Professional Documents
Culture Documents
سالفوي جيجك
أممية جديدة
AL JADEED
يناير /كانون الثاين ،2017العدد 24 ثقافية عربية جامعة تصدر من لندن
ذكورة وأنوثة
جدل الكتابة والمرأة والمجتمع والتغيير
2017 العدد - 24يناير /كانون الثاين
aljadeedmagazine.com
رند
جةح
ازي
مـؤسسها ونارشها
الزبيدي2014 هيثم
نوفمبر/تشرين الثاني
رئيس التحرير
نوري الجراح هذا العدد
العدد نفتتح سنة ثالثة من عمر “الجديد” سنة نتطلع إلى أن تكون حافلة بالجديد
مستشارو التحرير
كما كان الحال في السنتين الماضيتين من حياة المجلة.
بهذا
أزراج عمر ،أحمد برقاوي
عبد الرحمن بسيسو ،خلدون الشمعة، مع هذا العدد نؤكد على الخطة التي انتهجناها في أعدادنا السابقة ،ونواصل ترجمة البيان
خطار أبو دياب ،أبو بكر العيادي
التأسيسي للمجلة والذي رسمنا فيه خارطة للطريق وخطة للعمل تحيط بالثقافة العربية في
ابراهيم الجبين ،رشيد الخيون
تحسين الخطيب ،مفيد نجم وشرقا ،وتستكشف جديدهاً ً
غربا كل جغرافياتها ،إن في األوطان ،أو في المهاجر والمنافي
ً
ثقافيا ،وتستقطب األقالم التي تعبر عن اللحظة ً
وفكرا وسؤاال ً
إبداعا المبتكر والشجاع
التصميم واإلخراج والتنفيذ
ناصر بخيت العربية في تحولها وتوق األجيال الجديدة إلى مستقبل عربي مختلف ،وسعيها الجاد إلى
تفكير حر وإبداع مبتكر.
رسامو العدد: في هذا العدد مقاالت ودراسات وأفكار ونصوص أدبية وشعرية وعروض كتب .وفيه ملفان
نجمعان
ةمحمد ،حسي
ةحجازي ،مايس
رند
محاجو
دالوهيبي ،بهرا
دظاظا ،محم
محم رئيسيان وحواران عربي وأجنبي .الملف األول “ذكورة وأنوثة” وتركّز حول جدل الكتابة
نهداية
نأحمد ،جبرا
داري
ميسوف
لبشير ،ري
تاني االكيالي ،أم والمرأة والمجتمع والتغيير ،وشارك فيه عدد من الكاتبات والكتاب العرب من سوريا ،تونس،
لالرفاعي
عم رإبراهيم ،إسماعي
مصر ،العراق ،السودان ،الجزائر .وتواصل الجديد في هذا الملف ما بدأته في أعدادها
السابقة من ملفات تتعلق بكتابة المرأة وباألنوثة بوصفها حيزا مجتمعيا وفكريا مهمشا في
التدقيق اللغوي: مجتمع بطرياركي عربي.
عمارة محمد الرحيلي
الملف الثاني حمل عنوان “مرايا نقدية” ويضم خمس مقاالت سجالية تحاور المفكر سيد
القمني انطالقا من األفكار واآلراء التي أطلقها في حوار أجرته معه “الجديد” في عددها
املوقع عىل اإلنرتنت:
www.aljadeedmagazine.com األخير لسنة ،2016ورقمه .23القمني الذي عرف عنه تحريك الجمر تحت الرماد ،أقدم
بشجاعة على إثارة القضية األكثر تداوال اليوم في جل األوساط االجتماعية العربية ،ونعني
الكتابات التي ترسل إىل «الجديد» تكتب خصيصاً لها
ال تدخل املجلة يف مراسالت حول ما تعتذر عن نرشه. بها المكانة المجتمعية للدين ،قيمه وأدواره وتجلياته في مجتمع عربي يعاني من الطغيان
والثورات والتطرف.
تصدر عن
Al Arab Publishing Centre الحوار العربي في العدد مع الكاتب العراقي جمعة الالمي ،ويقدمه الحوار بوصفه أحد
المكتب الرئيسي (لندن)
رواد الكتابة السردية العربية الجديدة .أما الحوار األجنبي فقد أجرته “الجديد” مع المفكر
Kensington Centre
Hammersmith Road 66 السلوفيني سالفوي جيجك ،وهو األول له مع مطبوعة عربية وحمل عنوان “أممية جديدة”
London W14 8UD, UK
Tel: (+44) 20 7602 3999 والحوار يتناول طيفا واسعا من القضايا التي يشهدها العالم ولكنه يركز خصوصا على
Fax: (+44) 20 7602 8778
لالعالن
التحوالت العاصفة الجارية في العالم العربي.
Advertising Department
مع مفتتح سنتها الثالثة تدعو “الجديد” األقالم العربية الجادة والجريئة للمساهمة أكثر فأكثر
Tel: +44 20 8742 9262
بهرام حاجو
ads@alarab.co.uk في مشروعها التنويري المفتوح على كل الجغرافيات العربية ،إيمانا م ّنا بأن الثقافة العربية
لمراسلة التحرير هي القلعة األخيرة الباقية لنا نحن العرب نعتصم بها في هذا الدجى الذي لم تعد تضيئه سوى
editor@aljadeedmagazine.com
االشتراك السنوي الحرائق ،وال يرى فيه سوى الخراب والموت .الثقافة هي البيت الرمزي الذي يسع كل العرب،
لالفراد 60 :دوالرا .للمؤسسات 120 :أو ما يعادلها والقلعة الحصينة التي ستنقذهم من الزوال
تضاف إليها أجور البريد.
ما
يسة
ما بعد األمازونية
10
م
أيهما يحتاجه العالم العربي؟
حمد
أصوات إبداع المرأة بين المواجهة واالستالب
كاميليا عبدالفتاح
58 نجيب جورج عوض
اللوح ّ
اللتيني أحجية ّ
األخيرة 96 المثقف العربي وقلق السؤال
غالف العدد الماضي ديسمبر /كانون األول 2016
السالمي
جابر ّ
ربوح بشير 113
ً
وداعا لبراءة الطفل
160 حانة عقد التوراة ً
وشجاعا ً
صريحا سيد القمني
لوحة الغالف للفنان بهرام حاجو
هيثم الزبيدي
جمعة الالمي 126 أزراج عمر 114
حسني جمعان
كبوة اآلباء ونهوض األبناء
جديد يستقبله العرب بمدن تحترق وأخرى تدفع عن نفسها شر الحريق .عام عربي يغص بصور الخروج الكبير من
عام
أي مصائر ستسلمهم الطريق.
األوطان وتوديع مالعب الطفولة في طوابير ال يعرف أصحابها إلى أين يمضون وال إلى ّ
عام عالمي جديد تسوده فوضى التوقعات والتمزق والوقوف على المنعطفات بال أمل في غد يهدأ فيه جنون العواصف وتسكن
والشر المستطير.
ّ معه رياح السموم
والناجمة عنها .في هذا السياق ال بدّ أن أشير هنا إلى المقالة المركّزة للناقد خلدون الشمعة ،والتي افتتحنا بها الملف ،وقد تناولت، ً
وخوفا من المستقبل وتوجسا مما يضمره الغد لهم وألجيالهم الجديدة ،شعوبا ً
اضطرابا العالم كله في اضطراب ،والعرب هم األكثر
تحرر المرأة من تحوّ الت في ظل تنامي نزعات مخالفة لتوقها في التحرر ،أدّ ت إلى وقوع بصورة رئيسية ،ما تعرض له مفهوم ّ ً
وأفرادا.
ضحية أصوليات متعددة ،دينية وقومية ،وأيديولوجية .وإلى هيمنة مرجع أعلى نصي ،الهوتي ويقيني ،على الخطاب ّ المفهوم
المتعلق بالمرأة ،مهما تنوعت أزياء هذا الخطاب ،ومهما أظهرت المرجعيات الراعية له من المرونة أو التشدد نحو حرية المرأة أيضا عتبة سنة ثالثة ،من حياة “الجديد” توسع معه من أفق حضورها ،وتشعل به شعلة جديدة في الزمن ً لكن هذا العام هو
ومفهوم هذه الحرية. نكرس غالف هذا العدد وملفه
الثقافي العربي ،عازمة على مواصلة مشروعها التنويري في لحظة ظالمية بامتياز .لذلك اخترنا أن ّ
الرئيسي لواحدة من أعقد القضايا التي شغلت الفكر العربي على مدار أكثر من قرن وأكثرها ارتباطا بإشكاليات ثقافية ومجتمعية
ً
شارحة وناقد َة ،وكذلك في مواجهة النصوص الثقافية المضادة له ،ال بدّ من اإلشارة وبإزاء نص المرأة والنصوص المعلقة عليه، معقدة وغير قابلة للتبسيط ،ونعني بها مكانة المرأة في الثقافة واالجتماع وصوت المرأة في األدب والمجتمع ،وتجليات فكرة
والسجال في هذه المسألة وغيرها من المسائل اإلشكالية ،إن في ملفات
مفتوحا في كل وقت للحوار ّ ً ً
منبرا إلى أن “الجديد” تعتبر ً
وأخيرا ،موقع المرأة في القوى الفاعلة والمنفعلة في مجتمع األنوثة والمؤنث في الوعي المجتمعي ،وفي الفكر العربي الحديث،
شر القتال .وإنما
أو في مقاالت مفردة ،وبالتالي لسنا مع هذا الملف بإزاء مجرد مناسبة تحتفي بموضوع لمرة وتكتفي بها من ّ ً
مرارا لمعطيات ثقافية واقتصادية وعسكرية عالمية قاهرة. شرقي جرى إخضاعه
هي حلقة ليس إال من جملة حلقات تشكل سلسلة مترابطة تسمح بتعدّ د وجهات النظر وزواياه وموضوعاته ومستوياته ،ودائما
ً
وثقافيا جزءا ال يتجزأ من مستويات تمكّنها األخرى اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ً
فكريا انطالقا من توجه يرى في تمكن المرأة ولئن كنا أفردنا في أعداد سابقة ملفات تناولت عنوان المرأة واألفكار المحيطة به والناجمة عنه في األدب والفكر عموما ،وأدب
وما تعبيرها عن ذاتها في الكتابة إال ترجمة لهذا التطلع وخطوة على الطريق الطويلة التي تجتازها المرأة في سعيها الشاق المرأة خصوصا ،فإن نظرتنا إلى هذه القضية بوصفها قضية القضايا ،ظلت تشغل حيزا أساسيا من تفكيرنا خالل عملنا على
لتحقيق كينونتها الكاملة في المجتمع والتاريخ. ً
حرا، ً
نقديا الملفات الفكرية التي تصدت لها “الجديد” في أعدادها المتعاقبة ،والتي أردنا لها أن تشكل فضاء حواريا وهامشا
ومساحة للسؤال ،تشتغل على حلقات من األفكار والموضوعات األساسية في الثقافة العربية ،ال سيما تلك التي طالما وصفت
ومنصة متقدمة للكتابات العربية المبتكرة والجريئة ،ال سيما
ّ منبرا ً
حرا للسؤال األدبي والفكري، ً “الجديد” قبل هذا وبعده ستبقى بأنها شائكة ومسكوت عنها.
بحس نقدي وتنطلق من بحث فكري موضوعي يتعارض ويتواجه مع قوى النكوص والرجعة وممثليها من طغاة ّ تلك التي تتمتع
وظالميين لم يتوقفوا عن تمجيد الظالم بينما هم يعادون الكلمة الحرة ،وإطفاء نور الفكر ومشاعله بينما هم يطفئون في األجيال ً
انطالقا من هذا االهتمام ،اعتبرنا أن من واجبات “الجديد” إتاحة الفرصة تلو األخرى للسؤال المتصل بصورة المرأة في األدب،
عقول أسئلة العقل. وموقع الفكر من قضاياها المختلفة.
لكن هيهات ألشباح الماضي ،أيّ ا تكن أسلحته فتاكة وجنوده أقوياء أن تنتصر على أشعة النور المرسلة من المستقبل .إنها إشارة المقاالت المنشورة في هذا العدد تحت عنوان “ذكورة وأنوثة” تتناول جملة من الموضوعات واألفكار والصور والحاالت التي تظهر
لم تعد مبكرة إلى األجيال الجديدة ،الشباب العربي الناهض من جرح الضرورة وكبوة اآلباء وقد اختبرته التجارب المؤلمة في األدب الذي كتبته المرأة خالل نصف قرن مضى ،وهي تستجلي أيضا المصطلحات والمفاهيم والتصوّ رات المتصلة باألدب
وامتحنته الوقائع الدامية ،وفي عينيه توق ال شفاء منه إلى أنوار المستقبل “تحرر المرأة” و”تحرير
ّ ً
كثيرا عنوان الذي تنتجه المرأة ،وتلك المحيطة باألفكار التي عصفت بتفكيرها خالل قرن عربي تردّ د فيها
المرأة” وتشاكلت نخبه المثقفة مع ما هو نسائي ونسوي في األدب والفكر ،وكان لزاما عليه التعامل مع اإلشكاليات المحيطة
نوري الجراح قصرت عن تقديم قراءة والناجمة عن االضطراب الذي صاحب حركة التحرر النسوية العربية .على أن حركة الفكر العربي الجديد ّ
لندن يناير 2017 عميقة لطبيعة استجابة وعي النخب العربية لقضايا المرأة ،وطبيعة تفاعل الفكر الثقافي الرائج مع العناوين المتعددة المتصلة بها
ما العقل؟
محمد ظاظا
أحمد برقاوي
دائما المتحان أسئلتها وامتحان أجوبتها .وآية ذلك ألن سيرورة المعرفة والقطائع المعرفية ً من شيمة الفلسفة أن تعود
تطرح على الفيلسوف مسألة الحقيقة ولهذا نعود لنسأل ما العقل؟ سؤال قديم سؤال جديد! سؤال ال يلغي اللبس في
الجواب ،ألن الجواب ،أجوبة على سؤال واحد.
بل إن العودة إلى سؤال ما العقل اآلن في ظل التحوالت الكبرى التي نعيشها وطغيان ما نسميه الالمعقول والعودة إلى ما
ً
قادرا على المشاركة في قبل ثورة العقل الحديث وتكوينه لهو جزء من التفكير الثوري وبالثورة هذا إذا أردنا أن نمتلك عقالً
صناعة العالم.
ألجاب :يمرض اإلنسان لسبب عوامل ال جواب على هذا السؤال ألنه سؤال زائف أجاب أرسطو عنه
ما العقل:
كثيرة ،منها الفيروسات ومنها البكتيريات ناتج عن حكم زائف. بكل بساطة :اإلنسان
ومنها أسباب نجهلها لكننا قد نعرفها ،إنه رد العقل يشير إلى الكائن الذي يفكر فقط، حيوان عاقل ،لم يكن الجواب حول سؤال
المرض إلى أسباب واقعية ،إنه من وجهة وال يشير إلى كيف يفكر ،وما هي حصيلة ما العقل بل ما اإلنسان ،لكن الجواب عن ما
نظر العلم فكّر على نحو صحيح ،لماذا فكّر المعرفة التي تصدر عنه ،إال إذا وحدنا بين ً
جوابا عن ما العقل. اإلنسان كان
ً
حكما على على نحو صحيح وأصدرت العقل والمنطق ،وصار يحق لنا أن نقول إن العقل :هو اإلنسان الناطق هو صاحب
إجابته بأنها عقلية؟ التفكير العقلي هو التفكير المنطقي بالمعنى الكالم ،التفكير العقل.
ً
بدءا من أكثرها شيء مفرد .فالمفاهيم والواقع وقد صار أسماء ومفاهيم وأحكاما الصرامة ،أهم ما فيه أن التفكير الذي هو لنؤجل اإلجابة على السؤالين بعد أن نعود الشامل للكلمة ،وعندي أن األمر ليس على العقل= التفكير ،التفكير= النطق ،النطق =
ً
حسية إلى أعالها نظريا هي صفة ماهوية حتى األبكم يستخدم لغة إشارية .اللغة وحدة الدماغ والتجربة ،الذي هو العقل إلى السؤال األصل ما العقل؟ هذا النحو ،إنما األمر هو تواضع ليس إال، اللغة.
أساسية مشتركة بين شيئين أو أكثر، هي الخبرة وقد أخذت شكل القول ،اللغة فباستطاعته إصدار األحكام وقبلها صياغة لنقل إن العقل وحدة الدماغ والخبرة .ولقد لكنّه تواضع علينا أن نمتحنه. ما معنى أن أفكر؟ يعني أن أعقل العالم،
الكأس ،الترابط ،الحرية هي هكذا ،جميع هي على هذا النحو وسيلة تفاهم بين بشر المفاهيم. أثبت العلم أن أي تخريب في الدماغ ،وهو ً
أحدا ما السؤال التالي :لماذا هب أني سألت عندما يميز البعض بين تفكير عقلي وتفكير
المفاهيم ضرورية للتفكير ،والمفهوم :هو تواضعوا على داللة الكلمات. ً
فالعقل الذي ال وجود ماديا له ،هو مفهوم جهاز بيولوجي معقد ،يمنع اإلنسان من يمرض اإلنسان؟ فأجاب إن المرض روح ال عقلي يمنحون العقلي صفة الحقيقة
باألساس حكم في اسم ،حكم عام .االسم هنا تبدو فاعلية العقل ،فاعلية التفكير: يشير إلى واقع عبر وحدة الدماغ والتجربة، التفكير أص ً
ال وإن فكّر فقد يفكّر على نحو خبيث يدخل الجسد من قوة غامضة ،وال والصواب ،ولكن من ذا الذي يعرف مصدر
حكم فردي ،زيادة في اإليضاح جبل مفهوم، ً
عالما وكل العالم صار ً
لغة ،واللغة صارت وعبر حضوره في العالم تعينه في السلوك، غير واقعي .فإذا خربت خاليا النظر فقد يُ خرج هذا الروح إال شخص متخصص التفكير الالعقلي وأساسه.
الحكم المضمر مكان مرتفع عن األرض، فاعلية للعقل في العالم يغني العالم لغة، وفي القول في الخطاب ،في المعرفة. اإلنسان النظر ،وإذا خربت خاليا اللغة فقد بطرد األرواح الخبيثة؟ لو سأل عددٌ من األفراد السؤال التالي :لماذا
يتكون من قمة وواد مث ً
ال كل مكان مرتفع وكل انغماس في اللغة ،في فاعلية ،يغني ً
كائنا يفكّر بال ال يستطيع إنسان أن يتخيل اإلنسان القدرة على الكالم وهكذا .الدماغ ما هو مصدر إجابة كهذه؟ إنه يفكر على يحل الظالم ألجابوا أجوبة متعددة :األول
عن األرض إلى حد متفق عليه متكون من اإلنسان المعرفة واللغة والواقع. ذاكرة ،ال عقل بال ذاكرة ،فاختزان الدماغ هو جهاز متفق على أنه جهاز التفكير ،إنه هذا النحو ،إن عقله هو الذي قدم له اإلجابة، يقول :ألن الشمس تغرب ،وهي التي تضيء
قمة وواد هو جبل .أحمد برقاوي اسم، كل ثراء في امتالك اللغة أسماء ومفاهيم أولي للتفكير ،شرط لوجود
للمعلومة شرط ّ ً
بيولوجيا -لدى اإلنسان -ليكون مكون إذن هي إجابة عقلية ،لكنها إجابة خاطئة، األرض ،والثاني يجيب هي إرادة إلهية جعل
يعرف عبر المفاهيم ،ألنه فرد. وأحكاما ثراء في امتالك العالم ،الواقع، العقل لكن العقل هذا المفهوم المجرد يعني ً
وأساسا ً
ومكانا للذاكرة ً
مخزنا للمعلومات من وجهة نظر العلم وصحيحة من وجهة الليل يعقب النهار ،الثالث يشرح إن األرض
األبرز أسماء التصورات ،اهلل ليس مفهوماً، الوجود ..كل ثراء في امتالك اللغة ،وكل أن له فاعلية االحتفاظ بالخبرة والتفكير ً
ودكتاتوريا في إصدار األوامر للحواس، نظر صاحبها. تدور حول الشمس كل أربع وعشرين ساعة،
اهلل تصور فكرة ،أل ّني لم أجرد مفهوم اهلل نشاط في إبداع اللغة ،قدرة جديدة على دون حضورها المباشر. للجسد كله وهو جسد. إن صاحبها ال يقول لك أن تفكيره العقلي، وفي عملية الدوران يتعرض نصفها إلى نور
من عدد من اآللهة ،وأثبت صفة ماهوية التفكير ،زيادة في القدرة على التفكير. أهم حضور للعقل هو الكشف عن الترابط والخبرة هي كل ممارسة عملية لإلنسان ً
حكما بأن تفكيره بل أنت الذي أصدرت الشمس واآلخر ال ،فيكون نهار ،هنا وليل
ً
مفهوما لما عاد إله مشتركة .فلو كان اإلله وقد يسألني سائل :لماذا ميزت بين األسماء وإقامة الترابط ،واالحتفاظ بالترابط احتفظ بها الدماغ في الذاكرة ،من الصور ً
انطالقا من اعتقادك أن العقلي ال عقلي هناك ،وليل هنا ونهار هناك في اليوم نفسه.
كما يتصوره المؤمنون به ،ألن اإلله من والمفاهيم؟ بسبب بسيط :كل مفهوم هو والتفكير على أساس مبدأ الترابط، ً
مرورا باللغة وانتهاء بالمعارف واألماكن هو الصحيح والالعقلي هو الخاطئ .مرة ً
عقليا ،جميعهم ً
جوابا من هو الذي أجاب
وجهة نظر المؤمنين به ليس كمثله شيء، اسم ولكن ليس كل اسم هو مفهوم. وسأكشف لماذا في معرض حديثي الالحق. المتنوعة. أخرى لنسأل لماذا فكر المرء على هذا النحو ً
صادرا عن عقلهم .ولهذا إذا ً
جوابا أجابوا
وبالتالي لم يجرد ولم يعمم. المفهوم اسم دال على صفة مشتركة بين وسأتوقف عند عالقة العقل باللغة قبل إن وحدة الدماغ والخبرة تشكل قدرة بالمرض؟ سألك أحدهم لطالما كان اإلنسان عاق ً
ال فما
لنقل إن العقل بما هو تفكير هو القدرة على أشياء كثيرة فيما قد يكون االسم داال على ً
كالما، كل شيء ،اللغة هي العقل وقد صار اإلنسان على التفكير عبر جهاز لغوي شديد ولو سألت السؤال نفسه لشخص آخر مصدر تفكيره الالعقلي.
فاختالف العقول بين البشر اختالف في جزء من جهاز معرفتي بالعالم .وهناك عقل التعبير ،والتعبير إنتاج عبارة ،وقل العبارة
الخبرة التي هي الحدّ المختلف الذي يكون مشترك بين الناس من حيث اتفاقهم بصحة حكم ،كل اللغة المعبرة مجموعة أحكام بما
العقل .فض ً
ال عن أن الخبرة الفردية نفسها بعض الوقائع واألحكام ،فما من أحد ينكر في ذلك الجملة الفعلية .ولما كان العالم صار
في حقل ثقافي واحد تختلف باختالف أن هناك جباال وأنهارا وترابا ..الخ. لغة في امتالكي له ،فالعالم في امتالكي له
األفراد .وبالتالي فاألفراد الذين ينتمون نفس ذائقة
ٍ وما من أحد ينكر أن «كل أحكام ،أحكام وجود ،أحكام قيم ،أحكام
إلى عالم واحد من الثقافة والتربية والعقائد الموت» ،وما من أحد ال يقر أن النار تحرق نظرية ،تجريبية ،جمالية ،أخالقية ،عادية،
ً
انطالقا من خبرتهم يختلفون في عقل العالم الجسد إذا ما ألقي الجسد فيها ،وهكذا… جزئية ،عامة ..الخ.
الفردية التي تكوّ نت في وسط محدد ،قرية، نفس
لكن العقول المتفقة على أن «كل ٍ في اعتبار العقل لغة ،في وحدة الدماغ
مدينة ،بداوة ،ثراء ،فقر ..الخ. ذائقة الموت» تختلف في مصير اإلنسان والتجربة ،فنحن ال نتحدث عن انفصال ،بل
إنني ال أدري على وجه الدقة ما إذا كانت بعد الموت ،فهناك عقائد وأديان وتصورات عن كيف جديد لفاعلية الجسد-الكائن.
أدمغة البشر مختلفة في جبلتها ،وال أدري متعددة حول مصير اإلنسان بعد الموت. كل ما أفكر فيه ،كل مشاعري وأحاسيسي،
ما إذا كانت البيولوجيا مسؤولة مسؤولية ً
ملحدا ال يرى في ً
ماديا فإذا كان اإلنسان كل عواطفي وحكمتي ،كل ما يطلق عليه
مباشرة عن التمايز بين األذكياء واألغبياء. أي قيمة :ما مصير اإلنسان
طرح السؤال ّ جانبي الروحي ،هو التعبير عن هذا الكيف
أمرا متأكد من وجوده أال وهو ً لكني أدرك بعد الموت ،وهناك من يرى أن الروح تنفصل الجديد الناتج عن وحدة الدماغ والخبرة.
ً
تفاوتا بين البشر في درجة الذكاء، أن هناك عن الجسد لتعود إلى خالقها ،والبعض يؤمن ها أنا قد حررت مفهوم العقل من حكم
قد يكون مرده إلى البيولوجيا أو إلى الخبرة بالتناسخ والتقمص.. القيمة الذي الزمه طوال عمره ،فالعقل هو
أو إلى االثنين ً
معا. أمور وأشياء وقس على ذلك االختالف في مصدر كل تعيناتي البشرية :العلم والجهل،
ٍ
يعتقد بعض البشر عاديين كانوا أو فالسفة كثيرة ،لماذا تختلف العقول؟ ببساطة ألني الخطأ والصواب ،الخير والشر ،كل التغيرات
أو علماء لغة ،أن اإلنسان ينطوي على مبادئ لست أمام شيء موجود أعطي لكل الناس المتنوعة عن وجودي ،عن مواقفي.
عقلية مسبقة .كمبدأ عدم التناقض ،ومبدأ اسمه العقل .بل أمام هذا المتكون التاريخي أنا عقل :إذن أنا اإلنسان ّ
الكلي الذي يع ّبر عن
الهوية ،ومبدأ السببية ومبدأ الغائية ومبدأ الناتج عن وحدة الدماغ والخبرة .فالخبرة وحدة الجسد والعالم-الخبرة.
الثالث المرفوع ،بل وصارت مبادئ المنطق هنا ليست مجرد خبرة فردية فقط ،بل بمستقل إال
ٍ ال ،وما هوويبدو العقل مستق ً
هي مبادئ العقل .ولست في معرض العودة وخبرة جماعية طويلة تتوارثها األجيال. مفكرا ،رساماً،
ً من حيث هو ظهور اإلنسان
إلى النقاش العقيم الذي دار بين ما يسمى وبالتالي فالعقل بوصفه وحدة الدماغ ال ،وما يدرون ً
عاشقا عاق ً ً
روحيا، ً
شاعرا،
بالعقليين وما يسمى باالختباريين ،كل ما والخبرة يتعين بأشكال متعددة وتحدد أن هذا الظهور ليس انفصاالً عن مفهومي
أريد أن أطرحه على بساط البحث الفرضية طريقة العقل في امتالك العالم والتجوال الجسد-الدماغ والخبرة ،بل هو وحدة
التالية :كل ما ُظن أنه مبادئ عقلية ليس إال فيه. ً
مختلفا عن الجسد والخبرة التي جعلتني
ثمرة فاعلية اإلنسان بوصفه دماغا وتجربة فالطفل يكتسب -ودون أن يعي ذلك -عالماً كل أنماط الحيوانات التي دوني ،وعن
لمعرفة الواقع ،إن ما ظن بأنه مبادئ عقلية ً
وغنيا ،ويظل اإلنسان يكتسب حتى ً
واسعا الحياة األولى للنبات.
ً
حدا من ليس إال معرفة إنسانية وصلت رحيله ،فض ً
ال عن دوره في اإلنتاج المعرفي وزيادة في اإليضاح ،أعلم أن كل فعل عملي
اليقين صارت معها قادرة على أن تكون والعملي .فالغالب عند الناس أنهم يتمثلون أو نظري في الوقت الذي ليس هناك عمل بال
أساس تفكيرنا الالحق بالعالم ،إنها معرفة ثقافة وسطهم االجتماعي الذي عاشوا بدءا من
نظر ونظر بال عمل ،هو فعل عقليً ،
صارت مبادئ-وسيلة للمعرفة. فيهّ ،
وتلقوا التربية من محيطهم األسروي، وانتهاء بفعل الفيلسوف.
ً فعل الحمال
وكما قلنا إن فاعلية الدماغ هي التي والعلم من مدارسهم الوطنية وهكذا. إذا كان العقل أفكارا ،تصورات ،خياالت،
تسمح له عبر ديالكتيك الدماغ والتجربة واختالف العقول راجع إلى اختالف أشكال فهم ،معارف مسبقة ،نظريات علمية،
ً
وتعميما ً
وتجريدا استقراء
ً أن يستخلص العوالم ،وبالتالي تختلف العقول بامتالكها أساطير ،أوهام ،أحكام ،قيم ،معتقدات،
واستدالالً مبادئ يرفعها إلى مستوى للعالم والنظرة إليه وبالسلوك. سلوك ،أحاسيس ،مشاعر ،لغة إشارية لغة
محمد ظاظا
األساس للتفكير ،وهذا ما أكده «هيوم» في فالبوذي ال يستطيع أن يفكّر أو يسلك إال كالمية… الخ ،فالوجود اإلنساني إذن هو
نظرته إلى مبدأ السببية على أنه عادة تفكير. ً
وثنيا ً
إسالميا ،والوثني ً
بوذيا ،واإلسالمي عقل بالمعنى الذي حددته للعقل.
وهكذا ،والثقافة هذه الخبرة األعظم تصبح إذن كل ثمرة من ثمار امتالكي للعالم عقل
مفكر من فلسطين مقيم في اإلمارات ً
جزءا ال يتجزأ من العقل الفاعل. ً
تاريخيا متعين ،وكل عقل متعين ومتكون
ّ
محمد الوهيبي
أيهما يحتاجه العالم العربي؟
نجيب جورج عوض
تبين لنا تداعيات المشهد العربي منذ ست سنوات ماضية أن انهزام وانكسار اإلسالموية السياسية (السنية والشيعية على
وتواز) هو السبيل الوحيد النتصار ثورات الربيع العربي على أنظمة القمع واالستبداد والفساد واإلجرام في بلداننا.
ٍ حد سواء
ً
أحيانا المتطاء ثورات الربيع لقد كشف أداء اإلسالموية السياسية في السنوات األخيرة ومحاوالتها المحمومة والمسعورة
ً
سعيا العربي ،وتسلقها على أكتاف صانعيها وخزانها األساس من الشبان والشابات ،أبناء وبنات الجيل العربي المعاصر،
للوصول للسلطة ،بأن اإلسالموية السياسية تحولت إلى المبرر والضامن األول لبقاء أنظمة القمع واالستبداد وأنها بأدائها
تماهت مع أداء تلك األنظمة المذكورة حتى كادت تصبح المعادل الموضوعي لها في تدمير ربيع الشعوب العربية وأحالمها.
ولنا في سوريا نموذج حَ ٌّي عن تلك العداوة وذاك التكافل.
إذن ،الدعوة إلنقاذ العالم العربي من األوروبي في القرن التاسع عشر من خالل هذا الواقع وإدراكه العميق
يدفع
انحطاطه وإحياء روح الثورة واالنتفاض اإلصالح البروتستانتي ومارسته أميركا اليوم بعض األصوات الثقافية
على االنحطاط فيه من خالل “إصالح في القرن التاسع عشر من خالل الثورة والفكرية العربية على امتداد الساحات
ديني” ليست بالفكرة الجديدة على الروحانية المتمثلة بحركتي “الصحوة العامة للدعوة إلى إعادة قراءة المشهد
الساحة العربية المعاصرة .إال أن ما يجب العظيمة” اللتين قام بهما إنجيليون ً
أحيانا، العربي في عالقته الجدلية،
بتأن قبل أن نتبنى أن نلتفت إليه ونفككه ومتدينون تقويون. ً
أحيانا أخرى ،باالنتماء الديني والتكافلية،
ٍ
تلك الدعوة أو نرفضها هو ما يلي :ما هو مما ال شك فيه بأن الدعوة إلطالق حملة ودور الديني في الدنيوي وعالقة الفكر
المقصود بـ”اإلصالح الديني” في خطاب ً
جدا وبناءة “إصالح ديني” دعوة مهمة اإليماني بالفكر العالمي والعلمي.
على بدء األول إلصالحه الدّ يني ،القانوني انطلق من قلب مدرسة الالهوت وصفوف الدين والمخيال الديني بحد ذاته ،أو ربما من يدعو إليه؛ وهل ما يحتاجه العالم ً
ومثمرة ،ومطلوبة .ولكن ال شك أيضا بأنها تقصي مالمح مثل هكذا
ويمكن للمراقب ّ
الهوتي الفرنسي جون كالفن .فكالفن وال ّ التعليم الالهوتي المعرفي والكهنوتي من داخل دائرة اإلرث الديني نفسه ،ولكن العربي هو “إصالح بداللة وواسطة الدين” ليست بالدعوة الجديدة أو غير المسبوقة إدراك ال في أوساط الشرائح العلمانية
أيضا تبنّى وبقوة مشروع إصالح الدين ً الصرف .اكتشف مارتن لوثر أن هناك سوء من خالل مقارنة ومواجهة مدارس دينية أم أنه يحتاج في الواقع “إصالحا للدين في تاريخ العالم العربي المعاصر .فكلنا والالدينية واليسارية العربية ،بل يمكن له
عينه من داخله ومن خالل تفكيكه خطابه فهم وتفسير وتوظيف للتعليم الالهوتي مختلفة ببعضها البعض وجعلها تتحدى بحد ذاته”؟ هناك في الحقيقة فرق بنيوي ً
طبعا دعوة “اإلصالح الديني” الشهيرة يذكر أن يجد بضعة مالمح جدية لها في ظهرانين
الالهوتي واإليماني وإعادة تشكيله بشكل المسيحي الكتابي واآلبائي العقائدي في بعضها البعض وتفككك ذاتها بذاتها وتعيد مفاهيمي ومنهجي ال مفر من لحظه بين والمؤثرة التي دعا إليها سيد قطب ومن الشرائح المتدينة واإلسالموية واليمينية
يصلح المؤسسة اإلكليريكية والكنسية من أوساط الكنيسة وفي ظهرانين الهوتييها بناء ذاتها بذاتها ،من جهة أخرى. الحديث عن إصالح ديني بمعنى إجراء بعده حسن البنا والتي أدت إلى خلق تيار ً
أيضا .ال بل ويمكن لهذا المراقب أن العربية
داخلها كي تخدم اإلنسان في التاريخ وال ومعلميها تقصى لوثر معالمه والبرهان هناك فرق إذن بين “إصالح ديني” ،من إصالح ما بداللة الفكر الديني وباالعتماد اإلخوان المسلمين في مصر أوالً ومن بعده ً
أصواتا من بين تلك الشرائح األخيرة يسمع
تستعبده باسم الدين .بدأ كالفن بإصالح على وجوده من خالل مراقبته النقدية جهة ،وبين “إصالح الدين” ،من جهة أخرى. عليه ومن خالل جعله المرجع والمقياس ً
تقريبا على على امتداد بلدان العالم العربي تطالب بإعادة إحياء الربيع العربي وتقويم
ً
الحقا في للدين في ذاته ،إال أنه انجرف لممارسات اإلكليروس في قلب الكنيسة. وهذا الفرق نلحظه في الحقيقة حين نقرأ والتوجه الفكري واالستراتيجي المسيطر قاعدة أنَّ جماعة اإلخوان ستكون هي وبث الديمومة في عروقه ال من ّ مساراته
مشروع آخر جعله يستخدم الدين بحد ذاته ً
فكريا لهذا تمرد مارتن لوثر على الكنيسة وندرس تاريخ اإلصالح البروتستانتي في على عملية اإلصالح وآلياته ومنطلقاته الطليعة األولى في تحرير الشعوب المسلمة خالل ثورة على الدين وتمرد على تعاليمه
ً كلي لدوره في المجتمع ،بل من
كأداة لإلصالح في المجتمع .قام كالفن بهذه والهوتيا وعلق اعتراضاته الخمسة القرن السادس عشر في أوروبا .فاإلصالح وأهدافه ونفاذاته العملياتية ،من جهة ،وما العربية وتقويم إعوجاجات المجتمعات وتهميش ّ
التجربة وهذا التحوّ ل في مدينة جنيف في والتسعين على بوابة كنيسة كلية الالهوت البروتستانتي بدأ كإصالح للدين في بين إجراء إصالح ديني بمعنى القيام بعملية التي يعيشون فيها وإنقاذها من غياهب خالل الشروع بإصالح ديني جاد وشامل
سويسرا ،حين وصل إليها كمعلم الهوتي كي يطرحها للنقاش العام ويطلق بواسطتها بداياته ،إال أنه وقع في بعض مراحل تطوره تعريض الفكر والخطاب الدينيين بحد الفقر والجهل والفساد والهزيمة والوهن وتحويل مثل هكذا إصالح ديني إلى حامل
ومشرِّ ع كنسي .وبدل أن يدعو كالفن إلى شرارة إلصالح الفكر اإليماني المسيحي التاريخي في فخ محاولة إصالح المجتمع ذاتهما إلى عملية تفكيك وتمحيص وتقييم من خالل “إصالح ديني” يقدم اإلسالم أساسي لعملية اإلحياء المذكورة ورافعة
إصالح للفهم اإليماني والتعليم الديني فقط الكنسي والديني بحدّ ذاته .أي أنه بدأ بحملة بواسطة الدين وبداللة التديُّ ن. وتصحيح وتقويم وتجديد وربما نقض وفق بحدّ ذاته على أنه الحل ومصدر الخالص قاعدية في عملية التقويم والديمومة
في الكنيسة في جنيف ،عمل على استخدام إلصالح الدين بحدّ ذاته من داخله .سار بدأ اإلصالح البروتستانتي مع خطاب آليات ومنطلقات ومنهجيات تفكير وتحليل والحرية والتفوق واالنتفاض والنصر على المرجوّ تين .ويحاجج بعض هؤالء بأن مثل
رسالة اإلصالح الديني في تطبيق “إصالح في ركب مارتن لوثر ،وبعد حوالي العقد مارتن لوثر اإلصالحي في ألمانيا ،والذي وتقييم وتفعيل وعمل من خارج دائرة واقع الوهن والهوان والهزيمة. هكذا إصالح ديني مارسته دول الغرب
عن أن يكون “الشاهد عن حقيقة ما”، لماذا اإلصرار على قرن مسألة “الدور” إال سوء فهم لماهية ظاهرة “الدين“ .الدين التعليم الالهوتي ودور العبادة والمؤسسات الخلط بينهما ً
أبدا وال التعامل معهما على باسم الدين وبواسطته” للحياة المدنية
وحيث الدين “طوق نجاة” وليس “مساحة ً
عاجزا بشرط “السلطة”؟ هل ألن الدين يقف أي شيء؛ الدين يعكس حاجة شيء ال ّ
يحل ّ الكنسية والمجمعية الصرفة .ولكن هذا َ
خلق إصالح الدين أنهما ظاهرة واحدة. والعامة في المدينة .تحول الفكر الالهوتي
حرية” ،وحيث التديُّ ن مقياسه الخضوع ً
تماما أمام العالم حين ال يتمتع ً
ومتعريا معين لحل ما .الدين ال يعطي حلوال مطلقة بأي مظهر من مظاهر اإلصالح ال عالقة له ّ في أوروبا حالة عميقة وفاعلة وعظيمة من فكر هدفه إصالح اإليمان الديني إلى فكر
وليس العالقة ،آخر ما نحتاجه هو “إصالح بسلطة ،وهل هذا الخوف من فقدان الدور أو ناجزة لمصير اإلنسان ومآالته في الحياة. اإلصالح باسم الدين .تعلم الغرب أن يفرِّ ق من التطور والتقدم والتحرر مهدت السبيل مرجعي أبوي تقريري هدفه استخدام الدين
باسم الدين وبداللته” ،فالدين بحد ذاته هو بسبب عدم امتالك سلطة داللة غير مباشرة الدين يعمل كالعدسة التي تدعو اإلنسان واع
بين االثنين وأن يفصل بينهما بشكل ٍ وفتحته كام ً
ال لمرحلة عصر األنوار والحداثة في “إصالح” المجتمع وفق مفاهيم وقيم
أحد العوامل المهددة لحياة المؤمنين باهلل على محدودية الدين وبعده عن المطلقية لتأمل مصيره وفهم مآالت حياته في وعميق وبنَّاء. في القرنين الالحقين وأوصلت المجتمعات وافتراضات ولغايات تقررها الدوغما الدينية
يخيرهم
ّ والمتمسكين بالتديـُّن ،إذ تراه والعصمة في طبيعته وعدم قدرته على ترك ضوء عالقة البشري بالمقدس اإللهي .من في العالم العربي ،وصلت فكرة اإلصالح ً
عموما إلى ما وصلت إليه اليوم .في الغربية والتشريع الروحي (فقهية مسيحية؟) .أدّ ى
ما بين التحول ألتباع يتم تعريفهم بداللة تأثير في حياة الناس إال حين يتم فرضه هنا يمكن القول إن مفهوم “إصالح ديني” الديني ،كما ذكرت في األعلى ،إلى شواطئنا، سبب اإلصالح باسم الدين وبفرضه
َّ المقابل، هذا التحول من “إصالح للدين” إلى “إصالح
مسيس
َّ طاعتهم العمياء لخطاب ديني عليهم بداللة مرجعية وسلطة؟ باعتقادي مفهوم متناقض ،فالدين نفسه هو أحد فدعا كثير من اإلسالمويين مطلع القرن كمرجع تقريري في حياة الناس مشاكل باسم الدين” إلى تحقيق أمور جيدة ومفيدة
وما بين العيش كأفراد يتم تعريفهم بداللة أن إصرار اإلسالموية السياسية على الخبرات البشرية التي تحتاج هي نفسها العشرين من أمثال سيد قطب وحسن البنا وعثرات وتحديات سلبية في المجتمع لمدينة جنيف في البداية ،إال أنه ،وحين تم
أخالقهم وإنسانيتهم الملتصقة بعالقة مع مسخ “اإلصالح الديني” إلى مجرد مشروع ً
إصالحيا .ولهذا يمكن للنظر فيها وتمحيصها وسواهما إلى إصالح ديني في العالم العربي. األوروبي في القرن السادس عشر (قاد استغالله واإلسراف فيه في عملية الوصاية
المقدس. إصالح باسم الدين وبداللة سلطته ،وخوف ً
منطقيا عن “إصالح للدين” ولكن الحديث الدارس المتمعن في فكر أولئك المفكرين في النهاية ،ومع خلق الكنيسة الكاثوليكية على الحياة العامة ورقابتها واألبوية على
يخير اإلنسان ما بين “اهلل”
ّ في عالم المؤسسات الدينية المتمسكة بهذا التوجه ً
ال يوجد شيء فعلي ومقبول منطقيا اسمه من أمثال سيد قطب وحسن البنا وآخرين مضادا باسم الدين وبواسطةً ً
إصالحا أخالقيات وسلوكيات وممارسات الناس في
ألي ربيع عربي أن
و”التديـُّن” ،ال يمكن ّ “إصالح باسم الدين”. من خطهم الفكري يشعر أن ما دعوا إليه حياتهم اليومية ،تحول الدين إلى وسيلة
ينمو ويزدهر ألن ما يدعو إليه لن يهدد في سياق التاريخ العربي المعاصر ،استمرت (ومازال يتم تبنيه وتسويقه اليوم من قبل وصاية وقمع وأدلجة وتدجين .وقد انتهت
فقط المؤسسة الدكتاتورية والفاسدة، فكرة “اإلسالم هو الحل” هي الفكرة اإلخوان المسلمين والسلفيين في المشرق قصة كالفن مع مدينة جنيف بالفشل الذريع
ً
أيضا المؤسسة الدينية التي بل وسيهدد يخير اإلنسان
في عالم ّ الناظمة لمفهوم “اإلصالح الديني” في العربي ومصر على األقل) هو إصالح باسم تبين لنا تداعيات المشهد لفكرة اإلصالح الديني ،فالنظام الديمقراطي
ترهن وجودها برمته بمرجعية خطابها أوساط اإلسالموية السياسية في العالم الدين وبداللة مرجعيته ،وليس في الواقع (القائم على قرار الجماعة بالتصويت على
و”التديـن”،
ُّ ما بين “اهلل” العربي منذ ست سنوات
الديني وليس بخدمتها لإلنسان في ساحات العربي .وقد تمت محاوالت لتطبيقها في إصالح للدين بحد ذاته .شعار “اإلسالم هو كافة شؤون المدينة وحياة الناس) الذي
العالم العربي العامة .نحتاج بشكل ملموس ألي ربيع عربيّ ال يمكن بلدان ما بعد الربيع العربي كمصر وتونس الحل” يع ِّبر بشكل بليغ عن هذا الميل وهذا ماضية أن انهزام وانكسار أسسه كالفن كأول نظام ديمقراطي في
إلى إصالح للدين ،إلى إصالح ديني يبدأ أن ينمو ويزدهر ألن ما وليبيا وهناك محاوالت لفرضها في المغرب الخلط لإلصالح باسم الدين بمسألة إصالح اإلسالموية السياسية أوروبا عصر النهضة كان بعينه النظام
بتصحيح الدين نفسه وبتعريض الدين بحد يدعو إليه لن يهدد فقط واليمن وسوريا واألردن ،ولكن هناك تطبيق الدين .يصعب على اإلسالموي السياسي (السنية والشيعية على حد الذي صوّ ت على طرد كالفن خارج المدينة
ذاته للتقييم والدراسة والنقد والتفكيك من فعلي لها في دول الخليج وإيران وتركيا. الذي يحمل هذا الشعار أن يدرك بسهولة وتجريده من موقعه فيها ونفيه منها.
المؤسسة الدكتاتورية ً
وتواز) هو السبيل
ٍ سواء
داخله .طالما نقول إن “الدين هو الحل” لن من يراقب تلك النماذج يلحظ برأيي أن دينا بعينه هذا التفريق ،فمن يفترض أن ال مكان هنا لالستطراد أو اإلسهاب أكثر في
ينجح اإلسالم السياسي في العالم العربي والفاسدة ،بل وسيهدد ال ً
ناجحا فع ً ً
نموذجا ال أحد منها يمثل ً
بديهيا أن يقبل أن ذاك هو ّ
“حل” ال يمكن له الوحيد النتصار ثورات تاريخ تجربة اإلصالح الديني في أوروبا
ألنه يمسخ الدين إلى ما ليس هو وما ليس ً
أيضا المؤسسة الدينية في تمثيل األحالم والطموحات والمبادئ ال” إلصالح خلل ما هو نفسهالذي يعتبره “ح ً الربيع العربي على أنظمة عصر النهضة البروتستانتية ،وأنا لست ً
أبدا
نصر على أالّ نصلح الدين بل
ُّ بدوره .وطالما التي ترهن وجودها برمته والدعوات التي قامت ثورات الربيع العربي بحاجة إلى “إصالح” وكأن به خلال .ولكن، القمع واالستبداد والفساد بمعرض إطالق حكم قيمة سلبي أو إيجابي
أن نفرض الدين كحل إصالحي ،لن ينجو على أساسها والتي نادى بها وحلم بتحقيقها في هذا المنطق المغلق للفكر اإلسالموي على تجربة اإلصالح الكالفيني في مدينة
بمرجعية خطابها الديني واإلجرام في بلداننا
الربيع العربي من المستنقع الذي غرق فيه جيل الشباب والشابات العرب الذين قاموا السياسي فهم إشكالي لماهية الدين بحد جنيف .هي تجربة تعلم منها البروتستانت
حين ركب عليه اإلسالمويون وقدموه لقمة وليس بخدمتها لإلنسان بتلك الثورات. ذاته .فالدين ليس موضوع العبادة في المُ صـلَح ومازال الكثير الكثير من الدروس
سائغة ألنظمة القمع والطغيان والفساد أحد األسباب لهذا الفشل في النمذجة اإليمان .موضوع العبادة في اإليمان هو والعِ َبر الالهوتية والمجتمعية والتاريخية.
واألبويات العربية وجعلوه حجة لعودتها برأيي يكمن في أن تلك السياقات العربية اهلل ،وما الدين سوى خطاب يشهد عن المهم هنا أنني ألفت انتباه من يقولون بأنَّ
إلى الساحة في المشهد العربي (ما حصل تخلط بشكل مدمر ويحمل عناصر تفككه اهلل (موضوع العبادة) ويحاول تفسيره سلطته إلى حرب الثالثين عاما وإلى ً
دينيا في تاريخها ً
إصالحا أوروبا اختبرت
في مصر وما يحصل في سوريا نماذج من إصالح الدين من داخله ،ما هو إال دعوة وفشله الذاتي في داخله ما بين “إصالح لإلنسان .أي أن الدين وسيلة للتعبير عن مذابح دينية بشعة) واجهها الشارع العام في القرن السادس عشر وأن ما اختبرته
ساطعة عن هذا) .فلنصلح الدين من داخله ألي مراقب ،بل وتشجيع له أو لها،
حتمية ّ الدين” و”اإلصالح باسم الدين” .ينطلق من والشهادة على حقيقة أعمق وأسمى وأكثر الغربي بثورات وانتفاضات شعبية وعلمية ً
أيضا في العالم أوروبا يصلح لنختبره نحن
ً
إصالحا وعندها فلنأمل بأن ينعكس هذا لطرح تلك التساؤالت ووضعها على طاولة يدفعون باتجاه الخيار الثاني من فرضية قاعدية منه .وكل وسيلة ما هي إال شيء وسياسية ومعرفية وتعلم منها الكثير .وأهم العربي ،ألفت انتباههم إلى حقيقة أن ما
على الحياة والتاريخ وسيرورة اإلنسان في البحث. تقول إن على الدين أن يكون ذا سلطة كي محدود بطبيعته ونسبي بماهيته وخاضع ما تعلمه هو عدم الخلط بين “إصالح الدين” اختبرته أوروبا متمث ً
ال بالفكر المذكور في
العالم العربي. في عالمنا العربي حيث يعبد الناس أديانهم ً
دورا في حياة يتواجد في المجتمع ويلعب لمشروطات ومحدودية وظرفية التاريخ وبين “اإلصالح باسم الدين” .يوجد اليوم األعلى كان أمرين “إصالح للدين المسيحي
أكثر بكثير مما يعبدون اهلل ويتعبدون الناس .ولكن هل يحتاج الدين ً
حقا لسلطة، والسياق والتحدي الوجودي والعقل البشري إصالح ديني مستمر وحي وديناميكي بحد ذاته” و”إصالح باسم الدين المسيحي
باحث وأكاديمي متخصص في الالهوت من سوريا لتديُّ نهم أكثر من تع ّبدهم للرحمن الرحيم، وهل عليه الدخول في لعبة السلطة ،كي التي أنتجته .من هنا فإن التعامل مع الدين، ومتعدد األوجه في قلب الوجود الديني وبداللته” .هاتان التجربتان متمايزتان
مقيم في أميركا ً
عوضا وحيث الدين يمثل “مالك الحقيقة” يكون له دور في حياة الناس في المجتمع؟ أي دين كان ،على أنه “حل” ألي شيء ما هو
ّ الغربي المسيحي واليهودي وضمن معاهد بالطبيعة والتوجهات والمفهوم وال يجب
الهيبي والعقيد
صادق النيهوم ومعمر القذافي
أحمد الفيتوري
في بالد البغتة والعجائب ُتمطر السماء بالمصائب و»العصبان» أو تسحبك من أنفك إلى خيمة القائد سيان ،ما لم يكن من
المُ مكنات يحدث ألن إرادة «القائد» فوق كل حساب وال تقبل الطرح وتقبل الزيادة والضرب وال تقبل القسمة ،جاءني
«الشاعر إدريس الطيب» رفقة الكاتب سعد نافو إلى بيتي في بنغازي ليبلغني أن القذافي استدعانا إلى خيمته بطرابلس،
وأن علينا السفر في ّ
التو .أخذنا من قبل الكاتبة فوزية شالبي في اليوم التالي إلى القذافي في خيمة بمزرعة بطريق المطار،
فوجئنا في الخيمة بالكاتب الصادق النيهوم رفقة الدكتور رجب بودبوس.
سلطته خاصة متى تحول إلى نجم غاية الجافل عن القطيع ،القطيع هذه المفردة مقتضبة لموضوع الدراسة ،لكن المهم كان واجتماعية تبدو كما لو كانت قضايا ميتة التكثيف المبسط االختزالي ما يتخذ من كمتفرج استعار باروكة
ّ مقاالته الفكرية يبدو
غايات أغلب الكتاب لكن النيهوم على التي سيرددها النيهوم في مداخالته كثيرا، آنذاك ما أثارته من ردود أفعال وسيجنح مثل قضية المرأة ،ولعل أهمها محاولته -في الجملة كحامل للفكرة ،فيبدو كما لو كان فلسفة العبث السائدة آنذاك التي تكرس
الخصوص منهم كان النجم .وكان الكاتب وسيظهر نفسه كمتمرد يلبس (الجينز والتّ ي الكاتب منذ أن بدأ بردود األفعال هذه إلى سبق صحفي ومثال قبل أن يفطن مصطفى يكتب حكمة في ثوب «مانشيت» صحفي مفاهيم الالمنتمي الحصيف.
البارع والمبدع المميز. شرت) ،وينظر بغضب لقطيع السلطان االنشغال بها في الكثير من المواضيع التي محمود لذلك -تفسير القرآن تفسيرا عصريا يدير الرؤوس ويبث التأويل ونقيضه في
وسيضع في نفس السلة كل النخبة الليبية نشرها. في دراسته المطولة «الرمز في القرآن». ذات الجملة ،ويزيغ النظر بتحريكه لسطح فيلسوف هيبي
ظاهرة النيهوم -وحتى العربية -دون تمييز مستثنيا بطبيعة ّ
وألن عامة الناس يغذون التناقض ويعشقون قبل أن نشير إلى ما أثارته هذه الدراسة من الظاهرة التي يتناولها ،كمن يرمي حجارة لقد أشارت -حينها -صحيفة الصن
لم يكُن النيهوم ظاهرة وحدها حين خرج الحال مريديه من الشباب وعامة الناس. التضاد فقد ظهر النيهوم باعتباره الغامض ردود أفعال ال يفوتني أن أنوه بأن النيهوم في بركة راكدة ،التي هي في الحقيقة البريطانية إلى الصادق النيهوم -في مقالة
ُ
فجيل على الناس بتمرده وأفكاره الجريئة، لقد تبوأ مبكرا مركزا مميزا في السلطة السهل ،وفي هذه الدراسة بدا وكأنه ال يعني القابع على بعد أالف األميال عمن يكتب سبخة ماؤها تبخر ولكن سطحها الالمع صحفية عن ليبيا -بأنه يبدو كما فيلسوف
ُ
جيل التمرد والعبث الستينات -جيله- حين نالته الشهرة فغدا بسلطة الفكر رأسا ما يقول ،ويقول ما ال يعني لهذا جنح قراؤه عنهم ولهم وعن الصحيفة التي يكتب فيها، يوهم بوجود الماء. هيبي :الفيلسوف الهيبي الذي وراء كولونيل
والالمعقول والثورات والهيبز والبتلز ،والذي حاسرا ينال مراده بجمهوره الكثير ،ولهذا إلى تزكية آرائه في مواجهة خصومه. قد كرس نفسه لشكل من أشكال الغموض إن النيهوم العب في بركة الوحل التي ليبيا ،وكان الكاتب علي فهمي خشيم قد
يأتي وال يأتي والهزيمة العربية في حرب 5 أفصح عن عداء ألعداء افترضهم ومنحهم ومن هذه اللحظة المفارقة سيضع النيهوم حول شخصه وسيرته ،وأن الصحيفة التي أراد أن يرسم على سطحها عالمته المميزة كتب مقالة بعنوان «الظاهرة النيهومية».
تسيدا
يونيو ،وكان آنذاك اليسار الفرويدي مُ ّ هذا الدور؛ هم النخبة خاصة السياسية منها رجله علي عتبة الباب الذي يحب ،فقد كان كرسته ككاتب أول لها ،كرست هذا الغموض كنجم يعطي بظهره للكرة ويعطي وجهه النيهوم في سيرته غير الموثقة وغير
جبهة الفكر اإلعالمية :هربرت ماركوز وكان رأس شيطانها اليسار بالمعني العام خصومه هم رجال الدين المحافظون ومن الذي نبعه ليس القضايا التي يتماس معها، وعينيه للجمهور .لكن ما يميز هذا النجم أنه الموثوق فيها -ألنها مليئة بالثغرات وألن
وإريك فروم… الخ ،وكان الالمنتمي صرعة في حكمهم ،والنظام الملكي الليبي آنذاك أو المفاهيم التي يتخذها طريقة ألطروحاته صاحبها نجم تحول إلى رمز لهذا حشاها
اللحظة على يد صحفي نابه تحول إلى أسسه هؤالء أو أنهم على األقل أهله بحكم اإلشكالية فحسب ،ولكن قبل ذلك األسلوب محبوه بما يحبون أن يكون عليه نجمهم
أيقونة للشباب الناقم يدعى كولن ولسون.
ٍ أن للدولة الليبية عالقة بالحركة السنوسية الذي اتخذه ،هذا األسلوب المازج بين تخرج في الجامعة
ّ الساطع -أنه حين
في هذه اللحظة بدا وكأن العالم قد سلم لقد أشارت -حينها -صحيفة الدينية اإلصالحية بالتبعية وأن ملك البالد الكتابة األدبية والكتابة الصحفية المطعمة في لقائي مع القذافي الليبية قد ذهب إلى القاهرة كي يعد رسالة
زمامهُ لألفكار وحاملها األيديولوجيات مؤسس الدولة هو وريث لزعامة هذه بأساليب الترجمة في حينها ،مع مزيج من الماجستير ومن ثم الدكتوراه في مقارنة
الصن البريطانية إلى بمعية الصادق النيهوم
الصحف إلى أسفار أنبياء العصر:
وتحولت ُ الحركة ،لكن الملك إدريس السنوسي كما الرمزية والسريالية والفنتازيا أحيانا ،في األديان وأنه اصطدم هناك بالدكتورة عائشة
ماركس وفرويد ودارون… لقد قفز إنسانُ الصادق النيهوم -في تشير شخصيته يميل إلى جناح التحديث دأب وجهد إلدهاش القارئ في الجملة الحظت أن ثمة إعجابا بنت الشاطئ ،الشخصية المعروفة حينها
تلك اللحظة ما بعد الحرب العالمية الثانية مقالة صحفية عن ليبيا- خفي؛ فتكوينه في
ّ في نظامه وإن بشكل قبل الفقرة وفي التراكيب المتجددة دائما، ضمره القذافي للنيهوم
ُ ُي بكتاباتها في الفكر اإلسالمي وأستاذة
من قرد إلى سيدِ الكون ،بعد أن طال بأنه يبدو كما فيلسوف قصره في مصر فترة شبابه وتواجده وسط وعالقة فيها حميمية بينة ،وفي هذا المضمار بذل النيهوم جهدا خارقا الجامعة المبرزة ،التي كما يشيعون كانت
غاغارين الفضاء. النخبة المصرية المستنيرة وعالقته المبكرة استنزف طاقته الفكرية واإلبداعية األهم. أقل مقدرة من أن تستوعب األفكار الطازجة
هيبي :الفيلسوف الهيبي وكأنما القذافي يعتبر
لكن في اإلقليم العربي من األرض بدأ ما باإلنكليز ساهم في هذا التكوين. والمميزة للصادق النيهوم الذي قفل راجعا،
سمي «بنكسة حزيران» يقظة الهزيمة لهذا
ّ الذي وراء كولونيل لهذا يذكر البعض أنه حين طالب علماء الرمز في القرآن ونوره
ُ أناره
ُ النيهوم من متخطيا البحر المتوسط إلى أصقاع أوروبا
ْ
تزامنت وتراصت الشيوعية والوجودية ليبيا ،وكان الكاتب علي الجامعة اإلسالمية بمحاكمة -أو ما يشبه الدراسة البوتقة التي دخل منها النيهوم وأن هذا جعل في نفس متوجها إلى فنلندا حيث أعد رسالته
سلة اليوم الصحفية،
واألفكار الدينية في ِ فهمي خشيم قد كتب ذلك -الصادق النيهوم ،كان حينها الشاب الفكر والفكر الديني على الخصوص ،كانت الدكتاتور تضادا ،فكأنما، المفترضة في مقارنة األديان ،التي ال توجد
لعلنا نذكر ما أثاره كتاب جالل العظم عن عبدالحميد البكوش من عمره ( 32سنة) بمثابة مرحلة ثانية في كتاباته ونقلة نوعية أي معلومات عنها حتى معلومات صحفية
مقالة بعنوان «الظاهرة وهو السلطة المطلقة،
الفكر الديني من ضجة ،وكذلك الكتابة وزير العدل ثم رئيس الوزارة فيما بعد حيث سيظهر أن النيهوم يعتمد على نقالت وال أي إشارة من الكاتب إلى حصوله على
الصحفية في جريدة «صباح الخير» التي النيهومية» يُ طالب أساتذة الجامعة والطلبة والنخبة مفارقة في سلم إيقاعه إثارة القارئ الذي صنيعة هذا «الهيبي» هذه الشهادة العلمية.
ً
علميا علي يد كاتب ً
تفسيرا ُتفسر القرآن المتنورة أن تعاضد النيهوم في كتاباته هذه؛ هو الشغل الشاغل المشروع عند هكذا هذه الشخصية ستترادف مع الكاتب
طبيب عُ رف بكتابته القصة حتى ظهوره حيث أن الدولة ال تستطيع ذلك ألسباب كتّ اب ،ولهذا المرسل إليه هو محمول وتمتزج عند المتلقي مع كتاباته التي
مُ فسرا قرآنيا فجاء ًة وهو الدكتور مصطفي معروفة ،ولهذا أوقف نشر هذه الدراسة المرسلة وأسلوبها. ستصير أكثر إثارة ،والتي جعلت من النيهوم
محمود .لقد تأبط النيهوم كتابه بقوة فقط وأعاد النيهوم نشرها تحت اسم آخر توخى بهذه الدراسة إثارة قضايا دينية ظاهرة يتزاحم الناس للحصول على عدد
المرقون بروح العصر ،وبدأ من هناك ينظر من قوميين ناصريين وبعثيين ووطنيين وفي صياغة مموهة وتحت عنوان «العودة شائكة؛ اعتبر القرآن نصا رمزيا تؤول رموزه ال يستهين بجمهوره وال بوسائل جذب هذا الصحيفة األسبوعي الذي ينشر مقالته،
بسخط وبسخرية ،وبحكم تواجده
ٍ إلى هنا وشباب يشده األدب العالمي الذي كان المحزنة للبحر». بمعطيات لغوية سيمائية ،فالنص القرآني الجمهور التي هي القضايا المثيرة التي في األمي سيتأبط نسخة من هذا العدد،
ّ وحتى
في هلسنكي اتخذ من هنا هدفا لنقمته بحكم المرحلة يساري الطابع. نص لغوي واللغة تجريد لصورة واقعية لذا الظل وما يسلطه عليها من ضوئه الخاص عند هذا الحد سيقفز الصادق النيهوم قفزة
التي بدورها شتت ذهنه وفاعليته ،لقد صار كما لو كان مخلصا للعالقة التاريخية بين الكاتب والسلطة فإن مريم –مثال -حملت طفلها من خطيبها الجذاب بتعدد ألوانه. مميزة في كتاباته؛ حيث سينحو للكتابة
بكتابة
ِ ً
كاتبا صحفيا لجريدة محلية مُ لزما المثقف والسلطة كان فعل النيهوم ككاتب النيهوم الذي يظهر أنه كاتب غير سياسي يوسف النجار… الخ ،وكونها حبلت كما هو في الفكر الديني ،وقدم أطروحات صادمة
مقالة أسبوعية ،هكذا وقع النيهوم في أسر
ٍ منذ ظهور هذه الدراسة ،كذلك العالقة بين ستكون عالقته بالسلطة السياسية مشتبكة شائع دون اتصال جنسي فهذا ترميز على طريقة في الكتابة في حينها بأسلوبه ككاتب صحفي من طراز
الطريقة الناجحة والمجربة إلى الجمهور؛ الكتابة والقارئ الذي يستمد منه الكاتب وشائكة ،سيكون هذا الكاتب كما لو كان طهارة العالقة المقدسة .هذه مجرد إشارة النيهوم من القلة الذين أثاروا قضايا دينية رفيع يعرف أصول كتابة كهذه ،من سماتها
يزودها الطبال بهذه السالحف كي تقدمها العنصرية ،كما لو كان نبيا جديدا يبشر برؤيا و ُتمارس الشخصية الصيد البحري ،لقد للغة
طراز خاص فلقد تنبه ِ
ٍ هكذا هو من يحوكُها ً
صيغة ُ َ
السردية َ
المقالة وقبل اتخاذ بهذا صار « النيهوم في األسر».
لزبائنها اإليطاليين. وليس برؤية في هاتين المسألتين. ومتصدع، شائك
ٍ نسيج دخلت الرواية في المحكية كلهجة عامية ،وكمُ صطلحات ُ ً
لمُ قتضى الحال ،أحيانا لم تكن المقالة ذات ويرسم،
ُ يكتب ويُ ترجم -دون ذكر مصادره-
ُ
ٍ ٍ
«من مكة إلى هنا» رواية الشخصية وينسج النيهوم شخصيته بتؤدة في مكان شبكة من القضايا التي لم يتخللها
ٍ وفي ثقافية وفنية ،وكما أشرت أنه استخلص داللة لكن صيغة السرد والسريالية تجعل يكتب التقارير الصحفية والمقالة النثرية
ُ
المتفردة؛ نجد مسعود الطبال كما بطل يبدو كمسرح أو صالة عرض؛ حيث الكرة السردُ بعد. َ
اللغة أسلوبهُ من عدةِ أساليب فإنه أولى من المقالة عند المتلقي كما لو كانت أحاجي الساخرة المُ طعمة باللهجة المحلية التي
تراجيدي يقع تحت براثن قدر محبوك؛ األرضية هي اإلنسان ،فإن الطبيعة المنتقاة منزلة المنازل في ُش ِ
غله وفكرهِ معا. ورموزا حتى أن بعض هذه المقاالت أثارت تحكي عن الحاجة أمدهلل التي تتعاطى
المقدس فيه مرجعيته الدينية أو تفسيره في هذه الرواية األرض؛ إن قرية سوسة أيقونة النيهوم مَ ُّس ما لم ُي ّ
مس بعد لقد عاش في فنلندا فترة شبابه العشرينية، ً
لغطا عند تأويلها بأنها تمس هذه الشخصية الشعوذة ،ونتاشا التي تتعاطى الفودكا ،فيما
التقليدي للدين وكذا مجموعة من األساطير البحرية تجمع اليابسة والبحر والجبل من مكة إلى هنا ويكتب بالعربية
ُ وكان يُ طالع باإلنكليزية، أو تلك السلطة أو حتى تمس الذات اإللهية الحاج الزروق المُ تكئ على التكية يغمزها.
الشعبية التي مرجعيتها هذا التفسير والمعاش فيها يكون على ما ينتج البحر، الروائي الصادق النيهوم بعامية مدينته بنغازي الستينية
ِ ويتحدث أو مُ سلمات ما. ككاتب صحفي،
ٍ هكذا سوّ َق النيهوم نفسهُ
للمقدس .في صيد السالحف يجد الطبال لذا سوسة رحم هذا الوجود عند مسعود والمسألة الدينية حتى وفاته. طراز خاص لعلهُ ً
هكذا كان النيهوم فنانا من المحلية البسيطة
ِ بالشخصيات
ِ مشغول
ٍ ٍ
قوته الثمين حيث يتمكن من هكذا صيد الطبال الصياد أما صيد السالحف ( الفكارين اتخذ النيهوم منذ رواية «من مكة إلى هنا» لم يكن بمُ كنة شخص آخر غير هذا الفنان الصوفي المحلي
استفاد من فن الشطح ُ ُ
يهتم بقضايا تشكل ذهنية هذه
ُ فكر
ٍ وكرجل
ِ
الحصول على ما يمكنه من التوفير لشراء باللهجة المحلية لسكان الرواية -سوسة) مسارا نوعيا آخر في تجربته اإلبداعية، ً
مصبوغة ً
عجينة واحد ًة جعل هذه الخالئط البسيط في رفع اللغة إلى درجة اإليهام؛ الدين أبرز المحطات
ُ الشخصية ،لقد كان
ماكينة لقاربه ،وبهذا يقدر على الدخول في فهو المسألة الميتافيزيقية التي تنسج حيث اتجه إلى الكتابة السردية التي كان بروح الفن التي توحي قبل أن تومئ ،و ّ
وجل ما اطلعنا عليه مما كتب ألن مقاالته التي أثارتها فترة الستينيات خاصة عقب
ِ
غور البحر ومصارعة جنونه والتمكن من العالقة بين الصياد الطبال وشخصية فقيه فيما قبل يستخدمها ضمن سياق كتاباته تومئ قبل أن ُتشير وتصمت كي تتكلم. وثيقة بالنتاج الصوفي
ٍ صلة
ٍ ال يُ دلل على الهزيمة العربية أمام دولة اليهود! كتب
صيد سالحف وفير ،هذه الماكينة يملكها المتنوعة ،بهذه الرواية سيبدأ مسارا كان ومن هذا الفنان وضع تضاريسه الخاصة النيهوم في القضايا الدينية الشائكة،
إيطالي يعرضها للبيع. قد وكده في قصص لألطفال ،وكما يبدو ذات الطبع المُ ستقل عن محيطها ،وإن كانت وقليل من التمحيص
ٍ بجرأة
ٍ وقضايا المرأة
تجد الشخصية التراجيدية أنها محكومة لي أن الكتابين يمثالن مرحلة جديدة في ً
مربوطة به بالعُ روة الوثقى ،تجانب هو والدقة ودون مرجعية ما أو منهج ،ولهذه
بالمطرقة والسندان :البحر الذي يلتهم يكن النيهوم ظاهرة لم ُ مساره اإلبداعي ،خاصة في «الحيوانات» وقراؤه والصحيفة التي يكتب لها ما تريد النيهوم الذي يظهر أنه االعتبارات المُ ثيرة التي جعلت منه الكاتب
الصبي ،في الوقت نفسه الذي يرجع فيه فالرواية تستمد روحها من رواية «»1984 وما يرغب والدولة ،لكن ككاتب محلي كانت وسلطة
والصحفي النجم تساوق النيهوم ُ
وحدها حين خرج على كاتب غير سياسي ستكون
الفقيه ذلك إلى غضب اهلل الختراق سننه و»القرود» التي يمكن اعتبارها الجزء الثاني احتياجات
ٍ تعوزه ُسلطة الذات المنفقة من الدولة ،لقد حوّ ل المُ شكل إلى قضايا ثقافية
وصيد السالحف المباركة ،والزوجة زوجة الناس بتمرده وأفكاره للحيوانات ،وسردية النيهوم تحتاج مبحثا ً
مأسورا لهذه الحاجات؛ من أولية ،لهذا كان عالقته بالسلطة السياسية اجتماعية فيما كانت النخبة جملة بعقائدها
الطبال التي تحلم ليل نهار بأداء فريضة ُ
فجيل الستينات الجريئة، خاصا لكننا هنا نتناولها في إطار مبحثنا في هذا العوز تحاذى والسلطة السياسية دوم مشتبكة وشائكة ،سيكون ُ
تركز المُ شكل في الدولة التي المختلفة
الحج. ُ
جيل التمرد والعبث -جيله- جانبه الفكري المحض. حياته لكن بشروط روح الفنان التي كانت هذا الكاتب كما لو كان وُ صمت بالرجعية من جهة ومن جهة أخري
لقد أعد النيهوم شخصيته بقوة بُنية وعناد وفي الرواية سيتخذ من السرد طريقة ديدن الروح. للدوائر
ِ بالالإسالمية ،ومن ثالثة بالمُ رتهنة
والالمعقول والثورات الجافل عن القطيع،
وأفكار محمومة ،كي تطفئ ُح ّمى
ٍ رأس لطرح أفكاره األساسية في المسألة الدينية، بعد بحثه األولي في تفسير القرآن تيمم األضواء على
ِ االمبريالية .لقد تسلطت كُل
الطبيعة والبشر الذين هم آل الطبال أو والهيبز والبتلز والهزيمة كمنظر متخذ المنهج التأويلي في النظر لهذه بالفن ،واتخذ من مكة محرابه فكانت القطيع هذه المفردة التي هذا المُ ختلف الذي عُ د كظاهرة.
على األقل من يحمل لغتهم ودينهم ومن العربية في حرب 5 المسألة ،وسيكون السرد استعادة لألساليب روايته غير المكتملة «من مكة إلى هنا»، سيرددها النيهوم في
ً ً النيهوم الفنان
زنجيته التي تجعله على
ّ عليه اتباعهم ،رغم يونيو ،وكان آنذاك اليسار القديمة للحكي ولكن بروح جديدة تجعل محليا؛ منهُ لغطا هذه الرواية أثارت -أيضا- مداخالته كثيرا ،وسيظهر
خطوة من طرفي القرية :السكان المحليون البين ضمن المسار الدرامي لهذا
الغرض ّ حوار معهُ
ٍ صرح في
َ الشاعر علي الفزاني
َ أن برجل اللحظة الراهنة لكن النيهوم لم يكن
تسيدا جبهة
الفرويدي ُم ّ ُ
نفسه كمتمرد يلبس ِ
من جهة واإليطاليون من جهة أخرى. الحكي .وبهذا فإن النيهوم سارد من طراز بحاجة إلى ثالثين عاما كي تفهم،
ٍ أن الرواية تلك فحسب بل ألن النيهوم كان قبل هذا
بهذا تظهر شخصية مسعود الطبال مفارقة: الفكر اإلعالمية :هربرت المتنبهين للفن وأساليبه؛ بحيث أن السردية ومنه أن بطل الرواية مسعود الطبال قد (الجينز والتّ ي شرت)، وحتى بعده الفنان .لم تكن موهبة الفنان
القوت يضعه في حاجة لإليطاليين ،والحياة ماركوز وإريك فروم في عمله ستكون المستهدف األساس وأنها رسم شخصية والد أسرة من مدينة بنغازي وينظر بغضب أهم ما في رصيده ،ولكن شكل وأسلوب
االجتماعية تجعل منه محليا متمردا ،كذا بنية العمل فيما موضوعه نسيج في هذه حيث تقع بعض أحداث الرواية .وقد كان كفرد صبغ
ٍ الفنان كان ضمن هذا الرصيد،
فهو بهذا التمرد يواجه المقدس كما هو البنية. الصحفي رشاد الهوني يعمل بجهده المتميز نمى
وكمبدع ّ
ٍ بروح الفنان،
ِ جسد ُه وسلوكهُ
مؤول محليا. لكن التيمة الرئيسة عند هذا الكاتب تظل نجم «الحقيقة» -صحفيته :-
كتابات ِ
ِ لترويج بدأب ودون كلل.
ٍ موهبتهُ
النيهوم أراد أن يجعل الطبال شخصية مركزية؛ إن الشخوص الروائية تلبس لبوس الصادق النيهوم. لجملة النيهوم في كتاباتِه سيجدها
ِ المُ تأمل
الرواية أو يجعله الرواية بالمرة؛ فبقية الفكرة المراد صياغتها ضمن البنية السردية، «من مكة إلى ُهنا» الشخصية الرئيسة فيها ُ
تصدع بروح الفنان ،فهي جملة كافية ً
جملة
الشخصيات تثير مسائل في ّ
حل منها القرية الناطق بسم المقدس ،الفقيه من إن مسعود الطبال في رواية «من مكة قد تكون الشخصية األولى في رواية عربية الكالسيكي المعروف لكن هذا النتاج كان ومُ كتفية ،نابضة وحيوية ،وماكرة لدرجة
شخصية الطبال الذي وجوده كما الحياة يجر خلفه سكان القرية المحليين (القرية
ّ إلى هنا» زنجي محنك يتخذ من زنوجته ُ
أحداثها في إقليم العرب التي بطلها تقع قد تحوّ ل على يدي مريديه إلى فنون في ً
رموزا -عند عامة ُقرائه يكتب
ُ بدا أن الكاتب
ال تحتاج لتأويل ،ولعله لهذا جعل عالقة تقع على الشواطئ الليبية في تضاريس أيقونة للوجود؛ وجوده ومعنى هذا الوجود، زنجي ،وقد تكون الرواية األولى التي تثيرُ الزوايا والتكايا ،واللغة في هذا النتاج تبدو وتفسير مُ ّطردين هذا
ٍ لتأويل
ٍ بحاجة
ٍ -وأنه
الشخصية بالطبيعة أوتد ،من البحر بل من الجغرافيا لكن الرواية غير معنية بذلك)، وإن الراوي يجعل من هذا الزنجي معاركا مسألة الدين،
ِ اشتباك مع
ٍ مسألة اللون في بمستويات عدة
ٍ حملة
في الظاهر مُ موّ هة ومُ ّ من جهة ،ومن األخرى ردد قراؤ ُه أولئك
الماء كل شيء؛ مسعود نفسه شخصية والعالقة مع صاحبة المطعم اإليطالية من شرسا في مواجهة الفكرة الدينية والمسألة قرية ساحلية فترة االحتالل اإليطالي،
ٍ وفي من الترميز والداللة. ُجملهُ كما حكم ومحفوظات.
عدو هلل عدوهم ،وكزنجي كان وجوده ّ هذا اإلنسان هو مركز هذا الكون وأفكاره وما مائية وطيد المعرفة والوجدان بالبحر.
مفردا ومن هذا استمدت الشخصية الروائية يجيش بنفسه هو وجوده ،من هذا يستمد وإذا أردنا فإن مسعود الطبال كأول زنجي
مركزها كشخصية الرواية. تمرده وتستمد الرواية من هذا التمرد
الطبال ّ بطل لرواية عربية في حدّ علمنا ،قد جعل
البين الفاعل األساس في
وهذا الصراع ّ نسجها ،بالتالي تبدو أفكار النيهوم حول ذلك من الرواية تنسج في منطقة غير
الرواية ،جعل من الشخصيات األخرى وهي المسألة الدينية ومنهجها التأويلي كما لم مسبوقة ،لهذا تحررت هذه الشخصية من
هنا اإليطالية كخلفية لهذا الصراع المحموم تكن فهي هنا من نسج الرواية ،من جهة تراث سردي ال مثيل له في التراث السردي
بين طموح الطبال وحمى المقدس عند آل أخرى بدأت الرواية رواية أفكار لكن خباء باستثناء معروف هو الملحمة األسطورية:
القرية المحليين ،فيما الماكينة-موتور القارب السرد المحكم جعل ذلك من نسج السرد عنترة بن شداد .لعل الروائي عند الصادق
المحرك للصراع كامن في الرواية كطرف وليس من مرجعية الراوي المتفكّر في النيهوم قد طال الوعيه الروائي هذه
غائب ،والحديث حوله عابر في نسيج المسألة الدينية. األسطورة فتماس معها دون أن يستعيدها،
أحداث الرواية. رغم ذلك تثقل الرواية -كعادة النيهوم- ألننا نجد هذا الزنجي كما في منسوج
وكما تنقسم سوسة بين شخصية الطبال بذهنية المتفكر؛ مما جعل شخصية مسعود الحكي التراثي قوي البنية جسورا ويغرد مع
المركزية وشخصية الفقيه تحوك الرواية الطبال متمردا وجوديا يصوغ نفسه البحر خارج السرب.
نسيجها السردي ،ويوضح النيهوم تراجيديا كمنولوج في نسيج الرواية ،وهو قلب
شخصيته من خالل هذا االنقسام الذي الرواية لكنه في نسيج مكان الرواية/قرية الزنجي البطل الالمنتمي
يعانيه مسعود الطبال في منولوجه وأحالمه سوسة هو هامشي. النيهوم معروف في نتاجه الفكري اهتمامه
وأحالم زوجه. لقد جعلت الرواية من شخصيتها مثل المركز بالمسألة الدينية؛ لعل هذا يوضح
تندس في نسيج
ّ إذن المسألة الدينية هنا نخبوي يعيش مع أفكاره أكثر منه صيادا كيف أن التيمة الرئيسة في رواية «من
ّ
الشخصية الداخلي وتفجر وجدانه وتشظي يعيش مع ما صيده ،ومسكوت الرواية مكة إلى هنا» هي هذه المسألة :ثمة قيم
نفسه. هذا منطوقها من حيث المرجعية الفكرية تقليدية راسخة تتمظهر في شكل أساطير
هل الطبال عبد مارق كما يقول الفقيه: - للروائي التي تتخفى بالضرورة بالسردية؛ وخراريف تراثية شعبية ،الناطق الرسمي
يقول الطبال لنفسه؟ فنحن نتلقى نتاجا روائيا مسرودا بحكمة بها فقيه القرية ،الذي يواجه بتطرف يصل
أي مسائل
جرد أحداث روايته من ّ
الروائي ّ الفنان ال بفن الحكيم ،وتتجلى في استنطاق إلى العراك الجسدي مسعود الطبال ،مسعود
أخرى ،وجعل طرف الميكنة كما طرف أجنبي مجمل الرواية «من مكة إلى هنا». الطبال المتحقق أن اآللة (الماكينة) التي
جزءا داخليا منها ،ولعل
يثير المسألة لكنه ليس ً وكما أشرنا إلى أن الرواية ليست رواية يملكها اإليطالي هي الحل لمسألة المعاش،
هذا ما جعل اإليطاليين في الرواية شخصيات أحداث ،نؤكد أن اختزال الحدث قد مركز وبالتالي فإن السالحف ليست مباركة وإن
ثانوية رغم مركزيتها. الشخصية وجعل المنولوج مركز البنية كانت كذلك فهي جديرة بتوفير الحياة لبني
Mالرواية تنتهي وقد فشل مسعود الطبال السردية ،هذا أعطى السرد مكنة طرح األفكار آدم ،أما حج زوجة الطبال فقد مثل مسألة
في تحقيق مشروعه ،لكن يبقي في مسرود الروائية/مسعود فالشخصية وتداعيها، إثقال كفة الميزان في غير صالح الطبال.
الرواية -عند القارئ الحصيف -كمشروع ،وفي الطبال كان على عرض وطول الرواية ليست الرواية رواية أحداث قدر ّما ،هي
رواية «من مكة إلى هنا» يكشف النيهوم عن يعيش وحيدا حتى في سرير الزوجية ثمة رواية الشخصية فالمنولوج ُلحمة الرواية،
جدارته بإثارة مسألة كالمسألة الدينية كسارد جدار بينه وزوجه الحالمة بالحج .والوقائع مسعود الطبال هو الرواية هو المفرد المتفرد
دون أن يقع تحت ثقل مسألة كهذه. المسرودة تجعل من مسألة المقدس مسألة الذي كصياد كثيرا ما يكون في المكان
إن المسائل التي تناولناها في هذا البحث تحكم العالئق في الفعل الروائي كما في وحيدا ،وال زمان له غير الزمن الذاتي،
كل منها بحاجة إلى مبحث خاص ،لكن حياة شخصيات الرواية ،أما الرتابة روح وزمن الطبيعة البحرية ما تعني الشمس
في سياقها وفي سياق البحث قد وضحت القرية البحرية فهي ما تركز مسألة المقدس في شروقها وغروبها ،وكأنما الطبال يعطي
أن المفكرين مثل النيهوم كما الشخصيات وتجعل من تصيد الطبال للسالحف المباركة بظهره لزمن الناس بانشغاله بالبحر وعراكه
ومناجاته.
بهرام حاجو
المتمردة والثائرة التباسية من جهة ومن تهديدا لقرية تعيش دون خوف أو جوع،
أخرى هي مثيرة عواصف ذهنية وقد تكون البحر جواد فالسمك يسدّ الرمق .ومسألة لذا سوسة قرية كونية دائرتها المكان/
واقعية. الماكينة والخروج من الكفاف يهدد هكذا الطبيعة ومركزها الزمن :ما يحدث ويضطرم
كاتب من ليبيا حياة ،لقد صار الطبال خارجا عن الناموس في نفس مسعود الطبال.
حديقة الحيوانات
سفيان رجب
حسني جمعان
أرض الكتب شجرة في الريح
هام
صيد من األ ْو ِ بكل هذا ال ّر ِ ِّ
في طريق سفري إلى الله بنيت حديقتي األرض ّي َة
سقطت م ّني توبتي ،واختفت بجيش من معماريّين فرس، مستعينا ٍ
األعشاب والجنايات اليابسةِ بين ورسامين من النهضة اإليطالية ّ
ول ّما رأى شيخي حيرتي الصين والعرب
وعبيد فراعنة ،وخطّاطين من ّ
دلّني على األرض التي أبدأ منها وبستان ّيين من بابل…
حيث أبني كوخي، جمعتهم من الكتب والل ِ
ّوحات
وأغرس شجرتي وأ ّجرتهم مقابل تحريرهم
ث ّم أجلس منتظرا أ ّو َل عابر سبيلٍ من قيود مخ ّيلتي.
علي المتاه ُة
تدلّه ّ جلبت لحديقتي نمورا ناعسة من غابات إفريقيا
ليقاسمني في َء الشّ جرة ثعابين مرحة من سهول أستراليا،
ودفء الكوخ. قافلة جمال من بادية اليمن
نسورا تغذّت على ضحايا الحروب والمجاعات.
وانتظرت هناك ،عمرا كامال واقترحت نفسي أسدا
العمر السبيل الذي انتظرته عمرا كامال.
ولم يأت عابر ّ كل قم ٍر يأفل وكان ّ بدائي
أنام في مغارة حفرها إنسان ّ
والحقيقة ،أنّني كنت أجتهد
ّائب من البحير ِة، أجمع شعاعه الذ َ كنت قد صرعته في ليلة شتاء،
ينزل ال ّربي ُع من شجرة العمر في إخصاب مخ ّيلتي بال ّزيف والكذب
ألحاجج به ال ّنائمين.
َ وأفيق ألجد غزال ًة مق ّيدة إلى شجرة هرم ٍة
وفي يده تفّاحة حتّى ال يأتي!
وكل شجرة تموت ّ أكتب على جذعها بمخالبي
نصفها أخضر ،ونصفها اآلخر أحمر ث ّم إنّني نسيت كالم شيخي
أخ ّبئ أوراقها الذّابل َة بين ثيابي المتّسخة، وص ّيتي لل ّريح التي ستحطّم الشّ جرة
يمنحها أل ّول امرأة تأتي حافي ًة من ّ
الصحراء وض ّيعت عالماتِه بين أقمار تأفل،
ألتأكّد أكثر من عافية ال ّربيع. وللمطر التي ستغسل دماء والئمي
تظل تتخاصم مع رغباتها :من أين تقضم التفّاحةَ!؟ ّ وكتب تُغلق وتُفتح
وأوراق تذبلٍ ،
وفي حياتي، في داخل قفص وللسائح الذي سيتف ّرج ّ ّ
وال تنتبه ،إالّ وقد أتلفتها ال ّديدا ُن ونقرتها الغ ْربا ُن
فتحت كتبا صفرا َء تبلّلها حيرتي ويدفع أمواله
تنادي ال ّربيع لك ّنه يكون بعيدا
وأغلقت كتبا صفرا َء تحرقها معرفتي مقابل خوف مصطنع بائ ٍخ
الصبر
من مخالة ّ ات حتّى تتأكّد تضع نظّار ٍ
باب ّ
التعيس
حسني جمعان
علي حنيني هجم ّ فال ترى غير ظلّه ال ّنحيف تأكله
وداستني شعوب مثخنة المسارب
ُ
أي لحظة أعرف أنّها ستأتي في ّ بالحروب واألم ّية.
ِ اعات حتّى تتأكّد أكثر تضع س ّم ٍ
وأنّها لن تجدني بالبيت فال تسمع غير حفيف نعليه ممزوجا
سوف تضع عالم ًة على بابي جاءت امرأ ٌة متأ ّخرة والسفر
برائحة األعشاب ّ
قصة علي بابا مثلما حدث في ّ كالسعادة يق ّد لها جارها ال ّن ّجار عكّازا من خشب متأ ّخرة ج ّدا ّ
واللّصوص كف التّراب انتزعتني من ّ شجرتها الهرمة
وسوف تنتبه حبيبتي وقالت :هذا لي. وفي حين تحاول جاهدة اللّحاق
عالمات مشابهة ٍ فتضع بال ّربيع
على أبواب الع ّزاب! المسكينة ،كانت تظ ّن تغطّي العاصف ُة روحها المتعب َة بما
أ ّن حضنها أكثر دفئا من الضّ ياع! تناثر من أوراقها الذا ّبلة.
أعرف أنّها ستحاول ثانية علي
نازعتها ّ
إلي حمام ًة زاجل ًة وترسل ّ مآس نحيف ٌة الشوكة المسمومة ّ
وسوف تنتبه تلك المرأة القلقة مثل ماشية القرن اإلفريقي
التي تراجعت من وظيفة الحبيبة قالت :اتركي لي قلبه يا أرملة العدم! األرض التي
وصف لي العما ُء َ
إلى وظيفة ال ّزوجة. وخذي أصابعه ومزماره وكنزه… سوف أبلغها :حقول من ال ّنرجس
فتذبح الحمام َة ودارت حولي حروب ضارية تحرسها مصابيح ضاحكة!
وتق ّدمها لي في طبق العشاء الحب
انتهت بخسارة ّ ووعدتني الفاق ُة بالكنز
كل ال ّرجالسأكون ساعتها مثل ّ وبسيطرة اللّغة البذيئة والغريب أنّني ص ّدقت ،وسعيت
أنت لم تشتك من إهمال أ ّمك وتنام تحت كرمة المصير أفكّر بمعدتي وكلّما بلغت سرابا
على جسدي المرهق.
أو من غزو الشياطين لعينيك ِ
المخلوقات. تُعلّق عليها أحال ُم وأنظر إلى زنْدي زوجتي نحت من عطشي مزمارا
ُّ
أو من غبار األيّام الحزينة يح إلى جزيرة نائي ٍة دفعتك ال ّر ُ ولدْتَ ،وفي عينيك من خلف البخار. وكلّما بلغت نهرا
وقبل أن يكتب المصير
فقط ،دخلت الجحيم صاغرا حيث أرضعتك غزال ٌة عائلة من شياطين تتعانق ألقيت مزما َر العطش للمقتفين،
القدري
ّ من نصه
ّ آخر ٍ
حرف
وتبعك إخوانك الذين رمتهم أ ّمهاتهم اصطدت َها حين اشت َّد عو ُدك ْ وفي صدرك موسيقى وحشية وعبرت…
أسفل جبيني
أيضا رميتَها على كتفك الهزيل هي مزيج من آالم البؤساء كل ليلة أعرف أنّها ستأتي ّ
عيني مشنوقتين تاركا ّ
في ال ّنهر نفسه، ومضيت إلى كوخك المعزول وعذاب القبر وأنّها لن تجدني بالبيت على بعد متر من خ ّط الوصول
سقطت من يديه ال ّدواة
حاملين على أكتافهم غزاالتهم. دم
تاركا خلفك مسربا من ٍ لذلك تب ّرأت منك أ ّمك الشّ اب ُة وسوف يتع ّجب الجيران خلف ال ّنوافذ: الوصول إلى أرض العماء
حين رفعتها إليه
اقتفاه ضميرك ال َق ِل ُق وألقت بك في نهر كسو ٍل كل ليلةالسعادة ّ حيث تدفن الفاق ُة كن َزها.
ترى ماذا تفعل ّ كانت شوك ًة مسمومةً!▲
وشهد ض ّدك أمام الله. تصله الشّ مس مرهق ًة ق ّدام باب التّعيس!؟ نفضْ ُت آخ َر قشّ ٍة
شاعر من تونس
فتغسل فيه أطرافها من غبار ال ّنهار
نهاية مطبخ
حسني جمعان
مصطفى تاج الدين الموسى
ـ3ـ ـ
ماء شرع بالهطول. ُ ٌ
ثم هبطت قطرة سابعة ،على إثرها حبل ٍ
لك ..أنت اآلن خارج حدود المطبخ!
ـ أبارك ِ قالت الحفرة :أنت خلقتني.
بفرح ينظر بفرح تنظر كأس الشاي الصغيرة لصحن السجائر.. ُ ً
أجاب صنبور الماء :لم أخلق شيئا ..المرض ،ذلك الكائن اللعين
ٍ ٍ
إليها.. هو الذي خلقك.
ـ4ـ ـ2ـ
الزوج لم ينتبه لها.. ُ سيجار ٌة تطل برأسها من علبة التبغ، شبه متهرئ.بلحاف ٍِ مستطيل من اإلسفنج ،ليتد َّثر داخل ذاكرته صو ٌر من احتفاالت األسبوع الماضي، َ نهضت َ ٌ
وفراغات بين أسنانه ،أرهق االنتظارُ سلبي، مزاج
ٌ ٌ
طفل له
ٍ ّ
بغيرة هذه السيجارة ..السيجارة تضحك ،الزوج ٍ الزوجة تراقب ً
ثانية عددَ الزوج ليحصيُ البرودة ترجع إلى مالمحه فيرجع ولبقية التالميذ.
ّ ً
أسبوع كان ممتعا له ٌ روحه.
ً تلتقط عن األرض مؤخر َة ُ يمتعض ..أصابعه ُ سجائر علبته، ٌ ً ذقن ونصف سيجارة.
الضحكات التي أغاظتها ِ لم يسمع شيئا ،الزوجة سمعت تلك صباحا مدرسة دون دروس ،فقط اللهوُ في باحة المدرسة على زوج بعينين جاحظتين وبنصف ٍ ٌ
وتحركه أمام الزوجة، ّ كثيرا .السيجارة ُتخرج لسانها من فمها ً ً
اعتذار يشعلها ثانية ،وهو يصغي السيجارة المقذوفة ،وبال
ِ بصخب بين الحشود ٍ ومساء الركض ً الوطنية،
ّ صدى األغنيات يؤرقها نهدها شبه بوجه شاحبّ ،ٍ زوجة كوردة أصابها الذبول ٌ
ٍ
تهمس لها بثقة:
ُ ثم الصامتة في نشرة األخبار. ِ بعمق لتلك الصور في ساحة المدينة. بصمت في ٍ مرئي يجلس شبح ال
ٌ الطازج َّ
لقل ِة استخدامه،
ٍ ّ
ً
ـ إنه مغرمٌ بي ..أنت ال يح ُّبك ،سيتركك قريبا ..لقد تزوجني ّ أيضا يصغي منتظراًً شبح الزاوية الالمرئي -يكادُ يبكي -هو ُ ً
الالفتات -كما ظنّه -أعطاه واحدة ولم يسأله ثمنها ،رفعها ِ بائع تلك الزاوية ،وهو يصغي بكل خالياه ،وال شيء يجيده سوى
وسنعيش مع بعضنا إلى األبد. ً
شيئا لم يحدث بعد ليكتبه. سعيدا بعد أن فشل بإدراك معناها. ً اإلصغاء.
كالم
َ صدق ُ ّ
كلمة (األبد) ّأرقت روحها ،الزوجة تحاول أال ت ِّ رئيس
ُ ً
نظر إلى الشاشة مجددا ،داخلها ال يزال كان يتذكر عندما َ تجمدت أجسادهم مقابل شاشة التلفاز ،يترقبون بشوق الثالثة ّ
الشك يركلها بين جهاتها ،وهو يلهو بتقطيع ُّ السيجارة ،صار ـ5ـ يشرح لصديقه ،صورة بال صوت. ُ البالد أخبار
ِ اليومي ..نشرة
ّ الدرامي
ّ حلقة جديدة من المسلسل ٍ َّ
بث
أعصابها. الطفل يتمنّى من الصديق أن يفهم بسرعة ،من أجل المسلسل ُ وقت بثِّ
َ ً
هذا المساء كانت طويلة للغاية ،فمساحتها قد التهمت
الزوج عيناه الباردتان مصلوبتان على الشاشة ،الزوجة تنهض اسما ،ذات يوم انتصب على مستطيل المجلى، ً مرض ال يملك ٌ ساعة
ٍ مستمر منذ
ٌ الدرامي .لكنّه سرعان ما يئس ،فالشرح اليومي ..نشرة هذا المساء ،تغطي زيارة رئيس البالد المسلسل
ّ ّ
دفتر
َ ّ
الرف بحثا عن يقين ،تأخذ عن ً لتمشي حتى الخزانة حية ترزق،تخيلها بهدوء ثم همس «كوني» .ف ُبعثت الحفرة ّ ّ ً
تماما مثلَ الصديق ال يستوعب بسرعة.. َ ونصف ،ويبدو أنّ هذا بالد بعيدة. لرئيس في ٍ ٍ
تقلب صفحاته القديمة .على الصفحة األولى تقرأ اسم العائلةّ .. ً ً
عندئذ ق ّبلها المرض قبلة مقدّ سة ،مباركا بها والدتها على يديه! ٍ والده وسأله بغيظ:
ِ عندئذ استدا َر إلى ٍ صفه. خالدَ في ّ بعلبة التبغ ،يحصي سجائره ..يطمئن ،فيشعل ِ الزوج يعبث
حروف ِ زوجها ،على الثانية تقرأ اسمها .فتعجبها موسيقى المرض يتجوّ ل في أرجاء المطبخ ،مانحاًُ وبثياب عسكريّ ة صار ٍ وضعت اسم الرئيس داخل الصندوق؟ َ ـ األسبوع الماضي ..هل أخرى.
اسمها ،اسمُ ها الذي لم تسمعه في هذه الغرفة منذ زمن طويل. ً
الموجودة فيه وعدا بالغرق.
ِ كل األشياء َّ تساءل بحنق. صحن ً
الزوجة تصنع كأسا من شاي ثقيل ،تضعه لزوجها جانب
ِ
في الصفحة الثالثة تشاهد اسم السيجارة ،ترجع منكسرةً، كل األشياء كانت إذا سمعت وعودَ المرض بالغرق ،تمنحه كانت هذه السيجارة األولى في حياته ،يقذفها وربعها األخير َ تتأمل في فراغالسجائر ..ترجع حيث تجلس مكانها كما كانتّ ..
تعلق عينيها ثم ّيفوح من روحها المهجورةّ ، ُ وثم َة حزنٌ
لتجلس ّ حار ًا. ً
تصفيقا َّ لم يحترق بعد. كأس الشاي الثقيلَ ،
مثل كل محاوالتها السابقة، الجدار .فشلَت ُ
ضحكاتِ ً
الممتد على الجدار ،محاولة تجاهل صدى ِّ فوق الفراغ بقبضة مشدودة. ٍ ساعدُ األب ترتفع بأن ُتذكِّر زوجها بوجود شيء -في هذه الغرفة -اسمه زوجة!
السجائر. ـ6ـ ـ نعم ..نعم ..نعم… بحنق لينظر
َ الطفل يصل دمه حتى رأس أنفه ،يستدير رأسه ُ
ٍ
المرئي في تلك الزاوية من ٍّ شبح
ٍ بكاء خافت ،يصدر عن صوت ٍُ آلة ،تعلو القبضة ،تنخفض ..تعلو ،تنخفض ..الزوجة تراقب مثل ٍ إلى ساعة الجدار.
الغرفة. الرئيس لم يُ شعل حتى اآلن
ُ ـ مضت ساعتان من الشرح، ٌ
يجلس قربها ،بزاوية عينها ..سؤال من حيرة نبت ُ بريبة طف ً
ال ٍ ّ ُ
مرئي يلوكه الملل وكأنه قطعة اللبان شبح ال ٌ عند الزاوية
ّ
سيجارة! داخل رأسها: كمتسول ،أن يحدث شيئا
ٍ المفضلة عنده ،يناجي اللهَ في سرِّ ه
ـ7ـ عبر سحائب
عشق َ ثم أرسلت نظرة ُ
الزوجة هكذا باحت لقلبهاّ ، َ
شاهدت هذا الطفل قبل اآلن؟ ُ ـ أين ُّ
يستحق الكتابة. ما في هذه الغرفة
ٍ
الرئيس
ُ ُ
حيث الدخان من عينيها إلى شاشة التلفاز .هناك ـ أريد أن أنام.
لبعض األشياء صفة األبديّ ة: منهمك بال سجائر في الشرح لصديقه ذلك.
ٌ ُ
بغضب ثم استلقى هذا الطفل جانب الجدار ،على تمتم
َ
ٍ
ـ 12ـ ذات وجه الطفل ثيابا زاهية ،له ُ ً رشيقا يرتدي ً ً
جسدا شاب يملك
ٌّ
مصنوع من
ٍ رغيف
ٍ ذي الفراغات بين أسنانه .يتسلى بالتهام
ً
نائما فوق ٌ
فراغات بين أسنانه، شيء ما ..يشبه طف ً
ال ،لديه ٌ ُ
العبث بمكابحها لسيارة فارهة .يحلو له ٍ الشكوالتة خالل قيادته
ٌ
اإلسفنج .على فمه ترفرف ابتسامة هادئة. مركز لالقتراع، ً
ثم تتوقف السيارة أخيرا أمام ُ عند كل منعطفّ ،
ٍ
ُ ً
ذقن ،يشعل سيجارة ال يعرف بنصفِ ً
زوجا شيء ما ..يشبه ٌ بكثير من الهيبة. ُ
أحدهم يفتح له الباب ،فيترجل
ٍ ٍ
رقمها سوى الله. وبطرف قميصه يمسح آثار ِ انتخاب،
ٍ داخل المركز يأخذ ورقة
ّ ً
شيء ما ..يشبه زوجة ،تتوغل عيناها الصامتتان في فراغ ٌ الشكوالتة عن فمه .يتريّ ث فال يضع الورقة داخل ثقب صندوق
ّ
تتخيل نهدَ ها يمارس حقه في الحياة. ّ الجدار، قانون تجديد البيعة. َ ً
مخالفا بهذا األوراق ،يفتحها
ً
شبح ال مرئي واقف عند الزاوية ،ينوي الرحيل متأبّطا أوراقه ٌ ٌ ضرب على اسم رئيس البالد، ٍ بهدوء إشارةٍ ً
قلما ليرسم يمسك
الثالث. اليومي.
ّ الدرامي
ِّ ثم يكتب عليها اسم المسلسل
حضرة الصورة.
ِ على األولى :شرح أسباب التثاؤب في
الحلم الملوّ ث بالشكوالتة. َ كتب ذلكعلى الثانيةَ : ـ 10ـ
الطفل المشاغب.
ِ رسم حجم ابتسامة هذا ُ على الثالثة:
دارين أحمد
خطوات.
ٍ ً
ثم مشى سعيدا بضع ّ دت الجدران صدى ارتطام قطرة ماء ،هطلت داخل المطبخ ردّ ِ
عندئذ -وصدفة -تعرقل بصحن السجائر ،فسقط. ً ٍ عن الصنبور إلى أرض المجلى ..صنبور الماء.
لينكسر الشبح الالمرئي إلى جزأين: «تهطل قطرة ثانية».
األول تدحرج حتى دخل في رأس الزوجة. الجزء ّ يعاني من..
الجزء الثاني تدحرج حتى دخل في رأس الزوج. «تهطل قطرة ثالثة».
ُّ
مرض كثير البشاعة.. ٍ
كاتب من سوريا مقيم في تركيا «قطرة رابعة».
سالفوي جيجك
أممية جديدة
سالفوي جيجك ،وُ لد وكبر ودرس في العاصمة ليوبليانا .هذه المدينة المعروفة بصخبها الهادئ ،المُ حاطة بأنهار وبحيرات وبتاريخ
يحب هذه المدينة ،بل يمقتها!« ..أنا شخص غير اجتماعي .انطوائي .مثالً ،لم
ّ السلم ،قضى فيها حياته .مع ذلك ،هو ال
طويل من ّ
أحب هذه المدينة .أحمل أغوروفوبيا
ّ التاريخية في وسط ليوبليانا .ال أعرف أحياءها كما يجب .ببساطة ،اليسبق لي أن زرت القلعة ّ
ّ
تصفح اإلنترنت ،ومطالعة ً
نادرا .أقضي وقتي في البيت ،في القراءة أو في مشاهدة األخبار أو في الشارع إالّ
مزمنة .ال أخرج إلى ّ
موظف في قسم الفلسفة ،في الجامعة؟». أيضا يُ ضايقني .ال أستخدمه سوى في الضرورة» .أسأله «لكنك ّ ً ّ
الجوال ّ
الصحف .الهاتف
ست سنوات!».تخيل أني لم أضع قدمي في جامعة ليوبليانا منذ ّ يجيبني «صحيح ،ولك ّني أعمل بصفة باحث ولست مُ درّ ً
ساّ .
ً
جدارا بينه وبين األوساط ً
ناصبا هكذا إذن ،يعيش جيجك ،ملهم كثير من الحركات االحتجاجية في العالم ،في عزلة اختيارية،
الصغيرة وبعض الرّ فاق اليساريين القدامى .ويُ ضيف ً
أحدا في بيته سوى عائلته ّ الفكرية في بلده ،وفي أوربا إجماال ،ال يستقبل
ً
ساخرا «دانتي لم يكتب عن الجحيم سوى لمّ ا زار مغارات بوستونيا في سلوفينيا!» .هذه العزلة ال تقطعها سوى سفرياته العلمية
السياحية ،إلى دبي أو سنغافورا أو كوبا .لكن ،في الوقت الحالي ،هذه
السفريات ّ
إلى الواليات المتحدة األميركية عادة ،وبعض ّ
جيد لجاك الكان مثلي ً
أيضا دارس ّ السفر مع ابني -هو
أحب ّ
ّ السابق ،كنت ً
كثيرا ،يقول عن ذلك «في ّ السفريات صارت ال تغريه
ّ
وأهم ما أقوم به هو أن أشتري قرصا مضغوطا لموسيقى البلد الذي أزوره ،أو أدخل قاعة سينما لمشاهدة فيلم ّ ً
مدنا، أنا -ألكتشف
محلي .اآلن الموسيقى واألفالم صارت متوافرة على اإلنترنت ،نيويورك نفسها صارت ال تغريني ،العالم بات متشابها وممالً».
السابعة عشرة ،ثم تجربته الفاشلة فيلحظتان حاسمتان صنعتا حياة سالفوي جيجك :اختياره دراسة الفلسفة ،وهو مُ راهق في ّ
التقليدي .بدأ من ّ
تأثره بالفلسفة الفرنسية ،ومن قراءاته السياسة ،التي جعلته يُ راجع مسلمات قديمة ،ويُ فكّر في نقد جديد لليسار ّ
ّ
السلوفيني ،ثم يتعرّ ف،
الشيوعي ّللمحلل النفساني جاك الكان( .)1981-1901لينضم في أواسط العشرينات من عمره إلى الحزب ّ ّ
ويتم دكتوراه
ّ ّ
والمختص في فرويد)، في أوائل الثمانينات من القرن العشرين ،في باريس على جان آالن مييار (صهر جان الكان،
تحوالً
ّ السوربون ( ،)1986ويعود إلى سلوفينيا ،برغبة في بعث نقاشات فلسفية جديدة ،لكن البلد كان يعيش وقتها ثانية في ّ
ترشح لها سالفوي جيجك ،وهو في ّ
الثانية واألربعين من ً
جذريا ،فقد استقل عن يوغسالفيا ( ،)1991وعرف أول انتخابات رئاسيةّ ،
ً
مجددا ،ومقاطعة ً
–طبعا -وقراره الرّ اديكالي بعدم ممارسة ّ
السياسة السياسي ،انتهت بفشله ً
متحمسا وغير مكتمل ال ّنضج ّ العمر،
األول «العنصر األسمى والسياسيين في بلد األمّ .العزاء الوحيد له ،في تلك الفترة ،كان صدور ّ
الترجمة اإلنكليزية لكتابه ّ ّ السياسة
ّ
ً
ومرادفا للجدل« .الجدل» و«إثارة الدوائر الفلسفية األوروبية ،واألميركية، ً
محترما في ّ في األيديولوجيا» ،الذي جعل منه اسما
ً
مجنونا .ربما أنا كذلك .لكني أعتقد أنني شخص اإلشكاليات» هما خاصيتان في سيرة جيجك الفلسفية .يقول لنا «البعض يعتبرني
ً
خصوصا من اليسارّ ،
يتفقون معي في آرائي ً
أحيانا أ�صادف زمالء لي ،من مفكّرين أوروبيين، ّ
وأتكلم مثلما أفكّر. ساذج .أنا أكتب
في الخفاء ،لكنهم يحاولون تحذيري من الحديث عنها في العلن!».
والتسامح ،عن نقد الماركسية ومواجهةّ معني بالخوض فيها :عن العنف ّ يكتب جيجك في موضوعات راهنة كثيرة ،يشعر بأنه
التطرف واألديان ،عن ال ّنساء والحركات ال ّنسوية .كان صديقه المقرب الفيلسوف الرّ أسمالية ،عن الهويات وما بعد الحداثةّ ،
يفضل مصاحبة آالن باديو (.)1937- ّ الفرنسي جيل دولوز « ،»1995-1925واآلن
ً
أيضا. والسينما العربية
ّ سالفوي جيجك الفيلسوف والمحلل ال ّنفساني ،هو «سينيفيل» بامتياز .يُ تابع ما يصدر في دور ّ
السينما،
ّ
الحظ توجد أم كلثوم التي ً
مبتسما «لحسن السينما المصرية من أفالم تجارية بال معنى ،ثم ّ
علق أخبرني عن خيبته مما وصلت إليه ّ
شغل أغنية «األطالل» ،على الكومبيوتر ،من قرص مضغوط اشتراه من رام اهلل ،استمعنا -فقط -إلى مقطع من ُتعيدنا إلى مصر»ّ ..
ثم شرعنا في هذا الحوار..
بدايتهاّ ،
س.خ
ً
وجها لوجه أمام الحداثة اإلسالم لألجانب ،الذي استفاد العام الماضي من سوء تسيير ملف فوز ترامب ليس سوى كشف لألعراض المرضية ولضعف الرئيس األميركي
الجديد :قدت في األشهر الماضية حملة ضد ّ
الصادر العام الماضي ،عقب ّ الجديد :في كتابك، ً
جديدا؟ الالجئين في أوروبا ،لن يقدّ م ً
-دائما -أن الرسمي الوسطي .أحبذومحدودية اليسار الليبرالي ّ ً
–حديثا -دونالد ترامب! وصفته ﺒ«االنتهازي البذيء» المُ نتخب
االعتداء اإلرهابي على صحيفة «شارلي إيبدو» ،الذي حمل أستعيد مقولة الفيلسوف األلماني والتر بنيامين «خلف كلّ وتأسفت ،في الوقت نفسه ،من خيار ّ وﺒ«الرجل الببغاء»،
ّ
موسع
ّ مرة ،بشكلألول ّ
عنوان« :اإلسالم والحداثة» ،كتبتّ ، ً
ملموسا .ما حصل أن اليمين لم ً
شيئا ً
قطعا .لن يقدّ م جيجك: فاشية ،هناك ثورة أجهضت» .هذا هو التّ ناقض الكبير الحاصل ً
الشعبية ،التي وجدت في ترامب ناطقا باسمها .في الطبقات ّ ّ
عن اإلسالم .على ماذا تبني قراءاتك لإلسالم؟ من مجرد متابعة يطوّ ر أدواته وال خططه في العقود الماضية .بل اعتمد طوال اليوم في الغرب بأجمعه .في أميركا ،النّاس ال يؤمنون بتغيير األخير ،دونالد ترامب صار رئيسا ألميركا ،وتحذيراتك لم تجد
الراهن أم من قراءات للنّصوص األساسية في اإلسالم؟ّ المتطرف يُ حاولون
ّ الوقت على استفزاز اليسار .زعماء اليمين يفضلون االستقرار مهما كان ،ويفكّرون بأن ترامب ّ
يمثل قريبّ ، صدى لها..
كسب أصوات انتخابية بإخافة النّاس من موضوعات كالفاشية حالة التّ وافق المطلوبة.
ً
والعنصرية ..إلخ .ما يُ مكن أن أؤكّد عليه فقط أن هذه الوضعية جيجك :بطبيعة الحال ،أنا أتابع جيدا ما يحدث في العالم مفزوعا من فكرة أن يصير دونالد ً جيجك :في البداية ،كنت
اإلسالمي .لي أصدقاء في دولة مسلمة ،أتناقش معهم ،من حين ال للحزن ،ومخيفة في آن. مثيرة فع ً الجديد :صحوة اليمين في أميركا ،وتراجع اليسار ،قد يكون لهما ترامب رئيسا للواليات المتحدة األميركية ،واليوم يزداد فزعي
يتعلق باإلسالم وبراهن الدّ ول ّ كل ما إلى آخر ،وأستمع آلرائهم فيما الشمولية ،التي تلتهم ّ الرأسمالية ّ توسع نفوذ ّ ظل ّ في ّ انعكاس على أوروبا ،بالدّ رجة األولى .في الوقت الحالي ،تبدو من هذا األمر ،أكثر فأكثر .لكن بالمقابل ،أنا متفائل من أشياء
يتعلق باإلسالم ،مما كتبه مسلمون ّ كل ماوأيضا ،أقرأ ّ
ً توجب أوالً حماية الدّ ولة ،وتوفير استقاللية وسلطة اإلسالمية. تمر عليهّ ، ّ الربيع القادم!
مهيأة لتصير برئيس يمينيّ ،
فرنسا ّ مهمة .لقد فكّرت بيني وبين نفسي ،وآمنت ثانوية أخرى ،لكنها ّ
ً
كاملتين لها ،لتستطيع االلتزام بدورها وتقديم الخدمات أو غير مسلمين .ربما ستتفاجأ لو قلت لك إنّ واحدا من الكتب ً
المهم أن يفوز ترامب ويصير رئيسا ،ألن هذا األمر من ّ بأنه من
الصحة والتّ عليم ..إلخ .هذا األمر الذي التي قرأتها باهتمام -في الفترة األخيرة -هو كتاب لسيد قطب. األساسية للمواطن ،مثل ّ جيجك :بالتّ أكيد .اآلن ،المشهد واضح في فرنسا .من المنطقي ً
شأنه أن يشكّل سببا إلعادة التّ فكير في اليسار الليبرالي .رأيي
بالطبع. الطريق» .كما قرأت القرآن ّ ً
السابق ،بات غير ممكن تماما ،ألن الرأسمالية قرأت له كتاب «معالم في ّ كان متّ فقا عليه في ّ أن يدور الدّ ور الثاني من انتخابات الرئاسيات القادمة -ربيع يتغير ،لم يكن رأيي وحدي ،بل كثيرون ّ حول ترامب ،والذي لم
ً
ومهتم بقراءة نصوص تحليلية عن اإلسالم ،مثال ما يكتب ّ صارت «عالمية» ،وكل بلد يفكّر في عزل نفسه عنها سيسبب المتطرف وفرنسوا
ّ العام 2017-بين مارين لوبان ،زعيمة اليمين يُ قاسمونني وجهة النّظر ذاتها .ال أريد أن أذكر أسماءهم -اآلن-
الفيلسوف التّ ونسي فتحي بن سالمة. لنفسه مشاكل وأزمات. ً
-ظاهريا -وسط اليمين .برأيي أن فرنسوا فيون ،الذي ّ
يمثل المهمة من اليسار ،قالوا
ّ على التّ حديد ،ولكن العشرات من األسماء
ّ
يهمني أن أوضح بعض المعقد ،أنا لست أدعو إلى أن ننطوي على أنفسنا ،بالعودة إلى كتابي «اإلسالم والحداثة»ّ ، ّ أمام هذا الوضع فيون أسوأ من مارين لوبان بكثير .هو كاثوليكي مُ حافظ، لي في الخفاء «سالفوي ،نحن متّ فقون معك ،ولكن ال يجب أن
الشرق الرأسمالية ،األشياء .أنا ال أستسيغ هذه المواجهة المفتوحة بين ّ بل يجب أن نفكّر في خلق نسخ مُ قابلة للقوانين ّ الصعيد االقتصادي .هذه
يُ دافع عن قناعات نيوليبرالية على ّ نقول هذا الكالم في العلن» .هذا أمر غريب ،لكنه حدث فع ً
ال.
الشرق والغرب .وما هو واجب بالشيء ذاته ،قاومت والغرب .هناك تعارض رهيب بين ّ ال من سطوتها .هناك دول قامت ّ للحدّ قلي ً الحالة ،تذكرني برواية خوسيه ساراموغو «بصيرة» :حيث يمثل سوى «أعراض مرض» من وجهة نظري ،دونالد ترامب ال ّ
أكرر الكالم الذي يقوله الصين .لكن هذا علينا هو ابتكار تواصل بينهما .ال أريد أن ّ -إلى حدّ ما -تغوّ ل الرأسمالية ،مثل ماليزيا أو ّ يصوّ ت النّاس في مدينة بال اسم بورقة بيضاء في انتخابات، هيالري كلينتون .ترامب هو صورة عن األعراض المرضية
الثامن عشر أ
ظرفيا ،والواجب هو التفكير بجدية في «�ممية الجميع بأن اإلسالم كان جدّ متسامح! ..في القرن ّ ً ّ
سيظل ّ
الحل بسبب عدم رضاهم عن البدائل. يتمسك بها اليسار الليبرالي .عادة ،أنا
ّ والقناعات الخاطئة التي
ال ،كان األوروبيون مندهشين من التّ سامح الذي وجدوه عند جديدة» .أممية جديدة من شأنها أن تنقذنا .أممية من يسار مث ً أسمي األشياء بمسمياتها ،مهما كان رأي مخالفاً لست رجال ً
لبقاّ ،
وسطي .وال يجب أن تتبنّى الموضوع دولة واحدة لوحدها .المسلمين في تركيا وفي المنطقة العربية .كان الجميع هناك الجديد :برأيك أن هذا اليمين التّ قليدي ،المُ حافظ والمعادي الرافضة لترامب. ً
صريحا في آرائي ّ للغالبية ،لهذا كنت
كما كان سيحصل ربما في اليونان ،وهو خيار كان سيقودها يعيش في سلم :يهود ومسيحيون ومسلمون وغيرهم .هل
تعلم أن دوتي بوكمان ،الذي قاد ثورة للخروج من اال ّتحاد األوروبي ،وبالتالي
وقف سالفوي جيجك ( ،)1949-أمام
الزنوج في هايتي عام ،1791لتأسيس إلى مزيد من الخسارات الدّ اخلية ّ
يتصفح مكتبته في صالون البيت ،وهو
حرة في العالم ،كان يقرأ أول دولة زنوج ّ والخارجية .كانت ستدخل اليونان الثالثة» ّ
للصيني رواية «معضلة األجسام ّ
ّ
كارثة إنسانية ،فهي بلد فقير ،يستورد الرأسمالية صارت «عالمية» ،القرآن؟! كان القرآن كتابه المفضل. ليو سينجين .وخاطبني «أجدني أميل أكثر
ّ
وأقر به :هو أنه ّ ما يُ عجبني في اإلسالم، 70بالمئة من غذائه من الخارج. لمطالعة الرّ وايات البوليسية .هذا كاتب
وكل بلد يفكر في عزل صيني ،اكتشفته ،منذ أشهر قليلة فقط،
ليس دينا عائليا ،ليس دينا تراتبيا ،بل
هو دين للمحرومين .محمد نفسه عاش تصحح نفسه عنها سيسبب لنفسه ّ «أممية»
ّ الجديد :أنت تقترح
رغم أن الرّ واية صدرت منذ أكثر من سبع
كل أعمال سنوات» .ويُ ضيف «مثالً ،قرأت ّ
«األمة»
ّ يتيما .هناك من يعتقد أن مفهوم ً مشاكل وأزمات أخطاء األممية العمالية اليسارية ،أم
آغاثا كريستي!» .أ�حاول أن أجذبه نحو
في اإلسالم يطرح فكرة شمولية .كال، ال آخر في قطيعة معها ،أم تقترح بدي ً ّ
وأعلق «أنت تعلم أن آغاثا فضاءات عربية،
مهمة ،تعني ّ فكرة «األمة» هي فكرة جدّ «األممية»؟
ّ مسمىّ للعولمة ،تحت بعضا من أعمالها بين حلب ً كريسيتي كتبت
ً بجدية التفكير هو الواجب
فضاء اجتماعيا ،دون مرجعية ً أن نشكّل والموصل ،مطلع الخسمينات من القرن
«أممية جديدة» عائلية واحدة ،بعيدا عن التّ قاليد الملكية
ً جيجك :ما أقصده من كالمي هو في تأسيس ُ الماضي!» .يقول «نعم ،أعرف .لكنها كتبت
أيضا فصوال من رواياتها في سلوفينيا.ً
القديمة التراتبية. للرأسمالية «أممية» مضادّ ة ّ ّ تأسيس
كل عام وهو أمر ال يعرفه الكثيرون .كانت ّ
شخصيا ،واحد من مرجعياتي النظرية ً الشمولية .أن نتّ فق حول قانون ً
شهرا كامالً ،بالقرب من بحيرة بوهين تقضي
المهمة هو مالكوم إكس ،الذي اعتنق ّ اقتصادي دولي جديد ،يضع في ّ
الشهيرة».
األمة.
اإلسالم ،بعدما أعاد اكتشاف فكرة ّ أهدافه الحدّ من قوانين الرأسمالية.
يضيع وقتا في البحث في تاريخ ً ّ هو لم
ظاهريا ،لكن في ً الكونغو الديمقراطية .هي دولة أصوله وأصول أقرانه األفريقية ،فهم أن البيض قد قطعوهم عن
الدّ اخل ال توجد دولة بمعنى الكلمة .بلد يعيش في ً
مفهوما عزاء له في فكرة األمة ،باعتبارها
ً ماضيهم ،لذلك ،وجد
المسلحة .ذلك ،ألن الكونغو ّ ظل فقر وحكم الجماعات ّ ً
جامعا.
السوق االقتصادية العالمية: كلية في ّ مورطة ّ
ّ الديمقراطية أحيانا مع جان كلود ميلنار -الذي له قناعات مُ عادية ً أ ّتفق
مهمة،
فهي تتوافر على إمكانات زراعية ،وعلى مواد باطنية ّ لإلسالم -حين يقول إنه يجب على الليبراليين أالّ يُ عاملوا العرب
مثل األلماس ،الذهب والنّحاس والبترول .وهذا الوضع قد نجد خصوصا كضحايا سلبيين! حتى داعش، ً والمسلمين والالجئين
شبها له في أمكنة كثيرة أخرى. ّ
وما تقوم به ،هي ليست سوى ردّ ة فعل .ال بدّ أال ننسى أنه إلى
تتحرر قط .خصوصاً ّ المستعمرات القديمة لم
ّ يبدو أن بعض السبعينات من القرن الماضي ،كان يوجد يسار عربي جدّ غاية ّ
أراض زراعية ٍ حين نعرف أن دوال عربية أو آسيوية تشتري الشيء المحزن اليوم في البلدين اللذين قوي ،الئكي ومسلمّ .
ّ
ال ،لتوفر زراعة خصوصا في أفريقيا ،في الصومال مث ً ً فيها، هما بصدد التغيير أو االختفاء :العراق وسوريا ،أنهما كانتا من
غذائية لها ،وتبقى تلك الدّ ول -بالتالي -تحت سيادة أجنبية. أهم الدّ ول الالئكية .طارق عزيز وزير خارجية صدام حسين ّ
نحن نعلم أن المستعمر القديم ارتكب فظاعات .في الهند ،على كان مسيحيا ،وكان يوجد تسامح مع االختالف .هذه هي ً
خفيا على أحد المجاعات التي حصلت ً سبيل المثال ،لم يعد السياسية التراجيدية ،التّ دخل األميركي في العراق المفارقة ّ
يكرس الفوضى التي في الماضي .اليوم االستعمار االقتصادي ّ مهمة.
حطم أشياء كثيرة ّ ّ
الصراع الجيوسياسي الحاصل .لو عُ دنا إلى التّ دخل ُتضاف إلى ّ
ً
محقا في العسكري في ليبيا ،سندرك أن العقيد معمر القذافي كان تبرئ التّ اريخ اإلسالمي ،وما حصل فيه من
الجديد :أنت ّ
حذر أوروبا من النّتائج المحتملة كالمه .في أيامه األخيرة ،كان يُ ّ فظاعات في الماضي ،مما يحدث من عنف باسم اإلسالم اليوم؟
واقعا .ويحصل األمر ً من الحرب على ليبيا ،وتحذيراته صارت
نفسه في سوريا والعراق .إنها جريمة قام بها الغرب. جيجك :برأيي ،لن ينفعنا البحث عن أسباب األصولية ،في
برأيي ،من الخطأ أن نحصر ما يحصل في فظاعات في مسألة الدّ ول العربية ،في القرآن ،وال في النّصوص التي تلته .سنجد
الحل الوحيد للخروج من األزمات التي نحن فيها هو ّ إنسانية. ً
عنفا مماثال .األزمة السماوية
كل الكتب ّ كل األديان وفي ّ
في ّ
العامة .الغربّ إعادة التّ فكير في اإلحداثيات الجيوسياسية الشمولية ،هذا هو حقل البحث الرأسمالية ّ
الحقيقة هي في ّ
كثيرا ،بشكل مبالغ فيه ،في دول عربية ،وعالمثالثية. ً ّ
يتدخل األساسي للتحليل النفسي.
ً
الحظ ما يحصل في حلب .في سوريا عموما ،هي حرب
مفتوحة على ّ
كل القوى. غزو الالجئين للدول االستعمارية
الجديد :أثرت جدالً ،هذا العام،
ً
خصوما جددا لك ،حين الجديد :كسبت بأحاديثك في موضوع الالجئين في
طرحت مفهوم «عسكرة الالجئين»، الرأسمالية توزع
السلطة ّ
ّ أوروبا ..أال تعتبر أن هذا اللجوء ليس
وهو مصطلح أثار جدال وما يزال ،تحوّ ل ّ
«متأخرة» من نتائج سوى نتيجة
الخدمات واألدوار على
إلى سوء فهم .ماذا كنت تقصد من هذا االستعمار األوروبي ،في العالم الثالث
المفهوم تحديدا؟ النساء لتحقق مكاسب لها ً
تحديدا؟ يبدو ً
عموما ،والدّ ول العربية
من ورائهن أن المستعمرين القدامى تبرؤوا من
جيجك :لم أقصد من مفهوم «عسكرة واجبهم أمام الوافدين من المستعمرات
الالجئين» أن نستخدم العسكر لحماية القديمة..
أدعو إلى تدخل العسكر
حدود أوروبا ،كما فهم البعض .طريقة
التّ عامل مع ملف الالجئين كانت كارثة. لتنظيم حركة الالجئين جيجك :صحيح .أ ّتفق مع قولك.
الشاشات تتناقل صورا ولقطات كانت ّ هي أيضا ظاهرة ناتجة عن تحوّ ل ما
لمئات اآلالف من األشخاص وهم ً
طبعا ،ال يوجد اآلن استعمار حصل.
يعبرون حدود دول أوروبية ،بطريقة مباشر ،بل هناك استعمار اقتصادي
فوضوية .وهو ما استغله اليمين لكسب أرعن وطائش ،في العالم ّ
الثالث.
نقاط إضافية له في العمليات االنتخابية. النّموذج األمثل عن كالمي هو دولة
الجديد :الالجئ المُ سلم حين يصل إلى أوروبا ،بعد رحلة ّ
شاقة، تدخل العسكر لتنظيم حركة الالجئين، من جهتي ،كنت أدعو إلى ّ
أحيانا ،سيجد نفسه عرضة للكليشيهات ،والقوالب ً ومميتة ووضع سبل من شأنها أن تسهّ ل عملية تنقلهم.
للسخرية وللنّكت ،كما لو أنه نسخة مُ طابقة للمهاجر
الجاهزةّ ، أنا أرفض الممارسات التي ُتفرض على الالجئين ،المحاورات
اليهودي في أوروبا بداية القرن العشرين. حجة مُ حاولة فهم مدى التي يخضعون لها -باستمرار -تحت ّ
للثقافة األوروبية وللدّ ين المسيحي ..إلخ .هذه مالءمتهم ّ
جيجك :هذا صحيح إلى حدّ بعيد .مع أن اليهودي كان ينظر الطريقة الكارثية التي تعاملوا فيها مع ممارسات ال تعجبنيّ .
ً
شخصيا ،ال أحبذ هذا المنطق التّ عاطفي كعدو داخلي.ّ إليه الالجئين ساهمت في إنعاش العنصرية المضادّ ة لالجئين وكره
ّ
السلبي مع الالجئين ،وال أتفق مع من يُ نادون لضرورة فهمهم ّ األجانب .كان يمكن تجنّب األمر بتنظيم العملية ،بشكل أكثر
السلبية .هذا استفزاز ليبرالي ال
ودمجهم ،وغيرها من المرادفات ّ المرات التّ قسيمات التي ُفرضتعقالنية .الحظت في كثير من ّ
إلي ،التّ سامح األصلي بين ّ
الثقافات هو أن نتق ّبل أكثر .بالنّسبة ّ على الالجئين أمام إدارات أوروبية :هذا سوري يحمل شهادة
ّ
اآلخر دون أن نح ّبه بالضرورة .أن نتق ّبل العيش معه .إذا وافقنا جامعية ،إذن له قابلية لالندماج ،هذا من أفغانستان إذن يجب
منطقهم هذا يعني أننا إذا لم نفهم الالجئين يعني سنطردهم! السنة الماضية في كولونيا عزله عن البقية ..مع ما حصل ،مطلع ّ
مهما أن نفهمهم ،بل يهمنا أن نتعايش معهم وفقط. ً كال .ليس بألمانيا ،كان من األفضل دعوة البعض من الالجئين للتّ لفزيون
فضاء مشتركا ،يمكن أن نضع ً التّ عدّ د الثقافي يعني أن نفرض مثال للحديث إليهم ومنحهم فرصة لعرض وجهات نظرهم.
الشروط ال أكثر ،ال يجب أن ننسى أن في فيها الحدّ األدنى من ّ المشاكل الحقيقية يجب مواجهتها ،بشجاعة وواقعية.
أوروبا نفسها هنالك أوساط تتعامل بأصولية أكثر مع حرية ّ
هناك من يعتقد أن الالجئين في أوربا أناس غير متحضرين.
ال .ما أالحظه أن هناك معاملة مُ هينة لالجئين تفتح المرأة مث ً يخص الالجئين العرب وحدهم ،لقد شاهدت ّ هذا األمر ليس
المجال للعنصريين وللمعارضين لالجئين. ّ
بنفسي حاالت شاذة من مهاجرين مكسيكيين في كندا ،شاهدت
عنفهم الذي ال يتصوّ ره عقل ضد النّساء .برأيي ،أوروبا بإمكانها
أجرى الحوار في سلوفينيا :سعيد خطيبي استقبال عدد أكبر من الالجئين العرب ،دون مشاكل ،لو فكرت
فقط في تنظيم العملية ،بشكل مختلف.
قصيدة تونس
مريم حيدري
أصوات
تدعو الكتاب والمفكرين العرب دورها المفترض في النسيج المجتمعي ،وقد تم التوليف على
إلى المشاركة في محاورها وملفاتها القادمة عجل في بدايات الثورة الفلسطينية بين السياسة والثقافة محمود السرساوي
التي تحيل إلى رؤية حضور الثقافة في حضور مرآة القيادة
السياسية التي ترعاها أو تنبذها حسب القدرة على استمالتها
أو مقاومتها لالحتواء لكنها عموما نجحت في تدجين أغلب
كيف نكتب لألطفال؟ المثقفين الذين أمسوا مجرد موظفين إعالميين لدى هذا
ملف حول الكتابة العربية للطفل الطرف أو ذاك فوزعت األلقاب على المبدعين وأمست الكثير
تفصل نفسها على مقاس الخطاب السياسي وغدا من النصوص ّ
المثقف التنظيمي ماركة مسجلة ،واختلط الحابل بالنابل في
العربي
ً تيارات التفكير تقييم وتقويم اإلبداع ،فحمل اإلعالم بعض األسماء وغيب
ظهورا ومدا وجزرا بعضها اآلخر ،ولم تستطع النوايا الحسنة هنا وهناك لدى هذا
الفصيل أو ذاك من انتشال الحالة والمساهمة في إنجاز مشروع
حال الكتاب العربي ثقافي فلسطيني.
وقد أعيتنا كثرة الخطابات الفاقعة عن الجبهة الثقافية والقلعة
كيف تنشر الكتب
األخيرة وسدنة المبادئ دون أن تتحول هذه اإلنشائيات إلى
في العالقة بين الكاتب والناشر والقارئ برامج عمل أو تأخذ على األقل بيد المبدعين وتحفظ لهم افتقادها يفتقد مبرر وجوده .وهذه العالمة تقودنا إلى أهمية أضحت مقولة المثقف شلوا من زمن مضى بعد أن
ربما
الحد األدنى من العيش الكريم .وبالعموم اتحاد كتاب الداخل وجود الحامل المؤسساتي المستقل مدعوما بالمشروع بددت معالمها المتغيرات التي عصفت بالمنطقة،
االستبداد الشرقي الفلسطيني مثال للداخل وحفالت التكريم لمثقفين من خارج التنويري وكالهما مرتبط باألفق الوطني وانفتاحه على تالوين وأطاحت بفعاليتها حالة التراجع واالنكفاء لألحزاب والتيارات
دور الحاكم المستبد األرض المحتلة على سبيل المثال وليس الحصر هي مبادرات النسيج االجتماعي وأطره الفاعلة داخل فلسطين وخارجها في التقدمية عموما واليسارية منها على وجه الخصوص ،لكن ذلك
في صناعة االستبداد الديني فردية من شعراء أو كتاب باألصل وليست نهجا جماعيا، منظور سياسة ثقافية تحدد األولويات وتضع البرامج والخطط ال يعني طمس الداللة والبحث المستمر في الدفاع عن المعنى
وتقتصر عادة على شخصيات تخطت الستين من العمر وبعضها واالستراتيجيات. وأسبقية المقولة على سواها من توصيفات تقنية الطابع
لم يحالفه الحظ إال وهو على فراش الموت ،أما اتحاد الخارج صحيح أن الواقع الفلسطيني كان وال زال ال يشير في أغلبه وشكالنية الدور وذاتية االستهداف كاستبدالها بالمفكر مثال.
الشعر والتجريب فيعتاش على فتات من يناصره في ظل بنى تدعو لألسى على هذه العالمة وال يدعمها لكن ذلك ال يعني استسالم المثقف وهي دعوة خادعة وتنطوي على انتهازية فاضحة في سلخ
هل وصل التجريب الشعري العربي واألسف معا. -مجازا -للسائد وتعزيز اطمئنانه المزور ووعيه المستتب ،لقد الثقافة عن نسيجها االجتماعي والسياسي و اقتصار عمل
إلى حائط مسدود يأتي األسى من افتقادنا للمؤسسات الثقافية الحقيقية الجامعة أوجد الخطاب األحادي شمولي الدعاوي نوعا من المثقفين الوعي المفارق مجازا على اإلنتاج المعرفي الخاص بمالكه دون
واعتبارها حلقة مركزية متالزمة مع المشروع الوطني ،ويجيء الكسبة -ضمن منظور التابع والمتبوع إذ األحادية أنتجت التالزم العضوي بين النظر والعمل وسياقات األهداف المراد
األسف من تكرار واستنساخ األخطاء الكبرى في حقل السياسة أشكاال من «الحول الفكري» إذا صح التعبير -تلغي من تشاء تحقيقها .وتأخذ القضية أبعادا جديدة في صورتها الفلسطينية
الكتابة واألنوثة
قبل الثقافة أيضا. وتحضر من تشاء أيضا ،وهذه اإلقصائية وليدة تربية طويلة في ظل حالة التشرذم واالنقسام واالقتسام التنظيمي التي
هل تكتب النساء العربيات بلغة الرجل
صحيح أننا نعتز بأسماء بارزة في حقل إبداعنا الفلسطيني ،لكن من الخندقة السياسية واالحتراب التنظيمي ال تسمح بتعددية تسم المشهد الراهن ،ويغدو الحديث عن الثقافي أكثر صعوبة
أم أن اللغة بال جنس
ذلك ال يعني وجود مشروع ثقافي ناظم في الحالة الفلسطينية في الثقافة تقارب التعددية في الحقل السياسي -إن وجدت- من ذي قبل أمام محاوالت إعادة النقاش عموما إلى عتبة
التي ال تنفصل بالتأكيد عن الحالة العربية ،وإذا كنا نتحدث عن ما يمكننا هنا من الحديث عن بنية ال تختزل بقصرها الحقيقة الطائفة والعشيرة واألهل ،فكيف ونحن ال زلنا في مرحلة
توصيفات عامة فذلك ال يعني عدم تسمية األشياء بمسمياتها على مالكها األمير أو األمين أو الزعيم أو السيد الذي يختصر المشروع الوطني التحرري ونتحرك في حقول مابعد مفاعيل
الصحافة الثقافية العربية الحقيقية إنما االختزال والتكثيف للتوصيف هنا مقصده إفساح الوطن والشعب في وجوده ،بل بتبديد إنجازاتها أيضا في أوسلو ونتائجه ..إنما في الحاالت جميعا ال يلغي ذلك أن السياق
أحوالها ،توجهاتها ،عالقتها بالكتاب والقراء المجال أمام حوار ال يتغنى بالثقافة كخندق أخير بعد أن يخسر حقل السياسة قبل الثقافة ،التي تبدو تحصيل حاصل أو مجرد النظري للثقافي في عالقته مع السياسي تفترض تكامال في
كل حلقاته األخرى ،كما فعلنا ونفعل عادة ،ولكن حوار حقيقي هوامش على دفتر اليومي السياسي. الدور والقيمة والمعنى ،يأخذ فيه المثقف مكان المرشد
خالق يعيد قراءة التحديدات من جديد في ظل حالة خاصة لقد تمت عملية إفساد طويلة للحالة الثقافية بدءا من ربطها للخطاب السياسي وليس تابعا أو هامشا من هوامشه ،يقتصر
وشديدة الحساسية تعيشها المنطقة العربية عموما وقضيتنا بمشاحنات وتفاصيل اليومي السياسي ومغانمه وامتيازاته عمله على تسويق الخطاب السياسي وإيجاد المسوغات
الوطنية منها خصوصا. وليس انتهاء باختزالها ضمن المقروء والمكتوب وتحويلها لممارسته العملية وتجميل قباحة أخطائها -إن وجدت ،-ويعني
كاتب من فلسطين مقيم في بيروت إلى مجرد حالة شكالنية لمجموعة تتبادل فيما بينها نتاجاتها ذلك أن تحديد حضور الثقافي يتم بعالمته النقدية التي في
ذكورة وأنوثة
جدل الكتابة والمرأة
والمجتمع والتغيير
تسلط مقاالت هذا الملف الضوء على جملة من القضايا المتصلة بالمرأة والكتابة واألنوثة
والمجتمع .وبالتجليات األبرز التي ع ّبرت من خالل األدب الذي كتبته نساء من العالم العربي،
عن حلم المرأة في التحرر من قيود المجتمع ،واالنفكاك من األسر الطويل لألنوثة في صيغ
المجتمع ،ومغادرة الهامش الذي أسر صورتها وحدد إطار حركتها ،ورسم لها األدوار ،وأنتج
ً
وسياسيا (من البنى القيم المتصلة بها في مجتمع شرقي مضطهد جغرافيا (من الغرب)
الحاكمة) ،ويتميز أفرادا وجماعات بذكورية مفرطة ويدين لقيمها بصورة شبه مطلقة.
ً
فكريا ،وتصلح ،على اختالف تنطلق مقاالت هذا الملف من موضوعات تشكل مجتمعة نسيجا
مستويات التناول وزوايا النظر ،مادة للنقاش حول تجليات األنوثة وقضاياها وصورها في
األدب الذي تكتبه المرأة اليوم ،وكذلك في النصوص الفكرية التي أنتجتها المرأة في إطار
معركتها التحررية ،ال سيما منذ النصف الثاني من القرن العشرين وإلى اليوم .وتذهب بعض
الموضوعات إلى المقارنة بين النصوص الفكرية التي أنتجها مفكرون ناصروا النساء في
معاركهن التحررية في النصف األول من القرن العشرين كقاسم أمين وذلك في سياق ما عرف
بحركة اإلصالح والتنوير ،وبين نصوص فكرية أنتجها مفكرون تقدميون معاصرون لنا اليوم.
“الجديد” تعتبر هذا الملف مناسبة مفتوحة ،ودعوة موجهة لألقالم العربية نساء ورجاال
الستئناف النقاش في صلب القضايا التي تشغل الفكر العربي وتتصل بواقع المرأة العربية
وبمكانة األنثى واألنوثة في الثقافة واالجتماع على حد سواء ،في زمن عربي عاصف
تتضاعف فيه الحاجة إلى جدل متعمق من حول القضايا الكبرى وفي المقدم منها قضايا
المرأة في الثقافة واالجتماع
قلم التحرير
محمد الوهيبي
ذكورة وأنوثة
محمد الوهيبي
أصوليتين
ّ مفهوم التحرر النسوي على محك
خلدون الشمعة
في الكالم السائد على مفهوم التحرر النسوي في المجتمع العربي التباسات
جربان هداية
أود بادئ ذي بدء أن أوجزها في أربعة:
األول ،هو أن مفهوم التحرر النسوي بعد مرور أكثر من قرن على دعوة قاسم
أمين ،مازال معياريا وليس وصفيا .والمفهوم المعياري كما نعلم يتصل بالقيم
التي يع ّبر عنها بأفعال يجب وينبغي ويتعين .فهي ال تبحث بوصفها مسألة
اجتماعية بحتة ،وإنما هي قيم ذات محمول ديني وعاطفي .وبعبارة أخرى
فإنها سرعان ما تحيلنا ،شئنا أم أبينا ،إلى أصوليات مرجعية نصية الهوتية
ويقينية.
وبهذا المعنى فإنها تتسم بقداسة وممانعة ،وتشير إلى حقائق ناجزة ومقطوع
بصحتها.
هل يمكن التحديث دون تغريب؟ الثالث ،هو أن تكوين مفهوم عقالني مشروع التحرر النسوي السائد،
إن
هذا السؤال ظل مطروحا في جوهره منذ للتحرر النسوي ،مازال على الرغم من بسبب من محموله القداسي في
األفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين حتى مرور عقود على تجربة قاسم أمين ،غائبا األصولية الدينية ،والعاطفي في األصولية
اآلن. أو شبه غائب عن ميدان العلوم اإلنسانية األيديولوجية ،غالبا ما ينظر إليه بعيدا عن
ثم ما طبيعة المرحلة التي وصل إليها العربية .بل إن ربع القرن األخير شهد بروز المفاهيم الوصفية التي تحسن التمييز بين
مشروع التحرر النسوي؟ لعل من أبرز المرجعية النصية الدينية ،بحدودها المرنة «الحقائق» و»القيم» .بل إن الخطاب
مالمح هذه المرحلة ،انحسار الدور الذي والمتشددة ،باعتبارها مرجعية مشتركة في األصولي بشقيه الديني والقومي أو
سبق أن لعبته العلمانية بصيغها القصوى .بل الخطاب األصولي السائد حول المرأة ،دينيا الماركسي ،يخلق بذلك حالة من التماهي
إن مصطلح «المجتمع المدني» الذي تمليه كان أم قوميا أم ماركسيا. بين الحقائق التي يفترض أنها قابلة للنقض
الواحدية النصية. من جميع أشكال السيطرة التي تمارسها «من الضروري أن نفهم أن أهم نضال ّ
محل ضرورات العولمة هو الذي ّ
حل اآلن -2- أو التفكيك أو البرهان وبين القيم العاطفية
وعلى الرغم من أن نوال السعداوي تصف المصالح الرأسمالية».)2( تواجهه النساء في البلدان العربية العلمانية على إيقاع ارتفاع وتيرة الخطاب في هذه االلتباسات الثالثة يكمن التحول النصية
ّ التي ال تحيل إال إلى مرجعيتها
في الفصل األول من الكتاب نفسه التعذيب داللة هذا الكالم هي تأجيل القيام بمشروع اإلسالمية ال يتعلق بالفكر الحر الذي يقف األصولي .وخير ما يعبر عن هذا التحول الخطير الذي طرأ على مفهوم التحرر النسوي أي جدل أو
وبالتالي فإنها تظل ممتنعة على ّ
الجسدي والنفسي الذي عانت منه عندما التحرر النسوي حتى إشعار آخر ..وربطه في مواجهة اإليمان الديني ،أو بالحقوق الذي أصبح فيه الخطاب النسوي يستمد في المجتمع العربي ،وهو تحول اعتُ بر ضربا جدال.
أجريت لها عملية ختان وهي في سن تحديدا بإنجاز مشروع كبير غير قابل النسوية كما تفهم في الغرب أحيانا في النصية
ّ مرجعيته من نصية قد ال ّ
تمت إلى ّ من «النوستالجيا الجماعية» )1( نحو إعادة وتكمن خطورة هذا الخطاب في كونه
السادسة ،وما تبع ذلك من عواقب الزمتها لإلنجاز إال بعد مرور عقود وعقود ،وتعني مواجهة الشوفينية الذكورية .بل إن هذا الدينية بصلة مباشرة إال أنها تحاول إيجاد
ّ صياغة العالم وفق وحدات أبسط وأقل أحاديا ينكر التعددية .فهو خطاب تحريك
طيلة حياتها الجنسية فإنها تعلن في مقدمة الكتابة عنه حلم التخلص من سيطرة النضال ال يستهدف التصدّ ي لبعض المظاهر المبررات لهيمنة الخطاب األصولي الديني، تعقيدا. وتبشير بقدر ما هو خطاب سلطة الهوتية
الطبعة اإلنكليزية أن النساء في أميركا الرأسمالية. السطحية لخصائص التحديث في العالم المقدمة التي كتبتها باحثة جادة هي ما أسباب هذا التحول؟ وهل يمكن إنجاز مسبق الصنع .بل إنه سرعان ما يتحول إلى
وأوروبا يسارعن إلى إثارة الضجيج دفاعا ولهذا السبب بالذات فإنها تتجنب االعتراف والغني ..إن النضال الذي يُ خاض هو
ّ النامي الدكتورة نوال السعداوي للطبعة اإلنكليزية مشروع التحديث بدون البضاعة الفكرية سالح سياسي يستخدم لفرض أخطر أنواع
عن ضحية الختان ،وأنهن يكتبن المقاالت بوجود مجابهة بين الدين الذي يرفض مبدأ في جوهره ،محاولة لضمان قيام الشعب من كتابها »The Hidden Face of Eve« :فهي الغربية التي الزمته والتي تنتمي إلى ما بعد الرقابة وأشدها توقا إلى ممارسة قمع الرأي
الطوال ويلقين الخطب في المؤتمرات. التعددية وبين الفكر المتحرر من قيود العربي بالتخلص مرة واحدة وإلى األبد تقول فيها بالحرف: عصر األنوار؟ اآلخر.
عليه الخطاب األصولي والمرجعية النصية ومتبوع. االختالف بين الذكورة واألنوثة يسير تعتبر من قبل شعوب الهامش بمثابة آلية البلدان المستعمرة على أساس نظرية تقول «من الطبيعي إدانة ختان البنات ..أنا
تجاه المرأة ،مازال يصر على الفصل بين في ضوء ما تقدّ م يمكن أن نطرح السؤال إلى وجود جوهر بيولوجي وسيكولوجي «ميكانيزم» عالمية تكفل تحقق التطور المثاقفة.)5( ضد الختان والممارسات الرجعية القاسية
المبادئ العقلية وبين الحداثة .فهو ينظر التالي :ما خصائص الخطاب األصولي تجاه مختلف للمرأة وبالتالي فإن ذاتيتها تقف االجتماعي واالقتصادي ،غير أن القومية يرى بهرنت أن البلدان النامية تمر بفترة األخرى ،ولكنني أختلف مع النساء في
إلى هذه الحداثة المؤسسة على العقالنية المرأة العربية اآلن؟ التغير التاريخي أو
ّ خارج احتماالت التي يفرزها هذا الضرب من الدولة ال تنفع تحول ديناميكي ثقافي تتسم بعدم أميركا وأوروبا اللواتي يركزن على قضايا
بوصفها سلعة ناجزة ،يكتفي باستهالكها. من المعروف أن النص ،والحدث التاريخي، االجتماعي ،أو تصبح بعبارة أخرى مسألة إال باعتبارها «وسيلة جاهزة دائما لصرف االستمرار ،وتعتمد على عمليات مثاقفة كختان الفتيات ويعتبرنها دليال على القمع
فحداثته إذن حداثة سلعة مبتورة عن والمؤسسة ،كل ذلك يعتبر ضربا من ضروب غير قابلة للحل. انتباه الجماهير عن مشكالت حكوماتها غير يمكن التمييز فيها بين نموذجين: الهمجي الذي تتعرض له المرأة في البالد
مرجعيتها العقالنية ،حداثة النتيجة وحدها
ّ الخطاب .وبعبارة أخرى فإن المرجعية وفضال عن ذلك فإن هذه «الجوهرانية» المحلولة وإخفاقاتها ونكساتها». األول يدعوه بـ»مثاقفة المحاكاة السلبية»، األفريقية والعربية فقط».)3(
وليس السبب والنتيجة معا ،فكأنها معجزة النصية التي صاغت الخطاب األصولي
ّ تمضي في حاالتها القصوى إلى أبعد من وأخيرا فإن هذه القومية «كثيرا ما تميل إلى والثاني يدعوه بـ»المثاقفة التوفيقية هذا الخطاب االعتذاري الذي يبرر تجاهل
ليس غير. صارت في هذا الطور النكوصي من تجربة مفهوم االختالف بين المرأة والرجل تمجيد العادات والتقاليد المحلية بطريقة اإليجابية». ظاهرة ختان المرأة واعتبار حلها جزءا
يحسن هنا أن نستعرض بعض المحدّ دات التحرر النسوي العربي تؤكد على عالقة وتعتبره ضربا من المغايرة ()Otherness شوفينية». وهو يرى أن القومية في العالم الثالث هي من عملية التحرر النسوي ينطوي على
التي تتعلق بمفهوم التحرر النسوي في التزامن بين التمثيل وبين الواقع ،بين النص الكامنة في طبيعتهما الجوهرية التي تجعل هذا التمجيد األعمى للعادات والتقاليد تكيف قائمة على المحاكاة
حصيلة عملية ّ تفسير واحد مفاده أن تجنب نشر الغسيل
ضوء عالقته بالخطاب األصولي السائد، وبين آثاره المتمثلة في السلطة والتبعية المرأة هي اآلخر أو الغير بالنسبة إلى الرجل، المحلية بال تمييز هو بمثابة رد فعل يسعى يقوم بها من يدعوهم بـ»شعوب الهامش» الوسخ أمام أعين األجانب يبرر الدفاع عن
والتي أوجزها فيما يلي: والجنوسة. والرجل هو اآلخر أو الغير بالنسبة إلى إلى إيجاد عالقة تواصلية مع األمر الواقع مقابل «شعوب المركز» األوروبية. ممارسات قبيحة فضال عن االعتراض على
أوال :بدأ التحرر النسوي مع عصر النهضة المرأة ،ولهذا فعدم المساواة بين الجنسين ال بمساوئه وحسناته ،والمحافظة عليه بدال استخدام وصف المجتمع الهمجي.
بداية مطلبية ذات مضمون اجتماعي، يكون حصيلة لعملية تكييف اجتماعي فقط من تغييره .كما أن هذا اإلفراط في التمجيد وفي مكان آخر من مقدمة الكتاب تقول
واعتبر أن االختالف الجنسي البيولوجي هو يتأسس كذلك على مفهوم «القوامة»
ّ بل يقترن عادة بمحاولة استعادة الماضي «الثورة في إيران هي في جوهرها سياسية
الذي يحدد التمايز االجتماعي الجنوسي. المغايرة التي يمارسها البيولوجية أو ميل الذكر الطبيعي إلى أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء باسم من أبرز مالمح هذه واقتصادية .إنها انفجار شعبي يسعى
ثانيا :تطور مفهوم التحرر النسوي في السيطرة على األنثى واستغاللها واعتبار استرداد العصر الذهبي .ويقابل ذلك في لتحرير شعب إيران رجاال ونساء ،وعدم
األب أو األم أو المرحلة ،انحسار الدور
خطاب أيديولوجي متزامن مع العلمنة اختالفها مغايرة ثابتة ال زمن لها وال تاريخ. الخطاب األصولي الديني طرح مسألة إرسال النساء إلى سجن الحجاب والمطبخ
التي شهدتها الدولة العربية الحديثة بعد اإلمبراطورية هي جزء من ومن جهة أخرى فإن المغايرة بمعنى اختراع استعادة عصر السلف. الذي سبق أن لعبته وغرفة النوم».
االستقالل. خطاب السلطة والهيمنة. الغير ( Otheringحسب مصطلح غياتري لنلق اآلن نظره على هذا التماهي بين العلمانية بصيغها تعلق مراجعة الكتاب على هذا الرأي بقولها
ثالثا :شهد الخطاب األصولي صعودا كما تعتبرها عملية إقصاء سبيفاك) هي بمثابة عملية خلق اآلخر في األصوليتين الدينية والقومية أو الماركسية،
ّ القصوى .بل إن مصطلح «إن بوسع المرء على أقل تقدير أن يالحظ
استثنائيا مع نجاح الثورة اإليرانية .وأعقب الخطاب اإلمبريالي. ونحاول وضع مفهوم التحرر النسوي على أن الحقائق لسوء الحظ تناقض تأويل
لآلخر تقوم بإنتاج اآلخر «المجتمع المدني» الذي
هذا الصعود تراجع مستمر في إنجازات ترى سبيفاك أن المغايرة التي يمارسها األب محك خطابهما المشترك وما ينطوي عليه
ّ سعداوي لإلسالم».)4(
التحرر النسوي التي أصبحت ترتبط ارتباطا المستعمر على أساس أو األم أو اإلمبراطورية هي جزء من خطاب من إشارات. تمليه ضرورات العولمة، ال يعنينا في أمر هذه الطروحات أنها تكشف
وثيقا بفكرة التحرر السياسي الشامل. أنه يمثل في الخطاب السلطة والهيمنة .كما تعتبرها عملية إقصاء هناك حسب الدراسات النسوية نوعان من ّ
محل العلمانية على ّ
حل عن وجهات نظر مختلفة إزاء الثورة في
النصية الدينية وبروز
ّ رابعا :كان لعودة الكولونيالي رعية خاضعة لآلخر تقوم بإنتاج اآلخر المستعمر على االختالف بين الذكورة واألنوثة :االختالف إيقاع ارتفاع وتيرة الخطاب إيران أو إزاء الدين عموما أو جواز أو
الخطاب األصولي تجاه المرأة أثرهما أساس أنه يمثل في الخطاب الكولونيالي البيولوجي والنفسي يقوم على التمايز بين عدم جواز نشر بضاعتنا التي تكشف عن
على هيمنة النص على الخطاب األصولي:
لصانعها رعية خاضعة لصانعها. الجنسين ( )Sexesويعتبر الجسد فيه أساسا
األصولي قصور فيما حققته حركة التحرر النسوي،
الرسالي األيديولوجي ،القومي واالشتراكي. وهذا النمط من خطاب التبعية الذي يقوم للمفاضلة بين الرجل والمرأة. وإنما يعنينا داللتها على وجود تحول
وقد تجلى هذا التأثير على القوى غير على خلق اآلخر وإقصائه يمكن أن نشبهه وأما التمايز الذي تحدده المحددات الثقافية
ّ خطير يتجلى في ارتفاع عقيرة الخطاب
الدينية في اتجاهين: بالخطاب األصولي الديني القائم على فكرة واالجتماعية والسياسية فيقوم على اعتبار االعتذاري الذي لم يعد همه تأجيل الدفع
أ -اتجاه آثر تأجيل طرح مفهوم التحرر وإذا أدركنا أن السمة األساسية للتحرر النص الثابت القومي ،أو الماركسي القائم الجنوسة ( )Gender) (6أساسا لالختالف يسارع مثقفو الهامش إلى امتصاص فكرة بحركة تحرر المرأة فحسب ،وإنما تبرير
النسوي خارج النص الديني. النسوي في الغرب تكمن في النظام المعرفي على فكرة الرسالة األيديولوجية التي تمثل بين الجنسين. القومية بما هي غربية المنشأ باعتبار أنهم ربطها بمشاريع التحرر الكبرى التي ال تجد
ب -اتجاه آخر استبدل مرجعيته النصية السائد ،وفي درجة تطوره االجتماعي ،أي بدورها نصا ثابتا أو شبه ثابت .إنه في ويمكن القول إنه بموجب هذا الضرب يعاملونها على أساس أنها وسيلة للتغلب سبيلها إلى التحقيق.
القومية واالشتراكية ،وأحل محلها مرجعية في شعاره القائل «إن المرأة ال تولد امرأة بل الحالتين خطاب مغايرة مستمرة تسلب من التصنيف أو ذاك ،هناك نصية دينية على مركبات النقص التي تسبب بها الحكم والحال أن هذا الخطاب االعتذاري الذي
النص الديني محاوال التغيير بالتأويل حينا تصبح امرأة»( ،سيمون دو بوفوار) ،وأدركنا المرأة الحق في أن تجعل الحيلولة دون أو عقائدية كمرجعية ثابتة تكمن وراء االستعماري ،والتعويض عنها .كما أن فقدان يدشن ظهور أصولية قومية أو ماركسية
وبالتقويل حينا آخر. أن المجتمع العربي لم ينجح في تغيير اعتبار االختالف االجتماعي والبيولوجي الخطاب األصولي بفرعيه الديني والقومي الهوية نتيجة الهتزاز البنى االجتماعية تتقاطع مع األصولية الدينية حينا لتتماهى
خامسا :لم يعد مفهوم التحرر النسوي بنيته المعرفية التقليدية أو البطريركية بينها وبين الرجل مسألة اختالف وظيفي أو الماركسي. التقليدية يمكن أن يؤدي أيضا إلى إبراز معها في أحيان أخرى يمكن رصده وتفسيره
تعدديا بل أصبح شموليا ال يتحرك بنصه (بلغة هشام شرابي) ،فإن من البداهة ال تترتب عليه مفاضلة في القيم تستحيل كما أن هذه النصية الثابتة تحيل الباحث القومية باعتبارها قومية بديلة .وأما الدولة من خالل مالحظات ريتشارد بهرنت التي
األيديولوجي إال في داخل النص الديني االستنتاج أن هذا المجتمع الذي يسيطر إلى فعل مغايرة يشير إلى عالقة بين تابع عادة إلى «جوهرانية» تؤكد على أن القومية التي يتوقون إلى تحقيقها فإنها حاول فيها تحليل النزعة القومية في
محمد الوهيبي
االجتماعية يجعلها غير قابلة لالنضواء
رندة حجازي
األنثوية وسلطة الكتابة
علي حسن الفواز
جربان هداية
دون والمؤرخ والعرّ اف والملك ونصف اإلله ،واكتفت الرجل ،فكان هو المُ ّ
المرأة منذ المرحلة الزراعية/مرحلة التوطين بنوع من خصخصة الوظائف
الجنسوية ،وصار الرجل -تبعا للسلطة -محفوفا باألساطير واألسفار
والبطوالت ،وظلت المرأة هي كائن االنتظار والقربان /بينلوب مثال.
(األنثوية) خارج الجسد ،وضمن مفهوم التعويض الرمزي والتعبيري ،وبما يجعل الكتابة األدبية ظلت أكثر إرهاصا بفكرة وحقوقية مدنية ونقابات وأحزاب في اإليروس ،وللحضور على حساب الغياب، المراحل التي مارست فيها
حتى
الذات اإلنساني والرغبوي/التواصلي الصوت الفحولي في النص وفي الالوعي (النص المضطهد) النص المسكون باإلثم أوروبا ،ال سيما على مستوى قوانين والحياة على حساب الموت ،وتلك معادلة المرأة السلطة/الحاكمية لم
واإليمائي؟ نوعا من االستمناء اإليهامي ،والشفرة والخيانة -أنا كارنينا ،مدام بوفاري -أو العمل واألحوال المدنية ،وليست األحوال كان يفرض وجودها العقل المهيمن ،عقل تخرج من مهيمنة النسق المضمر ،نسق
هذه الحرية ،وفي سياق هذه األسئلة التي تدفع لتحليل العالقة ما بين الذات المسكون بالقوة األخالقية -األم لمكسيم السياسية. السلطة والذكورة الذي يعيش ثأرية عقدة الجماعة العسكرية ،أو الجماعة الدينية،
ستكون تعبيرا عن أيديولوجيا ،وعن والجنسي والمقدس ،وللقبول بها داخل غوركي -أو بالرغبة المتعالية كما في ولعل صدور كتاب قاسم أمين عن تحرير الخيانة والرغبة ،والتي تقود بالمقابل إلى ونسق المؤسسة الزوجية ،وحتى النسق
تمثالت تمنح الجسد قوته ،وعن موضوع، كتابة النص ،إذ تكون الكتابة تعبيرا عن رواية «المثقفون» لسيمون دي بوفوار. المرأة يُ عدّ استشرافا شجاعا ألفق هذه تحفيز القراءة الثقافية للكشف عن أن العُ صابي للقرابة والمقدس على طريقة
و ُتسكنه في اللغة بوصفه نصا أو جوهرا الذات ،ولالعتراف بمتعتها ،وبتكيفها مع مفهوم االختالف في الكتابة ال يعني التحوالت ،ولما حملته من مضامين العطب الجنسي للملك شهريار ،هو مقابل الملكة زنوبيا والملكة المصرية كليوباترا،
أو دافعا يُ غني اللذة والتواصل والحرية االجتماعي ،فضال عن وظيفتها الثقافية جنس كتابي محدد ،وال عن ٍ البحث عن إنسانية حول حرية المرأة لمواجهة قوى رمزي وتعبيري للعطب السياسي. أو شجرة الدر والملكة بلقيس في
بشحنات تجعله وجودا أو موضوعا. في استكناه الحموالت السيميولوجية توصيف يسبغ على الكتابة األنثوية تقليدية لها سطوة رمزية لسلطة التابو حركات التجديد والتنوير واإلصالح الموروث الشرقي ظل استثنائيا ،وفيه من
الثورة الرقمية وصناعة المُ ختلف والسيسيولوجية ،وفي خرق الواقع، سمات ،ويُ عطي لها مالمح ،بقدر ما أن واألب ،ولها أيضا مرجعياتها النصوصية لم تخرج تماما من نسق تاريخ تلك المثيولوجيا أكثر مما فيه من الواقع،
سماه د محسن الثورة الرقمية كرست ما ّ وإعطاء جرعات تعبيرية لخطاب الرغبة األمر ينحصر بالقدرة على النفور من التي زخرت كثيرا باألحكام والتآويل السلطة ،بما فيها سلطة المجال/القصر/ والالئي وقعن في النهاية تحت غزو أو
بوعزيزي بمعالجات «السيميولوجيا من خالل الصورة واإلعالن والمشاركة التاريخ ،التاريخ هنا بوصفه سلطة، وحر
ألي شكل حقيقي ّ والفرضيات القامعة ّ القلعة/الحريم /التعليم والحاكمية ،فكان قتل أو مهيمنة الرجل/الذكر/السلطة .ربما
االجتماعية» إذ أسهمت في كسر والعمل وغيرها. أو عادات أو طقوس أو مركزيات أو للمرأة على مستوى التنظيم واالستقاللية، اإلصالح يتموضع داخل المنظومة الدينية كانت كانت (طفرة شهرزاد) هي الشفرة
النمط ،وفي تغيير أطروحات التواصل بعد مئة عام أو أكثر من صدور كتاب عالقات ،والذي اقترح لألدب النسوي وكذلك على مستوى الحصول على أكثر منه داخل المنظومة الحقوقية، األكثر تمثال لقوة األنوثة المُ فكرة/
والسيطرة والمراقبة ،وصنعت للكتابة قاسم أمين عن خطاب تحرير المرأة يثار بوصفه الجندري تموضعا داخل فضاء الحقوق المتساوية في العمل واألجور وصوال إلى بداية القرن العشرين الذي يُ عدّ الحكواتية مقابل هشاشة النسق المهيمن
أنظمة سيميولوجية مغايرة ،عبر العالقات أكثر من سؤال حول هذا التحرر بوصفه األنوثة بوصفها الجنسوي المكتسب والضمان االجتماعي والصحي والجنسي. العتبة النشوئية لموضوعات تحرير المرأة، للذكورة التي تمثلها السلطة العنفية
والروابط ،وعبر استهداف النسق المهين وعيا بالحرية وبشروطها االجتماعية من السياق االجتماعي ،وربما هو هذا لقد ظلت ثنائيات العقل والحرية ،والعقل والذي كان جزءا من تحوالت اجتماعية لشهريار.
الحاكم للعالقة الواقعية والمفاهيمية ،تلك واالقتصادية والنفسية ،فما هي طبيعة ما دفع البعض من كاتباتنا إلى استعارة والجسد ،والعقل واأليديولوجيا ،والعقل وسياسية ونهضوية مهمة ،حيث بدت العالقة ما بين سلطة الحكي وسلطة
التي أعطت مجاال للتسمية ،ولالعتراف، العالقة ما بين الحرية والجسد؟ وهل صوت الرجل وسلطته وقناعه الفحولي والنقل مجاالت إشكالية ،لم تتقعّ د تمثالتها عبر حراك ثقافي وسياسي الجسد ومؤسسة الحاكمية أعطت لفاعلية
والقتفاء أثر العالمة داخل االجتماعي يمكن ممارسة اإلفصاح عن الهوية -المُ كتسب اجتماعيا أيضا -لممارسة مفاهيمها وال أطروحاتها ،وأن تمثالتها في وحقوقي انخرطت فيها جماعات ثقافية الخطاب حضورا للكالم على حساب
سلطة؟ أم هل تحول هذا النظام إلى مجال والرمزي ،وصوال إلى فرضها في النظام
تعبيري مقطوع عن النسق االجتماعي التعليمي عند عدد من الجماعات التنويرية،
والحقوقي؟ مقابل ما ظل الجنسي مكتفيا ورغم أن الجماعات األصولية ،ال سيما
بطاقته البايولوجية التوليدية لتكريس بعد أحداث «الربيع العربي» حاولت إعادة
الصورة المثالية لحواء األسطورية وليست فرض خطاب السلطة والمجال والحكمّ ،إل
حواء األرضية. نتهك من أنظمة تعبيرية ظل يحمل أن ما أ� ِ
مثل هكذا أسئلة يمكن أن تكونّ عتبة ضمراّ ،إل أنه
معه حافزا ،حتى وإن كان مُ َ
نظرية وإجرائية لمقاربات معرفية حول سيظل باعثا على كتابة نص اجتماعي
مفهوم أنسوية األنوثة ،وحول طبيعة وحقوقي مغاير ،يمكن أن تكون له سطوته
السلطة التي تظل رهانا معقدا على أدلجة في الشارع والتظاهر واالحتجاج في
أي معالجة إشكالية هذه األنسوي ،وعلى ّ القانون وفي النضال المدني ،وفي الكتابة
التملك والحرية ،وعلى ّ الستيهامات المفتوحة أيضا عبر وسائل التواصل
صياغة عقد اجتماعي آخر للعالقة بين االجتماعي بوصفها جزءا من معطيات
«األنوثة والذكورة» وبعيدا عن رهابات الثورة الرقمية.
الهجر. لقد أسهمت هذه الثورة في توسيع مديات
من الصعب جدا وضع معيار لفحص الحديث عن تحرير المرأة ،من خالل
هذه المعطيات ،ومفارقاتها ،فالكثير من تحرير المجال والمحبس والقلعة عبر
الكتب تحدثت عن الخلط المفاهيمي المكان االفتراضي والرجل االفتراضي،
للذكورة والرجولة والفحولة واألنوثة وعبر اصطناع المجال المضاد لالعتراف
والنسوية ،حدّ أن أطروحات ما بعد واإلنتاج والتسويق واالستهالك ،لكنها
الحداثة واشتغاالت النقد الثقافي وضعت أثارت بالمقابل جدالً أعادنا إلى ثنائية
مجاال نظريا لما يسمى بـ»النقد النسوي» الجندري والجنسي ،إذ كرس النظام
والذي يرهن قراءاته للخطاب بجملة الرقمي خصوصيات غير نمطية ،يتمثلها
من العالمات والمؤشرات التي ينخرط التخارج عن النظام االجتماعي ،وتساكنها
فيها النص وسردياته وشعرياته وصوال التفجر ،تلك التي
ّ رغبات مشحونة بطاقة
إلى شرعنة وجود قاموس نقدي لهذا قال عنها روجي دادون «بالرغبة يتملص
المعطى ،لكن الطبيعة اإلجرائية لذلك الجسد من تصرفاته اآللية ويجعلنا نتذكر
تظل محصورة في عالقة السياق الثقافي بقوة ،بالرغبة يتحين الجسد ،يهتز ،ويدرك
بالسلطة وبنظام عالماتها ،وفي مجال نفسه باعتباره نبضا حيا ،بها يجعل نفسه
عالقة التحليل النقدي بمرجعيات تكشف حاضرا ثقيال رشيقا متوسال أو آمرا».
عن المقموع والمسكوت عنه في أنساقنا (روجيه دادون :الرغبة والجسد ،ترجمة
المضمرة ،فضال عن إبراز عالقة هذا النقد محمد أسليم مجلة «عالمات» العدد الرابع
باألدب والجسد بشكل خاص ،ال سيما على .)1995
مستوى السرديات ،تلك التي اشتغلت عليها فعل الرغبة يقود أيضا الصطناع مملكة
معالجات نقدية وثقافية كثيرة ،لكن أبرزها غير منضبطة للعالمات ،تلك التي تستعير
ما يتعالق باألطروحات المعاصرة لجوليا كثيرا من قاموس فرويد في الالوعي
كرستيفا ولوس إيريغاري ،وضمن مجال ومن روالن بارت في السيميولوجيا لتكون
ضطهَ د» النص الذي
التعبير عن «النص المُ ْ ضد «الدوغما» و»المقدس» رغم أن الكثير
ظل متذبذبا بين ثنائيتي الجسد والوعي. من هذه االشتغاالت تظل متل ّبسة به،
تانيا الكيايل
وبعالماته القامعة ..فهل استطاع الجندري
كاتب من العراق األنثوي في النظام الرقمي أن يتحول إلى
تـأنـيـث الكـتـابـة
مايسة محمد
سعيدة تاقي
ِّ
متجدد لكنه ليس بالجديد ،فالعالم منذ لب ْ
ث مط ٌ َّ
بالمؤن وَ ْسم العالَم
جربان هداية
بدء الخليقة فضاء مشترَ ك بين الجنسين .لكن قـضت السلطة االجـتم
اعية والفكرية والديـنية والسـياسية بـروافدها الـمادية والرمزية أن
تحاصر« األنثى» وأن تكيل لها على يد شريكها في الحياة والفعل والوجود ِ
«الذكر» كل مواثيق التقييد واالستبداد واالستغالل .لقد رصفت َّ والخلود َّ
شهرزاد( التي ص َنعها المجتمع الذكوري) من قبل لياليها بوهم سطوة التأنيث
ممتد ًة على
َّ ً
حكاية لكنها ظلت رهينة الليل والغبش والعتمة تقتات الحياة َّ
نــتجه من حكم عليه سطوة الحكي بما تعــلَمُ ه ُ
وت ِ حواشي سرير شهريارُ ،ت ِ
حك ُم عليها سطوة الذكورة والفحولة والقوة بما يعلَمُ ه وي ِ سحر السرد ليالً ُ
َّ
من المجتمع وبما تعلمَ ه منه وبما يشارك في إنتـاجه وإعـادة إنـتاجه من قـيم
وأعـراف لـبـاقي اليوم
من مرُ َؤ
َ مرأ : فاعل
أ
َ وبعث تجدُّ د في الخوابي شعلة حكايات «تودُّ د»( سليـلة
شهـرزاد) ّ
الجارية
مر�( :فعل)
َ وإحياء .وسعت إلى أن يغدو فعل الكتابة/ بزت الفـقـهاء
أ ، مراء ًة ، فهو َم ِريء
يمر َمر أ� ََ التفكير مخلِصا للذات الكاتبة التي أنتجته وجردتهم
َّ والعلماء وأهل النظر والحكمة
ً ً
أ الطعامُ :كان سائغا مقبوال ،سهُ ل في مر ّ َ دون اتكال على استبداد مطلق ،أو اختفاء أمام الخليفة هارون الرشيد من ثيابهم
وح ِمدت عاقبتُ ه
الحلقُ ،ْ َ خلف ظل ذلك اآلخر .لكن اللغة وهي نكاية بفضلهم وعلمهم ،لكنها ظلت
ّ
هنأني ومرأني الطعامُ «م ْسكَـن اإلنسان» ،وفق هايدغر ،سابقة
َ «الجارية» في ُحكْم التاريخ والرواية
َم َر أ� فالنٌ َ :طعِ َم في الوجود والحدود والتسميات على ً
شخصية تخرج من المخدع لتعود والسرد
ولنعتد بأنّ «امرأة» وهي الصيغة الوحيدة وجود الكائن اإلنساني ،ومن ثم فإن اللغة إليه .ولم تكن الـكـتـابة أو اللغة أو الفـعــل
أو كتابي أو سردي أو تخييلي أو أدبي لكنه قد صاغـها منذ قـرون بأثر رجعي، بــريـئــة مـنـذ زمـن الـوضـع واالصـطـالح في اللغة للجنس المؤنث هي في مداخل َّ
تتكلمه إذ ِّ
تحددُ ه َّ
ال يتكلمُ ها اإلنسان بل إنها في كل ذلك إبـداعا يُ ـسل ُِم مـقـاليدَ ه لألنـوثة
أو ثــقافي أو اجـتماعي أو ديـني أو ِّ
يخـلد لحـظة سـابقة في الـزمـن اسـتـبد والمواضعة واالتـفـاق أوالتوفيق ،ومـازالت معجم اللغة: وتسمُ ه وتسمِّ يه .ألجل ذلك ال يمكن النظر
ِ بصدق ونزاهة ،بل كانت الفحولة تلوِّ ن َّ
كل
سـياسي أو فكري أو وجودي .إن األثر فيـها بالـتـاريـخ واللغة والفكر والمجتمع كذلك ،تحمل بين ثـنـايـاها فوق المعـنى امرأة المرأة المميز مثال في الكتابة
َّ إلى صوت اللوحات ،وكانت اللغة في كل ذلك ،ومازالت،
استبد حتى بامتالك الجسد فالمجتمع َّ
ملك َّ
وتملك بسطوة والدين والسياسة والفن، ومـبان وكـيـانات وفلسفات وتواريخ معـان أنثى المرء ،جمع :نساء ونسوة (من غير وننسى أن اللغة تضع مدخل صيغة تجأر بذكورة المجتمع وباستبداد الفحولة
ٍ ٍ
َ
الـرجل جـسده الخاص وجسد المرأة كذلك، َّ
تاريخيا كل االمتيازات التي ذلك االمتالك أن باللغة وأيديولوجيات .فكيف لفظها) أ
«�مرأ» في معجم «المعاني» كاآلتي: بكل موازين التساوي أو العدالة أو األنسنة.
ووضعه رقيبا على وجودها المادي في هذا ْ
جعلت مفهوم «القِ وامة» الفقهي يمتد خارج كتبتها من ترتدي زي« المؤ َّنث» ألن
ّ في حين أن «امرؤ» َم َرأ( :اسم) ولقد اسـتـوت بـين أرفـف الـتـاريـخ ،قـبـل
تسلطه على جسدها وحضوره الكون عبر ُّ أصول الفقه لكي ينسحب على كل المجاالت اللغة ذات مؤنثة؟ وهل تستطيع أمرؤ -و إمرؤ مصدر م ِر َ
ئ َ َم َرأ: ذلـك وبعـده ،وبين أرفـف الـفـن والـعـلـم
وغيابه وخواصه وأزيائه و حركاته… والمتون والهوامش .فغدا الفضاء العام َ ِّ
المؤنث للعالم ألن أن يطالها« التمكين» -رجل ،مؤنث امرأة . وتحرك «الراء» َم َّرأ( :فعل) والشـعـر والـقـصة والـرواية واألدب
والتبس زمن الليل برداء الفحولة ،وما فضاء للرجل بمفرده يخضع لمزاجيته وأهو َّ
الذات التي صاغتها ذات كاتبة مؤنثة؟ بحركة آخره ،فيقال« :امرؤ ،امرأ ،امرئ». ، مرِّ ئْ ، مصدرَ ت ْم ِر َئةٌ َم َّر أ� ُت أ
َ � ، مرِّ ئُ َ والفكر والفلسـفة والنـقـد والمـسرح
أمكَـنَه أن ينعطف ولو قليال بعيدا عن ائه واكتساحاته أو انسحاباته .وامتد األمر إن اللغة ليست لغة الرجل .هو لم يمتلِكها وال تدخل عليها «أل» التعريف. ِيئا َمر ً
يئا ال لَهُ َ :هن ً
الض ْي َف َ :ق َ
َم َّر أ� َّ واإلعالم والسياسة أفعال مقاومة عديدة
ِ
تالبيب ما يقتضيه ذلك الرداء من خياالت ليلحق كل الفضاءات من فضاء حقيقي لكي تكون له وحده دون أن تكون للمرأة، وفي ضـوء ذلك نـرى أن اللـغـة لـيـسـت مرأ( :اسم) َ أعادت تنضيد الرؤى الجامدة وبثَّ ت
تانيا الكيايل
إلى أحد الجنـسـيـن (الرجل ـ المرأة) ،وعلى
تانيا الكيايل
إبداع المرأة بين المواجهة واالستالب
كاميليا عبدالفتاح
جربان هداية
ّ
أنهن عشنَ في أفريقيا. األسود ،ورأى بعض المؤرخين
ِ عشن في شمال البحر
ُ ُ
يصطرع فيها الميل الفطري األنثوي للرجل مع ٌ
امرأة قوية ُ
والمرأة األمازونية
وتنجب منه ،لكنها تؤثرُ
ُ الميول القتالية االستقاللية ؛ فهي تتزوج الرجل،
ُ
تعيش على كثير من األقوال -وهي
ٍ العيش مستقلة عنه ،بل وتهيمنُ عليه -في
ُ
تعمد إلى بتر أحد ثدييها حتى تتمكن القتال؛ ولذلك كانت المرأة األمازونية
ُ
تحتفظ بالثدي اآلخر .من هنا الرمح والقوس أو السيف -عليه -بينما من وضع
ِ
ً
عنوانا لهذه القراءة النقدية؛ فهي وضعية ُ
اتخذت هذه الوضعية األمازونية
ُ
يصطرع فيها التكوين األنثوي مع نقيضه ،وتعاني فيها األنثى من تراجيدية
ميلها إلى الرجل ،واضطرارها إلى محاربته واالستقالل عنه ،في الوقت ذاته
ّ
التأزم النفسي واإلنساني التي تعاني منها -بما ُيشبه في افتراضي -وضعية
ُ
حيث تكابد هذا الصراع وهذه ُ
المرأة العربية عامة والمبدعة العربية خاصة،
ً
صديقا -إلى آخر ذلك -وتضطر زوجا،
ً المفارقات بين ميلها إلى الرجل حبي ًبا،
إلى مواجهة القهر واالستبداد الذكوري المُ ِّ
هدد لكينونتها وتفرّ دها.
ودليال على تأخره في ّ
سلم اإلنسانية ،وتعمدُ تتصدى السيرة الذاتية للخوف التاريخي ُ
يشغل الهامش»[ .د .شيرين :كتاب نسائي مناطق غير تلك التابعة للهيمنة في النظرية وتأز ًما؛ فهي -فض ً
ال عن طبيعتها األنثوية ُّ ُ
المرأة ،في افتراضي ،تعاني ال ُ
تزال
بعض األديبات إلى إرجاع قهر المرأة إلى المسكون في ذاكرة المرأة من التعبير عن أم نسوي] . الفلسفية .فهي ال تريدُ أن تدخل… ،خارج ُ
تمتاز بالعاطفة والنشاط النفسي-
ِ الفياضةّ واالضطراب التناقض من
سحيق من عمر الزمان ؛ فتاريخ المرأة عهد الذات ،تتصدى لذلك الركام من االختباء أن أطرح ارتضيت في هذه الدراسة ُْ وقد ُ
النسوية، ُ
الكتابة ُ
تتشكل المطلق النظري بسمات الشخصية المبدعة ،وما تقتضيه
ِ ِالعربي على صعيدِ ِّ خاصة في المجتمع
ٍ
استشهاد طويل؛
ٍ ُ
«تاريخ في رأي مي زيادة والتَّ برؤ
والمواربة والتورية ،والتقنّع بعض نماذج من السيرةِ َ ً
مقاربة نقدية حول ِ ُ
وبالتحديد تتشكل في الثغرات التي ال روح؛ فهي ورهافة ،ونفاذِ
ٍ من حساسية وضعيتِ ها االجتماعية واإلنسانية والفكرية،
ٍ
َّ
فهي عبر العصور المختلفة ليست إل حيوانُ ُ
نسبة كتابتها إليها كما تقول جين
ِ من نص َ
َّسوية؛ ألنَّ السيرة الذاتية ُّ
ِ َّ
الذاتية الن األضواء من قِ بل البنية الفكرية
ُ ُتسلط عليها كيانٌ ثائرُ الفكر والشعور؛ ومن هنا تكابدُ المجتمع كبير في قطاع ال تزال ُتواجهُ من
ِ ٍ ِ
السيد ،وطفلة الهية للعبث».
ِّ لذة ومتاع أتوميكينس. مرئي؛ فالمُ علن هو
ٍّ غير
َ مُ علن يضمرُ آخر األبوية .بمعنى آخر هذه الثغرات موجود ٌة َّاتج َ
أعمق مذاقات االغتراب والتّ صدع؛ الن ِ ناقصا ال
ً إنسانيا
ًّ باعتبارها كيا ًنا
ِ العربي
ِّ
خطاب مي زيادة في سياقَ ورغم هذا فإنَّ تخي ُ
رت في هذه المقاربة النقدية نماذج من َّ أما ُ
الذات الساردةَّ ، الوقائع التي عاشتها معترف بها» .
ٍ ٌ
وكائنة ،لكنه غيرُ بالفعل من التناقض الصارخ بين ما تفرضهُ ُ
للرجل ،و التزال ،في بالتبعي ِة
ّ َّ
يكتمل إل ُ
ِ
خطاب
ٌ طالبة بالتحرر والكينونة النّسوية
ِ المُ ٍّ
السيرة الذاتية النَّسوية لكل من الشاعرة الحلمية أو الواقعُالمُ ضمرُ فهو الوقائع ُ نذهب إلى أنَّ مصطلح بهذا المفهوم وإكبار، وتقدير قيمة
ٍ وضعيتُ ها اإلبداعية من افتراضي ،في صراع من أجل الدفاع عن
ُ ٍ ٍ
نصف
نعم والمُ ِ
نثوي ناعمٌ يصف الرجل بالمُ ِ
ٌ أ� الفلسطينية فدوى ُطوقان ،الكاتبة والمُ فكّرة ّ
غير مُ تحق ٍق لهذه
حلما َ
ظل ًالمُ رتجى الذي َّ أدق في التعبير من ُّ وي»
«اإلبداع الن َّْس ّ إهمال ،أو الواقع من وما تلقاه على صعيد والمعنية
َّ ولعل الناقدة األدبية ّ هويّ تها.
ٍ ِ
مما
الحرية والتحرر؛ َّ
ِ الكريم واهب
ِ والسيدِ
ّ نوال السعداوي ،األديبة والمفكرة عائشة نص نحن في السيرة الذاتية بين ٍ
ُ الذات. النص
ّ ُ
فاألول« هو
َّ سائي»؛ «اإلبداع ال ِّن الشأن.إنَّ هذه ،وإقالل من أو قهر إنكار، بالنسوية جوليا كريستيفا قد ّ
لخصت هذا
ّ ِ ِ ٍ ٍ ٍ
وجبات المرحلة التاريخية
ِ َّ
نعتقدُ أنهُ من مُ وقفة قصيرة مع
ٍ فضل عنً عبدالرحمن، وأمام محاولةٌ
َ ظاهر ،وآخر مراوغ إشاري، كفاعل في اعتباره ،وهو المرأة الذي يأخذ ً
الكاتبة -فضل عن
ِ ِّ
الوضعية المتأزمة للمرأةِ األمر في إشارتها إلى أنّ «المسألة النسوية
ٍ
مما
َّقيض َّ
التي عاشتها مي زيادة ،على الن ِ األديبة اللبنانية مي زيادة. ٌ
إبداعية إلعادة بناء الذات كما ذهب شاري النص القادرُ على تحويل الرؤية المعرفية ُّ المتأزمة للمرأة عامة -اقتضتِّ الوضعية قد شهدت تطورا في القرن العشرين عبر
نجد ُه في خطاب ٍّ
كل من :نوال السعداوي ُّ
«تأزم وضعية الذات ُ
إشكالية وشك
ُ ُت بنستوك في تعريف هذا النمط اإلبداعي؛ نصية، عالقات
ٍ واألنطولوجية للمرأة إلى السمات الشخصانية في الكتابة
ِ كثيرا من
ً مراحل عدة ،أولها :حول هوية النساء مع
ِ ّ
وفدوى طوقان وعائشة عبدالرحمن ،مع تتسيدُ
ّ تكون اإلشكالية التي
َ األنثوية» أن ُ
ترتكز على بروز الذاتية؛ بما يجعلها فهي المسكوت عنهُ ،
ِ باألنثوي
ّ النص المهمومُ
وهو ّ ٌ ٌ
ال ِّنسائية ،وهي شخصانية حتمية ،على الرجال ،والمرحلة الثانية كانت حول هوية
فوارق الختالف السمات الشخصية وجودِ موضوعات هذه النماذج من السيرة الذاتية، ً
النمط اإلبداعي األكثر قدرة في إبرازَ َ ُ
األنثوي الذي يُ شكّل وجودُ ه خلخلة للثقافة صعيد المضمون والرؤى ،وبعض سمات النساء ضد الرجال ،بينما شهدت المرحلة
ٍ
ُ ُ
اإلنسانية حيث يوصف جربة
ِ واختالف التّ
ِ مؤشرا على تخلف ً و ُت ُ
طرح باعتبارها مواجهة الذات األنثوية المبدعة لآلخر،
ِ الكامن في فجوات
ُ المهيمنة ،وهو األنثوي ثم ُ
أتفق مع هيلين التشكيل الجمالي؛ ومن َّ الثالثة شكّا حول مسألة الهوية ّ
برمتها» .
للسلطة القاهرة
ُّ نموذج
ٌ ّ
الرجل بأنهُ ُ المجتمع العربي وتأزمه الفكري واإلنساني، وإدانة الوقائع واألغيار المُ ستلِبة؛ وبذلك هذه الثقافة ،وأخيرا هو األنثوي الذي ُ
النسوي «يحدث في
ّ سيكسو في أنَّ اإلبداع ُ
بدعة أكثرُ تعقيدً ا وإنَّ وضعية المرأة المُ
ماثل في بعض ً القهر والحكم الدكتاتوري ال يحمل لي سوى شعور الالاكتراث ،كأنني الثنائيات الضدية المأساوية الكامنة َ
لحق تفاصيل االستبداد الذكوري الذي خاص ًة في
ّ ً
عامة والمرأة المُ بدعة المرأة المُ ستلِبة.
الفلسطينية تكابدُ
ّ ُ
واألرض السلطة،
ِ رموز ال شيء ،كأنني عدمٌ وفراغ ،كأنني ال لزوم بين وضعية الرجل/الذكر ووضعية الحقوق اإلنسانية لألنثى .تقول
ِ بأبسط الذاتية،
ّ جنس السيرةِ ِ يمزج بين
ُ قالب
ٍ الذكوري المُ ستلِب في حياة
ّ تمثَّ ل النموذج
اليهودي واغتصابه خيراتِها ِّ
قهر المُ حتل
َ ً
إطالقا». لوجودي فاألو ُل يبدو سيدً ا ،بل مُ ً
طلقا من ّ األنثى؛ «لم يكن بمستطاع أرباب العائلة تحمل تلك يتضح
ُ ُّ
والسرد القصصي واللغة الشاعرية، شخص «أبيها « ،وأخيها
ِ فدوى طوقان في
ّ
االستالب
ُ وأمنها وحقوقها… ،وهكذا يبدو ومثلما ُحرمت األنثى من عوالم الغناء ً
طلقات يعمدُ إلى قهر األنثى خوفا من ِ المُ الحقيقة البديهية ،حقيقة أن المرأة إنسانُ العنوان بدءا من
األجناس ًِ ُ
التعالق بين هذا «يوسف» ،وتمثَّ ل في السيرة الذاتية لبنت
ِ
وبطل هذه السيرة الدرامية َ سيدَ المشهدِ ،ِّ ّ
بتسلط الهيمنة الذكورية والموسيقى اإلنساني مُ طال ًبا ِّ
تفجرها وانتصاب كيانها يشعر ويتوق إلى الحياة والفرح مثلما يتوق ُ
يبرز؛ مما
أكثر َّ
َ الدالالت
ِ ُ
يكتنز من الذي الشاطئ في أبيها ومحاوالته المتواصلة
ّ
الشخوص اإلنسانية،
ُ التي تتضافرُ فيها واستبدادِ ها ُحرمت كذلك من أفراح ُ ُ
بحقوقه؛ ولذلك يعجل الرجل في هذا أي كائن بشري آخر» . ويتطلع خاتل يحتملُ
ٌ رمزي مُ
ٌّ الجبلية تعبيرٌ
ّ ُ
فالرحلة لحرمانها من حق التعليم والحب والزواج
ٍ
حياة هي
ٍ وتتماس في بوتقة المعاناة من
ّ الحب وبهجته وعوالمه الساحرة بل كانِّ بشيخوخة إناثه .بينما تبدو األنثى
ِ الطرح وتقول «في هذا البيت وبين جدرانه العالية ُ
ا لرحلة كتابة السيرة وفتح ً
وصف يكون
َ أن أما نوال السعداوي فقد تمثَّ َل لها
والعملَّ ،
ُ
ثم فإننا نالحظ نوعً ا منبالموت .ومن ّ
ِ أشبهُ بالحب في طرح فدوى طوقان
ُّ اإلحساس
ُ والرأي َ
تشيئة مُ ستلبة الروح والقدرةًِ مُ ِّ تحجب كل العالم الخارجي عن جماعة
ُ التي يكون داللةً
َ ُ
مغاليق الذات ،ويحتمل أن الرجل المُ ستلِب في صورة الحبيب ،والزوج
ِ
التماس النوعي بين حركتي المدّ والجزر
ّ واالستالب .فقد
ِ ً
منبثقا للمزيد من األلم والمصير .تقول فدوى «كان الواقعُ المعيش ِ الحريم الموؤودة فيه انسحقت طفولتي الساردة أو الذات ً
إشارية لرحلة الذات َّ -عبر تجارب شخصية فاشلة -لكنها لم تقف
في مقاومة األنثى لقهر الرجل ،ومقاومة الحب
ّ عُ وقبت على وقوعها في تجربة ًّ
الحريمي مذل مهينًا؛ في ذلك القمقم قليل من شبابي» وصباي وشيء غير الجمعية ومكابداتها ،في محاولتها التخلص عند هذه الحدودِ ،بل أضافت إلى مخزونِها
ٍ
األرض المحتلة لقهر العدو الغاشم ،وكأن األول في سنِّ المراهقة من أخيها يوسف
ّ َ
وجودها الهزيل القاتم. ُ
اإلناث تعيشُ ُ
حيث داللة مُ ستحدثةً
ً تطرح فدوى طوقان
ُ وبذلك ُ
ويحتمل أن من القهر والجمود الفكري، النفسي َ
إرث التجارب المريرة المُ ختزن في ّ
ذات
ٍ السيرة الذاتية هنا أصبحت سير َة والحرمان من بالضرب والسب واإلهانة؛ َّ
ألتفت فال أرى حولي إل ضحايا بال ُ ُ
كنت يصبح الوأدُ هو قهرُ الفكر
ُ ُ
حيث لوأدِ األنثى، عام ًة في ً
وصفا لرحلة الذات األنثوية َّ يكون
َ ذاكرة جدَّ تها ألمِّ ها ،التي قالت لها «جوازتي
ِ ٍ
أنثوية ،وذات إنسانية ،وذات قومية «فقد التفكير في مما دفعها إلى
إتمام التعليم؛ َّ
ِ بيت
مستقل .يقبعن في ٍ شخصية ،بال كيان والعاطفة والرؤى والشخصانية؛ لتظلّ مسار اإلبداع. ُ
تقول« منذ كانت جنازتي يا بنت ابني» .كما
ِ ٍ
أرض محتلة وتحولت الوطن إلى ٍ
ُ تحول وبنات
ِ َ ُ
الرجل شيخوخة إخوته يتعجل فيه
ّ َ
طوق النجاةِ التي بعية واالنسحاقَ التَّ السادسة وأنا أحفظ هذه الكلمات الثالث:
الشاعرة -أو باألحرى أصبحت -ذاتا منقسمةً
ُ عمه ،متخذا من القهر وسيلة لذلك التعجيل، حياة أشبه ما
ٍ لإلبقاء على
ِ تلوذ به األنثىُ ربنا ..المصائب ..الجواز» .
تكون عليه ،وما هو
َ بين ما تصبو إلى أن ُ
الواحدة ضحايا لم أعرفهن إال عجائز ،عجزت «أما الجو
بهيمة األنعام .تقول َّ
ِ تكونُ بحياةِ وقد تعدَّ ت ذلك إلى استحضار إرثَ
الرجل كما في كلِّ
ُ
واقعٌ » . قديمة من ٍ منذ مرحلة ُ منهن منذ الخامسة والعشرين من عمرها. العائلي فيسيطرُ عليه
ُّ الذكوري
ّ تمثل النموذج َّ المرارات النَّسوية المُ ختزنة في ذاكرة
ِ
تفردت فدوى طوقانُ في سيرتها
وبذلك َّ ّ
ل والتقشف، لم أعرفهن إال في ثياب التبتّ لفظة ال
ِ بيت ،وعلى المرأة أن تنسى وجودَ
ٍ األرض ،والتي
ِ التاريخ منذ والدة الحياةِ على
ِ
ترصد
ُ سوية،
ِ الكتابة النَّ
ِ ستلب في حياة فدوى الم ِ ُ
يمتزج فيه ّ
تأزمُ ُ درامي
ِّ ببوح
ٍ الـ»جبلية» هن ُ
المنديل األبيض فيما ّ شعرهن
ّ يغطي في اللغة إال عند شهادة (ال إله إال اهلل) في تسج ُل مواقف قهر الرجل للمرأةِ وعصفه ِّ
برز وعيمما يُ ُ
الذات األنثوية بتأزم اآلخر؛ َّ بقلق
ٍ ُ
األنثوية الذات
ُ لهن ليس قعيدات الجدران المحيطة، ُ
اللفظة وضوئها وصالتها ،أما (نعم) ،فهي شخص «أبيهاِ طوقان في بكيانِها الروحي والعاطفي ،وهيمنتِ ه عليها
الكتابة النسوية ،وا ّتصافها باألعماق الداللية. تلقي طبيعة ِّ َ وتوج ٍس ّ لهن حياة خاصة ،صبايا
صديقات ،ليس ّ الببغاويّ ة التي ُت َّ
لقنُها منذ الرضاع ؛ لتصبح « ،وأخيها «يوسف»، وإنسانيا؛ وهكذا أخضعت
ًّ واجتماعيا
ًّ فكريًّ ا
ً َّ
تأزم الذات األنثوية المبدعة في ظل المجتمع إلبداعها،
ِ
ُ
الكبت قبل بشعر شائب ،ووجوه جعّ دها
ٍ ملتصقة على شفتيها فيما بعد كلمة صمغية وتمثل في السيرة الذاتية نوال السعداوي التاريخ اإلنساني للمساءلة
االستالب االجتماعي غريب
ٍ األوان .كان تزويج البنت من رجل مدى حياتها كله» . ْ
وأخضعت اإلشكالية النَّسوية،
ِ من منظور
ُ
اإلبداع؛
ِ وموقفه من هذا ُ ُ لبنت الشاطئ في أبيها
َّسوية،
ِ الكتابة الن
ِ قديمة من
ٍ منذ مرحلة ابن العم
ُ فإما
َّ يتعارض وتقاليد العائلة، وتقول «كانت الدار أشبه بحظيرة كبيرة للمساءلة
ِ العربي بصفة خاصة َّ المجتمعَ
َ
طبيعة وتوج ٍس
ّ بقلق ُ
األنثوية ُ
الذات ترصدُ تصف ُ فاألديبة مي زيادة ُ البقاء على العُ ذرة حتى
ُ شقيق األب ،أو بالعلف
ِ تملؤها الطيورُ الداجنة ،يُ لقى إليها ومحاوالته المتواصلة الالإنسانية
ِ ُ ُّ
حيث تظل الوضعية ُ واإلدانة؛
ِ
ٍ
المجتمع إلبداعها ،وموقفه من هذا ِ
ِّ
تلقي التلقي بأنّ ُه فضول ِّ هذا القبر» . ً
قانعة به ،وكان نقاش ،راضية
فتزدردهُ دون ٍ لحرمانها من حق التعليم ُّ
رأس مظاهر التخلف والرجعية للمرأةِ على ِ
التلقي تصف هذا ِّ ُ
فاألديبة مي زيادة ُ اإلبداع؛ َ
إنَّ الرجل في طرح فدوى طوقان يستأثر ذلك غاية الغايات ،ونهاية النهايات .كانت المجتمع في رؤيتِ ها. واالستبدادِ في هذا
ِ ّ
وترقب ،ال تقديرا أو إكبارا والحب والزواج والعمل ِ
ّ
بأ ّنهُ فضول وترقب ،ال تقديرا أو إكبارا. بالعوالم الروحية والجمالية ،ويحرمُ األنثى رسالة تلك الطيور الداجنة تقتصر على َ
تخلق ْ
استطاعت نوال السعداوي أن وهكذا
ً ُ رح جديدة على صعيدِ إبداعها َ
عالية تصف درجة أما فدوى طوقان فهي َّ نقص من حدودِ مما يُ ُ
العوالم َّ
ِ من هذه تفقيس الفراخ الصغيرة واستنفاد أيام العمر لها لغة َط ٍ
من التأزم بين ذاتها األنثوية المُ بدعة، حرم على
تدين أباها الذي َّ
ُ اتساعها؛ فهي بين حلل الطبخ النحاسية الكبرى وبين البحث فيُ واألدبي فقد أوصلها
ّ الفكري
ّ
حيط بها ،و ُت ِّ
فسرُ ِ التقليدي المُ
ّ والمجتمع نساء المنزل الغناء والعزف بينما أباحهما ً
صيفا حطب المواقد الدائمة االشتعال اللغوي
ّ مساءلة
ِ َّسوية إلى
ِ جذور اإلشكالية الن
بخوف مجتمعاتنا التقليديةِ ّ
التأزم هذا لنفسه «مادام يحب الطرب فلماذا يحرمنا وشتاء» .
ً سميح
ُ ُ
يقول الشاعرُ إنَّ فدوى طوقان كما للغة
هت ِ فوج ْ
والميثولوجي واألنثربولوجي؛ َّ
من وعي المرأة القارئة الكاتبة المبدعة، ثم ترك فيها ُن ً
دبة العزلةّ ،
ِ االنتحار ،ثم إلى من العزف والغناء» . وتقول «حق التعبير عن النفس محظو ٌر القاسم «قدَّ مت في هذه المذكرات شيئًا إدانتها النحيازها للذكورة؛ وألنها «تخاطب
و ُترجعُ هذا التأزم إلى ً
عميقة تمثَّ ْ نفسي ًة ُ
عال تصف فدوى تجاهل عليها ،الضحك والغناء من المحرمات، وصراحة عن بصدق جديدً ا هو التعبيرُ المرأة بصيغة المذكر؛ كل شيء مذكّر في
المجتمع
ِ اتصاف هذا
ِ ثرية
لت في صورة رمزية ٍ َّ رمزي ٍ
ٍ طرح
ٍ وفي ٍ ٍ
ُ
باالزدواجية والفصام .تقول« لقد كانوا هي انحناءة الظهر التي الزمت فدوى. ُ
فترمز هذا األب لذاتها اإلنسانية واألنثوية ُ
الرجال اختالسها بعد أن يغادر
ُ ويمكن
ُ ُ
هموم المرأة العربية؛ فالمرأة العربية لم اللغة؛ حتى اإلله والشيطان والموت ..كلمة
الزي األوروبي ويتكلمون الفرنسية
ّ يرتدون الجبلي َة يالحظ أ َّنه
ُ ّ إنَّ قارئ هذه السيرة لتغييبه هذه الذات بإشارته لها بضمير ِ ُ
االستقالل الشخصي (األرباب) إلى أعمالهم،
ُ تكتب عن هذه الهموم َّإل بالرمز والتلميح الضمير في اللغة مذكرة مثل كلمة إنسان .ال
واإلنكليزية والتركية ،ويأكلون بالشوكة أمام مسيرة الذات اإلنسانية ،ال األنثوية
َ ُ
الغائب .تقول «كان أحيانا إذا أراد أن يُ بلغني
ِ ً
غائب؛ ال حضور له إطالقا فيٌ مفهوم تبوح بكل شيء،
ُ واإلشارة ،وجاءت فدوى يوجد في اللغة مؤنث كلمة ضمير» .
الحب ،ثم يقفون
ّ والسكين ،ويقعون في مناخ َ
بوضوح هيمنة يلمس
ُ ُ
حيث فقط، ُ
كنت ُ
يستعمل صيغة الغائب ،ولو أمرا
ً حياتها». . الجمال والعذوبة ،وفي أسلوب بالغ
ٍ في جبلية
َّ في السيرة الذاتية المتميزةِ «رحلة
ِ ٍ ِ
بالمرصاد كلما حاولت إحدانا تحقيق الشخصيات
ِ واالستالب على
ِ القهر ألمي :قولي ُ ً
حاضرة بين عينيه؛ كان يقول ّ وحين تصف فدوى تفاصيل اغتيال ُ َ ُ
تبرز فدوى طوقان القهر وشجاعة.
ٍ صدق الشاعرة واألديبةُ
ُ رحلة صعبة» تنفردُ
ٍ
إنسانيتها عن طريق التطور الطبيعي ،أو اإلنسانية في هذه السيرةِ فاألنثى تكابدُ للبنت تفعل كذا ..وكذا» .
ِ جسدُ هذه الوقائعَ في ُ
واستالبها ت ِّ
ِ األنثى ً
الذكوري ماثل في والدِ ها وأخيها يوسف
ّ خاص
ٍ بطرح الفلسطيني ُة فدوى طوقان
ّ
ٍ
التطلع إلى األفضل واألحسن .كانوا يمثلون والرجل يكابدُ
َّ قهر الرجل واستبداده بها، أصلح لشيء ،إنه
ُ يؤمن أنني
ُ وتقول «إنه ال التشخيص وإبراز
ِ ُ
ترتكز على لغة إبداعية
ٍ في الكشف عن
ِ ورجال العائلة ،و ُت ُ
وغل تأز َم وضعية ُ
لهذه اإلشكالية ؛ فهي ت ُ
برز ُّ
ِ
رندة حجازي
قد عانوا عيشة الحيوانات وراء قضبان الواقع غيابًا
ِ ولكن حضوري كان في جمود اإلنسان العربي ،وعجزه الكلي عن
ُ
أعيش تلك األقفاص الحديدية ،ولقد ُ
كنت إلى أبعدِ حدود الغياب…!» كما تصف مشطورة» .
ٍ االحتفاظ بشخصية واحدة غير
وتطرح هذا الحلم في صورة
ُ العيشة فعال» . معاناتها من التّ شظي ،والصراع الداخلي َّ
تدين هذا المجتمعَ ؛ ألنه منعَ
ُ ولذلك
السياجات/
ِ هدم كل
َ أخرى تتمنى فيها الناجم من االضطرار للخضوع من جهة، الذات بازدواجيته وسطحيته تدفق
القيودِ فتقول« كم ُ
كنت أشتهي النوم تحت جهة
والرغبة القوية العارمة في الثورة من ٍ مما قولَبها في أسر
فكرا وإبداعً ا ؛ َّ
األنثوية ً
السماء ،ال سقف من فوقي ،وال جدران أخرى .تقول« هذا العالم ظل شديد الوطأة «القالب الفوالذي
ُ والتبعية .تقول
ّ التفاهة
.وتطرح
ُ من حولي ،وال أقارب بجانبي…» علي الشعور على نفسي حتى لقد سيطر يسمحون لنا
َ ُ
الذي يضعُ نا فيه األهل ،وال
ّ
ً
أليمة هي ظفرُ المرأة ً
«مفارقة فدوى ُ
كنت على وعي بمهانة بالعبودية والقسر، ُ
بالخروج عليه ،القواعدُ المألوفة التي ِ
القروية البسيطة بهذا المعنى السامي من هذا الوضع ،وبعجزي عن تحطيمه والخروج ُ
الخالية من العقل، يصعب كسرها ،التقاليدُُ
الحرية ،والذي يعني القدرة على التوحد من إطاره؛… هكذا قام خصامٌ ال هدنة فيه البنت في قمقم التفاهةُ ،
كنت َ والتي تضعُ
االحتفاظ بجوهر
ِ مع الوجود ،والقدرة على بين نفسي المقهورة بالكبت ،وبين الواقع مستمرا إلى االنطالق خارج مناخ ً ً
توقا
الوقت
ِ قهر ،في
دون مداهمة أو ٍ َ نقيا
الذات ًّ
ِ المتجهم الذي أحياهُ ،مما أوجد في نفسي الزمان والمكان ،والزمان هو زمان القهر
الذي عجزت فيه المرأة المدنية عن الفوز شقها إلى نصفين».انفصاما ّ
ً والكبت والذوبان في َّ
اللشيئية ،والمكانُ
بهذه الحرية رغم مطالبات الجمعيات سجن الدار» .
ُ هو
ُ
اإلبداع على ُ
يبرز والمؤسسات الحقوقية. ً
و ترصدُ من الذاكرة مشهدً ا رمزيًّ ا عميقا في
رأس مسارات الخالص والدروب الموصلة داللته على قهر إبداعها ،وهو مشهدُ سرقة
ّ
للحرية في هذه النماذج من السيرة الذاتية. قراءة السيرة
ِ عند حملة التفتيش التي
ِ المفضل على يد قلمها
اإلبداع إمدادَ األنثى تنسب مي زيادة إلى
ُ ِّ
العائلة؛ مما يُ ذكرُ بالسيرة
َّ داهمت منزل
ِ الذاتية لنوال سعداوي
الكون،
ِ الذات ،ومعرفة
ِ معرفة
ِ َ
بالقدرة على الذاتية للكاتبة لطيفة الزيات «حملة تفتيش-
التمسك بالحرية في كل ّ والقدرة على وكذلك أعمالها الروائية أوراق شخصية» والتي جعلت فيها السلطة
صرنا ومستوياتها .تقول« نعم معانيها ُ
سنالحظ أنّ ها والقصصية، التنفيذية ً
رمزا للقهر الذكوري والمجتمعي
تُ ِّ
نكتب ،ليس بمعنى تسويدِ الصحائف ُ وسع من الدائرة الداللية
ُ المتصدي لحرية الفكر السياسي واإلبداعي
فحسب ،بل بمعنى االنتباه للشعور قبل عامة.
لقضية قهر األنثى في
االختالء بذواتنا؛
ِ التحبير .لقد خبرنا استالب الذات في السيرة الذاتية
ِ مالمح
نتفر ُس
َّ فأقبلنا على تفهُّ م معاني الحياة؛ المجتمعات العربية ،وترى النسوية
بأبصار جديدة ،و ُنصغي إلى
ٍ في المشاهد حلقة فيً هذا القهر االغتراب،
ُ من أبرز هذه المالمح التَّ شظي،
ُ ُ
ونشوق إلى منتبهة،
ٍ األصوات بمسامع سلسلة القهر العام الذي والعجز أو انعدامُ الشعور باالنتماء،
ُ
طروبة ،ونعبِّرُ
ٍ بقلوب
ٍ واالستقالل
ِ الحرية عن االندماج باآلخر .تصف نوال السعداوي
اإلخالص في
ُ بأقالم يشفعُ
ٍ النزعات
ِ عن
يتعرض له المجتمع العربي خطر االغتراب الذي هدّ د ذاتها األنثوية
وصاحت العمدة، وجه ّ
المشققة في نموذجا
ً تمث ُل
أما نوال السعداوي والتي ِّ َّ ُّ
تحث نفوس
ٍ الهتافات َّإل أصوات
ِ ُ
أصوات ُ
األمر لكذلك ،وجرأتنا هذه لم تبدَُ تردّ دها .إنَّ ُ
«كنت أعي ذاتي، المُ حاصرة بالقهر ،تقول
بأعلى صوتها أمام أهل قريتِ ها منذ نصف مغايرا لمي زيادة على الصعيد األيديولوجي
ً السير إلى المرأ َة والفتاة العصرية على اللئي َسبقنَنا ،وإقدامُ نا لم يألفهُ الرجلُ من َّ وكنت على وعي بأن الذات ال تتكاملُ ُ
ِ ٍ
قرن « إحنا مش عبيد».
ٍ ْ
اعتبرت ّفسي فقد والتكوين الن ّ
ِ واإلبداعي
ّ األمام» .
ِ خاص ٍة
َّ بنظرة
ٍ من سوانا ،والجمهورُ يرق ُبنا ّإل في الجماعة وكانت الجماعة هناك،
ُ
عند قراءةِ السيرة الذاتية لنوال سعداوي ً
خالصا وكينونة صدامية تواجهًُ اإلبداع تحررها
ّ ٌ
لألنثى الكاتبة سبيل
ِ ُ
واإلبداع ُ
تصف ِح نفس المرأةِ في ما تصف ُّ ً
تائقا إلى مسارات الخالص وراء الجدران التي ُتحاصرُ ني ،وبينها وبيني
وكذلك أعمالها الروائية والقصصية، الممارسات القمعية التي يعمدُ المجتمع من والروحي -في رأيها-
ّ االجتماعي والفكري
ِّ وليس في ما يرويه عنها الكاتبون» َ به ذاتها، ُ
أفترض أنَّ نماذج السيرة الذاتية التي بين مسافة قرون طويلة من عالم الحريم» .
ُ
سنالحظ أ ّنها ُتوسعُ من الدائرة الداللية تطرح نوال
ُ قهر الذات األنثوية.
خاللِها إلى ِ ُ ْ
أشادت بكتابات باحثة البادية؛ ومن هنا َ
.وتصف الكتابة -في حفل تكريمها -بأنها ُ جس ْ
دت كل هذه األحالم واختزلتها أيدينا قد َّ وتصف مذاقات الشعور باالغتراب ُ
لقضية قهر األنثى في المجتمعات العربية، لإلبداع السعداوي هذه الرؤية االعتباريّ ة ُ
حيث «لم يكن قلمُ ها إال شرار وميض قلبها، «كوخ» صغيرٌ ّ
يمثل لها الخصوصية ،والعزلة، في حلم «الحرية» الذي يتردد على لسان كلِّ واستالب الكيان بقولها «كان شعوري
ِ
ً
حلقة في سلسلة القهر العام وترى هذا القهر في اإلهداء الذي كتبته لجدّ تها في صدر كثير من
ٍ به اختبرت البيئة المصرية في ٌ ّ
والدفء والمأوى ،وبأنه لبنة في صرح كاتبة بصورة ما من الصور المباشرة
ٍ أنثى ّ
باالغتراب يتكثف ،وبدأ إحساسي باستالب
الذي يتعرض له المجتمع العربي من أنظمة كتابها « معركة جديدة في قضية المرأة» مظاهرها ،ودرست المرأة المصرية في يكون
َ النهضة النسائية .تقول «أردتم أن الحرية لفدوى
ِ حلم ُ
أو اإلشارية .فلقد تمثَّ ل ُ أحالمي وأماني وتطلعاتي الطموحة يتخذُ
ّ
الحكم ،واستعالء القوى األجنبية ،بل تزيدُ ُ
تقول «إلى جدتي مبروكة ‘أم أبي’ ،المرأة ولما أن هالها ما شهدت به
جميع أطوارها؛ َّ الكوخ حجرا معنويًّ ا في صرح النهضة
ً هذا طوقان التوق في السفر والتحليق بعيدً ا رضيا». .
شكال َم ًّ
َ
إشكالية قهر المرأة ّ
التأزم؛ فترى من رقعة الريفية الفقيرة التي لم تعرف القراءة، مداد هو
ٍ ْ
غمست قلمها في وتعاسة
ٍ من ٍّ
ذل َ
النسائية ،ورمزتم بهذا العَ لم إلى راية تحرير عن أجواء القهر والتّ سلط والمراقبة .تقول االغتراب تعبِّرُ فدوى طوقان عن هذا
ّ ِ
ينقسم
ُ ُ
حيث سلسلة القهر العالمي
ِ ً
حلقة من وعاشت وماتت ،وشوَّ ْ
حت بيدها السمراء الناري ،وكتبت فصوال خالدات».
ّ سي ُ
ال قلبها َّ العقول من الخرافات واألوهام ،وما كانت «يقولون إن الذين عشقوا األسفار كانوا ُ
«كنت مع العائلة، بمفردةِ «الغياب» فتقول
يراني ويُ حس بكينونتي ووجودي» . غير تقليدية عبر عالقتها بأخيها إبراهيم ْ
تحررت بالطالق» . تحولت إلى أم عذراء ثم ُ
الصوت اإلنساني الذي الشعر بأنه
َ ُ
وتصف وبجواري ٌ
رجل نائم» . العالم إلى أسياد وعبيد ،أو قوى كبرى،
ُ
عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) ،فقد أما
َّ الذي مثَّ ل لها األب واألخ الكبير ،والصديق وتقول« في العشرين من عمري خفق قلبي عزلة
ٍ أعاد عالقتها باآلخرين بعد طول َ
الكتابة باعتبارها تطرح فدوى طوقان
ُ زوجها شريف
ُ ودول صغرى .وقد طرح
ٍ
ُ
أرجأت طرح رؤيتي النقدية حول طبيعة واألستاذ الذي ّ
علمها الشعر؛ فأغدقت عليه بالحب الثاني .عيناه كالحب األول كانت هي واغتراب فتقول «ولقد كان الشعرُ الذي الحبيب الصادق ،وعالم الوجد الصوفي حتاتة طبيعة فكرها وتوجهها هذا في
مغايرا
ً كتابتِ ها النَّسوية؛ ألنها تبدو نموذجا بسخاء،
ٍ من مشاعرها األنثوية المحرومة ُ
تركت الشمس .هربت من بيت أبي وأمي. ُ
العمل االجتماعي نشر ُته في الصحف هو ُ
تقول واالنعتاق الروحي من عذابات الحياة. مقدمة كتابها «معركة جديدة في قضية
ُ
ترتكز في مجال الكتابة النَّسوية؛ فهي ال خالصا من
ً ومثلت لها عاطفتها تجاهه ّ كتبي وأوراقي وأقالمي ومالبسي وصور ُ
استطعت أن أجعل منه الوحيد الذي «أصبح الشعرُ شغلي الشاغل في يقظتي المرأة» ،فربط بين رؤى نوال السعداوي
في صوتها اإلبداعي على األيديولوجي ّ
التأزم والوحشة ،واالغتراب والخوف .تقول ُ
ألتفت ُ
سرت في الطريق إليه ال طفولتي. ُ
ا يصلني باآلخرين وأنا قابعة بين جسر
ً ونومي ،في وجداني وضميري ،أصبح ح ِّبي الفكرية ،وبين عموم النظام العالمي ،وتأزم
الصادم مثل نوال السعداوي ،كما أنَّ فدوى «ومع وجه إبراهيم أشرق وجه اهلل الحب لسوء الحظ إلى زواج.
ُ ورائي .تحول جدران األتربة». الذي ظل طول حياتي حبا صوفيا ،ليس عالقة
ٍ الوضعية العربية ،بل أشار إلى وجود
صوت ميِ ُ
يختلف عن صوتها اإلبداعي في حياتي» . ُ
فتحت عيني على الجدران األربعة السوداء، الحب من عوالم الخالص في هذا الطرح الحب من
ّ بالمعنى الديني ،بل بما في هذا بين ما تواجهه نوال السعداوي في حركتها
زيادة المُ تسم بالمواجهة الناعمة للقهر الحر والحرية
الفرح ُ
َ مثل لها إبراهيملقد ّ داخل مطبخ في بيت قديم آيل للسقوط اإلبداعي يبعثه في أعماقي من نشوةُ شدة ،وبما وبين ازدواجية المعايير في الوضعية
الذكوري ،واالستالب االجتماعي .إنَّ عائشة علي فتقول« لقد كان الخوف يُ نغص ُ في حي بمدينة القاهرة اسمه المنيل». الحب في هذه الرؤية اإلبداعية بصفته
ُّ ُ
يبرز باهرة». العراق تحت العربية التي تسمح باستباحة
ّ ِ
عبدالرحمن ،رغم معاناتها من تسلط األب كنتأفراحي الصغيرة ،أما مع إبراهيم فقد ُ أما فدوى طوقان فقد كانت تجربتُ ها ،في
َّ جردة ،ال بصفته الواقعية المترجمة
المُ ّ ُ
اإلبداع في رؤيتها سبيال الستعادة ُ
يبرز مظلة النظام العالمي األميركي الجديد،
وممانعته في تعليمها وإعاقته رحلتها في ُ
.وتقول نغصات…» أشعر بالتحرر من كل المُ ّ المراهقة ،مع الحب األول سببا في
ِ سنِّ خالصا للذات
ً مادية ملموسة،
ٍ إلى عالقة الذات الضائعة التي استلبها األغيارُ تقول ومزاعم الديمقراطية الجديدة ،وثقافة
التعليم ،لم تفقد إيمانها بقيمة الرجل ،ولم ّ
تتنفسه الهواء الذي
ُ «أصبح هو وحده حرمانها من التعليم ،وإهانة إنسانيتها أقرب إلى
ُ ً
نقيا مكتمل
عالما ًّ المُ ستل َبةُ ،
يبرز ً «في استغراقي في عالمي الجديد عرفت والتعصب
ّ الخرافات والسحر والنفاق
تفقد تقديرها لشخصيته ودوره في الحياة؛ على يد أخيها يوسف .وقد تسببت هذه إبداع
ٍ يكون عملية
َ وأقرب إلى أن
ُ الحلم، الديني.
فقد وجدت من نماذج الرجال من ساندها، كثير من التداعيات النفسية الحادثة في ُ
الذات تتناغم فيه
ُ أرضيا
ًّ وفردوسا
ً مثالية، ً
اإلبداع آفاقا قصوى ُ
غايات ْ
بلغت ومن هنا
ٍ ِ
وكان سببا في دعم حياتها؛ فكان جدّ ها والروحية المؤلمة في تكوين فدوى ُ
مع اآلخر ،وتكتمل وتتماهى ،وتتحقق .وقد في رؤية نوال السعداوي وهي الحريةُ
َ ُ
الرجل األول في هذا العطاء .كذلك ألبيها مرت فدوى طوقان بتجربة َّ ترسخ داخلها
طوقان .من بين هذه اآلثار ما ّ يمثل هذا ا الحلم وهذه الرؤى الحب
ّ ظل نموذج
ٌ عائشة عبد الرحمن بمعناها المطلق ،واالنسجام مع الكون،
زوجها
ُ ُ
بعض أقاربها عونا لها ،أما كان من ارتباط الحب بالعار والعيب والفضيحة المجرد ألولئك المبدعات رغم
ّ في التصور الفلسفي الذي
ّ وتحقق الجمال بالمعنى
حب فريدة غير تقليدية عبر
ٍّ للمرأة المصرية الوسطية
وأستاذها الشيخ أمين الخولي فكان على إلى حدّ توقيعها على القصائد الغزلية بلقب منهن لتجربة واقعية
ّ تعرض كل مبدعة
ِ مزيج من العدل والنظام والمساواة
ٌ هو
رأس هؤالء جميعً ا ،حيث مثَّ ل لها األب عالقتها بأخيها إبراهيم مُ ستعار ،هو اسم الشاعرة العباسية «دنانير»، كفيلة بتنفيرها من الحب ،وجحودها مزاجا وروحا وفكرا؛ ألنّ ها ُ
والحرية .تقول «ربما هو حلمٌ من أحالم
والزوج واألستاذ الجامعي والصديق الذي َّ
مثل لها األب ولم تكتف بهذا بل حرصت على تصدير بعوالمه وغواياته ووعوده. لم تخرج من تجربة معاناتها الطفولة أن يصبح العالم من حولي أكثر
ُ عدالة ،إ َّنه
والحبيب؛ ومن هنا كانت سير ُتها الذاتية واألخ الكبير ،والصديق قصائدها الغزلية بجملة األصفهاني في أليمة بين
ٍ تفرقة
ٍ السعداوي في
ّ تقول نوال تسلط األب وممانعته ّ من أجمل األحالم، ٍ جماال وأكثر
طرحا فكريًّ ا وعاطفيا يُ جسد
ً «على الجسر» وصف «دنانير» وهي قوله «وكانت دنانير عالم الحب وعالم الزواج «كلمة الحب لم ولست مستعدة لكي ُ وأعزها على نفسي،
واألستاذ الذي ّ
علمها ً
في تعليمها وتثقيفها ُ
األنثوي مع الرجل ،ويُ بر َز الوفاء
َّ التَّ صالح عفيفة» ،تقول فدوى «وجعلت شريفة تكن هي كلمة الجواز ُ
كنت أغني مع الراديو أستبدل بهذا الحلم مال الدنيا أو زينتها أو
لرحلة العمر التي قطعتها مع هذا الرجل، الشعر؛ فأغدقت عليه ً
من هذه العبارة مدخل أحتمي به من عار للحب .لم نكف نحن البنات عن الغناء بفكر صدامي مع عموم ٍ ُّ
تظل القيمة اإلنسانية ثم
عروشها» .ومن ّ
وارتقابها فوق الجسر العالق بين الحياة من مشاعرها األنثوية الحب» .
ّ للحب .لم أسمع في حياتي أغنية واحدة الرجل ،ولم تتحول إلى -في رأيها -هي معيار الحكم على اإلبداع.
والموت لحظة اللحاق به في العالم اآلخر. في مقابل هذا الجانب المعتم من وقائع ُ
وتقول «الحب مصيدة الفئران عن الزواج». جسدُ نوال السعداوي إبداعي ُت ِّ طرح وفي
بسخاء
ٍ المحرومة ضارية
ٍ ذات
ٍ ٍّ ٍ
نموذج في رأيي
ٌ عائشة عبد الرحمن الذات الساردة ،وفي مقابل هذا النموذج تدخلها البنات آمنات مغمضات العيون مثل ولحظات توحدها بالكتابة،
ّ لحظات
ِ
المصرية والمبدعة المصرية للمرأة السيرة الذاتية ِّ
لكل ُ ُ
ِب للرجل تشتمل
المُ ستل المغمضة .يفتحن عيونهن مفزوعات.
ّ القطط خالصا
ً ُ ّ
طقوسها وتجليها التي تبرزها
المعتدلة ،الوسطية مزاجا وروحا وفكرا؛ وممن لم يتسع
ّ ُ
أشرت إليهن ممن
مبدعةّ ، الحب إلى جدران سوداء أربعة في
ّ تحول ُ
« كنت أحمل قلمي وأوراقي رتجى
ً وعالما مُ
ً
أل ّنها لم تخرج من تجربة معاناتها من ّ
تسلط ذكوري نموذج إليهن ،على
ّ ُ
المجال لإلشارة بناء آيل للسقوط هو بيت الزوجية» . وأغادر البيت .أمشي وأمشي دون
ٍ ٍ
بفكر
ٍ األب وممانعته في تعليمها وتثقيفها الخالص من النموذج الذكوري
َ مُ شرق مثَّ ل الحب تجربة قاسية في حياة نوال ُ
أبحث .أتطلع توقف .أتلفت حولي كأنما
صدامي مع عموم الرجل ،ولم تتحول المُ ستَ لِب… ،مثَّ ل الخالص من خالل منح السعداوي؛ ففي العاشرة من عمرها أ�عجبت إلى األرض والسماء والبيوت والعمارات
مريرة في عالقتها باآلخر
ٍ ضارية
ٍ ذات
إلى ٍ رئتاي ،هواء الصحة والعافية النفسية» . العاطفة المُ شبعة والمساندة الداعمة فكريا برجل وكادت تهرب ألجله حبا في عينيه، ً
مستغرقة في عملية ُ
كنت مذاق السعادة، أهرب
ُ والشوارع واألزقة .أبحث عن ٍّ
شق
ِ
ذات أنثويةٌ
الرجل والمجتمع ،وهي مع ذلك ٌ المصح النفسي
ّ وتضيف «لقد كان إبراهيم الزوج شريف
ُ أو إبداعيا أو نفسيا .هكذا كان واتضحت لها قسوة الوهم بعد ثالثين خلق نفسي ،وبنائها من جديد ،والبحث َ
سبعة فيه .أختفي داخله وأغلق ورائي
قوية شديد الضراوة في الدفاع عن حقها الذي أنقذني من االنهيارات الداخلية» .لقد حتاتة في حياة نوال السعداوي ،وكان عاما .وأحبت في سن العشرين ،وهربت مما شكَّل
الطموح عن إمكانياتي وقدراتي ّ
ِ باب واحدٌ لطرد األصوات.
أبواب؛ ال يكفي ٌ
ٍ
في التعليم ،ثم العمل والتثقيف والحب كان إبراهيم الصورة المغايرة ألبيها «أما األستاذ الدكتور أمين الخولي في حياة بالفعل معه وتزوجت وأخفقت تجربة ُ
وتقول «لم يكن أمامي إال ثرو َة وجودي»، أبحث عن الصمت داخل الصمت… أتلفت ُ
والزواج كما تشهدُ بذلك سير ُتها الذاتية. يطرب لغنائي وعزفي ،وكان
ُ إبراهيم فكان عائشة عبدالرحمن ،وكان جبران في حياة الزواج ،تقول «تزوجت للمرة األولى تحت االنعزال الكامل في قلب العالقات البشرية أذهب .أسيرُ بحذاء نهر
ُ َ
حولي ألعرف أين
يكافئني أحيا ًنا ببعض النقود أو بهدية مي زيادة ،وكان إبراهيم طوقان في حياة اسم الحب الكبير .قصة طويلة بدأت وأنا المتشابكة من حولي ،والهروب من زمني ُ
أحملق في المياه أمد ُ
أتوقف لحظة النيل.
ناقدة من مصر معنيا
ًّ إبراهيم
ُ كثيرا .»..لقد ّ
ظل ً تسعدني فدوى طوقان. في العشرين من العمر فتاة عذراء ،وانتهت البائس إلى الزمن الروائي حينًا ،وأحالم ُ
وأقفز .أصحو من النوم قدمي فوق السور
بإعادة بناء نفسي ..كان هو وحده الذي حب فريدة
ٍّ مرت فدوى طوقان بتجربة
َّ وأنا في السادسة والعشرين زوجة عذراء اليقظة والشعر أحيا ًنا أخرى» . مبللة بالعرق .األوراق مبعثرة فوق السرير،
رندة حجازي
بين الوردي والغذامي
حيدر علي سالمة
جربان هداية
يالحظ المتأمل في أدبيات عالم االجتماع العراقي الراحل علي الوردي ،كيف
استأثرت عليها إشكالية نقد البنية الذكورية/والهيراركية المسيطرة والمشكلة
لهوية وجسد المرأة في تاريخ الثقافة العراقية** ،تلك الهوية التي لم تتعرض
بعد إلى عملية قراءة ونقد وتفكيك وتأويل منذ الخمسينات حتى اليوم.
السبب في ذلك إلى سيادة «النزعة الحرفية واألرثوذكسية» في تحديد ويعود ّ
قضايا المرأة التي طرحها الوردي وحصرها ضمن أيديولوجيا التحرر المطلق
والدعوة إلى التمدن الشكالني للمرأة من خالل االقتصار على أحداث ّ
تحوالت
على مستوى المظهر الخارجي للمرأة
بأدنى اهتمام باألطر الذهنية والمفاهيمية جهة أخرى ،والذي طالما عكس «هيمنة .-)Europe،pp.3o-31 ً
محددا ضمن فضاء النص ً
لغويا ً
موضوعا المؤنث فضاء للتحرك والتساوق مع التعبير الثقافية واللسانية المتخصص فيها .بل
التي يشكّلها الوجود األنتيكي/األثري أيديولوجيا دولة البرهان والعقلنة المطلقة» وكما يبدو واضحا ،أن قضية تحوّ ل المرأة تصيرها إلى ذات
ّ المكتوب؛ إلى مرحلة ووجوه اإلفصاح» (د .عبداهلل الغذامي، على العكس من ذلك سنرى بوضوح كيف
القديم )antiquarian( المتحول إلى أشكال التي تصادر كل لغة ال تجيد التكلم بلغة من موضوع لغوي إلى ذات فاعلة ،هي فاعلة ضمن الفضاء التاريخي .فلماذا لم المرأة واللغة ،المركز الثقافي العربي ،ط ،3 سيطرت «إبيستمولوجيا الفحولة الوضعية»
سردية وشفاهية تشكل صيرورة الخطاب البرهنة والسستمة المنطقية الدقيقة. قضية إشكالية قبل كل شيء ،وال يمكن يعمد الغذامي إذن ،إلى تحليل ونقد «فلسفة ،2006ص .)11 التي طالما حاول الغذامي نقدها وتفكيكها
في التاريخ. فليس من الغريب إذن أن يتم تغييب لنا التعامل معها بواسطة أسلوبيات الـ»كن ثمة
اللسانيات الشكالنية/الوضعية» ومن ّ يتضح من النص أعاله كيف أن اللغة في مؤلفاته سابقة الذكر ،ذلك ألنه لم يعمل
وهذا ما أدى إلى سيطرة النزعة اإلمبريقية لغة األديان الفولكلورية/الشفاهيةoral( فيكون» حيث يحصل هذا التحول بمعزل االنتقال إلى تأويل مفهوم الذات النسوية الوصفية قد أحكمت بقبضتها على ناصية على تشكيل مقاربات نقدية مبتكرة بين كل
والوضعية في معالجة قضايا المرأة )folkloric religionsالتي تخترق لغة أديان عن السياقات األيديولوجية والرمزية الفاعلة من خالل مفاهيم الشعرية ومناهجها مجمل مفاهيمه ،فلم يخبرنا الغذامي عن من :النقد النسوي؛ والنقد األكاديمي؛ ونقد
والتراث ،في منهجية الغذامي خاصة الفحولة الطبقية المسيطرة في كل عصر. القارة والثابتة والمؤكدة والمكررة على الثقافية واألسلوبية والبالغية والسردية، كيفية تحول المرأة من «موضوع لغوي» منطق المناهج والنظريات األصولية السائدة
وبعض المفكرين العرب عامة ،حيث إذن كيف يمكن للمرأة أن تقهر أيديولوجيا مدار التاريخ .ربما كان من باب أولى أن التحرر من النزعة الحتمية المسيطرة
ّ بهدف إلى «ذات فاعلة»؟ ولم يفكك الحلقة والمعتمدة في قراءة وتحليل بنية الوجود
يتم فصل النص text عن مجمل أبعاده الفحولة وهي ال زالت خاضعة تحت يتم حصر هذه اإلشكالية ضمن فضاء ّ على لسانيات الفعل أحادية التوجه؟ المنطقية المفقودة بين جدل الموضوع/ النسوي في الواقع الثقافي السائد .وهذا ما
الثقافية واالجتماعية والسوسيو -ثقافية سلطة فحولة الالهوت المثالي/الرسمي، أسلوبياتها الثقافية )cultural styles( بهدف بعبارة أخرى ،إن تعاطي الغذامي مع مفهوم الذات/الفعل؟ وكيف يمكن أن تتحوّ ل المرأة جعل من مفهوم «نقد األيديولوجيا» غائبا
واللسانية والتي تؤثر جميعها على عملية بمعنى آخر ،إن مفهوم التحول الذي طرحه رصد وتشخيص مجمل األشكال الهرمية المرأة كـ»موضوع لغوي» أدى إلى تثبيت من موضوع لغوي إلى ذات فاعلة دون ومغيبا في مؤلفاته سابقة الذكر العتماده
تكوين وتشكيل النص ،وإلى أن يكون أي قطيعة لالنتقال
الغذامي لم يشكل ّ والتراتبية التي تمثل في مجملها عمل متعال للمرأة وتحديدها ضمن
ٍ أنموذج البحث في جينالوجيا الذاكرة االجتماعية على منطق الوصف والتوصيف وليس
السبب كما رأينا سابقا في عدم توجيه التاريخ الشكالني الذي يعكس نماذج فلسفة لغة وضعية/ولسانيات شكالنية؛ النقد والتفكيك ،في حين أن هذا يمثل روح
أي اهتمام نحو إعادة النظر الغذامي ّ ّ
ومطلقة تتمثلها المرأة قبل أن مثالية وإلى تجريد مفهوم act من وظيفته في وجوهر مشروعه في النقد الثقافي.
بعالقة اللغة والكالم النسوي بسلطة الطراز تتحول إلى ذات فاعلة .لهذا ال يكفي ربط اإلنجاز/والفعل ليغدو مجرد قانون/ومعيار لهذاَ ،غ ُلبت اللغة الوصفية/الوضعية على
باألشكال البدائي )archetypes( المتمثل كما يبدو واضحا ،أن قضية حركة تحول المرأة وانتقالها من «موضوع ( )normativeقار وثابت ومحصور ضمن
ّ مشروع الغذامي يهدف معظم مؤلفات الغذامي ،ال سيما فيما
الشعائرية والميثية واالعتقادية الراسخة ّ
متكلمة» لغوي مكتوب» إلى «ذات فاعلة حدود عمل اللغة وتمفصلها مع الجانب يتعلق بعالقة المرأة بكل من :اللغة والوجود
تحول المرأة من موضوع
ّ إلى إعادة اكتشاف
في لغة وبالغة الوجود اليومي للمرأة. بسلطة النص الرسمي المكتوب ،وتجاوز المعجمي أو القاموسي )lexical( والنحوي والتاريخ .هذه العالقة التي سيطرت عليها
فكيف أمكن لمختص في فلسفة النقد لغوي إلى ذات فاعلة، بالغتها الفولكلورية ومنظومة اآلراء ( )grammaticalوالسنتاكسي.)syntactical( تاريخية الوجود النسوي «إبيستمولوجيا الكتابة الفحولية الوضعية»،
ّ
يتخطى الثقافي والدراسات الثقافية أن هي قضية إشكالية قبل القيمية واألخالقية التي ُتهيكل ذهنية وهذا ما سيجعل بطبيعة الحال ،من شكل في أدبيات الثقافة بمعنى آخر ،إن الغذامي اعتمد على سياسة
مجمل تلك األشكال السردية والشعرية التي كل شيء ،وال يمكن لنا وكيان المرأة وتشكل أحكامها عن طبيعة اللسانيات المسيطر والسائد على طروحات العربية من خالل رصد هذه الكتابة في نقده وتفكيكه لواقع المرأة،
تأسست عليها مناهج الدراسات الثقافية
ّ وجودها في العالم .وهنا يتوجب علينا الغذامي هو ( ،)linguistic actأي اللسانيات التي ولم يعمد إلى نقد سلطة المنطق المسؤولة
التعامل معها بواسطة تحوالت المرأة من مرحلة
في الفلسفة الغربية والدراسات األدبية تفعيل منطق البحث والتحري )inquiry( في تتمركز حول التحليل الشكالني والنظري عن تغييب األنوثة في التاريخ .وذلك ألنه
والنصية واألسلوبية وما شابه؟
ّ والنقدية أسلوبيات الـ «كن األسلوبية الطوبولوجيا بنية ونظام للتاريخ والثقافة .لهذا فإن قضية االنتقال ً
موضوعا تمثلها بوصفها وكما يرى أن «كل الذي حدث هو غياب
وكيف أمكن تجريد هذه الدراسات من فيكون» ( )stylistic topologyليتسنّى لنا إعادة فهم مجرد كونها «موضوع لغوي
ّ بالمرأة من ً
محددا ضمن فضاء ً
لغويا األنوثة التام عن التاريخ ألنها غابت عن اللغة
وظيفتها في اإلنجاز/والفعل act وتحديد وتأويل إشكالية تحول المرأة من موضوع وضعي» إلى كونها «ذات فاعلة متكلمة» وتفردت الفحولة باللغة
ّ وعن كتابة الثقافة،
النص المكتوب
مواقع اشتغالها ضمن أيديولوجيا النظرية/ لغوي إلى ذات فاعلة ذلك ألن هذه الذات ال يمكن له أن يتحقق دون تفكيك بنية ومسجال بالقلم المذكر
ّ فجاء الزمن مكتوبا
واأليديولوجيا ،لتتحول في خطابنا الثقافي ال يمكن لها أن تكتشف وجودها في فضاء تاريخ المنطق التي سيطرت على فلسفة واللفظ الفحل .وظلت الحال على هذا
العربي إلى مجموعة من األسس والمبادئ بالمرأة من سيطرة الجماعات الرسمية النص الرسمي/العقالني المكتوب فقط ،بل لت/ووجهت
ّ اللغة واللسانيات .وبالتالي شكّ المنوال حتى جاء زمن امتلكت فيه المرأة
المنطقية الوضعية واإلمبريقية الشكالنية -الفحولة التي تتعامل مع المرأة بوصفها ّ
المتكلمة ال بد أيضا من التركيز على المرأة مسار فلسفة التاريخ المحدد بأطر وغايات يد الكتابة ،وكتبت ..فهل تراها تملك القدرة
والمنغلقة على مجموعة من الحقائق موضوعا لغويا -إلى جماعات الفضائل المتجسدة في التاريخ والوجود الواقعي
ّ وضعية وقطعية تتجاوز المتخيل البالغي والمؤسساتية المتحكّمة في صيرورة إنتاج على تأنيث اللغة أو أنسنتها لتكون للجنسين
والمعايير المطلقة ذات الصالحية األبدية، والشعائر (- )ritual groupsحيث تتحول المرأة في العالم .فهي هنا تنتج نصوصا اجتماعية والثقافي ألنطولوجيا الوجود اإلنساني كتل نسوية التاريخية؟ وكيف أمكن للغذامي معا ،أم أن اللغة قد بلغت منها الفحولة مبلغا
في حين أنها تأسست في الفكر الغربي إلى ذات فاعلة ومنفعلة باللغة الرمزية وثقافية المتناهية في مملكة فضاء الرأي في التاريخ .والستعادة هذا المتخيل كان الفصل بين األبعاد اإلستيطيقية واللغوية ال سبيل إلى مدافعته؟ وهذا العمل ليس
على فكرة تقويض ميتافيزيقا المنطق في الميتافورية ليست البرهانية والعقالنية.- الثقافي العام ( )public opinionبمعزل عن ينبغي على الغذامي أن يحقق قطيعة والثقافية الضرورية إلعادة اكتشاف بالغة بحثا في أدب المرأة وليس دراسة فنية
تاريخ الفلسفة والثقافة الغربية؟ ولماذا نجد ربما ألن الغذامي لم يكن معنيا بتفكيك شروط النص اإلبداعي الشكالنية .والالفت إبيستمولوجية ومنهجية ونظرية الكتشاف القول النسوي المكبوت والمسكوت عنه في جمالية ،ولكنه بحث وسؤال عن المنعطفات
ثمة تعددا في استعمال مناهج
أن هناك ّ بنية الوجود النسوي بقدر اهتمامه باستمرار أن الغذامي عندما حاول إعادة قراءة خرائط المرأة الفاعلة ،وهذه القطيعة تتمثل في متخيل الثقافة العربية؟ والتمفصالت الجوهرية في عالقة المرأة
أي ظاهرةالعلوم اإلنسانية عند دراسة ّ استقرار البنية stable structure خاصة البنية الجسد النسوي المتمفصلة بين ثنايا الخطاب شعرية الفعل التاريخي المتخيل)poetic act( وإذا كان مشروع الغذامي يهدف إلى مع اللغة وتحوّ لها من (موضوع) لغوي
ثقافية عامة في الفكر الغربي ،في حين أننا التقليدية الشكلية ( .)formal structuresولهذا الديني ،لم يتجاوز تمركزه المنهجي حول -للتوسع حول مجمل المفاهيم المذكورة إعادة اكتشاف تاريخية الوجود النسوي إلى (ذات) فاعلة ،تعرف كيف تفصح عن
نجد حالة من الضيق واالنحسار في التعدد السبب لم تحفل حفرياته عن جينالوجيا سلطة التراث من جهة؛ وسلطة الالهوت أعاله (ينظرHayden White،Metahistory،The: في أدبيات الثقافة العربية من خالل رصد نفسها ،وكيف تدير سياق اللغة من (فحولة)
المنهجي وفي نقد النظرية المتعالية والفقر المرأة في تاريخ الثقافة العربية اإلسالمية المثالي )theological idealism( الرسمي من historical imagination in nineteenth century تحوالت المرأة من مرحلة تمثلها بوصفها متحكّمة إلى خطاب بياني يجد فيه الضمير
تقويض النزعات الحرفية واألرثوذكسية )disciplinaryوالتفاعلية الرمزية والثقافية، في إنتاج المفاهيم والعوز األبدي في إبداع
التي تحوّ لت إلى «معايير ثابتة ومطلقة ألنه كان يرى أن ذلك سيساهم في تحوّ ل القراءة والتأويل؟
الصالحية» لدى أساتذة وعلماء االجتماع مناهج العلوم االجتماعية والفلسفية إلى ّ
في مقابل ذلك ،سعى العلمة الوردي ومن
في العراق .وهذا أمر طبيعي في ظل غياب علوم لتأويل التاريخ الثقافي واالجتماعي خالل تفكيك سلطة المنطق األفالطو-
ثقافة تأويل المناهج والتفاعل مع حقول للوجود اإلنساني. أرسطي في تاريخ العلوم االجتماعية
العلوم اإلنسانية األخرى المسيطرة .ويمكننا ولهذا السبب الرئيس جرى إقصاؤه والثقافية التي تحوّ لت بفضل هذا المنطق
أن نعتبر موقف الوردي من واقع تحديث واستبعاده ،ألن مثل هذه الطروحات ال تخدم إلى علوم وضعية إستاتيكية راكدة وقارة
وتحويل المرأة في العراق المثال األقرب فحول األكاديمية وتوجهاتها الهيراركية من في أيديولوجيا القوانين الكلية واإلمبريقية
إلى مصداقية ما طرحناه أعاله. جهة ،وفحول السلطة السياسية من جهة العامة ،إلى إعادة نقد اللغة وتقويض المنطق
ختاما ألم يُ فعّ ل الوردي منطق الدراسات تمت المحاربة من الجانبين،
أخرى .وبالفعل ّ في سبيل تجاوز تاريخ الحتمية اللسانية
الثقافية والنقد الثقافي من خالل تقويضه وتم توجيه «ضربة فحولية واحدة» إليه. والسوسيولوجية المسؤولة عن استمرار
لسلطة المنطق القديم وتأويله لمفاهيم فعلى المستوى األكاديمي والثقافي شهدت سياسة لسانية وأسلوبية واحدية في تاريخ
الثقافة والمجتمع والوجود والتاريخ؟ ألم أغلب الكتابات والمؤلفات التي كتبت الثقافة عامة وتاريخ المرأة خاصة ،والتي
يكن أكثر راديكالية من الغذامي في نقده لطالما عملت على تهميش ومصادرة الكالم
وتفكيكه «أليديولوجيا المثالية الدينية الرمزي )figures of speech( للكائن النسوي.
األفالطونية» التي شكّلت شخصيات وهذا ما يجعلنا نعود بصورة مستمرة
ّ
مزدوجة ومنشطرة على نفسها بين عالمين: فعل الوردي منطق ألم ُي ّ العلمة وضرورية للغاية إلى طروحات
عالم يفترض وجود فضائل منطقية مفارقة الوردي .لكن ،على الرغم من أهمية هذه
الدراسات الثقافية والنقد
ومحايثة في آن؛ وعالم «الوجود األنتيكي» الطروحات ومعاصرتها المستمرة لمسلسل
القديم المتحوّ ل إلى بنية وأنظمة وشيفرات الثقافي من خالل تقويضه االنقالبات الثقافية والتحوّ الت السياسية
أخالقية مستبطنة في شخصيتنا والشعورنا لسلطة المنطق القديم في واقعنا اليوم ،إال أننا نالحظ حالة من
وتوجه مجمل ممارساتنا وسلوكنا؟ ألم يكن
ّ وتأويله لمفاهيم الثقافة عدم االهتمام الجدي بأدبيات الوردي
الوردي ومن قبله المفكر السعودي عبداهلل االجتماعية ونظرياته في المنطق والفلسفة
والمجتمع والوجود
القصيمي هما األكثر راديكالية من الغذامي والكتابة التاريخية واالجتماعية ،وهذا
وهشام شرابي الذين مأسسوا قضايا والتاريخ يعود إلى سيطرة إبيستمولوجيا مشاريع
وإشكاالت النقد النسوي من خالل لغتهم الفحولة الوضعية العربية/اإلمبريقية ذات
الفوقية/الوضعية التي تصف وتفترض أكثر األبعاد الواحدية والتوجهات األيديولوجية
حري بنا أن نعدّ
ّ مما ُتفكّك و ُتقوّ ض؟ أليس
ّ التي لم يندرج ضمن فهرستها الفحولية
الوردي والقصيمي من المؤسسين األوائل الميتافيزيقية لتتوجه إليه أنظار المختصين
لفلسفة الدراسات الثقافية؟ ويجري التعامل معه بوصفه صاحب
مشروع ثقافي حاله في ذلك حال المفكرين
باحث من العراق عن طروحات ّ
العلمة حالة من «الجفاف العرب اآلخرين وإن لم يكتب بلغتم ويفكّر
الوضعي» و»التمركز التوتولوجي» على بمنطقهم .فلم يتصف الوردي بخاصية
** لالطالع حول تطور واقع وحياة المرأة العراقية، طروحات الوردي االجتماعية والتعامل معها معيارية منغلقة سواء في المنهج أو النقد
ضمن جغرافية وثقافة محيطها وتاريخها االجتماعي أي أو التفكير أو التنظير ،بل على العكس من
المنعزلة عن ّ
ِ من داخل العلوم االجتماعية
والثقافي ينظر كتاب علي الوردي «شخصية الفرد
تفاعل بين منهجي/وأسلوبي ،وهذا أدّ ى ذلك ،كان اول من قوّ ض سلطة النزعات
العراقي :بحث في نفسية الشعب العراقي على
بالضرورة إلى تكريس «أسلوبيات فحولية» الدراسات في واإلمبريقية الوضعية
ضوء علم االجتماع الحديث» ،ويمكن القول إن
الوردي حاول البحث والتحري في هذا الكتاب على وضعية لم تنجح حتى هذه اللحظة في االجتماعية والدراسات التاريخية والتراثية
ما اصطلحنا عليه بـ»االقتصاد الشعبي لبنية الحياة تشكيل ما اصطلحنا عليه بـ»األسلوبيات في آن واحد ،ال سيما في مؤسسات
البطريركية للمرأة المتمفصلة مع بنية الحياة الدينية األيكولوجية» التي تعيد تنقية وتأويل العراق األكاديمية .ولم يعمد إلى الفصل
والوعظية/المثالية/االزدواجية .نظرية مفاهيم ونظريات الوردي من جهة؛ وإلى بين التفاعلية المنهجية/التخصصية(inter
مايسة محمد
سوسيولوجيا قاسم أمين وإبستمولوجيا إمام عبدالفتاح
ماهر عبدالمحسن
جربان هداية
بين من قبل الرجل الذي دأب على حصرها في دائرة ضيقة ال تعرّ ضت لظلم ّ
تتجاوز تبعيتها ومن ثم خدمتها له.
ً
أيضا هذا التاريخ قيام بعض الرجال بالسباحة ضد هذا التيار كما يشهد
الجارف ،ومحاولتهم الدفاع عن المرأة ّ
ورد ،ولو جزء يسير من حقوقها
المهدرة كي تتمكن من مواصلة دورها الحضاري الذي تم طمسه بفعل فاعل ال
قلب له وال رحمة.
ً
النخراطه في الحياة اليومية واالجتماعية المرأة» بأنه هدف إصالح اجتماعي ،فيقول عصر قاسم أمين. و»نساء فالسفة»( .وقد وعد في نهاية كتابه قدم دراسة تنتصر لحرية المرأة وتتجاوز عددا من آراء قاسم أمين
يورد
لهذه األمة .فقاسم أمين -بهذه المثابة- «إني أدعو كل محب للحقيقة أن يبحث أي األحوال ال يحاول هذا البحثوعلى ّ «نساء فالسفة» بتقديم كتاب يتضمن نساء مجرد اآلراء المتشذرة التي يوردها المفكرين الغربيين الذين انتصروا
يبدو كمصلح اجتماعي .يفكر من داخل معي في حالة النساء المصريات ،وأنا على القصير أن يجيب على هذا التساؤل ،وإنما فالسفة من العصر الحديث) .هذا باإلضافة الفالسفة هنا أو هناك ،ربما لحفظ ماء للمرأة في كتابه «المرأة الجديدة» على
المشكلة االجتماعية وبوحي من أزماتها، يقين من أن يصل وحدة إلي النتيجة يحاول أن يبرز الكيفية التي عالج بها كل إلى آرائه حول المرأة التي أوردها في عدد الفكر في زمن لم يعد من الالئق به التفكير النحو التالي :قال سيملس «للمرأة في
ال كمجرد ّ
منظر يتأمل الظاهرة ويعالجها التي وصلت إليها ،وهي ضرورة اإلصالح من قاسم أمين وإمام عبدالفتاح إشكاليات من المقاالت ضمن مقاالت أخرى تم جمعها ً
عموما وحرية المرأة بنحو ضد الحريات ألي أستاذ
مما ّ
تهذيب النوع اإلنساني أكثر ّ
من الخارج على نحو ما سنرى في مقاربة فيها»( قاسم أمين ،تحرير المرأة ،القاهرة: المرأة في المجتمع ،فهو بحث فلسفي في في كتاب «أفكار ومواقف». خاص ،فإن أبرز المحاوالت العربية في فيه ،وعندي منزلة الرجل في النوع منزلة
إمام عبدالفتاح .وليس أدل على ذلك من كلمات عربية للترجمة والنشر ،2012 ،ص.)9 المقام األول يعنى بالمناهج والنظريات والسؤال الذي يفرض نفسه ،لماذا أقدم هذا السياق إنما قد جاءت على يدي المفكر المخ من البدن ومنزلة المرأة منه منزلة
قول قاسم أمين نفسه «إني أكتب هذه ويأتي هذا اإلصالح ضمن حاجة إلي إصالح أكثر مما يعنى بالمضامين التي تحملها هذه إمام عبدالفتاح على تقديم هذا المشروع ورجل القانون قاسم أمين في بداية القرن القلب» ،وقال شيلر «كلما وجد رجل وصل
السطور وذهني مفعم بالحوادث التي أشمل ينال األمة بأسرها «ال أظن أنه يوجد المناهج وتلك النظريات .كما أنه يترك للقارئ بعد مرور قرن من الزمان على كتابي قاسم الماضي من خالل كتابيه الشهيرين «تحرير بعمله إلى غايات المجد وجدت بجانبه امرأة
وردت على بالتجربة ،وأخذت بمجامع واحد من المصريين المتعلمين يشك في مساحة للتفسير والتأويل ،ومن ثم صياغة أمين؟ المرأة» و»المرأة الجديدة» ،واللذين يؤرخ محبوبة» ،وقال روسو «يكون الرجال كما
خواطري»( المرجع السابق ،ص.)22 أن أمته في احتياج شديد إلى إصالح اإلجابة التي يراها. اإلجابة ال تخرج عن أحد احتمالين :إما أن بهما لبداية عصر جديد للمرأة يفصلها عن تريد النساء ،فإذا أرادت أن تجعل الرجل من
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الخلفية شأنها»( المرجع السابق ،ص.)8 1-الخلفيات الفكرية إمام عبدالفتاح قد رأى أن المرأة العربية تاريخ طويل من العبودية سادت فيه النزعة ّ
فعلم النساء الهمة ذوي الهمة والفضيلة
الفكرية لقاسم أمين ،والتي أسهم في ويحدثنا قاسم أمين في أكثر من موضع قد تتقارب الغايات وتتشابه الوسائل ،لكن لم تزل تعاني من إهدار لحقوقها وكبت الذكورية في كل مناحي الحياة االجتماعية والفضيلة» ،وقال فنلون «إن الواجبات التي
تشكيلها عمله بالقضاء وبالقانون ،األمر عن حاجة األمة لإلصالح والوسائل المؤدية النظرة المدققة تكشف لنا عن اختالفات لحرياتها رغم مرور هذه السنين الطويلة. والسياسية واالقتصادية والفكرية .كما تطالب بها النساء هي أساس الحياة
ً
قريبا من المشكالت االجتماعية الذي جعله إليه ،وكيف أنها شعور داخلي يدفع اإلنسان جذرية بين ما قدمه قاسم أمين وإمام وإما أنه وجد في محاولة قاسم أمين جاءت المحاولة األكثر معاصرة في بداية اإلنسانية…» ،وقال المارتين «إذا قرأت
التي كانت تعاني منها األمة المصرية في إلى التعبير عن كل فكرة تطرأ على ذهنه عبدالفتاح في مقاربتهما لموضوع المرأة. ً
قصورا ما ،فعمل على استكمال هذا القصور األلفية الثانية على يدي المفكر العربي كتابا فكأنما قرأ زوجها ً المرأة
ذلك الوقت ،وهي نفس العوامل التي لتخرج إلى النور وتسهم في تقدم األمة. وإذا عدنا إلى المقدمات التي وضعها حتى يكتمل بذلك المشروع الفكري العربي، إمام عبدالفتاح إمام من خالل مشروع وأوالدها؟»( .قاسم أمين ،المرأة الجديدة،
سوف تمكّنه من إيجاد الحلول القانونية والحقيقة أن شعور قاسم أمين بحاجة المفكران لمؤلفاتهما ألمكننا أن نضع أيدينا الملقى على عاتقه مهمة تحرير المرأة فلسفي يضم أربعة كتب حتى اآلن هي القاهرة :مطبعة الشعب ،1911 ،ص ص123
لهذه المشاكل .وعلى ذلك فال يستغرب أن األمة عامة لإلصالح وحاجة المرأة بنحو على قدر معقول من هذه االختالفات. العربية ،خاصة في ظل المستجدات التي علي الترتيب« :أفالطون والمرأة» و»أرسطو .)-124
نعثر لديه على مباحث من قبيل «الزواج» خاص لإلصالح ،إنما يأتي كنتيجة طبيعية فقاسم أمين يحدد هدفه من كتابه «تحرير طرأت على الساحة ولم تكن موجودة في والمرأة» و»الفيلسوف المسيحي والمرأة» وإذا كان جون ستيوارت ميل هو أول من
ً
ثانيا :إن ما قامت به النساء الفيثاغوريات عن طبيعة الرجل ،فإنها ال تقل عنه ً
أبدا ،ال
ليس فقط مجرد اقتحام لمجال الفلسفة من حيث القدرة ،وال من حيث القيمة»( د.
ً
-أيا كان موضوعها -وإنما تلك الروح إمام عبدالفتاح ،نساء فالسفة ،مرجع سابق،
والعقلية النسائية عندما تنشط وتعمل في ص .)25
اتجاه التأمل والتنظير .وهو ما نراه اآلن ويحذر إمام عبدالفتاح من االعتقاد بأن
في الفلسفة النسوية المعاصرة -األكثر النساء الفيثاغوريات كتبن فقط في
ً
نضجا -والتي تجاوزت فكرة مجرد محاكاة االقتصاد المنزلي ،أو أن الموضوعات
الرجل وإثبات الذات والوجود في مواجهته التي كتبن فيها تدور حول رعاية الطفل
بالقيام بذات األعمال واإلبداعات التي يقوم وتربيته ،ودور المرأة في المنزل والمجتمع.
بها .وإنما على العكس من ذلك تقديم إبداع وفي المقابل يدعو إلى قراءة نقدية
مواز يصطبغ بالصبغة النسوية التي ال يمكن فاحصة ومدققة للشذرات التي تركنها
أن يصل الرجل إليها مهما بلغ من قدره ومن هؤالء الفيلسوفات حتى نخرج بنتيجة
عبقرية .وليس أدل على ذلك من مجال هامة مؤداها قدرة هؤالء الفيلسوفات
العلم الذي ظل لسنوات طويلة يقدم على على توظيف مفاهيم مثل «الهارمونيا»
أنه محايد ال دين وال جنس له ،حتى ظهر و»التناغم» و»االنسجام» لتطبيقها على
ً
مؤخرا ما يعرف بأنثوية العلم .وهو اتجاه بنية الدولة وإدارتها وعلى بنية األسرة
ً
موازيا التجاه العلم الذكوري جديد يأتي وإدارتها« .فإذا كان فالسفة الفيثاغورية من
الذي أسسه الرجل على مدار التاريخ. الرجال قد اتجهوا بجهودهم نحو تفسير
ونحن في هذا الصدد ضد المحاوالت ً
رياضيا يجعل نسيجه ً
تفسيرا العالم الكبير،
النسائية التي تريد التشبه بالرجال لمجرد العدد والنعم ،فإن فالسفة الفيثاغورية
إثبات مساواة سطحية وساذجة كأن تقوم من النساء اقتصرت جهودهن على العالم
المرأة بالدخول في حلبات المصارعة أو الصغير ،أعني :علي الفلسفة بالمعنى الواسع
حمل األثقال أو كمال األجسام ،أو محاولتها للفظ الذي يشمل األسرة والدولة في آن
خوض مجال االستشارات الزوجية لتقديم ً
معا»( نفسه ،ص .)26
الدروس في العديد من القضايا لزبائنها من وبالرغم من أن إمام عبدالفتاح يستمر
الرجال. ً
مبرزا في استعراض النساء الفيلسوفات
أي األحوال ،إذا كان لنا من كلمة نقولها
وعلي ّ تنوع موضوعاتهن التي امتدت إلى نظريات
في نهاية هذا البحث القصير ،فهي أن أفكار الحب وخلود النفس ،ووصلت في العصر
قاسم أمين كانت ثورية في زمانها وقد أدت الحديث إلى الكتابة عن «الثورة» وعن
دورها ،وأن أفكار إمام عبدالفتاح ثورية في «العنف» وعن «الحرية» ،وعن «حياة العقل»
هذا الزمن وسوف تؤدي دورها .وستحتفظ إال أن ما يستوقفنا هنا هو تراث الفيلسوفة
هذه األفكار جميعها -كتراث فكري عربي الفيثاغورية التي نجحت في فلسفة حياتها
أصيل -بثرائها وخصوصيتها على الدوام، اليومية:
بحيث تمثل لنا الزاد الذي سيعيننا على أوالً :إن هذه المنطقة هي التي تشترك فيها
الطريق نحو النهضة ونحو الحرية ونحو امرأة إمام عبدالفتاح مع امرأة قاسم أمين،
الكرامة. ً
أيضا والفرق بينهما هو فارق تاريخي وهو
باحث من مصر فارق في الوعي .فإذا كان قاسم أمين قد
اهتم بتقديم نظرية تربوية تؤهل المرأة
للقيام بواجباتها المنزلية والعائلية ،فإنه
لم يعمل على إعداد امرأة تقدم هي نفسها
مايسة محمد
نظرية في التربية.
ً
موضوعا للكتابة الذات المؤنثة
أمل بشري
تجارب روائيات مغربيات
أحمد ضحية
اطالعنا على ما توفر لدينا من نصوص قصصية ومجموعات نسوية من خالل ّ
جربان هداية
مغربية تنتمي ألجيال مختلفة (الستينات مرورا بالثمانينات من القرن الماضي
وصوال للراهن) نالحظ عدم وجود فوارق قطعية بين هذه المراحل فالقصة
عند مليكة مستظرف ،نجاة السرار ،عائشة بورجيلة أو فاطمة بوزيان تنطوي
على بعض ما انطوت عليه القصة عند خناثة بنونة بشكل من األشكال ..ربما
ثمة ُبعد عن التقريرية والمباشرة كما عند مستظرف بورجيلة وبوزيان ..ربما
ثمة تطور في أسئلة الكتابة ،لكن هذا التطور ال ينفي أنه متصل بما سبق ال
منفصل عنه ،مع التأكيد على أن القاصة المغربية استطاعت في كل مراحل
تطور سردها (شكال ومضمونا) طرح أسئلة جريئة تتعلق بالخلل البنيوي الذي
يعتري البنى االجتماعية كما عند :خناثة والسرار ،وتمكنت من اقتفاء أثر
هذا الخلل كما عند مليكة والسرار وبورجيلة وتتبع تجلياته على الشخوص
المهمشين غالبا وانعكاساته على الذات اإلنسانية بعامة ،في هذا العالم
المضطرب سريع التحوالت كما عند بوزيان.
النص القصصي النسوي المغربي القصير، ال كإنكار يهوذا ولكن كإنكار التجاوز عديدة تتعلق بالمنسي والمهمل ..تتعلق زمن التحوالت المتسارعة التي شملت كل لخلل جوهري في البناء االجتماعي ،فهم هذا الجزء من بحثنا عن القصة
في
رحلة شبيهة برحلة جلجامش في الالنهاية والتخطي ،في عصر السقوط المدوي بالغاضب والساخط على كل شيء ،ونجد العالم دون استثناء ،وكانت إفرازاتها السالبة كشخوص ليس لديهم تصور مضاد أو غير النسائية المغربية اخترنا نماذج
بحثا عن الحقيقة والحب والجمال بحثا عن لألفكار الكبرى ..وبعد هذه نصوص ال تريد لغة الشعر المبثوثة هنا وهناك بكل ما لها تحديدا أشد قسوةً على عالمنا النامي مضاد للمجتمع ،وما يصدر عنهم ما هو إال محددة لنشتغل عليها تتمثل في «العزلة
اإلنسان بما هو إنسان.. أن تبشر بسوى اإلنسان المتطلع لتحقيق من عذوبة ،كما نجد النثر الجميل يتشذر وتمزيقا للذات اإلنسانية منها على العوالم انعكاس لتعاطيهم مع األبنية المختلة نفسها، الموقوتة» لخناثة بنونة و»ذبابة» لمليكة
ذاته المحاصرة ،بأسئلة السلطة المربكة في في السردي المتواصل ..األيديولوجيا أيضا التي اكتمل نموها أو في طريقها لالكتمال. بقوانينها الضاغطة وما ينتج عن اشتغال مستظرف و»الزغاريد المؤجلة» لنجاة
يوم استثنائي لفاطمة بوزيان عالم يتداعى على رومانسيتنا ..وشاعريتنا كان لها نصيب فيما هيمنت به على جيل القصة القصيرة المغربية المكتوبة بأقالم هذه القوانين من تمزقات تعتري وتشمل كل السرار و»لنرسو على شاطئ الحلم» لعائشة
النقد الجذري لواقع االنهيار والهزيمة وبراءتنا التي نفتقدها اآلن في تداعيه على خناثة بنونة فهتافاتها هنا منذ غروب شمس نسائية تتبدى ال كنصوص غارقة في جوانب الحياة ،بحيث تبدو الذات اإلنسانية بورجيلة و»يوم استثنائي» لفاطمة بوزيان.
واألحالم باستخدام ضمير المتكلم بما هذه اإلحساسات والقيم الجمالية النبيلة الثمانينات من القرن الماضي في النماذج همومها المحلية رهينة االجتماعي والثقافي في هذا التمزق :مختطفة ..مهضومة، القصة النسائية المغربية في جانب منها
له من سلطة أغرمت بها بوزيان ،تستهل تداعي األكلة إلى القصعة فما الذي حصلنا التسعينية ونماذج األلفية الجديدة ،كرجع والسياسي ،فهي أكثر من ذلك حالة تسام تحاول اإلفالت من قبضة اليومي .في هذا كما ذكرنا سابقا تنهض في الخلل البنيوي..
راوية يوم استثنائي حكايتها معه «أنظر عليه سوى أشياء نبيلة شكال لكنها أفرغت لصدى بعيد متالش في الالنهاية السردية، إنساني كوني يعكس كل ما يموج به حاضرنا الفضاء اإلنساني المتمزق والممزق للفرد في تحليل الواقع االجتماعي ،خالل رصدها
إلي أني أسمع بعيني ..أال ّ
إليه يتكلم يخيل ّ من محتويات عزيزة علينا ،محتويات يخلفها حجر يلقى أشبه بالتموجات التي المضطرب الموبوء بأمراض عصرنا بوتائر كمجمع كبير للقمامة،
ّ تبدو المدينة المغربية لتفاصيل الحياة اليومية عبر شخصيات قد
تتكلم… العيونhttp://www.syrianstory.( .».. تبعثرت في الفضاء الواسع والمتعدد تعدد على بركة ساكنة ،حيث تتبدى التموّ جات إيقاعه المتسارع الموتور الذي يتشيأ فيه يحتوي كل ما يصعب تصوره من سقط تبدو للوهلة األولى كشخصيات سايكوباتية،
)com/f-bozayanne.htmفهذه الراوية الجالسة وسائط التكنولوجيا ..فالتكنولوجيا احتلت الدائرية ،كتلويحة غريق في ظلمة ماض َّ
ويتعلب عبر اإلسفير َّ
ويتسلع بل اإلنسان السلوك البشري ،واألفكار المريضة (انظر: كما في شخوص مجموعة مليكة مستظرف
إلى خطيبها الذي لطالما اعتقدت أنه عالمنا الشاعري الجميل لنصبح مجرد ملفات أشد عتمة من غبرة األفق في روايات الماسنجر ،وهي إشارة مزعجة كسؤال عن مليكة مستظرف-ترانت سيس) ال تعبر هنا (http://www.doroob. سيس» «ترانت
استثنائي ،بحكم أن حياته في أوروبا تركت مرفقة تفتح وفقا لبرامج الوندوز أو الفيستا ماركيز ..إنها نصوص الجيل التسعيني دفء المشاعر والعواطف اإلنسانية. عن المدينة المغربية الكبيرة فحسب ،بقدر )com/?p=1746لكنها في الواقع شخصيات
طابعها على مظهره وسلوكه تبدأ في مراقبة الكومبيوترية ..وبعد هذا جزء من رحلة واأللفي الجديد التي تنكر األيديولوجيا، إلى جانب هذا السؤال الكبير نجد أسئلة ما تعبر بها وفيها كرمز للمدينة عموما ،في مهمشة ومسحوقة سلوكها رد فعل
األيديولوجيا الرهيبة تنهار ..فيفقدان معنى نص خناثة بنونة «العزلة الموقوتة» فبطلة «بينما بدأ الغرب يتحدث منذ أكثر من الكبير في الوعي اإلنساني بالمرأة في مراحل حياتها ..مع أنه كان يحكي لها عن كل شيء فيه «بمحبة وإعجاب ..وودّ ..
وجودهما الذي ال يمكنهما تصوره بمعزل عن هذا النص مناضلة تسهم مع الرجل في قرن ونصف عن الكتابة النسوية ،وعن الشرق لن يزيله تبني الشرق لنمط الحياة مغامراته ،ما يعني تعزيز قدرته الجنسية بدأت أشيده بداخلي قطعة قطعة ،من
التصور الذي تمنحهما له األيديولوجيا ،فهذه لملمة أطراف الهزيمة إزاء العدوان األجنبي بناء الخصوصيات الجمالية في هذا الغربي أو االندراج في فضاء العولمة شكليا في نظرها ..فالمجتمع يغض الطرف عن كل ما أعجبني ،رأيت وتخيلت رجاال ،منذ
األيديولوجيا ككل األيديولوجيات بالنسبة على األمة. الجانب منذ عام 1840نجد أن الثقافة أي مضامين إنسانية تتجذر في وعينا
دون ّ ممارسات الرجل لكنه يقف للمرأة بالمرصاد، خالط ذلك السيل الهرموني الحارق دمي»،
إليهما هي الوطن قبل أن تكون كمشروع العربية بدأت تتحدث عن الكتابة نفسها اإلنساني والكوني ،فعال ..فالتحديث ومن رغم أن التطورات على مستوى التصورات فهي تظن أنه «عصري في كل شيء ،ال في
نهضوي يخلص هذا الوطن. العزلة الموقوتة ..خناثة بنونة: منذ أواخر القرن التاسع عشر ،تحديدا مع ثم الحداثة مضمونان عزيزان ونبيالن األيديولوجية ال يمكن أن تسبق التطورات مظهره فقط ..كان يتحدث عن مغامرات
«العزلة الموقوتة» لخناثة بنونة هي قصة انهيار األيديولوجيا والتبشير باإلرهاب بدايات ظهور الصحافة النسوية عام ،1892 على الروح العالمثالثية المنهكة الباحثة عن على مستوى سلوك الناس الواقعي اليومي، تفوق خيال تلك القنوات التي… واألفالم
الهزيمة والخسارة الفادحة للشعارات العنوان الذي انتقته خناثة بنونة بدقة بظهور صحيفة «الفتاة» لمنشئتها هند قيمة العدل والتحرر من موابق الماضي المرتبط بأبنيتهم الثقافية واالجتماعية.. التي… للتو كان حديثه يفيض بغزوات نهود
النبيلة التي لطالما تغنيا بها ويشاهدانها اآلن ثورية «العزلة الموقوتة» (http://www. نوفل بالقاهرة» (http://www.arab-ewriters. بأخطائه الفادحة ،فالتحديث والحداثة إذن تركها ومضى بسبب قصة الحب وظمأ وارتواء .»..كانت مقهورة بتصورها
تغيب خلف أفق غامض تملؤه الهواجس )syrianstory.com/banota.htmدال على ما .)com/?action=ShowItem&&id=5330 والعولمة كمفاهيم متحولة تتعدى الشكل العذري اليتيمة التي عبرت حياتها أيام له فهذا التصور ،يستحوذ عليها فتتفهم أو
والمخاوف والظنون ..أفق أغبر ال تفصح خلفه انهيار األيديولوجيا التي تعتنقها وحول النسائية والنسوية في الكتابة يجدر إلى الجوهر ،فهي ليست مجرد استهالك الجامعة «أجبت :مرة واحدة أيام الجامعة تدعي تفهم فوضاه الجنسية ،فهي مشوشة
فيه المالمح عن نفسها ،فكالهما لم يعد بطلة القصة غير المسماة ،ورفيق دربها بنا هنا اإلشارة إلى ما أوردته دكتورة رشيدة لكل جديد في التكنولوجيا والتقنية ،سواء زميلي… كنا نتبادل البوح وأشعار نزار تظن أنه آخر ..كمنتج غربي يتم تسويقه
يملك إجابة بعد انهيار نظام تفكيريهما ،بل وحزبها المناضل سعد ،فمن ركام األسى بنمسعود في «كتابها المرأة والكتابة :سؤال كانت ارتياد كافتيريات كمفهوم للفضاء واألحالم… أخرج الخاتم من إصبعه .وضعه لدى المغيبين العالمثالثيين ،لذا تتصور أن
لم يعودا قادرين حتى على طرح األسئلة الخصوصية بالغة االختالف» والذي اتخذ العام في الغرب لعدم وجود فضاء خاص، ما بينهما حوار حضارات أو ثقافات ..إلخ
الصحيحة التي تجنبهما مزالق الغياب أو من خناثة بنونة نموذجا تطبيقيا «عن بمعنى ليس تحضريا استقبال أحدهم من إكليشيهات ال تسمي األشياء بأسمائها
اإلرهاب «لم يكن ليفصحا فلقد استهلكا خصوصية هذه الكتابة انطالقا مما تكتبه في بيتك فهذا فضاءك الخاص ..أو اقتناء الحقيقية ،رغم أن كل ما بينهما هو تأكيد أو
معا ما بنياه ،وهما ..أو واقعا :التغيير ..البناء التخلف الكبير في الوعي المرأة ،وبذلك تشكل الخنساء المنطلق موبايل من ماركة البالك بيري ،أو حاسوب القاصة المغربية استطاعت موافقة على «أسروداته» البائسة التي تخلو
الجديد ..واالنتماء للزمن المتحرك ..كان قد لتلمس البداية األولى ( )..وجود خصوصية الب توب من ماركة دل أو سيارة همر ..ومن أي فلسفة عميقة للحياة كما يدعي من ّ
اإلنساني بالمرأة في طرح أسئلة تتعلق بالخلل
سألها :وما العمل» ،فبطلة القصة المنشغلة جنينية تلقائية فيما تكتبه المرأة ،وهي ثم إذا كانت «قرونا من المواعظ اإللهية، كخبير غربة واغتراب وتغرب ..كانت تسمع
بالقضية والمتفاعلة مع هموم شعبها وأمتها، الشرق لن يزيله تبني حساسية ناشئة عن عاملين األول :ما دام والكثير من أساليب حيوات القديسين البنيوي الذي يعتري فقط وتكرر «عادي ،عادي جدا ،»..بوزيان
وقبل كل ذلك حزبها ،تع ّبئها األحداث التي الشرق لنمط الحياة الغربي هناك إقرار بوجود اختالفات بين الجنسين فشلت أن تجعل من اإلنسان مالكا ..وإذا البنى االجتماعية كما عند: تورط القارئ في النص ،إذ تحاول ربطه
تجري بالغبن ،فتستجيب لما تبقى من نظام أو االندراج في فضاء في استعمالهما للغة فإنه ال يمكن فصل كان المثال السلبي يتم تقليده حاال ،فهذا خناثة والسرار ،وتمكنت بحوارات سحقها تعاقب الزمن ،لكن ظل
تفكير متداع داخلها ،وتقرر تكوين خلية عما هو لغوي ،ألن األدب لعبة
ما هو أدبي ّ يعني أن الفسق طبيعي ،وأن الخطيئة تاريخنا المعاصر ينطوي عليها ،فاإلعجاب
أي
العولمة شكليا دون ّ من اقتفاء أثر هذا الخلل
إرهابية «قالت :إن العالم يلغينا فيجب لغوية ،والثاني :حضور الثقل التاريخي الذي أي
أولية وأصلية وال يمكن أن نفعل تجاهها ّ منذ لحظة تمرحله إلى مودة وارتباط هذه
أن نحاربه بنفس لغته :الدمار ،ثم حاولت مضامين إنسانية تتجذر في يمايز بين الجنسين ،باعتباره مكونا فاعال شيء»( إ .س .كون .الجنس والثقافة .ترجمة كما عند مليكة والسرار المودة بالحسي فيما بعد ،بمعنى الحنان..
تكوين خلية لإلرهاب األسود ،فالموت ال وعينا اإلنساني والكوني فيما تكتبه المرأة القاصة ( )..الحضور المطرد منير شحود .دار الحوار .الالذقية .ط ثانية. وبورجيلة وتتبع تجلياته على والحب ببعده الجنسي ..هذه المفاهيم
يلغيه غير الموت» ،ليمثل اإلرهاب هكذا للبطل األنثوي القلق العاجز عن تحقيق 2001ص .)84 :واإلنسان بطبعه يستوعب المختلفة تصطرع في دخيلة حبيب
الشخوص
خيارها ومشروعها البديل وإجابتها على التجاوز نظرا الفتقاده لعنصر أساسي من من وسائط االتصال ما يروقه فقط ،ألن الراوية ،فهو كما تصفه كالسيكيات علم
األسئلة التي عجز الواقع عن تفسيرها.. عناصر القدرة/الفعل» (http://www.doroob. ذلك يجيب على حاجاته الداخلية ونظرته النفس األيديولوجي ..هذا الشخص جزء
فقد تداعى كل ما كانت تؤمن به من .)com/?p=16223 للقيم وتجربته المسبقة. من العائلة البطريركية النموذجية ،وبما أنه
مشروع نهضة خالل أيديولوجيا الحزب لكن هذا االستنتاج يصعب تعميميه، خناثة بنونة من مواليد فاس في أربعينات سيؤدي واجبه الزوجي -إذا تزوجها -عليه
الذي تفرق أعضاؤه أيدي سبا ،تتنازعهم وأغبرة المرارة يحاول بطال القصة أن يط ّ
ال إذ بقدر ما ينطبق على نصوص مليكة القرن الماضي ،أبرز أعمالها «يسقط الصمت» جنب الفنجان .أعطى النادل حسابه .حمل أن يطمئن منذ اآلن بالتأكد من ماضيها
خيارات التمزق والتيه ،فسعيد اختار أن برأسيهما ليتلمسا حدود هذا االنهيار المدوي مستظرف ،التي ناقشناها في الجزء األول التي صدرت في منتصف سبعينات القرن هاتفه اللوزي الصغير .حاسوبه الشخصي الغابر ،والواجب هنا ليس مفردة بل هو قيمة
يغيب نفسه عن الوعي بما حوله بالتدخين،
ّ الذي ضعضع نظام تفكيرهما الذي لطالما من هذه الورقة ،أعني نص «البريوات» الماضي ،إلى جانب مجموعتها األخرى الذي في حجم حقيبة يدي ..تزوجي زميلك عميقة الجذور قبل أن يكون مفهوما مرتبطا
وعبدالكريم اتخذ موقفا حادا من الحياة ظال يريان من خالله العالم والحياة والناس، ونص «هذيان» كذلك نص «امرأة عاشقة.. «النار و االختيار» ومجموعتها الموسومة إذن ..قالها وانصرف» .ليس مستغربا حرصه باألديان السماوية المألوفة والمعروفة ،مثل
برمتها فانتحر ،ونجيب عاد إلى حظيرة مثلت األيديولوجيا كنظام تفكير بل ّ امرأة مهزومة» الذي سنشتغل عليه هنا في «بالصوت والصورة» تجدر اإلشارة إلى أن على دفع الحساب للنادل ..تحاول الراوية هذا الرجل مفردات مثل «عادي ،عادي جدا»
الحزب المهشم يحاول ترميم ما انهار داخله بالنسبة إليهما أكثر من ذلك ،فهي :الهواء هذا الجزء من ورقتنا ،إال أنه ال ينطبق على وزارة الثقافة المغربية مؤخرا أصدرت أن تقول إن الرجل هو الرجل ،سواء عاش تخلخل كيانه ..لذلك عندما حكت له الراوية
من رؤية ورؤى ،وعلي يترك المطلق الذي الذي يتنفسانه ،والطريقة التي يحلمان نص زهور كرام الموسوم «ومضة» والذي أعمالها الكاملة ،كما صدرت لها مؤخرا أيضا تغرب في الغرب،
في مجتمعه المحلي أو ّ عن حب عذري عبر حياتها وهي طالبة،
يتجسد أمامه في كل شيء حوله ،ويمضي ويأكالن ويشربان ويمشيان بها ،وعندما عالجناه سابقا ،ففيه تنقلب األدوار ،وال تبدو مجموعة «الحب الرسمي» ..تعتبر خناثة تظل بنية وعيه الذكوري والتناسلي هي أصيب بما يشبه الصدمة ،فالمرأة التي من
ليبحث عنه حيث لن يجده قطعا في الطرق ينامان ويتوسدان أفكارهما تكون هي المرأة كفاقدة للقدرة/الفعل ..بل تبدو كذات بنونة من الجيل الرائد ،في كتابة القصة خالصة محرك وعيه بذاته ،كأسالفه يبيح واجبه أن يتزوجها هي تلك الشريفة الخالية
التي تفضي لإلرهاب األسود ،أو االنكفاء «المخدة» التي ينتظم تنفسهما فوقها ..هذه تتخذ القرارات ،وهو ذات ما نالحظه على النسائية القصيرة بالمغرب ،ويالحظ أنه لنفسه ما يحرمه على المرأة ،كما أن التخلف أي مر حلة من
أي رغبات جنسية ،في ّ
من ّ
أمل بشري
إزاء أسئلة معقدة .كما أن «المكان» دال على قصير «البرهة» تمر حياة بكاملها بأساها الصوفي ..وسعد رفيق حزبها وحياتها
العزلة أو الرغبة في االنفصال عن التمزق وأحزانها وتشتتها في مخيلتيهما ،لتكشف تتآكله الحيرة ،وال يعرف ماذا يفعل فقد
الخارجي ..إنه الشرنقة/الوطن البديل، هذه اللحظة السريعة عن مدى التمزق فقد إيمانه بكل شيء وأصبح يشك فيها
والمالذ اآلمن بما ينطوي عليه من ذكريات الكبير الذي يعيشه العقل األيديولوجي حتى هي نفسها .من قبل جهرا معا بالحنين
مشتركة لها خصوصيتها المعزولة عن العام.. من جهة ،ويعيشه اإلنسان والواقع العربي والجوى والعذابات الكبرى ،وحين أحبا
هذا العام الذي يمثل فضاء مسكونا بالهزيمة المتمركز حول أزمته من جهة أخرى ،ما بعضهما فألجل أن يحبا العالم ..أن يبنياه
التي داخلهما قبل أن تكون في هذا العام يعيد السؤال الجديد القديم للطرح مرة مع اآلخرين بهندسة مغايرة ،تعيد توزيع
«كان مسؤوال أمامها األنثى والوطن ،فعليه أخرى :هل ثمة أزمة واقع أم واقع أزمة.. اللقم واالبتسام فيه بالتساوي ،ولذلك عرفا
أن يفعل شيئا ،أن ينقذ ما تبقى ،وأن يطرق إنه سؤال سجالي مواز ومتقاطع في اآلن السجون بعد األعمال السرية التي تقوض
أبوابا ويكسر صمتا ،ويحرر حركة ويسمع نفسه مع األسئلة التي انطوى عليها نص لتبني.»..
أصواتا ( )..فأحس بأنه يخونها لو توقف، خناثة بنونة حول اإلرهاب األسود واآلخر من خالل لغة تقريرية مباشرة يتبدى الزمن
لذلك وضع يده على سترته المعلقة وخرج». والصراع الثقافي إلخ ..تمكنت بنونة في في «العزلة الموقوتة» قصيرا جدا فهو لحظة
خرج عن مالذه اآلمن ليواجه تمزقه هذا النص من توظيف الحوار كأداة تعبير واحدة ..هي اللحظة نفسها في االستهالل
الداخلي… ينضاف إلى ما سبق أن العزلة والخاتمة ،ففي االستهالل تهمس بطلة
الموقوتة كنص قصصي قصير يكشف عن القصة ،باسم رفيقها سعد «ألم تسافر .أم
الدور اإليجابي للمرأة في مشاريع التغيير ترى أن الجو منعك» وبدء من هذه اللحظة
السياسية ،فالمرأة هنا ليست موضوعا أو يتكشف المجتمع بأكمله في االستهالل تستخدم خناثة بنونة تقنية
حريما سياسيا أو ربة خدر ،فهي مناضلة االسترجاع والحوار الداخلي ،فتتداعى
كتعبير فادح عن أزمة
جسورة لديها القدرة على الفعل وتحاول بطلة القصة غير المسماة كما يتداعى رفيها
اإلسهام مع الرجل في صياغة المعنى الضمير اإلنساني خالل سعد في مستوى سردي مختلف ..ليشكل
االجتماعي العام لشعبها وأمتها ،كما يالحظ هذه المنطقة المعتمة تداعيهما المتصل معا مستوى سرديا ثالثا
على النص أنه لم يخل من مفردات الهتاف التي تراكمت عليها أغبرة حيث تمر في المستوى السردي األول
في سطوة اإلرث الذكوري ،كسلطة أنانية وجنها األسود ميمون من جهة أخرى.. كازا ،ذبيحة كبيرة ،ليلة كناوية وزيارة الولي التعبوي التي ربما أملتها طبيعته كنص الذي تمثله (البطلة غير المسماة) والمستوى
الثقافة التقليدية في
مستبدة عتيقة ،فحتى الدين كممارسة وللقط رمزية أسطورية فهو حارس عالم أو بويا بوعمر لطرد ميمون األسود» ،ونالحظ ملتزم. السردي الثاني الذي يمثله (رفيقها سعد)
يتبدى في مثل هذه البنى المتفسخة مجرد مملكة الموتى في الديانات النوبية القديمة، هنا لما لالسم (ميمون ) وللون (األسود) من نظرتها للمرأة .فالزواج هنا أخيلتهما كشريط سينمائي في لمحة عابرة،
ممارسة شكلية وزائفة تفتقر لجوهر الدين وفي الواقع حياة بطلة القصة تنتمي لعالم داللة مركزية في النظام الداللي العربي، المرأة :كذات مقهورة في «امرأة ال يمثل مملكة دافئة أو هي لحظة االستهالل التي تستمر حتى
األصيل ..ففي مثل هذه األبنية تبدو المرأة الموتى أكثر مما تنتمي لعالم األحياء «هو فاسم «ميمون» غالبا ما يطلق على الجن عاشقة امرأة مهزومة» لمليكة الخاتمة كمديات متنامية لهذا االستهالل،
مالذا آمنا وحميما للمرأة
مقهورة ومنتهكة إلى أقصى حد ،عاجزة ال يحب نعيمة سميح وأم كلثوم ،يقول إن والعبيد ،كما أن اللون «األسود» رمز للشر، مستظرف حيث تتنامى كل الصور واألخيلة وأفكارهما
قلقة مترددة مهزومة ،كما أشارت بنمسعود هذه النوعية من األغاني تجعله يتثاءب.. ّ
ولكل ما هو بغيض ..نالحظ أيضا أن الليلة من خالل توظيفها لضمير المتكلم «أنا» وتصوراتهما ،في الذكريات كدينامية
في سياق مختلف «زوجي األول هرب تاركا ال نخرج إال حين يريد هو ..ال نرتاد سوى الكناوية تقابل في السودان «الزار» كمالذ وتوظيف لغة الحوار ،تمضي مليكة مغلقة على مرارة الهزيمة ،تمور دواخلها
لي خازوقا ،وهذا الذي أحببته هرب وترك كيف حياتي
األماكن التي يرتاح لها هوَّ .. للتفريغ النفسي بموافقة المجتمع ،إذ يباح مستظرف لتستعرض إحدى بنى المجتمع باعتالجات وأشجان ومواجد وحنين إليمان
لي خازوقا آخر» ،فهل تتمكن بطلة هذه حسب رغباته وأهوائه ومزاجه ..رغباتي أنا.. فيه ما ال تتقبله الثقافة الشعبية السائدة: المنغلقة على ذاتها بالتقاطها من قلب في صميم األسئلة القصيرة المتقطعة متناء ..لعنفوان قضايا المصير العربي..
القصة من االنتصار لذاتها والتحرر من هذا أهوائي أنا ال يهم» .هذه البطلة ذات الوجود كتدخين النساء وما إلى ذلك من عوامل هذه البنية عنصر «العرافة « فالشخصية الدالة على المناخ النفسي المتوتر الذي فاألزمة التي خلفها انهيار األيديولوجيا
المأزق الوجودي الكبير ..تطرح مليكة من الملغى في الواقع هي تعبير عن صورة تسهم في طرد الجن ،بخلق المناخ المناسب المحورية في «امرأة عاشقة ..امرأة مهزومة» تشيعه القصة من جهة ،والدالة على المكان والحرب األطلسية برعبها النفسي واسع
خالل بطلتها المهمشة أسئلة اجتماعية المرأة المقهورة بما صاغته عليها األبنية لعملية الطرد كما يعتقد ..وفي الواقع مثل ( ،)http://www.doroob.com/?p=1746ال تكفيها المحدود والمحدد كذاكرة مشتركة بينها النطاق ،الذي لم يشهد له التاريخ مثيال
جريئة تؤشر على خصوصية الذات األنثوية االجتماعية المتخلفة ،فهي امرأة حبيسة هذه الليالي ليست سوى مالذ مشروع صكته معاركها مع اإلنس ،فالعرافة تزعم أن الجن وبين رفيقها سعد -أعني سكنهما/شقتهما- ينتهي بشخوص القصة إلى حيرة مدمرة،
وتعسف
ّ إزاء كل ما يحاصرها من ضغوطات أنساق مغلقة على قيم ومعتقدات بالية، الثقافة الشعبية المتخلفة وأعطته فرمانات هو ما يسكن جسدها ،وأن الجن هو الذي من جهة أخرى كمكان يناسب بمحدوديته ففي داخلهما ال يصدقان بعد ما آلت إليه
يشتغل في اليومي والحميمي والهاجسي تشدّ ها إلى الخلف وتضعها دوما في موقع المشروعية إلفراغ الحبيس والمكبوت.. جعل حبيبها يهرب منها «بيني وبينه سحر هذه اللحظة الهاربة من عمرهما النضالي األمور ..لتنتهي القصة بذات الهمس الذي
االجتماعي. المستجدي ،حتى عندما تحب .فقيم الحب توظف مليكة أيضا رمزية «القطة» والقط يجعله يهرب مني ،أخبرتني أن جنيا ‘أسود’ وتجاربهما الكفاحية التي قادتهما مرارا إلى حمله استهاللها «وفاجأه صوتها وهي تنادي
القهر والمقاومة في الراتب لنجاة السرار كمشاركة وتفهّ م ومسؤولية تتحطم أمام كإشارة لعالم الجن ،كعالم مواز للعالقة بين يدعى ميمون يسكن في جسدي» ،وهكذا المعتقالت ..هذه اللحظة المشحونة بالقلق أيضا سعد ،فانبغت وتوجه نحوها فوجدها
يمثل اختيار «الراتب» (http://najat60.jeeran. حواجز الثقافة السائدة التي تشتغل بناها بطل القصة وبطلتها من جهة ،وبطلة القصة تمضي لتقيم الطقوس المطلوبة «سيجارة والتحفز والتوتر الفكري والتيه اإلنساني تطل من باب المطبخ» ،ففي هذا الزمن
نصوصه الكبرى ..عندما تجد هذا الحبيب ال يطاق ،ال تتحرر منه هذه الزوجة سوى )/comكعنوان دال على مصدر الدخل ،بما
يحاصر العوازل حبهما ،ويتواطأ الواقع بالطالق «أنت طالق طالق طالق ..أحسست يمنحه من استقاللية للمرأة في هذا النص
االقتصادي الضاغط عليهما «وألن الغيورين حين أطلق سراح الحروف واستقرت في الذي يتحول فيه الراتب إلى أداة قهر
في كل مكان وزمان… فسرعان ما تسرب مسامعي ..الكلمة قد أصبحت خبرا قوض إضافية ،فالزوج المستبد يخير الزوجة
الخبر ..تأججت المشاعر فانسابت كلمات عالما وأذن بتأسيس عالم آخر»… من خالل المقهورة بين راتبها والطالق ،أو البقاء
من قبيل :دين سلف زمن صعب ..تفهمت ضمير المتكلم أنا في سرد متواصل ومتصل في البيت تحت رحمته ،أو االستمرار في
أن كاهله مثقل جدا» .في هذا النص تتداعى يقطعه الحوار الداخلي ،في تساؤالت العمل لكن بشرط إعطائه كل راتبها ،بمعنى
صورة المرأة كشخصية مستسلمة لقدر قصيرة متوترة يتبدى المكانّ :
عش الزوجية تجريدها من هامش االستقاللية التي
رهيب ال طاقة لها على مجابهته. كفضاء جحيمي ،يتخلله زمن نفسي ممتد يمثلها الراتب بالنسبة إليها ،فتصبح كامرأة
وفي نصها «وجهان» تغرق الراوية «ناظريها يؤرخ للقهر ومحاوالت اإلفالت من هذا عاملة مفرغة من مضمون ما يمنحه العمل
هناك في الغابة الممتدة حد النظر شرقا القهر. من إحساس باالستقاللية والتحرر… تعالج
وغربا وشماال وجنوبا ..واحة طروب ..بساط نجاة السرار هنا إذن من خالل قصتها
رائع ..فوقه صفت أزهار حمراء ،وردية، عائشة بورجيلة «الراتب» محاوالت الزوج المستبد في
صفراء ،بيضاء ،بنفسجية في نظام بديع، الحلم كبديل للمجابهة النيل من مكتسبات المرأة بأساليب مختلفة
تستمتع بأحلى نغم وتروي أجمل قصيد.. في قصتها «لنرسو على شاطئ الحلم» كحرمانها من هذه المكتسبات ،أو إفراغ
تحاور األطيار والفراشات وتتلذذ بالرحيق ()http://www.syrianstory.com/a.porgela.htm هذه المكتسبات من مضمونها بتجريد
الذي يمتصه النحل هنا وهناك ،ويسيل وبتوظيفها لضمير المخاطب «أنت» تعلن المرأة من مردود العمل ،بحيث يصبح عملها
لعابها عندما يقع على ثمار أشجار األركان عائشة تهربها من سؤل خصوصية السرد أشبه بحالة عبودية مقننة ،هذه الزوجة
المنتصبة بشموخ» ،عند عائشة السرد ليس األنثوي كتعبير عن ذاتية الذات األنثوية، التعسة التي تعاني سوء المعاملة ،يفيض
مجرد حكاية تكتنفها عقدتها وتنطوي على في إحالة أساسية منا للمفهوم البوزياني بها الكيل فتقرر الحفاظ على مكتسباتها،
حلها ،أو بنى حكائية صغيرة ترتص إلى لعمق وتجذر ضمير األنا في الكتابة والتمرد على الوضع المأساوي الذي فرضه
جانب البنية الكبيرة كما في الروايات، النسائية .في نص «لنرسو على شاطئ عليها زوجها «يجذب شعري يصفعني..
فهو مزيح ينهض في اإلشباع بالوصف الحلم « تحكي الراوية عن حلم أديبة ناشئة يعيد الصفعة على الخد األيسر ..أقاوم
لما حولنا من جمال ،غالبا ال تلحظه عيوننا غارقة في تخيالتها ككاتبة «مسابقة أدبية األلم ،الصفعة الثانية كانت أقسى ..كنت ال
العابرة المرهقة المالحقة والمختطفة من تلفت انتباهك ..الجائزة آالف الدوالرات… أزال نفساء وقد انصرمت عطلة أمومتي
قبل إيقاع الحياة المعاصرة السريع التي تجيبينهم بسخرية مرة بأنك ستفوزين سريعا» .تحاول هذه المرأة المقهورة برغبة
اعتادت الزحام والقبح المديني المعنوي وتلتقين عمالقة األدب» .فهذه القصة مديرها فيها ،والمحاصرة بالعنف الزوجي
والمادي ،فاستحالت الطبيعة إلى ما هو المكتوبة بلغة الخواطر العذبة ،ترحل بنا والطلبات األسرية ومطالب األهل اإلفالت
أشبه بالحلم لهذه العين التي أضناها الحنين على أجنحة الحلم ،فهي تحلم بكل كيانها.. من كل هذه اإلكراهات البغيضة ،وكعادة
إلى بيئات الشعر الغامضة التي اندثرت حتى قلبها ذاته يحلم بمن ينفض الغبار عن السرار في قصصها تهتم بإبراز المشكل
تحت وطء الرقميات وأرماث اإللكترونيات. غرفاته وشرفاته. االجتماعي ،إذ تكشف في هذه القصة عن
فالراوية في هذا النص تنتمي للطبيعة وفي نصها «ألوان» تنتقل بنا إلعادة طرح صورة مشوهة للرجل ،إذ يتبدى خاللها هذا
وتتفاعل معها فال حقيقة للذات اإلنسانية موضوع قديم متجدد أال وهو المرأة الزوج أشبه بالحيوان الهائج ،فهي قصة
إال في الطبيعة التي تكسر قناع هذا النص كموضوع ألذى الرجل ..فالراوية تتداعى لغتها مشحونة بالعنف الذكوري المستمد من
أمل بشري
لتسترد في عصرنا الراهن براءته المفقودة « «تجعلني أتصدى لكل الغاضبين ،وغيرهم مفاهيم خاطئة «للقوامة» التي ال تحدها هنا
كسرت المرآة التي أتعبها السؤال ..أين تكمن ممن قدر لي أن أكون ضحيتهم» فهذه العبارة أي شروط ،هكذا يتكشف المجتمع بأكمله
ّ
الحقيقة». مفتاحية بالنسبة إلى نص «ألوان» فالراوي/ كتعبير فادح عن أزمة الضمير اإلنساني
األنثى التي أدمنت مناجاة حبيبها الكامن خالل هذه المنطقة المعتمة التي تراكمت
كاتب من السودان مقيم بالواليات المتحدة األميركية في القلب ،أو في الواقع ..حيث أن شخصية عليها أغبرة الثقافة التقليدية في نظرتها
هذا الحبيب وموقفه غير محددين ،وهو للمرأة .فالزواج هنا ال يمثل مملكة دافئة أو
أشبه باستيهامي عابر كضيوف ماركيز في مالذا آمنا وحميما للمرأة ،إذ يتبدى كجحيم
مايسة محمد
حياة الرايس
جربان هداية
هو األدب المرتبط بطرح ومعالجة قضية المرأة وبحركات التحرير النسوية،
وهو نوع من النضال في سبيل حرية المرأة ونصرتها والدفاع عن حقوقها،
ومساندتها في صراعها الطويل والتاريخي ضد الالمساواة مع الرجل .وهذا
األدب يمكن أن يشترك في كتابته المرأة كما الرجل :بمعنى كل من يتب ّنى
سخر قلمه وإبداعه للدفاع عنها ،مثلما يدافع عن قضية وي ّ
قضية تحرير المرأة ُ
العمال أو الالجئين أو أي قضية من قضايا المستضعفين في األرض .بمعنى
هو مرتبط بقضية وليس بجنس معين .كما أن هناك كتابات نسائية ال عالقة
لها بقضية المرأة وال تحمل بالضرورة همّ ا نسويا خاصا .ربما تكتب عن قضايا
أخرى أو تكتب أدبا يعكس تطلعاتها ورؤيتها للحياة كإنسان متأثر بالمجتمع
ومؤثر فيه فقط.
تبقى مدونة ذكوريّ ة .إذ برأيهم أن األدب طاقاتها الرهيبة التي طمسها مجتمع الذكور، كانت عشتار ربّة الخصب والحب واألرض علمية سيكولوجية وفلسفية أنتروبولوجية. فاطمه» ..إضافة إلى عملي كمديرة مركز يحرجني وصف النقاد لكتاباتي
ال
الذي يكتبه الرجل هو األدب األصل .هو على مدى القرون وهي اآلن تندفع بكل والزرع. باعتبارها حاالت باتولوجية تستدعي ثقافي تابع لالتحاد الوطني للمرأة التونسية «باألدب النسوي» وأن أكون من
الجوهر وهو األدب اإلنساني األساسي وما قوة الحرمان والتحدي تبدع وتفتح عوالم وهي ملحمة شعرية في مديح األنوثة التحليل النفسي. يحمل اسم «فضاء 13أوت الثقافي» (و13 المدافعات عن قضية المرأة ومن أشرس
تكتبه المرأة مجرد ملحق لما يكتبه الرجل جديدة كانت مغلقة دونها. كما وصفها النقاد الذين احتفوا بها كثيرا «سيدة األسرار :عشتار» وهي
ّ ثم تأتي أغسطس هو تاريخ إصدار مجلة االحوال المدافعات أيضا .كما دافعت عن عدة قضايا
وتابع لهذا األدب األصلي الكبير عندهم. أما «األدب النسائي» فمصطلح مغرض واعتبروها نوعا من الكتابة اإليروسية رواية/مسرحية مستمدة من ميثولوجيا الشخصية التونسية وهو العيد الرسمي أخرى في كتاباتي ،ألن الكاتب الذي ليس له
وما التركيز على انتشار هذا المصطلح إال اخترعه النقاد الذكور للفصل بين أدب وأدب المتحررة وقد وصفها الناقد كمال الرياحي حضارات الشرق القديم وبالذات من للمرأة التونسية) لعل كل ذلك يجعل النقاد قضية ،ليس بكاتب وإنما هو يلعب لعبة
تكريس لعقلية الوصاية في المجتمعات بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة على أجمل وصف حين قال «نص في مديح حضارتي سومر وآشور حينما كانت األنثى يصنفون كتاباتي في خانة األدب النضالي. ترصيف الكلمات.
البطريركية والنظرة الدونية للمرأة على أساس جنسي بحت وهذا نوع من الحيف الحر ،الجسد العاشق والجسد المنفلت
الجسد ّ -آلهة -وقد قصدتها فعال ألعيد االعتبار وبالدخول إلى تفاصيل محتوى كتبي نجد ألح على أن قضية المرأة عندي
ولكني ُّ
أساس كونها كائنا من درجه ثانيه .وهذا والتمييز البغيض .ألن التمييز يجب أن من القيود واألسيجة .نص طليق في مديح إلى المرأة المهانة في ذاتها وفي جسدها أنها في «ليت هندا »..تتناول قضايا المجتمع تتنزل في صلب المجتمع .وهي قضية
من رواسب عقلية مجتمع الذكور والثقافة يقوم على شروط إبداعية جمالية بحت ،في الشبق المطلق يكتب أولى بنود دستور دولة في عصرنا الحاضر .وهي تروي قصة حب ككل ..فأغلب أبطال قصص المجموعة مجتمع باألساس وقضية سياسية أيضا
العربية المعادية للمرأة التي ّ
تؤله الرجل التمكن من األدوات التقنية وامتالك اللغة الشهوة العظمى» .وأضيف نص في أنسنة عظيم عاشته ربة الحب والخصب عشتار وشخصياتها من الرجال وهي تعالج قضايا باعتبارها تمس الحريات وحقوق اإلنسان
وتحط من قيمة المرأة .فال نستغرب أن
ّ وتطويعها وتخصيبها ،وال عالقة له بجنس الجنس والجسد أيضا( .وقد طبعت 10 مع تموز ،ولكنه في النهاية الحب العظيم اجتماعية ومسائل فلسفية وتطرح أسئلة والديمقراطية والمساواة بين البشر..
يطلع علينا بعض ذكورها من الكتاب بهذا بأي حال
الكاتب .وال يجوز تجزئة األدب ّ طبعات ما بين تونس واإلسكندرية والقاهرة الذي تحلم به كل امرأة وكل أنثى. وجودية مثل قصة «عزرائيل والكاتب» وليست قضية فرد صادف أن كان امرأة.
المصطلح ،ليجعلوا من أدبها ملحقا من درجة من األحوال .وحيث أنه ال يوجد مصطلح وترجمت إلى اإلنجليزية والفرنسية). نص كتب بحب في مديح الحب واألنوثة االجتماعية الطبقات مشكل وتعالج وأنا أصنّف « ككاتبه نسويّ ة « .ربما ألن أغلب
ثانية .وبذلك ال تعدو المؤسسة الثقافية يقابل ما يكتبه الرجل ولم نعرف تسمية أما ديوان «أنثى الريح» الشعري فهو دعوة
ّ كما جاءت في ألواح ومالحم العصر القديم والتمييز العنصري ومشاكل العمال وسوء عناويني تحيل على المرأة مثل مجموعتي
األدبية أن تكون سوى نسخة مصغرة من تقول بأدب الرجل أو أدب الذكور فإنّ هذا المرأة للتحرر مرة أخرى من كل ما يعرقلها مع فطرة البدايات ،قبل أن يدخل الجسد توزيع الثروات إلى غير ذلك. القصصية األولى «ليت هندا… ».وكتابي
عقلية القبيلة وترسيخ واستمرار لها. المبيتة المتضمنة
ّ المصطلح يفضح النوايا من قيود المجتمعات البطريركية التي تشدها والجنس بوتقة المدنس والمقدس والحالل أما كتابي الثاني «جسد المرأة من سلطة الثاني «جسد المرأة من سلطة االنس إلى
ومن هنا أنا أرفض التسمية والمصطلح رفضا لتصغير وربما لتحقير ما تكتبه المرأة ونعته إلى الوراء في حركة ردة تعاكس كل تطور والحرام والطمس والممنوعات التي حطت اإلنس إلى سلطة الجن» فهو يعالج بامتياز «سيدة األسرار:
ّ سلطة الجن» والثالث
باتا احتراما لقلمي ولنصي الذي ال أقبل له أن بمصطلح األدب النسائي وربما أزاحته من طبيعي وتعاكس اتجاه الطبيعة والريح الذي من شأنه وشوّ هته .حين كان الجنس رمز قضية المرأة وعلى وجه التحديد حالة عشتار» ثم المجموعة الشعرية «أنثى
يكون ملحقا أبدا .ما دمت أقدم مثلما يقدم المدونة اإلبداعية أيضا والتي يريدونها أن يدفع باتجاه العواصف والزوابع ..لتفجر الخصوبة والتكاثر وتعمير الكون .وحين النساء المسكونات بالجان ،في مقاربة الريح» وسلسلة قصص األطفال «حكايات
مايسة محمد
ويشم رائحة األنثى
ّ األنثوية في كتاباتي
في ثنايا سطوري فالكتابة هي عطرنا
الداخلي في النهاية.
كاتبة من تونس
جربان هداية
نازك المالئكة والشعر األنثوي
رمضان نايلي
ً
جربان هداية
كثيرا لتشق طريقها ّ
الطويل في دنيا ال شك َّ
أن المرأة ،الكاتبة ،قد عانت
ً ّ ً ُ
الكتابة ،وتكرّ س -ولو أحرفا من اسمها -إلى جانب الرّ جل؛ الذي ظل سيدا على
ومتفردا بصولجان الكتابة على مدى قرون طويلة من الزمن ،فحركة ً العرش،
وأدت دوراً ً
التاريخ كانت دائما إلى جانب الرّ جل الفحل في تقسيم األدوارَّ ،
ّ
ُ ً ً
كبيرا في ّ
تأخر المرأة ،التي لم يكن مسموحا لها أن تع ّبر عن ذاتها في مجتمعنا
وسمح إلحداهن بالتعبير فالأبوته ،وإذا حدث ُ األبوي خشية أن يفقد الذكرّ
ُيمكن لتعبيرها أن يخرج عن المعايير أو األنساق الذكورية التي تتحكم في
ً
واضحا على ُحرمة األب، تعد ً
يا عد ّالبطريركية،ألن ذلك ُي ّ
ّ المجتمعات األبوية
والتقاليد وخطوطها الحمراء. ً
وتجاوزا لقدسية األعراف ّ
اللوح ّ
اللتيني أحجية ّ
بهرام حاجو
السالمي
جابر ّ
كل شيء أشبه وجماعات .عويل وزعيق لم أفقه ماهيته .كان ّ قصي على سطح البسيطة .بعيدا عن منطق البشر في مكان
ّ
بكابوس .الواقع أ ّنني هممت بسؤال فتاة تمأل قربة ماء من واستقرت بين براثن أجمة مستترة ّ وفلسفتهم ،تكوّ نت فكرة
ولما كان ما كان من النّهر حول أقرب طريق للخروج من الدّ غلّ . من النّباتات االستوائية المثيرة لهوس التّ أمل والتّ معّ ن .كتابة
وولت هاربة.سؤال .تمتمت بكلمات غير مفهومة ّ التينية محفورة في لوح كساه النّدى والفصول بغطاء لزج من ّ
كل ما ال أهتدي إلى طريق الخروج من هذا الدّ غل الكثيف .هذا ّ الرائي
يخيل إلى ّ خضرة داكنة .مكان ال تطاله يد البشر أو هكذا ّ
في األمر .وغرابة هذه الجزيرة تكمن في مفاجآتها بمعنى أ ّنها ّلما تطأ قدماه الجزيرة النّائية الوحيدة كجسم غريب انبثق من
جزيرة مشوّ قة على نحو ما .وقفت ال أبدي حراكا بين هؤالء سراب.
بالرماح .كنت كمن أصيب بصدمة .أردّ د المتأهّ بين لطمري ّ خرجت من ذلك المكان .تجاوزت صخورا محدّ بة وقواقع
صلواتي بلسان متلعثم ثقيل وأنا أحاول استحضار ما درسته أهم بزرعها الواحدة تلو األخرى .آثار الحذاء فوسفوريّ ة .ها أنا ّ
وحب الحياة .وما لبثوا أن انسحبوا الواحد ّ عن حقيقة الموت الجلدي العتيد في ذلك المسلك الوعر تختفي أمامي بال سبب. ّ
تلو اآلخر وعادت تلك الفتاة لملء قربة الماء .مدهوشا بنجاتي.. وأقرر المضي قدما.
ّ أنظر إلى الخلف
التفت ورائي ومضيت قدما. ّ متوحشون لكنّهم لطفاء .في لطفهم خشونة ّ قبيلة أفرادها
يتوجب الهرب حتما .المشكلة أ ّنني ال أفقه دروب المكان وأربعة ّ الرؤيةالسماء لتتّ ضح ّ وصادف أن تتّ خذ الشمس مكانها وسط ّ ّ
كنت موقنا بأنّ نهاية ما تحاصرني كسياج شائك .تلتف حولي وبدائية مفرطة .طاب لي المقام بينهم أيّ اما .أقتات من أسماك ّ
إنسيا اقتحم مجالهم فجأة .ومهما يكن ّ تترصد بال هوادة ّ قردة تنفك تحرق أنفي .وقفت ّ والرطوبة ما
وأتسلق غصنا منسدال ّ ّ الأدريّ ة.ظلمة فاترة فال أرى شيئا مثل تائه أعمى في سهول ال ّ متعمدا بضوءّ الصباح .أحتفل معهم وأرقص النّهر عند انبالج ّ
من أمر فقد ركضت باتجاه الدّ غل وتهت في الغابة. الهثا من التّ عب أمام حفرة دائريّ ة غائرة في األرض .شيء ما استحضرت فكرة من هول المأزق وهي أنّ النّهايات التي انتهت جلي وطفقت أساير هذه الحياة الغريبة بشغف يشي ّ قمري
ّ
الربان رغم
تسللي من الباخرة دون إذن من ّ ّ لم أستشنع أمر كساها بأغصان وأعواد مختلفة حتى اختفت تماما .ومثل من جل قصص وحكايات العالم ال تشبه النّهاية المحيطة بي. بها ّ الشباب. ّ
بالحذر .كنت أروم المغامرة النّبيلة ،تلك المعفرة بروح ّ
الرحالتالشروط المعمول بها في ّ أنّ القانون يقضي باحترام ّ التفت خلفي ومضيت قدما. ّ صدم إثر فرح. أتحرك.
ّ وهذه الفكرة قد جعلت ما أنا فيه لعنة على المقاس .ال ضالتي هنا .أشوي مقزز .والحال أ ّنني قد وجدت ّ بعيدا عن نمط ّ
ثم إلى الباخرة .حملت قمة الجزيرة ّ راسية .نظرت إلى ّ ّ الدّ ّ
الساعة اآلن ..ال أدري تماما .أذكر أنني جدّ فت بالقارب أواخر ّ ال أرى .بيد أنّ سمعي بخير .صوت أنفاسي المختنقة يتردّ د ح ّبات الكستناء ورأسي يتمايل ولعا بأسرار الجزيرة التي
ّ
حقيبتي وعدت إلى القارب .جدّ فت حتى كلت يداي ووصلت الصباح صخري مع انبالج خيوط ّ ّ الليل حتى وصلت إلى ساحل ّ في أرجاء الهوّ ة العميقة .أمر رائع أن نكتشف حقيقة جديدة أتسلق أشجار الباوباب ّ منحتني وقارا استوائيا وعنفوانا بهيجا.
إلى الباخرة .الغريب أنّ الجميع لم يخلدوا إلى النّوم .ألفيتهم األولى .لم أعر الوقت أدنى اهتمام عدا إحساسي بالجوع .ومردّ تحل بنا .لقد اكتشفت للتوّ أ ّني عالق داخل هوّ ة خالل مصيبة ّ ألخط
ّ وأو ّثق صيد األفاعي برسومات مستعمال دماء طريدة ما
مثلما تركتهم .صاخبين متنعّ مين بجوّ استوائي دافئ .هتفت الليلة الفارطة .كنت أنظر إلى ذلك أ ّنني لم أتناول العشاء في ّ أتحسس ّ الرطوبة العطنة .ولبثت ترابية باردة تفوح منها رائحة ّ ّ ما يحلو لي من مشاهد.
لي زميلتي… «أين كنت ؟ لقد غبت عن ناظري للتوّ .في الواقع ّ
للتسلل إلى الجزيرة المياه المتالطمة من الباخرة وأنا أستعدّ إلي أنها نتوءات أوّ ّ
علمت سكّان القبيلة لعب كرة القدم .بدا لي أنّ بعض أفرادها ّ
يخيل ّ
ّ جدرانها الملساء نابشا بأصابعي ما
كنت أدعوك لنلتقط صورة جماعية مع األستاذة» .غمغمت قائال اتخذت لي مكانا مكشوفا وافترشت رماال في غفلة من الجميعّ . تشققات بغية التّ ش ّبث بها.ّ توفر المكان المناسب تعلم سريعة ناهيك عن ّ قد أظهروا ملكة ّ
تحسست حقيبتي ّ «أجل أجل ..أعلم .ال تشغلي بالك ..أنا قادم». ّ
الخشبي الالمع آكل وجبة الفطور. ّ خشنة جالسا قبالة القارب السقوط المفاجئ. قدمي بعد ّّ وجدت صعوبة في الوقوف على لممارسة نشاطهم .كانت الكرة جلد ظبي ملفوف بشكل دائري.
ثم فتحتها وأخرجت لوحا قديما نقشت فيه كتابة التينية. ّ هجمت على المكان قردة خارجة من الدّ غل .هربت .ليس خوفا وكف يدي اليمنى مجبول بخدوش دامية .لم كتفاي يؤلمانني ّ يشجعنهم على جانبي ّ اللعبون حفاة ونصف عراة .نسوتهم ّ
إلي ّ من الموت غريبا في جزيرة مهجورة .بل استمرارا في سرد ورقابهن المحسورة بلولب اللمعةبرؤوسهن الحليقة ّ الملعب
إلي عبر الضباب أنّ قردا يلوّ ح ّ وخيل ّّ نظرت إلى الجزيرة تعوزني اإلصابة من البحث عن خروج آمن .دخل خيط رفيع ّ ّ
إلي لوحي وخذ سجائرك» وتذكّرت الشاطئ. مرمي على ّ الحكاية .كنت مختبئا خلف جذع نخلة من النّور عبر أوراق تأكّدت بعدها أ ّنها لشجرة قيقب .المربك هنا يضج المكان الصياح ّ
من أغصان طريّ ة .ومع كل هدف ..كان ّ
اآلدمي أعد ّ
ّ مخمنا« .أيّ ها
ّ ّ ّ
السجائر ففتّ شت عنها و لم أجدها. ّ رأيت قردا ينبش في حقيبتي ويأكل ما تركته من فطوري. مالئكيا كأن نحتمي بظاللها ّ أنّ األشجار عادة ما تبدي لنا حنانا ضجا وفرحة عارمة ّ
تهز الجميع. ّ
قردان آخران ذهبا إلى القارب .ورابع يصيح ويقفز وكأ ّنه من قيظ شديد أو أن نختبئ تحتها من مطر منهمر .لكنّها اآلن إلي أفراد القبيلة شزرا ذات صباح. لم يخطر لي أبدا أن ينظر ّ
كاتب من تونس ين ّبههم إلى ذلك اآلدمي الذي ال يزال قريبا ولم يبتعد .فكّرت الضوء ودون تردّ د تعقد مسألة خروجي من الهوّ ة وتحجب عنّي ّ ّ شرا أو أناصب عداء لفتاة ملكهم .بل لم أكن أدري لم أكن أضمر ّ
متوحشة .األمر
ّ هنيهة .كم فظيع أن ينتهي إنسان وجبة لقردة اعتبرتها لعنة رائعة من ضمن أخريات. الرماح والنّبال .قدموا فرادى أ ّنها ابنة الملك .صوّ بوا نحوي ّ
أصوات
تدعو الكتاب والمفكرين العرب ولكل شخيصة قالبها االنتقائي ،فشخصية الساحرة في زيها
إلى المشاركة في محاورها وملفاتها القادمة ومكيجتها تكون على الضد أو الخالف من شخصية الراهب أحمد ضياء
فلكل من هذه ّ وشخصية الفقير تتمايز عن شخصية الملك،
الشخصيات مالمح ودالالت تأويلية وخاصيات تنفرد عن
بحل الطابع التعيني وانعكاساته ّ مجاوراتها وهو األمر الكفيل
محمد ظاظا
كيف نكتب لألطفال؟ على الفضاء الجمعي الذي يكون من باب الميديالوجيا.
ملف حول الكتابة العربية للطفل العنف الرمزي/الصوري الذي نتلقاه كل يوم عبر الشاشة الزرقاء
(فيسبوك) بات قرينا روحيا لمعاناتنا إذ أننا لم نعد نأبه لمسألة
وبصريا مع ذائقتنا .وعبر هذهً ً
ذهنيا الموت ألنه بات متالحما
العربي
ً تيارات التفكير أما
الممارسات األولى كان هذا المكان يتسم بالمعرفة الكبيرة ّ
ظهورا ومدا وجزرا اليوم نرى التشاحنات الطائفية المؤججة للفعل االنتقامي مالذاً
رئيسا في سبك مفهومها التواصلي .فتداولية الفعل الصوري ً
حال الكتاب العربي (التشويفي) بينت حالة الرعب والقسوة التي تستخدم ضد
اإلنسانية ،فلو أخذنا مسألة االنفجارات وكيفية عرضها على
كيف تنشر الكتب
هذه الشاشة أليقنا أن الخوف لم يعد متولدا فينا الن هذه
في العالقة بين الكاتب والناشر والقارئ المشاهد اعتدناها وعلى مر التحوالت البيوغرافية التي طرأت
ً
خصيصا. على المنطقة العربية والعراق وسوريا
االستبداد الشرقي ويأتي أيضا العنف البصري المتعلق بالفيديو وهذا الشيء يرسم
دور الحاكم المستبد تباشيره العامة وفق نظام معين يتأتي بين طرفي الصراع
في صناعة االستبداد الديني ولكي يستخدم في ترهيب اآلخر وعرض كافة السلبيات التي الواقع المعيش وأخذ كل فرد يتحاشى مسألة شراء هذه الموقف اإلنساني عبر البيئة التي ولد فيها وعاشها
ينبني
يتمتع بها ،فما يتم عرضه عبر اللوحة اإلشهارية بالفيديو بنت األسلحة ألطفاله من خالل ما جرى للعديد من األطفال .وعبر الفرد وإلى لحظات الطفولة ذات األثر األهم في
له مجاالً مكّن اآلخر من تذويب الخطاب العنفي وجعله ذي هذه األيقونات اإلشهارية التي يوظفها الخطاب اإلشهاري نشأته غير أن المشاهدات التي تواترت اآلن عبر العديد من
الشعر والتجريب مشاهدات يومية ولم يعد الخوف هو المسيطر على اإلنسان (للكارتون) برزت السلعة متماثلة لهذه المديات ،ولربما ألن أجهزة الميديا أخذت تفرض هيمنتها العنفية في الكثير من
هل وصل التجريب الشعري العربي ألن مثل هذه المشاهد تكررت مشاهدتها وبات من الطبيعي أن اآلخر بدأ التفكير البراغماتي الذي يهدف إلى إنتاج فعل مؤثر المواضع ،فعلى سبيل المثال يمثل التلفاز العنصر األهم لألطفال
إلى حائط مسدود نشاهد هذه الفيديوهات بال أي مراوغة أو تكتيك مسبق ويثير قبل بث السلعة وهي لحظة رئيسة في مديات ما بعد الحداثة حيث أن مسألة وجود أفالم «كارتون» لشخصيات تثير الرعب
مبطنا بتعاويذ الموت ومراحله القائمة ً ً
فكرا الطابع االنصهاري ً
مبشرا لظهور الموديل ً
واقعا التي تتخذ من خطاب التلفاز أو العنف في نفوس األطفال باتت اآلن أكثر جدية إذ بدأ هؤالء
على تمازجات أخالقية. ً
الجديد بالملبس/المأكل/المشرب .وبرزت أيضا عبر هذه الالئحة تمثل هذه المشاهدات ومحاكاتها ضمن حزمة من الحركات ّ
الكتابة واألنوثة
ما يحصل اليوم في ساحات القتال هو الدليل الناجع على هذا اإلشهارية ظاهرة االستالب الفكري أو المفاهيمي وهي أشبه المؤذية حيث أخذت تطفح على األسطح وتأخذ لها مديات
هل تكتب النساء العربيات بلغة الرجل
الكالم ألن اآلخر القاتل المتمثل بداعش يرغب من خالل بثه بظاهرة التوحد التي من خاللها ينطوي الطفل على ذاته وحيث أخرى.
أم أن اللغة بال جنس ً ً
مقاطع الفيديو في جعل اآلخر يخشى الوصول إليه والطرف تصبح األشياء مسطحة أو هامشية باستثناء الفعل اآلني الذي ّ
تمثل اللغة الصورية عالما رئيسا في فضاء التباري السلعي وكما
اآلخر يعمل نفس األمر حتى يقول له إن نهايتك محتمة .وفي يقوم به. يصفها دريدا «إن مجيء اللغة ،هو مجيء اللعبة» بمعنى أن
حقيقية الفعل نوعية اإلرهاب تمارس على اإلنسان الذي لم ً ً
يشكل العنف مضمارا مغايرا في الزي أو اللون حيث يشكل له اللغة الصورية التي تبث لنا عبر شاشة الميديا يجب أن يتبعها
الصحافة الثقافية العربية يدخر الحرب وعلى األطفال الذين التقطوا هذه المبثوثات ال منذ القدم ،ففي األساطير يأخذ اللون األحمر ذو ً
باعا طوي ً جانب سلعي تطبيقي ،فبعد أن فضح لنا الفضاء الميديوي
أحوالها ،توجهاتها ،عالقتها بالكتاب والقراء العامة كما أن الفعل القائم والمنعكس على شخصيات األطفال جانبا من جوانب الشر وهو المسؤولً الداللة المعرفة للجميع هذا األمر يأتي الدور على المستهلك كي ينصاع لهذه المادة
والكبار هو الراشح من هذا التعنيف الميديوي القائم. عن كافة الطروحات التي تنتج من حكايات وأساطير شيطانية ً
رهينا بكافة عبر التباري بين األطفال غير أن هذا األمر بات
كما أنه لدى اإلغريق يستخدم لطرد األرواح الشريرة المهيمنة المعروضات على الميديا وال يقتصر هذا الفعل على الجانب
شاعر من العراق فالزي هو المثار الحقيقي لبيان طابع الشخصية
ّ على الحدث، ً
أيضا علينا عبر معطيات متغيرة الطفولي فقط بل إنه ينعكس
ومكوّ ناتها ومن خالله يمكننا الكشف عن بواطن هذا األداء لكنها في المحصلة لها نفس الوظائف التي تحدث لألطفال.
وما يجول في خاطره من تداعيات مختلفة تسهم في إنتاج فمشاهد «المسدسات» في الحراك اللعبي تم تدشينها في
سيد القمني
مرايا نقدية
يضم هذا الملف خمس مقاالت سجالية تحاور المفكر سيد القمني انطالقا من األفكار واآلراء
التي أطلقها في حوار أجرته معه “الجديد” في عددها األخير لسنة ،2016ورقمه .23القمني
الذي عرف عنه تحريك الجمر تحت الرماد ،أقدم بشجاعة على إثارة القضية األكثر تداوال
اليوم في جل األوساط االجتماعية العربية ،ونعني بها المكانة المجتمعية للدين ،قيمه وأدواره
وتجلياته في مجتمع عربي يعاني من الطغيان والثورات والتطرف.
ً
غالبا ،من وعي يرى ضرورة نقد التدين ونقد الفكرة الدينية المشاركون في الملف انطلقوا،
في تسلطها على العقل ،وكذلك في التفاعل العنفي معها ،واستخدامها من قبل فئات سياسية
بحتة تهدف من استعمال الدين للهيمنة على عقول الناشئة واستعمالهم في معركة الهيمنة
على المجتمع.
ما تثيره مقاالت هذا الملف إنما يوسع من حالة النقاش الحر حول جملة من القضايا التي
فرضتها األحوال العربية العاصفة على إثر االنتكاسات التي مني بها “الربيع العربي” والثورات
الشبابية التي طمحت إلى تغيير نظم الحكم الشمولي التي سلطت العسكر على المجتمعات،
وصادرت الحياة المدنية ومعها الحلم بالمستقبل ألكثر من نصف قرن .لكن الشباب الذي نزل
إلى الشوارع العربية سرعان ما أغرقت حركاته بالدم ،أو هي سرقت بدم بارد ،وساهم في
ذلك في كلتا الحالتين بروز حركات اإلسالمي السياسي العنيفة وركوبها مركب الثورات وهو
ما أعطى المبررات الكاملة لقوى الحكم الشمولي في العالم العربي للقضاء على تلك الصورة
الوردية المبكرة للربيع العربي المتأخر
قلم التحرير
103 102
محمد الوهيبي
سيد القمني مرايا نقدية
سجال
دارين أحمد
جاد الكريم الجباعي
«من يناقشني ال بد أن يكون على قدري ،أنا المعلم األكبر وال أقبل مثل تلك المناقشات».
(سيد محمود القمني)
سجال
وأن «قيم الوطن غابت عند المواطنين وعند الحكام ،قعيدً ا». من حروب فاتكة ،وما دامت هذه مرجعيته ال يجب أن ثمة صلة بين أوهام المركزية اإلثنية وبين ادّ عاء كل
(ويخص) بالذكر ،الحكام الحاليين ،ومن ثم غابت قيمة سأغامر بالقول ،إن هذا ليس كالم مؤرخ أو مفكر ،بل كالم يغضب حين يتم إخضاعه لحكم إسالمي يفرض عليه جماعة بأن دينها هو الدين الحق ،وغيره كفر وشرك.
محلّ تحل األيديولوجيا في ذهنه ّ أيضا ،مناضل أيديولوجي، ً العلم» .وكان ينبغي أن يقول وضاعت قيمة الدين الجزية» .نعتقد أن هذا سجال غاضب .وقد أشرنا غير فالبشر هم الذين أنتجوا الدين ،وليس الدين هو ما
ألن الدين هو أحد المعايير الثالثة التي يقترحها القمني الدين .فال أحد يعرف ما الذي كان سيحدث لو أن عمرو مرة إلى اقتران األيديولوجيا بالسجال العقيم وازدراء أنتج البشر .هنا تلزم العودة إلى االغتراب ،بوصفه َّ
علة
سلم القيم ،الذي يمكن أن يصعد المجتمع من خالله ،بن العاص لم يدخل مصر ،أي لو أن اإلسالم لم يدخل على ّ الخصم وإهانته ،واقتران الفكر بالنقاش والحوار. علة التدين ،عند لودفيغ فيورباخ، التقديس والتأليه ،أو َّ
وإن كان الدين في المرتبة األخيرة« ،لتعدد مذاهبه مصر من طريق «االحتالل» .والقمني يعلم أكثر من غيره ّ
ويضيف «عندما كنت أنقد التراث اإلسالمي كان يصفق علة ظهور التي ال تزال ماثلة في معلولها ،وبوصفه َّ
وطوائفه» .الدين ،إذن ،أحد معايير صعود المجتمع ،وإن أن (لو أن )..ال تعمل في التاريخ .التاريخ توقيع ممكنات لي المسيحيون ،ولكن عندما اقتربت من تراثهم المسيحي الملكية الخاصة ،عند كارل ماركس ،التي ال تزال ماثلة
لم يكن المعيار األساسي المحجوز للوطن ،ويليه العلم ،على حساب ممكنات أخرى .وال سبيل إلى رد التاريخ على شنّوا هجماتهم الضارية ضدي ،مع هذا ،أنا لم أقترب بعد ً
أيضا. في معلولها
سلم القيم ،فال ندري كيف يمكن أعقابه بسحر «لو أن .»..أجل هذا موقف أيديولوجي ال ولكنّه أحد المعايير على ّ من نقد األناجيل ،وقد حذرهم تالميذي من أن أقترب من المطرد بين الدينَّ ويؤكد ذلك التضامن التاريخي
نسل الدين من التراث اإلسالمي ،الذي يفككه القمني عالقة له بعلم التاريخ ،ولعله نوع من رد الفعل الشعوري ذمي وليس تلك المنطقة .من يضع الدين قبل الوطن هو ّ والملكية الخاصة ،وهو أساس التضامن التاريخي
على سياسات اإلخوان المسلمين وصوالً إلى نواته األسطورية، أكثر من ذلك ،ويحتاج لمن يتكلم معه اللغة اإلسالمية؛ المطرد بين الدين والسلطة .إذ الدين سلطة معنوية َّ
ومواقفهم. ويريد أن ينفيه من علم اركع يا ذليل لسيدك المسلم وسأطبق عليك الشريعة ما ناعمة ،تحظى بمقبولية طوعية ،مع عدم استبعاد أشكال
يقول القمني «اإلسالم المعمول التاريخ ،بالبرهنة على عدم دمت طال ًبا لمصر خراب إشعياء» .قد يبدو من قبيل اللؤم القسر السياسي المعروفة في التاريخ ،لفرض عقيدة
حاليا والمتداول بين ً به وجود إبراهيم الخليل فيه. أن نتساءل :من الذي أو ما الذي حرض القمني على «نقد أليس فرض الشريعة الغالب بقوة السيف ،على نحو ما عُ رف عن
سأغامر بالقول ،إن هذا ليس كالم
الناس في العالم اإلسالمي ّ
وال ندري كيف يتّ سق سلم التراث اإلسالمي»؟ من المؤكد أنها أحوال المسلمين، الفتوحات اإلسالمية والحروب الدينية .لذلك اإلسالمية على غير
خطرا على العالم ويجب ً أشدّ مناضل كالم بل مفكر، أو مؤرخ القيم ،الذي يأتي الدين في وظهور الجماعات السلفية واألصولية والجهادية ،التي يعدّ نقد الدين مقدمة الزمة لنقد السياسة.
المسلمين أو التهديد بذلك
تحل األيديولوجيا في التخلص منه» ،هكذا صحح أدنى درجاته ،مع قول القمني أيديولوجيّ ، عملت على هدر الوطن المصري والمواطنة المصرية، ولذلك كانت السلطات الشخصية والنظم
القول المنسوب إليه بأن الخطر «تمنيت لو أن عمرو بن العاص وأساءت إلى اإلسالم والمسلمين .فال يخالجنا شك في المستبدة في حاجة إلى الدين ،لفرض ً
متطرفا، ً
إسالمويا ً
موقفا
محل الدين .فال أحد يعرف ّ ذهنه
الحقيقي على العالم هو اإلسالم لم يدخل إلى مصر؛ أعتقد غيرة القمني على مصر والمصريين كافة ،وعلى العرب سيطرتها ،على مر التاريخ( .راجعوا حاوله اإلخوان المسلمون
ويجب التحرك للتخلص منه، عمرو أن لو سيحدث كان الذي ما أن تاريخ المنطقة كلها كان والمسلمين كافة .ولكن قوله «اركع يا ذليل لسيدك وصايا الملوك).
في مصر وكانت عواقبه
تماما آنذاك ،فمصر بن العاص لم يدخل مصر ،أي لو أن وأن األديان كلها حلت مشكلتها ً سيتغير المسلم» يتناقض مع تمنّيه لو أن عمرو بن العاص لم يفتح أردنا مما تقدم أن نشير إلى الطابع
مع الحداثة عدا اإلسالم ..أي ُ
عندما كانت تحتل كان ذلك مصر ،ولو أن اإلسالم لم يدخل إليها. السجالي والبعد األيديولوجي (العلماني، وخيمة على اإلخوان
إنه قال «اإلسالم المعمول به
طريق من مصر يدخل لم اإلسالم يتم على أيدي متحضرين، لكننا نربأ بالقمني أن يتبنى «اللغة اإلسالمية» وأن القومي ،اليساري )..ألعمال سيد القمني،
المسلمين أنفسهم وعلى
فالمتحضر األقوى يُ قدّ ر «االحتالل» .والقمني يعلم أكثر حاليا والمتداول بين الناس..
ً عصبية إسالمية ،بلّ «حمية إسالمية» ،أوّ يصدر عن وموقفه من األديان الثالثة ،ال من الظاهرة
مصر والمصريين؟ الغضب الدينية .فنحن ال نستطيع أن ندرج أعماله
هو الخطر ،ال اإلسالم بال تحديد
حضارة المتحضر األضعف من غيره أن (لو أن )..ال تعمل في جاهلية إسالمية ،إذا جاز القول ،ال تختلف عن جاهلية ّ
أو تعيين» ،وهذا جيد .ولكنه، أمامه فيضيف له وال يمحو اإلسالمويين المتطرفين وجهلهم «اركع يا ذليل لسيدك ال يشفع لمفكر مثل في مدرج نقد الظاهرة الدينية أو نقد الدين،
لألسف لم يصف لمستمعيه ولنا التاريخ حضارته .عندما دخل االسكندر ً
طالبا لمصر المسلم ،وسأطبق عليك الشريعة ،ما دمت على نحو ما رأينا ذلك عند فيورباخ وماركس،
اإلسالم غير المعمول به حالياً،
القمني
مصر أبقى على جيشه خارجها خراب إشعياء». على وجه التحديد.
وغير المتداول بين الناس في وكانت مصر في حالة انهيار أليس فرض الشريعة اإلسالمية على غير المسلمين أو يؤيدنا القمني نفسه في هذا إذ يقول «في الفترة
العالم اإلسالمي .ولنا أن نفترض تامة لكنها كانت بلد الحضارة، ً
متطرفا ،حاوله اإلخوان ً
إسالمويا ً
موقفا التهديد بذلك كبيرا من المسيحيين في مصر ً األخيرة ،وجدت عددً ا
ّ
تعصب أو عنف أو إرهاب، نقي ال تشوبه شائبة ّفنزل بقارب وطلب أن يحج آلمون ،هذا المثقف الذي علمه أنه إسالم ّ المسلمون في مصر وكانت عواقبه وخيمة على اإلخوان ينشرون على صفحاتهم في مواقع التواصل االجتماعي
ً
أيضا ولعله غير أسطوري أيضا .يكون الدين كما يكون أهله ،وال أرسطو لم يقل إما زيوس أو الجزية أو القتل .الروم ً المسلمين أنفسهم وعلى مصر والمصريين؟ الغضب ال نبوءات للمدعو زو ًرا وبهتا ًنا بالنبي إشعياء ،ليقولوا إن
ً
أضافوا لمصر وأكملوا المكتبة بعدما تم حرقها( ،ماذا عن يكون الناس كما يكون الدين .اإلسالمويون أيضا ينتقدون يشفع لمفكر مثل القمني. نبوءاته تتحقق اآلن .عندما أجد في الظروف الصعبة
حاليا والمتداول بين الناس ،ولذلكً نابليون؟) أما عمرو بن العاص وقف على الحدود وطلب اإلسالم المعمول به ثم كيف لمواطن مصري ،يدرك مبادئ المواطنة وقيمها، أناسا شامتين ينشرون هذا السفر الذي التي تمر بها بلدي ً
يتنطعون لهداية المسلمين ،قبل غيرهم ،إلى «اإلسالم ّ ثالثة أشياء إما اإلسالم أو الجزية أو القتل ،وقتها لم يكن يمن على المصريين المسيحيين بالدفاع عن حقوقهم، أن ّ يتنبأ بخراب مصر من جميع الجوانب وجفاف النيل
القرآن قد ُج ِمع بعد ،كما أن حفظة القرآن منعهم عمر بن الصحيح» ،غير المعمول به وغير المتداول بين الناس، «حين كانت الكنيسة مصابة بخرس لساني وشلل وقتل المصريين بعضهم البعض ،والقول إن مصر إلى
الخطاب من الخروج للغزو ،والنصائح الجميلة للقوات ويجاهدون في سبيل ذلك ،ويجيزون ألنفسهم تكفير سائر سيئ ومرشد أعمى في الحياة رباعي»!؟ الغضب دليل ّ دمار حتى ال يعود لها رئيس ،وفي ذلك الوقت ستعود
الغازية بأال تقتل قعيدً ا أو كبير السن أو عجو ًزا قتلتها المسلمين ،عالوة على غير المسلمين. اليومية ،فما بالك في الفكر والسياسة! ثم لماذا يلوم للرب الحقيقي يهوه .من ينشر هذا الكالم ال يجب ّ مصر
االستثناءات «إال من شارك ولو بالمال أو األدوات أو سنخالف سيد القمني وكثيرين غيره بالقول إن اإلسالم القمني المسيحيين ما دام هو نفسه يشعر أن «الشارع أن يقول إن اإلسالم فقط فيه إرهاب وهو متمسك
الطعام أو التحريض ضد الغزاة العرب» ،ومن ثم «كان يتم المعمول به اليوم والمتداول بين الناس متصالح مع اآلن (إسالمي ومسيحي) وصل إلى أقصى درجة من بسفر إشعياء والتوراة وهما أصل اإلرهاب .من يعتمد
قتل كل من يحاول الدفاع عن أهله أو بيته حتى لو كان الحداثة ومنجزها التاريخي ،وال سيما الدولة الحديثة، االنهيار األخالقي» ،بسبب هدر المواطنة وهدر الوطن. إشعياء والتوراة يكون أسوأ مما جاء في تاريخ اإلسالم
سجال
دارين أحمد
باستثناء اإلسالم السياسي ،منذ ظهور جماعة اإلخوان
ألي زمان ومكان فهو « 3-أي مسلم يعتقد أن دينه صالح ّ المسلمين على يد حسن البنا .يمكن القول إن المسلمين
إرهابي بالضرورة» .ماذا عن المسيحي أو اليهودي أو الذين يمارسون عباداتهم وشعائرهم ،كسائر البشر،
الطاوي الذي يعتقد أن دينه صالح لكل زمان ومكان .ما باستثناء المتطرفين منهم والجهاديين ،متصالحون
من مؤمن ال يعتقد مثل هذا االعتقاد؛ إذن جميع المؤمنين مع الحداثة ومنجزها التاريخي .فالمشكلة ليست في
إرهابيون .ال يمكن فصل تديّ ن المؤمن عن تصوره عن اإلسالم ،وليست في المسلمين ،بل في جماعات اإلسالم
النقي من كل شائبة ،وإال لهجره واسبتدل ّ الدين ،دينه السياسي الدعوية والجهادية ،التي ال تستنفد اإلسالم،
ً
به غيره ،أو لشلك في األديان جميعا .ثمة مسافة شاسعة وال تستنفد المسلمين .أي إن المشكلة ،من هذا الجانب،
بين من يعتقد أن دينه صالح لكل زمان ومكان ،وبين من أيديولوجية-سياسية بالتحديد ،ال تختلف ،في الجانب
يعتقد أو يدّ عي أن «اإلسالم هو الحل» ،أو المسيحية هي اإلسالمي ،عن الخوف من اإلسالم (اإلسالموفوبيا)
الحل. والتخويف به والتخويف منه ،في الجانب المقابل.
ً
نسأل سيد القمني :هل تمكّن العلم حقا من إيقاف ولكنها ،من جوانبها األخرى ،مشكلة مجتمعات بطريركية
الكوارث ،التي كانت تصيب البشرية رغم وجود األرباب؟ وسلطات مستبدة وأنظمة تعليم ملتبسة ومؤسسات
هل حال العلم دون نشوب حربين عالميتين وحروب فاسدة ،ال تزال كلها دون الحالة المدنية ،التي
بينية وسلسلة طويلة من النزاعات المحلية هنا وهناك، بسطها فالسفة العقد االجتماعي ،وتحققت
ً
قلة من المفكرين
علوما مدت الحروب والنزاعات بما يزيد من ويالتها أم إن في البلدان المتقدمة ،إلى هذا الحد أو ذاك.
وكوارثها؟ يطالعنا القمني بسلسلة من األحكام العامة والباحثين يتوفرون على
لكي ال يظن أحد أننا ننتزع كالم القمني من سياقه ،هذا القطعية من نوع: مثل هذه الشجاعة .ثمة
حرفيا «الغرب لديه مشكلة في التعاطي مع ً هو قوله
كثيرون يعيدون طباعة
اإلسالم ،أقول لكم زيدوا حقن اإلسالموفوبيا في العالم « 1-الغرب لديه مشكلة مع اإلسالم»،
أي مسلم يعتقد أن وعرفوا العالم أنه في خطر ساحقّ ، ّ ومن البدهي أن يُ قابَل هذا الحكم بحكم كتبهم القديمة ،من دون
ألي زمان ومكان فهو إرهابي بالضرورة، دينه صالح ّ آخر :اإلسالم لديه مشكلة مع الغرب. غيروا
أي تعديل ،مع أنهم ّ
ّ
كالزي واللحية ،هذا رجل ّ عندما يتبع أدنى ما فيه ينفذه يعينان
الغرب واإلسالم في الحكمين ال ِّ
إرهابي .كل األديان ّ ً آراءهم ومواقفهم ،فال
حلت مشكلتها مع الحداثة إال اإلسالم شيئا ،لشدة عموميتهما وغموضهما ،حتى
ألنه يرفض التخلي عن فكرة الصالحية لكل زمان تعرف من هم على وجه كأن الغرب واإلسالم جوهران أو ماهيتان
ومكان ،المشكلة أنك تواجه مجتمعً ا بكامله ،حكومات ثابتتان ،معلقتان فوق التاريخ .ثمة قوى التحديد
أحد إليها ،لكن ما أسمعه من ردود أفعال ليس سوى هراء هذه الهجرة والحضور ،كان هذا نوعً ا من الفانتازيا .هذا تريد المجتمع هكذا وتريد أن تقتلك أو تحبسك ،عندما محافظة وعنصرية في الواليات المتحدة
ال قيمة له». الكتاب الذي أبهر الكثيرين أعتبره كتابًا شديد التواضع، عجزت األديان عن حماية البشرية وظهر منهج التفكير ً
أيضا تتغذى على والدول األوروبية وغير األوروبية
قلة من المفكرين والباحثين يتوفرون على مثل هذه ولم أعد طباعته لهذا الخطأ الذي اكتشفته أثناء عملي في العلمي تمكن العلم من إيقاف الكوارث التي كانت تصيب الكراهية ،تقابلها في العالمين العربي واإلسالمي قوى
الشجاعة .ثمة كثيرون يعيدون طباعة كتبهم القديمة، كتاب «النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة»( .لقد تناولنا البشرية رغم وجود األرباب ،ووجد أن المشاكل لن تحل محافظة وعنصرية ،تتغذى مثلها على الكراهية ،ال هذه
غيروا آراءهم ومواقفهم ،فال
أي تعديل ،مع أنهم ّ
من دون ّ هذا الكتاب من زاوية أخرى ،لعلها الزاوية اإلبستيمولوجية سوى بالعلم». تمثل «اإلسالم» وال تلك تمثل «الغرب» ،بل تمثل مصالح
تعرف من هم على وجه التحديد ،أو يعدّ لون خلسة من تتهير عمارة
َّ أو السببية الشكلية :احذف إبراهيم الخليل أخيرا نكبر في القمني مقدرته على نقد ذاته ،كما في قوله ً ال تحتاج إلى كد الذهن لمعرفتها.
أي إشارة إلى دواعي التعديل. دون ّ األديان اإلبراهيمية). ألي باحث حقيقي، «المراجعات الفكرية سمة رئيسية ّ
النير ،على نحو ما وصف ياسين نشاطر القمني غضبه ِّ «أيضا ،هناك فصل في كتاب ‘األسطورة ً يضيف القمني فكرا ما
فالثبات على المبدأ ضد مفهوم البحث .قد أتبنى ً « 2-زيدوا حقن اإلسالموفوبيا في العالم وعرِّ فوا العالم
الحافظ بعض الغضب ،ولكننا ال نشاطره طريقة التعبير والتراث’ أخطأت فيه؛ ففي باب ‘األساطير التوراتية’ قلت وأجد براهين أخرى فيما بعد فأنتقل إلى فكر آخر أكثر أنه في خطر ساحق» .القوى المحافظة ،التي أشرت إليها،
عن هذا الغضب .ونعتقد أن من يملك شجاعة نقد الذات إنهم سرقوا من التراث البابلي والفرعوني ،األدلة التي مثل ..كتاب «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول» صحةً . تعمل على ذلك بمثابرة واجتهاد ،وليست في حاجة إلى
بهذه الثقة والوضوح ال يعني قوله «من يناقشني ال بد عروبيا ناصريً ا
ً قدمتها سليمة ،لكنني في ذلك الوقت كنت واحد من عثراتي الكبرى ،كنت آنذاك باحثً ا مبتد ًئا يملؤني نصيحة القمني ،التي ال يمكن أن يؤدي األخذ بها إال إلى
أن يكون على قدري ،أنا المعلم األكبر وال أقبل مثل تلك متزمت فكنت أكره اليهود باعتبارهم خونة التاريخ ّ بشكل الغرور ،تحدثت فيه عن هجرة مصرية في نهاية الدولة زيادة اإلرهاب في العالم ،وتوسيع رقعته .من أعجب
المناقشات». وغيره ،وكتبت بهذه العقلية أنهم سرقوا لكن الحقيقة أنها القديمة وسقوطها وتفتت مصر وانتشار االستقالالت ً
مسلما العجب أن يدعو مفكر عربيا كان أم غير عربي،
لم تكن سرقة ،كان من الطبيعي في ذلك الوقت أن تتالقح المحلية ،وعثرت في البحرين على (أبو هول مصري كان أم غير مسلم ،إلى زيادة حقن العالم باإلسالموفوبيا،
مفكر من سوريا األفكار .مثل هذه األخطاء اكتشفتها بنفسي ولم ين ّبهني وحية مصرية من الذهب) ،واعتبرتهما من الدالئل على ّ بأي قباحة من هذا النوع.
أو بالعنصرية أو ّ
سجال
ريم يسوف
يأس المفكر
سيد القمني في حواره المنشور في العدد الـ 23من مجلة «الجديد»
عواد علي
أن الحوار مع أهل الحدث وفق التوصيف الطريف لبول ريكور ،هو مجازفة فكرية ،ومخاطرة على درجة بما ّ ترددت بعض الوقت في الكتابة عن هذا الحوار الذي أجرته مجلة «الجديد» مع المفكر المصري سيد القمني ،بعدما
فإن االلتقاء بهم ومحاورتهم ونشر أفكارهم أعسر وأخطر؛ فالحدث العظيم الذي يسأل عنه عالية من العسرّ ، قرأت بأنه يشترط أال يحدث سجال حول حديثه ،إذ أنه قال «من يناقشني ال بد أن يكون على قدري ،أنا المعلم
الجميع ،أو ما يسمى بالخطب العظيم ،يفعل فعله في الذهنيات التي انخرطت فيه ،وتورطت في متابعتهّ ،
ألن األكبر وال أقبل مثل تلك المناقشات» ،على الرغم من أنه ،في مكان آخر من النص ،يدعو إلى شيء آخر يبدو متناقضا
يبدو لي بأن انتظار
كل األفكار والمعتقدات واألحكام السابقة والرؤى التي سكنت في المناطق الحدث هو سيل يجرف في طريقه ّ مع هذا الموقف .ذلك أنه ،عندما سئل عن رأيه بشأن دعوة «المثقفين أن يجنبوا العامة مناقشة الجدليات الفكرية «دكتاتور» من نمط
السفلى من ثقافتنا ،التي رشح فيها ما تبقى منها في دركها األسفل ،باعتباره العلبة السوداء لتاريخنا. المتعلقة باألديان تجن ًبا إلثارة اللغط وتشويشهم ،أجاب سيد القمني «أرفض ذلك االتجاه وأعتبره احتكارً ا للعلم؛ مصطفى كمال
أتاتورك أو بورقيبة
فالعامة إن استخدموا عقولهم سيكونون من البارزين في عملهم». لتكريس العقل في
عالمنا العربي ليس
غير نوع من إعادة
تأهيل ثقافة المهدي
المنتظر ،أعني بذلك
حسني جمعان
شكال آخر من الفكر
غياب مثل هذا الربط هو الذي جعل ،على ما يبدو ،سيد في األخير ارتأيت إبداء الرأي حول بعض ما ورد
بداية التقليدي وتأثيراته
القمني ال يأبه باالنتهاكات الخطيرة لحقوق اإلنسان التي في هذا الحوار أوال تنفيذا اللتزام أعطيته لمجلة الالشعورية في
عقليتنا .ال يمكن فصل
ارتكبها الجنرال السيسي طالما أن ضحاياها هم «أعداء «الجديد» ،وثانيا ألنني فكرت بأنه من حق القارئ إبداء رأيه الملكة النقدية عن
العقل» ،أعني اإلخوان المسلمين .سيد القمني انقلب على ّ
المسلم به فيما قرأه ،خصوصا ونحن نعيش في زمن صار من العقل ،لكن أي دكتاتور
ال يكون دكتاتورا
واليا على والية
عين نفسه ً السيسي فقط ألنه فوجئ به «قد ّ أن النص عندما يصبح منشورا يخرج عن سلطة مؤلفه إذا لم يقم بقمع
إسالمية» .مثل هذا العقل الخالي من اإلنسانية يخيفني ويحتك بسلطة القارئ الذي يمثل إبداء الرأي حقا من حقوقه. النزعة النقدية لدى
المواطن .لهذا يبدو
أي وجدان شخصيا ،ألنه يتحول إلى آلة باردة خالية من ّ والواقع أنني ال أختلف كثيرا مع سيد القمني فيما يخص لي أن انتظار مثل هذا
أي فصل بين العقل والوجدان يؤدي األهمية الجوهرية للعقل ،عدا أنني أتحفظ في عدم الربط ّ
إنساني .والحقيقة أن ّ «المخلص» من العقل
الخرافي الذي يدعو
إلى تعطيل الوظيفة اإليجابية والخالقة للعقل ،لهذا كانت بينه وبين مبدأ الحرية ،األمر الذي جعل سيد القمني ال يقبل إليه سيد القمني،
الفلسفة تعني عند اليونان ،ليس الحكمة ،وإنما محبة الحكمة، بالرأي اآلخر ،وجعل العقل لديه يتحول ،على ما بدا لي ،إلى هو بمثابة انتظار
غودو في مسرحية
فالعقل هنا يتناغم مع الوجدان ،ألن المحبة تنتمي إلى ملكة أداة قمع وعنف وحرمان اآلخر ،المخالف له في الرأي ،من
بيكيت .ومن قرأ هذه
من بين محاسن الحوار مع «سيد القمني» ،أ ّنه انشغل يكن الحوار مع المفكر «المصري» سيد القمني،
لم الوجدان .والواقع أن العالم العربي ال يشكو فقط من غياب حريته .وهكذا يرى المفكر المصري بأن «أي مسلم يعتقد أن المسرحية يعرف بأن
غودو لم يأت أبدا.
بممارسة النقد على مستوياته المتعدّ دة ،فهو لم يستثن وأريد هنا ،أن أشدّ د على وصفه بالمصري وليس في العقل ،بل أيضا من قصور كبير في الوجدان الحضاري، ألي زمان ومكان فهو إرهابي بالضرورة ،عندما دينه صالح ّ
األحداث التاريخية ،خاصة ما تعلق بالفضاء المصري، بالعربي ،حوارا متعدّ دا ال ينشغل بالقضايا الفكرية في من قبيل حب الوطن ،حب العدل ،حب الحقيقة ،حب يتبع أدنى ما فيه وينفذه ،كالزي واللحية ،هذا رجل إرهابي».
فوضع على طاولة النقد ،الفتح اإلسالمي لمصر ،معتبرا صورتها األكاديمية الصارمة فقط ،بل ينهمم ّ
بكل األسئلة الحرية… إلخ .وهذه العواطف الخالقة ال يمكن غرسها واإلرهابي ،كما نعرف يجب سجنه وحتى قتله .في اعتقادي
وتم وفق منطق إياه حركة مناقضة للرؤية اإلسالميةّ ، في ضروبها الحياتية اليومية التي تشغل ذهن اإلنسان بوسائل قائمة على وسائل اإلكراه والقمع ،ولكن من خالل أن مثل هذا المسلم ليس إرهابيا من الواجب محاربته ،طالما
مؤسسة األزهر التي هي ّ وتوجه صوب
ّ الغلبة لألقوى، اليومي ،الذي يعاني هو وبمفرده ،دون سند من أحد ،من الحوار والنقاش والقبول بوجود الرأي اآلخر .ولذلك يبدو لي أنه ال يحاول فرض رأيه بالقوة على غيره وال يمارس العنف
متورطة في تكريس رؤية خرافية ،وفي ذات الوقت العنف واالستبداد واإلكراه واالبتزاز القاتل ،وكأنّ زمن بأن انتظار «دكتاتور» من نمط مصطفى كمال أتاتورك أو انطالقا من معتقده .مثل هذا الموقف الذي اتخذه سيد
تحظى بتموين مالي كبير ،كان من المفروض أن يوضع ولى ،وبقي هذا اإلنسان األخير ،عارياالرعاية اإللهية قد ّ بورقيبة لتكريس العقل في عالمنا العربي ليس غير نوع من القمني يقع فيه المرء عندما يتحول العقل لديه إلى مطلق،
في مكانه السليم والمثمر ،وهنا نلحظ حضور الرؤية لوحده وسط العواصف والزالزل الفوقية ،ففي الحوار إعادة تأهيل ثقافة المهدي المنتظر ،أعني بذلك شكال آخر من أي سلطة أخرى. إلى ما يشبه اإلله الجديد الذي ال تعلو عليه ّ
اإلصالحية التي تبنّاها المصلح األلماني «مارتن لوثر»، تعفن الوضع المصري ،حيث إشارات واضحة الداللة على ّ الفكر التقليدي وتأثيراته الالشعورية في عقليتنا .ال يمكن وقد وقع المعتزلة في مثل هذا الخطأ عندما قاموا بسجن
فهو بالتالي ،انتقاد ديني بصبغة مسيحية مُ بطنة ،ولم االنتشار الرهيب للذهنية الخرافية ،سواء عند فصل الملكة النقدية عن العقل ،لكن أي دكتاتور ال يكون اإلمام أحمد بن حنبل ومارسوا عليه التعذيب ،ال لشيء سوى
ً
إطالقا عن نزعة النقد الذي امتشقه من أجل زعزعة يحد المسيحيين ،وحديثهم عن النبي إشعياء ،الذي يُ قرأ فيه دكتاتورا إذا لم يقم بقمع النزعة النقدية لدى المواطن .لهذا ألنه خالفهم في الرأي بشأن مسألة خلق القرآن .ال يمكن
الوعي الكسول المستمرئ لمقوالته المترهلة ،وهي فضيلة مصير مصر التراجيدي ،وعن التوافق المتوقع بين هذه «المخلص» من العقل الخرافيّ يبدو لي أن انتظار مثل هذا تأسيس العقالنية على السيف والعنف ،يعني على نفس
تستقر في ربوعنا الثقافية.
ّ ثورية نود أن الذهنية المتورطة في الخرافة ،وما يوجد في الرؤية الذي يدعو إليه سيد القمني ،هو بمثابة انتظار غودو في الوسائل التي يستخدمها خصوم العقل .مثل هذه االنحرافات
اإلسالمية ،من رؤى مستوحاة من األسطورة ،التي ال مسرحية بيكيت .ومن قرأ هذه المسرحية يعرف بأن غودو مكملة له ،ونجعله
أي سلطة أخرى ّ تقع عندما نفصل العقل عن ّ
باحث وأكاديمي من الجزائر تكترث بالمنطق التاريخي الذي يعشق العلم ومنجزاته. لم يأت أبدا. مكتفيا بذاته ،ال تحكمه ال األخالق وال ما يقوم مقام ذلك .من
باحث وأكاديمي من الجزائر وجهة نظري ،ينبغي الربط بين العقل وحقوق اإلنسان .إن
سجال
ً
وشجاعا ً
صريحا سيد القمني
حسني جمعان
بل هم جزء عضوي من تخلفنا العضوي العام وفي صدارة
ذلك التخلف الديني أو لنقل تخلفنا النابع من تحويل أزراج عمر
الدين إلى طقوس خرافية واالنغالق داخل شرنقتها .ال
شك أن هناك محاوالت لتحليل ونقد الجوانب الدينية
المظلمة سواء كما هي جزء من تراثنا أو في السلوك الذي يثير الحوار الذي أجرته مجلة الجديد ،في عددها الصادر في ديسمبر /كانون األول 2016مع المفكر المصري
ينعكس فيه ذلك التراث دون وعي بذلك في الغالب ،ولكن الدكتور سيد القمني ،العديد من القضايا الساخنة والمركزية وفي صدارتها خطر األصوليات الدينية المتطرفة
هذه الدراسات لم تستطع أن تحدث تغييرا ملموسا في aغيرنا في عالمنا المعاصر .إلى جانب قضية األصوليات األرثوذكسية يطرح حوار الدكتور القمني مشكلة
التعاطي مع الدين أو تخترق الطبقات الالواعية لمواطنينا البداوة التي تغرق فيها مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج والسدود التي تقيمها وتحول دوننا ودون الدخول
المشكلة التي لم يشر
ومواطناتنا ولهذا أسباب كثيرة من بينها أن النسبة الكبيرة في فلك الحضارة والحداثة. إليها الدكتور القمني
من الدراسات التي تعتصم بالغموض األكاديمي وتستخدم في حواره هي فشل
مؤسسات النظام
المفاهيم والمصطلحات المبهمة والصعبة تقيم جدارا للدين بدال من تأويله ثم استخدامه من أجل تحقيق بل هو ذو تاريخ قديم وال يزال هذا اإلرث مهيمنا إلى أن ثمة قضايا أخرى يعج بها هذا الحوار
ال شك الثقافي العربي في
تحديث مناهجها
سميكا بينها وبين الشعب البسيط الذي ال يقرأ وال يكتب التقدم والديمقراطية واإلنسان الحداثي. يومنا .فالعربي المعاصر يعيش الحاضر بقيم الماضي مثل حكم العسكر بالقوة وبشكل أشبه ما
ورؤاها ونظرياتها
ويفتقد إلى التكوين الثقافي والفكري .على مدى سنوات أالحظ أن المشكلة التي لم يشر إليها الدكتور القمني في المثبت والالغي للتطور والتحديث والعصرنة باستمرار. يكون بالوراثة المزمنة ،كما يطرح أيضا أزمة الفكر لجعلها مؤسسة
طويلة ودور النشر ببلداننا تنشر كتبا تنتقد أسطرة الدين حواره هي فشل مؤسسات النظام الثقافي العربي في فابن رشد نفسه قد أوصى بعدم السماح للعامة أن تؤول التوفيقي وربما التلفيقي ،والفهم األسطوري والخرافي على الوازع العقلي
والعلمي .على مدى
وكذا “تخريفه” غير أن هذه المؤلفات الموجهة للنخبة تحديث مناهجها ورؤاها ونظرياتها لجعلها مؤسسة على القرآن حيث رأى أن مهمة تأويله يجب أن تكون منوطة للدين األمر الذي يضع العقل في زنزانة مغلقة .إنه من أكثر من قرن من
القليلة ال تنفذ إلى وجدان وعقول الناس الذين يشكلون الوازع العقلي والعلمي .على مدى أكثر من قرن من الزمان بخاصة الخاصة وال غير ذلك .إذن هناك انقطاع مستمر الصعب جدا في هذه المساحة الضيقة مناقشة كل هذه الزمان ومنظومتنا
التعليمية مغلق عليها
أغلبية السكان في األرياف وفي المدن .إنه لحد اآلن يجهل ومنظومتنا التعليمية مغلق عليها في قفص ما يسمى بين المفكرين (النخبة) وبين العامة ،ولقد رسمت هذه القضايا الكبرى والحساسة رغم أن ذلك مطلوب فعال وقد في قفص ما يسمى
المواطنون الفرق بين فصل الدين عن السلطة السياسية بالمرجعيات التراثية والكتب الصفراء على نحو يغلب الظاهرة وأصبحت تنتج بدورها التراتبية بين العامة تسعف الظروف التي تسمح بالقيام بذلك .سأكتفي هنا بالمرجعيات التراثية
والكتب الصفراء
الدنيوية وبين إلغاء الدين كبعد روحي في مجتمعاتنا. عليها التقديس األعمى .وهكذا فإن منظومتنا التعليمة وبين أهل الحكم في مجتمعاتنا. بوقفة قصيرة مع أفكار الدكتور القمني الذي يعتبر أحد على نحو يغلب عليها
وبهذا الصدد فإن مثقفينا لم يلعبوا أي دور جاد في شرح هي المسؤولة أساسا على تدريس الدين تدريسا متخلفا تلك هي أهم المحاور التي ركز عليها حوار الدكتور منارات النقد الفكري العربي المعاصر. التقديس األعمى.
وهكذا فإن منظومتنا
هذا الفرق وإقناع الناس به .وهنا نتساءل :هل تصل كتب ورجعيا حيث أن األجيال التي تخرجت من المدارس القمني الشجاع والصريح .في هذا السياق سأبدي إن األمر الذي استوقفني في هذا الحوار أيضا هو موقف التعليمة هي
الدكاترة سيد القمني ومحمد أركون وعبد الله العروي والثانويات والمعاهد والجامعات صارت مصفحة تصفيحا بعض المالحظات التالية وأبدأ أوال من النظر في قضية الدكتور القمني من المثقفين العرب بالجملة تقريبا الذين المسؤولة أساسا على
تدريس الدين تدريسا
وصادق جالل العظم وحسن مروة ونصر حامد أبوزيد دينيا رجعيا ومتخلفا حقا .وفضال عن ذلك فإن تقسيم طغيان الفهم الخرافي واألسطوري للدين وتحويل هذا ال يشكلون طليعة التغيير في عمق المجتمع ما عدا القلة متخلفا ورجعيا حيث
ومحمود أمين العالم وجورج طرابيشي مثال ،إلى نفوس التعليم ببلداننا إلى تعليم ديني له مؤسساته الكهنوتية األخير إلى أداة قمع وتصفيح للذهنيات .ففي الحقيقة التي تهمش أو تعزل أو تطرد أو تنفى أو تصفى جسديا. أن األجيال التي
تخرجت من المدارس
مواطنينا ومواطناتنا في األرياف وفي المدن الصغيرة والمغرقة في النسخ األعمى وترديد ما يحفظ من دون فإن الدكتور القمني يطرح مشكلة كبيرة وتتمثل في يرى الدكتور القمني أيضا أن بلداننا بعيدة عن العلم سواء
والثانويات والمعاهد
والكبيرة؟ وما هي هذه العالقة التي تمكنت من صنعها تحليل ونقد ،وتعليم شبه دنيوي ،بل متخلف عن العصر السؤال التالي :لماذا لم تقدر بلداننا على بناء اإلنسان في دراسة مثقفيها للدين ولمختلف الظواهر االجتماعية والجامعات صارت
مصفحة تصفيحا
مؤلفات هؤالء مع طالبنا وطالباتنا في مختلف مستويات وقضاياه ،وعن المناهج والنظريات العلمية الحديثة قد العلمي الذي يتعامل مع الكون والعالقات االجتماعية والسياسية والثقافية ،وأكثر من ذلك فهو يحاجج أن
دينيا رجعيا ومتخلفا
وأنماط منظومة التعليم عندنا .أجزم بالقول بأن 90بالمئة ساهم جذريا في تفريخ نشء انفعالي وعاطفي يفسر وفق رؤية عقالنية نقدية رغم مرور أكثر من 70سنة الحكومات العربية الحالية ” تثبت كل يوم أنها ال تعرف حقا.
من سكان بلداننا ال يفقهون شيئا عن كتابي العهد القديم وجوده وعالقاته على أساس رجعي تماما .وأكثر من ذلك على استقالل بلداننا ولو شكليا؟ عمليا فإن الثقافة شيئا عن العلم وال عالقة لها به” .وزيادة على كل ما تقدم
واإلنجيل ومتن القرآن والسنة النبوية واإلنتاج الفكري فإن المحيط االجتماعي العام في بلداننا ليس محيطا العربية ال تزال برمتها محكومة بالخرافة وتستند إلى فإن الدكتور القمني يرفض رفضا قاطعا تثبيت التراتبية
الذي أنتجته في الماضي الشخصيات اإلسالمية بكل علميا أو حضاريا بل فهو محيط موبوء فعال ،وغارق الفهم األسطوري لكل شيء األمر الذي سوّ غ لبعض النقاد المطلقة بين المفكرين والمثقفين من جهة وبين العامة
فرقها ومللها ونحلها وينتجه اآلن كثير من دارسينا ونقادنا في الجهل واألمية المهنية والفكرية والعلمية والفنية القول بانعدام الذاتية المستقلة في مجتمعاتنا حيث نجد من جهة أخرى ،حيث نجده يدعو بوضوح إلى إشراك
ومفكرينا .هناك دائما جدار األمية بالمرصاد ،كما هناك والسياسية ،كما أن الدين فيه ينحصر في الطقوس داخل كل شخص عندنا تراكما من القيم التي لم يصنها العامة في النقاش الخاص حول أمهات القضايا الملحة
دائما الشخصية القاعدية لمواطنينا التي لم تنشأ على والعبادات الشكلية وهو أبعد ما يكون فضاء تنمو وتزدهر هو وربما يمكن القول إن الذي يتحدث من داخلنا اإلنسان والمطروحة على مجتمعاتنا “فالعامة إن استخدموا
الفكر النقدي وطرح األسئلة ،وتوظيف المنهج العلمي في فيه األخالقيات والسلوك المنتج والمؤسس للعالقات العربي هو الطائفة أو القبيلة أو العشيرة علما أن هذا عقولهم سيكونون من البارزين في عملهم .عندما
مقاربة النصوص الدينية المختلفة وغيرها من النصوص. اإلنسانية التي تحترم فيها الخصوصيات والفرادات. الثالوث مصفح بتراكم من الثقافية الشعبية المتخلفة ، يخاطب المفكر أو المثقف رجل الشارع فإنه يخاطب
على أساس ما تقدم فإن انعدام المثقفين المنخرطين في إن هذه العوامل مجتمعة قد أدت وال تزال تؤدي إلى تفريخ والفلكلوريات التي أسست وال تزال تؤسس للشخصية عقله على عكس غيره من رجال الدين الذين ال يخاطبون
صفوف المواطنين والحاملين لقضية تغيير الذهنيات سلطات سياسية متماهية مع القيم المتخلفة تعيد إنتاج القاعدية االنفعالية والعاطفية. تم إلغاء عقولها وال يجب
سوى مشاعره وعواطفه .الناس َ
وتربية الفكر النقدي العلمي لدى هؤالء يطرح مشكلة الطقوس والقيم الدينية المحافظة حينا والمنغلقة أحيانا أعتقد أنه ال يكفي أن نبقى أسرى الدوران حول أعراض أن نستسلم ونقضي عليهم” .يبدو واضحا أن تاريخ إلغاء
كبيرة أمامنا ،وهي تعوق االنتقال إلى أفق العصر الحديث. أخرى .إنه ينبغي القول هنا بأن رجال ونساء السياسية العلل بل فإنه ينبغي علينا أن نحفر عميقا في األسباب عقول رجال ونساء الشارع الذي يتحدث عنهم الدكتور
شاعر وباحث من الجزائر الذين يحكموننا لم يأتوا إلينا من أستراليا أو من شيكاغو الحقيقية التي فرضت التأويل الخرافي واألسطوري القمني ليس جديدا في مسار الفكر العربي اإلسالمي
جمعة الالمي
شاعر السرد
ً
وتصريحا ،في فترات متفاوتة ،بين سقم مرير ،وحاالت نفسية رائقة ،مع ً
تلميحا اهنا تسجيل وتوثيق لما عرفته عن جمعة الالمي،
هدوء وثبات وسكينة ،وأشواق عرفانية وأخالقية ،بين غربة الجسد عن وطنه ،وعزلة المعتكف في المكان الجديد ،وبالتحديد في
ً
كثيرا من وقته واهتماماته ،منذ أن استقر بدولة اإلمارات العربية المتحدة في سنة .1980 منطقة الخليج العربي ،التي أخذت
ً
أحيانا أخرى بمنزله أو في منتدى ثقافي أو منتجع صحراوي، ً
أحيانا ،أو التي كانت بين فترتين قصيرتين في حواراتنا الممتدة
كانت أحاديثنا تدور ،وتستدير ،ثم تعود إلى نقطة البدء ،إلى مجموعته القصصية األولى «من قتل حكمة الشامي؟» ،فأسأله في
فيرد قائالً «ستجد الجواب في الطبعة الجديدة من هذا الكتاب ،التي صدرت العام ،2016 ّ مُ نادمة ودراية ،عن القاتل وهويّ ته،
حي ًا’( ،كتابه البكر الذي ً
قصصا من كتابي المفقود ‘المسيح والجراد ـ صور أدبية للمنشق السومري الذي دفن ّ بعد أن أضفت إليه،
بقي رهين الرقابة الحكومية ،مدة جاوزت الخمس سنوات)».
ومن حسن الطالع ،أن هذا الكتاب ،سبقه إصدار مجلد سردي في العام ،2015بعنوان «اليشنيون-حكايات فليفلة والسروط» حيث
فوسع في فضائها الجغرافي ،وانتقل
َّ عاد الالمي إلى ،بيئته األولى ،ومجموعاته البشرية المهمشة ،أو الهامشية :اليشن السومرية،
بها ومعها ،من أهوار ميسان ،إلى شرقي ميسان ،ثم إلى الخليج العربي ،حيث تتالقى الجغرافيا ،وتلتقي الحضارات والثقافات ،ال
سيما في سوق العمل ،حيث يجري تحويل اإلنسان إلى سلعة ،تحكمها متطلبات العرض والطلب.
كرسيه وهو في السجن السياسي ،بعد أن أمضى نحو ست سنوات متصلة في ّ ً
وكاتبا ،جلس على ً
إنسانا وكان جمعة الالمي،
اعتبارا من سنة ،1963على خلفية أشواقه األخالقية ،وآماله االجتماعية ،التي تعثرت ً
آنا ،وسقطت ً سجون العراق ومعتقالته،
ً
غالبا ما أخبرني ،أنها صولجانه لترميم نفسه ،من حاالت الخراب التي واجهته في لهم الكتابة ،التي ً
مخلصاّ ، ً
آنا آخر ،لكنه استمر،
السجن ،واستمرت تالحقه وهو في فضاء الحرية المزعومة ،فهي كانت ّ
عدته في وجه قوى الظلم والظالم االجتماعية ،ووقفته
أمام تحديات القوى الغيبية الرهيبة وفي مقدمتها :الموت.
ً
مربوطا إلى ماكينة دم» استمرت نحو أربع ساعات، جمعة الالمي قال لي ،ذات يوم ،بعد أن عاد إلى منزله عقب جلسة « تنقية ٍ
ً
سجينا في سجن «نقرة السلمان» الصحراوي ،ثم في الحياة اليومية والعملية، حديدية صماء ،أن فكرة الموت ،هي شغله الشاغل،
جواالً في بيئات جديدة ،بين بلدان البحر األبيض المتوسط ،وشمال أفريقيا ،والخليج العربي .وفي ً
ومهاجرا ّ ً
وصحافيا، ً
كاتبا،
منحنيات هذا السفر ،ومنافي هذا الترحال ،بقيت األسئلة أكثر من األجوبة ،ال سيما منها تلك التي تتعلق باإلنسان والوجود
والمصائر الكبرى.
الجن أو الرجال الصالحون ،هي المَ ْخ َبر المفضل لديه في
ّ ّ
ولعل صورة «اليشن» ومضمونها ،أي هذه المدينة الميتة ،أو التي يحكمها
كشوفاته األدبية ،ال سيما بعد أن صعد بها ،من الواقع العادي ،إلى مستوى الرمز والمثال .وبعبارة أدق فإن الالمي ،لكي يقدم أجوبة
حتى ولو كانت غير نهائية ،وهي كذلك فعالً ،على األقل لنفسه ،حيال تلك األسئلة الوجودية الضخمة ،جعل من هذه «اليشن»
مدنا جديدة عرجت به ،وسرى هو معها،ً ربان األهوار والبوادي الشرقية العراقية،
السومرية ،وهي قرْ يات مندرسة ،تحت تالل و ِت ِ
ً
رموزا .قال لي مرة «عملي هو صناعة مدن حرّ ة ،يبنيها مواطنون أحرار». لتكون
المنسية) ،ثم
ّ هذه المدن الحرّ ة ،وجدناها في نهاية مجموعة «من قتل حكمة الشامي» في قصة (اليشن ـ يوم في تاريخ مدينتنا
ع ّبرت عن نفسها بوضوح في مجموعته القصصية الثانية «اليشن» ،ثم كانت في مجموعته الثالثة «الثالثيات» دوالً ذات بنى
سياسية وتشريعية وقضائية وأمنية ،يتسلط عليها مجموعة من أبنائها ،أو تقع تحت هيمنة قوة خارجية.
أما في روايتيه المتتاليتين «مجنون زينب» و»عيون زينب» فأخذت حاالت «اليشن» صورة أخرى :إنها تنتظر يوم الخالص الموعود.
يوم الحرية والكرامة الوطنية ،يوم يتحقق لإلنسان ،للمواطن اليشيني ،حقه في اختيار نمط حياته كما يشاء .وهكذا عادت هذه
ً
اعتبارا من النصف الثاني من القرن العشرين. القريات لتكون «أسطورة» جمعة الالمي
زينب» و»عيون زينب» .هنا تريد نصوصي أن تقول نظري أيضا .إنني أدعو إلى عودة إلى تواريخ نصوصي المنشورة
ً ً
من هنا كانت بداية حوارنا الذي امتد أشهرا ،فصار هذا الذي بين أيديكم ،اآلن ،بأبوابه ونوافذه الواسعة ،بعضا منه.
إن مدننا يجب أن تكون مثامات لمواطنيها األحرار، في العراق كما في خارجه ،وإلى تواريخ تلك النّصوص العراقية
ً
سجونا وتكايا لرعايا تحت هيمنة حماة أجانب، وليس والعربية ،التي استخدم أصحابها تلك التقنية ،أو الذين كتبوا
أو يسيطر عليهم وكالء «أهليون» ألجانب .المدن التي في «بيانات ريادة» بصددها. قلم التحرير
كتبي ،هي مثابات الحلم البشري ،حيث الحرية والجمال.
مدن جديدة كاتبا إذا ما استطعنا إحصاءها .وأرغب –هنا-في ذكر هذه الحكاية ً ساردا ،أ�عني متى اكتشفت نفسك ً الجديد :متى بدأت
المبدع طفل الجديد :تتذكر ميسان دائما منذ كتاباتك األولى ،وتذهب عماتيبين يديك :كان والدي يُ لزمني بالكتابة إلى أحد أبناء ّ قصصيا ،على وفق ما سجلته في كتبك؟ ً
الجديد :لكن أال تعتقد أن التقاطع مع الطفولة قد يجلب وضعا إلى طفولة عالم (ميسون ،ميشون ،الكرخة) المليء باألسرار الذي كان يشتغل بمدينة الكويت قبل نهاية العقد الخامس
مقلقا .وهذا القلق هو محرك لتنشيط الذهن اإلبداعي ،القلق واألساطير وثقافات الحضارات األولى للبشرية؟ محترفا .وقبل السجن ،من القرن العشرين .وكان الوالد يقول لي «أكتب إليه إن قلبي ً ً
كاتبا ُ
صرت الالمي :في السجن
اإليجابي على التعبير مثال؟ دون قليال .في البدء ،مثقوب لشدة شوقي إليه» .ولم أجد وسيلة لترجمة عواطف ً أ ً
في صباي وفتوّ تي ،كنت أقرأ كثيرا ،و� ّ
أ
و�خرى إلى أقربائنا البعيدين والدي و�شواقه حيال ابن أخته ،سوى أنني قمت بإشعال عود كنت أكتب رسائل إلى نفسي ،أ
الالمي :يقال،أحيانا ،إن الفنان المبدع طفل كبير .وإذا كان الالمي :أريد أن أعود إلى مقدمة كتابي «اليشن» التي تحدثت والمهاجرين ،وثالثة أ�سجل األحالف بين العشائر ،ورابعة حطب من موقد النار في موقد منزلنا ،وأحرقت الرسالة من
ثمة أطفال يعانون قلقا ضمن منحنيات طفولتهم ،فإن قلق باقتضاب عن «المدن الجديدة» التي أحلم بها ،وليس إلى مدننا خطوطا في درس «التربية الفنية» .أ�ما في السجن زواياها األربع ،ومررت بالنار على أديم صفحة الرسالة بين ً كنت أرسم
ً
مضافا ،هنا ً
بعدا وجوديا الفنان المبدع يعطي إلى قلق الطفولة لدي أنها مقابر ومخافر للشرطة و»رجال «القديمة» التي تعني ّ ً
فقد كنت ساردا :استمرت قراءاتي الكثيرة في األدب العالمي السطور أحيانا ،فظهرت أمامي صفحة جديدة تماما ،ورسالة ً
يتحول الفنان ليس إلى جراب مليء بالذكريات ،وإنما إلى حالة البريد « .ولعل نموذج مدينة بغداد أو «دار السالم» هو األفضل والثقافات اإلنسانية ،واستمرت أيضا كتاباتي «النادرة» ،إن شخصية لم ّ
يجرب كتابتها غيري.
متقدمة من الوعي الوجودي. عندي ،فهذه المدينة قامت على مقبرة ،ال تزال شاخصة إلى صح التعبير ،و»النادر» هذا في أغلبه ،كان رسائل إلى والدي من هنا ،كان عثوري على هذا الشكل «الصوري» للكتابة السردية َّ
يومنا هذا ،فهناك يوجد قبر «الخيزران بنت عطاء» الذي تحول ووالدتي ،وقصصا قليلة تضمنها كتابي المفقود «المسيح في أعمالي األولى .وعندما نشرت «لوحات» من هذه النصوص
إلى «مدينة-مقبرة» ،ضمت بعد ذلك قبر اإلمام أبي حنيفة المسكونون بالتاريخ بجريدة «النهار» اللبنانية سنة ،1970اعتبرها الشاعر والكاتب والجراد».
وعددا من فقهاء العراق وأعالمه .و»الخيزران هي زوج الجديد :هنا منعطفات ،منعطفات في الفن والموضوع ..على ً النعمان ً
عصام محفوظ ،الكتابة «الصورية األولى عالميا» في ميدان
الخليفة المهدي ووالدة الخليفة الهاديوالخليفة هارون الرشيد الرغم من االمتداد التراجيدي النشط لشخصيات نصوصك القصة البصرية ،وال يناظرها إال كتابة غيوم أبولينير في فرنسا، األجناس والحدود
القصصية والروائية ،المتداخلين والمتشابكين بأحداث والتي توفيت ودفنت فيها عام 173 هجرية. الجديد :تتجاوز كتابتك حدود التصنيف بين األنواع األدبية ،على صعيد الكتابة الشعرية .كما أن الناقد محمد دكروب،
وبعد هذا الكيان الجغرافي-الديموغرافي-المعماري ،حوّ ل ومقوالت ،كثير منها تاريخي .فهل جمعة الالمي مسروق إلى حيث يختلط السرد بالشعر بالتقرير الصحافي ،حتى أن اعتبرها أحد « أشكال جمعة الالمي المدهشة» في مقال له
العثمانيون على امتداد خمسة قرون ،مدينة بغداد ،وما عُ رف ذلك بفعل سحر ما ،أم أن شيئا آخر وراء ذلك؟ الموسوي،سماك «هادم الحدود بين األجناس» ،بمجلة اآلداب اللبنانية في تلك السنة أيضا. ّ الدكتور محسن
بالعراق بعد ذلك ،إلى مخفر واسع ،يقوم على النهب والسلب ً
وبعد أكثر من أربعة عقود تقريبا على تشخيص عصام محفوظ كيف توصلت إلى هذه الصيغة؟
والعنصرية والتخلف والطائفية .وعندما أعادت الكولونيالية الالمي :أبطال قصصي يسكنهم التاريخ ،أو إنهم مقذوفون ومحمد دكروب ،نشر الناقد العراقي فاضل تامر ،مقاالً رصيناً
في أحداث تاريخية في الماضي البريطانية ،صياغة هذه المدينة عند في مجلة «نزوى» العمانية ،قال فيه ما اطلعوا الالمي :أعتقد أن كثيرين ّ
البعيد وفي الماضي القريب أيضا ،إذا احتاللها العراق في سنة ،1914كان مضمونه «إن جمعة الالمي ،سبقنا إلى على مسودات الكتب التراثية العربية
جاز لي مثل هذا القول .وكما تعرف، ثمة المدينة التي تلبي االحتياجات كتابة نصوص ما بعد الحداثة» ،وهذا أشك في أن كثيرين ُّ ّ
المحققة ،ولكنني
فإن اهتمامي بالتاريخ والتراث في االستراتيجية لإلمبراطورية البريطانية، ً
متأخرا ،ألنه رأي يُ عتدُّ به ،حتى لو جاء رأوا «التعويذات» التي كانت تكتبها
أعمالي القصصية ،مرده إلى أنني أو بغداد مدينة نموذج لعل مع ترك هامش معلوم تتحرك بين جنباته كان ردا على ادعاءات عديدة ،عراقية ً ً
كاتبا صرت
ُ السجن في ساحرات عراقيات على «أختام
أجد خصوصية العراقي في تاريخه «فئة» أهلية جديدة ارتبطت مصالحها «دار السالم» هو األفضل ً
روادا في وعربية ،بأن أصحابها كانوا ّ محترفا .وقبل السجن، ً «ي ِشن» دولة ميسان أسطوانية» في ِ
المتنوع .حدث ،مر ًة ،أنني كنت مشاركاً بمصالح بريطانيا العظمى. الكتابة البصرية». التاريخية ،بل إنني أجزم أن كثرة
عندي ،فهذه المدينة قامت وفتوتي ،كنت ّ في صباي
في ندوة حوار ثقافي ،نظمه صديقنا أما المدن التي تطرحها كتبي ،كنقيض كثيراُ ، غالبة ،حتى من بين الكُتاب واألدباء
على مقبرة ،ال تزال شاخصة ً
قليال. دون ّ وأ ً أقرأ
الراحل محمد الجزائري ،لصالح ملحق للتصور والبناء العسكري والفاسد أسبقيتي األدبية والرسامين العراقيين ،وليس العرب
جريدة «الجمهورية» البغدادية ،في يوجد فهناك هذا، يومنا إلى والمتخلف للمدن ،فهو إعادة إنهاضّ الجديد :هذا يدعوني إلى القول إنك أكتب كنت البدء، في ال وبصريّ اـ عند فقط ،توقفوا ـ تأم ً
سنة ،1977حول مكونات ما يسمى قبر «الخيزران بنت عطاء» «يشن» بالد الرافدين ،من خالل كنت السابق والس ّباق إلى استخدام « وأخرى «الُأخذة « السومرية األولى في تاريخ رسائل إلى نفسيُ ،
بـ»الثقافة الوطنية العراقية» أشرت الذي تحول إلى «مدينة- شخصياتها التاريخية والعرفانية التي تقنية الهامش» في نصوصك السردية، إلى أقربائنا البعيدين البشرية ،وهي «تعويذة» عراقية ،على
فيه إلى «التنوع العراقي» في المشهد يكون مصيرها االستشهاد أو التواري التي ابتدأت في مجموعة « من قتل هيئة «صحيفة سحر» رافدينية ،كتبها
مقبرة» ،ضمت بعد ذلك قبر ً والمهاجرين ،وثالثة ُأسجل
الديموغرافي و»الحقيقة العراقية « ارتباطا بفكرة «المخلص عن األنظار، حكمة الشامي». رسما «ساحر» بحق امرأة عراقية.
على الصعيد الحضاري ..كان طرحي الموعود» كما تجلى ذلك في كتابي اإلمام أبي حنيفة النعمان األحالف بين العشائر في هذه النصوص ،التي أسميها أنا:
ً
صادما حتى للراحل غالب هلسا ،الذي «اليشن» و»الثالثيات» ثم في «مجنون ً
الالمي :هذا صحيح تماما ،من وجهة َصريّ ًا ،تتداخل أنواع الكتابة كلها، ً
سردا ب َ
العراقية .أ�عتبر نفسي وريث الجاحظ ،وحفيد بلزاك. حط كثيروناألبجدية والتدوين .والى هذه المثابة العراقيةَّ ، المضمون. ً
مؤيدا ،في حينه للثقافة األيديولوجية ،ورديفها القومي كان
رحالهم ،أمامنا المالحم األولى ،التي كانت تتجه إلى البحث عن أما من حيث الشكل ،فقد لجأت إلى تقنية «تيار الوعي»، ياسر».
«المُ تَ ِ
أدب ما بعد الحداثة سر الخلود ،وتمجد الصداقة والعمل. ّ ال ،بين واقعة ّ
صفين، ً
سرديا متص ً ً
زمنا حيث حاولت أن أ�قيم إن شخصية «ميثم الثمار» التي كانت أولى اكتشافاتي
الجديد :لقد اعتمدت في «الثالثيات» على هذا المنهج الذي ً
دليت بدلوي في هذا المضمار ،وكنت أعي مسبقا ،أن أ
لقد � ُ والواقع العراقي في النصف الثاني من القرن العشرين ،بظهور للشخصيات العرفانية القلقة في التاريخ اإلسالمي ،بعد أبي
صنعته في حياتك األدبية ،ولكنك كنت تجريبيا بامتياز؟ األبطال يخلدون بالمالحم الشعرية ،أو «يخترعهم» كتاب االنقالبات العسكرية ،وبروز شخصية «الفرد» القروي ،الذي ذر والمقداد وعلي ومحمد ،فارسية تعربت بالكوفة ،ومثلها
المالحم والسير .وهكذا كتبت قصصي األولى على وفق هذا يحوّ ل الدولة إلى إرث عائلي ،ويتصرف بمقدرات الشعب ،كما شخصية الحالج الحسين بن منصور ،وآحاد أخرى ،عراقية في
تضج بأسماء أ�ولئك األبطال
ّ الهم واالهتمام ،فكان قصصي ّ كان يلهو الحكام العباسيون بمقدّ رات العراقيين ،في ساعات السكنى ،ستجد مثيالت لها في أعمالي القصصية والروائية.
الالمي :هذه المسألة لم يتم االنتباه إليها في نقدنا العراقي أ
المقاتلين ،المنتصرين� ،و القتلى بتلك الطرق البشعة ،كما في سكرهم. ولقد أدى هذا إلى نوع من العداء والحنق من الموظفين
في تلك السنوات الستينية والسبعينية وحتى الثمانينية من مقتل الحالج والحسين وعلي وعمر وميثم التمار ،مقرونة إن «ا ل م» هي الرديف «الالمي» لتقنية «الحروف المقطعة» الرسميين للثقافة الشمولية ،بل قل إن هذا دفع بي لَأقترب
القرن الماضي .اطلعت قبل نحو سنتين على مقال لفاضل بالشعر الشعبي ،واألغاني الشعبية ،في اآلداب العربية في المصحف اإلسالمي .ويبدو لي أن تجربتي هذه ،هي األولى من «القتل» على أيدي «المنظمة اإلرهابية» ،وكذلك «الموت
تامر نشره في مجلة «نزوى» يقول فيه إن جمعة الالمي كان واإلسالمية والعالمية. ستكرر نفسها،
ّ على هذا المنوال ،في تاريخ السرد العربي ،التي المعنوي» على أيدي دهاقنة «الثقافة الشمولية» .ولكن ،أنظر
يكتب بمفهوم ما بعد الحداثة ولم نكن منتبهين لذلك .ويقول وجلي ،في روايتي «عيون زينب». ّ بوضوح تام ماذا جرى بعد ذلك؟ في العراق ،اآلن ،كما في بلدان عربية
فيها إن جمعة الالمي نفسه كان منبهً ا إلى ذلك .وكان فاضل شعر وسرد ً
أشواطا أخرى ،أصوات تنادي بالتنوع الثقافي ،بل وتسير
ّ
والحلة ،وكنا قريبين من ثامر سجينًا معنا في نقرة السلمان الجديد :انطلقت بالقصة القصيرة ولم تنطلق بالرواية ،حتى أسطورة الكاتب بعيدة إلى درجة «التماهي» مع دعوات وبرامج ثقافية إلغائية،
بعضنا .ذكّرته بأطروحاتي آنذاك عن تلك الفترة .قلت له :إنني قبل أن يعترف مشهدنا الثقافي على بورخيس .ما هو السبب، الجديد :كأنك أعدت كتابة «حكاية ما» جديدة على ما تبقى بزي التنوع والغفران وعدم محو ثقافة «اآلخر» ّ وإن تزيَّ ت
لست ابن الثقافة العراقية بل ابن الثقافة األوروبية .ولذلك كان هل هو الخوف من خوض غمار الرواية؟ من حكاية أ�و حكايات قديمة ،أو أنك قدمت أ�سطورة قديمة وشخصيته الوطنية.
نتاجي منذ البدء هو صعود على هذا السلم الذي ال أعرف أين برؤية جديدة؟
ينتهي .كنت أتوجه نحو السماء واألخالق ،وقدماي راسختان الالمي :بدأت بكتابة الشعر .وأول عمل قرأته كان قصيدة شعر المقامة الالمية
على األرض .ولهذا تراني أتجه إلى الفن والجمال من دون أن نثر في عام 1964في سجن نقرة السلمان ،تتحدث عن محنة الالمي :أنا كتبت أ�سطورتي الخاصة ،صديقي العزيز شاكر. أسست مدنا ،ورسمت شخصيات عربية وإسالمية، َ الجديد :لقد
أنسى مسؤوليتي األخالقية واالجتماعية على أرض الواقع. اإلنسان .وكانت تلك مغامرة غير مرغوب فيها في السجن الذي امتدت في «من قتل حكمة الشامي؟» و»اليشن» و»الثالثيات»،
النبي
ّ هذه هي أخالق الشاعر الرائي أو السارد الرائي الذي أزاح علي بضغوطاته ،لكنني عبرتها واستجبت لتحدياتها ما ّ أثقل الجديد :أ�سطورتك الخاصة؟ وكذلك في رواية»المقامة الالمية» في جزئها األول «أحمد
عن مكانه .لهذا ال يوجد في القرن العشرين أنبياء بل يوجد بين الشعر والسرد .ولم تكن إال القصة القصيرة الفنية إجابة العبدالله» ،حيث قمت بإعادة تشكيل الحياة االجتماعية بعد
شعراء وروائيون وسرديون وملحميون. على هذا التحدي ،فكانت قصصي األولى التي وجدت لها هوى الالمي :نعمَ ،
ولم ال؟ موت «أحمد العبدالله» وانشقاق مدينة «ا ل م» على نفسها.
ومترجما في أكثر
ً ثقافيا
ً عند فاضل العزاوي الذي عمل محر ًرا نسميه
ّ سأتحدث عن عالقتي وتجربتي بهذا المسالة ،أي ما
من صحيفة عراقية ،فتلقف تجاربي وأشاعها بين القراء آنذاك .انتماء فكري الالمي :بدأت أكتب «المقامة الالمية» ،في نسختها األولى األساطير العراقية ،ألنها فضاء واسع ً
جدا .لنقل هنا إن الُأسطورة
ً
غالبا ،في العراق وخارج العراق ،يتم النظر ،بل الفرز، في تلك الفترة لم أجد أمامي سوى القصة القصيرة .كنت الجديد: ً
أطوارا ،من ً
طورا ،أو في صيف سنة ،1977حيث رفعت الدكتاتورية رقبتها مثل كانت ،ربما ،الحالة الطاهرة التي مثلت
ً
بكونك شيوعيا .هل هذا األمر أدافع عن نفسي بوجه «الخط أحالم البشرية ،نحو الكمال والعدالة ً
قدما في وحش كاسر ،بعد المضي
صحيح؟ الواحد» في الثقافة والحياة كما والكرامة ،ولذلك كان لها أبطالها ،في االعتداء على التاريخ العراقي،
يع ّبر عنها النهج الشمولي السائد مواجهة قوى الشر والعبودية .ومن والقيام بعدد من االختبارات في
الالمي :سأخبرك بموقفي ،حسب آنذاك في الثقافة العراقية .ولذلك تم بينما
الواضح أن هذا الوضع قد َّ «تأميم» الثقافة العراقية على وفق
لجأت إلى تقنية «تيار الوعي»، المدن التي تطرحها كتبي،
ما فهمته من سؤالك ،انتميت إلى كانت مجموعة «من قتل حكمة كانت المجتمعات اإلنسانية ،تنقسم نظرة فريق سياسي واحد .كان هذا
ً ً
سرديا ً
زمنا قيم أحيث حاولت أن ُ ً أ والبناء للتصور كنقيض
الحزب الشيوعي ،فكريا ،قبل مزيجا من الشعر والنثر. الشامي» إلى سادة وعبيد� ،خيار وشريرين، يعني العودة إلى االحتراب الداخلي
أن أبلغ سن الرشد .كنت معجباً ّ
متصال ،بين واقعة صفين، ً وكذلك «الليل في غرفة اآلنسة ّ
وتصفية اآلخر المعارض ،أو حتى العسكري والفاسد والمتخلف بيض وسود،عرب وأعاجم ..،وهكذا.
بالماركسية حين كنت في مرحلة والواقع العراقي في النصف ميم» و»اليشن» .وكانت هناك وكان هذا يقتضي «اختراع» أبطال للمدن ،فهو إعادة إنهاض الرديف الحليف .لذلك عدت إلى
الدراسة االبتدائية .وفي مرحلة بدايات السرد الملحمي أي الشعر منتصرين دائما ،أو يقدمون حياتهم «معركة صفين» التاريخية واالنشقاق
الثاني من القرن العشرين، «يشن» بالد الرافدين ،من
الدراسة المتوسطة تقدمت بطلب والنثر ،ثم تطورت بعد ذلك. فداء للحلم البشري .التاريخ العراقي،
ً اإلسالمي في حينه ،من خالل
وتم قبولي بقرار َّ انتماء للحزب، العسكرية، االنقالبات بظهور زاخر بمثل هذه الشخصيات التي التاريخية شخصياتها خالل شخصية «أحمد العبدالله» وأوالده،
ّ
استثنائي ،ألنني لم أكن بلغت سن شاعرا وبروز شخصية «الفرد» القروي، ً الجديد :ماذا تعتبر نفسك في مقابل شخصية «الجنرال» والعرفانية التي يكون مصيرها � ّطرها شعراء المالحم ،ألنه الجغرافيا
أ
الرشد في حينه .كان ذلك في نهاية يحول الدولة إلى إرث الذي ّ روائيا؟
ً قاصا أم
أم ً التي شهدت خمس حضارات كبرى، االستشهاد أو التواري عن وعائلته ،التي سيطرت على مدينة
سنة .1959وبعد سنتين على هذا في واحدة منها ،ربما هي األولى في «ا ل م» ،التي استوحيتها من النص
التاريخ انتقلت إلى العمل في «الخط
عائلي الالمي :أنا شاعر السردية التاريخ البشري،التي شهدت ميالد
األنظار القرآني الشريف .هذا من ناحية
الغرق في دجلة الجحيم والفردوس ،لكنك في طريقك إلى الفردوس ،أنت في
ً
الجديد :هل تعرضت إلى حالة موت ،اعتبرها « موتا؟». التنور العظيم .إذ ذاك سترى كل شيء من لحظات تواجدك في
رحم أمك إلى آفاق المستقبل أي تجد نفسك وحيدً ا .كل شيء
الالمي :في طفولتي طلبني الموت أكثر من مرة ،كان أخطرها رأيته ..أريد التحدث عنه بشكل وثائقي تفصيلي.
الغرق في نهر دجلة .لقد تمسك بي «عبدالشط» مرة أو اثنتين،
لكن ثمة من دفع بي إلى سطح النهر. الجديد :هل تجد نفسك في هذه الحالة المبدع المطلق أو
وفي شبابي ،تعرضت إلى إطالق رصاص ،من مجموعة من المتأمل الرؤيوي؟
المحققين السكارى في «وكر الطائرات « بمعسكر الحبانية ،كان
قيدوني إلى عمود رخامي ثالثة من المحققين العسكريين قد ّ الالمي :المنشد .أنا المنشد ،صديقي العزيز..
علي الرصاص ،وعندها في وكر المقاتالت الروسية ،ثم أطلقوا َّ
لم أكن أعرف أين كنت .ولكن بعد برهة قصيرة انتبهت على الموت صديقي
الجديد« :ثمة فرق بيني وبين مالك الموت .إنني أخلق ضحكهم ،قالوا «كنا نتشاقى معك» ،وهذه الجملة التي قيلت
صحفي ،وهو ال يمتلك إال دوره» .هكذا يقول «إبراهيم األحمد» باللهجة العراقية ،تعني «كنا نمزح معك» .وبعد ذلك كانت لي
محاولة انتحار في سجن نقرة سلمان سنة .1964 في»المقامة الالمية».
ومنذ سنة 2005تعرضت إلى تجربة «الموت» أكثر من مرة ،كنت
الالمي :نعم ،هذه التقاطة حصيفة منك ،عشت مع الموت أتداوى بعشب وصفه طبيب عربي-أميركي ،أدى إلى دخولي
علميا «الموت الطبي» وبعد ً رديفين ،وخصمين ،ثم صديقين .في طفولتي ،كما في شبابي في حالة «الوعي» ،وهو ما يسمى
وكهولتي ،وها هو معي اآلن في شيخوختي حيث سقمي ،الذي عملية إنعاش بوسائل طبية ،عدت إلى «الحياة» من جديد.
«كلي البياض» .كانت والدتي تقول ّ نهاية حياتي ،كما قال لي الطبيب الذي يعالجني من مرض في طفولتي ،كان لنا جار
ً
تم دفنه باعتباره ميتا ،كان السكري الوبيل وتجلياته المدمرة التي ليس آخرها مرض لي «هذا خرج من قبره» بعد أن ّ
أي أحد ،إن أمي قالت لي «إنه يصرخ الرجل ال يتحدث إلى ّ الفشل الكلوي.
«منكرا ونكيرا»ً
ً ً
في طفولتي كانت «األمراض المستوطنة» ومنها مرض في الليل فقط مثل جمل نحر للتوّ » ألنه يرى
ويتذكر عذاب القبر. ً
مرافقا لي ،ولم الديزانتري ُّ
(الزحار)
في تجاربي مع «الموت» ال أتذكر شيئاً أتخلص منهُ إال بعملية «وشم» ال تزال
ً
محددا ألنني لم أ َر شيئا ما .فقط، ً آثارها على أجزاء من جسمي .وفي
استيقظت من «نوم عميق» على شبابي رافقني مرض «إدمان الكحول
أصوات موسيقية رائقة .وال أدري هل والتدخين» الذي برئت منه بقرار
كان هذا االستيقاظ هو عودتي إلى
دافعي الموت، مشكلة شخصي .واآلن فإن «الصديق القاتل»
حياتي،أو دخولي في حياة جديدة. ولخلق للكتابة، األقوى أي مرض السكري ،الذي تعاملت معه
ال أدري .صدقني ،ال أدري. نمطي في الحياة .في على أن»ال بدّ من صداقته».
ومع هذه األدواء ،كانت مشكلة الموت،
الكتابة كنت أحاول اإلجابة
الجديد :ولكنك مؤمن بالله؟». دافعي األقوى للكتابة ،ولخلق نمطي
على مسائل الحياة ،وفي في الحياة .في الكتابة كنت أحاول
الالمي :نعم ،أنا مؤمن بالله. من المزيد أطلق كنت الحياة اإلجابة على مسائل الحياة ،وفي
الحياة كنت أطلق المزيد من األسئلة األسئلة على «ما بعد الحياة»
الجديد :ماذا تريد من الله؟ على «ما بعد الحياة» أي على الموت.
أي على الموت
عمر إبراهيم
حسني جمعان
جمعة الالمي
ذروات النخيل ذات الجذوع السود ،ولم تعد ذكور الضفادع سديم
ٍ لثيري ،بينفاردا أجنحتي األربعة البيض ،فوق جسدي ا ًأ ً
تي تنق فوق سطح المياه الخضر في البرك البعيدة على ّ ّ ً
هابطا كرسي القدرة، ً
صاعدا إلى حيث وعماء ،فوق سماء وماء،
ضف ّ ّ ٍ
السكرى ،إذ لم أي تغريد للعنادل ّ َ
النهر الكبير ،ولم نعُ دْ نسمع ّ على خشبتي ومعي ياقوتة العرش ،إلى ياقوتتي الحمراء،
بقية من شجرة تين يَ ْب َق في قريتنا المظلومة والظالم أهلهاّ ، تنانين السموات
ُ تطاردني مسوخ الكائنات الُأولى ،وتحاصرني
أو غصن من كرمة .إنها القارعة :أهكذا أكلت المدينة نفسها قاصدا مبتغاي األخير ،حيث زهرة عمري في ً السبع الطباق،
وأبناءها وتاريخها وفنونها وآدابها ،بعد أن صارت أبراج مكاتب حانة عقد التوراة ،في مدينة المالئكة والشياطين والمردة
الد أو غاز أو ج ّ ً منطويا على قلب من ياقوت أحمر ،وروح مخلوقة ً والبشر،
وزرائب مطايا وسباعا مستأنسة لدكتاتور أو ٍ
مقامر أو محدث نعمة أو تاجر حرب؟! الكرخاء مستوطنة على عين صاحبها.
الكرخاء رمل وأشالء أشباح. ُ جدد،
ٍ جديدة لمستوطنين
الرمل في فراغ .الفراغ في كأس .الكأس في قارورة .القارورة هنا ،أيتها الكرخاء ،منال عمري.
عَ ماء تصطخب بين جنباته كائنات ال ُترى بالعين المجردة خربها أهلها ،حلمي غير محدود النهايات.هنا ،أيتها المدينة التي ّ
وحيتان عمالقة وزواحف بأجنحة من حديد ورؤوس بشرية، هنا ،يا واحة األشواق،
وثالثة من سالالت القوى الكونية العمياء ،تتعارك بسيوف الله واإلنسان ،وصورتهما:
و�نوفها وبلطات ورماح ومُ دى ونيران تنطلق من أفواهها أ البريئة والمُ دانة،
و�دبارها ،وتتكلم بلغات ال ِقبل لبني قومنا بها ،وال يشبهها سوى أ العاشقة والناسكة،
هذا الغبار الكرخائي األصفرالثقيل الذي يخترق كل َمسامة في الميتة والخالدة،
أي يوم من أيام تاريخها السحيق، ْجل عنها في ّ ّ
المتولي. سالمة
جسدها ،ولم ين ِ
قلت لمنعم.فالنا مبدع»ُ .ً إن ً
عميقا من سيكارته ً
نفسا نادر من منعم الخسران ،بعد أن سحب حتى صار أهلها وسكانها أشالء من غبار ،رأيتهم في كابوس من
رأيت رامبو يتفكّر في حديثي مع الخسران فقلت «عزيزي كفيه حين كنّا في حانة عقد التي يبرم ورقتها ،عادة ،بأصابع ّ كوابيسي التي ما انفكّت تحاصرني آناء الليل وأطراف النهار ***
ألي نشاط إنساني ،يتضمن ما كنت أي تعريف مسبق ّ رامبوّ ، التوراة. ً
وركبانا نحو فج عميق ،بقايا أشباح راجلين ينسلون من كل ٍّ الكرخاء رمل.
أ�سميه :نهج دكتاتورية الخط الواحد في الحياة والفن ،هو « أنت تجيب على سؤال مهم في نصوصك يا رامبو». ً ً
بيوتنا الغبراء بعد أن صارت غبارا خالصا ،بيوت ال تصاوير فيها … وال تزال القرية تستدير على نفسها منذ الحقب التي تلت
ً
تماما». العفن «ما هو؟». سوى الصورة الوحيدة المنسوخة للرجل الغامض الذي يسكن تكوّ ن العَ ماء ،عندما أ�فاضت الياقوتة الحمراء على نفسها،
«هذا صحيح .أنا أدعو إلى تحطيم األوثان في الشعر واألدب «ما هو الشعر؟ .بل قل :ما هو الفن؟» .قال منعم الخسران، مكان ما في البرج ذي الطوابق المئة خلف السور الصلد ٍ في أصلة جنة فخلقت العقل ،وهي اآلن تلتوي على نفسها مثل َ
والحياة». مبلورا بقية سؤاله «هل كنت على ّبينة من هذا منً ومضى الترابي والمرتفع مثل سيف بثالثة أشداق ،مع جنده بزيّ هم آدم ،حتى يوم الناس هذا .ومع هذا الدوران السادر في عطن
ّ
ً ً
فضيا صغيرا من عُ ّبه ،والتقط منّ ً ّ
أخرج منعم الخسرانُ ،حقا قبل؟». الواحد ،وحرسه الخاص من أولئك األغراب بسحناتهم الغريبة الصالل وقراءة المراثي المستعادة من جوف اإلبل وعراك ِّ
ّ
داخله شعيرات دقيقة بإبهام كفه اليمنى وس ّبابتها ،شعيرات « ال أتذكر أنني فكرت على هذا المنوال». تماما عن أهل الكرخاء األصليين ،وأرديتهم الخضر المُ موّ هة ً أ ُ
بكائيات الدهور الخالدة ،نشرت الجثامين من �رماسها ،وانتشر
الفن
شقراء دقيقة وضعها في كأسه وقال «اسمع عزيزي رامبوّ ، ألي
«الفن هو الحياة والطبيعة .والحياة والطبيعة ال تخضعان ّ التي ال يشبهها سوى ذروق الطيور المنتشر على أفاريز حيطان النمل األحمر على جدرانها وفوق تاللها وبين فجوات صخورها،
يسمى فن ًّا إالّ إذا كان مفعوله في روح اإلنسان مثل مفعول ّ ال تعريف مسبق». المساجد وذروات المعابد .والكرخاء مساجد وصوامع ال يذكر وظهرت خيولها وحميرها وبغالها تتبوّ ل على أفخاذها الهزيلة
ّ
الحق. هذا» ،وأشار إلى باطن الفن مثل الطبيعة ،يرفض النظريات».
«نعمّ . اسم الله بين جنباتها ،وسجون وثكنات ومكتبات وشوارع فتبين للعابرين أنهارها والمختفين في جحور ّ الكسيحة،
«األفيون» قال رامبو. «الفن هو الطبيعة». وخمارات ونواد ونقابات وأحزاب كلها من غبار ،أنهار ّ ومتاحف أي وبال َح ّط على أسطح البيوت وشواهد وديانها وجبالهاَّ ،
«الدخول في مناطق غير مكتشفة في روح اإلنسان وجسده». ّ
«وكذلك الشعراء والكتّ اب والرسامون والنحاتون والنفاجون وسواق وبطائح ومستنقعات ،هي رمل في غبار. ٍ وجداول غطى الجدب منابت النخيل ،وساح القبور وعيون اآلبار ،حتى ّ
«الفن غايتي». وبقية طوائف الفنانين .إذا كنت تريد قتل الفنان فافرض عليه هذه هي الكرخاء كما وصفها رامبو في كتابه الشعري األول ّ
بخة على ما تبقى من القيعان الس َ
الحصراء َ نزيف األرض َ ُ
« قل ما تشاء .اغتمار المجهول هو الطريق إلى الفردوس». أي نظرية .الفنان صانع قدير .وهذا وحده يكفي للقول نظريةّ . تقريضٍ ب أن حاز على الذي حمل عنوان «قرية من رمل» ،عَ ِق َ وفرت طيور الفاخت من ّ المكشوفة لتلك األنهار المندرسة،
تنّورتها القصيرة إلى دائرة زرقاء ،يظهر منها فخذان ص ّبا كأنهما سنة بعد أن نجونا من القتل في جبال مدينة «إربد» الُأردنية: وأدبها الرفيع والمتعالي ،في كل حركة من جسدها أو في كان كنعان الشاطري ينشر مقاالت أدبية قصيرة في جرائد
بشري ،بين مساقط أضواء ِّ عمودا رخام صاف لم َتدُ ْسه قدم تعبا.تعال نرجع إلى فراغنا المثير.تعال معي إلى الكرخاء. كفانا ً نظراتها ،في صخبها الصموت وصمتها الصاخب. الحكومة ،ذات مضامين مبهمة بأسلوب غامض .وقد وصفه
ّ
قوس قزح ،في فضاء يتنفس عطر جسدها الذي بلله نثار «الكرخاء هي الشذوذ بعينين ورأس ونفس وقلب». تضج بصمتها». ّ «أنت موسيقى ِ إبراهيم الملحد عندما غادرنا معتقل «القصر الملكي» بأنه
تغطي جسدينا من العرق الفرات .ثم انغمرنا في ُقبلة طويلةّ ، ّ
سر هذا العدد الكبير من الشاذين «كما تقول ،منيف .وهذا هو ّ «أنت تتكلم عن بيتهوفن .أليس كذلك؟». َ غباء .لم أتعاطف مع رأي الملحد،
ً «مترجم فاشل لنصوص أكثر
األوراق األولى لشجرة الحياة ،ونغرق في رحيق عشب ُ فيها على امتداد تاريخها». «أنت التي أعنيها اآلن». ِ وال مع تعليق نادر أطلقه موفق الساحر ،إن فكر رامبو الشاطري
مهروس ،ورائحة طين أسود يلتصق بجسدينا العاريين. كان جسدها يضحك كله في تلك اللحظات ،حتى كادت تقع هيأت نفسي ألكون جديرة بحياتي». أ
«أنا �نثى ّ أحد أسباب هزائمنا في حروب الكرخاء» .كان هذا التعليق
تدوخني».
«رائحة العشب المهروس .آآآه .إنها ّ على ظهرها لوال جدار الحانة الذي أنس إلى حرارة جسدها، أشرقت ضحكتها الساحرة في الفضاء األزرق الشفيف ،وختمت كثيرا بعد أن عاشرت الساحر بما يكفي ألنه كان ً يعني لي
متأوهة «عندما تضع كفيك ّ تنفست سارة بعمق ،ثم همست «الشذوذ الفلسفي». ً
ايضا». غامزة« :وجديرة باالستعمال يربط رأيه بهذا أو ذاك بقدر ميله الجنسي إليه من عدمه .ولكنه
خاصرتي أشعر أنني أحترق» .والتصق جسدانا ونحن ننزل على «أي عبث فلسفي هذا الضجر وقالت بعد برهة من الصمت ّ أنت الجنة». ً
بعيدا عن أ� ّي جنةِ . أنت حواء « ِ َ
محضا في أحكامه ،وربما هذا هو الذي جعله ً
ذاتيا ً
-غالبا- يكون
َّ
ً
من شرفات األرض سراعا نحو الغياب الفردوسي الكامل .وكان اإللهي يا منيف؟». أبعد الخسران نظارته الطبية عن عينيه ،فظهر عَ َمصهُ التام، ساحرا في أناشيده. ً
رخ حمام خرج للتوّ من بركة ماء َ «ربما هو أساس الخلق .نعم إنني أعني ما أقول». مجة رابعة من ومج ّ
ّ ً
ثانيا من سيكارته، ً
عميقا ً
نفسا ثم سحب أنق ُط َمح ًبة». « أنا ُ
جسدي ال يزال يرتجف مثل َف ِ
دافئة وصغيرة بعد ظهيرة شتوية ماطرة في كرخائنا العزيزة. كثيرا ،وفي كل شيء». ً «منيف ،أنت مُ ترف كأسه ،واستمر يتأمل في سارة ،كما يتأمل صابئي ماهر في « محبة أم جنس؟».
ولكن ،لماذا يحدث هذا لي مع سارة فقط؟ أي شيء سوى أسئلتي». «ال يشغلني هذا قط .ال يشغلني ّ ً
معبودا كله ،وخاطب َخ ْشل يعود لسيدة سومرية هي التاريخ ّ «ماذا تقول أنت؟».
ٍ
«ستاليني يسأل؟ هذا عجيب!». ال يراه أ�حد سواه: جنسي صارخ». ّ «أنت نشيد
*** «أنا أحترم ماركس.أنا أبحث في شأن مسألة الوعي والمصير أحسنت َخلقا أيها الفنّان المبدع».
َ «أحسنت. حب خارج الجنس؟». «وهل يوجد ٌّ
ً
وشابا كان ينادي عليه التقيت موفق الساحر ُ في مقهى غيفارا اإلنسانيين .المسيح وقيصر .محمد وماركس». ّ وسارة المتولي امرأة ال تشبه سوى سارة المتولي ذاتها (كتبت
الساحر باسم رامبو،ألنه كان كثير الشبه بالشاعر الفرنسي ً
«ماركس لم يكن حتى ماركسيا؟» .وطوّ حت بشالها األبيض في مذكراتي ذات لحظة) ،إنها تريد أن تصنع قدرها بنفسها ً
وعندما استقر المقام بكنعان الشاطري أخيرا في «عرصة
األشهر ،حتى نسي كثيرون بعد ذلك اسمه األول وكنيته تشق غمار ديجور كحلي هائج. ّ فبدت كأنها سفينة أي عالقةتصر على أن تنفي ّ ُّ وتقوده إلى نهاياته ،كما لو أنها السوامرة» بالمدينة ،اعتكف في سكيك المكتبات حتى ّلقبناه
سعيدا باسمه الجديد إلى درجة ً العائلية .وكان كنعان الشاطري «ومحمد؟». لها بما هو خارج روحها وجسدها .كانت تبدو لي كأنها تحوّ ل بـ»دودة كتب».
ً ً
االفتخار ،حتى أنه لم يعد يعير بال لمن ينادي عليه باسمه «أفضل من أعاد تنظم السلوك الجنسي في المجتمع المكّي كما ّ ثم تتع ّبده ،وهي في جدل ال ينتهي مع نفسها، اإلنسان إلى إلهّ ، « أنا مسرور لهذا الوصف».
القانوني .أشار إليه الساحر: قال تروتسكي». قصية وبعيدة المنال.
ّ أو في حلم عميق ،أو مسافرة في عوالم حقا؟ .لماذا؟» .سأله الساحر. « ً
« هذا هو رامبو الكرخاء». ّ
كنا نمشي خفيفين على درب ازدحم باألوراق الصفر بين صفين وفي تلك األثناء كانت تعيد طرح سؤالها األثير «منيف ،ما «ألنه يعفيني من الجواب على كثير من تعليقاتكم».
ولم أسال الساحر عن الرديف الكرخائي لرامبو الكرخائي. والرمان في طريقنا إلى «حانة ّ من أشجار البرتقال والنارنج معنى هذا كله؟». سببا يقنعه بهزيمة الكرخاء أمام الغزاة الخارجيين ً ولما لم يجدّ
ً
وحشا على وحين قلت له إنني ال أشك في أن «فيرلين» كان غيفارا» فوق رابية تكاد تسقط على المحيط األخضر الفسيح. «يبدو لي أنَّ معناه ،في هذا السؤال ذاته». واالنقالبيين الداخليين على سؤاله القصير (لماذا خسرنا
ً
إلي الساحر معاتبا وقالغرار «دياكلييف» مع «نجنسكي» ،نظر ّ وكان ذلك األصيل أحد منحنيات شعوري بأن سارة تكون امرأة وقربت شفتيها الفاتنتين إلى كأسها فكشف ضوء الحانة القسم ّ الحرب؟) ،أخذ ينشر تلك المقاالت القصيرة في تلك الصحف
ً
وحشا مفترسا ،والوحش عنده ً إن ذلك الثري الروسي كان مكتفية بذاتها في تلك اللحظة التي تشتعل رغباتها في أن النافر من ثدييها الناضجتين ،وانتثرت خصلة من شعرها محرروها فقط) على وفق رأي الساحر .لكنه خرج ّ (التي يقرؤها
غريزة االمتالك والقتل فقط .الوحش ال يعرف الحب. جزءا من حركة الطبيعة ،سواء كانت منفردة مع نفسها، ً تكون األسود على جبينها الذي أشرق وسط العتمة الزرقاء بخيوط بنص قصير نشره في صحيفة «الوحدة» عنوانه علينا ذات يوم ّ
«احتالل جسد إنسان آخر ليس ً
حبا». ال تح ّبه كرما غير ذي حدود من روحها وجسدها ً أو تمنح رج ً قصية مفتوحة الضلفتين في مركز ّ بيض فبانت مثل نافذة (وحدتي تحاور رامبو) ،ما دعا موفق الساحر إلى أن يدعوه
الحب ،منيف». ّ «أنا أتكلم في بجوار نخلة مذبوحة في بستان مهجور ،أو في حوار فكري غالالت من ثلج وغبار وبساتين بعيدة ،عندما ينفرز الخيط ً
مغرما بسلوك «رامبو» وحياته الخاصة، بـ(رامبو) .كان الساحر
«ربما أنت تتحدث عن الحب األبيض؟». عميق مع صديق ،أو حتى في خلوة مع جلعوط البغدادي. األبيض عن الخيط األسود. كثيرا في أنه اختار سلوك «فيرلين» وحياته مع ً أشك
ّ لكنني
محق ًا».
ّ «أتمنى أن تكون «كل حركة من جسدي جزء من حركة الطبيعة». «كلما قلت إنني أعرف ،أكتشف أنني ال أعرف .يا لخساراتك يا كنعان الشاطري.
ً ّ
«أتؤمن بالحب األبيض حقا؟». «هكذا؟ هذه هي الموسيقى». سارة».
«بل أتبنّاه». «ال حركة نشاز عندي .إنني أخشى على الوجود من االنفجار، « يا لك من سعيدة .هذه هي المعرفة». ***
«هذا ما رايتك عليه في السجن». إذا ما صدرت منّي حركة معاكسة لقوانين الطبيعة الَأزلية». ال مع روحي حول مفهومي ً
حديثا طوي ً علي سارة أعادت … .وعندما كان رامبو يقرأ علينا في حانة عقد التوراة قصيدته
ّ
«الحب في السجن معادل للحرية». تحدثت مع البغدادي بمثل هذه األفكار؟». ِ «هل أ
للخسارة حين قلت لها «خسارة الروح هي �مّ الخسارات» .ثم ّ
المتولي واقفة وهتفت الطويلة «امرأة الرمل» ،ه ّبت سارة
«الحب أ�م االشتهاء؟». «جلعوط غريزة فقط». ال وقلت: ثت قلي ً تريّ ُ «نخب الفن والشعر والجمال والحرية .نخب الفوضى» .وعند
«االثنان». «هكذا يعتقد الساحر أيضا». « سارة ،ربما تكون خسارة الناس نعمة ضخمة». الرواد وقد
ذلك ساد الصمت في قلب الحانة ،وشاهدت دهشة ّ
خطط له ولم أسعَ إليه. أ ً
وكانت تلك اللحظة الفريدة موعدا لم � ّ «أووه ،إنهما صنوان في أمور أخرى». «أنت مسيحي؟». أخذتهم كلماتها .كانوا صامتين كأنهم في مقبرة «وادي السالم»
المطل على الساحل األخضر ّ لكنه واجهني في بطن المقهى «الغالمة». وأكملت غامزة ُ «جدي األول مسيحي». ّ ً
دائما :امرأة في ظهيرة يوم في شهر تموز ،وهكذا هي سارة
بمدينة الجزائر. كنّا نسير كأ ّننا نطير فوق بساط األوراق الصفر ،وكانت سارة «وجدتي لُأ ّمي يهوديّ ة». التصرفات الالمتوقعة والمفاجآت والشذوذ ،إنها الكرخاء التي
جدا في هذا اليوم». ً «أنا سعيد ودقة مذهلتين ،فتتحول حافة ّ تؤدي حركات راقصة بسرعة وكانت قالت لي حين كنّا عائدين إلى الكرخاء من بيروت ذات ّ
المتولي وروحها ،في ّ
تبذلها المستهتر رأيتها في جسد سارة
حسني جمعان
وكان صدره يختفي عن العالم وراء قميص أ�صفر بلون الرز ً
متجها الحديدي في «قطار الموت» (الذي كان ينطلق من بغداد ال».«وأنا محظوظ فع ً
العنبر قبيل حصاده ،فوقه دشداشة بلون أ�سود ،ال تشبه إالّ لون مارا ببابل والسماوة ،حيث كنّا نغني أو ً نحو «نقرة السلمان» كانت المقهى التي يشبه بطنها جوف طائرة نقل بريد متقاعدة
دشاديش النساء الكرخائيات في الَأشهر الحرم ،بعدها صايته نردد أناشيدنا :كانت تلك الوسيلة المتاحة للمقاومة والتمسك تبدو صامتة تماما ،بينما بقيت سارة المتولي صامتة كذلك،
الوبرية الصفراء ،ثم عباءته الع ّباسية. بالحياة ،بينما كان الُأوكسجين ينفذ تدريجيا في تلك العربات ترسل بصرها نحو أرضية المقهى المدهونة بزيت تنظيف
«مسعود ،أ�رجوك». تجرها عربة بخارية غاضبة .في البدء دخلت ّ الحديدية التي يتحراها بعينيه
ّ تنبعث منه رائحة كحولية حادة .وكان الساحر
شقت قميصها «لماذا؟ أ�نا امرأة معك ،ورجل أ�مام اآلخرين» .ثم َّ إلى زنازيننا ،الفردية والمشتركة ،مجموعات الحرس القومي، اللتين تشبهان عيني أ�نثى فهد تتابع فريستها ليالً.
العنبري ،ليبرز ثدياها العامران. و�مرونا بالتخلص من مالبسنا ،سوى قطع مالبسنا الداخلية، أ « أنا مسرور بكما يا منيف».
ال غيرك». «لم أ�عاشر رج ً و�يدينا مرفوعة نحو األعلى .استمرت هذه والبقاء واقفين أ ُ أ
«هذه سارة .سارة المتولي»� ،ومأت بكفي اليمنى نحو سارة.
واآلن ،ونحن نعود إلى الكرخاء ،أو نجلس في مقهى غير بعيد تماما منذ ما بعد منتصف الليل ً الحال نحو اثنتي عشرة ساعة، «أنا وسارة نعرف بعضنا» ،قال الساحر« ،منذ زمن بعيد»،
تفردت عن غيرها في إلي صور حياتنا التي ّ أ مستمرا في مالحقتها بعينيه اللتين تشبهان بيضتي دجاجة ً
عن البحر ،تعود ّ حتى الصباح التالي في ذلك النهار الحار والرطب .شعرنا �ن
أوضاع ملتبسة ماضية ،حيث اختلط هوى الشباب بالرأي جلودنا تقشرت عن لحم أ�جسامنا ،ثم حشرونا في سيارات مسلوقتين لم يتم تقشيرهما بعناية.
الناضج ،وتتداخل فيها اآلراء الجامحة بحكمة عمر النبوّ ة، أ�حمال كبيرة سارت بنا نحو محطة القطار ،في كرخ الكرخاء، استمرت سارة في صمتها ،تنظر إلى أرضية المقهى ،بعد ذلك
فقالت سارة المتولي لو أن الملحد يحضر اآلن الكتملت فصوص حيث أ�دخلونا جميعا في تلك العربات الحديدية التي بال نوافذ، كرسي مقابل للساحر ،وإلى يسارها جلس رامبو. ّ جلست على
ً
الفتا النتباه مسعود ورامبو. المسبحة .وكان ذلك تم إ�حكام إ�غالقها علينا، ً
جداَّ ، اللهم إ�ال من أبواب حديدية صلبة «نعم .نحن نعرف بعضنا».
«أتعرفين إبراهيم يا سارة؟» سألها مسعود. فشعر كل واحد منا نحن الجنود الذين بلغ عددنا نحو مئتي «منذ زمن بعيد؟».
«وغيره كذلك» .ردَّ موفق كأنه يدلي بشهادة مؤكدة ونهائية ضابط وجندي ،وقالوا لنا :ال نريد أن نسمع من أ� ّي واحد منكم، «منذ زمن بعيد» .ردت مبتسمة.
أمام هيئة محكمة غير منظورة. نحوه ،بينما السجناء تحوّ لوا اآلن إلى كومة عواطف مركزة، أ� ّي كلمة احتجاج) لكننا لم نكن نملك سوى الَأناشيد وأغاني أفردت سارة سيكارة من علبتها بين أصابع كفها اليسرى.
لم أستغرب مالحظة الساحر .كنا نحن الثالثة :أنا وهو وسارة وأدع جسدي طوع صوت طبل سومري يأتي من أعماق معبد العشاق المفارقين .لم يكن معنا سوى الفن. واستمر الساحر يالحقها بتلك النظرة التي ال تصدر سوى عن
ً
إماما نعرف إبراهيم الملحد ،ذلك الروزخون عندما كان بعثت به الكرخاء إلى عاشق لم يبرأ من الحب ً
أبدا ،ثم أسقط «بالفن نالعب الزمن». ال.فهْ دَ ٍة تتربّص بطريدتها لي ً
للجماعة في مسجد بليدة «الميمونة» ،بعد أن حاز على درجة علي. ًّ وبحركة رشيقة من يدها اليمنى ،ع ّبرت سارة المتولي عن «ماذا تشربون ؟» ،سأل الساحر هادئاً.
مغشيا ّ
كله بفكرة «األستاذية» من حوزة كوفان ،وقد امتأل كيانه ّ تلك كانت أجمل رسائل أبعث بها من السجن إلى روحي ،حين تأييدها لفكرتي وقالت: وأكدت «عن نفسي فقط». ْ «عَ َرق» أجابت سارة،
تخليص العالم من البؤس والشقاء وصراع الطبقات .بل إنه يتوجب أن أ�قاوم الجنون والخوف بالفن والشعر والصمت ّ كان « الفن .الخالص في الفن كما قال العجوز الروسي النبيل». رفعت عينيها السوداوين الفاتنتين نحو موفق ،وث ّبتت شعر
ً
واجبا تعم َم صار يشعر بثقل هذه الُأمنيات حتى صارت بعدما َّ والهذيان .وكان موفق يعرف تمام المعرفة أنني نقيضه في «الرحمة لروح تولستوي العظيم». سحرا جعله يرخي جسده ً رأسها خلف أ�ذنيها ،وأرسلت إليه
ضميريّ ا ال يقدر على تبليغه إال من وهب روحه لله فقط. الحب والفن والبراءة ،كان هو يمتهن جسده في حاالت من وتلك كانت ليلة من ليالي عمري التي ال يمكن وصفها بتفصيالتها ال ،ثم كسرت سيكارتها من منتصفها وقدمت له نصفها ال قلي ً قلي ً
مت نفسي بنفسي». أم ُ «أنا ّ الشبق الجسدي ،بينما كنت أحافظ على جسدي بطهرانية أيضا مع موفق الساحر في ً الدقيقة أبدا .وهكذا هي حياتي الثاني:
«له؟». الكتابة والتمسك بحريتي الفردية :هذا هو السجن ،الحرية في السجن الصحراوي البعيد :أغنية متصلة وساحرة .أما بعد أن «موفق ،يبدو أنك قد شخت؟».
«له هو؟». مفهومها األصيل،أن تتشوّ ه ،أو ال تتشوّ ه .تلك هي المسالة. فلزمت نهاية مفازة ال تبعدني عن منزله ُ تقاربت بنا الديار، إلي بابتسامة مصنوعة بعناية من دون أن يطلب من سارة نظر َّ
«نعم ،له هو ،ال لغيره». سوى فراسخ معدودة ،بعد أن شاخ جسده ،وخمدت قواه ،ولم ً
نارا لنصف السيكارة ،وسألني: ً
كان شغله الشاغل اكتشاف وسيلته الخاصة لتغيير العالم في *** تقشرايبق منه غير عينين مثل بيضتي دجاجة مسلوقتين لم ّ «وأنت ،ماذا تقول؟».
الكرخاء ،فقال لي بثقة ذات يوم إن الهور الجنوبي ،وليس ً
وعنفا. بعناية ،تتّ قدان شهوة «إنه الزمن يا موفق».
أي فكرة ثورية جديدة بالكرخاء». البلدة ،أفضل بيئة الختبار ّ … وكان ذلك المساء مفعما بالفرح والسعادة ،والدموع أيضاً. كان موفق الساحر يمنح نفسه امتيازات متواضعة ،لكنه ً
« نعم .هذا الجبار العنيد الذي ال يعرف صديقا» .قالت سارة
«لماذا؟». تذكّر كل واحد منّا تاريخه الشخصي والرفقة التي ربطت فيما يحسبها مستويات خاصة به في نظرته إلى نفسه ،ال سيما في المتولي.
«ليس عندنا قرى مثل المدن البريطانية ،أو حتى المصرية» .ثم بيننا وكأنها العملية األولى في التاريخ التي شهدت هذه التوأمة تلك األمسيات الصائفة أو الباردة في باحة سجن نقرة السلمان «ولكنني ال أزال �غني .أال يكفي الغناء للوقوف بوجه هذا أ
ال:تراجع إلى الخلف قلي ً أيضا .ولم تكن جرائري، ً في األفكار واآلمال والمصائر ،والجرائر الصحراوي :يتناول كسرات من رغيف بارد من شعير كرخائي الجبار؟» .ثم قال بعد برهة قصيرة كأنه يتحدث إلى كائن آخر:
«ليس عندنا طبقة بورجوازية .البورجوازية صانعة المدن �أ
سوى شجرة حياتي التي دعوها ً على وفق تعبير رامبو� ،أ حيانا، مدهون بزيت سمسم ذي لون أخضر داكن. «لم يهزمني الزمن بعد».
الكبرى ومؤسساتها .أما الريف فهو الفالحون .نحن فالحون جدا ،عندما كنت ً غابتي،عندما أ�نفرد بنفسي ،وفي حدث خاص «هذا لتزييت إطار الحنجرة «. وبعد أن دارت الكؤوس بيننا ،وغادر آخر الرواد بطن المقهى،
حتى وإن انتقلنا إلى المدن التي صنعتها الكولونيالية ّ
المتولي عندما ر�يته في صدر سارة مع مسعود المولى ،وهو ما أ ويطلق ضحكة غامزة نتجاوزها إلى األغنية المرتقبة ،ثم قالت سارة تقطع صمتنا وتأمالتنا:
البريطانية». ً
وضوحا كنا في المقهى الجزائري .قال مسعود ،أب�سلوب أ�كثر نتكوّ ر على أنفسنا ويبدأ كل واحد منا في النظر إليه كما لو « سنغنّي».
ً ّ
وحين بدأ حياته معلما في المدرسة الوحيدة بالميمونة ،كان و�شار إلى نت ابن أ�ختك» .أ «� َ ال أ� ً
يضا أ ً
وطالقة ومروء ًة ،وخج ً أنه يغنّي له وحده .وعندما ينبعث صوته الخشن عبر شفتيه أومأ موفق برأسه ،ثم جاء صاحب المقهى فقال له الساحر:
تماما ،وما زاد فيً يط ّبق فرضيته تلك على واقع موصوف صدره. مصحوبا بتلك األ ّنة التي تشبه تنفس أسد عجوز، ً الشهوانيتين، « أغلق الحانة يا سي بلحاج».
قناعته تلك المناظرات التي جرت مع أول داعية شيوعي زار «مسعود ،هذا يرعبني». أترك مجلسي المنفرد على ذروة برميل بترول فارغ ،وأتقدم كنّا في صندوق حجري ،ال يشبهه سوى ذلك الصندوق
*** القرية .قال األستاذ سعد النمر «إنّ الطبقة العاملة العراقية هي
التي ستحطم الدولة البورجوازية الحاكمة في العراق ،لتقيم
ومنذ تلك التجارب القاسية والمريرة ،كفر إبراهيم بن علي بدالً عنها دولة البروليتاريا العراقية».
الحربي بكل شيء ولم يعد يؤمن إالّ بنقد أ� ّي شيء في الحياة. « ولكن ،!..ال توجد طبقة عاملة صناعية في العراق».
«الزبدة عندي أن النقد ،نقد كل رأي ومعتقد ،هو دين اإلنسان». «يوجد من ينوب عنها».
«هكذا ترى اإللحاد؟». «من هم؟».
«نعم». «نحن ،المثقفون».
وكانت خطوته األولى أنه قام برمي عمامته البيضاء في برميل مثارا لسخرية إبراهيم بن علي الحربي ،حين يلتقي ً وكان ذلك
عَ َرق مصنوع ببلدة دَ ياال القريبة من الزوراء :دخل إلى حانة نفرا من الدعاة السريين للحركات االشتراكية األولى في بالدنا ً
عقد التوراة بزيّ ه الع ّباسي التقليدي في ظهيرة يوم جمعة، التي دأب الرحالة األجانب على وصفها ببالد النهرين الكبيرين
حيث كان جمهور من أبناء المدينة يؤدون الصلوات التقليدية، منذ النصف األول من القرن السابع عشر.
ً
سكرانا واضعا المسجد الكبير خلف ظهره ،وخرج من الحانة ً «إذا كان هذا خياركم األخير ،فعلى الكرخاء السالم».
كافرا بالعقائد الدينية جميعها ،وهو ً يلعن الشرق والغرب، كانت توقعات الملحد صحيحة .فمع أول هجوم من العسكر
يردّ د «خالصنا في اإللحاد» ،وكان ذلك مدعاة أخرى ألساطير المتحالفين مع المثقفين والدعاة القوميين المتعصبين سنة
جديدة تناولها عجائز الكرخاء عن قرب حلول الساعة وظهور ،1963تر ّنحت المنظومة العمالية المفترضة التي يمثلها
ينية آخر الهداة الكُماة ،حتى أن السيد القزويني ،خطيب ُ
الح َس ّ منظم استغرق تشيده ّ المثقفون االشتراكيون ،وانهار بناء
المسماة باسمه صرخ ذات ليلة بعد أن ألقى عمامته السوداء ّ باآلالم والحرمانات والسجون والتشويه والمنافي على امتداد
على الفالحين الذين كانوا يستمعون إلى خطبته المعادة عقود زمنية متواصلة ،في غرف معتقل القصر الملكي الذي
«اقتربت الساعة وانشق ّ القمر ،وسيظهر موالنا المهدي حفيد حوّ له أولئك القوميون إلى أحواض لماء النار واالغتصاب
سيد البشر». الجنسي وانتزاع االعترافات.
وران صمت مهيب على جمهرة الفالحين والكسبة والشحاذين
وصغار الموظفين الذين كانوا يستمعون إليه فاغرين أفواههم ً أ
«لم يُ صبنا االنهيار �بدا».
تحت منبر الحسين وحوله . «لقد مسخوكم من القمة إلى القاعدة».
وكانت حانة عقد التوراة ،تشبه هذا المشهد العاشورائي ،عندما «القمة ،المثقفون ،هم الذين مسخوا أ�نفسهم في القصر الملكي» .
يمضى الهزيع الَأخير من الليل ،ويخلو ُّ
كل خليل إلى خليله. كنت هناك في سنة تالية ،في تجربة أخرى مع هؤالء القوميين،
وكان الساحر يتذكر اآلن ،ليلة ،ليلة أ�شدّ من أن تكون ليالء ،في يضا ،بعد ضربة واحدة وشاهدت كيف انهار المثقفون األصنام أ� ً
السجن الصحراوي البعيد عن الكرخاء. كف شاب لم يتعلم بعد بما فيه الكفاية فنون التعذيب من ّ
العربية التقليدية.وهناك التقى رامبو بإبراهيم الملحد أيضا،
الشارقة كما التقى للمرة األولى في حياته بالذي صار صديقه فيما بعد،
جلعوط البغدادي .جلعوط الذي احتاز على وظيفته الرسمية
بعنوانها الجديد على ثقافة الكرخاء وتقاليدها« :مُ غتَ ِصب».
إشارات: وفد جلعوط البغدادي على الكرخاء ،وكأنه يهرب من حياة
ـ من استهالالت للنص الروائي ،بالعنوان ذاته.. تماما ،اللهم سوى لقائه الُأسبوعي في يوم ً سابقة .اعتزل الناس
ـ الكرخاء :هي بلدة «الكرخة» في بالد األحواز العربية، ُقجة بستان بيت جاني الجمعة من كل أسبوع ،قبل الصالة ،في ب َ
تقع على نهر باالسم ذاته ،بـ»هور الحويزة» بين العراق وإيران.
مع مجموعة المصارعين ورياضيي الجمال الجسماني والشعراء
وهي»اإلسكندرية» التي مرّ بها اإلسكندر العظيم في طريقه إلى الشرق.
الشعبيين والعبي القمار ،حيث كانوا يمارسون هواياتهم قرب
وهي واحدة من بليدات صغيرة تدعى :اليشن ،اشتغل عليها الكاتب منذ
فر ٍة بجوار نهر الكحالء ،تتصل بالشريعة التي كانت تزدحم ُج َ
البواكير الُأولى لمشروعه السردي في سنة 1963ـ .1964
بالفتيان والفتيات في الظهيرات التموزية والشباطية .لكنه
إسامعيل الرفاعي
حائرا على ألسنة أهالي عرصة الماجدية« :من هو ً بقي سؤاالً
هذا البغدادي؟»
حسني جمعان
سعد القصاب
يحتاج التفكير في حال الثقافة العربية إلى كتابات أكثر اجتهادا ،وشهادات أكثر صدقا ،وتصورات أكثر جدال .الثقافة
العربية هي عينها في منجزها التخيلي والتعبيري والفكري في بعديها الذهني والحسي.
ثمة شكوى تالزمها بكون الرهان عليها مازال مرجأ ،ويذهب البعض إلى أنها تعطلت بما يكفي ،بل لم تعد مؤهلة كي تفترض
لوجودها أهدافا معرفية وتخيلية جديدة ،كما ليس بمقدورها أن تعيد إنتاج نفسها على نحو متميز وخالق وحيوي ،في
مواجهة صراعات يشهدها العالم العربي ،وانتقاالت شديدة التعقيد يشهدها العالم المعاصر.
تطلبات أخرى ،من البعض اآلخر ،تدعوها إلى أن تكون فاعلة وحرة ومتدخلة في تصحيح الشأن العربي ،الذي ّ وثمة،
يستدعي النظر إلى واقعه ومآله حزمة من مشاعر المرارة واإلحباط والغضب.
االنغالق والتعلق بالبحث عن إجابات حاشدة بالجاهزية. حال هذه الثقافة في غياب النموذج الفكري
ما هو
رهانات الثقافة العربية تعيش حدها األدنى في واقع عربي المهيمن ،وتراجعها أمام مسارات معولمة
يعيش بدوره ما يقابل هذا الوصف .يحاصره الخوف والعنف بتو ّتراتها الثقافية ،والتي أصبحت لها السلطة في التأثير
والحرب ،ومالحقا بانكفائه السياسي ،وفي بعده النظري ،لم وإنتاج واقع افتراضي يحتمل دوافع اجتماعية وذهنية مغايرة
يتعدّ اختزاالت من االهتمام الفكري بجدلية اإلسالم والحداثة. خاصة به ،ميزته تكريس ظاهرة المقبولية الجانحة نحو
المجتمع الذي بات يعايش نوعا مختلفا من التسلطية متمثلة المهادنة.
بتغول خطاب اإلسالم السياسي وهيمنته على المقولة ّ ينبئ رحيل المفكر السوري صادق جالل العظم عن رحيل
االجتماعية والثقافية ،يشهد عليه صدام الحريات الفردية مختلف ،ليس لجهة غياب ناقد مؤثر في الثقافة العربية وعبر
بالمنزع الطائفي ،كما في بغداد ودمشق وبيروت ،إضافة إلى العديد من مؤلفاته ومواقفه وحضوره الفكري ،ولكن لجهة
الحروب والتهجير والتغير الديموغرافي والخراب الذي طال رحيل تلك األسئلة التأسيسية التي كان يثيرها العديد من
أكثر من مكان ومدينة عربية ،ومدينة حلب المثال األخير، المفكرين العرب ،وهو أحدهم ،في مواجهة الواقع محاولة
وربما ليس آخرا. منهم في اختزال تلك المسافة المقترحة بين تحوالته والقدرة
ويتجلى ،كذلك ،بتحوله إلى صورة مربكة ومشوهة ال تخلو من حس نقدي يعتمد مبادئ للتفكير من على قراءته وتحليله ،وفق ّ
الماضي ،وكأنهما في لحظتنا الراهنة باتا يعمالن ضد نفسيهما. يعني التداخل والتسلسل والتماسك وتتبع المسار ،وبكونه اإلحباط ،والتي توثق لها العديد من اإلجابات من قبل مثقفين داخله ،لرسم أفق تجتمع األفكار فيه.
الثقافة التي صارت تتأرجح ،غالبا ،بين التيه الذي يفصح عن شرطا لخلق التقليد الذي يعد ضرورة إلحداث منعطف جديد عرب اختصروا األمر بعبارات مستفزة .يذكر الشاعر أدونيس بعد عام على هزيمة الخامس من حزيران ،يصدر العظم كتابه
شح األفكار والممارسات الجادة المنتجة ،واالقتباس عن اآلخرّ الملحة وتطوير االتجاهات
ّ في المعرفة عبر استئنافه لألسئلة في إحدى لقاءاته أن «الوسط الثقافي العربي بائس وال يعنيني «النقد الذاتي بعد الهزيمة» .وعلى الرغم من أنه أحد الكتب
الغربي الذي لم يزل يتبوأ المركز. التأسيسية والبناء عليها وتعزيز التماسك الفكري واإلبداعي بشيء على اإلطالق». التي عززت لعالمات نقدية فارقة في الثقافة العربية ،ولكنه في
تحرض ،كما تدعو
الثقافة العربية في حاجة ماسة إلى خطابات ّ المنتج للمعنى ولنبضه الخفي. ّ
تشخص في تراجع تق ّبل األثر الثقافي أحد مشاهد هذا الواقع صورته األخرى نتاج لثقافة السؤال في بنية تلك الثقافة وقتئذ،
فيه إنسانها للتفكير إلبداع وجوده وإعادة إنتاج واقعه على تداعيات مثل هذا الغياب نجدها حاضرة في االنقطاعات ومنجزه المعرفي والتخيلي ،في ظل تردي فعل القراءة والتي شهدت أسئلة وانشغاالت فكرية أخرى مغايرة ونقاشات
نحو يتجاوز حالة الكسوف التي يحياها ّ
كل منهما ،واللحاق وتداخل األزمان الثقافية وانفصالها ،وإغفال اهتمام للبدء واالهتمام بالكتاب والنشاطات التعبيرية والجمالية ،فيما يتصدر مختلفة ،حاشدة بانحيازات مجتمعية ونزعات منفتحة على
كذلك بتلك التحوالت واإلنجازات المتعددة التي يختبرها باهتمام آخر قد ال يدوم بدوره ،بأثر سيادة التلقين الناتج عن الولع بالعالم االفتراضي بكونه مصدرا مؤثرا للمعلومة وللمعرفة. الحداثة والمدينية ،والداعية لالنخراط والتدخل في الشأن
عالمنا المعاصر. رواسب عقدية ومجتمعية وثقافية تقليدية. عديدة هي تلك المآخذ على الثقافة العربية في صورتها العام ،ومن قبل مفكرين ومبدعين آخرين حتى لعقود قليلة.
تستدعي بعض هذه التساؤالت عن مصير تلك الحداثة والتفاؤل مدونة الخطاب النقدي، الحاضرة ،لكن يبقى األكثر تداوال في ّ لقد كانت ثقافة واثقة وقادرة على طرح األسئلة وإثارة قضايا
كاتب من العراق مقيم في تونس الذي واكب الثقافة العربية مع بدايات النصف الثاني من القرن يعين غياب أثر التراكم في ممارساتها .التراكم الذي
ذلك الذي ّ إشكالية ،والتوقف مليا في عالقتها مع واقع يمضي اآلن نحو
محمد ظاظا
بين مقوالت الفراغ والتحول إلى خطاب
علي لفته سعيد
ّ
النص وأهميته وكيفية انبثاقه ..حتى بات السؤال المهم :هل هناك كثر الحديث والتعريف والمناقشة والجدال حول مفهوم
أي
كداللة أو ّ
ٍ كمفهوم أو
ٍ النص األدبي؟ وكيف يمكن أن تكون عالقة النص بالمنتج والمتلقيّ ٌ
ومعينة لفهم محد ٌ
دة ّ ٌ
ثقافة
ّ
النص األدبي؟ ّ
نستدل على طريق اإلجابة لفهم مصطلح آخر؟ وهل بطرح األسئلة يمكن أن
ٍ
ٌ ٌ
قرائية يبحث من خاللها
ٌ
مهمة النص هو
معنى له ٌ
إن ّ من ٍّ
نص ألنه يريد إزاحة تراكم الغبار عن منتج على المستوى
ٌ
ال شيء
ذات محدّ دة وتفكيرٌ له اتجاه ً عن منظومة المعرفة التي يريد إيصالها إلى ٍّ
كنص مكتوب األدبي
وتقص له حفريات موثقة ووالدةٌ ّ مرسومٌ المتلقي ألنه ،أي المنتج ،يحتاج إلى المتلقي قادرة على فهمه
ٍ مقدرة
ٍ مث ً
ال ال يحتاج إلى
جذب ٌ
لها تنمية مستدامة واكتمال له عناصر ً
متماهيا معه ،ورغم أن لكي يشده ويجعله وهذه المقدرة هي المنظومة الكتابية التي
ٍ
موازية لمعنى
ٍ أسئلة
ٍ أخرى مهمتها طرح النص
الفلسفة المعاصرة كما يقال قد حولت ّ يتمتّ ع بها هذا ّ
النص عن سواه من النصوص
النص ..وإذا ما أخذنا قول بارت باعتبار
ّ عبور
ٍ ّ
محطة من مكان انطالقه الكتابي إلى النص المكتوب
األدبية ،وإذا ما اعتبرنا إن ّ
النص يشبه الجسد فإننا نذهب أبعد من ذلك
ّ إلى ال شيء على اعتبار أن المعنى لم يعد تتم قراءته يشبه أسئلة االمتحان التي
الذي ُّ
حياتي يبحث
ٍّ مكنون جزء من
ٌ النص
إلى أن ّ له وجود وصار مكانه الالمعنى ..لكنها ،أي ً ً
تتطلب فهما مسبقا لقصدية السؤال ،حتى ّ
ٍ
عن شهيته في تفاصيل الجمال ويريد تقر من جهتها بأن «وجودَ المعنى
الفلسفةّ ، قيل إن معرفة السؤال نصف اإلجابة ..فإن
النص
العداوات وغيرها من مثالب مواجهة ّ جديد
ٍ واقع ورسمه من تخيل
النص ّ
مهمة ّ بالحقل االجتماعي الذي يترك قدرته بفهمه إزالة القبح فيما يواجهه في هذا َ َ َ
البحث والمغايرة واالختالف أصبح يعني
َ ً
موجهة ً
رسالة النص في هذه الحالة ال يعدّ
ّ
ٍ
مع النسق االجتماعي ..وما ذهب إليه النقاد وتقديمه إلى القارئ بهدف إعادة رسم ومجساته وقابلياته التفكيكية وبالتالي
ّ ً
جمالية ً
منظومة النص كذلك
الكون ،باعتبار ّ نسيج من
ٌ ْ
كانت- ّصوص ً
-أيا ُ المستمر ،فالن
َّ معرفية بل
ٍ منظومات
ٍ فقط الحتوائها على
األوربيون جاء ألن هذا النسق االجتماعي لم جديد على وفق
ٍ المقاصد والتأويالت من النص
النص ،ألنه يدرك أن هذا ّ
بصمته على ّ ً
ثقافية ..ولهذا نرى أن قول بارت ً
معرفية ُ
شفرات والتشبيهات ،فهي
ِ االستعارات
ِ إنه أصبح مركّ ً
با من الفهم والرسالة وطرح
يعد له وجودٌ في الكينونة الثقافية ،ولهذا ٌ
ثقافة ووعي المتلقي ،وهو أمرٌ مختلف ٌ
متخيل يريد إعادة تشكيل
ّ نص
األدبي هو ٌّ ً
وتحديدا الجسد النص يشبه الجسد ّ إن وتراكمات مجازيةٌ
ٌ ْ
وليست بمفاهيم، مفاهيم
ٍ جديدة تتطابق مع حالة القارئ من
ٍ أسئلة
ٍ
ثقافي ٌ
نسق النص على أنهّ يمكن تطبيق قارئ وآخر ..ولهذا ونسبي بين ومتناوب
ٌ بعد
األشياء من أجل صنع الجمال ،إلعطاء ٍ األنثوي على أساس وجود ّ
الل ّذة فيه فإنه وليست بحقائق» وهي بذلك تستشهد برأي جهة وثقافته ومعرفته بالمستويات الكتابية
ٍ
ٌّ ٍ ٌّ
له قابلية على التحكّم بطرائق العبور إلى النص ال تعني وجوباً ّ ّ
فإن ثقافة تلقي جديد يتأ ّثر بالبنية الثقافية التي
ٍ اجتماعي
ٍّ مشبعة بالغرائز في
ٍ مخي ٍلة
ّ بهذا يخلص إلى نيتشه. جهة أخرى..
أو خالصة التجربة الكتابية من ٍ
المتخيل في
ّ المعنى من أجل إيصال نقطة فراغ أو إنه
ٍ االعتراف بأنه صار يؤدّ ي إلى جديدة وبالتالي
ٍ بنية
ٍ النص إلنتاج
ّ حملها نص مش ّبعُ بالدالالت الجمالية حتى
حين أنه ٌّ ّ
النص األدبي أصبح متداخال حتى ّ إن النص من أنه «ذو
ّ وكما قيل في تعريف
خط الشروع في ّ
التلقي الستلهام النص إلى ّ
ّ عبور إلى «الشيء» باعتبار أن ّ
محطة صار ً
تأييدا لقول إن «البنية العقلية والثقافية ً ً ً ً
لو ناقش موضوعة دينية أو فهما قبيحا أو معرفي ذائقي الهدف، نص
في الشعر ألنه ٌّ تتأسس على المعرفة،
ّ معرفية
ّ منظومة
ٍ ٌّ
ً
النص داخليا من خالل المعطيات التي
مادة ّ ّ
المحطة المفهوم اآلخر المستخلص من هذه ٌ
منفصلة للنص األدبيّ واالجتماعية ً
مظلما. ً
واقعا ّ
التلقي ودهشة المعنى وإصرار يتمتّ ع ّ
بلذة النص
والعاطفي ،ويعرف ّ النفسي والجانب
ّ ّ
جديد والتي مهّ د
ٍ يراد إعادة تركيبها من هو أنه «لم يَ عُ د للمعنى وجودٌ أص ً
ال» وهنا ً ٌ
ومختلفة تماما عن المحيط االجتماعي». أسئلة أخرى:
ٍ سؤال أو وهنا يتم طرح المتخيلة،
ّ المنظومة على رسم مالمحها األدبي بأنه متن الكالم الذي يعبر األديب عن
ٍ ّ
النص لتكون قصدياته لها الكاتب أو منتج ّ النص تم تفريغه من المعنى ّ يعني أن النص األدبي بطبيعته يريد التأثير بعد
إن ّ واحد
ٍ قارئ
ٍ إنّ مثل هذا القول يعني وجود النص السردي
وهو ال يفرق وال يفترق عن ّ مشاعره ،وما يجول بخاطره ،ويكون ذلك
المتعدّ دة وواحته الفلسفية المراد أن وحصره وتضييق الخناق عليه ،وأما أنه غير التأ ّثر للوصول إلى مرحلة المغايرة وبالتالي كل هذه المصطلحات وبالتالي قابل لتدارك ّ الذي يحتوي على ّ
كل مالذات الهيمنة ً
واضحا في النصوص األدبية المتنوعة،
ٍ
النص
النص ..وإذا ما أخذنا ّ
يضخها في روح ّ ّ جي ٍد أو إعطاء هذا المعنى للقارئ كي ينفرد
ّ ً
«فراغا» ألن الفراغ ال ينتج ال يمكن عدّ ه القراء،
ّ موضوعي ًا ّ
لكل ّ يكون هو معادالً جهة ،وما يلي األسلوب
ٍ على األسلوب من وهي :القصة ،والرواية ،والشعر بجميع
ً ً
نصا سماويا ،فإنه بالتأكيد الالمقدّ س كونه ّ معنى آخر له.
ً بإمالء الفراغ أو إيجاد ما يمكن تسميته بإعادة تشكيل األشياء النص ّإل
وإنه ،أي القارئ ،ال يستقيم معه ّ من معرفة الجانب التأويلي والتحليلي أشكاله ،والخاطرة ،والمقال ،والمسرحية،
يمكن األخذ بمقولة إنه يؤدي الى فراغ أو ً ّ
إن هذا الرأي كما نرى قد يكون متأثرا بالنسق جديدة حتى لو كانت
ٍ بجمالية
ٍ التي يبغيها بحضوره ،وإنه قار ٌ
ئ غير متعدّ د وإنّ الجميع النصمن جهة
ّ والفلسفي الذي يتمتّ ع به والخطب بجميع أنواعها» فهنا ندرك أن
ّ
المنزل كالقرآن النص السماوي
«الشيء» ألن ّ نسق قد يكون متأ ّث ً
را ٌ االجتماعي وهو مستوحا ًة من الحزن أو الحرب أو الكآبة أو المنصات التي
ّ لهم ذات القدرة على تفكيك الجيد ،قاد ٌر على
النص ّ
أخرى ..وهو أيضا ،أي ّ قادرة على
ٍ ثقافة
ٍ النص يحتاج إلى ّ
متلقي ّ
ٌ
مثال هو ذاته قابل للتأويل وتعدّ د مصادر بالمجمل بالعواطف والدالالت االجتماعية التعاسة أو حتى االشمئزاز ،وحتى لو كان النص األدبي دون النظر إلى ّ ينطلق منها ّ
إمالء فراغات ثقافة المتلقي الباحث عن النص إذا ما اعتبرها بديهية.
سبر أغوار ّ
التفسير والفقه رغم أن الدراسات اإلسالمية واألعراف والمُ ثل العليا والسفلى وحتى ً
منتقصا ،ألن ً
منتقدا أو ً
ساخرا أو النص
ّ مقولة أن النص األدبي باإلمكان أن يتأثرّ جديد في عالقات مع القراءة باعتبار
ٍ شيء
ٍ ٌ ٌ
إن المنتج له ثقافة واعية بأهمية ما أنتجه
الوعي وجمع المعنى ولكنهما أيضا ال لحظة إنتاجها ،وال تتجاوز سامعها إلى النص هو تلك العالمات
ّ في حين نرى أن بالنص
ّ اهتمت بالعلوم الدينية ولم تهتم
ّ
المتلقي يخرجان من عدم البراءة وخاصة غيره» ،وهنا تكمن لحظة التنوير األولى تلخيص
ٍ فكرة ما أو
ٍ التي يراد لنا إرسالها عبر وثقافة ،وهو األمر الذي أدى إلى
ٍ كوعي
ٍ
النص التي
ّ الذي قد يبتعد عن قصديات ّ
والتلقي التي تتوافر في عملية االستالم معينة أو إنه
لموضوعة ّ
ٍ استجواب
ٍ لحالة النص
خاصية ّ
ّ تغيير المنطق دون النفاذ إلى
تدعو الكتاب والمفكرين العرب
ابتدعها المنتج ليزيّ ن بها مفعول التأويل أي عملية إزاحة
وثقافة الفهم ،وبالتالي فإن ّ والنص عبر عدم براءته
ّ جديدة،
ٍ أسئلة
ٍ ّ
بث وثقافة تلقيه.
إلى المشاركة في محاورها وملفاتها القادمة
ً نوع
النص ألن منتجه
وفلسفته وال حتى براءة ّ تضر ليس
ّ قد تبدو وفق المعادلة اآلنفة نصا كما هو عليههو الذي يمكن أن يكون ّ أسئلة أخرى من ٍ
ٍ وهذا يقودنا أيضا إلى
ربما أراد فيها مخاتلة الذائقة. النص بل بثقافة ّ
التلقي التي ال يمكن بمفهوم ّ ٌ
رسالة وال ً
خطابا أيضا ألن الخطاب ويكون النص وإنتاجه؟
ّ آخر :هل هناك براء ٌة في
وإن ما يمكن الوصول إليه في مفهوم أي النص ،قابلة على
الروحّ ،
بدونها أن تكون ّ ٍّ
يمكن للخطاب أن يكون بدون متلق وال النص ّ
التلقي؟ أم إن ّ وهل هناك براء ٌة في
كيف نكتب لألطفال؟ جسد كي يكتمل،
ٍ روح تحتاج إلى
النص أنه ٌ
ّ الديمومة والبقاء والتحليق وإن اختلفت ٍّ
متلق أيضا. النص له فائدة دون
ّ يحمل أدوات اكتماله مثلما تتوافر هذه
ملف حول الكتابة العربية للطفل والجسد هنا متعدّ د العقول مثلما هو ّ
النص ّ
التلقي في تعدّ د قراءتها واستالمها حاالت إن هذه المعادلة قد ال تكون هي األخرى النص يخرج
ّ ّ
التلقي؟ وهل االكتمالية في
متعدّ د مفاتيح التأويل ،ألننا ال يمكن أن النص
للشفرات وهو ما يعني أن ما قيل عن ّ منطقة دون أخرى
ٍ ً
بريئة ألنها ربما تنحاز إلى توصيف آخر هو
ٍ من توصيفه التعريفي إلى
النص كونه الوسيلة األكثر
بمعزل عن ّ نعيش يمكن أن يقال عن الخطاب ،مع االحتفاظ ً
واضحا لمفهوم ً
معيارا وبالتالي ال تشكّل ّ
متلق يتلقف دالالته الخطاب إذا ما صار له
ٍ ٍ
العربي
ً تيارات التفكير ً
انفتاحا على مفاهيمنا سواء منها الثقافية كتوأم إنتاجي أو توأم
ٍ بعدم تشابه الوالدة ّ
والتلقي في منهجها الثقافي ألن الوعي وعناصر تكوينه؟
ظهورا ومدا وجزرا أو االجتماعية أو الدينية أو السياسية أو ٍّ
تلق ألنهما وإن اختالفا في اتجاه البذرة االنحياز يعني القفز على معيارية الثقافة بريء نص
ال بد لنا أوال من القول إنه ال ّ
ٌ
نص له االقتصاديةّ .
فكل ما حولنا عبارة عن ٍّ األولى وحرثها لكنهما يلتقيان في لحظة بريء أيضا وال تكمن البراءة
ٌ مثلما ال ٍّ
تلق
ّ في عناصر المواجهة بل في اختالف ّ
حال الكتاب العربي روح وما العقل المقابل الذي يقوم بتأويل أو
ّ
ٌ التحلي بوعي اللحظة المنتجة للمفهوم. التلقي
تفكيك أو رسم مالمح القصدية إل باعتباره إن النص إذا ما أخذناه من جانب أنه «تلك النص
ّ والوعي والثقافة سواء من منتج
كيف تنشر الكتب
الجسد الذي يحوّ ل ما يقال عنه بالفراغ إلى الرسالة أو التتابع الجملي الذي يهدف ّ
متداخال النص األدبي أصبح ّ أو متلقيه ..البراءة هنا ليست لها عالقة
في العالقة بين الكاتب والناشر والقارئ حي تمكن اإلشارة إليه من قبل القارئ
كائن ٍّ إلى عرض تواصلي ،ولكنه يوجه إلى بالجانب األخالقي وإن كانت العوامل
ٍ نص
حتى في الشعر ألنه ٌّ
ذاته واالحتفاظ بأسئلته التي قلنا عنها إنها متلق غائب ،ويثبت بالكتابة ،كما يتميز االجتماعية متداخلة مع الوعي والثقافة
االستبداد الشرقي ً
موجهة ً
رسالة النص الذي لم يعد
تولد من ّ بالديمومة،ولهذا تتعدد قراءات النص، معرفي ذائقي الهدف،
ٌّ منتج إلى آخر ألن متلق إلى آخر ومن من
ٍ ٍ
دور الحاكم المستبد جديدة يمكن أن تولد
ٍ ألسئلة
ٍ بل هو ٌّ
باث وتتجدد بتعدد قرائه ،ووجهات النظر فيه، التلقي ودهشة ّ بلذةيتمتّ ع ّ مختلفة ال تتساوى
ٍ بيئات
ٍ كليهما خرجا من
ً
في صناعة االستبداد الديني معرفية أخرى،
ٍ حقول
ٍ نصوصا أخرى في ووفق المناهج النقدية التي يقرأ بها ،ويعنى المعنى وإصرار المنظومة النص روح يبحث عن
مع البيئات األخرىّ ..
ً
متشابكة أو منفصلة ألن المعرفة ً
موازية أو بوصف العالقات الداخلية والخارجية جسد كما قلنا ولكن المشكلة تمكن في
ٍ
أثرٌ يتبع ً
على رسم مالمحها ً
أثرا. ألبنية النص بكل مستوياتها علم النص»، نصا قابال
النص بمعنى متى يكون ّ
آليات هذا ّ
الشعر والتجريب وهو ما يقودنا أيضا إلى القول إن ما يمكن ً
تحديدا النص
ّ وهنا يكون االرتباط بعلم المتخيلة ،وهو ال يفرق وال
ّ ّ
التلقي؟ ً
خطابا قبل ّ
للتلقي وكيف يكون
هل وصل التجريب الشعري العربي النص ،أنه ال
ّ أن نقوم به في طرح ثقافة تتفرع منه األلسنية واألسلوبية
ّ والذي النص السردي ّ يفترق عن ّ
المتلقي وهل إذا تحوّ ل من اإلنتاج إلى
ً ً
إلى حائط مسدود يتأسس على الالمعنى بل على المعنى المراد
ّ والسيميائية لكنه أيضا يمكن له الخروج كلالذي يحتوي على ّ نصا حتى لو النص يبقى ّ
خطابا أم إن ّ صار
متاح ألن ال الوصول إليه وإن كان ذلك غير ّ
المتلقي هو ّ
الصف إذا ما عرفنا أن عن وحدة استلمه المتلقي؟
ٍ
ثبات في المعنى ،ولكن وجود
ٍ حقيقة وال النص في جسد التأويل وليس
الذي يودع ّ
مالذات الهيمنة األسئلة العديدة التي أرسلها النقاد عبر
الكتابة واألنوثة محملٌ ً
ّ النص ال يعني أنه
ّ التضادات في شخصا آخر حتى المنتج للنص نفسه ،ألن تعاريفهم ال يمكن الركون إليها وحدها
هل تكتب النساء العربيات بلغة الرجل
فكرية ،ولهذا أعتقد أن
ٍ منظومة
ٍ بأكثر من النص ونفخ روحه وتركه في
المنتج صنع ّ ألنها بحسب المفهوم اللغوي لكلمة «نص»
أم أن اللغة بال جنس ّ َّصْ :
مثل هذا القول أخذ على كل النصوص الفضاء الداللي له ويأتي القارئ هنا ليضع رفعُ ك الشيء. في لسان العرب «الن ُّ
ً
دفعة واحد ًة ونحن نتحدّ ث عن وجمعها خطاب
ٍ الروح في جسد ّ
تلقيه ويحوّ له إلى وربما تصل إلى محو نقطة االلتقاء بين َ ً
نصاَ :رفعَ ه .وكل ما
ُصه ّ َن َّص الـحديث يَ ن ُّ
تتم قراءته ..وهنا ال
النص الواحد الذي ّ
ّ قادر على االستمرارية أو قتله ووأده ،ألنه كمفهوم منتج وبينه كمفهوم ٍّ
تلق ٍ النص
ّ النص اصطالحاأ� ْظ ِه َر ،فقد ُن َّص» أما مفهوم ّ
ٍ ٍ
الصحافة الثقافية العربية النص ومنظومته ّ يغيب تحصيل معنى المتحكّم في صناعة الجسد والروح معا جسد
ٍ النص الباحث عنّ مثلما قتل روح «الكلمات المطبوعة أو المخطوطة التي
أحوالها ،توجهاتها ،عالقتها بالكتاب والقراء الثقافية عن الفهم ،وإذا ما أساء المنتج ّ
المتلقي البسيط بل هو القادر وهنا ال نعني الكتمال بلوغه في وعي المتلقي. جهة
يتألف منها األثر األدبي» ولكنه أيضا من ٍ
سلبيا ومشوّ ً
ها ً النص كان الحاصد
لمفهوم ّ أي
النص ودالالته ووفق ّ
على فهم عالمات ّ عرفه الكثيرون
النص هو الخطاب وقد ّ
إن ّ أخرى يقال إنه «عينة من السلوك األلسني
ومؤ ّث ً
را على الثقافة وثقافة االستالم لهذا اتجاهات كان ينتهج طرق صنعته.
ٍ من أنه «رسالة تواصلية إبالغية متعددة وإن هذه العينة يمكن أن تكون مكتوبة أو
النص أو ذاك.
ّ النص والخطاب يحمالن
ولهذا نرى أيضا أن ّ المعاني تصدر عن باث (المخاطب) موجهة منطوقة» .وهنا يكون رأي من يتحدّ ث عن
القدرة على التأويل وإنتاج القصد وبث إلى متلق معين عبر سياق محدد ،وهي ٍّ
متلق فهو النص إذا كان بين ّ
دفتين دون أن ّ
كاتب من العراق الروح في المعنى ونقطة التقاء بين تفكيك تفترض من متلقيها أن يكون سامعا لها خطاب
ٍ ٍّ
متلق تحوّ ل إلى نص وإذا استمله
ٌّ
تنويعات روائية
حسني جمعان
هذا المنوال بنيت محكية «هوت ماروك» لياسين
على
عدنان (منشورات الفنك ،الدار البيضاء)2016 ،
مستلة استعارة «القرين» من معتقد قديم ،لتطريز مفارقات
مجتمع ومدينة وحداثة معطوبة ،حشد فيها الكاتب كل
ّ
لعبقريةالنذالة
براعاته الشعرية والقصصية ،ورصيده من منبت مسكون
بالدعابة إلنجاز نص مرح عن النذالة البشرية. بصدد رواية« :هوت ماروك»
تحكي الرواية مسار «رحال لعوينة» الشخص/السنجاب ،فرد
لياسين عدنان
ملتبس وغير نمطي ،وقلق ومثير للخيال ،تصب في صورته
روافد مزرية شتى ،تفقده الكنه اإليجابي ،لكن دون أن
تحوله لشرير بسيط ،يتمثل باألحرى كمركّب عاطفي وظيفي شرف الدين ماجدولين
يشخص في الرواية صورة ّ لتناقض الشر وعبثيته ،لهذا فهو
جميلة للنذل ،أيمكن أن يكون النذل جميال؟ ربما ،فهي
المعادلة ذاتها التي تجعل ّ
للشر أزهارا (عند بودلير) ،لنقل إنه
«نذل خاص» ال يحقد على اآلخرين ،ويتأمل وجودهم دون
ضغينة ،ويأسف أحيانا لنزوعات النهش والقطم والجندلة،
التي تنتابه بالرغم عنه ،بيد أن الشيء المؤكد أن ما يركبه
إحساس غير نزيه يتجسد في الرواية عبر صور «المغص»
الذي يطحن األحشاء بإزاء كل النجاحات العابرة لألهل
والخالن والبشرية جمعاء؛ النذل في النهاية نتاج محيط
ومسار حياتي وقيم اجتماعية ترخي بظاللها على الطبائع
واألهواء ،وجغرافيا معقدة من الخصاصة والصراع البدائي
للبقاء بين الناس ،هل يمكن أن نتحدث عن عبقرية للنذالة،
يبدو االستعمال مرتبكا ومازحا إلى حدّ ما ،لكنه يضمر بعض
ما يسعى إليه الروائي ،فنحن أمام عجن لشظايا الهشاشة
أي التزام أخالفيالطبعية والجبن المتأصل ،والتملص من ّ
لربح موطئ قدم على هذه الحياة ،هذا المسار الذي حولته
ّ
واللغزية والتمدد األفقي الرواية المستندة إلى االلتباس
المتو ّتر ،إلى قيمة روائية ذات عمق شيطاني محبب.
كيف تتنقل بنفاذ ما بين مالمح البشر والمفارقات السلوكية .ولكن بوصفها هذه هي الحكاية اإلطار التي خططها يضعنا الكاتب ،منذ الوهلة األولى أمام لعبة مماثلة تستهوي
ونظيراتها عند الحيوانات ..الفرق األكبر مرجعا لبناء صور الذوات الداخلية في الروائي لتحقيق مآربه الروائية ،تتصل فيما القارئ ،وتجعله يتمادى في تصديق األحداث المتداعية تبنى الروايات عادة باستعارات مضيئة ،ال تلبث ،أن ترتوي
يكمن في األخالق والسلوك وفن العيش، انفعالها الغريزي وتصرفها المكتسب. بينها في االرتكاز على استعارة «القرين» بنفس مشوّ ق ،لحياة صغيرة للبطل صاحب العين الحسية وتنمو وتكتسب أجسادا ،وتتنقل بين فضاءات وأوقات
وكذا في التطلعات العميقة للحيوان ،مما وتدريجيا يضعنا السارد أمام تفاصيل وتخييلها لعبقرية النذالة ،تبدأ بالمماثلة المضاعفة والمتشعبة ،القادم من وسط هامشي ألب عاطل منسية ،تونع كنيازك لتضيء العابر والساكن في تالفيف
يؤثر بشكل ال شعوري في سلوك اإلنسان والصور
ّ مدونة معقدة من القرائن والنظائر الرمزية وتنتهي بالتجاور الفضائي مرورا يعيش على تالوة القرآن في المقابر ،وأمّ تنتظر ما يدخله الروح ،وتتكثف عبر نثر بصير قادر على القبض والبسط،
المرادف له ،وأدائه في العمل والحياة» (ص البالغية المتقابلة ،تؤصل ألخالقيات بالتحاكي االسمي والكالمي بين الواقع عليها من كفاف يومي ،استطاع أن يرتقي في مراتب الفاقة وترك التفاصيل تتداعى دون حد ،ثم لملمتها كحبات ضوء
.)19 االحتيال والحسد والضغينة والوصولية واالفتراض. والحرمان بعد انتقال األسرة للسكن مع العم األعزب ،في في شريط حي.
حين يفكر التخييل الروائي بشخصياته والكذب والغباء والتوحش ..أي لمنظومة ويتصل أول هذه المآرب بآلية التخييل، حي بالمدينة القديمة ،وهناك ناضل الولد الستكمال دراساته ّ
حيوانيا ،فإنه يحول المنبى السردي النذالة العبقرية ،في أبهى تجلياتها .يقول وبالغة النوع الروائي ،حيث يلتجئ الجامعية ،حيث يتعرف على النضال الطالبي بفصائله
إلى حقل لتبيين المشابهات التي تصوغ السارد في مقطع تمهيدي «رحال يجد الكاتب إلى توظيف «األمثولة الحيوانية»؛ اليسارية واإلسالمية ،الثورية واإلصالحية ،الشرعية
الظاهر والوجدان والذهنية ،فينساق أي
نفسه أقرب إلى السنجاب منه إلى ّ ليس بوصفها نسقا رمزيا ،تنوب فيه والمحظورة ،قبل أن يستقر به الحال متزوجا من زميلته
قائد المماثلة مع اللعبة إلى مداها المعري حيوان آخر وكل حديث عن القرد والفأر أصناف الحيوانات عن البشر ،وال بما هي حي مراكشي «حسنية» ،ومشرفا على محل لإلنترنت في ّ
لمحيط القاع ،ويتحول «رحال» إلى عين والجرذ ..يفتقد للعين الالقطة التي تعرف الحكم،
بنية حكائية مغلقة ،قصاراها إجزاء ِ شعبي.
بتجليات التعالي االسمي ،فالجدار لن والنقاش وصياغة فرقعات إعالمية تشغل ليس فقط على الخارج والسطحي ،وإنما
يكون ،في يوم ما ،ملكا لذات فردية ،بقدر الرأي العام .مع ما تستتبعه من الجدل باألحرى على الداخل المستكين في زوايا
ما يمثل كقناع المتدادها الرمزي المتحايل، الضروري للتخييل الروائي ،وللرومانيسك معتمة من وعي الشخصيات؛ من وفيق
ومرتعا لتعرية النوازع الفطرية ،تلك التي المرح والهزلي ،وما تنهي إليه من محو الدرعي (الشاعر) ،إلى المخلوفي (األستاذ
يطل منها التوحش الشرير ظهير البداوة لألسماء وإعدام للمسارات ،السلوك الذي التقليدي) ،إلى مراد والمختار وغيرهما من
المتأصلة في األنفس.
ّ الغريزية تتقنه عبقريات النذالة البشرية في الفضاء رفاق النضال الطالبي ،إلى التجار وضباط
ومن ثم فلن تشكل الرواية في تخييلها األزرق. األمن والفتوّ ات ،ومرتادي محل اإلنترنت
لعبقريات النذالة البشرية إال مرثية لفضاء تتكثف تجليات النزوعّ هنا مرة أخرى من العاطلين والعابرين ومسلوبي اإلرادة.
المدينة المزيفة (مراكش) ،اآليلة بعد الفطري للقرين الالإنساني إلى افتراس وسرعان ما يضحى «القرين» هو عنوان
رحالت طويلة بين حنايا المدنية الوهمية، اآلخرين ،وقضمهم والتنكيل بهم ،على جدل اإلعالن واإلضمار في فصول الرواية
إلى استنبات الريف المقفر بين جنباتها، نحو يجاوز ارتجاالت الفضاء الجامعي وفقراتها ،وال تدرك التصرفات والسلوكات
فتتخايل بما هي أسطورة ملفقة تداري األحمر واألسود ،المقيد باشتراطات الواقع الفردية ،وال المقاصد والمطامح الجماعية،
تشوهات الهشاشة المتأصلة في تكوين االجتماعي ومحاذيره ،يقول السارد في بدون إدراك جوهرها الحيواني المقابل
النضارة الطافية على السطح ،بينما يكمن مقطع دال «حائط على الفيسبوك يمتد إلى والمتعالي ،وهو المبدأ ذاته الذي استبطن
القرين الحيواني البدائي في العمق وبين ما ال نهاية .ال حدود له ،ليس مثل جدار أغلبية نهج التمثيل السردي عبر عالم
الثنايا .وسرعان ما يزدحم السطح المبهر الحيوان؛ من الخرافة («كليلة ودمنة» مثال)
ذاته ،بفائض البشاعة الممتد في النسوغ. إلى الرسالة («الصاهل والشاحج» للمعري)
من هنا تتجاوز استعارة «القرين» لحظتيها إلى الرواية المرتكزة على مجتمع الحيوان
السابقتين ،تتجاوز «الحيوان» و»الصفحة («حديقة الحيوان» لجورج أورويل) ،إلى
الزرقاء» لتستوطن الفضاء البدوي الموازي الشيء األكيد أن رواية القصة القصيرة الناهضة على مبدأ القرين
الساكن في العمق ،مكثفة عبقرية النذالة «هوت ماروك» تنطوي («القرين» لمجيد طوبيا مثال).
البشرية ومشرعة حناياها على أوسع على مهارة تخييلية وتنفتح مرجعية القرين على مدار أوسع
الحدود. حين ننظر إلى الرواية بما هي تأويل
ظاهرة ،وحبك أسلوبي
والشيء األكيد أن رواية «هوت ماروك» نسميه
ّ للوجود المتشظي للفرد الذي قد
تنطوي على مهارة تخييلية ظاهرة ،وحبك أخاذ ،وبراعة في تبطين «افتراضيا» أو «اسميا» أو «صوريا» ،أو
أسلوبي أخاذ ،وبراعة في تبطين السخرية، السخرية ،كما تستند على أي توصيف آخر دال على مفارقة الوقائع ّ
كما تستند على معرفة جمالية بالعربية معرفة جمالية بالعربية الموضوعية وااللتباس بالصفحة الضوئية،
الفتة ،واستثمار متوازن لطاقتها النثرية، وابتداع واقع وهمي يتصل باألسماء
الفتة ،واستثمار متوازن
وإمكانياتها التعبيرية عن النوازع واألهواء والصور والكالم فقط ،وكأن اقتران الفرد
كل مهاراتهاإلنسانية ،أودع فيها الكاتب ّ لطاقتها النثرية بالقرين الحيواني ال يكفي لتمثيل الكلبية
الذهنية والحسية المغتنية بسنوات البشرية ،وسرعان ما يضحى الوجود
طويلة من الممارسة الشعرية والقصصية االسمي/الصوري أكثر براعة في تمثيل
والصحفية ،وانخراطه المهووس في الخروج من جبلة البشر ،إلى قدر الفأرة
الشأن المجتمعي ،ليفلح في المحصلة المدرسة أو حائط التواليت .اكتب يا رحال المجازية للحاسوب ،وهو المأرب الثاني
في التقاط راهن بلد تتقاذفه اإلخفاقات اكتب .دبج ما شئت من رؤى وخواطر.. الذي تحققه الرواية.
السياسية والثقافية وتكلس القيم هذا فضاء آخر أكثر اصطخابا .بحر متالطم هكذا يمكن إدراك «هوت ماروك» ضمن
حسني جمعان
االجتماعية المتحكمة فيها ،كما تطحنه األمواج يصيب راكبه بالدوار» (ص .)215 ضفاف الرواية التفاعلية ،بالنظر إلى
النوازع البدائية المتأصلة التي لم تفلح وألنه جدار مفتوح على أوهام العبقريات موضوعها ،وبإدراك قدرتها على االستناد
يوما أنوار السطح الملفقة في تبديد أثرها يمثل في محطات البشرية المتفاقمة فلن ّ إلى قاعدة التناظر الشبكي ،المتفرع نصيا
من العمق الراسخ. التصوير الروائي إال كتنويع على مرجعية إلى برامج التواصل االجتماعي والمواقع
ناقد واكاديمي من المغرب «القرين» حيث تتماهى األمثولة الحيوانية الصحفية التي تتيح إمكانية التعقيب
النص والصورة
بهرام حاجو
هذه اإلشكالية التي تعيها جيدً ا المؤلفة
ومع
تطمح في هذا الكتاب إلى إعادة رسم
الفنين وخلق أرضية جديدة مشتركة مفتوحة
ّ الحدود بين لسلمى مبارك
على الجانبين تسمح بتداخل المفاهيم واألدوات ،وقبلها
َتسمح بالنظر إلى
الفنين باعتبارهما شريكين في تاريخ
ّ
ممدوح فراج النابي
تفاعلي يجمعهما ويربط بينهما العديد من العالقات غير
ّ
النوعية.
تتطرق الكاتبة في مقدمتها المقتضبة إلى الموضوع الذي
تطرحه مظهرة أهميته ،وأهمية االحتياج إلى المنهج المقارن
لما يتيحه هذا المجال من حرية ال ُتتاح لغيره من المجاالت،
وهو ما يُ ساهم في خلق مساحة رحبة للتقارب بين المجالين.
كما تتطرّ ق لتاريخية العالقة بين األدب والفنون بصفة عامة
وترجعها إلى نهاية ستينات القرن العشرين .والجدير بالذكر
أن العالقة بين األدب والفن التشكيلي كانت تستحوذ على
جل اهتمام الباحثين مقارنة بعالقة األدب والسينما التي
كانت تدخل على استحياء.
محطات مشتركة
ينقسم الكتاب الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب
كل باب منها بشكل من ،2016إلى ثالثة أبواب يختص ّ
األول من
أشكال العالقة بين األدب والسينما ،ارتكز الجزء ّ
الكتاب على استعراض بعض المحطات في التاريخ المشترك
الفنين منذ ظهور فن السينما في مصر ،وقد اكتفت
ّ بين
بثالثة نماذج إلظهار التقاطع التاريخي بين الفنين ،وفي
اتجاهاتها لالستقالل عن األدب ،على نحو ما تميزت هذه المرحلة بتحرّ ر الكاميرا
وقد ّ ّ
علمه كتابه السيناريو. المحطة األولى أوقفتها على تأثير اختراع جهاز السينما
ظهرت في كتابات فايز غالي وبشير الديك. من األستوديوهات وخرجت لشارع المدينة أما المحطة الثالثة فترصد لحالة الصحوة على األدباء في العالم ،كما تعرض للردود المتباينة من قبل
والمالحظة المهمة التي تسجلها المؤلفة تتحسس المكان بعين تسعى الكتشافه في
ّ التي أطلقت عليها سينما جديدة رواية الكتاب ،فجورجي زيدان يقف عند الدور التعليمي/التربوي
أن األدب على الرغم من كونه مصد ًرا من ظاهريته وبديهيته وحميميته ،كما استخدم جديدة ،وقد بدأت من جيل ستينات القرن لهذا االختراع الجديد ،أما عباس محمود العقاد فذهب إلى
مصادر األدب إال أنه بدا كمعوِّ ق الستقاللية ً
تخففا هؤالء لغة سينمائية أكثر رهافة وأكثر الماضي حتى بداية تسعيناته ،حيث شهدت الصامتة في إخصاب الخيال وتنميته .أما طه
أهمية السينما ّ
الفن السينمائي ولبحثه عن أدواته الخاصة. من قيود الحدوتة والتقاليد الحكائية ،وعلى هذه الفترة تحوالت على الصعديْ ن األدبي حسين فله موقفان متنقاضان األول ع ّبر عنه في حديث
الخط ذاته يتقاطع كتاب جيل الستينات من والفني. إذاعي مع المذيعة ليلى رستم ،اتهم فيه السينما بإلهاء يتأسس كتاب النص والصورة ،للدكتورة سلمى مبارك منذ ّ
السير أزمة وجودية القرن العشرين الذين ولدوا قبيل الحرب السينما الجديدة التي تقصدها هي سينما الجمهور وإفساد األدب عندما ينتقل إليها عبر االقتباس. عنوانه الفرعي «السينما واألدب في ملتقى الطرق» عند
في الباب الثاني تتبع مفهوم الموازاة الذي العالمية الثانية أو في أعقابها وتميزت نتاج من المخرجين ظهرت باكورة أعمالهم وفي المحطة الثانية تتوقف المؤلفة بالكامل عند تجربة خلق مساحات للقاء بين السينما واألدب ،وإن كانت تعترف
يُ عنى بتتبع عالقة التشابه بين عناصر كتاباتهم بأنها مغايرة للكتابة الواقعية. في ثمانينات القرن العشرين إال أنهم كانوا نجيب محفوظ وكتابته التي تعد فص ً
ال مشتركًا بين األدب منذ البداية بغياب أرضية نظرية تجمع بين الفنين ،وهذا
ِّ
يؤدي تجاورها بعيدة عن بعضها البعض ومع هذا التقارب البادي بين جيل تحت تأثير اإلطار التاريخي لمصر ستينات والسينما ،حيث تعدُّ د األدوار التي لعبها محفوظ في هذا راجع إلى طبيعة حداثة فن السينما في مقابل عَ راقة فن
إلى اكتشاف مساحات مشتركة ،وتتناول السينمائيين والروائيين ورؤيتهم للفن القرن الماضي والظروف االقتصادية لفترة تمثله السينما من تاريخ شخصي لنجيب محفوظ الشأن بما ِّ القول ،عالوة على وجود ميراث فكري طويل رأى في الفن
األول عن المدينة
مبحثين ّ
ْ في هذا الباب بصفة عامة إال أن هذا التقارب لم يثمر عن تميزت هذه التجربة بأن
سبعيناته ،كما ّ بدأت عالقته المبكرة في طفولته ،ثم عالقته الوثيقة عبر السابع حقالً غير أهل لوضعه على قدم المساواة مع األدب.
يومي في األدب والسينما ،تنحو
ّ كمكان زيادة في األعمال المقتبسة من األعمال َّ
مبدعيها من المخرجين تأثروا بالسينما الكتابة السينمائية فوجد فيها نوعً ا من الكتابة البديلة ،لكن
تاريخيا حيث
ًّ منحى
المؤلفة في جزء كبير ً ً
وأيضا غياب تجارب المشاركة الروائية ً
وفقا لدراستهم في الخارج أو الغربية يميز تجربة محفوظ أنها تجمع بين الشقين اإلبداعي
أهم ما ِّ
تبرز عالقة المدينة باألدب والسينما وقبلهما في الكتابة ،بل سعت السينما في أحد اتصالهم بهذه النتاجات. والتقني ،ويرجع الفضل إلى المخرج صالح أبوسيف الذي
بث النص إلى حالة من الدينامية ُتعيد َّ بمالحظة أن درجة تعامل الفيلم والرواية من العالقة بين األدب والسينما ،أال وهي
مفتوحا على الزمن.
ً القديم وتجعل منه متنًا مع هذه الظاهرة مرتبط بالتعامل مع المادة عالقة االقتباس ،وهي العالقة التي تشكل
القصصية والعناصر المكوّ نة لها ،فالصوت وفضاء للتبادل والجدل بين
ً ملتقى طرق،
كاتب من مصر المنفرد في الرواية يعبر عن السلطة نصين يرتبط كل منهما بشبكة من العالقات
(سياسية أو أبوية) أما الصوت المنفرد في مع أعمال سابقة عليه ومعاصرة له تشكّل
الفيلم هو صوت عزيزة وهو يُ ع ِّبر عن ذات النوع الذي ينتمي إليه وتحدّ د موقعه على
الشخصية في تذكرها لحياتها السابقة. المتخيل المرتبطة بالنوع .وتناقش
ّ خريطة
لويستن ،والية ماين األميركية برحلة عبر بمثابة وسيط بين الجنرال الفرنسي هوبرت ومسار دراسات المناطق في الواليات المتحدة، التقاليد اإلسالمية في اللجوء
المملكة رأى عالما أكثر تفاصيال وأكثر إثارة أيوتي والقبائل األصلية .يشكك هذا الكتاب مع التركيز على دراسات الشرق األوسط من “التقاليد اإلسالمية في اللجوء -في أزمتي العراق وسوريا”
للتفكير مما كان يتخيل .يصف بالتفصيل ما في صورة المتمرد التي أعطاها الناس لها عشرينات الى ثمانينات القرن العشرين .فقد هو الكتاب الصادر باإلنكليزية في سلسلة “الدين والهجرات
يراه من زاوية نظر شخصية انطالقا من المقر وسعيها لتمكين الناس في الشرق. شرعت الميادين األكاديمية في التركيز على العالمية” ،من تأليف طاهر زمان ويناقش العالقة بين الدين
الرئيس لشركة أرامكو السعودية ،الشركة أجزاء محددة من العالم أل ّنه حدث تغيير في والهجرة من زوايا نظر مختلفة وأطراف مختلفة من العالم.
الوطنية للنفط على ضفة الخليج العربي، تحديات الصحافة االستقصائية العلوم اإلنسانية واالجتماعية في سنوات ما يبحث الكتاب في كيفية تغير الممارسات الدينية وكيف أن
وصوال إلى مدينة جدة على ساحل البحر “الصحافة االستقصائية في العالم العربي: بين الحربين وخالل الحرب العالمية الثانية الناس يقبلون المهاجرين ومجتمعاتهم .كما يبحث في الردود
األحمر حيث يتضمن جزء كبير من سكانها القضايا والتحديات” من تأليف صبا بباوي. من حيث األماكن والممارسات .لم تكن مجرّ د العلنية عبر نقاشات حساسة دينيا بين المهاجرين وغير
مهاجرين من العالم اإلسالمي .يعرض صورا وهذا الكتاب هو جزء من سلسلة “التواصل من نتيجة للحرب الباردة أو استخداما لحالة المهاجرين .أدوار النوع االجتماعي هي األخرى تتغير إضافة
حية المرأة شابة سجنت من أجل االحتجاج أجل التغيير االجتماعي” وهو عبارة عن بحث األمن القومي األميركي .لوكمان ،أستاذ التاريخ الى دراسة العالقة بين الشرق والغرب .كما يوجه الكتاب
على منع النساء من سياقة السيارات، أكاديمي متعدد االختصاصات يعتمد على والدراسات الشرق أوسطية واإلسالمية في االهتمام الى تاريخ الهجرة وكيف أنها أثرت على تطور األديان.
وشيخ صوفي يقيم الوصل بين المسلمين عدة نظريات متنوعة آتية من تقاليد متنوعة. جامعة نيويورك ،يستخدم بحثا أرشيفيا ممتدا حيث لم تدرس العالقة بين الهجرة والدين بشكل كاف عبر
والمسيحيين لمساعدة بعضهم البعض لمعرفة التواصل والمعلومات واإلعالم في التغيير ليفسر مدى أهمية مؤسسات كارنجي وروكفلر عيون المهاجرين أنفسهم ،لذا فإن هذا الكتاب سيساعد على
الله ،وفنان يتلو القرآن يستعمل معدات االجتماعي هي جذور لصناعة عالمية تدعمها وفورد في تمويل دراسات المناطق في فترة ما فهم عالقات السلطة من منظور إنساني .طاهر زمان ،أستاذ
وسالسل حديدية لالحتفال بتنوع الحجيج الحكومات ووكاالت المساعدة على التطوير بعد الحرب على أمل تطوير العلوم االجتماعية ومدرس في معهد الدراسات الشرقية واألفريقية في جامعة
إلى مكة. والمؤسسات والجمعيات الخيرية .هذا هو أول وإفادة الوكاالت الحكومية والشعب األميركي. لندن ،يبين نقاط التشابه بين األزمتين في العراق وسوريا
كتاب ينظر إلى حالة الصحافة االستقصائية لقد قام مجلس البحوث في العلوم االجتماعية ليظهر دور الفاعلين المرتكزين على الدين خالل فترات النزوح.
بيروت ما بين الحرب والسلم ودورها في العالم العربي أثناء وبعد “الربيع وغيره بتوجيه التطور الفكري والمؤسساتي
رواية “ ”32للبنانية سحر مندور تأتي بعد العربي” .ويبين هذا الكتاب الدور المحتمل الذي لدراسات الشرق األوسط .يبين هذا الكتاب “ليمبو بيروت” والعنف الطائفي
“سأرسم نجمة على جبين فيينا” و”حب يؤديه اإلعالم في تزويد المجتمع بالمعلومة كيف أن دراسة المناطق بنيت من خالل يستهل شومان روايته “ليمبو بيروت” ،التي ترجمتها أ ّنا زياكا
بيروتي” .والرواية تتحدث عن حياة خمس وتمكينه وتحطيم الممنوعات .كما يبين الكتاب االختالف في الرأي والقلق والمآزق والنتائج ستانتون ،بالقول “إلى كل أوالئك الذين التقت ابتساماتهم
شابات لبنانيات تقاطعهن القنابل باستمرار. كيف يمكن للصحافة االستقصائية أن تطور غير المقصودة وغير المنتظرة. ابتساماتي في الصداقة ،ومع ذلك بقوا غرباء عني فيما عدا
يشعرن بأن بيروت في مكان وسط حيث وتحسن األنظمة السياسية واالجتماعية في ذلك .إلى الوجوه التي مررت بها صدفة أكثر من مرة في
ال يشعرن بأنهن في حرب لكنهن ال يشعرن البلدان العربية .عملت بابوي في إذاعة األردن شمال أفريقيا والسراب الكرنفالي شوارع بيروت وبقيت معي بالرغم من أني في الحقيقة لم
بوجود السلم كذلك .إنها قصة عن كيفية تأثير الناطقة باإلنكليزية وقناة “سي إن إن” و”ورلد “إيزابيل أبرهردت وشمال أفريقيا :سراب أعرف أصحابها .إلى أولئك الذين يحملون قصصا معهم وال
الحرب األهلية في حياتهن وفي بلدهن .هن نيوز إفانتس» (الواليات المتحدة) وتلفزيون كرنفالي” هو كتاب من تأليف ليندة شويتن يخبرون بها أحدا”.
دائما يصارعن من أجل الحفاظ على أصواتهن دبي .لديها مناصب أكاديمية في جامعة مدرسة األدب في جامعة بومرداس في مثلي ،وروائي مناضل ،وامرأة
ّ هذه الرواية تحكي عن فنان
وعالقاتهن في مجتمع هش .تعرض سحر سوينبورن في أستراليا ،وجامعة زايد في الجزائر تقول عن التوجه الكرنفالي هو “الدافع حامل ،وطالب هندسة معوق ،وعضو سابق في ميليشيا،
مندور الحياة اليومية في بيروت عبر الحديث اإلمارات العربية المتحدة .هي اآلن محاضرة إلى المزج بين ما يترك عادة منفصال عن طريق وطالب طب داخلي .يتناوبون في سرد المواجهات العنيفة في LIMBO
في السياسة والدردشة في المقاهي والحانات في الصحافة في جامعة التكنولوجيا في الحدود والتراتبيات المصطنعة” .فأبرهردت الشوارع بين مقاتلي حزب الله ومقاتلي حركة المستقبل في BEIRUT
by HILAL CHOUMAN
TRANSLATED BY ANNA ZIAJKA STANTON
والشوارع .نشاهد عبثية المدينة وظلمها سيدني ،بأستراليا. هي امرأة جابت الشرق في شمال أفريقيا في مايو .2008الحرب األهلية اللبنانية ( )1990 1975-بالنسبة
ونحن نتتبع صراع الشابات من أجل الحفاظ زي رجالي وتكلمت العربية والفرنسية وادعت
ّ الى أغلب الشباب هي ذكرى بعيدة ،لكن مايو 2008يظهر
على هويتهن .سحر مندور هي مؤلفة لبنانية عبور المملكة وحقائق الرحلة أنها تؤمن باإلسالم بينما تحاول جاهدة معرفة العنف الطائفي .بيد أن المواجهات تندلع من الحياة الرتيبة
مصرية وهي كاتبة عمود ثقافي ورئيسة كتاب “عبور المملكة :صور من المملكة العربية تعاليمه .لكن هذا الكتاب يظهر بأن تحولها المتكررة للشخصيات التي تنظر الى العالم بطريقة جديدة.
تحرير “فلسطين” ،الملحق الشهري الذي ينشر السعودية” هو من تأليف لورينغ م .دانفورث. في المغرب العربي هو تحول شكلي فقط الرواية مصحوبة برسومات تبين آثار العنف على الذهن.
مع جريدة السفير اليسارية اللبنانية. فعندما يفكر الكثير من الناس في المملكة فهي تعيد إنتاج الصور النمطية االستشراقية الشخصيات غريبة عن بعضها البعض لكن حياتها تتصل بطرق
العربية السعودية يرون الصحارى واإلبل نصها السكان األصليين على
القديمة .يصور ّ غريبة.
رواية عن مصير األجيال والنفط والشيوخ األثرياء في جالبيب بيضاء، أنهم أناس جاؤوا من جيل قديم أو مخلوقات
يبدأ الفلسطيني إبراهيم نصرالله روايته ونساء مقموعات يرتدين أحجبة سوداء بأذهان مظلمة وغير متحضرين .ومثلما قال الشرق األوسط تحت المجهر
“زمن الخيول البيضاء” بقول مأثور “خلق الله وإرهابيين .لكن في سنة 2012عندما قام إدوارد سعيد ،االستشراق هو تمظهر نصي “مالحظات ميدانية :إجراء دراسات الشرق األوسط في
األحصنة من الريح ،والناس من تراب” .هذه األستاذ في األنثروبولوجيا بكلية بيتس في لالستعمارية ،لقد كان استشراق أبرهردت الواليات المتحدة” لزكاري لوكمان كتاب يعيد صنع أصول
بوب ديالن الكذبة الكبرى مجلة نيوزويك ،وتساهم بمقاالت دورية في
صحيفة نيويورك تايمز .وهي أيضا محللة
تكتشف التأثيرات العابرة للحدود ،وذلك
بعد تحليل فترات مهمة في تاريخ اللقاءات
الرواية التي تأهلت للجائزة العالمية للرواية
العربية هي قصة ثالثة أجيال لعائلة مناضلة
سياسات خارجية منتظمة في قنوات المتعددة الثقافات بين الشرق األوسط من قرية الهادية الفلسطينية قبل سنة .1948
أبو بكر العيادي
تلفزيونية بريطانية وأميركية وفرنسية، والغرب األميركي .تبين كولين كيف أن تمتد الرواية على من فترة انهيار الحكم
وحازت على العديد من الجوائز بما في الوستيرن تظهر راعي البقر على أنه بطل آسر العثماني والوصاية البريطانية في فلسطين.
ذلك جائزة مراسل خارجي السنة لتلفزيون يتشبث بالتقاليد األميركية المرتبطة بالحرية نتتبع محمود ،الزعيم األول لقرية هادية،
قد يستغرب القارئ الكريم تخصيص هذه الورقة للحديث عن مغنّي روك ،بدل تغطية غرنادا .وهي عضو في مجلس العالقات والوعد وليس فقط ألميركا بل للعالم أيضا. وابنه خالد ،وناجي حفيد خالد .مصير كل
المواضيع الفكرية التي تثار في الساحة الفرنسية ،ولكن عذرنا في ذلك أوال أن لجنة الخارجية ومحللة السياسات الخارجية في يستعمل هذا الكتاب أمثلة لروايات ويسيرن شخصية يقرره مستعمر بعد اآلخر .تتقاسم
فذ يفوق فحول الشعر واألدب في نوبل فرضته على الساحة األدبية العالمية كشاعر ّ مركز جينيف للدراسات األمنية. لتحليل القوة العالمية األميركية بعد الحادي فرس خالد البيضاء ،واسمها حمامة ،ونسلها
العالم ،بدءا بشعراء بالده الحقيقيين ،واستفزت بذلك خلقا غير قليل ،آخرهم ماريو عشر من سبتمبر .الويسترن ليس أميركيا نضاالت العائلة ،و يبقى على عاتق خالد إنقاذ
برغاس يوسا الذي صرح في سخرية “ال نستغرب في العام المقبل أن يفوز بنوبل العب فلسطين الذاكرة وحلم العودة فحسب ،بل هو نتيجة للقاءات مع الشرق قريته من انتشار الرعب .يقول طام حسين
كرة قدم” .وعذرنا ثانيا أن مغالطات كثيرة رافقت تتويجه بتلك الجائزة ،فوُ صف الرجل “وضع خارطة لعودتي :مذكرة فلسطينية” األوسط وتأثيرات منه .كولين أستاذة عن صحيفة نيو ستايتسمان “صوت نصرالله
بما ليس فيه ،وحتى بما لم يدّ ِعه هو نفسه أصال ،كوصفه بالفنان المقاوم ،الملتزم من تأليف سلمان أبو ستة يعرض قيه اللغة األنكليزية في جامعة والية مونتانا. الفصيح بشكل مكثف يمنح الجمهور الغربي
السلم
بالنضال ضد الحروب ،والداعي إلى المساواة بين البيض والسود في أميركا ،وإلى ّ صاحبه للحياة والحلم بالعودة إلى الوطن. وهي رئيسة تحرير مجلة “الثقافات ما بعد نظرة إلى حياة المهمشين بدون جلجلة
واإلخاء بين البشر. كان أبو ستة في العاشرة من عمره عندما الويسترن :األدب والنظرية والفضاء” ،وهي األرقام”.
حصلت النكبة .أجبر على مغادرة بيته أيضا مؤلفة كتاب “والية الطبيعة :تصور
بالقرب من بير شبعة ،وكانت الصدمة جراء ألسكا على أنها الحد األخير”. التعليم في المغرب
فقدان موطنه والرغبة الملحة في العودة ما بين الحلم والسياسة
هو ما يتقاسمه مع الكثير من الفلسطينيين الصراع السوري وانتقال الخبر يعطي كتاب كاريس بوطياري ،المحاضر في
من جيله .لقد حددت النكبة حياته من تلك “إرساليات من سوريا :الصباح عندما أتوا األنثروبولوجيا االجتماعية للشرق األوسط
اللحظة فصاعدا .عشية النكبة يعرض عائلته إلينا” كتاب من تأليف جنين دي جوفاني التي في كلية كينغ في لندن“ ،التعليم في
وبيته المختفيين .يصور حياته في المنفى سافرت إلى سوريا في مايو 2012ونسجت المغرب :السياسة اللغوية والحلم التعليمي
في أميركا ،فهو كالم درج هواة أغانيه ملحمية .وهو ما جعل بيير أسولين عضو عن شعره ،فحسبنا أن نقرأ
على ترديده دون تمحيص .وحسبنا أن أكاديمية غونكور ورئيس تحرير “وقائع» الصادر عن غاليمار عام
تلك من هروب عائلته إلى غزة ،وحياة المراهقة
وهو طالب في مصر تحت حكم عبدالناصر،
عالقة طويلة مع البالد وهي تنقل أخبار أحد
أفظع الصراعات في التاريخ الحديث .وهي
المتخلى عنه” نظرة فريدة للتعليم في
العالم العربي .فصانعو السياسات يعتقدون
نقف عند المرحلة التي صنعت أسطورته الـ”مغازين ليترير” يصرح ساخرا “إذا كان 2005في ترجمته الفرنسية ،وهو الكتاب وسنوات تطوره في لندن ستينات القرن تنقل قصصا متنوعة عن أطفال وعائالت أن سبب األزمة في التعليم المغربي يعود
كفنان ملتزم ممانع ،أي ما بين 1961سنة بوب ديالن شاعرا ،فإن بودلير كرونر ضم مذكراته ،وأعيد نشره ّ األول الذي العشرين ،وحياته بمثابة رب عائلة وأكاديمي عادية ،ومتمردين ألقي بهم في السجن، إلى الخصائص الديموغرافية والتمويل .في
وصوله إلى نيويورك و 1966سنة صدور .Croonerولكم ،قراءنا الكرام ،أن تقرؤوا منذ شهر عن فايار ،وفيه ال حديث عن في كندا ،وصوال إلى عدة توقفات في إلى قصص عن أثرياء يقيمون حفالت قرب حين أن تالميذ المدارس الثانوية يعتقدون
ألبومه المزدوج “شقراء في شقراء” كلمات أغانيه ،في لغتها ،أو مترجمة ،كي الشعر إال عرضا ،حيث ذكر أنه قرأ الشعر الكويت .وباالنتقال من عهد حرب السويس المسابح متجاهلين الصراع .أصبحت الكاتبة بأن السبب يعود إلى سياسة تعريب مسيسة
( ،)Blonde on Blondeوهي الفترة التي تقفوا بأنفسكم على شعرية هذا الذي صغيرا ،وأعجب بسونيتة لميلتون تشبه لسنة 1956إلى حرب الخليج سنة ،1991 منغمسة عاطفيا في كل لحظة من رحلتها. بشكل كبير لم تطبق بالطريقة المناسبة .لقد
عبرت فيها شهرته اآلفاق ،وحاز صفة تحرر كلماته العقل” ،تلك “الكلمات التي أغنية فولك حسب قوله ،مثلما أعجب يروي أبو ستة قصته وقصة فلسطين هذا الكتاب يعرض صمود اإلنسان أمام حصل تعارض بين التشجيع على استعمال
الفنان الملتزم ،والمغني المحتج (protest- ارتبطت بالشعور اإلنساني العميق” على بمقولة رامبو “أنا هو شخص آخر” ،وما بأسلوب فكاهي ودافئ .لكونه مهندسا بحكم أصعب األوقات .تعلق صحيفة ديلي تلغراف اللغة العربية وطلبات سوق العمل الليبرالي
،)singerوالتي فرضت عليه فرضا رغم رأي أحدهم. عدا ذلك ال شيء تقريبا ،فهو ال يعتبر مهنته ،أكثر ما يعرف به أبو ستة هو عمله قائلة “هي إحدى أرقى مراسلينا في الخارج الجديد بما أن الفرنسية مازالت لغة التقدم.
محاوالته اليائسة للتنصل منها. نفسه شاعرا إطالقا ،بل إنه يكره لفظة في رسم خريطة فلسطين وعمله على حق في جيلنا” ،وتقول نيوزويك “القليل جدا من يبين بوطياري كيف أن المدرسين والطلبة
وأما عن نضاله الذي ألصق به قسرا ،حتى “شاعر” .فمن أقواله مثال “ليس من العودة للفلسطينيين .كتب أبو ستة كتبا ستة الكتّ اب باستطاعتهم مجاراتها في استحضار يحاولون التحايل على النظام الذي تؤدي
أسطورة الفنان الملتزم أن بعضهم كتب يقول إنه “كان جزءا من الضروري أن تكتب كي تكون شاعرا. وأكثر من 300مقال ودراسة عن فلسطين المعاناة الفردية في زمن الحرب” ،وتقول طلباته إلى فك االرتباط وفي بعض األحيان
قد تنطبق كل الصفات على روبرت ألن تيار عريض ساهم في إنهاء حرب فيتنام يمكن أن تعمل في محطة بنزين وتكون بما في ذلك أطلس فلسطين بين 1917 صحيفة إيفنينغ ستاندرد “دي جوفاني إلى االحتجاجات في الشارع.
زيمرمان (االسم الحقيقي لديالن) إال وإخراج أميركا من هذا المستنقع» ،وإنه شاعرا” .وفي رأيه أن “األغنية” تظل و .1966هو مؤسس جمعية أرض فلسطين صحفية حروب لها شجاعة ال يضاهيها
صفات المناضل والمقاوم والمحتج، “قاوم بكلمات أغانيه التي ال تزال ترمز “أغنية” ،ولكن عباقرة لجنة نوبل يعتبرون ورئيسها .قال عنه إدوارد سعيد هو “مهندس غير تعاطفها تجاه األشخاص الذين تحكي ثقافات الشرق األوسط
رغم أن كثيرين ال يزالون يعدّ ونه أحد إلى رفض الظلم وتدعو إلى المساواة أغانيه كـ”جوي” ( ،)Joeyو”المطر المدرار” وعالم مذهل”. عنهم” .لقد نقلت جوفاني أخبار الحروب والغرب األميركي
بناة التيار المناهض لحرب فيتنام، وإلى ممارسة ثقافة الحياة” ،بل ّ
بشر ( ،)A hard rainو”أغنية هوليس براون” على مدى أكثر من عقدينّ .ألفت سبعة “الغربيات اآلسرة :الشرق األوسط في الغرب
ووريث وودي غيثري ،مستشهدين بوصول رجل أسود إلى سدة الحكم ( )The ballad of Hallis Brownقصائد كاتبة من العراق مقيمة في لندن كتب وهي محررة قسم الشرق األوسط في األميركي” من تأليف سوزان كولين ،التي
صحبة زوجته وأبنائه األربعة ،بعيدا ال تتعدى الثالث أغنيات :أوالها “جورج بأغنيتين من ألبومه الثاني “بوب ديالن
عن صخب نيويورك وهوس المعجبين جاكسون” ( )1971تكريما لروح أحد العجلة الطليقة” (The Freewhellin Bob
ومالحقة وسائل اإلعالم .هناك سجل أعضاء النمور السود الذي اغتاله الحراس )Dylan – 1963وهما “أسياد الحرب”
مع بعض أصدقائه ألبومه الثامن “جون في السجن .والثانية هي “هاريكان” و”مطر مدرار سوف يهطل” .ففي رأي
ويسلي هاردينغ” من نوع الفولك والروك، ( )1976الذي طالب فيها بتحرير المالكم بعض المتخصصين ،مثل الفرنسي
وهو أبعد ما يكون عن “قوة الزهور” شعار روبين كارتر المحكوم عليه عن ثالث بريس تيات ،أن األغنية األولى كتبت
الهيبيز في ستينات القرن العشرين. الحي”
ّ جرائم قتل .والثالثة “مرهب قبل الحرب األميركية على فيتنام،
( )1983وهي إعالن انتماء إلى الحركة وكانت تدين المركب العسكري الصناعي
فأين الفنان المتمرد؟ والجواب أنه لم الصهيونية وتأييد واضح إلسرائيل، األميركي ،أما الثانية فكانت تتحدث عن
يوجد قط .والدليل ما رواه هو نفسه بعد سنتين من ضرب المفاعل النووي الرعب النووي بعد هيروشيما وليس عن
في كتابه المذكور أعاله حينما اكتشف العراقي أوزيراك وسنة من اجتياح لبنان. األسلحة الفتاكة التي استعملها األميركان
المعجبون مالذه بوودستوك وجاؤوه من (انظر مقالتنا بجريدة العرب “بوب ديالن في فيتنام كالنبالم والعامل البرتقالي
كل حدب وصوب ،حيث قال “أعطاني المتصهين” ،في 8ديسمبر .)2016أي أنها أو عَ امل أورانج -االسم الحركي لمبيد
بيتر الفارج ،أحد مغني الفولك من كلها كتبت ونشرت بعد الفترة -1961 أعشاب ونازع ورق الشجر كان استخدمه
أصحابي مسدسين ،وكانت لي بندقية ،1966التي شهدت مولد أسطورته كفنان الجيش األميركي في تلك الحرب كجزء
ونشستر أوتوماتيكية .فظيع أن نفكر فيما ملتزم معارض يشيد به الصحافيون، من برنامج الحرب السامة ما بين عام
يمكن أن نفعل بها .كانت السلطات ،أي حتى العرب منهم. 1961و .1971-دليلهم على ذلك أن
رئيس الشرطة في وودستوك وشرطيان النزاع األميركي الفيتنامي لم يكن يرد
أو ثالثة ،قد حذرتني بأني سأقاد إلى أسطورة المغني المتمرد على لسان ديالن في أحاديثه الصحافية
المخفر لو جرح أحد أو أصيب .تصور: وإذا كان بعضهم يرى أن ديالن ،وإن ولو مرة واحدة .كما أن هذا الفتى (لم
يجرون ّ لو يسقط أحد المجانين الذين لم يكن فنانا ملتزما بالمعنى السياسي يكن قد جاوز وقتئذ الثانية والعشرين من
ّ أ
أحذيتهم فوق سقف بيتي ،فسوف �تهَ م المتداول اليوم ،فإنه كان متمردا على عمره) القادم من مينيسوتاه األصلية ،لم
وأمثل أمام المحكمة .شيء مربك حقا. السائد بفكره وسلوكه .وهذا أيضا مردود يكن يملك روح الفنان المتمرد ،فهو وإن
كنت أرغب في حرق أولئك الناس. عليه .ذلك أنه منذ ألبومه األول الصادر شارك في العام نفسه ،أي سنة ،1963في
أولئك الفضوليون ،المرضى ،الطامعون عام ،1962سار على خطى مشاهير حركة المطالبة بالحقوق المدنية ،وغنّى
في طعامي ،تلك الغوغاء ،كانوا يدخلون مغنّي الفولك األميركان الذين كانوا بالمناسبة في مسيرة واشنطن ،فلم يكن
االضطراب على حياتنا ،ولو طردتهم، يتغنون بملحمة “تكوين” بالدهم ،ببناتها زعيمها وقائدها ،بل كان ذلك بتأثير من
فسوف أكون أنا المتهَ م”. المجهولين وقطاع طرقها المشهورين، صديقته الفنانة المناضلة جون بايز ،لم
على طريقة التروبادور الذين كانوا يلبث أن غادر تلك الحركة ،كما هو ثابت
الجدير ذكره أيضا أنه رفض المساهمة يشدون مالحم األبطال في القرون في مسيرته .ذلك أن بوب ديالن ليس من
الحقا في مهرجان أقيم عام 1969على الوسطى .وفي العام ،1966في أوج نوع الفنانين الذين يجندون الجماهير
أرضه ،وفضل أن يهجر المنطقة مؤقتا. حركات االحتجاج الطالبية بخاصة، لخدمة قضية ،بل كان يوثر العمل وحيدا،
كان يقول صراحة “لم أكن ناطقا باسم اختار ديالن أن يهجر الفولك وينحو فهو أقرب إلى صورة راعي البقر السائر
شيء أو أحد ..كنت فقط فنانا”. إلى الروك والبوب ،فكان أن اعتنقت فنَّه في البراري بمفرده .وقد حاول التخلص
بوب ديالن املختلف عليه شاعرا ً.
ُ
الشبيبة األوروبية واعتبرته نبيا لها .وفي من تلك الصورة التي ألصقت به ،بداية من
كاتب من تونس مقيم في باريس صيف العام نفسه ،اضطر إلى االنسحاب العام ،1964فقطع مع تقاليد الفولك ،ونحا
بعد حادث دراجة نارية يشك المتابعون إلى أغان تمتح من السريالية ،وتميل إلى
في صحته .ويعتبرون أنه إنما ادعى ذلك هلوسة األعماق (وهي حالة من الهذيان
لينسحب من الحياة العامة ،ومن تلك الناجم عن تعاطي المخدرات وحبوب
الصورة التي يرفض التماهي معها .واختار الهلوسة) .ولم يقدم على نشر أغان
أن يعيش في بيته الريفي بوودستوك محتجة وملتزمة بحق إال الحقا ،ولكنها
تعود الروابط الثقافية بين العالم العربي وإيطاليا إلى عصور قديمة ،عالقة عميقة ومتشعبة على مستويات مختلفة .للثقافة العربية حضور
وحي في الثقافة اإليطالية ،انطالقا من اللغة واألدب ،وصوال إلى البناء المعماري ،الذي ال يزال قائما حتى اليوم في مدن الجنوب
ّ دائم
اإليطالي .أما اليوم ،وبغض النظر عن العالقات الدولية ،فإن الحضور العربي في إيطاليا غزير جدا ،ويتمثل بالجالية العربية التي تزداد يوما
بعد آخر مع موجات المهاجرين الذين يحطون الركاب في شبه الجزيرة .ال تدخل إلى مؤسسة حكومية في إيطاليا إال ووجدت الئحة بعد
قليل من اللغات ،موجهة للمهاجرين ،ومن بينها تبرز حروف لغة الضاد ،لكثرة الجالية العربية .وفي المدينة التي أعيش فيها هناك مكتبة
شك أنها تفاجئ القارئ العربي.
وطنية كبيرة جدا ،تتوفر على رفوف للقراء باللغات األخرى ،ومنها العربية ،ويمكن العثور فيها على كتب ال ّ
وقد شاركت معظم الكتب التي صدرت “فرانكشتاين في بغداد” للكاتب العراقي ذلك فإن ما ينقل من النتاج
هذا العام في معرض كتاب تورينو، أحمد السعداوي ،رواية “ذات” للكاتب الثقافي العربي اليوم ال يتناسب
مع
وهو معرض الكتاب األشهر في إيطاليا. المصري إبراهيم صنع الله ،كتاب أدونيس مطلقا مع كمية ما ينتج أدبيا ،فكريا،
وخصصت خالل المعرض قراءات شعرية “العنف واإلسالم“ ،و”مدينة اللذة” للكاتب ثقافيا واجتماعيا في العالم العربي
لكل من الراحل محمود درويش والراحل المصري عزت القمحاوي .هذا فضال عن الشاسع .هناك اشتغال شخصي ومحدود
نزار قباني ،فضال عن قراءات كل من كتب أخرى ُترجمت عن لغات أخرى، جدا من قبل عدد قليل من المترجمين
الكاتبين أحمد ناجي وأشرف فياض، كاإلنكليزية والفرنسية. اإليطاليين عن العربية ،أو المترجمين
تضامنا مع قضيتيهما .ولم تغب أيضا في حين صدرت في العام 2016الكتب العرب األقل عددا من زمالئهم اإليطاليين،
عما
سوريا عن المشهد ،فقد دار الحديث ّ التالية :نزار قباني “قصائدي األجمل“، يعملون على نقل ما استطاعوا من النتاج
يجري هناك مع الكاتب شادي حمادي، مجموعة مختارات من قصائد قباني، الثقافي العربي .ويقتصر معظم ذلك على
صاحب كتاب “المنفى السوري”-2016 “خاتم ” رواية الكاتبة السعودية رجاء الرواية ،القصة والشعر ،والقليل القليل
أحد الكتب التي صدرت هذا العام. عالم“ ،استخدام الحياة” رواية الكاتب من النتاج الفكري ،الفلسفي أو االجتماعي،
بعض الكتب التي صدرت هذا العام يف إيطاليا وقد غلب عليها االهتامم بقضايا اإلسالم السيايس والعنف المصري أحمد ناجي ،التي أثارت جدال ربما ألن الغرب ال حاجة له بذلك .في حين
صورة سوريا واسعا وبسببها أودع السجن“ ،التعليمات تفتقد عملية نشر الثقافة العربية للدعم
األزمة اإلنسانية لالجئين السوريين في وبيير دا براتا ،تحت عنوان “بلد الشر152 ، فيه بدايات الثورة السورية في حمص احتلت سوريا ما بعد الثورة موقعا بارزا بالداخل” مجموعة أشرف فياض التي المؤسساتي بشكل تام.
لبنان واألردن .“-2013وكانت تانغرليني يوما من األسر في سوريا .“-2015يتناول مطلع العام .2012وصدر أيضا “سوريا: بعدد الكتب التي صدرت حولها في تسببت له بالسجن أيضا“ ،ترمي بشرر” وحاولنا في هذه المقالة أن نشير إلى
قد التقت بالسوريين الالجئين ،ووثقت فيه الكاتبان قصتهما ،وقد دخال عن من العهد العثماني حتى حكم األسد، األعوام األخيرة في إيطاليا ،ونذكر منها، رواية الكاتب السعودي عبده خال“ ،نجوم ما ُترجم بين العامين 2015و 2016إلى
عما يجري في شهاداتهم وقصصهم ّ طريق لبنان إلى سوريا ،برفقة عناصر من وما بعد ذلك ”.-2013للباحث اإليطالي على سبيل الذكر ال الحصر ،كتاب الناشط سيدي مومن” رواية للكاتب المغربي اللغة اإليطالية من النتاج العربي ،سواء
وعما يواجهون من حاالت ّ سوريا، الجيش الحر ،لتوثيق ما يجري في سوريا. لورينزو ترومبيتا ،الذي أقام لفترة في السوري شادي حمادي سابق الذكر ،فضال ماحي بينبين ،رواية الكاتبة المغربية ترجم عن العربية ،وهو أغلب ما أشرنا
مأساوية في بلدان المنفى .وصدر أيضا وما لم يكن في حسبانهما هو أن من كانوا سوريا للدراسة .ويتناول الكتاب التاريخ عن كتاب كان قد صدر له مسبقا ،تحت ليلى سليماني “في حديقة الغول” التي إليه ،أو عن لغات أخرى اتخذها الكتّ اب
“تاريخ سوريا المعاصر ”-2013للكاتبة يظنونهم أصدقاء كانوا سيسلمونهما إلى السوري في القرن الماضي حتى حكم عنوان “السعادة العربية ”-2013الذي حازت على جائزة غونكور ،رواية “جوابا” العرب أداة لنتاجهم الثقافي .ومن الكتب
اإليطالية ميريال غاليتي ،باحثة وأستاذة عناصر جهادية ،تحتجزهم في أسوأ عائلة األسد ،ثم يعمد إلى تحليل الثورة قال عنه الراحل داريو فو إنه “فرصة للكاتب العراقي سليم حداد ،رواية “كلب التي صدرت في العام 2015نجد:
جامعية في تاريخ البلدان اإلسالمية األماكن وتذيقهم العذاب واألهوال ،لمدة السورية ،أسبابها ودوافعها .كل هذا ،برأي نادرة لتُ طلعنا على ما يدور في هذا بلدي مدرب” للكاتب المصري محمد عالء رواية “تمر األصابع” للكاتب العراقي
في كلية العلوم السياسية ،جامعة ً
أيضا كتاب لمراسلة 152يوما .ثم صدر الباحث ،يساعد على فهم ما ستكون العالم الصغير” .وصدر أيضا في إيطاليا الدين ،والمجموعة الشعرية “حمامة محسن الرملي“ ،هند والعسكر” للكاتبة
نابولي .ويبحث الكتاب في تاريخ سوريا الشبكة التلفزيونية اإليطالية “راي »24 عليه سوريا المستقبل .بينما صدر كتاب كتاب “يوميات سورية ”-2012للكاتب مطلقة الجناحين” للكاتب السوري فرج السعودية بدرية البشر“ ،كمن يشهد
وصراعاتها الطويلة مع البلدان المحيطة الورا تانغرليني بعنوان “سوريا المنفية، للكاتبين اإليطاليين دومينيكو كويريكو األميركي جوناثان ليتل ،الذي يتناول بيرقدار. موته” للكاتب السوري محمد ديبو ،رواية
منهكة تماما ،وأن األوروبيين بشكل عام عن طريق أقالمه. حتى االستقالل ،متناوال في الوقت ذاته
فقدوا إيمانهم بحضارتهم .بينما ال زالت ونذكر من بين هذه الكتب “داعش، القضايا الكردية ،اللبنانية والفلسطينية،
الحضارة اإلسالمية ،حسب رأيه ،في اإلرهابيون األوفر حظا في العالم” للكاتب لفهم دور سوريا المركزي في الشرق
أوجها وشبابها ،لديها رجاالت يدافعون اإليطالي أليساندرو أورسيني .ويقوم األوسط .ويلقي الكتاب الضوء أيضا على
عنها ويفدونها بأرواحهم .ثم ينتقد أيضا الكاتب بدراسة األوضاع السياسية الثورة السورية وإشكاالتها ،نظام األسد
السياسات األوروبية ،يمينية كانت أو والجغرافية التي ساعدت على نشأة وعالقاته السياسية ،المشكلة مع تركيا
يسارية ،تجاه البلدان العربية واإلسالمية. داعش ،لهذا السبب تماما يعتبرهم مما يحدث في سوريا. ومواقف الغرب ّ
بل ويشير الفيلسوف بإصبع االتهام إلى الكاتب األوفر حظا .ثم يتناول دراسة وحضر بعض الكتاب في معرض الكتاب
تلك السياسات ،كونها العامل األساسي األسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة في تورينو لتوقيع كتبهم التي صدرت
لخلق “داعش” وتغذيته ،ذلك بعد أن داعش ،واعتناقها من قبل مجموعات هذا العام ،بينهم ليلى سليماني ،أدونيس،
قامت الدول الغربية بتدمير بلدان كبيرة من الشباب ،في الشرق وفي الغرب طاهر بن جلون وياسمينة خضراء .وحين
عربية مسلمة بحجة الدفاع عن حقوق أيضا .ويقوم كذلك بتحليل ودراسة سألوا ياسمينة خضراء (محمد مولسهول)
اإلنسان أو بحجة حماية أمنها الداخلي، نفذت هجمات لكل الشخصيات التي ّ عن أعماله التي تناول بها اإلرهاب ،أجاب
وقد أدى ذلك إلى نشوء هذه النزعة إرهابية في الغرب ،سواء في أميركا الكاتب “كفى أسئلة عن اإلرهاب ،نعم لقد
عناوين مؤلفات غلب عليها االهتامم بأيقونة العنف :داعش
القتالية لدى المسلم .ويقول الفيلسوف أم في أوروبا ،حتى اعتداءات باريس. تكلمت عن اإلرهاب ،ولكني لست مهووسا ّ
بعد أن هددوها بفصلها عن ابنها ،وبعد في الغرب .وال يفوتنا أن نذكر صوفي أيضا عن الطرق التي استخدمها تنظيم إن الدول األوروبية تحافظ على عالقاتها به .قمت بذلك بدافع الواجب المدني
مغامرات وأهوال ،تتمكن الشابة من ٌ
“هاربة من داعش- كاسيكي وكتابها داعش عن طريق اإلنترنت ووسائل السياسية والتجارية مع دول يعتبرها ألنني عسكري قارع اإلرهابيين طويال،
الرجوع إلى فرنسا لتروي حكايتها. .“2016وال يروي هذا الكتاب رواية من االتصال الحديثة لكسب مشجعيه ممولة لإلرهاب ،في حين تقوم بقصف ولكنني تحدثت في كتبي أيضا عن
طبعا لقد سبقت هذه الكتب كتب أخرى نسج الخيال ،بل هي قصة حقيقية لفتاة وتجنيد الشباب ،وأيضا إلثبات وجوده مدن وقرى بسيطة في أفغانستان .ويعلل الرحالت ،عن العواطف وعن المشردين”.
تتناول ذات الموضوع ،صدرت بين فرنسية عاشت جحيم داعش في مدينة وانتشاره وفرض سطوته في كل مكان. أونفري ذلك قائال بأن الصراع الحقيقي شاركت معظم الكتب
العامين 2014و ،2915منها “ما يدور في الرقة السورية .كاسيكي شابة فرنسية وصدر أيضا كتاب آلدو جا ّنولي “الحرب والحروب التي تشنها الدول الغربية إنما التي صدرت هذا العام تسويق اإلرهاب
رأس جهادية” للكاتبة اإليطالية أ ّنا ّ
إرله، متزوجة ولديها طفل عمره أربع سنوات، ضد داعش ،األخطاء التي اقترفناها، هو من أجل مصالحها االقتصادية ،وال في معرض كتاب تورينو، كم هائل من والحقيقة فقد صدر ّ
و”داعش ،دولة الرعب” للكاتبة اإليطالية تعمل في مركز استقبال المهاجرين لماذا نكاد نخسر الحرب ،ماذا علينا أن شأن له بحقوق اإلنسان أو باألمن الداخلي الكتب التي تتناول في ثناياها الحديث
وهو معرض الكتاب
لوريتا نابوليوني ،و”داعش خلف مشهد في باريس .يقرر ثالثة شباب مسلمين نفعل لنربحها ،»-2016وجا ّنولي هو وما إلى ذلك .وقد أثار هذا الكتاب ضجة عن التطرف اإلسالمي ،بالذات بعد
الرعب ”-2015للكاتبة المغربية سعاد مهاجرين فجأة أن يلتحقوا بتنظيم أحد كبار الخبراء اإليطاليين بالشؤون كبيرة في الشارع األوروبي .ونذكر األشهر في إيطاليا. االعتداءات التي تعرضت لها بعض الدول
السباعي ،و”جندية الخالفة” للكاتبين الدولة في سوريا .تتصل بهم صوفيا االستخباراتية والجيوستراتيجية .قام أيضا كتاب “تسويق اإلرهاب،“-2016 وخصصت خالل المعرض الغربية .لذلك أخذ الحديث عن الوجه
اإليطاليين سيمونه دي ميو وجوسيبه وتحاول إقناعهم بالرجوع ،ولكن يحصل ببحثه هذا حول داعش ،وهو برأيه لمجموعة من الدارسين .ويتناول قراءات شعرية لكل من السيء للحضارة والثقافة العربية حيزا
يانيني .ويروي األخير قصة الفتاة ما ال يتوقعه أحد :يقنع الشباب صوفيا “الوحش” الذي يحاول الجميع قتاله، الكتاب عملية تسويق اإلرهاب .ويثبت كبيرا ،مقابل الفراغ والفقر الذي يعاني
الراحل محمود درويش
التونسية التي كانت تدير شبكات على اللحاق بهم .صوفيا التي تعاني من في حين يحاول بعضهم أن يستخدمه الدارسون في هذا الكتاب أن اإلرهاب منه انتشار الثقافة العربية في إيطاليا.
اإلنترنت الخاصة بالتنظيم ،فعرفت عن مشاكل عائلية مع زوجها ومشاكل جانبية لمصالحه الخاصة ،فيقوم بتمويله. كان قد مورس في الظل ولسنين طويلة. والراحل نزار قباني وتصب معظم األبحاث على تنظيم
كثب التنظيم الداخلي لداعش ،وتفاصيل ّ
ضالتها في الوعود والحياة أخرى ،تجد ويقدم جا ّنولي وجهة نظر مشابهة لتلك أما اآلن فكل شيء يمارس علنا ،وينشر داعش ،نشأته وعناصره وسياساته.
دقيقة عن سياساته وكيفية تعامله مع التي يزيّ نها لها الشباب .فجأة ترحل التي قدمها الفيلسوف الفرنسي ميشال حول العالم عن طريق اإلنترنت ووسائل ومعظم هذه الكتب هي لكتّ اب غربيين،
اآلخرين. صوفيا إلى سوريا لاللتحاق بالتنظيم، أونفري ،إذ يعتقد أن قوات التحالف، التواصل االجتماعي .وقد ساعدت ونحن هنا نتطرق في الغالب للباحثين
ال شك أن هناك محاور أخرى يمكن حاملة معها طفلها الصغير .تكتشف بقيادة الواليات المتحدة ،تحارب اإلرهاب وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة ويساعد ذلك على فهم الشخصية اإليطاليين ،وتوازي هذه الكتب عدد
التطرق لها والحديث عنها ،فهناك كتب الشابة في سوريا الجحيم الذي يعيشه منذ أكثر من خمسة عشر عاما ،ولكنها لم ّ
وتفشي الرعب على نشر رسالة اإلرهاب، المتطرفة واإلرهابية .وصدر أيضا كتاب الكتب الثقافية والفكرية التي ترجمت
تصدر عن مختلف القضايا العربية، السوريون جراء تصرفات قوات داعش تعمل سوى على تقويته ،بل وخلفت في والخوف بالفيديوهات والصور التي الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري عن اللغة العربية ،من العالم العربي ،إلى
السياسية بشكل خاص ،ولكن نحتاج إلى الوحشية ،وقسوتهم بالذات مع النساء. كل مكان حاربت فيه مسرحا يجول به يقومون بنشرها .وتعمل وسائل التواصل “أفكار حول اإلسالم .“-2016أصدر اللغة اإليطالية .وهذا برأيي يشكل أزمة
مجال أوسع إلجراء البحث ،لذلك نضطر ُتصدم صوفيا بالحقيقة المرة التي ال ّ
تمت اإلرهابيون .فجاءت النتيجة أن ُخلق االجتماعي على تحويل العالم بأسره إلى أونفري هذا المقال ،و ُترجم مباشرة ثقافية حقيقة استمرت طويال وال زالت
إلى إرجائه إلى مناسبة أخرى ،علها تكون بصلة لما وصفه لها الشباب ،فتتجلى لها هذا الوحش اليوم ،والذي أزاح الحدود مسرح يعرض عليه اإلرهابي ممارساته إلى اإليطالية ،بعد اعتداءات شارلي قائمة ،بغض النظر عن أهمية تلك الكتب،
سببا ودافعا لمقالة أخرى. الجنة الموعودة جحيما حارقا .فتحاول بين بعض الدول ،وتمكن من نشر خالياه اليومية وبطوالته ،فيشعر بنفسه بطل إيبدو ،وينتقد فيه الثقافة األوروبية، ذلك أن الغرب ال زال ينظر إلى الشرق من
كاتب ومترجم من العراق مقيم في بولونيا-إيطاليا الفتاة جهدها للهرب من الجحيم ،بالذات وتنفيذ هجماته في كل مكان ،حتى اللحظة في هذا العرض .ويبحث الكتاب معتبرا أن الحضارة المسيحية حضارة زاويته الخاصة تماما ،وال يتعرف عليه
160
هيثم الزبيدي
ينأون بأبنائهم بعيدا عن التهلكة .هنا يأتي دور اإلعالم .فالطفل يفتح تنتهي الطفولة البريئة .مشاهد القسوة التي تحيط
قريبا
عينه على بيت مشحون .غاب الترفيه عن شاشة التلفزيون واستبدل بأطفال اليوم ستسرق براءتهم مبكرا جدا .القسوة التي
بقنوات الوعظ الديني أو الوعظ اإلعالمي .إما شيخ يردّ د دعواته يشاهدونها ال عالقة لها بتلك التي عانى منها األجداد عندما كانوا
العنيفة ،أو مذيع ينقل أخبار المآسي والمذابح .صور الموت على صغارا والمرتبطة بضيق ذات اليد والفقر وانعدام التعليم وشظف
شاشاتنا أكثر من صور الحياة .تكرار المشاهد مرة بعد أخرى وفي كل العيش.
ساعة ،يخلق هذا الجو الغاضب الذي يلتقطه الطفل انتقائيا بحكم أطفال هذا الزمان ضحايا قسوة فكرية وإعالمية.
براءته .سينتبه سريعا إلى ميول األب واألم ،وستراه جزءا من تلك الكبار يريدون أن يؤدلجوا حياة الطفل وأن يضعوه على طريقهم،
الميول بعد فترة بحكم التط ّبع والتقليد .ال حاجة إلعداده بشكل بدال من تركه لخياراته المستقبلية .نظريا ،ينبغي أن يذهب الطفل
مباشر ،بل تترك المهمة للفضائيات. إلى فصل دراسي محايد ّ
يعلمه األساسيات من دون تحيز أو تمييز
لماذا علينا أن نتخيل عكس هذا؟ لماذا نخاف أن يتأثر الطفل بألعاب ويتدرج به في حقول المعارف ليصل به إلى مرحلة االختيارات.
الفيديو القتالية التي تجعل العنف مقبوال بالنسبة إليه ،وال نخاف األحقاد واألفكار المسبقة والتوجيه المعنوي يجب أن تكون آخر ما
على أطفالنا من مشاهد الدم والدمار والجثث؟ القسوة عبر المشهد يفكر به المربون ،اآلباء منهم أو المدرسون ،عندما يتعاملون مع الطفل.
التلفزيوني واحدة بالنسبة إلى عقل غض .النتيجة يمكن أن تكون عقله الغض يحتاج إلى المعرفة والعلوم ،ال إلى األيديولوجيا واألفكار،
واحدة .وهذه النتيجة واحدة أيضا سواء لطفل عربي في بلد عربي مهما كانت عظيمة في أعين المربين.
أو طفل عربي مسلم في بلد المهجر .مهاجرونا ال يفارقون شاشات باسم الدين وباسم القبيلة ضاعت براءة الطفولة .خذ مثال تلك األفواج
القنوات اإلخبارية أو الوعظية وال يتوقفون عن الحديث عن عالمهم من األطفال التي أرسلت إلى حقول األلغام خالل الحرب العراقية
السابق طالما يعجزون عن االندماج في العالم الجديد. اإليرانية باسم الدفاع عن المذهب والثورة .أو ما نشاهده من عمليات
تجنيد لألطفال في أفريقيا باسم القبيلة أو العرق تنتهي بهم إلى أن
اإلعالم بعشوائيته وتحريضه وتمتعه باإلثارة المصاحبة لألزمات ،إنما يصبحوا جزءا من ماكنة قتل هم ضحاياها األوائل .هذه قسوة ما
يشكل عقول األطفال بشكل غير مباشر ،على هامش إدمان اآلباء لتلك بعدها قسوة وال تقارن بمعاناة الطفل العامل في بلد فقير .الفقر أعمى،
المشاهد .وبالنسبة إلى الطفل ،يبدو األمر سواء ،سواء تأثر بأدلجة ولكن من يحوّ ل األطفال إلى قتلة بصير ويدرك تماما ما يفعله.
فكرية من اآلباء ،أو ألنه كان يجلس بجانبهم وهم يستمعون إلى الصراع السياسي-الطائفي الذي يجري في منطقتنا اليوم لم يكتف
الوعظ أو يشاهدون األخبار .تنمية الغضب واألحقاد تمر على براءته بالبالغين .ثمة حروب كبيرة وكثيرة قادمة صار من الضروري
بنفس الطريقة. االستعداد لها مبكّرا بتشكيل وعي الطفل بعيدا عن المستقبل وأبعد
ثمة أبعاد كثيرة في تنشئة األجيال .ما تم التركيز عليه كثيرا هو بكثير عن البراءة .أنت بحاجة إلى زرع األحقاد مبكّرا لكي تتمكن من
التعليم ودوره الخطير في التربية والتوجيه ،وهذا شيء مهم ولكنه ال أن تحصدها في الوقت الذي تحتاجها فيه .زراعة األفكار في الصغر
aljadeedmagazine.com
يقدم الصورة الكاملة .هناك أبعاد أسرية واجتماعية وإعالمية كثيرة أفضل من غسيل العقول في الكبر.
فكر حر وإبداع جديد تبدو مغفلة ،لكنها ال تقل أهمية عن التعليم .األطفال العرب في الغرب ّ
المشاهد التي رأيناها مؤخرا مرعبة .أطفال يعذبون ويقتلون أعداء
ال يذهبون إلى مدارس ّ
تعلمهم التشدد ،ولكن المئات منهم يذهبون الكبار .وإذا كان الطفل الجندي في أفريقيا ،المخطوف من أهله غالبا،
ثقافية عربية جامعة تصدر شهري ًا من لندن سنويا إلى حروب تأثروا بما سمعوه عنها ورأوه بعيدا عن مقاعد يدرب على القتل أوال بتعصيب عينيه ثم إزالة العصابة بعد إطالق ّ
وتوزع في العالم العربي واوروبا واألميركيتين الدراسة. النار ومشاهدة الضحية ،فإن الطفل في الشرق يعدّ مبكّرا من قبل أبيه
WWW.aljadeedmagazine.com ثمة مسؤولية كبرى أمام المثقفين في أال ينسوا هذه الجوانب من وأمه“ .الجهاد” يبدأ بعمر الحضانة .الحقد قبل الحب في عالمنا .حقد
editor@aljadeedmagazine.com القضية .ال تستطيع أن تسعى إلصالح الكبار وتترك األطفال نهبا عمره قرون.
للخراب ال شك أن ليس كل ما يحدث يأتي بتحريض من األهل .األب واألم ،في
كاتب من العراق مقيم في لندن العموم ،قد يقبالن على نفسيهما ما ال يقبالنه على االبن .اآلباء العاقلون
164