You are on page 1of 3

‫مواضع الفصل‬

‫إذا ترادفت اجلمل‪ ،‬ووقع بعضها إثر بعض ربطت ابلواو العاطفة لتكون على نسق واحد‪ .‬ولكن قد يعرض هلا ما يوجب‬
‫وإما ألنه ال صلة بينهما يف الصورة‬
‫ألّنما مبنزلة املتحدتني‪ّ ،‬‬
‫وإما ّ‬
‫ترك الواو فيها ّإما ألن اجلملتني متح ّداتن صورة ومعىن‪ّ ،‬‬
‫أو يف املعىن‪.‬‬
‫ويقع الفصل يف مخسة مواضع هي‪:‬‬

‫‪ " - 1‬كمال االتصال"‪.‬‬


‫وهو احتاد اجلملتني احتادا اتما‪ ،‬حبيث تكون اجلملة الثانية‪:‬‬
‫توكيدا لألوىل‪ ،‬أو ال بد منها‪ ،‬أو بياان هلا‪ .‬ومثاله‪:‬‬
‫قال ْاأل ََّولُو َن* قالُوا أَإِذا ِمْتنا َوُكنَّا تُراابً َو ِعظاماً أَإِ َّان لَ َمْب عُوثُو َن املؤمنون‪.82 - 81 :‬‬
‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬بَ ْل قالُوا ِمثْ َل ما َ‬
‫ضحة‪ ،‬وأوىف بتأدية املعىن من األوىل‪ .‬فهي واقعة موقع بدل الكل من األوىل‪ ،‬ولذا ترك العطف‬ ‫فاآلية الثانية شارحة ومو ّ‬
‫لقوة الربط بني اجلملتني‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ين أ َْم ِه ْل ُه ْم ُرَويْداً الطارق‪.17 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬قال تعاىل‪ :‬فَ َم ّه ِل الْكاف ِر َ‬
‫فاجلملة الثانية (أ َْم ِه ْل ُه ْم ُرَويْداً) توافق اجلملة األوىل اليت سبقتها لفظا ومعىن‪ ،‬وهي توكيد لفظي لألوىل‪ ،‬وبذلك صارت‬
‫صحة‬
‫الصلة قوية بينهما حبيث ال حتتاجان اىل رابط‪ ،‬أل ّن التوكيد من املؤكد كالشيء الواحد‪ ،‬لذا ترك العطف لعدم ّ‬
‫عطف الشيء على نفسه‪.‬‬
‫ني الشعراء‪.133 - 132 :‬‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬واتَّ ُقوا الَّ ِذي أَم َّد ُكم ِمبا تَعلَمو َن* أَم َّد ُكم ِِبَنْ ٍ ِ‬
‫عام َوبَن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫فاآلية الثانية مبنزلة بدل البعض‪ ،‬أل ّن ما يعلّمونه يشمل ما يف اجلملة الثانية من النعم األربع وغريها من سائر النعم‪ ،‬ومل‬
‫لقوة الربط بينهما‪.‬‬ ‫يعطف بني اجلملتني ابلواو ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صا الْ َم ِدينَ ِة َر ُج ٌل يَ ْسعى َ‬ ‫ِ‬
‫ني* اتَّبِعُوا َم ْن ال يَ ْسئَ لُ ُك ْم أ ْ‬
‫َجراً َوُه ْم ُم ْهتَ ُدو َن‬ ‫قال اي قَ ْوم اتَّبِعُوا الْ ُم ْر َسل َ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل َوجاءَ م ْن أَقْ َ‬
‫يس‪ .21 - 20 :‬فاآلية الثانية بدل اشتمال من األوىل‪ ،‬أل ّن املراد من األوىل محل املخاطبني على اتباع الرسل‪،‬‬
‫صحة دينكم‪ ،‬فيكون لكم جزاء الدنيا واآلخرة‪ ،‬فرتك العطف‬ ‫والثانية أوىف ألن معناها‪ :‬ال ختسرو شيئا من دنياكم وترحبو ّ‬
‫لقوة الربط بينهما‪.‬‬ ‫بني اجلملتني ّ‬
‫ذاب يُ َذِّحبُو َن أَبْناءَ ُك ْم َويَ ْستَ ْحيُو َن نِساءَ ُك ْم البقرة‪.49 :‬‬ ‫آل فِر َعو َن يسومونَ ُكم سوء الْع ِ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل وإِ ْذ ََنَّينا ُكم ِمن ِ‬
‫ْ ْ َُ ُ ْ ُ َ َ‬ ‫َ ْ ْ ْ‬
‫ضحة لألوىل فكانت مبنزلة عطف‬ ‫ومونَ ُك ْم) ألن الثانية مو ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فصلت مجلة (يُ َذ ّحبُو َن أَبْناءَ ُك ْم َويَ ْستَ ْحيُو َن نساءَ ُك ْم) عن (يَ ُس ُ‬
‫لقوة الربط بينهما‪ ،‬ألن عطف البيان ال يعطف على متبوعه‪.‬‬ ‫البيان‪ ،‬لذلك ترك العطف ّ‬
‫‪ - 2‬كمال االنقطاع‪.‬‬
‫وهو ان يكون بني اجلملتني تباين اتم‪ .‬وأوضح ما يكون ذلك إذا تقاطعتا‪:‬‬

‫أ‪ .‬خربا وإنشاء‪:‬‬


‫(وأَقْ ِسطُوا) إنشائية‬
‫ني احلجرات‪ .9 :‬فصلت اجلملة الثانية عن األوىل ألن األوىل َ‬
‫ِِ‬ ‫اَّللَ ُُِي ُّ‬
‫ب الْ ُم ْقسط َ‬ ‫حنو َوأَقْ ِسطُوا إِ َّن َّ‬
‫لفظا ومعىن‪،‬‬

‫ني) خربية لفظا ومعىن‪ ،‬فبينهما تباين اتم وانقطاع كامل ممّا يستوجب الفصل بينهما‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللَ ُُِي ُّ‬
‫والثانية (إِ َّن َّ‬
‫ب الْ ُم ْقسط َ‬

‫ب‪ .‬واختالفهما معىن‪:‬‬


‫حنو‪َ :‬نح خالد وفّقه للا‪ .‬فالثانية إنشائية لفظا خربية معىن‪.‬‬

‫ج‪ّ .‬أال يكون بني اجلملتني مناسبة يف املعىن وال ارتباط‪:‬‬


‫ومثاله‪:‬‬
‫إّّنا املرء ِبصغريه …كل امرئ رهن مبا لديه‬
‫كال منهما مستقلة بنفسها‪.‬‬
‫فال مناسبة بني اجلملة الثانية واألوىل أل ّن ّ‬

‫‪ - 3‬شبه كمال االتصال‪:‬‬


‫لكأّنا جواب عن سؤال نشأ من األوىل‪.‬‬
‫حّت ّ‬ ‫وهو أن تكون اجلملة الثانية شديدة االرتباط ابألوىل‪ّ ،‬‬
‫لس ِ‬
‫س َأل ََّم َارةٌ ِاب ُّ‬ ‫كقوله تعاىل وما أُبَ ِر ُ ِ ِ‬
‫وء يوسف‪ .53 :‬فقد فصلت اجلملة الثانية عن األوىل أل ّّنا واقعة‬ ‫ئ نَ ْفسي إ َّن النَّ ْف َ‬‫َ ّ‬
‫ألمارة ابلسوء‪.‬‬
‫ابلسوء؟ فقيل‪ :‬إن النفس ّ‬
‫يف جواب سؤال مق ّدر‪ ،‬وكأنه قيل‪ :‬هل النفس ّأمارة ّ‬

‫‪ - 4‬شبه كمال االنقطاع‪:‬‬


‫يصح عطفها على األوىل لوجود املناسبة‪ ،‬ولكن يف عطفها على الثانية فساد يف املعىن فيرتك‬
‫وهو ان تسبق مجلة جبملتني ّ‬
‫لتوهم أنه معطوف على الثانية‪ .‬حنو‪:‬‬
‫ابملرة‪ ،‬دفعا ّ‬
‫العطف ّ‬
‫تظن سلمى أنّين أبغي هبا …بدال أراها يف الضالل هتيم‬
‫و ّ‬
‫فجملة (أراها) يصح عطفها على مجلة (تظن) لكن مينع من ذلك توهم العطف على مجلة (أبغي هبا) فتكون الثالثة‬
‫من مظنوانت سلمى‪ ،‬مع أنّه غري املقصود وهلذا امتنع العطف‪.‬‬
‫لتوسط بني الكمالني‪:‬‬ ‫‪-5‬ا ّ‬
‫وهو أن تكون اجلملتان متناسبتني وبينهما رابطة قوية لكن مينع من العطف مانع هو عدم قصد التشريك يف احلكم‬
‫ئ هبِِ ْم ‪ ..‬البقرة‪ .14 :‬لقد فصلت‬ ‫ياطينِ ِه ْم قالُوا إِ َّان َم َع ُك ْم إَِّّنا َْحن ُن ُم ْستَ ْه ِزُؤ َن* َّ‬
‫اَّللُ يَ ْستَ ْه ِز ُ‬ ‫كقوله تعاىل وإِذا خلَوا إِىل َش ِ‬
‫َ َْ‬
‫ئ هبِِ ْم) عن مجلة (إِ َّان َم َع ُك ْم) مع التناسب ووجود اجلامع بينهما املصحح للعطف لوجود املانع‪ ،‬وهو‬ ‫(اَّللُ يَ ْستَ ْه ِز ُ‬
‫مجلة َّ‬
‫ئ هبِِ ْم) جلملة (إِ َّان َم َع ُك ْم) يف احلكم االعرايب‪ ،‬وهو اّنا مفعول القول‪ ،‬فيقتضي‬ ‫(اَّللُ يَ ْستَ ْه ِز ُ‬
‫أنّه مل يقصد تشريك مجلة َّ‬
‫ذلك أن مجلة‪ :‬للا يستهزئ هبم تكون من مقول املنافقني‪ ،‬وهي ليست كذلك بل هي من كالم للا سبحانه ولذلك‬
‫فصل بينهما‪.‬‬

You might also like