Professional Documents
Culture Documents
11-داود خليفة compressed
11-داود خليفة compressed
املجلد / 4الع ــدد 72_44 :ديسمبر ،7272ص 99 -94 مخبرألانساق ،البنيات ،النماذج واملمارسات
مخبرالفلسفة وتاريخ الزمن الحاضر
امللخص:
مما ال شك فيه ،أنه ال ميكن احلديث عن أي تنمية دون احلديث عن التربية اليت تنوط هبا املدرسة ،على
اعتبار أن املدرسة هي أساس كل تنمية داخل اجملتمع ،من هنا جاء اهتمام الدول باملنظومة التربوية
وحماولة تطويرها مبا يواكب حتوالت العصر ،هبدف أن تساهم العملية التربوية يف العمل التنموي.
الكلمات املفتاحية :التنمية ،التربية ،املستقبل
Summary:
Undoubtedly, he can not talk about any development without talking about
education, which Tnot the school, on the grounds that the school is the
foundation of all development within the community, hence the interest of
States in the educational system-and try to develop them in line with shifts era,
in order to contribute to the process Pedagogical in development work.
Key words: development, education, future
------------------
أستاذ حماضر قسم (أ) ،daoudkhelifa@gmail.com ، ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية،
جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف .
19
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
مقدمة:
تكتسب التربية أهميتها وضرورتها نظير ما تلعبه من دور بارز في حياة ألافراد واملجتمعات،
فاإلنسان من حيث هو فاعل في محيطه الاجتماعي ال يستطيع أن يلعب دوره ويحقق
فعاليته مالم يتعلم العديد من القيم واملهارات والقدرات.
ومما ال شك فيه ،أنه ال يمكن الحديث عن أي تنمية دون الحديث عن التربية التي تنوط بها
املدرسة ،على اعتبار أن املدرسة هي أساس كل تنمية داخل املجتمع ،من هنا جاء اهتمام
الدول باملنظومة التربوية ومحاولة تطويرها بما يواكب تحوالت العصر ،بهدف أن تساهم
العملية التربوية في العمل التنموي.
وباعتبار السؤال الفلسفي سؤال مستقبلي؛ فإنه ينبغي أن يتجه السؤال إلى مستقبل
املدرسة وإمكانية اسهامها في تحقيق التنمية .لذلك آثرنا جملة من إلاشكاليات جاءت على
النحو آلاتي :كيف يمكن بناء مدرسة من شأنها أن تساهم في تحقيق التنمية؟ وماهي
العالقة التي ينبغي أن تكون بين املدرسة (التربية) املستقبلية والتنمية؟
.4الفلسفة والتربية والتنمية:
تعتبر التربية كل ما يقدم للفرد من مساعدات شفهية أو حركية ،لكي يتأهب لخوض معركة
الحياة ،ويتخذ – هو بدوره – مواقف من شؤون الحياة ...وهذه املواقف تصبح تملي
تصرفات ومواقف تعتبرها ثقافته مسائل ضرورية في الحياة .1ومعنى هذا أن التربية تشير في
مجملها إلى كل حصيلة مكتسبة تساعد الفرد على املض ي قدما في الحياة ،واتخاذ السلوكات
املناسبة ملختلف املواقف.
تعرف التربية في موسوعة الالند الفلسفية بالتهذيب والتأديب كما يتقابل مصطلح التربية
" "éducationمع التعليم " ،"Enseignementوقد عرف الالند التعليم بعملية توصيل
-1أنظر إىل :سالد بونواة ،الرتبية والتعليم بني ما هو منشود والواقع اجلزائري :اقرتاب أنثروبولوجي
وتارخيي ملفهوم الرتبية ،جملة املواقف للبحوث والدراسات يف اجملتمع والتاريخ ،العدد ،7002 ،1ص.17
92
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
معارف لشخص ما ،والتربية تقال بنحو خاص على تنمية العادات السلوكية والحياة
ألاخالقية بجملة معارف تكتسب بالدرس أو التعلم.2
ويستخدم الفيلسوف وعلم الاجتماع والابستيمولوجي الفرنس ي إدغار موران ()1391
مصطلحي التربية والتعليم بنفس املعنى؛ حيث تكون الغاية املرجوة منهما تنمية الكائن
البشري وتوجيهه إلى كل ما هو هادف للفرد واملجتمع .3هناك إذن ارتباط بين مصطلح
التربية ومصطلح التدريس من حيث ارتباطهما في وحدة الغاية وهي الارتقاء بالفرد إلانساني
أخالقيا وسلوكيا وعمليا.
وتتقاطع الفلسفة بالتربية في ميدان "فلسفة التربية"؛ فبما أن الفلسفة على عالقة وثيقة
بالواقع املعيش بكل جوانبها ،فإن التربية هي ناظم الحياة ،وبما أن التربية هي تنمية أفراد
مجتمع معين وفق تصوره للحياة بكل جوانبها ،كانت الفلسفة التي يؤمن بها املجتمع
والغايات التي يتجه صوبها ،واملتطلبات التي يعمل لتحقيقها ،هي التي تحدد مسارات هذا
النمو ومستوياته ،ومادامت الفلسفة مرتبطة بشتى مجاالت الحياة في املجتمع فهي -بالتالي
-ترتبط ارتباطا وثيقا بالتربية .4وبهذا املعنى تكون فلسفة التربية وثبة نحو املستقبل أو رؤية
استشرافية للصورة التي ينبغي أن تكون عليها التربية.
ويعتبر ميدان فلسفة التربية من امليادين الحديثة في القرن العشرين ،وإن كانت هناك
جذور بعيدة يمكن أن ترجع إلى أفالطون الذي يرى الكثير من مفكري التربية أنه صاحب
فلسفة تربوية متكاملة واضحة املعالم ،حيث تتضح العالقة الوثيقة بين التربية والفلسفة
والسياسة واملجتمع.
-2أندري الالند ،املوسوعة الفلسفية ،تر/خليل أمحد خليل ،جملد ،4منشورات عويدات ،ط ،7بريوت،
،7001ص.277
-3صورية لقاط زيتوين ،ابستمولوجيا الرتكيب وفلسفة الرتبية عند إدغار موران ،دار األيام للنشر
والتوزيع ،ط ،1األردن ،7012ص.22
-4املرجع نفسه ،املكان نفسه.
93
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
كما تتقاطع التنمية مع الفلسفة في ميدان "فلسفة التنمية"؛ التي تحاول وضع ألاطر
النظرية أي القواعد وألاسس التي من شأنها أن تؤطر لعمليات تحول شامل منتظر في
ميادين مختلفة.
لكن ما يمكن إلاشارة إليه هو أن مفهوم التنمية تغير كثيرا في مدلوله منذ ألالفية الثالثة،
فلم تعد التنمية تعنى فقط بالجانب املادي الاقتصادي ،بل وبالكرامة إلانسانية ،أي أن
تحول من املال والاقتصاد إلى املشاركة في اتخاذ القرار وحرية الرأي والحقمؤشر التنمية ّ
جراء ذلك مفهوم جديد للتنمية هو "التنمية إلانسانية". في الصحة وتعليم ناجع ،فظهر ّ
94
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
يمكن اعتبار الدراسات املستقبلية مجاال معرفيا أوسع من العلم ،يستند هذا املجال
املعرفي على أربعة عناصر رئيسية ،نذكر بعضها :5أنها الدراسات التي تركز على استخدام
الطرق العلمية في دراسة الظواهر الخفية .وهي أوسع من حدود العلم ،فيه تتضمن
املساهمات الفلسفية والفنية جنبا إلى جنب مع الجهود العلمية .وأخيرا أنها تلك الدراسات
التي تتناول املستقبل في آجال زمنية تتراوح بني 1سنوات و 15سنة.
6
ويمكن إلاشارة إلى أهمية الدراسات املستقبلية من خالل ذكر ما يلي :
-إن الدراسات املستقبلية تحاول رسم خريطة شاملة للمستقبل ،وبلورة الخيارات املمكنة
واملتاحة وترشيد عمليات املفاضلة بينها ،بإخضاع كل الخيارات للدراسة والفحص...
باإلضافة إلى التنبؤ باألزمات قبل وقوعها ،مما يساعدنا على التعامل معها والاستعداد
ملواجهتها.
- 5حممد إبراهيم منصور ،توطني الدراسات املستقبلية يف الثقافة العربية :األهمية والصعوبات والشروط،
جملة أوراق ،العدد ،70وحدة الدراسات املستقبلية ،اإلسكندرية ،7012 ،ص.77
-6نقال عن :حممد إبراهيم منصور ،توطني الدراسات املستقبلية يف الثقافة العربية :األهمية والصعوبات
والشروط ،جملة أوراق ،العدد ،70وحدة الدراسات املستقبلية ،اإلسكندرية ،7012 ،ص.72
-7نقال عن :د .عبد املقصود سامل جعفر ،تربية املستقبل :املفهوم واألهمية ومناهج البحث ،من املوقع
االلكتروين:
https://www.new-educ.com
95
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
باألقمار الصناعية والشبكة العنكبوتية .هذا الانفجار املعرفي والتكنولوجي نجم عنه
العديد من التغيرات في كافة املجاالت ال سيما في املجال الاجتماعي أين نشهد تغيرا وانقالبا
في القيم والعالقات الاجتماعية.
ال يختلف اثنان في أن ثورة املعلومات التي يشهدها العالم آلان ،أحدثت -ومـا زالت تحدث -
طفرة هائلة في مختلف مجاالت املعرفة ،وانفجارها املتسارع ،حيث تضاعف حجم املعرفة،
لم تعد الثورة املعرفية محدودة زمانا ومكانا ،بل أصبحت مطلقة ،وفي حقيبة إلانسان،
لكننا نؤكد أنه ينبغي علينا أن نكون مساهمين في انتاج املعرفة ،وفي التحكم فيها وفي
تدفقها.
لقد قيل إن املعرفة قوة ،بل هي املصدر لكل قوة اجتماعية وثقافية واقتصادية ،من حيث
هي تشكل دافعا أساسيا لكل ألانشطة إلانسانية املختلفة .لذلك فإن مهمة التربية والتعليم
ليس فقط إعداد املتخصصين في املعرفة ،بل وأيضا الفاعلين في بناء صرح املعرفة،
والاستخدام ألافضل ملصادر املعلومات واملعرفة.
بشكل عام ،إن املستقبل هو مستقبل املعرفة والتكنولوجيات املختلفة ،لذلك يجب على
العمل التربوي مواكبة هذا الكم الهائل من الانفجار املعرفي والتكنولوجي واملعلوماتي،
واستخدام تلك ألاساليب التكنولوجية في العملية التعليمية ،من أجل أن تكون املدرسة –
مدرسة املستقبل – عصرية املعلومات وحديثة املناهج ،من أجل تحقيق القوة والتنمية.
96
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
من هنا كانت الحاجة إلى الاهتمام باملستقبل ،وينبغي أن يكون هذا الاهتمام مبنيا على
أسس علمية وليس مجرد تمنيات ،ذلك ألن استشراف املستقبل كفيل بأن يجعلنا نفكر في
البدائل التي من شانها أن تحقق لنا التنمية على كافة ألاصعدة ..على أن تكون املدرسة
والتربية مساهما فعاال في تحقيق هذه التنمية ،وال يتحقق ذلك إال إذا اندرجت املدرسة في
عملية التنمية الاجتماعية.
إن العمل التربوي هو عمل مستقبلي ،فنحن نقوم بتربية النشء على الصورة التي ينبغي أن
يكونوا عليها مستقبال ،وتتشارك هنا التربية بما هي تنشئة اجتماعية أو التربية بما هي
عملية تعليم وتعلم.
97
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
ُ ّ
من املسلم به ،أن إلانسان هو محور العملية التربوية (املربي واملتربي /املعلم واملتعلم) ،كما
يعد في آلان ذاته أساس العلمية التنموية ،ولذلك فإنه ال حديث عن التنمية في غياب ُّ
إلانسان الذي يصنعها ،إن إلانسان هو املعادلة ألاساسية في التنمية ألجل تحقيق النهضة،
التي تهدف باألساس إلى تلبية احتياجات الفراد ألاساسية.
إن املدرسة هي املؤسسة – أكثر من أية مؤسسات أخرى – املؤهلة لصناعة مجتمع
املستقبل ،من هنا كان لزاما على املدرسة املستقبلية إلاعداد ألامثل لإلنسان الذي يأخذ
على عاتقه صنع التنمية ،وعلى املدرسة املستقبلية الانخراط وبقوة في إلاسهام في كل عملية
تنموية ،ألامر الذي يستوجب على تربية املستقبل العمل على زيادة الارتباط بينها والتنمية.
إن استشراف عالقة التربية بالتنمية في وطننا العربي عامة ال يبعث على الاطمئنان ،وأن
ً
املستقبل ال يبشر بأي تفاؤل من الحاضر الذي نعيشه .إن املالحظ أن هناك خلال في
منظومتنا التربوية أدى إلى فلشها في إلاسهام في تحقيق التنمية ،بل يمكن القول أن هناك
تباعدا بين الفعل التربوي التعليمي والفعل التنموي ،جعل من املدرسة مؤسسة بعيدة عن
أي إسهام في العملية التنموية .والحقيقة أنه أصبح من الواضح أن أي تخطيط للتنمية في
غياب املدرسة والتربية ال ُي ُّ
عد تخطيطا متوازنا.
ومما ال شك فيه أن التنمية املستدامة ال يمكن تحقيقها من خالل التصنيع أو الاقتصاد
فحسب؛ بل نحن نحتاج فوق ذلك تغيير استراتيجية التفكير ،من خالل فرض نوعية تعلم
وتعليم على جميع مستويات العملية التعلمية من برامج ومناهج وأهداف ...الخ .ويتحقق
ذلك من خالل تحديد وصياغة فرص التعلم القائمة على احتياجات املجتمع املحلي من
خالل تطوير الكفاءات الالزمة لدعم تطوير النماذج املدرسية ومسارات التعلم املخصصة
التي يمكن إعادة صياغتها.
وأيضا بناء الشبكات الداعمة للتعلم القائم على الخدمات ،وتحقيق ألاثر املجتمعي من
خالل الربط بين مجموعات العمل والتعلم الطالبية بغية تطوير املهارات واملعارف
ألاساسية بمساعدة املؤسسات الباحثة عن حلول إبداعية.9
-9نقال عن ،مدارس املستقبل ،عدد فرباير ،7012وحدة جيمس للمعلومات ،7012 ،ص.74
98
التنمية والتربية املستقبلية
د.داود خليفة
خاتمة:
تعد مدخال هاما للتنمية وصيرورة تطور املجتمع ،وعلى إن التربية عملية حيوية ،وهي ُّ
مدرسة املستقبل من هنا ينبغي الاهتمام بالتربية وإعطاءها مكانتها التي تستحقها داخل
منظومة املجتمع .وبالتالي فكل منظومة تعليمية ال تنخرط في إلاسهام في العملية التنموية
هي بال شك منظومة بائسة ال تحقق الغاية املرجوة منها.
99