You are on page 1of 45

‫أثر سالمة المعتقد على حياة الفرد وأمن المجتمع‬

‫‪ 10‬يوليو‪ 7,909 2012 ,‬مشاهدة‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ‪ ،‬كما يليق بجالل هللا ‪ ،‬وعظيم سلطانه ‪ ،‬وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد الذي‬
‫اصطفاه ‪ ،‬فأنزل عليه القرآن ‪ ،‬وأمره بتبليغه للناس وبيانه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬

‫فمما‪ A‬ال ريب فيه أن كل مسلم في حاجة شديدة للتذكير بحق هللا ‪ ،‬وحق عباده ‪ ،‬والترغيب في أداء ذلك ‪ ،‬وفي حاجة شديدة أيضا إلى‬
‫التواصي بالحق ‪ ،‬والصبر عليه ‪ ،‬وتحمل األذى الحاصل من جراء التمسك به ‪ ،‬وقد أخبر هللا – سبحانه وتعالى – في كتابه المبين‬
‫عن صفة الناجين وأعمالهم الحميدة ‪ ،‬وعن صفة الخاسرين وأعمالهم الذميمة ‪ ،‬وذلك في آيات كثيرة في كتاب هللا – تعالى – وفي‬
‫سنة رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – وأجمع على ذلك العلماء ‪ ،‬فمن ذلك ما ذكر هللا – سبحانه – في سورة العصر ﴿ َو ْال َعصْ ِر *‬
‫صب ِْر ﴾ [سورة َوالعصر ‪ :‬اآلية ‪ ، ]3-1‬فبين‬ ‫اص ْوا ِب ْال َح ِّق َو َت َوا َ‬
‫ص ْوا ِبال َّ‬ ‫ِين آ َم ُنوا َو َع ِملُوا الصَّال َِحا ِ‬
‫ت َو َت َو َ‬ ‫ان لَفِي ُخسْ ٍر * إِالَّ الَّذ َ‬
‫اإلن َس َ‬
‫إِنَّ ِ‬
‫هللا – جل وعال – في هذه السورة العظيمة أسباب الفوز والربح ‪ ،‬وأنها تنحصر في أربع صفات ‪:‬‬

‫أسباب الفوز والربح‬

‫أولها ‪ :‬اإليمان باهلل وبرسوله – صلى هللا عليه وسلم – وجميع ما يجب اإليمان به ‪.‬‬

‫ثانيها ‪ :‬العمل الصالح ‪.‬‬

‫ثالثها ‪ :‬التواصي بالحق ‪.‬‬

‫رابعها ‪ :‬التواصي بالصبر على الحق ‪.‬‬

‫فمن كمل هذه المقامات‪ ، A‬فقد فاز بأعظم الربح ‪ ،‬من الكرامة ‪ ،‬والفوز بالنعم في يوم القيامة ‪ ،‬ومن حاد عن هذه الصفات ‪ ،‬ولم يتخلق‬
‫صالِحً ا مِّن‬
‫بها باء بأعظم الخسران ‪ ،‬وما يتبع ذلك من المصير إلى الجحيم ‪ ،‬إلى دار الذل والهوان ‪ ،‬يقول ربي وربكم ﴿ َمنْ َع ِم َل َ‬
‫َذ َك ٍر أَ ْو أُن َثى َوه َُو م ُْؤ ِمنٌ َفلَ ُنحْ ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َولَ َنجْ ِز َي َّن ُه ْم أَجْ َرهُم ِبأَحْ َس ِن َما َكا ُنوا َيعْ َملُ َ‬
‫ون ﴾ [سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪. ]97‬‬

‫وهذا وعد كريم من الرب الرحيم ‪ ،‬بأن من آمن به وبرسوله حقا ‪ ،‬وعمل بموجب هذا اإليمان من األعمال الصالحة ‪ ،‬فقد تكفل هللا له‬
‫بأن تطيب له الحياة الدنيا ‪ ،‬وأن تطيب له كذلك اآلخرة ‪ ،‬سواء كان ذكرا أو أنثى ‪.‬‬
‫والحياة الطيبة في الدنيا ليس من شرطها الثراء ‪ ،‬ور َغد العيش ‪ ،‬ولكن قد تكون به ‪ ،‬وقد تكون بدونه ‪ ،‬فمِن أعظم أنواع َّ‬
‫الطيِّبات في‬
‫ُ‬
‫التعلق باهلل – جل وعال – والتوكل عليه ‪ ،‬والطمأنينة بذكره ‪ ،‬واألنس بمناجاته ‪ ،‬وراحة القلب من الحيرة والتشتت ‪.‬‬ ‫الحياة الدنيا‬

‫ومن طيب الحياة أيضا الصحة والعافية والقناعة ‪ ،‬ومحبة الخير ‪ ،‬ومحبة أهله ‪.‬‬

‫إذن من شرط الربح والسعادة الحقيقيين والنجاة والوصول إلى الحياة الطيبة اإليمان ‪ ،‬وهذا هو العنصر األول من أركان العناصر‬
‫التي سأتحدث عنها ‪.‬‬

‫اإليمان قول وعمل‬

‫واإليمان – كما هو في عقيدة أهل السنة والجماعة – قول وعمل واعتقاد ‪ ،‬يزيد بالطاعة ‪ ،‬وينقص بالعصيان ‪ ،‬وهذه الجوانب الثالثة‬
‫تشمل الدين كله ‪ ،‬وهذا ما دل عليه الحديث المشهور المخرج في الصحيحين وغيرهما ‪ ،‬عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن النبي‬
‫– صلى هللا عليه وسلم – قال ‪ « :‬اإليمان ِب ضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة ‪ ،‬فأفضلها قول ال إله إال هللا ‪ ،‬وأدناها إماطة‬
‫األذى عن الطريق ‪ ،‬والحياء شعبة من اإليمان » ( ‪. )1‬‬

‫وهذا الحديث الصحيح واضح الداللة على أن اإليمان درجات وخصال وأعمال ‪ ،‬لكن يجمعها أنها كلها من اإليمان ‪ ،‬وإخراج هذه‬
‫األعمال من اسم اإليمان خطأ ‪ ،‬ومخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫شعب‪ A‬اإليمان‬
‫وأعلى هذه الشعب وأساسها شهادة أال إله إال هللا ‪ ،‬فال إله إال هللا ‪ ،‬هي أعظم كلمة ‪ ،‬وأفضل كلمة ‪ ،‬وهي مفتاح العقيدة ‪ ،‬ومفتاح‬
‫الجنة ‪ ،‬ومعناها ‪ :‬ال معبود ِب َح ٍّق إال هللا ‪ ،‬فال أحد يستحق العبادة والتذلل والخضوع إال هللا ‪ ،‬وما عداه من اآللهة المزعومة كله‬
‫ون َخ ْي ٌر أَ ِم هَّللا ُ َ‬
‫الوا ِح ُد ال َقهَّا ُر ﴾ [سورة يوسف ‪ :‬اآلية ‪. ]39‬‬ ‫باطل ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ أَأَرْ َبابٌ ُّم َت َفرِّ قُ َ‬

‫فتوحيد هللا الذي دلت عليه هذه الكلمة هو أساس الدين ‪ ،‬وأول واجب على المكلف ‪ ،‬وعليه مدار دعوة الرسل ‪ ،‬من أولهم إلى‬
‫آخرهم ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ َولَ َق ْد َب َع ْث َنا فِي ُك ِّل أ ُ َّم ٍة رَّ سُواًل أَ ِن اعْ ُبدُوا هَّللا َ َواجْ َت ِنبُوا َّ‬
‫الطا ُغوتَ ﴾ [سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪. ]36‬‬

‫فمن حقق هذا التوحيد فقد بنى حياته وأعماله على أساس صالح ‪ ،‬واستثمر حياته وأعماله استثمارا طيبا ‪ ،‬ومن لم يحقق هذا التوحيد‬
‫فقد وقع في الشرك ‪ ،‬وبنى حياته وأعماله على أساس فاسد ‪ ،‬وكانت ثمرته وعاقبته وخيمة – نسأل هللا العافية – ‪.‬‬

‫وهذا التوحيد هو الذي تصلح به الحياة ‪ ،‬وتزكو به األعمال ‪ ،‬يشمل توحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء‪ A‬والصفات ‪،‬‬
‫وهذه الثالثة متداخلة ‪ ،‬وبعضها متضمن لبعض ‪ ،‬ونصوص الكتاب والسنة الدالة عليها ال حصر لها ‪ ،‬فاإليمان باهلل معناه االعتقاد‬
‫الجازم بأن هللا رب كل شيء ‪ ،‬وأنه المستحق وحده للعبادة ‪ ،‬وأنه المتصف بصفات الكمال ‪ ،‬المنزه عن كل عيب ونقص ‪ ،‬وهذا‬
‫التوحيد إذا حققه اإلنسان ‪ ،‬وحققته الجماعة ‪ ،‬حصل لهم من اآلثار ‪ ،‬والثمرات العظيمة في حياتهم ما ال يمكن حصره ‪.‬‬

‫آثار التوحيد‬

‫ومن هذه اآلثار ‪:‬‬

‫التعلق باهلل وحده رجاء وخوفا ورغبة ورهبة ‪:‬‬

‫أوال التعلق باهلل وحده رجاء وخوفا ورغبة ورهبة وتوكال واستعانة ‪ ،‬فبهذا تحصل قوة القلب وشجاعته ‪ ،‬وعدم الرهبة من‬
‫المخلوقين ‪ ،‬والتعلق بهم ‪ ،‬والعمل الجاد في الحياة ‪ ،‬ث ً‬
‫ِقة باهلل ‪ ،‬وتعرُّ ضا لتوفيقه وتسديده ‪ ،‬وهذا التعلق باهلل يورث اإلخالص في‬
‫األعمال كلها هلل وحده ‪ ،‬وعدم النظر إلى المخلوقين ‪ ،‬فيكون الموحد في جميع أعماله ‪ ،‬ال يبتغي إال وجه هللا وثوابه ‪ ،‬ال يهمه نظر‬
‫المخلوقين ‪ ،‬وال مدحهم وذمهم ‪ ،‬أو إعطاؤهم ومنعهم ‪ ،‬فأمره كله هلل ‪.‬‬

‫حصول الطمأنينة والراحة ‪ ،‬وانشراح الصدر ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حصول الطمأنينة والراحة ‪ ،‬وانشراح الصدر ‪ ،‬واالستقرار النفسي لإلنسان ‪ ،‬فمن يعبد ربا واحدا يعرف مُراده ‪ ،‬فما يرضيه‬
‫ُون‬ ‫ب هَّللا ُ َمثَاًل رَّ ُجاًل فِي ِه ُ‬
‫ش َر َكا ُء ُم َت َشا ِكس َ‬ ‫ض َر َ‬
‫يفعله ‪ ،‬وما يُسخطه يتجنبه ‪ ،‬ال يتساوى مع من يعبد آلهة متعددة ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ َ‬
‫ُون ﴾ [سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪. ]29‬‬ ‫الح ْم ُد هَّلِل ِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم اَل َيعْ لَم َ‬
‫ان َمثَاًل َ‬
‫َو َر ُجاًل َسلَمًا لِّ َرج ٍُل َه ْل َيسْ َت ِو َي ِ‬
‫وقد شرح اإلمام ابن القيم – رحمه هللا – هذه اآلية ( ‪ ، )2‬فقال ‪ :‬هذا مثل ضربه هللا – سبحانه – للمشرك والموحد ‪ ،‬فالمشرك‬
‫بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون ‪ ،‬والرجل المتشاكس ‪ :‬الضيق الخلق ‪ ،‬فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى ُ‬
‫شبّه‬
‫بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته ‪ ،‬ال يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين ‪ ،‬والموحد لما كان يعبد هللا وحده ‪ ،‬فمثله كمثل عبد لرجل‬
‫واحد ‪ ،‬قد سلم له ‪ ،‬وعلم مقاصده ‪ ،‬وعرف الطريق إلى رضاه ‪ ،‬فهو في راحة من َتشاحُن ال ُخلطاء فيه ‪ ،‬بل هو سالم لمالكه من غير‬
‫تنازع فيه ‪ ،‬مع رأفة مالكه به ‪ ،‬ورحمته له ‪ ،‬وشفقته عليه ‪ ،‬وإحسانه إليه ‪ ،‬وتوليه لمصالحه ‪ ،‬فهل يستوي هذان العبدان ؟‬

‫وهذا من أبلغ األمثال ‪ ،‬فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ‪ ،‬والتفاته إليه ‪ ،‬وقيامه بمصالحه ما يستحق صاحب‬
‫الحمْ ُد هَّلِل ِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم اَل َيعْ لَم َ‬
‫ُون ﴾ [سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪ . ]75‬انتهى كالمه ‪.‬‬ ‫الشركاء المتشاكسين ﴿ َ‬

‫التعظيم والخضوع والخوف والحياء منه – سبحانه – ‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬من عرف هللا حقا ‪ ،‬بأسمائه وصفاته ‪ ،‬ووحده في عبادته أَ ْورث ذلك عنده من التعظيم والخضوع والخوف والحياء منه –‬
‫سبحانه – ما يدفعه إلى فعل ما أمر به ‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه ‪ ،‬والبعد عن َم َساخِطِ ه‪ A‬ومعاصيه ‪ ،‬ومحاسبة النفس على تقصيرها في‬
‫ِين اَل َيعْ لَم َ‬
‫ُون ﴾ [سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪]9‬‬ ‫ُون َوالَّذ َ‬
‫ِين َيعْ لَم َ‬‫جنب هللا ‪ ،‬ودوام المراقبة له – سبحانه – قال – تعالى – ﴿ قُ ْل َه ْل َيسْ َت ِوي الَّذ َ‬
‫هَّلِل‬
‫ُون ِ َو َقارً ا ﴾ [سورة نوح ‪ :‬اآلية ‪. ]13‬‬ ‫‪ ،‬وقال ﴿ إِ َّن َما َي ْخ َشى هَّللا َ مِنْ عِ َبا ِد ِه ال ُعلَ َما ُء ﴾ [سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪ ، ]28‬وقال ﴿ َما لَ ُك ْم اَل َترْ ج َ‬

‫وكلما قوي إيمان العبد وتوحيده ‪ ،‬كلما قل ارتكابه للمحرمات ‪ ،‬وقل وقوعه في المعاصي ‪ ،‬وإذا قلّت معاصي العبد ‪ ،‬قلّت معاصي‬
‫المجتمع ‪ ،‬فانتشر الخير ‪ ،‬وعمت البركات ‪ ،‬ولهذا جاء نفي اإليمان الواجب عمن وقع في كبائر الزنا ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬أو السرقة ‪،‬‬
‫فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – قال قال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – ‪ « :‬ال يزني‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن ‪ ،‬وال يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ‪ ،‬وال يسرق حين يسرق وهو مؤمن ‪ ،‬وال ينتهب ُنهبة يرفع‬
‫الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن » ( ‪. )3‬‬

‫كمال العقل ‪ ،‬وصحة الرأي ‪ ،‬وسداد النظر ‪ ،‬وقوة الفراسة ‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬ومن آثار صحة اإليمان ‪ ،‬وتحقيق التوحيد ‪ ،‬كمال العقل ‪ ،‬وصحة الرأي ‪ ،‬وسداد النظر ‪ ،‬وقوة الفراسة ‪ ،‬وحدّة البصر ‪،‬‬
‫وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء ‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية – رحمه هللا – ( ‪ : )4‬من المعلوم أن أهل الحديث‬
‫يُشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ‪ ،‬ويمتازون عنهم بما ليس عندهم ‪ ،‬فإن المنازع لهم ال بد أن يذكر فيما يخالفهم‬
‫فيه طريقا أخرى ‪ ،‬مثل المعقول والقياس والرأي والكالم والنظر واالستدالل والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد‬
‫والذوق ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وكل هذه الطرق ألهل الحديث صفوتها وخالصتها ‪ ،‬فهم أكمل الناس عقال ‪ ،‬وأعدلهم قياسا ‪ ،‬وأصوبهم رأيا ‪،‬‬
‫وأس ُّد هم كالما ‪ ،‬وأصحهم نظرا ‪ ،‬وأهداهم استدالال ‪ ،‬وأقومهم جدال ‪ ،‬وأتمهم فراسة ‪ ،‬وأصدقهم إلهاما‪ ، A‬وأحدهم بصرا ومكاشفة‪، A‬‬
‫وأصوبهم سمعا ومخاطبة ‪ ،‬وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا ‪ ،‬وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر األمم ‪ ،‬وألهل السنة والحديث‬
‫أح ّد وأسد عقال ‪ ،‬وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم‬ ‫بالنسبة إلى سائر الملل ‪ ،‬فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين َ‬
‫واألعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال ‪ ،‬وكذلك أهل السنة والحديث ‪ ،‬تجدهم كذلك متمتعين ‪ ،‬وذلك ألن اعتقاد الحق‬
‫ِين اهْ َتدَ ْوا َزادَ ُه ْم ه ًُدى َوآ َتا ُه ْم َت ْق َوا ُه ْم ﴾ [سورة محمد ‪ :‬اآلية ‪ ]17‬وقال ﴿ َولَ ْو‬ ‫الثابت يُقوي اإلدراك ويصححه ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ َوالَّذ َ‬
‫ان َخيْرً ا لَّ ُه ْم َوأَ َش َّد َت ْث ِبي ًتا * َوإِ ًذا َت ْي َناهُم مِّن ل ُد َّنا أجْ رً ا َعظِ يمًا * َولَ َه َد ْي َنا ُه ْم صِ َراطا مُّسْ َتقِيمًا ﴾ [سورة النساء‪A‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫آَّل‬ ‫ون ِب ِه لَ َك َ‬
‫ظ َ‬‫أَ َّن ُه ْم َف َعلُوا َما يُو َع ُ‬
‫‪ :‬اآلية ‪. ]68-66‬‬

‫حصول األمن األمان ‪:‬‬

‫خامسا‪ : A‬ومن آثار اإليمان والتوحيد حصول األمن األمان ‪ ،‬وعصمة الدماء واألموال واألعراض ‪ ،‬فمن يؤمن بال إله إال هللا ‪ ،‬ويحقق‬
‫لوازمها ومقتضياتها ‪ ،‬فإنه يأمن على نفسه ‪ ،‬ويأمنه غيره ‪ ،‬ممن يعيش في المجتمع ‪ ،‬ألنه يعرف ما يحل له فيأخذه ‪ ،‬ويعرف ما‬
‫يحرم عليه فيتركه ‪ ،‬فينكفّ عن االعتداء والظلم والعدوان ‪ ،‬وهضم حقوق اآلخرين ‪ ،‬تفاعال مع عقيدته التي تملي عليه ذلك ‪ ،‬فتحل‬
‫في المجتمع المحبة ‪ ،‬والمواالة في هللا ‪ ،‬والتعاون على الخير والرحمة والمودة ‪ ،‬ونصرة المظلوم ‪ ،‬ونصرة المظلوم ‪ ،‬وكف الظالم ‪.‬‬

‫ولنعتبر بحال العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬فإنهم كانوا أعداء متناحرين ‪ ،‬يفتخرون بالقتل والسلب والنهب ‪ ،‬فلما دانوا بالتوحيد ‪ ،‬وتحقق‬
‫ت هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ ُكن ُت ْم أَعْ َدا ًء‬
‫اإليمان في قلوبهم وجوارحهم ‪ ،‬أصبحوا إخوة متحابين آمنين مطمئنين ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ َو ْاذ ُكرُوا نِعْ َم َ‪A‬‬
‫وب ُك ْم َفأَصْ َبحْ ُتم ِبنِعْ َم ِت ِه إِ ْخ َوا ًنا ﴾ [سورة آل عمران ‪ :‬اآلية ‪. ]103‬‬ ‫َفأَلَّ َ‬
‫ف َبي َْن قُلُ ِ‬
‫وقال – صلى هللا عليه وسلم – ‪ « :‬من قال ال إله إال هللا ‪ ،‬وكفر بما يُعبد من دون هللا حرُم ماله ودمه ‪ ،‬وحسابه على هللا » ( ‪. )5‬‬

‫اجتماع القلوب على الحق ‪ ،‬ووحدة الكلمة ‪:‬‬

‫سادسا‪ : A‬ومن آثار عقيدة التوحيد واإليمان ‪ ،‬اجتماع القلوب على الحق ‪ ،‬ووحدة الكلمة ‪ ،‬وبذلك تحصل القوة للمسلمين ‪ ،‬واالنتصار‬
‫على أعدائهم ‪ ،‬وحصول السيادة ‪ ،‬واالستخالف في األرض ‪ ،‬والثبات أمام األعداء ‪ ،‬وأمام التيارات واألفكار الباطلة ‪ ،‬واألديان‬
‫الفاسدة ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ َواعْ َتصِ مُوا ِب َحب ِْل هَّللا ِ َجمِيعً ا َواَل َت َفرَّ قُوا ﴾ [سورة آل عمران ‪ :‬اآلية ‪ ، ]103‬فاالختالف في العقيدة‬
‫ِين َفرَّ قُوا دِي َن ُه ْم َو َكا ُنوا شِ َيعًا لَّسْ تَ ِم ْن ُه ْم فِي َشيْ ٍء إِ َّن َما أَمْ ُر ُه ْم إِلَى هَّللا ِ‬
‫يسبب التفرق والنزاع والتناحر ‪ ،‬قال هللا – عز وجل – ﴿ إِنَّ الَّذ َ‬
‫ُث َّم ُي َن ِّب ُئهُم ِب َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ‬
‫ون ﴾ [سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪. ]159‬‬

‫ولننظر إلى حال الصدر األول من هذه األمة ‪ ،‬وكيف تآلفوا بهذا التوحيد ‪ ،‬وبهذه العقيدة ‪ ،‬وفتحوا العالم في مدة قليلة ‪ ،‬وسادوا على‬
‫الناس بهذا اإلسالم قبل الفرقة واالنقسام الحاصل ‪.‬‬

‫هذه بعض آثار توحيد هللا واإليمان به ‪ ،‬وهذا كله من آثار كلمة “ال إله إال هللا” التي إذا اعتقدها المسلم ‪ ،‬وعمل بمقتضاها ‪ ،‬تحقق في‬
‫المجتمع هذه الثمار الطيبة ‪ ،‬واآلثار العظيمة ‪.‬‬

‫اإليمان بالرسل واألنبياء‬

‫فهذه هي الشعبة األولى من شعب‪ A‬اإليمان ‪ ،‬وعليها تنبني كل شعب اإليمان المذكورة في الحديث ‪ ،‬ومن هذه الشعب‪ : A‬اإليمان بالرسل‬
‫واألنبياء ‪ ،‬من لدن آدم – عليه السالم – إلى آخرهم ‪ ،‬وهو نبينا محمد – صلى هللا عليه وسلم – قال – تعالى – ﴿ آ َم َن الرَّ سُو ُل ِب َما‬
‫ون ُك ٌّل آ َم َن ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه اَل ُن َفرِّ ُق َبي َْن أَ َح ٍد مِّن رُّ ُسلِ ِه َو َقالُوا َسمِعْ َنا‪َ A‬وأَ َطعْ َنا ُغ ْف َرا َن َ‬
‫ك َر َّب َنا َوإِلَي َ‬
‫ْك‬ ‫نز َل إِلَ ْي ِه مِن رَّ ِّب ِه َو ْالم ُْؤ ِم ُن َ‬‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫المَصِ ي ُر ﴾ [سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪. ]285‬‬
‫وقال نبيكم – صلى هللا عليه وسلم – في حديث جبريل المشهور ‪ ،‬عندما سأله عن اإليمان ‪ « :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم اآلخر ‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره وشره » (‪. ) 6‬‬

‫ُون أَن ُي َفرِّ قُوا َبي َْن هَّللا ِ َو ُر ُس ِل ِه‬ ‫ُون ِباهَّلل ِ َو ُر ُسلِ ِه َوي ُِريد َ‬ ‫وقال – جل وعال – في بيان كفر من لم يؤمن بجميع الرسل ﴿ إِنَّ الَّذ َ‬
‫ِين َي ْكفُر َ‬
‫ين َع َذابًا م ُِّهي ًنا ﴾ [سورة‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬
‫ُون َحقًاّ‪َ A‬وأعْ َت ْد َنا ل ِْل َكاف ِِر َ‬
‫ِك ُه ُم ال َكافِر َ‬ ‫ُ‬
‫ُون أَن َي َّتخ ُِذوا َبي َْن َذل َِك َس ِبياًل أ ْولَئ َ‬
‫ض َوي ُِريد َ‬ ‫ض َو َن ْكفُ ُر ِب َبعْ ٍ‬ ‫َو َيقُولُ َ‬
‫ون ُن ْؤمِنُ ِب َبعْ ٍ‬
‫النساء ‪ :‬اآلية ‪ ، ] 151‬واإليمان بهم يتضمن التصديق بهم إجماال ‪ ،‬والتصديق برساالتهم ‪ ،‬وأنها حق من عند هللا ‪ ،‬كما يتضمن‬
‫التصديق بما جاء مفصال في كتابنا الكريم ‪ ،‬ومن اإليمان بهم العمل بشريعة من أرسل إلينا ‪ ،‬وهو محمد – صلى هللا عليه وسلم –‬
‫المرسل إلى جميع الناس إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهو خاتم الرسل والنبيين ‪ ،‬وواجب علينا تصديقه فيما أخبر من األمور الماضية‬
‫والمستقبلة ‪ ،‬كما يجب علينا طاعته فيما أمر به ‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه ‪ ،‬يقول ربكم ﴿ أَطِ يعُوا هَّللا َ َوأَطِ يعُوا الرَّ سُو َل ﴾ [سورة النساء ‪:‬‬
‫اع هَّللا َ ﴾ [سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪ ، ]80‬وقال – عليه الصالة والسالم – في الحديث المخرج‬ ‫اآلية ‪ ]59‬ويقول ﴿ َمن يُطِ ِع الرَّ سُو َل َف َق ْد أَ َط َ‬
‫في صحيح البخاري ‪ « :‬كل أمتي يدخلون الجنة إال َمن أبى » ‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن يأبى ؟ قال ‪َ « :‬من أطاعني دخل الجنة ‪ ،‬ومن عصاني‬
‫فقد أبى » ( ‪. )7‬‬

‫ومن اإليمان به محبته ‪ ،‬وتقديمها على محبة الولد والوالد والناس أجمعين ‪ ،‬كما قال – – عليه الصالة والسالم – – ‪ « :‬ال يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » ( ‪ . )8‬متفق عليه ‪.‬‬

‫ومن اإليمان بالرسول – صلى هللا عليه وسلم – العمل بشريعته ‪ ،‬وتحكيمها في جميع األمور ‪ ،‬دقيقها وجليلها ‪ ،‬قال هللا – تعالى –‬
‫ُوك فِي َما َش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم اَل َي ِجدُوا فِي أَنفُسِ ِه ْم َح َرجًا ًّّ‪ِّ A‬ممَّا َق َ‬
‫ضيْتَ َو ُي َسلِّمُوا َتسْ لِيمًا ﴾ [سورة النساء ‪ :‬اآلية‬ ‫ون َح َّتى ي َُح ِّكم َ‬
‫ِّك اَل ي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫﴿ َفالَ َو َرب َ‬
‫‪ ، ] 65‬وما ذكر آنفا هو معنى شهادة أن محمدا رسول هللا ‪ ،‬التي هي الشق الثاني من الشهادة‪ ، A‬فال تقبل شهادة “أال إله إال هللا” إال‬
‫معها‪ A‬شهادة “أن محمدا رسول هللا” ‪.‬‬

‫ثمرة اإليمان بالرسل‬

‫واإليمان بالرسل عموما ‪ ،‬وبمحمد – صلى هللا عليه وسلم – خصوصا يورث محبتهم وتعظيمهم ‪ ،‬والثناء عليهم بما يليق بهم ‪ ،‬من‬
‫غير ُغلُوّ ‪ ،‬وال جفاء ‪ ،‬ألن الواسطة بين هللا وبين خلقه بلغوا للناس رسالة هللا ‪ ،‬وأوامره ونواهيه ‪ ،‬ونصحوا للخلق ‪ ،‬وبينوا لهم كيف‬
‫يعبدون هللا ‪ ،‬ويصلون إلى ما يرضيه ‪ ،‬وهذا من رحمة هللا بعباده ‪ ،‬وعنايته بهم ‪ ،‬فلوال رسالة الرسل لكان الناس في ظلمات الجهل‬
‫يعمهون ‪ ،‬ألن العقول البشرية ال تستقل بمعرفة تفاصيل ما يجب ما يجب هلل ‪ ،‬وما يستحقه من صفات الكمال ‪ ،‬وما ُي َقرّب إلى‬
‫مرضاته ‪ ،‬ويباعد من َس َخطِ ه وعقوباته – وإن ظن بعض الناس غير ذلك – ‪.‬‬

‫واإليمان بالرسول – صلى هللا عليه وسلم – يستوجب شكر هللا – تعالى – على هذه النعمة ‪ ،‬والتمسك بهديه ‪ ،‬وتقديم قوله على قول‬
‫كل أحد ‪ ،‬ألن الهدى كله ‪ ،‬والصراط المستقيم هو ما جاء به – عليه الصالة والسالم – قال هللا – تعالى – ﴿ لَ َق ْد مَنَّ هَّللا ُ َعلَى الم ُْؤ ِمن َ‬
‫ِين‬
‫ين ﴾ [سورة آل‬ ‫الل م ُِّب ٍ‬
‫ض ٍ‬ ‫اب َو ْال ِح ْك َم َة َوإِن َكا ُنوا مِن َق ْب ُل َلفِي َ‬ ‫ِيه ْم َرسُواًل مِّنْ أَنفُسِ ِه ْم َي ْتلُو َعلَي ِْه ْم آ َيا ِت ِه َوي َُز ِّك ِ‬
‫يه ْم َوي َُعلِّ ُم ُه ُم ال ِك َت َ‬ ‫ثف ِ‬‫إِ ْذ َب َع َ‬
‫عمران ‪ :‬اآلية ‪. ]164‬‬

‫متى ما جرد الفرد المسلم اتباعه للرسول – صلى هللا عليه وسلم – وكذلك المجتمع المسلم ‪ ،‬فقد رشد واهتدى ‪ ،‬وصار له نور يمشي‬
‫به في هذه الحياة ‪ ،‬وانحلت المشكالت ‪ ،‬وانكشفت المعضالت ‪ ،‬وخرج المجتمع من الظلمات إلى النور ‪ ،‬وانظروا في سيرة نبيكم –‬
‫صلى هللا عليه وسلم – وفي سيرة الخلفاء الراشدين من بعده ‪ ،‬فسوف تجدون ذلك واضحا جليا ‪.‬‬

‫ومن تحقيق شهادة “أن محمدا رسول هللا” إظهار إجالله وتوقيره وتعظيمه ‪ ،‬وحماية جانبه الكريم من التنقص ‪ ،‬ومن الطعن ‪ ،‬ومن‬
‫الشتم ‪ ،‬وبذلك تحصل العزة والكرامة والنصر والتأييد لألمة ‪ ،‬أفرادا ومجتمعا ‪.‬‬

‫ُط من ْقد ره ‪ ،‬أو يطعن في شخصه ‪ ،‬أو رسالته ‪ ،‬أو يعترض على حكم من أحكامه ‪ ،‬أو حديث‬ ‫ومن أظهر في المجتمع شيئا مما يح ّ‬
‫من أحاديثه الثابتة ‪ ،‬فقد خسر خسرانا مبينا ‪ ،‬إذا ظهر شتم النبي – صلى هللا عليه وسلم – في المجتمع ‪ ،‬ولم يؤخذ على أيدي هؤالء‬
‫السفهاء المستهزئين الساخرين بالرسول ‪ ،‬أو سنته وشرعه ‪ ،‬كانوا أهال ألن ينتقم هللا – تعالى – لنبيه منهم ‪ ،‬ويذيقهم من العقوبات ‪،‬‬
‫ويذهب عنهم األمن ‪ ،‬ويسلط عليهم أنواعا من البالء واألذى ‪ ،‬نسأل هللا العفو والعافية ‪.‬‬

‫اإليمان بالمالئكة‬

‫ومن أصول العقيدة ‪ ،‬وشعب اإليمان ‪ ،‬اإليمان بالمالئكة الكرام – عليهم الصالة والسالم – واإليمان بهم يعني التصديق بوجودهم‬
‫اع ﴾‬ ‫ض َجاعِ ِل ال َمال ِئ َك ِة ُر ُساًل أ ُ ْولِي أَجْ ن َِح ٍة م َّْث َنى َو ُث َ‬
‫الث َو ُر َب َ‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬
‫وصفاتهم وأعمالهم ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ ْال َح ْم ُد هَّلِل ِ َفاطِ ِر ال َّس َم َوا ِ‬
‫ُون اللَّ ْي َل‬ ‫ُون َعنْ عِ َبا َد ِت ِه َواَل َيسْ َتحْ سِ ر َ‬
‫ُون * ُي َس ِّبح َ‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬
‫ض َو َمنْ عِ ندَ هُ اَل َيسْ َت ْك ِبر َ‬ ‫[سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪ ، ]1‬وقال ﴿ َولَ ُه َمن فِي ال َّس َم َوا ِ‬
‫ُون ﴾ [سورة األنبياء ‪ :‬اآلية ‪. ]20-19‬‬ ‫ار اَل َي ْف ُتر َ‬
‫َوال َّن َه َ‬

‫والمالئكة ال يحصي عددهم إال هللا – عز وجل – فقد ثبت في الصحيحين ‪ ،‬في قصة المعراج أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – رُفع‬
‫له البيت المعمور ‪ ،‬فسأل جبريل – عليه السالم – فقال ‪ :‬هذا البيت المعمور ‪ ،‬يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ‪ ،‬إذا خرجوا لم‬
‫يعودوا إليه آخر ما عليهم ( ‪. )9‬‬

‫أعمال المالئكة‬

‫ت ﴾ [سورة السجدة ‪ :‬اآلية ‪ ، ]11‬ومنهم الموكلون‬ ‫ك ال َم ْو ِ‬‫ومن أعمال المالئكة قبض األرواح ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ قُ ْل َي َت َو َّفا ُكم َّملَ ُ‬
‫باألجنة في بطون النساء ‪ ،‬كما في حديث ابن مسعود – رضي هللا عنه – قال حدثنا رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – وهو‬
‫ك مُضْ غ ًَة‬ ‫ك ‪ُ ،‬ث َّم َي ُكونُ فِي َذلِ َ‬ ‫ك َعلَ َق ًة م ِْث َل َذلِ َ‬
‫ِين َي ْومًا ‪ُ ،‬ث َّم َي ُكونُ فِي َذلِ َ‬ ‫الصادق المصدوق ‪ « :‬أَنَّ أَ َحدَ ُك ْم يُجْ َم ُع َخ ْلقُ ُه فِي َب ْط ِن أ ُ ِّم ِه أَرْ َبع َ‬
‫ب ِر ْزقِ ِه ‪َ ،‬وأَ َجلِ ِه ‪َ ،‬و َع َملِ ِه ‪َ ،‬و َشقِيٌّ ‪ ،‬أَ ْو َسعِي ٌد ‪َ ،‬ف َوالَّذِي الَ‬ ‫ت ‪ِ :‬ب َك ْت ِ‬ ‫وح ‪َ ،‬وي ُْؤ َم ُر ِبأَرْ َب ِع َكلِ َما ٍ‬‫ك ‪َ ،‬ف َي ْنفُ ُخ فِي ِه الرُّ َ‬ ‫م ِْث َل َذل َِك ‪ُ ،‬ث َّم يُرْ َس ُل ْال َملَ ُ‬
‫َ‬ ‫إِلَ َه غَ ْي ُرهُ ‪ ،‬إِنَّ أَ َحدَ ُك ْم َل َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أَهْ ِل ْال َج َّن ِة ‪َ ،‬ح َّتى َما َي ُك َُ‬
‫ار ‪،‬‬‫ون َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َها إِالَّ ذ َِرا ٌع ‪َ ،‬ف َيسْ ِب ُق َعلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ ‪َ ،‬ف َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ال َّن ِ‬
‫َ‬
‫ون َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َها إِالَّ ذ َِرا ٌع ‪َ ،‬ف َيسْ ِب ُق َعلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ ‪َ ،‬ف َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ْال َج َّن ِة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ار ‪َ ،‬ح َّتى َما َي ُك َُ‬‫َف َي ْد ُخلُ َها ‪َ ،‬وإِنَّ أ َحدَ ُك ْم لَ َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ال َّن ِ‬
‫َف َي ْد ُخلُ َها » ( ‪. )10‬‬

‫ومنهم الموكلون بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها ‪ ،‬فلكل شخص ملكان ‪ :‬أحدهما عن اليمين ‪ ،‬والثاني عن الشمال ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿‬
‫ُون َما َت ْف َعلُ َ‬
‫ون ﴾ [سورة االنفطار ‪ :‬اآلية ‪. ]12-10‬‬ ‫ين * َيعْ لَم َ‬ ‫َوإِنَّ َعلَ ْي ُك ْم لَ َحافِظِ َ‬
‫ين * ك َِرامًا َكات ِِب َ‬

‫ومنهم من يشهدون صالة الفجر ‪ ،‬وصالة العصر مع المصلين ‪ ،‬فعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن رسول هللا – صلى هللا عليه‬
‫وسلم – قال ‪ « :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار ‪ ،‬ويجتمعون في صالة الفجر ‪ ،‬وصالة العصر ‪ ،‬ثم يعرج الذين باتوا‬
‫فيكم ‪ ،‬فيسألهم – وهو أعلم بهم – كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬تركناهم وهم يصلون ‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون » ( ‪. )11‬‬

‫ظو َن ُه مِنْ أَ ْم ِر‬


‫ْن َي َد ْي ِه َومِنْ َخ ْلفِ ِه َيحْ َف ُ‬ ‫ومنهم الموكلون بحفظ اإلنسان من األخطار والمهالك ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ َل ُه ُم َع ِّق َب ٌ‬
‫ات مِّنْ َبي ِ‬
‫وح َرس بالنهار ‪،‬‬ ‫هَّللا ِ ﴾ [سورة الرعد ‪ :‬اآلية ‪ ]11‬قال ابن كثير – رحمه هللا ‪ : )12 (-‬أي للعبد مالئكة يتعاقبون عليه ‪َ ،‬ح َرس بالليل َ‬
‫يحفظونه من األسواء والحادثات‪ ، A‬كما يتعاقب‪ A‬مالئكة آخرون لحفظ األعمال من خير أو شر ‪ ،‬مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار ‪ ،‬فاثنان‬
‫عن اليمين وعن الشمال يكتبان األعمال ‪ ،‬صاحب اليمين يكتب الحسنات ‪ ،‬وصاحب الشمال يكتب السيئات ‪ ،‬وملكان آخران يحفظانه‬
‫ويحرسانه ‪ ،‬واحدا من ورائه ‪ ،‬وآخر من قُ دامه ‪ ،‬فهو بين أربعة أمالك بالنهار ‪ ،‬وأربعة آخرين بالليل ‪.‬‬

‫وللمالئكة أعمال أخرى ال يُحصيها إال من خلقهم ‪ ،‬واإليمان بالمالئكة ‪ ،‬واالعتقاد الصحيح فيهم يورث ثمرات جليلة ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫ثمرات اإليمان بالمالئكة‬

‫العلم بعظمة هللا ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬العلم بعظمة هللا – عز وجل – وقوته وقدرته وسلطانه ‪ ،‬فإن عِ َظم خلق المالئكة ‪ ،‬وما أوتوا من القدرات ‪ ،‬يدل على عظمة‬
‫خالقهم ومدبرهم – جل وعال – ‪.‬‬

‫شكر هللا – تعالى – على عنايته ببني آدم ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شكر هللا – تعالى – على عنايته ببني آدم ‪ ،‬حيث وكل من هؤالء المالئكة من يقوم بحفظهم وإعانتهم على أمور الخير ‪ ،‬والقتال‬
‫ض‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬
‫ِين لِ َي ْز َدادُوا إِي َما ًنا م ََّع إِي َمان ِِه ْم َوهَّلِل ِ ُج ُنو ُد ال َّس َم َوا ِ‬ ‫معهم في سبيل هللا ضد المشركين ﴿ ه َُو الَّذِي أَ َ‬
‫نز َل ال َّسكِي َن َة فِي قُلُو ِ‬
‫ب الم ُْؤ ِمن َ‬
‫ان هَّللا ُ َعلِيمًا َحكِيمًا ﴾ [سورة الفتح ‪ :‬اآلية ‪. ]4‬‬
‫َو َك َ‬

‫محبتهم ومواالتهم ‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬محبتهم ومواالتهم ‪ ،‬ألنهم عباد هللا طائعون له ‪ ،‬ال يأمرون إال بالخير ‪ ،‬ويستغفرون للمؤمنين ‪ ،‬ويدعون لهم ‪ ،‬واقرءوا – إن‬
‫ُون لِلَّذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا َر َّب َنا‬ ‫ُون ِب َحمْ ِد َرب ِِّه ْم َوي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِب ِه َو َيسْ َت ْغفِر َ‬ ‫ش َو َمنْ َح ْولَ ُه ُي َس ِّبح َ‬ ‫العرْ َ‬ ‫ِين َيحْ مِلُ َ‬
‫ون َ‬ ‫شئتم – قول هللا – عز وجل – ﴿ الَّذ َ‬
‫ِيم ﴾ [سورة غافر ‪ :‬اآلية ‪. ]7‬‬ ‫الجح ِ‬‫اب َ‬ ‫َ‬
‫ك َوق ِِه ْم َعذ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اغفِرْ ِللذ َ‬
‫ِين تابُوا َوات َبعُوا َس ِبيل َ‬ ‫َوسِ عْ تَ ُك َّل َشيْ ٍء رَّ حْ َم ًة َوعِ ْلمًا َف ْ‬

‫وعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – قال قال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – ‪ « :‬المالئكة تصلي على أحدكم ما دام في‬
‫مصاله ‪ ،‬ما لم يُحْ دث ‪ :‬اللهم اغفر له ‪ ،‬اللهم ارحمه » ( ‪. )13‬‬
‫فمن اإليمان بهم محبتهم ومواالتهم ‪ ،‬ألن هللا يحبهم ‪ ،‬ومن عادى المالئكة وأبغضهم ‪ ،‬فإنه عدو هلل ‪ ،‬ومن عاداه هللا أهلكه في الدنيا‬
‫ين ﴾ [سورة البقرة ‪ :‬اآلية‬ ‫ان َعدُوًاّ‪ ًّA‬هَّلِّل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُر ُس ِل ِه َو ِجب ِْري َل َومِي َكا َل َفإِنَّ هَّللا َ َع ُدوٌّ لِّ ْل َكاف ِِر َ‬
‫واآلخرة ‪ ،‬قال هللا – عز وجل – ﴿ َمن َك َ‬
‫‪. ]98‬‬

‫التشبه بهم في أعمالهم الصالحة ‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬التشبه بهم في أعمالهم الصالحة ‪ ،‬بقدر االستطاعة ‪ ،‬كعبادة هللا ‪ ،‬والتذلل له ‪ ،‬والخضوع والطاعة ‪ ،‬وترك معصيته ‪ ،‬يقول هللا‬
‫الح ْم ُد هَّلِل ِ َربِّ ال َعالَم َ‬
‫ِين ﴾‬ ‫ُون ِب َح ْم ِد َرب ِِّه ْم َوقُضِ َي َب ْي َنهُم ِب ْال َح ِّق َوقِي َل َ‬ ‫العرْ ِ‬
‫ش ي َُس ِّبح َ‬ ‫– عز وجل – ﴿ َو َت َرى ال َمال ِئ َك َة َحا ِّف َ‬
‫ين مِنْ َح ْو ِل َ‬
‫[سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪. ]75‬‬

‫وعن َحكيم بن حِزام – رضي هللا عنه – قال بينما رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – في أصحابه قال لهم ‪ « :‬هل تسمعون ما‬
‫أسمع ؟ إني ألسمع أطيط ( ‪ ) 14‬السماء – وال تالم أن تئط – ما فيها موضع قدم إال عليه ملك ساجد أو قائم » ( ‪. )15‬‬

‫وعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – قال ‪ « :‬إذا أمَّن اإلمام فأمِّنوا ‪ ،‬فإنه َمن وافق تأمينه تأمين‬
‫المالئكة ‪ُ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه » ( ‪. )16‬‬

‫وعن جابر بن سمرة – رضي هللا عنه – قال خرج علينا رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – فقال ‪ « :‬أال تص ّفون كما تصف‬
‫المالئكة عند ربها » ‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول هللا وكيف تصف المالئكة عند ربها ؟قال ‪ُ « :‬ي ِتمّون الصفوف األ ُ َول ‪ ،‬ويتراصون في الصف‬
‫» ( ‪. )17‬‬

‫االستحياء من المالئكة ‪:‬‬

‫خامسا‪ : A‬واإليمان بالمالئكة يجعل اإلنسان المسلم يستحي منهم أن َي َر ْوه على حال شائن ‪ ،‬أو واقعا في معصية ‪ ،‬ألنهم معه أينما‬
‫ذهب ‪ ،‬أو راح ‪ ،‬فلنحذر أن يكتبوا علينا شيئا ال يليق ‪ ،‬ويجب علينا أن نتباعد عن المعاصي ‪ ،‬وعن كل ما ال يرضي هللا – عز وجل‬
‫ُون َما َت ْف َعلُ َ‬
‫ون ﴾ [سورة االنفطار ‪ :‬اآلية ‪ ، ]12-10‬فإذا استشعر كل‬ ‫ين * َيعْ لَم َ‬ ‫– قال – تعالى – ﴿ َوإِنَّ َعلَ ْي ُك ْم لَ َحافِظِ َ‬
‫ين * ك َِرامًا َكات ِِب َ‬
‫فرد مسلم هذه المعاني في إيمانه بالمالئكة ‪ ،‬وعمل بمقتضاها ‪ ،‬فإن المجتمع المسلم سيكون عامرا بالطاعات والخيرات ‪ ،‬خاليا من‬
‫المعاصي والمنكرات ‪ ،‬إال ما شاء هللا ‪.‬‬

‫اإليمان بالكتب السماوية‬

‫ومن شعب اإليمان وأصول العقيدة ‪ ،‬اإليمان بالكتب السماوية ‪ ،‬أي التصديق الجازم بالكتب التي أنزلها هللا على ُرسُله رحمة بالخلق ‪،‬‬
‫وهداية لهم ‪ ،‬قال هللا – تعالى – ﴿ ُك ٌّل آ َم َن ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه ﴾ [سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪ ، ]285‬وهذه الكتب منها ما علمنا‬
‫اسمه ‪ ،‬كالقرآن والتوراة واإلنجيل ‪ ،‬ومنها ما ال نعلمه ‪ ،‬ويجب اإليمان بأن نزولها حق من عند هللا ‪ ،‬وأن أعظمها وأفضلها والمهيمن‬
‫عليها ‪ ،‬والناسخ لجميعها‪ A‬هو هذا القرآن العظيم ‪ ،‬الذي أنزله هللا على نبيه محمد – صلى هللا عليه وسلم – ليُخرج الناس من الظلمات‬
‫ْ‬ ‫اس م َِن ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬ ‫إلى النور ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ الر ِك َتابٌ أَ َ‬
‫نز ْل َناهُ إِلَ ْي َ‬
‫ك ِل ُت ْخ ِر َج ال َّن َ‬
‫الحمِي ِد ﴾‬
‫يز َ‬‫ور ِبإِذ ِن َرب ِِّه ْم إِلَى صِ َراطِ ال َع ِز ِ‬
‫ت إِلَى ال ُّن ِ‬
‫[سورة إبراهيم ‪ :‬اآلية ‪. ]1‬‬

‫وحقيقة اإليمان بهذا القرآن أنه كالم هللا المحفوظ من الزيادة والنقصان ‪ ،‬والذي ال يأتيه الباطل من بين يديه ‪ ،‬وال من خلفه ‪ ،‬أنزله هللا‬
‫للعمل به ‪ ،‬ليصل البشر إلى سعادة الدنيا واآلخرة ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ َت ِ‬
‫نزي ٌل م َِّن الرَّ حْ َم ِن الرَّ ح ِ‬
‫ِيم ﴾ [سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪ ، ]2‬وقال‬
‫ون ﴾ [سورة الحجر ‪ :‬اآلية ‪. ]9‬‬
‫ِظ َ‬‫الذ ْك َر َوإِ َّنا لَ ُه َل َحاف ُ‬
‫﴿ إِ َّنا َنحْ نُ َن َّز ْل َنا ِّ‬

‫وقد عرف سلف هذه األمة ‪ ،‬من الصحابة والتابعين ‪ ،‬وممن بعدهم ممن سار على نهجهم َق ْدر هذا الكتاب العظيم ‪ ،‬فراحوا يتلونه آناء‬
‫الليل وآناء النهار ‪ ،‬ويتدارسونه بينهم ‪ ،‬فازدادوا علما وإيمانا ‪ ،‬وطبقوا أحكامه‪ ، A‬فسادوا به الدنيا ‪ ،‬وأخرجوا به الناس من ظلمات‬
‫الجهل والشرك والظلم إلى نور العدل واإليمان والعلم ‪.‬‬

‫وصحائف التاريخ التي يقرأها الناس ليل نهار تشهد بهذه الحقيقة الناصعة ‪ ،‬فعودوا إلى تاريخكم ‪ ،‬واستجلوا قصصه وعِ َبره تفوزوا‬
‫بإذن هللا ‪ ،‬فكثير من المسلمين اليوم ُي ْقصرون أعمالهم على طباعة القرآن ‪ ،‬أو حِفظه فقط ‪ ،‬دون مدارسته وتدبره والعمل به ‪.‬‬

‫فما أحوجنا اليوم إلى تصحيح معامالتنا مع القرآن الكريم ‪ ،‬وذلك بالتفكر فيه ‪ ،‬وتعقله ‪ ،‬واالستجابة ألوامره ونواهيه ‪ ،‬وتطبيق‬
‫أحكامه في جميع أمور حياتنا ‪ ،‬دقيقها وجليلها ‪ ،‬فإن السعادة والراحة والطمأنينة ‪ ،‬واألمن للفرد والمجتمع – في الدنيا واآلخرة –‬
‫مرهونة بالتمسك بهذا القرآن والعمل به ‪ ،‬وإن الشقاء والخوف والقلق للفرد والمجتمع – في الدنيا واآلخرة – مربوط بالبعد عن هذا‬
‫القرآن الكريم و َهجْ ره ‪ ،‬واإلعراض عن تدبره والعمل به ‪ ،‬واسمعوا قول ربكم ﴿ َو َمنْ أَعْ َر َ‬
‫ض َعن ِذ ْك ِري َفإِنَّ َل ُه َمعِي َش ًة َ‬
‫ضن ًكا *‬
‫نسى* َو َك َذل َِك‬ ‫ك أَ َت ْت َ‬
‫ك آ َيا ُت َنا َف َنسِ ي َت َها َو َك َذلِ َ‬
‫ك ال َي ْو َم ُت َ‬ ‫ش ُرهُ َي ْو َم القِ َيا َم ِة أَعْ َمى * َقا َل َربِّ لِ َم َح َشرْ َتنِي أَعْ َمى َو َق ْد ُك ُ‬
‫نت بَصِ يرً ا * َقا َل َك َذلِ َ‬ ‫َو َنحْ ُ‬
‫ت َر ِّب ِه َولَ َع َذابُ اآلخ َِر ِة أَ َش ُّد َوأَ ْب َقى ﴾ [سورة طه ‪ :‬اآلية ‪. ]127-124‬‬ ‫َنجْ ِزي َمنْ أَسْ َر َ‬
‫ف َولَ ْم ي ُْؤمِنْ ِبآ َيا ِ‬

‫اإليمان باليوم اآلخر‬

‫ومن شعب اإليمان ‪ ،‬وأصول العقيدة ‪ ،‬اإليمان باليوم اآلخر ‪ ،‬وحقيقته التصديق الجازم بيوم القيامة ‪ ،‬وما فيه من األهوال ‪ ،‬وبعث‬
‫الناس من قبورهم ‪ ،‬وحسابهم على أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير ‪ ،‬أو شر ‪ ،‬فإما إلى الجنة ‪ ،‬وإما إلى النار ‪ ،‬ودالئل إثبات‬
‫البرَّ أَن ُت َولُّوا‬
‫ْس ِ‬‫هذا اليوم كثيرة من الكتاب والسنة وإجماع العلماء ‪ ،‬وهلل الحمد والمنة ‪ ،‬ومن ذلك قول هللا – عز وجل – ﴿ َلي َ‬
‫ِّين ﴾ [سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪ ، ]177‬قوله‬ ‫البرَّ َمنْ آ َم َن ِباهَّلل ِ َو ْال َي ْو ِم اآلخ ِِر َو ْال َمال ِئ َك ِة َو ْال ِك َتا ِ‬
‫ب َوال َّن ِبي َ‬ ‫ب َولَكِنَّ ِ‬ ‫وُ جُو َه ُك ْم قِ َب َل ال َم ْش ِر ِق َو ْال َم ْغ ِر ِ‬
‫ضالاًل َبعِي ًدا ﴾ [سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪. ]136‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫﴿ َو َمن َي ْكفُرْ ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه َو ْال َي ْو ِم اآلخ ِِر َف َق ْد َ‬

‫ويدخل فيه ما يكون بعد الموت من نعيم القبر وعذابه ‪ ،‬وسؤال مُنكر و َنكير ‪ ،‬والبعث بعد الموت ‪ ،‬فيقوم الناس من قبورهم لرب‬
‫العالمين ‪ ،‬حفاة عراة ُغرْ ال (‪ ، ) 18‬وتنصب الموازين ‪ ،‬فتوزن بها أعمال العباد ‪ ،‬و ُتنشر الصحف ‪ ،‬ويمر الناس على الصراط‬
‫المنصوب على متن جهنم ‪ ،‬ثم يكون الناس فريقين ‪ :‬فريق في الجنة ‪ ،‬وفريق في السعير ‪ ،‬إلى آخر ما جاء في الكتاب والسنة من‬
‫تفاصيل ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬وما أعده هللا للمؤمنين من نعيم الجنة ‪ ،‬نسأل هللا أن نكون منهم ‪ ،‬وما أعد للكافرين من العذاب في النار ‪،‬‬
‫نسأل هللا العفو والعافية ‪.‬‬

‫ثمرات اإليمان باليوم اآلخر‬

‫االستعداد الدائم ليوم القيامة باألعمال الصالحة ‪:‬‬

‫وال شك أن اإليمان باليوم اآلخر ‪ ،‬واعتقاد وقوعه ‪ ،‬وما فيه من األهوال العظام ‪ ،‬يدفع إلى االستعداد الدائم لهذا اليوم باألعمال‬
‫الصالحة ‪ ،‬والبعد عن المعاصي والكبائر ‪ ،‬ويورث الرغبة في فعل الطاعات ‪ ،‬والصبر عليها ‪ ،‬لينال أجرها وثوابها في ذلك اليوم‬
‫الذي يفر المرء فيه من أخيه ‪ ،‬وأمه وأبيه ‪ ،‬وزوجته وبنيه ‪ ،‬كل فرد ال يفكر إال في نجاة نفسه ‪ ،‬لهول هذا اليوم ‪.‬‬

‫يورث رغبة في البعد عن معصية هللا ورسوله ‪:‬‬

‫كما أن اإليمان بهذا اليوم يورث رغبة في البعد عن معصية هللا ورسوله ‪ ،‬خوفا من عقاب الجبار في ذلك اليوم ‪.‬‬

‫تسلية للمؤمنين عما يفوتهم من الدنيا ‪:‬‬

‫كما أن اإليمان بذلك اليوم فيه تسلية للمؤمنين عما يفوتهم من الدنيا ‪ ،‬من مال ‪ ،‬أو صحة ‪ ،‬أو ولد ‪ ،‬لما يرجو أن ينال ما هو أفضل‬
‫منه في اآلخرة ‪.‬‬

‫عزاء لكل مظلوم في هذه الدنيا ‪:‬‬

‫وفيه أيضا عزاء لكل مظلوم في هذه الدنيا ‪ ،‬سواء ظلم في عرض ‪ ،‬أو بدن ‪ ،‬أو مال ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬بأنه سيقف هو ومن ظلمه بين‬
‫يدي أحكم الحاكمين ‪ ،‬وسيقتص له ممن ظلمه في يوم هو أحوج ما يكون للحسنات‪. A‬‬

‫زجر لإلنسان عن التمادي في ظلم العباد ‪:‬‬

‫وفي اإليمان باليوم اآلخر زجر لإلنسان عن التمادي في ظلم العباد ‪ ،‬وأكل حقوقهم بغير حق ‪ ،‬إذا أيقن أنه قادم على ذلك اليوم ‪.‬‬

‫والحاصل أن التصديق بذلك اليوم له أثر كبير على حياة الفرد ‪ ،‬فإذا أيقن كل فرد بحقيقته ‪ ،‬فإن المجتمع – وال شك – سيعيش في‬
‫أمن وأمان ‪ ،‬ومراعاة للحقوق ‪ ،‬مع الحذر من ظلم الناس ‪ ،‬والبعد عن كل ما يهدد معيشتهم ‪ ،‬ولهذا تكرر التذكير به في أكثر من‬
‫موطن في الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫اإليمان بالقدر‬

‫ومن شعب اإليمان ‪ ،‬وأصول العقيدة ‪ ،‬اإليمان بالقدر ‪ :‬خيره وشره ‪ ،‬واإليمان بالقدر معناه التصديق الجازم بأن هللا – جل وعال –‬
‫عالم بكل شيء جملة وتفصيال ‪ ،‬سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله ‪ ،‬أو بأفعال مخلوقاته ‪ ،‬وأن هللا دبر ذلك قبل وقوعه ‪.‬‬

‫ك َعلَى هَّللا ِ يَسِ ي ٌر‬


‫ب إِنَّ َذلِ َ‬ ‫ومن األدلة على إثبات القدر قوله – عز وجل – ﴿ أَلَ ْم َتعْ لَ ْم أَنَّ هَّللا َ َيعْ لَ ُم َما فِي ال َّس َما ِ‪A‬ء َواألَرْ ِ‬
‫ض إِنَّ َذلِ َ‬
‫ك فِي ِك َتا ٍ‬
‫﴾ [سورة الحجج ‪ :‬اآلية ‪ ﴿ ]70‬إِ َّنا ُك َّل َشيْ ٍء َخلَ ْق َناهُ ِب َقدَ ٍر ﴾ [سورة القمر ‪ :‬اآلية ‪. ]49‬‬
‫ومن السنة ما ثبت في صحيح مسلم عن نبيكم – صلى هللا عليه وسلم – أنه قال ‪ « :‬كتب هللا مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات‬
‫واألرض بخمسين ألف سنة ‪ ،‬قال ‪ :‬وعرشه على الماء » ( ‪. )19‬‬

‫وثبت في الصحيحين أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – قال ‪ « :‬ما منكم من أحد إال وقد ُكتب مقعده من الجنة ‪ ،‬ومقعده من النار » ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا رسول هللا أفال ن ّتكل ؟ فقال ‪ « : ‬اعملوا فكل ميسر » ‪ .‬ثم قرأ ﴿ َفأ َ َّما‪َ A‬منْ أَعْ َطى َوا َّت َقى ﴾ [سورة الليل ‪ :‬اآلية ‪. )20 ( » ]5‬‬

‫واإليمان بالقدر على الوجه الصحيح السليم الذي جاء في القرآن والسنة ‪ ،‬وبينه علماء السنة والجماعة له آثار حميدة على الفرد‬
‫والمجتمع ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫آثار اإليمان بالقدر‬

‫اإلقرار بكمال ربوبية هللا ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬اإلقرار بكمال ربوبية هللا – جل وعال – وعلمه وإحاطته ‪ ،‬وقدرته على كل شيء ‪ ،‬ألن القدر داخل في اإليمان باهلل ‪ ،‬ومن لم‬
‫يؤمن بالقدر ‪ ،‬فقد وصف ربه – جل وعال – بالعجز والجهل – تعالى – هللا عن قول الظالمين ّ‪ًّA‬‬
‫علًوا كبيرا ‪.‬‬

‫تفويض األمور كلها هلل ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬إذا علم المسلم بأن هللا قدر كل شيء ‪ ،‬فإن ذلك اإليمان يجعله ُي َفوّ ض أموره إليه – سبحانه – ويعتمد على هللا في كل شيء ‪،‬‬
‫بعد األخذ باألسباب المشروعة ‪.‬‬

‫تهوين المصائب ‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إيمان اإلنسان بالقدر معين له على تهوين المصائب ‪.‬‬

‫البعد عن الفخر واالغترار ‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬ومن آثار اإليمان بالقدر ‪ ،‬البعد عن الفخر واالغترار ‪ ،‬ورؤية النفس عند فعل الخير ‪ ،‬واألعمال الصالحة ‪ ،‬ألن ذلك ليس‬
‫بحول العبد ‪ ،‬وال بقوته ‪ ،‬وإنما حصل للعبد بتقدير هللا وعونه وتوفيقه ‪ ،‬فيورث العبد معرفة نعم هللا – عز وجل – كما في قوله –‬
‫تعالى – ﴿ َو َما ِب ُكم مِّن ِّنعْ َم ٍة َفم َِن هَّللا ِ ﴾ [سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪. ]53‬‬

‫معرفة حكمة هللا – سبحانه وتعالى – ‪:‬‬

‫خامسا‪ : A‬ومن آثار اإليمان بالقدر معرفة حكمة هللا – سبحانه وتعالى – ألن النظر في أحداث الكون وتغيراته وتقلباته إذا ربطها‬
‫اإلنسان بعلم هللا وقدرته وإحاطته ‪ ،‬وأنه المدبر لها ‪ ،‬والمصرف لها ‪ ،‬فإن له من الحكم وأسرار الخلق ما ال يعلمه كثير من‬
‫الجاهلين ‪.‬‬

‫انفتاح باب التوبة ‪:‬‬

‫سادسا‪ : A‬من آثار اإليمان بالقدر انفتاح باب التوبة ‪ ،‬وإصالح ما فسد في الزمن الماضي ‪.‬‬

‫هذه الشعب التي ذكرناها هي أيضا أركان اإليمان الستة ‪ ،‬وشعبُ اإليمان كثيرة ‪ ،‬ومراتبها متفاوتة ‪ ،‬كما هو نص الحديث الشريف‬
‫الذي ذكرناه ‪.‬‬

‫ومن أسباب حصول األمن في المجتمع ‪ ،‬االعتراف بنعم هللا ‪ ،‬والتحدث بها ‪ ،‬وشكرها ‪ ،‬واالستعانة بها على طاعته ومرضاته ‪.‬‬

‫تطبيق الحدود الشرعية‬

‫ومن شعب اإليمان التي يحصل بها للمجتمع األمن والرخاء ‪ ،‬تطبيق الحدود الشرعية على من يستحقها ‪ ،‬فإن من الناس من ال يكفه‬
‫اإليمان والتقوى ‪ ،‬فتنزع نفسه إلى فعل ما ال يجوز من اعتداء على الفرد ‪ ،‬أو الجماعة ‪ ،‬فشرع هللا الحدود لردع تلك النفوس عن‬
‫جرائمها ‪ ،‬وصار من اإليمان تنفيذها وتطبيقها في المجتمع ‪ ،‬فقد ثبت في الصحيحين من قصة المرأة المخزومية التي سرقت فشفع‬
‫فيها أسامة بن زيد – رضي هللا عنه – فكلم النبي – صلى هللا عليه وسلم – في شأنها‪ A‬فقال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – ‪« :‬‬
‫أتشفع في حد من حدود هللا » ‪ .‬ثم قام فاختطب ‪ ،‬ثم قال ‪ « :‬إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا‬
‫سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ‪ ،‬وايم هللا لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها » ( ‪. )21‬‬
‫‪ ‬تعليق سماحة‪ A‬الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪،‬‬
‫وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬

‫فال شك أن العقيدة السليمة الصافية الخالية من البدع والشركيات ‪ ،‬لها آثار عظيمة في سلوك اإلنسان وأقواله وأفعاله ‪ ،‬فالموحد‬
‫المخلص هلل ‪ ،‬المؤمن به حق اإليمان ‪ ،‬هذا اإليمان يظهر على جميع األحوال ‪ ،‬والنقص إنما يأتي من نقص العقيدة ‪ ،‬فعندما تكون‬
‫العقيدة متكدرة ‪ ،‬غير صافية ‪ ،‬فال بد أن يكون هناك بالء ‪ ،‬ولهذا كان التوحيد رأس األعمال الصالحة ‪ ،‬والرسل جميعا قد افتتحوا‬
‫دعوتهم بدعوة أممهم إلى إفراد هللا بالعبادة ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ اعْ ُبدُوا هَّللا َ َواَل ُت ْش ِر ُكوا ِب ِه َش ْي ًئا ﴾ [سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪ ، ]36‬وهكذا‬
‫نبينا محمد – صلى هللا عليه وسلم – ركز على العقيدة أيام بقائه في مكة ‪ ،‬اهتماما بها ‪ ،‬وتعظيما لشأنها ‪ ،‬لغرسها في النفوس ‪ ،‬ألن‬
‫النفوس إذا قبلت العقيدة أمكن أن تقبل كل شيء ‪ ،‬لكن إذا انهدم هذا األصل ‪ ،‬فكل شيء لن يكون له ميزان ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ َولَ َق ْد‬
‫ين ﴾ [سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪. ]65‬‬ ‫الخاسِ ِر َ‬‫ك َولَ َت ُكو َننَّ م َِن َ‬‫ِين مِن َق ْبل َِك َلئِنْ أَ ْش َر ْكتَ لَ َيحْ َب َطنَّ َع َملُ َ‬ ‫أُوح َِي إِلَ ْي َ‬
‫ك َوإِلَى الَّذ َ‬
‫فكلما قويت العقيدة في القلب ‪ ،‬كلما ُ‬
‫عظ م العمل ‪ ،‬وكلما ضعُفت العقيدة في القلب ‪ ،‬كلما ضعف العمل ‪ ،‬فاألعمال الصالحة إنما تنتظم‬
‫وتصلح وتستقيم عند صالح العقيدة ‪ ،‬وإنما تقل المعاصي والمنكرات عندما تقوى العقيدة في القلب ‪ ،‬وعندما تضعف العقيدة ‪،‬‬
‫فالضعف عام في األعمال ‪ ،‬وفي ارتكاب ما حرم هللا ‪.‬‬

‫وفيما يتعلق باإليمان بالقضاء والقدر وأحكامه ‪ ،‬وعلم هللا باألشياء ‪ ،‬وكتابته لها ‪ ،‬ومشيئته لها ‪ ،‬وخلقه إياها ‪ ،‬كل هذه من أركان‬
‫اإليمان ‪ ،‬فعندما‪ A‬ينظر المسلم لها نظرة ثاقبة بصيرة ‪ ،‬يجد أنها أصول عظيمة ‪ ،‬يجب المحافظة‪ A‬عليها ‪ ،‬والتذكير بها ‪ ،‬وإنما تصيب‬
‫الغفلة القلوب عندما يُعرض الناس عن التذكير بهذه العقيدة ‪.‬‬

‫العقيدة متى ما استقامت ‪ ،‬فأبشر بتوفيق من هللا ‪ ،‬بصالح واستقامة ‪ .‬‬

‫واعلم أن الخلل الواقع في سلوكنا وأعمالنا ‪ ،‬إنما هو نتيجة الختالل العقيدة ‪ ،‬فالعقيدة أصل ‪ ،‬ولهذا فإن أهل التوحيد – حتى وإن قل‬
‫علم أحدهم – فإن قوة التوحيد في القلب تكون سببا في توفيق العبد للعمل الصالح ‪ ،‬فيستنير قلبه ‪ ،‬ويعلم الحق من الباطل ‪ ،‬والهدى‬
‫ُون ﴾‬ ‫ظ ْل ٍم أ ُ ْولَئ َ‬
‫ِك لَ ُه ُم األَمْ نُ َوهُم ُّم ْه َتد َ‬ ‫ِين آ َم ُنوا َولَ ْم َي ْل ِبسُوا إِي َما َنهُم ِب ُ‬
‫من الضالل ‪ ،‬فالعقيدة هي األساس واألساس ‪ ،‬قال – تعالى – ﴿ الَّذ َ‬
‫[سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪. ]82‬‬

‫يجب على المسلمين أن تكون هذه األشياء ُن صب أعينهم دائما ‪ ،‬فقد كان بعض السلف يقولون ‪ :‬اجلس بنا نؤمن ساعة ‪ .‬يعني نتحدث‬
‫في اإليمان ‪ ،‬وأصل اإليمان ‪ ،‬كان السلف يهتمون بهذا األمر ‪ ،‬ألن الغفلة عن هذا األصل العظيم هي التي أوقعت الناس فيما نرى ‪.‬‬

‫نسأل هللا أن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا ‪ ،‬وفي اآلخرة ‪ ،‬وصلى هللا على محمد ‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫السؤال األول ‪ :‬يقول السائل ‪ :‬المسلم إذا كان يعتقد أن هللا – تعالى – هو المستحق للعبادة ‪ ،‬ولكن يذهب إلى زيارة األولياء ‪ ،‬هل يُعد‬
‫بذلك موحدا ؟ وجزاك هللا خيرا ‪.‬‬

‫الجواب ‪ :‬زيارته األولياء إذا كانت للسالم ‪ ،‬كأموات يسلم عليهم ‪ ،‬فهي مستحبة ‪ ،‬أما الزيارة التي يُقصد بها تحري الدعاء عند‬
‫قبورهم ‪ ،‬وأن الدعاء عند هذه القبور أرجى لإلجابة من دعاء هللا في المساجد ‪ ،‬أو يتخذهم وسائط بينه وبين هللا ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬أزور‬
‫ض دَ يني ‪ ،‬وفرّ ج همي ‪ ،‬وارفع هلل حاجتي ‪ ،‬وما شابه ذلك ‪ ،‬فهذا هو الشرك‬ ‫مرضِ ي ‪ ،‬وا ْق ِ‬
‫الولي ألقول له ‪ :‬اكشف ضري ‪ ،‬وا ْشفِ َ‬
‫األكبر ‪ ،‬والذنب الذي ال يُغفر ‪ ،‬فاألولياء والصالحون نحبهم ‪ ،‬لكن العبادة حق هلل وحده ‪ ،‬ال حق لمخلوق ‪ ،‬كائنا من كان فيها ‪ ،‬ال‬
‫النبي ‪ ،‬وال الولي ‪ ،‬وال الملك ‪ ،‬وال غير ذلك ‪.‬‬

‫السؤال الثاني ‪ :‬هذا سائل عن طريق اإلنترنت من الجزائر يقول ‪ :‬الغالب على زوار قبور األولياء في العالم اإلسالمي أنهم يزورونها‬
‫ألجل البركة ‪ ،‬فيقول ‪ُ :‬زر قبر الولي َت َنل من بركته ‪ُ ،‬زر قبر الولي واد ُع هللا ُت َجبْ دعو ُتك ‪ ،‬زر قبر الولي ‪ ،‬واسأله كذا يكشف‬
‫ضرك ‪.‬‬

‫الجواب ‪ :‬والعياذ باهلل ‪ ،‬يرون أن من لم َي ُز ر قبر الولي ‪ ،‬فال دين له ‪ ،‬ويذبحون عند قبره ‪ ،‬فيصرفون له خالص حق هللا ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الشرك األكبر ‪ ،‬والذنب الذي ال يغفر ‪.‬‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬يقول السائل ‪ :‬ما حكم من نوى ذبح بعير إذا تماثل للشفاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ُ‬
‫شفيت – إن شاء هللا – سأذبح بعيرا ؟ هل‬
‫باإلمكان أن يوزع قيمته على المساكين ؟‪ ‬‬

‫الجواب ‪ :‬هذا نذر ‪ ،‬واألصل أن النذر ال يصلح ‪ ،‬ألن النبي – صلى هللا عليه وسلم – نهى عن النذر ‪ ،‬وقال ‪ « :‬إنه ال َي ُر ّد شيئا ‪،‬‬
‫وإنما يُسْ َت ْخ َرج به من البخيل » (‪ . ) 22‬فكأن الناذر يقول ‪ :‬لن أتصدق هلل بصدقة إال إن شفاني ‪ ،‬فكأنها‪ A‬مُعاوضة ‪ ،‬وهذا كله جهل ‪،‬‬
‫فالنذر ال يغير من الواقع شيئا ‪ ،‬والقدر ماض ‪ ،‬نذرت ‪ ،‬أو لم تنذر ‪ ،‬لكن إذا تلبَّست بالنذر ‪ ،‬وجب عليك أن توفي به ‪ ،‬لقوله – صلى‬
‫هللا عليه وسلم – ‪َ « :‬من ن َذر أن يطيع هللا فليُطعه » ( ‪ . ) 23‬فاذبح هذا الجمل ‪ ،‬ووزعه على الفقراء والمساكين ‪ ،‬وال تأكل أنت ‪،‬‬
‫وال أهل بيتك منه ‪ ،‬إال إن كنت مشترطا ‪.‬‬

‫السؤال الرابع ‪ :‬هذا سائل يقول ‪ :‬صفة الهرولة هلل – تعالى – هل هي ثابتة ؟ وجزاكم هللا خيرا ‪ .‬‬

‫الجواب ‪ :‬جاء في الحديث ‪ « :‬يقول هللا – تعالى – أنا عند ظن عبدي بي ‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرني ‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ‪ ،‬ذكرته في‬
‫نفسي ‪ ،‬وإن ذكرني في مإل ‪ ،‬ذكرته في مإل خير منهم ‪ ،‬وإن تقرب إلي شبرا ‪ ،‬تقربت إليه ذراعا ‪ ،‬وإن تقرب إلي ذراعا ‪ ،‬تقربت‬
‫إليه باعا ‪ ،‬وإن أتاني يمشي ‪ ،‬أتيته هرولة » ( ‪ . ) 24‬وهذه الهرولة صفة من صفات أفعاله – سبحانه وتعالى – التي يجب علينا‬
‫اإليمان بها ‪ ،‬من غير تكييف ‪ ،‬وال تمثيل ‪ ،‬ألنه أخبر بها عن نفسه ‪ ،‬وهو أعلم بنفسه ‪ ،‬فوجب علينا قبولها ‪ ،‬بدون تكييف ‪ ،‬ألن‬
‫ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ٌء َوه َُو ال َّسمِي ُع ْالبَصِ ي ُر ﴾ [سورة‬
‫التكييف قول على هللا بغير علم ‪ ،‬وهو حرام ‪ ،‬وبدون تمثيل ‪ ،‬ألن هللا يقول ﴿ لَي َ‬
‫الشورى ‪ :‬اآلية ‪. ]11‬‬

‫السؤال الخامس ‪ :‬يقول السائل ‪ :‬هناك أناس من المسلمين يعبدون القبور ‪ ،‬وهم ال يعلمون بحرمة ذلك ‪ ،‬فهل يعذرون بجهلهم ؟‪ ‬‬

‫الجواب ‪ :‬يقول هللا – تبارك وتعالى – ﴿ َوأُوح َِي إِلَيَّ َه َذا القُرْ آنُ ألُنذ َِر ُكم ِب ِه َو َمن َبلَغَ ﴾ [سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪ ]19‬فمن بلغه القرآن ‪،‬‬
‫فقد قامت‪ A‬حجة هللا عليه ‪ ،‬فالعابدون لغير هللا نعاملهم في الدنيا بالظاهر ‪ ،‬ونقول ‪ :‬من عبد غير هللا فهو كافر ‪ ،‬وإن ادعى اإلسالم من‬
‫عبد غير هللا ‪ ،‬كأن يصلي لغير هللا ‪ ،‬أو يدعو غير هللا ‪ ،‬أو ينذر لغير هللا ‪ ،‬أو يذبح لغير هللا ‪ ،‬أو يطلب الشفاعة من األولياء ‪ ،‬فهذا‬
‫كله شرك أكبر ‪ ،‬وذنب ال يغفر ‪ ،‬لكن إن كان في مجتمع جاهلي ‪ ،‬غاب الحق عنه ‪ ،‬فهذا أمره إلى هللا ‪ ،‬لكن في الدنيا نعاملهم‬
‫بالظاهر ‪ ،‬وأمر اآلخرة علمه عند هللا – جل وعال – والواجب على الجميع الدعوة لتوحيد هللا ‪ ،‬ونصيحة هؤالء ‪ ،‬وتخويفهم من هللا ‪،‬‬
‫وتذكيرهم بأنهم خلقوا ليعبدوا هللا وحده ‪ ،‬ال ليعبدوا غيره ‪.‬‬

‫*********************************************************************************************************‬
‫*****************‬

‫( ‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ، 1/12‬رقم ‪ ، )9‬ومسلم (‪ ، 1/63‬رقم ‪. )35‬‬

‫( ‪ )2‬إعالم الموقعين ‪. 1/221‬‬

‫( ‪ )3‬أخرجه البخاري (‪ ، 6/2497‬رقم ‪ ، )6425‬ومسلم (‪ ، 1/77‬رقم ‪. )57‬‬

‫( ‪ )4‬مجموع الفتاوى ‪. 11-4/9‬‬

‫( ‪ )5‬أخرجه أحمد (‪ ، 3/472‬رقم ‪ ، )15915‬ومسلم (‪ ، 1/53‬رقم ‪. )23‬‬

‫( ‪ )6‬ومسلم (‪ ، 1/36‬رقم ‪. )8‬‬

‫( ‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ، 6/2655‬رقم ‪. )6851‬‬

‫( ‪ )8‬أخرجه أحمد (‪ ، 3/177‬رقم ‪ ، )12837‬والبخاري (‪ ، 1/14‬رقم ‪ ، )15‬ومسلم (‪ ، 1/67‬رقم ‪. )44‬‬

‫( ‪ )9‬أخرجه أحمد (‪ ، 4/208‬رقم ‪ ، )17869‬والبخاري (‪ ، 3/1410‬رقم ‪ ، )3674‬ومسلم (‪ ، 1/149‬رقم ‪. )164‬‬

‫( ‪ )10‬أخرجه أحمد (‪ ، 1/382‬رقم ‪ ، )3624‬والبخاري (‪ ، 3/1174‬رقم ‪ ، )3036‬ومسلم (‪ ، 4/2036‬رقم ‪. )2643‬‬

‫( ‪ )11‬أخرجه البخاري (‪ ، 1/203‬رقم ‪ ، )530‬ومسلم (‪ ، 1/439‬رقم ‪. )632‬‬

‫( ‪ )12‬تفسير ابن كثير ‪. 4/437‬‬


‫( ‪ )13‬أخرجه البخاري (‪ ، 1/76‬رقم ‪ ، )174‬ومسلم (‪ ، 1/460‬رقم ‪. )649‬‬
‫وحنِي ُنها ‪ .‬أي أن كثرة ما فيها من المالئكة قد أثقلها حتى ّ‬
‫أطت ‪ .‬وهذا َم َثل‬ ‫ُ‬
‫وأطيط اإلبل ‪ :‬أصْ َوا ُتها َ‬ ‫ُ‬
‫األطيط ‪ :‬صوت األقتاب ‪،‬‬ ‫( ‪)14‬‬
‫وإيذان بكثرة المالئكة ‪ .‬النهاية ‪ :‬أطط ‪.‬‬

‫( ‪ )15‬أخرجه ابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير ‪ ، )2/397‬وأبو الشيخ (‪ ، 3/986‬رقم ‪ ، )509‬وابن أبي عاصم في اآلحاد‬
‫والمثاني (‪ ، 1/422‬رقم ‪ ، )597‬والطبراني (‪ ، 3/201‬رقم ‪ ، )3122‬وابن نصر في تعظيم قدر الصالة (‪ ، 1/258‬رقم ‪، )250‬‬
‫وأبو نعيم في الحلية (‪ . )2/217‬وصححه األلباني في الصحيحة ‪. 852‬‬

‫( ‪ )16‬أخرجه البخاري (‪ 1/270‬رقم ‪ ، )747‬ومسلم (‪ ، 1/307‬رقم ‪. )410‬‬

‫( ‪ )17‬أخرجه أحمد (‪ ، 5/101‬رقم ‪ ، )21001‬ومسلم (‪ ، 1/322‬رقم ‪. )430‬‬

‫( ‪ )18‬ال ُغرْ ل – بضم الغين المعجمة‪ ، A‬وإسكان الراء – معناه غير مختونين ‪ ،‬جمع أغرل ‪ ،‬وهو الذي لم يختن ‪ ،‬وبقيت معه ُغرلته ‪،‬‬
‫وهي قلفته ‪ ،‬وهى الجلدة التي تقطع في الختان ‪ .‬شرح النووي على مسلم ‪. 17/193‬‬

‫( ‪ )19‬أخرجه مسلم (‪ ، 4/2044‬رقم ‪. )2653‬‬

‫( ‪ )20‬أخرجه أحمد (‪ ، 1/129‬رقم ‪ ، )1067‬والبخاري (‪ ، 1/458‬رقم ‪ ، )1296‬ومسلم (‪ ، 4/2039‬رقم ‪. )2647‬‬

‫( ‪ )21‬أخرجه البخاري (‪ ، 3/1282‬رقم ‪ ، )3288‬ومسلم (‪ ، 3/1315‬رقم ‪. )1688‬‬

‫( ‪ )22‬أخرجه البخاري (‪ ، 6/2463‬رقم ‪ ، )6314‬ومسلم (‪ ، 3/1261‬رقم ‪. )1639‬‬

‫( ‪ )23‬أخرجه أحمد (‪ ، 6/36‬رقم ‪ ، )24121‬والبخاري (‪ ، 6/2464‬رقم ‪. )6322‬‬

‫( ‪ )24‬أخرجه البخاري (‪ ، 6/2741‬رقم ‪ ، )7098‬ومسلم (‪ ، 4/2067‬رقم ‪. )2675‬‬

‫‪——————————————————————————  ‬‬

‫فضيلة الشيخ االستاذ الدكتور ‪:‬أحمد بن علي سير مباركي‬

‫‪ --‬للدكتور ‪ :‬أحمد سير مباركي‬

‫رابط الموضوع ‪http://www.assakina.com/mohadrat/16524.html#ixzz3RA8lLfUZ :‬‬

‫إعداد ‪ /‬أحمد بن نصر الدين رسول عيدروس عيدروس‬

‫إشراف ‪ /‬د‪ /‬حامد بن سالم عايض الحربي ‪.‬‬

‫السنة ‪1423 /‬هــ‬

‫(قسم التربية اإلسالمية بكلية التربية جامعة‪ A‬أم القرى‬

‫هدفت هذه الدراسة إلى توضيح عقيدة أهل السنة والجماعة في باب القضاء‬
‫والقدر ‪،‬وأدلتها من الكتاب والسنة ‪ ،‬واإلجماع والقياس واألدلة العقلية إن‬
‫وجدت ‪ ،‬واآلثار التربوية لإليمان بالقدر على كل من الجانب العقدي ‪،‬‬
‫والجانب العملي ‪ ،‬والجانب النفسي ‪ ،‬والجانب االجتماعي ‪ ،‬والجانب األخالقي‬
‫‪.‬‬

‫منهج الدراسة ‪/‬‬

‫استخدم الباحث المنهج االستنباطي ‪.‬‬

‫نتائج الدراسة ‪:‬‬

‫‪ -‬أن عقيدة القضاء والقدر على فهم أهل السنة والجماعة هي المتوافقة مع الفطرة السليمة والعقل الصحيح ‪.‬‬

‫‪-‬إن دراسة عقيدة القضاء والقدر بالمنهج الصحيح هو الطريق الوحيد إلى فهمها‪ A‬بالصورة السليمة ‪.‬‬

‫‪-‬أن مسألة القضاء والقدر من أصعب أبواب العقيدة ‪.‬‬

‫‪-‬أن األدلة على القضاء والقدر متوافرة ‪.‬‬

‫‪-‬أن اإليمان بالقضاء والقدر يثمر تصحيح االعتقاد في ذات هللا وفي أسمائه وصفاته ‪.‬‬

‫‪-‬أن اإليمان بالقضاء والقدر ينمي الجوانب العملية عند المسلم ‪.‬‬

‫‪-‬أن اإليمان بالقدر يحقق الترابط االجتماعي ويقويه ‪.‬‬

‫‪ -‬أن اإليمان بالقدر يسمو بأخالق المسلم إلى أرفع المقامات‪. A‬‬

‫(رســـــــــــــالة ماجستير )‬

‫االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية‬


‫إعداد ‪ /‬يحي بن حسن بن أحمد الجعفري‬

‫إشراف ‪ /‬أ‪ .‬د ‪ /‬محمود بن محمد بن عبد هللا كسناوي ‪.‬‬

‫السنة ‪1420 /‬هــ‬

‫(قسم التربية اإلسالمية بكلية التربية جامعة‪ A‬أم القرى‬

‫يهدف الباحث من دراسته هذه إلى ‪:‬‬

‫‪-‬توضيح مفهوم االنفتاح العقلي من منظور إسالمي ‪.‬‬

‫‪-‬بيان أهمية االنفتاح العقلي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ‪.‬‬

‫‪-‬بيان األسس التي يقوم عليها االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪-‬بيان بعض المظاهر التي تدل على االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪-‬بيان ضوابط االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪-‬إبراز التزام بعض المربين والمسلمين باالنفتاح العقلي ‪.‬‬

‫‪-‬وضع تصور مقترح لألساليب التربوية التي تساعد على االنفتاح العقلي في التربية والتعليم ‪.‬‬

‫منهج الدراسة ‪/‬‬

‫الوصفي التحليلي ‪ ،‬والطريقة االستنباطية واستخراج أهمية االنفتاح العقلي في ضوء الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫نتائج الدراسة ‪/‬‬

‫‪-‬أن العقل خلقه هللا ليقوم بوظيفته التي خصه بها وفي الحدود التي حدها الشرع ‪.‬‬
‫‪-‬أهمية االنفتاح العقلي في ضوء القرآن والسنة تتمثل في ‪( :‬أنه يحقق‬
‫للمسلمين بناء مجتمع متميز وأنه وسيلة للرقي العلمي والحضاري ‪ ،‬وأنه سبيل‬
‫لبناء العادات الحسنة والتحرر من التعصب والجمود )‬

‫‪-‬أن األسس التي يقوم عليها االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية هي ‪:‬‬
‫(اإليمان باهلل ‪ ،‬واألمانة العلمية ‪،‬والتواضع والشعور بالمسئولية ‪ ،‬وتعلم‬
‫وتوظيف اللغات األجنبية ) ‪.‬‬

‫‪-‬أن من ضوابط االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية ما يلي ‪:‬‬

‫‪-‬ما يتعلق بالشخص الذي يتصف بهذه الصفة (أن يكون صاحب عقيدة صحيحة ومنهج واضح راسخ) ‪.‬‬

‫‪-‬ما يتعلق بالشيء أو المادة المراد تقبلها (موافقتها لألصول اإلسالمية وتحقيق المصلحة والمنفعة للمسلمين)‬

‫المصدر ‪ :‬منتدى شباب شارع الهواشم‪http://alkawy.board-idea.com/t2930-topic#ixzz3RAASYPKO :‬‬

‫ثر العقيدة في المجتمع‬

‫‪  ‬دعوة الحق‬

‫‪ 75‬العدد‬

‫يعيش عالم اليوم في حيرة كبرى‪ ،‬تتفق في ذلك شعوب الحضارة والتقدم والشعوب التي ما تزال تنشد طريقها‪ ،‬ومع أنهم جميعا‬
‫يشعرون بهذه الحيرة ويشتكون منها فإنهم ال يحاولون أبدا اتخاذ السبل الالئقة لتجلية أسبابها والبحث عنها بل إنهم يخلطون المظاهر‬
‫باألسباب‪ ،‬والعواقب التي تنتج عنها بما يكونها‪.‬‬

‫وهنا في المغرب حينما تلتقي بأي فرد من المواطنين يواجهك بشتى الشكايات‪ A‬من الحالة التي يعيش عليها هو وزمالؤه‪ ،‬ومن الوضع‬
‫العام في البالد‪ ،‬والمصائب الدينية والدنيوية التي تتوالى عليها‪ ،‬فإذا سألته هل فكر قنيال في مصادر هذه المصائب ووسائل عالجها‪،‬‬
‫وجدته حائرا مضطربا‪ ،‬يذكر لك عواقب الداء وكأنه أسباب‪ ،‬ويبحث في غير المجتمع الذي يشتكي من حيرته عن العالج الذي ربما‬
‫كان داء هو اآلخر أو عواقب داء في مجتمع آخر ال يقل حيرة عن بالدنا‪.‬‬

‫والقادة الذين ينتظر منهم أن يأخذوا بيد األمة ويسيروا بها في سبيل البحث عن الحقيقة‪ ،‬وتعليمها طرق التفكير التي توصلها إلى‬
‫اكتشاف جرثومة الداء حتى تستطيع أن تبحث لها عن العالج النافع‪ ،‬هؤالء القادة يفرون من الواقع إلى السياسة‪ A،‬إلى األشغال بأساليب‬
‫من شأنها أن تضاعف المصيبة وتزيد في حيرة الشعب‪ ،‬وفي تشككه في كل الذين يثق بهم أو يرجو من إتباعهم خالصا‪.‬‬

‫فما هي إذن األسباب التي دفعت الجميع إلى هذه الحيرة ؟ وما هي الوسائل المخرجة منها ؟‬
‫ربما كان في مستطاعي أن أرضيكم بالجوانب السريع‪ ،‬فأردد ما يقال عادة في مثل هذا المقام‪ ،‬أي يجب أن نثور على الواقع‪ ،‬وان‬
‫نتحرك لتغيير ما بنا‪.‬‬

‫ولكنني لن أزيد على إتباع خطة أولئك الذين يفرون من الحقيقة مهاجرين إلى عالم السياسة‪ ،‬وتوجيه الجمهور لتأييدهم من أجل تغيير‬
‫حكومة بأخرى أو نظام بآخر‪.‬‬
‫إنني حينذاك سأكون من الذين يعملون على تغليط السائرين في أول نقطة لبداية المسير‪ ،‬والذين يبدأون السير من نقطة الغلط‬
‫سيصلون مخطئين للطريق وال يمكن أن يصلوا إلى شاطئ السالمة‪ A‬الذي ينشدونه‪.‬‬

‫قبل أن نرفع يجب أن نرى الموقع الذي سنطأه‪ ،‬والي أين نريد أن نسير‪.‬‬
‫وهذه الغاية التي تضعها أمامنا هل يمكن أن تكون أساس الفكر أم نتيجة ؟ الشك أن الغاية إنما هي نهاية يضعها المرء أو المجتمع‬
‫للخطوات التي يريد أن يخطوها ؟ ولكن الباحث الذي يحرك لتشدان تلك الغاية هو الذي يجب أن يكون أساس نظرته البعيدة وتفكيره‬
‫في تحقيقها‪.‬‬
‫فالغاية نتيجة النجاح للعمل الذي نبذله‪.‬‬
‫والعمل ليس إال ثمرة للفكرة التي نتصورها‪.‬‬
‫والفكرة ال تصبح باعثا دافعا للعمل إال إذا أصبحت موضع اقتناع منا ويقين في قيمتها‪ ،‬أي إال إذا أصبحت عقيدة لنا‪.‬‬

‫فالعمل إذن ال يتصور مجديا ومؤديا للغاية إال إذا كان ناتجا هن عقيدة راسخة في النفس‪ ،‬نحس بها إلى درجة انكشاف الطريق التي‬
‫تحذونا للسير فيه والغاية التي تريد منا الوصول إليها‪.‬‬

‫وهكذا تمتزج في الواقع العقيدة بالغاية وتصبحان شيئا واحدا ال يتميزان في الذهن إال بما تخللها من العمل الذي البد منه لجمع الزمان‬
‫في يوم االتحاد الكامل بينهما‪.‬‬

‫ولكن العقيدة هي قبل كل شيء تجربة شخصية لكل فرد‪ .‬ومن العبث أن نحاول فصل اإللهام الذاتي عن النظرية التي تصبح جزءا ال‬
‫يتجزأ من الشخص‪  .‬‬
‫وإذا كانت مظاهر الحضارة التي يعيشها اإلنسان اليوم ال تترك له المجال لكي يخلو إلى قلبه ويفكر مستلهما‪ A‬روأه‪ ،‬ومتبصرا فيما‬
‫حوله‪ ،‬فيكتفي بتلقف ملخصات الصحف أو ما يسمعه من ثرثاري السياسة أو يقرأه في كتب (الصاندويتش) فهل ينبغي لنا أن نقف‬
‫مكتوفي األيدي إزاء هذه الحتمية الموهومة من حتميات العصر الحاضر‪.‬‬

‫كال‪ ،‬إن مصلحتنا كأناس قبل كل شيء‪ ،‬نفرض علينا أن نتجه إلى بذل مجهود للتحرر من عالم القيود الحديثة‪ ،‬إلى ميدان الثقافة‬
‫العلمية التي تجعلنا نبحث عن طريق التجربة الخارجية والداخلية على السواء‪.‬‬

‫لقد أصبحت قوة الفرد مكبوثة في عالم كل ما تملكه فيه أن تكون جزءا من جمعية أو من حزب أو من طائفة معينة‪ ،‬يجب علينا أن‬
‫نمتثل ما يصدر إلينا منها وما يفكر به مجموعها‪.‬‬

‫ولقد صدق الذين قالوا أن الديموقراطية عدوة الرأي العام‪ ،‬ألن هذا الرأي يعتمد في الواقع على الشهرة واإلشاعة‪ ،‬ويضيع في ذلك‬
‫روح االقتناع التي لن تكون إال نتيجة البحث والنظر‪ ،‬أي تجربة العقل والعلم‪.‬‬

‫ولقد أدرك ماركس الحقيقة حينما قال ‪ :‬ال ثورة بدون نظرية‪ ،‬وإذا أردنا أن نترجم هذه الجملة إلى لغة عادية يمكن أن تقول ‪ :‬أنه ال‬
‫حركة بدون عقيدة‪.‬‬

‫وهذه حقيقة يمكن أن تجلبها لنا التواريخ في سيرها‪ ،‬فما من دين أو مذهب‪ ،‬ما من ثورة أو انطالقة مهمة إال وكان مصدرها التطور‬
‫السياسي في فكر القائمين بها أو الداعين إليها أي عقيدة آمن بها أولئك الثائرين وكانوا من حوارييها‪.‬‬

‫ويكفي أن تأخذ من ذلك مثال‪ ،‬ثورة الرسول محمد (ص) التي بدلت وجه التاريخ وحررت العوالم من عبودية عقلية واجتماعية‬
‫مزمنة‪ ،‬وسمت باإلنسان إلى درجات علية‪ ،‬هل كانت إال ثمرة وحي تنزل على قلب محمد األمين‪ ،‬فآمن به وصدقه قبل أن يتقدم‬
‫ليدعو الناس إليه ويصدقوه ؟‪.‬‬

‫فماذا كانت نتيجة هذه العقيدة التي جاء بها محمد والتي آمن بها هو فأرسلته يهدي الناس ويحررهم ؟‪.‬‬
‫لست بحاجة ألن أطنب في نتائج هذه الدعوة‪ ،‬فاإلسالم المنتشر قي القارات الدنيوية من آثارها‪ ،‬والحضارة اإلسالمية من ثمارها‪،‬‬
‫والمعرفة اإلسالمية كذلك من منبعها‪.‬‬
‫ولكن ماذا كان أثر هذه العقيدة عل المجتمع الذي اعتنقها ؟‬
‫لقد أينا العرب الذين كانوا يقودون الشاء والبعير‪ ،‬ويتقاتلون على النقير والقطمير ويئدون البنات خوفا من العار‪ ،‬ويعبدون الحجارة‬
‫والصور‪ ،‬ويخضعون الرستوقراطية تجارية تعيش من النخالة ومن الربا‪ ،‬وأرقاهم ال يتعدى حدود التبعية لكسرى أو لقيصر‪ ،‬هؤالء‬
‫العرب تحولوا نهائيا من حالتهم‪ ،‬بعد العقيدة اإلسالمية‪ ،‬فأصبحوا سادة الدنيا‪ ،‬وهداة األرض‪ ،‬حرروا أنفسهم من األصنام‪ ،‬ونسائهم‬
‫من الوأد‪ ،‬وأمتهم من الطغيان ‪ ،‬وانسابوا في األرض يهدون الشعوب ويعلمون األمم‪ ،‬ويبنون الحضارات‪ ،‬وينظمون المعرفة‪.‬‬
‫إن الذين ينشرون الحيرة في أوساطنا اليوم‪ ،‬بهجرتهم إلى عالم السياسة يغفلون عن التذكير بتراثنا العقائدي‪ ،‬ويكتفون بالتوجه نحو‬
‫العالم الجديد الذي يتقدم خطى فسيحة إلى األمام باسم الديموقراطية الرأسمالية أو االشتراكية العلمية‪.‬‬

‫إننا ال نجهل الجهود التي بذلتها شعوب أوربا وأمريكا من جهة‪ ،‬وروسيا والصين من جهة أخرى‪ ،‬وإذا كان في ذلك من علم نستفيده‬
‫فهو أن بين الرأسمالية والشيوعية ما بين متعارضين متناقضين‪ ،‬ومع ذلك فإن هذه الشعوب سارت من طرق مختلفة لغاية واحدة‪،‬‬
‫نتيجة لشيء مهما اختلف فهو منجد وهو اإليمان بالقيم التي توجه كل طائفة واالعتقاد في المنهج الذي وضعوه ألنفسهم‪.‬‬

‫فأوربا الغربية وجدت في القومية عقيدتها التي ساقتها إلى التحرر من سيطرة االكليروس وبنت ديموقراطية فردية تقوم على وحدة‬
‫األمة وتضامنها في حقوقها وواجباتها‪ .‬‬

‫وأمريكا وجدت كذلك في عقيدة التحرر من السيطرة األجنبية‪ ،‬وحق الشعب في مراقبة نفقات الدولة‪ ،‬ما حررها من سيطرة االنكليز‬
‫وما دفعها لبناء مجتمع رأسمالي ولكنه متحضر وقوي‪.‬‬

‫وروسيا وجدت في عقيدة االشتراكية العلمية ما حررها من سيطرة القياصرة ودفعها‪ A‬إلى بناء مجتمع قائم على الشغل والتضامن في‬
‫البناء‪.‬‬

‫أما الصين التي ظلت زمنا طويال تحت عبء الفيودالية وسيطرة البراطرة حتى كادت أن تقع طعمة سائغة في فم الذين أرادوا تقسيمها‬
‫من مستعمري الشرق والغرب‪ ،‬فقد هبت من نومتها واعتقدت في االشتراكية العلمية كما فهمتها‪ A‬هي‪ ،‬فانطلقت تبني نفسها‪ ،‬وتضع ما‬
‫عجز تاريخها كله عن فعله‪ ،‬أي توحيد األمة الصينية في اتجاه واحد مبني على عقيدة واحدة‪.‬‬

‫إن هذه الشعوب كلها انبثقت من حضارات عظيمة ال يمكن إنكار ما صنعته في التاريخ‪ ،‬ومن ديانات أو فلسفات ال يمكن تجاهل‬
‫آثارها في رفع مستواها في التاريخ‪ ،‬وإخراجها من الطور البدائي إلى عهد أرقى بما فيه من مادة ومن روح‪.‬‬

‫ولكن ظروف التطور التي طرأت عليها في مختلف عصورها جعلت طائفة منها وهي دول أروبا الغربية والشرقية تدخل في تجربة‬
‫خطيرة هي رباط الجامعة البابوية أو األرثوذكسية‪ ،‬فأصبحت‪ A‬بحكم طبيعة األشياء‪ ،‬مستعبدة لتحكم إكليروسي وفيودالية مستندة عليه‪،‬‬
‫وطبعا فإن ذلك استوجب جمودا فكريا في وسط المستعبدين من ذلك النظام من قسي ورهبان وحكام وإشراف‪ ،‬فتبلورت فكرة التمرد‬
‫على هذه األوضاع السيئة في فكرة القومية‪ ،‬التي تعني توحيد الوطن وتحريره من الخضوع لسلطة الكنيسة العليا‪ ،‬وتبعا لذلك إلى‬
‫حركة اإلصالح الديني التي رمت إلى الرجوع لمصدر الديانة‪ ،‬في بريطانيا وألمانيا والتمرد على الكنيسة مع االحتفاظ بالمسيحية‬
‫التقليدية كما هي‪ ،‬وتبعا لذلك إلى فصل السلطتين الدينية والدنيوية عن بعضها كما وقع في فرنسا‪.‬‬
‫ولست بحاجة ألن أسجل ظروف الصراع الذي قام من أجل تحقيق هذه األهداف بين رجال الكنيسة والفيودالية من جهة وبين الشعب‬
‫والقادة من جهة أخرى‪ ،‬ألن ذلك ما هو معروف للجميع‪ ،‬ألنه التاريخ الذي يعلم في مدارسنا قبل تاريخنا‪.‬‬

‫وهذا الصراع ضد الكنيسة هو الذي تجول في األسلوب الماركسي إلى صراع ضد من حيث هو‪ ،‬وهو الذي تبنته روسيا في سبيل‬
‫تحرير الشعب الروسي من سيطرة القياصرة وآباء الكنيسة األرثوذوكسية الجامدة‪.‬‬

‫أما في الصين فالجمود الذي صاحب الفهماء‪ A‬الصينيين طيلة تاريخهم والناتج عن صوفية إنسانية اختلطت بها حكمة كونفشيوس مع‬
‫فدادية بوذا أوقع في الشعب خمودا استغلته طبقة ذكية تماألت على امتالك األرض واستعباد الفالحين فكانت عقيدة العدالة االجتماعية‬
‫التي أقرها الدكتور سن‪ ،‬والتي انبثقت تلقائيا من رد الفعل المتعقل عنده ضد الفيودالية الصينية‪ ،‬خميرة االشتراكية العلمية التي علمت‬
‫الثورة الصينية األخيرة‪ ،‬وهكذا كان بالنسبة للصين‪ ،‬كماركس بالنسبة لالشتراكيين األوربيين‪ ،‬وأصبح «ماوتشي تونغ» بمثابة لينين‬
‫عند الروس‪.‬‬

‫فالعبرة إذن هي في أن الجمود وعدم الحركة يقتالن العقيدة ويجعالنها تبرز في صورة أخرى‪ ،‬لعقيدة مستجدة لرسل جدد‪.‬‬

‫أما اإلسالم كحركة ثقافية فهو يرفض مبدئيا كل رأي جامد للكون ويومن برؤية حركية (ديناميكية) فعقيدته ليست مجرد رؤيا شعرية‬
‫تقف أمام غوامض الكون موقف الشاعر الذي يبحث في عاطفته عن الجانب السحري الذي يغرقه في أحدية مع المرأى دون أن يفكر‬
‫في مصيره أو مصير الكون الذي يريد أن يستمد منه‪ ،‬وليست مجرد فلسفة تتسم بطابع الفرد الذي يتفلسف بها وقد يسبح ممتطيا‬
‫صهوتها في عماء ال يتميز فيه السلب من اإليجاب ؟ ولكنها تنتقل نفسها من إطار الفرد إلى إطار الجماعة ألنها تخرق حدود الفرد‬
‫وتوسع ميدان مطالبه‪ ،‬وتضعه أمام مرآة يبتصر بها الواقع نفسه‪ ،‬وهي لذلك تضفي على المعتقد لها المطبق ألوامرها قوة تقتلع بها‬
‫جذور أخالقه وأخالق مجتمعه لتضع مكانها ما تؤثره هي من أخالق ومن صفات‪.‬‬

‫ليست العقيدة اإلسالمية انعكاسا‪ A‬ألحوال المجتمع‪ ،‬ولكنها حركية لتغيير المجتمع وكل مجتمع ليس على صورتها ليصطبغ بالصيغة‬
‫التي تعكسها العقيدة عليه فهي حينما أعلنها الرسول‪ ،‬في الوسط العربي المتسم بسمة الجاهلية العربية لم تنتظر من ذلك الشعب‪A‬‬
‫الصحراوي الساذج البعيد عن مظاهر الحضارة الراقية وعروق الثقافة اإلنسانية‪ ،‬أن يتطور تدريجيا ليصل إلى الدرجة التي يمكنه أن‬
‫يتمتع بالحقوق الذي أعطته أو يقوم بالواجبات التي فرضت عليه‪.‬‬

‫لم يكن في العرب من يطلب من الحاكمين أن يحترموه فضال عن أن يستشيروه في أمور الدولة ال يعملون شيئا بدونه‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫رفعهم اإلسالم في الحين حتى أصبحوا «وأمرهم شورى بينهم» وهكذا في كل شؤون العدل وفي كل ضروب اإلحسان‪.‬‬

‫وإذا كان المجتمع العربي قد تحول حتى أعطى رجال مثل عمر ابن الخطاب الذي ال مثيل له في الحاكمين وآخر مثل عمر ابن عبد‬
‫العزيز وغيرهما من أبطال الحكم والسياسة والمعرفة‪ .‬فقد أبت طبيعة األشياء إال أن ينبثق من هذا المجتمع نفسه من يقومون برد فعل‬
‫يعتبر (ضد ثورة) ويأخذ بالمسلمين وجهة غير الوجهة التي أرادتها العقيدة ورسولها‪.‬‬

‫وليس ذلك بدعا من اإلنسان‪ ،‬فقدا اعتاد أن ينحرف عن الفطرة زمنا ثم يهتدي بوساطة مرشدية إلى الحق وإلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫ولكن العقيدة اإلسالمية ظلت المتحكمة مع ذلك في توجيه معتنقيها وظلت وحدها الضمان إلزالة االنحراف والعودة إلى الطريق‪ ،‬ألنها‬
‫لم تعتمد على العاطفة وحدها ولكن على العقل أيضا‪ ،‬فهي تحيا بقدر ما يعود للعقل مكانه في المجتمع‪ ،‬وبقدر ما يميل الناس للتفكير‬
‫والبحث عن إدراك الحقيقة والثورة واالنحراف والتصرفات‪ A‬المختلفة‪ ،‬ليست في نظر اإلسالم إال تجربة إنسانية يدخل فيها الفرد كما‬
‫تدخل فيها الجماعة ولكنها سرعان ما تبرز تناقضاتها بنفسها للعقل الذي يحاول ردها ألقوم السبيل‪ ،‬ولكنه ال يفعل إال أن يمهد البعث‬
‫للعقيدة التي تعود للمجتمع الذي آمن بها لتقوم معه بنفس الدور األول الذي قامت به يوم خالطت بشاشتها قلبه‪( ،‬ما خلقكم وال بعثكم إال‬
‫كنفس واحدة)‪.‬‬

‫نعود إلى المجتمعات‪ A‬الغربية والشرقية التي جلينا سبيلها‪ ،‬لقد وصلت أوربا وأمريكا‪ ،‬وها هي ذي الصين في طريقهما إلى أعلى‬
‫درجة في الحضارة‪ ،‬إلى أعلى مقام في العلم‪ ،‬وفي تسخير الكون والطبيعة لها‪ ،‬وإلى حياة أحسن والسيما من جهة المادة‪ ،‬ولكن هل‬
‫يمكن ألحد أن يؤكد سالمة‪ A‬هذه المجتمعات‪ A‬الراقية على اختالف مناهجها وعقائدها‪ ،‬رأسمالية أو اشتراكية من تناقضات‪ A‬المجتمعات‪A‬‬
‫المنحلة السابقة ؟ لقد أصبح االستبداد عالمة الحكم في هذه الديار حتى التي تسمي نفسها بالديموقراطيات‪ ،‬ولقد أصبح أصدق وصف‬
‫يمكن أن يقال لهذه األمم أنها حكومات بوليسية‪ ،‬وال غرابة ألن الرفاهية المادية والنمو االقتصادي لم يواكبا في الوقت نفسه اإليمان‬
‫بعقيدة ترتفع إلى أعلى لتبتصر الواقع من غير حجاب‪.‬‬

‫وستكون جامدين‪ ،‬إذا غضضنا الطرف عن هذه الحقائق التي ال يكتم أحد من أبناء هذه الدول وقوعها‪ ،‬والجحود ال يساعدنا على‬
‫تحقيق مفاهم األوضاع التي نريد مواجهتها‪.‬‬

‫لن يصل بنا حب النهوض وإدراك المكانة التي بلغتها الدول األوربية إلى كبث تفتحنا العقلي الذي ال يمكن أن يتسم بمجرد التجديد في‬
‫التقليد أو إتباع أساليب الغرب دون أن تسمح ألنفسنا بمقارنتها بما نحب أن نكونه لو عرفنا ثراتنا الثقافي والحضاري‪ ،‬وأمكن لعقيدتنا‬
‫اإلسالمية أن تؤثر في مجتمعنا أثرها الذي يقلب األوضاع ويصير الحديد ذهبا‪.‬‬

‫لن نحب أن نقع في األغالط التي وقع فيها أسالفنا يوم اتصلوا بالفلسفة اليونانية فحسبوا أنها حقائق يمكن أن تسند عقيدتهم ولكنها‬
‫شغلتهم عن تفهم الحقائق القرآنية‪ ،‬ولقد صدق إقبال حين قال ‪« :‬إن دراسة عميقة للقرآن ولمختلف المدارس الكالمية الناشئة تحت‬
‫تأثير التعاليم اإلغريقية‪ ،‬تكشف لنا عن شيء غريب وهو أن الفلسفة اليونانية وسعت إلى حد كبير آفاق نظرة المفكرين المسلمين‪،‬‬
‫ولكنها جعلت فهمهم‪ A‬للقرآن مبهما‪ .‬فسقراط قصر اهتمامه على عالم اإلنسان‪ ،‬ألنه يعتقد أن أحسن دراسة تليق باإلنسان هي المتعلقة‬
‫باإلنسان‪ ،‬وال يريد أن يهتم بعالم النبات والحشرات والنجوم‪ ،‬ولكن القرآن ينبهنا إلى عوالم كثيرة‪ ،‬كالنحلة التي تتلقى من وحي هللا‪،‬‬
‫والرياح المسخرات بأمره‪ ،‬والنجوم والكواكب التي تسبح في عالم ال نهائي‪ ،‬وأفالطون يرى أن الحواس ال قيمة لها‪ ،‬وأن العبرة إنما‬
‫بالفكر‪ ،‬ولكن القرآن يرى أن العين والسمع لهما قيمة كبرى ويجب أن يسخرا للعمل في سبيل الخير ألنهما سيحاسبان على ما اتجها‬
‫لرؤيته أو سماعه‪.‬‬

‫لقد ضيع الطلبة المسلمون كل هذا في دراستهم األولى‪ ،‬مكتفين بمناقشة المنطق الصوري اليوناني‪».‬‬
‫وحقا أن هذه المالحظة من إقبال‪ ،‬ترشدنا لنرى اليوم ماذا تضيع بعدم دراستنا للقرآن وعوامله التي يرشد إليها‪ ،‬حينما نكتفي بتحليل‬
‫ديكارت أو تجميع ماركس أو هجرة سارتر الوجودية‪.‬‬

‫لقد احتفظ أسالفنا بالعقيدة وأسندوها بدراسة اإلنسان فحسب‪ ،‬ولكننا نحن نضيع اإلنسان ونضيع العقيدة‪ ،‬ألننا نتهافت‪ A‬على تبني آراء‬
‫وعقائد ال يتاح لنا الوقت حتى لتحليلها أو ربما حتى إلى فهمها على الوجه المطلوب‪.‬‬
‫إن القرآن يفتح لنا آفاق النظر والوعي باالتصال الموالي باإلاله وبالكون ومن هما نستوحي مرة أخرى عقيدتنا التي تدفعنا إلى العمل‬
‫البناء المثمر في غير تفريق بين المادي والروح‪.‬‬
‫ولكننا نجد أنفسنا أمام عوالم متراكمة من التأويالت المختلفة وحتى من الخرافات أحيانا‪ ،‬ألن تصورنا المظلمة قد ضيعت أكثر من‬
‫الحقائق وبلبلت في معرفتنا كثيرا من المفاهيم‪ ،‬وإزاء الكسل العقلي الذي يهمنا في هذا الوقت‪ ،‬نرفض التعمق والدرس وتنتقل إلى‬
‫كتابات جديدة أوضح وأقرب لترضية كبريائنا الذي يأبى االعتراف بعدم الفهم أو القدرة على تعميق األشياء‪ ،‬وهكذا عوضا عن‬
‫دراسة تراثنا الذي تضطر أحيانا للقيام بحفريات عنه‪ ،‬نكتفي بدراسة ما يكتبه آخر المشهورين في الغرب لنقنع أنفسنا أننا أصبحنا من‬
‫الثائرين الذين يقفزون بسرعة إلى آخر طراز الفكر واألدب‪.‬‬

‫هل يكفينا هذا النوع من المعرفة السريعة ؟ وهل يرفعنا هذا التشبيه بالغرب الناهض لمستواه ؟‪.‬‬
‫إني أشك في ذلك‪ ،‬وأعتقد أنه لن يؤدي بنا إال إلى تضييع عصور كثيرة في التقاط فتأتت الموائد األجنبية‪ ،‬والمساهمة في خدمة الفكر‬
‫الغربي الذي لن يكون فكرنا ولن يعترف لنا بمقام الصدارة فيه‪.‬‬

‫هنالك فرق بين أن نأخذ من الغرب كل ما نستطيع من علم وحكمة وتقنية لندعم بها تراثنا وعقيدتنا مع االحتفاظ بثقافتنا الخاصة‬
‫وعقيدتنا التي هي كياننا وبين أن نكفر بأنفسنا ونحاول التحول إلى غربيين ولن نستطيع‪.‬‬

‫لو كان في اإلسالم ما يمنعنا من النهوض أو يحول بيننا وبين المعرفة‪ ،‬أو يعرقل تقدمنا لتحقيق عدالة اجتماعية‪ ،‬فيها استغالل اإلنسان‬
‫ألخيه اإلنسان‪ ،‬ويتم بها إتاحة الفرص للجميع‪ ،‬لو كان شيء من ذلك موجودا في اإلسالم لكان لنا عذر في البحث عن عالجات من‬
‫غير صيدليته‪ ،‬أما هو يفتح لنا كل اآلفاق الموجودة عند غيره والتي ال توجد إال عنده‪ ،‬فكيف تسمح ألنفسنا بعدم فهمه‪ A‬واالستجابة‬
‫لندائه؟‬
‫أبرز ما يجب أن يبعدنا عن التيارات المعاصرة‪ ،‬أنها إذا اعتنت بالروح أهملت المادة‪ ،‬وإذا اعتنت بالمادة أهملت الروح‪ ،‬ونحن ال‬
‫نعتقد انه يمكننا أن نحيا بأجسامنا‪ A‬فحسب‪ A،‬وال نتصور أن نتحرك في هذا العالم بروحنا ولذلك لن نطمئن إال إذا سددنا جوعة الروح‬
‫والعقل إلى جانب جوعة الجسد‪ ،‬وهذا ما ال نجده إال في منبع العقيدة اإلسالمية التي آمنا بها‪.‬‬

‫وفي هذه العقيدة إذا تفهمناها ما يدفعنا إلى البحث عن الهامات‪ A‬ذاتية تكشف لنا كما كشفت ألسالفنا طرق التقدم إلى األمام لبناء عالم‬
‫أفضل يتفق وروحانيتنا وحاجاتنا الوقتية‪.‬‬

‫إن مجتمعنا‪ A‬يشكو من البلبلة ومن الفوضى في شؤونه‪ ،‬كما يشكو من عدم المساواة في فرص الكسب‪ A،‬وذلك ما يستوجب إعادة النظر‬
‫في أنظمة حياتنا وفي وسائل معاشنا‪ A،‬وفي إعادة توزيع الثروة عن طريق العمل المتاح للكل وهذا كله ال يتأتى إال إذا آمنا بوجودنا‬
‫وحققنا ذاتيتنا اإلسالمية عن طريق تفهمنا للتعاليم واقتناعنا بها‪ .‬ألن أحدا غيرنا ال يستطيع أن ينقدنا من آفات االنحطاط ويصعد بنا‬
‫إلى درجات الرقي والتقدم‪ .‬‬

‫والشباب الذي يتطلع اليوم ليقوم بدوره في حياة الوطن‪ ،‬والذي ال يمكن أن يقع شيء في هذا البلد بدونه‪ ،‬النه عماد العمل والبناء‪،‬‬
‫يجب أن يتجه إلى النبع الذي يستقي منه العقيدة الحق إلى ثقافة اإلسالم التي تفتح آفاق ذهنه لتصور الواقع وتصديقه‪ ،‬حتى ال يبقى في‬
‫جو يظهر فيه التمرد بمظهر الثورة والتقليد الجديد بمظهر التطور‪.‬‬

‫لقد قطع الغرب أشواطا أوقعته زمنا في عالم الالشيئة أو العدمية ألنه كان يرى في ذلك سبيال إلى ابتكار األدب وإرغام الفكرة على‬
‫البروز‪ ،‬ولكنه اليوم عاد يرقب من بعيد‪ ،‬تلك الحقائق التي غابت عنه‪ ،‬واخذ يشتاق إلى معرفة الواقع‪ ،‬ليتحقق بوجود نفسه‪ ،‬لقد آثر‬
‫التصويف‪ ،‬وهو يعود اليوم إلى التصوف‪ ،‬وكفر بالغيب ولكنه استبدله بالغموض‪ ،‬أما اليوم فهو ينشد الوضوح ويتطلب االقتناع وال‬
‫يجد إليه سبيال‪.‬‬

‫تجارب إنسانية نعيشها ليس من حقنا أن نتغاضى عنها‪ ،‬وتكرر لألحداث التي نشأت من قبل‪ ،‬ليس من حقنا أن ال نربطه بأسبابه‪،‬‬
‫تجددات وقعت في العالم‪ ،‬وتقدم كبير في شتى الميادين وصعود إلى األعلى‪ ،‬ولكن العالم مع ذلك يبحث عن المصير؟‪.‬‬
‫تساؤالت توجه إلى العلماء هل تريدون تخريب العالم ؟ وأخرى ترد من قبلهم احذروا فناء األقوات ؟‬
‫وجاهلية تنادي‪ ،‬ستزدحم األرض بالسكان فال تجدون ألنفسكم مقرا‪.‬‬
‫جهود لحصر النسل‪ ،‬وأخرى إلفناء الموجود ؟‬
‫ونحن في غفلة عن هذا الجانب من الحضارة المادية التي ال تزيد على أن تكرر إرجافات الجاهلية األولى‪.‬‬
‫ونحن مع ذلك كله في بداية السير في بعثنا الجديد ؟‬
‫عالم نرمي بأنفسنا في أحضان الهاوية التي يحفرها هؤالء الذين بلغوا من الحضارة درجة أسأمتهم الحياة وأيأستهم من الوجود ؟‪ ‬‬
‫عالم ال نتلمس األرض قبل أن نضع أقدامنا ؟‬
‫ليس من الضروري أن نتخلى عن سالحنا ونحن ندخل في عالم الكفاح‪ ،‬عالم ال حياة فيه لمن ال يملك سالحا‪.‬‬
‫سالحنا هي العقيدة‪ ،‬هي إيماننا بثرائنا اإلسالمي‪ ،‬وبصالحيته لمساعدتنا في هذه الرحلة التي نريدها لالستفادة من معرفة غيرنا‬
‫وتجاربه‪ ،‬سالح إذا حافظنا عليه‪ ،‬فستدخل كل‪  ‬الميادين ونخرج منها سالمين غانمين‪ ،‬وسيكون أثرها قويا في دفعنا للعمل لتغيير‬
‫مجتمعنا إلى مجتمع إسالمي متحضر كامل الوعي‪.‬‬

‫انواع عرض الموضوع‬ ‫أدوات الموضوع‬


‫‪ ‬‬

‫‪Ads by Radio CanyonAd Options‬‬

‫‪ 14-05-1431‬هـ‪04:09 ,‬‬
‫‪#1  ‬‬
‫مسا ً‪A‬ء‬

‫أثر العقيده االسالميه في الفرد والمجتمع‬ ‫ريناد العنزي‬

‫لم يكن للغذاء الروحي المتمثل في العقيدة االسالميه أثر سلبي كما هو الحال في بعض العقائد‬
‫االخرى ‪ ،‬وإنما هو ثورة عارمه على كل خلق يخالف الفطرة ويناقضها ‪ ،‬وقوة هائله للفرد‬
‫المسلم والمته ‪ ،‬حتى يكون اتجاه كل فرد وجماعه إلى االسالم ‪ ،‬واالنقياد الوامره واالستالم‬ ‫عضوة جديدة‬
‫لقضائه وإرساء قواعده والعمل على شرحه وإيضاحه‪.‬‬
‫ولما كانت طاعه هللا والتقرب إليه وعبادته وابتغاء مرضاته هي هدف العقيده االسالميه‬ ‫‪ ‬‬
‫ومنهجها‪,‬فإن لهذه الغايه نتائج واثار هي اسمى غايه لالنسان في حياته وهي‬
‫تاريخ التسجيل‪1431-05-05 :‬‬
‫أوال ‪:‬أثر العقيده االسالميه في الفرد ‪:‬‬
‫هـ‬
‫‪- 1‬تضع االنسان في موضعه الصحيح فتنير له دربه في الحياه ايسلك سبيل الحق والرشاد‬
‫‪- 2‬تشعر الفرد بكرامته ومنزلته ومكانته من اله سبحانه الذي ميزه عن سائر المخلوقات‬ ‫المشاركات‪5 :‬‬
‫‪- 3‬تشعر المؤمن بالطمأنينه القلبيه والسكينه النفسيه وراحه البال‬
‫‪ - 4‬إن صله المؤمن باهلل تعم جميع طاقات االنسان وقواه وتمألبالخير والبر‬

‫ثانيأ‪:‬أثر العقيده االسالميه فيالمجتمع‬


‫‪- 1‬تكوين أمه قويه متماسكه فقد وحدت العقيده االسالميه بين المسلمين جمعت شتاتهم‬
‫وربطت بين أفرادهم بدون نسب والصله‬
‫‪-2‬كان لها أبلغ االثر في رفع المستوى االجتماعي والحضاري‬
‫‪- 3‬ان العقيده االسالميه كانت وماتزال مصدرخير وفالح وسعاده لالممالتي رعتها حق‬
‫رعايتها واتبعت هداها‬

‫الكاتبه منى محمد العنزي‬

‫‪ ‬آثار العقيدة اإلسالمية في النفس البشرية‬

‫آثار العقيدة في النفس‪:‬‬


‫‪ - 1‬تربية النفس وتوجيهها نحو المثل العليا‪ :‬وهذا األثر هو نتيجة المعرفة بأصول هذه العقيدة وأركانها‪ ،‬فالمعرفة‪ A‬باهلل تعالى من‬
‫شأنها أن تربي في النفس ملكة المراقبة هلل سبحانه وتعالى وإخالص العبودية له‪ ،‬والتحرر من كل والء لغيره‪ ،‬ولعل فاتحة الكتاب‬
‫ك َنسْ َتعِينُ " الفاتحة‪ ، 5:‬فعبودية اإلنسان لربه تحرِّ ره من عبوديته‬ ‫َّاك َنعْ ُب ُد َوإِيَّا َ‬
‫التي نرددها في صلواتنا كل يوم‪ ،‬تأكيد لهذا المعنى‪":‬إِي َ‬
‫للعباد‪ ،‬وعبوديته للدنيا بما فيها من ترغيب وترهيب‪ ،‬والمعرفة بالمالئكة تدعو إلى التشبه بطاعتهم هلل‪ ،‬والتعاون على الحق والخير‬
‫والوعي الكامل واليقظة التامة‪ ،‬فال يصدر من اإلنسان إال ما هو خير وال يتصرف إال لهدف أسمى‪ ،‬وكذلك الحال في كل ركن من‬
‫أركان العقيدة‪ ،‬بل في كل جزئية من كل ركن‪.‬‬
‫اس َك َمنْ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ال‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْشِ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ور‬‫ن‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫حْ‬‫َ‬ ‫أ‬‫ف‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ْت‬
‫ي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ان‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫نْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪":‬أ‬ ‫هللا‬ ‫يقول‬ ‫اآلثار‪،‬‬ ‫‪ - 2‬إحياء القلب وطمأنينة النفس‪ :‬وهو من أهم‬
‫ين َما َكا ُنوا َيعْ َملُ َ‬ ‫ار ٍج ِم ْن َها َك َذل َِك ُزي َِّن ل ِْل َكاف ِِر َ‬ ‫ت َلي َ‬ ‫َم َثلُ ُه فِي ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬
‫ون" األنعام‪ .122:‬فهذا المثل يضربه هللا تعالى للمؤمن الذي كان‬ ‫ْس ِب َخ ِ‬
‫ميتا ً في الضاللة‪ ،‬هالكاً‪ ،‬حائراً‪ ،‬فأحيا هللا قلبه باإليمان‪ ،‬وهداه‪ ،‬ووفقه إلتباع رسله‪.‬‬
‫فالعقيدة تمأل نفس المؤمن طمأنينة وسكينة‪ ،‬حتى إذا اطمأن قلبه‪ ،‬وسكنت نفسه‪ ،‬شعر براحة البال‪ ،‬فال يتسرب إليه جزع‪ ،‬وال يعرف‬
‫ِين آ َم ُنوا َو َت ْط َمئِنُّ قُلُو ُب ُه ْم ِب ِذ ْك ِر هَّللا ِ أَال ِب ِذ ْك ِر هَّللا ِ َت ْط َمئِنُّ ْالقُلُوبُ " الرعد‪ ،28:‬ومن هذا المنطلق‬ ‫اليأس إلى قلبه سبيالً‪ .‬قال هللا تعالى‪":‬الَّذ َ‬
‫يرضى المؤمن بقضاء هللا وقدره‪ ،‬فال يجزع إن مسه الشر‪ ،‬وال يمنع إن مسه الخير‪ ،‬وال يندم على ما فات‪ .‬ألنه يعلم أنه ال راد‬
‫لقضاء هللا‪ ،‬وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول هللا تعالى‪":‬لِ َكيْال َتأْ َس ْوا َعلَى َما َفا َت ُك ْم َوال‬
‫ور" الحديد‪ .23:‬ويقول رسول هللا محمد صلى هللا عليه وسلم‪":‬عجبا ً ألمر المؤمن إن‬ ‫ال َف ُخ ٍ‬ ‫َت ْف َرحُوا ِب َما آ َتا ُك ْم َوهَّللا ُ ال ُيحِبُّ ُك َّل م ُْخ َت ٍ‬
‫أمره كله له خير‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"‪" ".‬‬
‫والمسلم الذي استقرت العقيدة في أعماقه‪ A‬ال يقلق ألسباب منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬عدم وجود أسئلة في الكون تحيِّره‪ :‬فهو يعلم أن هللا واحد‪ ،‬وأن هذا الكون كله من خلق هللا عز وجل‪،‬قال تعالى‪َ ":‬ذ ِل ُك ُم هَّللا ُ َر ُّب ُك ْم ال‬
‫إِلَ َه إِاَّل ه َُو َخال ُِق ُك ِّل َشيْ ءٍ" األنعام‪ ، 102:‬وهو يعلم أن اإلنسان قبضة من طين ونفخة من روح‪،‬خلقه رب العالمين بيديه‪ ،‬وبدأ رحلته‬
‫من الجنة ونزل إلى األرض‪،‬وأن له طريقا مستقيما توصله إلى منازله األولى‪ ،‬وهذه األسئلة التي حيرت الفالسفة والمفكرين أخبره‬
‫عنها ربه‪ ،‬فأراحه وطمأنه من مصدر موثوق صادق يجيب له عن جميع استفساراته‪.‬‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ان إِ َما َس َعى َوأنَّ َسعْ َي ُه َس ْو َ‬ ‫اَّل‬ ‫إْل‬
‫ْس ِل ِ ْن َس ِ‬ ‫تعالى‪":‬وأَنْ لَي َ‬
‫َ‬ ‫‪ - 2‬إنه يعلم أن هذه الدنيا ليست النهاية‪ ،‬والجزاء ليس في هذه األرض قال‬
‫ي َُرى ُث َّم يُجْ َزاهُ ْال َج َزا َء اأْل َ ْو َفى" النجم‪ ، 41-39:‬فما فاته في الدنيا سيعوض عليه في اآلخرة‪ ،‬والحياة الدنيا بالنسبة لآلخرة كساعة من‬
‫نهار‪ .‬قال تعالى‪":‬أَ َرضِ ي ُت ْم ِب ْال َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا م َِن اآْل خ َِر ِة َف َما َم َتا ُع ْال َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا فِي اآْل خ َِر ِة إِاَّل َقلِيلٌ" التوبة‪ .38:‬وهذا كله يسكب الطمأنينة في‬
‫قلبه‪ ،‬والسعادة في أعماقه‪ A،‬وهذا يجعله يترفع على الصغائر وسفاسف القول والعمل‪ ،‬ويهتم بما عظم من األمور‪.‬‬
‫وهذا ير ِّب ي عنده التضحية والبذل‪ ،‬حتى أنه ليبذل روحه في سبيل هللا طمعا فيما هو أكبر من النفس واألرض وهو الجنة‪ ،‬ولعلك تذكر‬
‫معي ما قاله خالد بن الوليد رضي هللا عنه لملك الروم‪":‬جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة"‪ .‬وهذه التربية اإلسالمية العالمية‬
‫هي التي جعلت المرأة من بني عبد الدار عندما أخبرت باستشهاد زوجها وأخيها وأبيها تقول‪:‬ماذا صنع رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم؟فقالوا‪:‬هو بخير‪..‬قالت‪":‬كل مصيبة بعدك يا رسول هللا جلل" أي هينة‪.‬‬
‫وهذه العقيدة هي التي ربَّت أمينة قطب‪-‬الكاتبة اإلسالمية المعاصرة شقيقة المرحوم األستاذ سيد قطب‪ ،‬هذه المرأة التي تقدم لخطبتها‬
‫أمير فرفضت‪ ،‬وتقدم سفير فأبت‪ ،‬وآثرت أن تخطب أحد المحكومين باألشغال الشاقة المؤبدة سنة ‪1963‬م‪ ،‬وانتظرته عشر سنوات‪-‬‬
‫أطول خطبة في التاريخ كما نظن‪-‬وفي عام ‪1973‬م خرج زوجها من السجن وتزوَّ جت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫س أَنْ َتمُوتَ إِاَّل ِبإِذ ِن ِ ِك َتابا م َُؤجَّ ال َو َمنْ ي ُِر ْد ث َو َ‬
‫اب ال ُّدن َيا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ان لِ َن ْف ٍ‬
‫مقدر‪":‬و َما َك َ‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬أنه مطمئن‪ ،‬أل َّنه يعلم أنَّ الرزق محدود‪ ،‬واألجل‬
‫ُون"‪ .‬واالطمئنان إلى أنَّ كل شيء‬ ‫وعد َ‬ ‫"وفِي ال َّس َما ِء ِر ْزقُ ُك ْم َو َما ُت َ‬ ‫ين"‪َ ،‬‬ ‫اب اآْل خ َِر ِة ُن ْؤ ِت ِه ِم ْن َها َو َس َنجْ ِزي ال َّشاك ِِر َ‬ ‫ُن ْؤ ِت ِه ِم ْن َها َو َمنْ ي ُِر ْد َث َو َ‬
‫فيه هذا الكون بقدر‪ ،‬وأنَّ هللا عز وجل وراء كل حدث‪ ،‬وفوق كل نفس وهو"فعال لما يريد‪ ،‬وغالب على أمره‪ ،‬وال معقب لحكمه‪،‬‬
‫وإليه يرجع األمر كله‪ ،‬وهلل خزائن السموات واألرض‪ ،‬يعز من يشاء ويذل يشاء"‪ .‬وهذا االعتقاد يجعل اإلنسان أعز من على‬
‫ان ي ُِري ُد ْالع َِّز َة َفلِلَّ ِه ْالع َِّزةُ َجمِيعاً" وهذا االعتقاد هو الذي أخرج أمثال ابن‬ ‫ِين" المنافقون‪َ "،8:‬منْ َك َ‬ ‫األرض‪".‬وهَّلِل ِ ْالع َِّزةُ َول َِرسُولِ ِه َول ِْلم ُْؤ ِمن َ‬
‫َ‬
‫تيمية الذي تحدى حكام زمنه‪-‬الذين زجوا به في سجن القلعة‪ -‬قائال‪":‬ماذا تصنعون بي؟إنَّ قتلي شهادة‪ A،‬وإنَّ سجني خلوة‪ ،‬وإنَّ نفيي‬
‫سياحة"‪.‬‬
‫ولهذه العقيدة أبناء بررة في كل زمان‪ ،‬فالشيخ العز بن عبد السالم ير ُّد على رسول الملك الصالح إسماعيل الذي رجاه أن يعتذر‬
‫للسلطان ويقبل يده حتى يعيد إليه مناصب القضاء فيقول‪":‬وهللا لو قبل يدي ما قبلت‪ ،‬يا قوم أنتم في واد ونحن في واد الحمد هلل الذي‬
‫عافاني مما ابتالكم به"‪.‬‬
‫وفي هذا العصر األستاذ سيد قطب الذي كانت تعرض عليه مناصب الدنيا من وراء القضبان‪ ،‬ولكنه آثر الزنزانة على البريق الخادع‬
‫والألالء الكاذب وكان يقول‪":‬إنَّ أصبع السبابة التي تشهد هلل بالوحدانية في الصالة لترفض أن تكتب حرفا واحدا تقر به طاغية"‪.‬وكان‬
‫يقول‪":‬لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق‪ ،‬وإن كنت محكوما بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل"‪.‬‬
‫‪ -3‬قوة العزم والشجاعة واإلقدام‪:‬‬
‫من ثمار هذه العقيدة إ َّن ها تبعث في نفس المسلم قوة العزم والثبات‪ ،‬وتحرره من سيطرة الغير‪ ،‬لعلمه أن هللا تعالى معه‪ ،‬ومن كان هللا‬
‫معه فال يهون وال يحزن وال يضعف‪ .‬فهذه العقيدة تغرس قناعات أكيدة في أن الضار والنافع والمحيي والمميت هو هللا تعالى‪ ،‬وبذلك‬
‫فهي تحرر اإلنسان من الخرافات واألوهام‪ ،‬وتمنعه عن كل ما فيه استعانة بغير هللا تعالى ولجوءه إلى سواه‪ ،‬لدرجة أنَّ هذه االستعانة‬
‫ُتعّد شركا ً باهلل‪ .‬وفي تأكيد هذا المعنى جاءت وصيته رسول هللا صلى هللا عليه وسلم البن عباس رضي هللا عنهما حيث قال‪":‬يا‬
‫غالم‪:‬أني أعلمك كلمات‪ ،‬احفظ هللا يحفظك‪ ،‬احفظ هللا تجده تجاهك‪ ،‬تعرف إلى هللا في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬إذا سألت فاسأل هللا‪،‬‬
‫وإذا استعنت فاستعن باهلل"‪ " ".‬كما أنَّ هذه العقيدة تبعث في النفس روح الشجاعة واإلقدام‪ ،‬واستصغار الموت والرغبة في االستشهاد‪A‬‬
‫طاعة هلل‪ ،‬وانتصاراً لدينه‪ ،‬وإعالء لكلمته‪ ،‬ألن هذه العقيدة تؤكد أن األجل محدود وهو بيد هللا‪ ،‬وإنَّ اإلنسان ال يموت إال إذا انتهى‬
‫س أَنْ َتمُوتَ‬ ‫ان ِل َن ْف ٍ‬ ‫أجله‪ ،‬وأنه ال أحد يستطيع أن يسلب منه حياته‪ ،‬ولهذا فإن الجبن ال يطيل عمراً‪ ،‬والشجاعة ال تقصر أجالً َ‬
‫‪":‬و َما َك َ‬
‫إِاَّل ِبإِ ْذ ِن هَّللا ِ ِك َتابا ً م َُؤجَّ الً"‪.‬‬
‫‪ -4‬االطمئنان على الرزق‪:‬‬
‫من آثار العقيدة اإلسالمية أنها تطمئن المسلم على رزقه‪ ،‬فهو بيد هللا وقد تكفل به‪ ،‬وما على المسلم إال أن يسعى في طلب تحصيله‬
‫ين" هود‪ .6:‬ولما كان‬ ‫ض إِاَّل َعلَى هَّللا ِ ِر ْزقُ َها َو َيعْ لَ ُم مُسْ َت َقرَّ َها َومُسْ َت ْو َد َع َها ُك ٌّل فِي ِك َتا ٍ‬
‫ب م ُِب ٍ‬ ‫المشروعة‪":‬و َما مِنْ دَ ا َّب ٍة فِي اأْل َرْ ِ‬
‫َ‬ ‫بالطرق‬
‫اإلنسان شديد الحرص على الرزق‪ ،‬لكونه مفطوراً على حب المال وجمعه‪ ،‬فقد أقسم هللا تعالى بذاته أن هذا الرزق مضمون الشك‬
‫ون" وبهذا تتحرر النفس من‬ ‫ض إِ َّن ُه لَ َح ٌّق م ِْث َل َما أَ َّن ُك ْم َت ْنطِ قُ َ‬ ‫ُون َف َو َربِّ ال َّس َما ِء َواأْل َرْ ِ‬
‫وعد َ‬ ‫تعالى‪":‬وفِي ال َّس َما ِء ِر ْزقُ ُك ْم َو َما ُت َ‬
‫َ‬ ‫فيه‪ ،‬فيقول هللا‬
‫رذيلة البخل والشح والذل لغير هللا تعالى‪.‬‬
‫إنَّ استقرار هذه العقيدة في أعماق النفس يجعلها عزيزة فال تذل‪ ،‬تقف أمام كل قوى األرض‪ ،‬ال ترهب سلطانا وال تستجدي أمام‬
‫صولة الملك وإغراء المال‪ ،‬هذه العقيدة ترفع صاحبها من أوحال األرض ومستنقع الطين‪ ،‬فيقف في المرتقى السامي ينظر إلى‬
‫األرض من علو مع التواضع‪ ،‬وبالعزة مع المحبة والتضامن‪ ،‬دون استطالة وال بغي على الناس‪ ،‬يود لو يرفعهم إلى هذا المستوى‬
‫الذي رفعه هللا إليه‪ .‬بهذه العقيدة أضحى الرعيل األول من الصحب الكرام يعيشون بحسهم وأرواحهم في اآلخرة‪ ،‬مع أن أجسادهم تدبُّ‬
‫على هذه األرض‪ ،‬هم يتحركون فوق هذه المعمورة‪ ،‬مع أنَّ أنظارهم مشدودة بقوة إلى الجنة‪ ،‬إلى الحساب‪ .‬وحسبنا في هذا الشأن أن‬
‫نأخذ مثال واحدا‪ ،‬ولكنه يدل كيف كان ذلك الرهط الكريم يفكر ويعيش ويتحرك‪.‬‬
‫ودعنا‪-‬لنرى كيف نحيا بهذه العقيدة‪ -‬نستمع إلى اإلمام أحمد وقد دخل عليه رجل فقال‪:‬عظني يا إمام‪ ،‬فقال له‪:‬إن كان هللا قد تكفل‬
‫بالرزق فاهتمامك لماذا؟ وإن كانت النار حقا فالمعصية لماذا؟ وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنية لماذا؟ وإن كان الحساب حقا ً فالجمع‬
‫لماذا؟ وإن كان كل شيء بقضاء هللا وقدره فالخوف لماذا؟ وإن كان سؤال منكر ونكير حقا ً فاألنس لماذا؟ فخرج الرجل من عند‬
‫اإلمام‪ ،‬وعاهد نفسه أن يرضى بقضاء هللا وقدره‪.‬‬
‫يهز في النفس موقف الشيخ سعيد الحلبي أمام الوالي التركي إبراهيم باشا صاحب الجاه والسلطان‪ ،‬عندما دخل الوالي إبراهيم‬ ‫وكم ٌّ‬
‫المسجد بقى الشيخ سعيد جالسا مادا رجله‪ ،‬وأقبل الناس جميعا يحيون ويصافحون الوالي‪ ،‬ووقف إبراهيم باشا طويال أمام الشيخ سعيد‬ ‫ً‬
‫الذي لم يقبض رجله‪ ،‬وسار وهو يغلي غيظا وقد استشاط غضبا‪ ،‬فأخذ صرة من النقود وقال لحاجبه‪:‬ادفعها‪ A‬للشيخ‪ ،‬فعندما‪ A‬وضعت في‬
‫حجر الشيخ سعيد قال للحاجب‪":‬قل لسيدك‪:‬إنَّ الذي يم ُّد رجلَه ال يم ُّد يده"‪،‬أل َّنه أكبر من أن يأخذ شيئا ً من الدنيا‪ ،‬ولذلك ليس في فمه‬
‫ماء إذا رأى الخطأ قال‪:‬خطأ وال يبالي؛ أل َّنه لن يخسر شيئاً‪" ".‬‬
‫‪ -5‬العزة والتواضع‪:‬‬
‫مثلما تبعث العقيدة اإلسالمية في النفس قوة العزم والشجاعة واإلقدام‪ ،‬فإ َّنها‪ A‬تبعث فيها أيضا ً شعوراً متأججاً‪ A‬بالعزة المستمدة من هللا‬
‫ُون"المنافقون‪ ،8:‬فهذه العزة هي التي أطلقت لسان الشاعر المسلم خبيب‬ ‫ِين ال َيعْ لَم َ‬ ‫تعالى‪":‬وهَّلِل ِ ْالع َِّزةُ َول َِرسُولِ ِه َول ِْلم ُْؤ ِمن َ‬
‫ِين َولَكِنَّ ْال ُم َنافِق َ‬ ‫َ‬
‫بن عدي‪:‬‬
‫ولست أبالي حين أُق َت ُل مسلما ً على أي جنب كان في هللا مصرعي‬
‫وفي المقابل فإن هذه العقيدة تحفز النفس إلى التواضع وخفض الجناح والرحمة‪ ،‬فمن صفات المسلم إ َّنه يجمع بين العزة والتواضع‪،‬‬
‫َ‬ ‫وبين الشدة على أعداء هللا والرحمة بالمسلمين‪":‬م َُح َّم ٌد َرسُو ُل هَّللا ِ َوالَّذ َ‬
‫ار ر َُح َما ُء َب ْي َن ُه ْم" الفتح‪.29:‬‬ ‫ِين َم َع ُه أشِ دَّا ُء َعلَى ْال ُك َّف ِ‬

‫‪- 6‬االستقامة والمسؤولية‬


‫ومن آثار العقيدة اإلسالمية أ َّن ها توقظ القلب‪ ،‬وتحيي الشعور‪ ،‬وتدفع بالنفس إلى السير في الطريق الذي رسمه هللا‪ ،‬واالستقامة عليه‪.‬‬
‫فاالستقامة‪ A‬هي جوهر اإلسالم‪ ،‬واألمر المطلوب من كل مسلم‪ .‬لذلك أمر هللا نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم فقال‪َ ":‬فاسْ َتقِ ْم َك َما أُمِرْ تَ‬
‫ون بَصِ يرٌ" هود‪ ،121:‬كما أنَّ العقيدة اإلسالمية تكسب النفس إحساساً‪ A‬بالمسؤولية والواجب‬ ‫ك َوال َت ْطغَ ْوا إِ َّن ُه ِب َما َتعْ َملُ َ‬ ‫َو َمنْ َت َ‬
‫اب َم َع َ‬
‫المطلوب‪ ،‬أل َّنها تعرِّ ف اإلنسان بدوره ووظيفته في الحياة كمستخلف وصاحب رسالة‪ ،‬وبذلك يكون المسلم مستقيما ً في سلوكه قائما ً‬
‫بمسؤولياته‪.‬‬
‫رد مع اقتباس‬

‫‪ 2005-11-21, 13:05 #2‬‬

‫أ‪.‬د صالح الرقب‬

‫عـضـو‬

‫تاريخ التسجيل‬

‫‪2005 09‬‬

‫المشاركات‪A‬‬

‫‪440‬‬

‫رد ‪ :‬آثار العقيدة اإلسالمية في النفس البشرية‬

‫آثار العقيدة في المجتمع‪:‬‬


‫إذا أردنا أن نؤسس مجتمعا ً نظيفا ً‪ ،‬تسوده العدالة‪ ،‬وتحكمه الفضيلة‪ ،‬وتختفي منه الجريمة‪ ،‬وتظلله الطمأنينة‪ ،‬ويتعاون أفراده على كل‬
‫ما فيه خيره وصالحه‪ ،‬ينبغي أن نؤسسه على العقيدة اإلسالمية التي هي الدعامة األولى لبناء المجتمع‪ .‬وعلى هذا األساس ربى‬
‫رسول هللا محمد صلى هللا عليه وسلم أصحابه‪ ،‬فأوجد المجتمع الفاضل‪ ،‬وتكونت األمة اإلسالمية التي دانت لها الدنيا من مشرقها إلى‬
‫مغربها‪.‬‬
‫يقول األستاذ أبو الحسن الندوي‪":‬انحلت العقدة الكبرى‪ ،‬عقدة الشرك والكفر‪ ،‬فانحلت العقد كلها‪ ،‬وجاهدهم رسول هللا ص جهاده‬
‫األول‪ ،‬فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي‪ ،‬وانتصر اإلسالم على الجاهلية في المعركة األولى‪ ،‬فكان ال َّنصر حليفه في كل‬
‫معركة‪.‬نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم‪ ،‬فحال أمر هللا بينها وبين الشفاه المتلمظة واألكباد المتقدة‪ ،‬وكسرت دنان‬
‫ُون" المائدة‪،91:‬‬ ‫الخمر فسالت في سكك المدينة‪ .‬كلمة واحدة اجتثت عادة متأصلة في القوم ورثوها كابرا عن كابر" َف َه ْل أَ ْن ُت ْم ُم ْن َته َ‬
‫قالوا‪:‬انتهينا‪ ،‬انتهينا‪ ،‬بينما حاولت أمريكا أن تحرم الخمر‪ ،‬واستعملت جميع الوسائل المدنية الحاضرة كالمجالت والجرائد‬
‫والمحاضرات والصور والسينما لبيان مضارها‪ ،‬وأنفقت ما يزيد على "‪ "60‬ستين مليون دوالرا ضدها‪ ،‬وطبعت حوالي عشرة‬
‫باليين صفحة‪ ،‬وتحملت لتنفيذ القانون حوالي "‪ " 250‬مليون جنيها‪ ،‬وأعدمت ثالثمائة نفس‪ ،‬وسجنت ما يزيد على نصف مليون‪،‬‬
‫وصادرت من الممتلكات‪ A‬بجوالي أربعمائة مليون وأربعة باليين جنيه‪ ،‬ومع هذا لم يزد الشعب‪ A‬األمريكي إال معاقرة‪ A‬للخمرة‪ ،‬مما‬
‫اضطر الحكومة إلى إباحته سنة "‪ 1033‬م"‪.‬والسبب بسيط‪:‬إن التنفيذ لألوامر يكون ناتجا عن االعتقاد‪".‬‬
‫ومن أبرز آثار العقيدة اإلسالمية في حياة المجتمع ما يلي‪-:‬‬
‫‪1 -‬تنشئ مجتمعاً‪ A‬موحداً‪ :‬تقيم العقيدة مجتمعا ً على أسس ربانية واضحة ثابتة‪ ،‬وليس على أسس مادية آنية كالقومية واإلقليمية أو‬
‫المصلحة أو المنفعة المشتركة أو غيرها من الروابط؛ ألن هذه الروابط ال تصلح أساسا ً أن تكون دعائم يجتمع الناس عليها‪ .‬وسرُّ‬
‫توحيد العقيدة للمجتمع‪ ،‬إنها تقوم على التوحيد المطلق هلل في كل شيء‪ ،‬فالرب واحد‪ ،‬والرسالة واحدة‪ ،‬والقبلة واحدة‪ ،‬واللغة واحدة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألهداف واحدة‪ ،‬واآلمال واحدة‪ ،‬فالبد معها أن تكون األمة واحدة‪ .‬قال هللا تعالى‪":‬إِنَّ َه ِذ ِه أ َّم ُت ُك ْم أم ًَّة َوا ِح َد ًة َوأَ َنا َر ُّب ُك ْم َفاعْ ُبد ِ‬
‫ُون"‬
‫األنبياء‪ . 92:‬والتوحيد في االعتقاد يؤدي إلى تحقيق األخوة الحقة التي تنعدم معها كل صور األثرة والبغضاء ويحل محلها الحب‬
‫ون َّ‬
‫الز َكا َة‬ ‫ُون الصَّال َة َوي ُْؤ ُت َ‬ ‫ض َيأْ ُمر َ‬
‫ُون ِب ْال َمعْ رُوفِ َو َي ْن َه ْو َن َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ُيقِيم َ‬ ‫ض ُه ْم أَ ْولِ َيا ُء َبعْ ٍ‬
‫ات َبعْ ُ‬ ‫ون َو ْالم ُْؤ ِم َن ُ‬‫واإليثار‪":‬و ْالم ُْؤ ِم ُن َ‬
‫َ‬
‫ِك َس َيرْ َح ُم ُه ُم ُ إِنَّ َ َع ِزيز َحكِي ٌم" التوبة‪ .71:‬كما يؤدي التوحيد في االعتقاد إلى تجانس أفكار األفراد‬ ‫ٌ‬ ‫هَّللا‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُون َ َو َرسُول ُه أولئ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َويُطِ يع َ‬
‫ومشاعرهم‪ ،‬وبالتالي وحدتهم وتماسكهم‪ ،‬مما يجعلهم قوة متراصة متكاملة‪ .‬أما لو كان االعتقاد متعدداً‪ ،‬فإن أفراد المجتمع يتفرقون‬
‫أيدي سبأ‪ ،‬فتكون أفكارهم متباينة‪ ،‬ومشاعرهم متناحرة‪ ،‬ووالءتهم متضاربة‪ ،‬فيضعف حالهم وينتهي وجودهم‬
‫‪ -2‬تنشئ مجتمعا ً نظيفا متعاونا‪ :‬تنظم العقيدة حياة المجتمع الذي يقوم على أحكامها‪ A‬تنظيما ً شامالً‪ ،‬وتجعل منه مجتمعا ً نظيفا ً مستقيما ً‬
‫ال جريمة فيه وال انحراف‪ .‬فالعقيدة اإلسالمية تحث على اإلحسان والتقوى‪ ،‬وتنهى عن اإلساءة والعدوان‪ ،‬وتحبب إلى قلوب األفراد‬
‫فعل الخيرات والطاعات بالقول والعمل‪ ،‬فيكون مجتمعها‪ A‬هو مجتمع البر والتقوى واألمر بالمعروف‪ ،‬وليس مجتمع اإلثم والعدوان‬
‫ُون" آل عمران‪:‬‬ ‫ك ُه ُم ْال ُم ْفلِح َ‬ ‫ُون إِلَى ْال َخي ِْر َو َيأْ ُمر َ‬
‫ُون ِب ْال َمعْ رُوفِ َو َي ْن َه ْو َن َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َوأُولَ ِئ َ‬ ‫تعالى‪":‬و ْل َت ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُم ٌَّة َي ْدع َ‬
‫َ‬ ‫والمنكر‪ .‬قال هللا‬
‫‪ . 104‬وهو مجتمع نظيف ليس فيه من الزبد ما يطفو على وجهه‪ ،‬وال من األقذار والمشاكل ما يعكر صفوه‪ ،‬مجتمع ال ترفع فيه‬
‫قضية واحدة خالل عام كامل في زمن أبي بكر‪.‬‬
‫وحسبنا أنَّ هذا المجتمع وفي ظل عقيدة اإلسالم‪ ،‬وفي عهد خليفة عادل‪ ،‬هو عمر بن عبد العزيز استطاع أن يعيِّن لكل ضرير من‬
‫يقوده من وإلى بيته وحاجته‪ .‬وهذا ما لم يصل إليه مجتمع في الدنيا اليوم‪ .‬وحسبنا كذلك أنّ الصدقات تجمع في هذا المجتمع دون أن‬
‫يجد واليها يحيى بن سعيد على شمال إفريقيا‪ ،‬فقيراً أو محتاجاً‪ A،‬يمد يده ليأخذ منها‪ ،‬فيقرر الخليفة شراء األرقاء‪ A‬ويطلق أيديهم ويعيد‬
‫لهم حياتهم‪.‬‬
‫إنَّ هذه الميزات والخصائص التي يتصف بها مجتمع العقيدة النظيف المستقيم‪ ،‬تفتقر إليها المجتمعات‪ A‬األخرى‪ ،‬مجتمعات الغاب‪ A‬التي‬
‫يسودها المخلب والناب‪ ،‬فهي مجتمعات‪ A‬يسود فيها سوء التوزيع والكبت والحرمان‪ ،‬واإلرهاب والخوف والموت‪ ،‬واالنحالل النفسي‪،‬‬
‫والخلقي والقلق العصبي‪ ،‬والتوتر النفسي‪ ،‬والشذوذ الجنسي‪ ،‬إنها مجتمعات الجريمة المنظمة بكل ما تحمله من معنى‪.‬‬
‫وهو مجتمع متراص متضامن ال خلل فيه وال جيوب‪ ،‬فال يستطيع أي جسم غريب أن يتخلل فيه أو أن يعيث فسادا‪ ،‬ولقد حاول ملك‬
‫غسان أن يراود كعب بن مالك في أزمته التي وصفها القرآن‪":‬حتى إذا ضاقت‪ A‬عليهم األرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا‬
‫أال ملجأ من هللا إال إليه"التوبة‪.118:‬‬
‫‪3 -‬تبني مجتمعا ً عالمياً‪:‬‬
‫العقيدة اإلسالمية تبني مجتمعا ً عالميا ً‪ ،‬ألنها ليست مقصورة على أرض أو فئة من البشر‪ ،‬فهي في رسالتها ال يحدها زمان وال مكان‪،‬‬
‫وهي لكل األجناس واأللوان‪ ،‬مهما‪ A‬اختلفت ديارهم ولغاتهم‪ ،‬وقد استطاعت العقيدة أن تصهر شعوبا ً كثيرة وأمما ً شتى في مجتمع‬
‫‪".‬و َما أَرْ َس ْل َنا َ‬
‫ك إِاَّل‬ ‫ِين" األنبياء‪َ 107:‬‬ ‫واحدة‪".‬و َما أَرْ َس ْل َن َ‬
‫اك إِاَّل َرحْ َم ًة ل ِْل َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫عالمي له رب واحد‪ ،‬ودستور واحد‪ ،‬وقيادة واحدة‪ ،‬ولغة‬
‫ُون" سـبأ‪ . 28:‬والعقيدة اإلسالمية اليوم تستطيع أكثر من أية عقيدة أخرى أن توحِّ د‬ ‫اس بَشِ يراً َو َنذِيراً َولَكِنَّ أَ ْك َث َر ال َّن ِ‬
‫اس ال َيعْ لَم َ‬ ‫َكا َّف ً‪A‬ة لِل َّن ِ‬
‫كما وحدت‪ ،‬وأن تجمع كما جمعت‪ A،‬وأن تصلح كما أصلحت‪.‬‬

‫ئيسية » محاضرات علمية » أثر العقيدة في محاربة اإلرهاب واالنحراف الفكري‬

‫أثر العقيدة في محاربة اإلرهاب واالنحراف الفكري‬

‫‪ 15‬يوليو‪ 3,736 2013 ,‬مشاهدة‬

‫مقدمة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل‬
‫له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده وخليله ورسوله‪ ،‬أرسله ‪-‬جل وعال‪-‬‬
‫رحمة للعالمين‪ ،‬ف َبلَّغَ الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح لألمة‪ ،‬وجاهد في هللا حق جهاده‪ ،‬ترك َت ِر َك ًة عظيمة هي العلم باهلل ‪-‬جل وعال‪-‬‬
‫بمراد هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬شريعة سمحة‪ A‬ال آصار فيها وال أغالل‪ ،‬ال ظلم فيها وال عدوان‪ ،‬شريعة تدعو إلى الصالح واإلصالح‪،‬‬
‫وعمارة القلوب واألوطان بما يرضي هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬تركنا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬على محجة بيضاء ليلها كنهارها‪ ،‬ال يزيغ عنها‬
‫إال هالك‪ ،‬من أحسن السير عليها والتمسك بها‪ ،‬وأحل ما أحلته هذه الشريعة‪ ،‬وحرم ما حرمت‪ ،‬يبتغي بذلك وجه هللا ‪-‬جل وعال‪-‬‬
‫والدار اآلخرة‪ ،‬أفلح وأنجح‪ ،‬وفاز ونجا‪.‬‬

‫الشريعة تأمر بالخير وتنهى عن الشر والفساد‬

‫هذه الشريعة الحنيفية السمحة جاءت بخيري الدنيا واآلخرة‪ ،‬في عمارة الدنيا على أساس من العدل‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬والرفق‪ ،‬وتقوى هللا‬
‫نظرْ َن ْفسٌ مَّا َق َّد َم ْ‬
‫ت لِ َغدٍ}[سورة‬ ‫‪-‬جل وعال‪ ،-‬واآلخرة باالستعداد لها عماًل بقول المولى ‪-‬جل وعال‪{ :-‬يا أَ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا ا َّتقُوا هَّللا َ َو ْل َت ُ‬
‫بعيدا عن الشر‪ ،‬نافعا لنفسه وإلخوانه‪ ،‬مطيعا لربه ‪-‬جل وعال‪-‬‬ ‫الحشر ‪ :‬اآلية ‪ ،]18‬فالمسلم يجب أن يكون حريصا على الخير‪ً ،‬‬
‫ساعيا جا ّ‪ًًّA‬د ا في الخير إلى عباد هللا‪ ،‬وكف األذى عن عباد هللا‪ ،‬أن يحقق اإليمان وأن يكون مصدر أمن وأمان لنفسه بصيانتها عن‬
‫الظلم والعدوان والجور والطغيان‪ ،‬وبث آثار ذلك في مجتمعه‪ A‬الذي يعيش فيه ليكون قدوة صالحة ُم َذ ِّكرً ا بالخير‪ ،‬معينا على القيام به‪،‬‬
‫بعيد ا عنه‪ ،‬فإن اإليمان يحجز المؤمن عن إيذاء نفسه بارتكاب المعاصي التي أشنعها وأفظعها الشرك باهلل ‪-‬جل‬ ‫محذرً ا من الشر ً‬
‫وعال‪ ،-‬ثم يأتي بعد ذلك سفك الدماء‪ ،‬وخراب الديار‪ ،‬وإشاعة الفوضى‪ ،‬والسعي في األرض فسا ًدا‪.‬‬

‫اإليمان يحجز المؤمن عن هذه المصائب‪ A،‬ألن المؤمن كلما تحقق إيمانه كلما كفه إيمانه عن ارتكاب الفساد والشر‪ ،‬من شأن المؤمن‬
‫أن يسعى لنفع اآلخرين‪ ،‬وأن يكف أذاه عن نفسه‪ ،‬ويكف نفسه عن استعمالها في المعاصي‪ ،‬وأن يكف أذاه عن عباد هللا ولهذا قال‬
‫ص َد َق ٌة‪ُ ،‬ك َّل َي ْو ٍم َت ْطلُ ُع فِي ِه ال َّشمْسُ ‪َ ،‬يعْ ِد ُل َبي َْن ااِل ْث َن ِ‬
‫ْن‬ ‫ي‬ ‫اس َعلَ ْي ِه َ‬‫‪-‬النبي صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الحديث الصحيح‪ُ « :‬ك ُّل ُسالَ َمى م َِن ال َّن ِ‬
‫صالَ ِة‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ص َد َقة‪َ ،‬و ُك ُّل ُخط َو ٍة َيخطو َها إِلَى ال َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫صدَ َقة‪َ ،‬وال َكلِ َمة الط ِّي َبة َ‬ ‫ٌ‬ ‫اع ُه َ‬ ‫صدَ َق ٌة‪َ ،‬و ُيعِينُ الرَّ ُج َل َعلَى دَ ا َّب ِت ِه َف َيحْ ِم ُل َعلَ ْي َها‪ ،‬أَ ْو َيرْ َف ُع َعلَ ْي َها َم َت َ‬
‫َ‬
‫صدَ قة»(‪.)1‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫يق َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫صدَ قة‪َ ،‬و ُيمِيط األذى َع ِن الط ِر ِ‬ ‫َ‬

‫المؤمن مأمور بالعدل‬


‫بعيدا عن الشر والدعوة إليه‪ ،‬وإذا أشكل عليه أمر‬ ‫من شأن المؤمن أن يسعى لعمارة قلبه بأن يكون قلبه خاليًا من الحقد والحسد‪ً ،‬‬
‫ان أَهْ اًل للبحث‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫فإن‬ ‫وسلم‪،-‬‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫–صلى‬ ‫ورسوله‬ ‫وضاق َذرْ ًعا بخط من الخطوط التمس َحلُّه في كتاب هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬وفي سنة‬
‫في ذلك بحث وإال رجع إلى العارفين ليسألهم‪ ،‬كان الناس في خير عظيم‪ ،‬بل كان الناس في ُخ َط ِب ِه ْم في القديم يكررون في المساجد‪A‬‬
‫{إِنَّ هَّللا َ َيأ ُم ُر ِب ْال َع ْد ِل َواإلِحْ َس ِ‬
‫ان َوإِي َتا ِء ذِي القُرْ َبى َو َي ْن َهى} [سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪ ]90‬إلى آخر اآلية‪ ،‬ففي كل خطبة جمعة يذكر‬
‫الخطيب الناس بمثل هذه الوصايا العظيمة العالية الهامة‪ ،‬وكانوا في خطب جمعهم‪ A‬يحذرون األفراد والجماعات‪ A‬من الزيغ والضالل‬
‫والظلم والعدوان‪.‬‬

‫تزكية النفس ومعاهدة اإليمان‬

‫ومن شأن المسلم أن ينمي إيمانه ويسعى لتزكية نفسه باألعمال الصالحة‪ ،‬وينظر في عالقاته بربه ‪-‬جل وعال‪ -‬هل يتقيد بأوامر هللا‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬فيما يأخذ ويدع؟ هل يتقيد بأوامر هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬في تعامله مع اآلخرين من األصدقاء واألعداء؟ هل يكون عدال فيما‬
‫ينفقه وما يعطيه؟ فإذا وجد في نفسه خلال في عالقته بربه فلينظر إلى إيمانه‪ ،‬فإن إيمانه في خطر‪ ،‬كلما ضعف اإليمان كلما قوي‬
‫سلطان النفس األمارة بالسوء‪ ،‬أما إذا قوي اإليمان فإنه يقهر العبد عن ارتكاب المخاطر‪ ،‬ألنه إذا فكر في أي خلل يمكن أن يرتكبه‬
‫نظر في عواقبه‪ ،‬هل عواقبه خير على نفسه وعلى من يعيش معهم؟ إن وجد ذلك وتحققه نظر‪ ،‬هل يترتب عليه مفاسد وشر؟‬

‫إن العاقل ينبغي أن يفكر في آثار أعماله عليه في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬ألن أعمالنا كلها لها آثارها على حياتنا في الدنيا وفي األخرى‪،‬‬
‫فإذا أصلح اإلنسان ما بينه وبين ربه ‪-‬جل وعال‪ -‬بتقواه وصدق طاعته واإلخالص له في العبادة‪ ،‬وأحب للناس ما يحب لنفسه وسار‬
‫على ذلك أفلح وأنجح‪ .‬فإن اإلنسان ال يؤمن حتى يحب إلخوانه ما يحب لنفسه‪ ،‬المؤمن أخو المؤمن‪ ،‬والمسلم أخو المسلم‪.‬‬

‫إن النفس تتعرض لموجات هوى وأعاصير فتن في كل وقت‪ ،‬وفي زمننا هذا الذي تنوعت المغريات وكثرت الدعايات والضالالت‬
‫وأ ُ ْل ِب َ‬
‫س على الناس كثير من أمور دينهم‪ ،‬وتكلم في دين هللا من ال يتقن وال يحسن الدخول في المشاكل والخروج منها‪ ،‬فيزيغ كثير من‬
‫الناس من حبه للخير وجهله في سلوك طريقه‪.‬‬

‫فاإليمان هو الذي يعصم اإلنسان بإذن هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬من سلوك سُبل الشر‪ ،‬اإليمان هو أن يسلك اإلنسان الطريق ال َس ِويَّ المؤدي إلى‬
‫{وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ي مُسْ َتقِيمًا َفا َّت ِبعُوهُ‬
‫مرضات هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬الذي من سار عليه نجا كما في قول هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬في محكم التنزيل‪َ :‬‬
‫َواَل َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ قَ ِب ُك ْم } [سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪.]153‬‬

‫انتشار االنحراف الفكري وأسبابه‬

‫إن ما حصل في المجتمعات اإلسالمية في هذا القرن وبقية القرن السابق من بعد عام الثمانين والثالثمائة واأللف‪ ،‬هذه الفترة التي‬
‫تقرب من نصف قرن‪ ،‬حصل في بالد العالم اإلسالمي صنوف من المشاكل والمحن وأنواع من التعديات والعدوان وشرور متنوعة‪،‬‬
‫وكلما مضى عقد من الزمن تطورت المشاكل وتنوعت المصائب‪ ،‬و َت َقوَّ ل على هللا وعلى رسوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬من ليس أهال‬
‫بأن يقول‪ ،‬وتحصل آراء تحرض على الفساد وتعين على اإلفساد في األرض‪ ،‬ثم تطورت األحوال إلى اغترار كثير وشاع بين الناس‬
‫التخريب والخراب والتخويف واإلرهاب‪ ،‬وتعددت البواعث‪ ،‬ما كان الناس في السابق يأتي الواحد في المنزل ويكفر أهل بيته أو يكفر‬
‫أهل بلده‪.‬‬

‫لم نكن نعرف هذه األمور ‪ ،‬فدخلت علينا شبه وضالالت إما بأفكار أناس حاقدين على أنفسهم وحاقدين على غيرهم‪ ،‬أو باغترار‬
‫طالب العلم عليهم أن يتقيدوا بما كان يتقيد به أهل‬ ‫َ‬ ‫آخرين أحسنوا الظن بمن ال يحصل إحسان الظن فيه‪ ،‬والمسلم والمؤمن وأَ ُخصُّ‬
‫العلم سابقا‪ ،‬ما كان الواحد منهم يتجرأ أن يقول في دين هللا وشرعه إال بعد ما يكون أهال لذلك‪ ،‬ولذا كان الناس في كثير من األحوال‬
‫في مأمن من المخاطر ومنجاة من الفساد والخراب واإلرهاب‪ ،‬ما كان الناس يخشون أن يعتدى عليهم في طرقاتهم في حال أمن‪ ،‬إن‬
‫ض على هللا ‪-‬جل وعال‪{ -‬إِنَّ السَّمْ َع‬
‫اإليمان باهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬يحجز اإلنسان عن إيذاء اآلخرين‪ ،‬وإذا فكر في أمر اإليذاء تذكر ال َعرْ َ‬
‫ان َع ْن ُه َمسْ ؤُ واًل } [سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪.]36‬‬ ‫ص َر َو ْالفُ َؤادَ ُك ُّل أ ُ ْولَئ َ‬
‫ِك َك َ‬ ‫َو ْال َب َ‬

‫فالواجب على كل مسلم أن يخاف هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وأن يتقي ربه ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬إذا خال في نفسه يفكر كيف يرعى أهل بيته‪،‬‬
‫وأوجه التقصير في رعايتهم‪ ،‬ينظر في أحوال ذريته بمن يختلطون‪ ،‬ومع من يرحلون ويتنقلون‪ ،‬سواء في نوع العبادة كالسفر لحج أو‬
‫عمرة‪ ،‬أو لنزهة‪ ،‬يتفقد من يصحبهم ومن يصحبونه‪ ،‬وماذا يدور بينهم؟ وهل يفكرون في أمور من خصائص غيرهم؟ ألن الشباب‬
‫ربما فكروا أنهم صاروا كبارً ا وعلماء وأهل حل وعقد‪ ،‬ال سيما إذا يسر لهم من ي ُْغ ِريهم ويرضيهم‪ ،‬كما قد حصل في كثير من‬
‫المشاكل في كثير من البالد اإلسالمية‪.‬‬

‫اإلنسان ينبغي أن يتعامل مع نفسه بتقوى هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬و ُيلِ َّح على ربه ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يهديه سواء السبيل‪ ،‬فإنه ال َم ْهدِيَّ إال من هاده‬
‫هللا كما في حديث أبي ذر ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬الذي يرويه النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬عن ربه في قوله ‪-‬جل وعال‪َ « : -‬يا عِ َبادِي ُكلُّ ُك ْم‬
‫ضا ٌّل إِاَّل َمنْ َهدَ ْي ُتهُ‪َ ،‬فاسْ َت ْهدُونِي أَهْ ِد ُك ْم»(‪ ،)2‬فاإلنسان ال َي ْه ِدي نفسه بل يسأل ربه الهداية‪ ،‬ثم يسعى في ذريته أن ي َُر ِّب َيهُم على أال‬
‫َ‬
‫يكونوا جريئين على كثير على األمور إال بعد أن َيعْ رضوا أمورهم على من يحسن أن ُتعرض أمورهم عليه‪ ،‬على والديهم‪ ،‬وعلى‬
‫معلميهم‪ ،‬وعلى من يحسن إيراد األمر وإصداره‪.‬‬

‫إن المصائب التي جاءت‪ A‬في كثير من البالد اإلسالمية وجاء بالدنا منها شيء ال َي ْخ َفى من تضليل بدون حق‪ ،‬وتكفير بدون دليل‪،‬‬
‫ونشر للفساد والخراب‪ ،‬والدمار وسفك للدماء‪ ،‬كل ذلك إنما جاء نتيجة طيش‪ ،‬وضعف إيمان‪ ،‬أو قلة بصيرة‪ ،‬ولو اهتدى الناس‬
‫ورجعوا إلى ربهم ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وحققوا إيمانهم لوجدوا أن هللا يهديهم بإيمانهم سواء السبيل‪.‬‬

‫عالج الفساد واإلرهاب‬

‫ت أَ ْيدِي‬
‫إن المصائب التي تقع في كثير من العالم سببها المعاصي كما يقول هللا ‪-‬جل وعال‪َ { :-‬ظ َه َر ال َف َسا ُد فِي ال َبرِّ َو ْال َبحْ ِر ِب َما َك َس َب ْ‬
‫اس} [سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪ ،] 41‬لكن تحتاج إلى عالج‪ ،‬يعالج األب واألم من في بيتهم‪ ،‬والمعلم واألستاذ طالبه‪ ،‬والجار واإلمام‬ ‫ال َّن ِ‬
‫جيرانه وجماعة مسجده‪ ،‬يتعاون الجميع على ما من شأنه إصالح الناس وصالح البالد والعباد‪.‬‬

‫إن اإلرهاب هو مصدر شر وبالء وخراب ما كان الناس يتحدثون عنه في السابق‪ ،‬وإنما يعرفون ما ينبغي أن يكون حال المؤمن أن‬
‫يكون قويا باهلل‪ ،‬مستعينا به ‪-‬جل وعال‪ -‬وما ذكر هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬في قرآنه من إرهاب المسلمين ألعداء اإلسالم‪ ،‬أما أن يكون‬
‫اإلرهاب للناس في بيوتهم وفي بالدهم اإلسالمية‪ ،‬وفي بالد العقيدة الصافية ‪ ،‬يضلل إليه من ضعفت بصائرهم فهذا بعيد عن حقائق‬
‫اإليمان‪ ،‬ألن المؤمن حقا هو الذي يحجزه إيمانه عن ارتكاب المحرمات‪ A،‬وتصده بصيرته عن إنزال األذى بنفسه أو بغيره‪.‬‬

‫إن أفحش األذى وأشنعه الشرك باهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬ثم يأتي بعد ذلك قتل األنفس البريئة‪ ،‬وإفساد الحرث والنسل واألموال‪ ،‬وكل ذلك ال‬
‫فعنْ أَ ِبي ه َُري َْر َة ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬أن ال َّن ِبيِّ ‪َ -‬‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬قا َل‪« :‬اإْل ِي َمانُ‬ ‫يصدر عن صاحب دين صحيح‪ ،‬وال عن إيمان نقي‪َ ،‬‬
‫ك م ُْؤ ِمنٌ »(‪ )3‬فالذي يفتك بغير حق‪ ،‬ويتجرأ بدون َه ْدى إنما ُي ْق ِد ُم بسبب غلبة الفساد على نفسه‪ ،‬وضعف البصيرة‬ ‫َقيَّدَ ْال َف ْت َ‬
‫ك‪ ،‬اَل َي ْف ِت ُ‬
‫عنده‪ ،‬وإحسانه الظن الذي ما كان ينبغي أن يكون لمن يختلط بهم ويجتمع ويصحبهم ويصاحبونه‪ ،‬ولهذا حذر المصطفى ‪-‬صلى هللا‬
‫ِير»(‬ ‫ِيس الس َّْو ِء‪َ ،‬ك َحام ِِل ْالمِسْ كِ ‪َ ،‬و َناف ِِخ ْالك ِ‬ ‫ِيس الصَّال ِِح‪َ ،‬و ْال َجل ِ‬
‫عليه وسلم‪ -‬من جليس السوء كما في الحديث الصحيح ‪«:‬إِ َّن َما َم َث ُل ْال َجل ِ‬
‫‪.)4‬‬

‫راع‬
‫من أسباب انتشار ظاهرة اإلرهاب في بالد المسلمين‪ :‬غياب المسؤولية عن أفراد المجتمع‪ ،‬فكل فرد في المجتمع مسؤول‪ ،‬فاألب ٍ‬
‫في بيته ومسؤول‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن أوالدها‪ ،‬إن العبد َيحْ ُكم يُسأل عما له من سلطان وسلطة فيرعى ذريته‬
‫إذا استطاع أن ُي َقوِّ َمهم َقوَّ َم ُه ْم‪ ،‬وإن عجز أسند أمر َت ْق ويمهم إلى السلطة‪ ،‬لو تعاون الناس في كل مكان على البر والتقوى‪ ،‬وتنا َه ْوا عن‬
‫اإلثم والعدوان لما تجرأ هؤالء على إشاعة الفساد‪ ،‬ولما وجدنا من يحمد أو يمجد من يقوم بالفساد‪.‬‬

‫مصلحة المسلم في استقامته على دين هللا‬

‫إن المسلم ال بد أن يفكر في مصلحته وهي أن يستقيم على دين هللا‪ ،‬وأن يفكر في مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وأن يتجنب ما‬
‫يعكر صفو نفسه وصفو اآلخرين‪ ،‬يكف أذاه عنهم‪ ،‬ويسعى لصالحهم‪ ،‬وإذا علم شرً ا أو سوءًا بأحد من رعيته التي في بيته أو ممن‬
‫يعرفهم‪ ،‬ومن يستطيع أن يقومهم أ ْبلَغَ من له القدرة على التقويم‪ ،‬دفعً ا لشرهم‪ ،‬إصالحا لهم‪ ،‬قط ًعا لدابر الفساد ما أمكن‪ ،‬ومن عجز‬
‫عن إصالح ذريته أبلغ السلطة‪ ،‬ال لعداوة منه لذريته‪ ،‬وإنما رحمة بذريته‪ ،‬فإن العقوبات الشرعية كلها هي رحمة لألمة‪ ،‬ما شرع هللا‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬عقوبة بقصد اإليذاء‪ ،‬وإنما بقصد اإلصالح والصالح‪ ،‬ولهذا إذا قسى األب أو األم‪ ،‬أو القريب‪ ،‬أو المسئول في أي قطاع‬
‫فساد ا فليس لعداوته لذلك المفسد‪ ،‬وإنما رحمة به‪ ،‬ورحمة بالمجتمع الذي يعيش فيه إلصالحه‪ ،‬وإبعاد‬ ‫ً‬ ‫على من يسعى في األرض‬
‫الفساد عن المجتمع‪.‬‬

‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب اإلصالح‬

‫لو تعاون الناس بهذه الصفة لقلت الشرور‪ ،‬وربما انقطع دابر الفساد‪ ،‬لكن تجد كثيرً ا من الناس يحب أن يدافع ‪ ‬عمَّن يعرف عنهم‬
‫الخلل في بيته‪ ،‬أو من قرابته‪ ،‬أو أصدقائه‪ ،‬أو يقول كما قال بعض الجهال‪ :‬لست المسئول‪ ،‬للجهات المعنية عيونها واستخباراتها‬
‫ورجالها‪ ،‬أنا مسئول عن نفسي‪ .‬هذا خطأ كل واحد مسئول عن نفسه يكفها عن غيرها‪ ،‬ومسئول أيضا عن المجتمع الذي يعيش فيه أن‬
‫يبعد عنه كل شر ما استطاع إلى ذلك سبيال‪ ،‬وإذا تعذر عليه ذلك استعان بمن يقدر على تغيير المنكر لقول النبي ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫ان»(‪ ،)5‬ليس معنى‬ ‫ك أَضْ َعفُ اإْل ِي َم ِ‬
‫وسلم‪َ « :-‬منْ َرأَى ِم ْن ُك ْم ُم ْن َكرً ا َف ْليُغَ يِّرْ هُ ِب َي ِدهِ‪َ ،‬فإِنْ لَ ْم َيسْ َتطِ عْ َف ِبل َِسا ِنهِ‪َ ،‬فإِنْ لَ ْم َيسْ َتطِ عْ َف ِب َق ْل ِبهِ‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫االستطاعة أن يقدر هو أن يزيل المنكر بل أن يأخذ بالوسائل‪ ،‬هؤالء الذين من أبناء البلد ارتكبوا ما ارتكبوا في كثير من األحوال‪،‬‬
‫ربما لو كانت العناية حاصلة من ذويهم إذا رأوا منهم جُنوحا إلى الشر أو تحدث فيما ال يعنيه نصحوهم‪ ،‬فإذا لم ينتصحوا بلغوا من‬
‫ينصحهم‪ ،‬إذا كان يقدر على نصحهم‪ ،‬وإذا كانوا ال ينتصحون منعهم‪ ،‬كف أذاهم رحمة بهم وبأمتهم‪.‬‬
‫إن تعظيم اإليمان في القلوب‪ ،‬والعناية به‪ ،‬وتقويته بالطاعات‪ ،‬والتقرب إلى هللا والنظر في أسباب المعاصي وآثارها والنظر في آثار‬
‫ب اإْل ِحْ َس َ‬
‫ان َعلَى ُك ِّل َشيْ ءٍ»(‪ )6‬كما في الحديث‬ ‫هللا َك َت َ‬
‫التقرب إلى هللا بصالح األعمال يكون سببا في الصالح واإلصالح فـ «إِنَّ َ‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫فليحرص المسلم في كل وقت أن يتهم نفسه بالتقصير‪ ،‬وأن ينظر ‪ ‬في أحوال من يعيشون معه ال سيما‪ ،‬وأن من يتابع ما يبث على‬
‫عجلة البث من قنوات فضائية وصحافة داخلية أو أجنبية‪ ،‬مما يكون سببا في ارتكاب كثير من السيئات‪.‬‬

‫إن مما يقوي اإليمان حقا العناية بالعبادات‪ ،‬واإلكثار من التضرع إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وصالة الليل‪ ،‬وأن يكثر اإلنسان من اللهج‬
‫والدعاء‪ ،‬وسؤال هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يهدي قلبه ويصلح حاله ويمنحه البصيرة في دينه‪ ،‬ويوصي أهل بيته بذلك‪ ،‬ويوصيهم أيضا‬
‫بالدعاء‪.‬‬

‫إن األمة اإلسالمية اآلن في أمس الحاجة إلى النصر والتأييد‪ ،‬وليس كل أحد وال دولة بالقدرة على أن تدفع عن المسلمين كل شر‪ ،‬لكن‬
‫يوجه الطلب إلى القادر على كل شيء ‪-‬جل وعال‪ -‬الذي ال يُسْ أل إال هو – سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫األمة اإلسالمية في محن ولكنها في هذه األيام في محنة كبيرة‪ ،‬عدوان بال حياء‪ ،‬وسكوت من القادرين على المنع بال حياء‪ ،‬وهو نوع‬
‫من التعاون على اإلثم والعدوان‪ ،‬مع عجز متناهي في األمة اإلسالمية‪ ،‬ال من حيث العمل‪ ،‬فهي تعرف نفسها‪ ،‬وال من حيث البذل‬
‫للمحتاجين‪ ،‬ال شك أننا نسمع ونعلم أن بالدنا وهلل الحمد في مقدمة أهل اإلحسان تبذل وتبذل على مختلف مستوياتها‪ ،‬لكن الناس‬
‫ً‬
‫منفردا في جوف الليل أو في أي وقت إن توجه إلى هللا ‪-‬جل‬ ‫محتاجون إلى االلتجاء إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬فينبغي للمسلم في صالته‬
‫وعال‪ -‬أن يكشف الغمة التي عمت األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫األسئلة‬

‫سماحة‪ A‬الشيخ يقول السائل‪ :‬نرجو من سماحتكم التكرم بحث الناس بالدعاء إلخوانهم المسلمين المستضعفين في غزة‪ ،‬واإلكثار من‬
‫الدعاء‪ ،‬وما حكم قُ ُنوت أئمة المساجد في مثل هذه النازلة للمسلمين في غزة؟‬

‫الدعاء قد دعوت‪ ،‬وال مانع من الزيادة‪ ،‬والقنوت ينبغي أن يحرص الناس على التقيد بما يصدر من والة األمر‪ ،‬وليس من شرط‬
‫الدعاء أن يكون جماعيا‪ ،‬فرب دعوة منفرد ملتجئ إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬مفكرً ا في حاله وحال األمة اإلسالمية يستجيب هللا ‪-‬جل وعال‪-‬‬
‫له دعاءه‪ ،‬فاإلنسان إذا دعا في حال انفراد ال يراه أحد وال يعلم بدعائه سوى َعاَّل م الغيوب‪ ،‬يكون لذلك الدعاء بدون شك أثر َبيِّنٌ ‪،‬‬
‫يصلي أن يتوجه إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يعاجل المظلومين المقهورين‬ ‫َ‬ ‫فنصيحتي لكل أحد إذا خال في بيته‪ ،‬وصلى ما كتب هللا له أن‬
‫المعتدى عليهم في غزة وغيرها‪ ،‬بالتفريج العاجل‪ ،‬وقمع العدوان‪ ،‬والعدو الصائل عاجال غير آجل‪ ،‬وأن يرينا فيمن وراءه‪ ،‬فإنه لوال‬
‫ما علم من اختالف الناس فيما بينهم ووقوفهم وراءه مدافعا عنه ما أقدم على ما أقدم عليه‪ ،‬فينبغي للمسلم في كل مكان أال يحتقر نفسه‬
‫في الدعاء يتوجه إلى هللا‪ ،‬وأما الدعاء في المساجد فإن أذن ولي األمر بالدعاء دعوا‪ ،‬وإال فإن ولي األمر ال يملك أن يمنع إنسانا أن‬
‫يدعو فيما بينه وبين ربه ‪-‬جل وعال‪.-‬‬

‫سماحة‪ A‬الشيخ يقول السائل‪ :‬هل الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة من أسباب تفرق المسلمين؟ وهل علينا السكوت حتى يجتمع‬
‫المسلمون‪ ،‬وبعد ذلك ندعوهم إلى التوحيد؟‪.‬‬

‫ال تنس أن كلمة عقيدة ما كان الناس يسمونها عقيدة‪ ،‬بل كانوا يسمونها عقيدة في الصحابة‪ ،‬أو يسمونها اإليمان‪ ،‬ولذلك لما جاء جبريل‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬وسأل النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬سأله عن اإلسالم‪ ،‬ثم سأله عن اإليمان‪ ،‬ثم سأله عن أخص خصائص اإليمان‪ ،‬وهو‬
‫اإلحسان‪.‬‬

‫المسلم ينبغي أن يعتقد هذه األمور ولذلك ليس كل مسلم مؤم ًنا‪ ،‬لكن كل مؤمن فهو مسلم‪ ،‬كما أنه ليس كل مؤمن محس ًنا‪ A،‬ولذلك جبريل‬
‫ك َت َراهُ»(‪ ،)7‬فاإلنسان حينما يدعو ربه منفر ًدا كأنما ينظر إلى‬ ‫‪-‬عليه السالم‪ -‬سأل عن اإلحسان بعد اإليمان قال‪« :‬أَنْ َتعْ بُدَ هَّللا َ َكأ َ َّن َ‬
‫ربه‪ ،‬وهو يتصور أن ربه يراه سيكون في دعائه أديبًا متأدبا موق ًن ا بأن هللا القادر على إزالة كل كربة‪ ،‬وإذا لم يزلها فالسبب منا ليس‬
‫من عند هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬فاهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬ال يغير الكرب والمصائب إال إذا غير الناس ما بأنفسهم فتابوا إليه‪{ :‬إِنَّ هَّللا َ اَل يُغَ ِّي ُر َما ِب َق ْو ٍم‬
‫َح َّتى يُغَ ِّيرُوا َما ِبأَنفُسِ ِه ْم} [سورة الرعد ‪ :‬اآلية ‪ ،] 11‬وإن هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬ال يغير األمن‪ ،‬والرخاء‪ ،‬والراحة‪ ،‬واالستقرار‪ ،‬ورغد‬
‫ك ُم َغيِّرً ا ِّنعْ َم ًة أَ ْن َع َم َها َعلَى‬‫ك ِبأَنَّ هَّللا َ لَ ْم َي ُ‬
‫العيش إال إذا غير الناس الشكر‪ ،‬فبطشوا‪ ،‬واستطالوا ِب ِن َع ِم ربهم‪ ،‬وتجرأوا على الحرمات { َذ ِل َ‬
‫َق ْو ٍم َح َّتى يُغَ ِّيرُوا َما ِبأَنفُسِ ِه ْم} [سورة األنفال ‪ :‬اآلية ‪ ،] 53‬فنسأل هللا أن يوفقنا جميعا لشكر نعمه علينا‪ ،‬وأن يوفقنا للمحافظة عليها‪.‬‬
‫إنَّ أجل ما نعيشه في المملكة هو األمن على هذه العقيدة‪ ،‬ال يسمح ألحد منا أن يرتكب معصية‪ ،‬بينما ال يحصل هذا في كثير من البالد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بل يجبر على أن يرتكب معصية‪ ،‬ال يضايق إنسان ألنه يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة‪ ،‬بينما في‬
‫كثير من البالد اإلسالمية يضيق على من يعمل ذلك العمل‪ ،‬نحن في نعمة عظيمة مع ما وراء ذلك من خير وعدل وأمن وكرامة‪،‬‬
‫فنسأل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬تثبيت ذلك بااللتجاء إلى هللا بصدق‪.‬‬

‫سماحة‪ A‬الشيخ يقول السائل‪ :‬داعية يظهر في القنوات الفضائية من الدعاة اإلسالميين يقول عن صالة حذيفة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬خلف‬
‫النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وعن تطويل النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وتلذذه بالصالة‪ :‬إنه كلذة المشجع في النوادي الرياضية‪ ،‬ويقول‬
‫عن بالل ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أنه يشبه الليل والعباءة‪ ،‬ويقوم هذا الداعية بتقليد أصوات الفنانين‪ ،‬ويذكر أسماء الفنانات في المحاضرة‪،‬‬
‫فهل هذه طريقة صحيحة في الدعوة إلى هللا‪ ،‬وجزاكم هللا خيرً ا؟‬

‫الطريقة الصحيحة في الدعوة إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬أن َي َّت ِب َع وأال َي ْب َتد َِع وقد قال النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الحديث المخرج في‬
‫ْس َعلَ ْي ِه أَ ْم ُر َنا َفه َُو َردٌّ»(‪ ) 8‬هؤالء الدعاة الذين انتشر النور بفضل هللا‪ ،‬ثم بسبب دعوتهم هل كانوا‬
‫الصحيح‪َ « :‬منْ َع ِم َل َع َماًل لَي َ‬
‫يفعلون هذا الفعل؟ التلذذ بمناجاة هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬بصدق ال شك أنه خير كبير‪ ،‬لكن تحوير وتحويل ما كان من النبي ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ومن أذان بالل وغير ذلك بأنه يسير في هذا المنهج‪ ،‬هذا خطأ وتسمية هذا الشخص بأنه داعية إن كان داعية مطلق‪ ،‬فاألمر‬
‫سهل ألن اإلنسان قد يدعو إلى خير وهو يظن أنه يدعو إلى خير‪ ،‬ويكون داعية للشر‪ ،‬ينبغي لإلنسان أن ينظر كيف كانت سيرة‬
‫الدعاة إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬أكمل الدعاة بدون شك األنبياء والرسل‪ ،‬وأكملهم على اإلطالق محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وأكمل أتباع‬
‫األنبياء أتباع محمد ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬ثم كل من كان أقرب في تبعيته‪ ،‬في اتباعه ألولئك الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم وأرضاهم‪،-‬‬
‫كلما كان أقرب حقا كلما كان داعية صدق‪ ،‬وأما أن تسلك مسالك وتخترع طرق ويقال‪ :‬هذه سبيل للدعوة ال حرج علينا‪ .‬فهذا من‬
‫تحميل األمور ما ال تحتمل‪ ،‬فنسأل هللا أن يهدي هذا الداعية بأن يسلك سبيل المتقين السابقين‪ ،‬وأال يلبس على الناس‪ ،‬متى كان الطرب‬
‫واللهو وسيلة للدعوة؟ فاهلل المستعان‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ ما هي أسباب النصر التي بها تتمكن األمة اإلسالمية من النصر على أعداء الدين‪ ،‬وجزاكم هللا خيرً ا؟‬

‫ص ُرهُ} [سورة الحج ‪ :‬اآلية ‪ ]40‬ويقول سبحانه‪{ :‬يا‬ ‫{ولَ َينص َُرنَّ هَّللا ُ َمن َين ُ‬
‫هذا أمر سهل‪ ،‬وإنما يحتاج إلى صدق‪ ،‬هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫ِّت أَ ْقدَ ا َم ُك ْم} [سورة محمد ‪ :‬اآلية ‪ ،]7‬فنصر العبد لربه ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يخافه‪ ،‬ويتقيه‪،‬‬ ‫صرُوا هَّللا َ َينصُرْ ُك ْم َو ُي َثب ْ‬ ‫أَ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا إِن َتن ُ‬
‫ويتقيد بما جاء عنه ‪-‬جل وعال‪ -‬وعن رسوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وأن يخلص في ذلك‪ ،‬وأن يحصل اجتماع على هذا األمر‪ ،‬ليس‬
‫{وأَعِ دُّوا َلهُم مَّا اسْ َت َطعْ ُتم مِّن قُوَّ ٍة َومِن رِّ بَاطِ َ‬
‫الخي ِْل} [سورة‬ ‫االنتصار بالسالح فقط‪ ،‬ال شك أن السالح مهم وهللا ‪-‬عز وجل‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫األنفال ‪ :‬اآلية ‪ ] 60‬إلى آخره‪ ،‬لكن في واقع الناس اآلن تعتبر اليابان من أقوى دول العالم‪ ،‬تعتبر ألمانيا من أقوى دول العالم وهما‬
‫محظور عليهما أن تكونا دولة متسلحة تسليحا حربيا‪ ،‬لكنها انتصرت باقتصادها وهي كافرة‪ ،‬لو وفق المسلمون لتجارة إسالمية نقية‬
‫من سائر المحرمات‪ A‬لهيمنوا على العالم في تجارتهم‪ ،‬كثير من البالد اإلسالمية لم تفتح بحرب في الشرق األقصى‪ ،‬واإلسالم الذي‬
‫انتشر في أقصى الغرب لم ينتشر بحرب‪ ،‬وإنما انتشر بأخالق الناس وصدقهم‪.‬‬

‫إن اجتمع للمسلمين قوة اقتصادية نقية‪ ،‬ال ريب فيها‪ ،‬وال غش‪ ،‬وال خداع‪ ،‬وإنما تتقيد بمنهج هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬ومنهج الدين‪ ،‬لكان لها‬
‫تخريب األوطان وتدميرها‪ ،‬بل إن القتال في اإلسالم ال يؤذن لهم بالخراب واإلفساد إذا قاتلوا من يقف في‬
‫َ‬ ‫أثرها البالغ ‪ ،‬الجهاد ليس‬
‫طريقهم ويصدهم عن دعوة ربهم‪ ،‬فنسأل هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يحقق لألمة اإلسالمية انتصارً ا حقا على جهلها وعلى أعدائها‪ ،‬إنه مجيب‬
‫الدعاء‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ حججت قبل عشرة أعوام حج تمتع‪ ،‬ولم أسع سعي الحج فماذا علي اآلن؟‬

‫أقول‪- :‬وإن كان‪ -‬ال يصح أن سعي العمرة يجزئ عن سعي الحج‪ ،‬لكني ال أقول به‪ ،‬لعله ذبح ذبيحة لفقراء مكة‪ ،‬ألنه ال بد أنه حج‬
‫بعد ذلك أكثر من حجة‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ بمن تنصحنا أن نالزم في طلب العلم‪ ،‬ونثني الركب عنده من أهل العلم الثقات‪ ،‬عِ ْلمًا أن دعاة الضالل‬
‫واالنحراف قد كثروا في هذه األيام؟‬

‫نصيحتي أن تسألوا ع َّم ن لديه وقت الستقبالكم والجلوس معكم من أهل العلم‪ ،‬وال يصح أن تأخذوا العلم عن كل من هبَّ ودبَّ ‪،‬‬
‫المراكز العلمية كالجامعات ال شك أنها مهمة إذا تيسرت‪ ،‬ثم اسألوا عن أهل العلم في بالدنا والحمد هلل هم متوفرون‪ ،‬وفي البلدان‬
‫األخرى اسألوا ع َّم ن ال يدخلكم في أمور سياسية‪ ،‬فإن إدخال الناس في األمور السياسية‪ ،‬ال سيما الشباب الذين يعشقون الطموح‬
‫ويفكرون في المناصب ويغترون بالنقد الالذع‪ ،‬من يُدَرِّ سُ لهم ينبغي أن يجتنب أمثال هؤالء‪ ،‬ويرجع إلى الذين جربوا السراء‬
‫والضراء‪ ،‬ثم احرصوا على أال تخرجوا عن َج ادة العلم إلى قراءات متنوعة‪ ،‬فإن أكثر الناس يدعون الناس لمراجعتهم‪ ،‬فإذا وجدتم‬
‫من يدعوكم ألن تسألوه اسألوا عنه قبل أن تأخذوا عنه‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬
‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ هل القيام بالمظاهرات‪ ،‬والمسيرات‪ ،‬من وسائل الدعوة واإلصالح‪ ،‬وإظهار الغيرة؟‬

‫ال‪ ،‬هذه من الفساد في األرض‪ ،‬وليست من اإلصالح‪ ،‬وال من الصالح‪ ،‬إذا سارت هذه المظاهرات بدون أي عمل تخريبي صدت‬
‫الناس عن ذكر هللا‪ ،‬وربما اضطروا إلى أن يحصل تخريب ما قصدوه‪ ،‬متى كانت المظاهرات تجمعات؟ إن أول تجمعات بنوع من‬
‫المظاهرات في اإلسالم كانت مظهر فساد‪ ،‬وسبب شر وبالء على األمة اإلسالمية‪ ،‬أول ما يصلح أن يسمى نوع تظاهرة ما حصل من‬
‫الخروج على عثمان ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬الخليفة الراشد الذي شهد له النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أنه من أهل الجنة‪ ،‬فتلك مظاهرة‪،‬‬
‫وتجمعات‪ ،‬ودعوة استنكار‪ ،‬ودائما استنكار الجمهور إنما هو استنكار غوغائي‪ ،‬ولهذا المتحدثون عن علم النفس يقولون‪ :‬الجمهور ال‬
‫عقل له‪ .‬أي‪ :‬أن المسألة مسألة فوضى‪ ،‬هذه المظاهرة التي توجد وربما يتعمد جهال في بعض البالد يخربون ما يمرون عليه من‬
‫المتاجر‪ ،‬هذا منهم عدوان‪ ،‬هذا في الحقيقة مما ينمي العدوان‪ ،‬نسأل هللا العافية‪ ،‬ونسأل هللا أن يقي بالدنا كل شر‪ ،‬وأن يقينا هذا الشر‬
‫أيضا وبواعثه وأسبابه‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬أحد األشخاص سماحة‪ A‬الشيخ يؤذيني باستمرار‪ ،‬وأنا أعفو عنه‪ ،‬كل مرة يقول‪ :‬هل يجوز أن أهجره أو أقاطعه؟‬

‫إن كان من ذوي القربى فأكثر من اإلحسان إليه‪ ،‬والرفق به‪ ،‬ونصحه‪ ،‬وتذكر قول النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬للرجل الذي قال له‪َ :‬يا‬
‫َرسُو َل هَّللا ِ إِنَّ لِي َق َرا َب ًة أَصِ لُ ُه ْم َو َي ْق َطعُونِي َوأُحْ سِ نُ إِلَي ِْه ْم َويُسِ ي ُئ َ‬
‫ون إِلَىَّ ‪َ ،‬وأَحْ لُ ُم َع ْن ُه ْم َو َيجْ َهلُ َ‬
‫ون َعلَىَّ ‪َ ،‬ف َقا َل ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪« :-‬لَئِنْ‬
‫ك»(‪ ،)9‬نصيحتي لك بقدر ما تستطيع أن تدفع‬ ‫ك م َِن هَّللا ِ َظ ِهي ٌر َعلَي ِْه ْم َما ُدمْتَ َعلَى َذلِ َ‬ ‫ُك ْنتَ َك َما قُ ْلتَ َف َكأ َ َّن َما‪ُ A‬تسِ ُّف ُه ُم ْال َملَّ‪َ ،‬والَ َي َزا ُل َم َع َ‬
‫السيئة بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ هل يلزم لصالة قيام الليل النوم قبلها؟‬

‫ال ما يلزم‪ ،‬النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أوصى أبا هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أن يوتر قبل أن ينام‪ ،‬ال شك أن األفضل تأخير الوتر‬
‫ان َيصُو ُم َي ْومًا َو ُي ْفطِ ُر َي ْومًا‪َ ،‬وأَ َحبُّ‬ ‫والتهجد إلى آخر الليل‪ ،‬وقد قال النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪« :-‬أَ َحبُّ ال ِّ‬
‫ص َي ِام إِلَى هَّللا ِ صِ َيا ُم َداوُ دَ‪َ ،‬ك َ‬
‫ف اللَّي ِْل َو َيقُو ُم ُثلُ َثهُ‪َ ،‬و َي َنا ُم ُس ُد َسهُ»(‪ ،)10‬فمن قدر على ذلك وتمكن منه‪ ،‬أو تمكن بأن يكون‬ ‫صالَ ِة إِلَى هَّللا ِ َ‬
‫صالَةُ دَ اوُ دَ‪َ ،‬ك َ‬
‫ان َي َنا ُم نِصْ َ‬ ‫ال َّ‬
‫آخر الليل ميدان ا لتهجده إلى طلوع الفجر فال شك أن هذا هو األفضل‪ ،‬إذا تيسر واستمرت الحال عليه ليصادف وقت منادة هللا ‪-‬جل‬ ‫ً‬
‫يب لَهُ‪َ ،‬و َمنْ َيسْ أَلُنِي َفأُعْ طِ َيهُ‪،‬‬
‫وعال‪ -‬للعباد‪ ،‬فإن هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬ينزل في الثلث األخير من الليل وينادي عباده‪َ « :‬منْ َي ْدعُونِي َفأَسْ َت ِج َ‬
‫َو َمنْ َيسْ َت ْغفِ ُرنِي َفأ َ ْغف َِر َلهُ»(‪ ،)11‬ليتعرض الواحد لهذه النفحات العظيمة‪ ،‬وأعود عو ًدا على بدء فأوصي الذين يدعون ربهم لكشف‬
‫هذه المحن التي وقعت على فلسطين العراق وأفغانستان وغيرها إذا صلوا آخر الليل أن يخصهم بشيء من الدعاء‪ ،‬مع عدم الغفلة عن‬
‫أنفسنا وبالدنا‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ ما العالج من وجهة نظركم لمشاكل األمة اإلسالمية‪ ،‬وجزاكم هللا خيرً ا؟‬

‫العالج يسير‪ ،‬الدواء متيسر‪ ،‬وإنما يحتاج إلى صدق في طلب العالج‪ ،‬والدواء هو الرجوع إلى هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬ال يُصْ لح آخر هذه‬
‫األمة إال ما أصلح أولها‪ ،‬ولم يصلح أولها إال على اإليمان الصادق‪ ،‬وإخالص العمل هلل‪ ،‬وبالتعاون على البر والتقوى‪ ،‬والقيام بإجالل‬
‫شرع هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وتعظيم دينه بأن تحل ما أحل هللا ورسوله‪ ،‬وتحرم ما حرم هللا ورسوله‪ ،‬وتقيم الحدود‪ ،‬وتمنع من ارتكاب‬
‫السيئات‪ ،‬و ُت َعاقِب على ارتكابها‪ ،‬و َتصْ ُد ق في ذلك‪ ،‬عندئذ سوف تتبدل األحوال‪ ،‬ويتغير وجه األرض‪ ،‬وتشرق المجتمعات بنور‬
‫الصالح واإلصالح‪ ،‬وما ذلك على هللا بعزيز‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬عندما يحدث لقاء يعيب عليه البعض أنه ينصح الشباب بنصائح منهجية وعقدية‪ ،‬فهل فعله هذا خطأ أم صواب؟‬

‫أحد ا‪ ،‬إذا كان الناصح عارفا النصيحة وقائال بها‪ ،‬حريصا على تأديتها‪ ،‬ينبغي‬ ‫أوال‪ :‬ال يعاب وال يمنع إنسان ويستنكر عليه أن ينصح ً‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫للمسلم بقدر ما يستطيع أن ينصح‪ ،‬وال يقول كما قال أولئك السابقون على هذه األمة لما كانوا يستنكرون فقال قائل لهم‪{ :‬لِ َم تعِظ َ‬
‫َق ْومًا هَّللا ُ ُم ْهلِ ُك ُه ْم أَ ْو م َُع ِّذ ُب ُه ْم َع َذابًا َشد ً‬
‫ِيدا} [سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪ ]164‬فكان جوابهم أن‪َ { :‬قالُوا َمعْ ذ َِر ًة إِلَى َر ِّب ُك ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َي َّتقُ َ‬
‫ون}‬
‫[سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪ ،] 164‬فاإلنسان ال ييأس من منحرف أن يتأثر بالدعوة‪ ،‬ال ييأس من ضال أن يهتدي بالدعوة بإذن هللا‪ ،‬يدعو‬
‫لكن يكون َرفِي ًق ا في دعوته متجنبا ما يثير المشاعر ويحمل على االعتزاز بالنفس‪ ،‬يظهر لمن يدعوهم أو ينصحهم إنما يفعل ذلك‬
‫إشفاقا منه عليهم‪ ،‬وحبا لهم ورغبة في أن يكونوا على أعلى قدرً ا ممكن من الصالح‪.‬‬

‫سماحة‪ A‬الشيخ هذان سائالن يسأالن‪ ،‬األول يسأل عن أسامة بن الدن‪ ،‬يقول‪ :‬كثير من الشباب ينظر إليه أنه رجل مصلح موحد‪ ،‬فهل‬
‫من نصيحة ألبنائك الشباب ممن لعلها تجد آذا ًنا صاغية وقلوبًا واعية؟ السائل اآلخر يقول‪ :‬كثر الكالم عن الدكتور محمد أمان الجامي‬
‫‪-‬رحمه هللا‪ -‬ورميه ببعض التهم فما توجيه سماحتكم؟‬
‫أما ما يقال عن أسامه فنحن ال ندري عما بينه وبين هللا‪ ،‬لكن الظاهر أنه داعية سوء‪ ،‬ومن المفسدين في األرض في أحواله‪ ،‬إذا كان‬
‫ما نسمع عنه‪ ،‬لم نكن نسمع عنه في السابق‪ ،‬آثار الخير نعرفها‪ ،‬إنما دعوته حديثه يدل على أنه جاهل ظن نفسه عالما‪ ،‬وقد يكون‬
‫وراءه أيضا من يسعى إلفساد‪ A‬هذه البالد وغيرها من البالد اإلسالمية‪ ،‬ال نستطيع أن نقول إن وراءه الشرق أو الغرب‪ ،‬لكن ال بد أن‬
‫وراءه من ي َُسرُّ بما يحصل منه من سوء‪ ،‬فال يصلح أن نقول إنه داعية‪ ،‬وال إنه مصلح‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬إنه من زمرة المفسدين فهو ظاهر‪.‬‬

‫وأما محمد أمان الجامي فأنا أعرفه في وقت دراسته وبعد ما صار مدرسا‪ ،‬ال أعلم عنه إال سالمة العقيدة‪ ،‬كونه قد يخطئ أو يخطئ‬
‫غيره‪ ،‬فال أحد معصوم‪ ،‬لكني ال أعلم له خطأ استنكرته‪ ،‬أنا كنت نصحته أال يتدخل في أمور هو دونها مكانة‪ ،‬نصحته أال يتدخل في‬
‫أعياد اآلخرين‪ ،‬يبين الحق‪ ،‬يكفي لإلنسان أن يبين الحق‪ ،‬وإذا بانت سبيل الحق وعرف ظاهره فال حاجة لإلنسان أن يقول فالن‬
‫ضال‪ ،‬وأنا ال أعلم عنه انحرافا في العقيدة‪ ،‬وال أيضا عداوة لهذه البالد‪ ،‬بل إذا رأيته في السابق ال ينسى فضل هذه البالد عليه‪ ،‬وال‬
‫فضل آل الشيخ‪ ،‬الشيخ محمد بن إبراهيم ‪-‬رحمة هللا عليه‪ ،-‬الشيخ عبد اللطيف‪ ،‬وبقية المقربين له ال ينسى فضلهم ويذكرهم بثناء‬
‫ودعاء‪ ،‬وربما هو يدعو لهم‪ ،‬ربما خنقته العبرة عندي‪ ،‬كونه يدخل في مداخل كان أولى به في السابق أال يدخلها‪ ،‬وأن يتركها لمن‬
‫يستطيع أن يتجاوز العقبات فيها‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ إنه لمس امرأته في نهار رمضان‪ ،‬فخرج منه المني ولم يجامع زوجته‪ ،‬فماذا عليه من الكفارة؟‬

‫إذا كان خرج منه المني ‪-‬والمني ال يخرج من مجرد مالمسة‪ ،-‬فهو أفسد الصوم وال شك‪ ،‬وأما الذي كان نزل بعد مسها بدون مداعبة‬
‫َت صومه‪ ،‬يقضي صيام‬ ‫تتجاوز وحصل مذي‪ ،‬فقد أساء وصومه صحيح‪ ،‬أما إذا كان المني فإنه ال يكون إال بمقدمات تدفعه‪ ،‬فقد أَ ْف َسد ْ‪A‬‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬حفظكم هللا لماذا ال يعلن عن رؤية الهالل شهر ذي الحجة والمحرم في وقت مبكر‪ ،‬كما في رؤية هالل رمضان‬
‫وجزاكم هللا خيرً ا؟‬

‫بالنسبة لشهر المحرم لم يثبت في طيلة السنوات الماضية في عهد الشيخ محمد ‪-‬رحمة هللا عليه‪ -‬ثم من جاء بعده أنه أعلن دخول شهر‬
‫ان‪َ ،‬ش ْه ُر ِ‬
‫هللا‬ ‫ض َ‬‫ص َي ِام‪َ ،‬بعْ َد َر َم َ‬ ‫هللا المحرم‪ ،‬ثم الناس ال ضير عليهم أن يكثروا من الصيام في شهر هللا المحرم‪ ،‬النبي يقول‪« :‬أَ ْف َ‬
‫ض ُل ال ِّ‬
‫ْالم َُحرَّ ُم»(‪ ،) 12‬وإذا شك في اليوم التاسع‪ ،‬هل هو التاسع أو الثامن؟ يصوم الثامن والتاسع والعاشر وال مضرة‪ ،‬والعناية بأن يعلن‬
‫إعالن وشهادات‪ ،‬ويتحرى‪ ،‬هم يتحروا وما يخبرون‪ ،‬وفي هذه السنة دخل شهر محرم في يوم األحد الثالثين‪ ،‬على حساب الجدول‬
‫من ذي الحجة‪ ،‬وفي الليلة الثانية رُؤي بوضوح لكن ال تغير العادة ألمر ال يترتب عليه كبير فائدة لم تكن موجودة عند األولين‪ ،‬غير‬
‫مناسب‪.‬‬

‫يقول السائل‪ :‬سماحة الشيخ ما هو توحيد الحاكمية؟‪ A‬وهل هو من أقسام التوحيد؟ وهل الحكم بغير ما أنزل هللا بالقوانين الوضعية يعتبر‬
‫كفرً ا أكبر أو أصغر؟‬

‫هذا التوحيد ما كنا نعرفه‪ ،‬وإنما جاء به الشباب المتأخرون أصلحهم هللا وهداهم‪ ،‬التوحيد إنما هو توحيد العبادة‪ ،‬أال يعبد إال هللا ‪-‬جل‬
‫وعال‪ ،-‬وتوحيد الربوبية أن هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬هو الخالق‪ ،‬الرازق‪ ،‬مدبر هذا الكون‪ ،‬وموجد هذا الكون‪ ،‬الفعال لما يريد‪ ،‬وتوحيد‬
‫األسماء والصفات ما يتعلق بأسماء هللا وصفاته‪ ،‬وأما توحيد الحاكمية من الزمهم حك ُم ك ِّل أح ٍد حك ٌم باطل‪ ،‬وال ينفذ إال إذا تحققت فيه‬
‫َّع اة‪ ،‬دراستنا ودراسة الذين درسوا قبلنا والذين درسوا بعدنا ما كان عندهم شيء يسمى الحاكمية‪ ،‬وإنما هذه جاءت‪ A‬في‬ ‫الحاكمية ْال ُمد َ‬
‫ظاهرها اسم توحيد‪ ،‬وفي باطنها السياسة والدعوة ألمر السياسة‪ ،‬ثم هؤالء الذين يدعون للحاكمية ال تجد استنكارً ا للبدع والضالالت‪،‬‬
‫ال أقول عن هؤالء األفراد‪ ،‬لكن أصل هذه المنشأ الذي نشأ ما كانوا ينتقدون البدع التي تكون عند القبور أو دعوة غير هللا ‪-‬جل‬
‫وعال‪ ،-‬وإنما يقولون‪ :‬ال إسالم‪ ،‬تسير المسيرة بكامل المسلمين‪ ،‬وهذا يرضى بما عنده‪ ،‬ويكفينا أننا مسلمون‪ ،‬ال شك أن هذا ليس من‬
‫الهدى‪ ،‬وكلمة التوحيد الرابع هذا من البدع من دون شك‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫*****************************************************************‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،3/1090‬رقم ‪ ،)2827‬ومسلم (‪ ،2/699‬رقم ‪.)1009‬‬

‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪ ،4/1994‬رقم ‪.)2577‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود (‪ ،3/87‬رقم ‪.)2769‬‬

‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (‪ ،5/2104‬رقم ‪ ،)5214‬ومسلم (‪ ،4/2026‬رقم ‪.)2628‬‬


‫(‪ )5‬أخرجه مسلم (‪ ،1/69‬رقم ‪.)49‬‬

‫(‪ )6‬أخرجه مسلم (‪ ،3/1548‬رقم ‪.)1955‬‬

‫(‪ )7‬أخرجه البخاري (‪ ،1/27‬رقم ‪ ، )50‬ومسلم (‪ ،1/39‬رقم ‪.)9‬‬

‫(‪ )8‬أخرجه البخاري (‪ )9/107‬تعليقا ‪ ،‬ومسلم (‪ ،3/1343‬رقم ‪.)1718‬‬

‫(‪ )9‬أخرجه مسلم (‪ ،4/1982‬رقم ‪.)2558‬‬

‫(‪ )10‬أخرجه البخاري (‪ ،3/1257‬رقم ‪ ، )3238‬ومسلم (‪ ،2/816‬رقم ‪.)1159‬‬

‫(‪ )11‬أخرجه مسلم (‪ ،1/523‬رقم ‪.)758‬‬

‫(‪ )12‬أخرجه مسلم (‪ ،2/821‬رقم ‪.)1163‬‬

‫——————————————————–‬

‫المحاضر ‪ :‬معالي الشيخ ‪ :‬صالح بن محمد اللحيدان‪ ‬‬

‫‪ --‬فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان‬

‫رابط الموضوع ‪http://www.assakina.com/mohadrat/26371.html#ixzz3RAPU8mnw :‬‬

‫لعقيدة في صالح األمة‬

‫لد‪ :‬نحن نعلم أن صالح األمة بشكل عام مرتبط بصحة العقيدة إال أن األمر يحتاج من سماحتكم إلى نوع من‬
‫كيف أن صحة المعتقد وصفاءه من شأنه أن يؤدي إلى الصالح في شأن األمة الصالح الشامل ألمور الدنيا واآلخرة؟‬

‫ت العقدية استقام أمر الخلق جميعا ً كل إنسان إذا صلحت عقيدته واستقام على أمر هللا تمت له أسباب السعادة‪ ،‬والعقيدة‬
‫بحق سواه جل وعال وأن يؤمن بأنه رب‬ ‫ٍ‬ ‫ؤمن بأن هللا سبحانه هو المستحق للعبادة‪ ،‬وأنه ال إله إال هللا‪ .‬ال معبود‬
‫لق الجميع‪ ،‬وأنه رازقهم وأنه العليم بكل شيء سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنه فوق العرش ورب جميع الخلق‪ .‬ال شبيه له وال‬
‫الس َم َاوا ِ‬
‫ت‬ ‫اس َت َوى[‪ ]1‬وقال سبحانه‪ :‬إِنَّ َر َّب ُك ُم هّللا ُ الَّذِي َخلَقَ َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫الر ْحمَنُ َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬‫حانه وتعالى‪ .‬كما قال تعالى‪َّ :‬‬
‫ت ِبأ َ ْم ِر ِه أَالَ لَ ُه‬ ‫س َّخ َرا ٍ‬‫س َوا ْل َق َم َر َوال ُّن ُجو َم ُم َ‬‫ش ْم َ‬‫ار َي ْطلُ ُب ُه َحثِي ًثا َوال َّ‬ ‫ش ُي ْغشِ ي اللَّ ْيل َ ال َّن َه َ‬ ‫ي سِ َّت ِة أَ َّي ٍام ُث َّم ْ‬
‫اس َت َوى َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هَّلِل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ار َك هّللا ُ َر ُّ‬
‫ير[‪ ]3‬فهو‬ ‫ب ال َعالمِينَ [‪ ]2‬فهو سبحانه في العلو وهو العلي العظيم كما قال تعالى‪ :‬فال ُح ْك ُم ِ ال َعل ِِّي ال َكبِ ِ‬ ‫م ُر َت َب َ‬
‫س َّر َوأَ ْخ َفى[‪ ]4‬يعلم أحوال العباد فال بد من اإليمان‬ ‫ال‬
‫َ ْ ُ ِّ‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫وتعالى‪:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫مكان‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫وعلمه‬ ‫الخلق‪،‬‬ ‫جميع‬ ‫وفوق‬ ‫ش‪.‬‬
‫حانه فوق العرش‪ .‬وفوق جميع الخلق وعلمه في كل مكان‪ ،‬وال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة قال‬
‫بِأَنَّ هَّللا َ ه َُو ا ْل َحقُّ َوأَنَّ َما يَدْ عُونَ مِن دُونِ ِه ه َُو ا ْل َباطِ ل ُ[‪ ]5‬فال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المعبود بالحق كما دعت‬
‫اج َتنِ ُبو ْا ال َّطا ُغوتَ [‪ ]6‬وقال‬ ‫اع ُبدُو ْا هّللا َ َو ْ‬
‫سوالً أَ ِن ْ‬ ‫سل جميعا ً دعت إلى هذا‪ .‬قال هللا جل وعال‪َ :‬ولَ َقدْ َب َع ْث َنا فِي ُكل ِّ أ ُ َّم ٍة َّر ُ‬
‫اع ُبدُو ْا َر َّب ُك ُم[‪ ]8‬فاهلل سبحانه خلق الخلق ليعبدوه‬ ‫اس ْ‬ ‫ُون[‪ ]7‬وقال تعالى‪َ :‬يا أَ ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواإْل ِ َ‬
‫نس إِاَّل لِ َي ْع ُبد ِ‬
‫ذا‪ ،‬وأرسل الرسل بهذا‪ ،‬فال بد من اإليمان بأنه هو المعبود بالحق وهو الرازق لعباده‪ .‬فال يدعى إال هللا‪ ،‬وال يستغاث‬
‫يتوكل إال عليه‪ ،‬وال يصلى إال له‪ ،‬وال يذبح إال له‪ ،‬وال يصام إال له‪ ،‬وال يحج إال له هذا هو المقصود بالعبادة‪ ،‬كما‬
‫هَّللا‬
‫ضى َر ُّب َك أَالَّ َت ْع ُبدُو ْا إِالَّ إِ َّياهُ[‪ ]9‬وقال سبحانه‪َ :‬و َما أ ُ ِم ُروا إِاَّل لِ َي ْع ُبدُوا َ‬ ‫اع ُبدُو ْا َر َّب ُك ُم وقال سبحانه‪َ :‬و َق َ‬ ‫اس ْ‬ ‫َيا أَ ُّي َها ال َّن ُ‬
‫ُه الدِّ ينَ [‪.]10‬‬

‫األحد ‪ 19‬ربيع الثاني‬ ‫العادية التي يستطيع فعلها المخلوق الحي فال بأس بها‪ .‬فاإلنسان يستعين بأخيه في األمر الذي يستطيعه إذا كان حيا ً‬
‫‪1436‬‬ ‫بأس أن تقول‪ :‬يا أخي أعني على كذا على إصالح مزرعتي‪ .‬على إصالح بيتي‪ ،‬على إصالح سيارتي وهو يسمع‬
‫اس َت َغا َث ُه الَّذِي مِن شِ ي َعتِ ِه‬
‫مكاتبة تكتب له أو من طريق الهاتف ال بأس بذلك‪ ،‬كما قال هللا سبحانه في قصة موسى‪َ :‬ف ْ‬
‫احصائيات المواد‬ ‫مِنْ َعد ُِّو ِه[‪ ، ]11‬فالتعاون بين الناس الحاضرين القادرين أو بالمكاتبة ال بأس به‪ ،‬أما أن يدعو الميت أو يدعو الغائب‬
‫لم الغيب‪ .‬أو أنه يسمع منه بدون أسباب حسية‪ ،‬أو يدعو الموتى وأصحاب القبور أو األصنام أو يدعو الجن ويستغيث‬
‫( ‪ ) 4983‬فتاوى‬ ‫الشرك‪ .‬فهذا هو الشرك باهلل‪ .‬وهذا يناقض قول ال إله إال هللا‪ .‬فال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المستحق أن يعبد‬
‫( ‪ ) 257‬الصوتيات‬ ‫ك أَالَّ َت ْع ُبدُو ْا إِالَّ إِ َّياهُ[‪ ]12‬وال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو الخالق العليم وخالق الخلق ال خالق سواه وال رب سواه‪،‬‬
‫ض[‪ ]14‬وهو سبحانه الخالق‬ ‫ت َواألَ ْر َ‬ ‫الس َم َاوا ِ‬‫ال‪ :‬أَالَ َل ُه ا ْل َخ ْلقُ َواألَ ْم ُر[‪ ]13‬وقال جل وعال‪ :‬إِنَّ َر َّب ُك ُم هّللا ُ الَّذِي َخلَقَ َّ‬
‫( ‪ ) 636‬اإلمالءات‬ ‫ب غيره وال خالق سواه‪ .‬وهو سبحانه المستحق ألن يعبد كما قال تعالى‪َ :‬وإِلَ ُه ُك ْم إِلَ ٌه َوا ِح ٌد الَّ إِلَ َه إِالَّ ه َُو َّ‬
‫الر ْحمَنُ‬
‫]‪ ،‬وقال سبحانه‪َ :‬و َما أ ُ ِم ُروا إِاَّل لِ َي ْع ُبدُوا هَّللا َ ُم ْخلِصِ ينَ لَ ُه الدِّينَ [‪ ]16‬وال بد من اإليمان بالنوع الثالث من أنواع التوحيد‬
‫( ‪ ) 12312‬نور على‬ ‫ن بأسمائه وصفاته‪ .‬اإليمان بأنه سبحانه ذو األسماء‪ A‬الحسنى والصفات العال الثابتة في القرآن وفيما صحت به السنة‬
‫الدرب‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬يجب إثباته هلل على الوجه الالئق باهلل من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل كما‬
‫سمِي ُع ال َبصِ ي ُر[‪ ،]17‬وقال سبحانه‪ :‬قُلْ ه َُو هَّللا ُ أَ َح ٌد * هللا الصمد * لَ ْم َيلِدْ َولَ ْم ُيولَدْ *‬ ‫س َك ِم ْثلِ ِه َ‬
‫ش ْي ٌء َوه َُو ال َّ‬ ‫حانه‪ :‬لَ ْي َ‬
‫‪ ‬‬
‫ض ِر ُبو ْا هّلِل ِ األَ ْم َثال َ إِنَّ هّللا َ َي ْعلَ ُم َوأَن ُت ْم الَ َت ْعلَمُونَ [‪ ]19‬هذه عقيدة أهل السنة‬ ‫ُكفُ ًوا أَ َح ٌد[‪ ]18‬وقال عز وجل‪َ :‬فالَ َت ْ‬
‫المتواجدون ال‬ ‫وهذه هي أقسام التوحيد الثالثة‪:‬‬

‫يمان بأنه سبحانه هو الخالق العليم وخالق كل شيء وهذا توحيد الربوبية‪.‬‬

‫ن بأنه هو المستحق للعبادة وأن العبادة حقه دون غيره فال يدعى إال هللا‪ ،‬وال يستغاث إال به‪ ،‬وال يصلى إال له‪ ..‬إلى‬
‫ن أنواع العبادة وهذا هو توحيد العبادة‪.‬‬

‫ن بأسمائه وصفاته وأنه سبحانه ال شبيه له‪ ،‬وال كفء له وال ند له‪ ،‬وأن الواجب إثبات أسمائه وصفاته الواردة في‬
‫ظيم أو السنة الصحيحة‪ .‬على الوجه الالئق باهلل من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل بل على حد قوله‬
‫السمِي ُع ال َبصِ ي ُر[‪.]20‬‬ ‫س َك ِم ْثلِ ِه َ‬
‫ش ْي ٌء َوه َُو َّ‬ ‫َ‬

‫طه‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬

‫األعراف‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬

‫غافر‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬

‫طه‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬

‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.62‬‬

‫النحل‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬

‫الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬

‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬

‫اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬

‫ة البينة‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬

‫ة القصص‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬

‫ة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬

‫ة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬

‫ة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬


‫ة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.163‬‬

‫ة البينة‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬

‫ة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬

‫ة اإلخالص‪.‬‬

‫ة النحل‪ ،‬اآلية ‪.74‬‬

‫ة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬

‫وى ومقاالت متنوعة المجلد الثالثون‬

‫"العالقة بين العقيدة والسلوك"‬

‫‪"                  ‬العالقة بين العقيدة والسلوك"‪ ‬‬

‫موضوع ندوة يقدمها باحثان من مركز أبي الحسن‬

‫األشعري للدراسات والبحوث العقدية‬

‫بالثانوية التأهيلية القاضي ابن العربي للتعليم األصيل بتطوان‬

‫‪     ‬نظم مركز أبي الحسن األشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء‪ ،‬ندوة علمية بتعاون مع‬
‫ثانوية القاضي ابن العربي للتعليم األصيل‪ ،‬بعنوان "العالقة بين العقيدة والسلوك"‪ ،‬وذلك بقاعة المحاضرات بالثانوية المذكورة مساء‬
‫يوم األربعاء فاتح رجب ‪1433‬هـ الموافق ‪ 23‬ماي ‪2012‬م‪ ،‬على الساعة الخامسة‪.‬‬
‫‪    ‬افتتحت الندوة بمداخلة الباحث يوسف الحزيمري الذي قدم عرضا بعنوان "العقيدة وتغيير السلوكيات الخطيرة"؛ تطرق في بدايته‬
‫لتعريف السلوك‪ ،‬والسلوك الخطير‪ ،‬موردا تعريف الرابطة المحمدية للعلماء‪ ،‬في مقاربتها لمواجهة السلوكيات الخطيرة للشباب‬
‫المغربي‪ ،‬حيث عرَّ فت السلوك الخطير بأنه‪« :‬كل سلوك فردي أو جماعي تنتفي فيه الفاعلية والتوازن والتكيف مع الذات والمجتمع‬
‫قيما وثقافة وسلوكا»‪ ،‬ثم تحدث عن تمظهرات السلوكيات الخطيرة في مجتمعنا المغربي‪ ،‬وأورد منها على سبيل المثال ال الحصر‬
‫بعض السلوكيات المنافية للقيم الدينية وللحس والذوق والثقافة الوطنية‪ .‬وفي المحور الموالي تكلم عن منشأ وأسباب السلوك الخطير‬
‫وقسمه إلى أسباب رئيسة‪ :‬وهي فقدان واختالل المقومات العقدية‪ ،‬والقيم األخالقية اإلسالمية المنبثقة عنها‪ ،‬والتي تخرج شخصية‬
‫متوازنة‪ ،‬يتكامل فيها التصور‪ ،‬والشعور‪ ،‬والسلوك؛ وأسباب ثانوية مرتبطة بوضعية األسرة والمجتمع ومدى ارتباطهما بالعقيدة‬
‫السليمة وأثر ذلك على الشباب‪ ،‬ثم تحدث عن دور العقيدة في تغيير هذه السلوكيات الخطيرة انطالقا من االعتقاد بأركانها اإليمانية من‬
‫إيمان باهلل تعالى وأسمائه وصفاته وإيمان بالمالئكة و بالكتب السماوية وبالرسل عليهم السالم واليوم اآلخر واإليمان بالقدر خيره‬
‫وشره‪ ،‬وكيف يثمر هذا اإليمان ثمرات على مستوى الشعور والسلوك في حياة الفرد والمجتمع المسلم‪.‬‬

‫بعدها ألقى الباحث منتصر الخطيب عرضه‪  ‬المعنون بـ "تصحيح العقيدة لالنحراف السلوكي"؛ حيث قسمه إلى قسمين؛‪  ‬األول‪ :‬في‬
‫تقريب معنى العقيدة‪ ،‬والثاني‪ :‬في أثر العقيدة في تعديل السلوك‪ ،‬بداية قدم لعرضه بمقدمة أشار فيها إلى أن هللا تعالى منح لإلنسان‬
‫إرادة يدرك بها الخير والشر‪ ،‬فمتى استرشد بها وكان إدراكه لألمور صحيحا سليما استقام سلوكه‪ ،‬ومتى تخاذل بها وخضع ألهوائه‬
‫وغرائزه انحرف عن الطريق السوي‪.‬‬
‫‪  ‬وعن تقريب معنى العقيدة‪ :‬تحدث عن أنه متى أدرك اإلنسان مفاهيم وتصورات عن األشياء المحيطة به وغدَت هذه المفاهيم ثابتةً‬
‫ً‬
‫راسخة عنده‪ ،‬فإذا أضيف إليها التصديق من الشرع أصبحت إيمانا‪ ،‬وهذا اإليمان هو الركن‬ ‫ً‬
‫وراسخة في نفسه أصبحت عقائدَ‬
‫األساسي الذي بدأ اإلسالم به في تكوين شخصية المسلم‪ ،‬ومتى صحَّ ت عناصر اإليمان في اإلنسان استقامت األساسيات‪ A‬الكبرى لديه‪،‬‬
‫وأقدر على ال َّتحكم بأنواع سلوكه وضبطها فيما يدفع عنه الضر واأللم‬
‫َ‬ ‫أطوع لالستقامة على طريق الحق والخير والرشاد‪،‬‬
‫َ‬ ‫وصار‬
‫والمفسدة‪.‬‬
‫‪  ‬وقبل كالمه عن القسم الثاني تحدث عن الطرق المؤدية إلى المعرفة‪ :‬وأنها ال تخرج عن ثالث‪ :‬الحس واإلدراك العقلي‪ ،‬والخبر‬
‫الصادق‪/‬الوحي‪ ،‬فاألول والثاني يفيد الظن واليقين‪ ،‬أما الطريق الثالث فيفيد اليقين قطعا‪ ،‬ويجب تعديل السلوك اإلنساني وفق ذلك‬
‫تغييرا وتبديال ونسخا‪.‬‬
‫وفي القسم األخير وهو أثر العقيدة في تعديل السلوك‪ :‬خلص الباحث فيه إلى أن العقيدة تعتبر المو ّجه الرئيسي الذي يدفع بالناشئة إلى‬
‫التزام طريق االستقامة والتعلق بقيم الفضيلة‪ ،‬والنفس البشرية بحسب فطرتها تميل إلى ما تمثله الفضيلة‪ .‬فإذا انصرفت إلى الشر‬
‫فبسبب انسياقها‪ A‬وراء غريزة بهيمية انطلقت بطريق خاطئة تحت ظروف نفسية قاهرة أدت بها إلى سلوكيات منحرفة‪ ،‬مما يستدعي‬
‫معالجتها‪ A‬عن طريق التربية الدينية الصحيحة‪ ،‬ألنها الكفيلة بإصالح االنحرافات السلوكية وألن أثرها ينعكس بطريقة إيجابية وسريعة‬
‫على أخالقية المجتمع أفرادا وجماعات‪.‬‬
‫وقد عرفت هذه الندوة تدخل بعض األساتذة من داخل الثانوية وخارجها‪ ،‬صبت في مناقشة‪ A‬مضمون مواضيع الندوة ومنهج العروض‬
‫الملقاة‪ ،‬وأشارت كذلك إلى أن شباب الثانويات في أمس الحاجة إلى مثل هذه الندوات التوعوية والتحسيسية‪ ،‬وهو ما أكده التالميذ‬
‫والتلميذات عبر االستمارات الموزعة عليهم‪ ،‬ليختم النشاط بشكر الرابطة المحمدية للعلماء لسهرها على إنجاح مثل هذه األنشطة‪.‬‬

‫أثر العقيدة في تقويم السلوك‬

‫محمود طلحة (أنقر لقراءة المزيد من مقاالت الكاتب)‬ ‫الكاتب‪:‬‬

‫تاريخ اإلضافة‪:‬‬
‫‪( - 08/11/2009‬ميالدي) ‪( - 21/11/1430  ~ ‬هجري)‬

‫الحمد هلل رب العالمين وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وعلى آله وصحبه أجمعين صالة وسالما ً‬
‫دائمين متالزمين إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫ِب فيها المصنفات ‪ ،‬واكتظت من معانيها المكتبات ‪ ،‬وال يزال ينهل من معينها الطالب والعلماء ‪ ،‬يعز‬ ‫كلمة عظيمة في معانيها ‪ُ ،‬كت َ‬
‫هللا من تمسك بها و يزل من نصب العداء لها ‪ ،‬اختارها ربنا سبحانه وتعالى لتكون عنوانا ً لرسالته إلى بني اإلنسان ‪ ،‬حيث أرسلها‬
‫إلى األنبياء أجمعين بوساطة أمين الوحي جبريل عليه السالم ‪،‬فأدوها بأمانة ‪،‬فجزآهم هللا عنا كل خير ‪ .‬أظن أنكم عرفتم ما هي هذه‬
‫الكلمة ‪ .....‬إنها كلمة اإلسالم !!!‬

‫اإلسالم الذي ينقسم بدوره إلى قسمين اثنين عقيدة وشريعة ‪ ،‬والعقيدة هي األصل ‪ ،‬والشريعة هي الفرع ‪ ،‬يقول العالمة الدكتور‬
‫محمود شلتوت في كتابه (اإلسالم عقيدة وشريعة ) ‪ :‬أنه ال وجود للشريعة في اإلسالم إال بوجود العقيدة كما أنه ال ازدهار في‬
‫الشريعة إال في ظل العقيدة ‪ .‬وقال أيضا ً ‪ :‬اإلسالم يحتم تعانق الشريعة والعقيدة ‪ ،‬حيث ال تنفرد إحداهما عن األخرى ‪ ،‬على أن تكون‬
‫العقيدة أصالً يدفع إلى الشريعة والشريعة ما هي إال انفعال القلب بالعقيدة ‪ .‬والذي يستقرأ سيرة المصطفى صل هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫يالحظ كيف أن النبي صل هللا عليه وسلم أول ما بدأ بدعوته إلى هللا عز وجل هو تثبيت العقيدة ‪ ،‬عقيدة التوحيد هلل سبحانه وتعالى‬
‫‪،‬وكما يقول السادة الصوفية ( التخلية قبل التحلية ) أي تخلي من القلب ما سوى هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬حيث نقلهم من عبادة العباد إلى‬
‫عبادة رب العباد ‪ ،‬وعرَّ َف هم بربهم وخالقهم حتى غدوا يعبدوا هللا سبحانه وتعالى كأنهم يروه فإن لم يكونوا يروه فهو يراهم ‪ ،‬ومن ث َّم‬
‫علمهم الشرع ‪ ،‬الذي فيه منهج متكامل لتنظيم حياتهم ‪ ،‬ونالحظ أيضا ً أن أكثر المستقيمين على الشرع من التزام أوامره ‪ ،‬ونواهيه ‪،‬‬
‫وحالله ‪ ،‬وحرامه ‪،‬هم الذين استقر في قلوبهم اإليمان باهلل سبحانه وتعالى من خالل معرفتهم به واطالعهم على جوانب عظمته‬
‫سبحانه ‪ ،‬وهنا يتحقق معنى قوله تعالى ‪{ :‬إنما يخشى هللا َ من عباده العلما ُء } أي أن العلماء العاملين الذين تعرفوا على جوانب‬
‫عظمته هم أشد الناس مخافة منه سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫واسمحوا لي أن أقف وإياكم أمام هذين المشهدين ولنسأل أنفسنا ‪ ،‬ما لذي يجعل سيدنا بالل الحبشي رضي هللا عنه وأرضاه ‪ ،‬وهو‬
‫تحت صخرة وضعتها يد الظلم على جسمه الطاهر ‪ ،‬ولسانه ال يفارق قول ‪ :‬أح ٌد أحد !!! أو الذي جعل سيدنا خبيب ابن عدي يقول‬
‫قبل صلبه ‪:‬‬

‫‪ ‬‬

‫شلو ممزع‬
‫يبارك على أوصال ٍ‬ ‫وذلك في ذات اإلله وإن يشأ‬

‫وقد َه َملت عيناي من غير مجزع‬ ‫وقد خيروني الكفر والموت دونه‬

‫ب كان في هللا مصرعي‬


‫على أي جن ٍ‬ ‫فوا هلل ما أرجوا إذا مت ُمسلما ً‬

‫وال جزعا ً إني إلى هللا مرجعي‬ ‫فلست ُم ْب ٍد للعدو تخشعا ً‬


‫ُ‬

‫‪ ‬‬

‫إن الذي أنطق كالً من بالل و خبيب إنما هو اإليمان باهلل تبارك وتعالى ‪ ،‬اإليمان الذي خالط بشاشة قلوبهم فانعكس‪ A‬على حياتهم‬
‫وعملهم حتى غدو نجوما ً لمن أراد الهداية بعد أن ضل السبيل‪.‬‬

‫هذه دعوى مني أوجهها إلى كل من أراد أن يستقيم سلوكه على منهج هللا ‪ ،‬وأن يترقى في عالقته مع خالقه ومواله ‪ ،‬أن تتعرف على‬
‫هللا سبحانه وتعالى من خالل كتابه وقرآنه وسنة نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأن تتعرف إلى جوانب قدرته وعظمته من خالل‬
‫بديع خلقه ‪ ،‬وصنعه ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وفي أنفسكم أفال تبصرون } ‪ { .‬أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت وإلى الجبال كيف نصبت‬
‫وإلى األرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليه بمسيطر } وكأن هللا سبحانه يدعونا إلى أن نتعرف عليه من خالل عظمة‬
‫َخ ْلقِه حتى يكون حجة على من أنكر وجود هللا سبحانه وأن يقوي إيمان من أقر واهتدى إلى توحيد هللا تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫و الحمد هلل رب العالمين‬

‫‪ ‬‬

‫قيام المجتمع المسلم على رابطة العقيدة‬

‫أ‪ .‬سيد قطب (أنقر لقراءة المزيد من مقاالت الكاتب)‬ ‫الكاتب‪:‬‬

‫تاريخ اإلضافة‪:‬‬
‫‪( - 04/09/2008‬ميالدي) ‪( - 04/09/1429  ~ ‬هجري)‬

‫قيام المجتمع المسلم على رابطة العقيدة‬

‫" إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم‬
‫يهاجروا ما لكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إال على قوم بينكم وبينهم ميثاق وهللا بما‬
‫تعملون بصير(‪ ) 72‬والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير(‪ )73‬والذين آمنوا وهاجروا‬
‫وجاهدوا في سبيل هللا والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم(‪ )74‬والذين آمنوا من بعد وهاجروا‬
‫وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا إن هللا بكل شيء عليم(‪" )75‬‬

‫طبيعة العالقات في المجتمع المسلم‬


‫تختتم سورة األنفال ببيان طبيعة العالقات في المجتمع المسلم وطبيعة العالقات‪ A‬بينه وبين المجتمعات‪ A‬األخرى ; وبيان األحكام المنظمة‬
‫لهذه العالقات وتلك ; ومنه تتبين طبيعة المجتمع المسلم ذاته ; والقاعدة التي ينطلق منها والتي يقوم عليها كذلك ‪ . .‬إنها ليست عالقات‬
‫الدم ‪ ,‬وال عالقات األرض ‪ ,‬وال عالقات الجنس ‪ ,‬وال عالقات‪ A‬التاريخ ‪ ,‬وال عالقات اللغة ‪ ,‬وال عالقات االقتصاد ‪ . .‬ليست هي‬
‫القرابة ‪ ,‬وليست هي الوطنية ‪ ,‬وليست هي القومية ‪ ,‬وليست هي المصالح االقتصادية ‪ . .‬إنما هي عالقة العقيدة ‪ ,‬وعالقة القيادة ‪,‬‬
‫وعالقة التنظيم الحركي ‪ . .‬فالذين آمنوا وهاجروا إلى دار الهجرة واإلسالم ‪ ,‬متجردين من كل ما يمسكهم بأرضهم وديارهم وقومهم‬
‫ومصالحهم ‪ ,‬وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا ; والذين آووهم ونصروهم ودانوا معهم‪ A‬لعقيدتهم وقيادتهم في تجمع حركي واحد‬
‫‪ ,‬أولئك بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬والذين آمنوا ولم يهاجروا ليس بينهم وبين المجتمع المسلم والية ; ألنهم لم يتجردوا بعد للعقيدة ولم‬
‫يدينوا بعد للقيادة ; ولم يلتزموا بعد بتعليمات التجمع الحركي الواحد‪.‬‬

‫العالقة مع المسلمين الذين لم يهاجروا إلى ارض اإلسالم‬

‫ووالية نصرة وأخوة قامت مقام عالقات الدم والنسب والقرابة ‪ . .‬حتى إذا وجدت الدولة ومكن هللا لها بيوم الفرقان في بدر بقيت‬
‫الوالية والنصرة ‪ ,‬ورد هللا الميراث والتكافل في الديات إلى قرابة الدم ‪ ,‬داخل المجتمع المسلم ‪ . .‬فأما الهجرة التي يشير إليها النص‬
‫ويجعلها شرطا ً لتلك الوالية ‪ -‬العامة‪ A‬والخاصة ‪ -‬فهي الهجرة من دار الشرك إلى دار اإلسالم ‪ -‬لمن استطاع ‪ -‬فأما الذين يملكون‬
‫الهجرة ولم يهاجروا ‪ ,‬استمساكاً‪ A‬بمصالح أو قرابات مع المشركين ‪ ,‬فهؤالء ليس بينهم وبين المجتمع المسلم والية ‪ ,‬كما كان الشأن‬
‫في جماعات من األعراب أسلموا ولم يهاجروا لمثل هذه المالبسات ‪ ,‬وكذلك بعض أفراد في مكة من القادرين على الهجرة ‪. .‬‬
‫وهؤالء وأولئك أوجب هللا على المسلمين نصرهم ‪ -‬إن استنصروهم في الدين خاصة ‪ -‬على شرط أال يكون االعتداء عليهم من قوم‬
‫بينهم وبين المجتمع المسلم عهد‪ ,‬ألن عهود المجتمع المسلم وخطته الحركية أولى بالرعاية !‬

‫هدف الدعوة‪ :‬إسالم العباد لرب العباد‬

‫إن الدعوة اإلسالمية ‪ -‬على يد محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إنما تمثل الحلقة األخيرة في سلسلة الدعوة الطويلة إلى اإلسالم‬
‫بقيادة موكب الرسل الكرام ‪ . .‬وهذه الدعوة على مدار التاريخ البشري كانت تستهدف أمراً واحداً‪:‬هو تعريف الناس بإلههم الواحد‬
‫وربهم الحق ; وتعبيدهم لربهم وحده ونبذ ربوبية الخلق ‪ . .‬ولم يكن الناس ‪ -‬فيما عدا أفراداً معدودة في فترات قصيرة ‪ -‬ينكرون مبدأ‬
‫األلوهية ويجحدون وجود هللا البتة ; إنما هم كانوا يخطئون معرفة حقيقة ربهم الحق ‪ ,‬أو يشركون مع هللا آلهة أخرى‪ :‬إما في صورة‬
‫االعتقاد والعبادة ; وإما في صورة الحاكمية‪ A‬واالتباع ; وكالهما شرك كاآلخر يخرج به الناس من دين هللا ‪ ,‬الذي كانوا يعرفونه على‬
‫يد كل رسول‪ ,‬ثم ينكرونه إذا طال عليهم األمد ‪ ,‬ويرتدون إلى الجاهلية ‪ ,‬التي أخرجهم منها ‪ ,‬ويعودون إلى الشرك باهلل مرة‬
‫أخرى ‪ . .‬إما في االعتقاد والعبادة‪ ,‬وإما في االتباع والحاكمية ‪ ,‬وإما فيها جميعا ‪ . .‬هذه طبيعة الدعوة إلى هللا على مدار التاريخ‬
‫البشري ‪ . .‬إنها تستهدف(اإلسالم)‪ . .‬إسالم العباد لرب العباد ; وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة هللا وحده ‪ ,‬بإخراجهم من سلطان‬
‫العباد وحاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم ‪ ,‬إلى سلطان هللا وحاكميته وشريعته وحده في كل شأن من شؤون الحياة ‪. .‬‬

‫التنسيق بين الجانب االرادي والجانب الفطري في حياة االنسان‬

‫وفي هذا جاء اإلسالم على يد محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬كما جاء على أيدي الرسل الكرام قبله ‪ . .‬جاء ليرد الناس إلى حاكمية هللا‬
‫كشأن الكون كله الذي يحتوي الناس ; فيجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هي السلطة التي تنظم وجوده ; فال يشذوا هم بمنهج‬
‫وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصرف الكون كله‪ .‬فالناس محكومون بقوانين فطرية من صنع هللا في نشأتهم‬
‫ونموهم وصحتهم ومرضهم ‪ ,‬وحياتهم وموتهم ; كما هم محكومون بهذه القوانين في اجتماعهم وعواقب ما يحل بهم نتيجة لحركتهم‬
‫االختيارية ذاتها ; وهم ال يملكون تغيير سنة هللا بهم في هذا كله ; كما أنهم ال يملكون تغيير سنة هللا في القوانين الكونية التي تحكم هذا‬
‫الكون وتصرفه ‪ . .‬ومن ثم ينبغي أن يثوبوا إلى اإلسالم في الجانب اإلرادي من حياتهم فيجعلوا شريعة هللا هي الحاكمة في كل شأن‬
‫من شؤون هذه الحياة ‪ ,‬تنسيقا ً بين الجانب اإلرادي في حياتهم والجانب الفطري ‪ ,‬وتنسيقا ً بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين‬
‫الوجود الكوني ‪. .‬‬

‫الجاهلية ليست نظرية مجردة بل تجمع حركي‬

‫الجانب اإلرادي في حياة اإلنسان والجانب الفطري ‪ . .‬هذه الجاهلية التي واجهها كل رسول بالدعوة إلى اإلسالم هلل وحده ‪ .‬والتي‬
‫واجهها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بدعوته ‪ . .‬هذه الجاهلية لم تكن متمثلة في "نظرية " مجردة ‪ .‬بل ربما أحيانا ً لم تكن لها‬
‫"نظرية " على اإلطالق ! إنما كانت متمثلة دائما ً في تجمع حركي‪ .‬مجتمع عضوي بين أفراده ذلك التفاعل والتكامل والتناسق والوالء‬
‫والتعاون العضوي ‪ ,‬الذي يجعل هذا المجتمع يتحرك ‪ -‬بإرادة واعية أو غير واعية ‪ -‬للمحافظة‪ A‬على وجوده ; والدفاع عن كيانه‬
‫والقضاء على عناصر الخطر التي تهدد ذلك الوجود وهذا الكيان في أية صورة من صور التهديد ‪.‬‬

‫الغاء هذه الجاهلية يتطلب تجمعا حركيا‬


‫ومن أجل أن الجاهلية ال تتمثل في "نظرية " مجردة‪ ,‬ولكن تتمثل في تجمع حركي على هذا النحو ; فإن محاولة إلغاء هذه الجاهلية ‪,‬‬
‫ورد الناس إلى هللا مرة أخرى ‪ ,‬ال يجوز ‪ -‬وال يجدي شيئا ً ‪ -‬أن تتمثل في "نظرية " مجردة ‪ .‬فإنها حينئذ التكون مكافئة للجاهلية‬
‫القائمة فعالً والمتمثلة في تجمع حركي عضوي ‪ ,‬فضالً على أن تكون متفوقة عليها كما هو المطلوب في حالة محاولة إلغاء وجود‬
‫قائم بالفعل ‪ ,‬إلقامة وجود آخر يخالفه مخالفة أساسية في طبيعته وفي منهجه وفي كلياته وجزئياته ‪ .‬بل ال بد لهذه المحاولة الجديدة أن‬
‫تتمثل في تجمع عضوي حركي أقوى في قواعده النظرية والتنظيمية‪ ,‬وفي روابطه وعالقاته ووشائجه من ذلك التجمع الجاهلي القائم‬
‫فعالً ‪.‬‬

‫من اهم معاني ال اله اال اله هللا افراده في الحاكمية‬

‫والقاعدة النظرية التي يقوم عليها اإلسالم ‪ -‬على مدار التاريخ البشري ‪ -‬هي قاعدة ‪":‬شهادة‪ A‬أن ال إله إال هللا"‪ .‬أي إفراد هللا ‪ -‬سبحانه‬
‫‪ -‬باأللوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية ‪ . .‬إفراده بها اعتقاداً في الضمير‪ ,‬وعبادة في الشعائر ‪ ,‬وشريعة في واقع الحياة ‪.‬‬
‫فشهادة‪ A‬أن ال إله إال هللا ‪ ,‬ال توجد فعال ; وال تعتبر موجودة شرعا ً إال في هذه الصورة المتكاملة التي تعطيها وجوداً جديا ً حقيقيا ً يقوم‬
‫عليه اعتبار قائلها مسلما ً أو غير مسلم ‪ . .‬ومعنى تقرير هذه القاعدة من الناحية النظرية ‪ . .‬أن تعود حياة البشر بجملتها إلى هللا ‪ ,‬ال‬
‫يقضون هم في أي شأن من شؤونها ‪ ,‬وال في أي جانب من جوانبها ‪ ,‬من عند أنفسهم ; بل ال بد لهم أن يرجعوا إلى حكم هللا فيها‬
‫ليتبعوه ‪ . .‬وحكم هللا هذا يجب أن يعرفوه من مصدر واحد يبلغهم إياه ; وهو رسول هللا ‪ . .‬وهذا يتمثل في شطر الشهادة الثاني من‬
‫ركن اإلسالم األول‪" :‬شهادة أن محمداً رسول هللا" ‪.‬‬

‫ان وجود المجتمع المسلم ال يتحقق بمجرد قيام القاعدة النظرية في قلوب أفراد مهما تبلغ كثرتهم ; ال يتمثلون في تجمع عضوي‬
‫متناسق متعاون ; له وجود ذاتي مستقل ‪ ,‬يعمل أعضاؤه عمالً عضويا ً ‪ -‬كأعضاء الكائن الحي ‪ -‬على تأصيل وجوده وتعميقه‬
‫وتوسيعه ; وعلى الدفاع عن كيانه ضد العوامل التي تهاجم وجوده وكيانه ‪ .‬ويعملون في هذا تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع‬
‫الجاهلي تنظم تحركهم وتنسقه ‪ ,‬وتوجهه لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم اإلسالمي ‪ .‬ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود اآلخر‬
‫الجاهلي ‪.‬‬

‫االفراد المسلمون في المجتمع الجاهلي يدافعون عن كيانه‬

‫كما قلنا سابقا ان اإلسالم لم يكن ليملك أن يتمثل في "نظرية " مجردة ليعتنقها من يعتنقها اعتقاداً ويزاولها عبادة ; ثم يبقى معتنقوها‬
‫على هذا النحو أفراداً ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعالً ‪ .‬فإن وجودهم على هذا النحو ‪ -‬مهما كثر عددهم ‪-‬‬
‫ال يمكن أن يؤدي إلى "وجود فعلي" لإلسالم‪ .‬ألن األفراد "المسلمين نظريا ً" الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون‬
‫مضطرين حتما ً لالستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوية ‪ .‬سيتحركون طوعا ً أو كرها ً ‪ ,‬بوعي أو بغير وعي لقضاء الحاجات‬
‫األساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده وسيدافعون عن كيانه ; وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه ; ألن الكائن‬
‫العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا ‪ . .‬أي أن األفراد "المسلمين نظرياً" سيظلون يقومون "فعال"‬
‫بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون "نظريا" إلزالته ; وسيظلون خاليا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء واالمتداد ! وسيعطونه‬
‫كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا ويقوى وذلك بدال من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي ‪ ,‬إلقامة‪ A‬المجتمع‬
‫اإلسالمي !‬

‫آصرة التجمع المسلم هي العقيدة‬

‫إن الكائن اإلنساني يشترك مع الكائنات الحيوانية ‪ -‬بل الكائنات المادية ‪ -‬في صفات توهم أصحاب "الجهالة العلمية ! " مرة بأنه‬
‫حيوان كسائر الحيوان ; ومرة بأنه مادة كسائر المواد ! ولكن اإلنسان مع اشتراكه في هذه "الصفات" مع الحيوان ومع المادة له‬
‫"خصائص" تميزه وتفرده ; وتجعل منه كائنا ً فريداً ‪ -‬كما اضطر أصحاب "الجهالة العلمية ! " أخيراً أن يعترفوا والحقائق الواقعة‬
‫تلوي أعناقهم ليا ‪ ,‬فيضطرون لهذا االعتراف في غير إخالص وال صراحة !‬

‫واإلسالم ‪ -‬بمنهجه الرباني ‪ -‬يعمد إلى هذه الخصائص التي تميز "اإلنسان" وتفرده بين الخالئق ; فيبرزها وينميها ويعليها ‪ . .‬وهو‬
‫حين يجعل آصرة العقيدة هي قاعدة التجمع العضوي الحركي ‪ ,‬التي يقيم على أساسها وجود األمة المسلمة ‪ ,‬إنما يمضي على خطته‬
‫تلك ‪ .‬فالعقيدة تتعلق بأعلى ما في "اإلنسان" من "خصائص" ‪. .‬‬

‫إنه ال يجعل هذه اآلصرة هي النسب ‪ ,‬وال اللغة ‪ ,‬وال األرض ‪ ,‬وال الجنس ‪ ,‬وال اللون ‪ ,‬وال المصالح ‪ ,‬وال المصير األرضي‬
‫المشترك ‪ . .‬فهذه كلها أواصر يشترك فيها الحيوان مع اإلنسان ‪ .‬وهي أشبه شيء وأقرب شيء إلى أواصر القطيع ‪ ,‬وإلى اهتمامات‬
‫القطيع ‪ ,‬وإلى الحظيرة والمرعى والثغاء الذي يتفاهم به القطيع ! أما العقيدة التي تفسر لإلنسان وجوده ‪ ,‬ووجود هذا الكون من حوله‬
‫تفسيراً كليا ً ; كما تفسر له منشأ وجوده ووجود الكون من حوله ‪ ,‬ومصيره ومصير الكون من حوله ; وترده إلى كائن أعلى من هذه‬
‫المادة وأكبر وأسبق وأبقى ‪ ,‬فهي أمر آخر يتعلق بروحه وإدراكه المميز له من سائر الخالئق ‪ ,‬والذي ينفرد به عن سائر الخالئق ;‬
‫والذي يقرر "إنسانيته" في أعلى مراتبها ; حيث يخلف وراءه سائر الخالئق ‪.‬‬

‫آصرة العقيدة آصرة حرة‬

‫ثم إن هذه اآلصرة ‪ -‬آصرة العقيدة والتصور والفكرة والمنهج ‪ -‬هي آصرة حرة ; يملك الفرد اإلنساني اختيارها بمحض إرادته‬
‫الواعية ‪ .‬فأما أواصر القطيع تلك فهي مفروضة عليه فرضا ً ‪ ,‬لم يخترها وال حيلة له كذلك فيها ‪ . .‬إنه ال يملك تغيير نسبه الذي‬
‫نماه ; وال تغيير الجنس الذي تسلسل منه ; وال تغيير اللون الذي ولد به ‪ .‬فهذه كلها أمور قد تقررت في حياته قبل أن يولد ‪ ,‬لم يكن له‬
‫فيها اختيار ‪ ,‬وال يملك فيها حيلة ‪ . .‬كذلك مولده في أرض بعينها ‪ ,‬ونطقه بلغة بعينها بحكم هذا المولد ‪ ,‬وارتباطه بمصالح مادية‬
‫معينة ومصير أرضي معين ‪ -‬ما دامت هذه هي أواصر تجمعه مع غيره ‪ -‬كلها مسائل عسيرة التغيير ; ومجال "اإلرادة الحرة " فيها‬
‫محدود ‪ . .‬ومن أجل هذا كله ال يجعلها اإلسالم هي آصرة التجمع اإلنساني ‪ . .‬فأما العقيدة والتصور والفكرة والمنهج فهي مفتوحة‬
‫دائما ً لالختيار اإلنساني‪ ,‬ويملك في كل لحظة أن يعلن فيها اختياره; وأن يقرر التجمع الذي يريد أن ينتمي إليه بكامل حريته; فال يقيده‬
‫في هذه الحالة قيد من لونه أو لغته أو جنسه أو نسبه‪ ,‬أو األرض التي ولد فيها‪ ,‬أو المصالح المادية التي تتحول بتحول التجمع الذي‬
‫يريده ويختاره‪.‬‬

‫كرامة اإلنسان في التصور اإلسالمي ‪. .‬‬

‫ولقد كان من النتائج الواقعية الباهرة للمنهج اإلسالمي في هذه القضية ; وإلقامة التجمع اإلسالمي على آصرة العقيدة وحدها ‪ ,‬دون‬
‫أواصر الجنس واألرض واللون واللغة والمصالح األرضية القريبة والحدود اإلقليمية السخيفة ! وإلبراز "خصائص اإلنسان" في هذا‬
‫التجمع وتنميتها وإعالئها ‪ ,‬دون الصفات المشتركة بينه وبين الحيوان ‪ . .‬كان من النتائج الواقعية الباهرة لهذا المنهج أن أصبح‬
‫المجتمع المسلم مجتمعاً‪ A‬مفتوحا ً لجميع األجناس واألقوام واأللوان واللغات ‪ ,‬بال عائق من هذه العوائق الحيوانية السخيفة ! وأن صبت‬
‫في بوتقة المجتمع اإلسالمي خصائص األجناس البشرية وكفاياتها ; وانصهرت في هذه البوتقة وتمازجت ; وأنشأت مركبا ً عضويا ً‬
‫فائقا ً في فترة تعد نسبيا ً قصيرة ; وصنعت هذه الكتلة العجيبة المتجانسة المتناسقة حضارة رائعة ضخمة تحوي خالصة الطاقة‬
‫البشرية في زمانها مجتمعة ‪ .‬على بعد المسافات وبطء طرق االتصال في ذلك الزمان ‪.‬‬

‫اجتماع االجناس وااللوان في المجتمع االسالمي‬

‫والشامي والمصري والمغربي والتركي والصيني والهندي والروماني واإلغريقي واألندونسي واإلفريقي ‪ . . .‬إلى آخر األقوام‬
‫واألجناس ‪ .‬وتجمعت‪ A‬خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع اإلسالمي والحضارة اإلسالمية ‪ .‬ولم تكن‬
‫هذه الحضارة الضخمة يوما ً ما "عربية " إنما كانت دائما ً "إسالمية " ‪ .‬ولم تكن يوما ً ما "قومية " إنما كانت دائما ً "عقيدية " ‪.‬‬

‫ولقد اجتمعوا كلهم على قدم المساواة ‪ ,‬وبآصرة الحب ‪ ,‬وبشعور التطلع إلى وجهة واحدة ‪ . .‬فبذلوا جميعا ً أقصى كفاياتهم ‪ ,‬وأبرزوا‬
‫أعمق خصائص أجناسهم‪ ; A‬وصبوا خالصة تجاربهم الشخصية والقومية التاريخية في بناء هذا المجتمع الواحد الذي ينتسبون إليه‬
‫جميعا ً على قدم المساواة ; وتجمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربهم الواحد ; وتبرز فيها "إنسانيتهم" وحدها بال عائق ‪ . .‬وهذا ما لم يتجمع‬
‫قط ألي تجمع آخر على مدار التاريخ ! ‪. .‬‬

‫التجمعات البشرية الجاهلية القديمة والحاضرة‬

‫لقد كان أشهر تجمع بشري في التاريخ القديم هو تجمع اإلمبراطورية الرومانية مثالً ‪ .‬فقد ضمت بالفعل أجناسا ً متعددة ; ولغات‬
‫متعددة ‪ ,‬وأرضين متعددة ‪ . . .‬ولكن هذا كله لم يقم على آصرة "إنسانية " ولم يتمثل في قيمة عليا كالعقيدة ‪ . .‬لقد كان هناك تجمع‬
‫طبقي على أساس طبقة األشراف وطبقة العبيد في اإلمبراطورية كلها من ناحية ‪ ,‬وتجمع عنصري على أساس سيادة الجنس‬
‫الروماني ‪ -‬بصفة عامة ‪ -‬وعبودية سائر األجناس األخرى ‪ . .‬ومن ثم لم يرتفع قط إلى أفق التجمع اإلسالمي ; ولم يؤت الثمار التي‬
‫آتاها التجمع اإلسالمي ‪.‬‬

‫كذلك قامت‪ A‬في التاريخ الحديث تجمعات‪ A‬أخرى ‪ . .‬تجمع اإلمبراطورية البريطانية مثالً ‪ . .‬ولكنه كان كالتجمع الروماني الذي هو‬
‫وريثه ! تجمعا ً قوميا ً استغالليا ً ; يقوم على أساس سيادة القومية اإلنجليزية ‪ ,‬واستغالل المستعمرات التي تضمها اإلمبراطورية ‪. .‬‬
‫ومثله اإلمبراطوريات األوربية كلها‪:‬اإلمبراطورية األسبانية والبرتغالية في وقت ما ‪ ,‬واإلمبراطورية الفرنسية ‪ . .‬وكلها في ذلك‬
‫المستوى الهابط البشع المقيت !‬

‫وأرادت الشيوعية أن تقيم تجمعا ً من نوع آخر ‪ ,‬يتخطى حواجز الجنس والقوم واألرض واللغة واللون ‪ .‬ولكنها لم تقمه على قاعدة‬
‫"إنسانية " عامة‪ .‬إنما أقامته على القاعدة "الطبقية "‪ .‬فكان هذا التجمع هو الوجه اآلخر للتجمع الروماني القديم‪ .‬هذا تجمع على قاعدة‬
‫طبقة "األشراف" ; وذلك تجمع على قاعدة طبقة "الصعاليك" (البروليتريا) والعاطفة التي تسوده هي عاطفة الحقد األسود على سائر‬
‫الطبقات األخرى !‬

‫وما كان لمثل هذا التجمع الصغير أن يثمر إال أسوأ ما في الكائن اإلنساني‪ .‬فهو ابتداء قائم على أساس إبراز الصفات الحيوانية وحدها‬
‫وتنميتها وتمكينها باعتبار أن "المطالب األساسية‪ " A‬لإلنسان هي "الطعام والمسكن والجنس" ‪ -‬وهي مطالب الحيوان األولية ‪-‬‬
‫وباعتبار أن تاريخ اإلنسان هو تاريخ البحث عن الطعام!!!‬

‫تفرد االسالم بمنهجه الرباني‬

‫لقد تفرد اإلسالم بمنهجه الرباني في إبراز أخص خصائص اإلنسان وتنميتها وإعالئها في بناء المجتمع اإلنساني ‪ . .‬والذين يعدلون‬
‫عنه إلى أي منهج آخر يقوم على أية قاعدة أخرى من القوم أو الجنس أو األرض أو الطبقة ‪ . .‬إلى آخر هذا النتن السخيف هم أعداء‬
‫اإلنسان حقا ً ! هم الذين ال يريدون لهذا اإلنسان أن يتفرد في هذا الكون بخصائصه العليا كما فطره هللا ; وال يريدون لمجتمعه أن ينتفع‬
‫بأقصى كفايات أجناسه وخصائصها وتجاربها في امتزاج وتناسق ‪ . .‬وهم في الوقت ذاته يسبحون ضد التيار ; ويعملون ضد خط‬
‫الصعود اإلنساني ; ليعودوا باإلنسان إلى التجمع على مثل ما تتجمع عليه "البهائم" من الحظيرة والكأل ! بعد أن رفعه هللا إلى ذلك‬
‫المقام الكريم الذي يتجمع فيه على ما يليق أن تتجمع عليه "الناس"‬

‫انقالب القيم والمعايير‬

‫وأعجب العجب أن يسمى التجمع على خصائص اإلنسان العليا تعصبا ً وجموداً ورجعية ‪ ,‬وأن يسمى التجمع على مثل خصائص‬
‫الحيوان تقدما ً ورقيا ً ونهضة ; وأن تقلب القيم واالعتبارات كلها ; ال لشيء إال للهروب من التجمع على أساس العقيدة ‪ . .‬خصيصة‬
‫اإلنسان العليا ‪ . .‬ولكن هللا غالب على أمره ‪ . .‬وهذه االنتكاسات‪ A‬الحيوانية الجاهلية في حياة البشرية لن يكتب لها البقاء ‪ . .‬وسيكون‬
‫ما يريده هللا حتما ً ‪ . .‬وستحاول البشرية ذات يوم أن تقيم تجمعاتها على القاعدة التي كرم هللا اإلنسان بها ‪ .‬والتي تجمع عليها المجتمع‬
‫المسلم األول فكان له تفرده التاريخي الفائق ‪ .‬وستبقى صورة هذا المجتمع تلوح على األفق ‪ ,‬تتطلع إليها البشرية وهي تحاول مرة‬
‫أخرى أن ترقى في الطريق الصاعد إلى ذلك المرتقى السامي الذي بلغت إليه في يوم من األيام ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪_________________________________________________________________________ ‬‬
‫__‬

‫اإليمان ودوره في توجيه األخالق و تقويم السلوك االجتماعي واالقتصادي‬

‫محمد الوردي نشر في التجديد يوم ‪2010 - 03 - 12‬‬

‫اإليمان من أجل النعم التي انعم هللا بها على عباده‪ ،‬فهو منطلق العقيدة الصادقة وأساس الحياة الطيبة‪ ،‬ومصدر سعادة اإلنسان‪ .‬كما انه‬
‫المقوم للسلوك ‪ ،‬والمهذب للنفوس‪ ،‬والموجه للعقول نحو التقدم المعرفي والرقي الحضاري من خالل استحضار مبدأ الرقابة وواجب‬
‫االستخالف وما يترتب عنهما من عمارة الكون وإتقان العمل تحقيقا للمعاني الصحيحة للعبودية الحقة‪ .‬ومن هذا المنطلق إذن تأتي‬
‫أهمية المنظومة القيمية اإلسالمية المؤسسة بناء على قواعد اإليمان وثوابت الشرع‪.‬قال تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة هللا التي‬
‫فطر الناس عليها ال تبديل لخلق هللا ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون‪(.‬سورة الروم ‪،‬اآلية‪ .)03:‬فاهلل تعالى وصف الدين‬
‫بأنه قيم ‪ ،‬والقيم بمعنى المستقيم ‪ ، ،‬قال تعالى ‪:‬قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من‬
‫المشركين‪(.‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.)61‬‬

‫وتشكل األخالق أصال من أصول الدين وثمرة مجاهدة المتقين‪ ،‬وقد دعا اإلسالم إلى التحلي بها وتنميتها في النفوس ‪،‬فهي تعكس تلك‬
‫التصورات والمبادئ المشكلة لعقيدة اإلنسان‪ ،‬وهو ما عبر عنه اإلمام الغزالي بقوله‪ :‬الخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها‬
‫تصدر األفعال ‪ (.‬إحياء علوم الدين‪ .) 3/85.‬كما تمثل األخالق ذلك الجانب الروحي واألدبي الذي أودعه هللا في نفوس البشر‪ ،‬وجعله‬
‫من اكبر العوامل في سعادتهم وشقائهم ‪،‬وأدق المقاييس للداللة على ارتقائهم أو انحطاطهم حتى قال بعض علماء االجتماع‪:‬إنما‬
‫تتفاضل األمم في حالة البداوة بالقوة البد نية ‪ ،‬فادا ارتقت تفاضلت بالعلم ‪ ،‬ثم إذا بلغت من االرتقاء غايته تفاضلت باألخالق‪.‬‬
‫ومما يؤكد أهمية األخالق من الناحية الشرعية قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إن الخلق وعاء الدين (مسند اإلمام احمد)‪ ،‬ومعنى‬
‫الحديث أن نسبة الخلق الحسن إلى الدين كنسبة الوعاء إلى ما استقر فيه ‪ ،‬فكما أن الماء ال يقوم بنفسه من دون وعاء يضم أجزاءه‬
‫ويصونها عن التفرق والضياع ‪،‬كذلك أحكام الدين وتعاليمه ال تقوم بنفسها وال يدوم سلطانها ما لم تكن في المتدينين أخالق ثابتة‪ .‬كما‬
‫بين الرسول صلى هللا عليه أن رسالته جاءت لتكمل مكارم األخالق ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪ :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق‪.‬‬
‫( مسند اإلمام احمد)‪ .‬ومن هذا المنطلق نفهم لماذا حفل القران الكريم والسنة النبوية بمجموعة من النصوص الشرعية التي تحث على‬
‫االتصاف بمكارم األخالق في مختلف المجاالت سواء على مستوى العقيدة أو العبادات أو المعامالت ‪ ،‬فالدعوة إلى توحيد هللا وعبادته‬
‫تحتاج إلى أخالق حميدة وعلى رأسها اإلخالص والصدق ‪ ،‬كما أن حسن التعامل مع الناس يتطلب االتصاف بمكارم األخالق‬
‫والصفات الحسنة من عدل وصبر وجود ووفاء بالعهد‪.‬‬
‫ومن الثوابت األساسية في مجال العقيدة أن اإليمان باهلل تعالى يدفع صاحبه إلى التحلي باألخالق الكريمة وااللتزام باألعمال الحسنة ‪،‬‬
‫فمتى استقر اإليمان في القلب انعكس دلك على أفعال اإلنسان وأقواله فالخلق السوي هو دليل اإليمان الصادق‪ .،‬يقول الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ :‬أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (سنن الترمذي) ‪.‬وجاء في ظالل القران لسيد قطب ‪ :‬إن اإليمان الصحيح متى‬
‫استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك‪ .‬واإلسالم عقيدة متحركة ال تطيق السلبية‪ ،‬فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور‪ ،‬تتحرك‬
‫لتحقيق مدلولها في الخارج ولتترجم نفسها إلى حركة والى عمل في عالم الواقع(‪.)6/114‬‬
‫واإليمان له آثار ايجابية ومهمة تنعكس على اإلنسان في دينه ودنياه ‪ ،‬في أقواله وسلوكه‪ ،‬فكلما تغلغل اإليمان في النفوس ونفذ إلى‬
‫القلوب واقتنعت به العقول ‪ ،‬وتأثرت به المشاعر إال ومنح اإلنسان طمأنينة النفس وسكينة القلب ‪ ،‬فتقوى عزيمته وتتفتح بصيرته‪،‬‬
‫ويتحرر من الخوف من العباد ويتجه لعبادة رب العباد الذي حدد اآلجال ألوقات معلومة ‪ ،‬وقسم األرزاق ألجال محدودة ‪.‬يقول تعالى‬
‫الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون‪ (-‬سورة األنعام ‪ ،‬اآلية ‪ ) 83‬ويقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫عجبا ألمر المؤمن إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له‪ ،‬وان أصابته ضراء صبر‬
‫فكان خيرا له ‪(.‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق)‪.‬‬
‫وعلى المستوى االجتماعي فاإليمان ينمي في اإلنسان حوافز الخير ويبعده عن مكايد الشر‪ ،‬فيحلق بأشواقه الصاعدة فوق مستوى‬
‫الغرائز الهابطة واألهواء الفاسدة‪ ،‬فيتحمل في سبيل ذلك المحن والشدائد تحقيقا لصفاء الروح وعزة النفس والكرامة الحقة ‪ ،‬فهذا‬
‫النبي يوسف عليه السالم قبل ذل السجن ورفض إغراء المعصية نظرا لقوة إيمانه وصفاء عقيدته‪ .‬يقول تعالى حكاية عن يوسف عليه‬
‫السالم ‪:‬رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه(‪ -‬سورة يوسف ‪ ،‬االية‪. )33‬باإلضافة إلى ذلك فاإليمان الصحيح يوثق الروابط ويشيع‬
‫المحبة والتعاون بين الناس ‪ ،‬ويبعدهم من التعصب والحقد وحب الذات ‪ ،‬فيتسامى بذلك اإلنسان عن األنانية الدنيا إلى الغيرية العليا‬
‫فيسارع إلى العمل الصالح ‪ ،‬كما يتجنب إلحاق الضرر بالغير فال ينتقم حتى وان أصيب بمكروه ‪ ،‬وإنما يصبر و يكظم غيظه ‪ ،‬بل‬
‫ويعفو عمن ظلمه قاصدا بذلك تقوى هللا ‪ .‬قال تعالى في وصف المتقين‪ :‬الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين‬
‫عن الناس وهللا يحب المحسنين‪(.‬سورة ال عمران‪ ،‬اآلية‪. )431:‬‬
‫ومن المواقف التاريخية التي تعكس أهمية اإليمان في ضبط النفس واالتصاف بخصلة الحلم ‪ ،‬أن رجال كلم ذات يوم الخليفة عمر بن‬
‫عبد العزيز فأساء إليه حتى أغضبه‪ ،‬فهم به عمر‪ ،‬ثم امسك نفسه وقال للرجل ‪ :‬أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فأنال منك‬
‫ما تناله مني غدا؟ أي في اآلخرة قم عافاك هللا‪ ،‬ال حاجة لنا في مقاولتك‪ .‬انه اإليمان الصادق الذي يعصم المؤمن من الخضوع ألهواء‬
‫النفس أو االستسالم لشهواتها ومغرياتها وما يترتب عنها من الخصومة والنزاع ‪ .‬لهذا فبقدر ما يتقوى إيمان الشخص وعقيدته بقدر‬
‫ما يتحلى بمكارم األخالق والعكس صحيح‪ ،‬إذ إن ضعف اإليمان يؤدي إلى االتصاف بذميم األخالق فيميل الفرد في هذه الحالة إلى‬
‫ارتكاب قبائح األفعال ‪ ،‬وسفا سف األعمال فاقدا بذلك اكبر زاجر يردعه عن ارتكاب الذنوب واالنغماس في المعاصي وهو الخوف‬
‫من عذاب هللا ‪ ،‬فتراه تائها في دروب االنحراف ‪ ،‬قليل الصبر ضيق الصدر كثير االنفعال ‪،‬شديد التوتر ال يحس بأهمية النفس وال‬
‫يشعر بقيمة الحياة‪.‬‬
‫وعلى المستوى االقتصادي ثمة ارتباط قائم وتالزم وثيق بين القيم األخالقية والمبادئ االقتصادية التي تحكم السلوك اإلنساني وذلك‬
‫بناء على نصوص الكتاب والسنة‪ .‬فاالقتصاد اإلسالمي من خصا ئصه انه اقتصاد أخالقي وعقائدي ‪،‬فال يمكن بأي حال من األحوال‬
‫أن ينفصل في مبادئه وتوجيهاته عن جانب القيم والضوابط الشرعية ‪ ،‬فهو محكوم بها وتابع لها‪ .‬وهذا الجانب يبرز بشكل واضح‬
‫على مستوى اإلطار المذهبي والفكري المحدد لالقتصاد‪ ،‬والذي يروم ضبط السلوك البشري وتهذيبه وفق قيم واعتبارات أخالقية‬
‫محددة ‪ ،‬من ذلك على سبيل المثال ربط مشروعية مختلف المعامالت‪ A‬االقتصادية بمدى مراعاة الضوابط األساسية‪ A‬والتي من أهمها ‪:‬‬
‫اإلخالص في العمل وإتقانه ‪ ،‬والتزام الصدق واألمانة والوفاء بمختلف االلتزامات المشروعة مصداقا لقوله تعالى‪ :‬يا أيها الذين امنوا‬
‫أوفوا بالعقود ( سورة المائدة‪ ،‬االية‪ .) 1 :‬باإلضافة إلى وجوب مراعاة مبدأ العدل وتحقيق التوازن في المعاوضات ‪ ،‬واستحضار‬
‫قاعدة الغنم بالغرم على مستوى المشاركات‪ A،‬ثم في نفس الوقت اجتناب كل وسائل الكسب المحرمة كالغش والربا واالحتكار والتدليس‬
‫والغرر الخ وفي ذلك يقول عز وجل ‪ :‬ياايها الذين امنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم‪.‬‬
‫( سورة ‪ ،‬اآلية‪ .)..‬وفي حديث الرسول صلى هللا عليه وسلم جملة من القيم والضوابط األخالقية التي تستهدف ضبط المعامالت‪A‬‬
‫المالية بما يحقق مبادئ العدل والتسامح واإلحسان بعيدا عن كل مظاهر الظلم والخداع واالستغالل‪ .‬قال عليه الصالة والسالم‪ :‬ان‬
‫أطيب الكسب‪ A‬كسب‪ A‬التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا‪ ،‬وإذا ائتمنوا لم يخونوا ‪ ،‬وإذا وعدوا لم يخلفوا ‪ ،‬وإذا اشتروا لم يذموا‪ ،‬وإذا‬
‫باعوا لم يطروا ‪ ،‬وان كان عليهم لم يمطلوا ‪ ،‬واذا كان لهم لم يعسروا‪(.‬سنن البيهقي) ‪ .‬وفي السياق ذاته نجد القران الكريم يحدد جملة‬
‫من التوجيهات األساسية ‪ ،‬ويرسم المعالم الصحيحة للسلوك لالقتصادي السوي‪ ،‬من ذلك مثال ما ورد من إدانة لتلك المعامالت‬
‫االقتصادية التي كانت سائدة في الجاهلية عند العرب ‪ ،‬والتي كانت قائمة على أساس االستغالل والظلم واكل أموال الناس بالباطل‬
‫ومن ذلك قوله تعالى‪ :‬ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون أال يظن أولئك أنهم‬
‫مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ( سورة المطففين ‪ ،‬اآليات ‪.)6-5-4-3-2-1:‬وقوله عز وجل ‪ :‬وما أتيتم من ربا‬
‫لتربوا في أموال الناس فال يربو عند هللا ‪ ،‬وما أتيتم من زكاة تريدون وجه هللا فأولئك هم المضعفون(‪ -‬سورة الروم اآلية‪ .)38‬ونجد‬
‫شعيبا عليه السالم يركز في دعوته على معالجة الفساد االقتصادي الذي تفشى في عصره حيث كان يؤكد في رسالته على أن االلتزام‬
‫بالدين واالستجابة ألوامر هللا عز وجل تستلزم بالضرورة إتباع أسلوب معين في استثمار األموال الشيء الذي أثار استغراب بعض‬
‫الكفار من قومه‪ ،‬يقول تعالى‪ :‬قالوا يا شعيب‬
‫ا صلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء(‪ -‬سورة هود اآلية ‪. )87.‬‬
‫وثمة حقائق أخرى تؤكدها نصوص الشرع تدل على االرتباط القائم بين المقتضيات اإليمانية والسلوكيات االقتصادية من ذلك قوله‬
‫تعالى‪ :‬الم ذلك الكتاب الريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصالة ومما رزقناهم ينفقون ‪(.‬سورة البقرة ‪ ،‬االية‪. )1‬‬
‫فاآلية الكريمة جمعت بين قيم مهمة منها ما هو عقدي ومنها ما هو سلوكي تربوي ‪ ،‬فقد تم الربط بين اإليمان بالغيب وابتغاء الحالل‬
‫على مستوى التصرف المالي وخاصة جانب اإلنفاق الذي يدخل ضمن إجراءات توزيع الدخل سدا للحاجيات المختلفة‪.‬كما ربط القران‬
‫الكريم بين اإليمان الصادق وبين اقتصاد مزدهر يحقق رفاهية اإلنسان قال تعالى‪ :‬ولو أن أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات‬
‫من السماء‪ .‬واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون‪( .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.)95.‬وبالمقابل من ذلك حذر هللا عز وجل من‬
‫أي انحراف في العقيدة وربط أثار ذلك بالحرمان من الرزق ‪ ،‬أو بعبارة أوضح الربط بين الذنوب العقيدية والعقوبات االقتصادية قال‬
‫عز وجل ‪ :‬وضرب هللا مثال قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم هللا فأذاقها هللا لباس الجوع‬
‫والخوف بما كانوا يصنعون ‪ ( .‬سورة النحل ‪ ،‬اآلية ‪.)12‬‬
‫وبناء عليه ‪ ،‬فالتشريع اإلسالمي في إطار تحديده لمختلف القيم والتوجيهات الخاصة بالسلوك اإلنساني‪ ،‬ينطلق من رؤية مقا صدية‬
‫مهمة‪ ، A‬أال وهي تحقيق مصالح اإلنسان ودرء المفاسد عنه‪ ،‬بغية تهذيب السلوك البشري بما يكفل التطبيق الصحيح لوظيفة‬
‫االستخالف وعمارة الكون‪ ،‬ووصوال إلى الغاية األسمى التي هي إخالص العبودية هلل عز وجل‪.‬‬

‫من الدراسات النفسية في القرآن‪ :‬أثر انحراف العقيدة على األمن النفسي والسلوك االجتماعي‬

‫مرهف‬

‫‪pm 05:43 ,18/11/2008 - 20/11/1429‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫إعجابات‬ ‫‪‬‬

‫[‪]align=center‬من الدراسات النفسية في القرآن الكريم‬

‫أثر انحراف العقيدة على األمن النفسي والسلوك االجتماعي‬

‫د‪ .‬مرهف عبد الجبار سقا[‪]align/‬‬

‫مدخل‪:‬‬

‫لقد اتسمت دراسة علماء النفس للشخصية بالنقص وعدم وجود نظرة كلية لتركيبته اإلنسانية الفطرية؛ ألنهم اقتصروا في تحليلهم‬
‫ودراستهم للشخصية على جوانبها البيئية والوراثية والثقافية واالجتماعية والفردية‪ ،‬وأهملوا الجانب الروحي والعقدي في تكوين‬
‫الشخصية وأثره في سويتها في تحقيق التوازن واألمن النفسي في تلك الشخصية‪ ،‬حيث نظروا إلى الشخصية باعتبارها األبنية‬
‫والعمليات النفسية الثابتة التي تنظم خبرات الفرد‪ ،‬وتشكل أفعاله واستجاباته للبيئة التي يعيش فيها؛ والتي تميزه عن غيره من الناس‪،‬‬
‫ويقسمون الشخصية على ذلك إلى‪ :‬شخصية سوية وشخصية غير سوية‪ ،‬منكرين األثر العقدي في بناء النفس اإلنسانية وتكوين‬
‫الشخصية السليمة‪ ،‬فكانت نتائج أبحاثهم عن اإلنسان مبتسرة ومتناقضة وتفتقد التكامل العلمي‪.‬‬

‫لكننا نجد القرآن الكريم يهتم ببيان مكونات الشخصية وسويتها وأمنها من جميع الجوانب ويركز باألخص على الدور العقدي في‬
‫بلورة الشخصية وأمنها وسلوكها‪ ،‬وسنجد مثاالً لذلك من خالل تناول هذه اآليات من سورة النحل‪ ،‬وهي قوله تعالى‪:‬‬

‫)وإِ َذا‬ ‫ُون(‪َ 57‬‬ ‫)و َيجْ َعلُون َ هَّلِل ِ ْال َب َنا ِ‬
‫ت ُسب َْحا َن ُه َولَ ُه ْم َما َي ْش َته َ‬ ‫ُون َنصِ يبًا ِممَّا َر َز ْق َنا ُه ْم َتاهَّلل ِ لَ ُتسْ أَلُنَّ َعمَّا ُك ْن ُت ْم َت ْف َتر َ‬
‫ُون(‪َ 56‬‬ ‫) َو َيجْ َعلُ َ‬
‫ون لِ َما اَل َيعْ لَم َ‬
‫ب أَاَل‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُب ِّش َر أَ َح ُد ُه ْم ِبا نثى ظ َّل َوجْ ُه ُه مُسْ َو ّدا َوه َُو َكظِ ي ٌم(‪َ )58‬ي َت َو َ‬
‫ً‬ ‫أْل‬
‫ارى مِنْ ال َق ْو ِم مِنْ سُو ِء َما ُبش َر ِب ِه أ ُيمْسِ ك ُه َعلى ه ٍ‬
‫ُون أ ْم َي ُد ُّس ُه فِي الت َرا ِ‬
‫ُون(‪.()59‬‬ ‫َسا َء َما َيحْ ُكم َ‬

‫نحن أمام آيات تصف حقيقة تاريخية‪ ،‬ونمطا ً سلوكيا ً ذا مرجعية عقدية‪ ،‬تصور لنا الحاالت النفسية التي يعيشها هؤالء المنكرون‬
‫المستكبرون الجاحدون؛ ليكونوا أنموذجا ً حيا ً لتوصيف الحالة النفسية لكل مخالف للفطرة من حيث اتصافها أنها غير صحيحة نفسياً‪،‬‬
‫وغير سليمة عقليا ً‪ ،‬وبالتالي حصل من صاحبها هذا السلوك المتعجرف المتناقض‪.‬‬

‫ُون َنصِ يبًا ِممَّا َر َز ْق َنا ُه ْم(‪ ،‬إذ جعلوا في‬ ‫فأول سلوك عجيب متناقض سلكه أولئك القوم‪ :‬ذكره تعالى في قوله‪َ ) :‬و َيجْ َعلُ َ‬
‫ون لِ َما اَل َيعْ لَم َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ث َواألن َع ِام َنصِ يبًا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هّلِل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫)و َج َعلوا ِ ِممِّا ذ َرأ م َِن ال َحرْ ِ‬ ‫أموالهم حقا ً لألصنام التي لم ترزقهم شيئاً‪ ،‬وال تضرهم وال تنفعهم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫َف َقالُو ْا َه َذا هّلِل ِ ِب َزعْ م ِِه ْم َو َه َذا ِل ُ‬
‫ش َر َكآ ِئ َنا ‪[(..‬األنعام‪.]136:‬‬

‫عن قتادة قال‪( :‬وهم مشركو العرب‪ ،‬جعلوا ألوثانهم نصيبا ً مما رزقناهم‪ ،‬وجزءاً من أموالهم يجعلونه ألوثانهم)([‪ ،)]1‬والتناقض في‬
‫سلوكهم هذا من جهتين‪:‬‬

‫إحداهما‪ :‬أنهم يجعلون نصيبا ً من الحرث واألموال لجماد ال حول له وال قوة؛ خوفا ً من ضره وتقربا ً من نفعه‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أنهم يعطونهم هذا النصيب من رزق هللا تعالى المنعم عليهم كل نعمة ظاهرة وباطنة‪ ،‬فبدل أن يشكروه؛ أشركوا به وشكروا‬
‫من ال يضر وال ينفع‪.‬‬

‫والسلوك الثاني الذي سلكوه هو التبرير لما يفعلونه من خالل اختالق الحجج والمسوغات إلشراكهم باهلل‪ ،‬المشار إليه في قوله‬
‫ُون (‪ ،‬فالقسم بالتاء "يختص بما يكون المقسم عليه أمراً عجيبا ً ومستغرباً‪ .. ،‬فاإلتيان في القسم هنا‬ ‫تعالى‪َ ) :‬تاهَّلل ِ لَ ُتسْ أَلُنَّ َعمَّا ُك ْن ُت ْم َت ْف َتر َ‬
‫ُون( أي تختلقون الحجج‬ ‫ً‬
‫بحرف التاء مؤذن بأنهم يُسألون سؤاال عجيبا ً بمقدار غرابة الجرم المسؤل عنه"([‪ ،)]2‬وهو أنكم ) َت ْف َتر َ‬
‫والتبريرات لما تفعلون وتقولون بأن هذه الجمادات‪ A‬آلهة‪ ،‬وأنكم ما تعبدونها إال لتقربكم من هللا زلفاً‪" ،‬واإلتيان بفعل الكون وبالمضارع‬
‫لل ّداللة على أن االفتراء كان من شأنهم‪ A،‬وكان متجدداً ومستمراً منهم‪ ،‬فهو أبلغ من أن يقال‪ :‬عمّا تفترون‪ ،‬وعمّا افتريتم"([‪.)]3‬‬

‫والتبرير سلوك يتبعه ضعيف الشخصية‪ ،‬ضعيف الحجة‪ ،‬مضطرب التفكير‪ ،‬غير متصف بالصحة النفسية‪.‬‬

‫ون هَّلِل ِ ْال َب َنا ِ‬


‫ت ُسب َْحا َن ُه َولَ ُه ْم َما‬ ‫)و َيجْ َعلُ َ‬
‫السلوك الثالث‪ :‬يتمثل في اعتقادهم‪ - ،‬وتناقض ذلك مع رغباتهم ‪ -‬وذلك في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َي ْش َته َ‬
‫ُون(‪.‬‬

‫وفي هذه اآلية بيان لثالثة أمور أساسية‪:‬‬

‫)و َج َعلُوا ْال َماَل ِئ َك َة الَّذ َ‬


‫ِين‬ ‫إحداها‪ :‬اعتقادهم بأن المالئكة بنات‪ ،‬إذ الجعل هنا أعم من كونه بالقول([‪ ،)]4‬فهو اعتقاد وقول‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ُه ْم عِ َبا ُد الرَّ حْ َم ِن إِ َن ًاثا([الزخرف‪.]19:‬‬

‫)و َج َعلُوا‬
‫والثاني‪ :‬باعتقادهم نسبتها هلل تعالى؛ حيث أنهم زعموا أن المالئكة بنات هللا من سروات([‪ )]5‬الجن‪ ،‬كما دل عليه قوله تعالى َ‬
‫َب ْي َن ُه َو َبي َْن ْال ِج َّن ِة َن َسبًا( [الصافات‪ ،]158:‬وكان هذا اعتقادَ كنانة وخزاعة من العرب([‪.)]6‬‬

‫الثالث‪ :‬رغبتهم في ذريتهم أن تكون ذكوراً فقط؛ ألن ذلك محل شرف ورفعة وقوة لهم‪ ،‬مع اعتقادهم نسبة البنات هلل تعالى‪.‬‬
‫و تناقض تفكيرهم مع سلوكهم واعتقادهم‪ ،‬دليل واضح على قصورهم العقلي واضطرابهم الفكري‪.‬‬

‫فنزه هللا تعالى ذاته العظيمة بقوله‪) :‬سبحانه( عما ينسبه المشركون من جعلهم هلل تعالى البنوة أساساً([‪.)]7‬‬

‫)وإِ َذا ُب ِّش َر أَ َح ُد ُه ْم‬


‫فاضحا ً لهم‪َ :‬‬ ‫ثم ذكر هللا تعالى أن الواحد منهم ال يرضى لنفسه بالبنت‪ ،‬فكيف يرضهن هلل تعالى‪ ،‬فقال‬
‫ب أ َسا َء َما‬ ‫اَل‬‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُون أ ْم َيد ُّس ُه فِي الت َرا ِ‬ ‫ِباأْل ُن َثى َظ َّل َوجْ ُه ُه مُسْ َو ًّدا َوه َُو َكظِ ي ٌم َي َت َو َ‬
‫ارى مِنْ ْال َق ْو ِم مِنْ سُو ِء َما ُب ِّش َر ِب ِه أَيُمْسِ ُك ُه َعلَى ه ٍ‬
‫ُون(‪ ،‬عن ابن عباس قال‪( :‬يجعلون لَ ُه البنات‪ ،‬يرضونهن لَ ُه وال يرضونهن ألنفسهم‪ ،‬وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إِ َذا ولد للرجل‬ ‫َيحْ ُكم َ‬
‫منهم جارية أمسكها‪َ A‬على هون‪ ،‬أو دسها في التراب وهي حية)([‪.)]8‬‬ ‫َ‬

‫فاآلية تخبر أن هؤالء الذين نسبوا البنت هلل سبحانه على سبيل البنوة‪ ،‬وهم يعتقدون بوجوده رباً‪ ،‬ترى أحدهم إذا أعلم بوالدة األنثى له؛‬
‫صار وجهه كل يومه كئيبا ً قد غ َّم ‪ ،‬وحاله‪ :‬أنه يخفي الغيظ الذي مأل كيانه وقلبه‪ ،‬وانتشر في أعضائه؛ يؤثر االنكفاء عن الناس‬
‫واالبتعاد عنهم العتقاده بسوء العار الذي لبسه‪ ،‬ولذلك فهو يحتار فيما يفعل‪ ،‬ويضطرب في حكمه‪ ،‬وتراه حائراً ثائراً يضرب الكف‬
‫على الكف ويترنح متردداً في شأنه‪ ،‬ويحدث نفسه يقول‪ :‬أَأ ُبقي هذه البنت حية حبيسة عندي‪ ،‬وأقيم على الذل والهوان الذي أصابني‬
‫وتتحدث عني العرب؛ أم أدفنها في التراب‪ ،‬ألخفي هذا العار‪ ،‬وبذلك يبقى رأسي مرفوعا ً عزيزاً‪.‬‬

‫) أال ساء ما يحكمون( وما ذلك إال ألنهم بلغوا من كراهة البنت أعظم الغايات؛ هم أنفسهم يجعلون ما هذا شأنه من الهون والحقارة هلل‬

‫ُون أَصْ َط َفى ْال َب َنا ِ‬


‫ت َعلَى ْال َبن َ‬
‫ِين َما‬ ‫وهو المتعالي عن الصاحبة والولد )أَال إِ َّن ُه ْم مِنْ إِ ْفك ِِه ْم لَ َيقُولُ َ‬
‫ون َولَ َد هَّللا ُ َوإِ َّن ُه ْم لَ َكا ِذب َ‬
‫ُون( [الصافات‪.]154- 151 :‬‬‫ْف َتحْ ُكم َ‬
‫لَ ُك ْم َكي َ‬

‫هذه اآليات توجب على المختصين في علم النفس أن يجعلوا الجانب العقدي في صميم دراسة الشخصية اإلنسانية والصحة النفسية‪،‬‬
‫وأن يركزوا على أثر االعتقادات الفاسدة في سلوك صاحبها وصحته النفسية والعقلية‪.‬‬

‫فالناظر في األنماط السلوكية التي ذكرها القرآن لمختلف فئات الناس؛ يجد أن القرآن يركز على الدور العقدي لدوافع السلوك‪ ،‬وبلورة‬
‫هذه العقيدة ألعراف الناس وتقويمهم‪ ،‬وتقرير األسلوب األمثل لحياتهم‪ ،‬كما ويصور القرآن الحالة النفسية الداخلية لمكونات الشخصية‬
‫بناء على اعتقاد صاحب هذه الشخصية‪.‬‬

‫فاآليات هنا تنكر نمطا ً سلوكيا ً واجتماعيا ً كان موجوداً في عادات بعض العرب في الجاهلية‪ ،‬وبقي إلى أول زمن بعثة النبي‬

‫‪ ،‬ف ُتصوِّ ر االنفعاالت النفسية لهم‪ ،‬وأثرها على سويتهم الشخصية والسلوكية‪ ،‬في سياق عقدي وقالب بياني ذي‬
‫دالئل نفسية‪ ،‬وهو ما يتعارف عليه في علم النفس بالموقف النفسي(([‪.))]9‬‬

‫" فاالنحراف في العقيدة – كما تبينه اآليات ‪ -‬ال تقف آثاره عند حدود العقيدة‪ ،‬بل يسري في أوضاع الحياة االجتماعية ويدخل ضمن‬
‫تقاليدها‪ ،‬ألن العقيدة هي المحرك األول للحياة‪ ،‬سواء ظهرت أو كمنت‪...‬ومن هنا فإن انحراف الجاهليين عن العقيدة الصحيحة سول‬
‫لهم وأد البنات أو اإلبقاء عليهن في الذل والهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة"([‪.)]10‬‬

‫وهكذا فاسوداد الوجه‪ ،‬وحالة الكظم‪ :‬انفعاالت محرقة ودوافع قوية لطبع عدواني‪ ،‬والتواري عن الناس وحديث النفس فيما يقوم به من‬
‫سلوك‪ ،‬ما هو إال ترجمة الضطراب في الشخصية والبنية النفسية‪ ،‬وفقدان السيطرة على هذه االنفعاالت وعدم تحكيمها للفطرة‬
‫الربانية ينشأ عنها الفعل اإلجرامي‪ :‬الوأد‪ ،‬أو جريمة اجتماعية‪ :‬إهانة البنت وإذاللها‪ ،‬وينعدم بذلك األمن النفسي‪ ،‬واألمن االجتماعي‬
‫والبيئي‪.‬‬

‫علما ً أن هذه الدوافع واالنفعاالت والسلوكيات الفاسدة والمنحرفة والمتطرفة؛ ليست قاصرة على مشركي العرب وأبناء جاهليتهم‪ ،‬بل‬
‫هي مثال لكل من يخالف الفطرة الربانية‪ ،‬ويعتقد عقائد فاسدة‪ ،‬حيث إن أثر اعتقاده الفاسد ال محالة سيظهر في سلوكه على نمط‬
‫إجرامي في حق نفسه أو في حق اآلخرين‪ ،‬وواقعنا الذي نعيشه أكبر برهان على ذلك كله‪ ،‬فنسب انتشار الجريمة في أرقى بالد العالم‬
‫مدنية ورفاهية ال تليق بالحالة االجتماعية والبيئية والرفاهية التي يتلقاها مواطنو تلك البالد‪ ،‬وما كانت هذه الجرائم لتزداد لوال األثر‬
‫العقدي الفاسد على سوء حال المجرمين إلى الشذوذ واالنحراف‪.‬‬
‫ولو ألقينا نظرة إلى نسب االنتحار ـ مثالً ـ في الدول التي انحرفت عن الفطرة لتجلت لنا حقيقة المواقف النفسية لهؤالء المخالفين‬
‫للفطرة الربانية الطاهرة‪.‬‬

‫وهذه اآليات أيضا ً تبين للمختصين في اإلرشاد النفسي ‪ -‬في السجون أو المدارس ‪ -‬الطريق القويم لتعديل سلوك التائهين والمنحرفين‪،‬‬
‫بأن يعتنوا بالجانب العقدي الذي يؤسس مبادئ الصحة النفسية وتوازن الشخصية اإلنسانية لهؤالء‪.‬‬

‫كما تبين هذه اآليات أن الحل األنسب لرفع الظلم عن المرأة في هو تصحيح العقيدة والتزام الشريعة‪ ،‬ألن أبرز جوانب العقيدة‬
‫اإلسالمية يتجلى بتصحيح تصور اإلنسان لنفسه‪ ،‬واستشعاره أنه مخلوق مملوك هلل تعالى ال يحق له أن يتصرف في نفسه أو في غيره‬
‫كما يريد‪ ،‬وأن الناس في الخلق سواء وفي حق الحياة سواء وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫([‪ )]1‬ـ أخرجه ابن جرير ‪ ، 17/226‬وأخرجه أيضا ً عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم‪ ،‬انظر الدر المنثور‪.4/135‬‬

‫([‪ )]2‬ـ التحرير والتنوير ‪.14/181‬‬

‫([‪ )]3‬ـ التحرير والتنوير ‪. 14/182‬‬

‫([‪ )]4‬ـ انظر‪ :‬أبو السعود ‪ ،5/121‬وفسر الجعل في التحرير والتنوير ‪ 14/182‬بالقول‪.‬‬

‫([‪ )]5‬ـ أي أن المالئكة أتت من ظهور الجن‪ ،‬والسروات الظهر انظر القاموس المحيط مادة سرو‪.‬‬

‫([‪ )]6‬ـ انظر‪ :‬البغوي ‪ ،5/24‬القرطبي ‪ ،10/77‬الرازي ‪ ،20/44‬زاد المسير ‪.4/334‬‬

‫([‪ )]7‬ـ انظر الرازي ‪ ،20/44‬أبو السعود ‪. 5/121‬‬

‫([‪ )]8‬ـ أخرجه ابن جرير ‪ 17/228‬ط الرسالة‪ ،‬وابن المنذر وابن أبي حاتم (‪ ،)13397‬وابن مردويه‪ ،‬انظر‪ :‬الدر المنثور ‪.4/135‬‬

‫أن يعتق عن كل بنت منهن نسمة أخرجه‬ ‫كما ورد أن قيس بن عاصم وارى ثمان بنات في الجاهلية وأمره النبي‬
‫البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح انظر‪ :‬مجمع الزوائد للهيثمي ‪ ،7/238‬واإلصابة البن حجر ‪ 3/353‬ط دار صادر‬

‫([‪ )]9‬ـ والموقف في الحياة النفسية هو مجموعة من العوامل االنفعالية التي تجعل صاحبها يقوم بنوع مركزي من السلوك تدور حوله‬
‫تلك االنفعاالت بجوانبها اإليجابية والسلبية‪ ،‬فالموقف في الدراسات النفسية يتضمن ثالثة عوامل متفاعلة‪ :‬أ ـ النمط السلوكي وما خلفه‬
‫من دوافع خاصة تؤثر في نوعية السلوك ودرجته‪.‬‬

‫ب ـ اإلنسان نفسه في مجموعه ككل في أبعاده التكوينية‪.‬‬

‫ج ـ المحيط البيئي بكل مقوماته المتعددة وال سيما المجال النفسي االجتماعي الذي يعيشه ذلك اإلنسان‪.‬‬

‫انظر‪ :‬لمحات نفسية في القرآن الكريم د عبد الحميد محمد الهاشمي صـ‪،128‬ط رابطة العالم اإلسالمي من سلسة دعوة الحق العدد‬
‫‪ 11‬السنة ‪ 1402‬هـ ‪.‬‬
‫([‪ )]10‬ـ ظالل القرآن ‪.2177 /4‬‬

‫([‪ )]1‬ـ أخرجه ابن جرير ‪ ، 17/226‬وأخرجه أيضا ً عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم‪ ،‬انظر الدر المنثور‪.4/135‬‬

‫([‪ )]1‬ـ التحرير والتنوير ‪.14/181‬‬

‫([‪ )]1‬ـ التحرير والتنوير ‪. 14/182‬‬

‫([‪ )]1‬ـ انظر‪ :‬أبو السعود ‪ ،5/121‬وفسر الجعل في التحرير والتنوير ‪ 14/182‬بالقول‪.‬‬

‫([‪ )]1‬ـ أي أن المالئكة أتت من ظهور الجن‪ ،‬والسروات الظهر انظر القاموس المحيط مادة سرو‪.‬‬

‫([‪ )]1‬ـ انظر‪ :‬البغوي ‪ ،5/24‬القرطبي ‪ ،10/77‬الرازي ‪ ،20/44‬زاد المسير ‪.4/334‬‬

‫([‪ )]1‬ـ انظر الرازي ‪ ،20/44‬أبو السعود ‪. 5/121‬‬

‫([‪ )]1‬ـ أخرجه ابن جرير ‪ 17/228‬ط الرسالة‪ ،‬وابن المنذر وابن أبي حاتم (‪ ،)13397‬وابن مردويه‪ ،‬انظر‪ :‬الدر المنثور ‪.4/135‬‬

‫أن يعتق عن كل بنت منهن نسمة أخرجه‬ ‫كما ورد أن قيس بن عاصم وارى ثمان بنات في الجاهلية وأمره النبي‬
‫البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح انظر‪ :‬مجمع الزوائد للهيثمي ‪ ،7/238‬واإلصابة البن حجر ‪ 3/353‬ط دار صادر‬

‫([‪ )]1‬ـ والموقف في الحياة النفسية هو مجموعة من العوامل االنفعالية التي تجعل صاحبها يقوم بنوع مركزي من السلوك تدور حوله‬
‫تلك االنفعاالت بجوانبها اإليجابية والسلبية‪ ،‬فالموقف في الدراسات النفسية يتضمن ثالثة عوامل متفاعلة‪ :‬أ ـ النمط السلوكي وما خلفه‬
‫من دوافع خاصة تؤثر في نوعية السلوك ودرجته‪.‬‬

‫ب ـ اإلنسان نفسه في مجموعه ككل في أبعاده التكوينية‪.‬‬

‫ج ـ المحيط البيئي بكل مقوماته المتعددة وال سيما المجال النفسي االجتماعي الذي يعيشه ذلك اإلنسان‪.‬‬

‫انظر‪ :‬لمحات نفسية في القرآن الكريم د عبد الحميد محمد الهاشمي صـ‪،128‬ط رابطة العالم اإلسالمي من سلسة دعوة الحق العدد‬
‫‪ 11‬السنة ‪ 1402‬هـ ‪.‬‬

‫([‪ )]1‬ـ ظالل القرآن ‪.2177 /4‬‬

‫‪ ‬‬

You might also like