You are on page 1of 108

‫جيل الثقافية‬

‫جيل الثقافية‬
‫مجلة رقمية جامعة‬

‫مجلة رقمية جامعة‬


‫العدد األول ‪/‬‬ ‫ثقافية جامعة‬ ‫جيل‬
‫‪12/05/2020‬‬

‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫عن جيل‬

‫يهز عالمنا من‬


‫مجلة جيل الثقافية ‪ ،‬كمنصة تعنى بمختلف األشكال اإلبداعية ‪،‬في غمرة ما ّ‬
‫تغيّرات وتجاوزات ‪ ،‬وتركّز على األصوات الشبابية الواعدة ‪،‬واألقالم التي تكتب زمنها ‪،‬‬
‫تعكس النبض الحقيقي لجيل مشاكس ‪ ،‬تبدّل بالكامل ‪ ،‬يجدر أن نتيح له فرصة محاورة مراياه ‪،‬‬
‫طي العمر المثقل باألخطاء‬
‫نتكرر في أحالمه ‪ ،‬نحن الكبار ‪ ،‬وقد أوشكنا على ّ‬
‫هو ‪،‬حتّى ال ّ‬
‫واآلالم واآلمال‬

‫‪:‬المدير المسؤول وصاحب اإلمتياز‬

‫األديب المغربي احمد الشيخاوي‬

‫‪:‬للتواصل‬

‫‪Adragehh200@gmail.com‬‬

‫‪1‬‬
‫تعزية‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫في الثامن والعشرين من شهر مارس المنصرم ‪ ،‬غادرنا إلى دار البقاء ‪ ،‬والدنا العزيز‬
‫‪.‬المقاوم الشيخاوي محمد ‪ ،‬طيب اهلل ثراه وأسكنه فسيح جناته‬

‫أتوجه بالشكر إلى كل الصديقات و األصدقاء األعزاء ‪ ،‬من مختلف الربوع العربية ‪ ،‬الذين‬
‫شاطروني مرارة هذا المصاب أألليم ‪ ،‬وأخص بالذكر الزميل عبد العزيز الطوالي عضو تحرير‬
‫‪.‬مجلة عناقيد ‪ ،‬والذي تقدم بورقة التعزية هذه ‪ ،‬نيابة عن بقية أفراد آسرة عناقيد‬

‫‪ :‬إن القلب ليحزن ‪،‬وإن العين لتدمع ‪ ،‬ولن نقول إالّ ما يرضي ربنا الكريم‬

‫‪.‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‬

‫‪2‬‬
‫قواعدجيلالنشر في (جيل)‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ترحب المجلة بالكتابة الجادة والهادفة الحاملة في طياتها رسائل التوعية والتثقيف‪ ،‬وتستقبل‬
‫‪:‬المشاركات الثقافية تبعا لالعتبارات اآلتية‬

‫خص جيل بما يُنشر فيها ‪1‬‬


‫‪.‬ـ ـ ّ‬
‫‪.‬ـ ـ إرسال المواد بصيغة وورد مع ما يتطلبه الموضوع من صور يجب أن ترسل بشكل منفرد ‪2‬‬

‫‪ .‬ـ موعد النشر إنما يرتبط بأولويات المجلة وأسبقية المواد التي تتوصل بها ‪3‬‬

‫‪.‬ـ ـ المجلة غير معنية بتقدير مبررات في حالة رفض المادة‪4‬‬

‫‪.‬ـ ـ ـ ـ ـ تعبر المواد المنشورة عن أصحابها وليس بالضرورة عن آراء المشرفين على المجلة ‪5‬‬

‫‪3‬‬
‫‪:‬عناوين رئيسة‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫األدب واألوبئة‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫إبحار في مدونات السباعي القصيرة‬


‫ة‬

‫العيش الحافي‬

‫كنزة العاقل ‪ :‬المدرسة الروسية أثرت تجربتي الفنية‬

‫المـغـايِـر في منظور ميشال فوكو‬


‫المكان ُ‬

‫التشكيلية العصامية الراحلة الشعيبية طالل ضيفة (جيل الثقافية)‬

‫كتابة التاريخ المحلي وتدبير ندرة المصادر نموذج ( منطقة أوطاط الحاج)‬

‫مفاهيم مركزية في النظرية السوسيولوجية ل ـ بيير بورديو‬

‫‪4‬‬
‫‪ :‬المحتويات‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪ :‬االفتتاحية‬

‫إنسانية بال رصيد ‪ /‬احمد الشيخاوي‪08.............................................................................‬‬

‫‪:‬لمة‬
‫ّ‬
‫حرة‬

‫األدب واألوبئة‪ /‬عصمت شاهين‪10.................................................................................‬‬

‫أدب المهجر‪ /‬أنيس ميرو‪13..........................................................................................‬‬

‫رؤى‬

‫إبحار في مدونات السباعي القصيرة جدّا‪/‬عباس عجاج‪16.....................................................‬‬

‫االحتراق بين األلم واألمل‪/‬لحسن ملواني‪22.........................................................................‬‬

‫فضاءات‬

‫كنزة العاقل ‪ :‬المدرسة الروسية أثرت تجربتي الفنية‪/‬حوار احمد الشيخاوي‪.......................‬‬


‫‪28‬‬

‫سرد‬

‫مقهى بيكاسو‪/‬نور الدين التيجاني‪33............................................................................‬‬

‫العيش الحافي‪/‬محمد الملوكي‪36...................................................................................‬‬

‫شعر‬

‫‪5‬‬
‫الزجاج الدامي‪/‬سماح بني داود‪41.....................................................................................‬‬
‫ّ‬

‫صن طفولتِها فانكسر‪/‬عبد الجبار الجبوري‪............................................‬‬


‫كنت أتكئُ على غُ ِ‬
‫ُ‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫‪43‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ضالل‪/‬محمد العياشي‪44.....................................................................................................‬‬
‫ة‬
‫سيرة‪/‬مصطفى قلوشي‪48.................................................................................................‬‬

‫خاطرة‬

‫حدثني عن حبك للعناكب‪ /‬منال الهجرسي‪51.....................................................................‬‬

‫عالم الكتب‬

‫التنافس على بحر الصين الجنوبي‪ :‬مصالح أمريكا مقابل تأكيد الصين على السيادة‪52..............................‬‬

‫الفُصحى والعامية واإلبداع الشعبي‪/‬د‪.‬مصطفى عطية جمعة‪54...............................................................‬‬

‫كتاب يدرس مقامات أبي الحارث البرواني‪56..................................................................................‬‬

‫فكر وفلسفة‬

‫المـغـايِـر في منظور ميشال فوكو‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬سيدي محمَّد بن مالك‪58..............................‬‬


‫المكان ُ‬

‫واحة‬

‫مفاهيم مركزية في النظرية السوسيولوجية ل ـ بيير بورديو‪/‬مصطفى العثماني‪65.................‬‬

‫تراث‬

‫كتابة التاريخ المحلي وتدبير ندرة المصادر نموذج ( منطقة أوطاط الحاج)‪/‬د‪.‬الطيب بياض‪79..........‬‬

‫ألوان‬

‫التشكيلية العصامية الراحلة الشعيبية طالل ضيفة (جيل الثقافية)‪93.........................................‬‬

‫‪6‬‬
‫بقلم الرصاص‬

‫أقوال رئيس التحرير احمد الشيخاوي‪103..........................................................................‬‬


‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫‪7‬‬
‫إنسانية بال رصيد‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫احمد الشيخاوي‬

‫‪ "..‬قتلتنا النظافة "‬

‫هذا ما دأبت على قوله األوبئة والفيروسات ‪ ،‬عبر تعاقب األزمنة ‪ ،‬كونها ليس تعشش في‬
‫‪.‬سوى مستنقعات ظاهر كما سريرة الساللة التي تسيّد مثلب االتّجار في األشياء سائرها‬

‫جائحة كورونا التي تكتسح عالمنا ‪ ،‬في اآلونة األخيرة ‪ ،‬أيضا ‪ ،‬ما تلبث تدندن أو باألحرى ‪،‬‬
‫تهذي ‪ ،‬بذات لعبارة ‪ ،‬معرية زيف الحضارة اإلنسانية المنبنية على االضطهاد والعبودية‬
‫‪.‬والحروب سواء أكانت واقعية أم نفسية‬

‫جاءت كورونا ‪،‬ولم تأت من عدم ‪ ،‬ألنها ‪،‬دون شك ‪ ،‬من أخطر إفرازات الحرب الباردة ما‬
‫بين أمريكا والصين ‪ ،‬الناشبة منذ زمن طويل ‪ ،‬وهي حرب اقتصادية بدرجة أولى ‪ ،‬تتماشى‬
‫‪.‬وإيقاعاتها ‪،‬تبعية بقية الدول‬

‫ولد مثل هذا الخطأ البيولوجي ‪ ،‬تحكمه خلفية خسيسة ‪ ،‬تروم تغيير خارطة العالم اإلمبريالي‬
‫التوسعي ‪،‬الصهيو‪/‬أمريكي‪ ،‬صوب مزيد من آفاق المتاجرة في الطبيعة والكائن ‪ ،‬بال هوادة ‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬وبأريحية كبيرة ‪،‬مؤذنة بقيامة كبرى وانقراض وشيك‬

‫وتقر بها مجمل تعاليم‬


‫بفتح زاوية للطهارة بشقّيها الروحي ‪،‬قبل الجسدي ‪ ،‬والتي توصي ّ‬
‫الديانة اإلسالمية ‪ ،‬تتكشّف مالمح األزمة اإلنسانية العميقة التي يشهدها العالم ‪ ،‬في هذه األلفية‬
‫‪،‬إذا استثنينا النزر القليل من جوانب إضاءة أحاسيس وروح وهوية النوع‪ ،‬التي تتيحها الثقافة‬

‫‪8‬‬
‫المحرف كي يخدم مصالح سدنة‬
‫ّ‬ ‫بشكل عام ‪ ،‬أمكننا القول أن السياسة الدولية ‪ ،‬والدين‬
‫‪.‬التسلّط والمقامرة والقمع‪ ،‬يمثالن ألذ أعداء الحنيفية ونواميس الفطرة واالعتدال البشري‬
‫جيل‬
‫زاوية الطهارة ‪ ،‬هي خيار اإلنسانية ‪ ،‬بعد اآلن ‪ ،‬وفي كل حين ‪ ،‬وهي نواة إستراتيجية الخالص‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫اإلنساني ‪ ،‬وبذر فسائل النظارة والبراءة والمالئكية والنضارة والجمال ‪،‬في كل شبر من هذا‬
‫‪.‬الكوكب الذي ما فتئ يصطبغ باألخطاء والحماقات السياسية القاتلة‬

‫أبدي‪،‬يضمد أحاسيس الخيبة‬


‫ّ‬ ‫زاوية الطهارة ‪،‬ألنها ثمرة سماوية عادلة ‪ ،‬وقطوف فوقي النتشاء‬
‫‪ .‬واالنحطاط والعنصرية وشتّى مكابدات السلبية والنقصان والنكوص الوجداني‬

‫تشف عنه األوبة إلى جذور إنسانيتنا ‪ ،‬وإن بهواجس تصيّدها في‬
‫الطهارة وإن في أقل ما ّ‬
‫بضع فراديس السمو الوثني ‪ ،‬أو متاهات الطافي على الملمح الفانتازي في الديانات الوضعية‬
‫‪.‬المتآكلة والبعيدة‬

‫على هذا األساس ‪ ،‬ووفق هذه المنظومة من المفاهيم التي يجود بها مبدأ الطهارة الروحية‬
‫والجسدية ‪ ،‬يمكن رسم فضاءات ما بعد عبور وباء األلفية ‪ ،‬وقد حصد من األرواح ما جمع في‬
‫قلب واحد كامل الشعوب ‪ ،‬وسمى بمعنى التسربل بإحساس إنساني وحيد أوحد ‪ ،‬وقاد إلى‬
‫ثقافة فهم الرصيد ‪ ،‬من استعبادي أناني اقتصادي ‪ ،‬إلى توغل في الروح المغتربة المطفأة‬
‫يجسدها الضمير الحي والمشترك اإلنساني‬
‫‪.‬المنكسرة ‪ ،‬بغرض رعاية المتبقي من ذبالة ‪ّ ،‬‬

‫‪9‬‬
‫جيل‬
‫األ دب واأل وبئة‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫عصمت شاهين‬

‫‪.‬هناك فرق بين الماضي والحاضر كوعي واطالع *‬

‫‪ .‬رغم هذه الغربة الفكرية تثير األوبئة هلعاً َو َجالَ بين الناس واألدباء *‬

‫‪.‬الخراب والدمار والجهل والفساد والفقر والجوع أكثر فتكا من األوبئة *‬

‫انشغل العالم في بداية عام ‪2020‬م بوباء " كورونا " الذي كشف ضعف اإلنسان رغم تطور‬
‫العلمي الذي وصلت إليه الدول المختصة بالطب واألوبئة وكنا في دراستنا لم نعرف عن‬
‫األوبئة إال ما نقرأه في أزمنة غابرة في العصر اإلسالمي واألموي بشكل بسيط في حين اآلن‬
‫األديب الذي يعتبر لسان وفكر وصورة مجتمعه يحيا بغربة روحية ‪،‬واألدب بصورة عامة‬
‫يعيش في عزلة إنسانية اجتماعية أدبية وعدم التواصل الفعلي بين األدباء والجمهور إال ما‬
‫ندر ‪ ،‬وال شك هناك فرق بين الماضي والحاضر كوعي واطالع ورغم هذه الغربة الفكرية‬
‫تثير األوبئة هلعاً َو َجالً بين الناس واألدباء وهذه ليست حالة جديدة عموما ‪ ،‬فلو قرأنا رواية "‬
‫الطاعون " لألديب المبدع الفرنسي ألبير كامو ( ‪1913‬م ‪1960-‬م ) صدرت عام ‪ 1947‬م‬
‫وحصولها على جائزة نوبل في األدب تروي زمن الطاعون بمدينة وهران الجزائرية من خالل‬
‫شخصيتين عاملين في المجال الطبي ومع‬

‫‪10‬‬
‫تفشي فيروز كورونا في عام ‪ 2020‬م كانت الرواية األكثر انتشارا ومبيعاً في ايطاليا ‪،‬‬
‫ورواية " العمى " لألديب البرتغالي خوسيه ساراماغو ( ‪1922‬م – ‪ 2010‬م ) حائز على‬
‫جيل‬
‫نوبل لألدب تتحدث الرواية عن وباء غامض يصيب إحدى المدن وعن العمى الفكري‬ ‫جائزة‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫وعن األخالق البشرية والمبادئ اإلنسانية الهشة في زمن الوباء ‪ ،‬في كال الروايتين الحدث‬
‫المهم هو اإلنسان واإلنسانية وقد تتكرر تاريخيا ‪ ،‬فالوعي المجتمعي والفكر المتقد باألشياء‬
‫وإيقاظ الضمير حول أحداث أكثر شدة من األوبئة فالحروب العالمية والخراب والدمار‬
‫والمصالح الرأسمالية والجهل والفساد والفقر والجوع أكثر فتكا من األوبئة والهجرة المليونية‬
‫للشعب الكوردي عام ‪1991‬م وكأنه يوم القيامة ‪ ،‬وكوارث المجتمعات المختلفة ‪ ،‬فالروائي‬
‫والشاعر والمسرحي واإلعالم الهادف ميال إلى البحث عن المبادئ اإلنسانية في ظل وجود‬
‫األوبئة خاصة حينما تفشل الحكومة في السيطرة على الوباء وتفشل البشرية في محاصرته‬
‫والقضاء عليه كما حدث في طاعون أوربا ( ‪1347‬و ‪ ) 1352‬وتسببت في وفاة حوالي ثلث‬
‫سكان القارة وكان الروائيون السويديون والدانماركيون وغيرهم كرسوا جهدهم األدبي‬
‫في كشف الوباء وأثر اإلنسانية وكذلك إصدار كتاب " الموت األسود " للطبيب األلماني‬
‫يوستوس هيكر عام ‪ 1832‬م تزامنا مع انتشار وباء الكوليرا ‪ ،‬ورواية " الحب في زمن‬
‫الكوليرا " للروائي الكولمبي غابريل غارسيا ماركيز ( ‪1927‬م – ‪ 2014‬م ) في أوربا‪،‬‬
‫والشعر له دوره الكبير في صوره وأفكاره الشعرية وإن كانت نثرية حيث أصدر الشاعر‬
‫الفرنسي جان غرانفيل قصيدة ملحمية " الرجل األخير " عام ‪ 1805‬م وعلى مر التاريخ‬
‫اجتاحت األوبئة حضارات إنسانية وفي العصور الوسطى اإلسالمية في بالد الشام ومصر‬
‫والعراق وفلسطين في حاالت متكررة وقد أيقظ كورونا ذكريات مؤلمة حول األوبئة وتناول‬
‫األدباء قصصا وشعرا عن الفراق واأللم والخائفين من العدوى والمحاصرين بسبب الوباء ومن‬
‫أشهر القصائد قصيدة " الكوليرا " للشاعرة العراقية نازك المالئكة ( ‪ 1923‬م – ‪ 2007‬م )‬
‫والتي اعتبرت في حينها بداية الشعر الحر ‪ ،‬ورواية " ايبوال ‪ 76‬للطبيب السوداني أمير تاج‬
‫السر الصادرة عام ‪ 2012‬م‪ ،‬ومن األزمنة‬

‫‪11‬‬
‫الوبائية األدبية كتب الفقيه واألديب عمر المعري الكندي قصيدته عن الطاعون الذي‬
‫توفي بسبب الطاعون بعد يومين من كتابتها ‪ ،‬كل هذه األدبيات تتضمن ما يخفيه غموض‬
‫جيل‬
‫األوبئة‬
‫الوباء وكيفية تطورها وفتكها باإلنسان وتعتبر هذه األدبيات التي يطلق عليه " أدب الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫" الفضاء األوسع لتشكيل صورة األوبئة التي يتلقاها المتخيل باعتبارها حدثا زمنيا ولغة تتمكن‬
‫أن توصل الواقع بصورة يسيرة حيث باإلمكان تنوير منطقة الغموض ويمكن وضعها‬
‫ة‬
‫ودراستها في المناهج الدراسية لكافة المراحل بصورة مرحلية تسلسلية ‪ ،‬ومن اآلثار األدبية‬
‫كتبت‬
‫ُ‬ ‫إظهار الوباء وكيفية مكافحته مثلما نكتبه اآلن في القرن الواحد والعشرين فقد‬
‫قصيدة " الحب وكورونا " وقصيدة " صوتك يناديني " وقصيدة " شكرا " التي أشكر فيها‬
‫الكادر الطبي ورجال اإلطفاء والشرطة واألمن والطوارئ ورجال الخير الذي يعينون الناس‬
‫من الفقر والحاجة والحرمان في زمن وباء الكورونا والكشف عنه وتأثيره وتناولت األستاذة‬
‫كلستان المرعي من سوريا واألديب واإلعالمي أحمد لفتة علي من بغداد واألديب أنيس‬
‫ميرو من كوردستان العراق تحليال ورؤية فكرية واجتماعية وإنسانية في القصائد التي تعني‬
‫باألوبئة وجل ما يظهر إن األدب له دور مؤثر في الوعي والتدوين اللغوي والفكري‬
‫‪ .‬واإلنساني والتاريخي والتوضيح وإيجاد الحلول في األزمات اإلنسانية في كل حقبة ما‬

‫" مقطع من قصيدة " الحب وكورونا‬

‫رغم الحروب ‪ ،‬الخراب ‪ ،‬وهذيانا (‬

‫رغم الضياع والهجرة والتشرد‬

‫وحملنا الخيام فوق رؤوسنا‬

‫رغم صخب البحار وأشواك الحدود‬

‫والضرب على أجساد عريانا‬

‫رغم حرقة الدموع على خدود‬

‫يبست من غربة أوطانا‬

‫‪12‬‬
‫نعم حبيبتي ‪ ..‬أنت الحب‬

‫ومن غير الحب يقتل‬


‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫‪ ".‬كل داء حتى لو كان " كورونا‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫أدب المهجر‬

‫أنيس ميرو‬

‫‪ .‬دور األدب واألدباء لخدمة الشعب الكوردي *‬

‫‪ .‬عصمت شاهين والثقافة الكردية والتعريف بها *‬

‫‪ .‬ال ننسى دور القائد مسعود البارزاني وأبنائه البيشمركة *‬

‫من بين العوالم اإلنسانية التي تقرب البعيد وتتناغم مع الفكر والكلمة والجمال واإلبداع‬
‫ظاهرة البحث األدبي من خارج حدود الوطن ‪ ،‬وال شك إن دل على شيء فهو يدل على قوة‬
‫تأثير النص األدبي وشخصية األديب نفسه ‪ ،‬وهذا يميل بما قام به في الفترة األخيرة‬
‫اإلعالمي المصري ( صابر حجازي) ببحثه عن أديب كردي عراقي عصمت دوسكي الشاعر‬
‫والناقد ( عصمت شاهين الدوسكي ) في سلسة حواراته العربية العالمية بعد تأثيره المباشر‬
‫وغير المباشر على القراء واألدباء واألصدقاء ‪ ..‬وال يمكن لي أن أقيم نتاجه عامة بل أجد‬
‫الكثيرين من النقاد واإلعالم واألدباء يكتبون عنه ‪ ،‬لقاءات حوارية ومقاالت أدبية معه‬

‫‪13‬‬
‫ومنهم األديب واإلعالمي أحمد لفتة علي من بغداد والشاعر واإلعالمي خالد ديريك من‬
‫سوريا واألستاذ اإلعالمي سامر الشيخ من أربيل واألديبة المحامية نجاح هوفك من ألمانيا‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫واألستاذة هندة العكرمي من تونس واألديب صديق األيسري من المغرب واألستاذة‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫األكاديمية كلستان المرعي من سوريا وغيرهم ‪ ...‬وبعد صمت‬

‫بعد‬
‫ة‬
‫عميق من أبناء جلدته وهو يعيش بينهم ‪ ...‬تدل هذه المبادرة المصرية عن شيء ومن‬
‫آالف الكليلومترات‪ .‬إنما تدل على أن هذا األديب له متابعين و معجبين في مختلف دول‬
‫العالم‪ .‬وهذا بحد ذاته تألقا وإبداعا ورسالته تصل للعالم ‪ ..‬فليس من السهل أن تؤثر على‬
‫القارئ أو المتابع وأن تكون مصدرا مؤثرا ليس هينا أبدا ‪ ...‬فهذا يأتي من التجارب‬
‫الطويلة والخبرة األدبية واإلنسانية الطويلة في عالم الفكر واألدب والتواصل مع اآلخر بصورة‬
‫سليمة ‪ ..‬المتابعين من الدول العربية ومن الجاليات العربية في مختلف أنحاء العالم رغم كوننا‬
‫نمر بأزمة إنسانية كبيرة معقدة وغزو ( كورونا ) في مختلف دول العالم ولكن للمتميزين‬
‫أيضاً لهم جمهورهم من المتابعين والباحثين عن الجمال الفكري‪ ...‬دوماً أالحظ مبادرات‬
‫تطوعية من شخصيات أدبية ومعجبات ومعجبين لألديب المتميز بغزارة كتاباته المتنوعة من‬
‫المغرب وسوريا وتونس ومصر وليبيا والسويد وألمانيا وكندا وأمريكا وغيرها من مدن‬
‫العالم بتحويل قصائده لڤيديوهات جميلة ونشرها كعربون ( محبة وإعجاب ( ‪ ..‬ومنهم "‬
‫األستاذة السورية أمينة عفرين واألستاذ السوري أكرم عز واألستاذة المغربية وفاء أحمد‬
‫‪ .." .‬واألستاذة المغربية حنان مصطفى وغيرهم‬

‫وفي الفترة األخيرة حوار شامل لألديب والشاعر والقاص المصري صابر حجازي مع الشاعر‬
‫عصمت دوسكي عن الثقافة الكردية والتعريف بها وهذا دور مهم في هذه الفترة بالذات‬
‫لكي يعرف ويعلم ويتطلع عليها كل شعوب العالم الخارجي‪ .‬ال ننسى دور قائدنا الرئيس‬
‫مسعود البارزاني المحبوب لحضوره وأبنائه من الپيشمرگة األبطال في كوردستان العراق‬
‫وعلى طول وعرض جبهات القتال ضد أشرس عدو للبشرية ( تنظيم داعش اإلرهابي بداية‬
‫من مدينة الفداء كوباني ‪ ،‬سنجار ‪ ،‬بردي ) وتحرير معظم المحاور من هذا الوحش الذي‬

‫‪14‬‬
‫استجد في المناطق بصورة عامة‪ .‬فأنبهر العالم بالقائد والمجاهد الرئيس مسعود البارزاني‬
‫‪.‬وأبنائه المخلصين الپيشمرگة الشجعان‬
‫جيل‬
‫اآلن جاء دور األدب و األدباء وبقية الفنون اإلنسانية لمنح الذوق الرفيع تعريفاً مذهالً في‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫مجال الشعر واألدب بصورة عامةً وبالتالي مما يلزم من الجهات الثقافية المعنية بتشجيع األدباء‬
‫واالهتمام‬

‫بهم ومنحهم فرص عمل ومصدر للرزق الشريف وفتح مقرات لهم في غالبية المدن والتشجيع‬
‫في مجال النشر ومساهمة الدولة في تسهيل الطبع وتكفل نفقات النشر لمن ال اقتدار له ‪..‬‬
‫حيث هناك ( أدباء) لهم كم كبير من المخطوطات الجاهزة للطبع في مختلف االختصاصات‬
‫ولكن لتعذر اإلمكانيات والسيولة بدأت تتعفن هذه المخطوطات على الرفوف ولكن نرى‬
‫اهتمامات أخرى من قبل جهات عديدة تصرف على أمور دون المطلوب والتأثير ‪ ...‬اآلن جاء‬
‫دور األدب و األدباء لخدمة الشعب الكردي والثقافة الكوردية و تعريف العالم بها ‪...‬‬
‫وهذه المرة من خالل عصمت دوسكي أديب وشاعر له خصوصية في الفكر والجمال والتألق‬
‫واإلبداع اإلنساني الذي نحن بأمس الحاجة إليه ‪ ..‬ومؤثرا في الساحة األدبية والثقافية رغم‬
‫المعاناة التي يعيشها ‪ ...‬فهو يحمل هم بالده ومجتمعه ويجسد لسان شعبه من خالل القصائد التي‬
‫ويعرف العالم عن أصالة الشعوب ومنها الشعب‬
‫يتأثر اآلخرين بها دون تكلف ورتوش ‪ً ..‬‬
‫الكوردي الذي يناضل من اجل حقوقه المشروعة حق الوجود وحق الحياة وحق اإلنسانية ‪..‬‬
‫شكرا لمصر وهذا الحوار الثقافي والفكري مع األديب المصري صابر حجازي الذي يجسد‬
‫الواقع كيفما كان وهو شهادة للحاضر والمستقبل ‪ ..‬وأتوقع المزيد من هذه الحوارات‬
‫المهمة ما دام بيننا الشاعر عصمت دوسكي الذي يحمل نصوصا شعرية وفكرية لها دورها‬
‫‪ ..‬اإلنساني الشامل في التأثير على اآلخر بصورة إنسانية ايجابية أصيلة‬

‫‪ ..‬رابط الحوار‬

‫حديث العالم | صحيفة الكترونية شاملة‬


‫‪https://www.c4wr.com/%d8%b5%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d8%ad‬‬

‫‪15‬‬
%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d9%8a-%d9%8a%d8%ad
%d8%a7%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af
‫جيل‬
‫الثقافي‬ %d9%8a%d8%a8-
| [Sélectionnez la date]

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82/

‫ة‬

‫إبحار في مدونات السباعي القصيرة جدّا‬

‫عباس عجاج‬

16
‫حمل الكتاب عنوانا مميزا‪ ,‬خطف منذ الوهلة األولى انتباه القارئ نحو النص الموازي‪,‬‬
‫(مدونات أرملة جندي مجهول)‪ ,‬إصدار قصصي قصير جدا‪ ,‬صدر عن دار ميزوبوتاميا‬
‫جيل‬
‫الثقافية النشر و التوزيع‪ ,‬في بغداد ‪ ,2014‬و ضم بين طياته ‪ 93‬نصا‬
‫‪.‬للطباعة و‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪..‬السباعي مجربا‬

‫القاص الناصري‪ ,‬علي السباعي‪ ,‬اسم علم في انطولوجيا القصة العراقية‪ ,‬و السيما القصة‬
‫القصيرة‪ ,‬لما يتمتع به من أسلوب مميز في سرد حبكة النص القصصي‪ ,‬و جرأة اقتناص‬
‫الثيمةالحكائية التي تشغل فضاءات كتاباته‪ ,‬مؤثرا و متأثرا بالبيئة الثقافية التي واكب‬
‫‪.‬إحداثياتها على مدى سنوات متقلبة األحداث و الطوارق‬

‫و كغيره من أدباء زمانه الذين اتجهوا نحو التجريب في القصة القصيرة جدا في‬
‫سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي‪ ,‬حذا السباعي إلى ركوب موجة السرد األصعب – كما‬
‫يطلق عليه النقاد‪ , -‬مطلقا العنان لقريحته النثرية لتحاكي مرارة الواقع‪ ,‬و مجريات الزمان‪,‬‬
‫‪.‬بأسلوب أدبي‪ ,‬راصدا تارة‪ ,‬و ساخرا تارة أخرى‪ ,‬و محلقا في خيال السرد أحيانا‬

‫‪17‬‬
‫وقد جاءت ثمرة بوح التسعينات‪ ,‬و عبق األلفية الثالثة‪ ,‬هذه المدونات التي رصدتها امرأة‬
‫جندي مجهول كما يحمل عنوانها‪ ,‬و الذي بدوره يدفع العديد من االنتقادات األدبية التي‬
‫جيل‬
‫كان من المفترض أن نشير بها للنص لوال براعته برمي الكرة في ملعب السارد ( امرأة‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫الجندي المجهول)‪ ,‬بما رصدت في مدوناتها األربع ( مدونة الحرب – الحصار – الحب –‬
‫‪.‬التيه)‪ ,‬كما قسمها السباعي في العناوين الثانوية‬
‫ة‬

‫‪..‬إشكاليات القصة القصيرة جدا‬

‫لم تقف القصة القصيرة جدا – عالميا أو عربيا – على شكل محدد أو نمط كتابي واحد‪ ,‬أو‬
‫حجم مقيد بعدد الكلمات سوى ما تفرضه المفردة " جدا " من اختزال الكثير بالقليل‪ ,‬متكأة‬
‫على أهم خواصها الفنية ( التكثيف)‪ ,‬و قد جاء في القص العالمي تعددا في أشكال السرد‬
‫القصصي القصير جدا – كما ورد في كتاب مقاربات نقدية في إشكاليات القصة القصيرة‬
‫و له ما يقابله عربيا ما أطلقنا عليه (الشكل ‪ (Mini saga) ,‬جدا‪ ,‬مفصال ‪ ,-‬ومن تلك األشكال‬
‫القصصي المكثف جدا)‪ ,‬و هو ذلك الشكل الممتد من ‪ 6‬كلمات إلى بضعة أسطر‪ ,‬وهذا‬
‫الشكل يعتمد بشكل كبير على المفارقة‪ ,‬ورمزية المفردة‪ ,‬إذ يختصر الجملة بالكلمة‪ ,‬والكلمة‬
‫‪:‬باإلشارة‪ ,‬كما ورد في نص‬

‫خرساء"‬

‫شابة حلوة خرساء‪ ,‬تقدم لخطبتها شاب أخرس‪ ,‬رفضت االقتران به‪ ,‬مخافة أن يبكي طفلهما و‬
‫"هما نائمان‬

‫‪18‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫فهذا الشكل يتعامل مع النص بحذر شديد‪ ,‬متحاشيا إدراج أي مفردة ال تقتضي الحاجة إليها‬
‫في سبك حبكة النص‪ ,‬فيكون بناء النص مرتكزا على األقل الممكن من السرد‪ ,‬و الذي ال‬
‫مسمى قصةالـ(درابل)( يتجاوز بضعة أسطر معدودة‪ ,‬و يندرج تحت هذا الشكل ما يطلق عليه‬
‫و هي القصص التي ال تتجاوز ال ‪ 100‬كلمة‪ ,‬و التي تم تحديدها الحقا ب ‪(Drabble) ),‬‬
‫‪ 55‬كلمة كحد أعلى كما تشترطه المسابقات المعنية في هذا الشكل من القص‪ ,‬كما ظهرت‬
‫(القصة‬

‫التويترية)‪ ,‬و هي المحكومة بما تفرضه المساحة المخصصة للكتابة في موقع التواصل‬
‫االجتماعي (تويتر)‪ ,‬و المحددة ب ‪ 140‬كلمة‪ ,‬و التي تم تمديدها الحقا لتصل إلى ‪280‬‬
‫كلمة‪ ,‬وتلك األشكال يقابلها في الكتابة العربية ما يمكن وصفه بالقصة القصيرة جدا‬
‫المتوسطة و التي تبلغ عدد ( ‪ )65 – 50‬كلمة‪ ,‬و كذلك القصة المئوية‪ ,‬و التي تدور في‬
‫‪.‬رحى المائة كلمة زائدا أو ناقصا بقليل‬

‫و قد خاضت تجربة مدونات السباعي تلك األشكال الثالثة‪ ,‬بما تفرضه حاجة النص من‬
‫االقتضاب أو التمديد‪ ,‬و ذلك بتعدد أنماط الكتابة التي احتوتها بصفاتها المتعددة الحوارية‬
‫‪.‬منها و المباشرة و التقريرية السردية‬

‫‪19‬‬
‫‪..‬التبئير‬

‫يدور فلك النص السردي في مدونات امرأة جندي مجهول في عالم من المعايشات‬
‫جيل‬
‫الحياتية‪ ,‬اليومية‪ ,‬على أصعدة أقسام المدونات األربع (الحرب‪,‬الحصار‪ ,‬الحب‪,‬التيه)‪ ,‬و هي‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫تعكس رصد مشاهد الحياة في المجتمع العراقي على وجه التحديد في ظل المتغيرات التي‬
‫على‬
‫ة‬
‫يعيشها المواطن‪ ,‬و التي رصدها القاص من خالل البيئة التي عايشها عن قرب‪ ,‬و اطلع‬
‫حيثياتها‪ ,‬فالتقطها الخيال السردي ليسطرها بصورة حكائية‪ ,‬تعتمد على المهارة الكتابية التي‬
‫تتيح للكاتب أن يمارس طقوس تحويلها من أحداث عابرة إلى رواسخ نثرية ساخرة تارة‪ ,‬و‬
‫‪.‬مؤرشفة للواقع تارة أخرى‬

‫فها نحن نجد الراوي يمثل الشخصية الرئيسة في النص لينقل ما يقابله من أحداث‪ ,‬كما في‬
‫‪:‬النص‬

‫دهاء‬

‫‪...‬آنذاك‬

‫كنت في حرب الشمال انضباط آمر اللواء‪ ,‬داء لزيارتنا " عبد السالم عارف"‪ ...‬طلب منه آمر‬
‫لوائنا أن يوفر لنا دعما‪ ,‬كان البرد قارسا على جبل كورك‪ ,‬و الجنود جياع‪ ,‬و مالبسهم‬
‫‪:‬بالية‪ ...‬قاطعه رئيس الجمهورية‪ ,‬بحدة‬

‫اسمع‪ ,‬الحرب دائرة بين ال "كاكا"‪ ..‬و ‪ ..‬ال " جا اشلون"‪ ,‬أنت بعيد عنها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪.‬ابق حيث أنت‪ ...‬و دعهم يتقاتلون‬

‫الراوي يعرف ما تعرفه الشّخصيّة‪ ,‬فيقدم الشّخصيّة كما يراها‬


‫أما في نص (حياء)‪ ,‬فنجد أن ّ‬
‫اخلي‪ ,‬إذ يصور طبيعة فئة من المجتمع كما يراها من خالل موقف‬
‫مع الوصول إلى عمقها الدّ ِّ‬
‫‪:‬الجدة المبني على الفطرة‪ ,‬في زمن ما‬

‫حياء"‬

‫‪".‬كانت جدتي رحمها اهلل عندما يظهر المذيع في التلفاز تتحجب بعباءتها‬

‫‪20‬‬
‫‪..‬التبئير المسبق‬

‫تعتمد العديد من نصوص السباعي على ضمير المتكلم إذ يطرح السارد معلوماته باعتباره‬
‫جيل‬
‫شخصية شاهدة على األحداث أو مشاركة في صنعها‪ ،‬و في ذلك ينقلنا من الخيال السردي‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫إلى النص الخبري‪ ,‬فينقل لنا خبرا بأسلوبه القصصي كشاهد حاضر‪ ,‬أو باعتبار األنا هي‬
‫الشخصية الرئيسة في النص‪ ,‬واألمثلة التي تناولتها المدونات على هذا األنموذج عديدة‪ ,‬و‬
‫‪:‬منها النص‬

‫جنوبية"‬

‫‪,‬أتسكع تسكعا معرفيا في أحد شوارع الناصرية‬

‫‪,‬الناصرية التي هي أشد خرابا من واسط القديمة‬

‫‪".‬واجهتني شابة متعبة‪ ...‬تستجدي المارة بكفين مقطوعتين‬

‫التجريب في قصص السباعي القصيرة جدا‬

‫إن مرحلة التجريب ألي أديب ال ينبغي القياس عليها‪ ,‬فكما أن القصص القصيرة جدا التي‬
‫كتبت في مراحل متقدمة لظهور هذا اللون القصصي قد طالها الكثير من التجديد‪ ,‬و تباين‬
‫الرؤى حولها‪ ,‬و اختالف النقاد في تقييمها‪ ,‬و دراستها‪ ,‬و تعد مرحلة انطالق للخوض في‬
‫معالم فن حداثوي يحاول الجميع أن يضع بصماته التي تعزز من مستقبل هذا الفن و تجذب‬
‫‪.‬المتلقي لتقبله وفق ما يرسمه الكاتب أو القاص أو الفنان من استحداث في هذا الشأن‬

‫‪21‬‬
‫و من المالحظ في هذه المجموعة التي بين أيدينا أن القاص هنا قد ارتكزت بعض‬
‫النصوص التي كتبها على الصيغة الخبرية‪ ,‬و بم أن الخبر يتمثلفي (حدث) وقع في (زمن)‬
‫جيل‬
‫و(مكان) محددين‪،‬ونجم عنه (تأثيرات) قد تكون (سلبية) أو(إيجابية) بفعل فاعل‪ ،‬فالقاص‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫غير معني بنقل الخبر كما يصوره الحدث حرفيا‪ ,‬فمبدأ صياغة الخبر يختلف عن مفهوم البناء‬
‫القصصي‪ ,‬و للبناء القصصي مهاراته الفنية التي تنقل القارئ عبر التشويق إلى التأزيم ثم‬
‫ة‬
‫االنفراج من خالل لقطة إدهاشية أو مفارقة فنية‪ ,‬يسيرها القاص بمخيلته ليصنع لها األحداث‪,‬‬
‫فهو غير ملزم بنقل الحدث‬

‫كما حصل تماما‪ ,‬و لديه من المساحة الواسعة الستثمار األساليب األدبية غير التقليدية في‬
‫‪.‬صياغة النص‪ ,‬كما في أسلوب االسترجاع‪ ,‬واالستدراك‪ ,‬و النهايات المفتوحة‬

‫و لعل من أبرز ما افتقدناه في نصوص (المدونات) هو تلك العالقة التي ينبغي تواجدها‬
‫في فن القصة القصيرة جدا‪ ,‬من ثنائية المعنى والتي ينبغي أن تكون حاضرة بين ما يعرضه‬
‫القاص‪ ,‬و ما يستنتجه القارئ‪ ,‬و الذي يجعل أفق التأويل مفتوحا الستخراج مكنون الرمز‪ ,‬و‬
‫‪.‬شعرية اللغة‪ ,‬لكي تكون متعة القراءة حاضرة‬

‫متابعتنا لما يسطره القاص علي السباعي من قصص قصيرة جدا أثبتت أن تلك التجربة في‬
‫مجموعته البكر (مدونات أرملة جندي مجهول)‪ ,‬قد آتت ثمارها من النضج ‪ ,‬و اإلدراك لتطور‬
‫‪.‬هذا اللون القصصي‪ ,‬و أن مكنون الخيال لدى أديبنا مازال مشبعا باالبتكار و التجديد‬

‫االحتراق بين األلم واألمل‬

‫‪22‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫قراءة أولية في "سيمفونية االحتراق" إلدريس الجرماطي‬

‫توصيف في المجموعة‬

‫تألفت المجموعة القصصية من ‪ 122‬صفحة من الحجم المتوسط تتوزعها أربعة وثالثون قصة‬
‫هي‪ :‬انشطار‪ ،‬سحابة قاتمة‪،‬سمفونية االحتراق ‪ ،‬ليل العنب ‪،‬سفر في جريدة ‪ ،‬مدائن الخبز‪،‬جناح‬
‫غراب‪،‬عرق عرق ‪ ،‬عنوة يطير ‪ ،‬المنسي‪ ،‬الفراشة الجائعة‪ ،‬الربيع القمري‪،‬عطش الطيور‪،‬بستان‬
‫الفراش ة ‪ ،‬ح بيس ال ترتيب ‪ ،‬وه ل يكفي الجس د ‪ ،‬نظ رة أعمى ‪ ،‬ي وم يحكي عن البح ر‪،‬أوراق‬
‫واحتراق ‪،‬تشابه ‪ ،‬حواشي الفراغ‪ ،‬أبجدية الواقع ‪ ،‬حقيقة المختفية ‪،‬المغارة ن قصة حلم ربيعي‬
‫‪ ،‬نقط ة حم راء ‪ ،‬تب ا للص مت ‪ ،‬ص رخة بل ون األعم اق‪،‬الخج ول المف ترس ج دار الص مت ‪،‬أل وان‬
‫العذاب ‪،‬ضوابط حياتية‪.‬‬

‫عالوة على تصدير للكاتب وهو ذات الخطاب المثبت على الغالف األخير للمجموعة ‪.‬‬

‫غالف المجموعة أنيق تتوسطه لوحة تحاول ترجمة عنوانه المحيل على االحتراق ‪ ،‬فاللوحة تجسد‬
‫شعلة نار جاءت على شكل حرف موسيقي بألوان دقيقة التدرج على خلفية سوداء‪.‬‬

‫سرد االحتراق في المجموعة‬

‫في تصديره للكتاب يقول الكاتب"فقط لكي تكون حرا في مواجهة كتابة الكلمات ال تسكن‬
‫نصوصك بلدا ‪ ،‬ال تكن أيضا منتسبا ألية وجهة تجعل لك إطارا في قضيتك ‪،‬كن كما لو أنك‬
‫وحيد‬

‫في الكون ‪ ،‬أطلق عنان فرسان خيالك حتما ستجد بساطا في األفق يحتضن أفكارك ويمددها‬
‫إليك‪"...‬ص‪3‬‬

‫‪23‬‬
‫تصدير يحيل على كون كتابته تتجاوز المحلي لتعانق الكوني ‪،‬األمر الذي يجعلك في ميثاق‬
‫أولي مع ه للس ياحة في ع والم مس روده بم ا يحمل ه من أحالم وآالم الشخص يات المنتظ ر إدارته ا‬
‫جيل‬
‫"هذا‬ ‫لألحداث التي ستنخرط فيها بشكل أو بآخر‪ .‬وهذا ما يحيل عليه قوله في محور عنونه ب‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫الكتاب" والذي ال نرى مسوغا له مادامت الكتابة كتابة إبداعية بالدرجة األولى حيث يقول‬
‫ب أن الق راء س يختلفون بص دد نصوص ه" ‪،‬ك ل بمعن اه‪،‬مس تقال‪،‬مش تركا‪،‬أو متن افرا بعدة بوص الت‬
‫ة‬
‫اتجاهي ة‪،‬تمس ك بالق ارئ وترح ل ب ه إلى األوط ان الس اكنة في ه على أنه ا وطن وحي د‬
‫وواحد‪،‬الكتابة وطن جميل‪ "...‬ص‪.11‬‬

‫شخصيات تحترق بين الحلم واأللم‬

‫الق ارئ للمجموع ة يس افر ع بر س رديات متش نجة تتج اوز التط ور الخطي للح دث لتقحم ك في‬
‫اإلقبال واإلدب ار بين التتبع الملم وس والتي ه المستدعي إلعادة التفك ير في الوقائع والمآالت‬
‫في الحاضر والماضي والمستقبل مما يجعلك منخرطا في االحتراقات التي تواجهها الشخصيات‬
‫وهي تح اول أن ترس م وجوده ا اآلمن في فض اءات وأزمن ة ال ت رحم وال تش فق على المت ألم‬
‫المشتكي المستغيث‪.‬‬

‫فالقصص الواردة في المجموعة تهيمن عليها نظرة سوداوية إزاء الواقع الذي يظهر أنه لم‬
‫ينصفها مما جعلها تسقط في التهميش واإلهمال مما يجعلها ترضخ للعيش في مستنقع المعاناة مم ا‬
‫يجعلها شيئا فشيئا تتطبع على الوضع وتستسلم لمتاعبه دون إرغام وال إكراه‪ ،‬يقول الكاتب في‬
‫قصة "انشطار ص‪"14‬ربما لم يجد تناغما في تركيب مجريات ذات تتقاذفها ظروف الزمن‬

‫‪24‬‬
‫بدون أجوبة صريحة منها‪،‬وقابلية اإلنسان لما فيه من بقاء‪،‬دليل على استسالمه السهل لكل ما‬
‫يمكن أن يكون عبئا عليه‪،‬وتبقى السيطرة لديه دون قبضة وال مقود‪،‬مما يسبب للبشرية في‬
‫جيل‬
‫الكلي دون المقاومة أحيانا‪،‬وهو المشرد الذي ال يهمه البقاء من عدمه‪،‬يبقى الجسد‬ ‫االنهيار‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫في ه أيض ا ق ابال للتش ويه‪،‬واحتم ال الوص ول إلى نتيج ة ناجح ة في االس تمرارية بفرض ية مس اعدة‬
‫نصفه األيمن‪".‬‬

‫وق ارئ هات ه القص ة س يجد ه ذا البحث والتفك ير المض ني القائ د إلى الص راع المري ر م ع‬
‫إكراهات الواقع المتناسلة في قصص المجموعة برمتها‪،‬فال نجد فيها قصة ترسم الفرحة وتجعل‬
‫البطل ينجح بعد صراعه المرير من أجل إخضاع الظروف لصالحه‪ ،‬يقول في قصة "سحابة قاتمة‬
‫"ص ‪"17‬أخ يرا جلس "جمع ة" ليس تريح في تل ك الص حاري المستوحش ة‪،‬نخي ل ك ادت جذوع ه‬
‫تتآك ل بفعل ال دخان ال ذي يرس م خرائ ط الفن اء في األه واء‪،‬أنين محتمل ك ل حين‪،‬تل ك ص ورة‬
‫يمكن تخييله ا دون الق درة على تص ويرها على فص ول األوراق‪،‬الع دو م اكر وال يمكن ه ت رك‬
‫مالمح الجريمة على بساط التاريخ ‪ ،‬الرجل أخيرا يرى نفسه منهك القوى متوتر الخلجات إذ ال‬
‫يقوى على فعل أي شيء غير االسترخاء‪،‬وترك الذات للعبة المصير‪،‬حيث يمكن لإلغماء أخيرا‬
‫أن يأخذ نفس ه على حس اب الجس د المترهل‪، "...‬بط ل انسدت من ابع اليس ر والف رح أمام ه فص ار‬
‫متوترا عارفا بصعوبة إصالح ما يروم إصالحه كي تواءم مع ما يريد تحقيقه في مجتمع ال يرحم‬
‫من ويالت الواقع التي سببها غياب اإلنسانية بمبادئها الملطفة لما يعتري واقعنا من عقبات‬
‫ومصاعب‪.‬‬

‫عالم الجرائم بال حدود‬

‫في نص وص من نص وص المجموع ة نج د اطِّراد الج رائم والتحقيق ات المفض ية إلى م ا يزي د‬


‫البريء مرارة ليتضاعف الظلم عليه ليقع موقع العذاب والعنف ‪ .‬يقول في قصة جرح الصوت‬
‫ص‪": 21‬وجود رقعة دم صغيرة كان كافيا لطرح ألف سؤال‪،‬على وقع األسئلة تختفي الفتاة‬
‫القاصرة البريئة عن األنظار‪ ،‬انتظارها كلف األسرة عيشا في المتاهة والحيرة ونفس السؤال‬
‫(‪ ")...‬وفي الضفة األخرى من الشارع العام يقف جندي بزي رسمي‪،‬يقرر أن يطلق الرصاصة‬

‫‪25‬‬
‫ألنه لم يتقاض أجرته السنوية‪،‬تخرج الرصاصة‪،‬تختلط األصوات‪،‬في جرائد اليوم الموالي سمع‬
‫في المكان عدة ضحايا‪،‬وعلى وقع خطى الضباط تستفيق القرية على اعتقال الجميع‪...‬‬
‫جيل‬
‫وفي قص ة (س يمفونية االح تراق) يق ول"عن دما فك ر الش يطان في الح ل طم ه الخ وف‪،‬من س لطة‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫االنتهازية والحرب الكالمية‪،‬التي قتلت العديد من البشر‪،‬وجعلتهم خائفين من الظل المرسوم‬


‫ددت‬
‫ة‬
‫على ت رابهم الميت‪،‬وجعل وا أيض ا خن ادق الم وت ألنفس هم‪،‬بإط ارات جغرافي ة ‪،‬ح‬
‫أرزاقهم‪،‬وم دتهم ب أوراق غ ير مفهوم ة‪،‬كم ا س نفهم بع د ف وات األوان أن الع الم أكذوب ة‬
‫رسمية‪،‬ورسائل مائية بال عليها الشيطان" ص ‪.23‬‬

‫وألنني أعرف الكاتب موظفا بالمحكمة فإن أحداث اإلجرام واالتهام لها وقْعها وأثرها في جل‬
‫قصصه ‪ ،‬على أنه يبدو أنه تعاطى لألحداث في جانبها المظلم الذي ال ينصف الضحايا‪.‬‬

‫يق ول في قص ة (جن اح غ راب) ص‪" 37‬وتنس اب من جس ده الق ديم ‪،‬مبتع دة ترس م طيران ا‬
‫آخ ر‪،‬بعي دا عن وجه ة طائره ا الم اكر ال ذكي‪،‬ال ذي تعلم مس ح أث ار الجريم ة ‪ ،‬تعلم أن جريم ة‬
‫الض رب والج رح المفض ي الى الم وت دون ني ة إحداث ه‪،‬لن يعاقب ه عنه ا ض ميره الص غير‪،‬ولن‬
‫يمسح تلك المعالم السوداء‪،‬إال التراب األسود بفعل القتل والجريمة والحزن‪،‬آالم صنعها الفرد‬
‫ضد اآلخر‪،‬أو ضد اآلخرين‪،‬لكن األصعب أن يرتكبها ضد نفسه‪ "...‬فألفاظ مثل أثر‪ ،‬الجريمة‬
‫‪،‬مسح‪،‬يعاقب ‪ ،‬نية إحداثه‪،‬القتل‪ ،‬الجريمة‪،‬يرتكب‪...‬ألفاظ تجد لها ورودا كثيفا في المجموعة‪.‬‬

‫يق ول في قص ة(عن وة يط ير)‪" 41‬غ ير أنهم تحت وط أة الخ وف والقم ع والتهدي د النفس ي‬
‫منتظ رين ه روب الط ائر الخ رافي عن أفئ دتهم الش مطاء يغيب الغ روب وس ط الغ روب‪،‬يمس ح‬
‫األس ير غب ار قدمي ه بمنديل ه الص غير وينفض ه على الحائ ط لكي تختل ط أل وان تربت ه بأفك اره‬
‫البعيدة كليا عن أفكار السجناء في بلدان أخرى‪،‬سجنه هو‪"...‬‬

‫فالمجموعة من هذا الجانب مجموعة قصصية تسبح بالقارئ في عالم الجرم بال نصرة وال إنصاف‬
‫مما يحيل على نظرة الكاتب السوداوية للعالم ‪،‬فهو بصورة ما يحاول أن يضع اليد على أمور ال‬
‫يرى لها مسوغا في عالم يجب أن تسوده اإلنسانية بكل معانيها وفي مقدمتها العدل واإلنصاف‬
‫والمواسة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫أسفار نحو تحقيق الحلم‬

‫أم ام ه ذه األوض اع المتردي ة والعص يبة ال تي تبتل ع اإلنس ان وتجع ل من ه إنس انا يك ره وج وده‬
‫جيل‬
‫يهرب شخصياته المعطوبة نحو جزر تتحقق فيها أحالمها ‪،‬وهو بهذا‬
‫الجريح ‪،‬يحاول الكاتب أن ِّ‬ ‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫يحق ق بعض ا من أه داف اإلب داع ويتمث ل ذل ك في وص ف واق ع رديء م ع رس م واق ع ب ديل‬
‫مرتجى‪ .‬ففي قصة (سفر في جريدة) ‪" 31‬لم يكن الفتى يتيما لم يكن أيضا هاربا من القرية‬
‫بحث ا عن جن ان المدين ة فاألس رة الوحي دة ال تي تحض ن طفولت ه بحث ا عن جن ان المدين ة‪،‬األس رة‬
‫الوحي دة ال تي تحض ن طفولت ه يع رف مكانه ا ‪ ،‬ال يري د أن يع رف عن ه أه ل مدينت ه القديم ة‬
‫ش يئا‪،‬الطف ل يبحث عن الحقيق ة الوحي دة‪،‬حقيق ة ض ائعة يبحث عنه ا الجمي ع في احتش ام‪،‬تل ك‬
‫الكينونة التي ترسم فينا عقدا نفسية" ويقول " يطوف بالمدينة يبحث عن كنه اإلنسان السيدة‬
‫المرض عة توق ظ الرج ل بع د وص ول القط ار محطت ه األخ يرة‪"،‬حم ودة" ينظ ر إلى الناف ذة ي رى‬
‫أطفاال يمزقون أوراقا بالية قديمة‪،‬فكر بأن يترك الجريدة في مكانها القديم‪ ، 32 "...‬وفي‬
‫قص ة (ع رق‪...‬ع رق) يق ول" أمس ح ع رق الرهب ان‪،‬ع رق األب راج وال ديار‪،‬أرفض الع الم بم ا من‬
‫مع الم‪،‬أص نع األم راء من الجبص والحليب‪،‬وأخض ب على األي دي ش دق حن اء‪،‬ليث ني ال أرى‬
‫التراب‪،‬ال أريد السماء‪،‬أريد من األرض وردة‪،‬في السماء نجمة بال‬

‫مخلوق ات‪،‬ه ذا الخي ط يش به وج ه متس كع في الطرق ات‪،‬ينتظ ر متس ولة تم ر على جنب ات واد بال‬
‫حواجز‪،‬ليأخذ منها جواز السفر ويلقيه في البحر‪،‬من يقلد من؟‪...‬ص ‪40‬‬

‫فالك اتب على ألس نة أبط ال قصص ه وفي في البحث عن الب دائل ال تي تكف ل تحقي ق الحلم‬
‫باسترداد الحق في الكرامة والعيش بعيدا عن المنغصات المكدرة للسعادة والسكينة‪ .‬يقول‬
‫في قص ة ( أل وان الع ذاب) ص ‪" 94‬أحالم بال عن وان ‪ ،‬س فن ال تب الي بس ماع ص وت ص رخات‬
‫المغرقين ‪،‬سفراء الخيال يلغون أسفارهم عنوة‪،‬أوطان الحلم مسيجة ‪ ،‬والفضاء أصبح مساحة ضيقة‬
‫أفكارهم ال مكان لها‪"...‬‬

‫والكاتب من هذا المنطلق متعاطف مع المهمشين المنسيين األحياء منهم األموات يقول في‬
‫قصة (المنسي)ص ‪" 43‬من يرسم صور الوجه القديمة‪ ،‬من يحمل الزهر إلى قبر جندي مجه ول‬

‫‪27‬‬
‫كتب على قبره على أنه غير معروف ومن يؤدي للذئاب تحية قهر األرواح المقهورة وأنقد‬
‫الغ رقى دون أن يع رف أن ه في محاول ة انتح ار جميل ة‪ ،‬من يغ ير في النهاي ة قراراتن ا األبدي ة‬
‫جيل‬
‫الثقافيسوء‬
‫ليجعلها مواقف ذات ‪ ،‬وهي من أدوات تفكيره ليتخلص من تراكماته وزالته الناتجة عن‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫تدبير موقعه كإنسان يستنكر بناء ذاته‪ ".‬بقدرما ينتصر لهؤالء يؤنب بطريقة مباشرة أو غير‬
‫مباش رة من ك ان الس بب في تعاس تهم وجعلهم يفق دون أدنى حق وقهم م ع االع تراف‬
‫ة‬
‫باستحقاقاتهم لصالح اإلنسانية‪.‬‬

‫نظرة عامة‬

‫المجموعة مفعمة بالمنغصات الحياتية وباألحالم الممتدة نحو التحقق لتواجه العقبات والسدود‬
‫المنيعة ليصاب أهلها باإلحباط القاتل ليعيشوا في احتراقات يتوقون إلى الخالص منها‪.‬‬

‫وقد كتبت بأسلوب يكتنفه غموض يستدعي القراءة المضاعفة للفقرة الواحدة قصد القبض‬
‫على كن ه بعض عباراته ا المراوغ ة وال تي ال تهب ك الم دلول إال بع د ب ذل المجه ود والتفك ير‬
‫العمي ق‪ .‬وأس لوب الك اتب في ه ذا الج انب فري د تج ده في مختل ف مؤلفات ه الس ردية قصص ا‬
‫وروايات‪.‬‬

‫ــــــــــــــ‬

‫الهامش ‪ :‬سسمفونية االحتراق مجموعة قصصية ‪ ،‬تأليف إدريس الجرماطي‪،‬طباعة سليكي‬


‫أخوين ـ طنجة ‪،‬الطبعة األولى أكتوبر‪2019‬م‬

‫‪28‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫كنزة العاقل ‪ :‬المدرسة الروسية أثرت تجربتي الفنية‬

‫تطورا وتسارعا و‬
‫منذ نشأتها وإلى حدّ اآلن‪ ،‬شهدت وتشهد الحركة التشكيلية في المغرب ّ‬
‫وثيرة تصاعدية‪،‬كونها‪،‬من خالل مبدعيها‪،‬أي هذه الحركة الالفتة‪ ،‬دأبت على البحث في‬
‫مقومات معرفية وجمالية إلبراز مالمح الهوية العربية إجماال‪ ،‬ولم تزل كذلك‪،‬‬
‫إمكانات امتالك ّ‬
‫والمهتمين بالميدان الفني على مختلف عتباته ومتونه وأذواقه‪ ،‬عالوة على‬
‫ّ‬ ‫حسب النقاد‬
‫حيازتها لخصيصة االنفتاح على تجريبية واعية أكسبت المنتج التشكيلي ‪،‬بشكل عام‪،‬روح‬
‫المواكبة والتنافسية على المستويين العربي والدولي‪.‬‬
‫النوعين جنبا إلى‬
‫ْ‬ ‫متنوع األضرب والمعادالت ‪،‬توقّعه مختلف األعمار وبريشة‬
‫هو مشهد ّ‬
‫جنب‪،‬وقد أسهمت في رسم ديباجته العديد من األسماء والحساسيات‪،‬بوعي جديد متوهج‬
‫ورؤى موسوعية استطاعت وإلى حدّ أقصى‪،‬استيعاب دروس التكامل والتالقح الثقافي‪،‬في‬
‫الملحة إلى النص البصري العابر لحدود الجغرافيا واأللسن والديانات‪،‬قياسا‬
‫تفهم الحاجة ّ‬
‫غمرة ّ‬
‫ويفجر طقوس االنتماء إلى أفقها‬
‫إلى سائر ما يشكّل المناخ الحاضن للهوية اإلنسانية المشتركة‪ّ ،‬‬
‫الشاسع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وفقا لتيار المنظومة المفاهيمية الراصدة لحركة التشكيل العربي هذه‪ ،‬أجرينا حوارا شيقا مع‬
‫نصه‪.‬‬
‫الفنانة التشكيلية المغربية المبدعة كنزة العاقل‪ ،‬هذا ّ‬
‫هل لضيفتنا وضعنا في الصورة‪،‬وتقريب المتلقّي العربي من تجربتها أكثر‪،‬من تكون كنزة‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫العاقل اإلنسانة والفنانة معا؟‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ كنزة العاقل فنانة تشكيلية مغربية عضو نقابة الفنانين التشكيليين المغاربة وعضو تجمع‬
‫فنانون بال حدود ورئيسة خلية الفنون التشكيلية والفوتوغرافية بمدارات للثقافة والفنون‬
‫ة‬
‫فاعلة جمعوية وأستاذة الفن التشكيلي بمركز تكوين وتنمية قدرات الشباب ومؤطرة‬
‫ورشات فنية لألطفال‪ ،‬وﺎﻟﺮﺳﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻫﻮ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻷﻣﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﻂ ﺍﻟﺮﺣﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻣتﻨﻬا ﻭﺃﻋﺒﺮ‬
‫ﺑﻬﺎ ﻓﺼﻮﻝ ﻓﺮﺣﻲ‬

‫ﺣﺰﻧﻲ ﻏﻀﺒﻲ ﻭﺟﻨﻮﻧﻲ ﻷﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻜﻮﻥ‪ ،‬ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ ﺃﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻭﻻ ﺃﺗﻘﺒﻞ‬
‫ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻓﺄﺻﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻓﺮﻍ ﻓﻴﻪ ﺣﻤﻮﻟﺔ ﺫﻛﺮﻳﺎﺗﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻄﺎﻗﺔ‬
‫ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺗﺮﻭﺽ ﺫﺍﺗﻲ ﻭﺗﺴﺘﻘﻄﺐ ﺃﺣﺎﺳيسي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺳﻢ ﻭﻫﺬﻩ ﻏﺎﻳﺔ ﺗﻔﺮﺡ ﻗﻠﺒﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍ‪.‬‬
‫ما مدى حضور األنوثة والطفولة في منجزك؟‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ األنوثة واألنثى حاضرة في أعمالي بشكل رمزي اعتمد في مواضيعي الرمزية على المرأة‬
‫ككيان له دالالت عميقة وهو موضوع بحد ذاته فما بالك إذا كان رمزيا فهو يكون قويا‬
‫جدا ومعبرا وملفتا النتباه المتلقي‪ ،‬أما الطفولة فهي بداخلي في جميع مراحل حياتي وال‬
‫تقتصر أبدا على حياتي الفنية فقط فتلك الطفلة التي ال تكبر بما تحمله معها من مشاعر صافية‬
‫نقية بعفويتها تلقائيتها الكبيرة ال تفارقني‪.‬‬
‫لقد كنت أستشعر الفرح في طفولتي عند توقفي لقراءة “أرسم ماما أرسم بابا باأللوان أرسم‬
‫علمي فوق القمم أنا فنان”‪.‬‬
‫هو مقطع من محفوظات لم يغب عن ذهني أبداً‪ ،‬ولم أكن أدرك آنذاك حبي الطفولي‬
‫والفطري للرسم‪ ،‬فقط كلمات تلك القصيدة كان لها طابع خاص يرتل على سمعي همساً بأنه‬
‫أمر مختلف أن تكون فناناً‪ ،‬أو أنا مختلف سأكون فناناً فتلك الطفلة بداخلي هي ملهمتي في‬
‫أي وقت وحين‪.‬‬
‫الحظت أنّك مبدعة تعتقد بضرورة صقل الموهبة عبر االحتكاك بأكبر عدد ممكن من‬
‫المدارس الفنية ‪،‬ما جعلني أستحضر تاريخ التشكيلية المغربية المعروفة ب ـ ـ "الشعيبية طالل" في‬
‫حس الموهبة لديها‪،‬بمعزل عن ُحقن تعاليم ووصايا المعاهد واألكاديميات‪،‬‬
‫محطات اتقّاد ّ‬
‫كعب‪،‬أهلها لبلوغ الذروة والعالمية‪،‬بصوتها العصامي المكابر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وعلو‬
‫قدرا ّ‬

‫‪30‬‬
‫هل في مقدور كهذا ديدن‪،‬التمكين للذات المنقّبة عن موجبات فرض االحترام ونقش واقع‬
‫البصمة والخصوصية؟‬
‫التشكيل يحتاج بشكل أساسي إلى الموهبة الممزوجة بالذوق واإلحساس الفني‪ ،‬فقد يكون‬
‫جيل‬ ‫ــــ‬
‫الثقافية‬
‫فنانا رساما أكاديميا وقد يكون أكاديميا وليس فنانا وقد يكون فنانا مبدعا حتى لو لم يكن‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫أكاديميا فهناك العديد من الفنانين الذين داع صيتهم عالميا ولم يتلقوا تكوينا أكاديميا و‬
‫هذا هو الفنان الحقيقي الذي قد يتفوق بموهبته الربانية ويبدع لنا لوحات غاية في الجمال‪،‬‬
‫وهذا ال يمنع من المرور بمرحلة تكوينية معينة من أجل صقل الموهبة أكثر وأكثر وتعلم‬
‫أساليب مختلفة قد تساعد في تطوير المبدع ألعماله‪.‬‬
‫روادا يغذّي مخزونهم سواء المعرفي أو الفني ‪ ،‬لوحاتك؟‬
‫ثمة مدرسة بعينها أو ّ‬
‫هل ّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ال يمكن حصر تأثري في الفن بفنان معين إذا ما تحدثنا عن رواد الفن العالميين فكلهم‬
‫لهم تأثير على كل الفنانين بصفة عامة‪ ،‬فقط يمكن أن أجيب أن الفن الروسي عامة كان له‬
‫األثر البالغ في دراستي الفنية و أسلوبي الفني وأميل إلى مجموعة من المدارس منها‬
‫االنطباعية الواقعية الرومانسية التجريدية والسريالية هاته األخيرة التي أميل إليها أكثر فهي‬
‫تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطالق األفكار والتصورات الخيالية وسيطرة األحالم‪ ،‬فاللوحات‬
‫السريالية تلقائية فنية ونفسية تعتمد على التعبير باأللوان عن األفكار الالشعورية واإليمان‬
‫بالقدرة الهائلة لألحالم إذ أنها تعتمد على الالشعور وفي هذه الحالة تكون اللوحة أكثر‬
‫صدقا واهتمت بالمضمون وليس بالشكل ولهذا تبدو اللوحات السريالية غامضة ومعقدة‪ ،‬وإن‬
‫كانت منبعاً فنياً الكتشافات تشكيلية رمزية ال نهاية لها‪ ،‬تحمل المضامين الفكرية واالنفعالية‬
‫التي تحتاج إلى ترجمة من الجمهور المتذوق‪ ،‬كي يدرك مغزاها حسب خبراته الماضية وهذا‬
‫ما يثير حماستي عند رسمي لوحة سريالية ألنها تكون غريبة وغرابتها هو ما يميزها مما يجعل‬
‫الجمهور يقف مطوال عندها لمحاولة قراءتها والبحث في مغزاها العميق‪ ،‬وهذا ما يفرحني‬
‫كثيرا والرمزية من أحب المدارس إلى قلبي فهي تعطيني مساحة لالشتغال بمواضيع معينة‬
‫وطرحها في قالب تشكيلي معين يجعل المتلقي أكثر اهتماما وحبا لمعرفة تلك الرمزية‬
‫ودالالتها‪.‬‬
‫تستثمرين معطيات الموروث المغربي بما يحقّق تناغما وتماهيا مع االنتساب العربي‪،‬ويتخطّاه‬
‫قصة ما مع لوحة بحدّ ذاتها‪،‬في حدود‬‫في كثير من األحيان إلى فوقية إنسانية جامعة‪،‬ألديك ّ‬
‫االشتغال على حضور المرأة‪،‬في أعمالك الفنية‪،‬كما حصل في نشاطك األخير بتونس‪..‬لوحة‬
‫تفسر مثل هذه الخاصية؟‬
‫معينة‪ّ ،‬‬

‫‪31‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ طبعا كل لوحة هي جزء مني وجزء من حياتي وكل لوحة موضوعها المرأة هي جزء من‬
‫حياة كل امرأة‪ ،‬ال يمكن أن اختزلها في قصة معينة بحد ذاتها‪ ،‬طبعا الفنان يتأثر بمحيطه‬
‫به‪.‬‬
‫وبكل ما يدور من حوله وما يسمعه من قصص قد تغني تشكيالته الفنية وهذا أمر مسلمجيل‬
‫الثقافي‬
‫وبالنسبة للوحة المرأة التي كانت موضوع الجدارية التي أنجزتها خالل مشاركتي وتمثيلي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫بلدي المغرب في الملتقى العربي للفن واإلبداع بتونس الشقيقة كان موضوعا مهما وقويا‬
‫رمز‬
‫في الظروف الحالية التي تمر بها المرأة في وطننا العربي والمعاناة التي تعانيها فهي ة‬
‫العطاء بال حدود‬
‫مهما كانت وضعيتها ومهما كانت معاناتها فهي ال تتوقف عن العطاء وهي تشبه في ذلك‬
‫الشجرة التي هي رمز العطاء ولعل أبرز ما قيل عن تلك الجدارية هي القراءة النقدية للناقد‬
‫والفنان القدير الجزائري رضى بغدادلي حيث قال؛ إن رسالة الفنانة كنزة العاقل تعتمد‬
‫على عمق الموضوع وهذا الذي يعطيها قوة في سرد الرسالة الفنية‪.‬‬
‫مقارنة مع المدارس األخرى‪ ،‬ال نحكم على شيء جمالي حتى نرتبه في مدرسته الحقيقية ألن‬
‫كل مدرسة تعتمد على مزايا وقوانين و فلسفلة تحمل خلفية العمل الفني‪ ،‬إذن عندما ننتقد‬
‫لوحة البد أن نشير إلى المدرسة التي تحمل عاتق هذا العمل‪.‬‬
‫فالعمل الفني للفنانة كنزة نستطيع أن ندرجه من األعمال الفنية القوية ألنها تحمل عدة أشعة‬
‫محصلتها تستقطب رؤية العين المالحظة‪ ،‬فمن حيث حزمة األلوان فنجد الفنانة مرتكزة على‬
‫نفس مدار الرؤية ونفس الطاقة الحرارية‪ ،‬فهناك اتزان بين اللون الحار البني واللون البارد‬
‫لون السماء الذي أعطى اتزان في اللوحة‪ ،‬أما الشعاع الثاني الشعاع المتم فهو يعكس‬
‫سيكولوجية الفنانة التي تعطي صورة مشخصة عن ما هو األنا‪ ،‬فالفنانة تتكلم عن نفسها من‬
‫الناحية الشخصية من ناحية قوة شخصيتها وأبعادها الفكرية‪ ،‬نقول أنها مرت بحياة صعبة وتأمل‬
‫في حياة أفضل وأن هذه الحياة الصعبة أعطت لها رصيد قوي في تحمل األشياء وتلك‬
‫التشعبات تعني مدى تخطيها للصعوبات والحواجز التي جعلتها أقوى من غيرها‪.‬‬
‫ويمكن أن نقول أن وجود اللون البني يرمز إلى الثقافة وتمسك الفنانة بالتراث وحضارتها‬
‫وثقافتها‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫أما الشعاع الثالث وهو شعاع الموضوع الفكري الذي يرتكز في مركز اللوحة‪ ،‬فليس هناك‬
‫فراغ وهناك حسن توزيع الموضوع مما يعني لوحة جميلة جدا‪،‬وما ينصح به الناس هو أن تتأمل‬
‫المواضيع وتختص في مداعبتها ألن الشعب العربي يعاني من عدة مواضيع فال نحتاج‬
‫للجزئيات فيلزم إرسال رسائل لتوعية العقل ورسالة الفنانة عبر لوحتها هذه من الرسائل التي‬
‫سوف يحبها الشعب العربي‪.‬‬
‫تعاطيك مع األنثوي‪ ،‬كتيمة ُتلهم بفصول رمزية متداخلة ‪،‬مترجمة تقنية المزج ما بين األلوان‬
‫الدّالة على برودة الراهن ونزوع الذات التشكيلية صوب ما قد يولّد الدفء المرغوب في‬
‫ملء كامل هذا الخواء الذي يعيشه الكائن‪ ،‬نتيجة االحتكاك المخملي بصميم إنسانيتنا‬
‫الضائعة‪،‬هل هو عفوي أم مقصود يحيل على وعي أنثوي طاغ ومقموع نوعا ما‪ ،‬مما يعني‬
‫األنوية األولى في التأسيس للفرادة والنوعية والدغدغة ببوادر‬
‫ويراد منه بالنهاية‪ ،‬تحقيق ْ‬
‫لصف المرأة والذود عن هويتها وحقوقها المهضومة في‬
‫اتجاه بكر ‪،‬واش بصياغات االنحياز ّ‬
‫مجتمعاتنا العربية المحافظة والراعية لغطرسة الشهوانية في الصوت الذكوري الجائر‪..‬؟‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ نعم من المواضيع التي تثير حماستي ويستهويني رسمها المواضيع التي لها وثيق االرتباط‬
‫باألنثى أحب أن أستعمل الرمزية في أعمالي التي أتناول فيها موضوع المرآة األنثى بحيث‬
‫تكون رسالتي عميقة وفكرية وعقالنية أكثر مما إذا رسمتها بشكل واقعي‪ ،‬وبذلك تتحقق‬
‫متعتي الجمالية الكبيرة‪ ،‬فهي جزء ال يتجزأ مني واأللم جزء ال يتجزأ منها بإسقاطات‬
‫موضوعاتية مختلفة ناقلة لرؤى معينة معاشة وتعيشها األنثى باختالف الوسط والزمان والمكان‬
‫الذي وجدت فيه‪.‬‬
‫وهنا أستحضر قراءة الفنان التشكيلي القدير العراقي مهند الداوود لعملي الفني الجدارية‬
‫التي أنجزتها في تونس والتي كان موضوعها المرأة حيث أكد أن اإلبداع هو صهر عناصر‬

‫‪33‬‬
‫الواقع في بوثقة التخيل والالشعور إلنتاج شيء جديد محسوس يضيف للعالم قيم جمالية جديدة‬
‫ومعرفية لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬وقال لقد استطاعت الفنانة كنزة العاقل أن تحقق عالقة‬
‫جميلة‬
‫بصرية على حائط ذو بعدين حولتها إلى أبعاد متعددة تقرأ بقراءات سيميائية بنيويةجيل‬
‫الثقافي‬
‫جدا‪ ،‬وهذا أيضا هو التشكيل فالتشكيل شكل ما تريد المهم أن تحقق لذة ومتعة للمتلقي‪،‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫فالفنانة كنزة حققت هذه المتعة للمتلقي في هذه العالقة التي جسدت فيها المرأة‪ ،‬وما‬
‫في‬
‫أدراك ما المرأة فهي األرض وهي الخصب وهي النماء وهي القديس الذي كان يعبد ة‬
‫يوم ما‪ ،‬ودياناتنا السماوية تقدسها واهلل جعل الجنة تحت أقدامها‪ ،‬فاستطاعت الفنانة أن‬
‫تجسدها في هاته العالقة عندما ننقد العمل‬

‫سيميائيا نجد الفنانة جعلت من وجه المرأة نصفين جماليين‪ ،‬هي المرأة الحالمة تلك المرأة‬
‫التي تحمل في ثناياها ألما متخفيا‪ ،‬استطاعت الفنانة أن تجسد األلم الذي تعاني منه المرأة‬
‫وهذا أيضا بيد الفنان ألن وظيفة الفن األساسية كما قال روالنفاو تبدأ بإزالة المألوف‬
‫فاستطاعت الفنانة كنزة أن تزيل شيئا من المألوف واستطاعت أن تعمل بقوانين فنية‬
‫صارمة ‪ ،‬أجادت في الواقعية وأجادت في السريالية وأجادت في التشكيل بصورة عامة‬
‫واستطاعت أن تجعل التيمائية في هذا العمل للمرأة‪ ،‬فالشجرة تعني أن لها جذور راسخة في‬
‫األرض المرأة غذتنا وأعطتنا والزالت تعطي‪ ،‬فشكرا للفنانة كنزة العاقل على هذا اللطف‬
‫الجمالي المتخفي ما وراء الشجرة عمل فيه تيمائية مزجت بين الشجرة والمرأة إشارة بهذه‬
‫الشجرة إلى المرأة برمزية عميقة جدا‪ ،‬تلك المرأة الراسخة جذورها في األرض والتي أعطتنا‬
‫الكثير والكثير‪ ،‬فالسؤال هنا أين؟ السؤال هو من يعطي للمرأة؟ الفنانة كنزة أعطت للمرأة‬
‫هذه الجمالية وجسدتها في هذه العالقة المتوازنة‪.‬‬
‫مقهى بيكاسو‬

‫نور الدين التيجاني‬

‫‪34‬‬
‫بيكاسو ‪ ...‬بخطى ألوانه بين أزقة تازة ورائحة حلوى الشباكية تنعش أجواء شعبان ودقات‬
‫القلب تعلن الحكاية …‪.‬‬
‫جيل‬
‫وقفت أمامه والخجل يربك وجنتيها الموشومة بأزهار الربيع ‪ ،‬بلهجة شامية أفشت لغة السالم‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫في زمن لغته الموت وقتل الحياة جعلها تكفن نفسها بوشاح الحداد والمشي حافية على‬
‫أرصفة الضياع في أوطان الخريف المزكومة بغمولة الكهوف ‪ ،‬لم تصلها بعد نسائم الربيع‬
‫المؤجل قهرا بعربدات الرعاع المخمورة دوما بدماء النعاج …‬
‫جلست بجانبه دون إستأذان وعالمات السفر البعيد تشع من أغوار عيونها الملفوفة بوشاح‬
‫الحزن وبصوت مبحوح هل تكرمت بإفطاري بكأس شاي وشيء من الخبز ولو بدون ذهن لم‬
‫تكمل مطلبها حتى نادى على النادل الذي احضره الفضول قبل أي شيء آخر طالبه إفطارها‬
‫حسب مشتهاها كأس شاي منعنع وخبز أحرش وقليل من زيت الزيتون لتداوي جوع الطريق‬
‫في إتجاه البعاد ‪.‬‬
‫بعد أن أهمدت شيئا من جوعها ودون أن يسألها شيء أخبرته بحشمة عن نفسها‬
‫إمتنانا على جميله إسمي ( مريم ) من مواليد تشرين ‪ 1995‬بحلب سوريا الوطن المرهون‬
‫بين مخالب الضباع ‪ ،‬غادرت الدراسة قهرا من مستوى السنة الثانية بشعبة الفلسفة ‪ ،‬يتيمة‬
‫األب المستشهد في حرب الجوالن وفاقدة لألم وأنا في سن القماط ‪ ..‬قبل أن تكمل حكيها‬
‫وحتى ال تنزف أحداقها‬
‫مزيدا من الدمع سلمها منديال ممازحا إياها بلهجته المغربية " إلى جرحك المشرق المغرب‬
‫يداويك "إبتسمت مرغمة وكأنها ترغب في البقاء إلى جانبه لتحكي له عن رحلة الربيع الذي‬
‫داست أزهاره أقدام الخنازير وأصبح خريفا وشتاءا باردا إلى األبد‪..‬‬
‫ودعته والشكر ال يفارق محياها حتى اختفت عن لمحه بصره كجونة لحظة المغيب تاركة‬
‫األسئلة الموجعة تحاصر لحظاته التي ال تخلو دائما من نزغ السياسة ‪..‬‬
‫في إنتظار موعد الطبيب الذي جاء به مرغما إلى هذه المدينة المنقسمة على شطرين حاول‬
‫أن يلغي ذهنه وتفكيره ولو للحظات بالسير وسط الزحام وصراخ المتبضعين وفوضى السير و‬

‫‪35‬‬
‫هجو الكالم ‪،‬حتى وصل عيادة الطبيب التي تعج باألنين وأمل البقاء قدم نفسه لمساعدة‬
‫الطبيب وجلس باالنتظار ينتظر مع المنتظرين ‪.‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫لم تمضي من جلوسه إال دقائق حتى نادى عليه الطبيب ليفسر له ما خطته بيانات التحليل‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫المخبري التي أفرحته كثيرا لكونها ال تحمل وجعا آخر يدخله في متاهات المقاصل لمن‬
‫يعتقدون أنهم للرحمة مالئكة‪.‬‬
‫ة‬
‫إستقل سيارة أجرة وفي انتظار شبه القطار الذي سيقله إلى منطلقه ولج أحد المكتبات‬
‫باحثا بين رفوفها عن عنوان ثقافي أو فكري قد يرضي نهمه المعرفي ‪ ،‬لكنه لم يجد غير‬
‫أشباه كتب جلها عناوين للموت وعذاب القبر ودعايات إشهارية لمنتوجات عقارية و لمواد‬
‫إستهالكية ‪ ...‬وصفحات بالخط العريض لقرائي وقارئات الحظ والكفوف وبائعي األوهام‬
‫وعناوين أخرى تطبل وتمجد الزعيم الحزبي وحكومته الرشيدة‪..‬‬
‫بعد خروجه متحسرا فكر كعادته آن يلتقط بهاتفه المحمول صورة لنفسه بآخر مكان يودعه‬
‫بهذه المدينة الجميلة فكان محطة قطارها ‪ ،‬إمتطى على عجل مقطورة بوحي شكلها الداخلي‬
‫أنها بقطار آت ال محالة من زمن "الشربون " جلس وحيدا يتأمل من خلف البلور سير السائرين‬
‫ورواح الرائحين في إتجاهات مختلفة توصل جلها إلى نهايات معينة ‪.‬‬

‫لم يمضي من الزمن اليسير حتى وصل إلى حيث انطلق فجرا ‪ ،‬نزل على مهل أدراج ناقلته‬
‫وعالمات العياء تظهر جلية على مشيه وكأن أنفاس الحلبية أغشت بسحر مقلتيها مكامنه‬
‫الموشومة بلظى الكلمات وعزف الفراشات ‪.‬‬
‫في الصباح األخر خرج إلى مركز المدينة لقضاء بعض أغراضه وبينما هو سائر في تجواله‬
‫أوقفته صراخات لحشد بشري بأحد ساحات المدينة يهتفون بصوت واحد و بحناجر مبحوحة "‬
‫عالش جنا وإحتجنا على الكرامة لبغنا " لم يشعر بنفسه حتى وجد نفسه بمقدمة الحشد الممتد‬
‫سالسل أدمية هاتفا وصارخا مجذوبا لضيم الكادحين البائسين الصارخين بين أرصفة وهوامش‬
‫الوطن متوسلين سمان الرقاب أن يأخذوا كل شيء المناصب والكراسي ‪ ...‬وأن يتركوا لهم‬
‫بؤس الوطن إلقتسام فقره وضيمه ‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫بمكان ليس ببعيد جلس بأحد المقاهي طالبا مشروبا باردا ليبلل ريقه الذي جف صراخا وفي‬
‫لحظة من أمره وجد شخصا ال يعرفه يجلس بجانبه بدأ يسب مع نفسه الوضع المزري للبلد ممرا‬
‫جيل‬
‫مشحونة بخبث مخابراتي مدسوس سعيا منه استنطاقه بطريقة تبدو أكثر من ساذجة‬ ‫كلمات‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ليعرف هذا الوجه الغريب الغير المألوف لعيون العسس األوفياء ؟؟ بحركة وإيماءات جسدية‬
‫توحي بخطابات التحقير نهض وترك جرو العسس جالسا يحتسي فراغات األسئلة المعلقة ‪..‬‬
‫في طريق العودة عرج إلى مكان اعتاد زيارته كلما هبت به الرياح إلى هذه المدينة‬
‫ليستحضر نوعا من ذكريات المكان حيث كان يلتقي ذات أيام مع بنت " القايد " في أدغال‬
‫الواد مختفيان عن عيون البصصة والرامقين والمخبرين بال أجر‪ ..‬وجد المكان قفارا خال من‬
‫أشجاره وأجرافه وحتى مائه وأصبح مجرد مزبلة لنفايات المدينة وتالال من أوساخ اآلدميين‬
‫الذين يدعون الرقي والتمدن وأشياء أخرى‪...‬‬
‫لم يتحمل نتانة ووجع المكان والتوى يسارا حيث ممر صغير تركته عجالت الجرافات نفذ‬
‫منه إلى الجهة األخرى من المدينة التي كانت باألمس القريب غابات أشجار من البلوط‬
‫والسنديان ‪...‬وأصبحت اآلن غابة من االسمنت تسكنها أجساد بال أرواح ‪.‬‬
‫لم تصل الشمس مغيبها المعتاد حتى ولى أدراجه لتنتهي رحلته من يومين عاش من خاللها‬
‫جمال الصدفة وبؤس المكان ونشوة العافية لقلب زاد القدر من دقاته ‪ ..‬‬
‫تازة ‪20/4/2019‬‬

‫العيش الحافي‬

‫‪37‬‬
‫محمد الملوكي‬
‫أشق على نفسي كثيرا ‪ ،‬أُحمِّلها ماال تطيق ‪ ،‬أفكر فيما ال يخصني ‪ ،‬طائر عقلي يحتاج لقفص ‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وسجن‬
‫ف مشاكل الناس ‪  .‬طائر عقلي يحتاج لحبسجيل‬‫يحلق ويحملق في ما ال يعنيني ‪ ،‬يحط على شُر ِ‬
‫الثقافي‬
‫‪ ،‬يحتاج إلى أن أجعله يقرفص فقط على مشاكلي وتخميناتي أنا ‪ ،‬أو ربما يحتاج لمن يقص من‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫جناحه ‪ ،‬ويحد من مشاكساته ‪ ،‬هذا ما أخبرت به هشام في مقهى "فونتيس" ‪ ،‬كانت مالبسه‬
‫ة‬‫حينها متسخة ‪ ،‬ملطخة بالصباغة ومختلف األلوان ‪ ،‬كنا نرتشف الشاي ‪ ،‬شاي منعنع ‪ ،‬تبدع "‬
‫هناء " في إعداده ‪ .‬إرتشف هشام الرشفة األولى ‪ ،‬ويختمها ب‪ ‬‬
‫‪ -‬آآح ‪.‬‬
‫تعبيرا منه على إعجابه بالمذاق ‪ .‬وهو يقول إن الفقراء األيتام أمثالنا هم الذين يدركون أن‬
‫لوحة الحياة لوحة فنية مزركشة باألمل والشجاعة والعبث والمصائب ‪ ،‬‬
‫ثقافة هشام محدودة ‪ ،‬وحتى مستواه الدراسي لم يرق إلى المرحلة الجامعية ‪ ،‬ولم يواصل‬
‫دراسته نظرا لتعنيفه ألستاذة قامت بشتم أمه الميتة ‪ ،‬ما أدى إلى فصله ‪ ،‬هكذا أخبرني‬
‫يوما ‪،‬‬
‫‪ ‬لم أجبه على عبارته األولى ولم أعلق عليها ‪ .‬يقاطعنا عثمان ‪ ،‬وهو يجر كرسيا من المائدة‬
‫التي بجانبنا ‪ ،‬لم يلق التحية بتاتا ‪ ،‬كان نقي المظهر ‪ ، ‬تسريحة شعر جيدة ‪ ،‬مع ابتسامة تعلو‬
‫محياه ‪ ،‬وقميص أبيض أبان عن عضالته المفتولة ‪ ،‬مظهره أنيق عكس هشام الذي بدت عليه‬
‫آثار العمل ‪ .‬‬
‫‪ -‬الجو جميل اليوم ‪.‬‬
‫يرد عليه هشام في نوع من الالمباالة ‪ ،‬وهو ينظر للشارع الرئيسي‪ ‬‬
‫‪  -‬نعم في بصيرة أمثالك ولكل من ينام إلى حدود الساعة الثانية زواال ‪ .‬‬

‫كان هذا ‪  ‬بمثابة قصف عثمان والرد عليه ‪ ،‬ألنه غير مكلف بإحضار لقمة العيش ‪ ،‬ولم تشق‬
‫عليه الحياة كثيرا فوضعية أبيه المادية تخول له النوم طوال النهار ‪ ،‬ليستيقظ ويجد كل‬
‫أساسيات الحياة اليومية موجودة ‪ ،‬هو الوحيد لدى أبويه ‪ ،‬يمكن اعتباره الفتى المدلل‪ ،‬كل‬
‫متطلبات الشباب من أمثال عمره يحظى و يستمتع بها ‪ ،‬‬
‫يلوح " لهناء" بيمناه يطلب منها أن تأتيه بكأس عصير ‪ ،‬وهو يشاركها ابتسامته الخافتة ‪.‬‬
‫والدا عثمان يذلالنه أكثر من الالزم ‪ ،‬يعيش كأمير داخل منزله ‪ ،‬يده يدٌ سفلى ‪ ،‬تقدم له‬
‫أمه كل صباح ورقة نقدية ‪ ،‬كما يفعل أبوه في المساء ‪ ،‬أدخلته أمه إلى مؤسسة ‪ ‬تختص‬

‫‪38‬‬
‫بإعادة تأهيل ‪ ‬المدمنين بعد أن شمت منه ذات ليلة رائحة السيجارة ‪ ،‬أنكر في البداية‬
‫تعاطيه للتدخين ‪ .‬ليُصارحها بأنه في ‪ ‬مرحلته البدائية ‪ ،‬تفعل أمه كل ما باستطاعتها علَّها‬
‫من هاويته ‪،‬وتقده من الشرود برمته ‪ .‬لكن نواياه سيئة وال يرغب في اإلقالع عن‬
‫تنقدهجيل‬
‫الثقافية‬
‫التدخين ‪ ،‬ينهي الحصص التي قُررت له داخل المؤسسة ‪ -‬التي ألزمته أمه بالحضور وإال‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ستمتنع عن إعطائه النقود ‪ -‬ويشعل سيجارته هناك خلف جدران المؤسسة ويتعطر برائحة‬
‫قوية ‪ ،‬ويخبرها في البيت ‪ ‬بأنه في تحسن مستمر ‪ ،‬وأن مفعول المؤسسة ساري ‪ ،‬وفي بعض‬
‫األحيان يحكي لها عن أحد المدمنين الذين تخبطوا في قعر اإلدمان ويرغبون في االبتعاد‬
‫عن هذه اآلفة بعد أن نُخرت ونُهشت قواهم ‪ .‬يعرف كل شيء ‪ .‬يعرف أنها حفرة لكنه ربما‬
‫يرغب في السقوط في قعرها ‪ .‬‬
‫تضع " هناء " كأس عصير فوق الطاولة ‪ ،‬يشكرها ‪ ،‬يشرب رشفته األولى والطويلة التي أبقت‬
‫في الكأس نصفه ‪ ،‬يقف عثمان يعتدل في هيئته ‪ .‬يحمل مفاتيحه االربعة الموضوعة فوق‬
‫الطاولة ‪ ،‬يدولبها في يده ‪ .‬في جيبه فرشاة صباغة جديدة ‪ ،‬يودعنا بمبرر أنه سيأخذ والده‬
‫المشلول ‪ -‬والذي طوال نهاره يجلس في كرسيه المتحرك ‪ -‬لزيارة قريب له ‪ ،‬يقول لي مرارا‬
‫بأن المشفى البلدي للمدينة هو المسؤول عن ما أصاب والده ‪ ،‬لهشاشة القطاع الصحي وقلة‬
‫مؤهالت وتكوين من يعمل داخل المشفى ‪ ،‬يسخط كثيرا على األطباء ‪ ،‬يقول لي بأن أباه‬
‫تعرض لكسور بسيطة يمكن معالجتها ‪ ،‬يحس بالقهر والضغينة تجاهم ‪.‬أبوه عاطل عن العمل في‬
‫ربوع عمره ‪ ،‬أبوه يتربع كما صنم فوق كرسيه ‪ -‬يحركه بمشقة ‪ -‬جراء خطأ طبي ‪ ،‬أو لربعا‬
‫قلة االهتمام ‪ ،‬وكثرة الالمباالة ‪ ،‬والالوعي بخطورة وضعيته حينها ‪  ،‬والده غير ساخط على‬
‫الوضع ‪ ،‬رجل متدين ‪ ،‬يرى أن كل ما أصابه قضاء وقدر ‪ ،‬‬

‫يخرج هشام بعد أن دفع لهناء ثمن ما شربه ‪ .‬عثمان يمتص من قشة الشرب آخر رشفة من‬
‫كأسه ‪ ،‬وبين الفينة واألخرى ينظر لساعته اليدوية ‪ .‬يقضم أظافره بتوتر ‪ ،‬يخرج علبه سجائر‬
‫غالية ‪ ،‬يمد لي واحدة ‪ .‬‬
‫‪ -‬ال ‪ ،‬شكرا ‪.‬‬
‫يشعل سيجارته ‪ ،‬يدخنها بنهم ‪ ،‬يتنفس بصعوبة ‪ ،‬يتأفف وكأنه مرهق ‪ .‬استمالني بحركاته‬
‫وبصوته ‪ .‬وضعت الجريدة التي كنت أطلع عليها جانبا ‪ ،‬سألته ‪.‬‬
‫ما بك ؟‬
‫الشيء ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫هل أنت متأكد ؟‬
‫يضرب بيسراه الطاولة يتزعزع ‪ ‬الكأس من مكانه نظرا لقوة االصطدام ‪ .‬يميل نحو السقوط ‪،‬‬
‫جيل‬ ‫أمسكته ‪ .‬نظرات من في المقهى كلها ترصدنا ‪ ،‬حتى هناء تلمحنا من بعيد ‪ .‬رجل عجوز‬
‫الثقافي‬
‫ستيني بجانبي فزع من مكانه ‪ ،‬ينظر إلينا بنظرات متقطعة بطرف عينه‪.‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫يقول هشام بصوت غاضب‬


‫‪12:20‬‬
‫ة‬ ‫‪ -‬دائما تتأخر ‪ ...‬دائما ‪ ،‬ال تقدر المواعيد ‪ ،‬لقد أخبرتها أنها ستجدني عند الساعة‬
‫في المقهى ‪ ..‬أين هي اآلن ؟ تأخرت ب ‪ 20‬دقيقة ‪.‬‬
‫فهمت أنه يواعد فتاة ما ‪ .‬هدأت من روعه ‪ .‬أُبعدت نظرات الجميع عنا ‪ ،‬وما هي إلى لحظات‬
‫حتى سمعت صوتا رقيقا ينحدر من جهة الباب ‪.‬‬
‫‪ -‬عثمان ‪ ...‬عثمان ‪ ...‬‬
‫فتاة تلوح بيدها ‪ ،‬وهي تنادي باسمه‪ .‬سمعتها ‪ .‬سمعها هو اآلخر ‪ ،‬رجع لون بشرته إلى طبيعته‬
‫‪ ،‬ابتسم وهو يمد يده مودعا إياي ‪ .‬ويسلم على بطريقة حماسية ‪ ،‬اختفى غضبه وكأن شيئا لم‬
‫يحدث ‪ ،‬تبعته ببصري ألرى ردة فعله تجاهها ‪ .‬لكنه لم يحدث أي شيء ‪ ،‬ابتسم في وجهها‬
‫وهو يسلم عليها ‪ .‬‬
‫مالمح تلك الفتاة ال يجهلها شريط ذاكرتي ‪ ،‬تذكرتها ‪ .‬سبق وأن رأيتها في شوارع المدينة‬
‫القديمة ‪ ،‬شوارع الفقراء ‪ ،‬علمت أنها فتاة فقيرة ‪ .‬قلَّما نجد عالقة بين شابين من طبقتين‬
‫أحد ‪ ‬أطرافها ينحدر من الطبقة الكادحة‪ ‬‬
‫متناقضتين ‪ُ ،‬‬

‫بقيت وحيدا في مكاني ‪ ،‬هناء قادمة نحوى ‪ ،‬تجمع علب السجائر الفارغة ‪ ،‬وتمسح بقايا‬
‫القهوة المنسكبة على الطاولة ‪ ،‬تجلس بجانبي متنهدة ‪ ،‬كل ما يعجبني في هناء أنها تصغي‬
‫إلى تدمر الناس وتصغي إلى همومهم ‪ ، ‬بداياتي مع هناء كانت في نفس المقهى ‪ ،‬كثيرا ما‬
‫تراني أقرأ الروايات والجرائد والمجالت ‪ ،‬في البداية كانت عالقتي بها كأي عالقة بين‬
‫متوافد على المقهى‬
‫والنادل ‪ ،‬إلى حين يوم تعمدت نسيان رواية في المقهى ‪ ،‬وأثناء دخولي في اليوم التالي‬
‫نادت علي ‪.‬‬
‫لقد نسيت هذا هنا‪ ‬‬
‫‪ ‬وهي تمد لي روايتي تلك ‪ ،‬شكرتها بلباقة ‪ .‬أخذتها ‪ ،‬أردفت قائلة ‪ ،‬هل يمكنك أن تطلع‬
‫من أجلي على أوراق وتخبرني بما تحمله في طياتها ‪ ،‬أخذت منها تلك األوراق التي كانت‬

‫‪40‬‬
‫تُحتوى داخل ملف أصفر ‪ ،‬أطلعت عليها واحدة تلو األخرى ‪ ،‬فهمت أن أحد أقربائها قد قتل‬
‫إثر جريمة ‪ ،‬وقد أصدرت المحكمة مبلغا ماليا تعويضا لها من أجل كفالة ابنتها الوحيدة ‪،‬‬
‫جيلدون أن أسألها أن الضحية هو زوجها ‪ ،‬وقد قتل من لدن مجرم ‪ ،‬وقع بينهما خالف‬
‫أخبرتني‬
‫الثقافية‬
‫قديم ‪ ،‬فهمت أنها جريمة ألخذ الثأر واالنتقام ‪ .‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫صدر لها ‪ ،‬‬
‫أخبرتها بالمبلغ الذي ُ‬
‫وكانت في كل مرة تخبرني عن جديدها في هذه القضية ‪ ،‬هكذا كانت بداية تعارفي معها‬
‫‪ ،‬‬
‫فبعد أن جلست بجانبي متنهدة تقول لي ‪.‬‬
‫‪ -‬أتحسس جسدي مقبرة شاسعة لليأس ‪.‬‬
‫صمت برهة ولم أعلق على كالمها ‪ .‬لم أرغب استفسارها عن معنى ما قالته ‪ ،‬في بعض األحيان‬
‫ُ‬
‫األسئلة تحد من تعبير الشخص وأحاسيسه ‪ ،‬تحرك أصابعها بخفة ‪ ،‬في حركاتها تعب ‪  ،‬تلتفت‬
‫لجانب الباب ‪ ،‬تبتسم في وجه فتاة عشرينية شبه زنجية جميلة ‪ ،‬ذات أنف أفطس نوعا ما ‪،‬‬
‫وتسريحة شعر مجعدة أحكمت تصميمها ‪ ،‬تدخل للمقهى ‪ ،‬وهي األخرى تبتسم ‪ ،‬تمشي نحونا‬
‫بخفة وهي تلبس كعبا عاليا أسود اللون تقف هناء ‪ ،‬تباوستا على الخدين ‪ .‬حيتني بهزة من‬
‫رأسها ‪ ،‬تجلس قبالتي تخرج من حقيبتها السوداء المخططة باألبيض ‪ ،‬مرآة اهليليجية الشكل ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جميلة ‪ ،‬أخذت تنظر وتتأمل في هيئة وجهها ‪ ،‬تدفع شعرها بخفة بين‬ ‫لغربِ ٍ‬
‫ية‬ ‫خلفها صورة َ‬
‫الفينة واألخرى ‪ ،‬وهي تسأل‪ ‬‬
‫‪ -‬يا ترى من يستحق هذا الجمال ؟‬
‫تأملت تحت عينيها ‪ ،‬كدمتان خفيفتان ‪ ،‬مسحوق التجميل لم يخفها ‪ ،‬‬
‫ت‬
‫اعتذرت منهما وأنا أقف ‪،‬أردت أن أدفع لهناء ثمن الشاي ‪ ،‬أدخلت يدي في جيبي ‪ ،‬مجَّ ْ‬
‫وسحبت نفسها ‪ ،‬وهي تقول ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫عميقا‬
‫‪ -‬لقد دفع هشام ثمن ما شربته ‪ .‬‬
‫شكرتها ‪ ،‬هممت بالخروج ‪  ،‬بالكاد ال أعرف وجهتي ‪،‬الوقت يذبل ‪ ،‬والجفاف أصبح سيد‬
‫مواقفي وحساباتي كلها ‪ ،‬المدينة تلفظ أنفاسها الزوالية ‪ ،‬شتائم رجل بدين لفتت انتباهي‬
‫يسب سائق سيارة أجرة لطخ سرواله بالوحل ‪ ،‬وهو يعبر الشارع ‪ .‬ربما المدينة القديمة‬
‫وهو ُّ‬
‫ستكون وجهتي ‪ ،‬ذهبت وأنا مدفوع بالحنين إلى جولة في األزقة القديمة ‪ ،‬تذكرت فترة‬
‫طفولتي وأنا أمر على الحنفية العمومية ‪ ،‬أطفال يصرخون ‪ ،‬يرشون بعضهم البعض ‪ ،‬يسقطون‬
‫جب بصوته‬
‫يع ُ‬
‫سطول الماء ‪ ،‬صبي صغير يأخذ أحد األسطل يضعه على رأسه ‪ ،‬يلبسه كخودة ‪ْ ،‬‬

‫‪41‬‬
‫الذي يشبه التنور [‪ ]1‬ورأسه وسط السطل ‪ ،‬يحوم حوله أقرانه وهم يرددون تعويذات في‬
‫ج ٍو طفولي مرح ‪ ،‬لمحت هناك في آخر الشارع ‪ ،‬صديقة عثمان وهي تحمل في يدها حقائب‬
‫عند‬
‫بالستيكية بها مالبس جديدة ‪ ،‬أكسيسوارات التجميل وأشياء أخرى لم أميزها جيدا ‪ - ،‬جيل‬
‫الثقافي‬
‫تقاطعنا في منتصف الطريق ‪ -‬تمشي بخفة وكأنها فراشة في مرعى أخضر ‪ ،‬تحملق في‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫األرجاء ‪ ،‬تلقي التحية على جارتها السمينة المطلة من على نافدة بيتها ‪ ،‬وهي تستقصي المارة‬
‫هرول‬
‫ة‬ ‫ذهابا ومجيئا ‪ ،‬تقبل أخاها الصغير ‪ ،‬دو الشعر األشعث األغبر ‪ ،‬الذي ما إن رآها حتى‬
‫ببراءة نحوها تاركاً صديقه ورأسه وسط السطل ‪ ،‬تمده بعلكة ‪ ،‬وهو مبتهج ‪  ،‬مازال جو األحياء‬
‫الفقيرة يدب على نفس الموال ‪ ،‬‬
‫لقد خارت قواي بكثرة التجوال في المدينة القديمة ‪ ،‬تحسست جسمي المنهك ‪ ،‬شفتي‬
‫الجافة ‪ ،‬والجوع المتمرد بداخلي ‪ ،‬مللت من تتبع المارة بعيني المتعبتين ‪ ،‬أحتاج لطاقة ألصحو‬
‫‪ ،‬أحتاج لراحة ألغفو ‪ ،‬فطائر عقلي بدأ يعشق الحربة وال يرغب في أن يقرفص على أحالمي‬
‫آمالي آالمي ‪.‬‬

‫(مرت األيام لتصلني ‪ ‬األخبار عن زواج هناء من رجل ستيني غني ‪ ،‬‬
‫في حين تالشت عالقة عثمان بصديقته ‪ ،‬بعد أن رفضت أمه زواجه بها ‪ ،‬لداعي أنها فتاة‬
‫فقيرة ‪ ،‬وميؤوس منها ‪ ،‬وفخامة اسمهما العائلي لن يشفع له بالزواج من حي الفقراء ‪ ،‬لتحطم‬
‫األحالم ‪ ...‬‬
‫بينما هشام ‪ ،‬سطع له حظه المدفون ‪ ،‬وقصته سأوردها في قصة أو يومية أخرى ‪) ...‬‬
‫————————‬

‫التينور [‪ ]1‬هو من أعلى طبقات صوت عند الذكور ويكون أثناء اللحن أو الغناء وهو عدّة‬
‫أنواع منها التينور الخفيف‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬والدرامي‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الزجاج الدامي‬
‫ّ‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫سماح بني داود‬
‫‪،‬ما كان لليل نجوم حتى ظهر‬
‫‪.‬من وراء الغيم أطل‬
‫‪،‬غمر بضوئه األبيض أركان كيانها‬
‫كان يرقص و يراقصها‬
‫‪.‬يغني فتغني‪ ،‬يصمت فتتكلم بدال عنه‬
‫‪.‬كان يصرخ ليقتاتا من فتات الكلمات ما يسد جوعهما أليام‬
‫‪،‬كان يتمايل فتردعه‪ ،‬تمد يدها فتزرعه نخلة على خد التيه‬
‫كان يبكي فتبكي أيضا‬
‫‪.‬يبتسم فتضحك‬
‫لم يكن للسلم مجال‬
‫وال للسالم أفق‪ ،‬حين يصمت‬
‫غيبوبة تجمد الحب بين المسافات‬
‫سألته‬
‫ـ ـ لم تعانقنا؟ لم خلقت بيننا القبل؟‬
‫أجاب و في يده عصا تضرب الضباب‬
‫‪ .‬ـ ـ ـ إنه الحب‬
‫ـ ـ ـ كم سيكون عمره؟ سألت وهي تفرك الضباب‬
‫ـ ـ ـ مليون سنة بعد موتنا‪ .‬أجاب وهو يضرب الضباب‬

‫‪43‬‬
‫ـ ـ ـ ـ وما أدراك بعمره؟ سألت وهي تغرف من الضباب حفنة‬
‫جيل‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ كان مسجال على جبينك وجبيني‪ .‬أجاب وهو يشرب الضباب‬
‫الثقافي‬
‫ـ ـ ـ ـ هل تشربه بعد أن ضربته؟‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫أجاب‬
‫ة‬ ‫‪ .‬ـ ـ ـ ـ ضربته كي يزداد بدانة وشربته ألرويني وأرويك في‬
‫مازلت داخلك؟ سألت وعيناها تمطران‬
‫ُ‬ ‫ـ ـ ـ ـ وهل‬
‫أجاب وقد سحب مظلته‬
‫‪.‬ـ ـ ـ تعالي معي نستظل‬
‫ـ ـ ـ ـ من ماذا؟‬
‫‪ .‬ـ ـ ـ من زجاج قد يدمينا‬
‫سألته مجددا‬
‫ـ ـ ـ من ماذا؟‬
‫‪ .‬ـ ـ ـ ـ من زجاج قد يدمينا‬
‫سحبت سيفا‪ ،‬قطعت الصمت‪ ،‬غلفت الكالم و سألت‬
‫ـ ـ ـ ـ هل للدموع زجاج؟‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ وله أيضا حكاية صمت دامية‪ .‬أجاب وهو يشرب الضباب مجددا‬
‫ـ ـ ـ ـ دعنا نشرب معا‪ .‬قالت وهي تغرف الضباب‬
‫أجاب وهو يمسك يديها كالمعتاد‬
‫‪ ..‬ـ ـ ـ لقد شربتُهُ و شربتِِه َّ‬
‫في‬

‫‪44‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫صن طفولتِها فأنكسر‬
‫كنت أتكئ على غُ ِ‬
‫ُ‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫عبد الجبار الجبوري‬

‫ِ‬
‫عملك الهزائمَ‪ ،‬والقمر‬
‫يح تُ َ‬ ‫للقمرِ‪ّ ،‬‬
‫الر ُ‬ ‫ك ْن صديقاً َ‬
‫للريِح‪ ،‬والت ُ‬
‫ُكن صديقاً ِّ‬
‫َمرةً ‪،‬قالَ الليلُ لي‪ْ ،‬‬
‫يطلع من بين نهديّها‬ ‫شقوت‪ ،‬ولم ْ‬
‫ُ‬ ‫هر‪،‬ثم قال ستشقى ويشقى بعدك المطر‪،‬وها أنا‬ ‫الس َ‬
‫ك ّ‬ ‫ُيعلم َ‬
‫ّ‬
‫وجع البَّعاد‪،‬ويُبكيّني‬
‫كني ُ‬ ‫يح‪،‬فربّما يُعافِني الليلُ‪ ،‬ويُنه ُ‬
‫الر ْ‬
‫‪،‬أن ال أشتُمَ ّ‬‫البحر ْ‬
‫مر‪،‬أوصاني ُ‬‫ّ‬ ‫القَ‬
‫ك الهديلَ ِسواي‪،‬‬ ‫علم َ‬ ‫األسى‪،‬ومرةً همست بأُذُني وقالت‪ ،‬ال أحد سيحنو َ ِ‬
‫عليك سواي‪ ،‬وال أحدٌ يُ ّ‬ ‫ٌ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ َ ْ‬
‫عنقك ِسواي‪ ،‬ال أحدٌ بَ ْعدي يَقرأ‬
‫َ‬ ‫لك ربطةَ‬‫ك ‪،‬ويشُدّ َ‬ ‫امك ويُعدِّلُ قيافتَ َ‬
‫أي َ‬‫ب ّ‬‫وال أحدٌ يُرتِّ ُ‬
‫ك ِسواي‪ ،‬عندها‬ ‫ِ‬
‫وينشرها على حائط القَُب ِل سواي‪ ،‬ال أحدٌ يَ ُ‬
‫مسح دَمعةَ قصيدتَ َ‬ ‫ُ‬ ‫الولهى‪،‬‬
‫ك ّ‬ ‫قصائدَ َ‬
‫أن اهلل خلقك من ِ‬
‫ضلعي لي‪ ،‬ألنعمَ باألنوثة والجمال ‪،‬وأُصلّي لعينيّن هاربتيّن‪ ،‬من‬ ‫ت َّ َ‬ ‫فقط ‪،‬أيقنّ ُ‬
‫أجد‬
‫لى‪،‬لم ْ‬
‫مأوى لقصائدي الثكّ ْ‬
‫ً‬ ‫أبحث عن‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫وص ْر ُ‬
‫زمان‪ُ ،‬‬
‫ْ‬ ‫الزمان من‬
‫ُ‬ ‫مات‬
‫الجحيم الى قلبي‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الحجون إلى‬ ‫يكن بين‬ ‫وأغان ٍ‬
‫يابسة ‪َ ،‬ولَ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سوى مدائن ٍ‬
‫‪(،‬كأن لم ْ‬
‫ْ‬ ‫قديم‬
‫ْ‬ ‫حن‬ ‫زين‪،‬‬
‫‪،‬ووطن َح ْ‬ ‫خربة‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫البرية ‪،‬لتحطُ َ‬
‫الشوق الى ّ‬‫غزالن ّ‬
‫ُ‬ ‫هبت‬
‫حب‪،‬وذَ ْ‬‫‪،‬إنفض الصَّ ُ‬
‫َّ‬ ‫سامر‬
‫مر بمكةَ ٌ‬‫يس ْ‬
‫ولم َ‬
‫أنيس ْ‬
‫الصفا‪ٌ ،‬‬
‫حر‪،‬ورسمت لها على رم ِل شواطئه‪ ،‬وطناً مذبوحاً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فذهبت الى البَ‬
‫ُ‬ ‫لِي من َ‬
‫كرز اهلل‪،‬أما أنا‬
‫ومسحت دمعتيهما‪ ،‬ونهدّ ِ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬ورسمت على رمل هواها شَفتين وقبلتُهما‪ ،‬وعينيَن‬
‫ُ‬ ‫وقمراً قتيالً‬
‫وجعي‪،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأغثني‪ ،‬واغفر لي َ‬
‫ض ُّرها ْ‬
‫لقد َم ّسني َ‬
‫للعشق‪ْ ،‬‬ ‫وقلت‬
‫ُ‬ ‫بشفاه قَلمي‪،‬‬ ‫ت حلمتيهما‬ ‫وعص ّر ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت على‬
‫مي‪،‬فقام َو َربَ َ‬
‫ُ‬ ‫تُ َحملُّني ما ال طاقةَ لي به‪ ،‬يُ ُ‬
‫فرح قََو‬

‫‪45‬‬
‫ها‪،‬وتحب ناقتها قصائدي‪ ،‬قصائدي التي لم تقرأها‬
‫ُّ‬ ‫س في َجيبّي أغنيةً حزينة تحبُّ‬
‫كتَفي‪ ،‬ودَ ّ‬
‫ها‪،‬لكن غصن طفولتها مالَ وانكسر‬‫صن طفولتِ‬
‫أن أتكئ على غُ ِ‬
‫َّ‬ ‫أحلم ْ‬
‫‪،‬كنت ُ‬
‫‪...‬بعد ُ‬
‫ُ‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫الموصل‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫مايس ‪5 2020‬‬
‫ة‬

‫ضال ل‬

‫محمد العياشي‬
‫ـ‪1‬‬

‫ِعدني‪ٍ  ‬‬
‫بشيء‪ ‬فال‪ ‬‬ ‫ْ‬
‫ذب‪ ‬في‪ ‬نفسي‪ ‬‬
‫وأع ُ‬
‫أحلى‪ْ  ‬‬
‫ْ‬
‫الوع ِد‪  ‬‬
‫من‪ْ  ‬‬
‫حتى‪ ‬لو‪ ‬بدا‪ِ  ‬‬
‫كذبا‪ ‬‬ ‫َ‬
‫‪ ٠‬‬

‫مثلَ‪ ‬الذي‪ ‬‬
‫فليس‪ْ  ‬‬
‫َ‬
‫يحيا‪ ‬على‪ٍ  ‬‬
‫أمل‪ ‬‬

‫من‪ ‬كان‪ ‬يحيا‪ ‬‬

‫‪46‬‬
‫كثير‪ ‬اليأس‪ ‬‬

‫مكتئبا‪ ‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫‪..‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ض ِة النجم‬
‫يا َو ْم َ‬
‫في جون الدجى ِ‬
‫التمعي‬

‫حتى أرى كيف ألقى‬

‫الحب واألربا‬
‫ّ‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫علي اليوم‬
‫إن الطريق ّ‬
‫ملتبس‬
‫ٌ‬
‫حتى لقد صرت‬

‫مسعاي مضطربا‬
‫َ‬ ‫في‬

‫‪٠٠‬‬

‫يا بسمة البدرِ في الليالءِ‬


‫ْ‬
‫شررا من موقد البَ ْدوِ‬
‫يا ً‬
‫تهبا‬ ‫ِ‬
‫في الصحراء ُمْل َ‬
‫‪٠٠‬‬

‫ضاعت على حين ٍ‬


‫جهل‬

‫يدي مفاتيحي‬
‫من َ‬

‫‪47‬‬
‫فمدّا أللقاها لي السَّببا‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫‪٠٠‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫أرهقتُنِي بِ ِص َيا ِحي‬


‫ة‬
‫رج ِع الصدى‬
‫مجيب سوى ْ‬
‫َ‬ ‫ال‬

‫قلت‪ :‬هل تأتي معي؟‬


‫ُ‬
‫فأَبَى‬

‫‪ ٠٠‬‬

‫ـ ـ‪2‬‬

‫اللون‪ ‬في يدي‪ ‬‬
‫ود‪ْ  ‬‬‫أس ُ‬
‫وحب ٌر‪ْ  ‬‬
‫‪.‬صباحٌ‪ْ  ‬‬
‫ليل‪ ‬هائٍم لم تزل ِ‬
‫معي‪ ‬‬ ‫‪ ‬بقيّةُ‪ٍ  ‬‬
‫ْ‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫بطرسي ما يخُطّ حرارةً‪ ‬‬


‫يخطّ ْ‬
‫شجوِهِ المتنَوِ ِع‬
‫فيَذوِي الضُّ َحى من ْ‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫يترك الشجى‬
‫ُ‬ ‫كأسا عَلَّهُ‬
‫فأسقيه ً‬
‫شجوا من شرابي المشعشَِع‬
‫فيزداد ً‬
‫ُ‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫‪48‬‬
‫كالنا ضليل هائم دون ٍ‬
‫غاية‪ ‬‬ ‫ٌ ٌ‬
‫ضاللي أَدّعي‪ ‬‬
‫َ‬ ‫وماذا عساني في‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ِ‬
‫للفراق‪ ‬تحيّةٌ‪ ‬‬ ‫وفي‪ ‬كلّ‪ ‬يوٍم‪ ‬‬

‫بأضلُ ِعي‬
‫نارا‪ ‬ليس تخبو ْ‬
‫تضر ُم‪ً  ‬‬
‫ّ‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫ام ٍة‪ ‬‬ ‫ورحلةُ‪ٍ  ‬‬


‫شوق‪ ‬في‪ ‬غبارِ‪ ‬غَ َم َ‬
‫حبيبا‪ ‬عن‪ٍ  ‬‬
‫حبيب‪ ‬مودِّ ِع‬ ‫تضلّ‪ً  ‬‬
‫‪ ٠٠‬‬

‫بسهله‪ ‬‬
‫الدهر‪ ‬حقلٌ‪ ‬ليس‪ ‬نجني‪ْ  ‬‬
‫هو‪ْ  ‬‬
‫وأدم ِع‪ ‬‬
‫ُ‬ ‫النفوس‬
‫َ‬ ‫سوى‪ ‬إبَ ٍر‪ ‬تُ ْ‬
‫ضني‬

‫‪ ٠٠‬‬

‫مئزر‪ ‬خيبتي‪ ‬‬
‫أجر‪ ‬بنقْع‪ ‬األرض‪َ  ‬‬
‫ّ‬

‫وأنزع كاألعمى إلى غيرِ ْ‬


‫منز ِع‬ ‫ُ‬

‫‪ ٠٠ ‬‬

‫ومبهما‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫عويص‬ ‫فأصبح لفظًا من‬
‫ُ‬
‫مرص ِع‬ ‫ٍ‬
‫كشطر بال معنًى ببيت ّ‬

‫‪ ..‬‬

‫‪49‬‬
‫يت‪ ‬أنّي‪ ‬قطْرةٌ‪ ‬من‪ ‬ندًى‪ ‬على‪  ‬‬
‫تمنّ ُ‬
‫ممتِِّع‬ ‫ٍ‬
‫صقيالت‪ٍ  ‬‬
‫جيل‬
‫بحقل َ‬ ‫أقا ٍح‪ ‬‬
‫الثقافي‬
‫‪ ٠٠‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫سيرة‬

‫نيابة عن زمال ئي في مجلة عناقيد‪ ،‬النسخة الرقمية ‪ ،‬العدد الثاني ‪ ،‬أقدم‬


‫شو ش على‬
‫اعتذاري للصديق الشاعر مصطفى قلوشي ‪،‬نظرا للخطأ التقني الذي ّ‬
‫‪".‬نصه الموسوم ” سيرة” ‪ ،‬ويسعدني معاودة نشره في ” جيل الثقافية‬
‫مصطفى القلوشي‬

‫‪ ،‬من حسن حظ الشجرة‬

‫الرياح منشغلة عنها بمطاردة‬

‫‪.‬أماني العاشقين‬

‫من حسن حظ الفراشة‬

‫‪...‬أن الزهرة تحب الحياة حد الذبول‬

‫من حسن حظ الريح‬

‫‪50‬‬
‫أن النوافذ‬

‫األرصفة‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬ ‫‪....‬الشجر‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪ ،‬ال تحفظ أناشيدها‬

‫تلك التي تحرض السماء‬

‫‪....‬ضد زرقتها‬

‫‪ ،‬من حسن حظ الحلزون‬

‫‪....‬تحمل بيتها على ظهرها‬

‫‪ ،‬ال تطرق باب أحد‬

‫قر الشتاء‬
‫يجيرها من ّ‬
‫‪ ،‬من حسن حظ النعامة‬

‫تدفن رأسها في الرمل‬

‫‪ ،‬ال تعبأ بالعالم‬

‫‪...‬إذ يسخر من سوأتها‬

‫‪ ،‬من حسن حظ العصافير‬

‫الفزاعات التي تمأل حقل الذرة‬

‫‪ .‬ذهبت بأسمالها الريح‬

‫‪ ،‬من حسن حظ فنجان قهوتي‬

‫‪51‬‬
‫‪ ،‬لم تقرأ كفه العرافات‬

‫‪ ،‬ولم تبشر بخطوط حظه األنبياء‬


‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫وحدها قصاصات الجريدة‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫أنبأت بسواد مزاجه‬


‫ة‬ ‫" عند صفحة " حظك هذا اليوم‬

‫‪ ،‬من حسن حظ عينيك‬

‫أنها ال تقرأ أعماقي‬

‫‪-‬‬ ‫كما تدعين دوما ‪-‬‬

‫ثمة ضجة في أقاصيها‬

‫وجلبة‬

‫‪....‬وعويل‬

‫وبركة ماء عكر‬

‫‪.‬تقذفها الصبية بالحجارة‬

‫‪ ....‬وضفادع تنق‬

‫وخفافيش في العتمة‬

‫‪..‬تنام‬

‫‪52‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫حدثني عن حبك للعناكب‬

‫منال الهجرسي‬
‫ناولني كتابا وحدّثني في المجامع تارةً عن فرويد وتارةً عن أجاثا أو عن بيكاسو ‪ ،‬تحدّث‬
‫معي دون تكلف أخبرني عما يجول في متاهات عقلك عن اهتماماتك الغريبة ‪ ،‬عن حبك‬
‫المنزوي تحت فراشك‪ .‬لنتكلم عن الفن أو عن الدين أو عن‬
‫للعناكب وعن محتوى الكتاب ُ‬
‫الدعابات ولنضحك بشدة؛ حتى تنكمش مالمحنا‬
‫‪. ‬الفلك أو ببساطة دعنا نلقي ُ‬
‫أنا حقاً ال أريد التحدث عن تلك التي صبغت شعرها أحمر أو عن ذاك الذي أصبح عاطالً عن‬
‫العمل أو عن سذاجة زوجته التي أصبحت تعيله هو وأوالده ‪ ،‬ال أريد أن أتحدث عن طرق‬
‫إزالة البقع الصعبة ‪ ،‬وعن فالنة وفستان زفافها قديم الطراز‪ ،‬وعن جارتها المطلقة‪ ،‬وأيضاً ال‬
‫تحدثني عما يقال عني من وراء ظهري‪ .‬تحدثوا أنتم‪ ،‬وكلوا لحوم بعضكم إن شئتم ‪ ،‬ولكن ال‬
‫تتعجبوا من تغيبي عن جميع مناسباتكم االجتماعية فقط ألنني أفضل البقاء في غرفتي المكتظة‬
‫‪. ‬بين ما هو أعمق واعظم ‪ ،‬بين اللوحات والكتب والمقاالت‪ ،‬وفوق لحافي الملطخ ببقع األلوان‬
‫”لم يخلق اهلل عقلك للفراغ‪ ،‬فلما تصر على إبقاءه فارغاً‪ ،‬ألم يحن وقت إطالق العنان لروحك؟“‬

‫‪53‬‬
‫‪ ‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫"كتاب " التنافس على بحر الصين الجنوبي‪ :‬مصالح أمريكا مقابل تأكيد الصين على السيادة‬

‫عمان‪-‬‬
‫ّ‬
‫يتن اول كت اب‪RIVALRY OVER THE SOUTH ‬‬
‫‪CHINA SEA: AMERICA’S INTE RESTS VERSUS‬‬
‫‪CHINA’S ASSERTIVENESS OF SOVEREIGNTY‬‬
‫(التنافس على بحر الصين الجنوبي‪ :‬مصالح أمريكا مقابل تأكيد الصين على السيادة) للباحثة‬
‫األردني ة بثين ة الزواه رة المنافس ة ال دائرة بين الص ين والوالي ات المتح دة األمريكي ة على‬
‫النفوذ في المنطقة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي‪ ،‬حيث النزاع قائم منذ زمن بعيد‪،‬‬
‫بين الصين وخمس دول أخرى‪ ،‬على مجموعة من الجزر هناك‪.‬‬
‫‪ ‬تمتاز تلك الجزر بوفرة الموارد الطبيعية؛ ما أكسبها أهمية كبيرة‪ ،‬باإلضافة إلى أن موقعها‬
‫االس تراتيجي يق ع على أهم خط وط النق ل البح ري في الع الم‪ .‬ه ذا األم ر أدى إلى اهتم ام‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بهذا النزاع‪ ،‬ومحاولتها الوقوف إلى جانب حلفائها في المنطقة؛‬
‫للحيلولة دون استيالء الصين على هذه الجزر ووقوع تلك الممرات البحرية الهامة في قبضتها‬
‫كلياً‪.‬‬
‫ويركّ ز الكتاب الصادر عن اآلن ناشرون وموزعون باللغة اإلنجليزية على تأكيد الصين على‬
‫أحقيتها في السيادة على هذه الجزر‪ ،‬إذ تقدّم الصين وثائق تستند في غالبيتها إلى أحداث‬
‫تاريخي ة لم تع د ذات أهمي ة ت ذكر في ح ال تط بيق المب ادئ المعاص رة للق انون ال دولي على‬
‫مثل هذا النوع من النزاعات‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ومع أن الصين تدرك أن الوثائق التي تمتلكها غير كافية إلثبات حقها في الجزر‪ ،‬إال أنها ما‬
‫زالت ت راهن على اس تثمار عام ل ال وقت لتكس ب أوراق ا إض افية تع زز من قوته ا ومكانته ا‪،‬‬
‫الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تمكينها من ضمّ الجزر بفضل القوة التي تمتلكها‪،‬‬
‫األمر جيل‬
‫الثقافية‬
‫ونتيجة ألهمية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫الص ين بوص فها واح دة من ال دول الك برى ال تي تمتل ك ق درة عالمي ة في الس يطرة وإدارة‬
‫مجريات األحداث‪.‬‬
‫ورغم حدوث بعض المناوشات من حين آلخر بين الصين والدول األخرى المعنية بهذا النزاع‬
‫الطوي ل المتش ابك في تفاص يله‪ ،‬إال أن ذل ك لم يمن ع ال دول المتنازع ة من التمس ك بالوس ائل‬
‫الدبلوماسية والسلمية؛ بغية الوصول إلى حلول ترضي كافة األطراف‪.‬‬
‫وق د خلص الكت اب إلى نتيج ة مفاده ا أن الص ين ال تس عى ألن تص بح دول ة إمبريالي ة ب المعنى‬
‫التقلي دي للكلم ة‪ ،‬إال أنه ا تس عى للعب دور جدي د ومختل ف؛ وذل ك عن طري ق الهيمن ة‬
‫االقتص ادية ال تي س تجعل العدي د من ال دول معتم دة عليه ا اقتص اديا‪ ،‬ومن ثَمّ تك ون دول ة‬
‫مؤثرة في قرارات تلك الدول‪.‬‬
‫يشار إلى أن الباحثة بثينة الزواهرة محاضر في كلية الدراسات الدولية بجامعة صن يات‬
‫صن في مدينة تشوهاي‪ ،‬وهي واحدة من مدن مقاطعة قوانغدونغ بروفانس ‪ ،‬وتقع في دلتا‬
‫نهر اللؤلؤ التي تتدفق إلى بحر الصين الجنوبي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫كتاب"الفُصحى والعامية واإلبداع الشعبي‬

‫د‪.‬مصطفى عطية جمعة‬

‫عن مؤسسة شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة ‪ ،‬صدر للباحث والناقد د‪.‬مصطفى عطية جمعة‬
‫‪،".‬كتاب" الفصحى والعامية واإلبداع الشعبي‬
‫الكتاب‪ ‬يقع في ‪ 292‬صفحة من القطع الكبير ‪ ،،‬ويتضمن أربعة أبواب رئيسية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫‪.‬المقدمة والتمهيد والخاتمة‬

‫سعيا‬
‫يقدِّم الكتاب عددًا من الرؤى حول واقع الثقافة العربية ‪ ،‬في قضية العامية والفُصحى ‪ً ،‬‬
‫إلى تجاوز المناقشة التقليدية في مستواها األدنى ‪ ،‬والمتعلق باأللفاظ العامية وتراكيبها‬
‫وعالقتها بالفُصحى ‪ ،‬أي االنتقال من دائرة اللغة إلى دائرة األفكار والخلفيات ‪ ،‬فالعامية‬
‫ليست قضية لفظية لغوية فقط ‪ ،‬وإنما لها جوانبها الثقافية ومرجعياتها الفكرية‪ .‬فمحور الرؤية‬
‫التي يحملها الكتاب هي الوشائج بين العامية والفُصحى ‪ ،‬بالنظر إلى كون العامية إحدى‬
‫فروع الفُصحى ‪ ،‬وما ينتج عن هذا من إشكاالت ‪ ،‬تتمثل في إشكالية الحوارية في القصص‬
‫‪.‬والمسرحيات ‪ ،‬والتي يتناولها الباب األول‬
‫ويخلص المؤلف إلى أنه ال ضير من العامية في اإلبداع بكافة أشكاله ‪ ،‬المكتوب والمرئي‬

‫‪56‬‬
‫ونقربه من الفُصحى ‪ ،‬وأن يضع المبدع العربي بُعد‬
‫والمسموع ‪ ،‬على أن نرتقي بالقاموس ِّ‬
‫‪.‬الهوية العروبية في حسبانه ‪ ،‬وهو يصوغ إبداعاته ‪ ،‬فال ينظر إلى المتلقي المحلي فقط‬
‫جيل‬
‫كانت تلك القضية هي التي تناولها الباب الثاني ‪ ،‬وعنوانه ‪ :‬قضايا اللغة في األدب‬
‫وقدالثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫الشعبي في ضوء الشفاهية والكتابية ‪ ،‬حيث تناول األمر من زاوية عالقة الشفاهية والكتابية‬
‫باإلبداع‬

‫الشعبي ‪ ،‬وأهمية حفظ تراث العربية في العامية ‪ ،‬ألنه جزء من ذاكرة األمة‪ .‬كما استعرض‬
‫أيضا مهارات التدوين للشفاهيات العربية ‪ ،‬وأهمية ذلك ‪ ،‬على اعتبار أنه إذا‬
‫الباب الثاني ً‬
‫موازيا له ‪ ،‬يجب االلتفات إليه ‪ ،‬وتسجيله ‪،‬‬
‫ً‬ ‫شفاهيا‬
‫ً‬ ‫كان هناك تاريخ مكتوب ‪ ،‬فإن هناك تاريخًا‬
‫‪.‬ودراسته ‪ ،‬ليكون رافدًا من روافد مسيرة األمة العقلية واإلبداعية والوجدانية والفكرية‬

‫مستعرضا أبعادها ومحدداتها ‪ ،‬وعالقتها باألقليات اللغوية‬


‫ً‬ ‫ويناقش الباب الثالث قضية الهوية‬
‫أيضا إشكالية تتفرع عن‬
‫والعرقية وانعكاس ذلك على الفولكلور الشعبي ‪ ،‬كما يناقش ً‬
‫موضوع الكتاب ‪ ،‬أال وهي الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية ‪ ،‬وتطرق النقاش إلى ما يُسمَّى‬
‫بثقافة النُّخبة وثقافة الجماهير ‪ ،‬للتأكيد على رفض أية ثنائية ثقافية أو باألدق ازدواجية‬
‫نعيشها في حياتنا الفكرية واألدبية بشكل عام ‪ ،‬فال يمكن قبول ثقافة نخبوية‪ /‬رسمية ‪ ،‬تُمثِّل‬
‫استعالءً على ثقافة الشعب الجماهيرية ‪ ،‬ألن العبرة في الثقافة هي تعبيرها عن منتجيها ‪ ،‬أيًّا‬
‫‪.‬كانت وسيلة اإلبداع ‪ ،‬شفاهةً أو كتابةً أو تمثيالً أو غناءً‬

‫أمَّا الباب الرابع ‪ ،‬فتناول جماليات اإلبداع الشعبي ‪ ،‬من خالل دراسة تطبيقية بعنوان البحر‬
‫في الشعر الشعبي الخليجي (رؤية مكانية سوسيولوجية) ‪ ،‬وتدور حول أثر البحر في اإلبداع‬
‫ومصدرا للرزق ‪ ،‬صاغ عالقة‬
‫ً‬ ‫مؤثرا ‪،‬‬
‫مكانيا ً‬
‫ً‬ ‫عنصرا‬
‫ً‬ ‫الشعبي الخليجي ‪ ،‬وكيف أن البحر بوصفه‬
‫البشر بالمكان والزمان ‪ ،‬وهذا ما فاضت به األغاني الخليجية والشعر الشعبي في األقطار‬
‫‪.    ‬المطلة على الخليج‬
‫‪ ‬‬

‫‪57‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫كتاب يدرس مقامات أبي الحارث البرواني‬

‫عمان‪-‬‬
‫ّ‬

‫العم اني س عيد‬


‫يس عى كت اب "ق راءات س ردية لمقام ات أبي الح ارث ال برواني"‪  ‬للب احث ُ‬
‫الص لتي‪ ،‬إلى إع ادة ق راءة مقام ات أبي الح ارث ال برواني في ض وء من اهج النق د األدبي‬
‫الحديث ة‪ ،‬من أج ل رص د مك امن الجم ال والطراف ة فيه ا‪ ،‬ورس م طري ق جدي د لفن المقام ة في‬
‫العصر الحديث‪.‬‬
‫كتاب واألدباء بالتعاون مع "اآلن ناشرون وموزعون"‬
‫والكتاب الصادر عن الجمعية العمانية لل ُ‬
‫في األردن‪ ،‬جاء في ثالثمئة وخمس وسبعين صفحة من القطع المتوسط‪ .‬واستهله الباحث بفصل‬
‫عرف فيه بفن المقامة ونشأته وأهم رموزه في التراث العربي بشكل عام والتراث‬
‫تمهيدي َّ‬
‫العماني بشكل خاص‪ .‬ثم تناول مقامات ال برواني بالتحليل من حيث مكوناتها البنائية؛ سرداً‬
‫وحواراً وتناصاً‪ ،‬ثم من حيث مكوناتها الفنية في اللغة والشخصيات وتوظيف المكان‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ويرى الباحث أن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها "توجه عنايتها لفن عربي خالص لم‪  ‬يل َق‬
‫نصيبه من االهتمام"‪ ،‬وهي تتوخى إعادته إلى الوجود "من خالل الكشف عن‪  ‬أسرار صياغته‬
‫البنائيةجيلوجماله الفني من خالل مقامات أبي الحارث البرواني التي تُعد من أسبق المقامات‪،‬‬
‫الثقافية‬
‫من حيث أنها تأتي مطبوعة في كتاب مستقل"‪ .‬ويوض ح أن مقامات ال برواني خمس مقامات‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫سار فيها صاحبها مسيرة الهمذاني والحريري‪ ،‬وهذا يؤكد الحضور العماني في هذا الفن‪،‬‬
‫ومشاركة العمانيين في حفظه من االندثار‪.‬‬
‫ويخلص الصلتي في خاتمة بحثه إلى أن المقامة ما زالت محتاجة إلى من يقوم بإعادة إحيائها‪،‬‬
‫وذلك من خالل إعادة قراءتها بصورة معاصرة تصل بينها وبين فن القصة القصيرة المعاصر‬
‫دون المساس‬
‫بجوهرها‪ .‬وهو يدعو إلى تعزيز حضورها في المنتديات والمحافل األدبية‪ ،‬ونشرها إعالمي اً من‬
‫خالل الشاشات وتحويلها إلى مسرحيات تقدَّم أمام الجمهور‪ ،‬كي يُحفظ هذا الفن من االندثار‪،‬‬
‫ويُقدَّم إلى اآلداب العالمية بوصفه أدباً عربياً خالصاً‪.‬‬
‫والش يخ أب و الح ارث ال برواني ال ذي تن اولت ه ذه الدراس ة مقامات ه‪ُ ،‬ول د في زنجب ار ع ام‬
‫‪1296‬هـ‪ ،‬وترع رع هن اك في كن ف وال ده ثم والدت ه وجدت ه العالم ة الش يخة ري ا بنت علي‬
‫البرواني ة‪ .‬ومن آث اره‪" :‬مقام ات أبي الح ارث" ال تي طُبعت للم رة األولى في الق اهرة ع ام‬
‫‪1914‬م ثم أع ادت طباعته ا وزارة ال تراث والثقاف ة العماني ة ع ام ‪1980‬م‪ ،‬و"رحل ة أبي‬
‫الحارث" التي طُبعت للمرة األولى في زنجبار عام ‪1915‬م ثم أعادت وزارة التراث والثقافة‬
‫العمانية طباعتها عام ‪2010‬م‪ ،‬باإلضافة إلى ديوان شعر فُقد في زنجبار بعد عام ‪1964‬م‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫المـغـايِـر في منظور ميشال‪ ‬فوكو‬


‫المكان ُ‬

‫أ‪.‬د‪.‬سيدي محمَّد بن مالك‬

‫أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر الفضاء‬


‫نصه "أفضيَّة أخرى"(‪ّ ،)1‬‬
‫عتقد ميشال فوكو‪ ،‬في ّ‬
‫ب إلى‬
‫يص ُ‬
‫أن اإلنسان‪ ،‬في العصور التي خلَت‪ ،‬لم يرتبط بالمكان‪ ،‬ولم ْ‬
‫بامتياز‪ .‬وهذا ال يعني ّ‬
‫الناس الواقعية‪ ،‬في القرون الوسطى‪ ،‬إلى تقديس‬
‫تمثُّله وإدراكه؛ فقد انصرفت نظرة ّ‬
‫حينا آخر‪ ،‬كما‬
‫ضةً للخطر ً‬
‫المكان تارةً وتدنيسه تارةً أخرى‪ ،‬والذود عنه حيناً وتركه عُ ْر َ‬
‫السماوي والمكان األرضي‪ .‬وقد ظلّت‬ ‫قابلة بين المكان ّ‬‫الم َ‬
‫انصرفت نظرتهم الكونيَّة إلى ُ‬
‫هذه النّظرة التّصنيفية للمكان‪ ،‬إلى ثنائيات فضائية ُمتعارِضة‪ ،‬قائمةً إلى يومنا هذا‪ ،‬على‬
‫مضينا‬
‫قابالت لم تكن‪ ،‬في أغلب األحيان‪ ،‬شعوريَّة؛ فقد ْ‬
‫حاولة استيعاب تلك التّ ُ‬
‫أن ُم َ‬
‫الرغم من ّ‬
‫ّ‬

‫‪60‬‬
‫فاضل‪ ،‬من غير ٍ‬
‫قصد‪ ،‬بين الفضاء الطّبيعي والفضاء الثّقافي‪ ،‬وفضاء‬ ‫نُميِّز‪ ،‬دون تأمٍُّل‪ ،‬وربما نُ ِ‬
‫ّ‬
‫الخاصة والفضاء االجتماعي‪ ،‬وفضاء العمل وفضاء التّسلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحياة‬
‫أكان تصنيف المكان ذو البعد الثّنائي اعتباطيا أم متبصَّرا‪ ،‬فإن اإلنسان الم ِ‬
‫عاصر‬ ‫وسواءجيل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫الثقافية‬
‫أصبح م ِ‬
‫نشغالً بالفضاء أكثر‪ ،‬الرتباط حياته اليومية‪ ،‬في حلّها وترحالها‪ ،‬بمواقِع‬ ‫ُ‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫وأحدثها التّطوُّر العلمي والتكنولوجي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أنشأتها المدَنيَّة الحديثة‪ْ ،‬‬
‫‪ُ emplacements‬مختلفة ْ‬
‫نظير المقاهي والميادين وأماكن االستراحة والمستشفيات‬ ‫القوة والتّسلُّط‪َ ،‬‬
‫وأوجدتها ّ‬ ‫ْ‬
‫العرض ومواقف الحافالت‬ ‫ودور ْ‬ ‫ودور الحضانة والمسارح وقاعات السينما ُ‬ ‫والسجون ُ‬ ‫ّ‬
‫عامةً‪،‬‬
‫الناس‪ّ ،‬‬
‫والمطارات ومحطّات القطار والقطار نفسه‪ .‬وقد تبدّى هذا االنشغال في عناية ّ‬
‫بالمكان‪ ،‬واهتمام المتخصِّص بعلمه وجماليّته وداللته‪ .‬هذه الدّاللة التي الحت لغاستون باشالر‬
‫جهة أخرى‪ ،‬في‬‫جهة‪ ،‬وميشال فوكو من ٍ‬ ‫والفينومينولوجيين من ٍ‬
‫ٍ‬ ‫شْ ٍ‬
‫أن الذي أهمّ‬
‫معا‪ .‬غير ّ‬
‫وغير منسجم ً‬
‫تلئا َ‬ ‫ومتقابِلة َ‬
‫ينضح بها المكان‪ ،‬صيَّرته ُم ْم ً‬ ‫كل قيم ذاتية ُ‬
‫ميشال فوكو هو اشتغال تلك القيم في فضاء الخارج‪ ،‬وليس فضاء الدّاخل الذي احتفى به‬
‫والصندوق والخزانة‬
‫والسقيفة والدُّ ْرج ّ‬
‫والقبو ّ‬
‫ْ‬ ‫غاستون باشالر‪ ،‬مثل ما تُمثِّله أفضيَّةُ البيت‬
‫والزاوية والدّائرة(‪.)2‬‬
‫والعش والصَّدَفَة ّ‬
‫ّ‬
‫تعمر الفضاء‪ ،‬في منظور ميشال فوكو‪ ،‬من خالل وجود اإلنسان الذي يمنح‬
‫وتتكشَّف القيم التي ُ‬
‫بغض الطّ ْرف‬ ‫ِ‬
‫أن الفضاء الذي ينتفي فيه حضور البشر‪ّ ،‬‬ ‫المواقع حيويةً وحياةً ومعنًى‪ ،‬ذلك ّ‬
‫اجتماعيا (البيت) أو‬
‫ً‬ ‫علميا (الجامعة) أو‬
‫ثقافيا (المسرح) أو ً‬
‫ً‬ ‫إن كان‬
‫عن طبيعة ذلك الحضور ْ‬
‫دينيا (المسجد) أو‬
‫سياسيا (دار البلدية) أو ً‬
‫ً‬ ‫(السوق) أو‬
‫تجاريا ّ‬
‫ً‬ ‫(المؤسَّسة) أو‬
‫اقتصاديا ُ‬
‫ً‬
‫جرد خلفية ِ‬
‫ساكنة ومكان بال روح‪.‬‬ ‫ترفيهيا (السيرك)‪ ،‬هو ُم َّ‬
‫ً‬

‫المغايِر‪:‬‬
‫‪ – 1‬المكان المثالي والمكان ُ‬

‫‪61‬‬
‫تمالته بغرابتها وكيفية اشتغالها‪ ،‬تلك التي لها‬ ‫واس ْ‬‫من بين األماكن التي شغلت ميشال فوكو‪ْ ،‬‬
‫السوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المتجانِسة ‪homotopies les‬؛ عالقة قوامها إبطال الحضور‬ ‫عالقة ُمضادة مع األماكن ُ‬
‫عتدلة تربطه بالمكان‪.‬جيل‬ ‫أو الذي ينبغي أن يكون‪ ،‬لإلنسان‪ ،‬وقْلب أو تعطيل كل وشيجة م ِ‬
‫الثقافي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫اثنين؛ أماكن مثالية ‪ ،utopies‬وأماكن ُمغايِرة‬ ‫نوعين ْ‬
‫المضادة إلى ْ‬ ‫وتنقسم هذه األماكن ُ‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ضرب من المواقِع الخياليَّة‪ ،‬التي ال كينونةَ لها‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫فأما األماكن المثالية فهي‬
‫‪hétérotopies‬؛ ّ‬
‫األماكن‬
‫ة‬ ‫وأما‬
‫سوى في أذهان َم ْن يتصوَّرون أو يتوهَّمون أو ينشُدون أو يؤمنون بوجودها‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫وغالبا ما تكون مرفوضة من المجتمع أو‬ ‫المغايِرة فهي مواقع حقيقيَّة‪ً ،‬‬
‫كثيرا ما تكون ُمؤقَّتةً‪ً ،‬‬ ‫ُ‬
‫السلطة‪ ،‬يلوذ بها اإلنسان‬
‫ّ‬

‫ثاويا‬ ‫ِ‬
‫مارا (المطعم) أو ُمساف ًرا (الفندق) أو ً‬
‫راضيا (المكتبة) أو ًّ‬
‫ً‬ ‫(المصحة العقلية) أو‬
‫ّ‬ ‫ضطرا‬
‫ُم ًّ‬
‫تعبيرا له‬
‫ً‬ ‫المغايِر تداخُالً‪ ،‬يجد‬
‫أن بين المكان المثالي والمكان ُ‬
‫(المقبرة)‪ .‬ويزعم ميشال فوكو ّ‬
‫في‬
‫المرآة‪.‬‬
‫مكان من غير‬ ‫مثالي‪ ،‬ألنّها‬ ‫مكان‬ ‫"إن المرآة‪ ،‬على أي ٍ‬
‫حال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يقول ميشال فوكو واص ًفا المرآة‪ّ :‬‬
‫افتراضيا خلف‬
‫ً‬ ‫حقيقي ينفتح‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪ .‬في المرآة‪ ،‬أرى نفسي حيث ال أوجد‪ ،‬في فضاء غير‬
‫إمكانا للظّهور خاصًّا بي‪ ،‬يسعفني‬
‫ً‬ ‫نوع من الظلّ الذي يمنحني‬
‫السطح‪ ،‬أنا هناك‪ ،‬حيث ال أوجد‪ٌ ،‬‬
‫ّ‬
‫أيضا‪،‬‬
‫ولكن المرآة هي‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫المثالي للمرآة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫غائبا – المكان‬
‫أن أنظر إلى نفسي حيث أكون ً‬ ‫في ْ‬
‫المرتدّ؛‬ ‫ِ‬ ‫مكان ُمغايِ ٌر‪ ،‬ألنّها توجد حقيقةً‪ ،‬وألنّه يوجد‪ ،‬في‬
‫نوع من األثر ُ‬
‫الموضع الذي أشغله‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫فانطالقًا من المرآة‪ ،‬أكتشف غيابي في الموضع الذي أنا فيه‪ ،‬مادام أنّني أرى نفسي هناك‪.‬‬
‫انطالقًا من هذه النّظرة التي‪ ،‬على هذا النّحو‪ ،‬تُؤخَذ عنّي‪ ،‬من عمق هذا الفضاء االفتراضي‬
‫عيني نحوي‬ ‫ِ‬
‫توجيه‬ ‫وأشرع في‬
‫َّ‬ ‫الذي يوجد في الجانب اآلخر من المرآة‪ ،‬أعود إلى نفسي َ‬
‫مكانا ُمغايِ ًرا بهذا المعنى الذي يجعل‬
‫وإعادة تشكيل نفسي حيث أنا؛ تشتغل المرآة‪ ،‬بوصفها ً‬
‫الموضع الذي أشغله في الوقت الذي أنظر فيه إلى نفسي في المرآة‪ ،‬في ٍ‬
‫آن‪ ،‬حقيقةً‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫ضطرة‪ ،‬من أجل‬‫شك‪ ،‬بما أنّها ُم َّ‬
‫ووهما بال ٍّ‬
‫ً‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬في ارتباطها بالفضاء كلّه الذي يُحيط بها‪،‬‬
‫ّ‬
‫االفتراضي الذي يوجد هناك"(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫تمر عبر هذا الوضع‬‫ألن ّ‬
‫أن تكون ُم ْد َركة‪ْ ،‬‬
‫ْ‬
‫المغايِر‪:‬‬
‫‪ – 2‬مبادئ تحديد المكان ُ‬
‫مكان ُمتجانِس‪ ،‬يشعر‬
‫ٌ‬ ‫مكانا ُمغايِ ًرا ال يعترف به المجتمع أو ّ‬
‫السلطة هو‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫إن ما يبدو ً‬
‫ّ‬
‫بعضا من وقته وحياته‪،‬‬
‫فيه اإلنسان بالدّعة واألمان واالنعتاق؛ فهو الفضاء الذي يمضي فيه ً‬

‫‪62‬‬
‫أكثر األفضيَّة‬
‫بعيدًا عن واجبات البيت والتزامات العمل‪ ،‬باعتبار فضاء البيت وفضاء العمل َ‬
‫استغراقًا لوقته وجهده وتفكيره‪ ،‬وأشدّها تقييداً لحريّته واختالفه‪ .‬من أجل ذلك‪ ،‬عَدَّ ميشال‬
‫المغايِر أو المكان اآلخر شكالً من أشكال رفْض الفضاء الذي نمتثِل فيه لآلداب‬ ‫المكان ُ‬
‫فوكوجيل‬
‫الثقافية‬
‫سمى‬ ‫ِ‬
‫الضرب من ضروب المكان‪ ،‬يُمكن أن يُ ّ‬ ‫وص ًفا لهذا ّ‬ ‫السلطة‪ ،‬وراح يقترح ْ‬
‫العامة وخطاب ّ‬‫ّ‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫المغايِر ‪ ،hétérotopologie‬يُ َ‬
‫توخّى‪ ،‬من خالله‪" ،‬قراءة" المبادئ التي تسمح‬ ‫علم المكان ُ‬
‫ؤول هذه المبادئ التي استنبطها ميشال فوكو على‬ ‫بتحديد المكان اآلخر‪ .‬ونستطيع أن نُ ِّ‬
‫الشّكل اآلتي‪:‬‬

‫ولكن‪ ،‬ال يوجد شكلٌ‬


‫ْ‬ ‫أي ثقافة في العالَم من أماكن ُمغايِرة‪.‬‬
‫أ – مبدأ الثّبات والتغيُّر‪ :‬ال تخلو ُّ‬
‫ِ‬
‫كا بين الثّقافات جميعها‪ .‬وعليه‪ ،‬نستطيع تقسيم‬ ‫المغايِر يُمكن أن يكون ُم َ‬
‫شتر ً‬ ‫واحدٌ للمكان ُ‬
‫اثنين؛ أماكن األزمة‪ ،‬وأماكن االنحراف‪ .‬من أماكن األزمة‪ ،‬في‬
‫صنفين ْ‬
‫ْ‬ ‫هذه األماكن إلى‬
‫عارضا وشدّةً‬
‫ً‬ ‫ضيقًا‬
‫الخاص باألشخاص الذين يعيشون ْ‬ ‫ّ‬ ‫حرم‪،‬‬
‫الم َّ‬
‫المجتمعات البدائيَّة‪ ،‬المكان ُ‬
‫السن‪ ،‬والنّساء في حالة والدة‪ .‬ومن أماكن األزمة‪ ،‬في‬ ‫المخصَّص لكبار ّ‬ ‫نظير المكان ُ‬
‫زائلةً‪َ ،‬‬
‫المجتمع الم ِ‬
‫عاصر‪ ،‬تلك التي تفتقر إلى عالمة جغرافيَّة يُستدَلّ بها‪ ،‬من قبيل القطار أو الفندق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫توارث إلى غاية منتصف القرن العشرين‪ ،‬وهو "شهر‬ ‫الم َ‬
‫وهما مكانان يرتبطان بالتّقليد ُ‬
‫العسل"‪.‬‬
‫المخصَّصة ألولئك‬
‫مقامها أماكن االنحراف ُ‬
‫فشيئا‪ ،‬لتقوم َ‬
‫شيئا ً‬‫وقد بدأت أماكن األزمة تختفي‪ً ،‬‬
‫والمصحات العقلية‪،‬‬ ‫الرعاية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫نظير دور ّ‬
‫المعاصر وقوانينه‪َ ،‬‬‫الذين ال يحترمون نظام المجتمع ُ‬
‫إن‬
‫العجزة التي تجمع بين مكان األزمة ومكان االنحراف‪ ،‬من حيث ّ‬
‫والسجون‪ ،‬ودور َ‬‫ّ‬
‫أن النّشاط الذي نمارسه في أوقات الفراغ هو‬ ‫ِ‬
‫الشّيخوخة أزمة وانحراف في اآلن نفسه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫زي ٌغ عن تلك القاعدة‪.‬‬
‫وأن البطالة هي ْ‬
‫القاعدة‪ّ ،‬‬
‫الغربي إلى غاية‬
‫ّ‬ ‫ب – مبدأ النّ ْقل والتّحوُّل‪ :‬لقد كانت للمقبرة وظيفة ُمعيَّنة داخل المجتمع‬
‫التاسع‬ ‫ِ‬
‫الثامن عشر‪ ،‬ثمّ اتّخذت لها وظيفة أخرى في المجتمع نفسه بدايةً من القرن ّ‬ ‫القرن ّ‬
‫بنقله من موقٍِع إلى ٍ‬
‫موقع آخر‪ ،‬ذلك‬ ‫حتما‪ْ ،‬‬‫المغايِر‪ً ،‬‬
‫عشر‪ .‬وقد ارتبط تحوُّل وظيفة هذا المكان ُ‬
‫الجماعي في قْلب المدينة بجانب الكنيسة‪ ،‬إلى‬
‫ّ‬ ‫أُن ِشئت بشكلها‬
‫أن المقبرة كانت تحيل‪ ،‬حين ْ‬ ‫ّ‬
‫الروح وخلودها ونُشورها في ُمقابِل فناء الجسد وتحلُّله‪ ،‬غير أنّها أضحت تومئ‪ ،‬بعد‬ ‫قدسيَّة ّ‬
‫نقل المقبرة من مركز المدينة إلى حوافّها في ظل الحضارة الم ِ‬
‫عاصرة ذات النّزوع اإللحادي‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬

‫‪63‬‬
‫والتي أصبحت تلتفت إلى الجسد – الجثة في صورته الفرديَّة‪ ،‬إلى القلق الذي غدا يُساوِر‬
‫مرض قد يُفضي هو نفسه إلى الموت إذا تمّ دفن الموتى‬ ‫أن الموت‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫المجتمع البرجوازي م ْن ّ‬
‫جيل‬ ‫المحاذيَة للمنازل والكنائس‪.‬‬
‫في المقابر ُ‬
‫الثقافي‬
‫المغايِر أفضية غير ُمتجانِسة عديدة‪ .‬ونموذجه‬ ‫والرمز‪ :‬قد يتضمَّن المكان ُ‬
‫صف ّ‬ ‫الر ْ‬
‫ج – مبدأ ّ‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫أن‬
‫ومقدَّ ًسا عند الفُ ْرس‪ْ ،‬‬
‫مكانا فعليًّا ُ‬
‫األكثر شيوعًا وداللةً هو الحديقة التي تستطيع‪ ،‬بوصفها ً‬
‫تُجاوِ َر‪ ،‬من خالل اإليحاء‪ ،‬بين أماكن افتراضيَّة‪ ،‬هي الجهات األربع للعالَم‪ُ ،‬‬
‫ممثَّلةً في الشّرق ة‬
‫إن مركز الحديقة‪ ،‬الذي تُجسِّده الفسقيَّة ونافورة الماء‪ ،‬هو‬
‫والغرب والشّمال والجنوب‪ ،‬بل ّ‬
‫أكثر قداسةً من‬
‫ُ‬

‫مكانا ُمغايِ ًرا ًّ‬


‫قارا‬ ‫الحديقة نفسها‪ ،‬باعتبار أنّه يرمز إلى مركز العالَم‪ .‬وإذا كانت الحديقة ً‬
‫فإن العالقة بين الحديقة‬ ‫تحر ٌ ِ‬
‫الس ّجاد مكان ُمغايِر ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫ك يُماثل الحديقة‪ .‬ومن ثمّ‪ّ ،‬‬ ‫فإن ّ‬ ‫يُماثل العالَم‪ّ ،‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬هي بمثابة العالقة بين عالَم‬ ‫الس ّجاد والحديقة ْ‬‫من جهة‪ ،‬والعالقة بين ّ‬ ‫والعالَم ْ‬
‫الس ّجاد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صغي ٍر ُمتحقٍِّق وعالٍَم كبي ٍر‬
‫افتراضي؛ فالحديقة صورة ُمصغَّرة وشاملة عن العالَم‪ ،‬بينما ّ‬
‫صورة مصغَّرة ِ‬
‫وشاملة عن الحديقة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أنفسهم‬
‫الناس َ‬ ‫الزمن‪ ،‬حين "يجد ّ‬ ‫المغايِرة مع ّ‬
‫المغايِر‪ :‬تتشابَك بعض األماكن ُ‬ ‫الزمن ُ‬ ‫د – مبدأ ّ‬
‫وصلة مع زمن آخر يتّسم بالتّنافُر والتّبايُن‪،‬‬ ‫الزمن التّقليدي"(‪ ،)4‬وفي ْ‬ ‫تامة مع ّ‬ ‫في قطيعة ّ‬
‫أن يتمّ هذا‬ ‫ِ‬
‫الزمن ويتّصل بالموت – الاّل زمن‪ ،‬بحيث ال يُمكن ْ‬ ‫كأن ينفصلَ اإلنسان عن الحياة – ّ‬ ‫ْ‬
‫المغايِر ‪ hétérochronie‬إاّل‬ ‫المتجانِس ‪ homochronie‬إلى ّ‬
‫الزمن ُ‬ ‫الزمن ُ‬ ‫االنتقال من ّ‬
‫المتجانِس الذي يحمل قيَمَ الطّمأنينة واأل ْلفة والدّفء (البيت مثالً) إلى‬ ‫باالرتحال من المكان ُ‬
‫والرعشة التي تُجسِّدها‬
‫تتمثل في الخوف والوحشة ّ‬ ‫قيما ُمغايِرةً‪ّ ،‬‬
‫المكان اآلخر الذي يحمل ً‬
‫والزمن‬ ‫المغايِر ّ‬ ‫المقبرة‪ .‬وقد ميَّز ميشال فوكو‪ ،‬في مسألة هذا التّداخُل القائم بين المكان ُ‬
‫المغايِر ‪ ،hétérochronotopie‬بين‬ ‫ِ‬
‫زمكانين‬
‫ْ‬ ‫أن نسمِّيه الزمكان(‪ُ )5‬‬ ‫المغايِر في ما يُمكن ْ‬ ‫ُ‬
‫األبدي‪ ،‬الذي ينهض‬ ‫ّ‬ ‫الزمكان‬‫والزمكان العابِر‪ .‬يتجلّى ّ‬
‫األبدي ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمكان‬ ‫اثنين‪ ،‬هما ّ‬ ‫غايرين ْ‬ ‫ُم ْ‬
‫هذين‬
‫المت َحف والمكتبة؛ ففي ْ‬ ‫المنتَهي في المكان‪ ،‬في كلٍّ من ْ‬ ‫الزمن غير ُ‬ ‫على تجميع ّ‬
‫التاسع عشر‪ ،‬يتمّ تكديس‬ ‫ذين يُ َعدّان من ابتكار الثّقافة الغربيَّة في القرن ّ‬ ‫المكانين‪ ،‬اللّ ْ‬
‫ْ‬
‫تمثل المعارِض‬ ‫جميعها‪ ،‬واألذواق كلِّها"(‪ .)6‬بينما ّ‬‫جميعها‪ ،‬والعصور كلِّها‪ ،‬واألشكال ِ‬ ‫"األزمنة ِ‬
‫حين إلى آخر‪ ،‬والقرى التي تُخصَّص‬ ‫الشعبيَّة ‪ les foires‬التي تُنظَّم في أطراف المدينة من ٍ‬
‫الزمكان العابِر‬
‫نظير القرى البولينيزية ‪ّ ،les villages polynésiens‬‬ ‫لقضاء العطلة‪َ ،‬‬

‫‪64‬‬
‫الرغم‬ ‫ِ‬
‫األبدي موقع ُمنغلق وثابت على ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمكان‬
‫إن ّ‬
‫والفرح‪ّ .‬‬
‫َ‬ ‫والسرور‬
‫المتضمِّن لقيَم البهجة ّ‬
‫ُ‬
‫ومتحرك (باعتبار الحركة‬
‫ِّ‬ ‫والزمكان العابِر موقِع منفتح‬
‫المحدَّد‪ّ ،‬‬
‫من انفتاحه على الماضي غير ُ‬
‫المؤقَّت على الحاضر‪.‬‬
‫الرغم من انفتاحه ُ‬
‫تمور فيه) على ّ‬
‫التي جيل‬
‫الثقافية‬
‫المغايِرة‪ ،‬مثل‬
‫كره اإلنسان على الدّخول إلى بعض األماكن ُ‬ ‫هـ – مبدأ االنغالق واالنفتاح‪ :‬قد يُ َ‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫بولوج‬ ‫ٍ‬
‫والسجن‪ ،‬وقد يخضع لجملة من الطّقوس والحركات التّطهيريَّة التي تسمح له ُ‬ ‫الثّكنة ّ‬
‫ترخيصا ِم ْن لدن القائمين‬
‫ً‬ ‫بعضها اآلخر‪ .‬تلك هي األماكن التي تتّصف باالنغالق‪ ،‬وتتطلَّب‬
‫الحمامات عند‬
‫صحي‪ ،‬مثل ّ‬ ‫ديني – ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ارتياد بعض األماكن بدافع‬
‫ُ‬ ‫ولكن‪ ،‬قد يكون‬
‫ْ‬ ‫عليها‪.‬‬
‫المسلمين‪ ،‬أو بدافع‬
‫ُ‬

‫الحمامات اإلسكندنافية ‪ .les saunas scandinaves‬وفي مقابِل هذه‬ ‫صحي فقط‪ ،‬من قبيل ّ‬‫ٍ‬
‫األماكن المنغلقة‪ ،‬توجد أماكن ُمغايِرة تتميَّز باالنفتاح‪ ،‬من حيث ّ‬
‫إن َم ْن يقصدها‪ ،‬ال يكون‪،‬‬
‫يبيت ليلةً في غرفة ال تُفضي إلى مجلس العائلة‪،‬‬
‫أن َ‬ ‫عابر سبيل‪ ،‬يجوز له ْ‬
‫بالضرورة‪ ،‬ضيفاً‪ ،‬بل َ‬
‫ّ‬
‫كبرى بالبرازيل‪ ،‬أو ي ِ‬
‫مكنه أن يُقيم ليلةً في‬ ‫المزارِع ال ُ‬
‫ُ‬ ‫الغ َرف التي اشتهرت بها َ‬
‫مثل تلك ُ‬
‫غرفة بفندق‪ ،‬مثل غُ َرف الفنادق األمريكية الموجودة في الطّريق العامّ ‪.les motels‬‬
‫اثنتين بالنّظر إلى‬
‫بوظيفتين ْ‬
‫ْ‬ ‫المغايِرة‬
‫و – مبدأ اإليهام والتّعويض‪ :‬تضطلع بعض األماكن ُ‬
‫مكن أن ِ‬
‫تحتضن الحياة اليومية لإلنسان‪ .‬تتمحور الوظيفة األولى حول‬ ‫مجموع األماكن التي ي ِ‬
‫ُ‬
‫مكانا‬ ‫وقت ٍ‬ ‫بالتآلُف والتّناغُم‪ ،‬مثل بيت الدعارة الذي كان‪ ،‬إلى ٍ‬ ‫إنشاء موقِع ي ِ‬
‫قريب‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهم ّ‬ ‫ُ‬
‫فاوت‬
‫الناس من الطّبقات والشّرائح جميعها‪ ،‬بشكل يومئ إلى انعدام التّراتُب والتّ ُ‬ ‫يختلف إليه ّ‬
‫عري‪ ،‬في الواقع‪ ،‬وهميَّةَ الفضاء الحقيقي نفسه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الموهم يُ ّ‬
‫الوهمي – ُ‬
‫ّ‬ ‫ولكن هذا المكان‬
‫ّ‬ ‫بينهم‪.‬‬
‫الناس في المواقِع المختلفة‪،‬‬
‫واإلحكام من خالل توزيع ّ‬
‫ْ‬ ‫تتمثل في إظْهار التّنظيم‬
‫تلك التي ّ‬
‫من التّمييز بينهم‪ ،‬بناءً على ذلك التّوزيع‪ ،‬على أساس‬‫ابعين ْ‬
‫الن ْ‬
‫وإضمار الفوضى واالضطراب ّ‬ ‫ْ‬
‫طبقي أو فئَوي أو عرقي أو ديني أو ثقافي أو أيديولوجي‪.‬‬
‫ويمثل بيت الدّعارة‪ ،‬بهذا التّصوُّر الذي يحيل إلى ثنائية الظّاهر والكائن؛ ظاهر يُ ْعرِب عن‬
‫ّ‬
‫يفضح نفاقه ورياءه وانقسامه‪ ،‬المكان المثالي الذي يُعبِّر عن‬
‫تجانُس المجتمع وانسجامه‪ ،‬وكائن َ‬
‫الضرب من األماكن؛‬ ‫كماله‪ ،‬بل في اختالله ونقصانه؛ فهذا ّ‬
‫توازنه و َ‬
‫مثالية المجتمع‪ ،‬ليس في ُ‬
‫كِ‬
‫امالً‪ ،‬وهو ما يبدو من خالل‬ ‫جتمعا َ‬
‫أي المكان المثالي‪ ،‬قد يعكس‪ ،‬في منظور ميشال فوكو‪ُ ،‬م ً‬ ‫ْ‬
‫صا‪ ،‬وهو ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جتمعا ناق ً‬
‫طوبوغرافيا (الظّاهر)‪ ،‬كما قد يعكس ُم ً‬
‫ً‬ ‫تصنيفا‬
‫ً‬ ‫المعاصر‬
‫تصنيف المجتمع ُ‬
‫كلت المجتمعات الطُّ ْهرية‬
‫سوسيولوجيا (الكائن)‪ .‬ولهذا‪ ،‬ش ّ‬
‫ً‬ ‫تصنيفا‬
‫ً‬ ‫يشهد عليه تصنيف المجتمع‬

‫‪65‬‬
‫ستعمراتهم بأمريكا‪ ،‬والمجتمعات اليسوعية‪،‬‬
‫السابع عشر‪ ،‬في ُم َ‬
‫أنشأها اإلنجليز‪ ،‬في القرن ّ‬
‫التي ْ‬
‫ستعمرات أمريكا الجنوبية‪ ،‬نوعاً‬
‫ذات األسلوب المعماري الفريد والدّال‪ ،‬التي أُسِّ َست في ُم َ‬
‫الفردوس‬
‫جيل‬ ‫والمناقِضة لألولى) عن‬
‫ُ‬ ‫الثانية‬
‫ّ‬ ‫المغايِر‬
‫من االستعاضة (وهنا‪ ،‬تتجلّى وظيفة المكان ُ‬
‫الثقافي‬
‫وفعليا‪،‬‬ ‫ظاهريا‬ ‫كمال‪ ،‬بتلك األماكن التي يكتنفها‪،‬‬ ‫المفقود؛ أي المكان الحقيقي الم ِ‬
‫وهم بال َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫الحم والوِحدة‪.‬‬
‫والت ُ‬
‫االنتظام ّ‬
‫ة‬ ‫خالصة‪:‬‬

‫المغايِر أو اآلخر‪ ،‬الذي يتوسَّط الفضاء المثالي‬


‫لتجليات الفضاء ُ‬
‫تتميَّز "قراءة" ميشال فوكو ّ‬
‫الثاوية فيه‪ ،‬تارةً‪،‬‬
‫أي مجموع األماكن ّ‬ ‫والفضاء ُ ِ‬
‫المتجانس (يريد ميشال فوكو بالفضاء الكلّ؛ ْ‬
‫الموضع ‪ la place‬أو الموقِع‪ ،‬تارةً أخرى)‪ِ ،‬‬
‫بس َمتها‬ ‫ِ‬ ‫أي المكان ‪ le lieu‬أو‬
‫ويريد به الجزء؛ ْ‬
‫حاولة إدراكها‬ ‫وم َ‬
‫البنيوية‪ ،‬من حيث تحليلُ العالقات التي ينسجها اإلنسان مع المكان‪ُ ،‬‬
‫قابلة بين المواقِع في شكل ثنائيات ضديَّة‪ ،‬ابتغاء تمثُّل الفضاء‬
‫الم َ‬
‫وتحديدها‪ ،‬عن طريق ُ‬
‫والتأويل‪،‬‬
‫التأمُّل ّ‬
‫كن إلى ّ‬ ‫واستيعاب معانيه‪ .‬وال تخلو هذه "القراءة" من بعد فينومينولوجي ير َ‬
‫الناس للمواقِع‬
‫تأسيسا على رؤية ذاتية للقيَم التي يمنحها ّ‬
‫ً‬ ‫ويظهر في تصنيف األماكن‬
‫أن بعض تلك المواقِع‪ ،‬التي صنّفها ميشال فوكو‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويصطلحون عليها‪ .‬وال أدلَّ على ذلك م ْن ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد؛ فالمقبرة‬ ‫ٍ‬
‫صنف‬ ‫المغايِر‪ ،‬إلى أكثر من‬ ‫ِ‬
‫أن ينتسب‪ ،‬وفق مبادئ تحديد المكان ُ‬ ‫يُمكن ْ‬
‫وهم ومكان‬ ‫تحول وقابِل للنّ ْقل وهي زمكان مغايِر أيضاً‪ ،‬وبيت الدعارة مكان م ِ‬
‫موقِع ُم ِّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أن بعض المواقِع يتّصف باالنغالق (أماكن األزمة‪،‬‬ ‫االنحراف في الوقت ذاته‪ ،‬فضالً عن ّ‬
‫وأماكن االنحراف‪ ،‬والمتحف‪ ،‬والمكتبة‪ ،‬وبيت الدّعارة الذي يُحيل ُمقابِله‪ ،‬في اللّغة الفرنسيَّة‪،‬‬
‫وهو ‪ ،maison close la‬إلى االنغالق)‪ ،‬بينما يتّصف بعضها اآلخر باالنفتاح (المعارِض‬
‫ستعمرات)‪ ،‬في حين يضطرب بعض المواقِع بين االنغالق‬ ‫والم َ‬
‫الشعبيَّة‪ ،‬والقرى البولينيزية‪ُ ،‬‬
‫جميعها بوظيفة معيَّنة‪.‬‬
‫واالنفتاح (المقبرة‪ ،‬والحديقة)‪ ،‬كما تضطلع األماكن ُ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫نص نُِشر في كتاب "أقوال وكتابات"‪ .‬وألهميَّته‪ ،‬جرى ‪(1)«Des espaces autres» .‬‬ ‫وهو ٌّ‬
‫ونشره في مواقع ُمختلفة في اإلنترنت‪ ،‬وفي صيغ‬‫كثيرا‪ ،‬بين الباحثين الغربيّين‪ُ ،‬‬
‫تداوله‪ً ،‬‬
‫ُ‬
‫الرجوع إلى النّسخة اآلتية‬ ‫ِ‬
‫‪:‬مصوَّرة عديدة‪ .‬ولالستزادة‪ ،‬يُمكن ّ‬
‫ُ‬

‫‪66‬‬
‫‪Michel Foucault: «Des espaces autres», in «Dits et écrits (1954-‬‬
‫‪1988), Tome II, 1976-1988», Gallimard, collection « Quarto », Paris,‬‬
‫‪2001.‬‬ ‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫اختالفا هيًّنا‪ ،‬عن‬ ‫محاضرة إذاعيَّة صوتيَّة تختلف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫كما تُرجم هذا النّص‪ ،‬الذي قُدِّم في شكل َ‬
‫محاضرة إذاعيَّة صوتيَّة أخرى موسومة "الجسد‬
‫الصيغة المكتوبة‪ ،‬إلى اللّغة العربيَّة‪ ،‬إلى جانب َ‬
‫الطّوباوي"‪ ،‬من قَِبل محمَّد العرابي‪ .‬يُنظَر‪ :‬ميشال فوكو‪" :‬الجسد الطّوباوي‪ ،‬أماكن أخرى"‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمَّد العرابي‪ ،‬منشورات االنتهاكات‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬ورابط الكتاب على اإلنترنت‬
‫هو‪http://www.bookleaks.com/files/fhrst4/441.pdf :‬‬
‫‪(2) GASTON BACHELARD : «La poétique de l´espace », puf, paris,‬‬
‫‪troisième édition, 1961.‬‬
‫(‪" )3‬أفضيَّة أخرى"‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫الزمكان ‪،chronotopie‬‬ ‫الروائي‪ ،‬مصطلح ّ‬‫قاربته للنّص ّ‬
‫(‪ )5‬اقترح ميخائيل باختين‪ ،‬في ُم َ‬
‫ِ‬
‫بالخواطر‬ ‫الزمن والمكان في عالقتهما‬
‫الفصل بين ّ‬
‫لإلشارة إلى عدم القدرة على ْ‬
‫جردة‬
‫الم َّ‬
‫فالزمكان هو البؤرة ُ‬
‫الرواية؛ ّ‬
‫المعبَّر عنها في ّ‬
‫واأليديولوجيات ورؤى العالَم ُ‬
‫والمجسِّدة لذلك كلِّه‪ .‬يُنظَر‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪Mikhail Bakhtine: «Esthétique et théorie du roman», Gallimard, Paris,‬‬
‫‪1978, p 391.‬‬

‫مفاهيم مركزية في النظرية السوسيولوجية ل ـ بيير بورديو‬

‫مصطفى العثماني‬

‫‪67‬‬
‫يعتبر بيير بورديو أحد رواد علم االجتماع في القرن العشرين‪ ،‬حيث نهله من مختلف العلوم‬
‫مكن ه من اثراءه ا سوس يولوجيا‪ ،‬ومن ثم نحت مف اهيم جوهري ة لق راءة المجتم ع وبن اء نظري ة‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫سوسيولوجية تحمل اسمه‪.‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫منابع فكر بورديو‬

‫ة‬ ‫نهل بورديو من مجموعة مشارب فكرية سابقة‪:‬‬

‫عن أرسطو مفهوم الهيئة واالستعداد الجسدي‪.‬‬

‫)‪.P.B : “les règles de l’art“ (P294‬‬

‫عن هوسرل فكرة "مخزون المعارف"‪.‬‬

‫)‪P.B : le sens pratique, le sens commun. (P140‬‬

‫عن هيجلمق والت مث ل االس تعداد الِخلقي والخُلقي‪ ،‬حيث يتعل ق األم ر ب القطع م ع الثنائي ة‬
‫الكانطية وإعادة إدراج االستعدادات الدائمة المكونة لألخالق المحققة مقابل النزع األخالقي‬
‫للواجب" (إعادة اإلنتاج‪ ،‬ص‪.)13‬‬

‫عن اليبينز‪ :‬فكرة حرية اآللة (‪.)Automate‬‬

‫عن موريس مرلوبونتي قبلِيَة التفكير (‪ )Préréflexive‬شكل وجود الكائن في العالم تميزا‪.‬‬

‫عن برغس ون فك رة ال ذاكرة وس يطا بين الجس د والع الم الخ ارجي فاص ال بين الفع ل وفض اء‬
‫الفعل‪.‬‬

‫عن فينغ شتاين فكرة القاعدة المستدمجة متوسال ترويض الجسد اجتماعيا لتعلم القاعدة‪.‬‬

‫عن التوسر فكرة مركزية الجسد وجعله أساسيا لنشأة مفهوم الهابتوس كاستعداد ال وجود ل ه‬
‫خارج الجسد‪.‬‬

‫أما سوسيولوجيا فقد نهل‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫عن مارركسمفهوم (رأسمال‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬السوق‪ ،‬االستثمار‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬التوزيع االستهالك‬

‫دور كايمالهابتوس المسيحي‪.‬‬


‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫فيبر فكرة الخلق البروتستاني‪.‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪-‬موس فكرة الصالت التي توثق الهابتوس بتقنيات الجسد‪ .‬‬

‫ليفي ستروس فكرة البنى الرمزية‪.‬‬

‫وبياجي الشبكة الذهبية (‪.)schème‬‬

‫تشومسكي فكرة القدرة التكوينية (التوليدية)‪.‬‬

‫وه ذا ج زء من فيض‪ .‬وب ذلك ف ان بورديوق د نه ل من مختل ف العل وم االجتماعي ة علم النفس‪،‬‬
‫علم االجتم اع‪ ،‬االنتربولوجي ة‪ ،‬االثنولوجي ا‪ ،‬علم االقتص اد‪ ،‬اللس انيات‪ ،‬علم التواص ل‪ ،‬ف ألف بينه ا‬
‫لينحت جهازهالمفاهيم‪.‬‬

‫وكم ا اس تفاد من ك ل ه ذه العل وم‪ ،‬فق د س اهم في اغتناءه ا من خالل كتابات ه في الحق ول‪: ‬‬
‫األدب‪ ،‬اللسانيات‪ ،‬التعليم‪:… ‬‬

‫األدب «‪» Les règle de l’art ‬‬

‫»‪Ce que parler veut dire ‬‬ ‫اللس انيات‪et « langage et pouvoir « ‬‬


‫‪» symbolique‬‬

‫التعليم‪avec j. Passerons‬‬

‫«‪» Les héritiers, les étudiants et la culture, le sens  commun ‬‬

‫‪» Et « reproduction‬‬

‫وقد نحت بورديو العديد من المفاهيم كآليات لتحليل المجتمع ومنها‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫الرأسمال‬

‫من أهم المفاهيم التي انتقدها بورديو هو مفهوم التشييء‪ ،‬واعتبره ظ اهرة كليانية وكأن‬
‫العالم المشيأ هو الوحيد الممكن‪ ،‬واتهمه بنخر التعليم وقيامه مقام الناموس الذي يسوسه‪.‬‬

‫كم ا اعت بر (أي التش يء) ه و ش رط الس لطة في المجتم ع‪ ،‬وإذا ك انت العالق ات االجتماعي ة‬
‫عالقات سلطة فان التشيء ليس حادثة تاريخية (على حد قول ماركس) إنما هو حقيقة المجتمع‬
‫إذ ال منقذ للمجتمع منه‪.‬‬

‫انه تاريخه وليس تأريخه‪ .‬وهنا بورديو ينتقد الفكرة الماركسية القائلة بتحكم رأسمال المادي‬
‫في التط ور االجتم اعي للبش رية وعلى ه ذا األس اس امت د تعري ف بوردي و للس لطة ليتس ع إلى‬
‫وجهيها المادي وكذلك الرمزي‪ ،‬وأعطى لوجهها الرمزي السطوة في كل المجاالت؛ التعليم‪،‬‬
‫الثقافة‪ ،‬السياسة‪ ،‬الدين‪ ....‬كأساس للوجود االجتماعي أي الوعي‪ ،‬وبذلك يكون بورديو قد‬
‫انح از إلى م اركس في تبني ه للرأس مال الم ادي‪ ،‬وانح از ك ذلك إلى في بر القائ ل ب أن ش رعية‬
‫القوة تأتي من شرعية الرمز‪ ،‬وبذلك أسس لمفهوم الرأسمال الرمزي‪.‬‬

‫ِ‬
‫المهيمن ة‬ ‫واعت بر الرأس مال الرم زي ه ذا ه و ال ذي يخفي الق وة المادي ة ال ذي تمارس ه الفئ ة‬
‫المهيمن عليه ا‪ .‬أي تخفي الس لطة نفس ها كق وة مادي ة‪ ،‬لتظه ر على أنه ا الطبيع ة‬
‫َ‬ ‫على الفئ ة‬
‫كلها‪.‬‬

‫واعت بر بوردي و أن الرأس مال متع دد بتع دد المج االت أو الفض اءات االجتماعي ة وال تي أطل ق‬
‫عليه ا مص طلح حق ول‪ ،‬وب ذلك فق د أعطى لك ل حق ل رأس مال ن وعي يخص ه‪ ،‬وجع ل من الرأس مال‬

‫‪70‬‬
‫االقتص ادي والرأس مال الثق افي عنص رين ه امين في تحري ك المجتمع ات المعاص رة وأدوات‬
‫للتنافس االجتماعي وعرف بعضها مثل‪:‬‬
‫جيل‬
‫الرأس مال االقتص ادي‪ :‬م وارد مالي ة‪ ،‬ث روات وممتلك ات ويت دخل بق وة في تش كيل الرأس مال‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫الثقافي‪.‬‬

‫الرأس مال الثق افي‪ :‬وه و عموم ا المنت وج الثق افي من دراس ات وش واهد وق درات معرفي ة‬
‫ومه ارات‪ ...‬وقس مه إلى اث نين‪ :‬م وروث عن األس رة خالل النش أة‪ ،‬ومكتس ب عن طري ق نظ ام‬
‫ِ‬
‫المهيمنة‪ ،‬واختالف رأسمال هذا هو‬ ‫التعليم وهذا األخير هو المخول بإعادة إنتاج ثقافة الطبقة‬
‫الذي يعد مؤشرا للتمايز بين الطبقات‪.‬‬

‫الرأسمال االجتماعي‪ :‬العالقات االجتماعية والمعارف والصداقات والقرابات‪ ،...‬وله دور مهم‬
‫في تشكيل الرأسمال الثقافي‪.‬‬

‫الرأسمال اللغوي‪ :‬في كتابه "أسئلة سوسيولوجية" يقول بورديو الرأسمال اللغوي يعني التحكم‬
‫في آليات تشكل األسعار اللغوية‪ ،‬وكذا القدرة على جعل قوانين تشكل األسعار تعمل لصاحبه‬
‫والقدرة على استخالص فائض القيمة النوعي‪ .‬أي أن عملية تفاعل‪ ،‬وأي عملية تواصل لغوي‪،‬‬
‫ول و بين شخص ين أو بين ص ديقين‪ ،‬باختص ار إن ك ل عملي ات التواص ل اللغ وي هي أن واع من‬
‫األسواق الصغرى‪.‬‬

‫الرأسمال الرمزي‪ :‬ويشمل الرأسمال الثقافي واالقتصادي واللغوي والسياسي‪ ...‬وهو أيضا يتسم‬
‫باألهمي ة فه و عب ارة عن‪":‬الش رعية ال تي يناله ا األف راد واألش ياء والموض وعات نتيج ة اع تراف‬
‫اآلخ رين بهم‪ ،‬وتتأس س ه ذه الش رعية على االعتق اد والثق ة"‪ .‬فالثق ة ال تي يحظى به ا ف اعلون‬
‫معينون في السياسة أو الدين أو الحكم إنما هي سلطة يمنحها المجتمع للممارس ويخضع لها‪.‬‬

‫إعادة اإلنتاج‪:‬‬

‫تجاوزا للتحليل البنبوي الماركسي والوظيفي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫بنى بورديو نظرية اإلنشاء الذاتي للنسق (إعادة اإلنتاج ص‪ )33‬والنسق في هذه النظرية‬
‫مغلق وحدود هويته النسقية تكمن في مرجعية ذاتية وتبنى في سيروراته الداخلية‪ ،‬يستغني‬
‫جيل‬
‫الثقافي ني‬
‫عن المحي ط فيم ا يفي د خطوط ه الدال ة على عمليات ه لكي ينتجه ا في ذات ه‪ .‬وه ذا ال يع‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫القطيعة مع محيطه‪ ،‬فالنسق ذاتي اإلنشاء مستقل عن المحيط ومفتوح عليه‪ ،‬لكن عالقته بهذا‬
‫المحي ط هن ا ثانوي ة‪ ،‬فالنس ق هن ا ذاتي التنظيم ويضمن اش تغاله وإع ادة إنتاج ه من خالل ع ودة‬
‫ة‬
‫دائمة إلى الذات لضمان إنتاج كامل عناصره وبنياته وسيروراته وحدوده ووحدته وإعادة‬
‫إنتاجه ا وذل ك ع بر عملي ات دائري ة‪ .‬وب ذلك فالنس ق مس تقل وال يملي المحي ط على النس ق أي‬
‫مرجعية لتنظيم حركته الداخلية المفضية إلى إعادة الترجمة لكل مكوناته‪.‬‬

‫وللنسق مرجعيته الذاتية المتمثلة في إعادة الترجمة وإعادة التأويل‪ ،‬واالنتقال من األول إلى‬
‫الثاني يفترض االنتقال من الرمزي إلى الممارسة‪.‬‬

‫إعادة التأويل‪:‬‬

‫أح د أنم اط المرجعي ات الذاتي ة وهي كف اءة النس ق على القي ام واقعي ا بالرب ط بين عناص ره‬
‫وذلك عن طريق إعادة تشكيل العمليات الداخلية للنسق باعتبارها معلومات خاصة به وترتقي‬
‫إع ادة التأوي ل إلى ال دورة القص وى ( ‪ )hyper cycle‬م تى تس تطيع تص ليب النظ ام داخ ل‬
‫النسق وتتحول إلى قيمة بنيوية فيه وهو ما يعبر عنه بورديو ب "التأكيد الذاتي" (مثال ينتج‬
‫نس ق التعليم "معي دي إنتاج ه أي ال ذين يعي دون إنتاج ه") وي دفع بمن ال يت وفر ل ديهم الوف اء‬
‫لقيم النسق إلى "االقتصاء الذاتي" عاجال أم آجل‪.‬‬

‫ويستطيع النسق بذلك أن يقوم "بتعديل ذاتي" أو أن "يشتغل في محيط آخر غير ذلك الذي‬
‫نشأ فيه أو ذاك الذي "اعتاد االشتغال فيه بخاصة عندما تتبدل مورفولوجيته"‬

‫إعادة الترجمة‪:‬‬

‫يس تطيع النس ق ذاتي اإلنش اء تنظيم الت دفقات الخارجي ة داخ ل أسس ه "المادي ة" و‬
‫"المعلوماتية"وصياغة وحدات نسقية جديدة لالستعمال وربط بعضها مع بعض ومع ما سبقها من‬

‫‪72‬‬
‫وح دات‪ .‬حيث يأخ ذ ه ذه الت دفقات الخارجي ة (‪ )flux événementiels‬لتش كل بن اه‬
‫الداخلي ة الجدي دة وال تي يس تعملها لكي يثبت هويت ه النس قية من خالل الحف اظ على بن اه‬
‫جيل‬
‫الثقافيةوإع ادة تش كيلها‪ ،‬وه ذا م ا يس مى "إع ادة الترجم ة" أي أن يب ذل منط ق الت دفقات‬
‫الداخلي ة‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫الخارجي ة بمنطقه ال داخلي‪ ،‬وبذلك يخضع الطلب ات الخارجي ة إلع ادة الترجمة على نح و منهجي‬
‫لتصير مطابقة لمبادئه التي حددها باعتباره نسقا‪.‬‬

‫ويمث ل هن ا مفه وم "الحق ل" المدرس ي مث اال بليغ ا لم ا ه و نس ق ذاتي اإلنت اج وإع ادة اإلنت اج‪،‬‬
‫وتتمث ل في قدرت ه على إنت اج ممارس ات بيداغوجي ة تول د في ك ل م رة ممارس ات بيداغوجي ة‬
‫أخرى تثبت داخل الحقل جزءا من بنيته القارة وتحديدها بمعزل عما يكون مصدرها وأثر‬
‫المحيط فيها‪.‬‬

‫إن ق انون اش تغال الحق ل بوج ه من الوج وه ه و م ا يجع ل الممارس ات باعتباره ا وح دات للنس ق‬
‫تنتج ب الرجوع إلى الحق ل أي إلى الوح دات ال تي س لفت وتبقى الحق ول مس تقلة عن بعض ها إال‬
‫بما يمكن اعتباره ربط بالمحيط أو حاجة لالشتغال الذاتي‪.‬‬

‫أما حقل السلطة فيمثل ذلك الحقل الذي عال كل الحقول ألن إنشاءه الذاتي يحدد اإلنشاءات‬
‫الذاتية لكل الحقول الفرعية األخرى‪ ،‬إنه المنطق الذي يعلو كل الحقول ويسكنها أيضا‪.‬‬

‫وقد وضع (‪)maturana‬رسما لتداخالت األنساق من ثالث درجات أولى وثانية وثالثة(انظر‬
‫كتاب‪ ،‬إعادة اإلنتاج‪ ،‬ص‪)40‬‬

‫األولى حالة التزاوج‪couplage‬‬ ‫‪-‬‬


‫الثانية حالة إنتاج وحدة نسقية جديدة ذاتية اإلنشاء والتي فيها تتخلى األنساق الفرعية‬ ‫‪-‬‬
‫عن هويتها األصلية‪.‬‬
‫الثالثة حالة تض خم لنس ق ذاتي من درجة علي ا يحدد نشاط الوحدات الذاتية اإلنش اء‬ ‫‪-‬‬
‫الفرعية وطرق اشتغالها‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫وهن ا يتح دث بوردي وعن حق ول ترب ط بعض ها ببعض دون ا أن تفقد هويته ا وح دودها‪( ،‬حقل‬
‫الرياض ة‪ ،‬السياس ة) (التعليم والثقاف ة) وهن اك حق ول انض وت تحت حق ول أخ رى وتفككت‬
‫جيل‬
‫المثال)‬
‫حدودها وتحللت من هويتها (حقل الفن انصهر في حقل االستهالك واإلنتاج‪ ،‬على سبيلالثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ومن الحق ول من عال الحق ول كله ا‪ ،‬وذل ك ش أن حق ل الس لطة ومن خالل إع ادة التأوي ل وإع ادة‬
‫الترجم ة اللت ان تطرقن ا لهم ا هن ا‪ .‬يس تطيع الحق ل إع ادة إنت اج نفس ه لي ؤدي ب التوازي وظيفت ه‬
‫ة‬
‫االجتماعية التي تفضي إلى‬

‫إعادة إنتاج العالقات الطبقية وتؤمن رأس المال الثقافي‪ ،‬ووظيفته األيديولوجية التي تفضي‬
‫إلى إخفاء الوظيفة االجتماعية‪ ،‬ليثبت وهم استقالله المطلق‪.‬‬

‫وهنا ال بد أن نوجز هذا في تعريف بورديو للحقل‪.‬‬

‫الحق ل‪:‬ه و الفض اء ال ذي تتم في ه عملي ات إنت اج وتوزي ع واس تهالك واس تثمار مختل ف أش كال‬
‫الم وارد الرمزي ة والمادي ة‪ ،‬أو بمع نى آخ ر‪ ،‬الحق ل ه و مي دان الص راع للتحكم في الم وارد‬
‫وتحقيق المصالح‪ ،‬صراع بين القادم الجديد الذي يحاول اختراق حدود الحقل لحيازة مركز‬
‫أو منصبا داخله‪ ،‬والفاعل المتمركز داخل الحقل الذي يحاول الدفاع عن احتكاره للمركز‪،‬‬
‫ويح اول أن يبقي نفس ه خ ارج دائ رة المنافس ة‪ ،‬وعلي ه ال يمكن فهم بني ة الحق ل اال من خالل‬
‫الكش ف عن حال ة عالق ات الق وة بين الف اعلين في المؤسس ات ال تي يض مها الحق ل في لحظ ة‬
‫تاريخية محددة‪ (.‬إضافات‪ ،‬ص‪)6‬‬

‫يعتبر بورديو أن لحقلي السياسي واالقتصاد التأثير األكبر في كافة الحقول األخرى‪ ،‬وكلما‬
‫ض اقت مس احة الحري ة في المجتم ع أص بح للنخب ة االقتص ادية والسياس ية هيمنته ا الظ اهرة‬
‫والمتزايدة على مختلف الحقول األخرى‪.‬‬

‫وق د ش به بوردي و المجتم ع ب الكون والجماع ات ب المجرات ول ذلك يطل ق على المجتم ع مص طلح‬
‫الفضاء االجتماعي وجعل بورديو لكل حقل خصائص تتمثل في‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫أوال‪:‬الرأس مال الن وعي أي الخ اص بالحق ل ويك ون مح ل ص راع بين من هم في المرك ز‬ ‫‪-‬‬
‫والقادمون من الخارج‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬المنتمين لحق ل م ا تجمعهم مص لحة مش تركة وه و الحف اظ على نفس بني ات‬ ‫‪ -‬جيل‬
‫الثقافية‬
‫والمهيمن‬ ‫ِ‬
‫المهيم نين‬ ‫وممارس ات الحق ل ومن ه ف ان ت اريخ الحق ل يض عه الص راع بين‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫َ‬
‫عليهم‪.‬‬

‫وباعتب ار النس ق أو الحق ل ق ادرا على إع ادة إنت اج نفس ه‪ ،‬ح اول بوردي و أن يج د الطري ق نح و‬
‫وكمن ذلك في محاولته الكشف عن المعوقات التي تحول دون الممارسة التوليدية‬
‫التغيير‪ُ ،‬‬
‫القوية الالزمة‬

‫للتغيير‪ ،‬واضعا الشروط الالزمة للتغلب على هذه المعوقات‪ ،‬أرشدته هذه المحاولة إلى مفهوم‬
‫الهابتوس‪.‬‬

‫وق د ع رف مفه وم اله ابتوس بأن ه مب دأ مول د لإلس تراتيجية‪ ،‬يمكن الف اعلين من التواف ق م ع‬
‫المواقف غير المتوقعة والدائمة التغير انه نسق من االستعدادات الدائمة‪-‬القابلة للتطور‬
‫والتح ول‪-‬ويعم ل ك ل لحظ ة‪-‬بش كل ال إرادي غالب ا‪-‬بدمج ه للخ برات الس ابقة كمص فوفة من‬
‫االدراك ات والتقييم ات‪ ،‬وي تيح انج از مه ام ال نهائي ة التن وع‪ ،‬وه و عب ارة عن بن اء ذه ني‬
‫ومع رفي يمكن األف راد من التعام ل م ع الع الم االجتم اعي‪ ،‬وه و منتج ت اريخي يتش كل خالل‬
‫التنشئة االجتماعية وبواسطة التعليم‪ ،‬فعبر التنشئة والتعليم يتكون لدى الفرد رأسمال نوعي‬
‫مخ زون يس تخدمه بش كل ال إرادي أثن اء الممارس ات المختلف ة‪ ،‬ويختل ف مفه وم اله ابتوس عن‬
‫مفه وم الع ادة‪ ،‬على رغم تض من الع ادة في ه‪ ،‬حيث أن األخ يرة توص ف بالتكراري ة‬
‫والميكانيكي ة‪ ،‬وهي ذات ط ابع يعي د اإلنت اج‪-‬فق ط‪-‬بينم ا اله ابتوس يحم ل في ذات ه‪-‬بحكم‬
‫طريق ة تش كله الت اريخي‪" -‬طاق ة توليدي ة قوي ة ق ادرة على إع ادة التش كيل" (بورديو‬
‫‪.1995‬ص‪)199‬‬

‫وللهابتوس ثالثة مستويات‪:‬‬

‫في المستوى األول‪:‬يقع هابتوس الفرد‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫في المس توى الث اني‪ :‬يق ع ه ابتوس الجماع ة المحيط ة ب الفرد بداي ة من األس رة وجماع ة‬
‫األقارب‪،‬الجيران‪ ،‬األصدقاء‪ ،‬حيث يذهب إلى أن لهذه الجماعة هابتوس خاص بها‪":‬الناتج عن‬
‫جيل‬
‫الجمعي"‬
‫تماث ل ظ روف الوج ود‪ ،‬ال ذي ي ؤدي إلى ت آلف الممارس ات وانص هار الف ردي في الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ويمتد تأثيرهفي الفرد طيلة حياته‪.‬‬

‫غي المس توى الث الث‪:‬يق ع ه ابتوس المج ال حيث ي رى بوردي و أن لك ل مج ال‪ ،‬من المج ةاالت‬
‫القائمة (السياس ي‪ ،‬االقتص ادي‪ ،‬والثقافي‪...‬الخ) في المجتمع الهابتوس‪،‬الخ اص به وهو "عب ارة‬
‫عن مجموعة‬

‫المه ارات واألس اليب الفني ة والمرجعي ات ونظم المعتق دات ال واجب توفره ا في عض و ه ذا‬
‫المجال دون غيره من المجاالت"(بورديو‪ ،2004،‬ص‪)72‬‬

‫وهن ا أت ذكر تقس يم السوس يولوجي األم ريكي ‪ Goffman‬للهوي ة(‪)l’identité‬في كتاب ه‬
‫ة(‬ ‫‪ )pour‬والفردي‬ ‫ة (‪soi‬‬ ‫ة الذاتي‬ ‫دث عن الهوي‬ ‫‪ ،stigmate‬حيث تح‬
‫‪)individuelle‬واالجتماعية(‪. )sociale‬‬

‫حيث الذاتي ة يح ددها الش خص لذات ه داخلي ا والفردي ة تك ون في محيط ه الق ريب‬
‫(أسرة األصدقاء) واالجتماعية التي تعطى له في المجتمع‪.‬‬

‫وبإقرار بورديو بأن الحقول قادرة على إعادة إنتاج نفسها‪ ،‬نتساءل كيف ألغلب الدارسين‬
‫أن يصنفوه ماركسيا جديدا؟ على اعتبار أن الماركسية تعتبر الصراع هو محرك التاريخ وهو‬
‫ك ذلك أس اس تغي ير المجتمع ات ودفعه ا نح و الش يوعية‪ .‬فيم ا يس تكين بوردي و لمب دأ إع ادة‬
‫اإلنت اج ويحص ر التغي ير على المس توى الف ردي‪ ،‬حينم ا ي تراكم رأس مال الف رد داخ ل حق ل من‬
‫ِ‬
‫المهيمن‪.‬‬ ‫المهيمن عليه إلى هابتوس‬ ‫الحقول‪ ،‬يتغير لديه الهابتوس‪ ،‬من هابتوس‬
‫َ‬
‫كم ا أن بوردي ورفض ص فة التنب ؤ ل دى السوس يولوجية‪ ،‬وحث على أن السوس يولوجيا نظري ة‬
‫للمعرفة وليست نظرية عن المجتمع والتغيير أو مجرد خطاب عنهما‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫كما رفض اختصار السوسيولوجيا فيما هو امبريقي وأعطاها وضعا بين العلم والسياسة وأراد‬
‫له ا أن تكش ف أش كال العن ف الرم زي المم ارس على األف راد واعط اءهم الق درة على الفهم‬
‫جيل‬
‫لتغي ير واقعهم‪ ،‬وب ذلك تك ون السوس يولوجية نظري ة فاعل ة في مجتمعه ا وليس متنبئ ة‬ ‫الص حيح‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫بمستقبله‪ ،‬كما فعلت الماركسية‪ ،‬وقد تحدث هنا عن السوسيولوجيا االنعكاسية‪.‬‬

‫السوسيولوجية االنعكاسية‪:‬‬

‫ي ذهب بوردي و إلى أن الع الِم علي ه أن يس عى دائم ا إلى تحقي ق الممارس ة االنعكاس ية (‬
‫‪ )Réflexive Practice( )Pratique réflexive‬طوال مشواره العلمي‪ ،‬وأن يكون هدفه‬
‫ال دائم ه و تحقي ق أك بر ق در من االنعكاس ية في عمل ه‪ ،‬حيث أن الممارس ة االنعكاس ية تق دم‬
‫الب دائل والط رق الالزم ة لتغي ير الش روط الموض وعية في اتج اه اكتس اب المزي د من الحري ة‪،‬‬
‫دون تأثيرات سياسية واقتصادية مكبلة للعمل العلمي‪.‬‬

‫ويرى بورديو أن المجال العلمي يكون أكثر استقاللية كلما كان الصعود فيه يتم على أس اس‬
‫امتالك الرأسمال العلمي الصافي‪ ،‬بينما يكون االستقالل أقل إذا كان الصعود فيه على أساس‬
‫امتالك الرأس مال الب يروقراطي أو االقتص ادي أو السياس ي‪ ،‬وعن دما يص بح المج ال العلمي‪ ،‬في‬
‫حال ة تبعي ة "تك ون المنافس ة ناقص ة‪ ،‬ويقحم الف اعلون ق وى غ ير علمي ة في الص راعات العلمي ة‪،‬‬
‫وبالعكس‪ ،‬بقدر ما يكون مستقال يكون قريبا من منافسة نقية ممتازة‪ ،‬وتكون الرقابة علمية‪،‬‬
‫وتستبعد تدخل قوى اجتماعية وضغوطات اجتماعية أخرى" (إضافات‪،‬ص‪)10‬‬

‫وعليه يحدد بورديو رأسمال علمي صاف‪ ،‬ورأسمال علمي مؤسساتي‪.‬‬

‫ويتم تحقي ق ال وعي االنعكاس ي‪ ،‬ومنه ا نت اج ممارس ة علمي ة أص لية‪ ،‬ل دى بوردي و باتب اع ثالث‬
‫خطوات أساسية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الس يطرة على القيم واالس تعدادات واالتجاه ات المس بقة المس تقرة في اله ابتوس الخاص ة‬
‫بالباحث‪ ،‬بمعنى أن يتملك الباحث رؤيته نقدية خالصة تجاه موضوع البحث "‪" swartz1997‬‬

‫نبيا صغيرا"‪.‬‬
‫"نصب نفسه ّ‬
‫واعتبر من يحدد موضوعه وفقا لطلب الجمهور وإرضاءه‪ ،‬بأنه ّ‬

‫‪77‬‬
‫ثاني ا‪:‬امتالك ال وعي الفلس في بالعالق ة بين تخصص ه والعل وم الوثيق ة الص لّة‪ ،‬ويعت بر بوردي و‬
‫السوس يولوجيا منتج ا رمزي ا‪ ،‬يتوس ط المنتج ات العلمي ة الخاص ة‪ ،‬والمنتج ات السياس ية (أي بين‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬ ‫العلم الخالص والسياسية)‪.‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ثالث ا‪ :‬بالق درة الدائم ة على اختي ار وفحص الش روط اإلبس تمولوجية واالجتماعي ة الالزم ة للتح ول‬

‫ة‬
‫نحو الموضوعية العلمية في ممارسة البحث العلمي‪.‬‬

‫وعليه فان الممارسة االنعكاسية هي‪:‬استراتيجية للباحث يقترب منها أو يبتعد‪ ،‬كلما اقترب أو‬
‫ابتعد عن ممارسة خطواتها وهذه الممارسة ينتج منها العلم األصيل حسب بورديو‪ .‬وتجعل من‬
‫هذه السوسيولوجية فاعلة ويقول بورديو عن كيفية تغيير الوضع االجتماعي القائم‪" :‬الفرد‬
‫القادر على التجديد والتشكل‪ ،‬شخص يمتلك نسقا من االستعدادات‪ ،‬يكافح به الحياة‪ ،‬ويرى‬
‫أن ه ذا النس ق يتش كّل بفع ل التنش ئة والتعليم‪ ،‬وه و نس ق متغيّ ر‪ ،‬وي رى أن آل ة الكف اح أو‬
‫ممارسة الكفاح ضد صعوبات الحياة‪ ،‬وضد مختلف أشكال القيود المفروضة على األفراد في‬
‫المجتم ع‪ ،‬تتخ ذ ثالث ة مس ارات مختلف ة‪ ،‬يمكن من خالله ا فهم طبيع ة الممارس ة االجتماعي ة‪ ،‬ل دى‬
‫األفراد والجماعات في لحظة تاريخية محددة‪ ،‬وثم يمكن تعديل مسارها‪ .‬ويحدد بورديو هذه‬
‫‪-‬المجاالت‪ -‬أو التفريق الجذري‬ ‫المسارات في‪" :‬التوافق الكامل مع الشروط الموضوعية‬
‫بين مصالح الفاعل ومحددات الموضوع‪ ،‬أو الموقف السلبي" (بورديو وفاكوبت‪...1997‬ص‬
‫‪)93‬‬

‫"حال ة التواف ق" م ع الممارس ة االجتماعي ة العادي ة (اآللي ة) ممارس ة ال تقديمي ة تع بر عن‬
‫قوة هيمنة الطبقة المسيطرة التي تسعى دائما إلى نزع القدرة التوليدية من هابتوس‬
‫األف راد والجماع ات عن طري ق التعليم‪ ،‬حيث تعج ز ال ذوات الفاعل ة عن إع ادة تش كيل‬
‫الشروط الموضوعية التي تقع تحت تأثيرها‪ ،‬عن طريق فكرة مضللة عن المساواة في‬
‫التعليم‪ ،‬ألنه ا تتعام ل في األص ل بش كل مس او م ع من هم في األص ل غ ير متس اوين (‬
‫‪)hwitt2003.79‬‬

‫النقد‬

‫‪78‬‬
‫ومن أهم االنتقادات الموجهة لفكر بييربورديو‪:‬‬

‫ما قدمه ‪Alexis Mendras‬‬ ‫‪-‬‬


‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫على أن موق ع الف رد داخ ل الجماع ة ال يتعل ق بالض رورة بدخل ه بش هادته الدراس ية ب ل هن اك‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫تدرج منتظم في مواقع الجماعات المختلفة وليس تعارض‪ .‬ويقترح ‪ MANDRAS‬مجموعة من‬
‫مقاييس لتصنيف الفرد داخل جماعته وهما الدخل والمهنة‪ ،‬ويسمح هذين المقياسين بتقسيم‬
‫المجتم ع إلى مجموع تين؛ الجم ع الش عبي المك ون من العم ال والم وظفين‪ ،‬والجم ع المرك زي‬
‫المك ون من اإلط ارات والمعلمين والمهندس ين وفي محي ط ه ذين ال برجين يت وزع التغي ير‬
‫االجتماعي‪’’Manderas’’ le changement social‬‬

‫الحتمية االجتماعية‬ ‫‪-‬‬

‫يرى ريمون بودون‪"BOUDON‬بأنه ال يمكن أن نفسر الظواهر االجتماعية إال باالنطالق من‬
‫األفراد ومن دوافعهم ومن أفعالهم‪ ،‬وهذه األفعال عوض أن تكون محددة من قبل الملكة‪،‬‬
‫فهي نتيجة لعقالنية يملكها الفرد يعني مفهوم عقالنية الفرد‪:‬السلوكيات واألفعال الناتجة كليا‬
‫أو جزئيا عن قرار أو اختيار‪ ،‬وحساب قائم على البدائل العديدة الممكنة‪.‬‬

‫وفي تحليل ه للتغي ير االجتم اعي‪ ،‬ي رى ب ودون أن إع ادة اإلنت اج م ا هي إال إح دى الوض عيات‬
‫الممكنة للتفاعل بين األفراد‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬فان الفاعلين االجتماعيين يسلكون بصفة عقالنية ولكن‬
‫دون تشاور‪ :‬إن التقاء هذه الماليين من األفعال المنعزلة هو الذي يكون وراء نشأة الظاهرة‬
‫االجتماعية‪" ،‬لذا يتحدثبودون عن المفعول أو األثر البارز لتسمية هذه الظاهرة لكن الفاعلين‬
‫ال يعتملون في ف راغ اجتم اعي وال بد من األخ ذ بعين االعتبار منظوم ة التفاعل بمعنى اإلطار‬
‫االقتصادي والسياسي والثقافي واالجتماعي‪...‬الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫وحس ب الس ياق‪ ،‬يمكن لألفع ال أن تنتج إم ا إع ادة إنت اج اجتم اعي وإم ا تض خيمها للظ اهرة‬
‫الموجودة‪ ،‬وإما ظاهرة اجتماعية جديدة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫كما انتقده ‪ ،Ignotow‬الذي اعتبر أن فكرة االستعدادات التي يكتسبها الفرد في إطار‬
‫األسرة‪ ،‬هي فكرة غامضة ولم يحدد بورديو كيفية إنشاءها (أو كيف تنشأ) رغم تعريفه لها‬
‫جيل‬
‫الثقافيية أم‬
‫بأنه ا الطري ق لتولي د الممارس ة المغ ايرة أو الجدي دة‪ ،‬كم ا أن ه لم يح دد ه ل هي نفس‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫اجتماعية؟ فردية أم جماعية؟ الخ‬

‫وعي‪،‬‬
‫ة‬
‫كم ا انتق ده (‪)Mouzolis‬حيت يق ول‪ :‬أن بوردي و على ال رغم تض فيره ال ذاتي بالموض‬
‫كب ل الف اعلين بقي ود حتمي ة‪ ،‬تجع ل من الص عب عليهم أن يغيّ روا الش روط الموض وعية‬
‫فق د ّ‬
‫المفروض ة عليهم "كم ا ي ذهب إلى أن بوردي و ت رك أس ئلة مهم ة لم يجب عنه ا في نظري ة‬
‫الممارس ة‪ ،‬فق د ذك ر كث يرا كي ف يعي د التعليم إنت اج الوض ع الطبقي‪ ،‬وتجاه ل مب دأ تك افؤ‬
‫الفرض‪ ،‬وجدارة األفراد‪.‬‬

‫كما اعتبر بعض النقاد أن منشأ بورديو الريفي وفقره هو من جعله يثور على عادات أبناء‬
‫المدينة واألغنياء وينحت مفهوم الهابتوس‪.‬‬

‫حيث أنه ولد سنة ‪1930‬في منطقة ريفية ب يآرن جنوب فرنسا كان أبوه موظفا بالبريد‪.‬‬

‫درس الفلس فة في مدرس ة المعلمين بب اريس‪ ،‬وأرس ل إلى الجزائ ر لتأدي ة الخدم ة العس كرية‬
‫بمنطق ة القبائ ل وهن اك تح ول من أن ثروبولوجي إلى ع الم اجتم اع بتأليف ه لكت اب الهيمن ة‬
‫الذكورية وذلك بين ‪ 5819‬و‪.6019‬‬

‫المراجع والمصادر‬

‫‪-‬‬ ‫‪sous la direction d’Alain Bruno, Les grands sociologues,‬‬

‫‪ellipses,‬‬

‫‪- Alexis Trémoulinas, Sociologie des changement‬‬

‫‪sociaux,collection Repères‬‬

‫‪80‬‬
‫بيير بورديو وكلود باسرون‪ ،‬إعادة اإلنتاج‪ ،‬ترجمة‪ :‬ماهر تريمش‪ ،‬المنظمة العربية‬ ‫‪-‬‬

‫للترجمة‪2007 ،‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫عبد الكريم بزاز‪ ،‬علم اجتماع بيار بورديو‪2007،‬‬ ‫‪-‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫زينب البقري‪ ،‬مدخل الى "بورديو" ونظريته عن الدولة‪2017 ،‬‬ ‫‪-‬‬

‫احمد موسى بدوي‪ ،‬ما بين الفعل والبناء‪ :‬بحث في نظرية الممارسة لدى بيير‬ ‫‪-‬‬

‫بورديو‪ ،‬مجلة إضافات العدد الثامن‪2009 ،‬‬

‫مايكل بوراووي‪ ،‬النظرية والتطبيق‪ ،‬عندما يلتقي ماركس ببورديو‪ ،‬ترجمة أسامة‬ ‫‪-‬‬

‫سليم‪ .‬مراجعة لجين اليماني‪ .‬النص هو الفصل الثاني من كتاب حوارات مع بورديو‬

‫لمايك بوراووي‪2019 ،‬‬

‫(باحث سيوسيولوجي من المغرب)‬ ‫‪-‬‬

‫‪elotmostafa@gmail.com‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪81‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬
‫كتابة التاريخ المحلي وتدبير ندرة المصادر نموذج ( منطقة أوطاط الحاج )‬

‫د‪.‬الطيب بياض‬

‫سبق للعالمة المختار السوسي أن نبه إلى أن “في المغرب حواضر وبواد‪ ،‬وتاريخه العلمي‬
‫العام‪ ،‬ال يمكن أن يتكون تكوناً تاماً إال من التواريخ الخاصة لكل حاضرة من تلك الحواضر‬
‫ولكل بادية من هذه البوادي‪ .‬فإذا كانت بعض الحواضر فازت بما يلقي على تاريخها‬
‫العلمي بعض الضوء ينير الطريق للسالكين‪ ،‬فإن تلك البوادي المترامية ال تزال إلى اآلن‬
‫داجية اآلفاق في أنظار المتطلعين الباحثين‪ .‬فهذه تافياللت‪ ،‬ودرعة والريف وجباله‪،‬‬
‫واألطلس الكبير وتادلة ودكالة وأمثالها‪ ،‬قد كان لها كلها ماض مجيد في ميادين المعارف‬
‫العربية‪ ،‬فهل يمكن أن يجد الباحث اليوم ما يفتح أمامه صفحاتها حتى يدرك ما كان فيها‬
‫طوال قرون كثيرة من النشاط واالنكباب والرحلة في سبل الثقافة‪ .‬فكم سجلماسي ودرعي‬
‫وريفي وجبالي وأطلسي وتادلي ودكالي وشاوي يمر باسمه المطالع أثناء الكتب‪ .‬وكم‬
‫مدارس‪ ،‬وزوايا علمية إرشادية في هذه البوادي ال تزال آثارها إلى اآلن ماثلة للعيون‪ ،‬أو ال‬
‫تزال األحاديث عنها يدوي طنينها في النوادي‪ .‬فأين ما يبين كنه أعمالها‪ ،‬وتضحية أصحابها‪،‬‬
‫‪.‬وما قاساه أساتذتها وأشياخها في تثقيف الشعب‪ ،‬وتنوير ذهنه (‪)]1[( )...‬‬

‫‪82‬‬
‫لذلك فهو يقترح القيام بأعمال مونوغرافية تغطي أنحاء البالد ويقول في هذا الصدد “…‬
‫فإنه لو قام من كل ناحية رجال باحثون ببذل الجهود‪ ،‬لتكونت بما سيهيئونه من التاريخ‬
‫‪.‬الخاصجيللكل ناحية‪ ،‬مراجع عظيمة‪ ،‬سيتكئ عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام "([‪)]2‬‬
‫الثقافية‬
‫حيث تندر المصادر المكتوبة‪ ،‬تفيض الذاكرة المحلية بالتمثالث الجاهزة‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫لعل أحد أهم التحديات التي تطرحها نُدرة المادة المصدرية واألرصدة الوثائقية‪ ،‬أمام‬
‫الباحث الذي يتصدى لكتابة التاريخ المحلي‪ ،‬ليس فقط فراغ الجراب من مؤونة البحث‬
‫وزاده‪ ،‬بل أساساً التمثالت الجاهزة للذاكرة الجماعية المحلية‪ .‬إذ مثلما تخشى الطبيعة الفراغ‪،‬‬
‫ترفض األنا المحلية أن يبقى تاريخها مجهوالً‪ ،‬فتعمد إلى نسج تاريخ على المقاس‪  ،‬قد ال يكون‬
‫بمنأى عن نزوعات األسطرة‪ .‬وهو أمر طبيعي‪ ،‬لطبيعة الذاكرة وأليات اشتغالها‪ ،‬بل ومطلوب‬
‫باعتباره فيضاً منفلتاً عن الرقابة‪ ،‬يجعل الهامشي‪/‬الشعبي متفاعالً‪ ،‬وبشكل منتج‪ ،‬مع المركزي‪/‬‬
‫الرسمي‪ ،‬متى امتلك المؤرخ األداة النظرية والعدة المنهجية لتحويل تفاعلهما إلى معرفة‬
‫‪.   ‬تاريخية علمية‬
‫ال تشذ محاولة كتابة التاريخ المحلي لمنطقة أوطاط الحاج عن هذه القاعدة‪ ،‬فالذاكرة‬
‫الجماعية المحلية ُمتخمة بالتصورات والتمثالت التي تحكي وتحاكي ما تعتقده تاريخاً‪ ،‬المحكوم‬
‫باليقينية حيناً‪ ،‬والمعترف بافتقاده للسند العلمي أحياناً أخرى‪ .‬وداخل هذا “التاريخ المحلي‬
‫العام”‪ ،‬تشتغل ذواكر فرعية لمختلف التجمعات السكنية المنتمية للمنطقة‪ .‬كل واحدة تنسج لها‬
‫تاريخاً في عالقتها بالمجال والسلطة الجوار واالستعمار‪ ،‬وال تعدم وجود شخص أو أشخاصاً داخلها‬
‫يعتبرون مراجع مؤتمنة على أسرار الماضي‪ .‬هذه الحلقات الصغرى للذاكرة المحلية تلتقي‪،‬‬
‫‪.‬فيما يشبه النسق االنقسامي‪ ،‬عند مستوى أعلى للذاكرة المحلية العامة‬
‫أستحضر في هذا الصدد ثالثة نماذج سريعة‪ ،‬تكثف ما تنسجه الذاكرة الجمعية األوطاطية عن‬
‫ماضي المنطقة‪ .‬األول مرتبط بأصل التسمية‪ ،‬التي ال تراها إال مرتبطة برمزية ركب الحجيج‪،‬‬
‫و”وطية” الحاج‪ .‬أما الثانية فمتصلة بمرور يوسف بن تاشفين بالمنطقة سنة ‪ 463‬هـ‪ ،‬وعالقة‬
‫ذلك بصومعة أهل أوطاط‪ ،‬حيث يسهل على الذاكرة المحلية أن تجعلها شاهدة على عبور هذا‬
‫السلطان المرابطي للمنطقة‪ ،‬وأنها ظلت تقاوم نوائب الدهر منذ ذلك التاريخ‪ .‬أما النموذج‬
‫الثالث‪ ،‬فهو يتمثل في اختزال كل ما هو مرتبط بأوطاط في ذات المنطقة ومجالها الممتد‬

‫‪83‬‬
‫بحوض ملوية الوسطى‪ ،‬دون إعارة أدنى اعتبار ألوطاط‪  ‬آخر في حوض ملوية العليا‪ ،‬كان‬
‫‪.‬موضوع أطروحة‪  ‬جامعية لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ([‪)]3‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫التسمية والمجال واالستقرار البشري‬


‫في غياب التدقيق العلمي الطوبونيمي لتسمية المنطقة‪ ،‬فُسح المجال الجتهادات الذاكرة‪ ‬‬
‫وتأويالتها‪ ،‬كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ .‬خاصة وأن تسمية المنطقة انتقلت من وطاط إلى‬
‫أوطاط الحاج مروراً بأوطاط أوالد الحاج‪ .‬وعُرفت في المصادر التاريخية بتصنيفات مختلفة؛‬
‫فهي عند ابن خلدون تُنعت تارة بالحصون‪ ،‬كما ورد في إشارته إلى يوسف بن تاشفين‬
‫الذي ارتحل “سنة ثالث وستين وأربعمائة إلى وادي ملوية‪ ،‬فافتتح بالدها وحصون وطاط من‬
‫‪.‬نواحيها"([‪)]4‬‬
‫وترد عنده تارة أخرى في شكل تجمعات بشرية‪ ،‬عبارة عن قصور شيدت بها هذه الحصون‪،‬‬
‫الممتدة في مجال فسيح بحوض ملوية الوسطى‪ ،‬منفتح على النجود العليا حتى بالد الصحراء‪،‬‬
‫كما يفهم من نص خلدوني آخر جاء فيه‪“ :‬وأجلى موسى بن أبي العافية عن أعمال المغرب‬
‫‪.‬إلى نواحي ملوية‪  ‬ووطاط وما وراءها من بالد الصحراء”؟([‪)]5‬‬
‫لعل التصنيف األخير هو األقرب إلى الصواب‪ ،‬بدليل أنه يوافق ما أورده الزياني في‬
‫دون بها ما يلي‬
‫‪:  ‬ترجمانته الكبرى إذ ّ‬
‫‪.‬ويقابل تازة خلف جبل درن إقليم وطاط على نهر ملوية‪ ،‬قصور وقرى وأمم ال تحصى" ([‪“)]6‬‬
‫وهو ما يعضد نصاً خلدونيا آخر‪ ،‬يجعل انتماء أهل البالد إلى قبيلة األحالف‪ ،‬قبل أن يُنسبوا‬
‫‪:‬الحقاً إلى قبيلة أوالد الحاج؛ إذ يقول صاحب العبر‬

‫‪84‬‬
‫من ذوي منصور وهم العمارنة والمنبات فمواطنهم مجاورة ألوالد حسين من )أما األحالف("‬
‫ناحية الشرق‪ .‬وفي مجاالتهم بالقفر تافياللت‪ ،‬وصحراؤها‪ .‬وبالتل ملوية وقصور وطاط وتازي‬
‫جيلوغساسة" ([‪)]7‬‬
‫‪.‬وبطيوة‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫كتب حديثاً عن تاريخ المنطقة‪ ،‬وما‬
‫وإذا انتقلنا مباشرة مما دونته المصادر التقليدية إلى ما ُ‬
‫يهم إشكالية المجال الجغرافي بين الثبات والتحول‪ ،‬نسجل ما‬
‫‪ :‬أورده محمد أيت قدور في مذكراته التي نشرها بجريدة األحداث المغربية‬
‫بعد الجفاف الذي ضرب نواحي المغرب الشرقي ومنها أوطاط الحاج‪ ،‬ميسور وأوطاط"‬
‫الفوقاني نسبة لواد أوطاط المجاور (ميدلت حالياً)‪ ،‬في أواخر القرن الثامن عشر الميالدي‪،‬‬
‫والذي كان سبباً في هجرة سكانها بني أحسن‪ ،‬دخل المنطقة موالي السعيد بن عبد الرحمن‬
‫(وهو شريف علوي من تافياللت) وأوالده‪ ،‬ووزعوا منطقة القصابي فيما بينهم (…) وحل‬
‫بنفس الفترة قبائل رحل قدموا من الشرق أي غرب الجزائر‪ ،‬ونزلوا بناحية رشيدة وبني‬
‫خلفتن شمال مدينة كرسيف وانتشروا‪“          ‬بالضهرة”‪ ،‬وهي منطقة رعوية هم‪ :‬الحشالفة‪،‬‬
‫أوالد رحو‪ ،‬أوالد الشريف‪ ،‬أوالد بو لعالم‪ ،‬أوالد علي وأوالد منصور‪ ،‬وكان لهم اسم واحد‬
‫اله ّمال‪ ،‬يقال إنه نسبة لسيدي الهامل بالجزائر‪ ،‬كما يقال ألنهم ُه ّمال أي ُر ّحال‪،‬‬
‫أنداك وهو‪ُ :‬‬
‫ومنهم قبيلة أوالد الحاج بميسور وأوطاط الحاج‪ ،‬وهم من بني هالل حسب البعض أو بني معقل‪،‬‬
‫فتم استقرار الجميع بويزغت أوالً قبل أن تصبح القصابي هي “العاصمة”‪ .‬وفي الواقع لقد‬
‫حدث انفجار في كتلة هذه الساكنة حيث هاجر البعض منها إلى الغرب (بني احسن)‬
‫والبعض إلى الجنوب (الصحراء الشرقية والصحراء الغربية)‪ ،‬أما ما تبقى فبقي قرب ضفاف‬
‫واد ملوية‪ ،‬التي أوصلته إلى األطلس الكبير دون أن ننسى أن فرقاً اتجهت نحو فاس‬
‫‪(.‬الحشالفة‪ ،‬أوالد الحاج)‪)]8[( ...‬‬
‫بقطع النظر عما يشوب هذه الشهادة من شوائب‪ ،‬فهي تحتاج إلى تنقية علمية دقيقة‪ ،‬على‬
‫ضوء ما تجود به المصادر والوثائق المحلية مع تطور البحث التاريخي‪ .‬فالمهم بالنسبة لنا أنها‬
‫أكدت معطى مهماً يمثل في كون المنطقة شكلت مجاالً لعبور موجات بشرية متالحقة بسبب‬
‫‪.‬عوامل متداخلة‬
‫هذا االختراق القبلي أدى إلى غزو المحلي وإبعاده‪ ،‬وبالتالي ساهم في تجدد التركيبة‬
‫اإلثنية‪ ،‬التي لعبت دوراً مهما في نحت أسماء محلية لقصور ومداشر هذا اإلقليم الفسيح‬
‫الممتد بين جرسيف وميدلت‪ ،‬الذي كان يضم حسب شهادة الزياني السالفة الذكر قصور‬

‫‪85‬‬
‫وقرى وأمم ال تحصى والمسمى بأوطاط‪ .‬كما أدى هذا االختراق البشري المتالحق إلى ما عبر‬
‫عنه آيت قدور بانفجار في كتلة هذه الساكنة والذي قادها إلى اتجاهات مختلفة من البالد‬
‫جيل‬ ‫(الغرب‪ ،‬الجنوب‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫الشرقي‪ ،‬الجنوب الغربي)‪ ،‬فظهرت إثر ذلك‪ ،‬إلى جانب متغيرات تاريخية مركبة ([‬
‫ارتبط‬
‫ة‬
‫‪،)]9‬أسماء أخرى قسمت أوطاط إلى فوقاني قرب ميدلت وآخر بين ميسور وجرسيف‬
‫فعرف بأوطاط أوالد الحاج‪ ،‬قبل أن تستقر تسميته نهائياً على‬
‫في تسميته بقبيلة أوالد الحاج ُ‬
‫‪.‬أوطاط الحاج‬
‫قُسم أوطاط إذن إلى قسمين يفصل بينهما ميسور ولقصابي؛ وهما أوطاط الفوقاني الذي ورد‬
‫الحديث عنه عند كل من الناصري([‪)]10‬‬
‫وابن زيدان ([‪ )]11‬في تناولهما لموضوع حركة السلطان الحسن األول إلى‬

‫تافياللت سنة ‪ 1310‬ھ‪1893 /‬م‪ ،‬التي عبرت المنطقة في طريقها إلى الصحراء‪ .‬ثم أوطاط‬
‫الحاج الذي ارتبطت تسميته بقبيلة أوالد الحاج السالفة الذكر‪ ،‬التي أشار محمد آيت قدور‬
‫إلى أن دخولها إلى المنطقة كان في أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬واحتار في نسبها هل هاللية‬
‫أم معقلية‪ ،‬مؤكداً دخولها من الشرق أي غرب الجزائر‪ .‬وإذا كنا نعدم لحد اآلن أية وثيقة‬
‫أو إفادة مصدرية تسعفنا في إثبات تاريخ وظروف وصول قبيلة أوالد الحاج إلى المنطقة‪ ،‬ثم‬
‫انتقال فرع منها إلى نواحي فاس‪ ،‬فإن ما ثبت لدينا انطالقاً من خرائط التركيبة القبلية‬
‫المغاربية هو الوجود الفعلي لقبيلة أوالد الحاج بأسماء مختلفة غرب الجزائر‪ ،‬وبجوار مدينة‬
‫فاس أيضاً‪ ،‬موزعة على الشكل التالي‪ :‬أوالد الحاج وأوالد الحاج العبد بضواحي مدينة الشلف‬
‫الجزائرية‪ ،‬وأوالد الحاج قدور بنواحي الجزائر العاصمة‪ ،‬ثم أوالد الحاج عبد اهلل قرب مدينة‬
‫‪.‬فاس‬
‫أما منطقة أوطاط الحاج الواقعة وسط سهول وسهوب ملوية الوسطى‪ ،‬والتي ترتفع عن‪ ‬‬
‫مستوى سطح البحر بحوالي ‪890‬م‪ ،‬ويقدر معدلها السنوي من التساقطات ب ‪ 153‬ملم‪،‬‬
‫ومركز مدينتها يوجد عند التقاء واد ملوية مع أحد روافده اليسرى والمسمى واد “شق‬
‫األرض”‪ ،‬فهي تنتمي من الناحية اإلدارية إلى إقليم بولمان الذي أنشئ سنة ‪ ،1975‬وتقع‬
‫على الطريق الثانوية الرابطة بين جرسيف التي تبعد عنها ب ‪ 125‬كلم في اتجاه الشمال‬
‫‪.‬الشرقي‪ ،‬ومدينتي ميسور وميدلت الواقعتين في جنوبها الغربي([‪)]12‬‬
‫إشارات في الدراسات األركيولوجية‬

‫‪86‬‬
‫يعود أول أثر لبقايا الوجود البشري بهذه المنطقة‪ ،‬التي تشكل أساس موضوعنا‪ ،‬في هذه‬
‫الدراسة االستكشافية األولية‪ ،‬إلى العصر الحجري األخير أو الحديث أو (عصر الحجر‬
‫المصقول)‪ ،‬وهي عبارة‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫عن أدوات استعملت في الزراعة وتربية الماشية‪ ،‬تؤشر على استقرار بشري بالمنطقة قبل‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ميالد المسيح بما يزيد عن ألف سنة‪ .‬وقد نبهت الدراسة التي استقينا منها هذه المعلومات‬
‫إلى تحول في الحياة خالل هذه المرحلة التاريخية؛ إذ بدأت أكبر ثورة في تاريخ اإلنسانية‬
‫حتى الفترة الصناعية‪ .‬فبفضل األحجار المصقولة‪ ،‬والفؤوس‪ ،‬والمعاول‪ ،‬انتشرت الزراعة وحلت‬
‫تربية الماشية محل القنص‪ .‬وباختصار شديد تحول اإلنسان من مجرد مدمر للطبيعة‪ ،‬إلى إنسان‬
‫منتج لتأمين غذائه‪ .‬فحصل التحول في نُظم الحياة بين مكونات الطبيعة‪ :‬تطور في حياة اإلنسان‬
‫وأمنه وملكاته العقلية‪ ،‬وتهذبت أخالقه وعرف شكالً من االعتقاد أو الديانة‪ ،‬وعاش نوعاً من‬
‫التنظيم االجتماعي مع حياة االستقرار التي ارتبطت بالزراعة‪ ،‬ونتجت عنها ممارسة ما عرف‬
‫‪.‬بسكنى المغارات([‪)]13‬‬
‫على أن ما أثار اهتمامي في هذه الدراسة‪ ،‬هو هذه اإلشارة األخيرة‪ ،‬من فضول علمي‬
‫يستدعي البحث في عالقة بقايا وجود بشري بعين لفريطسة بأوطاط الحاج في السياق التاريخي‬
‫المشار إليه آنفاً‪ ،‬بتلك المغارات الموجودة بالقرب منها على ضفاف نهر ملوية بمنطقة‬
‫لغويرات‪ ،‬إذ من الراجح أن بحثاً علمياً يستعين باألركيولوجيا والطوبونيميا أن يؤكد أنها فعالً‬
‫‪.‬اسم وافق مسماه ولفظ طابق معناه‬
‫كرنولوجيا تطور المنطقة بين المصادر المغربية واألجنبية‬
‫إذا كنا نفتقد لدليل يرشدنا لمعرفة تاريخ وصول اإلسالم لهذه المنطقة‪ ،‬فإن أول ذكر لها‬
‫‪:‬في المصادر وجدناه عند صاحب العبر فقد ورد عنه‬
‫وزحف ميسور الخصي قائد أبي القاسم الشيعي إلى المغرب سنة ثالث وعشرين“‬
‫وثالثمائةوخام ابن أبي العافية عن لقائه واعتصم بحصن الكأي‪ ،‬ونهض ميسور إلى فاس‬
‫فحاصرها واستنزل أحمد بن بكر عاملها‪ .‬ثم تقبض عليه وأشخصه إلى المهدية‪ ،‬وبدر أهل فاس‬
‫بغدره فامتنعوا وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتي‪ ،‬وحاصرهم ميسور مدة حتى‬
‫رغبوا إلى السلم‪ ،‬واشترطوا على أنفسهم الطاعة واالتاوة فتقبل ميسور ورضي‪ ،‬وأقر حسن بن‬
‫قاسم على واليته بفاس وانحل إلى حرب ابن أبي العافية فكانت بينهما حرب إلى أن غلبة‬
‫ميسور فتقبض على ابنه الغوري وغربه إلى المهدية‪ .‬وأجلى موسى بن أبي العافية عن‬

‫‪87‬‬
‫أعمال المغرب إلى نواحي ملوية ووطاط وما وراءها من بالد الصحراء وقفل إلى القيروان" ([‬
‫‪)]14.‬‬
‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫ُوجدت أوطاط إذن ككيان عمراني قبل الفترة المرابطية‪ .‬وعندما وصلها الزحف المرابطي‬
‫سنة ‪463‬ھ‪ ،‬وجد بها حصوناً‪ ،‬مما يدل على أنها عرفت استقراراً بشرياً قديما عانى كثيراً من‬
‫آثار التدمير الذي سببته مختلف الموجات البشرية الغازية والعابرة‪ ،‬فاضطر سكانها إلى‬
‫تشييد الحصون للتمنع ودرء األخطار المحدقة بهم‪ .‬مما يجعل السؤال يزداد إلحاحاً حول من‬
‫اختط بالد وطاط ومن شيد بها هذه الحصون التي افتتحها يوسف بن تاشفين بنفسه‪ ،‬حسب‬
‫إشارة ابن خلدون السالفة الذكر التي ورد بها‪“ :‬وارتحل – أي يوسف بن تاشفين – سنة‬
‫‪.‬ثالث وستين وأربعمائة إلى وادي ملوية‪ ،‬فافتتح بالدها وحصون وطاط من نواحيها”؟([‪)]15‬‬
‫إذا كنا مرة أخرى نصطدم بعوز مصدري ووثائقي يثبت أن قاطنة المغارات بمنطقة‬
‫الغويرات‪ ،‬هم سكان منطقة أوطاط الحاج األولين‪ .‬وأنهم حافظوا على استقرارهم بتشييدهم‬
‫لحصون وقائية‪ ،‬ضد آلة التدمير البشري التي ظلت وباالً تاريخياً مسلطاً على المنطقة‪ .‬فإن ما‬
‫‪ ‬أكده صاحب العبر‬
‫هو أن لعنة التدمير حاقت بالمنطقة بقوة زمن بني مرين‪ ،‬إذ تحدث عن غزو ثأري ماحق ‪،‬‬
‫‪.‬قادم من الشرق([‪)]16‬‬
‫فهل توقف هذا النحس مع بني مرين أم كان قدرها عبر التاريخ وإن اختلفت أساليب‪ ‬‬
‫وآليات التخريب؟‬
‫يبقى السؤال مطروحاً‪ ،‬ما دام أن حالة الال استقرار هذه هي التي جعلت شارل دي فوكو‬
‫يصنف منطقة أوطاط الحاج ضمن بالد السيبة‪  .‬فتصدى عبد اهلل العروي للرد عليه‪ ،‬منبها إلى‬
‫أن تصنيف الرحالة الفرنسي الذي زار المنطقة في ماي ‪ 1884‬فيه مغالطة واضحة؛ إذ ورد‬
‫في رده‪“ :‬يميز دي فوكو بشكل واضح بين بالد المخزن وبالد السيبة‪ ،‬ويوافينا في أغلب‬
‫األحيان بمسببات هذه السيبة‪ ،‬ويعتبر ما هو مؤقت كمعطى دائم ومستديم‪ ،‬مثالً ما أورده في‬
‫‪.‬موضوع قبائل أوطاط الحاج"([‪)]17‬‬

‫‪88‬‬
‫فالمنطقة إذن لم تكن بالد سيبة دائمة‪ ،‬بل عابرة ومؤقتة حسب درجة حضور أو تراجع‬
‫الوجود المخزني بها‪ .‬ذلك ما نستشفه من خالل تمعننا في ما أورده دي فوكو نفسه في‬
‫للمنطقة‪ ،‬وهو يعبرها قادما من جهة لقصابي في اتجاه دبدو‪ :‬فمن لقصابي ( قصبة‬
‫وصفه جيل‬
‫الثقافية‬
‫الشرفاء‪ /‬قصبة المخزن) إلى اوطاط مروراً بميسور‪ ،‬تبدو مختلف نقط االستقرار البشري في‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫مر بالمنطقة بين ‪ 8‬و‪ 13‬ماي ‪ ،1884‬عبارة‬
‫عين الرحالة الفرنسي شارل دي فوكو‪ ،‬الذي ّ‬
‫عن واحات متناثرة عبر حوض ملوية‬
‫على أرض حصوية رملية صخرية قاحلة‪ ،‬ال ينقصها سوى النخيل الذي تعوضه الحلفاء‪ ،‬في فضاء‬
‫فسيح ممتد في اتجاه هضبة الركام‪“ .‬ميسور تجمع سكني في مجال أخضر عند ملتقى شف‬
‫شرق وملوية‪ ،‬الحيز األكبر من هذه الواحة يوجد على الضفة اليمنى لواد شف شرق‪ ،‬األشجار‬
‫المثمرة تشكل أجمة كثيفة وارفة الظالل‪ ،‬األغراس تحيط بعشرات القصور (الدواوير)‪ ،‬إنها‬
‫غابة زيتون‪ ،‬تنتج زيتاً رائعاً‪ ،‬وتفاح تصدر فواكهه حتى فاس‪ ،‬ورمان وتين‪ ،‬هذه االشجار‬
‫األخاذة تضفي على هذا المكان صبغة أكثر إشعاعاً‪ .‬تسقى البساتين بقنوات سقي متعددة‬
‫تسيل من واد شف شرق (…) بنايات ميسور من تراب مدكوك‪ ،‬بسيطة فاقدة الزخرفة‬
‫‪.‬والقصبات‪ ،‬اللباس أيضاً ظل بسيطاً " ([‪)]18‬‬
‫مع تسجيل تحول على المستوى األنتربولوجي من نمط في المعيش اليومي لباساً وتقاليد ‪.‬‬
‫وعادات‪ ،‬يُؤشر على تفسخ نُظم مستوحاة من خليط أمازيغي صحراوي‪ ،‬وبداية تبلور ثقافة‬
‫محلية تمتح من معين قادم من الشرق على المستوى الذهني‪ ،‬ومستورد من فاس وتازة في‬
‫‪.‬شكل أدوات استعمال‬
‫يقول شارل دي فوكو‪“ :‬بدخولي إلى ميسور أكون قد غادرت بالد المخزن‪ ،‬فأوالد خاوة‬
‫الذين سرت على أراضيهم الجزء الكثير من يومي تخضع للسلطان خضوعاً نسبياً تجسده تلك‬
‫الضريبة الخفيفة التي يجبها قائد لقصابي‪ ،‬وفيما عدا ذلك تعيش القبيلة في حل من أمرها‬
‫حيث ال يمكن التحرك فوق ترابها بدون زطاط رغم أنها مصنفة ضمن بالد المخزن‪ .‬التي‬
‫ينتهي هنا مجالها مع هيمنة قبيلة أوالد الحاج المسيطرة على مجال ممتد حولته إلى سيبة حتى‬
‫‪.‬مشارف دبدو‬
‫تتكون ساكنة ميسور من عنصرين‪ :‬الشرفاء‪ ،‬والعرب وكل قصر أو دوار يعيش حراً دون‬
‫ارتباط مع الجوار‪ .‬ولم تعرف ميسور أي سلطة للسلطان‪ ،‬وإن كان بعض الشرفاء يحجون سنوياً‬
‫إلى فاس يبادلونه الزيارات والهدايا‪ ،‬فإن ذلك لم يتجاوز حدود المبادرة الشخصية‪ .‬لقد‬
‫حدث تحول هام منذ مغادرتي لقصابي الشرفاء يتعلق األمر باللغة‪ .‬في حوض زيز عند آيت‬

‫‪89‬‬
‫أُفال اللغة المتداولة هي األمازيغية‪ ،‬في القصابي تستعمل العربية واألمازيغية‪ .‬لكن منذ‬
‫دخولي إلى قبيلة أوالد خاوة اقتصر األمر على استعمال اللغة العربية ونفس األمر بميسور‪،‬‬
‫انفصل‬
‫وعلى طول المساحة الخاضعة لقبيلة أوالد الحاج التي تشكل قبيلة أوالد خاوة فرعاً منها‪،‬جيل‬
‫الثقافي‬
‫‪.‬عنها سياسياً (في شروط تاريخية معينة) كما حدث آليت أفال مع آيت ازدك‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬
‫ماي‪“ :‬اتفقت باألمس مع ضيفي الشريف ليتكلف بتدبير أمر الزطاط الذي سيرافقني حتى‪9‬‬
‫‪...‬أوطاط أوالد الحاج‪ ،‬حيث سننطلق في رحلتنا على الساعة السادسة صباحاً‬
‫ألوطاط أوالد الحاج نفس مظاهر ميسور‪ :‬إنها عبارة عن شريط أخضر يطبع بنظرته جزءاً من‬
‫السهل حيث تتكرر نفس مشاهد الواحات‪ ،‬كما هو الشأن بميسور ال ينقصها سوى شجر النخيل‬
‫لتكتمل عناصر الحقل الواحي‪ .‬توقفت على الساعة الخامسة مساء بمالح أوطاط‪ .‬لم أصادف في‬
‫طريقي أي شخص‪ ،‬وال عبرت أي مجرى مائي مهم منذ شف شرق‪ ،‬باستثناء بعض السواقي‬
‫والعيون‪ ،‬وأنا أسير بمحاذاة نهر ملوية‪ ،‬حيث يظهر خصاص كبير للماء بهذا السهل‪ .‬وفجأة‬
‫‪".‬وجدت نفسي أمام خيام‪ ،‬ومنازل فقيرة وأكواخ موزعة حول قبة‪ ،‬إنها قرية تكور‬
‫ـ ـ ‪11‬ماي‪“ :‬إقامة بأوطاط أوالد الحاج‪ .‬يرمز هذا االسم إلى ما يشبه شبه جزيرة فسيحة ‪10‬‬
‫األرجاء‪ ،‬تفتن الناظرين بخضرتها األخاذة‪ ،‬والمعزولة داخل هذا السهل القاحل عند ملتقى‬
‫ملوية وشق األرض‪ .‬كل ما قيل عن مظهر ميسور ينطبق عليها‪ ،‬نفس مستوى األشجار المثمرة‪،‬‬
‫نفس النشاط‪ ،‬نفس الجو اإلشعاعي‪ ،‬لكن أوطاط أكبر من ميسور‪ ،‬فداخل حدائقها وبساتينها‬
‫الجميلة يوزع ما ال يقل عن ‪ 31‬من القصور تنتمي ألوالد الحاج وتحتضن داخلها العديد من‬
‫‪.‬الزوايا‬
‫يشكل أوالد الحاج قبيلة كبيرة ومستقلة يقال إن أصلهم عربي‪ :‬لهم في نفس الوقت قصور‬
‫وخيام‪ ،‬جزء منهم اختار االستقرار والجزء اآلخر عشق النجعة والترحال‪ ،‬يسكنون على ضفتي‬
‫ملوية وفي السهل الذي يجري بداخله هذا النهر من قصابي الشرفاء حتى قصر أوالد حميد‪،‬‬
‫ويمتد نفوذهم حتى هضبة الركام وجزء من تالل دبدو‪ .‬تربطهم بقصور الشلوح الموجودة‬
‫على الجانب األيسر لنهر ملوية تحالفات أو عالقات يؤطرها عرف الذبيحة‪ .‬من بين فروع قبيلة‬
‫أوالد الحاج هناك أوالد خاوة الذين استقلوا عن بقية القبيلة منذ عهد بعيد وانضموا سياسياً‬
‫‪.‬آليت ازدك‪ ،‬ومنذ سنوات أصبحوا تحت سلطة قائد القصابي‬

‫‪90‬‬
‫إلى حدود سنة ‪ ،1882‬كان أوالد الحاج في غالبيتهم يعترفون باسم السلطان‪ ،‬وكان لهم‬
‫قائد منتخب من طرفهم‪ ،‬ويحظى بتزكية السلطان‪ .‬سافر هذا القائد إلى فاس منذ خمس‬
‫جيللكنه تأذّى من وشاية ذهب ضحيتها هو وأحد مرافقيه من أعيان القبيلة‪ ،‬كان‬
‫سنوات‪،‬‬
‫الثقافية‬
‫وراءها ‪ ‬أحد أبناء عمومته لدى السلطان الحسن األول‪ ،‬الذي أدخله السجن وعوضه بالشخص‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫الواشي‪ .‬كان القائد ينتمي إلى فخدة أوالد عبد الكريم‪ ،‬وفي سنة ‪ 1882‬تم اغتياله من‬
‫طرف الطوال‪ .‬ومنذ ذلك‬
‫التاريخ لم تعد القبيلة تخضع لسلطة أي قائد وال تعترف بسلطة سلطان‪ .‬وكل فخدة تعيش على‬
‫هواها باستثناء ثالثة‪ :‬بني رايس‪ ،‬أهل ارشيدة‪ ،‬أوالد أدمر الذين كانوا تحت سلطة قائدة‬
‫تازة‪ ،‬والذين كان بإمكانهم التحرك داخل بالد المخزن‪ ،‬أما البقية الباقية من أوالد الحاج فال‬
‫هم تراجعوا عن استقاللهم وعدائهم للمخزن‪ ،‬وال هو سمح لهم بالتجول دون عقاب فوق المجال‬
‫‪".‬الخاضع له خضوعا فعليا‬
‫ماي‪ :‬واستئناف الرحلة من أوطاط أوالد الحاج في اتجاه دبدو‪“ .‬اتفقت باألمس مع‪12‬‬
‫الزطاطة الذين سيرافقونني من هنا إلى دبدو‪ ،‬إنهم ثالثة من أوالد الحاج‪ ،‬من فرقة‬
‫الحموزيين‪ .‬سيقبضون أجرة حراستهم لي عند عودتهم من طرف يهودي يدعى يوسف‬
‫العسري الذي سلمته ثمن الحراسة بحضور الزطاطة الثالثة‪ ،‬الذين عليهم أن يعودوا برسالة‬
‫‪.‬من ابن لليهودي يتابع دراسته بدبدو تؤكد وصولي بسالم‬
‫حضر الحراس لننطلق هذا اليوم على الساعة الرابعة صباحاً‪ ،‬ومع االنطالقة التحق بنا ثالثة من‬
‫اليهود الفقراء‪ .‬عبرت قافلتنا الصغيرة واد شق األرض عند قدم المالح‪ ،‬لتعبر مكانا تغطيه‬
‫أشجار الزيتون‪ ،‬ثم الحقول‪ ،‬جزء مزروع منها يليه جزء بال زرع‪ .‬في الرابعة و‪ 25‬دقيقة عبرت‬
‫آخر ساقية تروي هذا المجال األخضر‪ ،‬وها أنا ذا مرة أخرى فوق أرض قاحلة‪ .‬إنه دائما‬
‫السهل واألرض المنبسطة والجرداء‪ ،‬ذات التربة الرملية المكسوة أحياناً بالحصى‪ ،‬حيث يندر‬
‫العناب‪ .‬وهذا مشهد ألفناه منذ مغادرتنا للقصابي عبر ميسور‪،‬‬
‫النبات وقلما نجد الزعتر أو ُ‬
‫المتغير الوحيد هو أن هذا المعبر السهلي بدا ضيقاً شيئاً ما‪ .‬على يساري هذه المرة أرمق‬
‫مشهدا أخضر يتعلق األمر بالعرجان‪ ،‬األشجار التي أميزها تحيط بمجموعة من القصور المنتمية‬
‫ألوالد الحاج‪ .‬على الساعة السادسة صباحاً ودعت واد ملوية نهائياً لتستمر الرحلة في الحوض‬
‫المتوحد‪ ،‬القاحل‪ ،‬الرملي‪ ،‬على أرض بدت شيئا ما لينة تكسوها بعض األعشاب‪ .‬أشاهد طيور‬
‫القطا وهي تحلق في السماء‪ ،‬منظر أعاينه ألول مرة منذ أن بدأت رحلتي بالمغرب‪ .‬على‬
‫الساعة الثامنة صباحا أمر غير بعيد عن تساف‪ ،‬ستار أخضر من األشجار يضفي انتعاشة خاصة‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫ويخفي تحت عتمته عدة قصور‪ .‬بعد مسافة قصيرة ها أنا ذا أجوب فيافي بداية الركام بكل‬
‫ما تحمله تفاصيله من تدرج في االرتفاع‪ ،‬يواكبه تبدل في نوع التربة بين الرملية والحصوية‬
‫بالحلفاء([‬
‫والكثيرة األحجار والصخور الصفراء البارزة‪ ،‬مع سيادة نوع نباتي وحيد يتعلق األمر جيل‬
‫الثقافي‬
‫‪)]19.‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫إذا كان شارل دي فوكو في رحلته االستكشافية ذات البعد االستخباراتي قد مهد بشكل‬
‫والتنظيم‪،‬‬
‫ة‬ ‫أو بآخر لالحتالل العسكري للمنطقة‪ ،‬التي اعتبرها سيبة تحتاج إلى الضبط واألحكام‬
‫فإن جون لوي مييج بدوره لم يترك الفرصة تمر دون التذكير بدور الغزو الفرنسي في‬
‫وقف عمليات السلب والنهب التي عانى منها مربو الماشية بالنجود العليا‪ ،‬وإن كان قد أقر‬
‫بأثر هذا االحتالل على تجارة القوافل‪ .‬فتكامل فعل العنصر البشري مع معطى طبيعي شديد‬
‫القساوة يجسده الجفاف‪ ،‬مما دفع الرعاة الرحل بالمنطقة إلى الهجرة بشكل نهائي أو اللجوء‬
‫‪.‬إلى حياة االستقرار([‪)]20‬‬
‫فكيف جاء االحتالل العسكري لهذه المنطقة المعروفة محلياً بالضهرة؟ يجيبنا محمد بن الحسن‬
‫‪:‬الحجوي في مؤلفه المعروف بـانتحار المغرب األقصى بيد ثواره‬
‫وفي أوائل شهر حجة الحرام عام [ ‪1322‬ھ ‪1904 /‬م ] ورد الخبر بتقدم الجنود"‬
‫الفرنسوية في الظهراء للبالد التي تركها أبو عمامة وراءه واحتاللها مركزا يقال له الحاسي‬
‫األحمر وشروعها في البناء هناك‪ ،‬وبجبل تندرارة وأنهم أخذوا ‪ 30‬إبل لبنى كيل الذين‬
‫‪.‬تعرضوا لهم وقصدهم إدخال الظهراء في النفوذ الجزائري"([‪)]21‬‬
‫يخبرنا الضابط فوانو أن فرنسا ركزت الحتالل منطقة أوطاط الحاج‪ ،‬في إطار مخطط شامل بعيد‬
‫األهداف‪ ،‬وحداتها الضرورية بمنطقة الفريطيسة للتصدي للضربات الموجعة التي كانت‬
‫‪.‬تتلقاها من بني وراين الشرقية الذين كانوا متمركزين بين ملوية ودبدو‬
‫انطلقت العمليات إذن منذ مارس ‪ 1912‬تحت قيادة الجنرال أليكس‪ ،‬هذا في الوقت الذي‬
‫كان فيه الجنرال كيراردو مرابطاً بالفريطيسة وتحت إمرته ‪ 9000‬مقاتل‪ .‬وقد كلفتهم هذه‬
‫العمليات عبر نهر ملوية ما ال يقل عن ‪ 40‬قتيل و‪ 90‬جريح وهي الواجهة األولى ضمن‬
‫جبهات القتال‬
‫‪.‬الثالث الحتالل أوطاط الحاج([‪)]22‬‬
‫أما الواجهة الثانية من دبدو عبر تساف في اتجاه أوطاط الحاج‪ ،‬فلم يحرك معها سكان‬
‫أوطاط ساكنا‪ ،‬وتمت في ‪ 5‬يونيو ‪1917‬؛ حيث خصص لهم السكان “استقباالً رائعاً”‪ ،‬على حد‬
‫‪.‬تعبير فوانو دائماً‪ ،‬وظل الهدوء مخيما على المنطقة([‪)]23‬‬

‫‪92‬‬
‫لكن ذلك لم يكن اعتباطياً بل جرى التمهيد له مبكراً‪ ،‬من خالل سياسة القواد المحليين‪ ،‬أو‬
‫ما يعرف باستمالة الزعامات المحلية‪ ،‬يفهم ذلك مما ورد في تقرير شهري شامل عن نظام‬
‫جاء‬
‫الحمايةجيل‬
‫الثقافية‬
‫فيه “وبعيداً في الجنوب كانت عالقتنا مع محمد بن عبيد من أكثر العالقات متانة‪ ،‬وبدا وفاء‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫هذه الشخصية مضموناً لصالحنا‪ ،‬لكن أوالد الحاج أنفسهم انقسموا إلى صفين‪ :‬أحدهم فرنسي‬
‫‪.‬واآلخر مناهض لفرنسا‪ .‬أما الصف الفرنسي فقد كون بعض المؤيدين الجدد" ([‪)]24‬‬
‫حاول الفريق المتنقل بناء مركز له بتساف دون إثارة أي رد فعل‪ ،‬لكن عندما برح هذا‬
‫المكان في اتجاه المريجة عبر ملوية‪ ،‬كانت له قبائل بني وراين بالمرصاد مرة أخرى‪ ،‬فكلفته‬
‫أزيد من عشرة قتلى و‪ 14‬جريح في بويعقوبات‪ .‬لكن فوانو يؤكد أنه بعد عودة هذا‬
‫الفريق من المريجة إلى أوطاط الحاج يوم ‪ 23‬يونيو ‪ 1917‬حقق الجيش الفرنسي ما كان‬
‫يطمح إليه‪ ،‬أي االحتالل النهائي‪ ،‬الذي أتاح إمكانية انطالق األعمال التنظيمية في منتهى‬
‫‪.‬األمان‬
‫في أوطاط الحاج إذن اجتمعت مختلف الوحدات العسكرية لمنطقة ملوية الوسطى يوم ‪10‬‬
‫يوليوز‪ ،‬حيث جرى االستعداد لاللتقاء بالوحدات القادمة من بوذنيب‪ ،‬هذا اللقاء الذي تم‬
‫‪.‬بميسور يوم ‪ 11/07/1917‬دون أدنى مواجهة([‪)]25‬‬
‫ويعترف فوانو أنه إذا كان السهل قد خضع بسهولة فإن الجبل كان مبعث خطر دائم‪،‬‬
‫فمرموشة من جهة وبني وراين من جهة أخرى ظلتا طيلة عقد من الزمن تقض مضجع‬
‫‪.‬الفرنسيين في إطار تحركهما فيما عرف ببقعة تازة‬
‫شكلت المقاومة المسلحة عبر الجبال الممتدة من بولمان عبر مرموشة وأوالد علي حتى‬
‫‪.‬بركين شرقاً خطراً حقيقياً كلف جيوش االحتالل ثمنا غالياً ([‪)]26‬‬
‫‪:‬ذلك ما سنعرفه من خالل انتهائنا إلى الواجهة الثالثة واألخيرة إلخضاع المنطقة‬
‫شكلت االتحادات القبلية المتمركزة بالجبال الممتدة من بولمان إلى بركين مصدر قلق‬
‫حقيقي للفرنسيين‪ ،‬أذاقهم األمرين تحت قيادة مجاهدين على رأسهم سيدي رحو ببولمان‬
‫‪.‬والسي محاند بلقاسم ازروال “الخصم الشرس للفرنسيين” بمرموشة وأوالد علي وغيرهم كثير‬
‫رغم اعتماد قوات االحتالل على عناصرها األكثر قوة واألشد فتكاً من كوم وسنغاليين‪،‬‬
‫وأسلحة متطورة‪ ،‬ورغم دعمها من طرف فيلق انطلق من أوطاط الحاج ودخل تسوانت دون‬
‫أدنى مقاومة يوم ‪ 9‬أكتوبر ‪ 1925‬ثم إزلفان بعد ذلك‪ ،‬فإن كل ذلك لم ينل من صمود‬

‫‪93‬‬
‫المقاومة المحلية‪ ،‬حيث عاد فيلق الدعم خائباً واستمرت القبائل المجاهدة المتحصنة بالجبال في‬
‫‪.‬تصديها لالحتالل العسكري الفرنسي للمنطقة حتى شهر فبراير‪)]27[(1927‬‬
‫جيل‬ ‫بعد أن وضعت الحرب أوزارها‪ ،‬واستتب أمر منطقة أوطاط الحاج للمستعمر الفرنسي‬
‫الثقافي‬
‫وخضعت له‪ ،‬شرع هذا األخير في تنظيمها وتأهيلها‪ ،‬حتى يتسنى له االستغالل الجيد واألمثل‪،‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫والتصريف األسهل لخيراتها في اتجاه المتروبول‪ .‬ذلك ما أكدته العديد من الدراسات‬


‫ة‬ ‫والتقارير التي أنجزت في هذا الشأن‪ ،‬خاصة من طرف ضباط عسكريين‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫‪.‬بالنسبة لمناطق أخرى من المغرب‬

‫على سبيل االستنتاج‬


‫‪‬‬ ‫تحتاج كتابة التاريخ المحلي إلى مهارة خاصة في تعامل المؤرخ مع شواهده وشهوده‪،‬‬
‫‪.‬مرتبطة بصنعته كما دققها مارك بلوك في دفاعه عن التاريخ‬
‫‪‬‬ ‫تعتبر كتابة التاريخ المحلي عمالً مجهرياً مخبرياً‪ ،‬بل وربما استخبارياً احياناً‪ ،‬لصيد‬
‫‪.‬الوثائق وقنص المعلومات‬
‫‪‬‬ ‫مثلما يُفترض في من يتصدى لكتابة التاريخ المحلي أال ينفر من ما تقترحه الذاكرة‬
‫الجماعية المحلية من معطيات‪ ،‬عليه أن ال يستكين ليقينياتها‪ ،‬بل حسن اإلصغاء إليها‪ ،‬بل‬
‫ربما صياغة فرضيات ومنطلقات بحثه من ثوابتها‪ ،‬قبل العودة لنقدها وعزل الغث عن‬
‫‪.‬السمين منها‬
‫‪‬‬ ‫ال تستقيم كتابة التاريخ المحلي بمنطق اخباري وضعاني‪ ،‬بل ال بد من توسيع مفهوم‬
‫الوثيقة ليشمل كل ما له عالقة باإلنسان‪ .‬وضرورة استحضار الحذر المنهجي المطلوب في‬
‫التعامل مع الوثائق‪ ،‬وعدم مجاراتها في طروحاتها‪ ،‬بل إخضاعها للنقد والتمحيص‪ ،‬سواء‬
‫كانت محلية أو منسوخة من األرشيفات األجنبية‪ ،‬من أجل بناء تاريخ علمي رصين‪ .‬مع‬

‫‪94‬‬
‫التأكيد على االنفتاح المثمر على مختلف فروع العلم والمعرفة‪ ،‬وليس فقط على العلوم‬
‫‪.‬االجتماعية واإلنسانية‬
‫الهوامش‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫‪.‬محمد المختار السوسي‪ ،‬سوس العالمة‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬المحمدية‪ ،1960 ،‬ص أ‪1-‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪2-‬‬ ‫‪.‬المرج ع نفس هن ص‪  ‬أ‪ .‬ب‪ ‬‬ ‫‪Amina‬‬ ‫‪Aouchar, Colonisation‬‬ ‫‪et‬‬
‫‪transformation d’une société, l’Outat, Haute Moulouya , Thèse de‬‬
‫‪doctorat d’Etat, Histoire, Bordeaux 3, 1985 .‬‬
‫عبد الرحمان بن خلدون ‪ ،‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر‪ ‬ومن عاصرهم ‪4-‬‬
‫‪.‬من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،2000 ،‬الجزء السادس‪ ،‬ص‪247  ‬‬
‫‪.‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪5- 178‬‬
‫أبو القاسم الزياني‪ ،‬الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا‪ ،‬طبعة ‪ ،1991‬ص‪6- .‬‬
‫‪67.‬‬
‫‪.‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪7- 89‬‬
‫‪.‬محمد آيت قدور‪ ،‬جريدة األحداث المغربية‪ 27 ،‬أكتوبر ‪ ،2003‬ص ‪8- 8‬‬
‫على أن أس ماء بعض المن اطق ارتبطت بغ زو عس كري وليس اث ني بالض رورة ( ميس ور‪9- ،‬‬
‫لقص ابي مثال) ل ذلك تبقى االس تعانة بالطوبونيمي ا ض رورة منهجي ة وليس اختي اراً ذاتي اً بالنس بة‬
‫‪.‬للباحث في هذا الباب‬
‫أب و العب اس أحم د بن خال د الناص ري‪ ،‬االستقص ا ألخب ار دول المغ رب األقصى‪ ،‬دار –‪10  ‬‬
‫‪.‬الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪ .1956 ،‬ج‪ ،9.‬ص ‪203‬‬
‫عبد الرحمان بن زيدان‪ ،‬إتحاف أعالم الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس‪ ،‬الطبعة الثانية‪11- ،‬‬
‫‪ ،1990.‬ج‪ ،2.‬ص ‪269‬‬
‫للمزيد من التفاصيل انظر‪ :‬محمد أزهار‪“ ،‬مادة أوطاط الحاج”‪ ‬معلمة المغرب‪ ،‬نشر مطابع ‪12-‬‬
‫‪.‬سال‪ ،1991 ،‬العدد ‪ ،3‬ص ‪900-899‬‬
‫‪  13- Jean Brignon et al. , Histoire du Maroc, Hatier, 1967, pp.6-13.  ‬‬
‫‪.‬ابن خلدون‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪14-  178‬‬
‫فهل يكون لهذا الزعيم الحربي عالقة بمدينة ميسور وتش ييدها؟ قد نبالغ إذا قلنا إنه – ‪.‬‬
‫كان وراء بنائها‪ ،‬على اعتبار أنه مر منها‪ ،‬إذ هو مجرد مرور قائد محارب‪ ،‬لكن ال نستبعد‬
‫أن يكون‬

‫‪95‬‬
‫العدد األول‪/‬‬ ‫جيل كتابة التاريخ المحلي وتدبير ندرة المصادر نموذج ( منطقة أوطاط الحاج )‬
‫‪05/2020‬‬

‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫هذا ال زعيم قد ض رب مخيم اً عسكرياً بها أثن اء مطاردت ه البن أبي العافية‪ ،‬فك ان ن واة تجمع‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫سكاني حمل فيما بعد اسم هذا القائد الذي ترسخ بقوته الرمزية في الذاكرة الجماعية لهذه‬
‫‪.‬الساكنة‬
‫ة‬

‫‪.‬نفسه‪ ،‬ص‪15- 247.‬‬


‫‪.‬نفسه‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬ص ‪16- 413‬‬
‫عب د اهلل الع روي‪ ،‬األص ول االجتماعي ة والثقافي ة للوطني ة المغربي ة‪17- ،1912  –1830  ،‬‬
‫تع ريب محم د ح اتمي ومحم د ح ادور‪ ،‬المرك ز الثق افي الع ربي‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،2015 ،‬ص‬
‫‪224.‬‬
‫‪18-De Foucauld (CH), Reconnaissance au Maroc , Paris, 1939,‬‬
‫‪pp.399-417                                                        ‬‬
‫‪19- De  Foucauld, op. cit., pp. 99-417. ‬‬
‫‪20- J.L Miège : Le Maroc, Que sais- je ? P.U.F.1950. P.67.‬‬
‫محمد ‪ ‬الحجوي‪ ،‬انتحار المغرب األقصى بيد ثواره‪ ،‬مخطوط بالخزانة العامة بالرباط تحت ‪21-‬‬
‫‪.‬رقم ح ‪ ،123‬ص ‪48‬‬
‫‪22- L. Voinot , Sur les traces glorieuses des pacificateurs du Maroc ,‬‬
‫‪pp.114-118.‬‬
‫‪23- Ibid.‬‬
‫تقرير شهري شامل عن نظام الحماية‪ ،‬الوضعية السياسية للمغرب الغربي والشرقي‪ ،‬يناير ‪24-‬‬
‫‪ .1913.‬محفوظ بالمكتبة الوطنية بالرباط‬
‫‪25- L. Voinot, op. cit., pp.114-118.‬‬
‫‪26- Ibid.‬‬
‫‪27- L.Voinot, op., cit,pp.211-233.‬‬

‫‪96‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫ا لتشكيلية العصامية الراحلة الشعيبية طالل ضيفة (جيل‪ ‬الثقافية)‬

‫الشعيبية طالل (‪ )2004 – 1929‬فنانة تشكيلية مغربية ولدت بجماعة إثنين اشتوكة بالقرب‬
‫من مدينة أزمور بإقليم الجديدة‪ .‬هي أشهر رسامة مغربية استطاعت ان تحقق شهرة عالمية‬
‫بفضل لوحاتها التي تنتمي إلى ما يعرف بـ«الفن الفطري»‪ ،‬حيث عرضت اللوحات في أشهر‬
‫المتاحف والمعارض في باريس ونيويورك وفرانكفورت وجنيف‪ .‬وقد اكتشف موهبتها‬
‫الناقد الفرنسي المعروف بيير كودير والرسام األلماني فيرنر كيردت واقامت أول معرض‬
‫للوحاتها عام ‪ .1966‬ولها ابن وحيد هو الفنان التشكيلي الحسين طالل‪.]1[.‬‬

‫‪97‬‬
‫المسيرة الفنية‬

‫مواهبها‬
‫انفتح أمام الشعيبية باب االحتراف الفني والمعارض الوطنية والدولية بعد اكتشاف جيل‬
‫الثقافي‬
‫صدفة من طرف الناقد الفرنسي بيير كوبير‪ ،‬مدير متحف الفن الحديث بباريس سنة ‪١٩٦٥‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫بعد أن جاء في زيارة البنها الرسام الشاب حسين طالل‪ ،‬فكانت االنطالقة في العام الموالي‬
‫ة‬ ‫بمعرض‬

‫بالدار البيضاء ومعرضين آخرين بالعاصمة الفرنسية باريس‪.‬‬

‫وتوالت بعد ذلك مشاركات الفنانة العصامية عبر أرقى دور العرض العالمية‪ ،‬إلى جانب‬
‫أعمال مشاهير الفن التشكيلي من قبيل بيكاسو وميرو‪.‬‬

‫وبينما قوبلت أعمال الشعبية بترحيب وانبهار شديدين في الغرب‪ ،‬واجهت في مرحلة أولى‬
‫موقفا محتقرا من بعض النقاد وأفراد الوسط التشكيلي المغربي‪ ،‬الذين اعتبروا لوحاتها‬
‫فاقدة للمعنى التشكيلي ومجرد خطوط ساذجة ال ترقى إلى جدارة القطعة الفنية‪.‬‬

‫وقد تبدد هذا الموقف تدريجيا مع اإلقرار بوجود تعبير فني أصيل متحرر من الهم‬
‫المعرفي والتقعيد النظري المدرسي‪.‬‬

‫وقد ظلت أعمال الشعيبية عبر مسارها الفني مطبوعة بذكريات الطفولة وما اختزنته من عالقة‬
‫مباشرة بالطبيعة بسهولها ومشهدها البحري‪ ،‬بربيعها وأزهارها‪ ،‬وأيضاً بوجوه تتنوع بين الفرح‬
‫واألسى‪.‬‬

‫ومنذ ‪ ،1966‬حرصت الشعيبية على تنظيم معارض للوحاتها والمشاركة في معارض دولية‬
‫كان من بينها معرض كوبنهاغن عام ‪ ،1969‬ومعرض بجزيرة إيبيزا بإسبانيا سنة ‪ ،1974‬ثم‬
‫معرض الحقائق الجديدة في باريس في السنة نفسها‪.‬‬

‫وشاركت سنة ‪ 1980‬في معرض المالك بروتردام الهولندية‪ ،‬ومعرض تشكيلي ببرشلونة‬
‫اإلسبانية‪ ،‬كما سافرت إلى سويسرا سنة ‪ 1989‬للمشاركة في معرض برواق المربع األبيض‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫وعرضت الشعيبية لوحاتها سنة ‪ 1993‬في معرض بمتحف سانت أنغريت بألمانيا‪.]2[ .‬‬

‫الشعيبية طالل‪ :‬سيرة التشكيلية سينمائياً‬


‫ال تُذكر الحركة التشكيلية النسوية في المغرب من دون أن يُذكر اسم الشعيبية طالل (‬
‫الفنانة العصامية التي‬
‫‪ )2004 – 1929‬التي تُوصف برائدة “الفن الفطري” في البالد‪ّ .‬‬
‫حقّقت لوحاتها انتشاراً وشهرةً عالميين‪ ،‬اكتشف موهبتها الناقد الفني الفرنسي بيير كودير‬
‫والرسام األلماني فيرنر كيردت عام ‪.1966‬‬

‫في تلك السنة‪ ،‬أقامت معرضها األول في مدينة الدار البيضاء‪ ،‬ثمّ سرعان ما تلته معارض‬
‫أخرى في باريس وكوبنهاغن وفرانكفورت وإسبانيا وروتردام وجنيف وبلدان أخرى حول‬
‫العالم‪.‬‬

‫بدأ كلّ شيء صدفةً‪ ،‬فالمرأة التي اضطّرت إلى أن تشتغل عاملة منازل‪ ،‬بعد وفاة زوجها‪،‬‬
‫حلمها‬
‫أما ُ‬
‫لتأمين عيش كريم ودراسة الئقة البنها‪ ،‬اكتشفت الرسم من خالل أدواته المدرسية‪ّ .‬‬
‫فأضفى على سيرتها بُعداً أسطورياً‪.‬‬

‫يتناقل المغاربة أنها رأت‪ ،‬في ما يراه النائم‪ ،‬سماء زرقاء وأشرعةً وأقالماً‪ ،‬فقامت في اليوم‬
‫الموالي مسرعةً واشترت دهاناً أزرق يُستخدم لطالء األبواب‪ ،‬وراحت ترسم بقعاً وخربشات‪.‬‬
‫مرة‪ ،‬على لوحات وألوان مائية‪.‬‬
‫ألول ّ‬
‫بعد قرابة شهر‪ ،‬حصلت‪ّ ،‬‬

‫‪99‬‬
‫من هذه العوالم‪ ،‬يستوحي المخرج المغربي‪ ،‬يوسف برطيل‪ ،‬أحداث فيلمه السينمائي‬
‫“الشعيبية”‪ ،‬الذي يصدر إلى قاعات العرض في المغرب ابتداءً من اليوم‪ ،‬محاوالً تسليط‬
‫جيل‬ ‫الضوء على محطّات من حياتها الشخصية وسيرتها الفنية‪.‬‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫أهمية العمل‪ ،‬وبعيداً عن مضامينه الفنية‪ ،‬تكمن في أنه يكسر صمتاً وتجاهالً لفّا مسيرة‬
‫لعلّ ّ‬
‫ة‬ ‫فنانة عصامية‪ ،‬لم تتعلّم القراءة والكتابة‪ ،‬ولم تطّلع على تيارات الفن التشكيلي ومدارسه‪،‬‬
‫ّ‬
‫لكنها حملت ألوان المغرب وأجواءه وفنّه التشكيلي ورصيده الثقافي إلى العالم‪ .‬يُضاف إلى‬
‫غياب الفت لألسماء والرموز الوطنية في مختلف المجاالت عن السينما المغربية‪.‬‬
‫ذلك ٌ‬
‫يُعتبر العمل باكورة األفالم الطويلة للمخرج الشاب‪ ،‬الذي سبق وأنجز عشرة أفالم سينمائية‬
‫قصيرة‪ .‬في تصريحات سابقة‪ ،‬يقول بريطل إنه فكّر في ٍ‬
‫عدد من الشخصيات المغربية لتكون‬
‫استقر على الشعيبية بالصدفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫محور فيلم بيوغرافي؛ لكن خياره‬

‫استوحى المخرج موضوع العمل من رسومات ابنته الصغيرة‪ .‬يقول‪“ :‬الصلة الذهنية التي‬
‫ربطتُها بين رسومات الطفلة وسيرة الشعيبية تكمن في أن األخيرة ظلت تُبدع لوحاتها دائماً‬
‫من وحي طفولتها‪ .‬لقد بقيت طفلة تمارس شغبها وتكتب ذاكرتها في اللوحة”‪.‬‬

‫لتحويل الفكرة إلى فيلم‪ ،‬كان على بريطل أن يخوض رحلةً من البحث والتوثيق وجمع‬
‫الفنانة‪ .‬هنا اكتشف أن “التشكيلية العصامية الكبيرة‪ ،‬لم تجد مكاناً لها على‬
‫الشهادات حول ّ‬
‫المصورة القليلة‬
‫ّ‬ ‫صورة مجلّة مغربية واحدة‪ ،‬حتى من باب الوفاء لذكراها‪ .‬حتى اللقاءات‬
‫تعاملت معها باستصغار‪ ،‬من منطلق أنها ساذجة‪ ،‬ال تحسن التعبير بالفصحى”‪.‬‬

‫فنانين معاصرين وأشخاص عرفوا الشعيبية عن قرب‪ ،‬استعان المخرج‬


‫إلى جانب شهادات ّ‬
‫بشهادات ابنها الفنان التشكيلي الحسين طالل‪ ،‬وأيضاً الكاتبة الفرنسية سيريس فرانكو التي‬
‫لعبت‬

‫أول من كتب تقديماً ألعمالها‪ ،‬وفتحت لها فضاءات‬


‫دوراً كبيراً في مسيرة الفنانة؛ إذ كانت ّ‬
‫العرض في أوروبا‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ومراكش في المغرب‪ ،‬وفرنسا‪ .‬يبدأ‬
‫تتوزع أماكن الفيلم بين الرباط والدار البيضاء وبرشيد ّ‬
‫ّ‬
‫العمل سنة ‪ ،2029‬في الذكرى المئوية لميالدها‪ ،‬في بيت أسرة مغربية تحتفظ بلوحات‬
‫جيلالتي تشكّل مصدر إلهام لطفلة صغيرة ترسم على األوراق‪ ،‬قبل أن يعود إلى سنة‬
‫الشعيبية‬
‫الثقافية‬
‫ترملها‪ ،‬ثم وصولها إلى ذروتها الفنية‬
‫ميالدها‪ ،‬ويتتبّع مسيرتها؛ زواجها في سن الثالثة عشرة‪ّ ،‬‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫عام ‪.1986‬‬

‫رواد الحركة التشكيلية المعاصرة في المغرب‪ ،‬الجياللي‬


‫كما يسلّط الضوء على اثنين من ّ‬
‫الغرباوي ومحمد الشرقاوي‪ ،‬اللذين ربطتهما عالقة صداقة مع الشعيبية‪.‬‬

‫الممثلين المغاربة؛ من بينهم‪ :‬محمد خيي ولطيفة أحرار‬


‫يشارك في العمل مجموعة من ّ‬
‫وإدريس الروخ ويونس ميكري ومحمد نظيف‪ ،‬بينما أُسند دور الشعيبية في مرحلة النضج‬
‫الممثلة السعدية أزكون‪.‬‬
‫إلى ّ‬

‫كد المخرج أنه ال يعد برائعة سينمائية‪ ،‬بل فقط بعمل “يمس إحساس الجمهور ويرحل به إلى‬
‫يؤ ّ‬
‫أماكن من ذاكرته الجماعية‪ ،‬من خالل فيلم ال يطغى فيه التاريخي على العنصر الدرامي‬
‫لعل “الشعيبية” سيكشف كم تأخّرت السينما المغربية في االلتفات إلى سيرة حياة‬
‫الجمالي”‪ّ .‬‬
‫إنسانية وفنية زاخرة بالمنعطفات والتجارب‪.]3[.‬‬

‫المغربية الشعيبية طالل‪ ..‬فالحة الفن التشكيلي‬

‫تمتلك الفنانة المغربية‪ ،‬العصامية‪ ،‬الشعيبية طالل‪ ،‬سيرة ذاتية فريدة في منطقتها وبظروفها‪،‬‬
‫متكررة على مستوى عدد من كبار الفنانين في التاريخ‪.‬‬

‫رغم الطفولة الصعبة‪ ،‬وحرمانها من تلقي التعليم‪ ،‬استطاعت الشعيبية طالل أن تخلق عالمها‬
‫الفني الخاص‪ :‬عالم اإلبداع في التشكيل واألصباغ‬

‫‪101‬‬
‫ورغم الطفولة الصعبة‪ ،‬وحرمانها من تلقي التعليم‪ ،‬استطاعت الشعيبية أن تخلق عالمها الفني‬
‫الفطري‬
‫جيل‬ ‫الخاص‪ :‬عالم اإلبداع في التشكيل واألصباغ‪ ،‬حتى صارت واحدة من رائدات الفن‬
‫الثقافي‬
‫في المغرب‪ ،‬بأعمال طافت أرجاء العالم‪.‬‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫يتم وفقر في الطفولة‬


‫ة‬

‫في قرية أشتوكة بنواحي مدينة أزمور في حاضر إقليم الجديدة‪ ،‬ولدت الفنانة الشعيبية‬
‫طالل‪ ،‬عام ‪ .1929‬عاشت طفولة صعبة باليتم والفقر‪ ،‬اللذان لم يسعفاها لدخول صفوف‬
‫الدراسة‪ .‬لكن اإلبداع راودها منذ سن مبكرة‪.‬‬

‫شيئا من الغصون بها ورود‪،‬‬


‫“كنا نعيش في خيمة‪ ،‬وكانت والدتي تفرش لي وإلخوتي ً‬
‫مما كان يجلب علي غضب أمي”‪ ،‬تروي‬
‫وكنت أمضي الليل في قطف هذه الزهور وتشكيلها‪ّ ،‬‬
‫الشعيبية في حوار تلفزيوني معها‪.‬‬

‫بورتبريه للشعيبية طالل‬


‫وصفت في طفولتها بـ”المهبولة” أو “المجنونة”‪ ،‬ألنها كانت تمضي معظم اليوم في الجري بين‬
‫الحقول وجمع الورود واألزهار‪ ،‬واللعب بتجمعات المياه‪ .‬كانت مولعة بالطبيعة‪ ،‬ويبدو أنها‬
‫كافيا من اإلبداع‪.‬‬
‫مخزونا ً‬
‫ً‬ ‫أورثتها‬
‫لم تعرف الشعيبية الطفلة حياةً مستقرة‪ ،‬فما أن قاربت سن العاشرة حتى نُقلت إلى مدينة‬
‫الدار البيضاء للعيش لدى أحد أخوالها‪ .‬وفي الـ‪ 13‬من عمرها ُز ّوجت من شيخ مسن‪ ،‬لم يلبث‬
‫مخلفا الشعيبية‪ ،‬طفلةً أرملة‪ ،‬في حجرها رضيع‪ ،‬هو ابنها‬
‫أن توفي بعد نحو سنتين من الزواج‪ً ،‬‬
‫تشكيليا ذائع الصيت‪.‬‬
‫ً‬ ‫فنانا‬
‫الحسين طالل‪ ،‬الذي سيصبح بدوره ً‬

‫يقول الحسين طالل‪“ :‬توفي والدي‪ ،‬وأمي الشعيبية كانت في الـ‪ 15‬من عمرها‪ .‬حتى أنني ال‬
‫أتوفر على صور له”‪ .‬وبالنظر لعصاميتها المبكرة‪ ،‬لم تتزوج الشعيبية طالل مرة أخرى‪ ،‬وقررت‬
‫تكريس حياتها لتربية وتعليم ابنها الوحيد‪.‬‬

‫حياة ثانية‬

‫‪102‬‬
‫بدأت الشعيبية طالل بمزاولة الرسم منذ سنة ‪ ،1955‬بشكل فطري دون دراسة أكاديمية‪.‬‬
‫تكوينا‬
‫ً‬ ‫تعتبر الشعيبية الفن “موهبة من عند اهلل”‪ ،‬على عكس ابنها الذي سعى لتلقي‬
‫جيل في الفن التشكيلي بفرنسا‪.‬‬
‫أكاديميا‬
‫ً‬
‫الثقافية‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫اكتُشفت موهبة الشعيبية أول مرة من قبل الناقد الفرنسي بيير كودير‪ ،‬وكذا الفنان‬
‫التشكيلي األلماني فيرنر كيردت‪ .‬وأول مرة رسمت فيها كانت بإحدى أسواق الدار البيضاء‬
‫أجنبيا يرسم هو اآلخر‪ ،‬فشدها منظره‪ ،‬ووقفت تتأمله‪ ،‬حتى انته لها‪ ،‬فناداها‪،‬‬
‫ً‬ ‫حين وجدت رجاًل‬
‫ففرت هاربة ولم تعقّب‪.‬‬

‫في بدايات اشتغالها بالرسم‪ ،‬كانت الشعيبية تته إلى األسواق لمشاهدة النساء وهن يخطن‬
‫باآلالت‪ ،‬واألرامل مع أطفالهن‪ ،‬ومن هنا باتت للمرأة مكانة خاصة في أعمالها‪ :‬أم وزوجة‬
‫وفالحة ومعلمة وخياطة وعاملة في المنازل؛ وجميعهن شخصيات عايشتها الشعيبية قبل أن‬
‫ترسمها‪.‬‬

‫موقفا‬
‫قوبلت أعمال الشعيبية بترحيب كبير في أوروبا وغيرها‪ ،‬في الوقت الذي واجهت فيه ً‬
‫محتقرا من بعض النقاد الفنيين المغاربة‪ ،‬الذين اعتبروا لوحاتها “فاقدة للمعنى التشكيلي”‬
‫ً‬
‫أكاديميا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تكوينا‬
‫ً‬ ‫كونها لم تتلقى‬

‫أما اليوم‪ ،‬وفي كل مكان‪ ،‬تعتبر لوحات الشعيبية من أغلى اللوحات الفنية من المغرب‪ .‬وقد‬
‫بيعت إحدى لوحاتها‪ ،‬وهي لوحة “قريتي أشتوكة”‪ ،‬في ‪ ،2010‬بأكثر من ‪ 150‬ألف دوالر‬
‫أمريكي‪ .‬وفي ‪ 2014‬بيعت لوحتها “حفلة زفاف” بنفس المبلغ‪.‬‬

‫لوحة “قريتي أشتوكة”‬


‫ومنذ عام ‪ ،1966‬بدأت الشعيبية مرحلة جديدة في حياتها‪ ،‬حيث أقامت أول معرض فني‬
‫ألعمالها‪ ،‬بتشجيع من الفنان التشكيلي المغربي الراحل أحمد الشرقاوي‪ .‬وفي نفس المعرض‬
‫بيعت أولى لوحاتها الفنية‪.‬‬

‫وتوالت معارضها الفنية داخل وخارج المغرب‪ ،‬فأقامت معارض فنية في كوبنهاغن وإسبانيا‬
‫وفرنسا وهولندا وسويسرا‪ ،‬وعرضت لوحاتها عام ‪ 1993‬في متحف سانت أنغريت بألمانيا‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫فرادة فنّها أهلها للحصول على عدة جوائز وأوسمة فنية رفيعة‪ ،‬مثل الميدالية الذهبية من‬
‫الجمعية األكاديمية الفرنسية للتربية‪ .‬كما أدرج اسمها ضمن قوائم أبرز الفنانين في العالم‬
‫جيل‬ ‫بقواميس الروس وأكسفورد وبيزينيت‪.‬‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫فيلما روي سيرة الشعيبية تحت عنوان “الشعيبية‬


‫وفي ‪ ،2016‬أخرج المغربي يوسف بريطل‪ً ،‬‬
‫ة‬ ‫فالحة الفنون”‪ ،‬جسدت فيه الممثلة المغربية السعدية أزكون شخصية الشعيبية‪.‬‬

‫أسلوب فريد‬

‫يصف الصحفي والباحث في السيميائيات‪ ،‬عبد الناصر الكواي‪ ،‬لوحات الشعيبية‪ ،‬بأنها “تعبير‬
‫مخيلتها”‪ ،‬قائاًل ‪“ :‬إنها (أي الشعيبية) ال تقتصر على الرسم‪ ،‬وإنما تحكي في كل‬
‫عن إحساس ّ‬
‫لوحة قصة عالم مستوحى من واقعها المعيش‪ ،‬أعادت تشكيلها بأسلوبها الخاص”‪.‬‬

‫ويضيف عبد الناصر الكواي لـ”الترا صوت”‪ ،‬أن الشعيبية “لم تتقيد بالمعايير المعتمدة في‬
‫مجال الفن التشكيلي‪ ،‬بل كانت تجهلها بحكم أنها لم تلج المدرسة قط‪ ،‬ثم تجاهلتها حينما‬
‫دائما الحفاظ على عفويتها”‪.‬‬
‫احتكت بكبار الرسامين والنقاد العالميين‪ ،‬حيث كانت تحاول ً‬

‫عموما‬
‫تدفع أعمال الشعيبية‪ ،‬بالكواي إلى استدعاء مقولة أحد الفنانين التشكيليين‪“ :‬الفن ً‬
‫شيئا نفعله من أجل المتعة فقط‪ ،‬بل إنه يدفعنا للتفكير”‪.‬‬
‫خصوصا‪ ،‬ليس ً‬
‫ً‬ ‫والفن التشكيلي‬
‫?‪Video Playerhttps://www.youtube.com/embed/ALkllCEraz4‬‬
‫‪controls=1&rel=0&disablekb=1&showinfo=0&modestbranding=0&ht‬‬
‫‪ml5=1&iv_load_policy=3&autoplay=0&end=0&loop=0&playsinline=1‬‬
‫‪&start=0&nocookie=false&enablejsapi=1&origin=https%3A%2F‬‬
‫‪%2Fwww.ultrasawt.com&widgetid=1‬‬

‫وفي حين يقول الناقد الفني عزيز أزغاي في دراسة له بعنوان “التشكيل وخطاباته“‪ ،‬إن‬
‫الفنان المغربي “عاش لقرون سجين حالة فرضت عليه اإلبداع في حدود محصورة وضيقة”؛‬
‫استطاعت الشعيبية الخروج بالفن إلى مجال أرحب‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ولذلك وبحسب ما جاء في تصريحات صحفية‪ ،‬يعتبر الفنان التشكيلي أحمد جريد‪ ،‬أن الشعيبية‬
‫واصفا إياها بأنها‬
‫ً‬ ‫“مدخل أساسي للفن التشكيلي المعاصر منذ منتصف القرن الماضي”‪،‬‬
‫بمثابةجيل‬
‫الثقافية‬
‫كانت “من الرواد األوائل الذين اقتحموا المتاحف الدولية وصاالت العرض المرموقة في‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫العالم”‪.‬‬

‫استطاعت الفنانة المغربية “الفالحة البسيطة”‪ ،‬كما توصف على نطاق واسع بين الفنانين‪ ،‬أن‬
‫وعالميا بفنها الفطري وأسلوبها في الدفاع عن نمطها التشكيلي‪.‬‬
‫ً‬ ‫محليا‬
‫تقتحم عالم الفن ً‬

‫استطاعت الشعيبية طالل‪“ ،‬الفالحة البسيطة” كما توصف على نطاق واسع بين الفنانين‪ ،‬أن‬
‫وعالميا بفنها الفطري‬
‫ً‬ ‫محليا‬
‫تقتحم عالم الفن ً‬
‫ودارا ثقافية مفتوحة للجميع‪ .‬وقد عرفت بخفة الظل‪ ،‬وكانت ابنة‬
‫ً‬ ‫فنيا‬
‫معرضا ً‬
‫ً‬ ‫كان بيتها‬
‫عاما‪[.‬‬
‫نكتة‪ ،‬قربت كل من عرفها منها‪ ،‬حتى وافتها المنية في ‪ ،2004‬عن عمر يناهز ‪ً 75‬‬
‫‪.]4‬‬

‫مصادر ‪:‬‬

‫[‪]1‬ويكيبديا‪.‬‬

‫[‪]2‬موقع الجزيرة‪.‬‬

‫[‪]3‬محمد عالوة حاجي‪ 16‬ديسمبر ‪ ،2015‬العربي الجديد‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫صوت‪.‬‬ ‫[‪]4‬خديجة بوفوس ‪ ،‬موقع الترا‬

‫جيل‬
‫الثقافي‬
‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬

‫ة‬

‫‪ ‬‬

‫بقلم رئيس التحرير احمد الشيخاوي‬

‫ــ ‪ 1‬ــ‬

‫‪106‬‬
‫‪.‬ليست سوى أولى الخطى في أفق مغامرة االحتفاء بإنسانية الكائن‬

‫ـــ ‪ 2‬ــ‬
‫جيل‬
‫الثقافية‬
‫يجدر بالثقافة أن تقود إلى ما هو إيجابي ‪ ،‬مغذّ لبراءة الصلة بباقي العناصر التي يمثل‬

‫]‪| [Sélectionnez la date‬‬


‫‪.‬اإلنسان مركزها ‪ :‬الذات ‪ ،‬اآلخر‪ ،‬مفردات الطبيعة واألشياء‪.‬عش مبدعا متسامحا محبا ؛ تسعد‬

‫ــ ‪ 3‬ــ‬

‫‪.‬فصول محترقة تضيء عوالم الظامئين للحرف واللون‬

‫ـــ ‪ 4‬ــ‬

‫‪.‬انشغاالت إبداعية وحياتية ببصمة نون النسوة‬

‫ـــ ‪ 5‬ـــ‬

‫‪.‬فضاءات يرسم مالمحها نبض المجتمع واألصوات الحرة وآثار العابرين‬

‫ـــ ‪ 6‬ـــ‬

‫‪.‬صفحات لنبل وجمال الوشاية باألسراب المبدعة‬

‫ــ ‪ 7‬ــ‬

‫‪.‬ذاكرة لرموز نابضة بسيرهم فنيا‬

‫‪107‬‬

You might also like