You are on page 1of 7

‫حديث اإلدارة القضائية و تقريبها من المواطن‬

‫‪Mostapha Belhmidi‬‬ ‫‪ 11/02/2016‬في‬

‫تحديث اإلدارة القضائية و تقريبها من‬


‫المواطن‬

‫سنتناول في هذا المبحث تعزيز البنية‬


‫التحتية بهدف تقريب اإلدارة القضائية من‬
‫المواطن و كذا إقامة محكمة رقمية ( المطلب‬
‫األول ) ثم تبسيط المساطر القضائية ( المطلب‬
‫الثاني)‬

‫المطلب األول ‪ :‬الرفع من مستوى البنية‬


‫التحتية و إقامة محاكم رقمية‬

‫إن اختيار المغرب للمنهج الديمقراطي و‬


‫االنفتاح على المجتمع‪ ،‬ال يمكن الجزم بنجاحه‬
‫إال إذا قيس ذلك بمدى قدرة العدالة على‬
‫مواكبة هذا النهج الذي رسمته الدولة‪ ،‬األمر‬
‫الذي فرض على وزارة العدل االنخراط في سلسلة‬
‫اإلصالحات الجذرية من أجل تحديث و عصرنة جهاز‬
‫القضاء‪ ،‬ليواكب التطورات التي يشهدها‬
‫المجتمع‪ ،‬و يعد إعداد البنية التحتية و‬
‫إقامة محاكم رقمية من أهم اإلصالحات التي‬
‫تجعل المواطن أقرب ما يكون لإلدارة القضائية‬
‫و أكثر إحساسا بمادية اإلصالح المنشود‪.‬‬
‫إن عصرنة و تحديث اإلدارة القضائية رهين‬
‫بمدى توفر هذه األخيرة على بنيات جيدة تحقق‬
‫األهداف المرسومة و المهام الموكولة إليها‪،‬‬
‫فأمام ما يعرفه المجتمع من تطور و تشعب‬
‫العالقات‪،‬و اختالف أنواع القضايا المعروضة‬
‫على العدالة و تعقدها‪ ،‬زيادة على ارتفاع‬
‫معدل السكان و ما ينجم عنه من تزايد الطلب‬
‫على خدمات العدالة‪،‬لذلك كان البد من إحداث‬
‫بنايات جديدة نظرا لهشاشة بناية المحاكم‬
‫القائمة و قدمها‪ ،‬مما ال يتناسب و قيمة‬
‫القضاء و دوره‪ ،‬فال بد أن تكون كل بناية‬
‫بشكل هندسي مميز يجعل مرتديها يشعرون و‬
‫هيبتها‪ ،‬فباإلضافة إلى الزيادة في عدد‬
‫المحاكم و إدخال إصالحات عليها استجابة‬
‫لمطلب الجودة في األداء و الخدمة اللذان‬
‫يعتبران الغاية األساسية لجميع فئات المجتمع‬
‫‪،‬فإن هذا اإلصالح هو كذلك استجابة لسياسة‬
‫تقريب القضاء من المتقاضين ‪ ،‬و عدم تمركزه‬
‫في مناطق محددة ‪.‬‬

‫و المتتبع لمسار وزارة العدل في مجال‬


‫البنية التحتية يالحظ أنها حاولت تجاوز‬
‫الخطوات الصعبة ‪ ،‬إذ لم تقتصر فقط على‬
‫الزيادة في عدد المحاكم و إنما واكبتها‬
‫بإحداث محاكم متخصصة ‪ ،‬إدارية‪،‬تجارية‪،‬أقسام‬
‫قضاء األسرة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا‬
‫التي زاوجت في إحداث المحاكم بين النوع و‬
‫الكم‪.‬‬

‫غير أن المالحظ هو أن الطريقة التي يتم بها‬


‫إحداث المحاكم و الزيادة في عددها‪ ،‬دون‬
‫إعداد البنايات التي ستحتضنها‪ ،‬يبرهن على‬
‫أن هناك قصور في تصور دور البناية و‬
‫هندستها و عالقته بالمردودية ‪ ،‬فحالة أمكن‬
‫العمل قد تكون وراء تعطيله‪ ،‬كما يساهم‬
‫شكلها أو عدم مالئمتها للعمل القضائي الذي‬
‫تحتاجه إلى هدوء النفس و راحة الفكر في ضعف‬
‫المردودية و اإلنتاج‪ .‬فال يكفي المنظر‬
‫الخارجي و إنما يتعين تقسيمها و تنظيمها‬
‫بشكل جيد ييسر أمر الولوج إليها فهندستها‬
‫تحدد بشكل كبير القدرة على تنظيم المصالح و‬
‫المكاتب و تباعدها أو تقاربها ‪ ،‬لذلك يجب ن‬
‫يراعى في البناية العديد من الشروط من‬
‫بينها التوفر على الولوجياتبالنسبة لألشخاص‬
‫المعاقين و الشيوخ و النساء الحوامل و بناء‬
‫مصاعد مريحة في حالة التوفر على طابق علوي‪،‬‬
‫و يتعين أيضا عدم الشبابيك في مكاتب‬
‫الموظفين لكونها أصبحت مصدر تباعد و‬
‫بالتالي عدم تحقيق الشفافية‪.‬‬

‫و يعد تحسين عملية اإلستقبال يشكل إحدى‬


‫الدعائم األساسية لبروز إدارة منفتحة في وجه‬
‫مرتفقيها‪ ،‬فعالقة المواطنين باإلدارة كانت و‬
‫الزالت محط عناية فقهية و قانونيىة كبيرة و‬
‫ذلك على مختلف األصعدة لكون أهم سمات اإلدارة‬
‫الحديثة هي العمل على تقريب اإلدارة من‬
‫المواطنين‪ ،‬فكلما تدرجت اإلدارة نحو عموم‬
‫المواطنين زادت قدرتها على معرفة متطلباتهم‬
‫و اإلستجابة لها‪ ،‬و تيسرت سبل تنفيذ‬
‫مقرراتها‪ ،‬و زادت إمكانات التأطير اإلداري‪،‬‬
‫و لعل أول مرحلة تربط بين اإلدارة و‬
‫المواطن‪ ،‬هي مرحلة اإلسنتقبال التي تمثل أهم‬
‫حلقات التواصل‪ ،‬فهذه المرحلة كافية ألخذ‬
‫فكرة عن اإلدارة تبقى مسجلة بذاكرته طيلة‬
‫فترات تعامله معها ‪ ،‬فالموطن ليس في حاجة‬
‫إلى خطابات ووعودو دراسات تقنية‪ ،‬بقدر ما‬
‫هو في حاجة إلى إدارة فعالة‪ ،‬شفافة‪ ،‬و‬
‫إنسانية قيل كل شيء‪.‬‬

‫و ما دمنا نتحدث عن تقريب اإلدارة من‬


‫المتقاضين فإن استعمال التكنولوجيا‬
‫المعلوماتية باإلدارة القضائية " معلوميات‬
‫التسيير القضائي" تعتبر الية جديدة لمعالجة‬
‫التسيير بالمحاكم‪ ،‬عن طريق تبسيط اإلجراءات‬
‫لتحسين سير العمل القضائي و محاولة التخفيف‬
‫من األعباء على كل العاملين و المرتفقين‬
‫داخل المحاكم‪ ،‬و ذلك كله من أجل الرفع من‬
‫جودة الخدمات المقدمة للمواطنين و تمكينهم‬
‫من الحصول على حقوقهم في أقرب االجال‪.‬‬

‫فإحداث محاكم رقمية سيساهم ل محالة في‬


‫توحيد العمل بين مختلف المحاكم األمر الذي‬
‫سيكون له تأثير إيجابي على اإلدارة القضائية‬
‫و المتقاضين و مساعدي القضاء‪ ،‬و لعل أهم‬
‫ميزة للمحكم الرقمية و التي تخص المواطن‬
‫بصفة مباشرة هو متابعة القضايا و ضبطها و‬
‫معرفة األطوار التي قطعتها القضايا‪.‬‬

‫إذن اإلدارة اإللكترونية بصفة عامة و المحكمة‬


‫الرقمية بصفة خاصة يساهم بشكل مباشر في دعم‬
‫شفافية عمل اإلدارة‪ ،‬و تطوير ما يعرف بمبدأ‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،‬و هذا ما سيمنح الموطن‬
‫سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا خدمة ذات‬
‫جودة عالية من حيث التكلفة و اآلجال و‬
‫القرب‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تبسيط المساطر القضائية‬


‫خدمة للمواطن‪.‬‬
‫يعتبر تحديث و إصالح اإلدارة القضائية أهم‬
‫المحاور الهامة التي شملت إصالح منظومة‬
‫العدالة‪ ،‬وذلك لكون إصالح اإلدارة القضائية‬
‫ورش قائم بذاته يتعين إنجازه بكامل‬
‫الفعالية‪.‬‬

‫وتبسيط المساطر القضائية لما لها من دور‬


‫فعال في تحديث و إصالح اإلدارة القضائية يشكل‬
‫خطوة هامة نحو إصالح العدالة وحعل المواطن‬
‫في قلب اإلصالح‪.‬‬

‫فنتيجة للملفات الضخمة والعدد الكبير لها‪،‬‬


‫فإن المحاكم المغربية تظطر للمعاناة من طول‬
‫المساطر وتعقيدها‪ ،‬وهذا ما يجعل المواطن‬
‫يفقد الثقة ‪ ،‬هذه األخيرة التي تشكل بؤرة‬
‫التواصل بين المواطن واإلدارة القضائية‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أن المواطن عند لجوئه إلى‬


‫القضاء غرضه الحصول على نتائج سريعة‪ ،‬وهذا‬
‫لن يتحقق إال في نطاق تبسيط المساطر وتحسين‬
‫مشارب العمل والتخفيف من حدة الشكليات‬
‫اإلدارية‪ .‬ولعل أهم المساطر التي تثير‬
‫العديد من اإلشكاليات التبليغ و التنفيذ لما‬
‫لها من تأثير على فعالية و جودة جذمات‬
‫العدالة مما يستوجب العمل على تبسيطها‪.‬‬

‫والتبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى‬


‫شخص معين على يد أعوان كتابة الضبط أو‬
‫األعوان القضائيين أو الطريقة اإلدارية أو عن‬
‫طريق البريد برسالة مضمونة مع اإلشعار‬
‫بالتوصل ( الفصل ‪ 37‬من ق م م )‪.‬‬

‫وتكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج‬


‫المبلغ بجهله لما تم تبليغه به حتى أن بعض‬
‫الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر‬
‫التشريع بالجريدة الرسمية‪.‬‬

‫ولعل السبب الرئيسي في بطء تصفية القضايا‬


‫أمام المحاكم يعود ألسباب منها مشاكل‬
‫التبليغ منها المتعلقة بشكليات التبليغ‪،‬‬
‫حيث أن المشرع لم يرتب جزاء على إغفال االسم‬
‫العائلي والشخصي بورقة التبليغ‪ ،‬أيضا من‬
‫االشكاالت التي تثار في مرحلة التبليغ الحالة‬
‫التي يمتنع فيها المتسلم إليه أو الشخص‬
‫الموجود بموطنه عن التسليم واإلدالء بهويته و‬
‫أن عدم ترتيب األثر القانوني على هذه‬
‫التبليغات يخدم مصلحة المتقاضين بسوء نية‬
‫الذين يسعون بشتى الوسائل إلى عرقلة‬
‫العدالة‪ .‬هذه بعض اإلشكاالت التي تثار في‬
‫مرحلة التبليغ‪.‬‬

‫أما عن مرحلة التنفيذ‪ ،‬فاإلشكاالت المطروحة‬


‫في هذه المرحلة تعيق السير الطبيعي‬
‫للمحاكم‪ ،‬فهو مشكل مطروح بشدة في الساحة‬
‫الوطنية لكونه يساهم في بطء وطول المساطر‬
‫مما يولد ضعف الثقة بين اإلدارة القضائية‬
‫والمواطن‪ .‬و من أهم اإلشكاالت التي تثار في‬
‫مرحلة التنفيذ الصعوبة القانونية حيث أصبحت‬
‫تثار أمام القضاء بصورة مستمرة ولو تعلق‬
‫األمر بأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل‪ ،‬إضافة‬
‫إلى المشاكل الميدانية التي يتسبب فيها‬
‫المحكوم عليه من خالل إعطاء أسماء وعناوين‬
‫وهمية في المقاالت‪ ،‬إضافة إلى األحكام‬
‫القاضية بالتعويض الصادرة في مواجهة شركات‬
‫التأمين فتنفيذ هذه األحكام يعد من أصعب صور‬
‫التنفيذ‪.‬‬
‫انطالقا من كل هذه اإلشكاالت كيف يمكن لإلدارة‬
‫القضائية التقليل منها حتى تكتمل الثقة بين‬
‫اإلدارة القضائية والمواطن؟‬

‫إن قانون المسطرة المدنية الصادر في بتاريخ‬


‫‪ 28/09/74‬قد حان الوقت لكي يتدخل المشرع من‬
‫أجل سد ثغراته‪ ،‬مع االستفادة من التشريعات‬
‫المقارنة الحديثة والقواعد التي رسخها‬
‫االجتهاد القضائي‪ ،‬ومن الثغرات التي تستدعي‬
‫تدخل المشرع إحداث نظام الغرامة المدنية‪،‬‬
‫كجزاء للقضاء على التحايل والغش أو اإلهمال‬
‫في التبليغ وكذلك التنفيذ على جميع األطراف‬
‫المدنية‪ ،‬وذلك لسد الطريق أمام المتقاضين‬
‫ذوي سوء النية الستغالل هذه الدعوى لعرقلة‬
‫البت في القضايا والتملص من تنفيذ األحكام‬
‫وكما يجب الرفع من مستوى المكلفين بالتبليغ‬
‫ماديا و معنويا و إحداث نظام محكم لمراقبة‬
‫عملهم تسند مهمته إلى أطر كتابة الضبط‪.‬‬

‫كما من األجدر أن يسمح المشرع في حالة العجز‬


‫عن التوقيع‪ ،‬بالتوقيع بالبصمة وأال تعاد‬
‫الشهادة إلى كتابة الضبط‪ ،‬والسند في ذلك هو‬
‫التقليل من حدة طول اإلجراءات التي عادة ما‬
‫تعزي تطبيق قواعد المسطرة‪ .‬و أيضا التعامل‬
‫مع مساطر تنفيذ األحكام والمقررات القضائية‬
‫بفعالية ونجاعة أكثرحتى تكون هناك ثقة بين‬
‫اإلدارة القضائية والمواطن‪.‬‬

You might also like