيين
وأضافوا إليها الكثير .أ ّما إسهاماتهم في التاريخ الطبيعي فكانت ُمعتمدة ً بشكل كبير على الفكر األرسطي.
قفز علم األحياء قفزةً كبيرة ً عندما قام أنطوني فان ليفينهوك بتطوير المجهر ،حيث أدى ذلك إلى اكتشاف الحيوانات
المنوية والبكتيريا و ُمختلف الكائنات المجهرية .كما لعب العالم الهولندي جان سوامردام دورا ً محوريا ً في تطوير علم
ٌ
عميق في أثر
الحشرات وساعد في إرساء التقنيات األساسية في الترشيح والتلوين المجهري ]9[.كما كان للتقدم في الدراسات المهاجرية ٌ
تفكير األحيائيين ،فأشار عد ٌد من علماء األحياء إلى األهمية المركزية للخلية منذ مطلع القرن التاسع عشر .وفي عام 1838بدأ
وأن الخاليا ُمنفردةً تملك خصائص الحياة،
أن الوحدة األساسية في الكائنات الحيَّة هي الخليَّةّ ،
العالمان شوان وشاليدن في تعزيز فكرة ّ
لكنهما عارضا فكرة ّ
أن جميع الخاليا تنتج من انقسام خاليا أخرى .لكن بفضل أعمال روبرت ريماك ورودولف فيرشو اتجه العلماء
إلى قبول المبادئ الثالثة السابقة بحلول عقد الستينيّات من القرن التاسع عشر ،وهو ما عُرف فيما بعد بنظرية الخلية.
[]11[]10
وفي الوقت ذاته كانت أهمية علم التصنيف في تزايد ُمستمر وباتت موضع تركيز المؤرخين الطبيعيين .نشر لينيوس عام 1735
منهاجا ً في مبادئ التصنيف للعالم الطبيعي ،وما زالت بعض المبادئ التي جاء بها قيد االستخدام ُمنذ ذلك الحين .ثم أطلق لينيوس في
ُمنتصف القرن الثامن عشر أسما ًء علميَّةً على جميع األنواع ]12[.وفي القرن ذاته ظهر العالم الفرنسي جورج دي بوفون الذي أشار إلى
إمكانيّة وجود سلف مشترك ،وبالرغم من أنّه كان ُمعارضا ً لنظرية التطور ،إال أنه في الحقيقة كان شخصيةً محوريةً في تاريخ الفكر
[]13 التطوري ،حيث أثرت أعماله على النظريات التطورية التي جاء بها ُك ٌل من جان باتيست المارك وتشارلز داروين.
كانت بداية األخذ بنظرية التطور على محمل الجد بعد صدور أعمال المارك ،الذي كان أول من قدّم نظريةً ُمتماسكةً في
أن التطور كان نتيجةً للضغوط البيئية على خصائص الحيوانات ،أي أنه كلما ازداد استخدام العضو
التطور ]14[.افترض المارك ّ
أن هذه الصفاتواالعتماد عليه بات هذا العضو أكثر كفاءة ً وتعقيداً ،وبذلك يتم ّكن الحيوان من التكيف مع بيئته .اعتقد المارك ّ
ال ُمكتسبة يُمكن أن تنتقل عبر النَّسل ،وبالتالي تتطور وتُصبح أكثر كماالً ]15[.ظهر بعد ذلك العالم البريطاني تشارلز داروين الذي جمع
بين النهج البيوجغرافي أللكسندر فون هومبولت ،والنهج الجيولوجي ال ُمنتظم الذي اتبعه تشارلز اليل ،ونهج كتابات توماس
مالتوس حول النمو السكاني ،باإلضافة إلى خبرته الخاصة و ُمالحظاته للطبيعة ،ليؤسس بذلك نظرية تطوريَّةً أكثر نجاحا ً تستند
إلى االنتقاء الطبيعي ،وهي النتيجة نفسها التي توصل إليها ألفرد راسل واالس بشكل ُمستقل بعد اتباعه ذات المنطق
أن هذا النظرية ما زالت موضعا ً للجدل حتى الوقت الحاضر ،إال أنها سرعان ما انتشرت في األوساط
واألدلة ]17[]16[.وعلى الرغم من ّ
العلمية وباتت جزءاً ُمه ّما ً من علم األحياء الحديث.
كو ٌن من كروموسومات تحمل الوحدات الحاملة أشارت التجارب التي أجريت في ُمنتصف القرن العشرين إلى كون الدي إن إيه ُم ّ
للسمات ،والتي عُرفت فيما بعد باسم الجينات .مثّل تركيز العلماء على إيجاد أنواع جديدة من الكائنات الحيَّة الدقيقة
مثل الفيروسات والبكتيريا ،وكذلك اكتشاف الهيكل الحلزوني ال ُمزدوج للمادة الوراثية عام ،1953مثّل المرحلة االنتقالية لعصر علم
الوراثة الجزيئي .وبات علم األحياء ُممتدا ً في المجال ال ُجزيئي بشكل واسع ُمنذ الخمسينيّات وحتى الوقت الحاضر .تبع ذلك
إطالق مشروع الجينوم البشري عام 1990بهدف معرفة الجينوم البشري بشكل كامل .اكتمل هذا المشروع مبدئيّا ً عام
]18[،2003وما زالت تُنشر التحاليل ال ُمتعلقة به حتى الوقت الحاضر .ش ّكل مشروع الجينوم البشري الخطوة األولى في عولمة ودمج
المعارف البشرية ال ُمتراكمة في علم األحياء للتوصل إلى تعريف وظيفي ُجزيئي للجسم البشري وأجسام الكائنات الحيَّة األخرى.