Professional Documents
Culture Documents
أثر سلامة المعتقد على حياة الفرد وأمن المجتمع
أثر سلامة المعتقد على حياة الفرد وأمن المجتمع
المقدمة
الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ،كما يليق بجالل هللا ،وعظيم سلطانه ،وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد الذي
اصطفاه ،فأنزل عليه القرآن ،وأمره بتبليغه للناس وبيانه ،وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين ،أما بعد :
فمما Aال ريب فيه أن كل مسلم في حاجة شديدة للتذكير بحق هللا ،وحق عباده ،والترغيب في أداء ذلك ،وفي حاجة شديدة أيضا إلى
التواصي بالحق ،والصبر عليه ،وتحمل األذى الحاصل من جراء التمسك به ،وقد أخبر هللا – سبحانه وتعالى – في كتابه المبين
عن صفة الناجين وأعمالهم الحميدة ،وعن صفة الخاسرين وأعمالهم الذميمة ،وذلك في آيات كثيرة في كتاب هللا – تعالى – وفي
سنة رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – وأجمع على ذلك العلماء ،فمن ذلك ما ذكر هللا – سبحانه – في سورة العصر ﴿ َو ْال َعصْ ِر *
صب ِْر ﴾ [سورة َوالعصر :اآلية ، ]3-1فبين اص ْوا ِب ْال َح ِّق َو َت َوا َ
ص ْوا ِبال َّ ِين آ َم ُنوا َو َع ِملُوا الصَّال َِحا ِ
ت َو َت َو َ ان لَفِي ُخسْ ٍر * إِالَّ الَّذ َ
اإلن َس َ
إِنَّ ِ
هللا – جل وعال – في هذه السورة العظيمة أسباب الفوز والربح ،وأنها تنحصر في أربع صفات :
أولها :اإليمان باهلل وبرسوله – صلى هللا عليه وسلم – وجميع ما يجب اإليمان به .
فمن كمل هذه المقامات ، Aفقد فاز بأعظم الربح ،من الكرامة ،والفوز بالنعم في يوم القيامة ،ومن حاد عن هذه الصفات ،ولم يتخلق
صالِحً ا مِّن
بها باء بأعظم الخسران ،وما يتبع ذلك من المصير إلى الجحيم ،إلى دار الذل والهوان ،يقول ربي وربكم ﴿ َمنْ َع ِم َل َ
َذ َك ٍر أَ ْو أُن َثى َوه َُو م ُْؤ ِمنٌ َفلَ ُنحْ ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َولَ َنجْ ِز َي َّن ُه ْم أَجْ َرهُم ِبأَحْ َس ِن َما َكا ُنوا َيعْ َملُ َ
ون ﴾ [سورة النحل :اآلية . ]97
وهذا وعد كريم من الرب الرحيم ،بأن من آمن به وبرسوله حقا ،وعمل بموجب هذا اإليمان من األعمال الصالحة ،فقد تكفل هللا له
بأن تطيب له الحياة الدنيا ،وأن تطيب له كذلك اآلخرة ،سواء كان ذكرا أو أنثى .
والحياة الطيبة في الدنيا ليس من شرطها الثراء ،ور َغد العيش ،ولكن قد تكون به ،وقد تكون بدونه ،فمِن أعظم أنواع َّ
الطيِّبات في
ُ
التعلق باهلل – جل وعال – والتوكل عليه ،والطمأنينة بذكره ،واألنس بمناجاته ،وراحة القلب من الحيرة والتشتت . الحياة الدنيا
ومن طيب الحياة أيضا الصحة والعافية والقناعة ،ومحبة الخير ،ومحبة أهله .
إذن من شرط الربح والسعادة الحقيقيين والنجاة والوصول إلى الحياة الطيبة اإليمان ،وهذا هو العنصر األول من أركان العناصر
التي سأتحدث عنها .
واإليمان – كما هو في عقيدة أهل السنة والجماعة – قول وعمل واعتقاد ،يزيد بالطاعة ،وينقص بالعصيان ،وهذه الجوانب الثالثة
تشمل الدين كله ،وهذا ما دل عليه الحديث المشهور المخرج في الصحيحين وغيرهما ،عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن النبي
– صلى هللا عليه وسلم – قال « :اإليمان ِب ضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة ،فأفضلها قول ال إله إال هللا ،وأدناها إماطة
األذى عن الطريق ،والحياء شعبة من اإليمان » ( . )1
وهذا الحديث الصحيح واضح الداللة على أن اإليمان درجات وخصال وأعمال ،لكن يجمعها أنها كلها من اإليمان ،وإخراج هذه
األعمال من اسم اإليمان خطأ ،ومخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسنة .
شعب Aاإليمان
وأعلى هذه الشعب وأساسها شهادة أال إله إال هللا ،فال إله إال هللا ،هي أعظم كلمة ،وأفضل كلمة ،وهي مفتاح العقيدة ،ومفتاح
الجنة ،ومعناها :ال معبود ِب َح ٍّق إال هللا ،فال أحد يستحق العبادة والتذلل والخضوع إال هللا ،وما عداه من اآللهة المزعومة كله
ون َخ ْي ٌر أَ ِم هَّللا ُ َ
الوا ِح ُد ال َقهَّا ُر ﴾ [سورة يوسف :اآلية . ]39 باطل ،قال – تعالى – ﴿ أَأَرْ َبابٌ ُّم َت َفرِّ قُ َ
فتوحيد هللا الذي دلت عليه هذه الكلمة هو أساس الدين ،وأول واجب على المكلف ،وعليه مدار دعوة الرسل ،من أولهم إلى
آخرهم ،قال – تعالى – ﴿ َولَ َق ْد َب َع ْث َنا فِي ُك ِّل أ ُ َّم ٍة رَّ سُواًل أَ ِن اعْ ُبدُوا هَّللا َ َواجْ َت ِنبُوا َّ
الطا ُغوتَ ﴾ [سورة النحل :اآلية . ]36
فمن حقق هذا التوحيد فقد بنى حياته وأعماله على أساس صالح ،واستثمر حياته وأعماله استثمارا طيبا ،ومن لم يحقق هذا التوحيد
فقد وقع في الشرك ،وبنى حياته وأعماله على أساس فاسد ،وكانت ثمرته وعاقبته وخيمة – نسأل هللا العافية – .
وهذا التوحيد هو الذي تصلح به الحياة ،وتزكو به األعمال ،يشمل توحيد الربوبية ،وتوحيد األلوهية ،وتوحيد األسماء Aوالصفات ،
وهذه الثالثة متداخلة ،وبعضها متضمن لبعض ،ونصوص الكتاب والسنة الدالة عليها ال حصر لها ،فاإليمان باهلل معناه االعتقاد
الجازم بأن هللا رب كل شيء ،وأنه المستحق وحده للعبادة ،وأنه المتصف بصفات الكمال ،المنزه عن كل عيب ونقص ،وهذا
التوحيد إذا حققه اإلنسان ،وحققته الجماعة ،حصل لهم من اآلثار ،والثمرات العظيمة في حياتهم ما ال يمكن حصره .
آثار التوحيد
أوال التعلق باهلل وحده رجاء وخوفا ورغبة ورهبة وتوكال واستعانة ،فبهذا تحصل قوة القلب وشجاعته ،وعدم الرهبة من
المخلوقين ،والتعلق بهم ،والعمل الجاد في الحياة ،ث ً
ِقة باهلل ،وتعرُّ ضا لتوفيقه وتسديده ،وهذا التعلق باهلل يورث اإلخالص في
األعمال كلها هلل وحده ،وعدم النظر إلى المخلوقين ،فيكون الموحد في جميع أعماله ،ال يبتغي إال وجه هللا وثوابه ،ال يهمه نظر
المخلوقين ،وال مدحهم وذمهم ،أو إعطاؤهم ومنعهم ،فأمره كله هلل .
ثانيا :حصول الطمأنينة والراحة ،وانشراح الصدر ،واالستقرار النفسي لإلنسان ،فمن يعبد ربا واحدا يعرف مُراده ،فما يرضيه
ُون ب هَّللا ُ َمثَاًل رَّ ُجاًل فِي ِه ُ
ش َر َكا ُء ُم َت َشا ِكس َ ض َر َ
يفعله ،وما يُسخطه يتجنبه ،ال يتساوى مع من يعبد آلهة متعددة ،قال هللا – تعالى – ﴿ َ
ُون ﴾ [سورة الزمر :اآلية . ]29 الح ْم ُد هَّلِل ِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم اَل َيعْ لَم َ
ان َمثَاًل َ
َو َر ُجاًل َسلَمًا لِّ َرج ٍُل َه ْل َيسْ َت ِو َي ِ
وقد شرح اإلمام ابن القيم – رحمه هللا – هذه اآلية ( ، )2فقال :هذا مثل ضربه هللا – سبحانه – للمشرك والموحد ،فالمشرك
بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون ،والرجل المتشاكس :الضيق الخلق ،فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى ُ
شبّه
بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته ،ال يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين ،والموحد لما كان يعبد هللا وحده ،فمثله كمثل عبد لرجل
واحد ،قد سلم له ،وعلم مقاصده ،وعرف الطريق إلى رضاه ،فهو في راحة من َتشاحُن ال ُخلطاء فيه ،بل هو سالم لمالكه من غير
تنازع فيه ،مع رأفة مالكه به ،ورحمته له ،وشفقته عليه ،وإحسانه إليه ،وتوليه لمصالحه ،فهل يستوي هذان العبدان ؟
وهذا من أبلغ األمثال ،فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ،والتفاته إليه ،وقيامه بمصالحه ما يستحق صاحب
الحمْ ُد هَّلِل ِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم اَل َيعْ لَم َ
ُون ﴾ [سورة النحل :اآلية . ]75انتهى كالمه . الشركاء المتشاكسين ﴿ َ
ثالثا :من عرف هللا حقا ،بأسمائه وصفاته ،ووحده في عبادته أَ ْورث ذلك عنده من التعظيم والخضوع والخوف والحياء منه –
سبحانه – ما يدفعه إلى فعل ما أمر به ،واجتناب ما نهى عنه ،والبعد عن َم َساخِطِ ه Aومعاصيه ،ومحاسبة النفس على تقصيرها في
ِين اَل َيعْ لَم َ
ُون ﴾ [سورة الزمر :اآلية ]9 ُون َوالَّذ َ
ِين َيعْ لَم َجنب هللا ،ودوام المراقبة له – سبحانه – قال – تعالى – ﴿ قُ ْل َه ْل َيسْ َت ِوي الَّذ َ
هَّلِل
ُون ِ َو َقارً ا ﴾ [سورة نوح :اآلية . ]13 ،وقال ﴿ إِ َّن َما َي ْخ َشى هَّللا َ مِنْ عِ َبا ِد ِه ال ُعلَ َما ُء ﴾ [سورة فاطر :اآلية ، ]28وقال ﴿ َما لَ ُك ْم اَل َترْ ج َ
وكلما قوي إيمان العبد وتوحيده ،كلما قل ارتكابه للمحرمات ،وقل وقوعه في المعاصي ،وإذا قلّت معاصي العبد ،قلّت معاصي
المجتمع ،فانتشر الخير ،وعمت البركات ،ولهذا جاء نفي اإليمان الواجب عمن وقع في كبائر الزنا ،وشرب الخمر ،أو السرقة ،
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي هللا عنه – قال قال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – « :ال يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن ،وال يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ،وال يسرق حين يسرق وهو مؤمن ،وال ينتهب ُنهبة يرفع
الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن » ( . )3
رابعا :ومن آثار صحة اإليمان ،وتحقيق التوحيد ،كمال العقل ،وصحة الرأي ،وسداد النظر ،وقوة الفراسة ،وحدّة البصر ،
وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء ،وفي هذا المعنى يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية – رحمه هللا – ( : )4من المعلوم أن أهل الحديث
يُشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ،ويمتازون عنهم بما ليس عندهم ،فإن المنازع لهم ال بد أن يذكر فيما يخالفهم
فيه طريقا أخرى ،مثل المعقول والقياس والرأي والكالم والنظر واالستدالل والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد
والذوق ،ونحو ذلك ،وكل هذه الطرق ألهل الحديث صفوتها وخالصتها ،فهم أكمل الناس عقال ،وأعدلهم قياسا ،وأصوبهم رأيا ،
وأس ُّد هم كالما ،وأصحهم نظرا ،وأهداهم استدالال ،وأقومهم جدال ،وأتمهم فراسة ،وأصدقهم إلهاما ، Aوأحدهم بصرا ومكاشفة، A
وأصوبهم سمعا ومخاطبة ،وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا ،وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر األمم ،وألهل السنة والحديث
أح ّد وأسد عقال ،وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم بالنسبة إلى سائر الملل ،فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين َ
واألعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال ،وكذلك أهل السنة والحديث ،تجدهم كذلك متمتعين ،وذلك ألن اعتقاد الحق
ِين اهْ َتدَ ْوا َزادَ ُه ْم ه ًُدى َوآ َتا ُه ْم َت ْق َوا ُه ْم ﴾ [سورة محمد :اآلية ]17وقال ﴿ َولَ ْو الثابت يُقوي اإلدراك ويصححه ،قال – تعالى – ﴿ َوالَّذ َ
ان َخيْرً ا لَّ ُه ْم َوأَ َش َّد َت ْث ِبي ًتا * َوإِ ًذا َت ْي َناهُم مِّن ل ُد َّنا أجْ رً ا َعظِ يمًا * َولَ َه َد ْي َنا ُه ْم صِ َراطا مُّسْ َتقِيمًا ﴾ [سورة النساءA
ً َ َّ آَّل ون ِب ِه لَ َك َ
ظ َأَ َّن ُه ْم َف َعلُوا َما يُو َع ُ
:اآلية . ]68-66
خامسا : Aومن آثار اإليمان والتوحيد حصول األمن األمان ،وعصمة الدماء واألموال واألعراض ،فمن يؤمن بال إله إال هللا ،ويحقق
لوازمها ومقتضياتها ،فإنه يأمن على نفسه ،ويأمنه غيره ،ممن يعيش في المجتمع ،ألنه يعرف ما يحل له فيأخذه ،ويعرف ما
يحرم عليه فيتركه ،فينكفّ عن االعتداء والظلم والعدوان ،وهضم حقوق اآلخرين ،تفاعال مع عقيدته التي تملي عليه ذلك ،فتحل
في المجتمع المحبة ،والمواالة في هللا ،والتعاون على الخير والرحمة والمودة ،ونصرة المظلوم ،ونصرة المظلوم ،وكف الظالم .
ولنعتبر بحال العرب قبل اإلسالم ،فإنهم كانوا أعداء متناحرين ،يفتخرون بالقتل والسلب والنهب ،فلما دانوا بالتوحيد ،وتحقق
ت هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ ُكن ُت ْم أَعْ َدا ًء
اإليمان في قلوبهم وجوارحهم ،أصبحوا إخوة متحابين آمنين مطمئنين ،قال هللا – تعالى – ﴿ َو ْاذ ُكرُوا نِعْ َم َA
وب ُك ْم َفأَصْ َبحْ ُتم ِبنِعْ َم ِت ِه إِ ْخ َوا ًنا ﴾ [سورة آل عمران :اآلية . ]103 َفأَلَّ َ
ف َبي َْن قُلُ ِ
وقال – صلى هللا عليه وسلم – « :من قال ال إله إال هللا ،وكفر بما يُعبد من دون هللا حرُم ماله ودمه ،وحسابه على هللا » ( . )5
سادسا : Aومن آثار عقيدة التوحيد واإليمان ،اجتماع القلوب على الحق ،ووحدة الكلمة ،وبذلك تحصل القوة للمسلمين ،واالنتصار
على أعدائهم ،وحصول السيادة ،واالستخالف في األرض ،والثبات أمام األعداء ،وأمام التيارات واألفكار الباطلة ،واألديان
الفاسدة ،قال هللا – تعالى – ﴿ َواعْ َتصِ مُوا ِب َحب ِْل هَّللا ِ َجمِيعً ا َواَل َت َفرَّ قُوا ﴾ [سورة آل عمران :اآلية ، ]103فاالختالف في العقيدة
ِين َفرَّ قُوا دِي َن ُه ْم َو َكا ُنوا شِ َيعًا لَّسْ تَ ِم ْن ُه ْم فِي َشيْ ٍء إِ َّن َما أَمْ ُر ُه ْم إِلَى هَّللا ِ
يسبب التفرق والنزاع والتناحر ،قال هللا – عز وجل – ﴿ إِنَّ الَّذ َ
ُث َّم ُي َن ِّب ُئهُم ِب َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ
ون ﴾ [سورة األنعام :اآلية . ]159
ولننظر إلى حال الصدر األول من هذه األمة ،وكيف تآلفوا بهذا التوحيد ،وبهذه العقيدة ،وفتحوا العالم في مدة قليلة ،وسادوا على
الناس بهذا اإلسالم قبل الفرقة واالنقسام الحاصل .
هذه بعض آثار توحيد هللا واإليمان به ،وهذا كله من آثار كلمة “ال إله إال هللا” التي إذا اعتقدها المسلم ،وعمل بمقتضاها ،تحقق في
المجتمع هذه الثمار الطيبة ،واآلثار العظيمة .
فهذه هي الشعبة األولى من شعب Aاإليمان ،وعليها تنبني كل شعب اإليمان المذكورة في الحديث ،ومن هذه الشعب : Aاإليمان بالرسل
واألنبياء ،من لدن آدم – عليه السالم – إلى آخرهم ،وهو نبينا محمد – صلى هللا عليه وسلم – قال – تعالى – ﴿ آ َم َن الرَّ سُو ُل ِب َما
ون ُك ٌّل آ َم َن ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه اَل ُن َفرِّ ُق َبي َْن أَ َح ٍد مِّن رُّ ُسلِ ِه َو َقالُوا َسمِعْ َناَ Aوأَ َطعْ َنا ُغ ْف َرا َن َ
ك َر َّب َنا َوإِلَي َ
ْك نز َل إِلَ ْي ِه مِن رَّ ِّب ِه َو ْالم ُْؤ ِم ُن َُ
أ ِ
المَصِ ي ُر ﴾ [سورة البقرة :اآلية . ]285
وقال نبيكم – صلى هللا عليه وسلم – في حديث جبريل المشهور ،عندما سأله عن اإليمان « :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله
واليوم اآلخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره » (. ) 6
ُون أَن ُي َفرِّ قُوا َبي َْن هَّللا ِ َو ُر ُس ِل ِه ُون ِباهَّلل ِ َو ُر ُسلِ ِه َوي ُِريد َ وقال – جل وعال – في بيان كفر من لم يؤمن بجميع الرسل ﴿ إِنَّ الَّذ َ
ِين َي ْكفُر َ
ين َع َذابًا م ُِّهي ًنا ﴾ [سورة َ ًّ
ُون َحقًاَّ Aوأعْ َت ْد َنا ل ِْل َكاف ِِر َ
ِك ُه ُم ال َكافِر َ ُ
ُون أَن َي َّتخ ُِذوا َبي َْن َذل َِك َس ِبياًل أ ْولَئ َ
ض َوي ُِريد َ ض َو َن ْكفُ ُر ِب َبعْ ٍ َو َيقُولُ َ
ون ُن ْؤمِنُ ِب َبعْ ٍ
النساء :اآلية ، ] 151واإليمان بهم يتضمن التصديق بهم إجماال ،والتصديق برساالتهم ،وأنها حق من عند هللا ،كما يتضمن
التصديق بما جاء مفصال في كتابنا الكريم ،ومن اإليمان بهم العمل بشريعة من أرسل إلينا ،وهو محمد – صلى هللا عليه وسلم –
المرسل إلى جميع الناس إلى يوم القيامة ،وهو خاتم الرسل والنبيين ،وواجب علينا تصديقه فيما أخبر من األمور الماضية
والمستقبلة ،كما يجب علينا طاعته فيما أمر به ،واجتناب ما نهى عنه ،يقول ربكم ﴿ أَطِ يعُوا هَّللا َ َوأَطِ يعُوا الرَّ سُو َل ﴾ [سورة النساء :
اع هَّللا َ ﴾ [سورة النساء :اآلية ، ]80وقال – عليه الصالة والسالم – في الحديث المخرج اآلية ]59ويقول ﴿ َمن يُطِ ِع الرَّ سُو َل َف َق ْد أَ َط َ
في صحيح البخاري « :كل أمتي يدخلون الجنة إال َمن أبى » .قالوا :ومن يأبى ؟ قال َ « :من أطاعني دخل الجنة ،ومن عصاني
فقد أبى » ( . )7
ومن اإليمان به محبته ،وتقديمها على محبة الولد والوالد والناس أجمعين ،كما قال – – عليه الصالة والسالم – – « :ال يؤمن
أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » ( . )8متفق عليه .
ومن اإليمان بالرسول – صلى هللا عليه وسلم – العمل بشريعته ،وتحكيمها في جميع األمور ،دقيقها وجليلها ،قال هللا – تعالى –
ُوك فِي َما َش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم اَل َي ِجدُوا فِي أَنفُسِ ِه ْم َح َرجًا ًِّّّ Aممَّا َق َ
ضيْتَ َو ُي َسلِّمُوا َتسْ لِيمًا ﴾ [سورة النساء :اآلية ون َح َّتى ي َُح ِّكم َ
ِّك اَل ي ُْؤ ِم ُن َ
﴿ َفالَ َو َرب َ
، ] 65وما ذكر آنفا هو معنى شهادة أن محمدا رسول هللا ،التي هي الشق الثاني من الشهادة ، Aفال تقبل شهادة “أال إله إال هللا” إال
معها Aشهادة “أن محمدا رسول هللا” .
واإليمان بالرسل عموما ،وبمحمد – صلى هللا عليه وسلم – خصوصا يورث محبتهم وتعظيمهم ،والثناء عليهم بما يليق بهم ،من
غير ُغلُوّ ،وال جفاء ،ألن الواسطة بين هللا وبين خلقه بلغوا للناس رسالة هللا ،وأوامره ونواهيه ،ونصحوا للخلق ،وبينوا لهم كيف
يعبدون هللا ،ويصلون إلى ما يرضيه ،وهذا من رحمة هللا بعباده ،وعنايته بهم ،فلوال رسالة الرسل لكان الناس في ظلمات الجهل
يعمهون ،ألن العقول البشرية ال تستقل بمعرفة تفاصيل ما يجب ما يجب هلل ،وما يستحقه من صفات الكمال ،وما ُي َقرّب إلى
مرضاته ،ويباعد من َس َخطِ ه وعقوباته – وإن ظن بعض الناس غير ذلك – .
واإليمان بالرسول – صلى هللا عليه وسلم – يستوجب شكر هللا – تعالى – على هذه النعمة ،والتمسك بهديه ،وتقديم قوله على قول
كل أحد ،ألن الهدى كله ،والصراط المستقيم هو ما جاء به – عليه الصالة والسالم – قال هللا – تعالى – ﴿ لَ َق ْد مَنَّ هَّللا ُ َعلَى الم ُْؤ ِمن َ
ِين
ين ﴾ [سورة آل الل م ُِّب ٍ
ض ٍ اب َو ْال ِح ْك َم َة َوإِن َكا ُنوا مِن َق ْب ُل َلفِي َ ِيه ْم َرسُواًل مِّنْ أَنفُسِ ِه ْم َي ْتلُو َعلَي ِْه ْم آ َيا ِت ِه َوي َُز ِّك ِ
يه ْم َوي َُعلِّ ُم ُه ُم ال ِك َت َ ثف ِإِ ْذ َب َع َ
عمران :اآلية . ]164
متى ما جرد الفرد المسلم اتباعه للرسول – صلى هللا عليه وسلم – وكذلك المجتمع المسلم ،فقد رشد واهتدى ،وصار له نور يمشي
به في هذه الحياة ،وانحلت المشكالت ،وانكشفت المعضالت ،وخرج المجتمع من الظلمات إلى النور ،وانظروا في سيرة نبيكم –
صلى هللا عليه وسلم – وفي سيرة الخلفاء الراشدين من بعده ،فسوف تجدون ذلك واضحا جليا .
ومن تحقيق شهادة “أن محمدا رسول هللا” إظهار إجالله وتوقيره وتعظيمه ،وحماية جانبه الكريم من التنقص ،ومن الطعن ،ومن
الشتم ،وبذلك تحصل العزة والكرامة والنصر والتأييد لألمة ،أفرادا ومجتمعا .
ُط من ْقد ره ،أو يطعن في شخصه ،أو رسالته ،أو يعترض على حكم من أحكامه ،أو حديث ومن أظهر في المجتمع شيئا مما يح ّ
من أحاديثه الثابتة ،فقد خسر خسرانا مبينا ،إذا ظهر شتم النبي – صلى هللا عليه وسلم – في المجتمع ،ولم يؤخذ على أيدي هؤالء
السفهاء المستهزئين الساخرين بالرسول ،أو سنته وشرعه ،كانوا أهال ألن ينتقم هللا – تعالى – لنبيه منهم ،ويذيقهم من العقوبات ،
ويذهب عنهم األمن ،ويسلط عليهم أنواعا من البالء واألذى ،نسأل هللا العفو والعافية .
اإليمان بالمالئكة
ومن أصول العقيدة ،وشعب اإليمان ،اإليمان بالمالئكة الكرام – عليهم الصالة والسالم – واإليمان بهم يعني التصديق بوجودهم
اع ﴾ ض َجاعِ ِل ال َمال ِئ َك ِة ُر ُساًل أ ُ ْولِي أَجْ ن َِح ٍة م َّْث َنى َو ُث َ
الث َو ُر َب َ ت َواألَرْ ِ
وصفاتهم وأعمالهم ،قال – تعالى – ﴿ ْال َح ْم ُد هَّلِل ِ َفاطِ ِر ال َّس َم َوا ِ
ُون اللَّ ْي َل ُون َعنْ عِ َبا َد ِت ِه َواَل َيسْ َتحْ سِ ر َ
ُون * ُي َس ِّبح َ ت َواألَرْ ِ
ض َو َمنْ عِ ندَ هُ اَل َيسْ َت ْك ِبر َ [سورة فاطر :اآلية ، ]1وقال ﴿ َولَ ُه َمن فِي ال َّس َم َوا ِ
ُون ﴾ [سورة األنبياء :اآلية . ]20-19 ار اَل َي ْف ُتر َ
َوال َّن َه َ
والمالئكة ال يحصي عددهم إال هللا – عز وجل – فقد ثبت في الصحيحين ،في قصة المعراج أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – رُفع
له البيت المعمور ،فسأل جبريل – عليه السالم – فقال :هذا البيت المعمور ،يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ،إذا خرجوا لم
يعودوا إليه آخر ما عليهم ( . )9
أعمال المالئكة
ت ﴾ [سورة السجدة :اآلية ، ]11ومنهم الموكلون ك ال َم ْو ِومن أعمال المالئكة قبض األرواح ،قال هللا – تعالى – ﴿ قُ ْل َي َت َو َّفا ُكم َّملَ ُ
باألجنة في بطون النساء ،كما في حديث ابن مسعود – رضي هللا عنه – قال حدثنا رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – وهو
ك مُضْ غ ًَة ك ُ ،ث َّم َي ُكونُ فِي َذلِ َ ك َعلَ َق ًة م ِْث َل َذلِ َ
ِين َي ْومًا ُ ،ث َّم َي ُكونُ فِي َذلِ َ الصادق المصدوق « :أَنَّ أَ َحدَ ُك ْم يُجْ َم ُع َخ ْلقُ ُه فِي َب ْط ِن أ ُ ِّم ِه أَرْ َبع َ
ب ِر ْزقِ ِه َ ،وأَ َجلِ ِه َ ،و َع َملِ ِه َ ،و َشقِيٌّ ،أَ ْو َسعِي ٌد َ ،ف َوالَّذِي الَ ت ِ :ب َك ْت ِ وح َ ،وي ُْؤ َم ُر ِبأَرْ َب ِع َكلِ َما ٍك َ ،ف َي ْنفُ ُخ فِي ِه الرُّ َ م ِْث َل َذل َِك ُ ،ث َّم يُرْ َس ُل ْال َملَ ُ
َ إِلَ َه غَ ْي ُرهُ ،إِنَّ أَ َحدَ ُك ْم َل َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أَهْ ِل ْال َج َّن ِة َ ،ح َّتى َما َي ُك َُ
ار ،ون َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َها إِالَّ ذ َِرا ٌع َ ،ف َيسْ ِب ُق َعلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ َ ،ف َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ال َّن ِ
َ
ون َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َها إِالَّ ذ َِرا ٌع َ ،ف َيسْ ِب ُق َعلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ َ ،ف َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ْال َج َّن ِة ، َ َ
ار َ ،ح َّتى َما َي ُك ََُف َي ْد ُخلُ َها َ ،وإِنَّ أ َحدَ ُك ْم لَ َيعْ َم ُل ِب َع َم ِل أهْ ِل ال َّن ِ
َف َي ْد ُخلُ َها » ( . )10
ومنهم الموكلون بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها ،فلكل شخص ملكان :أحدهما عن اليمين ،والثاني عن الشمال ،قال هللا – تعالى – ﴿
ُون َما َت ْف َعلُ َ
ون ﴾ [سورة االنفطار :اآلية . ]12-10 ين * َيعْ لَم َ َوإِنَّ َعلَ ْي ُك ْم لَ َحافِظِ َ
ين * ك َِرامًا َكات ِِب َ
ومنهم من يشهدون صالة الفجر ،وصالة العصر مع المصلين ،فعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن رسول هللا – صلى هللا عليه
وسلم – قال « :يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار ،ويجتمعون في صالة الفجر ،وصالة العصر ،ثم يعرج الذين باتوا
فيكم ،فيسألهم – وهو أعلم بهم – كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون :تركناهم وهم يصلون ،وأتيناهم وهم يصلون » ( . )11
وللمالئكة أعمال أخرى ال يُحصيها إال من خلقهم ،واإليمان بالمالئكة ،واالعتقاد الصحيح فيهم يورث ثمرات جليلة ،منها :
أوال :العلم بعظمة هللا – عز وجل – وقوته وقدرته وسلطانه ،فإن عِ َظم خلق المالئكة ،وما أوتوا من القدرات ،يدل على عظمة
خالقهم ومدبرهم – جل وعال – .
ثانيا :شكر هللا – تعالى – على عنايته ببني آدم ،حيث وكل من هؤالء المالئكة من يقوم بحفظهم وإعانتهم على أمور الخير ،والقتال
ض ت َواألَرْ ِ
ِين لِ َي ْز َدادُوا إِي َما ًنا م ََّع إِي َمان ِِه ْم َوهَّلِل ِ ُج ُنو ُد ال َّس َم َوا ِ معهم في سبيل هللا ضد المشركين ﴿ ه َُو الَّذِي أَ َ
نز َل ال َّسكِي َن َة فِي قُلُو ِ
ب الم ُْؤ ِمن َ
ان هَّللا ُ َعلِيمًا َحكِيمًا ﴾ [سورة الفتح :اآلية . ]4
َو َك َ
ثالثا :محبتهم ومواالتهم ،ألنهم عباد هللا طائعون له ،ال يأمرون إال بالخير ،ويستغفرون للمؤمنين ،ويدعون لهم ،واقرءوا – إن
ُون لِلَّذ َ
ِين آ َم ُنوا َر َّب َنا ُون ِب َحمْ ِد َرب ِِّه ْم َوي ُْؤ ِم ُن َ
ون ِب ِه َو َيسْ َت ْغفِر َ ش َو َمنْ َح ْولَ ُه ُي َس ِّبح َ العرْ َ ِين َيحْ مِلُ َ
ون َ شئتم – قول هللا – عز وجل – ﴿ الَّذ َ
ِيم ﴾ [سورة غافر :اآلية . ]7 الجح ِاب َ َ
ك َوق ِِه ْم َعذ َ َ َّ َ َّ
اغفِرْ ِللذ َ
ِين تابُوا َوات َبعُوا َس ِبيل َ َوسِ عْ تَ ُك َّل َشيْ ٍء رَّ حْ َم ًة َوعِ ْلمًا َف ْ
وعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – قال قال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – « :المالئكة تصلي على أحدكم ما دام في
مصاله ،ما لم يُحْ دث :اللهم اغفر له ،اللهم ارحمه » ( . )13
فمن اإليمان بهم محبتهم ومواالتهم ،ألن هللا يحبهم ،ومن عادى المالئكة وأبغضهم ،فإنه عدو هلل ،ومن عاداه هللا أهلكه في الدنيا
ين ﴾ [سورة البقرة :اآلية ان َعدُوًاّ ًّAهَّلِّل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُر ُس ِل ِه َو ِجب ِْري َل َومِي َكا َل َفإِنَّ هَّللا َ َع ُدوٌّ لِّ ْل َكاف ِِر َ
واآلخرة ،قال هللا – عز وجل – ﴿ َمن َك َ
. ]98
رابعا :التشبه بهم في أعمالهم الصالحة ،بقدر االستطاعة ،كعبادة هللا ،والتذلل له ،والخضوع والطاعة ،وترك معصيته ،يقول هللا
الح ْم ُد هَّلِل ِ َربِّ ال َعالَم َ
ِين ﴾ ُون ِب َح ْم ِد َرب ِِّه ْم َوقُضِ َي َب ْي َنهُم ِب ْال َح ِّق َوقِي َل َ العرْ ِ
ش ي َُس ِّبح َ – عز وجل – ﴿ َو َت َرى ال َمال ِئ َك َة َحا ِّف َ
ين مِنْ َح ْو ِل َ
[سورة الزمر :اآلية . ]75
وعن َحكيم بن حِزام – رضي هللا عنه – قال بينما رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – في أصحابه قال لهم « :هل تسمعون ما
أسمع ؟ إني ألسمع أطيط ( ) 14السماء – وال تالم أن تئط – ما فيها موضع قدم إال عليه ملك ساجد أو قائم » ( . )15
وعن أبي هريرة – رضي هللا عنه – أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – قال « :إذا أمَّن اإلمام فأمِّنوا ،فإنه َمن وافق تأمينه تأمين
المالئكة ُ ،غفر له ما تقدم من ذنبه » ( . )16
وعن جابر بن سمرة – رضي هللا عنه – قال خرج علينا رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – فقال « :أال تص ّفون كما تصف
المالئكة عند ربها » .فقلنا :يا رسول هللا وكيف تصف المالئكة عند ربها ؟قال ُ « :ي ِتمّون الصفوف األ ُ َول ،ويتراصون في الصف
» ( . )17
خامسا : Aواإليمان بالمالئكة يجعل اإلنسان المسلم يستحي منهم أن َي َر ْوه على حال شائن ،أو واقعا في معصية ،ألنهم معه أينما
ذهب ،أو راح ،فلنحذر أن يكتبوا علينا شيئا ال يليق ،ويجب علينا أن نتباعد عن المعاصي ،وعن كل ما ال يرضي هللا – عز وجل
ُون َما َت ْف َعلُ َ
ون ﴾ [سورة االنفطار :اآلية ، ]12-10فإذا استشعر كل ين * َيعْ لَم َ – قال – تعالى – ﴿ َوإِنَّ َعلَ ْي ُك ْم لَ َحافِظِ َ
ين * ك َِرامًا َكات ِِب َ
فرد مسلم هذه المعاني في إيمانه بالمالئكة ،وعمل بمقتضاها ،فإن المجتمع المسلم سيكون عامرا بالطاعات والخيرات ،خاليا من
المعاصي والمنكرات ،إال ما شاء هللا .
ومن شعب اإليمان وأصول العقيدة ،اإليمان بالكتب السماوية ،أي التصديق الجازم بالكتب التي أنزلها هللا على ُرسُله رحمة بالخلق ،
وهداية لهم ،قال هللا – تعالى – ﴿ ُك ٌّل آ َم َن ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه ﴾ [سورة البقرة :اآلية ، ]285وهذه الكتب منها ما علمنا
اسمه ،كالقرآن والتوراة واإلنجيل ،ومنها ما ال نعلمه ،ويجب اإليمان بأن نزولها حق من عند هللا ،وأن أعظمها وأفضلها والمهيمن
عليها ،والناسخ لجميعها Aهو هذا القرآن العظيم ،الذي أنزله هللا على نبيه محمد – صلى هللا عليه وسلم – ليُخرج الناس من الظلمات
ْ اس م َِن ُّ
الظلُ َما ِ إلى النور ،قال – تعالى – ﴿ الر ِك َتابٌ أَ َ
نز ْل َناهُ إِلَ ْي َ
ك ِل ُت ْخ ِر َج ال َّن َ
الحمِي ِد ﴾
يز َور ِبإِذ ِن َرب ِِّه ْم إِلَى صِ َراطِ ال َع ِز ِ
ت إِلَى ال ُّن ِ
[سورة إبراهيم :اآلية . ]1
وحقيقة اإليمان بهذا القرآن أنه كالم هللا المحفوظ من الزيادة والنقصان ،والذي ال يأتيه الباطل من بين يديه ،وال من خلفه ،أنزله هللا
للعمل به ،ليصل البشر إلى سعادة الدنيا واآلخرة ،قال – تعالى – ﴿ َت ِ
نزي ٌل م َِّن الرَّ حْ َم ِن الرَّ ح ِ
ِيم ﴾ [سورة فصلت :اآلية ، ]2وقال
ون ﴾ [سورة الحجر :اآلية . ]9
ِظ َالذ ْك َر َوإِ َّنا لَ ُه َل َحاف ُ
﴿ إِ َّنا َنحْ نُ َن َّز ْل َنا ِّ
وقد عرف سلف هذه األمة ،من الصحابة والتابعين ،وممن بعدهم ممن سار على نهجهم َق ْدر هذا الكتاب العظيم ،فراحوا يتلونه آناء
الليل وآناء النهار ،ويتدارسونه بينهم ،فازدادوا علما وإيمانا ،وطبقوا أحكامه ، Aفسادوا به الدنيا ،وأخرجوا به الناس من ظلمات
الجهل والشرك والظلم إلى نور العدل واإليمان والعلم .
وصحائف التاريخ التي يقرأها الناس ليل نهار تشهد بهذه الحقيقة الناصعة ،فعودوا إلى تاريخكم ،واستجلوا قصصه وعِ َبره تفوزوا
بإذن هللا ،فكثير من المسلمين اليوم ُي ْقصرون أعمالهم على طباعة القرآن ،أو حِفظه فقط ،دون مدارسته وتدبره والعمل به .
فما أحوجنا اليوم إلى تصحيح معامالتنا مع القرآن الكريم ،وذلك بالتفكر فيه ،وتعقله ،واالستجابة ألوامره ونواهيه ،وتطبيق
أحكامه في جميع أمور حياتنا ،دقيقها وجليلها ،فإن السعادة والراحة والطمأنينة ،واألمن للفرد والمجتمع – في الدنيا واآلخرة –
مرهونة بالتمسك بهذا القرآن والعمل به ،وإن الشقاء والخوف والقلق للفرد والمجتمع – في الدنيا واآلخرة – مربوط بالبعد عن هذا
القرآن الكريم و َهجْ ره ،واإلعراض عن تدبره والعمل به ،واسمعوا قول ربكم ﴿ َو َمنْ أَعْ َر َ
ض َعن ِذ ْك ِري َفإِنَّ َل ُه َمعِي َش ًة َ
ضن ًكا *
نسى* َو َك َذل َِك ك أَ َت ْت َ
ك آ َيا ُت َنا َف َنسِ ي َت َها َو َك َذلِ َ
ك ال َي ْو َم ُت َ ش ُرهُ َي ْو َم القِ َيا َم ِة أَعْ َمى * َقا َل َربِّ لِ َم َح َشرْ َتنِي أَعْ َمى َو َق ْد ُك ُ
نت بَصِ يرً ا * َقا َل َك َذلِ َ َو َنحْ ُ
ت َر ِّب ِه َولَ َع َذابُ اآلخ َِر ِة أَ َش ُّد َوأَ ْب َقى ﴾ [سورة طه :اآلية . ]127-124 َنجْ ِزي َمنْ أَسْ َر َ
ف َولَ ْم ي ُْؤمِنْ ِبآ َيا ِ
ومن شعب اإليمان ،وأصول العقيدة ،اإليمان باليوم اآلخر ،وحقيقته التصديق الجازم بيوم القيامة ،وما فيه من األهوال ،وبعث
الناس من قبورهم ،وحسابهم على أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير ،أو شر ،فإما إلى الجنة ،وإما إلى النار ،ودالئل إثبات
البرَّ أَن ُت َولُّوا
ْس ِهذا اليوم كثيرة من الكتاب والسنة وإجماع العلماء ،وهلل الحمد والمنة ،ومن ذلك قول هللا – عز وجل – ﴿ َلي َ
ِّين ﴾ [سورة البقرة :اآلية ، ]177قوله البرَّ َمنْ آ َم َن ِباهَّلل ِ َو ْال َي ْو ِم اآلخ ِِر َو ْال َمال ِئ َك ِة َو ْال ِك َتا ِ
ب َوال َّن ِبي َ ب َولَكِنَّ ِ وُ جُو َه ُك ْم قِ َب َل ال َم ْش ِر ِق َو ْال َم ْغ ِر ِ
ضالاًل َبعِي ًدا ﴾ [سورة النساء :اآلية . ]136 ض َّل َ ﴿ َو َمن َي ْكفُرْ ِباهَّلل ِ َو َمال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه َو ْال َي ْو ِم اآلخ ِِر َف َق ْد َ
ويدخل فيه ما يكون بعد الموت من نعيم القبر وعذابه ،وسؤال مُنكر و َنكير ،والبعث بعد الموت ،فيقوم الناس من قبورهم لرب
العالمين ،حفاة عراة ُغرْ ال ( ، ) 18وتنصب الموازين ،فتوزن بها أعمال العباد ،و ُتنشر الصحف ،ويمر الناس على الصراط
المنصوب على متن جهنم ،ثم يكون الناس فريقين :فريق في الجنة ،وفريق في السعير ،إلى آخر ما جاء في الكتاب والسنة من
تفاصيل ذلك اليوم العظيم ،وما أعده هللا للمؤمنين من نعيم الجنة ،نسأل هللا أن نكون منهم ،وما أعد للكافرين من العذاب في النار ،
نسأل هللا العفو والعافية .
وال شك أن اإليمان باليوم اآلخر ،واعتقاد وقوعه ،وما فيه من األهوال العظام ،يدفع إلى االستعداد الدائم لهذا اليوم باألعمال
الصالحة ،والبعد عن المعاصي والكبائر ،ويورث الرغبة في فعل الطاعات ،والصبر عليها ،لينال أجرها وثوابها في ذلك اليوم
الذي يفر المرء فيه من أخيه ،وأمه وأبيه ،وزوجته وبنيه ،كل فرد ال يفكر إال في نجاة نفسه ،لهول هذا اليوم .
كما أن اإليمان بهذا اليوم يورث رغبة في البعد عن معصية هللا ورسوله ،خوفا من عقاب الجبار في ذلك اليوم .
كما أن اإليمان بذلك اليوم فيه تسلية للمؤمنين عما يفوتهم من الدنيا ،من مال ،أو صحة ،أو ولد ،لما يرجو أن ينال ما هو أفضل
منه في اآلخرة .
وفيه أيضا عزاء لكل مظلوم في هذه الدنيا ،سواء ظلم في عرض ،أو بدن ،أو مال ،أو غير ذلك ،بأنه سيقف هو ومن ظلمه بين
يدي أحكم الحاكمين ،وسيقتص له ممن ظلمه في يوم هو أحوج ما يكون للحسنات. A
وفي اإليمان باليوم اآلخر زجر لإلنسان عن التمادي في ظلم العباد ،وأكل حقوقهم بغير حق ،إذا أيقن أنه قادم على ذلك اليوم .
والحاصل أن التصديق بذلك اليوم له أثر كبير على حياة الفرد ،فإذا أيقن كل فرد بحقيقته ،فإن المجتمع – وال شك – سيعيش في
أمن وأمان ،ومراعاة للحقوق ،مع الحذر من ظلم الناس ،والبعد عن كل ما يهدد معيشتهم ،ولهذا تكرر التذكير به في أكثر من
موطن في الكتاب والسنة .
اإليمان بالقدر
ومن شعب اإليمان ،وأصول العقيدة ،اإليمان بالقدر :خيره وشره ،واإليمان بالقدر معناه التصديق الجازم بأن هللا – جل وعال –
عالم بكل شيء جملة وتفصيال ،سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله ،أو بأفعال مخلوقاته ،وأن هللا دبر ذلك قبل وقوعه .
وثبت في الصحيحين أن النبي – صلى هللا عليه وسلم – قال « :ما منكم من أحد إال وقد ُكتب مقعده من الجنة ،ومقعده من النار » .
فقالوا :يا رسول هللا أفال ن ّتكل ؟ فقال « : اعملوا فكل ميسر » .ثم قرأ ﴿ َفأ َ َّماَ Aمنْ أَعْ َطى َوا َّت َقى ﴾ [سورة الليل :اآلية . )20 ( » ]5
واإليمان بالقدر على الوجه الصحيح السليم الذي جاء في القرآن والسنة ،وبينه علماء السنة والجماعة له آثار حميدة على الفرد
والمجتمع ،منها :
أوال :اإلقرار بكمال ربوبية هللا – جل وعال – وعلمه وإحاطته ،وقدرته على كل شيء ،ألن القدر داخل في اإليمان باهلل ،ومن لم
يؤمن بالقدر ،فقد وصف ربه – جل وعال – بالعجز والجهل – تعالى – هللا عن قول الظالمين ًّّA
علًوا كبيرا .
ثانيا :إذا علم المسلم بأن هللا قدر كل شيء ،فإن ذلك اإليمان يجعله ُي َفوّ ض أموره إليه – سبحانه – ويعتمد على هللا في كل شيء ،
بعد األخذ باألسباب المشروعة .
رابعا :ومن آثار اإليمان بالقدر ،البعد عن الفخر واالغترار ،ورؤية النفس عند فعل الخير ،واألعمال الصالحة ،ألن ذلك ليس
بحول العبد ،وال بقوته ،وإنما حصل للعبد بتقدير هللا وعونه وتوفيقه ،فيورث العبد معرفة نعم هللا – عز وجل – كما في قوله –
تعالى – ﴿ َو َما ِب ُكم مِّن ِّنعْ َم ٍة َفم َِن هَّللا ِ ﴾ [سورة النحل :اآلية . ]53
خامسا : Aومن آثار اإليمان بالقدر معرفة حكمة هللا – سبحانه وتعالى – ألن النظر في أحداث الكون وتغيراته وتقلباته إذا ربطها
اإلنسان بعلم هللا وقدرته وإحاطته ،وأنه المدبر لها ،والمصرف لها ،فإن له من الحكم وأسرار الخلق ما ال يعلمه كثير من
الجاهلين .
سادسا : Aمن آثار اإليمان بالقدر انفتاح باب التوبة ،وإصالح ما فسد في الزمن الماضي .
هذه الشعب التي ذكرناها هي أيضا أركان اإليمان الستة ،وشعبُ اإليمان كثيرة ،ومراتبها متفاوتة ،كما هو نص الحديث الشريف
الذي ذكرناه .
ومن أسباب حصول األمن في المجتمع ،االعتراف بنعم هللا ،والتحدث بها ،وشكرها ،واالستعانة بها على طاعته ومرضاته .
ومن شعب اإليمان التي يحصل بها للمجتمع األمن والرخاء ،تطبيق الحدود الشرعية على من يستحقها ،فإن من الناس من ال يكفه
اإليمان والتقوى ،فتنزع نفسه إلى فعل ما ال يجوز من اعتداء على الفرد ،أو الجماعة ،فشرع هللا الحدود لردع تلك النفوس عن
جرائمها ،وصار من اإليمان تنفيذها وتطبيقها في المجتمع ،فقد ثبت في الصحيحين من قصة المرأة المخزومية التي سرقت فشفع
فيها أسامة بن زيد – رضي هللا عنه – فكلم النبي – صلى هللا عليه وسلم – في شأنها Aفقال رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – « :
أتشفع في حد من حدود هللا » .ثم قام فاختطب ،ثم قال « :إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا
سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ،وايم هللا لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها » ( . )21
تعليق سماحة Aالشيخ عبد العزيز بن عبد هللا آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء
بسم هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين ،
وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد :
فال شك أن العقيدة السليمة الصافية الخالية من البدع والشركيات ،لها آثار عظيمة في سلوك اإلنسان وأقواله وأفعاله ،فالموحد
المخلص هلل ،المؤمن به حق اإليمان ،هذا اإليمان يظهر على جميع األحوال ،والنقص إنما يأتي من نقص العقيدة ،فعندما تكون
العقيدة متكدرة ،غير صافية ،فال بد أن يكون هناك بالء ،ولهذا كان التوحيد رأس األعمال الصالحة ،والرسل جميعا قد افتتحوا
دعوتهم بدعوة أممهم إلى إفراد هللا بالعبادة ،قال – تعالى – ﴿ اعْ ُبدُوا هَّللا َ َواَل ُت ْش ِر ُكوا ِب ِه َش ْي ًئا ﴾ [سورة النساء :اآلية ، ]36وهكذا
نبينا محمد – صلى هللا عليه وسلم – ركز على العقيدة أيام بقائه في مكة ،اهتماما بها ،وتعظيما لشأنها ،لغرسها في النفوس ،ألن
النفوس إذا قبلت العقيدة أمكن أن تقبل كل شيء ،لكن إذا انهدم هذا األصل ،فكل شيء لن يكون له ميزان ،قال – تعالى – ﴿ َولَ َق ْد
ين ﴾ [سورة الزمر :اآلية . ]65 الخاسِ ِر َك َولَ َت ُكو َننَّ م َِن َِين مِن َق ْبل َِك َلئِنْ أَ ْش َر ْكتَ لَ َيحْ َب َطنَّ َع َملُ َ أُوح َِي إِلَ ْي َ
ك َوإِلَى الَّذ َ
فكلما قويت العقيدة في القلب ،كلما ُ
عظ م العمل ،وكلما ضعُفت العقيدة في القلب ،كلما ضعف العمل ،فاألعمال الصالحة إنما تنتظم
وتصلح وتستقيم عند صالح العقيدة ،وإنما تقل المعاصي والمنكرات عندما تقوى العقيدة في القلب ،وعندما تضعف العقيدة ،
فالضعف عام في األعمال ،وفي ارتكاب ما حرم هللا .
وفيما يتعلق باإليمان بالقضاء والقدر وأحكامه ،وعلم هللا باألشياء ،وكتابته لها ،ومشيئته لها ،وخلقه إياها ،كل هذه من أركان
اإليمان ،فعندما Aينظر المسلم لها نظرة ثاقبة بصيرة ،يجد أنها أصول عظيمة ،يجب المحافظة Aعليها ،والتذكير بها ،وإنما تصيب
الغفلة القلوب عندما يُعرض الناس عن التذكير بهذه العقيدة .
واعلم أن الخلل الواقع في سلوكنا وأعمالنا ،إنما هو نتيجة الختالل العقيدة ،فالعقيدة أصل ،ولهذا فإن أهل التوحيد – حتى وإن قل
علم أحدهم – فإن قوة التوحيد في القلب تكون سببا في توفيق العبد للعمل الصالح ،فيستنير قلبه ،ويعلم الحق من الباطل ،والهدى
ُون ﴾ ظ ْل ٍم أ ُ ْولَئ َ
ِك لَ ُه ُم األَمْ نُ َوهُم ُّم ْه َتد َ ِين آ َم ُنوا َولَ ْم َي ْل ِبسُوا إِي َما َنهُم ِب ُ
من الضالل ،فالعقيدة هي األساس واألساس ،قال – تعالى – ﴿ الَّذ َ
[سورة األنعام :اآلية . ]82
يجب على المسلمين أن تكون هذه األشياء ُن صب أعينهم دائما ،فقد كان بعض السلف يقولون :اجلس بنا نؤمن ساعة .يعني نتحدث
في اإليمان ،وأصل اإليمان ،كان السلف يهتمون بهذا األمر ،ألن الغفلة عن هذا األصل العظيم هي التي أوقعت الناس فيما نرى .
نسأل هللا أن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا ،وفي اآلخرة ،وصلى هللا على محمد .
األسئلة
السؤال األول :يقول السائل :المسلم إذا كان يعتقد أن هللا – تعالى – هو المستحق للعبادة ،ولكن يذهب إلى زيارة األولياء ،هل يُعد
بذلك موحدا ؟ وجزاك هللا خيرا .
الجواب :زيارته األولياء إذا كانت للسالم ،كأموات يسلم عليهم ،فهي مستحبة ،أما الزيارة التي يُقصد بها تحري الدعاء عند
قبورهم ،وأن الدعاء عند هذه القبور أرجى لإلجابة من دعاء هللا في المساجد ،أو يتخذهم وسائط بينه وبين هللا ،كأن يقول :أزور
ض دَ يني ،وفرّ ج همي ،وارفع هلل حاجتي ،وما شابه ذلك ،فهذا هو الشرك مرضِ ي ،وا ْق ِ
الولي ألقول له :اكشف ضري ،وا ْشفِ َ
األكبر ،والذنب الذي ال يُغفر ،فاألولياء والصالحون نحبهم ،لكن العبادة حق هلل وحده ،ال حق لمخلوق ،كائنا من كان فيها ،ال
النبي ،وال الولي ،وال الملك ،وال غير ذلك .
السؤال الثاني :هذا سائل عن طريق اإلنترنت من الجزائر يقول :الغالب على زوار قبور األولياء في العالم اإلسالمي أنهم يزورونها
ألجل البركة ،فيقول ُ :زر قبر الولي َت َنل من بركته ُ ،زر قبر الولي واد ُع هللا ُت َجبْ دعو ُتك ،زر قبر الولي ،واسأله كذا يكشف
ضرك .
الجواب :والعياذ باهلل ،يرون أن من لم َي ُز ر قبر الولي ،فال دين له ،ويذبحون عند قبره ،فيصرفون له خالص حق هللا ،وهذا هو
الشرك األكبر ،والذنب الذي ال يغفر .
السؤال الثالث :يقول السائل :ما حكم من نوى ذبح بعير إذا تماثل للشفاء ،فقال :إن ُ
شفيت – إن شاء هللا – سأذبح بعيرا ؟ هل
باإلمكان أن يوزع قيمته على المساكين ؟
الجواب :هذا نذر ،واألصل أن النذر ال يصلح ،ألن النبي – صلى هللا عليه وسلم – نهى عن النذر ،وقال « :إنه ال َي ُر ّد شيئا ،
وإنما يُسْ َت ْخ َرج به من البخيل » ( . ) 22فكأن الناذر يقول :لن أتصدق هلل بصدقة إال إن شفاني ،فكأنها Aمُعاوضة ،وهذا كله جهل ،
فالنذر ال يغير من الواقع شيئا ،والقدر ماض ،نذرت ،أو لم تنذر ،لكن إذا تلبَّست بالنذر ،وجب عليك أن توفي به ،لقوله – صلى
هللا عليه وسلم – َ « :من ن َذر أن يطيع هللا فليُطعه » ( . ) 23فاذبح هذا الجمل ،ووزعه على الفقراء والمساكين ،وال تأكل أنت ،
وال أهل بيتك منه ،إال إن كنت مشترطا .
السؤال الرابع :هذا سائل يقول :صفة الهرولة هلل – تعالى – هل هي ثابتة ؟ وجزاكم هللا خيرا .
الجواب :جاء في الحديث « :يقول هللا – تعالى – أنا عند ظن عبدي بي ،وأنا معه إذا ذكرني ،فإن ذكرني في نفسه ،ذكرته في
نفسي ،وإن ذكرني في مإل ،ذكرته في مإل خير منهم ،وإن تقرب إلي شبرا ،تقربت إليه ذراعا ،وإن تقرب إلي ذراعا ،تقربت
إليه باعا ،وإن أتاني يمشي ،أتيته هرولة » ( . ) 24وهذه الهرولة صفة من صفات أفعاله – سبحانه وتعالى – التي يجب علينا
اإليمان بها ،من غير تكييف ،وال تمثيل ،ألنه أخبر بها عن نفسه ،وهو أعلم بنفسه ،فوجب علينا قبولها ،بدون تكييف ،ألن
ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ٌء َوه َُو ال َّسمِي ُع ْالبَصِ ي ُر ﴾ [سورة
التكييف قول على هللا بغير علم ،وهو حرام ،وبدون تمثيل ،ألن هللا يقول ﴿ لَي َ
الشورى :اآلية . ]11
السؤال الخامس :يقول السائل :هناك أناس من المسلمين يعبدون القبور ،وهم ال يعلمون بحرمة ذلك ،فهل يعذرون بجهلهم ؟
الجواب :يقول هللا – تبارك وتعالى – ﴿ َوأُوح َِي إِلَيَّ َه َذا القُرْ آنُ ألُنذ َِر ُكم ِب ِه َو َمن َبلَغَ ﴾ [سورة األنعام :اآلية ]19فمن بلغه القرآن ،
فقد قامت Aحجة هللا عليه ،فالعابدون لغير هللا نعاملهم في الدنيا بالظاهر ،ونقول :من عبد غير هللا فهو كافر ،وإن ادعى اإلسالم من
عبد غير هللا ،كأن يصلي لغير هللا ،أو يدعو غير هللا ،أو ينذر لغير هللا ،أو يذبح لغير هللا ،أو يطلب الشفاعة من األولياء ،فهذا
كله شرك أكبر ،وذنب ال يغفر ،لكن إن كان في مجتمع جاهلي ،غاب الحق عنه ،فهذا أمره إلى هللا ،لكن في الدنيا نعاملهم
بالظاهر ،وأمر اآلخرة علمه عند هللا – جل وعال – والواجب على الجميع الدعوة لتوحيد هللا ،ونصيحة هؤالء ،وتخويفهم من هللا ،
وتذكيرهم بأنهم خلقوا ليعبدوا هللا وحده ،ال ليعبدوا غيره .
*********************************************************************************************************
*****************
( )15أخرجه ابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير ، )2/397وأبو الشيخ ( ، 3/986رقم ، )509وابن أبي عاصم في اآلحاد
والمثاني ( ، 1/422رقم ، )597والطبراني ( ، 3/201رقم ، )3122وابن نصر في تعظيم قدر الصالة ( ، 1/258رقم ، )250
وأبو نعيم في الحلية ( . )2/217وصححه األلباني في الصحيحة . 852
( )18ال ُغرْ ل – بضم الغين المعجمة ، Aوإسكان الراء – معناه غير مختونين ،جمع أغرل ،وهو الذي لم يختن ،وبقيت معه ُغرلته ،
وهي قلفته ،وهى الجلدة التي تقطع في الختان .شرح النووي على مسلم . 17/193
——————————————————————————
هدفت هذه الدراسة إلى توضيح عقيدة أهل السنة والجماعة في باب القضاء
والقدر ،وأدلتها من الكتاب والسنة ،واإلجماع والقياس واألدلة العقلية إن
وجدت ،واآلثار التربوية لإليمان بالقدر على كل من الجانب العقدي ،
والجانب العملي ،والجانب النفسي ،والجانب االجتماعي ،والجانب األخالقي
.
-أن عقيدة القضاء والقدر على فهم أهل السنة والجماعة هي المتوافقة مع الفطرة السليمة والعقل الصحيح .
-إن دراسة عقيدة القضاء والقدر بالمنهج الصحيح هو الطريق الوحيد إلى فهمها Aبالصورة السليمة .
-أن اإليمان بالقضاء والقدر يثمر تصحيح االعتقاد في ذات هللا وفي أسمائه وصفاته .
-أن اإليمان بالقضاء والقدر ينمي الجوانب العملية عند المسلم .
-أن اإليمان بالقدر يسمو بأخالق المسلم إلى أرفع المقامات. A
(رســـــــــــــالة ماجستير )
-بيان أهمية االنفتاح العقلي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية .
-بيان األسس التي يقوم عليها االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية .
-بيان بعض المظاهر التي تدل على االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية .
-وضع تصور مقترح لألساليب التربوية التي تساعد على االنفتاح العقلي في التربية والتعليم .
الوصفي التحليلي ،والطريقة االستنباطية واستخراج أهمية االنفتاح العقلي في ضوء الكتاب والسنة .
-أن العقل خلقه هللا ليقوم بوظيفته التي خصه بها وفي الحدود التي حدها الشرع .
-أهمية االنفتاح العقلي في ضوء القرآن والسنة تتمثل في ( :أنه يحقق
للمسلمين بناء مجتمع متميز وأنه وسيلة للرقي العلمي والحضاري ،وأنه سبيل
لبناء العادات الحسنة والتحرر من التعصب والجمود )
-أن األسس التي يقوم عليها االنفتاح العقلي في التربية اإلسالمية هي :
(اإليمان باهلل ،واألمانة العلمية ،والتواضع والشعور بالمسئولية ،وتعلم
وتوظيف اللغات األجنبية ) .
-ما يتعلق بالشخص الذي يتصف بهذه الصفة (أن يكون صاحب عقيدة صحيحة ومنهج واضح راسخ) .
-ما يتعلق بالشيء أو المادة المراد تقبلها (موافقتها لألصول اإلسالمية وتحقيق المصلحة والمنفعة للمسلمين)
دعوة الحق
75العدد
يعيش عالم اليوم في حيرة كبرى ،تتفق في ذلك شعوب الحضارة والتقدم والشعوب التي ما تزال تنشد طريقها ،ومع أنهم جميعا
يشعرون بهذه الحيرة ويشتكون منها فإنهم ال يحاولون أبدا اتخاذ السبل الالئقة لتجلية أسبابها والبحث عنها بل إنهم يخلطون المظاهر
باألسباب ،والعواقب التي تنتج عنها بما يكونها.
وهنا في المغرب حينما تلتقي بأي فرد من المواطنين يواجهك بشتى الشكايات Aمن الحالة التي يعيش عليها هو وزمالؤه ،ومن الوضع
العام في البالد ،والمصائب الدينية والدنيوية التي تتوالى عليها ،فإذا سألته هل فكر قنيال في مصادر هذه المصائب ووسائل عالجها،
وجدته حائرا مضطربا ،يذكر لك عواقب الداء وكأنه أسباب ،ويبحث في غير المجتمع الذي يشتكي من حيرته عن العالج الذي ربما
كان داء هو اآلخر أو عواقب داء في مجتمع آخر ال يقل حيرة عن بالدنا.
والقادة الذين ينتظر منهم أن يأخذوا بيد األمة ويسيروا بها في سبيل البحث عن الحقيقة ،وتعليمها طرق التفكير التي توصلها إلى
اكتشاف جرثومة الداء حتى تستطيع أن تبحث لها عن العالج النافع ،هؤالء القادة يفرون من الواقع إلى السياسة A،إلى األشغال بأساليب
من شأنها أن تضاعف المصيبة وتزيد في حيرة الشعب ،وفي تشككه في كل الذين يثق بهم أو يرجو من إتباعهم خالصا.
فما هي إذن األسباب التي دفعت الجميع إلى هذه الحيرة ؟ وما هي الوسائل المخرجة منها ؟
ربما كان في مستطاعي أن أرضيكم بالجوانب السريع ،فأردد ما يقال عادة في مثل هذا المقام ،أي يجب أن نثور على الواقع ،وان
نتحرك لتغيير ما بنا.
ولكنني لن أزيد على إتباع خطة أولئك الذين يفرون من الحقيقة مهاجرين إلى عالم السياسة ،وتوجيه الجمهور لتأييدهم من أجل تغيير
حكومة بأخرى أو نظام بآخر.
إنني حينذاك سأكون من الذين يعملون على تغليط السائرين في أول نقطة لبداية المسير ،والذين يبدأون السير من نقطة الغلط
سيصلون مخطئين للطريق وال يمكن أن يصلوا إلى شاطئ السالمة Aالذي ينشدونه.
قبل أن نرفع يجب أن نرى الموقع الذي سنطأه ،والي أين نريد أن نسير.
وهذه الغاية التي تضعها أمامنا هل يمكن أن تكون أساس الفكر أم نتيجة ؟ الشك أن الغاية إنما هي نهاية يضعها المرء أو المجتمع
للخطوات التي يريد أن يخطوها ؟ ولكن الباحث الذي يحرك لتشدان تلك الغاية هو الذي يجب أن يكون أساس نظرته البعيدة وتفكيره
في تحقيقها.
فالغاية نتيجة النجاح للعمل الذي نبذله.
والعمل ليس إال ثمرة للفكرة التي نتصورها.
والفكرة ال تصبح باعثا دافعا للعمل إال إذا أصبحت موضع اقتناع منا ويقين في قيمتها ،أي إال إذا أصبحت عقيدة لنا.
فالعمل إذن ال يتصور مجديا ومؤديا للغاية إال إذا كان ناتجا هن عقيدة راسخة في النفس ،نحس بها إلى درجة انكشاف الطريق التي
تحذونا للسير فيه والغاية التي تريد منا الوصول إليها.
وهكذا تمتزج في الواقع العقيدة بالغاية وتصبحان شيئا واحدا ال يتميزان في الذهن إال بما تخللها من العمل الذي البد منه لجمع الزمان
في يوم االتحاد الكامل بينهما.
ولكن العقيدة هي قبل كل شيء تجربة شخصية لكل فرد .ومن العبث أن نحاول فصل اإللهام الذاتي عن النظرية التي تصبح جزءا ال
يتجزأ من الشخص .
وإذا كانت مظاهر الحضارة التي يعيشها اإلنسان اليوم ال تترك له المجال لكي يخلو إلى قلبه ويفكر مستلهما Aروأه ،ومتبصرا فيما
حوله ،فيكتفي بتلقف ملخصات الصحف أو ما يسمعه من ثرثاري السياسة أو يقرأه في كتب (الصاندويتش) فهل ينبغي لنا أن نقف
مكتوفي األيدي إزاء هذه الحتمية الموهومة من حتميات العصر الحاضر.
كال ،إن مصلحتنا كأناس قبل كل شيء ،نفرض علينا أن نتجه إلى بذل مجهود للتحرر من عالم القيود الحديثة ،إلى ميدان الثقافة
العلمية التي تجعلنا نبحث عن طريق التجربة الخارجية والداخلية على السواء.
لقد أصبحت قوة الفرد مكبوثة في عالم كل ما تملكه فيه أن تكون جزءا من جمعية أو من حزب أو من طائفة معينة ،يجب علينا أن
نمتثل ما يصدر إلينا منها وما يفكر به مجموعها.
ولقد صدق الذين قالوا أن الديموقراطية عدوة الرأي العام ،ألن هذا الرأي يعتمد في الواقع على الشهرة واإلشاعة ،ويضيع في ذلك
روح االقتناع التي لن تكون إال نتيجة البحث والنظر ،أي تجربة العقل والعلم.
ولقد أدرك ماركس الحقيقة حينما قال :ال ثورة بدون نظرية ،وإذا أردنا أن نترجم هذه الجملة إلى لغة عادية يمكن أن تقول :أنه ال
حركة بدون عقيدة.
وهذه حقيقة يمكن أن تجلبها لنا التواريخ في سيرها ،فما من دين أو مذهب ،ما من ثورة أو انطالقة مهمة إال وكان مصدرها التطور
السياسي في فكر القائمين بها أو الداعين إليها أي عقيدة آمن بها أولئك الثائرين وكانوا من حوارييها.
ويكفي أن تأخذ من ذلك مثال ،ثورة الرسول محمد (ص) التي بدلت وجه التاريخ وحررت العوالم من عبودية عقلية واجتماعية
مزمنة ،وسمت باإلنسان إلى درجات علية ،هل كانت إال ثمرة وحي تنزل على قلب محمد األمين ،فآمن به وصدقه قبل أن يتقدم
ليدعو الناس إليه ويصدقوه ؟.
فماذا كانت نتيجة هذه العقيدة التي جاء بها محمد والتي آمن بها هو فأرسلته يهدي الناس ويحررهم ؟.
لست بحاجة ألن أطنب في نتائج هذه الدعوة ،فاإلسالم المنتشر قي القارات الدنيوية من آثارها ،والحضارة اإلسالمية من ثمارها،
والمعرفة اإلسالمية كذلك من منبعها.
ولكن ماذا كان أثر هذه العقيدة عل المجتمع الذي اعتنقها ؟
لقد أينا العرب الذين كانوا يقودون الشاء والبعير ،ويتقاتلون على النقير والقطمير ويئدون البنات خوفا من العار ،ويعبدون الحجارة
والصور ،ويخضعون الرستوقراطية تجارية تعيش من النخالة ومن الربا ،وأرقاهم ال يتعدى حدود التبعية لكسرى أو لقيصر ،هؤالء
العرب تحولوا نهائيا من حالتهم ،بعد العقيدة اإلسالمية ،فأصبحوا سادة الدنيا ،وهداة األرض ،حرروا أنفسهم من األصنام ،ونسائهم
من الوأد ،وأمتهم من الطغيان ،وانسابوا في األرض يهدون الشعوب ويعلمون األمم ،ويبنون الحضارات ،وينظمون المعرفة.
إن الذين ينشرون الحيرة في أوساطنا اليوم ،بهجرتهم إلى عالم السياسة يغفلون عن التذكير بتراثنا العقائدي ،ويكتفون بالتوجه نحو
العالم الجديد الذي يتقدم خطى فسيحة إلى األمام باسم الديموقراطية الرأسمالية أو االشتراكية العلمية.
إننا ال نجهل الجهود التي بذلتها شعوب أوربا وأمريكا من جهة ،وروسيا والصين من جهة أخرى ،وإذا كان في ذلك من علم نستفيده
فهو أن بين الرأسمالية والشيوعية ما بين متعارضين متناقضين ،ومع ذلك فإن هذه الشعوب سارت من طرق مختلفة لغاية واحدة،
نتيجة لشيء مهما اختلف فهو منجد وهو اإليمان بالقيم التي توجه كل طائفة واالعتقاد في المنهج الذي وضعوه ألنفسهم.
فأوربا الغربية وجدت في القومية عقيدتها التي ساقتها إلى التحرر من سيطرة االكليروس وبنت ديموقراطية فردية تقوم على وحدة
األمة وتضامنها في حقوقها وواجباتها .
وأمريكا وجدت كذلك في عقيدة التحرر من السيطرة األجنبية ،وحق الشعب في مراقبة نفقات الدولة ،ما حررها من سيطرة االنكليز
وما دفعها لبناء مجتمع رأسمالي ولكنه متحضر وقوي.
وروسيا وجدت في عقيدة االشتراكية العلمية ما حررها من سيطرة القياصرة ودفعها Aإلى بناء مجتمع قائم على الشغل والتضامن في
البناء.
أما الصين التي ظلت زمنا طويال تحت عبء الفيودالية وسيطرة البراطرة حتى كادت أن تقع طعمة سائغة في فم الذين أرادوا تقسيمها
من مستعمري الشرق والغرب ،فقد هبت من نومتها واعتقدت في االشتراكية العلمية كما فهمتها Aهي ،فانطلقت تبني نفسها ،وتضع ما
عجز تاريخها كله عن فعله ،أي توحيد األمة الصينية في اتجاه واحد مبني على عقيدة واحدة.
إن هذه الشعوب كلها انبثقت من حضارات عظيمة ال يمكن إنكار ما صنعته في التاريخ ،ومن ديانات أو فلسفات ال يمكن تجاهل
آثارها في رفع مستواها في التاريخ ،وإخراجها من الطور البدائي إلى عهد أرقى بما فيه من مادة ومن روح.
ولكن ظروف التطور التي طرأت عليها في مختلف عصورها جعلت طائفة منها وهي دول أروبا الغربية والشرقية تدخل في تجربة
خطيرة هي رباط الجامعة البابوية أو األرثوذكسية ،فأصبحت Aبحكم طبيعة األشياء ،مستعبدة لتحكم إكليروسي وفيودالية مستندة عليه،
وطبعا فإن ذلك استوجب جمودا فكريا في وسط المستعبدين من ذلك النظام من قسي ورهبان وحكام وإشراف ،فتبلورت فكرة التمرد
على هذه األوضاع السيئة في فكرة القومية ،التي تعني توحيد الوطن وتحريره من الخضوع لسلطة الكنيسة العليا ،وتبعا لذلك إلى
حركة اإلصالح الديني التي رمت إلى الرجوع لمصدر الديانة ،في بريطانيا وألمانيا والتمرد على الكنيسة مع االحتفاظ بالمسيحية
التقليدية كما هي ،وتبعا لذلك إلى فصل السلطتين الدينية والدنيوية عن بعضها كما وقع في فرنسا.
ولست بحاجة ألن أسجل ظروف الصراع الذي قام من أجل تحقيق هذه األهداف بين رجال الكنيسة والفيودالية من جهة وبين الشعب
والقادة من جهة أخرى ،ألن ذلك ما هو معروف للجميع ،ألنه التاريخ الذي يعلم في مدارسنا قبل تاريخنا.
وهذا الصراع ضد الكنيسة هو الذي تجول في األسلوب الماركسي إلى صراع ضد من حيث هو ،وهو الذي تبنته روسيا في سبيل
تحرير الشعب الروسي من سيطرة القياصرة وآباء الكنيسة األرثوذوكسية الجامدة.
أما في الصين فالجمود الذي صاحب الفهماء Aالصينيين طيلة تاريخهم والناتج عن صوفية إنسانية اختلطت بها حكمة كونفشيوس مع
فدادية بوذا أوقع في الشعب خمودا استغلته طبقة ذكية تماألت على امتالك األرض واستعباد الفالحين فكانت عقيدة العدالة االجتماعية
التي أقرها الدكتور سن ،والتي انبثقت تلقائيا من رد الفعل المتعقل عنده ضد الفيودالية الصينية ،خميرة االشتراكية العلمية التي علمت
الثورة الصينية األخيرة ،وهكذا كان بالنسبة للصين ،كماركس بالنسبة لالشتراكيين األوربيين ،وأصبح «ماوتشي تونغ» بمثابة لينين
عند الروس.
فالعبرة إذن هي في أن الجمود وعدم الحركة يقتالن العقيدة ويجعالنها تبرز في صورة أخرى ،لعقيدة مستجدة لرسل جدد.
أما اإلسالم كحركة ثقافية فهو يرفض مبدئيا كل رأي جامد للكون ويومن برؤية حركية (ديناميكية) فعقيدته ليست مجرد رؤيا شعرية
تقف أمام غوامض الكون موقف الشاعر الذي يبحث في عاطفته عن الجانب السحري الذي يغرقه في أحدية مع المرأى دون أن يفكر
في مصيره أو مصير الكون الذي يريد أن يستمد منه ،وليست مجرد فلسفة تتسم بطابع الفرد الذي يتفلسف بها وقد يسبح ممتطيا
صهوتها في عماء ال يتميز فيه السلب من اإليجاب ؟ ولكنها تنتقل نفسها من إطار الفرد إلى إطار الجماعة ألنها تخرق حدود الفرد
وتوسع ميدان مطالبه ،وتضعه أمام مرآة يبتصر بها الواقع نفسه ،وهي لذلك تضفي على المعتقد لها المطبق ألوامرها قوة تقتلع بها
جذور أخالقه وأخالق مجتمعه لتضع مكانها ما تؤثره هي من أخالق ومن صفات.
ليست العقيدة اإلسالمية انعكاسا Aألحوال المجتمع ،ولكنها حركية لتغيير المجتمع وكل مجتمع ليس على صورتها ليصطبغ بالصيغة
التي تعكسها العقيدة عليه فهي حينما أعلنها الرسول ،في الوسط العربي المتسم بسمة الجاهلية العربية لم تنتظر من ذلك الشعبA
الصحراوي الساذج البعيد عن مظاهر الحضارة الراقية وعروق الثقافة اإلنسانية ،أن يتطور تدريجيا ليصل إلى الدرجة التي يمكنه أن
يتمتع بالحقوق الذي أعطته أو يقوم بالواجبات التي فرضت عليه.
لم يكن في العرب من يطلب من الحاكمين أن يحترموه فضال عن أن يستشيروه في أمور الدولة ال يعملون شيئا بدونه ،ومع ذلك فقد
رفعهم اإلسالم في الحين حتى أصبحوا «وأمرهم شورى بينهم» وهكذا في كل شؤون العدل وفي كل ضروب اإلحسان.
وإذا كان المجتمع العربي قد تحول حتى أعطى رجال مثل عمر ابن الخطاب الذي ال مثيل له في الحاكمين وآخر مثل عمر ابن عبد
العزيز وغيرهما من أبطال الحكم والسياسة والمعرفة .فقد أبت طبيعة األشياء إال أن ينبثق من هذا المجتمع نفسه من يقومون برد فعل
يعتبر (ضد ثورة) ويأخذ بالمسلمين وجهة غير الوجهة التي أرادتها العقيدة ورسولها.
وليس ذلك بدعا من اإلنسان ،فقدا اعتاد أن ينحرف عن الفطرة زمنا ثم يهتدي بوساطة مرشدية إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
ولكن العقيدة اإلسالمية ظلت المتحكمة مع ذلك في توجيه معتنقيها وظلت وحدها الضمان إلزالة االنحراف والعودة إلى الطريق ،ألنها
لم تعتمد على العاطفة وحدها ولكن على العقل أيضا ،فهي تحيا بقدر ما يعود للعقل مكانه في المجتمع ،وبقدر ما يميل الناس للتفكير
والبحث عن إدراك الحقيقة والثورة واالنحراف والتصرفات Aالمختلفة ،ليست في نظر اإلسالم إال تجربة إنسانية يدخل فيها الفرد كما
تدخل فيها الجماعة ولكنها سرعان ما تبرز تناقضاتها بنفسها للعقل الذي يحاول ردها ألقوم السبيل ،ولكنه ال يفعل إال أن يمهد البعث
للعقيدة التي تعود للمجتمع الذي آمن بها لتقوم معه بنفس الدور األول الذي قامت به يوم خالطت بشاشتها قلبه( ،ما خلقكم وال بعثكم إال
كنفس واحدة).
نعود إلى المجتمعات Aالغربية والشرقية التي جلينا سبيلها ،لقد وصلت أوربا وأمريكا ،وها هي ذي الصين في طريقهما إلى أعلى
درجة في الحضارة ،إلى أعلى مقام في العلم ،وفي تسخير الكون والطبيعة لها ،وإلى حياة أحسن والسيما من جهة المادة ،ولكن هل
يمكن ألحد أن يؤكد سالمة Aهذه المجتمعات Aالراقية على اختالف مناهجها وعقائدها ،رأسمالية أو اشتراكية من تناقضات AالمجتمعاتA
المنحلة السابقة ؟ لقد أصبح االستبداد عالمة الحكم في هذه الديار حتى التي تسمي نفسها بالديموقراطيات ،ولقد أصبح أصدق وصف
يمكن أن يقال لهذه األمم أنها حكومات بوليسية ،وال غرابة ألن الرفاهية المادية والنمو االقتصادي لم يواكبا في الوقت نفسه اإليمان
بعقيدة ترتفع إلى أعلى لتبتصر الواقع من غير حجاب.
وستكون جامدين ،إذا غضضنا الطرف عن هذه الحقائق التي ال يكتم أحد من أبناء هذه الدول وقوعها ،والجحود ال يساعدنا على
تحقيق مفاهم األوضاع التي نريد مواجهتها.
لن يصل بنا حب النهوض وإدراك المكانة التي بلغتها الدول األوربية إلى كبث تفتحنا العقلي الذي ال يمكن أن يتسم بمجرد التجديد في
التقليد أو إتباع أساليب الغرب دون أن تسمح ألنفسنا بمقارنتها بما نحب أن نكونه لو عرفنا ثراتنا الثقافي والحضاري ،وأمكن لعقيدتنا
اإلسالمية أن تؤثر في مجتمعنا أثرها الذي يقلب األوضاع ويصير الحديد ذهبا.
لن نحب أن نقع في األغالط التي وقع فيها أسالفنا يوم اتصلوا بالفلسفة اليونانية فحسبوا أنها حقائق يمكن أن تسند عقيدتهم ولكنها
شغلتهم عن تفهم الحقائق القرآنية ،ولقد صدق إقبال حين قال « :إن دراسة عميقة للقرآن ولمختلف المدارس الكالمية الناشئة تحت
تأثير التعاليم اإلغريقية ،تكشف لنا عن شيء غريب وهو أن الفلسفة اليونانية وسعت إلى حد كبير آفاق نظرة المفكرين المسلمين،
ولكنها جعلت فهمهم Aللقرآن مبهما .فسقراط قصر اهتمامه على عالم اإلنسان ،ألنه يعتقد أن أحسن دراسة تليق باإلنسان هي المتعلقة
باإلنسان ،وال يريد أن يهتم بعالم النبات والحشرات والنجوم ،ولكن القرآن ينبهنا إلى عوالم كثيرة ،كالنحلة التي تتلقى من وحي هللا،
والرياح المسخرات بأمره ،والنجوم والكواكب التي تسبح في عالم ال نهائي ،وأفالطون يرى أن الحواس ال قيمة لها ،وأن العبرة إنما
بالفكر ،ولكن القرآن يرى أن العين والسمع لهما قيمة كبرى ويجب أن يسخرا للعمل في سبيل الخير ألنهما سيحاسبان على ما اتجها
لرؤيته أو سماعه.
لقد ضيع الطلبة المسلمون كل هذا في دراستهم األولى ،مكتفين بمناقشة المنطق الصوري اليوناني».
وحقا أن هذه المالحظة من إقبال ،ترشدنا لنرى اليوم ماذا تضيع بعدم دراستنا للقرآن وعوامله التي يرشد إليها ،حينما نكتفي بتحليل
ديكارت أو تجميع ماركس أو هجرة سارتر الوجودية.
لقد احتفظ أسالفنا بالعقيدة وأسندوها بدراسة اإلنسان فحسب ،ولكننا نحن نضيع اإلنسان ونضيع العقيدة ،ألننا نتهافت Aعلى تبني آراء
وعقائد ال يتاح لنا الوقت حتى لتحليلها أو ربما حتى إلى فهمها على الوجه المطلوب.
إن القرآن يفتح لنا آفاق النظر والوعي باالتصال الموالي باإلاله وبالكون ومن هما نستوحي مرة أخرى عقيدتنا التي تدفعنا إلى العمل
البناء المثمر في غير تفريق بين المادي والروح.
ولكننا نجد أنفسنا أمام عوالم متراكمة من التأويالت المختلفة وحتى من الخرافات أحيانا ،ألن تصورنا المظلمة قد ضيعت أكثر من
الحقائق وبلبلت في معرفتنا كثيرا من المفاهيم ،وإزاء الكسل العقلي الذي يهمنا في هذا الوقت ،نرفض التعمق والدرس وتنتقل إلى
كتابات جديدة أوضح وأقرب لترضية كبريائنا الذي يأبى االعتراف بعدم الفهم أو القدرة على تعميق األشياء ،وهكذا عوضا عن
دراسة تراثنا الذي تضطر أحيانا للقيام بحفريات عنه ،نكتفي بدراسة ما يكتبه آخر المشهورين في الغرب لنقنع أنفسنا أننا أصبحنا من
الثائرين الذين يقفزون بسرعة إلى آخر طراز الفكر واألدب.
هل يكفينا هذا النوع من المعرفة السريعة ؟ وهل يرفعنا هذا التشبيه بالغرب الناهض لمستواه ؟.
إني أشك في ذلك ،وأعتقد أنه لن يؤدي بنا إال إلى تضييع عصور كثيرة في التقاط فتأتت الموائد األجنبية ،والمساهمة في خدمة الفكر
الغربي الذي لن يكون فكرنا ولن يعترف لنا بمقام الصدارة فيه.
هنالك فرق بين أن نأخذ من الغرب كل ما نستطيع من علم وحكمة وتقنية لندعم بها تراثنا وعقيدتنا مع االحتفاظ بثقافتنا الخاصة
وعقيدتنا التي هي كياننا وبين أن نكفر بأنفسنا ونحاول التحول إلى غربيين ولن نستطيع.
لو كان في اإلسالم ما يمنعنا من النهوض أو يحول بيننا وبين المعرفة ،أو يعرقل تقدمنا لتحقيق عدالة اجتماعية ،فيها استغالل اإلنسان
ألخيه اإلنسان ،ويتم بها إتاحة الفرص للجميع ،لو كان شيء من ذلك موجودا في اإلسالم لكان لنا عذر في البحث عن عالجات من
غير صيدليته ،أما هو يفتح لنا كل اآلفاق الموجودة عند غيره والتي ال توجد إال عنده ،فكيف تسمح ألنفسنا بعدم فهمه Aواالستجابة
لندائه؟
أبرز ما يجب أن يبعدنا عن التيارات المعاصرة ،أنها إذا اعتنت بالروح أهملت المادة ،وإذا اعتنت بالمادة أهملت الروح ،ونحن ال
نعتقد انه يمكننا أن نحيا بأجسامنا Aفحسب A،وال نتصور أن نتحرك في هذا العالم بروحنا ولذلك لن نطمئن إال إذا سددنا جوعة الروح
والعقل إلى جانب جوعة الجسد ،وهذا ما ال نجده إال في منبع العقيدة اإلسالمية التي آمنا بها.
وفي هذه العقيدة إذا تفهمناها ما يدفعنا إلى البحث عن الهامات Aذاتية تكشف لنا كما كشفت ألسالفنا طرق التقدم إلى األمام لبناء عالم
أفضل يتفق وروحانيتنا وحاجاتنا الوقتية.
إن مجتمعنا Aيشكو من البلبلة ومن الفوضى في شؤونه ،كما يشكو من عدم المساواة في فرص الكسب A،وذلك ما يستوجب إعادة النظر
في أنظمة حياتنا وفي وسائل معاشنا A،وفي إعادة توزيع الثروة عن طريق العمل المتاح للكل وهذا كله ال يتأتى إال إذا آمنا بوجودنا
وحققنا ذاتيتنا اإلسالمية عن طريق تفهمنا للتعاليم واقتناعنا بها .ألن أحدا غيرنا ال يستطيع أن ينقدنا من آفات االنحطاط ويصعد بنا
إلى درجات الرقي والتقدم .
والشباب الذي يتطلع اليوم ليقوم بدوره في حياة الوطن ،والذي ال يمكن أن يقع شيء في هذا البلد بدونه ،النه عماد العمل والبناء،
يجب أن يتجه إلى النبع الذي يستقي منه العقيدة الحق إلى ثقافة اإلسالم التي تفتح آفاق ذهنه لتصور الواقع وتصديقه ،حتى ال يبقى في
جو يظهر فيه التمرد بمظهر الثورة والتقليد الجديد بمظهر التطور.
لقد قطع الغرب أشواطا أوقعته زمنا في عالم الالشيئة أو العدمية ألنه كان يرى في ذلك سبيال إلى ابتكار األدب وإرغام الفكرة على
البروز ،ولكنه اليوم عاد يرقب من بعيد ،تلك الحقائق التي غابت عنه ،واخذ يشتاق إلى معرفة الواقع ،ليتحقق بوجود نفسه ،لقد آثر
التصويف ،وهو يعود اليوم إلى التصوف ،وكفر بالغيب ولكنه استبدله بالغموض ،أما اليوم فهو ينشد الوضوح ويتطلب االقتناع وال
يجد إليه سبيال.
تجارب إنسانية نعيشها ليس من حقنا أن نتغاضى عنها ،وتكرر لألحداث التي نشأت من قبل ،ليس من حقنا أن ال نربطه بأسبابه،
تجددات وقعت في العالم ،وتقدم كبير في شتى الميادين وصعود إلى األعلى ،ولكن العالم مع ذلك يبحث عن المصير؟.
تساؤالت توجه إلى العلماء هل تريدون تخريب العالم ؟ وأخرى ترد من قبلهم احذروا فناء األقوات ؟
وجاهلية تنادي ،ستزدحم األرض بالسكان فال تجدون ألنفسكم مقرا.
جهود لحصر النسل ،وأخرى إلفناء الموجود ؟
ونحن في غفلة عن هذا الجانب من الحضارة المادية التي ال تزيد على أن تكرر إرجافات الجاهلية األولى.
ونحن مع ذلك كله في بداية السير في بعثنا الجديد ؟
عالم نرمي بأنفسنا في أحضان الهاوية التي يحفرها هؤالء الذين بلغوا من الحضارة درجة أسأمتهم الحياة وأيأستهم من الوجود ؟
عالم ال نتلمس األرض قبل أن نضع أقدامنا ؟
ليس من الضروري أن نتخلى عن سالحنا ونحن ندخل في عالم الكفاح ،عالم ال حياة فيه لمن ال يملك سالحا.
سالحنا هي العقيدة ،هي إيماننا بثرائنا اإلسالمي ،وبصالحيته لمساعدتنا في هذه الرحلة التي نريدها لالستفادة من معرفة غيرنا
وتجاربه ،سالح إذا حافظنا عليه ،فستدخل كل الميادين ونخرج منها سالمين غانمين ،وسيكون أثرها قويا في دفعنا للعمل لتغيير
مجتمعنا إلى مجتمع إسالمي متحضر كامل الوعي.
14-05-1431هـ04:09 ,
#1
مسا ًAء
لم يكن للغذاء الروحي المتمثل في العقيدة االسالميه أثر سلبي كما هو الحال في بعض العقائد
االخرى ،وإنما هو ثورة عارمه على كل خلق يخالف الفطرة ويناقضها ،وقوة هائله للفرد
المسلم والمته ،حتى يكون اتجاه كل فرد وجماعه إلى االسالم ،واالنقياد الوامره واالستالم عضوة جديدة
لقضائه وإرساء قواعده والعمل على شرحه وإيضاحه.
ولما كانت طاعه هللا والتقرب إليه وعبادته وابتغاء مرضاته هي هدف العقيده االسالميه
ومنهجها,فإن لهذه الغايه نتائج واثار هي اسمى غايه لالنسان في حياته وهي
تاريخ التسجيل1431-05-05 :
أوال :أثر العقيده االسالميه في الفرد :
هـ
- 1تضع االنسان في موضعه الصحيح فتنير له دربه في الحياه ايسلك سبيل الحق والرشاد
- 2تشعر الفرد بكرامته ومنزلته ومكانته من اله سبحانه الذي ميزه عن سائر المخلوقات المشاركات5 :
- 3تشعر المؤمن بالطمأنينه القلبيه والسكينه النفسيه وراحه البال
- 4إن صله المؤمن باهلل تعم جميع طاقات االنسان وقواه وتمألبالخير والبر
عـضـو
تاريخ التسجيل
2005 09
المشاركاتA
440
مقدمة
بسم هللا الرحمن الرحيم ،إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل
له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن محم ًدا عبده وخليله ورسوله ،أرسله -جل وعال-
رحمة للعالمين ،ف َبلَّغَ الرسالة ،وأدى األمانة ،ونصح لألمة ،وجاهد في هللا حق جهاده ،ترك َت ِر َك ًة عظيمة هي العلم باهلل -جل وعال-
بمراد هللا -سبحانه وتعالى ،-شريعة سمحة Aال آصار فيها وال أغالل ،ال ظلم فيها وال عدوان ،شريعة تدعو إلى الصالح واإلصالح،
وعمارة القلوب واألوطان بما يرضي هللا -جل وعال ،-تركنا -صلى هللا عليه وسلم -على محجة بيضاء ليلها كنهارها ،ال يزيغ عنها
إال هالك ،من أحسن السير عليها والتمسك بها ،وأحل ما أحلته هذه الشريعة ،وحرم ما حرمت ،يبتغي بذلك وجه هللا -جل وعال-
والدار اآلخرة ،أفلح وأنجح ،وفاز ونجا.
هذه الشريعة الحنيفية السمحة جاءت بخيري الدنيا واآلخرة ،في عمارة الدنيا على أساس من العدل ،واإلحسان ،والرفق ،وتقوى هللا
نظرْ َن ْفسٌ مَّا َق َّد َم ْ
ت لِ َغدٍ}[سورة -جل وعال ،-واآلخرة باالستعداد لها عماًل بقول المولى -جل وعال{ :-يا أَ ُّي َها الَّذ َ
ِين آ َم ُنوا ا َّتقُوا هَّللا َ َو ْل َت ُ
بعيدا عن الشر ،نافعا لنفسه وإلخوانه ،مطيعا لربه -جل وعال- الحشر :اآلية ،]18فالمسلم يجب أن يكون حريصا على الخيرً ،
ساعيا جا ًًّّAد ا في الخير إلى عباد هللا ،وكف األذى عن عباد هللا ،أن يحقق اإليمان وأن يكون مصدر أمن وأمان لنفسه بصيانتها عن
الظلم والعدوان والجور والطغيان ،وبث آثار ذلك في مجتمعه Aالذي يعيش فيه ليكون قدوة صالحة ُم َذ ِّكرً ا بالخير ،معينا على القيام به،
بعيد ا عنه ،فإن اإليمان يحجز المؤمن عن إيذاء نفسه بارتكاب المعاصي التي أشنعها وأفظعها الشرك باهلل -جل محذرً ا من الشر ً
وعال ،-ثم يأتي بعد ذلك سفك الدماء ،وخراب الديار ،وإشاعة الفوضى ،والسعي في األرض فسا ًدا.
اإليمان يحجز المؤمن عن هذه المصائب A،ألن المؤمن كلما تحقق إيمانه كلما كفه إيمانه عن ارتكاب الفساد والشر ،من شأن المؤمن
أن يسعى لنفع اآلخرين ،وأن يكف أذاه عن نفسه ،ويكف نفسه عن استعمالها في المعاصي ،وأن يكف أذاه عن عباد هللا ولهذا قال
ص َد َق ٌةُ ،ك َّل َي ْو ٍم َت ْطلُ ُع فِي ِه ال َّشمْسُ َ ،يعْ ِد ُل َبي َْن ااِل ْث َن ِ
ْن ي اس َعلَ ْي ِه َ-النبي صلى هللا عليه وسلم -في الحديث الصحيحُ « :ك ُّل ُسالَ َمى م َِن ال َّن ِ
صالَ ِة ُ ْ ْ
ص َد َقةَ ،و ُك ُّل ُخط َو ٍة َيخطو َها إِلَى ال َّ ٌ ُ َّ ُ
صدَ َقةَ ،وال َكلِ َمة الط ِّي َبة َ ٌ اع ُه َ صدَ َق ٌةَ ،و ُيعِينُ الرَّ ُج َل َعلَى دَ ا َّب ِت ِه َف َيحْ ِم ُل َعلَ ْي َها ،أَ ْو َيرْ َف ُع َعلَ ْي َها َم َت َ
َ
صدَ قة»(.)1 ٌ َ يق َ َّ َ َ ُ ٌ َ
صدَ قةَ ،و ُيمِيط األذى َع ِن الط ِر ِ َ
ومن شأن المسلم أن ينمي إيمانه ويسعى لتزكية نفسه باألعمال الصالحة ،وينظر في عالقاته بربه -جل وعال -هل يتقيد بأوامر هللا
-جل وعال -فيما يأخذ ويدع؟ هل يتقيد بأوامر هللا -جل وعال -في تعامله مع اآلخرين من األصدقاء واألعداء؟ هل يكون عدال فيما
ينفقه وما يعطيه؟ فإذا وجد في نفسه خلال في عالقته بربه فلينظر إلى إيمانه ،فإن إيمانه في خطر ،كلما ضعف اإليمان كلما قوي
سلطان النفس األمارة بالسوء ،أما إذا قوي اإليمان فإنه يقهر العبد عن ارتكاب المخاطر ،ألنه إذا فكر في أي خلل يمكن أن يرتكبه
نظر في عواقبه ،هل عواقبه خير على نفسه وعلى من يعيش معهم؟ إن وجد ذلك وتحققه نظر ،هل يترتب عليه مفاسد وشر؟
إن العاقل ينبغي أن يفكر في آثار أعماله عليه في الدنيا وفي اآلخرة ،ألن أعمالنا كلها لها آثارها على حياتنا في الدنيا وفي األخرى،
فإذا أصلح اإلنسان ما بينه وبين ربه -جل وعال -بتقواه وصدق طاعته واإلخالص له في العبادة ،وأحب للناس ما يحب لنفسه وسار
على ذلك أفلح وأنجح .فإن اإلنسان ال يؤمن حتى يحب إلخوانه ما يحب لنفسه ،المؤمن أخو المؤمن ،والمسلم أخو المسلم.
إن النفس تتعرض لموجات هوى وأعاصير فتن في كل وقت ،وفي زمننا هذا الذي تنوعت المغريات وكثرت الدعايات والضالالت
وأ ُ ْل ِب َ
س على الناس كثير من أمور دينهم ،وتكلم في دين هللا من ال يتقن وال يحسن الدخول في المشاكل والخروج منها ،فيزيغ كثير من
الناس من حبه للخير وجهله في سلوك طريقه.
فاإليمان هو الذي يعصم اإلنسان بإذن هللا -جل وعال -من سلوك سُبل الشر ،اإليمان هو أن يسلك اإلنسان الطريق ال َس ِويَّ المؤدي إلى
{وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ي مُسْ َتقِيمًا َفا َّت ِبعُوهُ
مرضات هللا -جل وعال -الذي من سار عليه نجا كما في قول هللا -جل وعال -في محكم التنزيلَ :
َواَل َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ قَ ِب ُك ْم } [سورة األنعام :اآلية .]153
إن ما حصل في المجتمعات اإلسالمية في هذا القرن وبقية القرن السابق من بعد عام الثمانين والثالثمائة واأللف ،هذه الفترة التي
تقرب من نصف قرن ،حصل في بالد العالم اإلسالمي صنوف من المشاكل والمحن وأنواع من التعديات والعدوان وشرور متنوعة،
وكلما مضى عقد من الزمن تطورت المشاكل وتنوعت المصائب ،و َت َقوَّ ل على هللا وعلى رسوله -صلى هللا عليه وسلم -من ليس أهال
بأن يقول ،وتحصل آراء تحرض على الفساد وتعين على اإلفساد في األرض ،ثم تطورت األحوال إلى اغترار كثير وشاع بين الناس
التخريب والخراب والتخويف واإلرهاب ،وتعددت البواعث ،ما كان الناس في السابق يأتي الواحد في المنزل ويكفر أهل بيته أو يكفر
أهل بلده.
لم نكن نعرف هذه األمور ،فدخلت علينا شبه وضالالت إما بأفكار أناس حاقدين على أنفسهم وحاقدين على غيرهم ،أو باغترار
طالب العلم عليهم أن يتقيدوا بما كان يتقيد به أهل َ آخرين أحسنوا الظن بمن ال يحصل إحسان الظن فيه ،والمسلم والمؤمن وأَ ُخصُّ
العلم سابقا ،ما كان الواحد منهم يتجرأ أن يقول في دين هللا وشرعه إال بعد ما يكون أهال لذلك ،ولذا كان الناس في كثير من األحوال
في مأمن من المخاطر ومنجاة من الفساد والخراب واإلرهاب ،ما كان الناس يخشون أن يعتدى عليهم في طرقاتهم في حال أمن ،إن
ض على هللا -جل وعال{ -إِنَّ السَّمْ َع
اإليمان باهلل -جل وعال -يحجز اإلنسان عن إيذاء اآلخرين ،وإذا فكر في أمر اإليذاء تذكر ال َعرْ َ
ان َع ْن ُه َمسْ ؤُ واًل } [سورة اإلسراء :اآلية .]36 ص َر َو ْالفُ َؤادَ ُك ُّل أ ُ ْولَئ َ
ِك َك َ َو ْال َب َ
فالواجب على كل مسلم أن يخاف هللا -جل وعال ،-وأن يتقي ربه -سبحانه وتعالى -إذا خال في نفسه يفكر كيف يرعى أهل بيته،
وأوجه التقصير في رعايتهم ،ينظر في أحوال ذريته بمن يختلطون ،ومع من يرحلون ويتنقلون ،سواء في نوع العبادة كالسفر لحج أو
عمرة ،أو لنزهة ،يتفقد من يصحبهم ومن يصحبونه ،وماذا يدور بينهم؟ وهل يفكرون في أمور من خصائص غيرهم؟ ألن الشباب
ربما فكروا أنهم صاروا كبارً ا وعلماء وأهل حل وعقد ،ال سيما إذا يسر لهم من ي ُْغ ِريهم ويرضيهم ،كما قد حصل في كثير من
المشاكل في كثير من البالد اإلسالمية.
اإلنسان ينبغي أن يتعامل مع نفسه بتقوى هللا -جل وعال -و ُيلِ َّح على ربه -جل وعال -أن يهديه سواء السبيل ،فإنه ال َم ْهدِيَّ إال من هاده
هللا كما في حديث أبي ذر -رضي هللا عنه -الذي يرويه النبي -صلى هللا عليه وسلم -عن ربه في قوله -جل وعالَ « : -يا عِ َبادِي ُكلُّ ُك ْم
ضا ٌّل إِاَّل َمنْ َهدَ ْي ُتهَُ ،فاسْ َت ْهدُونِي أَهْ ِد ُك ْم»( ،)2فاإلنسان ال َي ْه ِدي نفسه بل يسأل ربه الهداية ،ثم يسعى في ذريته أن ي َُر ِّب َيهُم على أال
َ
يكونوا جريئين على كثير على األمور إال بعد أن َيعْ رضوا أمورهم على من يحسن أن ُتعرض أمورهم عليه ،على والديهم ،وعلى
معلميهم ،وعلى من يحسن إيراد األمر وإصداره.
إن المصائب التي جاءت Aفي كثير من البالد اإلسالمية وجاء بالدنا منها شيء ال َي ْخ َفى من تضليل بدون حق ،وتكفير بدون دليل،
ونشر للفساد والخراب ،والدمار وسفك للدماء ،كل ذلك إنما جاء نتيجة طيش ،وضعف إيمان ،أو قلة بصيرة ،ولو اهتدى الناس
ورجعوا إلى ربهم -جل وعال ،-وحققوا إيمانهم لوجدوا أن هللا يهديهم بإيمانهم سواء السبيل.
ت أَ ْيدِي
إن المصائب التي تقع في كثير من العالم سببها المعاصي كما يقول هللا -جل وعالَ { :-ظ َه َر ال َف َسا ُد فِي ال َبرِّ َو ْال َبحْ ِر ِب َما َك َس َب ْ
اس} [سورة الروم :اآلية ،] 41لكن تحتاج إلى عالج ،يعالج األب واألم من في بيتهم ،والمعلم واألستاذ طالبه ،والجار واإلمام ال َّن ِ
جيرانه وجماعة مسجده ،يتعاون الجميع على ما من شأنه إصالح الناس وصالح البالد والعباد.
إن اإلرهاب هو مصدر شر وبالء وخراب ما كان الناس يتحدثون عنه في السابق ،وإنما يعرفون ما ينبغي أن يكون حال المؤمن أن
يكون قويا باهلل ،مستعينا به -جل وعال -وما ذكر هللا -جل وعال -في قرآنه من إرهاب المسلمين ألعداء اإلسالم ،أما أن يكون
اإلرهاب للناس في بيوتهم وفي بالدهم اإلسالمية ،وفي بالد العقيدة الصافية ،يضلل إليه من ضعفت بصائرهم فهذا بعيد عن حقائق
اإليمان ،ألن المؤمن حقا هو الذي يحجزه إيمانه عن ارتكاب المحرمات A،وتصده بصيرته عن إنزال األذى بنفسه أو بغيره.
إن أفحش األذى وأشنعه الشرك باهلل -جل وعال -ثم يأتي بعد ذلك قتل األنفس البريئة ،وإفساد الحرث والنسل واألموال ،وكل ذلك ال
فعنْ أَ ِبي ه َُري َْر َة -رضي هللا عنه ،-أن ال َّن ِبيِّ َ -
صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َمَ -قا َل« :اإْل ِي َمانُ يصدر عن صاحب دين صحيح ،وال عن إيمان نقيَ ،
ك م ُْؤ ِمنٌ »( )3فالذي يفتك بغير حق ،ويتجرأ بدون َه ْدى إنما ُي ْق ِد ُم بسبب غلبة الفساد على نفسه ،وضعف البصيرة َقيَّدَ ْال َف ْت َ
ك ،اَل َي ْف ِت ُ
عنده ،وإحسانه الظن الذي ما كان ينبغي أن يكون لمن يختلط بهم ويجتمع ويصحبهم ويصاحبونه ،ولهذا حذر المصطفى -صلى هللا
ِير»( ِيس الس َّْو ِءَ ،ك َحام ِِل ْالمِسْ كِ َ ،و َناف ِِخ ْالك ِ ِيس الصَّال ِِحَ ،و ْال َجل ِ
عليه وسلم -من جليس السوء كما في الحديث الصحيح «:إِ َّن َما َم َث ُل ْال َجل ِ
.)4
راع
من أسباب انتشار ظاهرة اإلرهاب في بالد المسلمين :غياب المسؤولية عن أفراد المجتمع ،فكل فرد في المجتمع مسؤول ،فاألب ٍ
في بيته ومسؤول ،والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن أوالدها ،إن العبد َيحْ ُكم يُسأل عما له من سلطان وسلطة فيرعى ذريته
إذا استطاع أن ُي َقوِّ َمهم َقوَّ َم ُه ْم ،وإن عجز أسند أمر َت ْق ويمهم إلى السلطة ،لو تعاون الناس في كل مكان على البر والتقوى ،وتنا َه ْوا عن
اإلثم والعدوان لما تجرأ هؤالء على إشاعة الفساد ،ولما وجدنا من يحمد أو يمجد من يقوم بالفساد.
إن المسلم ال بد أن يفكر في مصلحته وهي أن يستقيم على دين هللا ،وأن يفكر في مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه ،وأن يتجنب ما
يعكر صفو نفسه وصفو اآلخرين ،يكف أذاه عنهم ،ويسعى لصالحهم ،وإذا علم شرً ا أو سوءًا بأحد من رعيته التي في بيته أو ممن
يعرفهم ،ومن يستطيع أن يقومهم أ ْبلَغَ من له القدرة على التقويم ،دفعً ا لشرهم ،إصالحا لهم ،قط ًعا لدابر الفساد ما أمكن ،ومن عجز
عن إصالح ذريته أبلغ السلطة ،ال لعداوة منه لذريته ،وإنما رحمة بذريته ،فإن العقوبات الشرعية كلها هي رحمة لألمة ،ما شرع هللا
-جل وعال -عقوبة بقصد اإليذاء ،وإنما بقصد اإلصالح والصالح ،ولهذا إذا قسى األب أو األم ،أو القريب ،أو المسئول في أي قطاع
فساد ا فليس لعداوته لذلك المفسد ،وإنما رحمة به ،ورحمة بالمجتمع الذي يعيش فيه إلصالحه ،وإبعاد ً على من يسعى في األرض
الفساد عن المجتمع.
لو تعاون الناس بهذه الصفة لقلت الشرور ،وربما انقطع دابر الفساد ،لكن تجد كثيرً ا من الناس يحب أن يدافع عمَّن يعرف عنهم
الخلل في بيته ،أو من قرابته ،أو أصدقائه ،أو يقول كما قال بعض الجهال :لست المسئول ،للجهات المعنية عيونها واستخباراتها
ورجالها ،أنا مسئول عن نفسي .هذا خطأ كل واحد مسئول عن نفسه يكفها عن غيرها ،ومسئول أيضا عن المجتمع الذي يعيش فيه أن
يبعد عنه كل شر ما استطاع إلى ذلك سبيال ،وإذا تعذر عليه ذلك استعان بمن يقدر على تغيير المنكر لقول النبي -صلى هللا عليه
ان»( ،)5ليس معنى ك أَضْ َعفُ اإْل ِي َم ِ
وسلمَ « :-منْ َرأَى ِم ْن ُك ْم ُم ْن َكرً ا َف ْليُغَ يِّرْ هُ ِب َي ِدهَِ ،فإِنْ لَ ْم َيسْ َتطِ عْ َف ِبل َِسا ِنهَِ ،فإِنْ لَ ْم َيسْ َتطِ عْ َف ِب َق ْل ِبهَِ ،و َذلِ َ
االستطاعة أن يقدر هو أن يزيل المنكر بل أن يأخذ بالوسائل ،هؤالء الذين من أبناء البلد ارتكبوا ما ارتكبوا في كثير من األحوال،
ربما لو كانت العناية حاصلة من ذويهم إذا رأوا منهم جُنوحا إلى الشر أو تحدث فيما ال يعنيه نصحوهم ،فإذا لم ينتصحوا بلغوا من
ينصحهم ،إذا كان يقدر على نصحهم ،وإذا كانوا ال ينتصحون منعهم ،كف أذاهم رحمة بهم وبأمتهم.
إن تعظيم اإليمان في القلوب ،والعناية به ،وتقويته بالطاعات ،والتقرب إلى هللا والنظر في أسباب المعاصي وآثارها والنظر في آثار
ب اإْل ِحْ َس َ
ان َعلَى ُك ِّل َشيْ ءٍ»( )6كما في الحديث هللا َك َت َ
التقرب إلى هللا بصالح األعمال يكون سببا في الصالح واإلصالح فـ «إِنَّ َ
الصحيح.
فليحرص المسلم في كل وقت أن يتهم نفسه بالتقصير ،وأن ينظر في أحوال من يعيشون معه ال سيما ،وأن من يتابع ما يبث على
عجلة البث من قنوات فضائية وصحافة داخلية أو أجنبية ،مما يكون سببا في ارتكاب كثير من السيئات.
إن مما يقوي اإليمان حقا العناية بالعبادات ،واإلكثار من التضرع إلى هللا -جل وعال ،-وصالة الليل ،وأن يكثر اإلنسان من اللهج
والدعاء ،وسؤال هللا -جل وعال -أن يهدي قلبه ويصلح حاله ويمنحه البصيرة في دينه ،ويوصي أهل بيته بذلك ،ويوصيهم أيضا
بالدعاء.
إن األمة اإلسالمية اآلن في أمس الحاجة إلى النصر والتأييد ،وليس كل أحد وال دولة بالقدرة على أن تدفع عن المسلمين كل شر ،لكن
يوجه الطلب إلى القادر على كل شيء -جل وعال -الذي ال يُسْ أل إال هو – سبحانه وتعالى.
األمة اإلسالمية في محن ولكنها في هذه األيام في محنة كبيرة ،عدوان بال حياء ،وسكوت من القادرين على المنع بال حياء ،وهو نوع
من التعاون على اإلثم والعدوان ،مع عجز متناهي في األمة اإلسالمية ،ال من حيث العمل ،فهي تعرف نفسها ،وال من حيث البذل
للمحتاجين ،ال شك أننا نسمع ونعلم أن بالدنا وهلل الحمد في مقدمة أهل اإلحسان تبذل وتبذل على مختلف مستوياتها ،لكن الناس
ً
منفردا في جوف الليل أو في أي وقت إن توجه إلى هللا -جل محتاجون إلى االلتجاء إلى هللا -جل وعال ،-فينبغي للمسلم في صالته
وعال -أن يكشف الغمة التي عمت األمة اإلسالمية.
وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
األسئلة
سماحة Aالشيخ يقول السائل :نرجو من سماحتكم التكرم بحث الناس بالدعاء إلخوانهم المسلمين المستضعفين في غزة ،واإلكثار من
الدعاء ،وما حكم قُ ُنوت أئمة المساجد في مثل هذه النازلة للمسلمين في غزة؟
الدعاء قد دعوت ،وال مانع من الزيادة ،والقنوت ينبغي أن يحرص الناس على التقيد بما يصدر من والة األمر ،وليس من شرط
الدعاء أن يكون جماعيا ،فرب دعوة منفرد ملتجئ إلى هللا -جل وعال -مفكرً ا في حاله وحال األمة اإلسالمية يستجيب هللا -جل وعال-
له دعاءه ،فاإلنسان إذا دعا في حال انفراد ال يراه أحد وال يعلم بدعائه سوى َعاَّل م الغيوب ،يكون لذلك الدعاء بدون شك أثر َبيِّنٌ ،
يصلي أن يتوجه إلى هللا -جل وعال -أن يعاجل المظلومين المقهورين َ فنصيحتي لكل أحد إذا خال في بيته ،وصلى ما كتب هللا له أن
المعتدى عليهم في غزة وغيرها ،بالتفريج العاجل ،وقمع العدوان ،والعدو الصائل عاجال غير آجل ،وأن يرينا فيمن وراءه ،فإنه لوال
ما علم من اختالف الناس فيما بينهم ووقوفهم وراءه مدافعا عنه ما أقدم على ما أقدم عليه ،فينبغي للمسلم في كل مكان أال يحتقر نفسه
في الدعاء يتوجه إلى هللا ،وأما الدعاء في المساجد فإن أذن ولي األمر بالدعاء دعوا ،وإال فإن ولي األمر ال يملك أن يمنع إنسانا أن
يدعو فيما بينه وبين ربه -جل وعال.-
سماحة Aالشيخ يقول السائل :هل الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة من أسباب تفرق المسلمين؟ وهل علينا السكوت حتى يجتمع
المسلمون ،وبعد ذلك ندعوهم إلى التوحيد؟.
ال تنس أن كلمة عقيدة ما كان الناس يسمونها عقيدة ،بل كانوا يسمونها عقيدة في الصحابة ،أو يسمونها اإليمان ،ولذلك لما جاء جبريل
-عليه السالم -وسأل النبي -صلى هللا عليه وسلم -سأله عن اإلسالم ،ثم سأله عن اإليمان ،ثم سأله عن أخص خصائص اإليمان ،وهو
اإلحسان.
المسلم ينبغي أن يعتقد هذه األمور ولذلك ليس كل مسلم مؤم ًنا ،لكن كل مؤمن فهو مسلم ،كما أنه ليس كل مؤمن محس ًنا A،ولذلك جبريل
ك َت َراهُ»( ،)7فاإلنسان حينما يدعو ربه منفر ًدا كأنما ينظر إلى -عليه السالم -سأل عن اإلحسان بعد اإليمان قال« :أَنْ َتعْ بُدَ هَّللا َ َكأ َ َّن َ
ربه ،وهو يتصور أن ربه يراه سيكون في دعائه أديبًا متأدبا موق ًن ا بأن هللا القادر على إزالة كل كربة ،وإذا لم يزلها فالسبب منا ليس
من عند هللا -جل وعال -فاهلل -جل وعال -ال يغير الكرب والمصائب إال إذا غير الناس ما بأنفسهم فتابوا إليه{ :إِنَّ هَّللا َ اَل يُغَ ِّي ُر َما ِب َق ْو ٍم
َح َّتى يُغَ ِّيرُوا َما ِبأَنفُسِ ِه ْم} [سورة الرعد :اآلية ،] 11وإن هللا -جل وعال -ال يغير األمن ،والرخاء ،والراحة ،واالستقرار ،ورغد
ك ُم َغيِّرً ا ِّنعْ َم ًة أَ ْن َع َم َها َعلَىك ِبأَنَّ هَّللا َ لَ ْم َي ُ
العيش إال إذا غير الناس الشكر ،فبطشوا ،واستطالوا ِب ِن َع ِم ربهم ،وتجرأوا على الحرمات { َذ ِل َ
َق ْو ٍم َح َّتى يُغَ ِّيرُوا َما ِبأَنفُسِ ِه ْم} [سورة األنفال :اآلية ،] 53فنسأل هللا أن يوفقنا جميعا لشكر نعمه علينا ،وأن يوفقنا للمحافظة عليها.
إنَّ أجل ما نعيشه في المملكة هو األمن على هذه العقيدة ،ال يسمح ألحد منا أن يرتكب معصية ،بينما ال يحصل هذا في كثير من البالد
اإلسالمية ،بل يجبر على أن يرتكب معصية ،ال يضايق إنسان ألنه يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة ،بينما في
كثير من البالد اإلسالمية يضيق على من يعمل ذلك العمل ،نحن في نعمة عظيمة مع ما وراء ذلك من خير وعدل وأمن وكرامة،
فنسأل هللا -عز وجل -تثبيت ذلك بااللتجاء إلى هللا بصدق.
سماحة Aالشيخ يقول السائل :داعية يظهر في القنوات الفضائية من الدعاة اإلسالميين يقول عن صالة حذيفة -رضي هللا عنه -خلف
النبي -صلى هللا عليه وسلم -وعن تطويل النبي -صلى هللا عليه وسلم -وتلذذه بالصالة :إنه كلذة المشجع في النوادي الرياضية ،ويقول
عن بالل -رضي هللا عنه -أنه يشبه الليل والعباءة ،ويقوم هذا الداعية بتقليد أصوات الفنانين ،ويذكر أسماء الفنانات في المحاضرة،
فهل هذه طريقة صحيحة في الدعوة إلى هللا ،وجزاكم هللا خيرً ا؟
الطريقة الصحيحة في الدعوة إلى هللا -جل وعال -أن َي َّت ِب َع وأال َي ْب َتد َِع وقد قال النبي -صلى هللا عليه وسلم -في الحديث المخرج في
ْس َعلَ ْي ِه أَ ْم ُر َنا َفه َُو َردٌّ»( ) 8هؤالء الدعاة الذين انتشر النور بفضل هللا ،ثم بسبب دعوتهم هل كانوا
الصحيحَ « :منْ َع ِم َل َع َماًل لَي َ
يفعلون هذا الفعل؟ التلذذ بمناجاة هللا -جل وعال -بصدق ال شك أنه خير كبير ،لكن تحوير وتحويل ما كان من النبي -صلى هللا عليه
وسلم ،-ومن أذان بالل وغير ذلك بأنه يسير في هذا المنهج ،هذا خطأ وتسمية هذا الشخص بأنه داعية إن كان داعية مطلق ،فاألمر
سهل ألن اإلنسان قد يدعو إلى خير وهو يظن أنه يدعو إلى خير ،ويكون داعية للشر ،ينبغي لإلنسان أن ينظر كيف كانت سيرة
الدعاة إلى هللا -جل وعال ،-أكمل الدعاة بدون شك األنبياء والرسل ،وأكملهم على اإلطالق محمد -صلى هللا عليه وسلم ،-وأكمل أتباع
األنبياء أتباع محمد -صلى هللا عليه وسلم ،-ثم كل من كان أقرب في تبعيته ،في اتباعه ألولئك الصحابة -رضي هللا عنهم وأرضاهم،-
كلما كان أقرب حقا كلما كان داعية صدق ،وأما أن تسلك مسالك وتخترع طرق ويقال :هذه سبيل للدعوة ال حرج علينا .فهذا من
تحميل األمور ما ال تحتمل ،فنسأل هللا أن يهدي هذا الداعية بأن يسلك سبيل المتقين السابقين ،وأال يلبس على الناس ،متى كان الطرب
واللهو وسيلة للدعوة؟ فاهلل المستعان.
يقول السائل :سماحة الشيخ ما هي أسباب النصر التي بها تتمكن األمة اإلسالمية من النصر على أعداء الدين ،وجزاكم هللا خيرً ا؟
ص ُرهُ} [سورة الحج :اآلية ]40ويقول سبحانه{ :يا {ولَ َينص َُرنَّ هَّللا ُ َمن َين ُ
هذا أمر سهل ،وإنما يحتاج إلى صدق ،هللا -جل وعال -يقولَ :
ِّت أَ ْقدَ ا َم ُك ْم} [سورة محمد :اآلية ،]7فنصر العبد لربه -جل وعال -أن يخافه ،ويتقيه، صرُوا هَّللا َ َينصُرْ ُك ْم َو ُي َثب ْ أَ ُّي َها الَّذ َ
ِين آ َم ُنوا إِن َتن ُ
ويتقيد بما جاء عنه -جل وعال -وعن رسوله -صلى هللا عليه وسلم ،-وأن يخلص في ذلك ،وأن يحصل اجتماع على هذا األمر ،ليس
{وأَعِ دُّوا َلهُم مَّا اسْ َت َطعْ ُتم مِّن قُوَّ ٍة َومِن رِّ بَاطِ َ
الخي ِْل} [سورة االنتصار بالسالح فقط ،ال شك أن السالح مهم وهللا -عز وجل -قالَ :
األنفال :اآلية ] 60إلى آخره ،لكن في واقع الناس اآلن تعتبر اليابان من أقوى دول العالم ،تعتبر ألمانيا من أقوى دول العالم وهما
محظور عليهما أن تكونا دولة متسلحة تسليحا حربيا ،لكنها انتصرت باقتصادها وهي كافرة ،لو وفق المسلمون لتجارة إسالمية نقية
من سائر المحرمات Aلهيمنوا على العالم في تجارتهم ،كثير من البالد اإلسالمية لم تفتح بحرب في الشرق األقصى ،واإلسالم الذي
انتشر في أقصى الغرب لم ينتشر بحرب ،وإنما انتشر بأخالق الناس وصدقهم.
إن اجتمع للمسلمين قوة اقتصادية نقية ،ال ريب فيها ،وال غش ،وال خداع ،وإنما تتقيد بمنهج هللا -جل وعال -ومنهج الدين ،لكان لها
تخريب األوطان وتدميرها ،بل إن القتال في اإلسالم ال يؤذن لهم بالخراب واإلفساد إذا قاتلوا من يقف في
َ أثرها البالغ ،الجهاد ليس
طريقهم ويصدهم عن دعوة ربهم ،فنسأل هللا -جل وعال -أن يحقق لألمة اإلسالمية انتصارً ا حقا على جهلها وعلى أعدائها ،إنه مجيب
الدعاء.
يقول السائل :سماحة الشيخ حججت قبل عشرة أعوام حج تمتع ،ولم أسع سعي الحج فماذا علي اآلن؟
أقول- :وإن كان -ال يصح أن سعي العمرة يجزئ عن سعي الحج ،لكني ال أقول به ،لعله ذبح ذبيحة لفقراء مكة ،ألنه ال بد أنه حج
بعد ذلك أكثر من حجة.
يقول السائل :سماحة الشيخ بمن تنصحنا أن نالزم في طلب العلم ،ونثني الركب عنده من أهل العلم الثقات ،عِ ْلمًا أن دعاة الضالل
واالنحراف قد كثروا في هذه األيام؟
نصيحتي أن تسألوا ع َّم ن لديه وقت الستقبالكم والجلوس معكم من أهل العلم ،وال يصح أن تأخذوا العلم عن كل من هبَّ ودبَّ ،
المراكز العلمية كالجامعات ال شك أنها مهمة إذا تيسرت ،ثم اسألوا عن أهل العلم في بالدنا والحمد هلل هم متوفرون ،وفي البلدان
األخرى اسألوا ع َّم ن ال يدخلكم في أمور سياسية ،فإن إدخال الناس في األمور السياسية ،ال سيما الشباب الذين يعشقون الطموح
ويفكرون في المناصب ويغترون بالنقد الالذع ،من يُدَرِّ سُ لهم ينبغي أن يجتنب أمثال هؤالء ،ويرجع إلى الذين جربوا السراء
والضراء ،ثم احرصوا على أال تخرجوا عن َج ادة العلم إلى قراءات متنوعة ،فإن أكثر الناس يدعون الناس لمراجعتهم ،فإذا وجدتم
من يدعوكم ألن تسألوه اسألوا عنه قبل أن تأخذوا عنه ،وهللا المستعان.
يقول السائل :سماحة الشيخ هل القيام بالمظاهرات ،والمسيرات ،من وسائل الدعوة واإلصالح ،وإظهار الغيرة؟
ال ،هذه من الفساد في األرض ،وليست من اإلصالح ،وال من الصالح ،إذا سارت هذه المظاهرات بدون أي عمل تخريبي صدت
الناس عن ذكر هللا ،وربما اضطروا إلى أن يحصل تخريب ما قصدوه ،متى كانت المظاهرات تجمعات؟ إن أول تجمعات بنوع من
المظاهرات في اإلسالم كانت مظهر فساد ،وسبب شر وبالء على األمة اإلسالمية ،أول ما يصلح أن يسمى نوع تظاهرة ما حصل من
الخروج على عثمان -رضي هللا عنه -الخليفة الراشد الذي شهد له النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه من أهل الجنة ،فتلك مظاهرة،
وتجمعات ،ودعوة استنكار ،ودائما استنكار الجمهور إنما هو استنكار غوغائي ،ولهذا المتحدثون عن علم النفس يقولون :الجمهور ال
عقل له .أي :أن المسألة مسألة فوضى ،هذه المظاهرة التي توجد وربما يتعمد جهال في بعض البالد يخربون ما يمرون عليه من
المتاجر ،هذا منهم عدوان ،هذا في الحقيقة مما ينمي العدوان ،نسأل هللا العافية ،ونسأل هللا أن يقي بالدنا كل شر ،وأن يقينا هذا الشر
أيضا وبواعثه وأسبابه.
يقول السائل :أحد األشخاص سماحة Aالشيخ يؤذيني باستمرار ،وأنا أعفو عنه ،كل مرة يقول :هل يجوز أن أهجره أو أقاطعه؟
إن كان من ذوي القربى فأكثر من اإلحسان إليه ،والرفق به ،ونصحه ،وتذكر قول النبي -صلى هللا عليه وسلم -للرجل الذي قال لهَ :يا
َرسُو َل هَّللا ِ إِنَّ لِي َق َرا َب ًة أَصِ لُ ُه ْم َو َي ْق َطعُونِي َوأُحْ سِ نُ إِلَي ِْه ْم َويُسِ ي ُئ َ
ون إِلَىَّ َ ،وأَحْ لُ ُم َع ْن ُه ْم َو َيجْ َهلُ َ
ون َعلَىَّ َ ،ف َقا َل -صلى هللا عليه وسلم« :-لَئِنْ
ك»( ،)9نصيحتي لك بقدر ما تستطيع أن تدفع ك م َِن هَّللا ِ َظ ِهي ٌر َعلَي ِْه ْم َما ُدمْتَ َعلَى َذلِ َ ُك ْنتَ َك َما قُ ْلتَ َف َكأ َ َّن َماُ Aتسِ ُّف ُه ُم ْال َملََّ ،والَ َي َزا ُل َم َع َ
السيئة بالتي هي أحسن.
يقول السائل :سماحة الشيخ هل يلزم لصالة قيام الليل النوم قبلها؟
ال ما يلزم ،النبي -صلى هللا عليه وسلم -أوصى أبا هريرة -رضي هللا عنه -أن يوتر قبل أن ينام ،ال شك أن األفضل تأخير الوتر
ان َيصُو ُم َي ْومًا َو ُي ْفطِ ُر َي ْومًاَ ،وأَ َحبُّ والتهجد إلى آخر الليل ،وقد قال النبي -صلى هللا عليه وسلم« :-أَ َحبُّ ال ِّ
ص َي ِام إِلَى هَّللا ِ صِ َيا ُم َداوُ دََ ،ك َ
ف اللَّي ِْل َو َيقُو ُم ُثلُ َثهَُ ،و َي َنا ُم ُس ُد َسهُ»( ،)10فمن قدر على ذلك وتمكن منه ،أو تمكن بأن يكون صالَ ِة إِلَى هَّللا ِ َ
صالَةُ دَ اوُ دََ ،ك َ
ان َي َنا ُم نِصْ َ ال َّ
آخر الليل ميدان ا لتهجده إلى طلوع الفجر فال شك أن هذا هو األفضل ،إذا تيسر واستمرت الحال عليه ليصادف وقت منادة هللا -جل ً
يب لَهَُ ،و َمنْ َيسْ أَلُنِي َفأُعْ طِ َيهُ،
وعال -للعباد ،فإن هللا -جل وعال -ينزل في الثلث األخير من الليل وينادي عبادهَ « :منْ َي ْدعُونِي َفأَسْ َت ِج َ
َو َمنْ َيسْ َت ْغفِ ُرنِي َفأ َ ْغف َِر َلهُ»( ،)11ليتعرض الواحد لهذه النفحات العظيمة ،وأعود عو ًدا على بدء فأوصي الذين يدعون ربهم لكشف
هذه المحن التي وقعت على فلسطين العراق وأفغانستان وغيرها إذا صلوا آخر الليل أن يخصهم بشيء من الدعاء ،مع عدم الغفلة عن
أنفسنا وبالدنا.
يقول السائل :سماحة الشيخ ما العالج من وجهة نظركم لمشاكل األمة اإلسالمية ،وجزاكم هللا خيرً ا؟
العالج يسير ،الدواء متيسر ،وإنما يحتاج إلى صدق في طلب العالج ،والدواء هو الرجوع إلى هللا -جل وعال -ال يُصْ لح آخر هذه
األمة إال ما أصلح أولها ،ولم يصلح أولها إال على اإليمان الصادق ،وإخالص العمل هلل ،وبالتعاون على البر والتقوى ،والقيام بإجالل
شرع هللا -جل وعال ،-وتعظيم دينه بأن تحل ما أحل هللا ورسوله ،وتحرم ما حرم هللا ورسوله ،وتقيم الحدود ،وتمنع من ارتكاب
السيئات ،و ُت َعاقِب على ارتكابها ،و َتصْ ُد ق في ذلك ،عندئذ سوف تتبدل األحوال ،ويتغير وجه األرض ،وتشرق المجتمعات بنور
الصالح واإلصالح ،وما ذلك على هللا بعزيز.
يقول السائل :عندما يحدث لقاء يعيب عليه البعض أنه ينصح الشباب بنصائح منهجية وعقدية ،فهل فعله هذا خطأ أم صواب؟
أحد ا ،إذا كان الناصح عارفا النصيحة وقائال بها ،حريصا على تأديتها ،ينبغي أوال :ال يعاب وال يمنع إنسان ويستنكر عليه أن ينصح ً
ون ُ َ
للمسلم بقدر ما يستطيع أن ينصح ،وال يقول كما قال أولئك السابقون على هذه األمة لما كانوا يستنكرون فقال قائل لهم{ :لِ َم تعِظ َ
َق ْومًا هَّللا ُ ُم ْهلِ ُك ُه ْم أَ ْو م َُع ِّذ ُب ُه ْم َع َذابًا َشد ً
ِيدا} [سورة األعراف :اآلية ]164فكان جوابهم أنَ { :قالُوا َمعْ ذ َِر ًة إِلَى َر ِّب ُك ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َي َّتقُ َ
ون}
[سورة األعراف :اآلية ،] 164فاإلنسان ال ييأس من منحرف أن يتأثر بالدعوة ،ال ييأس من ضال أن يهتدي بالدعوة بإذن هللا ،يدعو
لكن يكون َرفِي ًق ا في دعوته متجنبا ما يثير المشاعر ويحمل على االعتزاز بالنفس ،يظهر لمن يدعوهم أو ينصحهم إنما يفعل ذلك
إشفاقا منه عليهم ،وحبا لهم ورغبة في أن يكونوا على أعلى قدرً ا ممكن من الصالح.
سماحة Aالشيخ هذان سائالن يسأالن ،األول يسأل عن أسامة بن الدن ،يقول :كثير من الشباب ينظر إليه أنه رجل مصلح موحد ،فهل
من نصيحة ألبنائك الشباب ممن لعلها تجد آذا ًنا صاغية وقلوبًا واعية؟ السائل اآلخر يقول :كثر الكالم عن الدكتور محمد أمان الجامي
-رحمه هللا -ورميه ببعض التهم فما توجيه سماحتكم؟
أما ما يقال عن أسامه فنحن ال ندري عما بينه وبين هللا ،لكن الظاهر أنه داعية سوء ،ومن المفسدين في األرض في أحواله ،إذا كان
ما نسمع عنه ،لم نكن نسمع عنه في السابق ،آثار الخير نعرفها ،إنما دعوته حديثه يدل على أنه جاهل ظن نفسه عالما ،وقد يكون
وراءه أيضا من يسعى إلفساد Aهذه البالد وغيرها من البالد اإلسالمية ،ال نستطيع أن نقول إن وراءه الشرق أو الغرب ،لكن ال بد أن
وراءه من ي َُسرُّ بما يحصل منه من سوء ،فال يصلح أن نقول إنه داعية ،وال إنه مصلح ،وإذا قيل :إنه من زمرة المفسدين فهو ظاهر.
وأما محمد أمان الجامي فأنا أعرفه في وقت دراسته وبعد ما صار مدرسا ،ال أعلم عنه إال سالمة العقيدة ،كونه قد يخطئ أو يخطئ
غيره ،فال أحد معصوم ،لكني ال أعلم له خطأ استنكرته ،أنا كنت نصحته أال يتدخل في أمور هو دونها مكانة ،نصحته أال يتدخل في
أعياد اآلخرين ،يبين الحق ،يكفي لإلنسان أن يبين الحق ،وإذا بانت سبيل الحق وعرف ظاهره فال حاجة لإلنسان أن يقول فالن
ضال ،وأنا ال أعلم عنه انحرافا في العقيدة ،وال أيضا عداوة لهذه البالد ،بل إذا رأيته في السابق ال ينسى فضل هذه البالد عليه ،وال
فضل آل الشيخ ،الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمة هللا عليه ،-الشيخ عبد اللطيف ،وبقية المقربين له ال ينسى فضلهم ويذكرهم بثناء
ودعاء ،وربما هو يدعو لهم ،ربما خنقته العبرة عندي ،كونه يدخل في مداخل كان أولى به في السابق أال يدخلها ،وأن يتركها لمن
يستطيع أن يتجاوز العقبات فيها ،وهللا المستعان.
يقول السائل :سماحة الشيخ إنه لمس امرأته في نهار رمضان ،فخرج منه المني ولم يجامع زوجته ،فماذا عليه من الكفارة؟
إذا كان خرج منه المني -والمني ال يخرج من مجرد مالمسة ،-فهو أفسد الصوم وال شك ،وأما الذي كان نزل بعد مسها بدون مداعبة
َت صومه ،يقضي صيام تتجاوز وحصل مذي ،فقد أساء وصومه صحيح ،أما إذا كان المني فإنه ال يكون إال بمقدمات تدفعه ،فقد أَ ْف َسد ْA
ذلك اليوم ،وهللا المستعان.
يقول السائل :حفظكم هللا لماذا ال يعلن عن رؤية الهالل شهر ذي الحجة والمحرم في وقت مبكر ،كما في رؤية هالل رمضان
وجزاكم هللا خيرً ا؟
بالنسبة لشهر المحرم لم يثبت في طيلة السنوات الماضية في عهد الشيخ محمد -رحمة هللا عليه -ثم من جاء بعده أنه أعلن دخول شهر
انَ ،ش ْه ُر ِ
هللا ض َص َي ِامَ ،بعْ َد َر َم َ هللا المحرم ،ثم الناس ال ضير عليهم أن يكثروا من الصيام في شهر هللا المحرم ،النبي يقول« :أَ ْف َ
ض ُل ال ِّ
ْالم َُحرَّ ُم»( ،) 12وإذا شك في اليوم التاسع ،هل هو التاسع أو الثامن؟ يصوم الثامن والتاسع والعاشر وال مضرة ،والعناية بأن يعلن
إعالن وشهادات ،ويتحرى ،هم يتحروا وما يخبرون ،وفي هذه السنة دخل شهر محرم في يوم األحد الثالثين ،على حساب الجدول
من ذي الحجة ،وفي الليلة الثانية رُؤي بوضوح لكن ال تغير العادة ألمر ال يترتب عليه كبير فائدة لم تكن موجودة عند األولين ،غير
مناسب.
يقول السائل :سماحة الشيخ ما هو توحيد الحاكمية؟ Aوهل هو من أقسام التوحيد؟ وهل الحكم بغير ما أنزل هللا بالقوانين الوضعية يعتبر
كفرً ا أكبر أو أصغر؟
هذا التوحيد ما كنا نعرفه ،وإنما جاء به الشباب المتأخرون أصلحهم هللا وهداهم ،التوحيد إنما هو توحيد العبادة ،أال يعبد إال هللا -جل
وعال ،-وتوحيد الربوبية أن هللا -جل وعال -هو الخالق ،الرازق ،مدبر هذا الكون ،وموجد هذا الكون ،الفعال لما يريد ،وتوحيد
األسماء والصفات ما يتعلق بأسماء هللا وصفاته ،وأما توحيد الحاكمية من الزمهم حك ُم ك ِّل أح ٍد حك ٌم باطل ،وال ينفذ إال إذا تحققت فيه
َّع اة ،دراستنا ودراسة الذين درسوا قبلنا والذين درسوا بعدنا ما كان عندهم شيء يسمى الحاكمية ،وإنما هذه جاءت Aفي الحاكمية ْال ُمد َ
ظاهرها اسم توحيد ،وفي باطنها السياسة والدعوة ألمر السياسة ،ثم هؤالء الذين يدعون للحاكمية ال تجد استنكارً ا للبدع والضالالت،
ال أقول عن هؤالء األفراد ،لكن أصل هذه المنشأ الذي نشأ ما كانوا ينتقدون البدع التي تكون عند القبور أو دعوة غير هللا -جل
وعال ،-وإنما يقولون :ال إسالم ،تسير المسيرة بكامل المسلمين ،وهذا يرضى بما عنده ،ويكفينا أننا مسلمون ،ال شك أن هذا ليس من
الهدى ،وكلمة التوحيد الرابع هذا من البدع من دون شك ،وهللا المستعان.
وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين.
*****************************************************************
——————————————————–
لد :نحن نعلم أن صالح األمة بشكل عام مرتبط بصحة العقيدة إال أن األمر يحتاج من سماحتكم إلى نوع من
كيف أن صحة المعتقد وصفاءه من شأنه أن يؤدي إلى الصالح في شأن األمة الصالح الشامل ألمور الدنيا واآلخرة؟
ت العقدية استقام أمر الخلق جميعا ً كل إنسان إذا صلحت عقيدته واستقام على أمر هللا تمت له أسباب السعادة ،والعقيدة
بحق سواه جل وعال وأن يؤمن بأنه رب ٍ ؤمن بأن هللا سبحانه هو المستحق للعبادة ،وأنه ال إله إال هللا .ال معبود
لق الجميع ،وأنه رازقهم وأنه العليم بكل شيء سبحانه وتعالى ،وأنه فوق العرش ورب جميع الخلق .ال شبيه له وال
الس َم َاوا ِ
ت اس َت َوى[ ]1وقال سبحانه :إِنَّ َر َّب ُك ُم هّللا ُ الَّذِي َخلَقَ َّ ش ْ الر ْحمَنُ َعلَى ا ْل َع ْر ِحانه وتعالى .كما قال تعالىَّ :
ت ِبأ َ ْم ِر ِه أَالَ لَ ُه س َّخ َرا ٍس َوا ْل َق َم َر َوال ُّن ُجو َم ُم َش ْم َار َي ْطلُ ُب ُه َحثِي ًثا َوال َّ ش ُي ْغشِ ي اللَّ ْيل َ ال َّن َه َ ي سِ َّت ِة أَ َّي ٍام ُث َّم ْ
اس َت َوى َعلَى ا ْل َع ْر ِ
ْ ْ هَّلِل ْ َ َ ْ ار َك هّللا ُ َر ُّ
ير[ ]3فهو ب ال َعالمِينَ [ ]2فهو سبحانه في العلو وهو العلي العظيم كما قال تعالى :فال ُح ْك ُم ِ ال َعل ِِّي ال َكبِ ِ م ُر َت َب َ
س َّر َوأَ ْخ َفى[ ]4يعلم أحوال العباد فال بد من اإليمان ال
َ ْ ُ ِّم َ ل عي وتعالى: سبحانه مكان كل في وعلمه الخلق، جميع وفوق ش.
حانه فوق العرش .وفوق جميع الخلق وعلمه في كل مكان ،وال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة قال
بِأَنَّ هَّللا َ ه َُو ا ْل َحقُّ َوأَنَّ َما يَدْ عُونَ مِن دُونِ ِه ه َُو ا ْل َباطِ ل ُ[ ]5فال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المعبود بالحق كما دعت
اج َتنِ ُبو ْا ال َّطا ُغوتَ [ ]6وقال اع ُبدُو ْا هّللا َ َو ْ
سوالً أَ ِن ْ سل جميعا ً دعت إلى هذا .قال هللا جل وعالَ :ولَ َقدْ َب َع ْث َنا فِي ُكل ِّ أ ُ َّم ٍة َّر ُ
اع ُبدُو ْا َر َّب ُك ُم[ ]8فاهلل سبحانه خلق الخلق ليعبدوه اس ْ ُون[ ]7وقال تعالىَ :يا أَ ُّي َها ال َّن ُ َخلَ ْقتُ ا ْل ِجنَّ َواإْل ِ َ
نس إِاَّل لِ َي ْع ُبد ِ
ذا ،وأرسل الرسل بهذا ،فال بد من اإليمان بأنه هو المعبود بالحق وهو الرازق لعباده .فال يدعى إال هللا ،وال يستغاث
يتوكل إال عليه ،وال يصلى إال له ،وال يذبح إال له ،وال يصام إال له ،وال يحج إال له هذا هو المقصود بالعبادة ،كما
هَّللا
ضى َر ُّب َك أَالَّ َت ْع ُبدُو ْا إِالَّ إِ َّياهُ[ ]9وقال سبحانهَ :و َما أ ُ ِم ُروا إِاَّل لِ َي ْع ُبدُوا َ اع ُبدُو ْا َر َّب ُك ُم وقال سبحانهَ :و َق َ اس ْ َيا أَ ُّي َها ال َّن ُ
ُه الدِّ ينَ [.]10
األحد 19ربيع الثاني العادية التي يستطيع فعلها المخلوق الحي فال بأس بها .فاإلنسان يستعين بأخيه في األمر الذي يستطيعه إذا كان حيا ً
1436 بأس أن تقول :يا أخي أعني على كذا على إصالح مزرعتي .على إصالح بيتي ،على إصالح سيارتي وهو يسمع
اس َت َغا َث ُه الَّذِي مِن شِ ي َعتِ ِه
مكاتبة تكتب له أو من طريق الهاتف ال بأس بذلك ،كما قال هللا سبحانه في قصة موسىَ :ف ْ
احصائيات المواد مِنْ َعد ُِّو ِه[ ، ]11فالتعاون بين الناس الحاضرين القادرين أو بالمكاتبة ال بأس به ،أما أن يدعو الميت أو يدعو الغائب
لم الغيب .أو أنه يسمع منه بدون أسباب حسية ،أو يدعو الموتى وأصحاب القبور أو األصنام أو يدعو الجن ويستغيث
( ) 4983فتاوى الشرك .فهذا هو الشرك باهلل .وهذا يناقض قول ال إله إال هللا .فال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو المستحق أن يعبد
( ) 257الصوتيات ك أَالَّ َت ْع ُبدُو ْا إِالَّ إِ َّياهُ[ ]12وال بد من اإليمان بأنه سبحانه هو الخالق العليم وخالق الخلق ال خالق سواه وال رب سواه،
ض[ ]14وهو سبحانه الخالق ت َواألَ ْر َ الس َم َاوا ِال :أَالَ َل ُه ا ْل َخ ْلقُ َواألَ ْم ُر[ ]13وقال جل وعال :إِنَّ َر َّب ُك ُم هّللا ُ الَّذِي َخلَقَ َّ
( ) 636اإلمالءات ب غيره وال خالق سواه .وهو سبحانه المستحق ألن يعبد كما قال تعالىَ :وإِلَ ُه ُك ْم إِلَ ٌه َوا ِح ٌد الَّ إِلَ َه إِالَّ ه َُو َّ
الر ْحمَنُ
] ،وقال سبحانهَ :و َما أ ُ ِم ُروا إِاَّل لِ َي ْع ُبدُوا هَّللا َ ُم ْخلِصِ ينَ لَ ُه الدِّينَ [ ]16وال بد من اإليمان بالنوع الثالث من أنواع التوحيد
( ) 12312نور على ن بأسمائه وصفاته .اإليمان بأنه سبحانه ذو األسماء Aالحسنى والصفات العال الثابتة في القرآن وفيما صحت به السنة
الدرب هللا صلى هللا عليه وسلم .يجب إثباته هلل على الوجه الالئق باهلل من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل كما
سمِي ُع ال َبصِ ي ُر[ ،]17وقال سبحانه :قُلْ ه َُو هَّللا ُ أَ َح ٌد * هللا الصمد * لَ ْم َيلِدْ َولَ ْم ُيولَدْ * س َك ِم ْثلِ ِه َ
ش ْي ٌء َوه َُو ال َّ حانه :لَ ْي َ
ض ِر ُبو ْا هّلِل ِ األَ ْم َثال َ إِنَّ هّللا َ َي ْعلَ ُم َوأَن ُت ْم الَ َت ْعلَمُونَ [ ]19هذه عقيدة أهل السنة ُكفُ ًوا أَ َح ٌد[ ]18وقال عز وجلَ :فالَ َت ْ
المتواجدون ال وهذه هي أقسام التوحيد الثالثة:
يمان بأنه سبحانه هو الخالق العليم وخالق كل شيء وهذا توحيد الربوبية.
ن بأنه هو المستحق للعبادة وأن العبادة حقه دون غيره فال يدعى إال هللا ،وال يستغاث إال به ،وال يصلى إال له ..إلى
ن أنواع العبادة وهذا هو توحيد العبادة.
ن بأسمائه وصفاته وأنه سبحانه ال شبيه له ،وال كفء له وال ند له ،وأن الواجب إثبات أسمائه وصفاته الواردة في
ظيم أو السنة الصحيحة .على الوجه الالئق باهلل من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل بل على حد قوله
السمِي ُع ال َبصِ ي ُر[.]20 س َك ِم ْثلِ ِه َ
ش ْي ٌء َوه َُو َّ َ
ة اإلخالص.
نظم مركز أبي الحسن األشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء ،ندوة علمية بتعاون مع
ثانوية القاضي ابن العربي للتعليم األصيل ،بعنوان "العالقة بين العقيدة والسلوك" ،وذلك بقاعة المحاضرات بالثانوية المذكورة مساء
يوم األربعاء فاتح رجب 1433هـ الموافق 23ماي 2012م ،على الساعة الخامسة.
افتتحت الندوة بمداخلة الباحث يوسف الحزيمري الذي قدم عرضا بعنوان "العقيدة وتغيير السلوكيات الخطيرة"؛ تطرق في بدايته
لتعريف السلوك ،والسلوك الخطير ،موردا تعريف الرابطة المحمدية للعلماء ،في مقاربتها لمواجهة السلوكيات الخطيرة للشباب
المغربي ،حيث عرَّ فت السلوك الخطير بأنه« :كل سلوك فردي أو جماعي تنتفي فيه الفاعلية والتوازن والتكيف مع الذات والمجتمع
قيما وثقافة وسلوكا» ،ثم تحدث عن تمظهرات السلوكيات الخطيرة في مجتمعنا المغربي ،وأورد منها على سبيل المثال ال الحصر
بعض السلوكيات المنافية للقيم الدينية وللحس والذوق والثقافة الوطنية .وفي المحور الموالي تكلم عن منشأ وأسباب السلوك الخطير
وقسمه إلى أسباب رئيسة :وهي فقدان واختالل المقومات العقدية ،والقيم األخالقية اإلسالمية المنبثقة عنها ،والتي تخرج شخصية
متوازنة ،يتكامل فيها التصور ،والشعور ،والسلوك؛ وأسباب ثانوية مرتبطة بوضعية األسرة والمجتمع ومدى ارتباطهما بالعقيدة
السليمة وأثر ذلك على الشباب ،ثم تحدث عن دور العقيدة في تغيير هذه السلوكيات الخطيرة انطالقا من االعتقاد بأركانها اإليمانية من
إيمان باهلل تعالى وأسمائه وصفاته وإيمان بالمالئكة و بالكتب السماوية وبالرسل عليهم السالم واليوم اآلخر واإليمان بالقدر خيره
وشره ،وكيف يثمر هذا اإليمان ثمرات على مستوى الشعور والسلوك في حياة الفرد والمجتمع المسلم.
بعدها ألقى الباحث منتصر الخطيب عرضه المعنون بـ "تصحيح العقيدة لالنحراف السلوكي"؛ حيث قسمه إلى قسمين؛ األول :في
تقريب معنى العقيدة ،والثاني :في أثر العقيدة في تعديل السلوك ،بداية قدم لعرضه بمقدمة أشار فيها إلى أن هللا تعالى منح لإلنسان
إرادة يدرك بها الخير والشر ،فمتى استرشد بها وكان إدراكه لألمور صحيحا سليما استقام سلوكه ،ومتى تخاذل بها وخضع ألهوائه
وغرائزه انحرف عن الطريق السوي.
وعن تقريب معنى العقيدة :تحدث عن أنه متى أدرك اإلنسان مفاهيم وتصورات عن األشياء المحيطة به وغدَت هذه المفاهيم ثابتةً
ً
راسخة عنده ،فإذا أضيف إليها التصديق من الشرع أصبحت إيمانا ،وهذا اإليمان هو الركن ً
وراسخة في نفسه أصبحت عقائدَ
األساسي الذي بدأ اإلسالم به في تكوين شخصية المسلم ،ومتى صحَّ ت عناصر اإليمان في اإلنسان استقامت األساسيات Aالكبرى لديه،
وأقدر على ال َّتحكم بأنواع سلوكه وضبطها فيما يدفع عنه الضر واأللم
َ أطوع لالستقامة على طريق الحق والخير والرشاد،
َ وصار
والمفسدة.
وقبل كالمه عن القسم الثاني تحدث عن الطرق المؤدية إلى المعرفة :وأنها ال تخرج عن ثالث :الحس واإلدراك العقلي ،والخبر
الصادق/الوحي ،فاألول والثاني يفيد الظن واليقين ،أما الطريق الثالث فيفيد اليقين قطعا ،ويجب تعديل السلوك اإلنساني وفق ذلك
تغييرا وتبديال ونسخا.
وفي القسم األخير وهو أثر العقيدة في تعديل السلوك :خلص الباحث فيه إلى أن العقيدة تعتبر المو ّجه الرئيسي الذي يدفع بالناشئة إلى
التزام طريق االستقامة والتعلق بقيم الفضيلة ،والنفس البشرية بحسب فطرتها تميل إلى ما تمثله الفضيلة .فإذا انصرفت إلى الشر
فبسبب انسياقها Aوراء غريزة بهيمية انطلقت بطريق خاطئة تحت ظروف نفسية قاهرة أدت بها إلى سلوكيات منحرفة ،مما يستدعي
معالجتها Aعن طريق التربية الدينية الصحيحة ،ألنها الكفيلة بإصالح االنحرافات السلوكية وألن أثرها ينعكس بطريقة إيجابية وسريعة
على أخالقية المجتمع أفرادا وجماعات.
وقد عرفت هذه الندوة تدخل بعض األساتذة من داخل الثانوية وخارجها ،صبت في مناقشة Aمضمون مواضيع الندوة ومنهج العروض
الملقاة ،وأشارت كذلك إلى أن شباب الثانويات في أمس الحاجة إلى مثل هذه الندوات التوعوية والتحسيسية ،وهو ما أكده التالميذ
والتلميذات عبر االستمارات الموزعة عليهم ،ليختم النشاط بشكر الرابطة المحمدية للعلماء لسهرها على إنجاح مثل هذه األنشطة.
تاريخ اإلضافة:
( - 08/11/2009ميالدي) ( - 21/11/1430 ~ هجري)
الحمد هلل رب العالمين وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وعلى آله وصحبه أجمعين صالة وسالما ً
دائمين متالزمين إلى يوم الدين .
ِب فيها المصنفات ،واكتظت من معانيها المكتبات ،وال يزال ينهل من معينها الطالب والعلماء ،يعز كلمة عظيمة في معانيها ُ ،كت َ
هللا من تمسك بها و يزل من نصب العداء لها ،اختارها ربنا سبحانه وتعالى لتكون عنوانا ً لرسالته إلى بني اإلنسان ،حيث أرسلها
إلى األنبياء أجمعين بوساطة أمين الوحي جبريل عليه السالم ،فأدوها بأمانة ،فجزآهم هللا عنا كل خير .أظن أنكم عرفتم ما هي هذه
الكلمة .....إنها كلمة اإلسالم !!!
اإلسالم الذي ينقسم بدوره إلى قسمين اثنين عقيدة وشريعة ،والعقيدة هي األصل ،والشريعة هي الفرع ،يقول العالمة الدكتور
محمود شلتوت في كتابه (اإلسالم عقيدة وشريعة ) :أنه ال وجود للشريعة في اإلسالم إال بوجود العقيدة كما أنه ال ازدهار في
الشريعة إال في ظل العقيدة .وقال أيضا ً :اإلسالم يحتم تعانق الشريعة والعقيدة ،حيث ال تنفرد إحداهما عن األخرى ،على أن تكون
العقيدة أصالً يدفع إلى الشريعة والشريعة ما هي إال انفعال القلب بالعقيدة .والذي يستقرأ سيرة المصطفى صل هللا عليه وسلم ،
يالحظ كيف أن النبي صل هللا عليه وسلم أول ما بدأ بدعوته إلى هللا عز وجل هو تثبيت العقيدة ،عقيدة التوحيد هلل سبحانه وتعالى
،وكما يقول السادة الصوفية ( التخلية قبل التحلية ) أي تخلي من القلب ما سوى هللا سبحانه وتعالى ،حيث نقلهم من عبادة العباد إلى
عبادة رب العباد ،وعرَّ َف هم بربهم وخالقهم حتى غدوا يعبدوا هللا سبحانه وتعالى كأنهم يروه فإن لم يكونوا يروه فهو يراهم ،ومن ث َّم
علمهم الشرع ،الذي فيه منهج متكامل لتنظيم حياتهم ،ونالحظ أيضا ً أن أكثر المستقيمين على الشرع من التزام أوامره ،ونواهيه ،
وحالله ،وحرامه ،هم الذين استقر في قلوبهم اإليمان باهلل سبحانه وتعالى من خالل معرفتهم به واطالعهم على جوانب عظمته
سبحانه ،وهنا يتحقق معنى قوله تعالى { :إنما يخشى هللا َ من عباده العلما ُء } أي أن العلماء العاملين الذين تعرفوا على جوانب
عظمته هم أشد الناس مخافة منه سبحانه وتعالى .
واسمحوا لي أن أقف وإياكم أمام هذين المشهدين ولنسأل أنفسنا ،ما لذي يجعل سيدنا بالل الحبشي رضي هللا عنه وأرضاه ،وهو
تحت صخرة وضعتها يد الظلم على جسمه الطاهر ،ولسانه ال يفارق قول :أح ٌد أحد !!! أو الذي جعل سيدنا خبيب ابن عدي يقول
قبل صلبه :
شلو ممزع
يبارك على أوصال ٍ وذلك في ذات اإلله وإن يشأ
وقد َه َملت عيناي من غير مجزع وقد خيروني الكفر والموت دونه
إن الذي أنطق كالً من بالل و خبيب إنما هو اإليمان باهلل تبارك وتعالى ،اإليمان الذي خالط بشاشة قلوبهم فانعكس Aعلى حياتهم
وعملهم حتى غدو نجوما ً لمن أراد الهداية بعد أن ضل السبيل.
هذه دعوى مني أوجهها إلى كل من أراد أن يستقيم سلوكه على منهج هللا ،وأن يترقى في عالقته مع خالقه ومواله ،أن تتعرف على
هللا سبحانه وتعالى من خالل كتابه وقرآنه وسنة نبيه محمد صلى هللا عليه وسلم ،وأن تتعرف إلى جوانب قدرته وعظمته من خالل
بديع خلقه ،وصنعه ،قال تعالى { :وفي أنفسكم أفال تبصرون } { .أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت وإلى الجبال كيف نصبت
وإلى األرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليه بمسيطر } وكأن هللا سبحانه يدعونا إلى أن نتعرف عليه من خالل عظمة
َخ ْلقِه حتى يكون حجة على من أنكر وجود هللا سبحانه وأن يقوي إيمان من أقر واهتدى إلى توحيد هللا تبارك وتعالى .
تاريخ اإلضافة:
( - 04/09/2008ميالدي) ( - 04/09/1429 ~ هجري)
" إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل هللا والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم
يهاجروا ما لكم من واليتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إال على قوم بينكم وبينهم ميثاق وهللا بما
تعملون بصير( ) 72والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير( )73والذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل هللا والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم( )74والذين آمنوا من بعد وهاجروا
وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا إن هللا بكل شيء عليم(" )75
ووالية نصرة وأخوة قامت مقام عالقات الدم والنسب والقرابة . .حتى إذا وجدت الدولة ومكن هللا لها بيوم الفرقان في بدر بقيت
الوالية والنصرة ,ورد هللا الميراث والتكافل في الديات إلى قرابة الدم ,داخل المجتمع المسلم . .فأما الهجرة التي يشير إليها النص
ويجعلها شرطا ً لتلك الوالية -العامة Aوالخاصة -فهي الهجرة من دار الشرك إلى دار اإلسالم -لمن استطاع -فأما الذين يملكون
الهجرة ولم يهاجروا ,استمساكاً Aبمصالح أو قرابات مع المشركين ,فهؤالء ليس بينهم وبين المجتمع المسلم والية ,كما كان الشأن
في جماعات من األعراب أسلموا ولم يهاجروا لمثل هذه المالبسات ,وكذلك بعض أفراد في مكة من القادرين على الهجرة . .
وهؤالء وأولئك أوجب هللا على المسلمين نصرهم -إن استنصروهم في الدين خاصة -على شرط أال يكون االعتداء عليهم من قوم
بينهم وبين المجتمع المسلم عهد ,ألن عهود المجتمع المسلم وخطته الحركية أولى بالرعاية !
إن الدعوة اإلسالمية -على يد محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم -إنما تمثل الحلقة األخيرة في سلسلة الدعوة الطويلة إلى اإلسالم
بقيادة موكب الرسل الكرام . .وهذه الدعوة على مدار التاريخ البشري كانت تستهدف أمراً واحداً:هو تعريف الناس بإلههم الواحد
وربهم الحق ; وتعبيدهم لربهم وحده ونبذ ربوبية الخلق . .ولم يكن الناس -فيما عدا أفراداً معدودة في فترات قصيرة -ينكرون مبدأ
األلوهية ويجحدون وجود هللا البتة ; إنما هم كانوا يخطئون معرفة حقيقة ربهم الحق ,أو يشركون مع هللا آلهة أخرى :إما في صورة
االعتقاد والعبادة ; وإما في صورة الحاكمية Aواالتباع ; وكالهما شرك كاآلخر يخرج به الناس من دين هللا ,الذي كانوا يعرفونه على
يد كل رسول ,ثم ينكرونه إذا طال عليهم األمد ,ويرتدون إلى الجاهلية ,التي أخرجهم منها ,ويعودون إلى الشرك باهلل مرة
أخرى . .إما في االعتقاد والعبادة ,وإما في االتباع والحاكمية ,وإما فيها جميعا . .هذه طبيعة الدعوة إلى هللا على مدار التاريخ
البشري . .إنها تستهدف(اإلسالم) . .إسالم العباد لرب العباد ; وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة هللا وحده ,بإخراجهم من سلطان
العباد وحاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم ,إلى سلطان هللا وحاكميته وشريعته وحده في كل شأن من شؤون الحياة . .
وفي هذا جاء اإلسالم على يد محمد صلى هللا عليه وسلم ,كما جاء على أيدي الرسل الكرام قبله . .جاء ليرد الناس إلى حاكمية هللا
كشأن الكون كله الذي يحتوي الناس ; فيجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هي السلطة التي تنظم وجوده ; فال يشذوا هم بمنهج
وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصرف الكون كله .فالناس محكومون بقوانين فطرية من صنع هللا في نشأتهم
ونموهم وصحتهم ومرضهم ,وحياتهم وموتهم ; كما هم محكومون بهذه القوانين في اجتماعهم وعواقب ما يحل بهم نتيجة لحركتهم
االختيارية ذاتها ; وهم ال يملكون تغيير سنة هللا بهم في هذا كله ; كما أنهم ال يملكون تغيير سنة هللا في القوانين الكونية التي تحكم هذا
الكون وتصرفه . .ومن ثم ينبغي أن يثوبوا إلى اإلسالم في الجانب اإلرادي من حياتهم فيجعلوا شريعة هللا هي الحاكمة في كل شأن
من شؤون هذه الحياة ,تنسيقا ً بين الجانب اإلرادي في حياتهم والجانب الفطري ,وتنسيقا ً بين وجودهم كله بشطريه هذين وبين
الوجود الكوني . .
الجانب اإلرادي في حياة اإلنسان والجانب الفطري . .هذه الجاهلية التي واجهها كل رسول بالدعوة إلى اإلسالم هلل وحده .والتي
واجهها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بدعوته . .هذه الجاهلية لم تكن متمثلة في "نظرية " مجردة .بل ربما أحيانا ً لم تكن لها
"نظرية " على اإلطالق ! إنما كانت متمثلة دائما ً في تجمع حركي .مجتمع عضوي بين أفراده ذلك التفاعل والتكامل والتناسق والوالء
والتعاون العضوي ,الذي يجعل هذا المجتمع يتحرك -بإرادة واعية أو غير واعية -للمحافظة Aعلى وجوده ; والدفاع عن كيانه
والقضاء على عناصر الخطر التي تهدد ذلك الوجود وهذا الكيان في أية صورة من صور التهديد .
والقاعدة النظرية التي يقوم عليها اإلسالم -على مدار التاريخ البشري -هي قاعدة ":شهادة Aأن ال إله إال هللا" .أي إفراد هللا -سبحانه
-باأللوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية . .إفراده بها اعتقاداً في الضمير ,وعبادة في الشعائر ,وشريعة في واقع الحياة .
فشهادة Aأن ال إله إال هللا ,ال توجد فعال ; وال تعتبر موجودة شرعا ً إال في هذه الصورة المتكاملة التي تعطيها وجوداً جديا ً حقيقيا ً يقوم
عليه اعتبار قائلها مسلما ً أو غير مسلم . .ومعنى تقرير هذه القاعدة من الناحية النظرية . .أن تعود حياة البشر بجملتها إلى هللا ,ال
يقضون هم في أي شأن من شؤونها ,وال في أي جانب من جوانبها ,من عند أنفسهم ; بل ال بد لهم أن يرجعوا إلى حكم هللا فيها
ليتبعوه . .وحكم هللا هذا يجب أن يعرفوه من مصدر واحد يبلغهم إياه ; وهو رسول هللا . .وهذا يتمثل في شطر الشهادة الثاني من
ركن اإلسالم األول" :شهادة أن محمداً رسول هللا" .
ان وجود المجتمع المسلم ال يتحقق بمجرد قيام القاعدة النظرية في قلوب أفراد مهما تبلغ كثرتهم ; ال يتمثلون في تجمع عضوي
متناسق متعاون ; له وجود ذاتي مستقل ,يعمل أعضاؤه عمالً عضويا ً -كأعضاء الكائن الحي -على تأصيل وجوده وتعميقه
وتوسيعه ; وعلى الدفاع عن كيانه ضد العوامل التي تهاجم وجوده وكيانه .ويعملون في هذا تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع
الجاهلي تنظم تحركهم وتنسقه ,وتوجهه لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم اإلسالمي .ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود اآلخر
الجاهلي .
كما قلنا سابقا ان اإلسالم لم يكن ليملك أن يتمثل في "نظرية " مجردة ليعتنقها من يعتنقها اعتقاداً ويزاولها عبادة ; ثم يبقى معتنقوها
على هذا النحو أفراداً ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعالً .فإن وجودهم على هذا النحو -مهما كثر عددهم -
ال يمكن أن يؤدي إلى "وجود فعلي" لإلسالم .ألن األفراد "المسلمين نظريا ً" الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون
مضطرين حتما ً لالستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوية .سيتحركون طوعا ً أو كرها ً ,بوعي أو بغير وعي لقضاء الحاجات
األساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده وسيدافعون عن كيانه ; وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه ; ألن الكائن
العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا . .أي أن األفراد "المسلمين نظرياً" سيظلون يقومون "فعال"
بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون "نظريا" إلزالته ; وسيظلون خاليا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء واالمتداد ! وسيعطونه
كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا ويقوى وذلك بدال من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي ,إلقامة Aالمجتمع
اإلسالمي !
إن الكائن اإلنساني يشترك مع الكائنات الحيوانية -بل الكائنات المادية -في صفات توهم أصحاب "الجهالة العلمية ! " مرة بأنه
حيوان كسائر الحيوان ; ومرة بأنه مادة كسائر المواد ! ولكن اإلنسان مع اشتراكه في هذه "الصفات" مع الحيوان ومع المادة له
"خصائص" تميزه وتفرده ; وتجعل منه كائنا ً فريداً -كما اضطر أصحاب "الجهالة العلمية ! " أخيراً أن يعترفوا والحقائق الواقعة
تلوي أعناقهم ليا ,فيضطرون لهذا االعتراف في غير إخالص وال صراحة !
واإلسالم -بمنهجه الرباني -يعمد إلى هذه الخصائص التي تميز "اإلنسان" وتفرده بين الخالئق ; فيبرزها وينميها ويعليها . .وهو
حين يجعل آصرة العقيدة هي قاعدة التجمع العضوي الحركي ,التي يقيم على أساسها وجود األمة المسلمة ,إنما يمضي على خطته
تلك .فالعقيدة تتعلق بأعلى ما في "اإلنسان" من "خصائص" . .
إنه ال يجعل هذه اآلصرة هي النسب ,وال اللغة ,وال األرض ,وال الجنس ,وال اللون ,وال المصالح ,وال المصير األرضي
المشترك . .فهذه كلها أواصر يشترك فيها الحيوان مع اإلنسان .وهي أشبه شيء وأقرب شيء إلى أواصر القطيع ,وإلى اهتمامات
القطيع ,وإلى الحظيرة والمرعى والثغاء الذي يتفاهم به القطيع ! أما العقيدة التي تفسر لإلنسان وجوده ,ووجود هذا الكون من حوله
تفسيراً كليا ً ; كما تفسر له منشأ وجوده ووجود الكون من حوله ,ومصيره ومصير الكون من حوله ; وترده إلى كائن أعلى من هذه
المادة وأكبر وأسبق وأبقى ,فهي أمر آخر يتعلق بروحه وإدراكه المميز له من سائر الخالئق ,والذي ينفرد به عن سائر الخالئق ;
والذي يقرر "إنسانيته" في أعلى مراتبها ; حيث يخلف وراءه سائر الخالئق .
ثم إن هذه اآلصرة -آصرة العقيدة والتصور والفكرة والمنهج -هي آصرة حرة ; يملك الفرد اإلنساني اختيارها بمحض إرادته
الواعية .فأما أواصر القطيع تلك فهي مفروضة عليه فرضا ً ,لم يخترها وال حيلة له كذلك فيها . .إنه ال يملك تغيير نسبه الذي
نماه ; وال تغيير الجنس الذي تسلسل منه ; وال تغيير اللون الذي ولد به .فهذه كلها أمور قد تقررت في حياته قبل أن يولد ,لم يكن له
فيها اختيار ,وال يملك فيها حيلة . .كذلك مولده في أرض بعينها ,ونطقه بلغة بعينها بحكم هذا المولد ,وارتباطه بمصالح مادية
معينة ومصير أرضي معين -ما دامت هذه هي أواصر تجمعه مع غيره -كلها مسائل عسيرة التغيير ; ومجال "اإلرادة الحرة " فيها
محدود . .ومن أجل هذا كله ال يجعلها اإلسالم هي آصرة التجمع اإلنساني . .فأما العقيدة والتصور والفكرة والمنهج فهي مفتوحة
دائما ً لالختيار اإلنساني ,ويملك في كل لحظة أن يعلن فيها اختياره; وأن يقرر التجمع الذي يريد أن ينتمي إليه بكامل حريته; فال يقيده
في هذه الحالة قيد من لونه أو لغته أو جنسه أو نسبه ,أو األرض التي ولد فيها ,أو المصالح المادية التي تتحول بتحول التجمع الذي
يريده ويختاره.
ولقد كان من النتائج الواقعية الباهرة للمنهج اإلسالمي في هذه القضية ; وإلقامة التجمع اإلسالمي على آصرة العقيدة وحدها ,دون
أواصر الجنس واألرض واللون واللغة والمصالح األرضية القريبة والحدود اإلقليمية السخيفة ! وإلبراز "خصائص اإلنسان" في هذا
التجمع وتنميتها وإعالئها ,دون الصفات المشتركة بينه وبين الحيوان . .كان من النتائج الواقعية الباهرة لهذا المنهج أن أصبح
المجتمع المسلم مجتمعاً Aمفتوحا ً لجميع األجناس واألقوام واأللوان واللغات ,بال عائق من هذه العوائق الحيوانية السخيفة ! وأن صبت
في بوتقة المجتمع اإلسالمي خصائص األجناس البشرية وكفاياتها ; وانصهرت في هذه البوتقة وتمازجت ; وأنشأت مركبا ً عضويا ً
فائقا ً في فترة تعد نسبيا ً قصيرة ; وصنعت هذه الكتلة العجيبة المتجانسة المتناسقة حضارة رائعة ضخمة تحوي خالصة الطاقة
البشرية في زمانها مجتمعة .على بعد المسافات وبطء طرق االتصال في ذلك الزمان .
والشامي والمصري والمغربي والتركي والصيني والهندي والروماني واإلغريقي واألندونسي واإلفريقي . . .إلى آخر األقوام
واألجناس .وتجمعت Aخصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع اإلسالمي والحضارة اإلسالمية .ولم تكن
هذه الحضارة الضخمة يوما ً ما "عربية " إنما كانت دائما ً "إسالمية " .ولم تكن يوما ً ما "قومية " إنما كانت دائما ً "عقيدية " .
ولقد اجتمعوا كلهم على قدم المساواة ,وبآصرة الحب ,وبشعور التطلع إلى وجهة واحدة . .فبذلوا جميعا ً أقصى كفاياتهم ,وأبرزوا
أعمق خصائص أجناسهم ; Aوصبوا خالصة تجاربهم الشخصية والقومية التاريخية في بناء هذا المجتمع الواحد الذي ينتسبون إليه
جميعا ً على قدم المساواة ; وتجمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربهم الواحد ; وتبرز فيها "إنسانيتهم" وحدها بال عائق . .وهذا ما لم يتجمع
قط ألي تجمع آخر على مدار التاريخ ! . .
لقد كان أشهر تجمع بشري في التاريخ القديم هو تجمع اإلمبراطورية الرومانية مثالً .فقد ضمت بالفعل أجناسا ً متعددة ; ولغات
متعددة ,وأرضين متعددة . . .ولكن هذا كله لم يقم على آصرة "إنسانية " ولم يتمثل في قيمة عليا كالعقيدة . .لقد كان هناك تجمع
طبقي على أساس طبقة األشراف وطبقة العبيد في اإلمبراطورية كلها من ناحية ,وتجمع عنصري على أساس سيادة الجنس
الروماني -بصفة عامة -وعبودية سائر األجناس األخرى . .ومن ثم لم يرتفع قط إلى أفق التجمع اإلسالمي ; ولم يؤت الثمار التي
آتاها التجمع اإلسالمي .
كذلك قامت Aفي التاريخ الحديث تجمعات Aأخرى . .تجمع اإلمبراطورية البريطانية مثالً . .ولكنه كان كالتجمع الروماني الذي هو
وريثه ! تجمعا ً قوميا ً استغالليا ً ; يقوم على أساس سيادة القومية اإلنجليزية ,واستغالل المستعمرات التي تضمها اإلمبراطورية . .
ومثله اإلمبراطوريات األوربية كلها:اإلمبراطورية األسبانية والبرتغالية في وقت ما ,واإلمبراطورية الفرنسية . .وكلها في ذلك
المستوى الهابط البشع المقيت !
وأرادت الشيوعية أن تقيم تجمعا ً من نوع آخر ,يتخطى حواجز الجنس والقوم واألرض واللغة واللون .ولكنها لم تقمه على قاعدة
"إنسانية " عامة .إنما أقامته على القاعدة "الطبقية " .فكان هذا التجمع هو الوجه اآلخر للتجمع الروماني القديم .هذا تجمع على قاعدة
طبقة "األشراف" ; وذلك تجمع على قاعدة طبقة "الصعاليك" (البروليتريا) والعاطفة التي تسوده هي عاطفة الحقد األسود على سائر
الطبقات األخرى !
وما كان لمثل هذا التجمع الصغير أن يثمر إال أسوأ ما في الكائن اإلنساني .فهو ابتداء قائم على أساس إبراز الصفات الحيوانية وحدها
وتنميتها وتمكينها باعتبار أن "المطالب األساسية " Aلإلنسان هي "الطعام والمسكن والجنس" -وهي مطالب الحيوان األولية -
وباعتبار أن تاريخ اإلنسان هو تاريخ البحث عن الطعام!!!
لقد تفرد اإلسالم بمنهجه الرباني في إبراز أخص خصائص اإلنسان وتنميتها وإعالئها في بناء المجتمع اإلنساني . .والذين يعدلون
عنه إلى أي منهج آخر يقوم على أية قاعدة أخرى من القوم أو الجنس أو األرض أو الطبقة . .إلى آخر هذا النتن السخيف هم أعداء
اإلنسان حقا ً ! هم الذين ال يريدون لهذا اإلنسان أن يتفرد في هذا الكون بخصائصه العليا كما فطره هللا ; وال يريدون لمجتمعه أن ينتفع
بأقصى كفايات أجناسه وخصائصها وتجاربها في امتزاج وتناسق . .وهم في الوقت ذاته يسبحون ضد التيار ; ويعملون ضد خط
الصعود اإلنساني ; ليعودوا باإلنسان إلى التجمع على مثل ما تتجمع عليه "البهائم" من الحظيرة والكأل ! بعد أن رفعه هللا إلى ذلك
المقام الكريم الذي يتجمع فيه على ما يليق أن تتجمع عليه "الناس"
وأعجب العجب أن يسمى التجمع على خصائص اإلنسان العليا تعصبا ً وجموداً ورجعية ,وأن يسمى التجمع على مثل خصائص
الحيوان تقدما ً ورقيا ً ونهضة ; وأن تقلب القيم واالعتبارات كلها ; ال لشيء إال للهروب من التجمع على أساس العقيدة . .خصيصة
اإلنسان العليا . .ولكن هللا غالب على أمره . .وهذه االنتكاسات Aالحيوانية الجاهلية في حياة البشرية لن يكتب لها البقاء . .وسيكون
ما يريده هللا حتما ً . .وستحاول البشرية ذات يوم أن تقيم تجمعاتها على القاعدة التي كرم هللا اإلنسان بها .والتي تجمع عليها المجتمع
المسلم األول فكان له تفرده التاريخي الفائق .وستبقى صورة هذا المجتمع تلوح على األفق ,تتطلع إليها البشرية وهي تحاول مرة
أخرى أن ترقى في الطريق الصاعد إلى ذلك المرتقى السامي الذي بلغت إليه في يوم من األيام .
_________________________________________________________________________
__
اإليمان من أجل النعم التي انعم هللا بها على عباده ،فهو منطلق العقيدة الصادقة وأساس الحياة الطيبة ،ومصدر سعادة اإلنسان .كما انه
المقوم للسلوك ،والمهذب للنفوس ،والموجه للعقول نحو التقدم المعرفي والرقي الحضاري من خالل استحضار مبدأ الرقابة وواجب
االستخالف وما يترتب عنهما من عمارة الكون وإتقان العمل تحقيقا للمعاني الصحيحة للعبودية الحقة .ومن هذا المنطلق إذن تأتي
أهمية المنظومة القيمية اإلسالمية المؤسسة بناء على قواعد اإليمان وثوابت الشرع.قال تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة هللا التي
فطر الناس عليها ال تبديل لخلق هللا ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون(.سورة الروم ،اآلية .)03:فاهلل تعالى وصف الدين
بأنه قيم ،والقيم بمعنى المستقيم ، ،قال تعالى :قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من
المشركين(.سورة األنعام ،اآلية .)61
وتشكل األخالق أصال من أصول الدين وثمرة مجاهدة المتقين ،وقد دعا اإلسالم إلى التحلي بها وتنميتها في النفوس ،فهي تعكس تلك
التصورات والمبادئ المشكلة لعقيدة اإلنسان ،وهو ما عبر عنه اإلمام الغزالي بقوله :الخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها
تصدر األفعال (.إحياء علوم الدين .) 3/85.كما تمثل األخالق ذلك الجانب الروحي واألدبي الذي أودعه هللا في نفوس البشر ،وجعله
من اكبر العوامل في سعادتهم وشقائهم ،وأدق المقاييس للداللة على ارتقائهم أو انحطاطهم حتى قال بعض علماء االجتماع:إنما
تتفاضل األمم في حالة البداوة بالقوة البد نية ،فادا ارتقت تفاضلت بالعلم ،ثم إذا بلغت من االرتقاء غايته تفاضلت باألخالق.
ومما يؤكد أهمية األخالق من الناحية الشرعية قول الرسول صلى هللا عليه وسلم :إن الخلق وعاء الدين (مسند اإلمام احمد) ،ومعنى
الحديث أن نسبة الخلق الحسن إلى الدين كنسبة الوعاء إلى ما استقر فيه ،فكما أن الماء ال يقوم بنفسه من دون وعاء يضم أجزاءه
ويصونها عن التفرق والضياع ،كذلك أحكام الدين وتعاليمه ال تقوم بنفسها وال يدوم سلطانها ما لم تكن في المتدينين أخالق ثابتة .كما
بين الرسول صلى هللا عليه أن رسالته جاءت لتكمل مكارم األخالق ،قال عليه الصالة والسالم :إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق.
( مسند اإلمام احمد) .ومن هذا المنطلق نفهم لماذا حفل القران الكريم والسنة النبوية بمجموعة من النصوص الشرعية التي تحث على
االتصاف بمكارم األخالق في مختلف المجاالت سواء على مستوى العقيدة أو العبادات أو المعامالت ،فالدعوة إلى توحيد هللا وعبادته
تحتاج إلى أخالق حميدة وعلى رأسها اإلخالص والصدق ،كما أن حسن التعامل مع الناس يتطلب االتصاف بمكارم األخالق
والصفات الحسنة من عدل وصبر وجود ووفاء بالعهد.
ومن الثوابت األساسية في مجال العقيدة أن اإليمان باهلل تعالى يدفع صاحبه إلى التحلي باألخالق الكريمة وااللتزام باألعمال الحسنة ،
فمتى استقر اإليمان في القلب انعكس دلك على أفعال اإلنسان وأقواله فالخلق السوي هو دليل اإليمان الصادق .،يقول الرسول صلى
هللا عليه وسلم :أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (سنن الترمذي) .وجاء في ظالل القران لسيد قطب :إن اإليمان الصحيح متى
استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك .واإلسالم عقيدة متحركة ال تطيق السلبية ،فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور ،تتحرك
لتحقيق مدلولها في الخارج ولتترجم نفسها إلى حركة والى عمل في عالم الواقع(.)6/114
واإليمان له آثار ايجابية ومهمة تنعكس على اإلنسان في دينه ودنياه ،في أقواله وسلوكه ،فكلما تغلغل اإليمان في النفوس ونفذ إلى
القلوب واقتنعت به العقول ،وتأثرت به المشاعر إال ومنح اإلنسان طمأنينة النفس وسكينة القلب ،فتقوى عزيمته وتتفتح بصيرته،
ويتحرر من الخوف من العباد ويتجه لعبادة رب العباد الذي حدد اآلجال ألوقات معلومة ،وقسم األرزاق ألجال محدودة .يقول تعالى
الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون (-سورة األنعام ،اآلية ) 83ويقول الرسول صلى هللا عليه وسلم:
عجبا ألمر المؤمن إن أمره كله خير ،وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وان أصابته ضراء صبر
فكان خيرا له (.صحيح مسلم ،كتاب الزهد والرقائق).
وعلى المستوى االجتماعي فاإليمان ينمي في اإلنسان حوافز الخير ويبعده عن مكايد الشر ،فيحلق بأشواقه الصاعدة فوق مستوى
الغرائز الهابطة واألهواء الفاسدة ،فيتحمل في سبيل ذلك المحن والشدائد تحقيقا لصفاء الروح وعزة النفس والكرامة الحقة ،فهذا
النبي يوسف عليه السالم قبل ذل السجن ورفض إغراء المعصية نظرا لقوة إيمانه وصفاء عقيدته .يقول تعالى حكاية عن يوسف عليه
السالم :رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه( -سورة يوسف ،االية. )33باإلضافة إلى ذلك فاإليمان الصحيح يوثق الروابط ويشيع
المحبة والتعاون بين الناس ،ويبعدهم من التعصب والحقد وحب الذات ،فيتسامى بذلك اإلنسان عن األنانية الدنيا إلى الغيرية العليا
فيسارع إلى العمل الصالح ،كما يتجنب إلحاق الضرر بالغير فال ينتقم حتى وان أصيب بمكروه ،وإنما يصبر و يكظم غيظه ،بل
ويعفو عمن ظلمه قاصدا بذلك تقوى هللا .قال تعالى في وصف المتقين :الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين
عن الناس وهللا يحب المحسنين(.سورة ال عمران ،اآلية. )431:
ومن المواقف التاريخية التي تعكس أهمية اإليمان في ضبط النفس واالتصاف بخصلة الحلم ،أن رجال كلم ذات يوم الخليفة عمر بن
عبد العزيز فأساء إليه حتى أغضبه ،فهم به عمر ،ثم امسك نفسه وقال للرجل :أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فأنال منك
ما تناله مني غدا؟ أي في اآلخرة قم عافاك هللا ،ال حاجة لنا في مقاولتك .انه اإليمان الصادق الذي يعصم المؤمن من الخضوع ألهواء
النفس أو االستسالم لشهواتها ومغرياتها وما يترتب عنها من الخصومة والنزاع .لهذا فبقدر ما يتقوى إيمان الشخص وعقيدته بقدر
ما يتحلى بمكارم األخالق والعكس صحيح ،إذ إن ضعف اإليمان يؤدي إلى االتصاف بذميم األخالق فيميل الفرد في هذه الحالة إلى
ارتكاب قبائح األفعال ،وسفا سف األعمال فاقدا بذلك اكبر زاجر يردعه عن ارتكاب الذنوب واالنغماس في المعاصي وهو الخوف
من عذاب هللا ،فتراه تائها في دروب االنحراف ،قليل الصبر ضيق الصدر كثير االنفعال ،شديد التوتر ال يحس بأهمية النفس وال
يشعر بقيمة الحياة.
وعلى المستوى االقتصادي ثمة ارتباط قائم وتالزم وثيق بين القيم األخالقية والمبادئ االقتصادية التي تحكم السلوك اإلنساني وذلك
بناء على نصوص الكتاب والسنة .فاالقتصاد اإلسالمي من خصا ئصه انه اقتصاد أخالقي وعقائدي ،فال يمكن بأي حال من األحوال
أن ينفصل في مبادئه وتوجيهاته عن جانب القيم والضوابط الشرعية ،فهو محكوم بها وتابع لها .وهذا الجانب يبرز بشكل واضح
على مستوى اإلطار المذهبي والفكري المحدد لالقتصاد ،والذي يروم ضبط السلوك البشري وتهذيبه وفق قيم واعتبارات أخالقية
محددة ،من ذلك على سبيل المثال ربط مشروعية مختلف المعامالت Aاالقتصادية بمدى مراعاة الضوابط األساسية Aوالتي من أهمها :
اإلخالص في العمل وإتقانه ،والتزام الصدق واألمانة والوفاء بمختلف االلتزامات المشروعة مصداقا لقوله تعالى :يا أيها الذين امنوا
أوفوا بالعقود ( سورة المائدة ،االية .) 1 :باإلضافة إلى وجوب مراعاة مبدأ العدل وتحقيق التوازن في المعاوضات ،واستحضار
قاعدة الغنم بالغرم على مستوى المشاركات A،ثم في نفس الوقت اجتناب كل وسائل الكسب المحرمة كالغش والربا واالحتكار والتدليس
والغرر الخ وفي ذلك يقول عز وجل :ياايها الذين امنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم.
( سورة ،اآلية .)..وفي حديث الرسول صلى هللا عليه وسلم جملة من القيم والضوابط األخالقية التي تستهدف ضبط المعامالتA
المالية بما يحقق مبادئ العدل والتسامح واإلحسان بعيدا عن كل مظاهر الظلم والخداع واالستغالل .قال عليه الصالة والسالم :ان
أطيب الكسب Aكسب Aالتجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ،وإذا ائتمنوا لم يخونوا ،وإذا وعدوا لم يخلفوا ،وإذا اشتروا لم يذموا ،وإذا
باعوا لم يطروا ،وان كان عليهم لم يمطلوا ،واذا كان لهم لم يعسروا(.سنن البيهقي) .وفي السياق ذاته نجد القران الكريم يحدد جملة
من التوجيهات األساسية ،ويرسم المعالم الصحيحة للسلوك لالقتصادي السوي ،من ذلك مثال ما ورد من إدانة لتلك المعامالت
االقتصادية التي كانت سائدة في الجاهلية عند العرب ،والتي كانت قائمة على أساس االستغالل والظلم واكل أموال الناس بالباطل
ومن ذلك قوله تعالى :ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون أال يظن أولئك أنهم
مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ( سورة المطففين ،اآليات .)6-5-4-3-2-1:وقوله عز وجل :وما أتيتم من ربا
لتربوا في أموال الناس فال يربو عند هللا ،وما أتيتم من زكاة تريدون وجه هللا فأولئك هم المضعفون( -سورة الروم اآلية .)38ونجد
شعيبا عليه السالم يركز في دعوته على معالجة الفساد االقتصادي الذي تفشى في عصره حيث كان يؤكد في رسالته على أن االلتزام
بالدين واالستجابة ألوامر هللا عز وجل تستلزم بالضرورة إتباع أسلوب معين في استثمار األموال الشيء الذي أثار استغراب بعض
الكفار من قومه ،يقول تعالى :قالوا يا شعيب
ا صلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء( -سورة هود اآلية . )87.
وثمة حقائق أخرى تؤكدها نصوص الشرع تدل على االرتباط القائم بين المقتضيات اإليمانية والسلوكيات االقتصادية من ذلك قوله
تعالى :الم ذلك الكتاب الريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصالة ومما رزقناهم ينفقون (.سورة البقرة ،االية. )1
فاآلية الكريمة جمعت بين قيم مهمة منها ما هو عقدي ومنها ما هو سلوكي تربوي ،فقد تم الربط بين اإليمان بالغيب وابتغاء الحالل
على مستوى التصرف المالي وخاصة جانب اإلنفاق الذي يدخل ضمن إجراءات توزيع الدخل سدا للحاجيات المختلفة.كما ربط القران
الكريم بين اإليمان الصادق وبين اقتصاد مزدهر يحقق رفاهية اإلنسان قال تعالى :ولو أن أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات
من السماء .واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون( .سورة األعراف ،اآلية.)95.وبالمقابل من ذلك حذر هللا عز وجل من
أي انحراف في العقيدة وربط أثار ذلك بالحرمان من الرزق ،أو بعبارة أوضح الربط بين الذنوب العقيدية والعقوبات االقتصادية قال
عز وجل :وضرب هللا مثال قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم هللا فأذاقها هللا لباس الجوع
والخوف بما كانوا يصنعون ( .سورة النحل ،اآلية .)12
وبناء عليه ،فالتشريع اإلسالمي في إطار تحديده لمختلف القيم والتوجيهات الخاصة بالسلوك اإلنساني ،ينطلق من رؤية مقا صدية
مهمة ، Aأال وهي تحقيق مصالح اإلنسان ودرء المفاسد عنه ،بغية تهذيب السلوك البشري بما يكفل التطبيق الصحيح لوظيفة
االستخالف وعمارة الكون ،ووصوال إلى الغاية األسمى التي هي إخالص العبودية هلل عز وجل.
من الدراسات النفسية في القرآن :أثر انحراف العقيدة على األمن النفسي والسلوك االجتماعي
مرهف
1
0
إعجابات
مدخل:
لقد اتسمت دراسة علماء النفس للشخصية بالنقص وعدم وجود نظرة كلية لتركيبته اإلنسانية الفطرية؛ ألنهم اقتصروا في تحليلهم
ودراستهم للشخصية على جوانبها البيئية والوراثية والثقافية واالجتماعية والفردية ،وأهملوا الجانب الروحي والعقدي في تكوين
الشخصية وأثره في سويتها في تحقيق التوازن واألمن النفسي في تلك الشخصية ،حيث نظروا إلى الشخصية باعتبارها األبنية
والعمليات النفسية الثابتة التي تنظم خبرات الفرد ،وتشكل أفعاله واستجاباته للبيئة التي يعيش فيها؛ والتي تميزه عن غيره من الناس،
ويقسمون الشخصية على ذلك إلى :شخصية سوية وشخصية غير سوية ،منكرين األثر العقدي في بناء النفس اإلنسانية وتكوين
الشخصية السليمة ،فكانت نتائج أبحاثهم عن اإلنسان مبتسرة ومتناقضة وتفتقد التكامل العلمي.
لكننا نجد القرآن الكريم يهتم ببيان مكونات الشخصية وسويتها وأمنها من جميع الجوانب ويركز باألخص على الدور العقدي في
بلورة الشخصية وأمنها وسلوكها ،وسنجد مثاالً لذلك من خالل تناول هذه اآليات من سورة النحل ،وهي قوله تعالى:
)وإِ َذا ُون(َ 57 )و َيجْ َعلُون َ هَّلِل ِ ْال َب َنا ِ
ت ُسب َْحا َن ُه َولَ ُه ْم َما َي ْش َته َ ُون َنصِ يبًا ِممَّا َر َز ْق َنا ُه ْم َتاهَّلل ِ لَ ُتسْ أَلُنَّ َعمَّا ُك ْن ُت ْم َت ْف َتر َ
ُون(َ 56 ) َو َيجْ َعلُ َ
ون لِ َما اَل َيعْ لَم َ
ب أَاَل ُّ َ َ ُ َ ِّ ْ َ َ ُ
ُب ِّش َر أَ َح ُد ُه ْم ِبا نثى ظ َّل َوجْ ُه ُه مُسْ َو ّدا َوه َُو َكظِ ي ٌم(َ )58ي َت َو َ
ً أْل
ارى مِنْ ال َق ْو ِم مِنْ سُو ِء َما ُبش َر ِب ِه أ ُيمْسِ ك ُه َعلى ه ٍ
ُون أ ْم َي ُد ُّس ُه فِي الت َرا ِ
ُون(.()59 َسا َء َما َيحْ ُكم َ
نحن أمام آيات تصف حقيقة تاريخية ،ونمطا ً سلوكيا ً ذا مرجعية عقدية ،تصور لنا الحاالت النفسية التي يعيشها هؤالء المنكرون
المستكبرون الجاحدون؛ ليكونوا أنموذجا ً حيا ً لتوصيف الحالة النفسية لكل مخالف للفطرة من حيث اتصافها أنها غير صحيحة نفسياً،
وغير سليمة عقليا ً ،وبالتالي حصل من صاحبها هذا السلوك المتعجرف المتناقض.
ُون َنصِ يبًا ِممَّا َر َز ْق َنا ُه ْم( ،إذ جعلوا في فأول سلوك عجيب متناقض سلكه أولئك القوم :ذكره تعالى في قولهَ ) :و َيجْ َعلُ َ
ون لِ َما اَل َيعْ لَم َ
ْ َ
ث َواألن َع ِام َنصِ يبًا ْ َ َ هّلِل ْ ُ
)و َج َعلوا ِ ِممِّا ذ َرأ م َِن ال َحرْ ِ أموالهم حقا ً لألصنام التي لم ترزقهم شيئاً ،وال تضرهم وال تنفعهم ،كما قال تعالىَ :
َف َقالُو ْا َه َذا هّلِل ِ ِب َزعْ م ِِه ْم َو َه َذا ِل ُ
ش َر َكآ ِئ َنا [(..األنعام.]136:
عن قتادة قال( :وهم مشركو العرب ،جعلوا ألوثانهم نصيبا ً مما رزقناهم ،وجزءاً من أموالهم يجعلونه ألوثانهم)([ ،)]1والتناقض في
سلوكهم هذا من جهتين:
إحداهما :أنهم يجعلون نصيبا ً من الحرث واألموال لجماد ال حول له وال قوة؛ خوفا ً من ضره وتقربا ً من نفعه.
والثاني :أنهم يعطونهم هذا النصيب من رزق هللا تعالى المنعم عليهم كل نعمة ظاهرة وباطنة ،فبدل أن يشكروه؛ أشركوا به وشكروا
من ال يضر وال ينفع.
والسلوك الثاني الذي سلكوه هو التبرير لما يفعلونه من خالل اختالق الحجج والمسوغات إلشراكهم باهلل ،المشار إليه في قوله
ُون ( ،فالقسم بالتاء "يختص بما يكون المقسم عليه أمراً عجيبا ً ومستغرباً .. ،فاإلتيان في القسم هنا تعالىَ ) :تاهَّلل ِ لَ ُتسْ أَلُنَّ َعمَّا ُك ْن ُت ْم َت ْف َتر َ
ُون( أي تختلقون الحجج ً
بحرف التاء مؤذن بأنهم يُسألون سؤاال عجيبا ً بمقدار غرابة الجرم المسؤل عنه"([ ،)]2وهو أنكم ) َت ْف َتر َ
والتبريرات لما تفعلون وتقولون بأن هذه الجمادات Aآلهة ،وأنكم ما تعبدونها إال لتقربكم من هللا زلفاً" ،واإلتيان بفعل الكون وبالمضارع
لل ّداللة على أن االفتراء كان من شأنهم A،وكان متجدداً ومستمراً منهم ،فهو أبلغ من أن يقال :عمّا تفترون ،وعمّا افتريتم"([.)]3
والتبرير سلوك يتبعه ضعيف الشخصية ،ضعيف الحجة ،مضطرب التفكير ،غير متصف بالصحة النفسية.
)و َج َعلُوا
والثاني :باعتقادهم نسبتها هلل تعالى؛ حيث أنهم زعموا أن المالئكة بنات هللا من سروات([ )]5الجن ،كما دل عليه قوله تعالى َ
َب ْي َن ُه َو َبي َْن ْال ِج َّن ِة َن َسبًا( [الصافات ،]158:وكان هذا اعتقادَ كنانة وخزاعة من العرب([.)]6
الثالث :رغبتهم في ذريتهم أن تكون ذكوراً فقط؛ ألن ذلك محل شرف ورفعة وقوة لهم ،مع اعتقادهم نسبة البنات هلل تعالى.
و تناقض تفكيرهم مع سلوكهم واعتقادهم ،دليل واضح على قصورهم العقلي واضطرابهم الفكري.
فنزه هللا تعالى ذاته العظيمة بقوله) :سبحانه( عما ينسبه المشركون من جعلهم هلل تعالى البنوة أساساً([.)]7
فاآلية تخبر أن هؤالء الذين نسبوا البنت هلل سبحانه على سبيل البنوة ،وهم يعتقدون بوجوده رباً ،ترى أحدهم إذا أعلم بوالدة األنثى له؛
صار وجهه كل يومه كئيبا ً قد غ َّم ،وحاله :أنه يخفي الغيظ الذي مأل كيانه وقلبه ،وانتشر في أعضائه؛ يؤثر االنكفاء عن الناس
واالبتعاد عنهم العتقاده بسوء العار الذي لبسه ،ولذلك فهو يحتار فيما يفعل ،ويضطرب في حكمه ،وتراه حائراً ثائراً يضرب الكف
على الكف ويترنح متردداً في شأنه ،ويحدث نفسه يقول :أَأ ُبقي هذه البنت حية حبيسة عندي ،وأقيم على الذل والهوان الذي أصابني
وتتحدث عني العرب؛ أم أدفنها في التراب ،ألخفي هذا العار ،وبذلك يبقى رأسي مرفوعا ً عزيزاً.
) أال ساء ما يحكمون( وما ذلك إال ألنهم بلغوا من كراهة البنت أعظم الغايات؛ هم أنفسهم يجعلون ما هذا شأنه من الهون والحقارة هلل
هذه اآليات توجب على المختصين في علم النفس أن يجعلوا الجانب العقدي في صميم دراسة الشخصية اإلنسانية والصحة النفسية،
وأن يركزوا على أثر االعتقادات الفاسدة في سلوك صاحبها وصحته النفسية والعقلية.
فالناظر في األنماط السلوكية التي ذكرها القرآن لمختلف فئات الناس؛ يجد أن القرآن يركز على الدور العقدي لدوافع السلوك ،وبلورة
هذه العقيدة ألعراف الناس وتقويمهم ،وتقرير األسلوب األمثل لحياتهم ،كما ويصور القرآن الحالة النفسية الداخلية لمكونات الشخصية
بناء على اعتقاد صاحب هذه الشخصية.
فاآليات هنا تنكر نمطا ً سلوكيا ً واجتماعيا ً كان موجوداً في عادات بعض العرب في الجاهلية ،وبقي إلى أول زمن بعثة النبي
،ف ُتصوِّ ر االنفعاالت النفسية لهم ،وأثرها على سويتهم الشخصية والسلوكية ،في سياق عقدي وقالب بياني ذي
دالئل نفسية ،وهو ما يتعارف عليه في علم النفس بالموقف النفسي(([.))]9
" فاالنحراف في العقيدة – كما تبينه اآليات -ال تقف آثاره عند حدود العقيدة ،بل يسري في أوضاع الحياة االجتماعية ويدخل ضمن
تقاليدها ،ألن العقيدة هي المحرك األول للحياة ،سواء ظهرت أو كمنت...ومن هنا فإن انحراف الجاهليين عن العقيدة الصحيحة سول
لهم وأد البنات أو اإلبقاء عليهن في الذل والهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة"([.)]10
وهكذا فاسوداد الوجه ،وحالة الكظم :انفعاالت محرقة ودوافع قوية لطبع عدواني ،والتواري عن الناس وحديث النفس فيما يقوم به من
سلوك ،ما هو إال ترجمة الضطراب في الشخصية والبنية النفسية ،وفقدان السيطرة على هذه االنفعاالت وعدم تحكيمها للفطرة
الربانية ينشأ عنها الفعل اإلجرامي :الوأد ،أو جريمة اجتماعية :إهانة البنت وإذاللها ،وينعدم بذلك األمن النفسي ،واألمن االجتماعي
والبيئي.
علما ً أن هذه الدوافع واالنفعاالت والسلوكيات الفاسدة والمنحرفة والمتطرفة؛ ليست قاصرة على مشركي العرب وأبناء جاهليتهم ،بل
هي مثال لكل من يخالف الفطرة الربانية ،ويعتقد عقائد فاسدة ،حيث إن أثر اعتقاده الفاسد ال محالة سيظهر في سلوكه على نمط
إجرامي في حق نفسه أو في حق اآلخرين ،وواقعنا الذي نعيشه أكبر برهان على ذلك كله ،فنسب انتشار الجريمة في أرقى بالد العالم
مدنية ورفاهية ال تليق بالحالة االجتماعية والبيئية والرفاهية التي يتلقاها مواطنو تلك البالد ،وما كانت هذه الجرائم لتزداد لوال األثر
العقدي الفاسد على سوء حال المجرمين إلى الشذوذ واالنحراف.
ولو ألقينا نظرة إلى نسب االنتحار ـ مثالً ـ في الدول التي انحرفت عن الفطرة لتجلت لنا حقيقة المواقف النفسية لهؤالء المخالفين
للفطرة الربانية الطاهرة.
وهذه اآليات أيضا ً تبين للمختصين في اإلرشاد النفسي -في السجون أو المدارس -الطريق القويم لتعديل سلوك التائهين والمنحرفين،
بأن يعتنوا بالجانب العقدي الذي يؤسس مبادئ الصحة النفسية وتوازن الشخصية اإلنسانية لهؤالء.
كما تبين هذه اآليات أن الحل األنسب لرفع الظلم عن المرأة في هو تصحيح العقيدة والتزام الشريعة ،ألن أبرز جوانب العقيدة
اإلسالمية يتجلى بتصحيح تصور اإلنسان لنفسه ،واستشعاره أنه مخلوق مملوك هلل تعالى ال يحق له أن يتصرف في نفسه أو في غيره
كما يريد ،وأن الناس في الخلق سواء وفي حق الحياة سواء وهللا أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
([ )]1ـ أخرجه ابن جرير ، 17/226وأخرجه أيضا ً عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ،انظر الدر المنثور.4/135
([ )]4ـ انظر :أبو السعود ،5/121وفسر الجعل في التحرير والتنوير 14/182بالقول.
([ )]5ـ أي أن المالئكة أتت من ظهور الجن ،والسروات الظهر انظر القاموس المحيط مادة سرو.
([ )]8ـ أخرجه ابن جرير 17/228ط الرسالة ،وابن المنذر وابن أبي حاتم ( ،)13397وابن مردويه ،انظر :الدر المنثور .4/135
أن يعتق عن كل بنت منهن نسمة أخرجه كما ورد أن قيس بن عاصم وارى ثمان بنات في الجاهلية وأمره النبي
البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح انظر :مجمع الزوائد للهيثمي ،7/238واإلصابة البن حجر 3/353ط دار صادر
([ )]9ـ والموقف في الحياة النفسية هو مجموعة من العوامل االنفعالية التي تجعل صاحبها يقوم بنوع مركزي من السلوك تدور حوله
تلك االنفعاالت بجوانبها اإليجابية والسلبية ،فالموقف في الدراسات النفسية يتضمن ثالثة عوامل متفاعلة :أ ـ النمط السلوكي وما خلفه
من دوافع خاصة تؤثر في نوعية السلوك ودرجته.
ج ـ المحيط البيئي بكل مقوماته المتعددة وال سيما المجال النفسي االجتماعي الذي يعيشه ذلك اإلنسان.
انظر :لمحات نفسية في القرآن الكريم د عبد الحميد محمد الهاشمي صـ،128ط رابطة العالم اإلسالمي من سلسة دعوة الحق العدد
11السنة 1402هـ .
([ )]10ـ ظالل القرآن .2177 /4
([ )]1ـ أخرجه ابن جرير ، 17/226وأخرجه أيضا ً عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ،انظر الدر المنثور.4/135
([ )]1ـ انظر :أبو السعود ،5/121وفسر الجعل في التحرير والتنوير 14/182بالقول.
([ )]1ـ أي أن المالئكة أتت من ظهور الجن ،والسروات الظهر انظر القاموس المحيط مادة سرو.
([ )]1ـ أخرجه ابن جرير 17/228ط الرسالة ،وابن المنذر وابن أبي حاتم ( ،)13397وابن مردويه ،انظر :الدر المنثور .4/135
أن يعتق عن كل بنت منهن نسمة أخرجه كما ورد أن قيس بن عاصم وارى ثمان بنات في الجاهلية وأمره النبي
البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح انظر :مجمع الزوائد للهيثمي ،7/238واإلصابة البن حجر 3/353ط دار صادر
([ )]1ـ والموقف في الحياة النفسية هو مجموعة من العوامل االنفعالية التي تجعل صاحبها يقوم بنوع مركزي من السلوك تدور حوله
تلك االنفعاالت بجوانبها اإليجابية والسلبية ،فالموقف في الدراسات النفسية يتضمن ثالثة عوامل متفاعلة :أ ـ النمط السلوكي وما خلفه
من دوافع خاصة تؤثر في نوعية السلوك ودرجته.
ج ـ المحيط البيئي بكل مقوماته المتعددة وال سيما المجال النفسي االجتماعي الذي يعيشه ذلك اإلنسان.
انظر :لمحات نفسية في القرآن الكريم د عبد الحميد محمد الهاشمي صـ،128ط رابطة العالم اإلسالمي من سلسة دعوة الحق العدد
11السنة 1402هـ .