You are on page 1of 9

‫مجلـة سلسلة ألانوار‪ -‬جامعة وهران‪7‬‬

‫املجلد ‪ / 4‬الع ــدد ‪ 72_44 :‬ديسمبر ‪ ،7272‬ص ‪99 -94‬‬ ‫مخبرألانساق‪ ،‬البنيات‪ ،‬النماذج واملمارسات‬
‫مخبرالفلسفة وتاريخ الزمن الحاضر‬

‫التنمية والرتبية املستقبلية‬


‫‪Future development and education‬‬

‫د‪ .‬داود خليفة‬


‫جامعة حسيبة بن بوعلي‪ ،‬الشلف‬

‫امللخص‪:‬‬
‫مما ال شك فيه‪ ،‬أنه ال ميكن احلديث عن أي تنمية دون احلديث عن التربية اليت تنوط هبا املدرسة‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن املدرسة هي أساس كل تنمية داخل اجملتمع‪ ،‬من هنا جاء اهتمام الدول باملنظومة التربوية‬
‫وحماولة تطويرها مبا يواكب حتوالت العصر‪ ،‬هبدف أن تساهم العملية التربوية يف العمل التنموي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬التنمية‪ ،‬التربية‪ ،‬املستقبل‬

‫‪Summary:‬‬
‫‪Undoubtedly, he can not talk about any development without talking about‬‬
‫‪education, which Tnot the school, on the grounds that the school is the‬‬
‫‪foundation of all development within the community, hence the interest of‬‬
‫‪States in the educational system-and try to develop them in line with shifts era,‬‬
‫‪in order to contribute to the process Pedagogical in development work.‬‬
‫‪Key words: development, education, future‬‬

‫‪------------------‬‬
‫أستاذ حماضر قسم (أ)‪ ،daoudkhelifa@gmail.com ، ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪،‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تكتسب التربية أهميتها وضرورتها نظير ما تلعبه من دور بارز في حياة ألافراد واملجتمعات‪،‬‬
‫فاإلنسان من حيث هو فاعل في محيطه الاجتماعي ال يستطيع أن يلعب دوره ويحقق‬
‫فعاليته مالم يتعلم العديد من القيم واملهارات والقدرات‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أنه ال يمكن الحديث عن أي تنمية دون الحديث عن التربية التي تنوط بها‬
‫املدرسة‪ ،‬على اعتبار أن املدرسة هي أساس كل تنمية داخل املجتمع‪ ،‬من هنا جاء اهتمام‬
‫الدول باملنظومة التربوية ومحاولة تطويرها بما يواكب تحوالت العصر‪ ،‬بهدف أن تساهم‬
‫العملية التربوية في العمل التنموي‪.‬‬
‫وباعتبار السؤال الفلسفي سؤال مستقبلي؛ فإنه ينبغي أن يتجه السؤال إلى مستقبل‬
‫املدرسة وإمكانية اسهامها في تحقيق التنمية‪ .‬لذلك آثرنا جملة من إلاشكاليات جاءت على‬
‫النحو آلاتي‪ :‬كيف يمكن بناء مدرسة من شأنها أن تساهم في تحقيق التنمية؟ وماهي‬
‫العالقة التي ينبغي أن تكون بين املدرسة (التربية) املستقبلية والتنمية؟‬
‫‪ .4‬الفلسفة والتربية والتنمية‪:‬‬
‫تعتبر التربية كل ما يقدم للفرد من مساعدات شفهية أو حركية‪ ،‬لكي يتأهب لخوض معركة‬
‫الحياة‪ ،‬ويتخذ – هو بدوره – مواقف من شؤون الحياة‪ ...‬وهذه املواقف تصبح تملي‬
‫تصرفات ومواقف تعتبرها ثقافته مسائل ضرورية في الحياة‪ .1‬ومعنى هذا أن التربية تشير في‬
‫مجملها إلى كل حصيلة مكتسبة تساعد الفرد على املض ي قدما في الحياة‪ ،‬واتخاذ السلوكات‬
‫املناسبة ملختلف املواقف‪.‬‬
‫تعرف التربية في موسوعة الالند الفلسفية بالتهذيب والتأديب كما يتقابل مصطلح التربية‬
‫"‪ "éducation‬مع التعليم "‪ ،"Enseignement‬وقد عرف الالند التعليم بعملية توصيل‬

‫‪ -1‬أنظر إىل‪ :‬سالد بونواة‪ ،‬الرتبية والتعليم بني ما هو منشود والواقع اجلزائري‪ :‬اقرتاب أنثروبولوجي‬
‫وتارخيي ملفهوم الرتبية‪ ،‬جملة املواقف للبحوث والدراسات يف اجملتمع والتاريخ‪ ،‬العدد‪ ،7002 ،1‬ص‪.17‬‬

‫‪92‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫معارف لشخص ما‪ ،‬والتربية تقال بنحو خاص على تنمية العادات السلوكية والحياة‬
‫ألاخالقية بجملة معارف تكتسب بالدرس أو التعلم‪.2‬‬
‫ويستخدم الفيلسوف وعلم الاجتماع والابستيمولوجي الفرنس ي إدغار موران (‪)1391‬‬
‫مصطلحي التربية والتعليم بنفس املعنى؛ حيث تكون الغاية املرجوة منهما تنمية الكائن‬
‫البشري وتوجيهه إلى كل ما هو هادف للفرد واملجتمع‪ .3‬هناك إذن ارتباط بين مصطلح‬
‫التربية ومصطلح التدريس من حيث ارتباطهما في وحدة الغاية وهي الارتقاء بالفرد إلانساني‬
‫أخالقيا وسلوكيا وعمليا‪.‬‬
‫وتتقاطع الفلسفة بالتربية في ميدان "فلسفة التربية"؛ فبما أن الفلسفة على عالقة وثيقة‬
‫بالواقع املعيش بكل جوانبها‪ ،‬فإن التربية هي ناظم الحياة‪ ،‬وبما أن التربية هي تنمية أفراد‬
‫مجتمع معين وفق تصوره للحياة بكل جوانبها‪ ،‬كانت الفلسفة التي يؤمن بها املجتمع‬
‫والغايات التي يتجه صوبها‪ ،‬واملتطلبات التي يعمل لتحقيقها‪ ،‬هي التي تحدد مسارات هذا‬
‫النمو ومستوياته‪ ،‬ومادامت الفلسفة مرتبطة بشتى مجاالت الحياة في املجتمع فهي ‪ -‬بالتالي‬
‫‪ -‬ترتبط ارتباطا وثيقا بالتربية‪ .4‬وبهذا املعنى تكون فلسفة التربية وثبة نحو املستقبل أو رؤية‬
‫استشرافية للصورة التي ينبغي أن تكون عليها التربية‪.‬‬
‫ويعتبر ميدان فلسفة التربية من امليادين الحديثة في القرن العشرين‪ ،‬وإن كانت هناك‬
‫جذور بعيدة يمكن أن ترجع إلى أفالطون الذي يرى الكثير من مفكري التربية أنه صاحب‬
‫فلسفة تربوية متكاملة واضحة املعالم‪ ،‬حيث تتضح العالقة الوثيقة بين التربية والفلسفة‬
‫والسياسة واملجتمع‪.‬‬

‫‪ -2‬أندري الالند‪ ،‬املوسوعة الفلسفية‪ ،‬تر‪/‬خليل أمحد خليل‪ ،‬جملد ‪ ،4‬منشورات عويدات‪ ،‬ط‪ ،7‬بريوت‪،‬‬
‫‪ ،7001‬ص‪.277‬‬
‫‪ -3‬صورية لقاط زيتوين‪ ،‬ابستمولوجيا الرتكيب وفلسفة الرتبية عند إدغار موران‪ ،‬دار األيام للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن ‪ ،7012‬ص‪.22‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬املكان نفسه‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫كما تتقاطع التنمية مع الفلسفة في ميدان "فلسفة التنمية"؛ التي تحاول وضع ألاطر‬
‫النظرية أي القواعد وألاسس التي من شأنها أن تؤطر لعمليات تحول شامل منتظر في‬
‫ميادين مختلفة‪.‬‬
‫لكن ما يمكن إلاشارة إليه هو أن مفهوم التنمية تغير كثيرا في مدلوله منذ ألالفية الثالثة‪،‬‬
‫فلم تعد التنمية تعنى فقط بالجانب املادي الاقتصادي‪ ،‬بل وبالكرامة إلانسانية‪ ،‬أي أن‬
‫تحول من املال والاقتصاد إلى املشاركة في اتخاذ القرار وحرية الرأي والحق‬‫مؤشر التنمية ّ‬
‫جراء ذلك مفهوم جديد للتنمية هو "التنمية إلانسانية"‪.‬‬ ‫في الصحة وتعليم ناجع‪ ،‬فظهر ّ‬

‫‪ .7‬ملاذا مدرسة (تربية) املستقبل‬


‫ُس ِئل ألبرت إينشتاين (‪ )A. Einstein 1311 – 1783‬ذات مرة ملاذا تهتم باملستقبل؟‬
‫فأجاب‪ :‬ببساطة‪ ،‬ألنني ذاهب إلى هناك؟‬
‫السؤال هنا‪ :‬إذا كان املستقبل أمامنا حتميا؛ فعلى أية صورة ينبغي أن يكون عليها‬
‫مستقبلنا؟ وأي حد يكون لنا مجاال الختيار مستقبلنا؟‪.‬‬
‫من املسلم به أن مستقبل إلانسان لن يكون مسارا مرسوما سلفا‪ ،‬وإنما يكون نتيجة عمله‬
‫وثمرة جهده؛ مادام قادرا على استخدام ما في متناول يده من وسائل‪ ،‬فاإلنسان قادرا على‬
‫ّ‬ ‫خلق مستقبله مادام ّ‬
‫مزودا بطاقة خالقة‪ ،‬وهذا يعني أن املستقبل هو من إبداعات‬
‫إلانسان وصنعه‪ ،‬من هنا نستطيع القول إنه قد يكون هناك قصورا في معرفة املستقبل‪،‬‬
‫ولكننا على ألاقل نمتلك إمكانية صناعته انطالقا من الحاضر‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أن التفكير في املستقبل ووضع التصورات له ليس بالش يء الجديد‪ ،‬ذلك أن‬
‫دراسة املستقبل‪ ،‬أو ما أصبح يعرف بـ"الدراسات املستقبلية" من الدراسات الاستشرافية‬
‫الهامة واملعترف بها‪ ،‬وهي من الحقول املعرفية الجديدة التي ظهرت في الستينيات القرن‬
‫املاض ي‪ ،‬ورغم حداثتها إال أن هناك تزايدا في أعداد العلماء والباحثين واملشتغلين‬
‫بالدراسات املستقبلية في الجامعات ومراكز البحوث املختلفة‪ ،‬علما أننا ال نكاد نجد أي‬
‫اهتمام بهذه الدراسات في العالم العربي‪ ،‬ولربما يعود ذلك – في رأينا – إلى أننا أمة تعيش‬
‫على ذكريات املاض ي أكثر مما تعيش على آمال املستقبل‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫يمكن اعتبار الدراسات املستقبلية مجاال معرفيا أوسع من العلم‪ ،‬يستند هذا املجال‬
‫املعرفي على أربعة عناصر رئيسية‪ ،‬نذكر بعضها‪ :5‬أنها الدراسات التي تركز على استخدام‬
‫الطرق العلمية في دراسة الظواهر الخفية‪ .‬وهي أوسع من حدود العلم‪ ،‬فيه تتضمن‬
‫املساهمات الفلسفية والفنية جنبا إلى جنب مع الجهود العلمية‪ .‬وأخيرا أنها تلك الدراسات‬
‫التي تتناول املستقبل في آجال زمنية تتراوح بني ‪ 1‬سنوات و‪ 15‬سنة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ويمكن إلاشارة إلى أهمية الدراسات املستقبلية من خالل ذكر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬إن الدراسات املستقبلية تحاول رسم خريطة شاملة للمستقبل‪ ،‬وبلورة الخيارات املمكنة‬
‫واملتاحة وترشيد عمليات املفاضلة بينها‪ ،‬بإخضاع كل الخيارات للدراسة والفحص‪...‬‬
‫باإلضافة إلى التنبؤ باألزمات قبل وقوعها‪ ،‬مما يساعدنا على التعامل معها والاستعداد‬
‫ملواجهتها‪.‬‬

‫‪ .3‬عالقة التربية باملستقبل‪.‬‬


‫تعرف عملية استشراف مستقبل التربية‪ ،‬ب ـ«أنها مجموعة املبادئ وألاسس واملمارسات‬ ‫ّ‬
‫والعمليات التي يتم بموجبها مواءمة ألانظمة التربوية والتعليمية لتستجيب بكفاءة وفعالية‬
‫‪7‬‬
‫ملتطلبات (العوملة) وتحدياتها السياسية والاقتصادية والتقنية والحضارية»‬
‫إن العالم يشهد‪ ،‬وسيشهد ثورات في الاتصاالت وتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬أدت وستؤدي ‪-‬‬
‫بكل تأكيد – إلى تغيير طبيعة وسائل إلاعالم العاملية وانتشار املعلومات‪ ،‬من خالل البث‬

‫‪ - 5‬حممد إبراهيم منصور‪ ،‬توطني الدراسات املستقبلية يف الثقافة العربية‪ :‬األهمية والصعوبات والشروط‪،‬‬
‫جملة أوراق‪ ،‬العدد‪ ،70‬وحدة الدراسات املستقبلية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،7012 ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ -6‬نقال عن‪ :‬حممد إبراهيم منصور‪ ،‬توطني الدراسات املستقبلية يف الثقافة العربية‪ :‬األهمية والصعوبات‬
‫والشروط‪ ،‬جملة أوراق‪ ،‬العدد‪ ،70‬وحدة الدراسات املستقبلية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،7012 ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ -7‬نقال عن‪ :‬د‪ .‬عبد املقصود سامل جعفر‪ ،‬تربية املستقبل‪ :‬املفهوم واألهمية ومناهج البحث‪ ،‬من املوقع‬
‫االلكتروين‪:‬‬
‫‪https://www.new-educ.com‬‬

‫‪95‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫باألقمار الصناعية والشبكة العنكبوتية‪ .‬هذا الانفجار املعرفي والتكنولوجي نجم عنه‬
‫العديد من التغيرات في كافة املجاالت ال سيما في املجال الاجتماعي أين نشهد تغيرا وانقالبا‬
‫في القيم والعالقات الاجتماعية‪.‬‬
‫ال يختلف اثنان في أن ثورة املعلومات التي يشهدها العالم آلان‪ ،‬أحدثت ‪ -‬ومـا زالت تحدث ‪-‬‬
‫طفرة هائلة في مختلف مجاالت املعرفة‪ ،‬وانفجارها املتسارع‪ ،‬حيث تضاعف حجم املعرفة‪،‬‬
‫لم تعد الثورة املعرفية محدودة زمانا ومكانا‪ ،‬بل أصبحت مطلقة‪ ،‬وفي حقيبة إلانسان‪،‬‬
‫لكننا نؤكد أنه ينبغي علينا أن نكون مساهمين في انتاج املعرفة‪ ،‬وفي التحكم فيها وفي‬
‫تدفقها‪.‬‬
‫لقد قيل إن املعرفة قوة‪ ،‬بل هي املصدر لكل قوة اجتماعية وثقافية واقتصادية‪ ،‬من حيث‬
‫هي تشكل دافعا أساسيا لكل ألانشطة إلانسانية املختلفة‪ .‬لذلك فإن مهمة التربية والتعليم‬
‫ليس فقط إعداد املتخصصين في املعرفة‪ ،‬بل وأيضا الفاعلين في بناء صرح املعرفة‪،‬‬
‫والاستخدام ألافضل ملصادر املعلومات واملعرفة‪.‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬إن املستقبل هو مستقبل املعرفة والتكنولوجيات املختلفة‪ ،‬لذلك يجب على‬
‫العمل التربوي مواكبة هذا الكم الهائل من الانفجار املعرفي والتكنولوجي واملعلوماتي‪،‬‬
‫واستخدام تلك ألاساليب التكنولوجية في العملية التعليمية‪ ،‬من أجل أن تكون املدرسة –‬
‫مدرسة املستقبل – عصرية املعلومات وحديثة املناهج‪ ،‬من أجل تحقيق القوة والتنمية‪.‬‬

‫‪ .4‬مهام التربية املستقبلية‪:‬‬


‫ً‬
‫لزاما على التربية والتعليم مستقبال أن يعمال على إعداد جيل قادر على التعامل مع هذه‬
‫التغيرات‪ ،‬ألن كل تربية وتعليم منعزل عن املجتمع وما يحدث فيه من تغيرات بالضرورة‬
‫تربية عقيمة وتعليم ال طائل من وراءه‪ .‬ذلك أن التربية ال تتصف بالفعالية ما لم تكن قادرة‬
‫على تعميق الصلة بين املجتمع وأفراده‪ ،‬وقادرة – في نفس الوقت – على إحداث تنمية‬
‫شاملة في عالم متغير‪ ،‬يتطلب هذا ألامر من منظومة التربية والتعليم أن يغيرا فلسفتهما‬
‫ومناهجهما‪ ،‬ملواكبة للتطورات والتغيرات‪ ،‬وملواجهة هذه التحديات‪ ،‬ألن حركية املجتمع‬
‫وتطوره وتغيره يستلزم أن يواكبه تغير في العمل التربوي والتعليمي‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫من هنا كانت الحاجة إلى الاهتمام باملستقبل‪ ،‬وينبغي أن يكون هذا الاهتمام مبنيا على‬
‫أسس علمية وليس مجرد تمنيات‪ ،‬ذلك ألن استشراف املستقبل كفيل بأن يجعلنا نفكر في‬
‫البدائل التي من شانها أن تحقق لنا التنمية على كافة ألاصعدة‪ ..‬على أن تكون املدرسة‬
‫والتربية مساهما فعاال في تحقيق هذه التنمية‪ ،‬وال يتحقق ذلك إال إذا اندرجت املدرسة في‬
‫عملية التنمية الاجتماعية‪.‬‬
‫إن العمل التربوي هو عمل مستقبلي‪ ،‬فنحن نقوم بتربية النشء على الصورة التي ينبغي أن‬
‫يكونوا عليها مستقبال‪ ،‬وتتشارك هنا التربية بما هي تنشئة اجتماعية أو التربية بما هي‬
‫عملية تعليم وتعلم‪.‬‬

‫‪ .1‬املدرسة املستقبلية والتنمية‬


‫يقصد بمدرسة املستقبل تلك املدرسة املنفتحة على الجديد من املعارف واملعلومات‪ ،‬والتي‬
‫تساير مستجدات العوملة‪ ،‬وتواكب التغيرات السريعة التي تحدث في العالم‪ .‬لذلك تهدف‬
‫مدرسة املستقبل إلى تطبيق املرونة في بناء املنظومة التربوية‪ ،‬والتركيز على التعلم الذاتي‪،‬‬
‫وتجديد طرائق العمل تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما ومراقبة‪ ،‬مع ألاخذ باملعلوميات‬
‫والتكنولوجيا املعاصرة‪ ،‬وإعداد متعلم كفء قادر على توظيف موارده ومهاراته وخبراته‬
‫توظيفا جيدا‪ ،‬حيث يدمجها في وضعيات جديدة معقدة ومركبة‪ .‬وينضاف إلى ذلك‪ ،‬أن‬
‫مدرسة املستقبل هي مدرسة جديدة وحداثية‪ ،‬تسعى إلى تحفيز املدرسين معنويا‪،‬‬
‫وتشجيعهم ماديا وماليا‪ ،‬وتكوينهم تكوينا جيدا على أساس التكوين املستمر لتحقيق‬
‫التنمية الشاملة واملستمرة‪ ،‬بله عن تطوير املناهج واملحتويات وطرائق التدريس ووسائل‬
‫إلايضاح وأدوات التقويم واملراقبة والتصحيح‪ .‬كما تعمل هذه املدرسة على الجمع بين‬
‫ألاصالة واملعاصرة‪ ،‬وإلاقبال على التغيير والتجديد والتحديث‪ ،‬مهما كان نوع هذا الجديد‬
‫أو طبيعته أو مصدره‪.8‬‬

‫‪ -8‬مجيل محداوي‪ ،‬نظرية مدرسة املستقبل‪ ،‬مقال إلكتروين‪https://www.nador24.com :‬‬

‫‪97‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫ُ‬ ‫ّ‬
‫من املسلم به‪ ،‬أن إلانسان هو محور العملية التربوية (املربي واملتربي ‪ /‬املعلم واملتعلم)‪ ،‬كما‬
‫يعد في آلان ذاته أساس العلمية التنموية‪ ،‬ولذلك فإنه ال حديث عن التنمية في غياب‬ ‫ُّ‬
‫إلانسان الذي يصنعها‪ ،‬إن إلانسان هو املعادلة ألاساسية في التنمية ألجل تحقيق النهضة‪،‬‬
‫التي تهدف باألساس إلى تلبية احتياجات الفراد ألاساسية‪.‬‬
‫إن املدرسة هي املؤسسة – أكثر من أية مؤسسات أخرى – املؤهلة لصناعة مجتمع‬
‫املستقبل‪ ،‬من هنا كان لزاما على املدرسة املستقبلية إلاعداد ألامثل لإلنسان الذي يأخذ‬
‫على عاتقه صنع التنمية‪ ،‬وعلى املدرسة املستقبلية الانخراط وبقوة في إلاسهام في كل عملية‬
‫تنموية‪ ،‬ألامر الذي يستوجب على تربية املستقبل العمل على زيادة الارتباط بينها والتنمية‪.‬‬
‫إن استشراف عالقة التربية بالتنمية في وطننا العربي عامة ال يبعث على الاطمئنان‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫املستقبل ال يبشر بأي تفاؤل من الحاضر الذي نعيشه‪ .‬إن املالحظ أن هناك خلال في‬
‫منظومتنا التربوية أدى إلى فلشها في إلاسهام في تحقيق التنمية‪ ،‬بل يمكن القول أن هناك‬
‫تباعدا بين الفعل التربوي التعليمي والفعل التنموي‪ ،‬جعل من املدرسة مؤسسة بعيدة عن‬
‫أي إسهام في العملية التنموية‪ .‬والحقيقة أنه أصبح من الواضح أن أي تخطيط للتنمية في‬
‫غياب املدرسة والتربية ال ُي ُّ‬
‫عد تخطيطا متوازنا‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن التنمية املستدامة ال يمكن تحقيقها من خالل التصنيع أو الاقتصاد‬
‫فحسب؛ بل نحن نحتاج فوق ذلك تغيير استراتيجية التفكير‪ ،‬من خالل فرض نوعية تعلم‬
‫وتعليم على جميع مستويات العملية التعلمية من برامج ومناهج وأهداف‪ ...‬الخ‪ .‬ويتحقق‬
‫ذلك من خالل تحديد وصياغة فرص التعلم القائمة على احتياجات املجتمع املحلي من‬
‫خالل تطوير الكفاءات الالزمة لدعم تطوير النماذج املدرسية ومسارات التعلم املخصصة‬
‫التي يمكن إعادة صياغتها‪.‬‬
‫وأيضا بناء الشبكات الداعمة للتعلم القائم على الخدمات‪ ،‬وتحقيق ألاثر املجتمعي من‬
‫خالل الربط بين مجموعات العمل والتعلم الطالبية بغية تطوير املهارات واملعارف‬
‫ألاساسية بمساعدة املؤسسات الباحثة عن حلول إبداعية‪.9‬‬

‫‪ -9‬نقال عن‪ ،‬مدارس املستقبل‪ ،‬عدد فرباير ‪ ،7012‬وحدة جيمس للمعلومات‪ ،7012 ،‬ص‪.74‬‬

‫‪98‬‬
‫التنمية والتربية املستقبلية‬
‫د‪.‬داود خليفة‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫تعد مدخال هاما للتنمية وصيرورة تطور املجتمع‪ ،‬وعلى‬ ‫إن التربية عملية حيوية‪ ،‬وهي ُّ‬
‫مدرسة املستقبل من هنا ينبغي الاهتمام بالتربية وإعطاءها مكانتها التي تستحقها داخل‬
‫منظومة املجتمع‪ .‬وبالتالي فكل منظومة تعليمية ال تنخرط في إلاسهام في العملية التنموية‬
‫هي بال شك منظومة بائسة ال تحقق الغاية املرجوة منها‪.‬‬

‫‪99‬‬

You might also like