You are on page 1of 16

‫جامعة الحاج لخضرباتنة ‪1‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫مقياس‪ :‬قانون مكافحة‬


‫الفساد‬
‫مطبوعة موجهة لطلبة السنة‬
‫الثالثة قانون عام ‪ /‬فوج ‪1‬‬

‫إعداد‪ :‬األستاذ الدكتور‪ /‬محمد لخضربن عمران‬

‫السنة الجامعية‪2020/2019 :‬‬


‫‪1‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫اتجهت جل دول العالم على غرار الجزائر نحو وضع جملة من االستراتيجيات التي تهدف في مجملها إلى تحقيق‬
‫تنمية اقتصادية واجتماعية جامعة وكاملة‪ ،‬تجمع بين التغيرات االقتصادية‪ ،‬والتغيرات االجتماعية والثقافية في صورة‬
‫منتظمة ومستمرة ترمي إلى تحسين ظروف األفراد وتحقيق الرفاهية التي ينتظرها كل مجتمع‪ ،‬غير أن هذه التنمية‬
‫املنشودة اعترضتها مجموعة من اإلكراهات القوية والتي عرقلت تحقيقها وعطلت استمرارية مسيرتها وفي مقدمتها‬
‫ظاهرة الفساد‪.‬‬
‫إن ظاهرة الفساد التي تدب في البناء اإلداري داخل مختلف املؤسسات والتنظيمات االجتماعية والخدماتية في‬
‫الدولة‪ ،‬أصبحت تشكل أقوى املعوقات وأخطرها على التنمية اإلدارية من ناحية‪ ،‬وعلى العملية التنموية املنشودة من‬
‫طرف املجتمعات من ناحية أخرى‪ ،‬مما يحول دون تحقيقها وبالتالي دون بناء مجتمع املستقبل‪ ،‬كما أن خطورة الفساد‬
‫اإلداري ال تقف عند توقيف مسار التنمية في أبعاده املختلفة‪ ،‬بل يعطل الجودة في الخدمات والصناعات‪ ،‬ويعمل على‬
‫إعدام مبدأ املساواة بين املواطنين سواء في االمتيازات أو األعباء أو أمام القانون‪ ،‬مما يخل بمبادئ العدالة والنزاهة‪،‬‬
‫وفي ظل كل هذه االنعكاسات أضحى الفساد إحدى أهم اإلشكاليات العاملية املتشابكة والتحديات الكبرى التي ال تعاني‬
‫منها دولة بعينها بل جميع دول العالم دون استثناء سواء كانت متقدمة أو سائرة في طريق النمو ولو أن حجمه قد‬
‫يختلف من مجتمع إلى آخر باختالف األنظمة السياسية واالقتصادية واالجتماعية واألعراف والتقاليد السائدة ومدى‬
‫انتشار ثقافة القيم‪ ،‬غير أن األمر الذي ال ُيختلف فيه أنه يشكل عائقا أمام تقدم الشعوب ورقيها وعامل إلضعاف‬
‫قدراتها وسبب لعرقلة مسيرتها النهضوية‪.‬‬
‫كما ال يخفى أن انتشار الفساد اإلداري عبر حدود الدول خالل السنوات األخيرة كان بشكل كبير‪ ،‬نتيجة العوملة التي‬
‫ساهمت في تطور أساليب ووسائل ارتكاب الفساد الذي أصبح يتخذ أشكاال جديدة ومتطورة يصعب التعرف عليها‬
‫أحيانا بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل وثورة املعلومات واالتصاالت‪ ،‬كل ذلك في ظل غياب الشفافية‬
‫واملحاسبة وضعف األجهزة الرقابية التقليدية وعدم خضوع السلطات اإلدارية لضوابط قانونية وسلوكية‪.‬‬
‫وبالنظر إلى االعتبارات السابقة‪ ،‬أصبح موضوع الفساد يحظى باهتمام كبير على جميع األصعدة املحلية والوطنية‬
‫والدولية‪ ،‬كما أضحت مبادرات محاربته أحد مستلزمات الحكامة الجيدة وأحد متطلبات عصرنة وتحسين أداء املرافق‬
‫ُ‬
‫العمومية‪ ،‬وعلى هذا األساس كرست جهود الدول على غرار الجزائر في وضع االستراتيجيات املتعلقة بمكافحة الفساد‪،‬‬
‫حيث أحدثت الجزائر العديد من األجهزة والهيئات املستقلة التي تعنى بتتبع وفضح جرائم الفساد ومجابهة كل‬
‫التصرفات التي من شأنها املساس باملال العام‪ ،‬كما تأثرت املنظومة القانونية بالجزائر شأنها شأن كافة التشريعات‬
‫املقارنة باتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد‪ ،‬من خالل سن وإصدار مجموعة من النصوص القانونية ومراجعة‬
‫التشريعات املنظمة لجميع النشاطات السيما األعمال االقتصادية‪ ،‬في محاولة منها إلى تدعيم آليات الرقابة وإدخال‬
‫شفافية أكثر على تسيير الشؤون العمومية وحصر كل أشكال الفساد اإلداري ومظاهره‪.‬‬
‫وملقاربة هذا املوضوع في املستويين الوطني والدولي وجب التطرق إلى املحاور األساسية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬مجاالت الفساد ومظاهره‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬انعكاسات الفساد على أبعاد التنمية‬
‫‪ -‬السياسة الوقائية املعتمدة‬
‫‪ -‬األحكام الجزائية في مجال الفساد‬
‫‪ -‬التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد‬
‫أوال‪ /‬مجاالت الفساد ومظاهره‪:‬‬
‫قبل الحديث عن مجاالت الفساد ال بد من مدخل لذلك يقرب هذه الظاهرة ويبحث ولو بشكل مختصر في‬
‫مفهومها‪:‬‬
‫تعريف الفساد‪:‬‬
‫تعددت التعريفات الفقهية املقدمة لهذه الظاهرة‪ ،‬حيث يعرف البعض الفساد بأنه "تصرف وسلوك وظيفي‬
‫فاسد خالف اإلصالح هدفه االنحراف والكسب الحرام والخروج على النظام ملصلحة شخصية"‪ ،‬كما يعرف بأنه‬
‫"خروج عن القوانين واألنظمة‪ ،‬أو استغالل غيابهما‪ ،‬من أجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية مالية وتجارية‪ ،‬أو‬
‫اجتماعية لصالح الفرد أو لصالح جماعة معينة"(‪.)1‬‬
‫وهو كذلك استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص بطرق وصور عديدة كطلب الرشوة أو‬
‫سرقة أموال عمومية بحيث يمتد إلى كل ما يرتكبه املوظف العمومي من إخالل بواجباته الوظيفية العامة‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى هو إساءة استغالل السلطة املرتبطة بمنصب معين بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب املصالح‬
‫العامة(‪.)2‬‬
‫كما عرفت الفساد اإلداري العديد من املنظمات والهيئات الدولية‪ ،‬على غرار منظمة الشفافية الدولية التي اعتبرت‬
‫الفساد بأنه‪" :‬كل عمل يتضمن سوء استخدام املنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته"(‪ ،)3‬أما‬
‫اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد لسنة ‪ ،)4( 2003‬فلم تتطرق إلى تعريف الفساد مباشرة بل أشارت إلى صوره‬

‫(‪ - )1‬حسنين المحمدي بوادي‪،‬الفحاداإلداريلغ بالم سالح‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية (ممر)‪ ،2008 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -‬ياسر خالد بركات الواالي‪،‬الفحاداإلداري لفه و ل ه و لطا هده وأ سبا ب ه‪ ،‬دار ممر العربية للنشر‪ ،‬القاهرة (ممر)‪ ،2007 ،‬ص ‪.18‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫‪ -‬منظمة الشفافية الدولية هي منظمة غير حكومية مهمتها فضح وتقييد الفساد المحلي والدولي‪ ،‬والرفع من فرص وهسب مساءلة الحكومات‪ ،‬وهي تمثل حركة‬
‫دولية لمحاربة الفساد‪ ،‬أهشأت عام ‪ 1993‬ومقرها برلين‪ ،‬لمزيد من التفميل حول دور ومهام هذه الهيئة‪ ،‬اهظر‪ :‬الموقع االلكتروهي للمنظمة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪./https://www.transparency.org‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬في ظل استفحال الفساد وفي إطار البحث عن سبل معالجة هذه الظاهرة‪ ،‬وضعت اإلمو المتحدة صكا عالميا اعتبر اإلول والوحيد الملزم قاهوها لمكافحة الفساد‪،‬‬
‫وقد اعتمدت الجمعية العامة االتفاقية في أكتوبر من سنة ‪ ،2003‬ودخلت حيز النفار في ‪ 14‬ديسمبر ‪ ، 2005‬وقد صادقت عليها أغلب دول العالو على غرار الجزاار‬
‫التي صادقت عليها في ‪ 2004‬وكذلك المملكة المغربية سنة ‪ ،2007‬اهظر على التوالي‪ - :‬اتفاقية اإلمو المتحدة لمكافحة الفساد‪ ،‬منشورة على الرابط االلكتروهي‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪.http://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents/un/unpan038992.pdf‬‬
‫‪ -‬المرسوم الرااسي رقو ‪ 128-04‬المؤرد في ‪ 19‬أفريل ‪ 2004‬المتضمن التمديق بتحفظ على اتفاقية اإلمو المتحدة لمكافحة الفساد‪ ،‬المعتمدة من قبل الجمعية‬
‫العامة لألمو المتحدة بنيويورك يوم ‪ 31‬أكتوبر ‪ ،2003‬الجريدة الرسمية الجزاارية‪ ،‬عدد ‪ ،26‬بتاريخ ‪ 25‬أفريل ‪ ،2004‬ص ‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وأشكاله من خالل املواد ‪ 15‬إلى ‪ 25‬في االتفاقية اآلنفة وهي‪ :‬الرشوة – االختالس – املتاجرة بالنفوذ – إساءة استغالل‬
‫الوظائف – اإلثراء غير املشروع – غسيل األموال‪...‬‬
‫وبالرجوع إلى املشرع الجزائري‪ ،‬نجده قد حذا نفس الحذو الذي أخذته اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد في‬
‫تحديد مفهوم هذه الظاهرة؛ إذ أنه اختار كذلك عدم تعريف الفساد مع اكتفائه بتحديد صوره وأشكاله‪.‬‬
‫‪ -‬جر ائم الفساد‪:‬‬
‫لقد أولى املشرع أهمية كبيرة ملكافحة الفساد اإلداري في سياسته الجنائية وذلك بتجريم غالبية صوره ومظاهره‬
‫والتي تشكل تهديدا على سير وعمل اإلدارة العامة ومن ثم على مسار التنمية املنشود من طرف الدولة‪ ،‬وذلك بموجب‬
‫القانون رقم ‪ 01-06‬املتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته (‪ ،)5‬والذي خصص من خالله املشرع بابا كامال‬
‫لتحديد مظاهر الفساد ومختلف سلوكاته وتجريمها‪ ،‬ويعتبر التجريم من أهم اآلليات الجزائية ملكافحة الفساد‪ ،‬ورغم‬
‫أن املشرع قد تأخر نوعا ما في هذا الشأن إذ لم يصدر قانون الوقاية من الفساد ومكافحته إال في سنة ‪ ،2006‬إال أن‬
‫الجزائر تعتبر من بين الدول السباقة في هذا الشأن سواء من حيث مصادقتها على اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة‬
‫الفساد أو من حيث سن قانون خاص ومستقل لتجريم الفساد‪.‬‬
‫واملشرع وإن لم يجرم الفساد صراحة إال في ظل القانون رقم ‪ ،01-06‬إال أنه في نطاق قانون العقوبات جرم الكثير‬
‫من األفعال والسلوكات املاسة بالوظيفة العامة ونزاهتها وهي ما كان يطلق عليها بالجرائم الوظيفية كالرشوة والغدر‬
‫واإلعفاء والتخفيض غير القانوني في الضريبة والرسم واالختالس واستغالل النفوذ ‪ ،....‬والش يء املالحظ في هذا الصدد‬
‫أن املشرع قام بنقل الجرائم الوظيفية إلى قانون مستقل هو قانون الوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬مع إعادة النظر في‬
‫هذه الجرائم التي كانت واردة في قانون العقوبات‪ ،‬كما أن دوره لم يقتصر عند هذا الحد بل تعد األمر ذلك إلى حد‬
‫توسيع نطاق ومجال بعض الجرائم خاصة الرشوة واالختالس واستغالل النفوذ‪ ،‬لكي تتالءم والسياسة الجنائية‬
‫ملكافحة الفساد والتي تهدف إلى اإلحاطة قدر اإلمكان بكل أفعال الفساد اإلداري حتى ال يكون هناك مجال لنفاذ بعض‬
‫التصرفات والسلوكات الفاسدة وخروجها من دائرة التجريم (‪.)6‬‬
‫أ‪ -‬جريمة الرشوة‪:‬‬
‫تتكون الرشوة من جريمتين مستقلتين‪:‬‬
‫‪ -‬جريمة اإلرشاء ‪ :‬وهي ذلك الفعل الصادر من املتعامل مع اإلدارة من أجل الحصول على خدمة في وقت قياس ي‬
‫أو بمقتض ى إجراءات مختصرة أو مخالفة للمقتضيات املشروطة أحيانا أو من أجل حرمان الغير من خدمة مشروعة‬
‫ويدفع للموظف القائم على الخدمة أو لغيره مقابال على ذلك أو يعد به‪.‬‬

‫(‪ - )5‬القاهون رقو ‪ 01-06‬المؤرد في ‪ 20‬فيفري ‪ 2006‬المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬الجريدة الرسمية الجزاارية‪ ،‬عدد ‪ ،14‬بتاريخ ‪ 8‬مارس ‪ ،2006‬ص ‪،4‬‬
‫المتمو بموحب اإلمر رقو ‪ 05-10‬المؤرد في ‪ 26‬أوت ‪ ،2010‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،50‬بتاريخ ‪ 1‬سبتمبر ‪ ،2010‬ص ‪ ،16‬وكذلك المعدل والمتمو بموحب‬
‫القاهون رقو ‪ 15-11‬المؤرد في ‪ 2‬أوت ‪ ،2011‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،44‬بتارد ‪ 10‬أوت ‪ ،2011‬ص ‪.4‬‬
‫(‪ - )6‬اهظر الباب الرابع من القاهون رقو ‪ 01-06‬المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬ممدر سابق‪ ،‬ص من ‪ 8‬إلى ‪.12‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬جريمة االرتشاء‪ :‬وهي سعي املوظف العمومي وبفعل إيجابي منه في الحصول على منافع له أو لغيره مقابل‬
‫القيام بعمل أو االمتناع عنها‪ ،‬أو قبول منافع أو عروض مقابل تقديم الخدمة التي هي من صالحياته‪.‬‬
‫ولخطورة هذه الجرائم خصصت لها اتفاقية األمم املتحدة ملقاومة الفساد مادتان هما املادة ‪ 15‬واملادة ‪. 16‬‬
‫وبالرجوع إلى املشرع الجزائري نجده قد عالج هذه الجريمة في املادة ‪ 25‬من القانون رقم ‪ 01-06‬املتعلق بالوقاية‬
‫من الفساد ومكافحته‪ ،‬حيث حدد أوجه هذه الجريمة والعقوبات املطبقة على مرتكبها‪.‬‬
‫املادة ‪" :25‬يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من ‪200.000‬دج إلى ‪1.000.000‬دج‪:‬‬
‫‪ -1‬كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها‪ ،‬بشكل مباشر أو غير مباشر‪،‬‬
‫سواء كان ذلك لصالح املوظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم بأداء عمل أو االمتناع عن عمل من‬
‫واجباته‪.‬‬
‫‪ -2‬كل موظف عمومي طلب أو قبل بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة سواء لنفسه أو لصالح‬
‫شخص آخر أو كيان آخر‪ ،‬ألداء عمل أو االمتناع عن أداء عمل من واجباته"‪.‬‬
‫ب‪ -‬جريمة استغالل النفوذ‪:‬‬
‫ففي هذه الصورة لم يتلق الفاعل مقابال عن القيام بفعل من عالئق وظيفته أو االمتناع عنه وإنما هو يستغل‬
‫عالقته بأصحاب القرار حقيقية كانت أو وهمية من أجل اإليقاع بضحاياه من طالبي الخدمة ويحصل على نفع مقابل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫جرم املشرع هذا الفعل وقرر له عقوبة حيث نص على أن‪:‬‬

‫ج‪ -‬إساءة استغالل السلطة‪:‬‬


‫عالج املشرع هذه الجريمة من خالل نصه في املادة ‪ 33‬على ما يلي‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫د‪ -‬أخذ فو ائد بصفة غيرقانونية‪:‬‬

‫و‪ -‬االختالس واالستيالء على أموال عمومية‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مخصص له وال يعمل‬ ‫إن املوظف العمومي هو مستأمن على ما بين يديه من املال العام فال يصرفه إال فيما هو‬
‫فيه يده بما يحقق له منفعة شخصية‪ .‬لذلك جاءت النصوص الجزائية صارمة في هذا الصدد وذلك من أجل تحصين‬
‫املال العام وحمايته من أطماع القائمين عليه‪.‬‬
‫لذلك خصص املشرع الجزائري أحكاما خاصة لردع هذا السلوك وردت بها أحكام املادة ‪ 29‬من القانون رقم ‪01-06‬‬

‫‪6‬‬
‫ثانيا‪ /‬انعكاسات الفساد اإلداري على أبعاد التنمية‬
‫ال مناص أن يكون النتشار الفساد آثار سلبية على مجمل األوضاع في الدولة‪ ،‬مما ينعكس سلبا على أبعاد التنمية‬
‫املستدامة التي تسعى جل دول العالم إلى تحقيقها بما فيها الجزائر واملغرب‪ ،‬ومما ال شك فيه أن معرفة هذه اآلثار‬
‫وانعكاساتها من شأنه أن يخلق وعيا داخل املجتمع ويحفز القوى الفاعلة فيه ملحاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي تنخر‬
‫بنيان الدول خاصة في شقها االقتصادي‪.‬‬
‫وبهذا فإن للفساد اإلداري آ ثار وعواقب وخيمة على املرفق العام بصفة خاصة وعلى الدولة واملجتمع بصفة عامة‪،‬‬
‫فهو أحد معوقات التنمية االقتصادية وأحد أبرز اإلشكاالت التي تعترض مسيرة النمو االقتصادي‪ ،‬كما أن آثار الفساد‬
‫ال تقف عند حد عرقلة اإلصالحات االقتصادية بل تتسع لتطال جميع املجاالت وامليادين في الدولة سواء كانت سياسية‬
‫أو إدارية أو اجتماعية‪ ،‬األمر الذي يجعل منه عائق حقيقي يحول دون تقدم املجتمع‪ ،‬ويمكن حصر هذه اآلثار فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تأثيرالفساد اإلداري على املساراالقتصادي‪:‬‬
‫يؤثر الفساد سلبا على النمو االقتصادي للدول‪ ،‬حيث أن الخسائر االقتصادية التي ظهرت كنتيجة لقضايا الفساد‬
‫أعاقت معدالت التنمية االقتصادية في هذه الدول‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول "بيتر أيغن" مؤسس ورئيس مجلس مديري‬
‫املنظمة الدولية للشفافية‪" :‬أن الفساد هو أحد العقبات الرئيسية للتنمية الناجعة‪ ،‬بل العامل األكثر تدميرا لها‪،‬‬
‫ويصف أن الضرر الذي يصيب عملية اتخاذ القرار االقتصادي جراء الفساد يفوق الضرر االقتصادي الناجم عن‬
‫تهريب األموال إلى الخارج على ضخامته" ‪ ،‬ويمكن حصر أثار الفساد على الشق االقتصادي في النقاط التالية(‪:)7‬‬
‫‪ -‬يعد االستثمار أساس تحقيق التنمية املستدامة وعمادها وللفساد اإلداري أثار كبيرة على هذا املجال حيث‬
‫يخفض من حوافز االستثمار وييهئ بيئة غير مشجعة لجذب رؤوس األموال وتشجيع االستثمار داخل الدولة‪ ،‬كما يخلق‬
‫جو من عدم الثقة داخليا يساهم في هروب رؤوس األموال املحلية؛‬
‫‪ -‬يؤدي الفساد إلى إضعاف حجم وجودة موارد االستثمار األجنبي‪ ،‬ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول النامية إلى‬
‫استقطاب موارد االستثمار األجنبي بأكبر حجم وأفضل جودة‪ ،‬ال يمكن أن تحقق هذه االستثمارات هذه النتائج في ظل‬
‫بيئة فاسدة‪ ،‬فقد برهنت الدراسات وأثبتت التجارب أن الفساد اإلداري يقلل من حجم هذه االستثمارات ويضعف من‬
‫مردوديتها في بناء وتعزيز االقتصاد الوطني‪ ،‬بل إنه قد يقود إلى جعلها عبأ كبير على موارد الدولة‪ ،‬باإلضافة إلى عزوف‬
‫املستثمر املبتدئ واألجنبي عن االستثمار بسبب تخوفه من أضرار الفساد‪.‬‬
‫‪ -‬يقود الفساد إلى إساءة توزيع الدخل والثروة‪ ،‬من خالل استغالل أصحاب السلطة والنفوذ ملواقعهم ومناصبهم في‬
‫الدولة‪ ،‬مما يسمح لهم بالسيطرة على معظم املوارد االقتصادية وهو ما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه الطبقة وبقية‬
‫أفراد املجتمع‪.‬‬

‫ضاحاألعماك بالمغد ا ‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط (المملكة المغربية)‪ ،2018 ،‬ص ‪ 178‬وما‬ ‫(‪ - )7‬خليل اللواح‪ ،‬دوراإلدار‬
‫بالعم و لن ب غى ة ثحنك ل‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬هدر املوارد بسبب تداخل املصالح الشخصية باملشاريع التنموية؛‬
‫‪ -‬هجرة الكفاءات االقتصادية‪ ،‬نظرا للمحسوبية واملحاباة في إسناد املناصب؛‬
‫‪ -‬املساس بمصداقية الدولة والجهاز الحكومي من خالل االنحراف باألهداف والسياسات التنموية وإعادة توجيهها‬
‫إلى مجاالت وفئات مستهدفة؛‬
‫‪ -‬يؤدي الفساد إلى انخفاض اإليرادات واملداخيل مما يدفع الدولة إلى تغطية نفقاتها عبر وسائل أخرى كاالقتراض‬
‫الداخلي والخارجي‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة املديونية األمر الذي يترك أثرا وخيما على االقتصاد لفترات تمتد لسنوات طويلة‬
‫قادمة‪ ،‬ويعد هذا االنعكاس من أكثر اآلثار تأثيرا على املؤسسات االقتصادية في أي دولة‪ ،‬ذلك أن نجاح املؤسسة أو‬
‫فشلها مرهون بالسياسة اإلدارية‪ ،‬وإذا ما تفش ى الفساد اإلداري في أي منشأة اقتصادية‪ ،‬فإن ذلك نذير بإفالس تلك‬
‫املنشأة ودخولها عالم املديونية ومن ثم انهيارها؛‬
‫‪ -‬يساهم الفساد في تراجع أداء األجهزة الحكومية وضعف إنتاجيتها مقابل ارتفاع تكلفة الخدمات املقدمة‬
‫للمواطنين‪ ،‬حيث يزيد من التكاليف اإلدارية بسبب الخسارة والنقص في العائدات الحكومية‪ ،‬كما يؤدي إلى زيادة‬
‫املدفوعات ألثمان املواد واللوازم (املغاالة في األسعار)؛‬
‫‪ -‬تزايد عجز امليزانية واستمراره األمر الذي يؤدي إلى فرض ضرائب جديدة على املواطنين باعتباره الحل األسهل‬
‫الذي يمكن أن تلجأ إليه أغلب الدول النامية‪.‬‬
‫ب‪ -‬تأثيرالفساد اإلداري على املستوى السياس ي واالجتماعي‬
‫السياسة واملجتمع ال تنفصل عن اإلدارة بأي حال من األحوال‪ ،‬ولهذا فإن أي تغيير يطرأ على اإلدارة يلقي صدا‬
‫واضحا وعميقا على السياسة واملجتمع‪ ،‬فعندما تكون هناك إدارة فاسدة فيعني ذلك بأن هناك خلل في العمل السياس ي‬
‫يجعله غير عادل ومستقر‪ ،‬ولن يكون ملخرجاته فائدة مرجوة على األمن واالستقرار والتنمية‪ ،‬ونفس الحال مع املجتمع‬
‫فحيثما تكون هناك إدارة غير سوية وفاسدة فإن ثقافة املجتمع وقيمه لن تكون بعيدة عن آثار الفساد‪ ،‬ناهيك عن‬
‫سوء الخدمات االجتماعية التي يمكن أن تقدم ألفراد املجتمع(‪ ،)8‬ويمكن أن نجمل أهم انعكاسات الفساد اإلداري على‬
‫هاذين املجالين في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ /1‬اآلثار السياسية‪ :‬إن آثار الفساد السلبية على النطاق السياس ي ال تخفى على أحد‪ ،‬وهي ظاهرة للعيان‪ ،‬فقد‬
‫تؤدي إلى عدم االستقرار السياس ي أو فقدان النظام السياس ي لشرعيته وإلى شيوع الفوض ى واالضطرابات وغيرها من‬
‫اآلثار الوخيمة على الجانب السياس ي للدولة‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬يضعف الفساد اإلداري املشاركة السياسية للمواطن سواء في االنتخابات أو االستفتاءات وغيرها من املمارسات‬
‫السياسية‪ ،‬نتيجة غياب أو ضعف الثقة باملؤسسات العامة وأجهزة الرقابة واملحاسبة‪ ،‬وتقلص دور األحزاب وضعف‬
‫قوة املعارضة وهيمنة الحزب الحاكم؛‬

‫ضمن ب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القاهون العام‪ ،‬كلية العلوم القاهوهية واالقتمادية واالحتماعية‪،‬‬ ‫(‪ - )8‬عبد الرحمن عبد هللا الحارثي‪،‬الفحاداإلداري و‬
‫امعكا ساة ه عك ىالئ‬
‫حامعة عبد الملك السعدي طنجة (المملكة المغربية)‪ ،2012-2011 ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬يؤدي إلى انخفاض مستوى األداء الحكومي‪ ،‬مما يخلق أجواء تسودها عدم العدالة ويشيع فيها الظلم‪ ،‬وهو يؤدي‬
‫بذات الوقت إلى تقويض الشرعية السياسية للدولة‪ ،‬األمر الذي يثير مشكالت عميقة في معامالت الدولة مع األفراد‪،‬‬
‫وغالبا ما يترافق الفساد مع اختالالت كثيرة يخلقها املسؤولين من أجل توليد ريوع الفساد؛‬
‫‪ -‬يساهم في التقليل من شرعية النظام السياس ي في نظر املواطنين وعدم الثقة فيه‪ ،‬حيث يدرك املواطنون أن‬
‫املوظفين على مستوياتهم املختلفة‪ ،‬مجرد عناصر متورطة في الفساد‪ ،‬وال يعنيها سوى تحقيق مصالحها الخاصة‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك اإلدراك يكون النظام السياس ي محروما من الناحية الواقعية من أي مساندة شعبية بل تظهر السلبية‬
‫وعدم إقبال املواطنين على التعاون مع النظام القائم وزيادة تمسكه بأفكاره القائمة على عدم الثقة بالدولة وبسياساتها‬
‫العمومية‪ ،‬وبمعنى آخر يترك الفساد آثارا سلبية على النظام برمته من حيث شرعيته واستقراره أو سمعته‪ ،‬سواء داخل‬
‫الدولة أو خارجها؛‬
‫‪ -‬يولد الفساد ثقافة الفساد التي تجعل املسؤولين في دواليب الدولة يحرصون على عدم تغيير القوانين وتطبيق‬
‫الشفافية وتفعيل املساءلة واملحاسبة؛‬
‫ب‪ /‬اآلثار االجتماعية‪ :‬وكما أن للفساد مظاهره وآثاره على املفسدين أنفسهم‪ ،‬فإن له مظاهر وآثار مدمرة على‬
‫املجتمع‪ ،‬تمزق وحدته وتذهب قوته وتؤول به إلى مستقبل مظلم‪ ،‬فال يرتجى منه خير وال يتوقع منه صالح إال باجتثاث‬
‫أصول الفساد من هذا املجتمع وسد سبله‪ ،‬ويمكن بيان مظاهر الفساد وأثارها على املجتمع في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬يساهم الفساد في تعميق الفجوة بين الفئات املجتمعية‪ ،‬بحيث يزيد من تفاقم الفقر وزيادة ومضاعفة معدالته‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى يزيد أصحاب النفوذ واألغنياء ثر ًاء وحظوة‪ ،‬بسبب التوزيع غير العادل للثروة وهي األمور التي كرست‬
‫نقمة الفقراء على األثرياء‪ ،‬مما يؤدي إلى عدم االستقرار االجتماعي وغياب التعايش االجتماعي بين مختلف فئات‬
‫املجتمع داخل الدولة الواحدة‪ ،‬نتيجة الشعور بالظلم لدى الغالبية وزيادة حجم املجموعات املهمشة واملتضررة؛‬
‫‪ -‬يكرس الفساد استغالل النفوذ والسلطة واملحسوبية في تعيين األقارب واألصدقاء وإن كانوا غير مؤهلين‪ ،‬أو‬
‫تقديمهم على غيرهم في الحصول على االمتيازات التي تقدمها الدولة وإن كانوا غير مستوفين لشروط االستحقاق‬
‫املطلوبة‪ ،‬مما يخل بمبدأ العدالة العامة‪ ،‬وهذا ما يكرس نوعا من العداء االجتماعي ويؤدي إلى زيادة نسبة الرغبة في‬
‫الهجرة إلى خارج البالد خاصة لدى فئة الشباب التي تعد عماد األمة وركيزتها؛‬
‫‪ -‬يؤدي الفساد إلى انهيار البيئة االجتماعية والثقافية وانحراف أساليب التعامل والحياة بشكل يهدد النسيج‬
‫األخالقي للمجتمع‪ ،‬حيث يصبح بمرور الزمن اللجوء إلى الطرق املشبوهة لقضاء الحاجات والحصول على الخدمات‬
‫عرفا في املجتمع‪ ،‬ويزيد األمر خطورة عندما يشب النشء على هذه القيم السلبية الهدامة‪ ،‬وهو األمر الذي ال يمكن‬
‫تداركه أو إصالحه‪ ،‬ألن تنشئة األطفال والشباب من منطلق أن السلوك الفاسد غير مشين وال مستنكر ومردوده‬
‫يستحق املحاولة؛‬
‫‪ -‬استشراء روح اليأس بين املواطنين وفقدان الشعور باملسؤولية تجاه مصلحة الوطن واملواطن وانتشار حالة‬
‫اإلحباط واالتكال والالمباالة والسلبية التي تنعكس بدورها على حجم العمل واإلبداع واالبتكار والتطور‪.‬‬
‫ج‪ -‬اآلثاراإلدارية‪ :‬للفساد اإلداري آثار سلبية كثيرة على البناء اإلداري‪ ،‬يمكن التطرق إلى أبرزها في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬يقف عقبة في وجه تطبيق معايير األداء اإلداري الفعال‪ ،‬من موضوعية وتخصص وردودية وجودة وإنتاجية‬
‫وفعالية؛‬
‫‪ -‬تفش ي الفساد في الجهاز اإلداري‪ ،‬يشكل مناخا غير مالئم لتطبيق العديد من املقاربات الحديثة التي توجهت أغلب‬
‫دول العالم لتطبيقها في مجال التسيير وفي مقدمتها املقاربة التشاركية واإلدارة اإللكترونية‪ ،‬والتي تتطلب تظافر الجهود‬
‫بين الدولة من جهة واملواطن الذي يعد مجال تطبيق السياسات العمومية‪ ،‬وبالتالي ال يمكن الحديث عن تفعيل هذه‬
‫املقاربات في ظل مجتمع تسوده القطيعة وانعدام الثقة والعزوف من املواطن؛‬
‫‪ -‬إعاقة جهود الرقابة اإلدارية فانتشار الفساد في القطاع العام أدى إلى تعطيل وعرقلة األجهزة الرقابية عن القيام‬
‫بمهامها وذلك من خالل عدم تزويدها بالتقارير الصحيحة واملوضوعية والواقعية التي تبين وتوضح سير العمل‬
‫اإلداري؛‬
‫‪ -‬انتشار القيم السلبية داخل الجهاز اإلداري‪ ،‬وتدني في املقابل أخالقيات الوظيفة العامة‪ ،‬األمر الذي يؤثر مباشرة‬
‫في كفاءة الجهاز اإلداري وفعاليته‪ ،‬ويؤدي إلى جعل الفساد خاصية يمتاز بها كل املوظفين إال القلة القليلة؛‬
‫‪ -‬يزيد من الصعوبات اإلدارية في الجهات الحكومية خاصة‪ ،‬حيث يخلق مستوى آخر للسلطة موازي للمستوى‬
‫الرسمي لها‪ ،‬حيث يعمد موظفي الجهاز اإلداري إلى تعطيل مصالح املواطنين باعتبار أن السلطة التي بين أيديهم هي‬
‫وحدها التي تتحكم في هذه املصالح؛‬
‫‪ -‬يعمل الفساد على تقويض مبادئ الشفافية في تسيير الشؤون العمومية‪ ،‬مما يخل بمبدأ املساواة في الحصول على‬
‫الخدمات العامة وتطبيق األنظمة والقوانين على املرتفقين؛‬
‫وفي ظل كل هذه االنعكاسات هل تكون الدولة قادرة على تسيير دقيق ومضبوط يروم الجودة فيما يخص الشأن‬
‫العام ومن ثم يحقق أهداف التنمية املستدامة الكثيرة في موضوعاتها واملتعددة الجوانب واملجاالت‪ ،‬فهي تسعى إلى‬
‫تحقيق الرفاهية االقتصادية والعدالة االجتماعية بين جيلي الحاضر واملستقبل‪ ،‬وصيانة البيئة واملحافظة عليها‪،‬‬
‫وتحقيق التوازن بين االحتياجات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وتوفير االحتياجات اإلنسانية الضرورية‪ ،‬مع تبني‬
‫السياسات التي تكفل عدم استنفاذ املوارد الطبيعية‪ ،‬واالهتمام بالطاقات البديلة‪ ،‬وترشيد االستهالك‪ ،‬وحماية املال‬
‫العام‪ ،‬واالستفادة من طرق التكنولوجيا لتحقيق نمو اقتصادي وتقني‪ ،‬ومن ثم توفير أفضل حياة للمواطن‪ ....‬إن كل‬
‫هذه األهداف والغايات السامية لن تستطيع الدولة تحقيقها إذا كان يسودها مناخ مفعم باالختالسات والرشاوى‬
‫والنهب وغيرها من صور وأشكال الفساد‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬السياسة الوقائية املعتمدة في مجال مكافحة الفساد‬


‫إن الفساد ظاهرة تاريخية كما سبق أن أسلفنا وهو من األمراض االجتماعية التي طالت جميع القطاعات العامة‬
‫منها والخاصة وتضررت منه جميع الفئات واألوساط عدى تلك التي استفادت منه بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فقد ساهم الفساد في تبديد الثروات الوطنية وتعطيل حركة التنمية وإفساد قواعد املنافسة الشريفة واإلضرار‬
‫بحقوق اإلنسان في ما له عالقة بالخدمات وغيرها‪.‬‬
‫بل إن الفساد تطور في العهود األخيرة ليلتحق بصنف الجرائم املنظمة العابرة للحدود الوطنية‪.‬‬
‫لذلك نشطت االتفاقيات الدولية من أجل محاصرة هذه الظاهرة وإقناع الدول من أجل ّ‬
‫سن قوانين وطنية‬
‫ناجعة ملواجهتها ثم توحيد الجهود الدولية ملحاصرتها‪.‬‬
‫ومن أهم السياسات التي تبنتها الدول في هذا املجال على غرار الجزائر‪:‬‬
‫أ‪ :‬اإلصالح اإلداري‪:‬‬
‫يتعين على الدول املعنية بمكافحة الفساد أن تعيد النظر في نظمها اإلدارية وسياساتها املعتمدة في ذلك من أجل‬
‫ّ‬
‫سد املنافذ أمام إمكانية التجاوزات ذات الصلة بالفساد‪.‬‬
‫أن تورط اإلدارة العامة في ممارسات فاسدة عن طريق القائمين عليها والناشطين فيها ّ‬
‫يدل على هشاشة هذا‬ ‫ذلك ّ‬
‫النظام اإلداري في مستوى االنتداب والترقية والتعيين بالخطط املتقدمة ‪.‬‬
‫لذلك ّ‬
‫نصت اتفاقية األمم املتحدة الخاصة بمكافحة الفساد في مادتها السابعة ‪":‬‬
‫‪ -1‬تسعى كل دولة طرف‪ ,‬حيثما اقتض ى األمر ووفقا للمبادئ األساسية لنظامها القانوني‪ ,‬إلى اعتماد وترسيخ‬
‫وتدعيم نظم لتوظيف املستخدمين املدنيين‪ ,‬وغيرهم من املوظفين العموميين غير املنتخبين عند االقتضاء‪,‬‬
‫واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها ‪:‬‬
‫(أ) تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية واملعايير املوضوعية‪ ,‬مثل الجدارة واإلنصاف واألهلية ؛‬
‫(ب) تشتمل على إجراءات مناسبة الختيار وتدريب أفراد لتولي املناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد‬
‫بصفة خاصة وضمان تناوبهم على املناصب عند االقتضاء ؛‬
‫(ج) تشجع على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة‪ ,‬مع مراعاة مستوى النمو االقتصادي للدولة‬
‫الطرف املعنية ؛‬
‫(د) تشجع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك املوظفين من الوفاء بمتطلبات األداء الصحيح‬
‫واملشرف والسليم للوظائف العمومية‪ ,‬وتوفر لهم التدريب املتخصص واملناسب من اجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد‬
‫املالزمة ألداء وظائفهم‪ .‬ويجوز أن تشير هذه البرامج إلى مدونات أو معايير سلوكية في املجاالت التي تنطبق عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬تنظر كل دولة طرف أيضا في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة‪ ,‬بما يتوافق مع أهداف هذه االتفاقية‬
‫ووفقا للمبادئ األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬لوضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها‪.‬‬
‫‪ -3‬تنظر كل دولة طرف أيضا في اتخاذ التدابير التشريعية واإلدارية املناسبة‪ ,‬بما يتسق مع أهداف هذه االتفاقية‬
‫ووفقا للمبادئ األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬لتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات النتخاب شاغلي املناصب العمومية‬
‫وفي تمويل األحزاب السياسية‪ ,‬حيثما انطبق الحال‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -4‬تسعى كل دولة طرف‪ ,‬وفقا للمبادئ األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز‬
‫الشفافية وتمنع تضارب املصالح‪".‬‬
‫ويفهم من هذه املادة أن مقاومة الفساد يتطلب اعتماد مسار تصاعدي قاعدته إشاعة الوعي بمخاطر الفساد‬
‫بين العامة وتحصين األنفس ضده وهذا يقتض ي التدخل في مستوى البرامج التعليمية واملناهج التكوينية مرورا باتخاذ‬
‫تكرس الشفافية عند االنتداب بحيث يقع قبول الكفاءات التي تجمع بين االقتدار العلمي واملنهي واالنضباط‬‫مقاييس ّ‬
‫األخالقي ثم دعم تكوين هذه الكفاءات مهنيا وأخالقيا من أجل ضمان جودة األداء ثم توزيع املسؤوليات على املتميزين‬
‫منهم على قاعدة الجدارة ‪.‬‬
‫هذا إلى جانب إقرار نظام تأجير مناسب يغني اإلطار اإلداري عن الحاجة ويوصد في داخله ومن حوله منافذ‬
‫الطمع والفساد‪ .‬ذلك أن ضعف األجور والرواتب في قطاع الوظيفة العمومية يكون عادة ّ‬
‫مبررا نفسيا للسقوط في‬
‫االنحرافات املهنية ومدخال الغتصاب طهارة املوظف وتدنيس شرفه املنهي من خالل استدراجه إلى مآثم الفساد‪.‬‬
‫نصت ّ‬
‫املادة الخامسة من املرسوم اإلطاري عدد ‪ 120‬لسنة ‪ 2011‬املتعلق بمكافحة الفساد على‬ ‫وفي هذا اإلطار ّ‬
‫ما يلي ‪ " :‬تضمن الدولة إقرار برنامج شامل لتبسيط اإلجراءات اإلدارية وتعصيرها خاصة عن طريق اعتماد‬
‫تكنولوجيات االتصال واملعلومات في إسداء الخدمات اإلدارية وترشيد التصرف في املوارد والنفقات واملشتريات‬
‫العمومية‪".‬‬
‫ب‪ :‬إحداث هيئات متخصصة ملكافحة الفساد‬
‫نص القانون رقم ‪ 01-06‬املتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في بابه الثالث على تنصيب الهيئة الوطنية للوقاية‬
‫من الفساد ومكافحته‪ ،‬وتعتبر هذه الهيئة سلطة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي وتوضع‬
‫لدى رئيس الجمهورية‪ ،‬تتمتع هذه الهيئة بجملة من الصالحيات على غرار اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد‬
‫وتقديم توجيهات تخص الوقاية من الفساد لكل شخص أو هيئة عمومية أو خاصة‪ ،‬إضافة إلى اقتراح برامج تسمح‬
‫بتوعية املواطنين باآلثار الضارة الناجمة عن الفساد‪ ،‬التقييم الدوري لألدوات القانونية واإلجراءات اإلدارية الرامية إلى‬
‫الوقاية من الفساد ومكافحته والنظر في مدى فاعليتها‪.)9( ....‬‬
‫غير أنه وتدعيما للجهود الرامية إلى مكافحة الفساد وتعزيز آليات املحافظة على املال العام وبالنظر إلى الطبيعة‬
‫الوقائية التي غلبت على صالحيات وأدوار الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬قام املشرع بإصدار األمر رقم‬
‫‪ 05-10‬املتمم للقانون ‪ 01-06‬املتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬والذي تم بموجبه تدعيم الترسانة املؤسساتية‬
‫ملكافحة الفساد بجهاز ثاني هو الديوان الوطني لقمع الفساد وهو أداة عملياتية للبحث ومعاينة جرائم الفساد(‪.)10‬‬

‫(‪ - )9‬اهظر المواد من ‪ 18‬إلى ‪ 24‬من القاهون رقو ‪ 01-06‬المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬ل ست ر ساا‬
‫ق‪ ،‬ص ‪ .7‬وكذلك‪ :‬المرسوم الرااسي رقو ‪64-12‬‬
‫المؤرد في ‪ 7‬فيفري ‪ 2012‬الذي يعدل ويتمو المرسوم الرااسي رقو ‪ 413-06‬المؤرد في ‪ 22‬هوفمبر ‪ 2006‬الذي يحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد‬
‫ومكافحته وتنظيمها وكيفيات سيرها‪ ،‬الجريدة الرسمية الجزاارية‪ ،‬عدد ‪ ،08‬بتاريخ ‪ 15‬فيفري ‪ ،2012‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ - )10‬اهظر‪ :‬اإلمر رقو ‪ 05-10‬المتمو للقاهون رقو ‪ ،01-06‬ل ستر ساا‬
‫ق‪ ،‬ص‪ .16‬وكذلك‪ :‬المرسوم الرااسي رقو ‪ 209-14‬يعدل المرسوم الرااسي رقو ‪426-11‬‬
‫المؤرد في ‪ 8‬ديسمبر ‪ 2011‬الذي يحدد تشكيلة الديوان المركزي لقمع الفساد وتنظيمه وكيفيات سيره‪ ،‬الجريدة الرسمية الجزاارية‪ ،‬عدد ‪ ،46‬بتاريخ ‪ 31‬حويلية ‪،2014‬‬
‫ص ‪.8‬‬
‫‪12‬‬
‫وباستحداث الديوان املركزي يكون املشرع الجزائري قد قض ى على النقائص التي كانت تعتري سياسية مكافحة‬
‫الفساد في ظل القانون ‪ 01-06‬وبالتالي اتضحت حدود ومعالم اختصاص كل من الهيئة والديوان‪.‬‬
‫سن مدونات لقواعد السلوك ّ‬
‫السوي‬ ‫ج‪ّ :‬‬

‫إن الفساد هو سلوك منحرف بكل املعايير القانونية والسياسية واألخالقية لذلك ال مناص من وضع مدونات‬
‫سلوكية أو مجالت تضبط األخالقيات املهنية وتضع املعنيين بالوظيفة العمومية أمام مسؤولياتهم األخالقية والقانونية‬
‫‪.‬‬
‫وتأخذ املبادئ السلوكية عموما شكلين ‪:‬‬
‫‪ -‬شكل املدونات وهي مرجعيات توجيهية مكتوبة توجه أصحاب املهن والوظائف نحو السلوك القويم وتنبه إلى‬
‫خطورة االنحرافات عند أدائها أو بمناسبتها‪.‬‬
‫‪ -‬مجالت قانونية تكون أكثر صرامة وأكثر إلزاما وتأخذ مجرى القانون وتوجه املوظف إلى ضرورة االلتزام‬
‫ّ‬
‫وتوصف السلوك املنحرف حسب أعراف املهنة وتضع العقوبات التأديبية له‪.‬‬ ‫بمقتضيات السلوك املستقيم‬
‫وألهمية هذه املدونات أوردت اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد أحكاما خاصة بها إذ ورد باملادة ‪ 8‬ما يلي‪:‬‬
‫أمور‪،‬‬ ‫"‪ -1‬من أجل مكافحة الفساد‪ ،‬تعمل كل دولة طرف‪ ،‬ضمن جملة‬
‫على تعزيز النزاهة واألمانة واملسؤولية بين موظفيها العموميين‪ ,‬وفقا للمبادئ األساسية لنظامها القانوني‪.‬‬
‫‪ -2‬على وجه الخصوص‪ ,‬تسعى كل دولة طرف إلى أن تطبق‪ ،,‬ضمن نطاق نظمها املؤسسية والقانونية‪ ,‬مدونات أو‬
‫ّ‬
‫واملشرف والسليم للوظائف العمومية‪.‬‬ ‫معايير سلوكية من أجل األداء الصحيح‬
‫‪ -3‬ألغراض تنفيذ أحكام هذه املادة‪ ,‬على كل دولة طرف‪ ,‬حيثما اقتض ى األمر ووفقا للمبادئ األساسية لنظامها‬
‫القانوني‪ ,‬أن تحيط علما باملبادرات ذات الصلة التي اتخذتها املنظمات اإلقليمية واألقاليمية واملتعددة األطراف‪ ،‬ومنها‬
‫املدونة الدولية لقواعد سلوك املوظفين العموميين‪ ,‬الواردة في مرفق قرار الجمعية العامة ‪ 59/51‬املؤرخ ‪12‬كانون‬
‫األول‪ /‬ديسمبر ‪.1996‬‬
‫‪ -4‬تنظر كل دولة طرف أيضا‪ ,‬وفقا للمبادئ األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬في إرساء تدابير ونظم تيسر قيام‬
‫املوظفين العموميين بإبالغ السلطات املعنية عن أفعال الفساد‪ ,‬عندما يتنبهون إلى مثل هذه األفعال أثناء أداء وظائفهم‪.‬‬
‫‪ -5‬تسعى كل دولة طرف‪ ,‬عند االقتضاء ووفقا للمبادىء األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬إلى وضع تدابير ونظم تلزم‬
‫املوظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات املعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي‬
‫واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفض ي إلى تضارب في املصالح مع مهامهم كموظفين عموميين‪.‬‬
‫‪ -6‬تنظر كل دولة طرف في أن تتخذ‪ ,‬وفقا للمبادئ األساسية لقانونها الداخلي‪ ,‬تدابير تأديبية أو تدابير أخرى ضد‬
‫املوظفين العموميين الذين يخالفون املدونات أو املعايير املوضوعة وفقا لهذه املادة‪" .‬‬
‫ما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد أن املشرع الجزائري لم يصدر هذه املدونات إلى يومنا هذا رغم ما يمكن أن‬
‫تساهم به في مجال تقويم السلوك اإلداري‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫ر ابعا‪ /‬التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد‬
‫إن مساحات التعاون الدولي في مجاالت مكافحة الفساد هي مساحات فسيحة ساهمت في رسم حدودها اتفاقية‬
‫األمم املتحدة ملكافحة الفساد وكذلك اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الجريمة املنظمة عبر الوطنية التي دخلت حيز‬
‫النفاذ بتاريخ ‪ 29‬ديسمبر ‪ 2003‬كما ساهمت في ذلك االتفاقيات اإلقليمية مثل اتفاقية البلدان األمريكية ملكافحة‬
‫الفساد املعتمدة بتاريخ ‪ 29‬مارس ‪ 1996‬واتفاقية مكافحة الفساد بين موظفي الجماعات األوروبية أو موظفي الدول‬
‫األعضاء في االتحاد األوروبي التي اعتمدها مجلس االتحاد األوروبي بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 1997‬وكذلك اتفاقية مقاومة رشوة‬
‫املوظفين العموميين األجانب في املعامالت التجارية الدولية التي أقرتها منظمة التعاون والتنمية في امليدان االقتصادي‬
‫بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر ‪ 1997‬واتفاقية القانون الجزائي حول الفساد التي أقرتها اللجنة الوزارية ملجلس أوروبا في ‪ 21‬جانفي‬
‫‪ 1999‬وكذلك اتفاقية االتحاد اإلفريقي ملنع الفساد ومحاربته املعتمدة بتاريخ ‪ 12‬جوان ‪.2003‬‬
‫فقد ورد ّ‬
‫باملادة األولى باتفاقية األمم املتحدة ملقاومة الفساد ما يلي ‪ ( " :‬ب) ترويج وتسيير ودعم التعاون الدولي‬
‫واملساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد‪ ,‬بما في ذلك مجال استرداد املوجودات؛ "‬
‫فمجال التعاون الدولي حسب اتفاقية األمم املتحدة يهم عديد املسائل لعل أهمها ‪:‬‬
‫مشاركة الدول في البرامج واملشاريع الدولية الرامية إلى منع الفساد ومقاومته ‪.‬‬
‫التنسيق بين جميع الدول املعنية من أجل مكافحة جرائم الفساد بمختلف أنواعها بما في ذلك جرائم غسل‬
‫األموال ‪.‬‬
‫إجراء األبحاث والتحقيقات املشتركة من أجل الكشف عن جرائم الفساد وتتبع مرتكبيها سعيا نحو محاكمتهم‪.‬‬
‫تسليم املجرمين املتورطين في جرائم فساد ‪.‬‬
‫التنسيق الفني وتبادل املعلومات والخبرات في مجاالت مقاومة الفساد ‪...‬‬
‫وال يفوتنا أن نشير في النهاية إلى أن اللجنة الوزارية التابعة ملجلس االتحاد األوروبي قد أقرت بتاريخ يوم ‪06‬‬
‫نوفمبر ‪ 1997‬عشرين (‪ )20‬مبدأ توجيهيا ملكافحة الفساد وهي كاآلتي ‪:‬‬
‫اعتماد إجراءات ناجعة ملقاومة الفساد بما في ذلك تحسيس الرأي العام بخطورتها والتشجيع على السلوكات‬
‫املتطابقة مع القيم األخالقية‪.‬‬
‫تجريم الفساد في مظهريه الوطني والدولي‬
‫ضمان استقالل األشخاص املكلفين بالرقابة والتحقيقات والتتبع في جرائم الفساد بالقدر الذي يضمن إنجاز‬
‫مهماتهم دون تلقي أية تأثيرات مخالفة لوظائفهم وتوفير اإلمكانيات الضرورية لهم لتجميع اإلثباتات وحماية األشخاص‬
‫املساعدين على كشف هذه الجرائم مع الحفاظ على سرية التحقيقات‪.‬‬
‫اتخاذ إجراءات ناجعة لحجز عائدات الفساد ونتائجه ومصادرتها‪.‬‬
‫اتخاذ إجراءات ملنع استعمال ذوات معنوية كواجهة إلخفاء ارتكاب جرائم فساد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫العمل على الحد من الحصانات إزاء األبحاث وأعمال التتبع وزجر جرائم الفساد وجعلها في حدود ما هو ضروري‬
‫في مجتمع ديمقراطي ‪.‬‬
‫دعم االختصاص داخل الهيئات املكلفة بمكافحة الفساد ومدها باإلمكانيات املادية وتوفير التكوين املناسب‬
‫ألعضائها بما يساعد على حسن األداء ‪.‬‬
‫ضمان أن التشريعات الجبائية والسلط القائمة على تنفيذها تساهم في مكافحة جرائم الفساد بطريقة ناجعة‬
‫ومنسجمة وخاصة فيما يتعلق بعدم خصم مصاريف مشبوهة من قاعدة التوظيف‬
‫السهر على أن يأخذ النظام اإلداري املعتمد بعين االعتبار مقتضيات مكافحة الفساد في مستوى التسيير واتخاذ‬
‫القرارات وذلك من أجل ضمان حد أدنى من الشفافية املطلوبة في أداء مهامه ‪.‬‬
‫السهر على أن تراعى القواعد املنظمة لحقوق املوظف العمومي وواجباته‪ ,‬مقتضيات مكافحة الفساد وذلك من‬
‫خالل سن قواعد تأديبية خاصة وناجعة واعتماد مجالت تضبط أخالقيات املوظف العمومي وتوجهه نحو السلوك‬
‫املطلوب ‪.‬‬
‫السهر على إخضاع أنشطة اإلدارات العمومية إلى إجراءات خاصة ملراقبة حساباتها ‪.‬‬
‫تقرير أهمية إجراءات مراجعة الحسابات وتدقيقها في مكافحة جرائم الفساد خارج مجال الوظيفة العمومية‪.‬‬
‫السهر على أن يدرج نظام املسؤولية اإلدارية مسؤولية األعوان اإلداريين على أعمال الفساد التي يرتكبونها‬
‫اعتماد إجراءات خاصة بالصفقات العمومية تكرس الشفافية وتضمن املنافسة الشريفة وال تشجع الراشين‪.‬‬
‫التشجيع على وضع املترشحين في خطط نيابية ملدونات سلوك يتقيدون بها ووضع قواعد تمنع تسرب الفساد إلى‬
‫تمويل األحزاب السياسية والحمالت االنتخابية ‪.‬‬
‫ضمان حرية اإلعالم في تلقي معلومات حول الفساد أو نشرها في حدود ما هو مسموح به في مجتمع ديمقراطي‪.‬‬
‫السهر على أن يتضمن القانون املدني أحكاما تدعم مكافحة الفساد وذلك باعتماد إجراءات تيسر حماية حقوق‬
‫املتضررين من أعمال الفساد ‪.‬‬
‫دعم البحث العلمي حول الفساد‬
‫التأكد من أنه قد وقع األخذ بعين االعتبار في مقاومة الفساد ارتباط ذلك بالجرائم املنظمة وغسيل األموال‪.‬‬
‫دعم التعاون الدولي في أوسع نطاقه في جميع مجاالت مكافحة الفساد‪.‬‬
‫خ ــاتمة‪:‬‬
‫رغم كل الجهود املبذولة من طرف املشرع الجزائري في سبيل الحد من الفساد سواء من حيث تعديل بعض القوانين‬
‫أو من حيث سن العديد من التشريعات الجديدة لتوفير سبل الحماية من ازدياد تفش ي هذه الظاهرة‪ ،‬ضف إلى ذلك‬
‫إنشاء العديد من األجهزة الرقابية التي تعنى بتتبع ومحاربة كل أشكال الفساد‪ ،‬إال أن كل هذه اإلصالحات لم تحقق‬
‫الغايات املرجوة منها‪ ،‬وال زال الفساد يفتك بالبناء اإلداري ويقض ي على كل برامج التنمية بانعكاساته السلبية التي تطال‬
‫‪15‬‬
‫كل املجاالت وامليادين في الدولة‪ .‬وبالتالي بات من الضروري البحث عن آليات جديدة كفيلة بالحد من الفساد والتغلب‬
‫عليه‪ ،‬ليس لعدم فعالية السياسات املتخذة من طرف الدولة‪ ،‬بل لقصورها وعدم كفايتها‪.‬‬

‫مالحظة هامة‪:‬‬
‫‪ -‬تطرقت املطبوعة إلى أجزاء املوضوع بشكل مختصر وعليه؛‬
‫يعتمد في تقييم الطالب على مشاركتهم في املوضوع‪ ،‬من خالل إعدادهم ورقات تطبيقية تتطرق إلى‬
‫أجزاء الدراسة على ضوء ما تم تناوله في الحصص السابقة وكذا ً‬
‫بناء على ما جاء في املطبوعة‪.‬‬

‫‪16‬‬

You might also like