You are on page 1of 1446

‫السرية النبوية‬

‫‪1‬‬
‫حقوق الطبع والتصوير حمفوظة‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪ 1425‬هـ ‪ 2004‬م‬

‫‪2‬‬
‫السرية النبوية‬
‫عرض وقائع وحتليل أحداث‬
‫(دروس وعرب)‬
‫أتليف‬
‫حممد الصاليب‬
‫حممد َّ‬‫د‪ .‬علي َّ‬

‫‪3‬‬

4
‫ُم َق ِّدمة‬
‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده‪ ،‬ونس ـ ــتعينت‪ ،‬ونس ـ ــت فره ونعوذ ابهلل من ش ـ ــرور أنفس ـ ــنا‪ ،‬ومن ـ ــيئات‬ ‫َّ‬
‫هادأ لت‪ ،‬وأش ــهد أن ح إلت إح هللا وحده‬ ‫أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مض ـ َّـل لت‪ ،‬ومن يض ــلل فال ش‬
‫حممداً عبده ور ولت‪.‬‬ ‫أن َّ‬ ‫ح شريك لت‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫ن ﴾ [آل عمران‪]102 :‬‬ ‫اَّللش شح َّق تـ شقاتِِت شوحش شَتوت َّن إِحَّ شوأشنْـت ْم م ْسلِمو ش‬ ‫ين شآمنوا اتـَّقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ش‬
‫ث ِمْنـه شما‬ ‫اح شدةٍ شو شخلش شق ِمْنـ شها شزْو شج شها شوبش َّ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها النَّاس اتـَّقوا شربَّكم ا لذأ شخلش شقك ْم م ْن نشـ ْف ٍ ش‬ ‫ش‬
‫علشْيكم رقِيبا ﴾[النساء‪] 1:‬‬ ‫اَّللش الَّ ِذأ تش شساءشلو شن بِِت شواأل ْشر شحا شم إِ َّن َّ‬ ‫ِر شجاحً شكثِ ًريا شونِ شساءً شواتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش شكا شن ش ْ ش ً‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلِ ْ لشك ْم أ ْشع شمالشك ْم شويشـ ْ ِف ْر لشك ْم‬
‫يدا ۝ ي ْ‬ ‫اَّللش شوقولوا قشـ ْوحً ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِد ً‬
‫ين شآمنوا اتـَّقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ش‬
‫يما ﴾ [األحزاب‪. ]71 - 70 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ذنوبشك ْم شوشم ْن ي ِط ْع َّ‬
‫اَّللش شوشر ولشت فشـ شق ْد فش شاز فشـ ْوًزا شعظ ً‬
‫رب! لك احلمد كما ينب ي جلالل وجهك‪ ،‬وعظيم ـ ــلطانك‪ .‬لك احلمد حض تر ـ ـ ‪،‬‬ ‫َي ِ‬
‫ولك احلمد إذا ر يت‪ ،‬ولك احلمد بعد ِ‬
‫الر ا‪.‬‬
‫َّأما بعد‪:‬‬
‫ألها‬‫حتقق عدَّة أهدا ٍ من ِ‬ ‫لكل مسـ ـ ـ ــل ٍم‪ ،‬فهي ِ‬ ‫أليَّتها ِ‬ ‫إن درا ـ ـ ـ ــة ايدأ النبوأ يا ِ‬‫َّ‬
‫احقتداء بر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم من خالل معرفة ش ــهصـ ـيَّتت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬
‫نميها‪،‬‬ ‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وت ِ‬
‫وأعمالت‪ ،‬وأقوالت‪ ،‬وتقريراتت‪ ،‬وتكس ـ ـ ـ اَّس ـ ـ ــلم حمبَّة َّ‬
‫ص ـ ـ ـلابة الكرام‪ ،‬الذين جاهدوا مع ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬ ‫وتباركها‪ ،‬وتعرفت حبياة ال َّ‬
‫أن ال ِسـرية النَّبويَّة تو ـ‬
‫الدرا ــة َّبَّتهم‪ ،‬وال َّسـري عل ‪ ،‬هم‪ ،‬واتباي ــبيلهم‪ ،‬كما َّ‬ ‫فتدعوه تلك ِ‬
‫للمسلم حياة الر ول هللال هللا عليت و لم بدقائقها‪ ،‬وتفاهللايلها منذ وحدتت وحض موتت‪ ،‬مروراً‬
‫عدوه وتظ ِهر بو ـ ـ ــو ٍ أنَّت كان‬‫ِ‬ ‫بطفولتت‪ ،‬وش ـ ـ ــبابت‪ ،‬ودعوتت‪ ،‬وجهاده‪ ،‬وهللا ـ ـ ــربه‪ ،‬وانتص ـ ـ ــاره عل‬
‫شزْوجاً‪ ،‬وأابً‪ ،‬وقائداً‪ ،‬وحمارابً‪ ،‬وحاكماً‪ ،‬و ـ ــيا ـ ــيا‪ ،‬ومشربِياً‪ ،‬وداعيةً‪ ،‬وزاهداً‪ ،‬وقا ـ ــياً‪ ،‬وعل هذا‬
‫فكل مسلم جيد ب يتت فيها(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫فالدَّاعية جيد لت يف ـ ـ ــرية ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أ ـ ـ ــالي الدَّعوة‪ ،‬ومراحلها‬
‫مرحلة من مراحلها‪ ،‬فيس ــتفيد منها يف اتص ــالت‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ويتعر عل الو ــائل اَّنا ــبة ِ‬ ‫اَّتس ــلس ــلة‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النبويَّة درا ة وحتليل ‪ ،‬د‪ .‬حممد أبو فارس ‪ ،‬ص (‪.)50‬‬
‫‪5‬‬
‫ابلنَّاس‪ ،‬ودعوهتم لإل ــالم‪ ،‬ويســت ــعر اجلهد العظيم الَّذأ بذلت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫َّصر أمام العوائق‪ ،‬والعقبات‪ ،‬والصعوابت‪ ،‬وما هو اَّوقف‬ ‫من أجل إعالء كلمة هللا‪ ،‬وكيفية الت ُّ‬
‫الصلي أمام ال َّدائد‪ ،‬والفنت‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وجيد ِ‬
‫اَّريب يف ــريتت هللا ــل هللا عليت و ــلم درو ـ ـاً نبويـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً يف ال َّ بية‪ ،‬والتأثري عل النَّاس‬
‫عام‪ ،‬وعل أهللاـ ـ ـ ــلابت الَّذين رَّابهم عل يده‪ ،‬وك هم بعنايتت‪ ،‬فأخرً منهم جيالً قرآنياً‬ ‫ـكل ٍ‬ ‫ب ــــ ٍ‬
‫أمة أخرجت للنَّاس أتمر ابَّعرو ‪ ،‬وتنه عن اَّنكر‪ ،‬وتؤمن‬ ‫كون منهم َّأمةً هي خري ٍ‬ ‫فريداً‪ ،‬و َّ‬
‫ابهلل‪ ،‬وأقام هبم دولةً ن رت العدل يف م ارق األرض وم ارهبا‪.‬‬
‫وجيد القائد اَّارب يف ــريتت هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم نظاماً حمكماً‪ ،‬ومنه اً دقيقاً يف فنون‬
‫األمة‪ ،‬في د جاذً يف التهطيا وا ــلةً‪ ،‬ودقَّة يف التنفيذ‬ ‫قيادة اجليوش‪ ،‬والقبائل‪ ،‬وال ــعوب‪ ،‬و َّ‬
‫بيِنةً‪ ،‬وحرهللاـ ـ ـ ـاً عل دس ـ ـ ــيد مباد ء العدل‪ ،‬وإقامة قواعد ال ُّ ـ ـ ـ ـور ب اجلند واألمراء‪ ،‬و َّ‬
‫الراعي‬
‫الرعيَّة‪.‬‬
‫و َّ‬
‫أشد خصومت السيا ي‬ ‫السيا ي كيف كان هللال هللا عليت و لم يتعامل مع ِ‬ ‫ويتعلَّم منها ِ‬
‫ُّ‬
‫أيب بن ـ ـ ـ ـ ـ ــلول‪ ،‬الذأ أظهر ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وأبطن الكفر‪،‬‬ ‫اَّنلرف ‪ ،‬كرئيس اَّنافق عبد هللا بن ِ‬
‫والب ض لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وكيف كان يك اَّؤامرات‪ ،‬وين ــر الشــاعات اليت‬
‫تسيء إىل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ل عافت‪ ،‬وتنفري النَّاس منت‪ ،‬وكيف عاملت ر ول هللا‬
‫حض ظهرت حقيقتت للناس فنبذوه يعاً‪،‬‬ ‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وهللا ـ ــرب عليت‪ ،‬وعل حقده‪َّ ،‬‬
‫التفوا حول قيادة الن ِب هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬ ‫حض أقرب الناس إليت‪ ،‬وكرهوه‪ ،‬و ُّ‬
‫أل‪،‬ا هي اَّف ِس ـ ـ ـ ـرة للقرآن الكر يف‬
‫وجيد العلماء فيها ما يعينهم عل فهم كتاب هللا تعاىل َّ‬
‫اجلــان ـ العملي‪ ،‬ففيهــا أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــاب النايول‪ ،‬وتفس ـ ـ ـ ـ ـ ــري لكثري من ا َيت‪ ،‬فتعينهم عل فهمهــا‪،‬‬
‫السيا ة ال َّرعيَّة‪،‬‬‫واح تنباط منها‪ ،‬ومعاي ة أحداثها‪ ،‬فيستهرجون أحكامها ال َّرعيَّة‪ ،‬وأهللاول ِ‬
‫و ص ـ ـ ـ ــلون منها عل اَّعار الص ـ ـ ـ ــليلة يف علوم ال ـ ـ ـ ــالم اَّهتلفة‪ ،‬وهبا يدركون النا ـ ـ ـ ـ ـ ‪،‬‬
‫يتذوقون رو ال ــالم‪ ،‬ومقاهللاــده الســامية‪ .‬وجيد فيها‬ ‫واَّنســو ‪ ،‬و ري ذلك من العلوم‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫الايهد‪ ،‬وحقيقتت‪ ،‬ومقص ـ ـ ـ ــده‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ــتقي منها التُّ ار مقاهللا ـ ـ ـ ــد الت ارة‪ ،‬وأنظمتها‪،‬‬
‫الايهاد معاين ُّ‬
‫ُّ‬
‫صـرب والثَّبات‪ ،‬فتقو عايائمهم عل الســري يف طريق‬ ‫اَّبتلون أمس درجات ال َّ‬ ‫وطرقها‪ ،‬ويتعلَّم منها ْ‬

‫‪6‬‬
‫أبن العاقبة لِلمتَّق (‪.)1‬‬ ‫عاي وجل ‪ -‬ويوقنون َّ‬ ‫دعوة ال الم‪ ،‬وتعظم ثقتهم ابهلل ‪َّ -‬‬
‫الرفيع ــة‪ ،‬واألخالق احلمي ــدة‪ ،‬والعق ــائ ــد ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليم ــة‪ ،‬والعب ــادة‬ ‫وتتعلَّم منه ــا األ َّمـ ـة ا داب َّ‬
‫الرو ‪ ،‬وطهارة القل ‪ ،‬وح َّ اجلهاد يف ــبيل هللا‪ ،‬وطل ال ــهاد يف ــبيلت‪،‬‬ ‫ومسو ُّ‬
‫الصــليلة‪َّ ،‬‬
‫علي بن احلســن «كنا نـ شعلَّم م ازأ النب هللاــل هللا عليت و ــلم كما نـ شعلَّم ال ُّس ـورة من‬ ‫ويذا قال ُّ‬
‫هرأ يقول «يف علم‬ ‫الاي َّ‬ ‫عمي ُّ‬ ‫ـدأ مسعـت حم َّمـد بن عبـد هللا يقول مسعـت ِ‬ ‫القرآن»‪ ،‬وقـال الواق ُّ‬
‫اَّ ازأ علم ا خرة والدُّنيا»‪.‬‬
‫حممد بن ــعد بن أيب وقاص «كان أيب يعلِمنا م ازأ ر ــول هللا هللا ـل‬ ‫وقال إمساعيل بن َّ‬
‫هللا عليت و لم‪ ،‬يعدُّها علينا‪ ،‬ويقول هذه مآثر آابئكم‪ ،‬فال تضيِعوا ذكرها»(‪.)2‬‬
‫األمة وإقامة الدَّولة‪ ،‬يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعد العلماء والقادة والفقهاء‬ ‫إن درا ـ ـ ـ ـ ـ ــة ايدأ ِ‬
‫النبوأ يف تربية َّ‬ ‫َّ‬
‫عاي ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم واَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬من خالل معرفة عوامل النهوض‪،‬‬ ‫واحلكام عل معرفة الطريق إىل ِ‬
‫َّب هللاـل هللا عليت و ـلم يف تربية األفراد‪ ،‬وبناء اجلماعة‬ ‫ويتعرفون عل فقت الن ِ‬
‫وأ ـباب ال ُّسـقوط‪َّ ،‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف‬ ‫اَّس ـ ـ ـ ــلمة‪ ،‬وإحياء ااتمع‪ ،‬وإقامة َّ‬
‫الدولة‪ ،‬فري اَّس ـ ـ ـ ــلم حركة الن ِ‬
‫مر هبا‪ ،‬وقدرتت عل مواجهة أ ــالي اَّ ــرك يف حماربة الدَّعوة‪ ،‬وهطيطت‬ ‫الدَّعوة‪ ،‬واَّراحل الَّيت َّ‬
‫الدَّقيق يف اي رة إىل احلب ـ ــة‪ ،‬وحماولتت إقناي أهل الطائف ابلدَّعوة‪ ،‬وعر ـ ــت يا عل القبائل يف‬
‫اَّوا م‪ ،‬وتدرجت يف دعوة األنصار‪ ،‬مثَّ ه رتت اَّباركة إىل اَّدينة‪.‬‬
‫إن من أت َّمـل حـادثـة اي رة‪ ،‬ورأ دقَّـة التَّهطيا‪ ،‬ودقَّـة التنفيـذ‪ ،‬من ابتـدائهـا إىل انتهـائهـا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل‬
‫أن التهطيا اَّس ـ ــدَّد ابلوحي يف حياة َّ‬ ‫مقدماهتا إىل ما جر بعدها‪ ،‬يدرك َّ‬ ‫ومن ِ‬
‫كل ما‬ ‫اليي يف ِ‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم قائم‪ ،‬وأن التهطيا جايء من ال ُّس ـ ـ ـ ـنَّة‪ ،‬وهو جايء من التَّكليف ِ‬
‫طول بت اَّ ْسلم‪.‬‬
‫ص ـراي‪ ،‬والرباعة يف إدارة كل مرحلة‪ ،‬ويف‬ ‫كل فنون إدارة ال ِ‬ ‫إن اَّســلم يتعلَّم من اَّنهاً ِ‬
‫النبوأ َّ‬ ‫َّ‬
‫ـادة من اليهود‪ ،‬واَّنافق ‪ ،‬والكفار‪،‬‬ ‫احنتقال من مس ـ ـ ـ ـ ــتو إىل آخر‪ ،‬وكيف واجت القو اَّض ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫والنَّصــار ‪ ،‬وكيف ت لَّ عليها كلها بســب توفيق هللا تعاىل‪ ،‬واحلتايام ب ــروط النَّصــر‪ ،‬وأ ــبابت‪،‬‬
‫وجل يف كتابت الكر ‪.‬‬ ‫الَّيت أرشد إليها اَّوىل َّ‬
‫عاي َّ‬

‫(‪ )1‬انظر مدخل لدرا ة ِ‬


‫السرية ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪ ،‬ص (‪.)14‬‬
‫(‪ )2‬انظر البداية والنهاية (‪.)242/2‬‬
‫‪7‬‬
‫وعايهتا‪ ،‬وحتكيم شـ ـ ـ ـ ـ ــري رِهبا‬ ‫األمة‪ ،‬وإعادة جمدها‪َّ ،‬‬ ‫إن قناعيت را ـ ـ ـ ـ ـ ــهة يف أن التمك يذه َّ‬ ‫َّ‬
‫ول فشَِ ْن تشـ شولَّْوا فشََِّجشا شعلشْي ِت شما‬
‫الر ـ ـ ـ ش‬
‫شطيعوا َّ‬‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّبوأ‪ .‬قال تعاىل ﴿ق ْل أشطيعوا َّش ش‬ ‫منوط مبتابعة ايدأ الن ِ‬
‫ول إِحَّ الْبشالشغ الْمبِ ﴾ [النور‪. ]54 :‬‬ ‫ح ْلتم وإِ ْن ت ِطيعوه شهتْتشدوا وما شعلش الَّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شش‬ ‫ح شل شو شعلشْيك ْم شما ْ ش‬
‫النب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقد‬ ‫أن طريق التَّمك يف متابعة ِ‬ ‫فقد بيَّنت ا ية الكرمية َّ‬
‫ين‬ ‫جاءت ا َيت الَّيت بعدها تتلدَّث عن التمك ‪ ،‬وتو ِ ـ ش ــروطت قال تعاىل ﴿وع شد َّ َّ ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫شش‬
‫ين ِم ْن قشـْبلِ ِه ْم شولشي شم ِكنش َّن‬ ‫ض شكما ا ـتهلش َّ ِ‬
‫ف الذ ش‬
‫ِ‬
‫صـاحلشات لشيش ْسـتش ْهل شفنـَّه ْم ِيف األ ْشر ِ ش ْ ش ْ ش‬
‫آمنوا ِمْنكم وع ِملوا ال َّ ِ ِ‬
‫ْ شش‬ ‫ش‬
‫ض ـ ـ شي ْم شولشيـبش ِدلشنـَّه ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شخ ْوفِ ِه ْم أ ْشمناً يشـ ْعبدونشِ حش ي ْ ـ ـ ِركو شن ِيب شش ـ ـْيـئًا شوشم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شي ْم دينشـهم الَّذأ ْارتش ش‬
‫ول لش شعلَّك ْم‬ ‫الايشكاةش شوأش ِطيعوا َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ش‬ ‫ك هم الْ شفا ِ ـ ـ ـقو شن ۝ شوأشقِيموا ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـالشةش شوآتوا َّ‬ ‫ك فشأولشئِ ش‬
‫ِ‬
‫شك شفشر بشـ ْع شد ذشل ش‬
‫تـ ْر شحو شن﴾ [النور‪. ]56 ،55 :‬‬
‫وقد قام ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وأهللا ـ ــلابت بتلقيق ش ـ ــروط التمك ‪ ،‬فلقَّقوا‬
‫كل أنواي‬ ‫بكل أنواعت‪ ،‬وحرهللاـ ـوا عل ِ‬ ‫صـ ـاأ ِ‬ ‫كل معانيت‪ ،‬و يع أركانت‪ ،‬ومار ـ ـوا العمل ال َّ‬ ‫الميان ب ِ‬
‫كل ش ـ ـ ــؤون حياهتم‪ ،‬وحاربوا ال ِ ـ ـ ـ ـرك ِ‬
‫بكل‬ ‫الرب‪ ،‬وعبدوا هللا عبوديةً ش ـ ـ ــاملةً يف ِ‬ ‫اخلري‪ ،‬وهللا ـ ـ ــنو ِ‬
‫اَّاديَّة واَّعنوية عل مس ـ ـ ـ ـ ــتو األفراد‬ ‫ِ‬ ‫أش ـ ـ ـ ـ ــكالت‪ ،‬وأنواعت‪ ،‬وخفاَيه‪ ،‬وأخذوا أب ـ ـ ـ ـ ــباب التمك‬
‫واجلماعة‪ ،‬حض أقاموا دولتهم يف اَّدينة‪ ،‬ومن شمثَّ ن روا دين هللا ب ال ُّعوب واألمم‪.‬‬
‫لقوم نشسوا‬ ‫إن أتخر اَّسلم الي ـ ـ ـ ـ ــوم عن القي ـ ـ ـ ـ ــادة العاَّية ل عوب األرض نتي ة منطقيَّ ـ ـ ـ ـ ــة ٍ‬ ‫َّ‬
‫هائل من األوهام يف جمال العلم‪ ،‬والعمل‬ ‫كام ٍ‬ ‫ر التهم‪ ،‬وحطُّوا من مكانتها‪ ،‬وشـ ـ ـ ـ ــابوا معد‪،‬ـ ـ ـ ـ ــا بر ٍ‬
‫أن التَّمك قد يكون ابألماين‪ ،‬واألحالم‪.‬‬ ‫الرَّابنيَّة‪ ،‬وظنُّوا َّ‬ ‫ـسنن َّ‬‫حد و ٍاء‪ ،‬وأللوا ال ُّ‬ ‫علـ ٍ‬
‫إن هذا الض ــعف المياين‪ ،‬واجلفا الروحي‪ ،‬والتهبُّا الفكرأ‪ ،‬والقلق النَّفس ــي‪ ،‬وال َّ ـ ـتات‬ ‫َّ‬
‫الذه ‪ ،‬واححنطاط اخللقي الَّذأ أهللا ــاب اَّس ــلم ـ ـببت تلك الف وة الكبرية الَّيت حدثت ب‬ ‫ِ‬
‫النبوأ ال ـ ـ ـ ـريف‪ ،‬وعصـ ـ ـ ــر اخللفاء الراشـ ـ ـ ــدين‪ ،‬والنقاط اَّ ـ ـ ـ ـرقة‬ ‫األمة‪ ،‬والقرآن الكر ‪ ،‬وايدأ ِ‬ ‫َّ‬
‫اَّضيئة يف اترخينا اايد‪.‬‬
‫كل البعد عن القرآن‬ ‫اَّتلدث اب ــم ال ــالم‪ ،‬وهم بعيدون َّ‬ ‫ِ‬ ‫أما تر معي ظهور الكثري من‬
‫الراشـ ـ ـ ــدين‪ ،‬وأدخلوا يف خطاهبم مصـ ـ ـ ــطللات جديدة‪،‬‬ ‫نبوأ‪ ،‬و ـ ـ ـ ــرية اخللفاء َّ‬ ‫الكر ‪ ،‬وايدأ ال ِ‬
‫ومفاهيم مائعة نتي ة ايايمية النفس ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة أمام احلض ـ ـ ـ ـ ـ ــارة ال ربيَّة‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلوا يتالعبون ابأللفا ‪،‬‬
‫ويدقون اَّقاحت‪ ،‬ويكتبون الكت يف فلس ـ ـ ــفة احلياة‪،‬‬ ‫ويلوو‪،‬ا‪ ،‬ويتلدَّثون ال َّس ـ ـ ـ ـاعات الطوال‪ِ ،‬‬
‫ش‬
‫‪8‬‬
‫والكون‪ ،‬والنسـ ــان‪ ،‬ومناهت الت يري‪ ،‬وح نكاد نلمس يف حديثهم‪ ،‬أو نالحم يف مقاحهتم عمقاً‬
‫يف فهم فقت التَّمك ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــنن هللا يف ت يري ال ـ ـ ـ ـ ـ ــعوب‪ ،‬وبناء الدول‪ ،‬من خالل القرآن الكر ‪،‬‬
‫تقصياً لتارخينا اايد‪ ،‬فيهرجون‬ ‫النبوأ ال َّ ريف‪ ،‬أو دعوة األنبياء واَّر ل ل عوهبم‪ ،‬أو ِ‬ ‫واَّنهاً ِ‬
‫الدين‪ ،‬أو يو ــف بن اتش ــف ‪ ،‬أو حممود‬ ‫الدين حممود‪ ،‬أو هللا ــال ِ‬ ‫لنا عوامل النُّهوض عند نور ِ‬
‫النبوأ يف تربيــة األمــة‪ ،‬وإقــامــة الـ َّـدولــة‪ ،‬بــل‬ ‫ال اينوأ‪ ،‬أو حم َّمـد الفــات ‪ ،‬ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاروا عل ايــدأ ِ‬
‫يس ــتدلُّون ببعض الس ــا ــة‪ ،‬أو اَّفكرين‪ ،‬واَّثقف من ال ــرق أو ال رب اَّن هم أبعد الناس عن‬
‫ابين‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫السماوأ‪ ،‬واَّنهت َّ‬ ‫الوحي َّ‬
‫وأان لســت اَّن يعارض اح ــتفادة من دارب ال ُّ ـعوب واألمم فاحلكمة ــالَّة اَّؤمن‪ ،‬فهو‬
‫الرابينَّ‪ ،‬وينس ـ ـ ـ ــون ذاكرة‬ ‫أَّن وجدها‪ ،‬ولك ِ ـ ـ ـ ـ ُّـد الَّذين جيهلون‪ ،‬أو يت اهلون اَّنهاً َّ‬ ‫أحق هبا َّ‬
‫األمة التَّارخييَّة اَّليئة ابلدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والعظات‪ ،‬مثَّ بعد ذلك رهللاـ ــون عل أن يتصـ ــدَّروا قيادة‬ ‫َّ‬
‫َّبوأ ال َّ ريف‪.‬‬ ‫اَّسلم أبهوائهم‪ ،‬وآرائهم البعيدة عن نور القرآن الكر ‪ ،‬وايدأ الن ِ‬
‫وما أ ل ما قالت ابن القيِم رحت هللا‬
‫طريق ال شع ْف ِو وال ْفر ِان‬ ‫ِ‬ ‫لعشل‬ ‫وهللاِ م ــا خويف ال ـ ُّـذنوب ف ــَ َّ‪ ،‬ـا‬
‫الو ْحي والقرآن‬ ‫لكنَّما أخ ـ انســال ال شق ْل ِ‬
‫حتكيم ه ـ ـ ــذا ش‬
‫ح ك ـ ـ ــان ذاك مب ـنَّـ ـ ـ ـ ِة الـ َّـرح ـ ِن‬ ‫جالـ ـ ـ ـ ـش ـو ـ ـ ـشخـ ـْـرـ ـ ـ ـِهللاـ ــ ــ ــ ـشهنا‬ ‫ورـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ ــ ـاـًـ ـ ـ ـ ـرـ ـ ـرـ ـ ـاءـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِـ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫شعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ْ‬
‫الدولة‪ ،‬ومعرفة ـ ـ ــنن هللا يف‬ ‫األمة وإقامة َّ‬ ‫النبوأ يف تربية َّ‬ ‫إنَّنا يف أش ـ ـ ـ ِـد احلاجة َّعرفة اَّنهاً ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم عندما انطلق بدعوة‬ ‫ال ُّ ـ ـعوب‪ ،‬واألمم‪ ،‬والدُّول‪ ،‬وكيف تعامل معها الن ُّ‬
‫ص ـ ـ ـلي يف دعوتنا‪،‬‬ ‫نتلمس من هديت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم الطريق ال َّ‬ ‫حض َّ‬ ‫هللا يف دنيا الناس‪َّ ،‬‬
‫ـليمة‪ ،‬مس ـ ـ ــتمدَّةٍ أهللا ـ ـ ــويا وفروعها من كتاب ربنا‬ ‫والتمك لديننا‪ ،‬ونقيم بنياننا عل منه يَّ ٍة ـ ـ ـ ٍ‬
‫و نَّة نبيِنا هللال هللا عليت و لم قال تعاىل‬
‫اَّللش‬
‫اَّللش شوالْيشـ ْوشم ا خر شوذش شكشر َّ‬ ‫اَّللِ أ ْ ـ ـ ـ ـ ـ شوة شح شس ـ ـ ـ ـ ـنشة لِ شم ْن شكا شن يشـ ْرجو َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫﴿لششق ْد شكا شن لشكم ِيف ر ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ْ ش‬
‫شكثِ ًريا﴾ [األحزاب‪. ]21 :‬‬
‫الدولة شـ ــامالً‪ ،‬ومتكامالً‪،‬‬ ‫األمة‪ ،‬وإقامة َّ‬ ‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف تربية َّ‬ ‫لقد كان فقت الن ِ‬
‫ومتوازانً‪ ،‬وخا ـ ــعاً لس ـ ــنن هللا يف ااتمعات‪ ،‬وإحياء ال ـ ــعوب‪ ،‬وبناء الدُّول‪ ،‬فتعامل هللا ـ ــل هللا‬
‫َّدرً‪ ،‬والتَّدافع‪ ،‬واحبتالء‪،‬‬ ‫الذكاء‪ ،‬كسـ ـنَّة الت ُّ‬ ‫وقمة َّ‬ ‫عليت و ــلم مع هذه ال ُّسـ ـنن يف اية احلكمة‪َّ ،‬‬
‫واألخذ ابأل باب‪ ،‬وت يري النفوس‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫الرَّابينَّ‪ ،‬وما ملت من مفاهيم‪،‬‬ ‫رس هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف نفوس أهللا ـ ـ ـ ــلابت اَّنهت َّ‬
‫و ش‬
‫هللاليلة عن هللا‪ ،‬والنسان‪ ،‬والكون‪ ،‬واحلياة‪ ،‬واجلنَّة‪ ،‬والنَّار‪ ،‬والقضاء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتصور ٍ‬
‫ات‬ ‫وقيم‪ ،‬وعقائد ُّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهم يتأثَّرون مبنه ت يف ال بية اية التأثُّر‪ ،‬و رهللا ـ ـ ـ ــون َّ‬
‫كل‬ ‫والقدر‪ ،‬وكان ال َّ‬
‫عما رأوا من‬ ‫احلرص عل احلتايام بتوجيهاتت‪ ،‬فكان ال ائ إذا حضــر من يبتت يســأل أهللاــلابت َّ‬
‫وعما نايل من الوحي حال يبتت‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وعن تعليمت‪ ،‬وإرش ـ ــاده‪َّ ،‬‬ ‫أحوال الن ِ‬
‫كل هللاـ ـ ريةٍ وكبريةٍ‪ ،‬و يكونوا يقص ــرون‬ ‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ـ ـلم ‪ ،‬يف ِ‬ ‫وكانوا يتَّبعون خطش َّ‬
‫يلقنونت أبناءهم‪ ،‬ومن حويم‪.‬‬ ‫هذا اح تقصاء عل أنفسهم‪ ،‬بل كانوا ِ‬
‫تقص ألحداث ال ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرية‪ ،‬فيتلدَّث الباحث عن أحوال العا قبل البعثة‪،‬‬ ‫ففي هذا الكتاب ٍ‬
‫واحلضــارات ال َّس ـائدة‪ ،‬واألحوال الســيا ــية‪ ،‬واحقتصــاديَّة‪ ،‬واحجتماعيَّة‪ ،‬واخللقيَّة يف زمن البعثة‪،‬‬
‫َّبوأ‪ ،‬وعن نايول الوحي‪ ،‬ومراحل الدَّعوة‪ ،‬والبناء التَّص ـ ـ ـ ُّـو ِ‬
‫رأ‪،‬‬ ‫اَّهمة قبل اَّولد الن ِ‬ ‫وعن األحداث َّ‬
‫اَّك ِي‪ ،‬وعن أ ـ ـ ــالي اَّ ـ ـ ــرك يف حماربة الدَّعوة‪ ،‬وعن اي رة‬ ‫دأ يف العهد ِ‬ ‫األخالقي‪ ،‬والتَّعبُّ ِ‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫إىل احلب ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وحمنة الطَّائف‪ ،‬ومنلة ال ـ ـ ـ ـ ـراء واَّعراً‪ ،‬والطَّوا عل القبائل‪ ،‬ومواك اخلري‪،‬‬
‫وطالئع النُّور من أهل يثرب‪ ،‬واي رة النبوية‪ ،‬ويقف الكتاب ابلقارئ عل األحداث‪ ،‬مستهرجاً‬
‫منها الدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد لكي يستفيد منها اَّسلمون يف عاَّنا اَّعاهللار‪ .‬وحتدَّث الباحث‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا‬
‫عن حياة النَّ ِب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬منذ دخولت اَّدينة إىل وفاتت‪ ،‬وبشَّ فقت الن ِ‬
‫الدولة‪ ،‬وحماربة أعدائها يف‬ ‫عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يف إر ـ ـ ـ ـ ـ ــاء دعائم ااتمع‪ ،‬وتربيتت‪ ،‬وو ـ ـ ـ ـ ـ ــائلت يف بناء َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف ـ ـ ــيا ـ ـ ــة ااتمع‪،‬‬ ‫الدَّاخل‪ ،‬واخلارً‪ ،‬فيقف الباحث عل فقت الن ِ‬
‫ومعاهدتت مع أهل الكتاب اليت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ لت يف الوثيقة‪ ،‬وحركتت اجلهادية‪ ،‬ومعاجلتت احقتص ـ ـ ـ ـ ــادية‪،‬‬
‫الدين الَّذأ جاء لنقاذ الب ـ ـرية من دَيجري الظَّالم‪ ،‬وعبادة‬ ‫واحرتقاء ابَّس ــلم حنو مفاهيم هذا ِ‬
‫األواثن‪ ،‬واحنرافها عن شريعة احلكيم اَّتعال‪.‬‬
‫األمة‪،‬‬
‫السرية النَّبويَّة يف أذهان الكثري من أبناء َّ‬ ‫وقد حاول الباحث أن يعاجل م كلة اختايال ِ‬
‫ففي العقود اَّا ــية ظهرت درا ــات رائعة يف جمال الســرية النَّبوية‪ ،‬وكت هللا يا قبوحً‪ ،‬وانت ــاراً‪،‬‬
‫الدين اَّباركفورأ‪ ،‬وفقت ال ِسـ ـ ـرية لل اياس‪ ،‬وفقت الس ـ ــرية النبوية للبوطي‪،‬‬ ‫كالرحيق اَّهتوم‪ ،‬لص ـ ــفي ِ‬ ‫َّ‬
‫وال ِس ـرية النبويَّة أليب احلســن النَّدوأ‪ ،‬وكانت هذه الدرا ــات ملتصــرًة‪ ،‬و تكن شــاملةً ألحداث‬
‫أن من ا ـ ـ ـ ـ ــتوع هذه‬ ‫وظن بعض طالَّهبا َّ‬ ‫ال ِس ـ ـ ـ ـ ـرية‪ ،‬واعتمدت بعض اجلامعات هذه الكت ‪َّ ،‬‬

‫‪10‬‬
‫حق ال ِسـرية النَّبويَّة اَّ ـ َّـرفة‪ ،‬وقد‬
‫الكت فقد أحاط ابل ِسـرية النَّبويَّة‪ ،‬وهذا خطأ فاد ‪ ،‬وخطري يف ِ‬
‫أئمة اَّس ــاجد‪ ،‬وبعض قيادات احلركات ال ــالميَّة‪ ،‬وانعكس ذلك‬ ‫تس ـ َّـرب هذا األمر إىل بعض َّ‬
‫اس‬
‫حممد ال اي ُّ‬‫حذر ال َّ ـ ـي َّ‬ ‫عل األتباي‪ ،‬فلدث تص ـ ُّـور انقص لل ِسـ ـرية عند كث ٍري من الناس‪ ،‬وقد َّ‬
‫حممد‬
‫تظن أنَّك در ــت حياة َّ‬ ‫من خطورة هذا التص ـ ُّـور يف ‪،‬اية كتابت (فقت ال ِس ـ ـرية)‪ ،‬فقال قد ُّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم إذا اتبعت اترخيت من اَّولد إىل الوفاة‪ ،‬وهذا خطأ ابل ‪ .‬إنَّك لن تفقت‬
‫اَّطهرة‪ ،‬وبقدر ما تنال من ذلك تكون هللالتك‬ ‫السنَّة َّ‬
‫السرية حقاً إح إذا در ت القرآن الكر ‪ ،‬و ُّ‬ ‫ِ‬
‫بنب ال الم هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬ ‫ِ‬
‫القرآين‪ ،‬الَّذأ لت عالقة ابل ِس ـرية‬ ‫الدرا ــة جيد القارئ تس ــليا األ ـواء عل البعد ِ‬ ‫ففي هذه ِ‬
‫النبويَّة‪ ،‬ك ايوة بدر‪ ،‬وأحد‪ ،‬واألحاياب‪ ،‬وب النَّضري‪ ،‬وهللال احلديبية‪ ،‬و ايوة تبوك‪ ،‬فب َّ الباحث‬
‫الدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬و ـ ـ ـ ــنن هللا يف النَّص ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وايايمية‪ ،‬وكيف عاجل القرآن الكر أمراض النُّفوس من‬
‫خالل األحداث والوقائع‪.‬‬
‫لكل ٍ‬
‫زمان‪،‬‬ ‫جيل ما يفيده يف مس ـ ـ ـ ـ ــرية احلياة‪ ،‬وهي هللا ـ ـ ـ ـ ــاحلة ِ‬
‫كل ٍ‬ ‫إن ال ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة تعطي َّ‬
‫َّ‬
‫ومكان‪ ،‬ومصللة كذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لقد ع ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ــن من عمرأ يف البلث يف القرآن الكر ‪ ،‬وال ِس ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة‪ ،‬فكانت من‬
‫أفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل َّأَيم حيـال‪ ،‬فنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـت أثنـاء البلـث ربيت‪ ،‬وه رل‪ ،‬وتفـاعلـت مع الـدُّرر‪ ،‬والكنوز‪،‬‬
‫والنفــائس اَّوجودة يف بطون اَّراجع واَّص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر‪ ،‬فعملــت عل عهــا‪ ،‬وترتيبهــا‪ ،‬وتنس ـ ـ ـ ـ ـ ــيقهــا‬
‫وتنظيمها‪ ،‬حض تكون يف متناول أبناء أ َّميت العظيمة‪ ،‬وقد ححظت التَّفاوت يف ذكر الدُّروس‪،‬‬
‫والعرب‪ ،‬والفوائد‪ ،‬واألحداث ب كتَّاب ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـرية قدمياً‪ ،‬وحديثاً‪ ،‬فأحياانً يذكر ابن ه ـ ـ ـ ـ ــام ما‬
‫هب‪ ،‬ويذكر ابن كث ٍري ما يذكره أهللالاب ُّ‬
‫السنن‪ ،‬هذا قدمياً‪.‬‬ ‫الذ ُّ‬‫يذكره َّ‬
‫البوطي ما يذكره ال ض ـ ـ ـ ـ ـ ــبان‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّأما حديثاً‪ ،‬فقد ذكر ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـباعي ما يذكره ال اي ُّ‬
‫اس‪ ،‬وذكر‬
‫َّووأ‪ ،‬وكت الفقهاء ما‬ ‫وهكذا وجدت يف التَّفســري‪ ،‬وشــرو احلديث‪ ،‬كفت البارأ‪ ،‬وشــر الن ِ‬
‫يذكره كتَّاب ال ِس ـ ـ ـ ـرية قدمياً‪ ،‬وح حديثاً‪ ،‬فأكرم هللا تعاىل قمع تلك الدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد‪،‬‬
‫احطالي عليت‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ــاعد القارئ عل تناول تلك الثِمار اليانعة‬ ‫ونشظشمتها يف ِع ْق ٍد ٍيل يس ـ ـ ـ ــهل ِ‬
‫ْ‬
‫بكل هو ٍلة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬لل اي ِ‬
‫اس ‪ ،‬ص (‪.)476‬‬
‫‪11‬‬
‫إن يف هذا الكتاب حصيلةً علميَّةً‪ ،‬وأفكاراً عمليَّة ِ عت من مئات اَّراجع‪ ،‬واَّصادر‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬
‫أ ـ ـ ـ ـ ـ ــهم يف إخراً هذا اجلهد إخوة كثريون من ليبيا‪ ،‬واليمن‪ ،‬والعراق‪ ،‬ومص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـودان‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬والمارات‪ ،‬وقطر‪ ،‬وبالد ال ام ابحلوار‪ ،‬والنقاش‪ ،‬والنَّدوات‪ ،‬فأفاد بعضهم ابلشارة‬ ‫و ُّ‬
‫إىل بعض اَّراجع‪ ،‬واَّصادر النَّادرة‪ ،‬وعمل عل توفريها‪ ،‬والبعض ا خر أرشد إىل رورة ال َّكياي‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف حركتت اَّباركة كقانون‬ ‫عل ال ُّس ـ ـ ـ ـنن‪ ،‬والقوان الَّيت تعامل معها الن ُّ‬
‫السلوكيَّة‪،‬‬
‫ابلسرية ُّ‬ ‫السرية التَّارخيية ِ‬
‫أليَّة ربا ِ‬‫مكة‪ ،‬وأشار البعض إىل ِ‬ ‫الفرهللاة يف فت خيرب‪ ،‬وفت َّ‬
‫يقررها القرآن الكر ببعض ــها‪،‬‬ ‫نبوأ‪ ،‬وال ِس ـ ـرية كما ِ‬
‫فعل ِ‬ ‫يف‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حبديث ش ـ ـر ٍ‬ ‫وال ِس ـ ـرية َّ‬
‫اَّعرب عنها‬
‫فة جيَّاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‪ ،‬فهي‬ ‫عميق‪ ،‬وعاط ٍ‬
‫وفقت ٍ‬ ‫َتد أبناء اجليل بعل ٍم ايي ٍر‪ٍ ،‬‬ ‫ومايجها يف منه يَّ ٍة متنا ـ ـ ٍ‬
‫ـقة ُّ‬
‫للرو ‪ ،‬وتثقيف للعقول‪ ،‬وحياة للقلوب‪ ،‬وهللافاء للنُّفوس‪.‬‬ ‫ـذاء ُّ‬
‫كل جان ٍ من اجلوان اليت حتتاً إليها مسرية الدَّعوة ال الميَّة‪،‬‬ ‫إن ِ‬
‫السرية النَّبويَّة نيَّة يف ِ‬ ‫َّ‬
‫ابلرفيق األعل إح بعد أن ترك ـ ـوابق كثريًة َّن يريد أن‬
‫يلتلق َّ‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫فالن ُّ‬
‫التعمق يف‬
‫أن ُّ‬ ‫يقتدأ بت يف الدَّعوة‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬والثَّقافة‪ ،‬والتَّعليم‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬و ِ‬
‫كل شــؤون احلياة‪ ،‬كما َّ‬
‫اخللقي الكبري‬
‫ِ‬ ‫الرهللا ــيد‬
‫َّعر عل َّ‬ ‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يس ــاعد القارئ عل الت ُّ‬ ‫ــرية َّ‬
‫َّعر عل هللا ـ ــفاتت احلميدة‬ ‫الذأ َتيَّـشاي بت ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن ِ‬
‫كل الب ـ ــر‪ ،‬والت ُّ‬
‫هللال هللا عليت و لم الَّيت عاش هبا يف دنيا النَّاس‪ ،‬فري من خالل ريتت مصداق قول ال َّاعر‬
‫ك شْ تشلِ ِد النِ شس ـ ـ ـ ـ ـاء‬‫ض ـ ـ ـ ـ ـل ِمْن ش‬
‫شو أشفْ ش‬ ‫ا شعْي ِ‬ ‫ك شْ تشـر قش ُّ‬ ‫ِ‬
‫شوأش ْ شـ ـل مْن ـ ـ ش ش‬
‫ت شك شما تش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء‬ ‫ِ‬ ‫ت م شَّربأً ِم ْن كـ ـ ـ ِل شعْيـ ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّك شق ْد خل ْق ش‬ ‫شكأ ن ش‬ ‫خل ْقـ ـ ـ ش‬
‫هذا وح َّأدعي ِأين أتيت مبا تسـ ـ ــتطعت األوائل‪ ،‬ف ـ ـ ــأن ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫وإميان أعمق‪،‬‬ ‫وذكاء أكرب‪ٍ ،‬‬ ‫أدق‪ٍ ،‬‬ ‫أرق‪ ،‬وفقـ ـ ـ ـ ٍـت َّ‬ ‫كبري‪ ،‬وتو ي بعض معا ريتت تاً إىل ٍ‬
‫نفس َّ‬
‫ظن أنَّت‬
‫الر ــل‪ ،‬واألنبياء‪ ،‬ومن َّ‬ ‫كما أنَّ ح َّأدعي لعملي هذا العصــمة‪ ،‬أو الكمال‪ ،‬فهذا شــأن ُّ‬
‫ك شع ِن ُّ‬
‫الرو ِ ق ِل‬ ‫﴿ويش ْس ـ ـأشلونش ش‬
‫قد أحاط ابلعلم فقد جهل نفس ـ ــت‪ ،‬وهللا ـ ــدق هللا العظيم إذ يقول ش‬
‫الرو ِم ْن أ ْشم ِر شرِيب شوشما أوتِيت ْم ِم شن الْعِْل ِم إِحَّ قشلِيالً﴾ [اإلسراء‪. ]85 :‬‬ ‫ُّ‬
‫َّاعر إذ يقول‬
‫أهللادق ال ش‬ ‫ش‬ ‫فالعلم حبر ح شاطئ لت‪ ،‬وما‬
‫ك أش ْشيشاء‬ ‫ِ‬ ‫َّعي يف الْعِْل ِم فشـ ْل شس ـ ـ ـ ـ شف ًة‬ ‫وقل لِمن يد ِ‬
‫ت شعْن ش‬ ‫ت ششيئاً شو شابش ْ‬‫حفظْ ش‬ ‫ش ْ شْ ش‬
‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪12‬‬
‫َّعالب ح يكت أحد كتاابً فيبيت عنده ليلةً إح أح َّ يف ريها أن ياييد فيت‪ ،‬أو‬
‫يقول الث ُّ‬
‫ليلة‪ ،‬فكيف يف ن معدودةٍ؟!‬
‫ينقص منت‪ ،‬هذا يف ٍ‬
‫وقال العماد األهللا ـ ــبهاينُّ ِإين رأيت أنَّت ح يكت إنس ـ ــان كتاابً يف يومت إح قال يف ده لو‬
‫يد كذا لكان يس ــتلس ــن‪ ،‬ولو ق ِدم هذا لكان أفض ــل‪ ،‬ولو ترك‬
‫ِ شري هذا لكان أحس ــن‪ ،‬ولو ِز ش‬
‫هذا لكان أ ل‪ ،‬وهذا من أعظم العرب‪ ،‬وهو دليل عل ا تيالء النَّقص عل لة الب ر‪.‬‬
‫وأخرياً أرجو من هللا تعاىل أن يكون عمالً لوجهت خالص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬ولعباده انفعاً‪ ،‬وأن يثيب عل‬
‫كل حر ٍ كتبتت‪ ،‬وجيعلت يف ميايان حس ـ ـ ـ ـ ــنال‪ ،‬وأن يثي إخواين الَّذين أعانوين ِ‬
‫بكل ما ميلكون‬ ‫ِ‬
‫من أجل إَتام هذا الكتاب‪ .‬قال ال اعر‬
‫مؤمالً شج ْ شرب شم ـا حشقشـْي ـت ِم ْن ِع شو ًِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ال شق ْوِم ذشا شعشرًٍ‬ ‫ف ِرشك ِ‬ ‫ِ‬
‫أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري شخ ْل ش‬
‫َّاس ِم ْن‬ ‫الس شما يف الن ِ‬ ‫لرب َّ‬ ‫فشـ ـ ـ ـ ـ شكم ِ‬
‫ْ‬ ‫فشَِ ْن حلِْقت هبِِ ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شما ش ـ ـ ـ ـبشـقوا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫اكـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـحششررًِِ‬ ‫ِ‬
‫فشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـشـ ـشـمـ ـاـ ـ ـ ـ ـ ـشعـ ـلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشعـ ـ ـرـ ـٍـًِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيفـ ـ ـ ـ ـشذـ ـ ـ ـ ـش ـ‬ ‫األرض مْنـ شق ِطعـ ـاً‬
‫ِ‬ ‫شوإِ ْن ظشلشْلـ ـت بِشق ْف ِر‬

‫هم وحبمدك‪ ،‬أشهد أن ح إلت إح أنت‪ ،‬أ ت فرك‪ ،‬وأتوب إليك)‬


‫( بلانك الل َّ‬
‫الفقري إىل عفو ربِت‪ ،‬وم فرتت‪ ،‬ور وانت‬

‫لصالَّ يب‬
‫حممد ا َّ‬
‫حممد َّ‬
‫علي َّ‬
‫‪ 1422‬هـ ‪ 2001‬م‬

‫‪13‬‬
‫األول‬
‫الفصل َّ‬
‫حَّت نزول الوحي‬
‫أه يم األحداث التَّارخييَّة من قبل البعثة َّ‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫السائدة قبل البعثة ودايانهتا‬
‫احلضارات َّ‬
‫َّأوالً‪ :‬اإلمرباطوريَّة ال يرومانيَّة(‪:)1‬‬

‫الرومــانيَّـة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقيَّـة تعر ابلمرباطوريَّـة البياينطيَّـة‪ ،‬وكــانـت حتكم هــذه‬


‫كــانــت المرباطوريَّـة ُّ‬
‫البالد اليوانن‪ ،‬والبلقان‪ ،‬وآ ــيا‪ ،‬و ــورية‪ ،‬وفلس ــط ‪ ،‬وحوض البلر اَّتو ــا أب ــره‪ ،‬ومص ــر‪،‬‬
‫كل إفريقيا ال َّ ـ ـ ـ ـمالية‪ ،‬وكانت عاهللا ـ ـ ــمتها القس ـ ـ ــطنطينية‪ ،‬وكانت دولةً ظاَّةً‪ ،‬مار ـ ـ ــت الظُّلم‪،‬‬ ‫و َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرائ ‪ ،‬وكثرت‬
‫واجلور‪ ،‬والتَّع ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف عل ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعوب اليت حكمتها‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعفت عليها ال َّ‬
‫كل أنواي اللَّهو‪ ،‬واللَّع ‪ ،‬والطَّرب‪،‬‬ ‫العامة قائمةً عل ِ‬ ‫اح ـ ـ ـ ـ ـ ــطراابت‪ ،‬والثَّورات‪ ،‬وكانت حياهتم َّ‬
‫وال َّ ‪.‬‬
‫السيا ِي‪ ،‬و َّاهذها البياينطيُّون شا ًة‬ ‫الدي ِ ‪ ،‬واح تبداد ِ‬ ‫َّأما مصر فكانت عر ةً لال طهاد ِ‬
‫حلوابً‪ ،‬سنون حلبها‪ ،‬ويسيئون علفها‪.‬‬
‫القوة‪،‬‬
‫الرقيق‪ ،‬وح يعتمدون يف قيادة ال َّع إح عل َّ‬ ‫و َّأما ورية فقد كثرت فيهم اَّظا ‪ ،‬و َّ‬
‫الرومانيَّة‪ ،‬وكان احلكم حكم ال رابء‪ ،‬الذأ ح يعتمد‬ ‫والقهر ال َّ ـ ـ ـديد‪ ،‬وأهللا ـ ــبلت مطيَّة اَّطامع ُّ‬
‫عطف عل ال َّ ـ ـ ـ ـع اَّكوم‪ ،‬وكثرياً ما كان ال ُّس ـ ـ ـ ـوريون يبيعون‬ ‫أبأ ٍ‬ ‫القوة‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ــعر ِ‬ ‫إح عل َّ‬
‫أبناءهم ليوفُّوا ما كان عليهم من ديون(‪.)2‬‬
‫الروماينُّ مليئاً ابلتناقض‪ ،‬واح ـ ــطراب‪ ،‬وقد جاء تص ـ ــويره يف كتاب (احلض ـ ــارة‬ ‫كان ااتمع ُّ‬
‫ما يها وحا رها) كا ل‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )1‬يف الصفلة (‪.)737‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪14‬‬
‫الدينيَّة يف‬ ‫«كان هناك تناقض هائل يف احلياة احجتماعية للبياينطي ‪ ،‬فقد ر ـ ـ ـ ـ ــهت النَّايعة ِ‬
‫العادأ يف البالد‬ ‫ُّ‬ ‫الرجل‬
‫الرهبانيَّة‪ ،‬وش ـ ــاعت يف طول البالد وعر ـ ــها‪ ،‬وأهللا ـ ــب َّ‬
‫ت َّ‬‫أذها‪،‬م‪ ،‬وع َّم ِ‬
‫شش‬
‫الدينيَّة العميقة‪ ،‬واجلدل البياينطي‪ ،‬ويت ـ ـ ـ ــا ل هبا‪ ،‬كما طبعت احلياة العاديَّة‬ ‫يتدخل يف األحباث ِ‬ ‫َّ‬
‫العامة بطابع اَّذه الباط ِ ‪ ،‬ولكن نر هؤحء ‪ -‬يف جان آخر ‪ -‬حريص ـ ـ ـ ـ ـ أش ـ ـ ـ ـ َّـد احلرص‬ ‫َّ‬
‫نوي من أنواي اللَّهو‪ ،‬واللعـ ‪ ،‬والطَّرب‪ ،‬وال َّ ‪ ،‬فقـد كـانـت هنـاك ميـادين رَي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـية‬ ‫عل ك ِـل ٍ‬
‫الرجال‬ ‫الرجال و ِ‬
‫ـارعات ب ِ‬ ‫يتفرجون فيها عل مصـ ـ ٍ‬ ‫ألف شـ ـ ٍ‬
‫ـهص‪َّ ،‬‬ ‫وا ـ ــعة تتَّسـ ــع جللوس شان‬
‫ش‬
‫السباي أحياانً أخر ‪ ،‬وكانوا يقسمون اجلماهري يف لون لون أزرق‪ ،‬ولون‬ ‫الرجال و ِ‬ ‫أحياانً‪ ،‬وب ِ‬
‫أخضر‪ ،‬لقد كانوا بُّون اجلمال‪ ،‬ويع قون العنف‪ ،‬وايم يَّة‪ ،‬وكانت ألعاهبم دمويةً اريةً أكثر‬
‫األحيان‪ ،‬وكانت عقوبتهم فظيعةً تق ـ ــعر منها اجللود‪ ،‬وكانت حياة ـ ـ ــادهتم وكربائهم عبارةً عن‬
‫السيئة»(‪.)1‬‬ ‫الايائدة‪ ،‬والقبائ ‪ ،‬والعادات َّ‬
‫ااون‪ ،‬وال َّ ‪ ،‬واَّؤامرات‪ ،‬وااامالت َّ‬
‫اثنياً‪ :‬اإلمرباطوريَّة الفارسيَّـة‪:‬‬

‫الكســرويَّة‪ ،‬وهي أكرب‪ ،‬وأعظم من‬ ‫ابلدولة الفار ـيَّة‪ ،‬أو ِ‬


‫َّ‬ ‫كانت المرباطوريَّة الفار ـيَّة تعر‬
‫الرومانية ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقيَّة‪ ،‬وقد كثرت فيها ا ِ‬
‫لدَيانت اَّنلرفة كالايرادش ـ ـ ـ ـ ـ ــتية‪ ،‬واَّانِيَّة اليت‬ ‫المرباطورية ُّ‬
‫أ سها ماين يف أوائل القرن الثَّالث اَّيالدأ‪ ،‬مثَّ ظهرت اَّايدكيَّة يف أوائل القرن اخلامس اَّيالدأ‬
‫ـيء‪ ،‬اَّا َّأد إىل انت ـ ـ ـ ـ ـ ــار ثورات الفالح ‪ ،‬وتايايد النَّهاب‬ ‫كل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫الَّيت دعت إىل الابحيَّة يف ِ‬
‫للقصــور‪ ،‬فكانوا يقبضــون‪ ،‬أو ر ــرون النِســاء‪ ،‬ويســتولون عل األمالك‪ ،‬والعقارات‪ ،‬فأهللاــبلت‬
‫األرض‪ ،‬واَّاياري والدُّور كأن تسكن من قبل‪.‬‬
‫أل‪،‬م يعتربون أنفسـ ــهم من‬ ‫وكان ملوكهم كمون ابلوراثة ويضـ ــعون أنفسـ ــهم فوق ب آدم َّ‬
‫صور‪ ،‬ويعي ون‬ ‫يتصرفون فيها ببذ ٍ ح يت َّ‬ ‫نسل ا ية‪ ،‬وأهللابلت موارد البالد ملكاً يؤحء اَّلوك‪َّ ،‬‬
‫الضرائ ‪،‬‬ ‫حض ترك كثري من اَّايارع أعمايم‪ ،‬أو دخلوا األديرة‪ ،‬واَّعابد فراراً من َّ‬ ‫عيش البهائم‪َّ ،‬‬
‫ات من التَّاري‬ ‫مدمرةٍ‪ ،‬قامت يف ف ٍ‬ ‫طاحنة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حروب‬ ‫واخلدمة العس ـ ـ ـ ـ ـ ــكريَّة‪ ،‬وكانوا وقوداً حقرياً يف‬
‫الروم‪ ،‬ح مص ـ ـ ـ ــللة لل ُّ ـ ـ ـ ـ ـعوب فيها إح تنفيذ نايوات‪ ،‬ور بات‬ ‫دامت ـ ـ ـ ــن طواحً ب الفرس و ُّ‬
‫اَّلوك(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫السابق ‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬انظر السرية النبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.33 ، 32‬‬
‫‪15‬‬
‫اثلثاً‪ :‬اهلند‪:‬‬

‫أحا أدوارها دَينةً‪ ،‬وخلقاً‪ ،‬واجتماعاً‪ ،‬و ــيا ـةً ذلك العهد‬ ‫أن َّ‬ ‫اَّؤرخ عل َّ‬ ‫اتَّفقت كلمة ِ‬
‫أل‪،‬ا‬‫حض يف اَّعابد َّ‬ ‫الَّذأ يبتدئ من مس ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـتهل القرن ال َّسـ ـ ـ ـ ـادس اَّيالدأ‪ ،‬فانت ـ ـ ـ ــرت اخلالعة َّ‬
‫أهللاـ ـ ــبلت مقد ـ ـ ـةً!! وكانت اَّرأة حقيمة يا‪ ،‬وح عصـ ـ ــمة‪ ،‬وانت ـ ـ ــرت عادة إحراق اَّرأة اَّتو َّ‬
‫زوجها‪ ،‬وامتازت ايند عن أقطار العا ابلتَّفاوت الفاحش ب طبقات ال َّع ‪ ،‬وكان ذلك اتبعاً‬
‫مدين ــيا ـ ٍـي دي ٍ ‪ ،‬و ــعت اَّ ـ ِـرعون اينديُّون الَّذين كانت يم هللاــفة دينية‪ ،‬وأهللاــب هو‬ ‫ٍ‬
‫لقانون ٍ‬
‫َتايٍق‪ ،‬انت ـ ــرت فيها‬ ‫العام يف ااتمع‪ ،‬ود ـ ــتور حياهتم‪ ،‬وكانت ايند يف حالة فو ـ ـ ـ ‪ ،‬و ُّ‬ ‫القانون َّ‬
‫المــارات اليت انــدلعــت بينهــا احلروب الطَّـاحنــة‪ ،‬وكــانــت بعيــد ًة عن أحــداث عــاَّهــا يف عايلـ ٍـة‬
‫وا ـ ٍ‬
‫َّطر يف العادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والتفاوت الطَّب ُّ‬
‫قي‪ ،‬والتَّعصـ ـ‬ ‫التايمت‪ ،‬والت ُّ‬ ‫ـلة‪ ،‬يس ــيطر عليها ُّ‬
‫الس‪.‬‬
‫الس ُّ‬
‫َّموأ‪ ،‬و ُّ‬
‫الد ُّ‬
‫وقد حتدَّث مؤر هندوكي ‪ -‬أ ـ ــتاذ التاري يف إحد جامعات ايند ‪ -‬عن عص ـ ـ ٍر ـ ـابق‬
‫لدخول ال ــالم يف ايند‪ ،‬فقال «كان أهل ايند منقطع عن الدُّنيا‪ ،‬منطوين عل أنفس ــهم‪،‬‬
‫وعمت‬ ‫ح خربة عندهم ابألو ـ ـ ــاي العاَّيَّة‪ ،‬وهذا اجلهل أ ـ ـ ــعف موقفهم‪ ،‬فن ـ ـ ــأ فيهم اجلمود‪َّ ،‬‬
‫فيهم أمارات اححنطاط‪ ،‬والتَّدهور‪ .‬كان األدب يف هذه الف ة بال رو ‪ ،‬وهكذا كان ال ـ ـ ـ ـ ــأن يف‬
‫اَّعمارأ‪ ،‬والتَّصوير‪ ،‬والفنون اجلميلة األخر »(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفن‬
‫ايندأ راكداً جامداً‪ ،‬كان هناك تفاوت عظيم ب الطَّبقات‪ ،‬وَتيياي معي‬ ‫ُّ‬ ‫«وكان ااتمع‬
‫ب أ ــرةٍ‪ ،‬وأ ــرةٍ‪ ،‬وكانوا ح يســملون بايواً األَيم ‪ ،‬وي ـ ِـددون عل أنفســهم يف أمور الطَّعام‪،‬‬
‫وال راب‪َّ ،‬أما اَّنبوذون فكانوا يعي ون ‪ -‬مضطرين ‪ -‬خارً بلدهم‪ ،‬ومدينتهم»(‪.)2‬‬
‫كان تقسيم كان ايند إىل أربع طبقات‬
‫الدين‪ ،‬وهم «الربالة»‪.‬‬ ‫‪ - 1‬طبقة الكهنة‪ ،‬ورجال ِ‬
‫‪ - 2‬رجال احلرب‪ ،‬واجلنديَّة‪ ،‬وهم «ش »‪.‬‬
‫‪ - 3‬رجال الفالحة‪ ،‬والت ارة‪ ،‬وهم «ويش»‪.‬‬
‫أحا الطبقات فقد خلقهم خالق الكون ‪ -‬كما‬ ‫‪ - 4‬رجال اخلدمة‪ ،‬وهم «ش ـ ـ ـ ـ ــودر»وهم ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪16‬‬
‫يعتقدون ‪ -‬من أرجلت‪ ،‬وليس يم إح خدمة هذه الطَّبقات الثَّالث‪ ،‬وإراحتها‪.‬‬
‫فالربلي رجل م فور‬
‫ُّ‬ ‫وقد من هذا القانون الربالة مركاياً‪ ،‬ومكانةً ح ي ـ ـ ـ ـ ـ ــاركهم فيها أحد‬
‫لـت‪ ،‬ولو أابد العوا الثالثـة بـذنوبـت‪ ،‬وأعمـالـت‪ ،‬وح جيوز فرض جبـاي ٍـة عليـت‪ ،‬وح يعـاقـ ابلقتـل يف‬
‫حال من األحوال‪ .‬أما «شودر» فليس يم أن يقتنوا ماحً‪ ،‬أو يدَّخروا كناياً‪ ،‬أو جيالسوا برلياً‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫ميسوه بيدهم‪ ،‬أو يتعلَّموا الكت اَّقد ة(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫احملمدية‪:‬‬
‫الدينيَّة قبل البعثة َّ‬‫رابعاً‪ :‬أحوال العامل ِّ‬

‫أحا مراحل التَّاري‬ ‫كانت النس ـ ـ ـ ــانية قبل بايوغ ف ر ال ـ ـ ـ ـ ــالم العظيم‪ ،‬تعيش مرحلةً من ِ‬
‫عامةً يف يع‬ ‫َّ‬ ‫الدينيَّة‪ ،‬واحقتصاديَّة‪ ،‬والسيا ية‪ ،‬واحجتماعيَّة‪ ،‬وتعاين فو‬ ‫رأ يف شؤو‪،‬ا ِ‬ ‫الب ِ‬
‫اجلاهلي عل العقائد‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والتصـ ـ ُّـورات‪ ،‬والنُّفوس‪ ،‬وأهللاـ ــب‬
‫ُّ‬ ‫شـ ــؤون حياهتا‪ ،‬وهيمن اَّنهت‬
‫ـاهلي‬
‫اجلهـ ــل‪ ،‬وايو ‪ ،‬واححنالل‪ ،‬والف ور‪ ،‬والت ُّرب‪ ،‬والتع ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف من أبرز مالم اَّنهت اجلـ ـ ِ‬
‫اَّهيمن عل دنيا النَّاس(‪.)2‬‬
‫و ـ ـ ـاي أتثري ِ‬
‫الدَيانت ال َّس ـ ـ ـماوية عل احلياة ‪ -‬أو كاد ‪ -‬بسـ ـ ــب ما أهللاـ ـ ــاهبا من التَّبديل‪،‬‬
‫والتَّلريف‪ ،‬والتَّ يري‪ ،‬الَّذأ جعلها تفقد أليتها ابعتبارها ر ـ ـ ـ ــالة هللا إىل خلقت‪ ،‬وان ـ ـ ـ ـ ـ ل أهلها‬
‫ص ـراعات العقديَّة النَّظريَّة اليت كان ــببها دخول األفكار الب ـريَّة‪ ،‬والتَّص ـ ُّورات الفا ــدة عل‬ ‫ابل ِ‬
‫وم ْن بقي منهم ِر ‪ ،‬و يبـ ِـدل قليــل‬ ‫حض َّأد إىل احلروب الطَّـاحنــة بينهم‪ ،‬ش‬ ‫هــذه األدَين‪َّ ،‬‬
‫اندر‪ ،‬وآثر احبتعاد عن دنيا الناس‪ ،‬ودخل يف حياة اخللوة‪ ،‬والعايلة طمعاً يف النَّ اة بنفس ــت ر ـاً‬
‫من الهللاال ‪ ،‬ووهللال الفساد إىل يع األهللانا ‪ ،‬واألجناس الب ريَّة‪ ،‬ودخل يف يع اااحت‬
‫الدين‪ ،‬أو خرجوا منت‪ ،‬أو‬ ‫ارتدوا عن ِ‬ ‫بال ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتثناء‪ ،‬ففي اجلان ِ‬
‫الدي ِ دد النَّاس َّإما َّأ‪،‬م ُّ‬
‫الدَيانت ال َّسـماوية‪ ،‬وتبديلها‪ .‬و َّأما يف اجلان التَّ ـريعي‪،‬‬ ‫يدخلوا فيت أهللاـالً‪ ،‬أو وقعوا يف حتريف ِ‬
‫فَن النَّاس نبذوا ش ـريعة هللا وراءهم ظهرَيً‪ ،‬واخ عوا من عند أنفســهم قوان ‪ ،‬وش ـرائع رذن هبا‬ ‫َّ‬
‫هللا‪ ،‬تصطدم مع العقل‪ ،‬وهالف الفطرة‪.‬‬
‫الرهبان‪ ،‬والقسـ ــاو ـ ــة والدَّهاق ‪،‬‬
‫وتايعَّم هذا الفسـ ــاد زعماء ال ُّ ـ ـعوب‪ ،‬واألمم من القادة‪ ،‬و ُّ‬
‫ليل هبي ٍم‪ ،‬واحنرا ٍ عظي ٍم عن منهت هللا بلانت وتعاىل‪.‬‬ ‫ظالم ٍ‬
‫دامس‪ ،‬و ٍ‬ ‫واَّلوك‪ ،‬وأهللاب العا يف ٍ‬

‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫اَّسم (منوشا ناي) األبواب (‪ 1‬ـ ‪ 2‬ـ ‪ 8‬ـ ‪ 9‬ـ ‪ ، )10‬نقالً عن ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬ ‫(‪ )1‬راجع القانون اَّدين احجتماعي َّ‬
‫األولون ‪ ،‬لسلمان العودة ‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪17‬‬
‫فـاليووديـة أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلــت جمموعـةً من الطُّقوس‪ ،‬والتَّقــاليــد ح رو فيهــا‪ ،‬وح حيــاة‪ ،‬وأتثَّرت‬
‫احتكت هبا‪ ،‬والَّيت وقعت حتت يطرهتا‪ ،‬فأخذت كثرياً من عاداهتا‪،‬‬ ‫بعقائد األمم الَّيت جاورهتا‪ ،‬و َّ‬
‫مؤرخو اليهود(‪ )1‬فقــد جــاء يف دائرة اَّعــار‬‫وتقــاليــدهــا الوثنيَّـة اجلــاهليَّـة‪ ،‬وقــد اع بــذلــك ِ‬
‫أن عبادة األواثن‪ ،‬وا ية‬ ‫تدل عل َّ‬‫إن ها األنبياء‪ ،‬و ضبهم عل عبادة األواثن ُّ‬ ‫اليهودية « َّ‬
‫كانت قد تس ـ َّـربت إىل نفوس ال ـ ـرائيلي ‪ ،‬و تس ــتأهللا ــل ش ــأفتها إىل َّأَيم رجوعهم من اجلالء‪،‬‬
‫إن التُّلمود أيض ـ ـ ـ ـاً ي ـ ـ ــهد َّ‬
‫أبن الوثنيَّة‬ ‫ٍ‬
‫معتقدات خرافيَّة‪ ،‬وشـ ـ ـ ــركيَّة‪َّ .‬‬ ‫والنَّفي يف اببل‪ ،‬وقد اعتقدوا‬
‫خاهللاة لليهود»(‪.)2‬‬
‫كانت فيها جاذبية َّ‬
‫الذوق‬ ‫العقلي‪ ،‬وفسـ ـ ـ ـ ـ ــاد َّ‬
‫ِ‬ ‫اَّمدية‪ ،‬قد وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــل إىل اححنطاط‬ ‫اليهودأ قبل البعثة َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إن ااتمع‬
‫الدي ِ ‪ ،‬فَذا طالعت تلمود اببل الذأ يبال اليهود يف تقديسـ ــت‪ ،‬والذأ كان متداوحً ب اليهود‬ ‫ِ‬
‫اَّسيلي فست د فيت جاذً ريبةً من خفَّة العقل‪ ،‬و هف القول‪ ،‬واحج اء‬
‫ِ‬ ‫السادس‬
‫يف القرن َّ‬
‫ِ‬
‫ابلدين‪ ،‬والعقل(‪.)3‬‬ ‫عل هللا‪ ،‬والعبث ابحلقائق‪ ،‬والتَّالع‬
‫ـيحية فقد امتلنت بتلريف ال ال ‪ ،‬وأتويل اجلاهل ‪ ،‬واختف نور التَّوحيد‪،‬‬
‫َّأما املسـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫وإخالص العبادة هلل وراء ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـل الكثيفة(‪ ،)4‬واندلعت احلروب ب النَّصـ ـ ـ ـ ـ ــار يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‪،‬‬
‫وحتولت البيوت‪ ،‬واَّدارس‪،‬‬ ‫والعراق‪ ،‬وب نص ـ ـ ـ ـ ـ ــار مص ـ ـ ـ ـ ـ ــر حول حقيقة اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ ،‬وطبيعتت‪َّ ،‬‬
‫ملتلفة‪ ،‬وألو ٍان‬ ‫اَّسيلي يف مظاهر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫متنافسة‪ ،‬وظهرت الوثنية يف ااتمع‬ ‫ٍ‬ ‫والكنائس إىل معسكر ٍ‬
‫ات‬
‫شض‪ ،‬فقد جاء يف اتري اَّسيليَّة يف وء العلم اَّعاهللار‬ ‫َّ‬
‫كل‬
‫ـتمر ُّ‬ ‫«لقد انتهت الوثنيَّة‪ ،‬ولكنَّها تلق إابدةً كاملةً‪ ،‬بل َّإ‪،‬ا ت ل لت يف النُّفوس‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫دردوا عن آيتهم‪ ،‬وأبطايم‪ ،‬وهلَّوا عنهم أخذوا‬ ‫شيء فيها اب م اَّسيليَّة‪ ،‬ويف تارها فالَّذين َّ‬ ‫ٍ‬
‫شـ ــهيداً من شـ ــهدائهم‪ ،‬ولقَّبوه أبوهللاـ ــا ا ية‪ ،‬مثَّ هللاـ ــنعوا لت َتثاحً‪ ،‬وهكذا انتقل هذا ال ِ ـ ـرك‪،‬‬
‫عمت فيت عبادة ال ُّ ـهداء‪،‬‬ ‫وعبادة األهللاــنام إىل هؤحء ال ُّ ـهداء اَّلِيِ ‪ ،‬و ينتت هذا القرن َّ‬
‫حض َّ‬
‫أن األولياء ملون هللا ـ ـ ـ ــفات األلوهيَّة‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــار هؤحء‬ ‫وتكونت عقيدة جديدة‪ ،‬وهي َّ‬ ‫واألولياء‪َّ ،‬‬
‫القديس ــون خلقاً و ــيطاً ب هللا‪ ،‬والنسـ ــان‪ ،‬مل هللاـ ــفة األلوهيَّة عل أ ـ ــاس عقائد‬ ‫األولياء و ِ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب احلسن النَّ ِ‬
‫دوأ ‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب احلسن الن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫‪18‬‬
‫األريسي ‪ ،‬وأهللابلوا رماياً لقدا ة القرون الو ط ‪ ،‬وورعها وطهرها‪ ،‬و ِريت أمساء األعياد الوثنيَّة‬
‫حتول يف ع ــام ‪ 400‬ميالدأ عي ــد ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمس الق ــد إىل عي ــد ميالد‬ ‫أبمس ــاء ج ــدي ــدةٍ‪َّ ،‬‬
‫حض َّ‬
‫اَّسي »(‪.)1‬‬
‫أبن اللت الواحد مرَّك من‬ ‫ليكية اجلديدة «ت ل ل احعتقاد َّ‬ ‫وجاء يف دائرة اَّعار الكاثو َّ‬
‫الرابع األخري‪ ،‬ودامت كعقيدةٍ‬ ‫اَّسيلي‪ ،‬وفكره منذ ربع القرن َّ‬
‫ِ‬ ‫ثالثة أقانيم يف أح اء حياة العا‬
‫تطور عقيدة‬ ‫ـيلي‪ ،‬و يرفع ال ِس ـ ـتار عن ُّ‬ ‫مة‪ ،‬عليها احعتماد يف يع أحناء العا اَّسـ ـ ِ‬ ‫رمسيَّ ٍة مس ـ ـلَّ ٍ‬
‫ش‬
‫التَّثليث‪ ،‬و ِرها إح يف اَّنتصف الثَّاين للقرن التَّا ع ع ر اَّيالدأ» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫لقد اندلعت احلروب ب النَّصـ ــار ‪ ،‬وكفَّر بعض ـ ـهم بعض ـ ـاً‪ ،‬وقتل بعض ـ ـهم بعض ـ ـاً‪ ،‬وان ـ ـ ل‬
‫النَّصار ببعضهم عن حماربة الفساد‪ ،‬وإهللاال احلال‪ ،‬ودعوة األمم إىل ما فيت هللاال الب ريَّة(‪.)3‬‬
‫الايمان بعبادة العناهللاــر الطَّبيعيَّة‪ ،‬وأعظمها النَّار‪ ،‬وانت ــرت‬
‫و َّأما اجملوس‪ :‬فقد عرفوا من قد َّ‬
‫بيوت النَّار يف طول البالد وعر ــها‪ ،‬وعكفوا عل عبادهتا‪ ،‬وبنوا يا معابد‪ ،‬وهياكل‪ ،‬وكانت يا‬
‫آداب‪ ،‬وشـ ـرائع دقيقة داخل اَّعابد‪َّ ،‬أما خارجها فكان أتباعها أحراراً يس ــريون عل هواهم‪ ،‬ح‬
‫فرق بينهم وب من ح دين لت‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬ووظائفهم عند ااوس يف كتابت «إيران يف‬ ‫اَّؤر الدَّجاركي طبقة ري ـ ـ ـ ــاء ِ‬
‫ويص ـ ـ ـ ــف ِ‬
‫ُّ‬
‫مرات يف‬ ‫عهد ال َّسـ ـا ــانيِ » فيقول «كان واجباً عل هؤحء اَّوظَّف أن يعبدوا ال َّ ـ ـمس أربع َّ‬
‫هللا ـ ـ ٍة‪ ،‬عند النَّوم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أبدعية خا َّ‬ ‫اليوم‪ ،‬ويض ــا إىل ذلك عبادة القمر‪ ،‬والنَّار‪ ،‬واَّاء‪ ،‬وكانوا مكلَّف‬
‫واحنتباه‪ ،‬واح تس ــال‪ ،‬ولبس الايانَّر‪ ،‬واألكل‪ ،‬والعطس‪ ،‬وحلق ال َّ ـ ـعر‪ ،‬وتقليم األظفار‪ ،‬وقضـ ــاء‬
‫َتس النَّار‪ ،‬واَّاء بعض ـ ـ ـ ــها‬
‫احلاجة‪ ،‬وإيقاد ال ُّسـ ـ ـ ـ ـرً‪ ،‬وكانوا مأمورين أبح يدعوا النَّار تنطفئ‪ ،‬وأح َّ‬
‫مقد ة»(‪.)4‬‬‫ألن اَّعادن عندهم َّ‬ ‫بعضاً‪ ،‬وأح يش شدعوا اَّعدن يصدأ َّ‬
‫وك ــان أه ــل إيران يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبلون يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــالهتم النَّ ـار‪ ،‬وق ــد حلف «يايدجرد» ‪ -‬آخر ملوك‬
‫مرًة‪ ،‬وقال «أحلف ابل َّمس اليت هي اللت األكرب»‪ .‬وقد دان ااوس‬ ‫السا اني ‪ -‬ابل َّمس َّ‬
‫كل عص ـ ٍر‪ ،‬وأهللاــب ذلك شــعاراً يم‪ ،‬فآمنوا ني اثن أحدلا النُّور‪ ،‬أو إلت اخلري‪،‬‬ ‫ابلثَّنويَّة يف ِ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب احلسن الن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )2‬دائرة اَّعار الكاثوليكية اجلديدة ‪ ،‬مقال التثليث (‪.)395/14‬‬
‫حممد أبو حديد ‪ ،‬ص ‪.48 ، 38 ، 37‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر فت العرب َّصر ‪ ،‬تعري‬
‫ِ‬
‫السا انيِ ‪ ،‬ص ‪ ، 155‬نقالً عن السرية النبوية ‪ ،‬للنَّدوأ ‪ ،‬ص ‪.27‬‬‫إيران يف عهد َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪19‬‬
‫والثاين الظَّالم‪ ،‬أو إلت ال ِ‬
‫َّر(‪.)1‬‬
‫حتولت إىل ٍ‬
‫وثنية حتمل معها األهللا ـ ـ ـ ـنام حيث‬ ‫َّأما البوذيَّة يف ايند وآ ـ ـ ـ ــيا الو ـ ـ ـ ــط فقد َّ‬
‫ارت‪ ،‬وتب ايياكل‪ ،‬وتنص َتاثيل بوذا حيث حلَّت‪ ،‬ونايلت(‪.)2‬‬
‫ـلي‪ ،‬فقد امتازت بكثرة اَّعبودات‪ ،‬واحية‪ ،‬وقد بل ت ْأوجها‬ ‫َّأما الربمهيَّة دين ايند األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫أن الدَينة ايندوكيَّة‪ ،‬والبوذيَّة وثنيتان واء بسو ٍاء‪.‬‬
‫وحشك َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّيالدأ‪،‬‬ ‫السادس‬
‫يف القرن َّ‬
‫لقد كانت الدُّنيا اَّعمورة من البلر األطلس ـ ـ ـ ـ ـ ــي إىل اَّيا ايادأ ارقةً يف الوثنيَّة‪ ،‬وكأجا‬
‫كانت اَّس ــيليَّة‪ ،‬واليهوديَّة‪ ،‬والبوذيَّة‪ ،‬والربليَّة‪ ،‬تتس ــابق يف تعظيم األواثن‪ ،‬وتقديس ــها‪ ،‬وكانت‬
‫حلبة واحدةٍ‪.‬‬
‫رهان درأ يف ٍ‬ ‫كهيل ٍ‬
‫ب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل عموم هذا الفس ـ ـ ــاد‪ ،‬جلميع األجناس‪ ،‬و يع‬
‫وقد أش ـ ـ ــار النَّ ُّ‬
‫إن ِريب أمرين أن‬
‫يوم يف خطبتت «أح َّ‬ ‫اااحت بال ا تثناء‪ ،‬فقد قال هللال هللا عليت و لم ذات ٍ‬
‫أعلِمكم مــا جهلتم اـَّا علَّم يومي هــذا كـ ُّـل مـ ٍ‬
‫ـال شحنشْلتـت(‪ )3‬عبــداً حالل‪ِ ،‬‬
‫وإين خلقــت عبــادأ‬
‫وحرمت عليهم ما أحللت يم‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وإ‪،‬م أتتهم ال َّ ـ ـ ـياط فاجتالتهم عن دينهم ‪َّ ،‬‬ ‫حنفاء(‪ )4‬كلَّهم‪َّ ،‬‬
‫وإن هللا نظر إىل أهل األرض‪ ،‬فمقتهم عرهبم‪،‬‬ ‫و شأمشرْهتم أن ي ـ ـ ـ ـ ـ ــركوا يب ما ْ أنْ ِايْل بت ـ ـ ـ ـ ـ ــلطاانً‪َّ ،‬‬
‫وع مهم إح بقاَي من أهل الكتاب»(‪.)6‬‬
‫واحلديث ي ري إىل احنرا الب ريَّة يف جوان متعددةٍ‪ ،‬كال ِ رك ابهلل‪ ،‬ونبذ شريعتت‪ ،‬وفساد‬
‫السماويَّة‪ ،‬وااألهتم للقوم عل اليم(‪.)7‬‬ ‫اَّصلل من حلة األدَين َّ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب احلسن الن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )3‬حنلتت أعطيتت‪( .‬النِهاية يف ري احلديث ‪.)29/5‬‬
‫(‪ )4‬حنفاء مائل عن ال ِ رك إىل التَّوحيد‪( .‬النِهاية ‪.)451/1‬‬
‫(‪ )5‬اجتالتهم ذهبت هبم‪( .‬النِهاية ‪.)316/1‬‬
‫(‪ )6‬مسلم ‪ ،‬كتاب اجلنَّة ‪ ،‬ابب ِ‬
‫الصفات الَّيت يعر هبا يف الدُّنيا أهل اجلنَّة وأهل النَّار ‪ ،‬رقم (‪.)2865‬‬
‫األولون ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫(‪ )7‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪20‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫أصول العرب وحضارهتم‬


‫أوالً‪ :‬أصول العرب‪:‬‬

‫السالحت الَّيت احندروا(‪ )1‬منها‬


‫ُّ‬ ‫اَّؤرخون أهللاول العرب ثالثة ٍ‬
‫أقسام‪ ،‬حبس‬ ‫قسم ِ‬ ‫َّ‬
‫‪ - 1‬العرب البائدة‪:‬‬
‫وهي قبائل عاد‪ ،‬وشود‪ ،‬والعمالقة‪ ،‬وطس ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬وجديس‪ ،‬وأ شمْيم‪ ،‬وجرهم وحض ـ ـ ـ ـ ــرموت‪ ،‬ومن‬
‫ت معاَّها‪ ،‬وا ـ ــمللَّت من الوجود قبل ال ـ ــالم‪ ،‬وكان يم ملوك َّ‬
‫امتد‬ ‫يتَّصـ ــل هبم‪ ،‬وهذه شد شر ش ـ ـ ْ‬
‫ملكهم إىل ال َّام‪ ،‬ومصر(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬العرب العاربة‪:‬‬
‫وهم العرب اَّنلــدرة من هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ يشـ ْعرب بن يش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ بن قلطــان‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم ابلعرب‬
‫القلطانيَّة(‪ ،)3‬ويعرفون بعرب اجلنوب(‪ ،)4‬ومنهم ملوك اليمن‪ ،‬والكة مع ‪ ،‬و بأ‪ِ ،‬‬
‫وحْشري(‪.)5‬‬
‫‪ - 3‬العرب العداننيَّة‪:‬‬
‫ص ـالة وال َّس ـالم ‪-‬‬ ‫نســبة إىل عدانن‪ ،‬الَّذأ ينتهي نســبت إىل إمساعيل بن إبراهيم ‪ -‬عليهما ال َّ‬
‫وهم اَّعروفون ابلعرب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعربة‪ ،‬أأ الَّذين دخل عليهم دم ليس عربياً‪ ،‬مث ذَّ اندماً ب هذا‬
‫الدَّم وب العرب‪ ،‬وأهللابلت اللُّ ة العربيَّة لسان اَّاييت اجلديد‪.‬‬
‫مكة‪ ،‬وهم إمساعيل عليت الس ـ ـ ـ ــالم وأبنايه‪،‬‬ ‫وهؤحء هم عرب ال ـ ـ ـ ــمال‪ ،‬موطنهم األهللا ـ ـ ـ ــلي َّ‬
‫واجلرالة هم الذين تعلَّم منهم إمساعيل عليت السالم العربيَّة‪ ،‬وهللااهرهم‪ ،‬ون أ أوحده عرابً مثلهم‪،‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم األعل ‪ ،‬ومن عدانن كانت‬ ‫جد الن ِ‬ ‫ومن أهم ِ‬
‫ذريَّة إمساعيل (عدانن) ُّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر‪،‬‬
‫قبـائـل العرب‪ ،‬وبطو‪،‬ـا‪ ،‬فقـد جـاء بعـد عـدانن ابنـت شم شعـدُّ‪ ،‬مثَّ نايار‪ ،‬مثَّ جـاء بعـده ولـداه م ش‬
‫وربيعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪ .45‬وينظر ال كل (‪ )2‬يف الصفلة (‪.)738‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)46/1‬‬
‫السرية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫(‪ )3‬فقت ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫(‪ )4‬مدخل لفهم ِ‬
‫(‪ِ )5‬‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)47/1‬‬
‫‪21‬‬
‫َّأما ربيعة بن نايار فقد نايل شم ِن احندر ِم ْن هللا ـ ـ ـ ـ ــلبت ش ـ ـ ـ ـ ــرقاً‪ ،‬فقامت عبد القيس يف البلرين‪،‬‬
‫وحنيفة يف اليمامة‪ ،‬وبنو بكر بن وائل ما ب البلرين واليمامة‪ ،‬وعربت تشـ ْل الفرات‪ ،‬فأقامت‬
‫يف أرض اجلاييرة ب دجلة والفرات‪ ،‬و كنت َتيم يف ابدية البصرة(‪.)1‬‬
‫َّأما فري مضـر فقد نايلت ـليم ابلقرب من اَّدينة‪ ،‬وأقامت ثقيف يف الطائف‪ ،‬وا ـتوطنت‬
‫مكة‪ ،‬و ــكنت أ ــد شـرقي تيماء إىل ريب الكوفة‪ ،‬و ــكنت ذبيان‪ ،‬وعبس‬ ‫ــائر هوازن شــرقي َّ‬
‫من تيمــاء إىل حوران(‪ .)2‬وتقس ـ ـ ـ ـ ـ ــيم العرب إىل عــداننيــة‪ ،‬وقلطــانيــة هو مــا عليــت هرة علمــاء‬
‫أن العرب عداننيَّة‪ ،‬وقلطانيَّة‪ ،‬ينتســبون‬ ‫األنســاب‪ ،‬و ريهم من العلماء‪ ،‬ومن العلماء شم ْن ير َّ‬
‫إىل إمساعيل عليت السالم(‪.)3‬‬
‫البهارأ يف هللاــليلت لذلك‪ ،‬فقال ابب نســبة اليمن إىل إمساعيل عليت الســالم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وقد ترجم‬
‫وذكر يف ذلك حديثاً عن لمة‪ ،‬قال خرً ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عل قوم يتنا لون‬
‫ابل ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــام‪ ،‬فقــال «ارموا‪ ،‬ب إمســاعيــل‪ ،‬وأان مع ب فالن» ‪ -‬ألحــد الفريق ‪ -‬فـأمس ـ ـ ـ ـ ـ ــكوا‬
‫أبيديهم‪ ،‬فقال « ما لكم»؟ قالوا كيف نرمي وأنت مع ب فالن؟ فقال «ارموا‪ ،‬وأان معكم‬
‫فَن أابكم كان رامياً» [البخاري‬ ‫الرواَيت «ارموا ب إمساعيل َّ‬ ‫كلِكم» [البخاري (‪ .])3507‬ويف بعض ِ‬
‫(‪ )2899‬وأمحد (‪ )50/4‬وابن حبان (‪. ])4693‬‬
‫أن خاياعة‬ ‫اعةش‪ ،‬يع َّ‬
‫ص ـ ـ بن حارثةش بن عمرو بن عامر من خشاي ش‬ ‫البهارأ وأ ـ ــلم بن أشفْ ش‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫َتاي شق من قبائل بأ ح أر ل هللا عليهم يل العرم(‪.)4‬‬ ‫فرقة اَّن كان َّ‬
‫البهارأ عن كلي بن وائل قال‬ ‫ُّ‬ ‫ضشر‪ ،‬وقد أخرً‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم من م ش‬ ‫شوولِ شد َّ‬
‫َّب‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم زين بنت أيب ـ ـ ــلمة‪ ،‬قال «قلت يا أرأيت الن َّ‬ ‫حدَّثت ربيبة الن ِ‬
‫ض ـ ـشر؟ من ب النَّضـ ــر بن‬ ‫ِ‬
‫فممن كان إح م ْن م ش‬ ‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أكان من مضـ ــر؟ فقالت َّ‬
‫كنانة» [البخاري (‪.])3491‬‬
‫وكــانــت قريش قــد احنــدرت من كنــانــة‪ ،‬وهم أوحد فهر بن مــالــك بن النَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــر بن كنــانــة‪،‬‬
‫وعدأ‪ ،‬وملايوم‪ ،‬وتيم‪ ،‬وزهرة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪ ،‬و ـ ـ ــهم‪،‬‬ ‫وانقسـ ـ ــمت قريش إىل قبائل شـ ـ ـ َّـض‪ ،‬من أشـ ـ ــهرها‬

‫(‪ )1‬مدخل لفهم السرية ‪ ،‬ص ‪.99 ، 98‬‬


‫(‪ )2‬انظر الطريق إىل اَّدائن ‪ ،‬لعادل كمال ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )3‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)48/1‬‬
‫(‪ )4‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)48/1‬‬
‫‪22‬‬
‫صي‪ ،‬وعبد‬ ‫العاي ب ـ ـ ـ ــن ق ٍ‬
‫قصي‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ــد بن عب ـ ـ ـ ــد َّ‬
‫كالب‪ ،‬وهي عبد الدَّار بن ٍ‬‫قصي بن ٍ‬ ‫وبطون ِ‬
‫قصي‪ ،‬وكان من عبـ ـ ـ ــد منا أربع فصائل عبد طس‪ ،‬ونوفل‪ ،‬واَّطَّل ‪ ،‬وهاشم‪.‬‬ ‫منـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ــن ٍ‬
‫حممد بن عبد هللا بن عبد اَّطل بن هاشم هللال‬ ‫وبيت هاشم هو الَّذأ اهللاطف هللا منت يِدان َّ‬
‫هللا عليت و لم (‪.)1‬‬
‫إن هللا اهللاــطف كنانة من ولد إمساعيل‪ ،‬واهللاــطف قري ـاً من‬ ‫قال هللاــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫كنانة‪ ،‬واهللا ـ ــطف من قريش ب هاش ـ ــم‪ ،‬واهللا ـ ــطفاين من ب هاش ـ ــم» [مسـ ــلم (‪ )2276‬والرتمذي (‪3605‬‬

‫و‪ )3606‬وأمحد (‪. ])107/4‬‬


‫اثنياً‪ :‬حضارات اجلزيرة العربية‪:‬‬

‫ات عريقةٌ‪ ،‬من أشورها‪:‬‬


‫ات أصيلةٌ‪ ،‬ومدنيَّ ٌ‬
‫الزمان ببالد العرب حضار ٌ‬
‫نشأت من قدمي َّ‬
‫‪ - 1‬حضارة سبأ ابليمن‪:‬‬
‫وقد أش ــار القرآن الكر إليها‪ ،‬ففي اليمن ا ــتفادوا من مياه األمطار‪ ،‬وال ُّسـ ـيول اليت كانت‬
‫متطورةٍ‪ ،‬وأشهر‬ ‫بطرق هند يَّة ِ‬ ‫السدود ٍ‬ ‫اخلاياانت‪ ،‬و ُّ‬ ‫الرمال‪ ،‬وتنلدر إىل البلار‪ ،‬فأقاموا َّ‬ ‫تضيع يف ِ‬
‫الايروي اَّتنوعة‪ ،‬واحلدائق ذات األش ار َّ‬
‫الايكيَّة‪،‬‬ ‫السدود ( د مأرب)‪ ،‬وا تفادوا مبياهها يف ُّ‬ ‫هذه ُّ‬
‫عاي شأنت‬‫والثِمار ال َّهيَّة‪ ،‬قال َّ‬
‫ان شع ْن شميِ ٍ شوِطش ٍال كلوا ِم ْن ِرْزِق شربِك ْم شوا ْش ـ ـ ـكروا لشت‬ ‫﴿لششق ْد شكا شن لِس ـ ـ ـبٍَ ِيف مس ـ ـ ـ شكنِ ِهم آية جنـَّتش ِ‬
‫ْ ش ش‬ ‫شش شْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بشـ ْل شدة طشيِبشة شوشر ُّ‬
‫ب شفور ۝ فشأ ْشعشر ـ ـوا فشأ ْشر ش ـ ـ ْلنشا شعلشْيه ْم ش ـ ـْي شل الْ شعرم شوبش َّدلْنشاه ْم قشنَّـتشـْيه ْم شجنـَّتش ْ ذش شو شْ‬
‫ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك شجشاييْـنش ـاه ْم ِمبشـا شك شفروا شوشه ـ ْل ُش ـا ِزأ إِحَّ‬ ‫أك ـ ٍل طشْ ٍا شوأشثْ ـ ٍل شو شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْيء ِم ْن ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْد ٍر قشليـ ٍـل ۝ شذل ـ ش‬
‫ـلة يف ا َّلايمن اَّا ــي ما ب اليمن‬ ‫ودل القرآن الكر عل وجود قر متصـ ٍ‬ ‫الْ شكفور﴾[ســبأ‪َّ ]17 - 15 :‬‬
‫ً‬ ‫ش‬
‫أن قوافل التِ ارة واَّسافرين كانوا خيرجون من اليمن إىل بالد‬ ‫إىل بالد احل از‪ ،‬إىل بالد ال ام‪ ،‬و َّ‬
‫﴿و شج شع ْلنشـا بشـْيـنشـه ْم شوبشْ ش الْقشر الَِّيت‬
‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‪ ،‬فال يعـدمون ظالً‪ ،‬وح مـاءً‪ ،‬وح طعـامـاً‪ .‬قـال تعـاىل ش‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس شوأ َّشَي ًما آمن ش ۝ فشـ شقالوا شربـَّنشا شابع ْد بشْ ش‬ ‫شاب شرْكنشا ف شيها قر ً ظشاهشرًة شوقشد َّْرشان ف شيها ال َّسـ ْ شري ـريوا ف شيها لشيش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أش ـ ـ شفا ِرشان وظشلشموا أشنْـفسـ ـهم فش ع ْلنشاهم أ ِ‬
‫هللاـ ـبَّا ٍر‬
‫ك َيت لك ِل ش‬ ‫يث شوشمَّايقْـنشاه ْم ك َّل اشَّايٍق إِ َّن ِيف شذل ش‬
‫شحاد ش‬
‫ش ْ شش ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪23‬‬
‫ششكوٍر﴾ [سبأ‪. ]19 - 18 :‬‬
‫‪ - 2‬حضارة عاد ابألحقاف‪:‬‬
‫وكانت يف طال حض ـ ـ ـ ــرموت‪ ،‬وهم الذين أر ـ ـ ـ ــل هللا إليهم نبيَّت هوداً عليت الس ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وكانوا‬
‫ٍ‬ ‫أهللالاب بيوت م يَّدةٍ‪ ،‬ومصانع ِ‬
‫متعددةٍ‪،‬‬
‫وزروي‪ ،‬وعيون قال تعاىل ﴿ شك َّذبش ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ت شعاد‬ ‫وجنات‪ٍ ،‬‬
‫الْم ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِ ش ۝ إِ ْذ قش شال شي ْم أشخوه ْم هود أششح تشـتـَّقو شن ۝ إِِين لشك ْم شر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول أ ِشم ۝ فشاتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش‬
‫ب الْ شعالش ِم ش ۝ أشتشـْبـنو شن بِك ِل ِري ٍع‬ ‫شج ِرأ إِحَّ شعلش ر ِ‬ ‫ون ۝ وما أش ْ ـ ـأشلكم شعلش ِيت ِمن أ ْ ِ‬ ‫شطيع ِ‬ ‫وأ ِ‬
‫ش‬ ‫شج ٍر إ ْن أ ْ ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّهذو شن م ِ‬ ‫آيةً تشـعبـثو شن ۝ وتشـت ِ‬
‫ين ۝ فشاتـَّقوا‬ ‫ص ـان شع لش شعلَّك ْم شهْلدو شن ۝ شوإ شذا بشطش ْ ـت ْم بشطش ْ ـت ْم شجبَّار ش‬
‫شش‬ ‫ش‬ ‫ش ْش‬
‫ون ۝ واتـَّقوا الَّـ ـ ِذأ أشم ـ ـ َّدكم ِمبشـ ـا تشـعلشمو شن ۝ أشم ـ ـ َّدكم ِأبشنْـع ـ ـ ٍام وبنِ ۝ وجنَّـ ـ ٍ‬
‫ات‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫شطيع ِ‬
‫شش‬ ‫ش ْ ش شش ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ش‬ ‫َّش ش‬
‫ون﴾ [الشعراء‪. ]134 - 123 :‬‬‫وعي ٍ‬
‫ش‬
‫‪ - 3‬حضارة مثود ابحلجاز‪:‬‬
‫دل القرآن الكر عل وجود حض ـ ـ ــارة يف بالد احلِ ْ ر‪ ،‬وأش ـ ـ ــار إىل ما كانوا يتمتَّعون بت من‬ ‫َّ‬
‫القــدرة عل حنــت البيوت يف اجلبــال‪ ،‬وعل مــا كــان يوجــد يف بالدهم من ٍ‬
‫عيون وبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ‪،‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالِ أشحش تشـتـَّقو شن ﴾‬ ‫ِ‬
‫ت ششود الْم ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ش ۝ إِ ْذ قش شال شي ْم أشخوه ْم ش‬ ‫وزروي قال تعاىل ﴿ شك َّذبش ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫ون ۝ شوشما أش ْ ـ ـأشلك ْم شعلشْي ِت‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫شطيع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫﴿ ِ‬
‫هللاـ ـال أشحش تشـتـَّقو شن ۝ إين لشك ْم شر ـ ـول أشم ۝ فشاتـَّقوا َّش ش‬ ‫ش‬
‫َّات وعي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شج ٍر إِ ْن أ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‬ ‫شج ِرأ إحَّ شعلش شرب الْ شعالشم ش ۝ أشت ْشكو شن يف شما شهاهنشا آمن ش ۝ يف شجن ش‬ ‫م ْن أ ْ‬
‫وات فشـ ـا ِرِه ش ۝ فشـ ـاتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش‬ ‫اجلِبشـ ـ ِال بـي ً‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيم ۝ شوتشـْن ِلتو شن ِم شن ْ‬
‫وي وشَنْـ ـ ٍل طشْلعه ـ ـا ه ِ‬
‫ش ش‬ ‫۝ شوزر ٍ ش‬
‫﴿واذْكروا إِ ْذ شج شعلشك ْم خلش شفاءش ِم ْن بشـ ْع ِد شع ٍاد‬ ‫شوأشطيعون﴾ [الشــ ـ ـ ــعراء‪ .]150 - 141 :‬وقال فيهم أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ش‬
‫ِ ِ‬
‫اَّللِ شوحش تشـ ْعثشـ ْوا‬ ‫َّهذو شن ِمن ـ ـه ِ‬
‫وات فشاذْكروا آحشءش َّ‬ ‫اجلِبش شال بـي ً‬
‫ويشا قص ـ ـ ًورا شوتشـْن ِلتو شن ْ‬ ‫ْ‬
‫ض تشـت ِ‬‫شوبشـ َّوأشك ْم ِيف األ ْشر ِ‬
‫ين﴾ [األعراف‪.]74 :‬‬ ‫ِيف األشر ِ ِ ِ‬
‫ض م ْفسد ش‬ ‫ْ‬
‫يبق إح آاثر ور ــوم وأطالل‪ ،‬فقد ا ــمللَّت القر ‪،‬‬ ‫طويل‪ ،‬و ش‬ ‫كل ذلك من زم ٍن ٍ‬ ‫لقد زال ُّ‬
‫واَّدن‪ ،‬وخربت الدُّور‪ ،‬والقصـ ـ ــور‪ ،‬ونضـ ـ ــبت العيون‪ ،‬وجفَّت األش ـ ـ ـ ار‪ ،‬وأهللاـ ـ ــبلت البسـ ـ ــات‬
‫الايروي أر اً جرزاً(‪.)3‬‬
‫و ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)50/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)50/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)51/1( ،‬‬
‫‪24‬‬
‫املبحث الثَّالث‬
‫األحوال ِّ‬
‫الدينيَّة والسياسية واالقتصاديَّة‬

‫واالجتماعيَّة‪ ،‬واألخالقيَّة عند العرب‬


‫َّأوالً‪ :‬احلالة ِّ‬
‫الدينيَّـة(‪:)1‬‬

‫افات خلقيَّ ٍة‪،‬‬‫ف دين ـ ٍـي شدي ـ ٍـد‪ ،‬ووثنيَّ ـ ٍـة هيف ـ ٍـة ح مثيل ي ــا‪ ،‬واحنر ٍ‬ ‫األمة العربيَّة بتهلُّ ٍ‬
‫ابتليت َّ‬
‫قل شــأ‪،‬م‪ ،‬وهللاــاروا يعي ــون عل هامش‬ ‫واجتماعيَّ ٍة‪ ،‬وفو ـ ــيا ــية‪ ،‬وت ـريعيَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‪ ،‬شوِم ْن شمثَّ َّ‬
‫الرومانيَّـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وقد‬ ‫التَّـ ـ ـ ـ ـ ــاري ‪ ،‬وح يتعدَّون يف أحسن األحوال أن يكونوا اتبع َّ‬
‫للدولة الفار يَّة أو ُّ‬
‫الايي ‪،‬‬‫امت ت قلوهبم بتعظيم تراث ا ابء‪ ،‬واألجــداد‪ ،‬واتِبــاي مــا كــانوا عليــت‪ ،‬مهمــا يكن فيــت من َّ‬
‫لكل ٍ‬
‫قبيلة هللا ــنم‪ ،‬فكان ي شذيل بن م ْد ِركة‬ ‫ضـ ـالل‪ ،‬ومن شمثَّ عبدوا األهللا ــنام‪ ،‬فكان ِ‬
‫واححنرا ‪ ،‬وال َّ‬
‫ـ ـ ـواي‪ ،‬ولكل شوُّد‪ ،‬وَّذحت يش وث‪ ،‬وخليوان يشعوق‪ ،‬وحلمري نش ْس ـ ـ ـر‪ ،‬وكانت خاياعة‪ ،‬وقريش‬
‫تعبدان إ افاً‪ ،‬وانئلة‪ ،‬وكانت مناة عل احل البلر‪ِ ،‬‬
‫تعظمها العرب كافَّـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬واألوس‪ ،‬واخلايرً‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬وكانت الَّالت يف ثقيف‪ ،‬وكانت العَّاي فوق ذات ِع ْرٍق‪ ،‬وكانت أعظم األهللاــنام عند‬
‫خا َّ‬
‫قريش(‪.)2‬‬
‫ص ـ رية‪ ،‬والَّيت‬
‫وإىل جان هذه األهللا ــنام ا َّلرئيس ــة‪ ،‬يوجد عدد ح ص ـ كثرًة من األهللا ــنام ال َّ‬
‫يسهل نقلها يف أ فارهم‪ ،‬وو عها يف بيوهتم‪.‬‬
‫البهارأ يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــليلت عن أيب رجاء العطشا ِر ِ‬
‫دأ قال «كنَّا نعبد احل ر‪ ،‬فَذا وجدان‬ ‫ُّ‬ ‫رو‬
‫عنـا جثْـوةً من تر ٍ‬
‫اب‪ ،‬مثَّ جئنا‬ ‫ح راً هو أخري منـت ألقينـاه‪ ،‬وأخـذان ا خر‪ ،‬فـَذا ُـد ح راً‬
‫ش‬
‫ابل َّاة‪ ،‬فللبناه عليت‪ ،‬مث طفنا بت!!!» [البخاري (‪. ])4376‬‬
‫وقد حالت هذه الوثنية ال َّسـ ـ ـ ـ ـهيفة ب العرب ومعرفة هللا تعاىل‪ ،‬وتعظيمت‪ ،‬وتوقريه‪ ،‬والميان‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )3‬يف الصفلة (‪.)739‬‬


‫األولون ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪25‬‬
‫بت‪ ،‬وابليوم ا خر‪ ،‬وإن زعموا َّأ‪،‬ا ح تعدو أن تكون و ـ ـ ــائا بينهم وب هللا‪ .‬وقد هيمنت هذه‬
‫اآية اَّايعومة عل قلوهبم‪ ،‬وأعمايم‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ُّـرفاهتم‪ ،‬و يع جوان حياهتم‪ ،‬و ش ـ ـ ـ ـعف توقري هللا يف‬
‫اَّلل مثَّ إِلشْي ِت يـ ْر شجعو شن﴾‬
‫ين يش ْس ـ ـ ـ ـ شمعو شن شوالْ شم ْوتش يشـْبـ شعثـهم َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َِّ‬
‫نفو ـ ـ ــهم‪ ،‬قال تعاىل ﴿إجشا يش ْس ـ ـ ـ ـتش ي الذ ش‬
‫[األنعام‪. ]36 :‬‬
‫َّأما البقيَّة الباقية من دين إبراهيم عليت الس ـ ـ ـ ـ ــالم فقد أهللا ـ ـ ـ ـ ــاهبا التَّلريف‪ ،‬والتَّ يري‪ ،‬والتَّبديل‪،‬‬
‫احلت مومساً للمفاخرة واَّنافرة‪ ،‬واَّباهاة‪ ،‬واحنرفت بقاَي اَّعتقدات احلنيفيَّة عن حقيقتها‪،‬‬
‫فص ـ ـ ـ ــار ُّ‬
‫وألصق هبا من اخلرافات‪ ،‬واأل اطري ال َّيء الكثري‪.‬‬
‫وكان يوجد بعض األفراد من احلنفاء‪ ،‬الَّذين يرفض ـ ـ ـ ـ ـ ــون عبادة األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــنام وما يتعلَّق هبا من‬
‫األحكام‪ ،‬والنَّلائر‪ ،‬و ريها‪ ،‬ومن هؤحء زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وكان ح يذب ل نص ـ ـ ــاب‪ ،‬وح‬
‫ركل اَّيتة‪ ،‬والدَّم‪ ،‬وكان يقول‬
‫أدين إذا تـق ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِ‬
‫ـت األمور؟‬ ‫رب؟‬ ‫ـف ٍ‬ ‫أرَّابً واح ـ ـ ـ ــداً أم أل ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبور‬
‫ـك يفعــل اجل ْل ـد ال َّ‬
‫كــذلـ ش‬ ‫شعـشايلْـ ـ ـ ـت الَّـ ش‬
‫الت والْـع َّـاي ـيـعـ ـ ـ ـاً‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنشـمـي بـ شعـ ْمـ ٍرو أزور‬
‫وح ش‬ ‫فــال ع ـَّاي أديــن وح ابْـ ـنشـ ـتشـ ـْي ـه ـ ـ ــا‬
‫يف الـ ـ ــدَّهر‪ ،‬إ ْذ ح ْلمي يس ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬ ‫وح نمـ ـ ـ ـاً أدين وك ـ ـ ــان رابًلن ـ ـ ــا‬
‫(‪) 1‬‬
‫ل ـيشـ ـ ْ ـ ِف ـشر ذشنْ ـب الـ َّـر ُّ‬
‫ب ال ـ ش ـف ـور‬ ‫ول ـ ـ ـكـ ـ ـ ْـن أع ـ ـ ـب ـ ـ ــد الـ ـ ـ َّـر ْح ـ ـ ـ شن ِريب‬
‫س بن ــاعدة‬
‫صـ ـالة وال َّس ـالم ‪ -‬قش ُّ‬
‫واَّن كان يدين ب ـ ـريعة إبراهيم‪ ،‬وإمساعيل ‪ -‬عليهما ال َّ‬
‫الَيدأ فقــد كــان خطيبـاً‪ ،‬حكيمـاً‪ ،‬عــاقالً‪ ،‬لــت نبــاهــة‪ ،‬وفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬وكــان يــدعو إىل توحيــد هللا‪،‬‬
‫ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت‬
‫وعبادتت‪ ،‬وترك عبادة األواثن‪ ،‬كما كان يؤمن ابلبعث بعد اَّوت‪ ،‬وقد بش َّر ابلن ِ‬
‫ُّبوة (‪ 105 - 104/1‬برقم ‪ ])55‬عن ابن ٍ‬
‫عباس‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقد رو أبو نـ شعْي ٍم يف دحئل الن َّ‬
‫قس بن اعدة كان خيط قومت يف وق (ع شكا ) فقال يف خطبتت ش يعلشم شحق من‬ ‫قال « َّ‬
‫إن َّ‬
‫لؤأ بن ال ٍ‬
‫احلق؟ قال رجل من ولد ِ‬ ‫هذا الوجت ‪ -‬وأش ـ ـ ـ ـ ــار بيده إىل َّ‬
‫مكة ‪ -‬قالوا وما هذا ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)163/1‬‬
‫‪26‬‬
‫يـدعوكم إىل كلمـة الخالص‪ ،‬وعيش األبـد‪ ،‬ونعي ٍم ح ينفـد‪ ،‬فـَن دعـاكم فـأجيبوه‪ ،‬ولو علمـت‬
‫ِأين أعيش إىل مبعثت لكنت َّأوشل من يسع إليت»‪ ،‬وقد أدرك الن َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومات‬
‫قبل البعثة(‪.)1‬‬
‫واَّا كان ين ده من شعره‬
‫ـائر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـذاهب ش َّ‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـن الْقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرون لنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫األوليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـن‬
‫ت ل ـ ـ ـ ـ ـ ــيس ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا مص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاد ْر‬ ‫لِْلم ـ ـ ـ ـ ـ ــو ِ‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوارداً‬
‫شش‬ ‫ش ْ‬
‫األهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ر واألكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابِْر‬ ‫ميضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ش‬
‫حنوه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ورأي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومي ش‬
‫ح يشـ ْرِج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع اَّا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي‬
‫شوح ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـن الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابِْر‬
‫أيقن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ِأين ح حمال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةش‬
‫(‪)2‬‬
‫ـائر‬
‫ـار القـ ـ ـ ـ ــوم هللاـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫حيـ ـ ـ ـ ــث هللاـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر‪ ،‬وبعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم دخل يف اليهوديَّة‪َّ ،‬أما األ لبيَّة فكانت تعبد‬ ‫كان بعض العرب قد تن َّ‬
‫األواثن‪ ،‬واألهللانام‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬احلالة السياسية(‪:)3‬‬

‫النظام‬
‫السائد بينهم هو ش‬‫كان كان اجلاييرة العربية ينقسمون إىل بد ٍو‪ ،‬وحضر‪ ،‬وكان النِظام َّ‬
‫حض يف اَّمالك اَّتل ِ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة الَّيت ن ـ ـ ـ ـ ـ ــأت ابجلاييرة‪ ،‬كمملكة اليمن يف اجلنوب‪ ،‬والكة‬ ‫القبلي‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫رقي‪ ،‬والكة ال س ــا ــنة يف ال َّ ـ ـمال ال ِ‬
‫ريب‪ ،‬فلم تنص ــهر اجلماعة فيها يف‬ ‫احلرية يف ال َّ ـ ـمال ال َّ ـ ـ ِ‬
‫وحدات متما كةً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإجا ظلَّت القبائل‬ ‫احد‪َّ ،‬‬ ‫شع ٍ و ٍ‬

‫والقبيلة العربيَّة جمموعة من الناس‪ ،‬تربا بينها وحدة الدَّم (النَّسـ ـ ـ ـ ـ )‪ ،‬ووحدة اجلماعة‪ ،‬ويف‬
‫ـاس من التَّضــامن‬‫ينظم العالقات ب الفرد واجلماعة‪ ،‬عل أ ـ ٍ‬ ‫ظل هذه الرابطة ن ــأ قانون عريف ِ‬ ‫ِ‬
‫العريف كــانــت تتم َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك بــت القبيلــة يف نظــامهــا‬
‫بينهمــا يف احلقوق والواجبــات‪ ،‬وهــذا القــانون ُّ‬
‫السيا ِي‪ ،‬واحجتماعي(‪.)4‬‬ ‫ِ‬

‫السنَّة أليب شهبة (‪.)80/1‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬


‫السرية النَّبويَّة يف وء القران و ُّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)81/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ال كل (‪ )4‬يف الصفلة (‪.)740‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪.)60/1( ،‬‬
‫‪27‬‬
‫اعة ومروءةٍ‪ ،‬و ٍ‬
‫كرم‪،‬‬ ‫ترشلت للقيادة منايلتت القبلية‪ ،‬وهللافاتت‪ ،‬وخصائصت من ش ٍ‬ ‫وزعيم القبيلة ِ‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬ولرئيس القبيلة حقوق أدبيَّة‪ِ ،‬‬
‫وماديَّة‪ ،‬فاألدبيَّة ألُّها اح امت‪ ،‬وتب يلت‪ ،‬واح ـ ـ ـ ــت ابة‬
‫ألمره‪ ،‬والنُّايول عل حكمت‪ ،‬وقض ـ ـ ـ ـ ـ ــائت‪ ،‬و َّأما ِ‬
‫اَّاديَّة فقد كان لت يف كل ٍ‬
‫نيمة ت نمها (اَّرابي)‬
‫و(الصفاَي) وهو ما يصطفيت لنفست من ال نيمة قبل القسمة‪( ،‬والنَّ يطة) وهي‬
‫َّ‬ ‫وهو ربع ال نيمة‪،‬‬
‫العدو قبل اللِقاء‪ ،‬و(الفضول) وهو ما ح يقبل القسمة من مال ال نيمة‪ ،‬وقد‬
‫ما أهللاي من مال ِ‬
‫العريب ذلك بقولت‬
‫أ ل ال اعر ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وحكمك‪ ،‬والنَّ يطة‪ ،‬والفضول‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ــاَي‬
‫ل ـ ــك اَّرابي فين ـ ــا‪ ،‬وال َّ‬
‫ومقابل هذه احلقوق واجبات ومس ـ ـ ـ ــؤوليَّات‪ ،‬فهو يف ال ِس ـ ـ ـ ـلم جواد كر ‪ ،‬ويف احلرب يتقدَّم‬
‫الصل ‪ ،‬واَّعاهدات‪.‬‬ ‫الصفو ‪ ،‬ويعقد ُّ‬
‫ُّ‬
‫بيئة طلي ٍ‬
‫قة‪ ،‬ومن شمثَّ‬ ‫طليق‪ ،‬ويف ٍ‬ ‫جو ٍ‬ ‫العريب يف ٍ‬ ‫القبلي تس ـ ـ ـ ـ ــود فيت ِ‬
‫احلريَّة‪ ،‬فقد ن ـ ـ ـ ـ ــأ ُّ‬ ‫ِ‬
‫والنظام ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫فرد يف القبيلة‬ ‫الذ َّل‪ ،‬و ُّ‬
‫ض ـيم و ُّ‬
‫أخص خصــائص العرب‪ ،‬يع ــقو‪،‬ا‪ ،‬وربون ال َّ‬ ‫كانت احلرية من ِ‬
‫حض هللا ـ ـ ــار من‬ ‫ينتص ـ ـ ــر يا‪ ،‬وي ـ ـ ــيد مبفاخرها‪ ،‬و َّأَيمها‪ ،‬وينتص ـ ـ ــر ِ‬
‫لكل أفرادها حمقاً‪ ،‬أو مبطالً‪َّ ،‬‬
‫مبـادئهم «انص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر أخـاك ظـاَّـاً أو مظلومـاً» [البخاري (‪ 2443‬و‪ 2444‬و‪ )6952‬وأمحد (‪ 99/3‬و‪.])201‬وكان‬
‫شاعرهم يقول‬
‫ـات شعلش م ــا قشـ ـ شال بـ ْرشهـ ـاان‬ ‫يف النَّـ ـائب ـ ِ‬ ‫ح ي ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأشلو شن أ شخ ـاه ْم ِح ْ ش يشـْن ـدهب ْم‬
‫والفرد يف القبيلة تبع لل ماعة‪ ،‬وقد بل من اعتايازهم برأأ اجلماعة‪ ،‬أنت قد تذوب شهصيتت‬
‫يف شهصيتها‪ ،‬قال دريد بن ِ‬
‫الص َّمة‬ ‫شْ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫ش شويْت وإ ْن تشـ ْرشـ ـ ـ ـ ـ ْد ش ِاييَّة أ ْشرشـ ـ ـ ـ ـد‬ ‫شوشه ـ ـ ـ ْل أ ششان إح ِم ْن ش ِاييَّـ ـ ـة إِ ْن ش شو ْ‬
‫ت‬
‫قبيلة من القبائل العربيَّة يا شــهصــيتها الســيا ــية‪ ،‬وهي هبذه ال َّ ـهص ـيَّة كانت‬ ‫كل ٍ‬‫وكانت ُّ‬
‫لعل من‬
‫تعقد األحال مع القبائل األخر ‪ ،‬وهبذه ال َّهصيَّة أيضاً كانت ت ُّن احلرب عليها‪ ،‬و َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫(‪ )1‬انظر َّ‬


‫مكة واَّدينة يف اجلاهليَّة وعصر َّ‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)61/1‬‬
‫‪28‬‬
‫أشهر األحال اليت عقدت ب القبائل العربيَّة‪ ،‬حلف الفضول (حلف اَّطيِب )(‪.)1‬‬
‫قدم و ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاق‪ ،‬ومن أش ـ ـ ــهر هذه احلروب حرب الف ار(‪،)2‬‬ ‫وكانت احلروب ب القبائل عل ٍ‬

‫وكانت ‪ -‬عـ ـ ـ ـ ــدا هذه احلروب الكرب ‪ -‬تقع إ ارات فرديَّة ب القبائل‪ ،‬تكون أ باهبا شهصيَّةً‬
‫أحياانً‪ ،‬أو طل العيش أحياانً أخر إذ كان رزق بعض القبائل يف كث ٍري من األحيان يف ِ‬
‫حد‬
‫ليل‪ ،‬أو ‪،‬ا ٍر‬ ‫تنقض عليها قبيلة أخر يف ـ ٍ‬
‫ـاعة من ٍ‬ ‫ــيوفها‪ ،‬ولذلك ما كانت القبيلة أتمن أن َّ‬
‫سكن ابألمس(‪.)3‬‬
‫لتسل أنعامها‪ ،‬ومؤ‪،‬ا‪ ،‬وتدي دَيرها خاويةً كأن ت ْ‬
‫اثلثاً‪ :‬احلالة االقتصاديَّـة‪:‬‬
‫ص ـ ـلارأ الوا ـ ــعة اَّمتدَّة‪ ،‬وهذا ما جعلها هلو من ِ‬
‫الايراعة‪ ،‬إح‬ ‫ي ل عل اجلاييرة العربيَّة ال َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـةً اليمن‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـ ـ ـام‪ ،‬وبعض الواحات اَّنت ـ ـ ـ ـ ــرة يف اجلاييرة‪ ،‬وكان ي ل عل‬
‫يف أطرافها‪ ،‬وخا َّ‬
‫الب ــادي ــة رعي الب ــل‪ ،‬وال نم‪ ،‬وك ــان ــت تنتق ــل القب ــائ ــل حبث ـاً عن مواقع الك ‪ ،‬وك ــانوا ح يعرفون‬
‫اح تقرار إح يف مضارب خيامهم‪.‬‬
‫و َّأما ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـناعة فكانوا أبعد األمم عنها‪ ،‬وكانوا رنفون منها‪ ،‬وي كون العمل فيها ل عاجم‪،‬‬
‫قبطي ُا من ال َّس ـفينة اليت رقت قدَّة‪،‬‬ ‫واَّواس‪ ،‬حض عندما أرادوا بنيان الكعبة ا ــتعانوا ٍ‬
‫برجل ٍ‬
‫مثَّ أهللاب مقيماً يف َّ‬
‫مكة(‪.)4‬‬
‫فَن موقعها اح اتي َّي‬‫الصناعة َّ‬ ‫وإذا كانت اجلاييرة العربيَّة قد حرمت من نِ ْع شم شِيت ِ‬
‫الايراعة‪ ،‬و ِ‬
‫الدوليَّة آنذاك‪.‬‬ ‫حتتل مركاياً ِ‬
‫متقدماً يف التِ ارة َّ‬ ‫مؤهلةً ألن َّ‬
‫ب إفريقية وشرق آ يا جعلها َّ‬
‫وكان الذين ميار ــون التِ ارة من ـكان اجلاييرة العربية هم أهل اَّدن‪ ،‬وح ـيَّما أهل َّ‬
‫مكة‪،‬‬
‫فقــد كــان يم مركاي متميِاي يف التِ ــارة‪ ،‬وكــان يم ‪ -‬حبكم كو‪،‬م أهــل احلرم ‪ -‬منايل ـة يف نفوس‬
‫امنت هللا عليهم بذلك يف القرآن الكر‬ ‫العرب‪ ،‬فال يعر ـ ـ ـ ـ ـ ــون يم‪ ،‬وح لت ارهتم بس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـوء‪ ،‬وقد َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ .‬د‪ .‬حممد قلع ي ‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫انظر درا ة حتليلية ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.35 ، 34 ، 33‬‬


‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪َّ ،‬نري ال ضبان ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪29‬‬
‫﴿أشوش يـروا أ َّشان جع ْلنشـ ـا حرمـ ـا ِآمنـ ـاً ويـتهطَّف النَّـ ـاس ِمن حويِِم أشفشبِـ ـالْبـ ـا ِطـ ـ ِل يـؤِمنو شن وبِنِعمـ ـ ِة َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ش ْش‬ ‫ْ‬ ‫ْ شْ ْ ش‬ ‫ششش‬ ‫ش ش ش شً‬ ‫ش ْ شش ْ‬
‫يش رحلتان عظيمتان شهرياتن رحلة ال تاء إىل اليمن‪ ،‬ورحلة‬ ‫يشكْفرو شن﴾ [العنكبوت‪ ،]67 :‬وكان لقر ٍ‬
‫الرحالت‬ ‫الص ـ ـ ــيف إىل ال َّ ـ ـ ـ ـام‪ ،‬يذهبون فيها آمن بينما الناس يـتشهطَّفون من حويم‪ ،‬هذا عدا ِ‬
‫ش ۝ إِيالشفِ ِه ْم ِر ْحشلةش ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشت ِاء‬ ‫األخر اليت يقومون هبا طوال العام‪ .‬قال تعاىل ﴿ ِليالش ِ قـشريْ ٍ‬
‫وي شو شآمنشـه ْم ِم ْن شخو ٍ ﴾‬ ‫ت ۝ الَّـ ِذأ أشطْ شع شمه ْم ِم ْن ج ٍ‬
‫ب هـ شذا الْبـيـ ِ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْي ِ‬
‫ف ۝ فشـ ْليشـ ْعبـدوا شر َّ ش ش ْ‬ ‫شوال َّ‬
‫[قريش‪. ]4 - 1 :‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ‪ ،‬واللُّبــان‪ ،‬والتَّوابــل والتُّمور‪ ،‬و َّ‬


‫الروائ‬ ‫وكــانــت القوافــل حتمــل ِ‬
‫الطي ـ ‪ ،‬والبشهور‪ ،‬وال َّ‬
‫العطريَّة‪ ،‬واألخ ـ ـ ــاب‪ ،‬والعاً‪ ،‬واألبنوس‪ ،‬واخلرز‪ ،‬واجللود‪ ،‬والربود اليمنيَّة‪ ،‬واألنسـ ـ ـ ـ ة احلريريَّة‪،‬‬
‫واأل ـ ـ ــللة و ريها اَّا يوجد يف ش ـ ــبت اجلاييرة‪ ،‬أو يكون مس ـ ـ ـتورداً من خارجها‪ ،‬مث تذه بت إىل‬
‫الاييتون‪ ،‬واَّنس ـ ـ ـ ــوجات ال َّ ـ ـ ـ ـ ـاميَّة‪،‬‬
‫الايبي ‪ ،‬و َّ‬
‫حمملةً ابلقم ‪ ،‬واحلبوب‪ ،‬و َّ‬
‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـام و ريها‪ ،‬مثَّ تعود َّ‬
‫و ريها‪.‬‬
‫واشتهر اليمنيُّون ابلتِ ارة‪ ،‬وكان ن اطهم يف ِ‬
‫الرب‪ ،‬ويف البلار‪ ،‬فسافروا إىل واحل إفريقية‪،‬‬
‫وإىل ايند‪ ،‬وإندونيسـيا‪ ،‬و ـومطرة‪ ،‬و ريها من بالد آ ـيا‪ ،‬وجاير اَّيا ايندأ‪ ،‬أو البلر العريب‬
‫سم ‪ ،‬وقد كان يم فضل كبري بعد اعتناقهم ال الم‪ ،‬يف ن ره يف هذه األقطار‪.‬‬ ‫كما ي َّ‬
‫لعل هذا الدَّاء الوبيل ـ ـ ـ ــر إىل العرب من‬ ‫وكان التَّعامل ِ‬
‫ابلراب منت ـ ـ ـ ـراً يف اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬و َّ‬
‫اليهود(‪ ،)1‬وكان يتعامل بت األشـ ـرا و ريهم‪ ،‬وكانت نس ــبة ِ‬
‫الراب يف بعض األحيان إىل أكثر من‬
‫ٍ‬
‫مئة يف اَّئة(‪.)2‬‬
‫وكان للعرب أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواق م ـ ـ ـ ـ ـ ــهورة هي ع شكا ‪ ،‬وجمنَّة‪ ،‬وذو اااز‪ ،‬ويذكر بعض اَّؤلِف يف‬
‫أخبار َّ‬
‫مكة َّ‬
‫أن العرب كانوا يقيمون بعكا هالل ذأ القعدة‪ ،‬مثَّ يذهبون منت إىل جمنَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بعد‬
‫مضــي ع ـرين يوماً من ذأ القعدة‪ ،‬فَذا رأوا هالل ذأ احل ة ذهبوا إىل ذأ اااز‪ ،‬فلبثوا فيها‬
‫شاين ٍ‬
‫ليال‪ ،‬مثَّ يذهبون إىل عرفة‪ ،‬وكانوا ح يتبايعون يف عرفة‪ ،‬وح َّأَيم مىن‪ ،‬حض جاء ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪،‬‬ ‫ش‬
‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪ 98/1‬إىل ‪.)101‬‬
‫(‪ )2‬انظر درا ة حتليلية ل هصيَّة الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪30‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـت ْم ِم ْن‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـالً ِم ْن شربِك ْم فشَِذشا أشفش ْ‬
‫س شعلشْيك ْم جنشا أش ْن تشـْبـتشـ وا فش ْ‬‫فأاب يم ذلك‪ ،‬قال تعاىل ﴿لشْي ش‬
‫ض ـ ـ ـآلِ ش ﴾‬ ‫احلششرِام شواذْكروه شك شما شه شداك ْم شوإِ ْن كْنـت ْم ِم ْن قشـْبلِ ِت لش ِم شن ال َّ‬
‫اَّللش ِعْن شد الْ شم ْ ـ ـ ـ شع ِر ْ‬ ‫عرفش ٍ‬
‫ات فشاذْكروا َّ‬ ‫شش‬
‫[البقرة‪. ]198 :‬‬

‫ـتمرت هذه األ ـ ـ ـ ـواق يف ال ـ ـ ــالم إىل ح ٍ من الدَّهر مثَّ شد شر ـ ـ ــت‪ ،‬و تكن هذه‬
‫وقد ا ـ ـ ـ َّ‬
‫األ ـ ـ ـواق للت ارة فلس ـ ـ ـ ‪ ،‬بل كانت أ ـ ـ ـواقاً ل دب‪ ،‬وال ِ ـ ـ ـعر‪ ،‬واخلشطشابة‪ ،‬جيتمع فيها فلول‬
‫ال ُّ ـ ـ ـ ـعراء‪ ،‬ومصـ ـ ـ ــاقع(‪ )1‬اخلطباء‪ ،‬ويتبارون فيها يف ذكر أنسـ ـ ـ ــاهبم‪ ،‬ومفاخرهم‪ ،‬ومآثرهم‪ ،‬وبذلك‬
‫كانت ثروًة كرب لِلُّ ة واألدب‪ ،‬إىل جان كو‪،‬ا ثروًة داريَّةً(‪.)2‬‬

‫رابعاً‪ :‬احلالة االجتماعيَّـة‪:‬‬

‫عل حيــاة العرب‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلــت يم قوان عرفيَّـة فيمــا يتعلَّق‬ ‫هيمنــت التَّقــاليــد‪ ،‬واألعرا‬
‫ابألحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‪ ،‬واألنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‪ ،‬وعالقة القبائل ببعض ـ ـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬واألفراد كذلك‪ ،‬وميكن إ ال احلالة‬
‫احجتماعيَّة فيما رل‬
‫‪ - 1‬االعتزاز الذي ال ح َّد له ابألنساب‪ ،‬واألحساب‪ ،‬والتفاخر هبما‪:‬‬
‫فقد حرهللاوا عل اَّافظة عل أنساهبم‪ ،‬فلم يصاهروا ريهم من األجناس األخر ‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬
‫أن التفا ل َّإجا هو ابلتَّقو ‪ ،‬والعمل الصاأ‪.‬‬
‫جاء ال الم قض عل ذلك‪ ،‬وب َّ يم َّ‬
‫الشعر‪:‬‬ ‫‪ - 2‬االعتزاز ابلكلمة‪ ،‬وسلطاهنا‪ ،‬ال سيَّما ِّ‬
‫كانت تس ـ ــتهويهم الكلمة الفص ـ ــيلة‪ ،‬واأل ـ ــلوب البلي ‪ ،‬وكان ش ـ ــعرهم ِ ـ ـ ـ َّل مفاخرهم‪،‬‬
‫إذا كان شُش شم فيهم اخلطباء‬ ‫وأحسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهبم‪ ،‬وأنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهبم‪ ،‬وديوان معارفهم‪ ،‬وعواطفهم‪ ،‬فال تع‬
‫اَّص ــاقع‪ ،‬وال ُّ ـعراء الفطاحل‪ ،‬وكان البيت من ال ــعر يرفع القبيلة‪ ،‬والبيت خيفض ــها‪ ،‬ولذلك ما‬
‫كانوا يفرحون ب ٍ‬
‫يء فرحهم ب اع ٍر ينب يف القبيلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اَّص شقع البلي يتفنَّن يف مذاه القول‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)102/1‬‬
‫‪31‬‬
‫العرب‪:‬‬
‫‪ - 3‬املرأة يف اجملتمع ِّ‬
‫كانت اَّرأة عند كث ٍري من القبائل ك شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شقا اَّتاي‪ ،‬فقد كانت تورث‪ ،‬وكان احبن األكرب‬
‫يتايوجها بعد وفاة أبيت‪ ،‬أو يشـ ْع ضلها عن النِكا ‪ ،‬حض شحَّرم ال الم‬ ‫حقت أن َّ‬ ‫للايوً من ريها من ِ‬ ‫َّ‬
‫آابيك ْم ِم شن‬
‫ش ش‬ ‫ك‬
‫ش‬ ‫ن‬
‫ش‬ ‫ا‬ ‫ـ‬ ‫م‬
‫ش‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ل‬ ‫يتايوً امرأة أبيــت(‪ ،)1‬فنايل قول هللا تعــاىل ﴿وحش تشـْن ِ‬
‫ك‬ ‫ش‬ ‫ذلــك‪ ،‬وكــان احبن َّ‬
‫النِس ِاء إِحَّ ما قش ْد لشف إِنَّت شكا شن فش ِ‬
‫اح ش ةً وم ْقتًا و اء بِيالً﴾ [النساء‪. ]22 :‬‬
‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫كاألمهات‪ ،‬والفروي كالبنات‪ ،‬وفروي األب كاألخوات‪،‬‬ ‫وكانت العرب حت ِرم نكا األهللا ـ ـ ــول َّ‬
‫والطَّبقة األوىل من فروي اجلد كاخلاحت‪ ،‬و َّ‬
‫العمات(‪.)2‬‬
‫يورثون إح من حاز ال نيمة‪ ،‬وقاتل‬ ‫يورثون البنات‪ ،‬وح النس ـ ــاء‪ ،‬وح ال ِ‬
‫صـ ـ ـبيان‪ ،‬وح ِ‬ ‫وكانوا ح ِ‬
‫عل ظهور اخليل‪ ،‬وبقي حرمان النِساء والص ار من اَّرياث عرفاً معموحً بت عندهم‪ ،‬إىل أن تويف‬
‫أوس بن اثبت ‪ -‬يف عهد ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ -‬وترك بنت كانت هبما دمامة‪،‬‬
‫عمت ‪ -‬ولا عص ـ ـ ـ ـ ـ ــبتت ‪ -‬فأخذا مرياثت كلَّت‪ ،‬فقالت امرأتت يما تايوجا‬ ‫وابناً هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ رياً‪ ،‬ف اء ابنا ِ‬
‫البنت ‪ ،‬فأبيا ذلك لدمامتهما فأتت ر ـ ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقالت َي ر ـ ــول هللا !‬
‫عمت ـويد‪ ،‬وعرفطة فأخذا مرياثت‪ ،‬فقلت يما‬ ‫ت ِويف أوس‪ ،‬وترك ابناً هللاـ رياً‪ ،‬وابنت ‪ ،‬ف اء ابنا ِ‬
‫[الدر املنثور؛ للس ــيوطي‬‫تايوجا ابنتيت‪ ،‬فأبيا‪ .‬فقال هللا ــل هللا عليت و ــلم «ح حتش ِرشكا من اَِّرياث ش ــيئاً»‬
‫ص ـ ـي ِاَّا تشـشرشك‬
‫ص ـ ـي ِاَّا تشـرشك الْوالِ شد ِان واألشقْـربو شن ولِلنِس ـ ـ ِاء نش ِ‬
‫ش ش ش ش‬ ‫ش ش‬
‫(‪ ])439/2‬ونايل قولت تعاىل ﴿لِ ِلرج ِال نش ِ‬
‫ش‬
‫صيبا م ْفرو ً ا﴾ [النساء‪.)3([]7 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الْ شوال شدان شواألشقْـشربو شن اَّا قش َّل مْنت أ ْشو شكثـشر نش ً ش‬
‫ألن البنت ح هرً يف ال ايو‪ ،‬وح حتمي البيضـ ـ ـ ـ ـ ــة من اَّعتدين‬ ‫يعريون ابلبنات َّ‬ ‫وكان العرب ِ‬
‫الرجال‪ ،‬وإذا ما ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبيت ُّاهذت للوطء‪ ،‬تتداويا األيدأ‬
‫عليها‪ ،‬وح تعمل فتأل ابَّال ش ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ِ‬

‫لذلك‪ ،‬بل رمبا أ ْك ِرشه ْ‬


‫ت عل اح ا الب اء ليض ـ ـ َّـم ـ ــيدها ما يص ـ ــري إليها من اَّال ابلب اء إىل‬
‫ايم‪ ،‬واحلاين‪ ،‬واخل ــل ل ب عنــدمــا‬ ‫مــالــت‪ ،‬وقــد كــانــت العرب تبي ذلــك‪ ،‬وقــد كــان هــذا يورث َّ‬

‫السرية النبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)87/1‬‬‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫(‪ )2‬درا ة حتليلية ل هصيَّة الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.24 ، 23 ، 22‬‬
‫(‪ )3‬تفسري القرطب (‪.)45/5‬‬
‫‪32‬‬
‫﴿وإِذشا ب ِ ـ ـ ـ ـشر‬
‫تولد لت بنت‪ ،‬وقد حدَّثنا القرآن الكر عن حالة من تولد لت بنت‪ ،‬قال هللا تعاىل ش‬
‫وء شما ب ِ شر بِِت أشميْ ِسكت‬ ‫أشحدهم ِابألنْـث ظشل وجهت مسوًّدا وهو شك ِظيم ۝ يـتـوار ِمن الْ شقوِم ِمن ِ‬
‫شش ش ش ش ْ ْ‬ ‫ْش ش ش‬ ‫ش ْ ش َّ ش ْ‬
‫ن﴾ [النحل‪. ]59 - 58 :‬‬‫اب أشحش ش اءش شما شْكمو ش‬ ‫علش ه ٍ‬
‫ون أ ْشم يد ُّ ت ِيف ال ُّ ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫وكثرياً ما كانوا خيتارون د َّ ـ ـها يف ال ُّ اب‪ ،‬ووأدها حيَّةً‪ ،‬وح ذن يا إح َّأ‪،‬ا أنث (‪ ،)1‬ولذلك‬
‫ِ‬
‫ت ۝ ِأب ِ‬
‫شأ‬ ‫﴿وإِذشا الْ شم ْوء ش‬
‫ودة ـ ـ ـ ـ ـ ـئلش ْ‬ ‫أنكر القرآن الكر عليهم هذه الفعلة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـنيعة‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ِ‬
‫ت﴾ [التكوير‪.]9- :‬‬ ‫شذنْ ٍ قتلش ْ‬
‫وحرم ذلك‪،‬‬ ‫وكان بعض العرب يقتل أوحده من الفقر‪ ،‬أو خ ـ ـ ـ ــية الفقر‪ ،‬ف اء ال ـ ـ ـ ــالم‪َّ ،‬‬
‫قال هللا تعاىل ﴿ق ْل تشـ شعالش ْوا أشتْل شما شحَّرشم شربُّك ْم شعلشْيك ْم أشحَّ ت ْ ـ ـ ِركوا بِِت ششـ ـْيـئًا شوِابلْ شوالِ شديْ ِن إِ ْح شسـ ـاانً شوحش‬
‫ش شم ـا ظش شهشر ِمْنـ شه ـا شوشم ـا بشطش شن شوحش‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تشـ ْقتـلوا أ ْشوحش شدك ْم م ْن إِ ْمالشق شْحنن نـش ْرزقك ْم شوإِ ََّيه ْم شوحش تشـ ْقشربوا الْ شف شواح ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاك ْم بِـ ِت لش شعلَّك ْم تشـ ْع ِقلو شن﴾ [األنعــام‪ ،]151 :‬وقــال‬‫اَّلل إِحَّ ِاب ْحلشِق شذلِك ْم شو َّ‬
‫س الَِّيت شحَّرشم َّ‬ ‫تشـ ْقتـلوا النَّـ ْف ش‬
‫﴿وحش تشـ ْقتـلوا أ ْشوحش شدك ْم شخ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشـةش إِ ْمالش ٍق شْحنن نشـ ْرزقـه ْم شوإِ ََّيك ْم إِ َّن قشـْتـلشه ْم شكـا شن ِخطْـأً شكبِ ًريا ﴾‬
‫تعــاىل ش‬
‫[اإلسراء‪. ]31 :‬‬

‫وكانت بعض القبائل ح تئد البنات‪ ،‬كما كان فيهم من يسـ ـ ـ ــتقبلون هذه الفعلة ال َّ ـ ـ ـ ـنعاء‪،‬‬
‫كاييد بن عمرو بن نفيل(‪.)2‬‬
‫الايواً‪ ،‬وكانت اَّرأة العربيَّة احلرة أتنف أن‬
‫وكانت بعض القبائل حت م اَّرأة‪ ،‬وأتخذ رأيها يف َّ‬
‫تف ش ل ري زوجها‪ ،‬وحليلها‪ ،‬وكانت تتَّس ــم ابل َّ ـ ـ اعة‪ ،‬وتتبع اَّارب وت ـ ـ ِ عهم‪ ،‬وقد ت ــارك‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـرورة‪ ،‬وكانت اَّرأة البدويَّة العربيَّة ت ـ ـ ـ ـ ـ ــارك زوجها يف رعي اَّاش ـ ـ ـ ـ ـ ــية‪،‬‬
‫يف القتال إذا دعت ال َّ‬
‫التصون والتعفُّف(‪.)3‬‬
‫و قيها‪ ،‬وت ايل الوبر والصو ‪ ،‬وتنست الثياب‪ ،‬والربود‪ ،‬واألكسية‪ ،‬مع ُّ‬
‫‪ - 4‬النكاح‪:‬‬
‫تعار العرب عل أنو ٍاي من النكا ‪ ،‬ح يعي بعض ـ ـ ـ ــهم عل بعض إتيا‪،‬ا‪ ،‬وقد ذكرت لنا‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.26 ، 25‬‬ ‫(‪ )1‬انظر درا ة َّ‬
‫حتليلية ل هصية َّ‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)92/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪.)88/1‬‬
‫‪33‬‬
‫إن النِكا يف اجلاهلية كان عل أربعة أحناء‬ ‫ال َّس ـ ـ ـيدة عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها ذلك‪ ،‬فقالت « َّ‬
‫ص ِدقها‪ ،‬مث يشـْن ِكلها‪.‬‬
‫الرجل وليَّـتشت‪ ،‬أو ابنتت‪ ،‬في ْ‬ ‫الرجل إىل َّ‬
‫اليوم خيط َّ‬
‫فنكا منها نكا النَّاس ش‬
‫ت من طشمثِه ــا(‪ )1‬أر ـ ـ ـ ـ ـ ــلي إىل ٍ‬
‫فالن‬ ‫الرج ــل يقول حمرأت ــت إذا طشهشر ْ‬
‫ونك ــا آخر ك ــان َّ‬
‫ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫الرجل الذأ‬
‫فا ـ ـ ــتبض ـ ـ ــعي منت‪ ،‬ويعتاييا زوجها‪ ،‬وح مي ُّسـ ـ ـ ـها أبداً‪ ،‬حض يتب َّ حلها من ذلك َّ‬
‫وإجا يفعل ذلك ر بةً يف ُابة الولد‪،‬‬ ‫تس ــتبض ــع منت‪ ،‬فَذا تب َّ حلها أهللا ــاهبا زوجها إذا أح َّ ‪َّ ،‬‬
‫فكان هذا النِكا نكا ش اح تبضاي‪.‬‬
‫الرها(‪ )3‬ما دون الع ـ ـ ــرة‪ ،‬فيدخلون عل اَّرأة كلُّهم يصـ ـ ــيبها(‪ ،)4‬فَذا‬‫ونكا آخر جيتمع َّ‬
‫ومر ٍ‬
‫ليال بعد أن تضع حلها أر لت إليهم‪ ،‬فلم يستطع رجل منهم أن ميتنع‬ ‫حلت‪ ،‬وو عت‪َّ ،‬‬
‫حض جيتمعوا عندها‪ ،‬تقول يم قد عرفتم الذأ كان من أمركم‪ ،‬وقد ولدت‪ ،‬فهو ابنك َي فالن!‬ ‫َّ‬
‫الرجل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تسمي من أحبَّت ابمست‪ ،‬فيللق بت ولدها ح يستطيع أن ميتنع بت َّ‬
‫والنِكا الرابع جيتمع الناس الكثري‪ ،‬فيدخلون عل اَّرأة ح َتنع من جاءها ‪َّ ،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وهن الب اَي‬
‫إحداهن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫عليهن‪ ،‬فَذا حلت‬
‫َّ‬ ‫ادهن دخل‬
‫كن ينص ـ ـ ــب عل أبواهبن راَيت تكون شعلشماً‪ ،‬فمن أر َّ‬ ‫َّ‬
‫وو ـ ــعت حلها ِ عوا يا‪ ،‬شوشدعوا يم القاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةش(‪ ،)6‬مثَّ أحلقوا ولدها ابلذأ يرون‪ ،‬فالتاطتت(‪ )7‬بت‪،‬‬
‫ودعي ابنشت‪ ،‬ح ميتنع من ذلك‪.‬‬
‫حممد هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ِ‬
‫ابحلق هدم نكا اجلاهليَّة كلَّت‪ ،‬إح نكا ش الناس‬ ‫فلما بعث َّ‬
‫[البخاري (‪ )5127‬وأبو داود (‪. ])2272‬‬ ‫اليوم»‬
‫تذكرها عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها كنكا اخلِ ْدن‪ ،‬وهو يف‬ ‫وذكر بعض العلماء أحناء أخر‬

‫(‪ )1‬الطَّمث احليض‪.‬‬


‫(‪ )2‬ا تبضعي طل اجلماي حض حتمل منت‪.‬‬
‫الرها اجلماعة دون الع رة‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬يصيبها جيامعها‪.‬‬


‫(‪ )5‬جاءها دخل عليها‪.‬‬
‫(‪ )6‬القافة ع القائف ‪ ،‬وهو الذأ يعر ششبت الولد ابلوالد‪.‬‬
‫(‪ )7‬فالتاطتت ا تللقتت بت ‪ ،‬وأهللال اللوط بفت الالم اللصوق‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫شخ شد ٍان﴾ [النس ـ ــاء‪ ]25 :‬كانوا يقولون ما ا ـ ـ ــت فال أبس بت‪ ،‬وما ظهر‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿وحش متَّه شذات أ ْ‬
‫قولت تعاىل ش‬
‫الايَّن أقرب منت إىل النِ ـ ـ ــكا ‪ ،‬وكنكا اَّتعة وهو النكا اَّع بوقت‪ ،‬ونكا‬ ‫فهو لوم‪ ،‬وهو إىل ِ‬
‫للرج ــل انايل س عل امرأت ــك‪ ،‬وأنايل ل ــك عن امرأل‪،‬‬
‫الب ــدل ك ــان الرج ــل يف اجل ــاهلي ــة يقول َّ‬
‫وأزيدك(‪.)1‬‬
‫الرجل ابنتت عل أن يايوجت ا خر ابنتت‪،‬‬ ‫ومن األنكلة الباطلة نكا ال ِ ـ ـ ار‪ ،‬وهو أن ِ‬
‫يايوً َّ‬
‫ليس بينهما هللاداق(‪.)2‬‬
‫وكانوا لُّون اجلمع ب األخت يف النِكا ‪ ،‬وكانوا يبيلون َّ‬
‫للرجل أن جيمع يف عص ـ ــمتت من‬
‫بعدد‪ ،‬وكان الذين عوا ب أكثر من أربع زوجات أكثر من أن‬ ‫الايوجات ما ش ـ ـ ـ ــاء دون التقيُّد ٍ‬
‫َّ‬
‫العد ‪ ،‬وجاء ال ـ ــالم ومنهم من لت الع ـ ــرة من النِسـ ــاء‪ ،‬واألكثر‪ ،‬و ُّ‬
‫ينايم ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫األقل‪ ،‬فقصـ ــر ذلك‬
‫ِ‬
‫فليكتف‬ ‫بينهن‪ ،‬فَن خا عدم العدل‬
‫عليهن‪ ،‬والعدل َّ‬
‫َّ‬ ‫عل أربع إ ْن علم أنَّت يستطيع النفاق‬
‫بواحدةٍ‪ ،‬وما كانوا يف اجلاهليَّة يلتايمون العدل ب َّ‬
‫الايوجات‪ ،‬وكانوا يسيئون ع رهتن‪ ،‬ويهضمون‬
‫ين حقوقاً‬
‫وقرر َّ‬
‫إليهن يف الع ــرة‪َّ ،‬‬
‫حقوقهن حض جاء ال ــالم‪ ،‬فأنصــفهن‪ ،‬وأوهللا ـ ابلحســان َّ‬
‫َّ‬
‫كن شْل ْم شن هبا(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫‪ - 5‬الطَّـالق‪:‬‬
‫الرجل يطلق امرأتت‪ ،‬مثَّ‬ ‫كانوا ميار ون الطَّالق‪ ،‬و يكن للطَّلقات عندهم عدد حمدَّد‪ ،‬فكان َّ‬
‫يراجعها‪ ،‬مثَّ يطلِقها‪ ،‬مث يراجعها هكذا أبداً‪ ،‬وبقي هذا األمر معموحً بت يف هللاـ ـ ــدر ال ـ ـ ــالم(‪،)5‬‬
‫ان شوحش‬ ‫إىل أن أنايل هللا تبارك وتعاىل قولت ﴿اشلطَّالشق مَّرشات ِن فشَِمس ـ ـ ـاك ِمبشعرو ٍ أشو تشس ـ ـ ـ ِري نِِحس ـ ـ ـ ٍ‬
‫ْش‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫شِ ُّل لشكم أش ْن شأتْخذوا ِاَّا آتشـيـتموه َّن شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـئًا إِحَّ أش ْن شخيشافشا أشحَّ ي ِقيما حدود َِّ ِ ِ‬
‫اَّلل فشَ ْن خ ْفت ْم أشحَّ يق ش‬
‫يما‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّللِ فشالش تشـعتدوها ومن يـتـع َّد حدود َِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫حدود َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫ْ ش ش ش ش ْ شش ش‬ ‫ك حدود َّ‬ ‫ت بِ ِت تِْل ش‬
‫يما افْـشت شد ْ‬
‫اَّلل فشالش جشنا ش شعلشْيه شما ف ش‬ ‫ش‬

‫(‪ )1‬فت البارأ (‪.)150/9‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)90/1‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.25 ، 24‬‬
‫انظر درا ة حتليلية ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫السرية النبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)88/1‬‬‫(‪ )4‬انظر ِ‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫درا ة حتليليَّة ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪35‬‬
‫[البقرة‪. ]229 :‬‬ ‫ك هم الظَّالِمو شن﴾‬
‫فشأولشئِ ش‬
‫مرت ‪ ،‬فَن‬
‫للايوً فرهللاةً ليتدارك أمره‪ ،‬ومراجعة زوجتت َّ‬ ‫فقيَّد ال الم عدد الطَّلقات‪ ،‬وأعط َّ‬
‫زوً آخر‪ ،‬ففي الكتاب‬ ‫طلق الثَّالثة فقد انقطعت عروة النِكا ‪ ،‬وح ُّ‬
‫حتل ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إح بعد نكا ٍ‬
‫الكر ﴿ شفَِ ْن طشلَّ شق شها فشالش شِحت ُّل شلت ِم ْن بشـ ْعد شح َّض تشـْن ِك ش شزْو ًجا ش ْ شريه شفَِ ْن طشلَّ شق شها فشالش جشنا ش شعلشْي ِه شما‬
‫ن﴾ [البقرة‪. ]230 :‬‬ ‫اَّللِ يـبشـيِنـ شها لِشق ْوٍم يشـ ْعلشمو ش‬
‫ك حدود َّ‬ ‫أش ْن ي اجعا إِ ْن ظشنَّا أش ْن ي ِقيما حدود َِّ‬
‫اَّلل شوتِْل ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ششش ش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫علي كظهر‬ ‫واَّا كان يـ ْل شلق ابلطَّالق يف التَّلر الظهار‪ ،‬وهو أن يقول الايوً لايوجتت أنت َّ‬
‫للايوً ملرجاً‬ ‫حض جاء ال الم‪ ،‬فومست أبنَّت منكر من القول وزور‪ ،‬وجعل َّ‬ ‫ِأمي‪ ،‬وكان حترمياً مؤبداً َّ‬
‫منت‪ ،‬وذلك ابلكفارة(‪ )1‬قال تعاىل‬
‫اهرو شن ِمْنك ْم ِم ْن نِ شس ـ ـائِ ِه ْم شما ه َّن أ َّم شهاهتِِ ْم إِ ْن أ َّم شهاهت ْم إِحَّ الالَِّ شِئِي شولش ْد ش‪ْ ،‬م شوإِ َّ‪ْ ،‬م‬ ‫﴿الَّ ِذين يظش ِ‬
‫ش‬
‫اهرو شن ِم ْن نِ شس ـائِ ِه ْم مثَّ يشـعودو شن‬ ‫اَّلل لشعفو شفور ۝ والَّ ِذين يظش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ش‬ ‫لشيشـقولو شن مْن شكًرا م شن الْ شق ْول شوز ًورا شوإِ َّن َّش ش‬
‫اَّلل ِمبشا تشـ ْع شملو شن شخبِري ۝ فشـتش ْل ِرير‬ ‫وعظو شن بِِت شو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ل شما قشالوا فشـتش ْل ِرير شرقشـبشة م ْن قشـْب ِل أش ْن يشـتش شمآ َّ ـ ـا شذلك ْم ت ش‬
‫اَّلل ِمبشا تشـعملو شن خبِري ۝ فشمن ش شِجي ْد فش ِ‬ ‫وعظو شن بِ ِت شو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشام‬ ‫شْ ْ‬ ‫ْش ش‬ ‫شرقشـبشة م ْن قشـْب ِل أش ْن يشـتش شمآ َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ذشلك ْم ت ش‬
‫شش ـ ـهري ِن متـتابِع ِ ِمن قشـب ِل أش ْن يـتمآ َّ ـ ـا فشمن ش يس ـ ـت ِطع فشَِطْعام ِ ـ ـتِ ِمس ـ ـ ِكيناً ذشلِك لِتـؤِمنوا ِاب ََّّللِ‬
‫ش ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫شْ ْشْ ش ْ ش‬ ‫شش ش‬ ‫ْ شْ ش ش ش ْ ْ ْ‬
‫ذاب أشلِيم﴾ [اجملادلة‪. ]4 - 2 :‬‬ ‫ور ولِِت وتِْلك حدود َِّ ِ ِ‬
‫ين شع ش‬ ‫اَّلل شول ْل شكاف ِر ش‬ ‫شش ش ش‬
‫والسطو‪ ،‬واإلغارة‪:‬‬
‫‪ - 6‬احلروب‪َّ ،‬‬
‫كانت احلروب تقوم بينهم ألتفت األ ـ ـ ــباب‪ ،‬فهم ح يبالون ب ـ ـ ـ ِـن احلروب‪ ،‬وإزهاق األروا‬
‫تستلق التَّقدير‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الدفاي عن اَّثل احجتماعيَّة‪ ،‬اليت تعارفوا عليها‪ ،‬وإن كانت ح‬ ‫يف بيل ِ‬
‫يدل عل ُّ‬
‫َتكن الرو احلربيَّة‬ ‫ـ ــلس ـ ــلةً من َّأَيم العرب يف اجلاهليَّة‪ ،‬اَّا ُّ‬ ‫وقد رو لنا التَّاري‬
‫من نفوس العرب‪ ،‬و لبتها عل التعقُّل والتفكري فمن تلك األَيم مثالً يوم البشسوس‪ ،‬وقد قامت‬
‫مي‪ ،‬وهو جار للبشسوس بنت منقذ خالة شج َّساس‬ ‫ٍ‬
‫انقة لل ش ْر ِ‬ ‫احلروب فيت ب بك ٍر‪ ،‬وت ل بسب‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ــيِد ت ل قد ح لبلت مكاانً خاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً بت‪ ،‬فرأ فيت هذه النَّاقة‪،‬‬ ‫بن مَّرة‪ ،‬وقد كان كلشْي‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)91/1‬‬
‫‪36‬‬
‫مي‪ ،‬وجايعت البشس ـ ـ ـوس‪ ،‬فلما رأ ذلك ج َّس ـ ـ ـاس حت َّ الفرهللاـ ـ ــة لقتل كلي ‪،‬‬
‫فرماها‪ ،‬ف ايي اجلشْر ُّ‬
‫نةً(‪.)1‬‬ ‫فقتلت‪ ،‬فقامت احلروب الطاحنة ب القبيلت َّدَّة أربع‬
‫وكذلك يوم داحس وال رباء‪ ،‬وقد كان ـ ـ ـ ــببت ـ ـ ــباقاً أقيم ب داحس‪ ،‬وهو فرس لقيس بن‬
‫زهري‪ ،‬وال رباء وهي حلذيفة بن بدر‪ ،‬فأوعاي هذا إىل ٍ‬
‫رجل ليقف يف الوادأ‪ ،‬فَن رأ داحس ـاً قد‬
‫يرده‪ ،‬وقد فعل ذلك‪ ،‬فلطم الفرس حض أوقعها يف اَّاء‪ ،‬فسبقت ال رباء‪ ،‬وحصل بعد ذلك‬
‫بق ُّ‬
‫القتل‪ ،‬واألخذ ابلثأر‪ ،‬وقامت احلروب ب قبيليت عبس‪ ،‬وذبيان(‪.)2‬‬
‫وكــذلــك احلروب اليت قــامــت ب األوس‪ ،‬واخلايرً يف اجلــاهليَّ ـة‪ ،‬وهم أبنــاء ٍ‬
‫عم حيــث َّ‬
‫إن‬
‫ـتمرت احلروب بينهم‪ ،‬وكــان آخر َّأَيمهم‬ ‫ِ‬
‫األزدأ‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫األوس واخلايرً أبنــاء حــارثــة بن ثعلبــة‬
‫أن حلفاء األوس من اليهود‪ ،‬جدَّدوا عهودهم معهم عل النُّص ـ ـ ــرة‪ ،‬وهكذا كان‬ ‫(بعاث) وذلك َّ‬
‫كثري من حروب األوس واخلايرً يذْكِْيـ شها اليهود‪ ،‬حض يضـ ـ ـ ـ ـ ــعفوا القبيلت ‪ ،‬فتكون يم ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـيادة‬
‫كل فريق منهم حبلفائت من القبائل اااورة‪ ،‬فاقتتلوا قتاحً ش ـ ـ ــديداً كانت ‪،‬ايتت‬ ‫الدَّائمة‪ ،‬وا ـ ـ ــتعان ُّ‬
‫لصاأ األوس(‪.)3‬‬
‫وكانت بعض القبائل تسـ ـ ـ ــطو‪ ،‬وت ري ب ية ‪ ،‬األموال‪ ،‬و ـ ـ ـ ــب األحرار‪ ،‬وبيعهم‪ ،‬كاييد بن‬
‫حارثة فقد كان عربياً حراً‪ ،‬وكس ــلمان الفار ــي فقد كان فار ــياً حراً‪ ،‬وقد قضـ ـ ال ــالم عل‬
‫الرجل من هللاـ ـ ــنعاء إىل حضـ ـ ــرموت‪ ،‬ح خيافان إح هللا‪ ،‬والذئ‬
‫حض كانت تسـ ـ ــري اَّرأة‪ ،‬و َّ‬
‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫عل أ نامهما(‪.)4‬‬
‫‪ - 7‬العلم والقراءة والكتـابة‪:‬‬
‫يكن العرب أهــل كتـ ٍ‬
‫ـاب‪ ،‬وعل ٍم كــاليهود‪ ،‬والنَّص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ‪ ،‬بــل كــان ي ل ـ عليهم اجلهــل‪،‬‬ ‫ش‬
‫واألميَّ ـة‪ ،‬والتَّقلي ــد‪ ،‬واجلمود عل الق ــد وإن ك ــان ابطالً‪ ،‬وك ــان ــت أ َّم ـة العرب ح تكت ـ ‪ ،‬وح‬

‫(‪ )1‬الكامل يف التاري ‪ ،‬حبن األثري (‪.)312/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)343/1‬‬
‫احلميدأ (‪.)55/1‬‬
‫ُّ‬ ‫المي ‪ ،‬د‪ .‬عبد العايياي‬
‫التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)93/1‬‬
‫‪37‬‬
‫حتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وهذه هي ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـفة اليت كانت البةً عليها‪ ،‬وكان فيهم قليل اَّن يكت ‪ ،‬ويقرأ‪ ،‬ومع‬
‫ِأميَّتهم‪ ،‬وعدم اتِساي معارفهم فقد كانوا ي تهرون َّ‬
‫ابلذكاء‪ ،‬والفطنة‪ ،‬واألَّعية‪ ،‬ولطف اَّ اعر‪،‬‬
‫الرشيد ولذلك لـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫احلس‪ ،‬وحسن اح تعداد‪ ،‬والتهيُّؤ لقبول العلم واَّعرفة‪ ،‬والتَّوجيت َّ‬ ‫ِ‬ ‫وإرها‬
‫األميَّة‪ ،‬وأهللاـ ــب العلم‪ ،‬واَّعرفة من‬ ‫جاء ال ـ ــالم هللاـ ــاروا علماء‪ ،‬حكماء‪ ،‬فقهاء‪ ،‬وزالت عنهم ِ‬
‫القيشافشة‪ ،‬وكان فيهم أطباء‬ ‫قص األثر‪ ،‬وهو ِ‬ ‫أخص خص ـ ـ ـ ـ ـ ــائص ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وكان فيهم شم ْن مهر يف علم ِ‬
‫ِ‬
‫كاحلارث بن كلدة‪ ،‬وكان طبُّهم شمْبنِياً عل التَّ ا ِرب اليت اكتسبوها من احلياة‪ ،‬والبيئة(‪.)1‬‬
‫خامسـاً‪ :‬احلـالـة األخـالقيَّـة‪:‬‬

‫كانت أخالق العرب قد ــاءت‪ ،‬وأولعوا ابخلمر‪ ،‬والقمار‪ ،‬وش ــاعت فيهم ال ارات‪ ،‬وقطع‬
‫الطريق عل القوافل‪ ،‬والعص ـ ـ ــبيَّة‪ ،‬والظُّلم‪ ،‬و ـ ـ ــفك ِ‬
‫الدماء‪ ،‬واألخذ ابلثأر‪ ،‬وا تص ـ ـ ــاب األموال‪،‬‬
‫أن ِ‬
‫الايَّن إجا كان يف‬ ‫ابلراب‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقة‪ ،‬و ِ‬
‫الايَّن‪ ،‬واَّا ينب ي أن يعلم َّ‬ ‫وأكل مال اليتام ‪ ،‬والتعامل ِ‬
‫الراَيت من الب اَي‪ ،‬ويندر أن يكون يف احلرائر‪ ،‬وليس أدل عل هذا من َّ‬
‫أن‬ ‫الماء‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ــلاب َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم َّا أخذ البيع ــة عل النِساء بعد الفت «علـ ـ أحَّ ي ركن ابهلل شيئـ ـاً‪،‬‬ ‫الن َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫احلرة؟!!»‬
‫وح يس ـ ـرقن‪ ،‬وح ياين » قالت الس ـ ـيَّدة هند بنت عتبة زوجة أيب ـ ــفيان « شأو تشايين َّ‬
‫[البخاري (‪ )4894‬ومسلم (‪. ])1709‬‬

‫وليس معىن هذا َّأ‪،‬م كانوا كلُّهم عل هذا‪ ،‬ح‪ ،‬لقد كان فيهم كثريون ح ياينون‪ ،‬وح ي ربون‬
‫ويتنايهون عن‬
‫ويتلرجون من أكل أموال اليتام ‪َّ ،‬‬
‫الد ماء‪ ،‬وح يظلمون‪َّ ،‬‬ ‫اخلمر‪ ،‬وح يس ـ ـ ـ ـ ـ ــفكون ِ‬
‫التَّعامل ِ‬
‫ابلراب(‪ )3‬وكانت فيهم مسات‪ ،‬وخصال من اخلري كثرية‪َّ ،‬أهلْتـهم حلمل راية ال الم‪،‬‬
‫ومن تلك اخلصال‪ِّ ،‬‬
‫والسمات‪:‬‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫الذكاء‪ ،‬والفطنة‪:‬‬
‫فقد كانت قلوهبم هللا ــافيةً تدخلها تلك الفلس ــفات‪ ،‬واأل ــاطري‪ ،‬واخلرافات‪ ،‬اليت يص ــع‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)94/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)94/1( ،‬‬
‫‪38‬‬
‫إزالتها‪ ،‬كما يف ال ُّعوب اينديَّة‪ ،‬والرومانيَّة‪ ،‬واليواننيَّة‪ ،‬والفار يَّة‪َّ ،‬‬
‫فكأن قلوهبم كانت ُّ‬
‫تعد حلمل‬
‫أعظم ر ـ ــالة يف الوجود‪ ،‬وهي دعوة ال ـ ــالم اخلالدة‪ ،‬ويذا كانوا أحفم شـ ــع ٍ ع ِر يف ذلك‬
‫الايمن‪ ،‬وقــد و َّج ـت ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم قر ــة احلفم والـ َّـذكــاء‪ ،‬إىل حفم الـ ِـدين‪ ،‬وحــايتــت‪ ،‬فكــانــت قواهم‬
‫َّ‬
‫نطي‬ ‫ٍ‬
‫وجدال بياي ٍ‬ ‫الفكرية‪ ،‬ومواهبهم الفطريَّة مذخورًة فيهم‪ ،‬تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتهلك يف فلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـفات خياليَّ ٍة‪،‬‬
‫عقي ٍم‪ ،‬ومذاه كالميَّ ٍة معقَّدةٍ(‪.)1‬‬
‫واتِس ـ ـ ـ ــاي ل تهم دليل عل َّقوة حفظهم‪ ،‬وذاكرهتم‪ ،‬فَذا كان للعس ـ ـ ـ ــل شانون امساً‪ ،‬وللثَّعل‬
‫فَن لل مل ألفاً‪ ،‬وكذا ال َّسـ ـيف‪ ،‬وللدَّاهية حنو أربعة آح ا ـ ـ ٍم‪ ،‬وح‬‫مئتان‪ ،‬ول ــد طسـ ـ ِمئش ٍة‪َّ ،‬‬
‫أن ا تيعاب هذه األمساء تاً إىل ذاكرةٍ قويٍَّة‪ ،‬حا رةٍ‪ ،‬وقَّادةٍ(‪.)2‬‬
‫شك َّ‬
‫َّ‬
‫وقد بل هبم َّ‬
‫الذكاء‪ ،‬والفطنة إىل الفهم ابلش ـ ـ ـ ـ ـ ــارة فضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً عن العبارة‪ ،‬واألمثلة عل ذلك‬
‫كثرية(‪.)3‬‬
‫والسخاء‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الكرم َّ‬
‫كـان هـذا اخللق متـأ ِهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً يف العرب‪ ،‬وكـان الواحـد منهم ح يكون عنـده إح انقتـت‪ ،‬فيـأتيت‬
‫ضـ ـ ـيف‪ ،‬فيس ـ ــاري إىل ذحبها‪ ،‬أو حنرها لت‪ ،‬وكان بعض ـ ــهم ح يكتفي نطعام النس ـ ــان‪ ،‬بل كان‬
‫ال َّ‬
‫الركبان‪ ،‬و ِربت بت األمثال(‪.)4‬‬ ‫يطعم الوحش‪ ،‬والطَّري‪ ،‬وكرم ٍ‬
‫حاذ الطَّ ِ‬
‫ائي ارت بت ُّ‬
‫‪َّ - 3‬‬
‫الشجاعة‪ ،‬واملروءة‪ ،‬والنَّجدة‪:‬‬
‫كــانوا يتمــادحون ابَّوت قتالً‪ ،‬ويتهــاجون ابَّوت عل الفراش‪ .‬قــال أحــدهم َّــا بل ــت قتــل‬
‫أخي ــت إن يـ ْقتشـ ـ ْل فق ــد قتِـ ـل أبوه‪ ،‬وأخوه‪ ،‬وع ُّمـ ـت‪ ،‬إان ‪ -‬وهللا ‪ -‬ح جوت حتف ـاً‪ ،‬ولكن قطعـ ـاً‬
‫السيو‬ ‫الرما ‪ ،‬ومواتً حتت ظالل ُّ‬ ‫أبطرا ِ‬
‫شوحش طـ ـ َّل منَّـ ـا حي ــث ك ــا شن قشتِي ــل‬ ‫ف أشنْ ِف ِت‬ ‫وما م ِ‬
‫ات منَّا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيِد شحْت ش‬
‫شش ش ش‬

‫السرية ‪ ،‬للنَّدوأ ‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫(‪ )2‬بلوغ األرب (‪.)40 ، 39/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر مدخل لفقت السرية ‪ ،‬ص ‪.80 ، 79‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)95/1‬‬
‫‪39‬‬
‫ت عل ش ْري الظُّباةِ تش ِس ـ ـيل‬
‫شولشْي شس ـ ـ ْ‬ ‫تش ِس ـ ـ ـيل شعلش شح ِد الظُّباةِ نـفو ـ ـ ـنشا‬
‫العاية‪ ،‬وهللايانة العِْر وا خصوا يف بيل ذلك نفو هم‪،‬‬
‫يقدمون شيئاً عل َّ‬ ‫وكان العرب ح ِ‬

‫قال عن ة‬
‫رض احلتو‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ْل ـت شع ْن ِ‬ ‫أش ْ‬ ‫ت هشـ ِوفـ احلـتـو ش ك ـ ـ ــأنـَّ‬ ‫بشـ شكـشر ْ‬
‫ِ‬
‫بكأس اَّْنـ شه ِل‬ ‫مبع ِايِلح ب َّد أش ْن أ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شق‬ ‫فشـ ـ ـ ـأش شجـْب ـت ـ شهـ ـ ـ ـا َّ‬
‫إن اَّـنـيَّـ ـ ـ ـةش شمـْن ـ شهـ ـ ـ ـل‬
‫ش‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫ِأين ْامري ش ـ ـ ـ ـأشموت إِ ْن شْ أقتل‬ ‫لك شو ْاعلش ِمي‬ ‫شفأقْ ِ ح ياء ِك ح أاب ِ‬
‫شش ش‬
‫وقال أيضاً‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ح تش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِق ِ شم ـ ـاءش احليـ ــاةِ بـ ــذلَّـ ـ ٍة‬
‫س‬ ‫بشـ ْل فــا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ِ ابلْعاي شك ـأْ ش‬
‫ِِ (‪)2‬‬
‫جهـ ـنـ ـَّمْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِـ‬
‫ابلعاي ـ ـ ـأـ ـ ـ ـطْيظشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـم ـْنـ ـ ـايـ ـ ـلـ ـ ـ ِل‬ ‫ا ْحلـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـوـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫شمـ ـ ـ ـاء ا ْحل ـي ـ ـ ــاةِ ب ـ ـ ــذلَّـ ـ ـ ـ ٍة ك ـ ـه ـنَّ ـ ٍم‬
‫القوأ ال ضَّعيف‪ ،‬أو‬ ‫شهامة‪ ،‬ومروءةٍ فكانوا ربون أن ينتهاي ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫وكان العرب بفطرهتم أهللالاب‬
‫العاجاي‪ ،‬أو اَّرأة‪ ،‬أو ال َّ ـ ـ ـ ـ ـي ‪ ،‬وكانوا إذا ا ـ ـ ـ ـ ــتن د هبم أحد أُدوه‪ ،‬ويرون من النَّذالة التَّهلِي‬
‫عمن جلأ إليهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫للح ِّريَّـة‪ ،‬وإابؤهم للض َّْيـم والـ يذ ِّل‪:‬‬
‫‪ - 4‬عشقوم ُ‬
‫احلريَّة يا يا‪ ،‬وميوت من أجلها‪ ،‬فقد ن ـ ــأ طليقاً‪ ،‬ح ـ ــلطان‬ ‫العريب بفطرتت يع ـ ــق ِ‬
‫كان ُّ‬
‫س يف ش ـ ـ ــرفت‪ ،‬وعر ـ ـ ــت ولو كلَّفت ذلك حياتت(‪ ،)3‬فقد‬ ‫ٍ‬
‫ألحد عليت‪ ،‬ورىب أن يعيش ذليالً‪ ،‬أو ميش َّ‬
‫الذ ِل‪ ،‬وربون الضَّْي شم‪ ،‬واح تص ار‪ ،‬واححتقار‪ ،‬وإليك مثاحً عل ذلك‬
‫كانوا رنفون من ُّ‬
‫جلس عمرو بن هند ملك احلرية لندمائت‪ ،‬و ـ ــأيم هل تعلمون أحداً من العرب أتنف ُّأمت‬
‫خدمة ِأمي؟ قالوا نعم‪َّ ،‬أم عمرو بن كلثوم ال َّاعر ُّ‬
‫الصعلوك‪.‬‬
‫فدعا اَّلك شع ْمشرو بن كلثوم لايَيرتت‪ ،‬ودعا َّأمت لتايور َّأمت‪ ،‬وقد اتَّفق اَّلك مع ِأمت أن تقول‬
‫ِ‬
‫ألم شع ْم ِرو بن كلثوم بعد الطَّعام انولي الطَّبق الذأ قانبك‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاءت قالت يا ذلك‪،‬‬

‫(‪ )1‬ديوان عن ة ‪ ،‬ص ‪.252‬‬


‫(‪ )2‬ديوان عن ة ‪ ،‬د‪ .‬فاروق الطباي ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)95/1‬‬
‫‪40‬‬
‫فقالت لِتشـق ْم هللاـ ـ ـ ـ ـ ــاحبة احلاجة إىل حاجتها‪ ،‬فأعادت عليها َّ‬
‫الكرة وأحلَّت‪ ،‬فصـ ـ ـ ـ ـ ــاحت ليل أم‬
‫ــيفاً للملك معلقاً‬ ‫شع ْم ِرو بن كلثوم واذحَّه! َي لتشـ ْل ! فســمعها ابنها فاشـ َّ‬
‫ـتد بت ال ضـ ‪ ،‬فرأ‬
‫ابلرواق‪ ،‬فتناولت‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــرب بت رأس اَّلك عمرو بن هند‪ ،‬واند يف ب ت ل ‪ ،‬وانتهبوا ما يف‬
‫ُّ‬
‫الرواق‪ ،‬ونظم قصيد ًة خياط هبا اَّلك قائالً‬ ‫ُّ‬
‫نكون لِشقْيلِك ْم(‪ )1‬فيه ـ ــا قشطين ـ ــا‬
‫ِ ( ‪)2‬‬
‫شأ شم ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـئش ـ ـ ـ ٍة شع ـ ْم ـشرو بْـ شن ِه ـْنـ ـ ـ ـ ٍد‬
‫أب ِ‬
‫ت ِطْيع بن ــا الو ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاةش وتشـ ْايشدريْـنشـ ـا‬
‫ِ ( ‪)3‬‬
‫شأ شم ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـئشـ ـ ـ ـ ٍة شع ـ ْم ـشرو بْـن ِه ـْنـ ـ ـ ـ ٍد‬
‫ِأب ِ‬
‫شم ـ شض ك ـنَّـ ـ ـ ـا أل ِمـ ـ ـ ـك م ـ ْق ـتشـ ِوي ـنش ـ ـ ـا‬ ‫هتـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِدد شان وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد شان رشويْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداً‬
‫( ‪)4‬‬

‫(‪) 5‬‬
‫أب ـي ـن ـ ـ ــا أن ن ـ ِق ـَّر ال ـ ـ ـ ُّـذ شل ف ـي ـن ـ ـ ــا‬ ‫الناس شخ ْس ـ ـ ـ ـ ـفاً‬
‫إذا ما الْ شم ْلك ش ـ ـ ـ ـ ـ شام ش‬
‫والصـدق‪:‬‬‫للصراحـة‪ ،‬والوضـوح‪ِّ ،‬‬ ‫‪ - 5‬الوفـاءُ ابلعود وحبيوـم َّ‬
‫وفاء‪ ،‬ويذا كانت ال َّ ـ ـهادة ابللِس ــان كافيةً‬ ‫كانوا رنفون من الكذب‪ ،‬ويعيبونت‪ ،‬وكانوا أهل ٍ‬

‫ص ـ ـة أيب ــفيان مع هرقل َّا ــألت عن‬ ‫للدُّخول يف ال ــالم‪ُّ .‬‬


‫ويدل عل أنفتهم من الكذب‪ ،‬ق َّ‬
‫ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وكانت احلروب بينهم قائمةً‪ ،‬قال «لوح احلياء من أن رثروا‬
‫[البخاري (‪ )7‬ومسلم (‪. ])1773‬‬ ‫علي كذابً لكذبت عنت»‬
‫َّ‬
‫أ َّمـا وفـايهم فقـد قـال النُّعمـان بن اَّنـذر لكس ـ ـ ـ ـ ـ ــر يف وفـاء العرب « َّ‬
‫وإن أحـدهم يللم‬
‫اللَّلظة‪ ،‬ويومئ المياء‪ ،‬فهي شولْث‪ ،‬وعقدة ح لُّها إح خروً نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪َّ .‬‬
‫وإن أحدهم يرفع عوداً‬
‫وإن أحــدهم ليبل ــت َّ‬
‫أن رجالً‬ ‫ذمتــت‪َّ .‬‬
‫من األرض‪ ،‬فيكون رهن ـاً بــدينــت‪ ،‬فال يـ ْلشق رهنــت‪ ،‬وح هفر َّ‬
‫حض يف تلك القبيلة اليت‬
‫ا ـ ــت ار بت‪ ،‬وعس ـ ـ أن يكون انئياً عن داره‪ ،‬فيصـ ــاب‪ ،‬فال ير ـ ـ َّ‬
‫أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــابتت‪ ،‬أو تفىن قبيلتت َّا أخفر من جواره‪ .‬وإنَّت ليل أ إليهم اارم اَّل ِدث من ري ٍ‬
‫معرفة وح‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬ال شقيل هو اَّلك دون اَّلك األعظم‪.‬‬


‫(‪ )2‬القط هم اخلدم واَّماليك‪.‬‬
‫(‪ )3‬تايدرينا حتتقران‪.‬‬
‫(‪ )4‬مقتوينا خدمة اَّلوك‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر شر اَّعلَّقات ‪ ،‬لللس الايوزين ‪ ،‬ص ‪.204 ، 196‬‬
‫‪41‬‬
‫ابة‪ ،‬فتكون أنفسهم دون نفست‪ ،‬وأموايم دون مالت»(‪.)1‬‬ ‫قر ٍ‬
‫م عل من آو‬ ‫السليمة‪ ،‬ف لَّ ش‬
‫ووجهت الوجهة َّ‬‫متأهللال ابلعرب‪ ،‬ف اء ال الم‪َّ ،‬‬ ‫والوفاء خلق ِ‬
‫حم ِداثً‪ ،‬مهما كانت منايلتت‪ ،‬وقرابتت‪ .‬قال هللال هللا عليت و لم «لعن هللا من آو ِ‬
‫حمداثً» [مسلم‬ ‫ْ‬
‫أن احلارث بن عباد قاد قبائل‬ ‫(‪ )1978‬والنسـ ـ ـ ــائي (‪ ،])232/7‬ومن القص ـ ـ ـ ـ ــص الدَّالة عل وفائهم(‪َّ « )2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بك ٍر لقتال ت ل ‪ ،‬وقائدهم اَّهلهل الذأ قتل ولد احلارث‪ ،‬وقال «بؤ ب ـ ـسـ ــع نعل كلي »‬
‫يف حرب البس ـ ـ ـ ـ ــوس‪ ،‬فأ ـ ـ ـ ـ ــر احلارث مهلهالً وهو ح يعرفت‪ ،‬فقال دلَّ عل مهلهل بن ربيعة‪،‬‬
‫وأخلي عنــك‪ ،‬فقــال لــت عليــك العهــد بــذلــك إن دللتــك عليــت‪ ،‬قــال نعم‪ .‬قــال فــأان هو‪ ،‬ف َّاي‬
‫تستلق الكبار(‪.)4‬‬
‫ُّ‬ ‫انهللايتت‪ ،‬وتركت»‪ .‬وهذا وفاء اندر‪ ،‬ورجولة‬
‫ومن وفائهم َّ‬
‫أن النُّعمان بن اَّنذر خا عل نفس ـ ــت من كس ـ ــر َّا منعت من تايويت ابنتت‪،‬‬
‫فأودي أ ــللتت‪ ،‬وحرمت إىل هانئ بن مس ــعود ال َّ ـ ِ‬
‫يباين‪ ،‬ورحل إىل كس ــر ‪ ،‬فبطش بت‪ ،‬مث أر ــل‬
‫إىل هانئ يطل منت ودائع النُّعمان‪ ،‬فأىب‪ ،‬فسري إليت كسر جي اً لقتالت‪ ،‬ف مع هانئ قومت آل‬
‫بك ٍر‪ ،‬وخط فيهم‪ ،‬فقال «َي مع ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـر بكر! هالك معذور خري من ٍ‬
‫انً فرور‪َّ ،‬‬
‫إن احلذر ح‬
‫ص ـ ـ ـرب من أ ـ ـ ــباب الظَّشفر‪ ،‬اَّنيَّة وح الدَّنيَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ا ـ ـ ــتقبال اَّوت خري من‬ ‫ين ي من قدر‪َّ ،‬‬
‫وإن ال َّ‬
‫ا تدب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاره‪ ،‬الطَّعن يف ث ر النُّلور‪ ،‬أكرم منت يف األع از‪ ،‬والظُّهور‪َ ،‬ي آل بكر! قاتلوا فما من‬
‫(‪)5‬‬
‫الرجل الذأ‬
‫اَّناَي ب ــد» ‪ ،‬وا تطاي بنو بكر أن يهايموا الفرس يف موقع ــة ذأ ق ــار‪ ،‬بسب ه ــذا َّ‬
‫الص ار‪ ،‬واَّهانة‪ ،‬و ِ‬
‫يبال ابَّوت يف بيل الوفاء ابلعهود‪.‬‬ ‫احتقر حياة َّ‬
‫وقوة االحتمال‪ِّ ،‬‬
‫والرضا ابليسري‪:‬‬ ‫الصرب على املكاره‪َّ ،‬‬
‫‪َّ - 6‬‬
‫الرجل األكول اجل ــع ‪.‬‬ ‫كانوا يقومون من األكل‪ ،‬ويقولون البِطْنة ت ْذ ِه ِ‬
‫الفطْنشة‪ ،‬ويعيبون َّ‬ ‫ش‬
‫قال شاعرهم‬

‫(‪ )1‬بلوغ األرب (‪.)150/1‬‬


‫السرية ‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫(‪ )2‬انظر مدخل لفهم ِ‬
‫(‪ )3‬معناه كن كفأ ل سع نعليت ‪ ،‬وابء الرجل بصاحبت إذا قتل‪ .‬انظر لسان العرب حبن منظور‪.‬‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪ )4‬انظر مدخل لفهم ِ‬
‫(‪ )5‬اتري الطَّرب ِأ عن يوم ذأ قار (‪.)207/2‬‬
‫‪42‬‬
‫ِأبشع ـ ـ ـ ـلِ ـ ـ ِه ـ ـم إِ ْذ أشج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع الْ ـ ـقـ ـ ِ‬
‫ـوم‬ ‫َّت األي ـ ِـدأ إِىل َّ‬
‫الاي ِاد شْ أشك ْن‬ ‫إذا م ـد ِ‬
‫ْش‬ ‫ْ ش ْ‬
‫يف(‪1‬ال) َّ ـ ـ ـدائد‪ ،‬ورمبا اكتس ـ ـ ــبوا ذلك من‬ ‫أعرب ش ل‬
‫ص ـــْ‬
‫حتمل اَّكاره‪ ،‬وال َّ‬
‫وكانت يم قدرة ع يبة عل ُّ‬
‫الايري‪ ،‬واَّاء‪ ،‬فألفوا اقتلام اجلبال الوعرة‪ ،‬وال َّسـ ـري يف ِ‬
‫حر‬ ‫صـ ـلراويَّة اجلافَّة‪ ،‬قليلة َّ‬
‫طبيعة بالدهم ال َّ‬
‫الظَّهرية‪ ،‬و يتأثَّروا ِ‬
‫ابحلر‪ ،‬وح ابلربد‪ ،‬وح وعورة الطَّريق‪ ،‬وح بعد اَّسـ ـ ــافة‪ ،‬وح اجلوي‪ ،‬وح الظَّمأ‪،‬‬
‫َّلمل‪ ،‬وكانوا ير ــون ابليســري‪ ،‬فكان‬
‫ص ـرب‪ ،‬والت ُّ‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دخلوا ال ــالم ـربوا أمثلةً رائعة يف ال َّ‬
‫يرط هبا كبده(‪.)2‬‬‫ات من ماء ِ‬ ‫ات يقيم هبا هللالبت‪ ،‬وقطر ٍ‬ ‫الواحد منهم يسري األَيم مكتفياً بتمر ٍ‬

‫قوة البدن‪ ،‬وعظمة النَّفس‪:‬‬


‫‪َّ - 7‬‬
‫الرو ‪ ،‬وإذا اجتمعت البطولة النفســية إىل‬
‫وقوة ُّ‬
‫بقوة أجســادهم مع عظمة النَّفس‪َّ ،‬‬
‫واشــتهروا َّ‬
‫البطولة اجلسمانيَّة هللانعتا الع ائ ‪ ،‬وهذا ما حدث بعد دخويم يف ال الم‪.‬‬
‫‪ - 8‬العفو عند املقدرة‪ ،‬ومحاية اجلار‪:‬‬
‫حض إذا َّ‬
‫َتكنوا منهم عفوا عنهم‪ ،‬وتركوهم‪ ،‬وربون أن‬ ‫وكانوا ينازلون أقرا‪،‬م‪ ،‬وخص ـ ـ ـ ـ ـ ــومهم‪َّ ،‬‬
‫جي ِهايوا عل اجلرح ‪ ،‬وكانوا يرعون حقوق اجلرية‪ ،‬وح يَّما رعاية النِساء‪ ،‬واَّافظة عل العرض‪.‬‬
‫قال شاعرهم‬
‫شح ـ ـ ـ ـ َّض ي ـ ـ ـ ـ شوارأ شج ـ ـ ـ ـارل شم ـ ـ ـ ـأْوا شه ـ ـ ـ ـا‬ ‫ض طشْرِيف إ ْن بشـ ـ شد ْ‬
‫ت س شج ـ ـ شارل‬ ‫شوأش ُّ‬
‫ـلوا ابلنَّفس‪ ،‬والولد‪ ،‬واَّال يف ـ ــبيل‬ ‫وكانوا إذا ا ـ ــت ار أحد الناس هبم أجاروه‪ ،‬ورمبا ـ ـ َّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كانت هذه الفضــائل واألخالق احلميدة رهللاــيداً ــهماً يف نفوس العرب‪ ،‬ف اء ال ــالم‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلار ‪،‬‬ ‫ووجهها وجهةش اخلري‪ ،‬و ِ‬
‫احلق‪ ،‬فال ع إذا كانوا قد انطلقوا من ال َّ‬ ‫وقواها‪َّ ،‬‬
‫فنماها‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫كما تنطلق اَّالئكة األطهار‪ ،‬ففتلوا األرض‪ ،‬وملؤوها إمياانً بعد أن ملئت كفراً‪ ،‬وعدحً بعد أن‬
‫الرذائل‪ ،‬وخرياً بعد أن طفلت شراً(‪.)3‬‬
‫عمتها َّ‬
‫ملئت جوراً‪ ،‬وفضائل بعد أن َّ‬

‫(‪ )1‬بلوغ األرب (‪.)377/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)97 ، 96/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)97/1‬‬
‫‪43‬‬
‫هذه بعض أخالق ااتمع الَّذأ ن أ فيت النسان ُّ‬
‫العريب‪ ،‬فهو أفضل ااتمعات‪ ،‬يذا اختري‬
‫العريب‪ ،‬وهذه البيئة النَّادرة وهذا الو ــا‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬واختري لت هذا ااتمع ُّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ــة علومهم‪،‬‬
‫الروم‪ ،‬واينود‪ ،‬واليوانن‪ ،‬فلم خيْشْ من الفرس عل‬
‫الرفيع‪ ،‬مق ــارنـ ـةً ابلفرس‪ ،‬و ُّ‬
‫َّ‬
‫الرومان عل تفنُّنهم‪ ،‬وح من اليوانن عل‬
‫ومعارفهم‪ ،‬وح من اينود عل عمق فلسفاهتم‪ ،‬وح من ُّ‬
‫عبقرية ش ـ ـ ـ ــاعريَّتهم‪ ،‬وخيايم‪َّ ،‬‬
‫وإجا اختري من هذه البيئة البكر َّ‬
‫ألن هؤحء األقوام وإن كانوا عل‬
‫ما هم عليت‪ ،‬وما هم فيت من علوم‪ ،‬ومعار ‪ ،‬إح َّأ‪،‬م يصـ ـ ـ ـ ـ ــلوا إىل ما وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــل إليت العرب من‬
‫الرو (‪.)1‬‬
‫ومسو ُّ‬ ‫المة الفطرة‪ِ ،‬‬
‫وحريَّـة الضَّمري‪ِ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر نظرات يف ِ‬


‫السرية ‪ ،‬لإلمام حسن البنَّا ‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪44‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫أه يم األحداث قبل مولد احلبيب املصطفى صلى هللا عليه وسلم‬
‫أراد هللا ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل أن يرحم الب ـ ـ ـ ـريَّة ويكرم النسـ ـ ـ ــانيَّة‪ ،‬فلان وقت اخلالص مببعث‬
‫احلبي هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ .‬وقبل أن ن ــري يف بيان ميالده الكر ‪ ،‬ون ــأتت العايياية‪ ،‬ورعاية‬
‫وجل ‪ -‬لت قبل نايول الوحي عليت‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــريتت العطرة قبل البعثة‪ ،‬نريد أن نتلدَّث عن‬
‫عاي َّ‬
‫هللا ‪َّ -‬‬
‫ا َيت العظيمة‪ ،‬واألحداث اجلليلة الَّيت بقت ميالده هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقد بق مولده‬
‫الكر أمور عظيمة دلَّت عل اق اب تباشري َّ‬
‫الصبا ‪.‬‬
‫أن احنفراً يكون بعد ال ِ ـ ـ ـ ـدَّة‪ ،‬وال ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـياء يكون بعد الظَّالم‪،‬‬ ‫إن من ـ ـ ــنن هللا يف الكون َّ‬
‫َّ‬
‫واليسر بعد العسر(‪.)1‬‬
‫ومن ِ‬
‫أهم هذه األحداث‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم لزمزم‪:‬‬ ‫قصة حفر عبد املطَّلب ِّ‬
‫جد الن ِّ‬ ‫أوالً‪َّ :‬‬

‫ذكر ال ــي إبراهيم العلي يف كتابت القيِم (هللا ــلي الس ــرية النَّبويَّة)‪ ،‬روايةً هللا ــليلةً يف ق َّ‬
‫ص ـة‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ــي هللا عنت قال «قال عبد اَّطَّل‬ ‫حفر عبد اَّطَّل لايمايم من حديث ِ‬
‫ِإين لنــائم يف احلِ ر‪ ،‬إ ْذ أاتين ٍ‬
‫آت‪ ،‬فقــال س احفر طشْيبــة(‪ .)2‬قلــت ومــا طشْيبــة؟ قــال مثَّ ذهـ‬ ‫ْ‬
‫ع ‪.‬‬
‫ض عي‪ ،‬فنمت فيت‪ ،‬ف اءين‪ ،‬فقال احفر بشَّـرة(‪ ،)3‬قال‬
‫قال فل َّـما كان ال د رجعت إىل شم ْ‬
‫قلت وما بشَّـرة؟ قال مثَّ ذه ع ِ ‪.‬‬
‫فل ـ َّـما كان ال د رجعت إىل مض عي‪ ،‬فنمت فيت‪ ،‬ف اءين‪ ،‬فقال احفر اَّضنونة(‪ .)4‬قال‬

‫حممد هللال هللا عليت و لم َي حم ُّ ‪ ،‬لل اي ِ‬


‫ائرأ ‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر هذا احلبي‬
‫الطي ‪ ،‬وبت ِمسيت اَّدينة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬طيبة م تقة من ِ‬
‫(‪َّ )3‬برة م تقة من ِ‬
‫الرب ‪ ،‬والربُّ هو اخلري والطَّهارة‪.‬‬
‫يضن مبثلها أأ يبهل‪.‬‬ ‫اَّضنونة ال الية النَّفيسة اليت ُّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪45‬‬
‫قلت وما اَّض ـ ـ ـ ــنونة؟ قال مثَّ ذه ‪ .‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان ال د رجعت إىل مضـ ـ ـ ـ ـ عي‪ ،‬فنمت فيت‪،‬‬
‫ف ـاءين‪ ،‬فقـال احفر زمايم‪ .‬قـال قلـت ومـا زمايم؟ قـال ح تشـْن ِاي أبـداً‪ ،‬وح تـ شذ ُّم(‪ ،)1‬تس ـ ـ ـ ـ ـ ــقي‬
‫احل يت األعظم‪ ،‬وهي ب ال شف ْرث والدَّم‪ ،‬عند نقرة ال راب األعصم(‪ ،)2‬عند قرية النَّمل(‪.)3‬‬
‫وعشر أنَّت قد هللا ـ ِدق دا‬ ‫قال ابن إ ــلاق فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بِ لت ش ــأ‪،‬ا‪ ،‬ود َّل عل مو ــعها‪ ،‬ش‬
‫مبِعولِِت(‪ )4‬ومعت ابنت احلارث بن عبد اَّطل ‪ ،‬وليس معت يو ٍ‬
‫مئذ ولد ريه‪ ،‬فلفر فيها‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بدا‬ ‫ْش‬
‫لعبــد اَّطلـ الطَّ ُّي‬
‫كرب‪ ،‬فعرفــت قريش أنـَّت قــد أدرك حــاجتــت‪ ،‬فقــاموا إليــت‪ ،‬فقــالوا َي عبــد‬
‫َّ‬ ‫(‪)5‬‬

‫بفاعل‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫اَّطل ! َّإ‪،‬ا بئر أبينا إمساعيل‪َّ ،‬‬
‫وإن لنا فيها حقًّا‪ ،‬فأش ـ ـ ـ ـ ــركنا معك فيها‪ .‬قال ما أان ٍ‬
‫صت بت دونكم‪ ،‬وأعطيتت من بينكم‪ .‬قالوا لت فأنصفنا‪َّ ،‬‬
‫فَان ري اتركيك حض‬ ‫ِ‬
‫هذا األمر قد خص ْ‬
‫َناهللا ــمك فيها‪ ،‬قال فاجعلوا بي وبينكم من ش ــئتم أحاكمكم إليت‪ .‬قالوا كاهنة ب ـ ٍ‬
‫ـعد بن‬
‫ه شذ ‪ .‬قال نعم‪ ،‬وكانت أبطرا ال َّام‪.‬‬
‫فرك ـ عبــد اَّطَّل ـ ومعــت نفر من ب أبيــت من ب عبــد منــا ‪ ،‬ورك ـ من كـ ِـل قبيلـ ٍـة من‬
‫حض إذا كــانوا ببعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــا نفــد مــاء عبــد اَّطلـ ‪،‬‬
‫قريش نفر‪ ،‬فهرجوا واألرض إذ ذاك مفــاوز َّ‬
‫حض ا ــتيقنوا ابيلكة‪ ،‬فا ــتس ــقوا شم ْن كانوا معهم‪ ،‬فأبوا عليهم‪ ،‬وقالوا َّإان‬
‫وأهللا ــلابت‪ ،‬فعط ـ ـوا َّ‬
‫ِإين أر أن فر ُّ‬
‫كل‬ ‫وإان َن ـ ـ ـ ـ عل أنفس ـ ـ ــنا مثل ما أهللا ـ ـ ــابكم‪ .‬فقال عبد اَّطَّل‬
‫مبفازة(‪َّ )6‬‬
‫القوة‪ ،‬فكلَّما مات رجل دفعت أهللاــلابت يف حفرتت‪ ،‬مث‬
‫رجل منكم حفرتت لنفســت مبا لكم ا ن من َّ‬ ‫ٍ‬
‫رجل و ٍ‬
‫احد أيسر من يعة رك ٍ يعـ ــت‪ .‬فقالوا‬ ‫ضْيعة ٍ‬ ‫حض يكون آخرهم رجالً واحداً‪ ،‬فش ش‬
‫شو شارْوه َّ‬
‫نِ ْع شم ما أمرت بت‪.‬‬
‫إن عبد اَّطل قال‬ ‫كل ٍ‬
‫رجل لنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت حفرًة‪ ،‬مثَّ قعدوا ينتظرون اَّوت عط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬مثَّ َّ‬ ‫فلفر ُّ‬

‫(‪ )1‬ح تناي أأ ح يفرغ مايها ‪ ،‬وح يللق قعرها‪.‬‬


‫(‪ )2‬ال راب األعصم الذأ يف اقيت بياض‪.‬‬
‫(‪ )3‬قرية النَّمل اَّكان الذأ جيتمع فيت النَّمل‪.‬‬
‫(‪ )4‬اَِّْع شول الفأس‪.‬‬
‫الطي حافة البئر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫(‪)5‬‬

‫الصلراء ‪ ،‬واجلمع مفاوز‪.‬‬‫(‪ )6‬اَّفازة َّ‬


‫‪46‬‬
‫ألهللا ـ ـ ـ ـ ــلابت وهللا َّ‬
‫إن إلقاءان أبيدينا هكذا للموت ح نض ـ ـ ـ ـ ــرب يف األرض‪ ،‬وح نبت ي ألنفس ـ ـ ـ ـ ــنا‬
‫حض إذا بعث(‪ )1‬عبد اَّطَّل‬ ‫ارحتلوا‪ .‬فارحتلوا َّ‬
‫لش شع ْ اي‪ ،‬فعس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هللا أن يرزقنا ماءً ببعض البالد‪ ،‬ش‬
‫كرب أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬مثَّ نايل‪،‬‬
‫فكرب عبد اَّطل ‪ ،‬و َّ‬ ‫ماء ٍ‬
‫عذب‪َّ ،‬‬ ‫خفها ع ٍ‬ ‫راحلتت انف رت من حتت ِ‬

‫حض ملؤوا أ قيتهم‪ ،‬مثَّ دعا قبائل قريش وهم ينظرون إليهم‬
‫ف رب‪ ،‬وشرب أهللالابت‪ ،‬وا تسقوا َّ‬
‫يف يع هذه األحوال ‪ -‬فقال شهل ُّموا إىل اَّاء فقد ـ ــقاان هللا ‪ ،‬ف ايوا ‪ ،‬ف ـ ـربوا ‪ ،‬وا ـ ــتقوا‬
‫كلُّهم‪ ،‬مثَّ قالوا قد ‪ -‬وهللا ‪ -‬قض لك علينا‪ ،‬وهللا ما َناهللامك يف زمايم أبداً‪َّ ،‬‬
‫إن الذأ قاك‬
‫هذا اَّاء هبذه الفالة هو الَّذأ ــقاك زمايم‪ ،‬فارجع إىل ــقايتك راشــداً‪ ،‬فرجع‪ ،‬ورجعوا معت‪ ،‬و‬
‫وخلُّوا بينت وب زمايم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يصلوا إىل الكاهنة‪ ،‬ش‬
‫لي بن أيب طـالـ ٍ يف زمايم البيهقي يف الـدحئــل‬
‫قـال ابن إ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـاق فهـذا مـا بل عن ع ِ‬
‫(‪ )94 - 93/1‬وابن ه ام (‪ ])153 - 151/1‬وقد ورد يف فضل ماء زمايم أحاديث كثرية‪،‬‬
‫ذر ر ي هللا عنت َّ‬
‫أن ر ول هللا هللال هللا‬ ‫قصة إ الم أيب ٍ‬ ‫فمنها ما رواه مسلم يف هللاليلت يف َّ‬
‫عليت و لم قال « َّإ‪،‬ا مباركة‪َّ ،‬‬
‫إ‪،‬ا طعام ط ْع ٍم» [مسلم(‪. ])2473( )2‬‬

‫ـللت عن ابن ٍ‬
‫عباس ر ـ ـ ـ ــي هللا‬ ‫ورو الدَّارقط ُّ (‪ ])2713‬واحلاكم (‪ ])473/1‬وهللا ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ب لت إ ْن ش ـربتت لتســت ــفي‪ ،‬شــفاك‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم «ماء زمايم َّا ش ـ ِر ش‬
‫عنهما عن الن ِ‬
‫هللا! وإن شربتت ل بعك‪ ،‬أشبعك هللا! وإن شربتت لقطع ظمئك‪ ،‬قطعت هللا! وهي هايمة(‪ )3‬جربيل‪،‬‬
‫حممد أبو شهبة ‪ -‬رحت هللا! ‪ )4(-‬ومهما يكن من ٍ‬
‫شيء فقـ ـ ــد‬ ‫و قيا هللا إمساعيل» قال ال َّي َّ‬
‫ِ‬
‫مياطي ‪ -‬وهو من احلفَّا اَّتأخرين اَّتقن ‪ -‬حديث «ماء زمايم َّا ش ـ ـ ِر ش‬
‫ب‬ ‫ـل احلافم الد ُّ‬ ‫هللاـ ـ َّ‬
‫اقي(‪.)5‬‬
‫أقره احلافم العر ُّ‬
‫لت» و َّ‬

‫(‪ )1‬بعث راحلتت أقامها من بروكها‪.‬‬


‫(‪ )2‬طعام طعم أأ ت بع شارهبا‪.‬‬
‫(‪ )3‬هايمة ‪ ،‬أو لاية أثر ربتت يف األرض بعقبت ‪ ،‬أو جناحت‪.‬‬
‫الصليلة (‪.)158/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫اقي ‪ ،‬ص ‪.13‬‬‫الصال وشرحها لللافم العر ِ‬ ‫(‪ِ )5‬‬
‫مقدمة ابن َّ‬
‫‪47‬‬
‫قصة أصحاب الفيل(‪:)1‬‬
‫اثنياً‪َّ :‬‬

‫هذه احلادثة اثبتة ابلقرآن الكر وال ُّسـ ـ ـنَّة النَّبويَّة‪ ،‬وأتت تفاهللا ـ ــيلها يف كت ال ِس ـ ـري والتَّاري ‪،‬‬
‫اب الْ ِف ِيل ۝ أششْ شْجي شع ْل‬
‫هللا ـل ِ‬
‫ك ِأبش ْ ش‬ ‫وذكرها اَّفس ـرون يف كتبهم قال تعاىل ﴿أششْ تشـشر شكْي ش‬
‫ف فشـ شع شل شربُّ ش‬ ‫ِ‬
‫يل ۝ تشـ ْرِمي ِه ْم ِِحب ش شارةٍ ِمن ِ ـ ِ ٍيل ۝ فش ش شعلشه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شكي شدهم ِيف تش ْ ِ‬
‫ضـل ٍيل ۝ شوأ ْشر ش ـ شل شعلشْيه ْم طشْ ًريا أ ششابب ش‬ ‫ْ ْ‬
‫ول﴾ [سورة الفيل] ‪.‬‬ ‫ف مأْك ٍ‬ ‫شكع ْ ٍ‬
‫ص ش‬ ‫ش‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم إىل احلادث؛ فمنوا‪:‬‬ ‫َّأما إشارات َّ‬
‫أن الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً زمن احلديبية‪ ،‬ــار حض إذا كان ابلثَّنيَّة الَّيت‬
‫َّ‬

‫يهبا عليهم منهــا‪ ،‬بركــت هبــا راحلتــت فقــال النــاس شحـ ْل شحـ ْل ‪ .‬فشـأش شحلـَّ ْ‬
‫ت(‪ ،)3‬فقــالوا خ ت‬ ‫(‪)2‬‬

‫«ما خ ت القص ـ ـواء‪ ،‬وما ذاك يا لق‪ ،‬ولكن‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫القص ـ ـواء! فقال الن ُّ‬
‫حبسها حابس الفيل»‬
‫[البخاري (‪ )2731‬وأمحد (‪. ])323/4‬‬

‫وجاء يف ال ِسـ ـ ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة أليب حاذ ما يلي «كان من ش ـ ـ ـ ـ ــأن الفيل َّ‬
‫أن ملكاً كان ابليمن‬
‫ل عليها‪ ،‬وكان أهللاـ ــلت من احلب ـ ــة‪ ،‬يقال لت أبرهة‪ ،‬بىن كنيسـ ــة بصـ ــنعاء‪ ،‬فسـ ـ َّـماها القلَّْيس‪،‬‬
‫وحلف أن يسـ ـ ـ ـ ـ ــري إىل الكعبة فيهدمها‪ ،‬فهرً ملك من‬ ‫وزعم أنَّت يصـ ـ ـ ـ ـ ــر إليها شح َّت العرب‪ ،‬ش‬
‫ملوك ِحري فيمن أطاعت من قومت يقال لت ذو نفر‪ ،‬فقاتلت فهايمت أبرهة‪ ،‬وأخذه‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أت بت‬
‫فَن ا ـ ــتبقائي خري لك من قتلي‪ ،‬فا ـ ــتبقاه‪ ،‬وأوثقت‪ ،‬مثَّ‬ ‫قال لت ذو نفر أيها اَّلك! ح تقتل‬
‫اخلثعمي ومن‬
‫ُّ‬ ‫حض إذا دان من بالد شخثْـ شعم خرً إليت النُّـ ـ ـ شفْيل بن حبي‬‫خرً ائراً يريد الكعبة‪َّ ،‬‬
‫اجتمع إليت من قبائل اليمن‪ ،‬فقاتلوه‪ ،‬فهايمهم‪ ،‬وأخذ النُّـ ـ ـ ـ شفْيل‪ ،‬فقال النُّفيل أيها اَّلك! ِإين عا‬
‫أبرض العرب‪ ،‬فال تقتل ‪ ،‬وهااتن يداأ عل قومي ابل َّسـ ـ ـ ـ ـمع‪ ،‬والطَّاعة‪ ،‬فا ـ ـ ـ ــتبقاه‪ ،‬وخرً معت‬
‫حض إذا بل الطَّائف خرً إليت مسعود بن م شعتِ يف رجال ثقيف‪ ،‬فقال أيُّها اَّلك! حنن‬ ‫يشدلُّت‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )5‬يف الصفلة (‪.)741‬‬


‫السري‪( .‬فت البارأ ‪.)335/5‬‬ ‫كلمة تقال للنَّاقة إذا تركت َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬أحلت أأ َتادت عل عدم القيام وهو من الحلا ‪ .‬فت البارأ (‪.)335/5‬‬
‫‪48‬‬
‫عبيد لك‪ ،‬ليس لك عندان خال ‪ ،‬وليس بيننا وبينك الَّذأ تريد ‪ -‬يعنون الَّالت ‪َّ -‬إجا تريد‬
‫البيت الذأ َّ‬
‫مبكة‪ ،‬حنن نبعث معك من يدلُّك عليت‪.‬‬
‫س(‪)1‬مــات أبو‬ ‫فبعثوا معــت موىل يم‪ ،‬يقــال لــت أبو ِر ــال‪ ،‬فهرً معهم َّ‬
‫حض إذا كــان ابَّ ش َّم ِ‬
‫س رجالً‪ ،‬يقال لت األ ـ ــود بن مقص ــود عل‬ ‫ِر ال‪ ،‬وهو الذأ رِج شم قربه‪ ،‬وبعث أبرهة من اَّ ش َّم ِ‬
‫ِ‬
‫مقد مة خيلت‪ ،‬ف مع إليت أهل احلرم‪ ،‬وأهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب لعبد اَّطل مئيت بعري ابألرك‪ ،‬مثَّ بعث أبرهة‬
‫آت لقتال‪َّ ،‬إجا جئت‬ ‫مكة‪ ،‬فقال ـ ــل عن شـ ـ ـريفها‪ ،‬مثَّ أبل ت ِأين ِ‬ ‫احلمريأ إىل أهل َّ‬
‫َّ‬ ‫حنشاطة‬
‫ألهدم هذا البيت‪.‬‬
‫إن اَّلك أر ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫مكة‪ ،‬فلقي عبد اَّطل بن هاش ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬فقال َّ‬ ‫حض دخل َّ‬ ‫فانطلق حنشاطة َّ‬
‫ـال‪ ،‬إح أن تقــاتلوه‪ ،‬إَّجـا جــاء يــدم هــذا البيــت‪ ،‬مثَّ احنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا‬ ‫ِ‬
‫رت لقتـ ٍ‬ ‫إليــك ليهربك أنـَّت‬
‫ما عندان لت قتال‪ ،‬نهلِي بينت وب البيت‪ ،‬فَن خلَّ هللا بينت وبينت‬ ‫عنكم‪ .‬فقال عبد اَّطَّل‬
‫حض قدم اَّعسـ ـ ـ ـ ــكر‪ ،‬وكان «ذو‬
‫فو هللا ما لنا بت َّقوة‪ .‬قال فانطلق معي إليت‪ .‬قال فهرً معت َّ‬
‫ناء فيما نايل بنا؟ فقال ما‬ ‫نفر» هللاـ ــديقاً لعبد اَّطل ‪ ،‬فأاته فقال َي ذا نفر! هل عندكم من ٍ‬

‫رجل أ ـ ـ ـ ٍري ح رمن من أن يقتل بكرةً‪ ،‬أو ع ـ ـ ـيَّةً‪ ،‬ولكن ـ ــأبعث لك إىل أنيس ـ ــائس‬
‫ناء ٍ‬
‫الفيل فامره أن يصــنع لك عند اَّلك ما ا ــتطاي من خ ٍري‪ ،‬ويعظم خطرك‪ ،‬ومنايلتك عنده‪ .‬قال‬
‫إن هذا ــيِد قريش‪ ،‬هللاـ ــاح عري َّ‬
‫مكة الذأ يطعم النَّاس يف‬ ‫فأر ــل إىل أنيس‪ ،‬فأاته‪ ،‬فقال َّ‬
‫ال َّس ـهل‪ ،‬والوحوش يف اجلبال‪ ،‬وقد أهللاــاب لت اَّلك مئيت بعري‪ ،‬فَن ا ــتطعت أن تنفعت فانفعت‬
‫فَنَّت هللاديق س‪.‬‬
‫مكة الذأ‬ ‫يش‪ ،‬وهللا ـ ـ ــاح ِع ِْري َّ‬
‫فدخل أنيس عل أبرهة‪ ،‬فقال أيُّها اَّلك! هذا ـ ـ ــيِد قر ٍ‬
‫يطعم النَّاس يف ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهل‪ ،‬والوحوش يف اجلبال‪ ،‬يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتأذن عليك‪ ،‬وإنَّت أح َّ أن أتذن لت‪ ،‬فقد‬
‫ملالف عليك‪ .‬فأذن لت‪ ،‬وكان عبد اَّطَّل رجالً عظيماً‪ ،‬جســيماً‪،‬‬ ‫جاءك ري انهللا ـ ٍ لك‪ ،‬وح ٍ‬
‫ريره‪ ،‬وأن جيلس حتتت‪ ،‬فهبا‬ ‫و يماً‪ ،‬فل َّـما رآه أبرهة‪ ،‬عظَّمت‪ ،‬وأكرمت‪ ،‬وكره أن جيلس معت عل‬

‫(‪ )1‬اَّ َّمس مكان قرب َّ‬


‫مكة يف طريق الطَّائف مات فيت أبو ِر ال‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫إىل البس ـ ـ ـ ـ ـ ــاط‪ ،‬ف لس عليت معت‪ ،‬فقال لت عبد اَّطل أيها اَّلك! إنَّك قد أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبت س ماحً‬
‫علي‪ .‬فقال لت لقد أع بت ح رأيتك‪ ،‬ولقد زهدت فيك‪ .‬قال وِش؟ قال‬ ‫عظيماً‪ ،‬فاردده َّ‬
‫ـت هو دين ـك ودين آابئــك‪ ،‬وعص ـ ـ ـ ـ ـ ــمتكم‪ ،‬ومنعتكم ألهــد شم ـت‪ ،‬فلم تكلِ ْم فيــت‪،‬‬
‫جئــت إىل بيـ ٍ‬
‫رب هذه البل‪ ،‬ويذا البيت رب ـ ـ ـ ـ ـ ــيمنعت‪ .‬قال ما كان‬ ‫وتكلِم يف مئيت بع ٍري لك! قال أان ُّ‬
‫ليمنعت م ِ ‪ .‬قال فأنت وذاك! قال فأمر نبلت‪ ،‬فرَّدت عليت‪ ،‬مثَّ خرً عبد اَّطَّل ‪ ،‬وأخرب قري اً‬
‫يتفرقوا يف ال ِ عاب‪.‬‬
‫اخلرب‪ ،‬وأمرهم أن َّ‬
‫وحتمل عليت ما أراد أن‬
‫وقرب فيلت‪َّ ،‬‬
‫وأهللا ـ ــب أبرهة ابَّ ش َّمس قد هتيَّأ للدُّخول‪ ،‬وعبَّأ جي ـ ــت‪َّ ،‬‬
‫حركت وقف‪ ،‬وكاد أن يرزم إىل األرض‪ ،‬فيربك‪ ،‬فضربوه ابَّعول يف رأ ت‪،‬‬ ‫مل‪ ،‬وهو قائم‪ ،‬فل َّـما َّ‬
‫فوجهوه إىل اليمن‪ ،‬فهرول‪ ،‬فصـرفوه إىل احلرم‪،‬‬
‫فأىب‪ ،‬فأدخلوا حماجنت حتت أقرانت‪ ،‬ومرافقت‪ ،‬فأىب‪َّ ،‬‬
‫كل ط ٍري‬
‫قبل من تلك اجلبال‪ ،‬فأر ـل هللا الطَّري من البلر كالبلسـان(‪ ،)1‬مع ِ‬
‫فوقف‪ ،‬وحلق الفيل ٍ‬
‫ص والعدس من احل ارة‪،‬‬ ‫ثالثة أح ا ٍر ح ران يف رجليت‪ ،‬وح ر يف منقاره‪ ،‬وحتمل أمثال احلِ َّم ِ‬
‫فَذا ـ ـ ــيت القوم أر ـ ـ ــلتها عليهم‪ ،‬فلم تص ـ ـ ـ تلك احل ارة أحداً إح هلك‪ ،‬وليس كل القوم‬
‫ب الْ ِف ِيل ۝ أششْ شْجي شع ْل شكْي شده ْم‬
‫هللا ـ ـ ـلا ِ‬
‫ك ِأبش ْ ش‬ ‫أهللا ـ ــي ‪ ،‬فذلك قول هللا تعاىل ﴿أششْ تشـشر شكْي ش‬
‫ف فشـ شع شل شربُّ ش‬
‫صٍ‬ ‫ضلِ ٍيل ۝ وأشر ل علشي ِهم طشريا أشاببِيل ۝ تشـرِمي ِهم ِِحب ارةٍ ِمن ِ ِ‬ ‫ِيف تش ْ‬
‫ف‬ ‫ٍيل ۝ فش ش شعلشه ْم شك شع ْ‬ ‫ْ ْ شش‬ ‫ش ْ ش ش ش ْ ْ ًْ ش ش‬
‫مأْك ٍ‬
‫ول﴾ [سورة الفيل] ‪.‬‬
‫ش‬
‫كل بلد‪ ،‬وجعل أبرهة‬ ‫وبعث هللا عل أبرهة داءً يف جسـ ـ ــده‪ ،‬ورجعوا ـ ـ ـراعاً يتسـ ـ ــاقطون يف ِ‬
‫ودم‪ ،‬فانته إىل اليمن‪ ،‬وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو مثل‬ ‫تتســاقا أانملت‪ ،‬كلَّما ــقطت أجلة أتبعتها ِمدَّة من قي ٍ ‪ٍ ،‬‬
‫فر الطَّري فيمن بقـي من أهللالابت‪ ،‬مثَّ مات»(‪.)2‬‬
‫وذكر ابن إ ــلاق ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬يف ـ ــريتت‪ ،‬كما نقلت ابن ه ـ ٍـام عنت يف ال ِس ـ ـري َّ‬
‫أن عبد‬
‫اَّطل أخذ حبلقة ابب الكعبة‪ ،‬وقام معت نفر من قريش‪ ،‬يدعون هللا‪ ،‬ويس ـ ــتنص ـ ــرونت عل أبرهة‬

‫(‪ )1‬البشـلش شسان نوي من الطَّري (الايرازير)‪.‬‬


‫السيـرة النَّبويَّـة أليب حاذ البسيت ‪ ،‬ص ‪ 34‬ـ ‪ ، 39‬وانظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪ 30/1‬ـ ‪.)37‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫‪50‬‬
‫وجنده‪ ،‬فقال عبد اَّطل وهو اخذ حبلقة ابب الكعبة‬
‫ك‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنع شر ْحلشت فش ْامنش ْع حاللش ْ‬ ‫العْب شد شميْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫إن ش‬ ‫حه َّم(‪َّ )1‬‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِـ ـ ـي ـ ـ ـب ـ ـ ـه ـ ـ ـ ْم‬ ‫ح يش ـ ـ ـ ْ ـ ـ ـلِـ ـ ـ ش َّ‬
‫شوحمشـ ـ ـ ـ ـايـ ـ ـ ـ ـ ْم شـ ـ ـ ـ ـ ْدواً حمشـ ـ ـ ـ ـالشـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ب ش‬
‫ك‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلتشنا فشأ ْشمر شما بش شدا لش ْ‬ ‫هم وقِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ت شات ِرك ْ‬ ‫إ ْن كْن ش‬
‫يش إىل ششع ِ‬
‫ف‬ ‫مثَّ أر ل عبد اَّطَّل شح ْل شقة ابب الكعبة‪ ،‬وانطلق هو‪ ،‬ومن معت من قر ٍ‬
‫ش‬
‫مبكة إذا دخلها‪ ،‬وذكر بعد ذلك ما حدث من‬ ‫فتلرزوا فيها‪ ،‬ينتظرون ما أبرهة فاعل َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫اجلبال ‪َّ ،‬‬
‫هالك ألبرهة‪ ،‬وجي ت(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬

‫دروس وعربٌ وفوائ ُد من حادثة الفيل‪:‬‬


‫ٌ‬
‫أن م ــركي العرب كانوا ِ‬
‫يعظمونت‪،‬‬ ‫بيت و ــع للنَّاس‪ ،‬وكيف َّ‬ ‫‪ - 1‬بيان ش ــر الكعبة َّأول ٍ‬
‫ويقد ــونت‪ ،‬وح ِ‬
‫يقدمون عليت ش ــيئاً‪ .‬وتعود هذه اَّنايلة إىل بقاَي دَينة إبراهيم‪ ،‬وإمساعيل‪ ،‬عليهما‬ ‫ِ‬

‫السالم‪.‬‬
‫الصالة و َّ‬
‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬وعل العرب الَّذين ِ‬
‫يعظمون هذا البيت‪،‬‬ ‫‪ - 2‬حسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد النَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ‪ ،‬وحقدهم عل َّ‬

‫ولذلك أراد أبرهة أن يصـ ـ ــر العرب عن تعظيم بيت هللا ببناء كنيسـ ـ ــة القلَّْيس‪ ،‬وعل َّ‬
‫الر م من‬
‫ا ــتعمالت أ ــالي ال َّ ي ‪ ،‬وال َّ هي إح َّ‬
‫أن العرب امتنعوا‪ ،‬ووهللاــل األمر إىل مداه أبن أحدث‬
‫الرازأ ‪ -‬رحت هللا تعاىل! ‪ -‬يف قولت تعاىل اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫س أحد األعراب‪ ،‬قال َّ‬ ‫يف كنيسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة القلَّْي ِ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـلِ ٍيل﴾‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكيد هو إرادة مض ـ ـ ـ ـ َّـرةٍ ابل ري عل اخلفية‪( .‬إن قيل) ش مسَّاه ﴿أششْ شْجي شع ْل شكْي شده ْم ِيف تش ْ‬
‫وأمره كان ظاهراً؟ فَنَّت كان يصـ ِـر أن يهدم البيت‪( .‬قلنا) نعم لكن الذأ كان يف قلبت شــراً اَّا‬
‫أظهر ألنَّت كان يض ــمر احلس ــد للعرب‪ ،‬وكان يريد هللا ــر ال َّ ـ ـر احلاهللا ــل يم بس ــب الكعبة‬
‫عنهم‪ ،‬وعن بلدهم إىل نفست‪ ،‬وإىل بلدتت(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ح ه َّم أهللالها اللَّه َّم ‪ ،‬والعرب حتذ األلف والالم منها ‪ ،‬وتكتفي مبا بقي‪.‬‬
‫(‪ )2‬شش شعف اجلبال أعاس اجلبال ‪ ،‬أو ريوس اجلبال‪.‬‬
‫ذر اخل (‪ 84/1‬ـ ‪.)91‬‬ ‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام مع شر أيب ٍ‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫الرازأ (‪.)94/32‬‬ ‫انظر تفسري َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ - 3‬التَّضحية يف سبيل َّ‬
‫املقدسات‪:‬‬
‫قام ملك من ملوك ِحري يف وجت جيش أبرهة‪ ،‬ووقع اَّلك أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرياً‪ ،‬وقام النُّـ شفْيل ابن حبي ٍ‬
‫ش‬
‫اخلثعمي ومن اجتمع معــت من قبــائــل اليمن‪ ،‬فقــاتلوا أبرهــة‪ ،‬إح َّأ‪،‬م ا‪،‬ايموا أمــام اجليش الْ شعشرْمشرم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وبذلوا دماءهم دفاعاً عن َّ‬
‫مقد اهتم‪.‬‬
‫إن ِ‬
‫الدفاي عن َّ‬
‫اَّقد ات والتَّضلية يف بيلها‪ ،‬شيء ريايأ يف فطرة النسان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫األمة خمذولون‪:‬‬
‫‪َ - 4‬خ َونة َّ‬
‫فهؤحء العمالء الذين تعاونوا مع أبرهة‪ ،‬وهللااروا عيوانً لت‪ ،‬وجوا يس‪ ،‬وأرشدوه إىل بيت هللا‬
‫العتيق ليهدمت لعنوا يف الدُّنيا وا خرة‪ ،‬لعنهم النَّاس‪ ،‬ولعنهم هللا ‪ -‬ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬وأهللا ـ ـ ــب‬
‫قرب أيب ِر ال رماياً للهيانة والعمالة‪ ،‬وهللاـ ــار ذاك َّ‬
‫الرجل مب و ـ ـاً يف قلوب النَّاس‪ ،‬وكلَّما مَّر أحد‬
‫عل قربه ر ت‪.‬‬
‫‪ - 5‬حقيقة املعركة بني هللا وأعدائه‪:‬‬
‫مكة « نهلِي بينت وب البيت فَن خلَّ هللا بينت وبينت فو هللا‬
‫يف قول عبد اَّطل زعيم َّ‬
‫مــا لنــا بــت َّقوة» وهــذا تقرير دقيق حلقيقــة اَّعركــة ب هللا وأعــدائ ـت‪ ،‬فمهمــا كــانــت َّقوة العـ ِ‬
‫ـدو‬
‫فَ‪،‬ا ح تس ــتطيع الوقو حلظةً واحد ًة أمام قدرة هللا وبط ــت‪ ،‬ونِْقمتت فهو ــبلانت‬ ‫وح ــوده َّ‬
‫أأ ٍ‬
‫وقت شاء(‪.)1‬‬ ‫واه احلياة‪ ،‬و البها يف ِ‬
‫صـة أهللاـلاب الفيل م ـهورة‪،‬‬
‫القامسي ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬قال القاشـاينُّ ‪ -‬رحت هللا ! ‪ -‬ق َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وهي إحد آَيت قدرة هللا‪ ،‬وأثر من‬
‫وواقعتهم قريبة من عهد َّ‬
‫هطت عل شم ِن اج أ عليت هبتك حشرِم ِت(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬تعظيم النَّاس للبيت‪ ،‬وأهله‪:‬‬
‫ازداد تعظيم العرب لبيت هللا احلرام‪ ،‬الَّذأ تكفَّل حبفظت‪ ،‬وحايتت من عبث اَّفسـدين‪ ،‬وكيد‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫(‪ )2‬انظر حما ن التَّفسري ‪ ،‬للقامسي (‪.)262/17‬‬
‫‪52‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العدو‪ ،‬وكان‬
‫الكائدين ‪ ،‬وأعظمت العرب قري اً‪ ،‬وقالوا هم أهل هللا‪ ،‬قاتل هللا عنهم‪ ،‬وكفاهم َّ‬
‫مكة‪ِ ،‬‬
‫ويطهر الكعبة من األواثن‪ ،‬ويعيد يا‬ ‫نب يبعث من َّ‬ ‫ذلك آيةً من هللا تعاىل‪ِ ،‬‬
‫ومقدمةً لبعثة ٍ‬
‫ما كان يا من ٍ‬
‫رفعة‪ ،‬وشأن(‪.)2‬‬
‫يبوة‪:‬‬
‫قصة الفيل من دالئل الن َّ‬
‫‪َّ - 7‬‬
‫اَّاوردأ ‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّبوة‪ ،‬ودححهتا‪ ،‬ومن هؤحء‬ ‫قال بعض العلماء َّ‬
‫إن حادثة الفيل من شـ ـ ـ ـ ـواهد الن َّ‬
‫ُّبوة ظاهرة‪ ،‬ت ـ ــهد مباديها ابلعواق ‪،‬‬ ‫رحت هللا! ‪ -‬حيث يقول آَيت اَّلك ابهرة‪ ،‬وش ـ ـ ـواهد الن َّ‬
‫حبق‪ ،‬وحبسـ ـ ـ ـ َّقوهتا‪ ،‬وانت ـ ـ ــارها تكون ب ـ ـ ــائرها‪،‬‬ ‫ـدق‪ ،‬وح منتلل ٍ‬ ‫فال يلتبس فيها كذب بص ـ ـ ـ ٍ‬
‫نبوتت‪ ،‬وظهرت آَيت‬
‫وإنذارها‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دان مولد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم تعاطرت آَيت َّ‬
‫بركت ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬فكان من أعظمها شأانً‪ ،‬وأشهره ـ ـ ـ ـ ـ ــا عياانً‪ ،‬وبياانً أهللالاب الفيل‪ ...‬إىل أن قال وآية‬
‫قصة الفيل أنَّت كان يف زمانت حشْالً يف بطن ِأمـت مب َّكة ألنَّـت ولد‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم يف َّ‬ ‫َّ‬
‫األول‪،‬‬
‫بعد طس ـ ـ يوماً من الفيل‪ ،‬وبعد موت أبيت‪ ،‬يف يوم الثن الثاين ع ـ ــر من شـ ــهر ربيع َّ‬
‫فكانت آيةً يف ذلك من شو ْج شه ْ‬
‫أحدمها َّأ‪،‬م لو ظفروا لسـبوا‪ ،‬وا ـ قوا‪ ،‬فأهلكهم هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬لصـيانة ر ـولت هللاـل هللا‬
‫السب حشْالً‪ ،‬ووليداً‪.‬‬
‫عليت و لم أن جيرأ عليت َّ‬
‫والثَّاين أنَّت يكن لقريش من التألُّت ما يس ـ ـ ــتلقُّون بت رفع أهللا ـ ـ ــلاب الفيل عنهم‪ ،‬وما هم‬
‫الرجعة‪،‬‬
‫ابلايندقة‪ ،‬أو مان ٍع من َّ‬ ‫أل‪،‬م كانوا ب عابد هللاـ ـ ـ ــن ٍم‪ ،‬أو متديِن وث ٍن‪ ،‬أو ٍ‬
‫قائل َّ‬ ‫أهل كتاب َّ‬
‫ُّبوة‪ ،‬وتعظيماً للكعبة‪ .‬ول ـ ـ ـ ـ َّـما انت ر يف‬
‫ولكن ل ـ ـ ـ ـ َّـما أراد هللا تعاىل من ظهور ال الم‪ ،‬أت يساً للن َّ‬
‫العرب ما هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــنع هللا تعاىل يف جيش الفيل‪ ،‬هتيَّبوا احلرم‪ ،‬وأعظموه‪ ،‬وزادت حرمتت يف النُّفوس‪،‬‬
‫ودانت لقريش ابلطَّاعة‪ ،‬وقالوا أهل هللا‪ ،‬قاتل عنهم‪ ،‬وكفاهم ش‬
‫كيد ِ‬
‫عدوهم‪ ،‬فايادوهم ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريفاً‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫عام‬ ‫السقاية (والوفادة مال هرجت قريش يف ِ‬ ‫السدانة‪ ،‬و ِ‬
‫وتعظيماً‪ ،‬وقامت قريش يم ابلوفادة‪ ،‬و ِ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪53‬‬
‫أئمةً شد ََّين ‪ ،‬وقادةً متبوع ‪ ،‬وهللا ـ ـ ــار‬
‫من أموايم‪ ،‬يص ـ ـ ــنعون بت طعاماً للنَّاس أَيم مىن)‪ ،‬فص ـ ـ ــاروا َّ‬
‫أهللالاب الفيل مثالً يف ال ابرين(‪.)1‬‬
‫وقال ابن تيميَّة ‪ -‬رحت هللا! ‪« -‬وكان ذلك عام مولد النَّ ِب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وكان‬
‫جريان البيت م ـ ــرك يعبدون األواثن‪ ،‬ودين النَّص ـ ــار خري منهم‪ ،‬فعلِ شم بذلك أن هذه ا ية‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬‫حينئذ‪ ،‬بل كانت ألجل البيت‪ ،‬أو ألجل الن ِ‬ ‫تكن ألجل جريان البيت ٍ‬

‫نبوتت»(‪.)2‬‬ ‫الَّذأ ولد يف ذلك العام عند البيت‪ ،‬أو اموعهما‪ ،‬و ُّ‬
‫أأ ذلك كان فهو من دحئل َّ‬
‫وقــال ابن كث ٍري ‪ -‬رحــت هللا! ‪ -‬عنــدمــا حتــدَّث عن حــادثــة الفيــل «كــان هــذا من ابب‬
‫الرهاص‪ ،‬والتَّوطئة َّبعث ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فَنَّت يف ذلك العام ولد ‪ -‬عل‬
‫أشـ ــهر األقوال ‪ -‬ولسـ ــان حال القدرة يقول ينصـ ــركم َي مع ـ ــر قريش! عل احلب ـ ــة خلريتكم‬
‫حمم ٍد ‪ -‬هللاـ ــلوات‬
‫األمي َّ‬
‫َّب ِ‬‫عليهم‪ ،‬ولكن هللاـ ــيانةً للبيت العتيق الَّذأ ـ ــن ـ ـ ِـرفت‪ ،‬ونوقِره ببعثة الن ِ‬
‫هللا‪ ،‬و المت عليت ‪ -‬خاذ األنبياء»(‪.)3‬‬
‫‪ - 8‬حفظ هللا للبيت العتيق‪:‬‬
‫يدمروا البيت احلرام‪ ،‬أو يسيط ـ ـ ـ ـ ـ ــروا‬ ‫يقدر ألهل الكتاب(أبرهة وجنوده)‪ ،‬أن ِ‬‫أن هللا ِ‬ ‫وهي َّ‬
‫حض وال ِ رك يدنِس ـ ــت‪ ،‬واَّ ركون هم دنتت ليبق هذا البيت عتيقاً من‬ ‫عل األرض َّ‬
‫اَّقد ـ ــة‪َّ ،‬‬
‫حض تنبت فيها‬ ‫لطان اَّتسلِط ‪ ،‬مصوانً من كيد الكائدين‪ ،‬وليلفم يذه األرض ِ‬
‫حريتهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪َّ ،‬‬
‫فيها طا ية‪ ،‬وح يهيمن عل‬ ‫العقيدة اجلديدة حَّرًة طليق ـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬ح يهيمن عليها لطان‪ ،‬وح يط‬
‫الدين الذأ جاء ليهيمن عل األدَين‪ ،‬وعل العباد‪ ،‬ويقود الب ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬وح يقاد‪ ،‬وكان هذا‬ ‫هذا ِ‬
‫أن نب هذا ِ‬
‫الدين قد ولد يف هذا العام(‪.)4‬‬ ‫من تدبري هللا لبيتت‪ ،‬ولدينت‪ ،‬قبل أن يعلم أحد َّ َّ‬
‫ونطمئن إزاء ما نعلمت من أطماي فاجرةٍ ماكرةٍ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وحنن نس ـ ـ ـ ــتب ـ ـ ـ ــر ن اء هذه الدَّحلة اليوم‪،‬‬

‫ِ‬
‫للماوردأ ‪ ،‬ص ‪ 185‬ـ ‪.189‬‬ ‫ُّبوة ‪،‬‬
‫انظر أعالم الن َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اجلواب َّ‬


‫الصلي (‪.)122/4‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)549 ، 548/4‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪54‬‬
‫ص ـ ـليبيَّة العاَّيَّة‪ ،‬والص ــهيونيَّة العاَّية‪ ،‬وح ت ‪ ،‬أو هتدأ يف‬ ‫تر حول األماكن َّ‬
‫اَّقد ــة من قبل ال َّ‬
‫اخلفي اللئيم يــذه األطمــاي الفــاجرة اَّــاكرة‪ ،‬فــاهلل الَّـذأ ح بيتــت من أهــل الكتــاب‪،‬‬
‫التمهيــد ِ‬
‫و ــدنتت م ــركون‪ ،‬ــيلفظت ‪ -‬إن ش ــاء هللا ‪ -‬و فم مدينة ر ـولت هللا ــل هللا عليت و ــلم من‬
‫كيد الكائدين‪ ،‬ومكر اَّاكرين(‪.)1‬‬
‫‪َ - 9‬ج ْع ُل احلادثة اترخياً للعرب‪:‬‬
‫عام الفيل‪ ،‬وولد‬
‫ا تعظم العرب ما حدث ألهللالاب الفيل‪ ،‬فأ َّشرخوا بت‪ ،‬وقالوا وقع هذا ش‬
‫فالن عام الفيل‪ ،‬ووقع هذا بعد عام الفيل بكذا من ِ‬
‫السن ‪ ،‬وعام الفيل هللااد عام ‪570‬م(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)3980/6‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪55‬‬
‫املبحث اخلامس‬

‫من املولد الن ِّ‬


‫َّبوي الكرمي إىل حلف الفضول‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬نسب الن ِّ‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أش ـ ــر الناس نس ـ ــباً‪ ،‬وأكملهم شخ ْلقاً‪ ،‬وخلقاً‪ ،‬وقد ورد يف‬ ‫َّ‬
‫إن الن َّ‬
‫َّب هللاــل هللا‬ ‫شــر نســبت هللاــل هللا عليت و ــلم أحاديث هللاــلا منها ما رواه مســلم َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫وجل ‪ -‬اهللاـ ــطف من ولد إبراهيم إمساعيل‪ ،‬واهللاـ ــطف من ب‬ ‫عاي َّ‬ ‫عليت و ـ ــلم قال « َّ‬
‫إن هللا ‪َّ -‬‬
‫إمساعيل كنانة‪ ،‬واهللا ــطف من كنانة قري ـ ـاً‪ ،‬واهللا ــطف من قريش ب هاش ــم‪ ،‬واهللا ــطفاين من ب‬
‫هاشم» [سبق خترجيه] ‪.‬‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقال «هو‬ ‫البهارأ ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬نسـ ـ ـ الن ِ‬ ‫ُّ‬ ‫وقد ذكر المام‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ِي‪ ،‬بن‬
‫حممد بن عبد هللا‪ ،‬بن عبد اَّطل ‪ ،‬بن هاش ـ ـ ـ ــم‪ ،‬بن عبد منا ‪ ،‬بن ق ش‬ ‫أبو القا ـ ـ ـ ــم‪َّ ،‬‬
‫كالب‪ ،‬بن مَّرةش‪ ،‬بن كع ‪ ،‬بن ل شؤ ِأ‪ ،‬بن ال ‪ ،‬بن فهر‪ ،‬بن مالك‪ ،‬بن النَّض ـ ـ ــر‪ ،‬بن كِنانة‪ ،‬بن‬
‫د‪ ،‬بن عدانن» [البخاري تعلي قاً (‪- 205/7‬‬ ‫خايمية‪ ،‬بن م ْد ِركة‪ ،‬بن إلياس‪ ،‬بن مض ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬بن نِايا ِر‪ ،‬بن مع ِ‬
‫شش‬
‫‪. ])206‬‬

‫وأ يف شـ ـ ــر ال ُّس ـ ـ ـنَّة (‪ ])193/13‬بعد ذكر النَّس ـ ـ ـ إىل عدانن «وح يص ـ ـ ـ ُّ‬ ‫وقال الب ُّ‬
‫حفم النَّس فوق عدانن»‪.‬‬
‫وقال ابن القيِم بعد ذكر النَّسـ إىل عدانن أيضـاً «إىل هنا معلوم الص َّ‬
‫ـلة‪ ،‬متَّفق عليت ب‬
‫أن عدانن من ولد‬ ‫النَّ َّس ـ ـ ـاب ‪ ،‬وح خال ألبتةش‪ ،‬وما فوق عدانن ملتلف فيت‪ ،‬وح خال بينهم َّ‬
‫إمساعيل عليت السالم»(‪.)1‬‬
‫وقــد جــاء عن ابن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ٍـد يف طبقــاتــت «األمر عنــدان المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك ع َّم ـا وراء عــدانن إىل‬
‫إمساعيل»(‪.)2‬‬
‫الايبري أنَّـ ـت قـ ــال «مـ ــا وجـ ــدان شم ْن يعر وراء عـ ــدانن‪ ،‬وح قلطـ ــان إح‬ ‫وعن عروشة بن ُّ‬

‫(‪ )1‬زاد اَّعاد (‪.)71/1‬‬


‫(‪ )2‬ابن عد (‪.)58/1‬‬
‫‪56‬‬
‫هرهللااً»(‪.)1‬‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫‪57‬‬
‫هب ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬وعدانن من ولد إمساعيل بن إبراهيم ‪ -‬عليهما ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالم ‪-‬‬ ‫قال َّ‬
‫الذ ُّ‬
‫ن اي النَّاس‪ ،‬لكن اختلفوا فيما ب عدانن وإمساعيل من ا ابء»(‪.)1‬‬
‫الرفيع ح تـْن شكر‬ ‫لقد كان ‪ -‬وما زال ‪ -‬شــر النَّس ـ لت اَّكانة يف النُّفوس َّ‬
‫ألن ذا النَّس ـ َّ‬
‫نبوًة كانت‪ ،‬أو ملكاً‪ ،‬وينكر ذلك عل و ـ ـ ـ ـ ــيع النَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬فيأنف الكثري من‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـدارة‪َّ ،‬‬
‫عليت ال َّ‬
‫ُّبوة‪ ،‬هيَّأ هللا تعاىل لت شر‬ ‫حممد هللال هللا عليت و لم يـ شع ُّد للن َّ‬
‫احنضواء حتت لوائت‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ َّـما كان َّ‬
‫النَّس ليكون مساعداً لت عل التفا النَّاس حولت(‪.)2‬‬
‫الذبي ‪،‬‬ ‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم طيِ ‪ ،‬ونفيس‪ ،‬فهو من ن ْس ـ ـ ـ ـ ـل إمساعيل َّ‬ ‫إن معدن الن ِ‬ ‫َّ‬
‫وإبراهيم خليل هللا‪ ،‬وا ــت ابة لدعوة إبراهيم عليت الس ــالم‪ ،‬وب ـ ــارة أخيت عيس ـ ـ عليت السـ ــالم‪،‬‬
‫دث هو عن نفس ـ ــت‪ ،‬فقال «أان دعوة أيب إبراهيم‪ ،‬وب ـ ــارة أخي عيس ـ ـ ـ » [أمحد (‪)127/4‬‬ ‫كما شح َّ‬
‫واحلاكم (‪ )600/2‬وجممع الزوائد (‪.])222/8‬‬

‫يهتم بعاليها‪،‬‬
‫الرفيع يرفع هللا ـ ــاحبت عن ـ ــفا ـ ــف األمور‪ ،‬وجيعلت ُّ‬
‫وطي اَّعدن‪ ،‬والنَّسـ ـ ـ َّ‬
‫الر ــل‪ ،‬والدُّعاة رهللاــون عل تايكية أنســاهبم‪ ،‬وطهر أهللاــالهبم‪ ،‬ويعرفون عند النَّاس‬ ‫وفضــائلها‪ .‬و ُّ‬
‫بذلك‪ ،‬فيلمدو‪،‬م‪ ،‬ويثقون هبم(‪.)3‬‬
‫أن هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬ميَّاي‬ ‫واَّا تب َّ يتَّض لنا من نسبت ال َّ ريف‪ ،‬دحلة وا لةً عل َّ‬
‫ضـ ـل قري ـ ـاً عل ــائر القبائل األخر ‪ ،‬ومقتضـ ـ حمبَّة ر ــول هللا‬ ‫العرب عل ــائر النَّاس‪ ،‬وف َّ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم حمبَّة القوم الذين ظهر فيهم‪ ،‬والقبيلة اليت ولد فيها‪ ،‬ح ِم ْن حيث األفراد‬
‫ألن احلقيقة العربيَّة القرش ـيَّة قد شــر كل منها ‪-‬‬ ‫ااردة‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫واجلنس بل من حيث احلقيقة َّ‬
‫وح ري ‪ -‬ابنتسـاب ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم إليها‪ ،‬وح ينايف ذلك ما يللق من ـوٍء‪،‬‬
‫وجل ‪ -‬و َّ‬
‫احنا عن مس ــتو‬ ‫عاي َّ‬ ‫بكل شم ْن قد احنر من العرب‪ ،‬أو القرش ــيِ عن هللا ـ ـراط هللا ‪َّ -‬‬ ‫ِ‬
‫ودأ‬
‫ألن هذا اححنرا ‪ ،‬أو اححنطاط من شــأنت أن ي ش‬ ‫الكرامة ال ــالميَّة اليت اختارها هللا لعباده َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ويل يها من احعتبار(‪.)4‬‬
‫نسبة بينت وب َّ‬‫مبا كان من ٍ‬

‫للذهب ‪ ،‬ص ‪.1‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬


‫السرية النَّبويَّة ‪َّ ،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫انظر درا ة حتليليَّة ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫(‪ )4‬انظر فقت السرية للبوطي ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪58‬‬
‫وهب‪ ،‬ورؤاي آمنة ِّأم الن ِّ‬
‫َّب ص ـ ــلى هللا‬ ‫اثنياً‪:‬زواج عبد هللا بن عبد املطلب من آمنة بنت ٍ‬
‫عليه وسلم‪:‬‬

‫الذب ‪ ،‬وفداه عبد‬ ‫كان عبد هللا بن عبد اَّطل من أح ِ ولد أبيت إليت‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ُا من َّ‬
‫مكة نسباً‪ ،‬وهي آمنة بنت وه ٍ ابن عبد منا‬ ‫مبئة من البل‪َّ ،‬زوجت من أشر نساء َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّطل‬
‫بن زهرة بن كالب(‪.)1‬‬
‫تويف بعد أن حلت بت هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم آمنة‪ ،‬ودفن ابَّدينة عند‬ ‫و يلبث أبوه أن ِ‬
‫عدأ بن النَّ ار»‪ ،‬فَنَّت كان قد ذه بت ارةٍ إىل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‪ ،‬فأدركتت منيَّتت ابَّدينة‬ ‫أخوالت ب « ِ‬
‫مهمتك يف احلياة‪ ،‬وهذا‬ ‫كأن القدر يقول لت قد انتهت َّ‬ ‫وهو راجع‪ ،‬وترك هذه النَّ شس شمةش اَّباركة‪ ،‬و َّ‬
‫وجل ‪ -‬حبكمتت ورحتت تربيتت‪ ،‬وأتديبت‪ ،‬وإعداده لخراً الب ـ ـريَّة‬ ‫عاي َّ‬ ‫يتوىل هللا ‪َّ -‬‬ ‫اجلن الطَّاهر َّ‬
‫من الظُّلمات إىل النُّور‪.‬‬
‫َّب هللاــل‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ .‬قيل للن ِ‬
‫و يكن زواً عبد هللا من آمنة هو بداية أمر الن ِ‬
‫هللا عليت و ــلم ما َّأول بدء أمرك؟(‪ )2‬فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «أان دعوة أيب‬
‫أمي أنَّت خرً منها نور أ ــاءت منت قصــور ال َّ ـام» [أمحد (‪)262/5‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وب ــر عيس ـ ‪ ،‬ورأت ِ‬
‫واملعجم الكبري (‪ )7729‬وجممع الزوائد (‪. ])221/8‬‬
‫ودعوة إبراهيم عليت الس ـ ـ ــالم هي قولت ﴿ربـَّنا وابـع ْ ِ‬
‫ث في ِه ْم شر ـ ـ ـ ـوحً ِمْنـه ْم يشـْتـلو شعلشْي ِه ْم آَي ش‬
‫تك‬ ‫ش ش ش ْش‬
‫احل ِ‬ ‫ْمةش شويـشايكِْي ِه ْم إِن ش‬ ‫ويـعلِمهم الْ ِكتشاب و ِْ‬
‫كيم﴾ [البقرة‪. ]129 :‬‬
‫ت الْ شع ِايياي ْش‬ ‫َّك أشنْ ش‬ ‫احلك ش‬ ‫ش ش‬ ‫شش‬
‫عاي وجل ‪ -‬حاكياً عن اَّس ـ ــي عليت‬ ‫وب ـ ــر عيس ـ ـ عليت الس ـ ــالم كما أش ـ ــار إليت قولت ‪َّ -‬‬
‫أ ِم شن‬‫ص ِدقًا لِ شما بشْ ش يش شد َّ‬ ‫السالم ﴿وإِ ْذ قش شال ِعيس ابن مرش َيب ِ إِ رائِيل إِِين ر ول َِّ‬
‫اَّلل إِلشْيك ْم م ش‬ ‫ش ْ شْ ش ْ ش ش ش‬ ‫ش‬
‫ات قشالوا شه شذا ِ ـ ـ ـ ـ ْلر‬‫شحد فشل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاءهم ِابلْبـيِنش ِ‬
‫شش ْ ش‬ ‫ول شرِْل ِم ْن بشـ ْع ِدأ ْ‬
‫امست أ ْ ش‬ ‫التـَّوراةِ ومب ِ ـ ـ ـ ـرا بِر ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ْش ش ش ً ش‬
‫مبِ ﴾[الصف‪. ]6 :‬‬

‫وقولت هللال هللا عليت و لم «ورأت ِأمي كأنَّت خرً منها نور أ اءت منت قصور ال َّام»‪.‬‬
‫قال ابن رج «وخروً هذا النُّور عند و عت إشارة إىل ما جييء بت من النُّور الَّذأ اهتد بت‬

‫(‪ )1‬انظر وقفات تربوية مع ِ‬


‫السرية ‪ ،‬ألحد فريد ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫اب قش ْد شجاءشك ْم‬ ‫أهل األرض‪ ،‬وزالت بت ظلمة ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرك منها‪ ،‬كما قال هللا تعاىل ﴿َيأ ْشهل الْ ِكشت ِ‬
‫ش ش‬
‫اَّللِ نور شوكِتشاب‬ ‫ر ولنشا يـبِ لشكم شكثِريا ِاَّا كْنـتم هْفو شن ِمن الْ ِكتش ِ‬
‫اب شويشـ ْعفو شع ْن شكثِ ٍري قش ْد شجاءشك ْم ِم شن َّ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ ً‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫اَّلل م ِن اتـَّبع ِر ْ ـ ـ ـوانشت ـ ـ ـبل ال َّس ـ ـ ـالشِم وخيْ ِرجهم ِمن الظُّلم ِ‬
‫ات إِ شىل النُّوِر نِِ ْذنِِت‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫مب ۝ يشـ ْهدأ بت َّ ش ش ش ش‬
‫اط مستش ِقي ٍم﴾ [املائدة‪. ]16 - 15 :‬‬ ‫ِِ ِ ِ ٍ‬
‫شويشـ ْهديه ْم إ شىل هللاشر ْ‬
‫وقال ابن كثري «وهصيص ال َّام بظهور نوره‪ ،‬إشارة إىل ا تقرار دينت‪ ،‬وثبوتت ببالد ال َّام‪،‬‬
‫الايمان معقالً لإل الم‪ ،‬وأهلت‪ ،‬وهبا ينايل عيس ابن مر عليت السالم‬ ‫ويذا تكون ال َّام يف آخر َّ‬
‫صـ ـ ـ ـليل «ح تايال طائفة من َّأميت‬ ‫بدم ـ ـ ــق ابَّنارة ال َّ ـ ـ ـ ـرقية البيض ـ ـ ــاء منها‪ ،‬ويذا جاء يف ال َّ‬
‫حض رل أمر هللا وهم كذلك»‪.‬‬ ‫احلق‪ ،‬ح يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـرهم شم ْن خذيم‪ ،‬وح شم ْن خالفهم‪َّ ،‬‬ ‫ظاهرين عل ِ‬
‫البهارأ «وهم ابل َّام» [البخاري (‪ )3641‬ومسلم (‪/1923‬م)] ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويف هللالي‬
‫اثلثاً‪ :‬ميالد احلبيب املصطفى صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫ولد احلبي اَّص ـ ــطف هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يوم الثن بال خال ٍ ‪ ،‬واألكثرون عل أنَّت‬
‫حثنيت ع رة ليلةً خلت من شهر ربي ٍع األول(‪.)1‬‬
‫واامع عليت أنَّت هللال هللا عليت و لم ولد عام الفيل(‪ ،)2‬وكانت وحدتت يف دار أيب طال ٍ ‪،‬‬
‫ب ع ب هاشم(‪.)3‬‬
‫قال أمحد شوقي ‪ -‬رمحه هللا! ‪ -‬يف مولد احلبيب املصطفى صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫شوفش ـم الـ َّـايشمـ ـ ـ ـان تــب ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم شوثشـ ـنش ـ ـ ـاء‬ ‫ولِـ شد ايـ شد فشـالْ شكـائِنشـات ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــاء‬
‫( ‪)4‬‬
‫لل ـ ِـدي ِن شوال ـ ُّـدنْـيشـ ـا بِـ ـت ب ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشراء‬ ‫الـ ُّـرو ‪ ،‬واَّ ـ اَّــالئ ـ ـ ــك شح ـ ْولشـ ـ ـ ـت‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شماء‬ ‫ِ‬ ‫شواْل شع ْرش يشـ ْايهو‪ ،‬واحلش ِظرية تشـ ْايشدهي‬
‫واَّْنـتشـ شه والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْد شرة الْ شع ْ‬
‫ك الْ ش ْ شرباء‬ ‫ت ِم ْس ـ ـ ـ ـكاً بِ ش‬ ‫ضـ ـ ـ ـ ـ َّو شع ْ‬
‫شوتش ش‬ ‫ت‬ ‫ك بش َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر هللا ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ شماءش فشـاييِنش ْ‬‫بِ ش‬
‫شوشم شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـايه مبل َّم ـ ـ ـ ٍد شو َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبشـاحـت‬ ‫يـوم يتِيــت عل َّ ِ‬
‫الايشمـان ش‬ ‫شْ ش ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت شعل تي ش ـا‪ْ ،‬م أش ْ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شداء‬ ‫وعلشـ ْ‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ت عروش الظَّـ ـاَّ ش فشـايلْ ِايلشـ ـ ْ‬ ‫ذ ِعشر ْ‬
‫اض اَّ ـ ـاء‬ ‫شطشـ ـ ـ شد ْ ِ‬ ‫والنَّ ـ ـار شخ ـ ـا ِويـ ــة اجلششوانِـ ـ ِ شح ْوشي ْم‬
‫ت شذ شوائبه ـ ــا شو شـ ـ ـ ش‬
‫(‪) 5‬‬
‫ِجـ ـ ـ ـ ِْربي ـ ـ ــل شرَّوا ِهبـ ـ ـ ـا شـ ـ ـ ـدَّاء‬ ‫وا أ تشـ ـ ـ ـ ْ ش ‪ ،‬واخلشـ ـ ـ ـوا ِرق شَّـ ـ ـ ـة‬
‫(‪ )1‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬لبراهيم العلي ‪ ،‬ص‪ .47‬وينظر ال كالن (‪ 6‬و‪ )7‬يف الصفلت (‪ 742‬و‪.)743‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)203/1‬‬‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫(‪ )3‬انظر وقفات تربوية مع ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫(‪ )4‬ب راء ع ب ري‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ديوان شوقي (‪.)35 ، 34/1‬‬
‫‪60‬‬
‫شـاعر األديب اللِّيب‪ ،‬األســتاذ حممد بشــري امل ريب‪ ،‬يف ذكر مولد َّ‬
‫الرســول‬ ‫وقد قال ال َّ‬
‫الصادرة يف بن ازي‪:‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم عام ‪ 1947‬م‪ ،‬يف جريدة الوطن َّ‬

‫لشـ ـ ِك ـ ـ َّن يـ ــوم ـ ـ ـاً ح يشـ ـ ـشايال فش ـ ـتِ ـ ـيَّ ـ ـ ـا‬ ‫الايشمـ ـ ـ ـان ِم شن احلي ـ ـ ــاةِ عتيَّـ ـ ـ ـا‬ ‫بشـشل ش َّ‬
‫يف موك ٍ شج شع شل ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ش شم ِطَّيا‬ ‫األحقاب م يشةش فشاتِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مي ي عل‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـبش ش شات شج شها األشبْ ِد ََّي‬ ‫شع ْرشـ ـ ـ ـ ـ ـاً فأ ْ‬ ‫األع شوام يف َّأَي ِم شه ـ ـ ـا‬ ‫ت لشـ ـ ـت ْ‬ ‫شِه ـ ـ ـ شذ ْ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـبِيَّا‬ ‫ومضت بِِت األجيال خطْو ِ‬
‫الر شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ شاد شوشكا شن قشـْبل ش‬ ‫بشـلش ش َّ‬ ‫ات شم ْن‬ ‫ش‬ ‫ْش‬ ‫شش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ل ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ شعـ ـ ـ ـالشـ ـ ـم ـ ـ ـ ْ ش » وع ـ ـ ـَّايةً ورق ـ ـ ـيَّ ـ ـ ـا‬ ‫أع ِظ ْم بِيشـ ْوم شج ـ ـاءش شْم ـ ـل « شر ْحشـ ـةً‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شل هبشا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـُّر احلياة شجليَّا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ب ـ ـت لل شك ـ ـائنـ ــات شحقيقـ ــة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ـ ـ شد ْ‬
‫األانم شت قيَّ ـ ـ ـا‬ ‫ش‬ ‫لِيش ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شري ل خر‬ ‫يق إىل الْ شوشر‬ ‫وىل الطَّر ش‬ ‫شوأ ششان شر يف األ ش‬
‫(‪)1‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشـاء إليَّـا‬ ‫ع ِ فشـ شقـ ْد رجع ال ِ‬
‫ششش‬ ‫ش‬ ‫الدنْـيشا تشقول لِ ش ـ ْم ِس ـ شها‬ ‫ت بِت ُّ‬ ‫شك شاد ْ‬
‫وقال أيضاً يف اندي طرابلس ال رب الثَّقايف يف القاهرة يف عام ‪ 1949‬م‪:‬‬
‫ول‬ ‫العـ ـ ـ ـ ــذ ْ‬ ‫أش ْش ـ ـ ـ ــدو شعلشـ ـ ـ ـ ـ شر ْ ـ ـ ـ ـ ـ ِم ش‬ ‫شمـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـاس شوشمـ ـ ـ ـ ـ ــا ِيب ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن طـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫ـول‬
‫شكأ َّش‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْفر جلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـل‬ ‫الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـماء‬ ‫إين أطشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالِع يف َّ‬
‫ـول‬‫كاَّالئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك يف مث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـت س‬ ‫ـوم شَتشثَّـلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫و شأر النُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫شوالْبش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْدر ِخ ْل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـعاعت‬
‫ـايول‬
‫ـالة يف نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫شو ْحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـي ِ ش‬
‫ـول‬‫الْ شك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـون مْبـتشه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً يشـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ت ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن ش ِمي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر‬ ‫وإِذشا بِصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٍ‬
‫ش ش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يف مث ـ ـ ـ ــل شه ـ ـ ـ ــذأ الليل ـ ـ ـ ــة الْـ ـ ـ ـ ـ ـ شَّراء قشـ ـ ـ ـ ـ ْد شول ـ ـ ـ ـ شـد‬
‫ول‬ ‫الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ْ‬ ‫فش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـو شق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـروايب و ُّ‬ ‫ـور حمش َّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد‬ ‫ول‬ ‫الرـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـع نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـَّـ‬
‫شوأ ش‬
‫الايشم ـ ـ ـ ــا شن شوشك ـ ـ ـ ــا شن قشـْب ـ ـ ـ ـ ــل يش ِه ـ ـ ـ ــيم يف لشْي ـ ـ ـ ــل‬ ‫شمـ ـ ـ ـ ـ ش َّ‬
‫والسالم‪:‬‬‫الصالة َّ‬ ‫عليه (‪)َّ2‬‬ ‫رابعاً‪ :‬مرضعاته‬
‫طش ِو ْ‬
‫يل‬
‫كانت حا نتت هللال هللا عليت و لم ُّأم أمين بركة احلب يَّة شأمةش أبيت‪ ،‬وأول من أر عتت ثـ شويْـبشـة‬
‫أن َّأم حبيبة ر ـ ـ ــي هللا عنها أخربهتا‬ ‫عمت أيب ي (‪ .)3‬فمن حديث زين ابنة أيب ـ ـ ــلمة‪َّ ،‬‬ ‫أمة ِ‬
‫ش‬
‫َّأ‪،‬ا قالت َي ر ـ ـ ــول هللا! انْ ِك ْ أخيت بنت أيب ـ ـ ــفيان‪ ،‬فقال « شأوحتبِ ذلك؟» فقلت نعم‪،‬‬
‫أح ُّ من ش ــارك يف خ ٍري أخيت‪ .‬فقال النب هللا ــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫إن‬ ‫لس ــت لك مبهلية‪ ،‬و ش‬
‫ـت أيب ـ ـ ـ ـ ـ ــلمــة‪ .‬قــال «بنــت ِأم‬ ‫ـَان حنشـدَّث أنـَّك تريــد أن تنك بنـ ش‬ ‫ذلــك ح ـ ُّـل س» قلــت فـ َّ‬

‫(‪ )1‬جريدة (الوطن) بن ازأ ‪ 1947‬م‪.‬‬


‫(‪ )2‬مسعتها م افهةً من ال َّاعر‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر وقفات تربويَّة مع ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪61‬‬
‫لمة؟» قلت نعم‪ .‬فقال «لو َّأ‪،‬ا تكن ربيبيت يف ح رأ‪ ،‬ما شحلَّت س‪َّ ،‬إ‪،‬ا حبنة أخي من‬
‫أخواتِ َّ‬
‫كن» [البخاري (‪ )5101‬ومسلم‬ ‫بناتكن‪ ،‬وح ش‬
‫َّ‬ ‫علي‬
‫الر اعة‪ ،‬أر عت وأاب لمة ثويبة‪ ،‬فال تعر شن َّ‬
‫َّ‬
‫(‪. ])1449‬‬

‫وكان من ش ـ ـ ــأن ِأم أمين‪ِ ،‬أم أ ـ ـ ــامة بن زيد َّأ‪،‬ا كانت وهللا ـ ـ ــيفةً لعبد هللا بن عبد اَّطل ‪،‬‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬بعدما تويف أبوه‪ ،‬فكانت‬ ‫وكانت من احلب ة‪ ،‬فل َّـما ولدت آمنة ر ش‬
‫يد ابن حارثة‪،‬‬‫حض شكِ شرب ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم ‪ ،‬فأعتقها‪ ،‬مثَّ أنْ شك شل شها ز ش‬
‫ُّأم أمين حتضـنت‪َّ ،‬‬
‫مسة أشه ٍر‪[ .‬البخاري (‪ )2630‬ومسلم (‪])1771‬‬ ‫مث توفيت بعدما تويف ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫السعديَّة مرضعته يف بين سعد(‪:)1‬‬
‫‪1.‬ـ حليمة َّ‬
‫تقص علينا خرباً فريداً عن بركات احلبي اَّصـ ــطف هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫وهذه حليمة ال َّس ـ ـعدية ُّ‬
‫و لم اليت َّستها يف نفسها‪ ،‬وولدها‪ ،‬ورعيها‪ ،‬وبيتها‪.‬‬
‫عن عبد هللا بن جعفر ر ي هللا عنهما قال ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ولد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫مبكة‪ .‬قالت‬ ‫قدمت حليمة بنت احلارث‪ ،‬يف نس ـ ـ ــوةٍ من ب ـ ـ ــعد بن بكر يلتمس ـ ـ ــن ُّ‬
‫الر ـ ـ ــعاء َّ‬
‫أاتن س‪ ،‬قمراء(‪ ،)2‬ومعي زوجي احلارث بن عبد َّ‬
‫العاي ‪،‬‬ ‫حليمة فهرجت يف أوائل النِسـ ــوة عل ٍ‬
‫ابلرك شار (‪ )4‬وهللا ما‬ ‫(‪)3‬‬
‫أحد ب عد بن بكر‪ ،‬مثَّ أحد ب ان رة‪ ،‬قد أدمت أاتننا‪ ،‬ومعي َّ‬
‫حض خلص إليهم اجلش ْهد‪ ،‬ومعي ابن س‪،‬‬ ‫ـنة ش ــهباء(‪ ،)6‬قد جاي النَّاس َّ‬ ‫ب! يف ـ ٍ‬ ‫تشبِ ُّ‬
‫ض(‪ )5‬بقطرة ل ٍ‬
‫وهللا ما ينام ليلنا! وما أجد يف يدأ ش ــيئاً أعلِلت بت‪ ،‬إح أان نرجو ال يث‪ ،‬وكانت لنا نم‪ ،‬فنلن‬
‫نرجوها‪.‬‬
‫مكة‪ ،‬فما بقي منَّا أحد إح عرض عليها ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدمنا َّ‬
‫الظئر‪ ،‬و سـ ـ ــن إليها الوالد‪ ،‬فقلنا ما عس ـ ـ ـ أن تصـ ـ ــنع بنا‬ ‫وإجا يك ِرم ِ‬
‫فكرهتت‪ ،‬فقلنا إنَّت يتيم‪َّ ،‬‬
‫فكل هللاواحب أخذت ر يعاً‪ ،‬فل َّـما أجد ريه رجعت إليت‪ ،‬وأخذتت‪،‬‬ ‫عمت‪ ،‬أو جدُّه‪ُّ ،‬‬ ‫أ ُّمت‪ ،‬أو ُّ‬
‫ـذن هــذا اليتيم من ب عبــد‬ ‫وهللا مــا أخــذتــت إح أين أجــد ريه! فقلــت لص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب وهللا خـ َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )8‬يف الصفلة (‪.)744‬‬


‫ِ‬
‫ابلضم لون مييل للهضرة ‪ ،‬أو بياض فيت مسرة ‪ ،‬أو كدرة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قمراء القمرة‬
‫السري‪.‬‬
‫أدمت حدثت يف ركبها جرو دامية حهللاطكاكها ‪ ،‬وذلك لطول مسافة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬ال َّار الناقة اَّسنَّة‪.‬‬


‫تبض بقطرة لب ح ترش قطرة لب‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ح ُّ‬
‫(‪ )6‬شهباء نة جمدبة ح خضرة فيها ‪ ،‬وح مطر‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫اَّطل ‪ ،‬فعس هللا أن ينفعنا بت‪ ،‬وح أرجع من ب هللاواحب وح آخذ شيئاً‪ ،‬فقال قد أهللابت!‪.‬‬
‫الر ْح شل‪ ،‬فأمس ـ ـ ـ ـ ـ ــيت أقبل‬
‫الر ْح شل‪ ،‬فو هللا! ما هو إح أن أتيت بت َّ‬ ‫قالت فأخذتت‪ ،‬فأتيت بت َّ‬
‫حض أرويتت‪ ،‬وأرويت أخاه‪ ،‬قام أبوه إىل شارفنا تلك يلمسها‪ ،‬فَذا هي حافل(‪،)1‬‬ ‫ثدَيأ ابللَّب‪َّ ،‬‬
‫ش‬
‫(‪)2‬‬
‫فللبها‪ ،‬فأرواين‪ ،‬وروأ‪ ،‬فقال َيحليمة! تعلم وهللا لقد أهللا ــبنا نش شس ـ ـ شمة مباركةً‪ ،‬ولقد أعط‬
‫نتمن! قالت فبتنا ري ٍ‬
‫ليلة شباعاً‪ ،‬وكنَّا ح ننام ليلنا مع هللابيِنا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫هللا عليها ما‬
‫مثَّ ا تدينا راجع إىل بالدان أان وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـواحب‪ ،‬فركبت أاتين القمراء‪ ،‬فلملتت معي‪ ،‬فو الذأ‬
‫إن النِس ـ ــوة ليق ْل شن أمس ـ ــكي علينا! أهذه أاتنك الَّيت‬ ‫حض َّ‬
‫الرْك ش (‪َّ !)3‬‬‫نفس حليمة بيده لقطعت َّ‬
‫خرجت عليها؟ فقلت نعم‪ ،‬فقالوا َّإ‪،‬ا كانت أدمت ح أقبلنا‪ ،‬فما ش ـ ـ ـ ـ ـ ــأ‪،‬ا؟ قالت فقلت‬
‫وهللا! شحشْلت عليها الماً مباركاً‪.‬‬
‫حض قدمنا والبالد ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـنة‪ ،‬ولقد كان‬ ‫يوم خرياً‪َّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫قالت فهرجنا‪ ،‬فما زال ياييدان هللا يف ِ‬
‫ـعد جياعاً‪ ،‬وترو نمي بطاانً(‪ ،)4‬ح َّفالً (‪،)5‬‬ ‫رعاتنا يس ـ ـ ـ ــرحون‪ ،‬مثَّ ير ون‪ ،‬ف و أ نام ب ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫العاي ‪ ،‬و نم حليمة ترو شـ ـ ـ ــباعاً‬ ‫فنلل ‪ ،‬ون ـ ـ ـ ــرب‪ ،‬فيقولون ما شـ ـ ـ ــأن نم احلارث بن عبد َّ‬
‫ح َّفالً‪ ،‬وترو نمكم جياعاً‪ .‬ويلكم! ا ــرحوا حيث تس ــر نم رعائهم‪ ،‬فيس ــرحون معهم‪ ،‬فما‬
‫ترو إح جياعاً‪ ،‬كما كانت‪ ،‬وترجع نمي كما كانت‪.‬‬
‫قالت وكان ي ُّ شباابً ما ي بت أحداً من ال لمان‪ ،‬ي ُّ يف اليوم شباب السنة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬
‫ا تكمل نت أقدمناه َّ‬
‫مكة‪ ،‬أان وأبوه‪ ،‬فقلنا وهللا! ح نفارقت أبداً وحنن نستطيع فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أتينا‬
‫مكة‪ ،‬وأ ـ ــقامها‪،‬‬ ‫نتهو عليت وابء(‪َّ )6‬‬
‫وإان َّ‬ ‫َّأمت‪ ،‬قلنا وهللا! ما رأينا هللا ـ ــبياً قا أعظم بركة منت‪َّ ،‬‬
‫حض تربئي من دائك‪ ،‬فلم نايل هبا حض أذنت‪ ،‬فرجعنا بت‪ ،‬فأقمنا أش ـ ـ ـ ـ ــهراً ثالثةً‪،‬‬ ‫فدعيت نرجع بت َّ‬
‫أو أربعـةً‪ ،‬فبينمـا هو يلعـ خلف البيوت هو وأخوه يف شهبٍْم لنـا(‪ )7‬إذ أت أخوه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ُّـد (أأ‬
‫إن أخي القرشـ َّـي‪ ،‬أاته رجالن عليهما ثياب بيض‪ ،‬فأخذاه‪ ،‬وأ ـ عاه‪،‬‬ ‫يســري يف ــريه)‪ ،‬فقال َّ‬

‫(‪ )1‬حافل كثري اللب‪.‬‬


‫(‪ )2‬نسمة نفس‪.‬‬
‫الرْك ش بقت الرك ‪.‬‬ ‫قطعت َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬بطاانً اَّمتلئة البطون‪.‬‬


‫حفالً كثريات اللَّب‪.‬‬
‫(‪َّ )5‬‬
‫(‪ )6‬الوابء اَّرض‪.‬‬
‫(‪ )7‬البهم هللا ار الضَّأن واَّاعاي‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫ف ــقَّا بطنت‪ ،‬فهرجت أان‪ ،‬وأبوه ي ــتدُّ‪ ،‬فوجدانه قائماً‪ ،‬قد انتقع لونت (‪ ،)1‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآان أجهش‬
‫إلينا‪ ،‬وبك ‪ ،‬قالت فالتايمتت أان وأبوه‪ ،‬فض ـ ـ ـ شـم ْمناه إلينا ما لك أبيب و ِأمي؟ فقال أاتين رجالن‪،‬‬
‫رداه كما هو‪ ،‬فقال أبوه وهللا! ما أر اب إح‬ ‫وأ ـ ـ عاين‪ ،‬ف ـ ــقَّا بط ‪ ،‬وو ـ ــعا بت ش ـ ــيئاً‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫نتهو منت‪ ،‬قالت فاحتملناه‬ ‫فرد يت إليهم قبل أن يظهر لت ما َّ‬ ‫وقد أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ ،‬احلقي أبهلت‪ِ ،‬‬
‫فقدمنا بت عل ِأمت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأتنا أنكرت شأننا‪ ،‬وقالت ما أرجعكما بت قبل أن أ ألكماه‪ ،‬وقد‬
‫الر ــاعة‪ ،‬و ش ـَّران ما نر ‪ ،‬وقلنا‬ ‫كنتما حريص ـ عل حبســت؟ فقلنا ح شــيء إح أ ْن قض ـ هللا َّ‬
‫نؤويت كما حتبُّون أح ُّ إلينا‪.‬‬
‫حض أخربانها‪ ،‬فقالت كال وهللا!‬ ‫إن لكما ش ــأانً فأخرباين ما هو؟ فلم تدعنا َّ‬ ‫قال فقالت َّ‬
‫إن حب شأانً‪ ،‬أفال أخربكما خربه‪ِ ،‬إين حلت بت‪ ،‬فو هللا! ما حلت حالً‬ ‫ح يصنع هللا ذلك بت‪َّ ،‬‬
‫علي منت‪ ،‬وح أيس ـ ـ ــر منت‪ ،‬مثَّ أريت ح حلتت خرً م ِ نور أ ـ ـ ــاء منت أعناق‬ ‫أخف َّ‬‫قا‪ ،‬كان َّ‬ ‫ُّ‬
‫صـ ـر ‪ -‬أو قالت قص ــور بص ــر ‪ -‬مثَّ و ــعتت ح و ــعتت‪ ،‬فو هللا! ما وقع كما يقع‬ ‫البل بِب ْ‬
‫ضـْتت‪،‬‬‫صـبيان‪ ،‬لقد وقع معتمداً بيديت عل األرض‪ ،‬رافعاً رأ ــت إىل ال َّسـماء‪ ،‬فدعاه عنكما! ف شقبش ش‬ ‫ال ِ‬
‫وانطلقن ــا» [أبو يعلى (‪ )7163‬وابن حبــان (‪ )6335‬واملعجم الكبري (‪ )215 - 212/24‬وجممع الزوائــد (‪ )221 - 220/8‬ودالئــل‬
‫البيوقي (‪. ])136 - 133/1‬‬

‫دروس وعربٌ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-1‬‬
‫السيدة حليمة‪:‬‬ ‫َّب صلى هللا عليه وسلم على َّ‬ ‫أ ‪ -‬بركة الن ِّ‬
‫ـيء‪ ،‬ظهرت يف إدرار ثدييها‪ ،‬و ايارة‬ ‫كل شـ ٍ‬ ‫فقد ظهرت هذه الربكة عل حليمة ال َّس ـعدية يف ِ‬
‫حليبهــا‪ ،‬وقــد كــان ح يكفي ولــدهــا‪ ،‬وظهرت بركتــت يف ـ ـ ـ ـ ـ ــكون ِ‬
‫الطفــل ولــدهــا‪ ،‬وقــد كــان كثري‬
‫يؤرقها‪ ،‬ومينعها من النَّوم‪ ،‬وإذا هو شبعان اكن جعل َّأمت تنام‪ ،‬وتس ي ‪.‬‬ ‫ألمت‪ِ ،‬‬ ‫البكاء‪ ،‬مايع اً ِ‬
‫تدر ش ــيئاً‪ ،‬وإذا هبا تفيض من اللَّب الكثري الَّذأ‬ ‫وظهرت بركتت يف ش ــياههم الع فاوات‪ ،‬الَّيت ح ُّ‬
‫يعهد‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كانت هذه الربكات من أبرز مظاهر إكرام هللا له‪:‬‬
‫وليس فقا أن أكرم بسـ ــببت بيت حليمة ال َّس ـ ـعدية اليت ت ـ ـ َّـرفت نر ـ ــاعت‪ ،‬وليس من ذلك‬
‫رابة‪ ،‬وح ع (‪ ،)2‬فه ْلف ذلك حكمة أن َّ أهل هذا البيت هذا ِ‬
‫الط فل‪ ،‬و نوا عليت‪،‬‬ ‫ش ش‬

‫(‪ )1‬انتقع لونت ت ري‪.‬‬


‫(‪ )2‬فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪64‬‬
‫و سـ ـ ـ ـ ــنوا يف معاملتت‪ ،‬ورعايتت‪ ،‬وحضـ ـ ـ ـ ــانتت‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬فقد كانوا أحرص عليت‪ ،‬وأرحم بت من‬
‫أوحدهم(‪.)1‬‬
‫ج ‪ -‬خيار هللا للعبد أبرك وأفضل‪:‬‬
‫أل‪،‬ا دد ريه‪ ،‬فكان اخلري‬ ‫ـض َّ‬ ‫اختار هللا حلليمة هذا ِ‬
‫الطفل اليتيم‪ ،‬وأخذتت عل مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫لكل مسـ ـ ـ ـ ــل ٍم‬
‫كل اخلري فيما اختاره هللا‪ ،‬وابنت نتائت هذا احختيار مع بداية أخذه‪ ،‬وهذا درس ِ‬ ‫َّ‬
‫يقدره هللا‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ــا بت‪ ،‬وح يندم عل ما مض ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وما ِ‬
‫يطمئن قلبت إىل قدر هللا‪ ،‬واختياره‪ ،‬و ِ‬
‫َّ‬ ‫أبن‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫صحة األبدان‪ ،‬وصفاء النيفوس‪ ،‬وذكاء العقول‪:‬‬
‫د ‪ -‬أثر البادية يف َّ‬
‫حممد ال اياس ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬وتن ـ ـ ـ ـ ـ ــئة األوحد يف البادية ليمرحوا يف كنف‬ ‫قال ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي َّ‬
‫قوها الطَّلق‪ ،‬وش ـ ـ ــعاعها اَّر ـ ـ ــل أدَّن إىل تايكية الفطرة‪ ،‬وإجاء األعض ـ ـ ــاء‪،‬‬ ‫الطَّبيعة‪ ،‬ويس ـ ـ ــتمتعوا ِ‬
‫واَّ اعر‪ ،‬وإطالق األفكار‪ ،‬والعواطف‪.‬‬
‫كأ‪،‬ا عل أ لقت عل‬ ‫ٍ‬
‫متالهللاقة‪َّ ،‬‬ ‫قة‪ ،‬من ٍ‬
‫بيوت‬ ‫َّإ‪،‬ا لتعا ة أن يعيش أوحدان يف شقق يِ ٍ‬
‫وحرمْتهم َّلذة التَّنفُّس العميق‪ ،‬وايواء اَّنعش‪.‬‬ ‫شم ْن فيها‪ ،‬ش‬
‫أن ا ــطراب األعص ــاب الذأ قارن احلض ــارة احلديثة‪ ،‬يعود ‪ -‬فيما يعود ‪ -‬إىل‬ ‫ـك َّ‬ ‫وح ش ـ َّ‬
‫مكة ِاداههم إىل البادية لتكون‬ ‫نقدر ألهل َّ‬ ‫البعد عن الطَّبيعة‪ ،‬وال راق يف التص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنُّع‪ .‬وحنن ِ‬
‫يود لو تكون الطَّبيعة هي اَّعهد َّ‬
‫األول‬ ‫عرهللااهتا الفسا مدارً طفولتهم‪ .‬وكثري من علماء ال َّ بية ُّ‬
‫حض تتَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــق مداركت مع حقائق الكون الَّذأ وجد فيت‪ ،‬ويبدو َّ‬
‫أن هذا حلم عس ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬ ‫ِ‬
‫للط فل‪َّ ،‬‬
‫التَّلقيق(‪.)2‬‬
‫ـعد اللِســان َّ‬
‫العريب الفصــي ‪ ،‬وأهللاــب‬ ‫وتعلَّم ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يف ابدية ب ـ ٍ‬
‫فيما بعد من أفص اخللق‪ ،‬فعندما قال لت أبو بكر ر ي هللا عنت َي ر ول هللا! ما رأيت أفص‬
‫منك فقال هللال هللا عليت و لم «وما مينع وأان من قريش‪ ،‬وأر عت يف ب عد(‪)3‬؟!»‪.‬‬
‫الصدر‪:‬‬
‫شق َّ‬ ‫‪ - 2‬ما يستفاد من حادثة ِّ‬
‫الصدر الَّيت حصلت لت هللال هللا عليت و لم أثناء وجوده يف مضارب ب‬ ‫تـ شع ُّد حادثة ِ‬
‫شق َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.61 ، 60‬‬ ‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫للسهيلي (‪.)188/1‬‬
‫الروض األنف ‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪65‬‬
‫ُّبوة‪ ،‬ودحئل اختيار هللا َّإَيه ألم ٍر جليل(‪.)1‬‬ ‫عد‪ ،‬من إرهاهللاات الن َّ‬ ‫ٍ‬
‫مالك « َّ‬
‫أن‬ ‫الصدر يف هللا ره‪ ،‬فعن أنس بن ٍ‬ ‫شق َّ‬ ‫وقد رو المام مسلم يف هللاليلت حادثة ِ‬
‫ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم أاته جربيل وهو يلع مع ال لمان‪ ،‬فأخذه‪ ،‬فص ـ ـرعت‪ ،‬ف ـ َّـق‬
‫حم ال َّ ـيطان منك‪ ،‬مثَّ ســلت يف‬ ‫عن قلبت فا ــتهرً القل ‪ ،‬فا ــتهرً منت شعلش شقةً‪ ،‬فقال هذا ُّ‬
‫ت من ذه مباء زمايم‪ ،‬مثَّ أل ششمت(‪ ،)2‬مثَّ أعاده يف مكانت‪ ،‬وجاء ال لمان يس ـ ـ ــعون إىل ِأمت ‪-‬‬ ‫طشسـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ْ‬
‫إن حممداً قد قتل‪ ،‬فا ــتقبلوه وهو مْنـتش ِقع اللون‪ .‬قال أنس ر ــي هللا عنت‬ ‫يع ِظْئـشره ‪ -‬فقالوا َّ‬
‫وقد كنت أر أثر ذلك اَّهيا يف هللادره»[ مسلم (‪ )261/162‬وأمحد (‪ )149/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])5/2‬‬

‫ُّبوة‪ ،‬وإعداد للعصـ ـ ـ ــمة من‬ ‫حم ال ـ ـ ـ ــيطان هو إرهاص ِ‬


‫مبكر للن َّ‬ ‫أن التَّطهري من ِ‬ ‫ـك َّ‬ ‫وح شـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر‪ ،‬وعبادة ري هللا‪ ،‬فال ُّل يف قلبت إح التَّوحيد اخلالص‪ ،‬وقد دلَّت أحداث هللاـ ـ ـ ـ ـ ــباه عل‬
‫حتقُّق ذلك‪ ،‬فلم يرتك إشاً‪ ،‬و يس د لصن ٍم(‪ )3‬بر م انت ار ذلك يف قريش(‪.)4‬‬
‫أن احلكمة يف ذلك إعالن أمر‬ ‫الدكتور البوطي عن احلكمة يف ذلك‪ ،‬فقال يبدو َّ‬ ‫وحتدَّث ُّ‬
‫ماديٍَّة ليكون ذلك‬ ‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهتيؤه للعصــمة‪ ،‬والوحي منذ هللاـ ره بو ــائل ِ‬ ‫َّ‬
‫معنوأ‪ ،‬ولكنَّها‬ ‫ٍ‬ ‫أقرب إىل إميان النَّاس بت‪ ،‬وتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديقهم بر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالتت‪َّ .‬إ‪،‬ا ‪ -‬إذاً ‪ -‬عملية تطه ٍري‬
‫ـادأ احلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي ليكون يف ذلــك العالن اليي ب أمســاي النـَّاس‪،‬‬ ‫ا َّه ـذت هــذا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــل اَّـ َّ‬
‫للر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من حاحت ال ِ‬
‫صـ ـ ـبشا‬ ‫إن إخراً العلقة منت تطهري َّ‬ ‫وأبص ـ ــارهم(‪َّ .)5‬‬
‫الرجولة‬ ‫اجلد‪ ،‬واحلايم‪ ،‬واحتايان‪ ،‬و ريها من هللا ــفات ُّ‬ ‫الالهية العابثة اَّس ــته ة‪ ،‬واتِص ــافت بص ــفات ِ‬
‫الصادقة‪ ،‬كما تدلُّنا عل عناية هللا بت‪ ،‬وحفظت لت‪ ،‬وأنَّت ليس لل َّيطان عليت بيل(‪.)6‬‬
‫َّ‬
‫خامساً‪ :‬وفاة ِّأمه‪ ،‬وكفالة ِّ‬
‫جده‪ ،‬مثَّ ِّ‬
‫عمه‪:‬‬
‫ـت ـ ـ ـ ــن ابألبواء ب َّ‬
‫مكة واَّدينة‪،‬‬ ‫توفِيت ُّأم الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وهو ابن ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫َّووأ عل مسل ٍم ‪.)216/2‬‬ ‫(‪ )2‬أأ عت ‪ ،‬و َّم بعضت إىل ٍ‬
‫بعض‪( .‬شر الن ِ‬
‫هللا ْد شرشك *} وأنَّت كان يا أهللال فعلينا‬
‫ك ش‬ ‫الصدر أ طورة ن أت عن تفسري احية {أششْ نش ْ شر ْ لش ش‬
‫شق َّ‬‫أن حديث ِ‬‫(‪ )3‬ـ ‪]177‬زعم اَّست رق نيكلسون َّ‬
‫الصري ‪ ،‬وهذا الذأ زعمت نيكلسون بقت إليت اَّ ركون ح َّاهتموا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ابجلنون ‪ ،‬فنف هللا عنت‬ ‫أن ِ‬
‫َنمن َّأ‪،‬ا ت ري إىل نوي من َّ‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال {وما ِ‬
‫احبكم ِمبش ن ٍ‬
‫ون *} التكوير ‪.]22‬‬ ‫هللا ْ ْ‬ ‫شش ش‬

‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)104/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )5‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫(‪ )6‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.107 ، 106‬‬
‫‪66‬‬
‫عدأ بن النَّ ار تريت َّإَيهم‪ ،‬فماتت‪ ،‬وهي راجعة بت‬ ‫ِ‬ ‫وكانت قد قدمت بت عل أخوالت من ب‬
‫إىل م َّكـة(‪ ،)1‬ودفنـت ابألبواء‪ ،‬وبعـد وفـاة أ ِمـت كفلـت جـدُّه عبـد اَّطَّلـ ‪ ،‬فعـاش يف كفـالتـت‪ ،‬وكـان‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقد كان جدُّه مهيباً‪ ،‬ح جيلس عل‬ ‫يؤثره عل أبنائت‪ ،‬أأ أعمام الن ِ‬
‫فراشت أحد من أبنائت مهابةً لت‪ ،‬وكان أعمامت يتهيَّبون اجللوس عل فراش أبيهم‪ ،‬وكـ ـ ــان هللال هللا‬
‫عليت و لم جيلس عل الفراش‪ ،‬و اول أعمامـ ـ ـ ـ ــت أن يبعدوه عن فراش أبيهم‪ ،‬فيقف األب ُّ‬
‫اجلد‬
‫متومساً فيت اخلري‪ ،‬وأنَّت ـ ــيكون لت شـ ــأن عظيم(‪،)2‬‬ ‫قانبت‪ ،‬وير ـ ـ أن يبق جالس ـ ـا عل فراشـ ــت ِ‬
‫ً‬
‫حاجة جاء هبا‪ ،‬وذات يوم أر لت يف طل ٍ‬
‫إبل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكان جدُّه بُّت حباً عظيماً‪ ،‬وكان إذا أر لت يف‬
‫فاحتبس عليت(‪ ،)3‬فطا ابلبيت‪ ،‬وهو يردل‪ ،‬يقول‬
‫اهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنش ْع ِعْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا‬
‫رَّده س شو ْ‬ ‫رد راك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب‬ ‫ب َّ‬ ‫رِ‬
‫ش‬
‫حمم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا‬
‫َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وج ـ ــاء ابلبل‪ ،‬قال ل ـ ــت َي ب ! لقد حاينت عليك‬ ‫فل ـ ـ َّـما رجع الن ُّ‬
‫كاَّرأة‪ ،‬حايانً ح يفارق أبداً‪[ .‬البيوقي يف الدالئل (‪ )21 - 20/2‬واحلاكم (‪. ])604 - 603/2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف الثَّامنة من عمره(‪ ،)4‬فأوهللا جدُّه بت‬ ‫تويف عبـ ـ ـ ـ ـ ــد اَّطل والن ُّ‬ ‫مثَّ ِ‬
‫وحن عليت‪ ،‬ورعاه(‪.)5‬‬ ‫عمت‪َّ ،‬‬ ‫عمت أاب طال ٍ ‪ ،‬فكفلت ُّ‬ ‫َّ‬
‫أرادت حكمة هللا تعاىل أن ين ــأ ر ـ ـولت هللاـ ــل هللا عليت و ــلم يتيماً‪ ،‬تتوحَّه عنايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هللا‬
‫حض ح َتيل بت نفست‬ ‫الذراي اليت َتعن يف تدليلت‪ ،‬واَّال الذأ ياييد يف تنعيمت َّ‬ ‫وحدها‪ ،‬بعيداً عن ِ‬
‫الايعامة‪ ،‬فيلتبس عل النَّاس‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـدارة‪ ،‬و َّ‬‫وحض ح يتأثَّر مبا حولت من معىن ال َّ‬ ‫إىل جمد اَّال‪ ،‬واجلاه‪َّ ،‬‬
‫األول ابت اء الوهللا ـ ــول إىل الثَّاين(‪ ،)6‬وكانت‬ ‫وحض ح س ـ ــبوه يص ـ ــطنع َّ‬ ‫ُّبوة قاه الدُّنيا‪َّ ،‬‬ ‫قدا ـ ــة الن َّ‬
‫جده بعد أن حرم‬ ‫اَّصائ الَّيت أهللاابت النَّب هللال هللا عليت و لم منذ طفولتت كموت ِأمت‪ ،‬مثَّ ِ‬
‫َّ‬
‫مرةٍ‪ ،‬كانت تلك اَّن قد جعلتت رقيق القل ‪ ،‬مرهف‬ ‫مرًة بعد َّ‬ ‫عطف األب‪ ،‬وذاق كأس احلاين َّ‬
‫الك ْرب‪ ،‬وال رور‪ ،‬ودعلها أكثر‬ ‫ال ـ ــعور‪ ،‬فاألحايان تصـ ــهر النُّفوس وهلِصـ ــها من أدران القسـ ــوة‪ ،‬و ِ‬

‫السرية (‪ )168/1‬وقد هللار ابن إ لاق ابلتلديث‪.‬‬‫(‪ )1‬ابن ه ام يف ِ‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬أليب فارس‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )3‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬للعلي‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )5‬انظر مدخل لفهم ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لليلىي ‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )6‬انظر فقت ِ‬
‫‪67‬‬
‫رقَّةً‪ ،‬وتوا عاً‪.‬‬
‫وليسـ ــت وفاة والديت يف الع ـ ـرينات من حياهتما انشـ ــئةً عن هشايايما‪ ،‬و ـ ــعف بنيتهما‪ ،‬فلم‬
‫همة الَّيت‬
‫وإجا توفَّالا هللا بعد أن قاما ابَّ َّ‬ ‫حممد هللال هللا عليت و لم ليل أبوين قيم ‪َّ ،‬‬ ‫يكن َّ‬
‫أحدلا وهو‬ ‫كل شم ْن فقد والديت‪ ،‬أو ش‬ ‫مبلمد هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ُّ‬‫َّ‬ ‫وجدا من أجلها ليتأ َّ ـ ـ ـ ـ‬
‫وحض ين ــأ‬‫توىل رعايتت‪ ،‬وأتديبت َّ‬ ‫أن هللا تعاىل َّ‬ ‫هللاـ ـ ري‪ ،‬وليكون أدبت‪ ،‬وخلقت مع يتمت دليالً عل َّ‬
‫أأ أث ٍر يف‬
‫وحض ح يكون ألبويت ُّ‬ ‫أحد يف شـ ــؤونت‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معتمد عل‬ ‫قوأ الرادة‪ ،‬ما ـ ــي العايمية‪ ،‬ري‬ ‫َّ‬
‫تتدخل يد ب ـ ـ ـرية يف تربيتت‪ ،‬وتوجيهت‪ ،‬فيكون هللا ‪ -‬ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬هو‬ ‫وحض ح َّ‬ ‫دعوتت(‪َّ )1‬‬
‫يتلق من لدن‬ ‫يتلق ‪ ،‬أو يتلقَّن من مفاهيم اجلاهلية‪ ،‬وأعرافها ش ـ ــيئاً‪َّ ،‬إجا َّ‬ ‫يتوىل تربيتت‪ ،‬وح َّ‬ ‫الَّذأ َّ‬
‫وعمت لتهيئة اجلان ا ِ‬
‫َّاد ِأ‪،‬‬ ‫ـهر لت جدَّه‪َّ ،‬‬ ‫احلكيم اخلبري‪ ،‬فاهلل ‪ -‬ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬آواه‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫تعهداً رَّابنياً‪ ،‬ورعايةً إييَّةً(‪.)2‬‬ ‫بينما كانت ال َّ بية النَّفسية‪ ،‬واخللقيَّة‪ ،‬والفكريَّة ُّ‬
‫الرعي‪:‬‬
‫سادساً‪ :‬عمله صلى هللا عليه وسلم يف َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم برعي ال نم مســاعد ًة منت‬ ‫الرزق فعمل الن ُّ‬ ‫كان أبو طال م ِقالً يف ِ‬
‫لعمت‪ ،‬فلقد أخرب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن نفسـ ــت الكرمية‪ ،‬وعن إخوانت من األنبياء َّأ‪،‬م رعوا‬
‫صـلي‬ ‫مكة وهو الم ‪ ،‬وأخذ حقَّت عن رعيت‪ ،‬ففي احلديث ال َّ‬ ‫ال نم‪َّ ،‬أما هو فقد رعاها ألهل َّ‬
‫قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «ما بعث هللا نبياً إح شرع ال نم» فقال أهللا ـلابت وأنت؟‬
‫فقال «نعم! كنت أرعاها عل قراريا ألهل َّ‬
‫مكة» [البخاري (‪ )2262‬وابن ماجه (‪.)3(])2149‬‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ايدوء الذأ تتطلَّبت نفسـ ـ ـ ــت الكرمية‪،‬‬
‫إن رعي ال نم كان يتي للن ِ‬‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلراء‪ ،‬ويتي لت التَّطلُّع إىل مظاهر جالل هللا يف عظمة اخللق‪ ،‬ويتي‬ ‫ويتي لت اَّتعة قمال ال َّ‬
‫لت مناجاة الوجود يف هدأة الليل‪ ،‬وظالل القمر‪ ،‬ونس ـ ـ ـ ــمات األ ـ ـ ـ ــلار‪ ،‬يتي لت لوانً من ال َّ بية‬
‫الرحة(‪.)4‬‬
‫الرأفة‪ ،‬و َّ‬
‫الصرب‪ ،‬واحللم‪ ،‬واألانة‪ ،‬و َّ‬ ‫النَّفسيَّة من َّ‬
‫وتذكِران رعايتت لل نم أبحاديثت هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم الَّيت ِ‬
‫توجت اَّسـ ـ ـ ـ ــلم لإلحس ـ ـ ـ ـ ـان‬

‫(‪ )1‬انظر ر ائل األنبياء ‪ ،‬لعمر أحد عمر (‪.)20/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.85 ، 84‬‬
‫الدينار ‪ ،‬أو ِ‬
‫الدرهم‪.‬‬ ‫(‪ )3‬القرياط جايء من ِ‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)177/1‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر َّ‬
‫‪68‬‬
‫يا ة األمم‪.‬‬ ‫للليواانت(‪ ،)1‬فكان رعي ال نم للن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم دربةً‪ ،‬ومراانً لت عل‬
‫خصال تربويٍَّة منوا‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ورعي ال نم يتيح لصاحبه َّ‬
‫عدة‬
‫الرعي من طلوي ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمس إىل روهبـا‪ ،‬نظراً لباء ال نم يف األكـل‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـرب عل َّ‬ ‫‪ - 1‬ال َّ‬
‫َّلمل‪ ،‬وكذا تربية الب ر(‪.)2‬‬ ‫الصرب‪ ،‬والت ُّ‬
‫فيلتاً راعيها إىل َّ‬
‫جو ٍ‬
‫حار ش ــديد‬ ‫وإجا يعيش يف ٍ‬ ‫منيف‪ ،‬وح يف تر ٍ ‪ ،‬و ــر ٍ ‪َّ ،‬‬ ‫الراعي ح يعيش يف قص ـ ٍر ٍ‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة يف اجلاييرة العربيَّـة‪ ،‬و تــاً إىل اَّــاء ال ايير لي ـذه ـ ظمــأه‪ ،‬وهو ح جيــد إح‬
‫احلرارة‪ ،‬و ــا َّ‬
‫حتمل هذه الظُّرو القا ــية‪،‬‬
‫اخل ــونة يف الطَّعام‪ ،‬وشــظف العيش‪ ،‬فينب ي أن مل نفســت عل ُّ‬
‫ورلفها‪ ،‬ويصرب عليها(‪.)3‬‬
‫الراعي خدمة ال نم‪ ،‬والش ـ ـ ـ ـ ـرا عل وحدهتا‪ ،‬والقيام‬ ‫‪ - 2‬التَّواض ـ ـ ــع‪ :‬إذ َّ‬
‫إن طبيعة عمل َّ‬
‫حبرا ـ ــتها‪ ،‬والنَّوم ابلقرب منها‪ ،‬ورمبا أهللا ـ ــابت ما أهللا ـ ــابت من رذاذ بويا‪ ،‬أو ش ـ ــيء من روثها‪ ،‬فال‬
‫يتضـ ـ ـ َّ ر من هذا‪ ،‬ومع اَّداومة واح ـ ــتمرار يشـْبعد عن نفس ـ ــت الكرب والكربَيء‪ ،‬ويرتكاي يف نفس ـ ــت‬
‫خلق التَّوا ع(‪.)4‬‬
‫أن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم قال «ح يدخل اجلنَّة من‬ ‫وقد ورد يف هللاــلي مســل ٍم َّ‬
‫الرجل ُّ أن يكون ثوبت حس ـ ـ ـ ـ ـ ــناً‪ ،‬ونعلت‬ ‫كان يف قلبت مثقال ذرةٍ من كِ ٍْرب»‪ .‬قال رجل َّ‬
‫إن َّ‬
‫اجلمال‪ ،‬الكرب بطر ِ ْ‬
‫احلق‪ ،‬و شما النَّاس» [مس ـ ـ ــلم (‪ )91‬والرتمذي‬ ‫حس ـ ـ ـ ــناً‪ .‬قال « َّ‬
‫إن هللا يل‬
‫(‪ )1999‬واحلاكم (‪. ])26/1‬‬
‫ش ـجاعة فطبيعة عمل َّ‬
‫الراعي احهللا ــطدام ابلوحوش اَّف ــة‪َّ ،‬‬
‫فالبد أن يكون عل‬ ‫‪ - 3‬ال َّ‬
‫تؤهلت للقضاء عل الوحوش‪ ،‬ومنعها من اف اس أ نامت(‪.)5‬‬‫جان ٍ كب ٍري من ال َّ اعة‪ِ ،‬‬
‫الراعي يقوم مبقتضـ عملت مبســاعدة ال نم إن هي مر ــت‪ ،‬أم‬ ‫الرمحة‪ ،‬والعطف َّ‬
‫إن َّ‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫كس ـ ــرت‪ ،‬أو أهللا ـ ــيبت‪ ،‬وتدعو حالة مر ـ ــها وأَّها إىل العطف عليها‪ ،‬وعالجها والتَّهفيف من‬
‫هللا ـ ٍة إذا كان ر ــوحً أر ــلت هللا تبارك‬
‫آحمها‪ ،‬فمن يرحم احليوان يكون أشـ َّـد رحةً ابلنســان‪ ،‬و ا َّ‬

‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)106/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر مدخل لفهم ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لليلىي ‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.115 ، 114‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )5‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫وتعاىل لتعليم النسان‪ ،‬وإرشاده‪ ،‬وإنقاذه من النَّار‪ ،‬وإ عاده يف الدَّارين(‪.)1‬‬
‫حب الكسب من عرق اجلبني‬ ‫‪ -5‬ي‬
‫إن هللا تعاىل قادر عل أن ي ش حممداً هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم عن رعي ال نم‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫َّ‬
‫وألمتت ل كل من كس اليد‪ ،‬وعرق اجلب ‪ ،‬ورعي ال نم نوي من أنواي الكس ابليد‪،‬‬ ‫تربية لت‪َّ ،‬‬
‫عما يف أيدأ الناس‪ ،‬وح يعتمد عليهم‪ ،‬فبذلك تبق‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الدَّعوة جي أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫ويرد ش ـ ـ ــبهة‬ ‫قيمتت‪ ،‬وترتفع منايلتت‪ ،‬ويبتعد عن ال ُّ ـ ـ ـبت‪ ،‬والتَّ ـ ـ ــكيك فيت‪ ،‬ويت َّرد عملت هلل تعاىل‪ُّ ،‬‬
‫أن األنبياء أرادوا الدُّنيا بدعوهتم(‪﴿ )2‬قشالوا أ ِشجْئـتشـنشا لِتشـ ْل ِفتشـنشا‬ ‫الكفرة الظَّلمة‪ ،‬الَّذين يص ـ ـ ِـورون للنَّاس َّ‬
‫حنن لشكما ِمب ْؤِمنِ ش ﴾ [يونس‪. ]78 :‬‬ ‫آابءش شان شوتشكو شن لشك شما الْ ِك ِْربشَيء ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض شوشما شْ ش‬ ‫شع َّما شو شج ْد شان شعلشْيت ش‬
‫هكذا يقول فرعون َّو ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ونظراً لسـ ـ ـ ــيطرة ح ِ الدُّنيا وحطامها عل عقويم يظنُّون َّ‬
‫أن‬
‫ـسـ ـ ــالم ‪ -‬ألقوامهم‪ ،‬مبين‬ ‫كة مراد هبا الدُّنيا‪ ،‬ويذا قال األنبياء ‪ -‬عليهم الـ ـ ـ َّ‬ ‫أأ حر ٍ‬ ‫أأ تفك ٍري‪ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫ين‬ ‫ِ ِِ َّ ِ‬ ‫ا ـ ـ ـ ـ ــت ناءهم عنهم ﴿وَيقشـوِم حش أش ـ ـ ـ ـ ـ ـأشلكم علشي ِت ماحً إِ ْن أشج ِرأ إِحَّ علش َِّ‬
‫اَّلل شوشما أ ششان بطشارد الذ ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫ْ شْ ش‬ ‫ْ‬ ‫شش ْ‬
‫ن﴾ [هود‪. ]29 :‬‬ ‫شآمنوا إِ َّ‪ْ ،‬م مالشقو شرهبِِ ْم شولش ِك ِ أ ششراك ْم قشـ ْوًما شْد شهلو ش‬
‫البهارأ عن اَّقدام ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬عن ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قال «ما‬ ‫ُّ‬ ‫رو‬
‫نب هللا داود عليت السالم كان ركل‬ ‫قا خرياً من أن ركل من عمل يده‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬ ‫أكل أحد طعاماً ُّ‬
‫من عمل يده» [البخاري (‪. ])2072‬‬

‫َّامة‪ ،‬والقدرة عل‬ ‫أن احعتماد عل الكسـ ـ احلالل يكسـ ـ النس ــان ِ‬
‫احلريَّة الت َّ‬ ‫ـك َّ‬ ‫وح ش ـ َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ْدي هبا(‪ ،)3‬وكم من الناس يطأطئون ريو ـ ـ ـ ــهم للطُّ اة‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ــكتون عل‬ ‫احلق‪ ،‬وال َّ‬ ‫قول كلمة ِ‬
‫ابطلهم‪ ،‬وجيارو‪،‬م يف أهوائهم خوفاً عل وظائفهم عندهم!(‪.)4‬‬
‫قيمة يف النَّاس‪ ،‬إذا ما كان كسبت‪ ،‬ورزقت من وراء‬ ‫أأ ٍ‬ ‫أأ دعوةٍ لن تقوم لدعوتت ُّ‬ ‫إن هللااح ِ‬ ‫َّ‬
‫اس ِم ْن عطاَي النَّاس‪ ،‬وهللادقاهتم‪ ،‬ولذا كان هللااح الدَّعوة ال الميَّة أحر‬ ‫دعوتت‪ ،‬أو عل أ ٍ‬
‫يف ح ا ـ ــت داء فيت‬ ‫النَّاس كلِهم أبن يعتمد يف معي ـ ــتت عل جهده ال َّ ـ ـهصـ ـ ِـي‪ ،‬أو ٍ‬
‫مورد ش ـ ـر ٍ‬
‫ألحد من النَّاس ِمنَّة‪ ،‬أو فض ــل يف دنياه‪ ،‬فيعوقت ذلك من أن يص ــدي بكلمة‬ ‫حض ح تكون عليت ٍ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر مدخل لفهم ِ‬


‫السرية ‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫(‪ )2‬انظر مدخل لفهم ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص (‪.)137‬‬
‫(‪ )3‬اَّرجع السابق نفست ‪ ،‬ص (‪.)128‬‬
‫(‪ )4‬انظر فقت ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص (‪.)93‬‬
‫‪70‬‬
‫مبال ابَّوقع الَّذأ قد تقع من نفست‪.‬‬ ‫احلق يف وجهت‪ ،‬ري ٍ‬ ‫ِ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف هذه الف ة إذ‬
‫وهذا اَّعىن وإ ْن يكن قد خطر يف ابل َّ‬
‫أن هذا اَّنهت الَّذأ‬ ‫إنَّت يكن يعلم مبا ــيوكل إليت من ش ـ ٍ‬
‫ـأن يف الدَّعوة‪ ،‬و ِ‬
‫الر ــالة الييَّة‪ ،‬ري َّ‬
‫أن هللا تعاىل قد أراد أح يكون يف ش ـ ـ ـ ــي ٍء من‬
‫هيَّأه هللا لت ينطوأ عل هذه احلكمة‪ ،‬ويو ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قبل البعثة ما يعرقل ـ ــبيل دعوتت‪ ،‬أو يؤثِر عليها َّ‬
‫أأ أتث ٍري‬ ‫حياة َّ‬
‫لب‪ ،‬فيما بعد البعثة(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫الرزق ي ــري‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم عل رعي األ نام لقص ــد كس ـ القوت و ِ‬ ‫َّ‬
‫إن إقبال الن ِ‬
‫الرفيع‪ ،‬والحس ــاس الدَّقيق اللَّذان َّل هللا‬ ‫مهم ٍة يف ش ــهص ـ ـيَّتت اَّباركة منها الذوق َّ‬
‫إىل دحئل َّ‬
‫َّامة‪ ،‬وكان لت يف ِ‬
‫احلنو‪،‬‬ ‫عمت وطت ابلعناية الت َّ‬ ‫تعاىل هبما نبيَّت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ .‬لقد كان ُّ‬
‫وال َّ ـ ـ ـ ـفقة كاألب ال َّ ـ ـ ـ ـفوق‪ ،‬ولكنَّت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ما إن آنس يف نفس ـ ـ ــت القدرة عل‬
‫يدل عل‬ ‫عمت يف مؤونة النفاق‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫حض أقبل يكتس ـ ـ ‪ ،‬ويتع نفسـ ــت َّسـ ــاعدة ِ‬ ‫َّ‬ ‫الكس ـ ـ‬
‫وبذل للو ع(‪.)2‬‬ ‫وبر يف اَّعاملة‪ٍ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫شهامة يف الطَّبع‪ٍ ،‬‬
‫الصاحل يف دار الدُّنيا‪،‬‬ ‫والدَّحلة الثانية تتعلَّق ببيان نوي احلياة الَّيت يرتضيها هللا تعاىل لعباده َّ‬
‫َّب (ﷺ) ‪ -‬وهو يف هللاـ ـ ـ ـ ــدر حياتت ‪ -‬من أ ـ ـ ـ ـ ــباب‬ ‫لقد كان ـ ـ ـ ـ ــهالً عل هللا تعاىل أن يهيئ للن ِ‬
‫لكن احلكمة‬ ‫الرفاهية‪ ،‬وو ـ ـ ــائل العيش ما ي نيت عن الكد ‪ ،‬ورعاية األ نام ـ ـ ــعياً وراء ِ‬
‫الرزق‪ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫يقدمت من‬ ‫بكد ميينت‪ ،‬ولقاء ما ِ‬‫أن خري مال النسـ ـ ــان ما اكتسـ ـ ــبت ِ‬ ‫الرَّابنيَّة تقتضـ ـ ــي منَّا أن نعلم َّ‬
‫اخلدمة اتمعت وب جنســت‪ ،‬وشـ ُّـر اَّال ما أهللاــابت النســان وهو مسـ ٍ‬
‫ـتلق عل ظهره دون أن ير‬
‫أأ فائدةٍ للم تمع يف مقابلت(‪.)3‬‬ ‫أأ تع ٍ يف بيلت‪ ،‬ودون أن يبذل َّ‬ ‫َّ‬
‫سابعاً‪ :‬حفظ هللا تعاىل لنبيِّه صلى هللا عليه وسلم قبل البعثة‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن هللا تعاىل هللاـ ــان نبيَّت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن شـ ــرك اجلاهليَّة‪ ،‬وعبادة األهللاـ ــنام‪ .‬رو‬
‫َّب‬
‫المام أحد يف مس ـ ــنده عن ه ـ ــام بن عروة‪ ،‬عن أبيت‪ ،‬قال حدَّث جار خلدجية أنَّت مسع الن َّ‬
‫العاي أبداً» [أمحد‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم وهو يقول خلدجية «أأ خدجية! وهللا ح أعبد الالَّت‪ ،‬و َّ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫السابق نفست‪.‬‬
‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السابق نفست‪.‬‬
‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪71‬‬
‫(‪ )222/4‬و(‪ . ])362/5‬قال وهي أهللاـ ــنامهم الَّيت كانوا يعبدون‪ ،‬مثَّ يضـ ــط عون(‪ .)1‬وكان ح ركل ما‬
‫ذب عل النُّص ‪ ،‬ووافقت يف ذلك زيد بن عمرو بن نفيل(‪.)2‬‬
‫وقد حفظت هللا تعاىل يف شبابت من نايعات ال َّباب‪ ،‬ودواعيت الربيئة‪ ،‬الَّيت تنايي إليها ال ُّبوبيَّة‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ــي هللا‬ ‫بطبعها‪ ،‬ولكنَّها ح تالئم وقار ايداة‪ ،‬وجالل اَّرش ـ ـ ــدين(‪ .)3‬فعن ِ‬
‫عنت قال مسعت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يقول «ما لمت بقبي اَّا كان أهل اجلاهليَّة‬
‫لفض كــان معي من‬ ‫مرت من الــدَّهر‪ ،‬كلتيهمــا يعص ـ ـ ـ ـ ـ ــم هللا منهمــا‪ ،‬قلــت ليلـةً ً‬ ‫يهمون بــت‪ ،‬إح َّ‬ ‫ُّ‬
‫مبكة‪ ،‬كما‬ ‫حض أمسر هذه اللَّيلة َّ‬ ‫إس نمي َّ‬‫مكة يف أ نام ألهلت يرعاها أبص ـ ـ ـ ـ ـ ــر َّ‬ ‫قريش أبعل َّ‬
‫مكة‪ ،‬مسعت ناءً‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــرب‬ ‫يس ـ ـ ـ ـ ـ ــهر الفتيان‪ .‬قال نعم‪ .‬فهرجت‪ ،‬ف ئت أدَّن دار من دور َّ‬
‫تايوً امرأة من‬ ‫يش َّ‬ ‫دفو ٍ ‪ ،‬ومايامري‪ ،‬فقلــت مــا هــذا؟ فقــالوا فالن َّ‬
‫تايوً فالنــة ‪ -‬لرجـ ٍـل من قر ٍ‬
‫حر ال َّ ـ ـمس‪،‬‬ ‫ص ـ ـوت حض لبت عي ‪ ،‬فما أيقظ إح ُّ‬ ‫يش ‪ -‬فلهوت بذلك ال ناء وبذلك ال َّ‬ ‫قر ٍ‬
‫فرجعــت فقــال مــا فعلــت؟ فــأخربت ـت‪ ،‬مثَّ قلــت لــت ليل ـةً أخر مثــل ذلــك‪ ،‬ففعــل‪ ،‬فهرجــت‬
‫فس ـ ـ ــمعت مثل ذلك‪ ،‬فقيل س مثل ما قيل س‪ ،‬فلهوت مبا مسعت حض لبت عي ‪ ،‬فما أيقظ‬
‫مس ال َّمس‪ ،‬مثَّ رجعت إىل هللااحب‪ ،‬فقال فما فعلت؟ قلت ما فعلت شيئاً‪.‬‬ ‫إح ُّ‬
‫ـوء اَّا يعمل أهل‬ ‫قال ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم «فوهللا ما لمت بعدها بس ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫[أبو نعيم يف الدالئل (‪ )128‬والبيوقي يف السـ ـ ـ ــنن الكرب (‪ )34 - 33/2‬والبزار (‪)2403‬‬ ‫بنبوتت»‬
‫حض أكرم هللا َّ‬
‫اجلاهليَّة‪َّ ،‬‬
‫وجممع الزوائد (‪. ])226/8‬‬
‫يوضح لنا حقيقتني كالً منوما على ٍ‬
‫جانب كب ٍري من األمهيَّة‪:‬‬ ‫احلديث ِّ‬‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم كان متمتعاً صـ ـ ــائص الب ـ ـ ـريَّة كلِها‪ ،‬وكان جيد يف‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫إن الن َّ‬
‫ـاب من ملتلف اَّيول الفطرية‪ ،‬الَّيت اقتضـ ـ ـ ــت حكمة هللا أن جيبل النَّاس‬ ‫كل شـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫نفسـ ـ ـ ــت ما جيده ُّ‬
‫متعة‪ِ ،‬‬
‫س مبعىن ال َّس ـ ـ ـمر واللَّهو‪ ،‬وي ـ ـ ــعر مبا يف ذلك من ٍ‬
‫وحتدثت نفسـ ـ ــت لو َتتَّع‬ ‫عليها‪ ،‬فكان ِ ُّ‬
‫يء من ذلك‪ ،‬كما يتمتَّع ا خرون‪.‬‬ ‫ب ٍ‬
‫كل ما ح‬ ‫وجل ‪ -‬قد عصــمت مع ذلك من يع مظاهر اححنرا ‪ ،‬ومن ِ‬ ‫عاي َّ‬ ‫إن هللا ‪َّ -‬‬ ‫‪َّ - 2‬‬

‫(‪ )1‬انظر وقفات تربويَّة ‪ ،‬ألحد فريد ‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)51/1‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫‪72‬‬
‫يتَّفق مع مقتضيات الدَّعوة الَّيت هيَّأه هللا يا(‪.)1‬‬

‫غالم‪:‬‬ ‫الراهب ََِّب ْريا َّ‬


‫ابلرسول صلى هللا عليه وسلم وهو ٌ‬ ‫اثمناً‪ :‬لقاء َّ‬

‫خرً أبو طال ٍ إىل ال َّ ـ ـام‪ ،‬وخرً معت الن ُّ‬


‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف أش ـ ــيا ٍ من قر ٍ‬
‫يش‪،‬‬
‫فللُّوا رحايم ‪ ،‬فهرً إليهم َّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الراه ‪ ،‬وكانوا قبل ذلك‬ ‫الراه ‪ ،‬هبطوا‪ ،‬ش‬ ‫فلـ ـ ـ َّـما أشرفوا عل َّ‬
‫يسريون‪ ،‬فال خيرً إليهم‪ ،‬وح يلتفت‪.‬‬
‫حض جاء‪ ،‬فأخذ بيد ر ــول هللا هللا ــل‬ ‫الراه يتهلَّلهم(‪َّ ،)5‬‬ ‫فبينما هم لُّون رحايم جعل َّ‬
‫رب العاَّ ‪ ،‬يبعثت هللا رحةً للعاَّ ‪ .‬فقال‬ ‫هللا عليت و لم ‪ ،‬فقال هذا يِد العاَّ ‪ ،‬هذا ر ول ِ‬
‫لت أش ــيا من قريش ما علمك؟ فقال إنَّكم ح أش ــرفتم من العقبة‪ ،‬يبق شـ ـ ر‪ ،‬وح ح ر‬
‫ُّبوة أ ـ ــفل من ض ــرو (‪ )7‬كتفت‬ ‫وإين أعرفت اذ الن َّ‬ ‫لنب‪ِ ،‬‬‫خر(‪ )6‬ــاجداً‪ ،‬وح يس ـ ـ دان إح ٍ‬ ‫إح َّ‬
‫مثل التُّفاحة‪.‬‬
‫مثَّ رجع‪ ،‬فصنع يم طعاماً‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أاتهم بت‪ ،‬وكان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف رعية‬
‫البل(‪ ،)8‬قال أر لوا إليت‪ ،‬فأقبل‪ ،‬وعليت مامة(‪ )9‬تظلُّت‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما دان من القوم وجدهم قد بقوه‬
‫إىل يفء ال َّ ـ رة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جلس مال يفء ال َّ ـ رة(‪ )10‬عليت‪ ،‬فقال انظروا إىل يفء ال َّ ـ رة مال‬
‫عليت‪.‬‬
‫(‪)11‬‬
‫الروم إذا عرفوه‬ ‫الروم فَن ُّ‬‫قال فبينما هو قائم عليهم‪ ،‬وهو يناش ــدهم أح يذهبوا بت إىل ُّ‬
‫الروم‪ ،‬فا تقبلهم‪ ،‬فقال ما جاء بكم؟ قالوا‬ ‫ابلصفة يقتلونت‪ ،‬فالتفت فَذا بعة قد أقبلوا من ُّ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.51 ، 50‬‬
‫(‪ )2‬أشرفوا اطلعوا من فوق‪.‬‬
‫الراه زاهد النَّصار ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬شحلُّوا رحايم أأ أنايلوها ‪ ،‬وفتلوها‪.‬‬


‫(‪ )5‬يتهلَّلهم مي ي بينهم‪.‬‬
‫خر قا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )7‬ال ضرو رأس لو الكتف‪.‬‬


‫(‪ )8‬رعية البل رعايتها‪.‬‬
‫السلابة‪.‬‬
‫مامة َّ‬
‫(‪)9‬‬

‫(‪ )10‬مال يفء ال َّ رة عليت مال ظلُّها‪.‬‬


‫(‪ )11‬يناشدهم يقسم عليهم‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫يبق طريق إح بعث إليت ٍ‬
‫أبانس‪ ،‬وإان قد أخربان‬ ‫َّب خارً يف هذا ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهر‪ ،‬فلم ش‬ ‫جاءان َّ‬
‫أن هذا الن َّ‬
‫خربه‪ ،‬بعثنا إىل طريقك هذا‪ ،‬فقال هل خلفكم أحد هو خري منكم؟‬
‫قالوا َّإجا اخ ان خريه لك لطريقك هذا‪ .‬قال أفرأيتم أمراً أراد هللا أن يقض ــيت‪ ،‬هل يس ــتطيع‬
‫رده؟ قالوا ح‪ .‬قال فبايعوه‪ ،‬وأقاموا معت‪.‬‬ ‫أحد من النَّاس َّ‬
‫رده أبو طال ‪.‬‬ ‫حض َّ‬‫قال أن دكم هللا أيُّـ ـ ـ ــكم وليُّـ ـ ـ ــت(‪)1‬؟ قالوا أبو طال ‪ .‬فلم يايل يناشده َّ‬
‫[البيوقي يف الدالئل (‪ )25 - 24/2‬والرتمذي (‪ )3620‬واحلاكم (‪ )615/2‬وأبو نعيم يف دالئله (‪. ])109‬‬

‫عدة أموٍر؛ منوا‪:‬‬‫قصة َبريا َّ‬ ‫وممَّا يستفاد من َّ‬


‫حممداً هللا ــل هللا عليت و ـ ـلم هو‬ ‫أن َّ‬ ‫صـ ـادق من رهبان أهل الكتاب‪ ،‬يعلمون َّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫أن ال َّ‬
‫ات وأوهللاا ٍ عنت يف كتبهم‪.‬‬ ‫الر ول للب ريَّة‪ ،‬وعرفوا ذلك لِما وجدوه من أمار ٍ‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وتظليل ال مام لت‪ ،‬وميل‬ ‫‪ - 2‬إثبات ـ ود ال َّ ـ ر واحل ر للن ِ‬
‫يفء ال َّ رة عليت‪.‬‬
‫اهللا ٍة من أشيا‬‫عمت‪ ،‬و َّ‬‫أن النَّب هللال هللا عليت و لم ا تفاد من فره‪ ،‬ودوالت مع ِ‬
‫‪َّ َّ - 3‬‬
‫قريش حيث اطَّلع عل دا ِرب ا خرين‪ ،‬وخربهتم‪ ،‬وا ـ ـ ــتفاد من آرائهم‪ ،‬فهم أهللا ـ ـ ــلاب خربةٍ‪،‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف ِ نِت تلك‪.‬‬ ‫اية‪ ،‬ودر ٍبة َّ‬
‫مير هبا الن ُّ‬
‫ودر ٍ‬
‫فَ‪،‬م‬ ‫حذر شِحبريا من النَّص ـ ـ ـ ـ ــار ‪ ،‬وب َّ َّأ‪،‬م إذا علموا ابلن ِ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم َّ‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫فَن الروم إذا عرفوه ابل ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـفة‬ ‫الروم َّ‬ ‫مكة أح يذهبوا بت إىل ُّ‬ ‫عمت‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ــيا َّ‬ ‫ـ ـ ـ ــيقتلونت‪ ،‬وانش ـ ـ ـ ــد َّ‬
‫ِ‬
‫تعمارأ‬ ‫الر ول يقضي عل نفوذهم اح‬ ‫الرومان عل عل ٍم َّ‬
‫أبن جميء هذا َّ‬ ‫يقتلونت‪ .‬لقد كان ُّ‬
‫العدو الَّذأ ــيقض ــي عل مصـ ـاأ دولة روما‪ ،‬ويعيد هذه اَّصـ ـاأ إىل‬
‫يف اَّنطقة‪ ،‬ومن شمثَّ فهو ُّ‬
‫الرومان‪.‬‬
‫أرابهبا‪ ،‬وهذا ما خي اه ُّ‬
‫اتسعاً‪ :‬حرب ِّ‬
‫الف َج ِّ‬
‫ار‪:‬‬

‫الر َّحال‬
‫وم ْن معهم من كنانة‪ ،‬وب هوازن‪ ،‬و ببها أن عروةش َّ‬ ‫اندلعت هذه احلرب ب قريش ش‬
‫(‪)2‬‬
‫الرباض بن قيس‬ ‫بن عْتـبشةش بن هوازن أجار لطيمةً للنُّعمان بن اَّنذر إىل ـ ـ ـ ـ ـ ــوق عكا ‪ ،‬فقال َّ‬
‫الرباض يطل‬‫بن كنانة أدريها عل كنانة؟ قال نعم‪ ،‬وعل اخللق كلِت‪ .‬فهرً هبا عروة‪ ،‬وخرً َّ‬

‫(‪ )1‬أيكم وليُّت قريبت‪.‬‬


‫الطي والثِياب والتِ ارة ‪ ،‬وما أشبت ذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللَّطيمة اجلمال اليت حتمل ِ‬
‫‪74‬‬
‫حض قتلت‪ ،‬وعلمت بذلك كنانة فارحتلوا وهوازن ح ت ـ ــعر هبم‪ ،‬مثَّ بل هم اخلرب‪ ،‬فاتَّبعوهم‪،‬‬ ‫فلتت َّ‬
‫حض جاء الليل‪ ،‬ودخلوا احلرم‪ ،‬فأمس ــكت عنهم هوازن‪،‬‬ ‫فأدركوهم قبل أن يدخلوا احلرم‪ ،‬فاقتتلوا َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الر ـول هللاـل هللا عليت و ـلم بعض‬ ‫مث التقوا بعد هذا اليوم أَيماً‪ ،‬وعاونت قريش كنانة وشـهد َّ‬
‫مكة اليت‬‫لل فيت من حرمات َّ‬ ‫الف ش ا ِر بسب ما ا ت َّ‬ ‫ومسيت يوم ِ‬ ‫َّأَيمهم‪ ،‬أخرجت أعمامت معهم‪ِ .‬‬
‫مقد ةً عند العرب(‪.)2‬‬ ‫كانت َّ‬
‫وقد قال هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عن تلك احلرب «كنت أنبِل عل أعمامي»‪ ،‬أأ ُّ‬
‫أرد‬
‫عدوهم إذا رموهم هبا [ابن هشام (‪ )198/1‬والسرية احللبية (‪. ])129 - 127/1‬‬‫عليهم نبل ِ‬
‫حينئذ ابن أربع ع ـ ـ ــرة‪ ،‬أو طس ع ـ ـ ــرة ـ ـ ــنة‪ ،‬وقيل ابن‬ ‫ٍ‬ ‫وكان هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫يدل عل حداثة ِ نِ ِت‪.‬‬ ‫األول أنَّت كان جيمع النِبال‪ ،‬ويناويا ألعمامت اَّا ُّ‬ ‫ع رين‪ ،‬ويـشرِج َّ‬
‫َترن عل القتال منذ ريعان ش ــبابت‪ ،‬وهكذا‬ ‫وبذلك اكتسـ ـ اجلرأة‪ ،‬وال َّ ـ ـ اعة‪ ،‬والقدام‪ ،‬و َّ‬
‫حض ألَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف هللا ب قلوهبم‪،‬‬
‫انتهت هذه احلرب اليت كثرياً ما ت ـ ــبت حروب العرب اليت تبديها‪َّ ،‬‬
‫وأزا عنهم هـذه الضَّالحت ابنت ار نـور ال الم بينهم(‪.)3‬‬
‫ضول‪:‬‬
‫ْف ال ُف ُ‬
‫عاشراً‪ :‬حل ُ‬
‫أن رجالً من زبيد(‪ )4‬قدم‬ ‫كان ِح ْلف الفضـول بعد رجوي قريش من حرب الف ار‪ ،‬و ــببت َّ‬
‫بيدأ أشـ ـ ـ ـرا‬
‫الاي ُّ‬ ‫مكة ببض ـ ـ ــاعة‪ ،‬فاشـ ـ ـ ـ اها منت العاص بن وائل‪ ،‬ومنعت حقَّت‪ ،‬فا ـ ـ ــتعد عليت َّ‬
‫قريش‪ ،‬فلم يعينوه َّكــانــة العــاص فيهم‪ ،‬فوقف عنــد الكعبــة وا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ــاث رل فه ٍر وأهــل اَّروءة‪،‬‬
‫واند أبعل هللاوتت‬
‫بِبشطْ ِن شم َّك ـ ـ ـة شانئِي ال ـ ــدَّا ِر والنَّف ِر‬ ‫ِ ٍ‬
‫َي آل فه ٍر ل شمظْلوم بض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ـاعتـ ــت‬
‫ـال وبشـ ش احلِـ ْ ـ ِر واحلشـ ش ـ ِر‬ ‫لـلـ ِـرج ـ ـ ـ ِ‬ ‫ض ع ْمشرشهتيشا‬ ‫ـعث شْ يشـ ْق ِ‬ ‫و ْحم ٍرم أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ش‬
‫ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حر شام لثشـ ْوب ال شفاجر ال شدر‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وح ش‬ ‫ت شك ـشرا شم ـتـ ـ ـ ـت‬ ‫إن احل ـرام ل ـ شم ـ ْن َتـ ـ ـ ـ ْ‬
‫الايبري بن عبد اَّطل ‪ ،‬فقال ما يذا م ك‪ .‬فاجتمعت بنو هاشم‪ ،‬وزهرة‪ ،‬وبنو تشـْيم بن‬ ‫فقام ُّ‬
‫مرة يف دار عبد هللا بن ج ْدعان‪ ،‬فص ـ ـ ـ ـ ــنع يم طعاماً‪ ،‬وحتالفوا يف ش ـ ـ ـ ـ ــه ٍر حرٍام‪ ،‬وهو ذو القعدة‪،‬‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬قريش فري من كنانة‪.‬‬


‫(‪ )2‬وقفات تربوية مع ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫(‪ )3‬انظر وقفات تربويَّة ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫(‪ )4‬زبيد بلد ابليمن‪.‬‬
‫للسهيلي (‪.)156 ، 155/1‬‬‫الروض األنف ‪ُّ ،‬‬ ‫انظر َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪75‬‬
‫بل حبر‬
‫حض ي َّرد إليت حقُّت ما َّ‬ ‫فتعاقدوا‪ ،‬وحتالفوا ابهلل ليكون َّن يداً واحدةً مع اَّظلوم عل الظَّا ‪َّ ،‬‬
‫هللاوفشةً‪ ،‬وما بقي شجبشال ثبري وحراء مكا‪،‬ما(‪.)1‬‬
‫بيدأ‪ ،‬فدفعوها إليت‪.‬‬ ‫الاي ِ‬‫مث م وا إىل العاص بن وائل‪ ،‬فانتايعوا منت لعة َّ‬
‫ت قريش هذا احللف حلف الفضول‪ ،‬وقالوا لقد دخل هؤحء يف فضل من األمر‪.‬‬ ‫ومسَّ ْ‬
‫ش‬
‫الايبري بن عبد اَّطل‬ ‫ويف هذا احللف قال ُّ‬
‫أحَّ يقيم ببطْ ِن م َّك ـ ـ ـة ظشـ ـ ـاِ‬ ‫ول تشـ شع ـ ـ ـاقشـ ـ ـدوا‬ ‫إن الفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫َّ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫يهم ـ ـ ــا‬ ‫(‪ِ )2‬‬ ‫وشحت ـ ـ ـ ـ ـ ـأـ ـْـشمـ ـ ـرـ ـ ـ ـ ـ ـشعالشلْشيـ ـ ـِتـ ـ ـ ـتشــ ـ ـشـع ـ ـا ـ ـشقـ ـ ـدف ـوـا ـ ـ ـ ـ ـوـتـشــ ـشـوـا ـثــشـ ـ ـقوواا‬
‫اجلشار شوالْم ْع شُّ ف ْ‬ ‫فش ْ‬ ‫شش‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم هذا احللف الذأ هدموا بت هللار الظُّلم‪ ،‬ورفعوا بت منار‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫حضر‬ ‫قد‬
‫احلق‪ ،‬وهو يعترب من مفاخر العرب‪ ،‬وعرفا‪،‬م حلقوق النسان(‪ ،)3‬وقد قال هللال هللا عليت و لم‬ ‫ِ‬
‫أن س حْر النَّعم وأِين أنكثت» [أمحد‬
‫ش‬ ‫«شهدت حلف اَّطيِب مع عموميت وأان الم‪ ،‬فما أح ُّ َّ‬
‫(‪ )190/1‬والبخاري يف األدب املفرد (‪ )567‬وأبو يعلى (‪ 844‬و‪ 845‬و‪. ])846‬‬

‫أن س بت حْشر النَّعم‪،‬‬‫وقال أيض ـاً «لقد شــهدت يف دار عبد هللا بن جدعان حلفاً ما أح ُّ َّ‬
‫ولو دعيت بت يف ال الم ألجبت» [البيوقي يف السنن الكرب (‪ )367/3‬وابن هشام (‪. ]142 - 141/1‬‬

‫دروس وعربٌ وفوائد‪:‬‬


‫ٌ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يظهر‬ ‫إن العدل قيمة مطلقة‪ ،‬وليس ـ ــت نس ـ ــبيَّة‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫ـتلق الش ـ ــادة هبا‬
‫اعتايازه ابَّ ـ ــاركة يف تعايياي مبدأ العدل قبل بعثتت بعقدين‪ ،‬فالقيم الجيابيَّة تس ـ ـ ُّ‬
‫حض لو هللادرت من أهل اجلاهليَّة(‪.)4‬‬ ‫َّ‬
‫أن شيوي الفساد يف‬ ‫‪ - 2‬كان حلف الفضول واحةً يف ظالم اجلاهليَّة‪ ،‬وفيت دحلة بيِنة عل َّ‬
‫فمكة جمتمع جاهلي هيمنت عليت عبادة األواثن‪،‬‬ ‫فضيلة‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫خلوه من ِ‬
‫كل‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫نظام‪ ،‬أو جمتم ٍع ح يع‬
‫الراب‪ ،‬ومع هذا كان فيت رجال أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب َنوةٍ‪،‬‬ ‫الايَّن‪ ،‬و ِ‬
‫الذميمة‪ ،‬كالظُّلم‪ ،‬و ِ‬ ‫واَّظا ‪ ،‬واألخالق َّ‬
‫يقرونــت‪ ،‬ويف هــذا درس عظيم للـ ُّـدعــاة يف جمتمعــاهتم اليت ح حتش ِكم‬ ‫ومروءة‪ ،‬يكرهون الظُّلم‪ ،‬وح ُّ‬
‫الم‪ ،‬أو شارب فيها ال الم(‪.)5‬‬
‫ال ش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)213/1‬‬
‫الايائر من ري البالد‪.‬‬‫(‪ )2‬اَّع َّ‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)214/1‬‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)112/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )5‬انظر فقت السرية النَّبوية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪76‬‬
‫ـ ـ َّـد الظاَّ فقا عندما ينالون‬ ‫أبأ هللا ـ ــورةٍ‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ط الوقو‬ ‫إن الظُّلم مرفوض ِ‬ ‫‪َّ - 3‬‬
‫إن ال ـ ـ ـ ـ ــالم‬ ‫أقل الناس(‪َّ .)1‬‬ ‫من الدُّعاة إىل هللا‪ ،‬بل مواجهة الظَّاَّ قائمة ولو وقع الظُّلم عل ِ‬
‫ارب الظُّلم‪ ،‬ويقف قان اَّظلوم‪ ،‬دون النَّظر إىل لونت‪ ،‬ودينت‪ ،‬ووطنت‪ ،‬وجنست(‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬جواز التَّلـالف والتَّعـاهـد عل فعـل اخلري فهو من قبيـل التَّعـاون اَّـأمور بـت يف القرآن‬
‫اَّللِ شوحش ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْهشر ْ‬
‫ين شآمنوا حش ِحتلُّوا شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شعائِشر َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫أ شوحش‬ ‫احلششر شام شوحش ا ْيشْد ش‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫الكر ‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫احلرام يـبـتشـ و شن فش ْ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللاطشادوا شوحش شْجي ِرشمنَّك ْم‬ ‫ضالً م ْن شرهب ْم شوِر ْ شواانً شوإِ شذا شحلشْلت ْم فش ْ‬ ‫ت ْشش ش شْ‬ ‫الْ شقالشئ شد شوحش آم ش الْبشـْي ش‬
‫احلششرِام أش ْن تشـ ْعتشدوا شوتشـ شع شاونوا شعلش الِْ ِرب شوالتَّـ ْق شو شوحش تشـ شع شاونوا شعلش‬ ‫هللادُّوك ْم شع ِن الْ شم ْس ِ ِد ْ‬ ‫ٍ‬
‫ششنشآن قشـ ْوم أش ْن ش‬
‫اَّلل شش ِديد الْعِ شق ِ‬ ‫ا ِل ِْمث والْع ْدو ِان واتـَّقوا َّ ِ‬
‫اب﴾[املائدة‪]2 :‬‬
‫اَّللش إ َّن َّش‬ ‫ش ش ش‬
‫مطلوب شـ ــرعاً‪ ،‬عل‬ ‫ٍ‬ ‫وجيوز للمسـ ــلم أن يتعاقدوا يف مثل هذه احلال ألنَّت أتكيد ل ـ ـ ٍ‬
‫ـيء‬
‫اَّوجهة ـ ــد‬ ‫نوي من احلايبيَّة َّ‬ ‫يتلول التعاقد إىل ٍ‬ ‫ض ـ ـرار‪ ،‬حبيث َّ‬ ‫أح يكون ذلك شـ ــبيهاً مبس ـ ـ د ال ِ‬
‫مس ـ ـ ـ ـ ــلم آخرين ظلماً‪ ،‬وب ياً‪ ،‬و َّأما تعاقد اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم مع ريهم عل دفع ظل ٍم‪ ،‬أو يف مواجهة‬
‫ظاٍ فذلك جائاي يم‪ ،‬عل أن تللم يف ذلك مص ـ ـ ـ ـ ــللة ال ـ ـ ـ ـ ــالم واَّس ـ ـ ـ ـ ــلم يف احلا ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫أن س‬ ‫واَّس ــتقبل‪ ،‬ويف هذا احلديث دليل‪ ،‬والدَّليل فيت قولت هللا ــل هللا عليت و ــلم «ما أح ُّ َّ‬
‫عدل‪ ،‬ومينع من ظل ٍم‪ ،‬أو النكث بت مقابل حر النَّعم‪،‬‬ ‫بت حْر النـَّعم» [ســ ـ ـ ــبق خترجيه] َّا ِقق من ٍ‬
‫ش‬
‫وقولت هللاــل هللا عليت و ــلم «ولو دعيت بت يف ال ــالم ألجبت» [ســبق خترجيه]‪ ،‬ما دام أنَّت يردي‬
‫الظَّا عن ظلمت‪ ،‬وقد ب َّ هللا ــل هللا عليت و ــلم ا ــتعداده لإلجابة بعد ال ــالم َّن انداه هبذا‬
‫احللف(‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬عل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم أن يكون يف جمتمعت إجيابياً فاعالً‪ ،‬ح أن يكون رقماً من األرقام عل‬
‫حما أنظار جمتمعت‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫هامش األحداث يف بيئتت وجمتمعت‪ ،‬فقد كان الن ُّ‬
‫الرجال والنِس ــاء عل‬
‫حض َّإ‪،‬م لقبوه ابألم ‪ ،‬وقد هفت إليت قلوب ِ‬ ‫وهللا ــار مض ــرب اَّثل فيهم‪َّ ،‬‬
‫ال َّسـ ـواء بس ــب اخللق الكر الذأ حبا هللا تعاىل بت نبيَّت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وما زال يايكو‪،‬‬
‫حض تعلقت بت قلوب قومت‪ ،‬وهذا يعطينا هللاورًة حيَّةً عن قيمة األخالق يف ااتمع‪ ،‬وعن‬ ‫وينمو َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫السنَّة (‪.)172/4‬‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪77‬‬
‫اح ام هللااح اخللق ولو يف ااتمع اَّنلر (‪.)1‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.111 ، 110‬‬
‫‪78‬‬
‫السادس‬
‫املبحث َّ‬
‫جتارته خلدجية وزواجه منوا وأه يم األحداث إىل البعثة‬
‫أوالً‪ :‬جتارته خلدجية‪ ،‬وزواجه منوا‪:‬‬

‫الرجال‬ ‫ومال‪ ،‬تسـ ـ ــتأجر ِ‬ ‫كانت خدجية بنت خويلد ر ـ ـ ــي هللا عنها أرملةً(‪ )1‬ذات شـ ـ ــر ٍ ‪ٍ ،‬‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم هللاــدق حديثت‪ ،‬وعظم أمانتت‪ ،‬وشكشرم‬ ‫ليتَّ روا مبايا‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل ها عن َّ‬
‫أخالقت‪ ،‬عر ـ ـ ـ ــت عليت أن خيرً يف مايا إىل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـام اتجراً‪ ،‬وتعطيت أفض ـ ـ ـ ــل ما تعطي ريه من‬
‫حممد هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫التُّ ار‪ ،‬فقبل‪ ،‬و ـ ـ ــافر معت المها ميسـ ـ ــرة‪ ،‬وقدما ال َّ ـ ـ ـام‪ ،‬وابي َّ‬
‫مكة‪ ،‬وابعت خدجية ما أحضره‬ ‫السلع‪ ،‬فل ـ َّـما رجع إىل َّ‬‫لعتت الَّيت خرً هبا‪ ،‬واش ما أراد من ِ‬
‫يا تضاعف مايا‪.‬‬
‫الرحلة عل فوائد عظيمة ابل ــافة إىل‬ ‫الر ــول هللا ـل هللا عليت و ــلم يف هذه ِ‬ ‫وقد حصــل َّ‬
‫مر ابَّدينة الَّيت هاجر إليها من بعد‪ ،‬وجعلها مركاياً لدعوتت‪ ،‬وابلبالد اليت‬ ‫األجر الَّذأ انلت إذ َّ‬
‫فتلها‪ ،‬ون ــر فيها دينت‪ ،‬كما كانت رحلتت ــبباً لايواجت من خدجية‪ ،‬بعد أن حدَّثها ميس ــرة عن‬
‫مساحتت‪ ،‬وهللا ـ ــدقت‪ ،‬وكر أخالقت(‪ ،)2‬ورأت خدجية يف مايا من الربكة ما تر قبل هذا‪ ،‬وأخربت‬
‫ب ــمائلت الكرمية‪ ،‬ووجدت ــالَّتها اَّن ــودة‪ ،‬فتلدثت مبا يف نفســها إىل هللاــديقتها نفيســة بنت‬
‫يتايوً خدجية(‪ ،)3‬فر ـ ـ ـ ـ ــي بذلك‪ ،‬وعرض ذلك عل أعمامت‪،‬‬ ‫منبِت‪ ،‬وهذه ذهبت إليت تفاحتت أن َّ‬
‫وتايوجها ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل‬
‫عمت حاية بن عبد اَّطل ‪ ،‬فهطبها إليت‪َّ ،‬‬ ‫فوافقوا كذلك‪ ،‬وخرً معت ُّ‬
‫تايوجها ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫هللا عليت و لم وأهللادقها ع رين بشكرًة‪ ،‬وكانت َّأول امرأةٍ َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ت لر ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫حض ماتت ر ـ ــي هللا عنها ‪ ،‬وقد شولش شد ْ‬ ‫يتايوً ريها َّ‬ ‫و َّ‬
‫الم ‪ ،‬وأربع بنات‪ .‬وابناه لا القا ـ ـ ـ ــم‪ ،‬وبت كان هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يكىن‪ ،‬وعبد هللا‪،‬‬
‫ويلق ابلطَّاهر‪ ،‬والطَّيِ ‪.‬‬ ‫َّ‬

‫فتايوجها أبو هالة ‪ ،‬ومات عنها أيضاً‪.‬‬


‫(‪ )1‬تايوجها عتيق بن عائذ ‪ ،‬مثَّ مات عنها ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر ر الة األنبياء ‪ ،‬لعمر أحد عمر (‪.)27/3‬‬
‫(‪ )3‬انظر مواقف تربويَّة ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪79‬‬
‫وقد مات القا ـ ـ ـ ـ ـ ــم بعد أن بل ـ ـ ـ ـ ـ ــناً َتكنت من ركوب الدَّابة‪ ،‬ومات عبد هللا وهو طفل‪،‬‬
‫فهن زين ‪ ،‬ورقيَّة‪ ،‬و ُّأم كلثوم‪ ،‬وفاطمة‪ .‬وقد أ ـ ـ ـ ـ ــلمن‪ ،‬وهاجرن إىل‬
‫وذلك قبل البعثة‪َّ .‬أما بناتت َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تايوً‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ح َّ‬ ‫اَّدينة‪ ،‬وتايوجن ر ي هللا عنهن ‪ .‬هذا وقد كان عمر َّ‬
‫خدجية ر ي هللا عنها طساً وع رين نةً‪ ،‬وكان عمرها أربع نةً(‪.)2‬‬
‫دروس وعربٌ وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫أهم مواهللاـ ـ ــفات التَّاجر النَّاج ‪ ،‬وهللاـ ـ ــفة األمانة‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـ ـدق يف‬ ‫إن األمانة‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـ ـدق ُّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫التِ ارة يف ش ــهص ــية الن ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬هي الَّيت ر َّبت ال َّسـ ـيدة خدجية يف أن تعطيت‬
‫مايا ليتاجر بت‪ ،‬ويس ــافر بت إىل ال َّ ـ ـام‪ ،‬فبارك هللا يا يف دارهتا‪ ،‬وفت هللا يا من أبواب اخلري ما‬
‫يليق بكرم الكر ‪.‬‬
‫ـهرها هللا لر ـ ـولت هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم قبل‬ ‫إن التِ ارة مورد من موارد ِ‬
‫الرزق الَّيت ـ ـ َّ‬ ‫‪َّ - 2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم عل فنو‪،‬ا‪ ،‬وقد ب َّ الن ُّ‬
‫تدرب الن ُّ‬
‫البعثة‪ ،‬وقد َّ‬
‫الديـن ر مع النَّبيِ ‪ ،‬و ِ‬
‫الصديق ‪ ،‬وال ُّهـداء‪ ،‬وهـذه اَّهنة‬ ‫الصدوق األم يف هـذا ِ‬ ‫َّ‬
‫أن التَّاجر َّ‬
‫مهمـ ـ ـ ـ ـ ــة للمسلم ‪ ،‬وح يقع هللااحبها حتت إرادة ا خرين‪ ،‬وا تعبادهم‪ ،‬وقهرهم‪ ،‬وإذحيم فهو‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وحباجة إىل خربتت‪ ،‬وأمانتت‪ ،‬وعفَّتت‪.‬‬ ‫ليس حباجة إليهم‪ ،‬بل هم يف حاجة إليت‪،‬‬
‫‪ - 3‬كان زواً احلبي اَّص ــطف هللا ــل هللا عليت و ــلم لل َّس ـيدة خدجية بتقدير هللا تعاىل‪،‬‬
‫ولقد اختار هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬لنبيِت زوجةً تنا ــبت‪ ،‬وتؤازره‪ ،‬وه ِفف عنت ما يص ـيبت‪ ،‬وتعينت‬
‫عل حل تكاليف ِ‬
‫الر الة‪ ،‬وتعيش لومت(‪.)3‬‬
‫الرجل‬
‫تكمل حياة َّ‬‫حممد ال اياس ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬وخدجية مثل طيِ للمرأة الَّيت ِ‬ ‫قال ال َّ ـ ـي َّ‬
‫ش‬
‫إن أهللا ــلاب ِ‬
‫الر ــاحت ملون قلوابً ش ــديدة احلس ــا ــية‪ ،‬ويلقون ْبناً ابل اً من الواقع‬ ‫العظيم‪َّ .‬‬
‫الَّذأ يريدون ت يريه‪ ،‬ويقا ـ ــون جهاداًكبرياً يف ـ ــبيل اخلري الَّذأ يريدون فر ـ ــت‪ ،‬وهم أحوً ما‬

‫(‪ )1‬انظر ر الة األنبياء (‪.)28/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)123 ، 122/1‬‬
‫‪80‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة ابليناس‪ ،‬وال َّ فيت‪ ،‬وكانت خدجية ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـباقةً إىل هذه‬
‫يتعهد حياهتم اخلا َّ‬
‫يكونون إىل من َّ‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم أثر كر (‪.)1‬‬ ‫اخلصال‪ ،‬وكان يا يف حياة َّ‬
‫‪َّ - 4‬‬
‫إن النَّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ذاق مرارة فقد األبناء‪ ،‬كما ذاق من قبل مرارة فقد‬
‫األبوين‪ ،‬وقد ش ـ ـ ـ ــاء هللا ‪ -‬ولت احلكمة البال ة ‪ -‬أح يعيش لت هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم أحد من‬
‫حض ح يكون مــدعــاةً حفتتــان بعض النـَّاس هبم‪ ،‬و ِادعــائهم يم الن َّ‬
‫ُّبوة‪ ،‬فــأعطــاه الـ ُّـذكور‬ ‫الـ ُّـذكور‪َّ ،‬‬
‫َّب يف كمال رجولتت‬ ‫تكميالً لفطرتت الب ـرية‪ ،‬وقض ــاءً حلاجات النَّفس النس ــانيَّة‪ ،‬ولئال يتنقَّص الن َّ‬
‫الص ر‪ ،‬وأيضاً ليكون ذلك عاياءً‪ ،‬و لو لِلَّذين ح‬ ‫متقول‪ ،‬مثَّ أخذهم يف ِ‬‫شانئ‪ ،‬أو يتق َّـول عليت ِ‬
‫يرزقون البن ‪ ،‬أو يرزقون مثَّ ميوتون‪ ،‬كما أنَّت لون من ألوان احبتالء‪ ،‬وأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد النَّاس بالءً األنبياء‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أن جيعل ِ‬
‫الرقَّة احلايينة‬ ‫[الرتمذي (‪ )2398‬وابن ماجه (‪ ، ])4023‬و َّ‬
‫كأن هللا أراد للن ِ‬
‫فَن ِ‬
‫الرجال الذين يس ـ ــو ـ ــون ال ُّ ـ ـ ـعوب ح جينلون إىل اجلربوت‪ ،‬إح إذا كانت‬ ‫جايءاً من كيانت َّ‬
‫الرجل الَّذأ‬
‫نفو ـ ــهم قد طبعت عل القسـ ــوة‪ ،‬واألثرة‪ ،‬وعاشـ ــت يف أفرا ٍ ح خيامرها كدر‪َّ ،‬أما َّ‬
‫خرب ا حم فهو أ ري النَّاس إىل موا اة اَّايون ‪ ،‬ومداواة ااروح (‪.)2‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم من ال َّسـيدة خدجية‪،‬‬
‫صـة زواً الن ِ‬
‫‪ - 5‬يتَّضـ للمســلم من خالل ق َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم أب باب اَّتعة اجلسديَّـ ـ ـ ــة‪ِ ،‬‬
‫ومكمالهتا‪ ،‬فلو كان مهتماً‬ ‫عدم اهتمـ ـ ـ ــام الن ِ‬
‫أقل منت ــناً‪ ،‬أو فيمن ح تفوقت يف العمر‪َّ ،‬‬
‫وإجا‬ ‫بذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك ‪ -‬كبقيَّة ال َّ ـباب ‪ -‬لطمع فيمن هي ُّ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ل ـ ـ ــرفها‪ ،‬ومكانتها يف قومها فقد كانت َّ‬
‫تلق يف اجلاهلية‬ ‫ر الن ُّ‬
‫ابلعفيفة الطَّاهرة‪.‬‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم من ال َّس ـ ـ ـ ـ ـيدة خدجية ما يل م ألسـ ـ ـ ـ ــنة وأقالم‬
‫‪ - 6‬يف زواً الن ِ‬
‫احلاقدين عل ال الم‪ ،‬من اَّست رق وعبيدهم العلمانيِ ‪ ،‬الَّذين ظنُّوا َّأ‪،‬م وجدوا يف مو وي‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم مقتالً يصــاب منت ال ــالم‪ ،‬وهللاـ َّـوروا الن َّ‬
‫زواً الن ِ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬لل اياس ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪81‬‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫اين ال ارق يف َّلذاتت‪ ،‬وشـ ـ ــهواتت‪ ،‬فن د َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫الرجل ال َّ ـ ـ ـهو ِ‬
‫يف هللاـ ـ ــورة َّ‬
‫بيئة جاهليَّ ٍة عفيف النَّفس‪ ،‬دون أن ينســاق يف شـ ٍ‬
‫ـيء‬ ‫عاش إىل اخلامســة والع ـرين من عمره يف ٍ‬
‫تايوً من امرأةٍ يا ما يقارب عف عمره‪،‬‬
‫من التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات الفا دة الَّيت َتوً حولت‪ ،‬كما أنَّت َّ‬
‫وإن ما حولت الكثري‪ ،‬ولت إىل ذلك أكثر من‬ ‫َتتد عيناه إىل شـ ٍ‬
‫ـيء اَّا حولت‪َّ ،‬‬ ‫وعاش معها دون أن َّ‬
‫ظل هذا‬ ‫ـ ـ ــبيل‪ ،‬إىل أن يت اوز مرحلة ال َّ ـ ـ ـ ـباب‪ ،‬مثَّ الكهولة‪ ،‬ويدخل يف ـ ـ ــن ال ُّ ـ ـ ـ ـيو ‪ ،‬وقد َّ‬
‫َّب هللا ــل‬ ‫ٍ‬ ‫الايواً قائماً َّ ِ‬
‫حض توفيت خدجية ر ــي هللا عنها عن طس ــة و ــت عاماً‪ ،‬وقد انهاي الن ُّ‬ ‫َّ‬
‫ابلايواً أب ِأ امرأةٍ أخر ‪ ،‬وما ب‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم اخلمس ـ ـ ـ ـ من العمر‪ ،‬دون أن ِ‬
‫يفكر خاليا َّ‬
‫تتلرك فيت ر بة اح ـ ــتايادة من النِسـ ــاء‪،‬‬ ‫الايمن الَّذأ َّ‬
‫الع ـ ـرين واخلمس ـ ـ من عمر النسـ ــان هو َّ‬
‫يفكر يف هذه‬ ‫للدوافع ال َّ ـهوانية ولكن النب هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫الايوجات َّ‬ ‫واَّيل إىل تعدُّد َّ‬
‫الف ة يف أن يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم إىل خدجية مثلها من النِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬زوجةً‪ ،‬أو شأمةً‪ ،‬ولو أراد لكان الكثري من‬
‫طوي بنانت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النساء‪ ،‬والماء ش‬
‫َّأما زواجت هللاــل هللا عليت و ــلم بعد ذلك من ال َّس ـيدة عائ ــة‪ ،‬و ريها من َّأمهات اَّؤمن‬
‫قصةً‪ ،‬و ِ‬
‫لكل زواً حكمةً و بباً‪ ،‬ياييدان يف إميان اَّسلم بعظمة‬ ‫فَن ٍ‬
‫لكل منهن َّ‬ ‫ر ي هللا عنهن‪َّ ،‬‬
‫حممد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ورفعة شأنت‪ ،‬وكمال أخالقت(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫اثنياً‪ :‬اشرتاكه صلى هللا عليه وسلم يف بناء الكعبة َّ‬
‫الشريفة‪:‬‬

‫ــنةً‪ ،‬اجتمعت قريش لت ديد بناء‬ ‫حممد هللا ــل هللا عليت و ــلم طس ـاً وثالث‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل َّ‬
‫ـيل جار ٍ هللا ــدَّي جدرا‪،‬ا‪ ،‬وكانت ح تايال كما بناها إبراهيم‬
‫الكعبة َّا أهللا ــاهبا من حريق‪ ،‬و ـ ٍ‬
‫عليت الس ــالم شر ــماً(‪ )2‬فوق القامة‪ ،‬فأرادوا هدمها لريفعوها‪ ،‬ويس ــقفوها‪ ،‬ولكنَّهم هابوا هدمها‪،‬‬
‫وخــافوا منــت‪ ،‬فقــال الوليــد بن اَّ رية أان أبــديكم يف هــدمهــا‪ ،‬فــأخــذ اَّعول‪ ،‬مثَّ قــام عليهــا‪ ،‬وهو‬
‫يقول اللَّ َّ‬
‫هم نايغ! وح نريد إح اخلري‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.54 ، 53‬‬
‫ٍ‬
‫بعض من ري ط ‪.‬‬ ‫الر م ح ارة منضودة بعضها عل‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪82‬‬
‫‪،‬دم منها‬ ‫ف بَّص النَّاس تلك الليلة‪ ،‬وقالوا ننظر‪ ،‬فَن أهللا ــي‬‫الركن‬
‫وهدم من انحية ُّ‬
‫شــيئاً‪ ،‬ورددانها كما كانت‪ ،‬وإن يصــبت شــيء فقد ر ــي هللا ما هللاــنعنا‪ ،‬فأهللاــب الوليد ادَيً‬
‫ضر كاألش ْ نمة(‪ )1‬اخذ بعضها ب ٍ‬
‫بعض‪.‬‬ ‫يهدم‪ ،‬وهدم الناس معت حض انتهوا إىل ح ارةٍ خ ْ‬
‫ٍ‬
‫بناحية‪ ،‬واش ـ ـ ك ـ ــادة قريش‪ ،‬وشـ ــيوخها يف نقل‬ ‫كل ٍ‬
‫قبيلة‬ ‫ص ـ ـوا َّ‬
‫جاييوا العمل وخ ُّ‬
‫وكانوا قد َّ‬
‫وعمت العباس يف بناء الكعبة‪ ،‬وكاان‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ُّ ،‬‬
‫احل ارة‪ ،‬ورفعها‪ ،‬وقد ش ـ ــارك الن ُّ‬
‫اجعل إزارك عل رقبتك يقيك من‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫ينقالن احل ارة‪ ،‬فقال العباس للن ِ‬
‫فهر إىل األرض(‪ ،)2‬وطملت عيناه إىل ال َّسـ ـ ـ ـماء‪ ،‬مثَّ آفاق‪ ،‬فقال «إزارأ! إزارأ!»‪،‬‬
‫احل ارة‪َّ ،‬‬
‫[البخاري (‪ )1582‬ومسلم (‪. ])340‬‬ ‫ف َّد عليت إزاره‬
‫كل ٍ‬
‫قبيلة تريد أن ترفعت إىل مو ـعت دون‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل وا مو ـع احل ر األ ـود اختصـموا فيت‪ُّ ،‬‬
‫األخر ‪ ،‬وكادوا يقتتلون فيما بينهم‪ ،‬لوح َّ‬
‫أن أاب أمية بن اَّ رية قال َي مع ـ ـ ـ ـ ـ ــر قريش! اجعلوا‬
‫حممد‬
‫بينكم فيما هتلفون فيت َّأول شم ْن يدخل من ابب اَّس د‪ .‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما توافقوا عل ذلك دخل َّ‬
‫هلموا‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فل ـ َّـما رأوه قالوا هذا األم ‪ ،‬قد ر ينا‪ .‬فل ـ َّـما أخربوه اخلرب‪ ،‬قال « ُّ‬
‫قبيلة بناح ٍية من الثَّوب‪ ،‬مثَّ ارفعوا‬
‫كل ٍ‬ ‫الركن فيت بيديت‪ ،‬مثَّ قال «لتأخ ْذ ُّ‬
‫ثوابً»‪ ،‬فأتوه بت‪ ،‬فو ـ ـ ـ ــع ُّ‬
‫[احلاكم (‪ )459 - 458/1‬وعبد الرزاق‬ ‫حض إذا بل وا مو ـ ـ ـ ــعت‪ ،‬و ـ ـ ـ ــعت بيده‪ ،‬مثَّ بىن عليت‪.‬‬
‫يعاً» فرفعوه‪َّ ،‬‬
‫(‪ )101 - 100/5‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])57 - 56/2‬‬

‫وأهللاب ارتفاي الكعبة شاين ع رة ذراعاً‪ ،‬ورفع ابهبا عن األرض حبيث يصعد إليت بدرً لئال‬
‫التسرب إىل جوفها‪ ،‬وأ ند قفها‬ ‫كل أحد‪ ،‬فيدخلوا من شايوا وليمنعوا اَّاء من ُّ‬ ‫يدخل إليها ُّ‬
‫ش‬
‫صـ ـرت هبا النَّفقة الطَّيبة عن إَتام البناء عل قواعد‬ ‫إىل ـتَّة أعمدةٍ من اخل ـ ـ ‪ ،‬إح َّ‬
‫أن قري ـ ـاً ق َّ‬
‫إمساعيل‪ ،‬فأخرجوا منها احلِ ْ ر‪ ،‬وبنوا عليت جداراً قص ـ ـ ـرياً دحلةً عل أنَّت منها‪َّ ،‬‬
‫أل‪،‬م ـ ــرطوا عل‬
‫أنفس ــهم أحَّ يدخل يف بنائها إح نفقة طيِبة‪ ،‬وح يدخلها مهر ب ِ ٍي‪ ،‬وح بيع رابً‪ ،‬وح مظلمة ٍ‬
‫أحد‬ ‫ش‬

‫(‪ )1‬األ نمة ع نام ‪ ،‬وهو أعل ظهر البعري‪.‬‬


‫(‪ )2‬ففعل ذلك ‪ ،‬فوقع‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫من النَّاس(‪.)1‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪ِ -1‬‬
‫أليَّة الكعبة‪ ،‬وقدا ـ ـ ـ ــتها عند قريش‪ ،‬ويكفي أن ابش ـ ـ ـ ــر أت ـ ـ ـ ــيس ـ ـ ـ ــها‪ ،‬ورفع قواعدها‬
‫صـالة وال َّسـالم ‪ -‬أبم ٍر من هللا تعاىل لتكون َّأول ب ٍ‬
‫يت لعبادة‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وابنت إمساعيل ‪ -‬عليهما ال َّ‬
‫وحده‪.‬‬
‫هللا ش‬
‫‪ - 2‬بنِيت الكعبة خالل الدَّهر كلِت أربع َّ‬
‫مرات عل يق ٍ َّ‬
‫فأما ا ََّّرة األوىل منها‪ ،‬فهي الَّيت‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة والسـ ـ ـ ـ ـ ــالم ‪ -‬يعينت ابنت إمساعيل ‪ -‬عليت ال َّ‬
‫قام أبمر البناء فيها إبراهيم ‪ -‬عليت ال َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا‬
‫وال َّسـ ـ ـ ـالم ‪ ،-‬والثانية فهي تلك اليت بنتها قريش قبل البعثة‪ ،‬واش ـ ـ ـ ك يف بنائها الن ُّ‬
‫عليت و ـ ــلم ‪ ،‬والثالثة عندما اح ق البيت يف زمن ياييد بن معاوية‪ ،‬بفعل احلص ـ ــار الَّذأ ـ ـربت‬
‫الرابعة ففي‬ ‫اَّرة َّ‬
‫الايبري بناءها‪ ،‬و َّأما َّ‬
‫حض يسـ ــتسـ ــلم‪ ،‬فأعاد ابن ُّ‬
‫الايبري َّ‬
‫احلص ـ ـ ال ُّس ـ ـكوين عل ابن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل‬
‫الايبري‪ ،‬حيث أعاده عل ما كان عليت زمن الن ِ‬ ‫زمن عبد اَّلك بن مروان بعدما قتِل ابن ُّ‬
‫الايبري ابشــر يف رفع بناء البيت‪ ،‬وزاد فيت األذري الس ـتَّة اليت أخرجت‬ ‫َّ‬
‫ألن ابن ُّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫هللا عليت و ــلم‬
‫أحدلا يدخل منت‪ ،‬وا خر خيرً‬ ‫منت‪ ،‬وزاد يف طولت إىل ال َّسـ ـ ـ ـماء ع ـ ـ ــرة أذري‪ ،‬وجعل لت ابب‬
‫جرأه عل إدخال هذه ِ‬
‫الاييـ ــادة حديث عائ ـ ــة عن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫وإجا َّ‬ ‫منت‪َّ ،‬‬
‫أن قومك حديثو ٍ‬
‫عهد قاهليَّ ٍة ألمرت ابلبيت‪ ،‬فهدم فأدخلت فيت ما أخرً‬ ‫«َي عائ ـ ــة! لوح َّ‬
‫[البخاري (‪)1586‬‬ ‫منت‪ ،‬وألايقتت ابألرض‪ ،‬وجعلت لت ابابً شرقياً وابابً ربياً‪ ،‬فبل ت بت أ اس إبراهيم»‬
‫ومسلم (‪.])401/1333‬‬

‫فض التنازي كانت موفَّقةً‪ ،‬وعادلةً‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـ ــي هبا اجلميع‪ ،‬وحقنت دماءً كثريًة‪،‬‬ ‫‪ - 3‬طريقة ِ‬
‫وأوقفت حروابً طاحنةً‪ ،‬وكان ِم ْن عدل حكمت هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم أن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــيت بت يع‬
‫القبائل‪ ،‬و تنفرد ب ــر و ــع احل ر قبيلة دون األخر ‪ ،‬وهذا ِم ْن توفيق هللا لر ـولت هللاــل هللا‬
‫الصف ــا‬ ‫عليت و لم ‪ ،‬وتسدي ــده قبل بعثت ــت‪َّ .‬‬
‫إن دخول ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من ب ــاب َّ‬

‫(‪ )1‬انظر وقفات تربويَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 57‬وانظر ر الة األنبياء ‪ ،‬لعمر أحد عمر (‪.)30 ، 29/3‬‬
‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.58 ، 57‬‬
‫‪84‬‬
‫حلل هـ ـ ـ ـ ـ ــذه األزمة اَّستعصية‪ ،‬الَّيت حلَّت نفسياً قبل أن حت َّل عل الواقع‪ ،‬فقد‬
‫كان قش شدراً من هللا ِ‬
‫حممد هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فهو األم الَّذأ ح يشظْلِم‪ ،‬وهو األم‬
‫أذعن اجلميع َّا يرتض ـ ــيت َّ‬
‫الَّذأ ح ايب‪ ،‬وح يفسد‪ ،‬وهو األم عل البيت‪ ،‬واألروا ‪ ،‬و ِ‬
‫الدماء(‪.)1‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم األدبيَّة‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫إن حادثة دديد بناء الكعبة قد ك فت عن مكانة الن ِ‬
‫القرشي(‪ ،)2‬وحصل لر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف هـ ــذه احلادثـ ــة شرفان شر‬
‫ِ‬ ‫يف الو ا‬
‫فصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اخلصــومة‪ ،‬ووقف القتال اَّتوقَّع ب قبائل قريش‪ ،‬وشــر تنافس القوم عليت و َّادخره هللا‬
‫لنبيِت هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬أح وهو و ــع احل ر األ ــود بيديت ال َّ ـريفت ‪ ،‬وأخذه من البســاط‬
‫بعد رفعت‪ ،‬وو عت يف مكانت من البيت(‪.)3‬‬
‫‪َّ - 5‬‬
‫إن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم جيــد يف حــادثــة دــديــد بنــاء الكعبــة كمــال احلفم الي ِي‪ ،‬وكمــال التَّوفيق‬
‫الرَّاب ِين يف رية ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬كما يالحم كيف َّ‬
‫أن هللا أكرم ر ولت هللال هللا‬ ‫َّ‬
‫حل اَّ ـ ــكالت أبقرب طر ٍيق‪ ،‬وأ ـ ــهلت‪ ،‬وذلك ما تراه يف‬
‫عليت و ـ ــلم هبذه القدرة ايائلة عل ِ‬
‫حياتت كلِها هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وذلك معلشم من معا ر التت‪ ،‬فر التت إيصال لللقائق أبقرب‬
‫طر ٍيق‪ ،‬وحل للم كالت أب هل أ ٍ‬
‫لوب‪ ،‬وأكملت(‪.)4‬‬
‫‪ - 6‬من حفم هللا لنبيِت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف ش ـ ـ ــبيبتت‪ ،‬عن أقذار اجلاهليَّة‪ ،‬وأدرا‪،‬ا‪،‬‬
‫فهر إىل‬‫ومعائبها‪ ،‬ما وقع لت عندما كان ينقل احل ر‪ ،‬أثناء بناء الكعبة‪ ،‬ورفع إزاره عل رقبتت‪َّ ،‬‬
‫ت عينت إىل ال َّس ـ ـ ـ ـماء‪ ،‬مثَّ آفاق يقول إزارأ! إزارأ! ف ـ ـ ـ ــد عليت إزاره‪ ،‬فما رئِ شي‬
‫األرض‪ ،‬وطش شم شل ْ‬
‫بعد ذلك ع ْرَيانً هللال هللا عليت و لم [البخاري (‪ )1582‬ومسلم (‪. ])340‬‬

‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)116/1‬‬ ‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.126 ، 125‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السنَّة وفقهها ـ ِ‬
‫السرية النَّبويَّة (‪.)175/1‬‬ ‫األ اس يف ُّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪85‬‬
‫حمم ٍد صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫اثلثاً‪ :‬هتيئة النَّاس الستقبال نبوة َّ‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم أبموٍر‬
‫نبوة َّ‬ ‫شــاءت حكمة هللا تعاىل‪ ،‬أن ي َّ‬
‫عد الناس ح ــتقبال َّ‬
‫منها‬
‫مبحمد صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬بشارات األنبياء َّ‬
‫حممداً إجابةً لدعوتت‪.‬‬ ‫دعا إبراهيم عليت الســالم ربَّت أن يبعث يف العرب ر ــوحً منهم‪ ،‬فأر ــل َّ‬
‫احلِ ْك شم ـةش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قــال تعــاىل ﴿ربـَّن ـا وابـع ـ ْ ِ‬
‫اب شو ْ‬ ‫ث في ِه ْم شر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوحً ِمْنـه ْم يشـْتـلو شعلشْي ِه ْم آَيتـ ش‬
‫ـك شويـ شعلمهم الْكتشـ ش‬ ‫ش ش ش ْش‬
‫احلش ِكيم﴾ [البقرة‪ ، ]129 :‬وذكر القرآن الكر َّ‬
‫أن هللا تعاىل أنايل الب ـ ـ ـ ـ ــارة‬ ‫ت الْ شع ِايياي ْ‬ ‫شويـشايكِْي ِه ْم إِن ش‬
‫َّك أشنْ ش‬
‫حممد هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‪ ،‬يف الكت ال َّس ـ ـ ـماوية اَّنايلة عل األنبياء ال َّس ـ ـ ـابق ‪ ،‬فقال‬ ‫مببعث َّ‬
‫واب ِعْنـ شده ْم ِيف التَّـ ْوشراةِ شوا ِل ُِْيـ ِـل‬ ‫ول النِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ين يشـتَّبِعو شن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّب األم َّي الَّـذأ شجيـدونشـت شمكْت ً‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫تعــاىل ﴿الـذ ش‬
‫الطيِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع شعْنـه ْم‬ ‫اخلششبائِ ش‬
‫ث شويش ش‬ ‫ات شو ش ِرم شعلشْي ِهم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرْمره ْم ِابلْ شم ْعرو شويشـْنـ شهاه ْم شع ِن الْمْن شك ِر شو ُّل شيم ش‬
‫ص ـروه شواتَّـبشـعوا النُّ شور الَّ ِذأ أنْ ِايشل شم شعت‬ ‫ِ‬
‫ين شآمنوا بِت شو شعَّايروه شونش ش‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ت شعلشْيه ْم فشالذ ش‬ ‫إِ ْ‬
‫هللا ـشره ْم شواألش ْ الش شل الَِّيت شكانش ْ‬
‫ن﴾ [األعراف‪.]157 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬ ‫أولشئِ ش‬
‫﴿وإِ ْذ قش شال‬ ‫وب َّ ـر بت عيسـ عليت الســالم‪ ،‬وأخربان هللا تعاىل عن ب ــارة عيسـ ‪ ،‬فقال تعاىل ش‬
‫أ ِم شن التَّـ ْوشراةِ شومبش ِ ـ ـ ـًرا‬‫صـ ـ ـ ِدقًا لِ شما بشْ ش يش شد َّ‬ ‫ِعيسـ ـ ـ ابن مرش َيب ِ إِ ـ ـ ـرائِيل إِِين ر ـ ـ ـول َِّ‬
‫اَّلل إِلشْيك ْم م ش‬ ‫ش ْ شْ ش ْ ش ش ش‬
‫ات قشالوا شه شذا ِ ْلر مبِ ﴾ [الصف‪.]6 :‬‬ ‫شحد فشل َّـما جاءهم ِابلْبـيِنش ِ‬
‫شش ْ ش‬ ‫ول شرِْل ِم ْن بشـ ْع ِدأ ْ‬
‫امست أ ْ ش‬ ‫بِر ٍ‬
‫ش‬
‫أعلم هللا تعاىل يع األنبياء ببعثتت‪ ،‬وأمرهم بتبلي أتباعهم بوجوب الميان بت‪ ،‬واتِباعت إن‬ ‫و ش‬
‫اب شو ِح ْك شمـ ٍة مثَّ‬ ‫اَّلل ِميثشـا شق النَّبِيِ ش لشمـا آتشـْيـتكم ِمن كِتشـ ٍ‬
‫ْ ْ‬ ‫ش‬ ‫َّ‬ ‫ذ‬‫ش‬ ‫ـ‬ ‫خ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫أ‬ ‫ذ‬
‫ْ‬ ‫هم أدركوه(‪ ،)1‬كمــا قــال تعــاىل ﴿وإِ‬
‫ش‬
‫شخ ْذ ْذ شعلش ذشلِك ْم إِ ْهللا ِرأ قشالوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫جاءكم ر ول م ِ ِ‬
‫صدق ل شما شم شعك ْم لشتـ ْؤمن َّن بِت شولشتشـْنصرنَّت قش شال أشأشقْـشرْر ْذ شوأ ش‬
‫ش‬ ‫ششْش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]81 :‬‬ ‫أشقْـشرْرشان قش شال فشا ْش شهدوا شوأ ششان شم شعك ْم م شن ال َّاهد ش‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.102 ، 101‬‬


‫انظر درا ة حتليلية ل هصية َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪86‬‬
‫وقد وقع التَّلريف يف نس التَّوراة‪ ،‬والُيل‪ ،‬وح ِذ منهما التَّصري اب م َّ‬
‫حممد هللال هللا‬
‫وحرمت‬
‫عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم‪ ،‬إح توراة (ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـامرة)‪ ،‬وإُيل (براناب) الذأ كان موجوداً قبل ال ـ ـ ـ ـ ــالم َّ‬
‫الكنيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تـداولـت يف آخر القرن اخلـامس اَّيالدأ‪ ،‬وقـد أيـَّدتـت اَّهطوطـات اليت عثر عليهـا يف‬
‫حممد هللاــل‬ ‫منطقة البلر اَّيت حديثاً‪ ،‬فقد جاء يف إُيل (براناب) العبارات اَّصـ ِـرحة اب ــم الن ِ‬
‫َّب َّ‬
‫ونص العبارة «‪- 29‬‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬مثل ما جاء يف الهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلا احلادأ واألربع منت‪ُّ ،‬‬
‫هللا‪ ،‬وطردلا اَّالك ميهائيل من الفردوس‪ - 30 .‬فلما التفت آدم رأ مكتوابً فوق‬ ‫فاحت‬
‫حممد ر ول هللا»(‪.)1‬‬
‫الباب ح إلت إح هللا َّ‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم عندهم‬
‫قال ابن تيميَّ ـ ـ ــة «واألخبار مبعرف ـ ـ ــة أهل الكتاب بصفة َّ‬
‫يف الكت اَّتقدمة متواترة عنهم» مثَّ قال «مثَّ العلم َّ‬
‫أبن األنبياء قبلت بش َّروا بت يعلم من وجوه‬
‫أحدها ما يف الكت اَّوجودة اليوم أبيدأ أهل الكتاب‪.‬‬
‫الثاين إخبار من وقف عل تلك الكت ‪ ،‬اَّن أ ـ ــلم‪ ،‬واَّن يس ـ ــلم‪ ،‬مبا وجدوه من ذكره‬
‫هبا وهذا مثل ما تواتر عن األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار َّ‬
‫أن جريا‪،‬م من أهل الكتاب كانوا خيربون مببعثت‪ ،‬وأ نَّت‬
‫ر ول هللا‪ ،‬وأنَّت موجود عندهم‪ ،‬وكانوا ينتظرونت‪ ،‬وكان هذا من أعظم ما دعا األنصار إىل الميان‬
‫حض آمن األنصار بت‪ ،‬وابيعوه»(‪.)2‬‬
‫بت ل َّـما دعاهم إىل ال الم‪َّ ،‬‬
‫فمن حديث ـ ـ ــلمة بن ـ ـ ــالمة بن وقش ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وكان من أهللاـ ـ ــلاب بد ٍر‪ ،‬قال‬
‫«كان لنا جار من يهود يف ب عبد األشـ ـ ـ ـ ــهل‪ ،‬قال فهرً علينا يوماً من بيتت قبل مبعث النَّ ِب‬
‫ٍ‬
‫شح شدث‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم بيس ـ ٍري‪ ،‬فوقف عل جملس عبد األش ــهل‪ ،‬قال ــلمة وأان يومئذ أ ْ‬
‫علي بردة مضــط عاً فيها بفناء أهلي‪ ،‬فذكر البعث‪ ،‬والقيامة‪ ،‬واحلســاب‪ ،‬واَّيايان‪،‬‬‫شم ْن فيت ــناً‪َّ ،‬‬
‫أن بعثاً كائن بعد‬ ‫لقوم وكانوا أهل ٍ‬
‫شرك‪ ،‬وأهللالاب أوثـان‪ ،‬ح يـرون َّ‬ ‫واجلنَّة‪ ،‬والنَّار‪ ،‬فقال ذلك ٍ‬

‫أن النَّاس يبعثون بعد جوهتم إىل دا ٍر فيها جنَّة‪،‬‬


‫اَّوت‪ .‬فقالوا لت و ك َي فالن! تر هذا كائناً َّ‬

‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)118/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النبوية َّ‬
‫الصلي ‪ ،‬حبن تيميَّة (‪.)340/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر اجلواب َّ‬
‫‪87‬‬
‫أن لــت حب ِظـت من تلــك النـَّار‬
‫لود َّ‬
‫وانر‪ ،‬وجيايون فيهــا أبعمــايم؟! قــال نعم‪ ،‬والــذأ لف بــت! و َّ‬
‫أعظم تنُّوٍر(‪ )1‬يف الــدُّنيــا مونــت‪ ،‬مثَّ يــدخلونــت َّإَيه‪ ،‬فيطبق بــت عليــت(‪ )2‬وأن ين و من تلــك النـَّار‬
‫داً‪.‬‬
‫قالوا لت و ك! وما آية ذلك؟ قال نب يبعث من حنو هذه البالد‪ ،‬وأش ــار بيده حنو َّ‬
‫مكة‪،‬‬
‫واليمن‪.‬‬
‫إس ‪ -‬وأان من أحدثهم ـ ـ ــناً ‪ -‬فقال إن يسـ ـ ــتنفد هذا ال الم‬
‫قالوا ومض نراه؟ قال فنظر َّ‬
‫مره يدركت‪.‬‬ ‫ع ش‬
‫حض بعث هللا تعاىل ر ـ ـ ـولت هللاـ ـ ــل هللا عليت‬
‫قال ـ ـ ــلمة «فو هللا! ما ذه الليل والنَّهار‪َّ ،‬‬
‫و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وهو حي ب أظهران‪ ،‬فآمنَّا بت‪ ،‬وكفر بت ب ياً وحسـ ـ ــداً فقلنا ويلك َي فالن! ألسـ ـ ــت‬
‫ابلَّذأ قلت لنا فيت ما قلت؟ قال بل ‪ ،‬وليس بت» [أمحد (‪ )467/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪ )79 - 78/2‬وابن هشام‬

‫(‪.])226 - 225/1‬‬

‫حمم ٍد‬
‫الايبور ما فيت تصري بن َّبوة َّ‬
‫وقد قال ابن تيميَّة ‪ -‬رحت هللا! ‪« -‬قد رأيت أان من ن شس ِ َّ‬
‫نئذ فال ميتنع أن‬ ‫ابلايبور فلم أر ذلك فيها‪ ،‬وحي ٍ‬
‫هللال هللا عليت و لم ابمست‪ ،‬ورأيت نسهةً أخر َّ‬
‫ش‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ما ليس يف أخر »(‪.)3‬‬
‫يكون يف بعض النُّس من هللافات الن ِ‬
‫وقد ذكر عبد هللا بن عم ٍرو ر ـ ــي هللا عنهما هللا ـ ــفة ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف‬
‫َّب َّإان أر ــلناك شــاهداً‬
‫التَّوراة‪ ،‬فقال «وهللا! إنت َّوهللاــو يف التَّوراة بصــفتت يف القرآن َي أيها الن ُّ‬
‫بفم‪ ،‬وح ٍ‬
‫ليم‪،‬‬ ‫وحرزاً ل ميِ (‪ ،)4‬أنت عبدأ‪ ،‬ور ــوس‪ ،‬مسَّيتك اَّتوكِل‪ ،‬ليس ٍ‬ ‫ومب ـ ـراً ونذيراً‪ِ ،‬‬
‫ـه ٍ‬
‫اب يف األ ـ ـواق(‪ ،)5‬وح يدفع ابل َّسـ ـيِئة ال َّسـ ـيِئة‪ ،‬ولكن يعفو‪ ،‬ويص ــف ‪ ،‬ولن يقبض ــت هللا‬ ‫وح ـ َّ‬

‫(‪ )1‬التنُّور الفرن‪.‬‬


‫(‪ )2‬يطبق عليت ‪ ،‬ي لق عليت‪.‬‬
‫الصلي (‪.)340/1‬‬ ‫(‪ )3‬اجلواب َّ‬
‫(‪ )4‬حرزاً ل ميِ حفاظاً يم‪.‬‬
‫الصوت ابخلصام‪.‬‬
‫السه رفع َّ‬ ‫َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪88‬‬
‫أبن يقولوا ح إلت إح هللا‪ ،‬ويفت بت أعيناً عمياً‪ ،‬وآذاانً هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــماً‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫حض يقيم بت َّ‬
‫اَّلة العوجاء‬ ‫َّ‬
‫[البخاري (‪ 2125‬و‪ )4838‬وأمحد (‪ )174/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])375 - 374/‬‬ ‫وقلوابً لفاً»‬
‫ومن حديث كع األحبار‪ ،‬قال « ِإين أجد يف التَّوراة مكتوابً َّ‬
‫حممد ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا‪ ،‬ح فم‪،‬‬
‫وح ليم‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ َّهاب يف األ ـ ـ ـواق‪ ،‬وح جيايأ ال َّس ـ ـ ـيئة ابل َّس ـ ـ ـيئة‪ ،‬ولكن يعفو‪ ،‬ويص ـ ــف ‪َّ ،‬أمتت‬
‫ويكربونت عل كل ٍ‬
‫ُد‪ ،‬رتايرون إىل أنصـ ـ ــافهم‪ ،‬ويو ِ ـ ـ ـئون‬ ‫كل مناي ٍلة‪ِ ،‬‬ ‫احلمادون‪ ،‬مدون هللا يف ِ‬ ‫َّ‬
‫هللا ـ ـفُّهم يف القتال ـ ـواء‪ ،‬مناديهم ينادأ يف ِ‬
‫جو ال َّس ـ ـماء‪ ،‬يم يف‬ ‫ص ـ ـالة و ش‬
‫هللا ـ ـفُّهم يف ال َّ‬
‫أطرافهم‪ ،‬ش‬
‫[البيوقي يف الدالئل‬ ‫كدوأ النَّلل‪ ،‬مولده َّ‬
‫مبكة‪ ،‬ومه ره بطابة‪ ،‬وملكت ابل َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام»‬ ‫جو اللَّيل دوأ ِ‬
‫(‪.])377 - 376/1‬‬

‫بنبوته صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬


‫‪ - 2‬بشارات علماء أهل الكتاب َّ‬
‫صـ ـة إ ــالمت اَّ ــهورة‪ ،‬عن راه شع ُّمورية ح‬
‫أخرب ــلمان الفار ـ ُّـي ر ــي هللا عنت يف ق َّ‬
‫ٍ‬
‫مبعوث بدين إبراهيم‪ ،‬خيرً أبرض العرب‪،‬‬ ‫نب‬
‫أظل زمان ٍ‬ ‫حض ـ ـرتت اَّنيَّة‪ ،‬قال لسـ ــلمان «إنَّت قد َّ‬
‫أرض ب شحَّرت ‪ ،‬بينهمــا َنــل‪ ،‬بــت عالمــات ح هف ‪ ،‬ركــل ايــديَّـة‪ ،‬وح ركــل‬‫ـاجره إىل ٍ‬
‫مه ـ ش‬
‫ُّبوة‪ ،‬فَن ا تطعت أن تللق بتلك البالد فافعل»‪.‬‬ ‫الصدقة‪ ،‬ب كتفيت شخاذ الن َّ‬
‫َّ‬
‫قص ــلمان خرب قدومت إىل اَّدينة‪ ،‬وا ـ قاقت‪ ،‬ولقائت بر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫مثَّ َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مثَّ‬
‫ح اي رة‪ ،‬وإهدائت لت طعاماً عل أنَّت هللادقة‪ ،‬فلم ركل منت َّ‬
‫ُّبوة ب كتفيت‪ ،‬وإ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمت عل إثر‬
‫إهدائت لت طعاماً عل أنَّت هدية‪ ،‬وأكلت منت‪ ،‬مثَّ رييتت خاذ الن َّ‬
‫[أمحد (‪ )444 - 441/5‬واحلاكم (‪ )602 - 599/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪ )97 - 83/2‬وأبو نعيم يف دالئله (‪ )199‬وابن هش ــام‬ ‫ذلك»‬
‫(‪. ])234 - 228/1‬‬
‫السالم ‪ -‬ومن ذلك‬
‫الصالة و َّ‬
‫ومن ذلك إخبار أحبار اليهود ورجاحهتا بقرب مبعثت ‪ -‬عليت َّ‬
‫صـ ـة أيب التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِهان‪ ،‬الَّذأ خرً من بالد ال َّ ـ ـام‪ ،‬ونايل يف ب قريظة‪ ،‬مثَّ تويف قبل البعثة النَّبويَّة‬
‫ق َّ‬
‫بس ـ ـ ــنت ‪ ،‬فَنَّت َّا حض ـ ـ ـ ـرتت الوفاة قال لب قريظة َي مع ـ ـ ـ ــر يهود! ما ترونت أخرج من أرض‬

‫(‪ )1‬اَّلَّة العوجاء ملَّة إبراهيم اليت َّريهتا العرب عن ا تقامتها‪.‬‬


‫‪89‬‬
‫احل از ‪-‬؟ قالوا أنت أعلم‪ .‬قال‬ ‫اخلشمر‪ ،‬واخلمري ‪ -‬ال َّ ـام ‪ -‬إىل أرض البؤس واجلوي ‪ -‬يع‬
‫ِإين قــدمــت هــذه البلــدة أتوَّكف ‪ -‬أنتظر ‪ -‬خروً ٍ‬
‫نب قــد أظـ َّـل زمــانــت‪ ،‬وكنــت أرجو أن يبعــث‪،‬‬
‫فأتَّبعت‪.‬‬

‫حض بل درجة القطع عندهم‪ ،‬وبناءً‬


‫وقد ش ــاي حديث ذلك‪ ،‬وانت ــر ب اليهود‪ ،‬و ريهم‪َّ ،‬‬
‫نب يبعث ا ن‪ ،‬نقتلكم معت‬‫اَّنورة إ نَّت قد تقارب زمان ٍ‬
‫عليت كان اليهود يقولون ألهل اَّدينة َّ‬
‫قتل عاد وإرم(‪ ،)1‬وكان ذلك احلديث ـ ـ ــبباً يف إ ـ ـ ــالم ٍ‬
‫رجال من األنصـ ـ ــار‪ ،‬وقد قالوا « َّ‬
‫إن اَّا‬
‫ـرك‪،‬‬‫دعاان إىل ال ــالم‪ ،‬مع رحة هللا تعاىل‪ ،‬وهداه َّا كنَّا نســمع من رجال اليهود‪ ،‬وكنَّا أهل شـ ٍ‬
‫ش‬
‫كتاب‪ ،‬عندهم علم ليس لنا‪ ،‬وكانت ح تايال بيننا وبينهم ش ـ ـ ـ ــرور‪،‬‬ ‫أهللا ـ ـ ـ ــلاب أواثن‪ ،‬وكانوا أهل ٍ‬
‫نب يبعـث احن‪ ،‬نقتلكم معـت قتـل‬
‫فـَذا نلنـا منهم بعض مـا يكرهون قـالوا لنـا إنـَّت تقـارب زمـان ٍ‬
‫ٍ‬
‫عاد‪ ،‬وإرم»(‪.)2‬‬
‫«وقد كنت‬ ‫الروم عندما تس ـ ـ ـلَّم ر ـ ــالة الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫وقد قال هرقل ملك ُّ‬
‫[البخاري (‪ )7‬ومسلم (‪. ])1773‬‬ ‫أظن أنَّت منكم»‬
‫أعلم أنَّت خارً‪ ،‬و أكن ُّ‬
‫العامة الَّيت وصل إليوا النَّاس‪:‬‬
‫‪ - 3‬احلالة َّ‬
‫خلَّص األ ـ ــتاذ النَّدوأ احلال الَّيت كان عليها العرب و ريهم وقتذاك بقولت كانت األو ـ ــاي‬
‫ـيلي أكرب من أن‬
‫الفا ــدة‪ ،‬والدَّرجة اليت وهللا ــل إليها النس ــان يف منتص ــف القرن ال َّس ـادس اَّس ـ ِ‬
‫يقوم لهللا ــالحها مص ــللون‪ ،‬ومعلِمون من أفراد النَّاس‪ ،‬فلم تكن القض ـيَّة قض ــية إهللا ــال عقيدةٍ‬
‫من العقائد‪ ،‬أو إزالة عادةٍ من العادات‪ ،‬أو قبول عبادةٍ من العبادات‪ ،‬أو إهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــال جمتمع من‬
‫ااتمعات‪ ،‬فقد كان يكفي لت اَّصللون‪ ،‬واَّعلمون الذين شخيْل منهم عصر‪ ،‬وح مصر‪.‬‬
‫لكن القض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة كانت قض ـ ـ ـ ـ ـ ــية إزالة أنقاض اجلاهليَّة‪ ،‬ووثنيَّ ٍة هريبيَّ ٍة‪ ،‬تراكمت عرب القرون‪،‬‬
‫و َّ‬
‫واألجيال‪ ،‬ودفنت حتتها تعاليم األنبياء‪ ،‬واَّر ـ ـ ـ ــل ‪ ،‬وجهود اَّص ـ ـ ـ ــلل ‪ ،‬واَّعلم ‪ ،‬وإقامة ٍ‬
‫بناء‬

‫حممد قلع ي ‪ ،‬ص ‪.107‬‬


‫(‪ )1‬انظر درا ة حتليليَّة ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫ناد حسن (‪.)231/1‬‬ ‫(‪ )2‬ابن ه ٍام ن ٍ‬
‫‪90‬‬
‫شــام ٍ م ــيد البنيان‪ ،‬وا ــع األرجاء‪ ،‬يســع العا كلَّت‪ ،‬ويؤوأ األمم كلَّها‪ ،‬قضــية إن ــاء إنسـ ٍ‬
‫ـان‬
‫ـيء‪ ،‬كأنَّت ولد من جديد أو عاش من جديد‪ .‬قال‬ ‫كل ش ـ ٍ‬‫جديد‪ ،‬خيتلف عن النس ــان القد يف ِ‬ ‫ٍ‬

‫س‬ ‫ِ ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫شحيشـْيـنشاه شو شج شع ْلنشا لشت ن ًورا ميشْ ي بت يف النَّاس شك شم ْن شمثشـلت يف الظل شمات لشْي ش‬
‫تعاىل ﴿أ ششوشم ْن شكا شن شمْيـتًا فشأ ْ‬
‫ِ ارًٍِ ِمْنـها شك شذلِ ِ ِ ِ‬
‫ن﴾ [األنعام‪. ]122 :‬‬
‫ين شما شكانوا يشـ ْع شملو ش‬ ‫ك زي شن ل ْل شكاف ِر ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫قض ــية اقتالي جرثومة الفس ــاد‪ ،‬وا ــتئص ــال ش ــأفة الوثنيَّة‪ ،‬واجتثاثها من جذورها حبيث ح‬
‫يبق يا ع ‪ ،‬وح أثر‪ ،‬وتر ــي عقيدة التَّوحيد يف أعماق النَّفس النس ــانيَّة تر ـ ــيهاً ح يتص ـ َّـور‬
‫لللق يت لَّ عل ِ‬
‫كل‬ ‫ميل إىل إر ــاء هللا‪ ،‬وعبادتت‪ ،‬وخدمة النســانيَّة‪ ،‬واحنتصــار ِ‬ ‫فوقت‪ ،‬و رس ٍ‬
‫كل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــهوةٍ‪ ،‬وجير َّ‬
‫كل مقاومة وابجلملة األخذ ِحب ش ِاي النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانيَّة اَّنتلرة الَّيت‬ ‫ر ٍبة‪ ،‬ويقهر َّ‬
‫ا ــت معت قواها للوثوب يف جليم الدُّنيا وا خرة‪ ،‬وال ُّس ـلوك هبا عل طر ٍيق َّأويا ــعادة ظ‬
‫هبا العارفون اَّؤمنون‪ ،‬وآخرها جنَّة اخللد الَّيت و ِعد اَّتَّقون‪ ،‬وح تصـ ــوير أبل ‪ ،‬وأهللاـ ــدق من قولت‬
‫اَّللِ شِ ًيعا شوحش تشـ شفَّرقوا‬
‫صموا ِحبشْب ِل َّ‬ ‫حممد هللال هللا عليت و لم (‪﴿ )1‬و ْاعتش ِ‬
‫ش‬ ‫اَّن ببعثة َّ‬ ‫تعاىل يف معرض ِ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ْلت ْم بِنِ ْع شمتِ ِت إِ ْخ شواانً شوكْنـت ْم شعلش‬ ‫واذْكروا نِعمةش َِّ‬
‫اَّلل شعلشْيك ْم إِ ْذ كْنـت ْم أ ْشع شداءً فشأشلَّ ش‬
‫ف بشْ ش قـلوبِك ْم فشأش ْ‬ ‫ْش‬ ‫ش‬
‫ن﴾ [آل عمران‪.]103 :‬‬ ‫آَيتت لش شعلَّك ْم شهتْتشدو ش‬ ‫اَّلل لشكم ِ‬ ‫شش شفا ح ْفرةٍ ِمن النَّا ِر فشأشنْـ شق شذكم ِمْنـ شها شك شذلِ ش ِ‬
‫ك يـبش َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫نبوته صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬إرهاصات َّ‬
‫ُّبوة‪ ،‬فعن جابر بن‬ ‫نبوتت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم تسـ ــليم احل ر عليت قبل الن َّ‬
‫ومن إرهاهللاـ ــات َّ‬
‫علي قبل‬ ‫ِ‬ ‫شمسرشة قال قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « ِإين ألعر ح راً َّ‬
‫مبكة كان يســلم َّ‬ ‫ش‬
‫ص ـ ـادقة‪ ،‬وهي‬ ‫أن أبعث‪ِ ،‬إين ألعرفت ا ن» [أمحد (‪ )89/5‬ومس ــلم (‪ )2277‬والرتمذي (‪ ])3624‬ومنها ُّ‬
‫الريَي ال َّ‬
‫[البخاري (‪ )3‬ومسلم (‪])160‬‬ ‫الصب‬
‫أول ما بدئ لت من الوحي‪ ،‬فكان ح ير ريَي إح جاءت مثل فلق ُّ‬
‫وحبِ إليت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم العايلة‪ ،‬والتَّلنُّث «التعبد»‪ ،‬فكان خيلو يف ار حراء ‪ -‬وهو‬
‫ريب من َّ‬
‫مكة ‪ -‬ويتعبَّد فيت اللياس ذوات العدد‪ ،‬فتارًة ع ـ ـ ــرة‪،‬‬ ‫ماس ال ِ‬
‫جبل يقع يف اجلان ال َّ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫يتايود من ٍ‬
‫جديد‬ ‫واترةً أكثر من ذلك إىل شهر‪ ،‬مثَّ يعود إىل بيتت‪ ،‬فال يكاد ميكث فيت قليالً حض َّ‬

‫حو (‪.)181 ، 180/1‬‬ ‫السنَّة وفقهها ـ ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬ ‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪91‬‬
‫خللوةٍ أخر ‪ ،‬ويعود إىل ار حراء‪ ،‬وهكذا إىل أن جاءه الوحي وهو يف إحد خلواتت تلك(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل الثَّاين‬
‫والدعوة ِّ‬
‫الس ِّريَّة‬ ‫نزول الوحي َّ‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫نزول الوحي على سيِّد اخللق أمجعني صلى هللا عليه وسلم‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قد بل األربع من عمره‪ ،‬وكان خيلو يف ار حراء بنفســت‬ ‫كان الن ُّ‬
‫الاياد‬
‫حض إذا نفد َّ‬ ‫ويتفكر يف هذا الكون‪ ،‬وخالقت‪ ،‬وكان تعبُّده يف ال ار يس ـ ــت رق لياس عديد ًة َّ‬ ‫َّ‬
‫ألول‬‫لليال أخر ‪ ،‬ويف ‪،‬ار يوم الثن من ش ـ ـ ــهر رمض ـ ـ ــان جاءه جربيل َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫فتايود ٍ‬ ‫عاد إىل بيتت‪َّ ،‬‬
‫البهارأ يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــليلت حديث عائ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مرةٍ داخل ار حراء(‪ ،)2‬وقد نقل‬ ‫َّ‬
‫صـ ـ ـلا ‪ ،‬وكت ال ُّسـ ـ ـنن‪ ،‬واَّس ـ ــانيد‪ ،‬وكت التاري »‪ ،‬فعن عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا‬ ‫البهارأ «أبو ال ِ‬
‫ُّ‬ ‫و‬
‫صـ ـاحلة يف‬‫الريَي ال َّ‬ ‫عنها‪ ،‬قالت « َّأول ما بد ءش بت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم من الوحي ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ‪ ،‬مثَّ حِب ش إليت اخلالء‪ ،‬ف كان خيلو ب ار‬ ‫النَّوم‪ ،‬فكان ح ير ريَي إح جاءت مثل فلق ال ُّ‬
‫ويتايود لذلك‪،‬‬‫ي إىل أهلت‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حراء‪ ،‬فشـيشـتش شلنَّث فيت ‪ -‬وهو التَّعبُّد ‪ -‬اللياس ذوات العدد‪ ،‬قبل أن يشـْن ِاي ش‬
‫احلق وهو يف ــار حر ٍاء‪ ،‬ف ــاءه اَّلــك‪ ،‬فقــال‬ ‫حض جــاءه ُّ‬ ‫فيتايود َّثلهــا‪َّ ،‬‬
‫مثَّ يرجع إىل خــدجيــة َّ‬
‫ش‬
‫اجلهد‪ ،‬مثَّ أر ل ‪ ،‬فقال اقرأ‪،‬‬ ‫ش‬ ‫حض بل م‬ ‫اقرأ‪ ،‬قال «ما أان بقارئ»‪ .‬قال «فأخذين‪ ،‬ف شطَّ َّ‬
‫اجلهد‪ ،‬مثَّ أر ـ ــل ‪ ،‬فقال اقرأ‪ ،‬فقلت‬ ‫ش‬ ‫حض بل م‬ ‫قلت ما أان بقارئ‪ ،‬فأخذين ف طَّ الثانية َّ‬
‫ما أان بقارئ‪ ،‬فأخذين ف طَّ الثالثة‪ ،‬مثَّ أر ـ ـ ـ ـ ــل ‪ ،‬فقال ﴿اقْـرأْ ِاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِم ربِ ِ‬
‫ك الَّذأ شخلش شق ش‬
‫*خلش شق‬ ‫ش ْ ش ش‬
‫ِ‬
‫*علَّ شم ا ِلنْ شسا شن شما شْ يشـ ْعلش ْم ﴾‬ ‫ا ِلنْ شسا شن ِم ْن شعلش ٍق *اقْـشرأْ شوشربُّ ش‬
‫ك األش شكشرم *الَّذأ شعلَّ شم ِابلْ شقلشِم ش‬
‫[العلق‪. »]5 - 1 :‬‬

‫فرجع هبا ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يشـ ْرجف فؤاده‪ ،‬فدخل عل خدجية بنت خويلد‪،‬‬
‫الرْوي‪ ،‬فقال خلدجية‪ ،‬وأخربها اخلرب لقد شخ ــيت‬ ‫فقال شزِملوين‪ ،‬شزِملوين‪ ،‬فشـشايَّملوه َّ‬
‫حض ذه عنت َّ‬

‫(‪ )1‬انظر هللالي ِ‬


‫السرية ‪ ،‬للعلي ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)125/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪93‬‬
‫الرحم‪ ،‬وحتمل ال شك َّل(‪،)1‬‬ ‫عل نفس ـ ــي‪ ،‬فقالت خدجية كال وهللا ما خياييك هللا أبداً! إنَّك لتص ـ ــل َّ‬
‫حض‬ ‫احلق(‪ .)3‬فانطلقت بت خدجية‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف‪ ،‬وتع عل نوائ‬ ‫اَّعدوم(‪ ،)2‬وتقرأ ال َّ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫ش‬ ‫وتكسـ ـ ـ ـ ـ‬
‫تنصر يف اجلاهليَّة‪ ،‬وكان‬ ‫عم خدجية‪ ،‬وكان امرأً َّ‬ ‫أتت بت ورقةش بن نوفل بن أ د بن عبد العَّاي ابن ِ‬
‫يكت الكتاب العِ ْ شرباينَّ‪ ،‬فيكت من الُيل ابلعربانيَّة ما شـ ــاء هللا أن يكت ‪ ،‬وكان شـ ــيهاً كبرياً‬
‫امسش ْع من ابن أخيك‪ .‬فقال لت ورقة َي بن أخي‪ ،‬ماذا‬ ‫قد عمي‪ ،‬فقالت لت خدجية َي بن ِ‬
‫عم‪ْ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫تر ؟ فأخربه ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم خرب ما رأ ‪ ،‬فقال لت ورقة هذا هو النَّاموس‬
‫الَّذأ َّنايل هللا عل مو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪َ ،‬ي ليت فيها شج شذعاً(‪ !)5‬ليت أكون حياً إذ خيرجك قومك! فقال‬
‫قا مبثل ما جئت بت‬ ‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم شأو ملْ ِرِج َّي هم؟ قال نعم‪ ،‬رت رجل ُّ‬
‫يف‪ ،‬وفشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـر‬‫ِ‬ ‫(‪)6‬‬
‫إح عودأ‪ ،‬وإن يدرْك يومك أنص ـ ْـرك نصـ ـراً م شؤَّزراً ‪ ،‬مثَّ يشـْن ش ـ ـ ْ ورقة أن تـو ش‬
‫(‪)7‬‬
‫الوحي » [سبق خترجيه] ‪.‬‬

‫مهمة تتعلَّق‬ ‫عندما نتأمل يف حديث ال َّس ـ ـ ـيدة عائ ـ ـ ــة ميكن للباحث أن يسـ ـ ــتنتت قضـ ـ ــاَي َّ‬
‫ألها‬‫بسرية احلبي اَّصطف هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومن ِ‬
‫الصاحلة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ال يرؤاي َّ‬

‫حممد هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من‬ ‫أن َّأول ما بدئ بت َّ‬ ‫ففي حديث عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـادقة‪ ،‬واَّراد هبا هنا ري طيبة ين ـ ـ ـ ـر يا‬ ‫ابلريَي ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـاحلة‪ ،‬وتسـ ـ ـ ـ َّـم أحياانً ُّ‬
‫الريَي ال َّ‬
‫الوحي ُّ‬
‫(‪)8‬‬
‫لعل احلكمة من ابتداء هللا تعاىل ر ـ ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫الرو ‪ .‬و َّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـدر‪ ،‬وتايكو هبا ُّ‬
‫ال َّ‬
‫ابلريَي‪ ،‬وأاته اَّلك ف أ ًة‪ ،‬و يس ـ ـ ـ ـ ـ ــبق لت أن رأ شملشكاً من قبل‪،‬‬ ‫ابلوحي ابَّنام أنَّت لو يبتدئت ُّ‬
‫يتلق منت ش ــيئاً لذلك اقتض ــت حكمة هللا تعاىل‬ ‫فقد يص ــيبت ش ــيء من الفايي‪ ،‬فال يس ــتطيع أن َّ‬
‫صـ ـ ـاحلة جايء من ـ ـ ٍـتة‬
‫صـ ـ ـادقة ال َّ‬ ‫الريَي ال َّ‬ ‫(‪)9‬‬
‫أن رتيت الوحي َّأوحً يف اَّنام ليتدرب عليت‪ ،‬ويعتاده ‪ .‬و ُّ‬

‫الكل أهللالت الثِقل ‪ ،‬والعياء‪.‬‬


‫حتمل ال شك َّل تنفق عل الضَّعيف ‪ ،‬واليتيم ‪ ،‬والعيال ‪ ،‬و ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬وتكس اَّعدوم تعطي الناس ما ح جيدونت عند ريك من نفائس الفوائد‪ ،‬ومكارم األخالق‪.‬‬
‫احلق الكوارث ‪ ،‬واحلوادث‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )3‬نوائ‬
‫ِر اخلري‪.‬‬ ‫السالم ـ هللااح‬
‫النَّاموس هو جربيل ـ عليت َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬شجذعاً شاابً قوَيً‪.‬‬


‫مؤزراً قوَيً ابل اً‪.‬‬
‫(‪َّ )6‬‬
‫أتخر نايولت‪.‬‬‫(‪ )7‬ف الوحي َّ‬
‫الر الة ‪ ،‬حلس مؤنس ‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫ُّبوة و ِ‬‫انظر طريق الن َّ‬
‫(‪)8‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬لعبد القادر ال ي إبراهيم ‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫انظر منامات َّ‬
‫(‪)9‬‬

‫‪94‬‬
‫ُّبوة ‪ -‬كما ورد يف احلديث ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريف ‪-‬‬
‫[البخاري (‪ )6983‬وأمحد (‪ )126/3‬وابن ماجه‬ ‫وأربع جايءاً من الن َّ‬
‫البيهقي‪ ،‬و ينايل عليت‬
‫ُّ‬ ‫الصاحلة تَّة أشه ٍر» ذكره‬ ‫الريَي َّ‬
‫(‪ ])3893‬وقد قال العلماء «وكانت مدَّة ُّ‬
‫شيء من القرآن يف النَّوم بل نايل كلُّت يقظةً‪.‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قولت‬
‫صـاحلة من الب ــر يف احلياة الدُّنيا‪ ،‬فقد ورد عن الن ِ‬ ‫الريَي ال َّ‬
‫و ُّ‬
‫ص ـ ـ ـاحلة‪ ،‬يراها اَّس ـ ــلم‪ ،‬أو تـر لت» [أمحد‬
‫ش‬ ‫الريَي ال َّ‬ ‫يبق من مب ِ ـ ـ ـرات الن َّ‬
‫ُّبوة إح ُّ‬ ‫«أيها النَّاس! إنَّت ش‬
‫(‪ )219/1‬ومسلم (‪ )479‬وأبو داود (‪ )876‬والنسائي (‪ )189/2‬وابن ماجه (‪. ])3899‬‬

‫فكان هللا ــل هللا عليت و ــلم قبل نايول جربيل عليت الس ــالم عليت ابلوحي يف ار حراء ير‬
‫لكل ما يف احلياة من ال(‪ .)1‬لقد‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـدر‪ ،‬متفتِ النَّفس ِ‬
‫الري اجلميلة‪ ،‬فيص ـ ـ ـ ــلو من ـ ـ ـ ــر ش ال َّ‬
‫الرواَيت من حديث (بدء الوحي) َّ‬
‫أن أول ما بدئ بت ر ـ ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫أ عت ِ‬
‫الصاحلة‪ ،‬يراها يف النَّوم فت يء يف اليقظة كاملةً‪ ،‬وا لةً كما رآها يف‬ ‫الصادقة َّ‬‫الريَي َّ‬‫من الوحي ُّ‬
‫السيدة عائ ة‬ ‫النَّوم‪ ،‬ح ي ي عليـ ـ ـ ــت منها شيء‪َّ ،‬‬
‫كأجا نق ت يف قلب ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وعقل ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وقد ششبَّهت َّ‬
‫ر ـ ــي هللا عنها ‪ -‬وهي من أفص ـ ـ العرب ‪ -‬ظهور ريَي ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم إذا‬
‫الصب ينفلق عنت بش الظَّالم‪ ،‬وهو تصوير بياين‬ ‫ا تيقم هبا من كمال و وحها‪ ،‬بظهور وء ُّ‬
‫ح تنفلق دنيا العرب يف ذ شرا فصاحتهم عن أبل منت(‪.)2‬‬
‫اثنياً‪ :‬مثَّ حبب إليه اخلالء‪ ،‬فكان خيلو ب ار حراء‪ ،‬فيتحنث فيه‪:‬‬

‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم اخللوة ليتفرغ قلبت‪ ،‬وعقلت‪ ،‬وروحت‬ ‫ُّبوة حبِ إىل نفس الن ِ‬ ‫وقبيل الن َّ‬
‫فاهذ من ار حراء متشـ شعبَّداً لينقطع عن م ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل احلياة‬ ‫ُّبوة‪َّ ،‬‬
‫إىل ما ش ـ ـ ـ ـ ـ ـيلق إليت من أعالم الن َّ‬
‫الروحية‪ ،‬وإحس ـ ــا ـ ــاتت النَّفس ـ ـ ـيَّة‪ ،‬ومداركت‬
‫وملالطة اخللق‪ ،‬ا ـ ــت ماعاً لقواه الفكريَّة‪ ،‬وم ـ ــاعره ُّ‬
‫العقليَّـة‪ ،‬تفر ـاً َّنــاجــاة مبــدي الكون‪ ،‬وخــالق الوجود(‪ .)3‬وال ــار الــذأ كــان ي َّدد عليــت احلبي ـ‬
‫التفكر‪ ،‬تنظر إىل منته الطَّْر فال تر‬ ‫التأمل‪ ،‬و ُّ‬
‫ُّ‬ ‫اَّص ــطف هللا ــل هللا عليت و ــلم يبعث عل‬
‫كأ‪،‬ا ـ ـ ـ ــاجد ًة متطامنةً لعظمة هللا‪ ،‬وإح مساءً هللا ـ ـ ـ ــافيةش األد ‪ ،‬وقد ير شم ْن يكون فيت‬ ‫إح جباحً َّ‬
‫حاد البصر(‪.)4‬‬
‫مكة إذا كان َّ‬ ‫َّ‬

‫الر الة ‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫طريق النَّبوة و ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫َّمد الصادق عرجون (‪.)254/1‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)254/1‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬‫َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)256/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪95‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم لوانً من العداد‬ ‫كانت هذه اخللوة الَّيت حببت إىل نفس الن ِ‬
‫تعهده اخلاص ابل َّ بية الييَّة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫اخلاص‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ـ ــفية النَّفس من عالئق ِ‬
‫اَّاديَّة الب ـ ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬إىل جان‬ ‫ِ‬
‫ابلتفكر يف بديع‬ ‫ُّ‬ ‫الرَّاب ِين يف يع أحوالت‪ ،‬وكان تعبُّده هللا ــل هللا عليت و ــلم قبل الن َّ‬
‫ُّبوة‬ ‫والتَّأدي َّ‬
‫ملكوت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـموات‪ ،‬والنَّظر يف آَيتت الكونيَّة الدَّالة عل بديع هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــنعت‪ ،‬وعظيم قدرتت‪ ،‬وحمكم‬
‫تدبريه‪ ،‬وعظيم إبداعت(‪.)1‬‬
‫الذكر والعبادة يف مرحلة من‬ ‫وقد أخذ بعض أهل ال ُّس ـ ـلوك إىل هللا من ذلك فكرة اخللوة مع ِ‬
‫مراحل ال ُّسـ ـ ـ ـلوك لتنوير قلبت‪ ،‬وإزالة ظلمتت‪ ،‬وإخراجت من فلتت‪ ،‬ش ـ ـ ــهوتت‪ ،‬وهفوتت‪ ،‬ومن ـ ـ ــنن‬
‫لكل مس ــل ٍم ـ ـواءً كان‬ ‫مهمة ِ‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ـ ـنَّة احعتكا يف رمض ــان ‪ ،‬وهي َّ‬ ‫الن ِ‬
‫حاكماً‪ ،‬أو عاَّاً‪ ،‬أو قائداً‪ ،‬أو اتجراً لتنقية ال َّ ـ ـ ـ ـوائ الَّيت تعلق ابلنُّفوس والقلوب‪ ،‬ونصـ ـ ـ ـ ِـل‬
‫السنَّة‪ ،‬وحنا ِ أنفسنا قبل أن حنا ش (‪.)3‬‬ ‫واقعنا عل وء الكتاب و ُّ‬
‫وميكن ألهل فقت الدَّعوة أن يعطوا ألنفس ـ ـ ـ ـ ــهم ف ًة من الوقت للمراجعة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـاملة‪ ،‬والتَّوبة‪،‬‬
‫عف‪ ،‬واكت ا عوامل اخللل‪ ،‬ومعرفة الواقع‬ ‫التأمل يف واقع الدَّعوة وما هي عليت من َّقوةٍ‪ ،‬أو ٍ‬ ‫و ُّ‬
‫بتفاهللاــيلت‪ ،‬خريه وشـ ِـره‪ .‬وح مانع من العايلة يف بعض األحيان إذا ف ــا الفســاد‪ ،‬وأهللاــبلت ُّ‬
‫الدنيا‬
‫وحبد أن تكون إجيابيةً وليس ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ــلبية‪ ،‬وليتابع الطَّريق بعدها مبا‬ ‫مؤثرًة‪ ،‬ومتابعة ايو مطلباً‪َّ ،‬‬
‫احلق(‪.)4‬‬ ‫ملت من ِ‬
‫اللياس ذوات العدد»‪ ،‬يقول ال ـ ـ ــي‬
‫ويف قول ال َّس ـ ـ ـيدة عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها «فيتلنَّث ش‬
‫القلة‪ ،‬وح إىل ‪،‬اية‬ ‫حممد عبد هللا دراز « هذا كناية عن كون هذه اللياس تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إىل ‪،‬اية َّ‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قبل البعثة من التو ُّ ـا‪،‬‬ ‫الكثرة‪ ،‬وما زال هذا ايدأ الذأ كان عليت الن ُّ‬
‫واحقتص ــاد يف األعمال‪ ،‬ش ــعاراً للملَّة ال ــالمية‪ ،‬ورماياً للهدأ الن ِ‬
‫َّبوأ الكر ‪ ،‬بعد أن أر ــلت هللا‬
‫رحةً للعاَّ »(‪.)5‬‬

‫َّمد الصادق عرجون (‪.)469/1‬‬ ‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫حو (‪.)195/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر األ اس يف السنَّة وفقهها ـ ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬
‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لل ضبان‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر الطَّريق إىل اَّدينة ‪َّ ،‬‬
‫َّمد العبده‪.‬‬
‫السنَّة ‪( ،‬ص ‪ ، )19‬ط‪ 1978 2‬دار األنصار ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫اَّهتار من كنوز ُّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪96‬‬
‫اثلثاً‪ :‬حَّت جاءه احل يق وهو يف غار حراء‪:‬‬

‫جاء اَّلك‪ ،‬فقال اقرأ‪ ،‬قال «قلت ما أان بقارئ‪ ...‬فأخذين ف طَّ الثَّالثة‪ ،‬مثَّ أر ـ ـ ــل ‪،‬‬
‫ك األش شكشرم *الَّ ِذأ شعلَّ شم‬
‫*خلش شق ا ِلنْ شس ـ ـ ـ ـ ـا شن ِم ْن شعلش ٍق *اقْـشرأْ شوشربُّ ش‬
‫فقال ﴿اقْـرأْ ِاب ـ ـ ـ ـ ـ ِم ربِ ِ‬
‫ك الَّذأ شخلش شق ش‬
‫ش ْ ش ش‬
‫ِابلْ شقلش ِم ﴾ [العلق‪. »]4 - 1 :‬‬

‫ـيء نايل من القرآن الكر ‪ ،‬وفيها التَّنبيت‬ ‫لقد كانت هذه ا َيت الكرميات اَّباركات َّأول ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫وإن من كرم هللا تعاىل أن علَّم النس ــان ما يعلم‪ ،‬ف ـ َّـرفت‬ ‫عل ابتداء خلق النس ــان من ٍ‬
‫علقة‪َّ ،‬‬
‫كرمت ابلعلم‪ ،‬وهو القدر الذأ امتاز بت آدم عليت الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالم عل اَّالئكة‪ .‬والعلم اترةً يكون يف‬ ‫و َّ‬
‫األذهان‪ ،‬واترًة يكون يف اللِسان‪ ،‬واترًة يكون ابلكتابة ابلبنان ‪ ،‬وهبذه ا َيت كانت بداية َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫نبوة‬
‫عرب عنت ــيِد قط ‪ -‬رحت‬ ‫حمم ٍد هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬لقد كان هذا احلادث ــهماً‪ ،‬ولقد َّ‬ ‫َّ‬
‫حد‪ ،‬ومهما حاولنا اليوم أن‬ ‫هللا ‪ -‬يف ظاللت‪ ،‬فقال «إنَّت حادث ـ ــهم جداً‪ ،‬ـ ــهم إىل ري ٍ‬
‫ـتظل خارً تصـ ـ ـ ـ ُّـوران! إنَّت حادث ـ ـ ـ ــهم حبقيقتت‪،‬‬ ‫فَن جوان كثريةً منت ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫حنيا بضـ ـ ـ ــهامتت َّ‬
‫و ـ ــهم بدحلتت‪ ،‬و ـ ــهم راثره يف حياة الب ـ ـريَّة يعاً‪ ،‬وهذه اللَّلظة الَّيت ذَّ فيها هذا احلادث‬
‫مرت هبذه األرض يف اترخيها الطَّويل‪.‬‬ ‫تعد ‪ -‬ب ري مبال ٍة ‪ -‬أعظم ٍ‬
‫حلظة َّ‬ ‫ُّ‬
‫جل جاللت‪ ،‬العظيم‪،‬‬ ‫أن هللا ‪َّ -‬‬ ‫ما حقيقة هذا احلادث الَّذأ ذَّ يف هذه اللَّلظة؟حقيقتت َّ‬
‫تكرم ‪ -‬يف عليائت ‪ -‬فأراد أن يرحم هذه اخلليقة‬ ‫اَّتكرب‪ ،‬مالك اَّلك كلِت ‪ -‬قد َّ‬ ‫القهار‪ِ ،‬‬ ‫اجلبَّار‪َّ ،‬‬
‫الركن الَّذأ يسـ ـ ـ ـ َّـم‬
‫اَّسـ ـ ـ ـ َّـماة ابلنسـ ـ ـ ــان‪ ،‬القابعة يف ركن من أركان الكون‪ ،‬ح يكاد ير ‪ ،‬هذا ُّ‬
‫احد منها ليكون ملتق نوره اليي‪ ،‬ومس ـ ـ ـ ـ ـ ــتودي حكمتت‪،‬‬ ‫كرم هذه اخلليقة ابختيار و ٍ‬‫األرض‪ .‬و َّ‬
‫ومهبا كلماتت‪ ،‬واثل قدره الَّذأ يريده ‪ -‬بلانت ‪ -‬يذه اخلليقة»(‪.)2‬‬
‫كانت بداية الوحي اليي فيها إشـ ـ ـ ـ ــادة ابلقلم‪ ،‬وخطره‪ ،‬والعلم ومنايلتت يف بناء ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـعوب‪،‬‬
‫العلم واَّعرفة(‪.)3‬‬
‫أخص خصائص النسان ش‬ ‫أبن من ِ‬‫واألمم‪ ،‬وفيها إشارة وا لة َّ‬
‫فأول ٍ‬
‫كلمة يف النُّب ـ َّـوة تصل‬ ‫ويف هذا احلادث العظيم تظهر مكان ــة‪ ،‬ومنايلة العلم يف ال الم‪َّ ،‬‬
‫ك الَّ ِذأ شخلش شق ﴾‬
‫إىل ر ـول هللا هللال هللا عليت و لم هي األمـر ابلقراءة ﴿اقْـشرأْ ِاب ْ ِم شربِ ش‬
‫[العلق‪.]1 :‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)528/4‬‬


‫(‪ )2‬يف ظالل القرآن (‪.)3936/6‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة ( ‪.)260/1‬‬
‫‪97‬‬
‫ث عل العلم‪ ،‬ورمر بت‪ ،‬ويرفع درجة أهلت‪ ،‬ومييِايهم عل ريهم‪ .‬قال‬ ‫وما زال ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ُّ‬
‫اَّلل لشك ْم شوإِ شذا‬ ‫ين شآمنوا إِ شذا قِيل لشك ْم تشـ شف َّسـ ـ ـلوا ِيف الْ شم ش الِ ِ‬
‫س فشافْ شسـ ـ ـلوا يشـ ْف شسـ ـ ـ ِ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬ ‫تعاىل ش‬
‫ش‬
‫اَّلل ِمبشا تشـ ْع شملو شن‬
‫ات شو َّ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنوا ِمْنكم والَّ ِذين أوتوا الْعِْلم درج ٍ‬ ‫يل انْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـايوا فشانْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـايوا يشـ ْرفش ِع َّ‬ ‫ِ‬
‫ش شش ش‬ ‫ْش ش‬ ‫ش ش‬ ‫ق ش‬
‫اج ًدا شوقشائِ ًما شْ شذر ا خرشة شويشـ ْرجو‬ ‫آانء اللَّي ِل ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫شخبِري﴾ [اجملادلة‪ ]11 :‬وقال ـبلانت ﴿أ َّشم ْن ه شو قشانت ش ش ْ ش‬
‫اب ﴾ [الزمر‪. ]9 :‬‬ ‫ر ْحشةش ربِِت قل شهل يستش ِوأ الَّ ِذين يـ ْعلشمو شن والَّ ِذين حش يـ ْعلشمو شن إَِّجشا يـتش شذ َّكر أولو األشلْب ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫شش‬ ‫ش ش ْ ْ شْ‬
‫وجل ‪ -‬فهو الَّذأ علَّم ابلقلم‪ ،‬وعلَّم النسـ ـ ـ ـان ما‬ ‫عاي َّ‬ ‫إن مص ـ ـ ــدر العلم النافع من هللا ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬
‫يعلم‪ ،‬ومض حادت الب ـ ـ ـ ـريَّة عن هذا اَّنهت‪ ،‬وانفص ـ ـ ــل علمها عن التقيُّد مبنهت هللا تعاىل رجع‬
‫علمها وابحً عليها‪ ،‬و بباً يف إابدهتا(‪.)1‬‬
‫ووصف ظاهرة الوحي‪:‬‬‫ُ‬ ‫َّب صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬ ‫تعرض هلا الن ي‬ ‫رابعاً‪ِّ :‬‬
‫الش َّدة الَّيت َّ‬
‫حض أجهده‪ ،‬وأتعبت‪،‬‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم مراراً َّ‬
‫لقد قام جربيل عليت الســالم بض ـ ا الن ِ‬
‫وبقي ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يلق من الوحي ش ـ ـ َّـدةً‪ ،‬وتعباً‪ ،‬وثقالً‪ ،‬كما قال تعاىل‬
‫لعل منها بيان ألية‬ ‫ك قشـ ْوحً ثشِقيالً ﴾ [املزمل‪ ]5 :‬كان يف ذلك حكمة عظيمة َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿إِ َّان ش ـ ـ ـ ـنـ ْلقي شعلشْي ش‬
‫أن دينها الَّذأ تتنعم بت ما جاءها إح بعد‬ ‫الدين‪ ،‬وعظمتت‪ ،‬وشدَّة احهتمام بت‪ ،‬وبيان ل َّمة َّ‬ ‫هذا ِ‬
‫شدَّةٍ‪ ،‬وكرب(‪.)2‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت‬
‫تلق الن ُّ‬ ‫إن ظاهرة الوحي مع اية خارقة لل ُّس ـنن‪ ،‬والقوان الطَّبيعيَّة‪ ،‬حيث َّ‬ ‫َّ‬
‫و ــلم كالم هللا «القرآن» بوا ــطة اَّلك جربيل عليت الس ــالم‪ ،‬وابلتَّاس فال هللا ــلة لظاهرة الوحي‬
‫َّب‬
‫يتم من خارً ذات الن ِ‬ ‫إن الوحي ُّ‬ ‫التأمل الباط ِ ‪ ،‬أو اح ـ ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ـ ــعار الدَّاخلي‪ ،‬بل َّ‬ ‫ابليام‪ ،‬أو ُّ‬
‫فيتم‬
‫هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وتنلص ـ ـ ـ ــر وظيفتت حبفم اَّوح ‪ ،‬وتبلي ت‪ ،‬و َّأما بيانت‪ ،‬وتفس ـ ـ ـ ــريه ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم كما يظهر يف أحاديثت‪ ،‬وأقوالت هللال هللا عليت و لم (‪. )3‬‬ ‫أب لوب الن ِ‬
‫الدين‪ ،‬بعقائده‪ ،‬وت ريعاتـت‪،‬‬ ‫إن حقيقـة الوحي هي األ اس الَّذأ ت تَّ عليـت يع حقائـق ِ‬ ‫َّ‬
‫اهتم اَّست رقون ‪ -‬واَّالحدة من قبلهم ‪ -‬ابلطَّعن والـ ـ ـتَّ كي ـ ــك يف حقيقـ ــة‬ ‫وأخالقـ ــت ولذل ـ ــك َّ‬
‫السنَّة‬
‫عما جاءان يف هللالا ُّ‬ ‫ـؤولوا ظاهرة الوحي‪ ،‬و ِرفوها عن حقيقتها‪َّ ،‬‬ ‫الوحي‪ ،‬وحاولوا أن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر الوحي وتبلي ِ‬


‫الر الة ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫(‪ )2‬انظر الوحي وتبلي ِ‬
‫الر الة ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪( ،‬ص ‪.)31 ، 30‬‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)129/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪98‬‬
‫حممداً هللال هللا عليت و لم تعلَّم القرآن‪،‬‬ ‫إن َّ‬‫اَّؤرخون الثِقات‪ ،‬فقائل يقول َّ‬ ‫ال َّ ريفة‪ ،‬وحدَّثنا بت ِ‬
‫حممداً كان رجالً عصــبياً‪ ،‬أو مصــاابً بداء‬ ‫الراه ‪ ،‬وبعضــهم قال َّ‬
‫أبن َّ‬ ‫ومبادئ ال ــالم من حبريا َّ‬
‫الصري(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫حممداً هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وهو يف ار حراء فوجئ قربيل أمامت يراه‬ ‫إن َّ‬‫واحلقيقة تقول َّ‬
‫أن ظاهرة الوحي ليست أمراً ذاتياً داخلياً شمشرُّده إىل حديث‬ ‫حض يتب َّ َّ‬ ‫بعينت‪ ،‬وهو يقول لت اقرأ‪َّ ،‬‬
‫حلقيقة خارجيَّ ٍة ح عالقة يا ابلنَّفس‪ ،‬وداخل الذات‪ .‬و ُّم‬ ‫ٍ‬ ‫وإجا هو ا تقبال ٍ‬
‫وتلق‬ ‫اارد َّ‬ ‫النَّفس َّ‬
‫اخلارجي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫التلقي‬‫مرة اقرأ‪ ،‬يعترب أتكيداً يذا ِ‬ ‫كل َّ‬ ‫مرات قائالً يف ِ‬ ‫اَّلك َّإَيه‪ ،‬مثَّ إر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالت ثالث َّ‬
‫أن األمر ح يعدو كونت خياحً داخلياً فقا‪.‬‬ ‫يتصور‪ ،‬من َّ‬ ‫ومبال ةً يف نفي ما قد َّ‬
‫ابلرع ‪ ،‬واخلو اَّا مسع‪ ،‬ورأ ‪ ،‬وأ ري إىل بيت ــت‬ ‫ولق ــد أهللاي النَّب ـ ُّـي هللال هللا عليت و لم ُّ‬
‫للر ـ ـ ـ ــالة اليت‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يكن مت ـ ـ ـ ـ ِـوقاً ِ‬ ‫أن الن َّ‬ ‫يدل عل َّ‬ ‫يرجف فؤاده‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ِ‬
‫ك أ ْشو شحْيـنشا إِلشْي ش‬
‫(‪)2‬‬
‫ك‬ ‫﴿وشك شذل ش‬ ‫ش‬ ‫اَّعىن‬ ‫ـذا‬ ‫ي‬ ‫ً‬‫ا‬‫أتكيد‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫قال‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫يكلف بثقلها وتبلي ها للنَّاس‬
‫ت تش ْد ِرأ شما الْ ِكتشاب شوحش ا ِلميشان شولش ِك ْن شج شع ْلنشاه ن ًورا ش‪ِ ْ،‬دأ بِِت شم ْن نش ش ـ ـ ـ ـ ـاء ِم ْن‬ ‫ر ِ‬
‫وحا م ْن أ ْشم ِرشان شما كْن ش‬ ‫ً‬
‫ض‬ ‫ات شوشما ِيف األ ْشر ِ‬ ‫اَّللِ الَّ ِذأ لشت ما ِيف ال َّسـ ـماو ِ‬ ‫اط َّ‬ ‫اط مسـ ـتشـ شقي ٍم * ِهللاـ ـر ِ‬ ‫ِعب ِاد شان وإِن ش ِ ِ ِ ٍ‬
‫شش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫َّك لشتشـ ْهدأ إ شىل هللاـ ـشر ْ‬ ‫ش ش‬
‫ين حش‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صـري األمور ﴾ [الشــور ‪ ]53 - 52 :‬وقال ِ‬ ‫اَّللِ تش ِ‬
‫أشحش إِ شىل َّ‬
‫﴿وإ شذا تـْتـلش شعلشْيه ْم آَيتنشا بشـينشات قش شال الذ ش‬ ‫ش‬
‫ت بِقرآن ش ِْري شه شذا أ ْشو بش ِدلْت ق ْل شما يشكون ِس أش ْن أبش ِدلشت ِم ْن تِْل شق ِاء نشـ ْف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي إِ ْن أشتَّبِع‬ ‫يـرجو شن لِشقاء شان ائْ ِ‬
‫ش‬ ‫شْ‬
‫اَّلل شما تشـلش ْوتت شعلشْيك ْم‬ ‫اب يشـ ْوٍم شع ِظي ٍم *ق ْل لش ْو شش ـاءش َّ‬ ‫ص ـْيت شرِيب شع شذ ش‬ ‫شخا إِ ْن شع ش‬ ‫س إِِين أ ش‬‫وح إِ شَّ‬ ‫إحَّ شما ي ش‬
‫ِ‬
‫ن ﴾ [يونس‪. ]16 - 15 :‬‬ ‫شوحش أ ْشد شراك ْم بِِت فشـ شق ْد لشبِثْت فِيك ْم عمًرا ِم ْن قشـْبلِ ِت أشفشالش تشـ ْع ِقلو ش‬
‫ص ـ ـ ـلي الَّذأ حدَّثتنا بت‬ ‫ـكك يف حقيقة الوحي أمام احلديث ال َّ‬ ‫لقد تسـ ـ ــاقطت آراء اَّ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـتمر الوحي بعد ذلك مل الدَّحلة نفس ــها عل حقيقة‬ ‫ال َّس ـيدة عائ ــة ر ــي هللا عنها‪ ،‬وقد ا ـ َّ‬
‫الوحي وأنَّت ليس كما أراد اَّ ِككون‪ .‬وقد أ ل ُّ‬
‫الدكتور البوطي هذه الدَّحلة فيما يلي‬
‫األول فوراً‪ ،‬عل ح‬
‫‪ - 1‬التميياي الوا ـ ـ ـ ب القرآن‪ ،‬واحلديث إذ كان رمر بتس ـ ـ ـ يل َّ‬
‫ُّبوة بت‬
‫ألن احلديث كالم من عنده ح عالقة للن َّ‬ ‫يكتفي أبان يس ـ ــتودي الثَّاين ذاكرة أهللا ـ ــلابت ح َّ‬
‫ألن القرآن موح بت إليت أبلفاظت‪ ،‬وحروفت بوا طة جربيل عليت السالم‪ ،‬أما احلديث فمعناه‬ ‫بل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪99‬‬
‫وجل ‪ -‬ولكن لفظت‪ ،‬وتركيبت من عنده هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فكان اذر‬
‫عاي َّ‬
‫وحي من هللا ‪َّ -‬‬
‫وجل ‪ -‬الَّذأ يتلقَّاه من جربيل بكالمت هو هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫عاي َّ‬
‫أن خيتلا كالم هللا ‪َّ -‬‬
‫مر‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يس ـ ــأل عن بعض األمور‪ ،‬فال جيي عنها‪ ،‬ورمبا َّ‬ ‫‪ - 2‬كان الن ُّ‬
‫الر ول هللال‬
‫تصر َّ‬ ‫حض تنايل آيـ ــة من القرآن يف شأن ؤالـ ــت‪ .‬ورمبا َّ‬
‫عل كوتـ ــت زمن طويل‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫وجت مع ‪ ،‬فتتنايل آَيت من القرآن تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفت عن ذلك‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يف بعض األمور عل‬
‫الوجت‪ ،‬ورمبا انطوت عل عْت ٍ ‪ ،‬أو ٍ‬
‫لوم لت‪.‬‬ ‫ش‬
‫‪ - 3‬كان ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم أمياً‪ ،‬وليس من اَّمكن أن يعلم إنسـان بوا ـطة‬
‫ص ـة يو ــف عليت الســالم‪ ،‬و ِأم مو ـ حينما ألقت وليدها‬ ‫اَّكاشــفة النَّفس ـيَّة حقائق اترخييَّةً‪ ،‬كق َّ‬
‫وقصة فرعون‪ ،‬ولقد كان هذا من لة احلكم يف كونت هللال هللا عليت و لم أمياً‪ .‬يقول‬ ‫يف ِ‬
‫اليم‪َّ ،‬‬
‫ب الْمْب ِطلو شن ﴾‬ ‫ت تشـْتـلو ِمن قشـْبلِ ِت ِمن كِتش ٍ‬
‫اب شوحش شهطُّت بِيش ِمينِ ش‬
‫ك إِ ًذا حشْرشات ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫﴿وشما كْن ش‬
‫تعاىل ش‬
‫[العنكبوت‪.]48 :‬‬

‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أربع ـ ــنةً مع قومت‪ ،‬واشـ ــتهاره فيهم بذلك‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫إن هللاـ ــدق الن ِ‬
‫فالبد أن يكون‬ ‫يســتدعي أن يكون هللاــل هللا عليت و ــلم من قبل ذلك هللاــادقاً مع نفســت‪ ،‬ولذا َّ‬
‫كأن هذه ا ية‬ ‫ـك خيايل لعينيت‪ ،‬أو فكره‪ ،‬و َّ‬ ‫أأ ش ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫قد قض ـ ـ ـ ـ ـ يف درا ـ ـ ـ ـ ــتت لظاهرة الوحي عل ِ‬
‫ك فشا ْ ـأ ِشل‬ ‫جاءت رداً لدرا ــتت األوىل ل ــأن نفســت مع الوحي ﴿فشَِ ْن كنت ِيف ش ـ ٍ ِ‬
‫ك اَّا أشنْـشايلْنشا إِلشْي ش‬ ‫ْش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ﴾‬ ‫ِ‬
‫ك فشالش تشكونش َّن م شن الْم ْم ش ش‬‫احلش ُّق ِم ْن شربِ ش‬ ‫اب ِم ْن قشـْبل ش‬
‫ك لششق ْد شجاءش شك ْ‬ ‫ِ‬
‫ين يشـ ْقشرأو شن الْكتش ش‬
‫الذ ش‬
‫[يونس‪. ]94 :‬‬

‫ك‪ ،‬وح‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم قال بعد نايول هذه ا ية «ح أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ويذا روأ َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫أ أل» [عبد الرزاق (‪ )10211‬والسيوطي يف الدر املنثور (‪. ])389/4‬‬

‫خامساً‪ :‬أنواع الوحي‪:‬‬

‫حتدَّث العلماء عن أنواي الوحي‪ ،‬فذكروا منها‬


‫الصادقة‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال يرؤاي َّ‬
‫ص ـ ـب ‪،‬‬
‫وكانت مبدأ وحيت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فكان ح ير ريَي إح جاءت مثل فلق ال ُّ‬
‫﴿َيب شَّ‬ ‫وقد جاء يف احلديث «ريَي األنبياء وحي»‪ ،‬وقال تعاىل يف ِ‬
‫حق إبراهيم عليت السـ ـ ـ ـ ـ ــالم ش‬
‫‪100‬‬
‫[الصافات‪. ]102 :‬‬ ‫إِِين أ ششر ِيف الْ شمنش ِام أِشين أش ْذ شحب ش‬
‫ك﴾‬
‫‪ - 2‬اإلهلام‪:‬‬
‫وهو أن ينفث اَّلك يف رْو ِعت ‪ -‬أأ قلبت ‪ -‬من ري أن يراه‪ ،‬كما قال هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫إن جربيل عليت الس ـ ــالم نف يف قلب‪« ،‬أنَّت لن‬ ‫ث يف رْوعي» أأ َّ‬ ‫إن رو القدس نشـ شف ش‬ ‫و ـ ــلم « َّ‬
‫حض تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتكمل رزقها‪ ،‬وأجلها فاتَّقوا هللا‪ ،‬وأ ِْ لوا يف الطَّل » [الب وي يف شـ ـ ـ ـ ــرح السـ ـ ـ ـ ــنة‬
‫َتوت نفس َّ‬
‫(‪ )304/13‬برقم (‪ )4112‬وابن عبد الرب يف التمويد (‪.])284/1‬‬

‫‪ - 3‬أن أيتيه مثل صلصلة اجلرس‪:‬‬


‫أن احلارث‬‫القوة‪ ،‬وهو أ شش ـ ـدُّه‪ ،‬كما يف حديث عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها َّ‬
‫أأ مثل هللاـ ــوتت يف َّ‬
‫ر ي هللا عنت أل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم كيف رتيك الوحي؟ فقال هللال هللا عليت‬
‫صم ع ِ وقد شو شعْيت ما قال‪،‬‬ ‫علي‪ ،‬فيـ ْف ش‬
‫و لم «أحياانً رتي مثل هللالصلة اجلرس‪ ،‬وهو أشدُّه َّ‬
‫وأحياانً يتمثَّل س اَّلك رجالً‪ ،‬فيكلِم ‪ ،‬فأعي ما يقول» [البخاري (‪ )2‬ومسلم (‪. ])87/2333‬‬

‫‪ - 4‬ما أوحاه هللا تعاىل إليه‪ ،‬بال وساطة ملَ ٍ‬


‫ك‪:‬‬ ‫َ‬
‫كما كلَّم هللا مو ـ ـ ـ ـ ـ بن عمران عليت السـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وهذه اَّرتبة هي اثبتة َّو ـ ـ ـ ـ ـ قطعاً ِ‬
‫بنص‬
‫القرآن‪ ،‬وثبوهتا لنبينا هللال هللا عليت و لم يف حديث ال راء(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬أنَّه ير املَلك يف صورته الَّيت خلق عليوا‪:‬‬
‫فيوحي إليت ما شاء هللا تعاىل أن يوحيت‪.‬‬

‫‪ - 6‬أنَّه صلى هللا عليه وسلم كان يتمثَّل له املَ ُ‬


‫لك رجالً‪:‬‬
‫حض يشعِ شي عنت ما يقول لت‪ ،‬ويف هذه اَّرتبة كان يراه َّ‬
‫الصلابة أحياانً(‪.)2‬‬ ‫فيهاطبت َّ‬
‫هذا ما قالت ابن القيِم عن مرات الوحي‪.‬‬
‫عهد ٍ‬
‫جديد يف حياة‬ ‫لقد كان نايول الوحي عل ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم بداية ٍ‬
‫النسانيَّة‪ ،‬بعدما انقطع‪ ،‬واتهت الب رية يف دَيجري الظَّالم‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر الري واألحالم يف النُّصوص ال َّرعية ‪ ،‬أل امة عبد القادر ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد يف هدأ خري العباد (‪ 33/1‬ـ ‪.)34‬‬
‫‪101‬‬
‫وكان وقع نايول الوحي شــديداً عل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ -‬كما هو وا ـ من‬
‫ابلر م من أنَّت كان أشـ ـ ـ ع النَّاس‪ ،‬وأقواهم قلباً‪ ،‬كما دلَّت عل ذلك األحداث خالل‬ ‫الن ِ‬
‫َّص ‪َّ -‬‬
‫ألن األمر ليس ملاطبة ب ـ ـ ـ ٍر لب ر‪ ،‬ولكنَّت كان ملاطبة عظيم‬ ‫ثـ ـ ـ ٍ‬
‫ـالث وع رين ن ـ ـ ـةً وذلـ ـ ــك َّ‬
‫جل وعال ‪ -‬حلمل هذا‬ ‫اَّالئكة‪ ،‬وهو مل كالم هللا تعاىل ليس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبلت من اهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــطفاه هللا ‪َّ -‬‬
‫الكالم وإبال ت جلميع الب ر‪.‬‬
‫ولقد كان موقفاً رهيباً ومس ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوليَّةً عظم ‪ ،‬ح يقو عليها إح من اختاره هللا تبارك وتعاىل‬
‫حلمل هذه ِ‬
‫الر الة‪ ،‬وتبلي ها(‪.)1‬‬
‫ص ـ ـ ـ ِور رهبة هذا اَّوقف‪ ،‬ما جاء يف هذه ِ‬
‫الرواية‪ ،‬من قول ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫واَّا ي ش‬
‫و لم «لقد خ يت عل نفسي»‪ ،‬وقول عائ ة ر ي هللا عنها يف هذا احلديث «فرجع هبا‬
‫ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم يرجف فؤاده‪ ،‬فدخل عل خدجية بنت خويلد ر ـي هللا عنها‪،‬‬
‫الروي»‪.‬‬
‫حض ذه عنت َّ‬ ‫قال ِزملوين! زملوين! َّ‬
‫فايملوه َّ‬
‫واَّا يبِ ش ـ ـ ـ ــدَّة نايول الوحي عل ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ـل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ما أخرجت المام‬
‫البهارأ‪ ،‬ومس ـ ــلم ‪ -‬رحهما هللا! ‪ -‬من حديث عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها قالت «ولقد رأيتت ‪-‬‬ ‫ُّ‬
‫تع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ -‬ينايل عليت الوحي يف اليوم ال َّ ـديد الربد‪ ،‬فيشفصــم عنت‪،‬‬
‫ص ـامت ر ــي هللا عنت‬‫ص ـد عرقاً» [البخاري (‪ )2‬ومســلم (‪ ])86/2333‬وحديث عبادة بن ال َّ‬ ‫َّ‬
‫وإن جبينت ليشـتشـ شف َّ‬
‫ب لذلك‪ ،‬وتشـشربَّد وجهت»‬‫نب هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم إذا أنايل عليت الوحي ك ِر ش‬ ‫قال «كان ُّ‬
‫[مسلم (‪ )2334‬وأمحد (‪.])317/5‬‬

‫الصاحلة يف خدمة َّ‬


‫الدعوة‪:‬‬ ‫سادساً‪ :‬أثر املرأة َّ‬

‫«فرجع هبا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يشـ ْرجف فؤاده‪ ،‬فدخل عل خدجية بنت خويلد‪،‬‬
‫الروي‪ ،‬فقال خلدجية‪ ،‬وأخربها اخلرب لقد خ ـ ــيت‬ ‫حض ذه عنت َّ‬ ‫فقال ِزملوين! زملوين! َّ‬
‫فايملوه َّ‬
‫الكل‪،‬‬
‫الرحم‪ ،‬وحتمل َّ‬ ‫عل نفسـ ـ ـ ــي‪ .‬فقالت خدجية كال‪ ،‬وهللا ما خياييك هللا أبداً! إنَّك لتصـ ـ ـ ــل َّ‬
‫احلق» [البخاري (‪ )3‬ومسلم (‪. ])160‬‬‫ِ‬ ‫الضيف‪ ،‬وتع عل نوائ‬ ‫وتكس اَّعدوم‪ ،‬وتقرأ َّ‬
‫كان موقف خدجية ر ــي هللا عنها ُّ‬
‫يدل عل َّقوة قلبها حيث تفايي من مساي هذا اخلرب‪،‬‬

‫المي مواقف وعرب ‪ ،‬لللميدأ (‪.)60/1‬‬


‫انظر التاري ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪102‬‬
‫ـكينة‪ ،‬وح َّ‬
‫أدل عل ذلك من ذهاهبا فور مساعها اخلرب إىل ورقة بن‬ ‫وا ـ ــتقبلت األمر ٍ‬
‫هبدوء‪ ،‬و ـ ـ ٍ‬
‫نوفل‪ ،‬وعر ها األمر عليت(‪.)1‬‬
‫يدل عل ـ ــعة إدراكها حيث قارنت‬ ‫كان موقف خدجية ر ـ ــي هللا عنها من خرب الوحي ُّ‬
‫أن من جبِ شل عل مكارم األخالق ح‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فأدركت َّ‬ ‫ب ما مسعت وواقع الن ِ‬
‫الرحم‪ ،‬وكون النسـ ــان يصـ ــل أقاربت دليل عل ا ـ ــتعداده‬
‫خياييت هللا أبداً‪ ،‬فقد وهللا ــفتت أبنَّت يصـ ــل َّ‬
‫فَن أقارب النسان هم اَّرآة األوىل لك ف أخالقت‪،‬‬ ‫َّفسي لبذل اخلري‪ ،‬والحسان إىل النَّاس َّ‬ ‫الن ِ‬
‫فَن ُ يف احتواء أقاربت‪ ،‬وكس ـ ــبهم مبا لت عليهم من معرو ٍ كان طبيعياً أن ين يف كس ـ ـ ـ‬
‫ريهم من النَّاس(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫الفطرأ‪ ،‬وإىل‬ ‫كانت ُّأم اَّؤمن ال َّسـ ـ ـ ـ ـيدة خدجية ر ـ ـ ـ ــي هللا عنها قد ـ ـ ـ ــارعت إىل إميا‪،‬ا‬
‫حممد هللا ــل هللا عليت و ــلم من رهللا ــيد‬ ‫معرفتها بس ــنن هللا تعاىل يف خلقت‪ ،‬وإىل يقينها مبا ميلك َّ‬
‫ألحد من الب ر رهللايد مثلت يف حياتت الطَّبيعيَّة الَّيت يعيش هبا‬ ‫األخالق‪ ،‬وفضائل ال َّمائل‪ ،‬ليس ٍ‬
‫مبلم ٍد‬
‫مع النَّاس‪ ،‬وإىل ما أيمت بسوابق العناية الرَّابنيَّةالَّيت شهدت آَيهتا من حفاوة هللا تعاىل َّ‬
‫الر الة‪ ،‬وح من إرهاهللااهتا اَّع اية‪،‬‬ ‫ُّبوة و ِ‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬يف مواقف تكن من مواقف الن َّ‬
‫وأعاجيبها اخلارقة‪ ،‬ولكنَّها كانت من مواقف الفضــائل النســانيَّة ال َّس ـارية يف حياة ذوأ اَّكارم‪،‬‬
‫خاهللاة الب ر(‪.)3‬‬
‫من أهللالاب اَّروءات يف َّ‬
‫أبن زوجها فيت من خص ـ ـ ـ ـ ــال اجلبلَّة الكماليَّة‪ ،‬وحما ـ ـ ـ ـ ــن األخالق َّ‬
‫الرهللا ـ ـ ـ ـ ــينة‪،‬‬ ‫كانت موقنةً َّ‬
‫وفض ــائل ال ِ ـ ـيم اَّر ـ ـيَّة‪ ،‬وأش ــر ال َّ ـ ـمائل العليَّة‪ ،‬وأكمل النَّلائاي(‪ )4‬النس ــانيَّة‪ ،‬ما يض ــمن لت‬
‫اَّمد ِأ(‪ ،)5‬فقد‬ ‫الفوز و ِقق لت النَّ ا ‪ ،‬والفال ‪ ،‬فقد ا تدلَّت بكلماهتا العميقة عل الكمال َّ‬
‫ص ـفات أنَّت‬ ‫حمم ٍد هللاــل هللا عليت و ــلم بتلك ال ِ‬ ‫َّ‬ ‫ا ــتنبطت خدجية ر ــي هللا عنها من اتِصــا‬
‫ألن هللا تعاىل فطره عل مكارم األخالق‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـربت اَّثل مبا‬ ‫يتعرض يف حياتت للهايأ أبداً َّ‬‫لن َّ‬
‫ذكرتت من أهللاويا اجلامعة لكماحهتا‪.‬‬

‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)61/1‬‬‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال ِ‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)64/1( ،‬‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)307/1‬‬ ‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫(‪ )4‬النلائاي ع النَّلياية ‪ ،‬وهي الطبيعة ‪ ،‬يقال هو كر النَّلياية‪.‬‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)308 ، 307/1‬‬ ‫(‪ )5‬انظر حممد ر ول هللا ‪َّ ،‬‬
‫‪103‬‬
‫أن هللا تعــاىل َّـل أحــداً من عبــاده بفطرة‬ ‫و تعر احليــاة يف ـ ـ ـ ـ ـ ــنن الكون احجتمــاعيَّـة َّ‬
‫وحممد هللال هللا عليت و لم بل من اَّكارم ذروهتا‪،‬‬ ‫األخالق الكرمية‪ ،‬مثَّ أذاقت اخلايأ يف حياتت‪َّ ،‬‬
‫طاول‪ ،‬وح ت شس شام (‪.)1‬‬
‫فطرة فطره هللا عليها ح ت ش‬
‫نبوتت بل‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم عل َّ‬ ‫تكتف خدجية ر ــي هللا عنها مبكارم أخالق الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫نب آخر‬ ‫عمها العا اجلليل ورقة بن نوفل ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬الَّذأ كان ينتظر ظهور ٍ‬ ‫ذهبت إىل ابن ِ‬
‫دنو زمانت‪ ،‬واق اب مبعثت‪ ،‬وكان حلديث ورقة أثر‬ ‫الايمان‪َّ ،‬ا عرفت من علماء أهل الكتاب من ِ‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫أخ ششرب الن َّ‬ ‫طيِ يف تثبيت الن ِ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وتقوية قلبت‪ ،‬وقد ْ‬
‫الس ِر األعظم‪ ،‬الَّذأ يكون فرياً ب هللا تعاىل‪ ،‬وأنبيائت ‪ -‬عليهم‬ ‫أبن الذأ خاطبت هو هللااح ِ‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫ص ـ ـالة وال َّس ـ ـالم ‪ -‬ومن أشـ ــعار ورقة اليت تدل عل انتظاره َّبعث الن ِ‬
‫ال َّ‬
‫قولت‬

‫ث النَّ ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ش ـ ـا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يشٍم طشـ ـالشمـ ــا بشـ شع ـ ـ ش‬ ‫وجا‬
‫لشـ ش ْ ت وكنـت يف الـذ ْكر شجل ش‬
‫فشـ شقـ ـ ْد طش ـ شال انْتِظش ـا ِرأ َي شخ ـدجيش ـا‬ ‫ف‬‫هللا ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫هللا ـ ـ ـ ٍ‬
‫ف من شخدجيةش بشـ ْع شد شو ْ‬ ‫شوشو ْ‬
‫ك أن شأر ِمْنـ ـت خروج ــا‬ ‫حـ ـ ِديـثشـ ـ ِ‬ ‫بِـبشـطْـ ِن اَّـ َّكـتشـ ْ ِ (‪ )2‬شعـلشـ شر شجـ ـ ـ ـائــي‬
‫ش ْ‬
‫أكره أن يشـعوج ـ ـ ــا‬ ‫ان ْ‬ ‫الرْهب ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مب ـ ـ ــا شخـ ـ ـ َّْربتِـ ـ ـنشـ ـ ـ ـا ِمـ ـ ـ ْن قش ـ ـ ـ ْوِل قشـ ـ ـ ٍ‬
‫م شن ُّ ش‬ ‫س‬
‫(‪)3‬‬
‫صـم شم ْن يكون لت شح ِ ي ا‬ ‫وخيْ ِ‬‫ش‬ ‫أبن حمـ َّمـ ـ ـ ـداً ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـود فِـيـنشـ ـ ـ ـا‬‫َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وشهد لت النَّب هللال هللا عليت و لم ابجلنَّة‪ ،‬فقد جاء يف رو ٍ‬
‫اية‬ ‫الن ِ‬
‫ُّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم قال «ح‬ ‫أخرجها احلاكم ن ــناده عن عائ ــة ر ــي هللا عنها َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫فَين رأيت لت جنَّةً‪ ،‬أو جنَّت » [احلاكم (‪ )609/2‬والبزار (‪ 2750‬و‪ )2751‬وجممع الزوائد (‪. ])416/9‬‬ ‫تسبُّوا ورقة‪ِ ،‬‬
‫أن خدجية ر ــي هللا عنها ــألت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت‬ ‫وعن عائ ــة ر ــي هللا عنها َّ‬
‫و لم عن ورقة‪ ،‬فقال «قد رأيتت فرأيت عليت ثياابً بيضاً‪ ،‬فأحسبت لو كان من أهل النَّار يكن‬
‫ـند حسـ ـ ٍن عن جابر بن عبد هللا ر ــي هللا‬ ‫عليت ثياب بيض»‪ .‬قال اييثمي ورو أبو يعل بس ـ ٍ‬
‫ُّ‬
‫أن ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ـ ـ ـ ــئل عن ورقة بن نوفل‪ ،‬فقال «أبص ـ ـ ـ ـرتت يف‬ ‫عنهما َّ‬

‫َّمد الصادق عرجون (‪.)232/1‬‬‫(‪ )1‬انظر حممد ر ول هللا ‪َّ ،‬‬


‫اَّكت جانب َّ‬
‫مكة ‪ ،‬أو بطاحها ‪ ،‬وظواهرها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬بطن َّ‬
‫(‪ )3‬رية ابن ه ام (‪.)194/1‬‬
‫‪104‬‬
‫(‪)1‬‬
‫[أبو يعلى (‪ )2047‬وجممع الزوائد (‪. ])416/9‬‬ ‫السندس»‬‫بطْنان اجلنَّة وعليت ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم َّا يا من‬ ‫لقد قامت خدجية ر ي هللا عنها بدوٍر ٍ‬
‫مهم يف حياة الن ِ‬
‫ـية يف جمتمع قومها‪ ،‬وَّا جبلت عليت من الكفاءة يف اااحت النَّفس ـ ـ ـيَّة‪ ،‬الَّيت تقوم عل‬ ‫ش ـ ـ ــهص ـ ـ ـ ٍ‬
‫الر ول‬ ‫الرحة‪ ،‬واحللم‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬واحلايم‪ ،‬و ري ذلك من مكارم األخالق‪ .‬و َّ‬ ‫األخالق العالية من َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـةً‬
‫الايوجة اَّثاليَّة ألنَّت قدوة للعاَّ ‪ ،‬وخا َّ‬ ‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم قد وفقت هللا تعاىل إىل هذه َّ‬
‫الـ ُّـدعــاة إىل هللا‪ ،‬فقيــام خــدجيــة بــذلــك الــدَّور الكبري إعالم من هللا تعــاىل جلميع حلــة الــدَّعوة‬
‫ال الميَّة مبا ي ري يم أن يسلكوه يف هذا ااال‪ ،‬من التأ ِ ي بر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬
‫حض يتلقَّق يم بلوغ اَّقاهللاد العالية الَّيت يسعون لتلقيقها(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫إن الس ــيدة خدجية ر ــي هللا عنها مثال حس ــن‪ ،‬وقدوة رفيعة لايوجات الدُّعاة‪ ،‬فالدَّاعية إىل‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع أن يكون مثلهم يف‬ ‫الرجال الَّذين هم بعيدون عن أعباء الدَّعوة‪ ،‬ومن ال َّ‬ ‫هللا ليس كباقي ِ‬
‫الة‪ ،‬شه ٍم عل ياي َّأمتت‪ ،‬وانت ار الفساد‪ ،‬وزَيدة شوكة أهلت‪،‬‬ ‫شيء إنَّت هللااح ه ٍم‪ ،‬ور ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫ش‬
‫ٍ‬
‫وإذحل‪،‬‬ ‫ات‪ ،‬وظل ٍم‪ٍ ،‬‬
‫وجوي‪،‬‬ ‫وه ٍم َّا يص ـ ــي اَّس ـ ــلم يف م ـ ــارق األرض‪ ،‬وم ارهبا‪ ،‬من مؤامر ٍ‬
‫ش‬
‫وتنكيل‪ ،‬وبعد ذلك هو هللاــاح ر ــالة واج‬ ‫ٍ‬ ‫يد‪ ،‬وتضـ ٍ‬
‫ـييق‪،‬‬ ‫وما يصــي الدُّعاة منهم من ت ـر ٍ‬
‫عليت تبلي ها لآلخريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬وهذا الواج يتطلَّ وقتاً طويالً رخذ عليت أوقات نومت‪ ،‬وراحتت‪،‬‬
‫وأوقات زوجتت‪ ،‬وأبنائت‪ ،‬ويتطلَّ تضــليةً ابَّال والوقت‪ ،‬والدُّنيا أب ــرها‪ ،‬ما دام ذلك يف ــبيل‬
‫الايوجة من األخالق‪ ،‬والتَّقو ‪ ،‬واجلمال‪ ،‬واحلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ما أوتيت‪ ،‬إنَّت‬ ‫هللا ومر ـ ـ ـ ـ ــاتت‪ ،‬وإن أوتيت َّ‬
‫يتلملت من‬‫الايوً‪ ،‬وما َّ‬ ‫تاً إىل زوجة تدرك واج الدَّعوة‪ ،‬و ِ‬
‫أليتها‪ ،‬وتدرك َتاماً ما يقوم بت َّ‬
‫مهمتت وتعينت عليها‪ ،‬ح أن تقف عائقاً‪،‬‬ ‫أعباء‪ ،‬وما يعانيت من م ـاق‪ ،‬فتقف إىل جانبت تي ِسـر لت َّ‬
‫وشوكةً يف طريقت(‪.)3‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـاحلة يا أثر يف ُا الدَّعوة‪ ،‬وقد اتَّضـ ـ ـ ـ ـ ذلك يف موقف خدجية ر ـ ـ ـ ــي هللا‬ ‫َّ‬
‫إن اَّرأة ال َّ‬
‫مرةٍ‪،‬‬
‫ألول َّ‬ ‫عنها‪ ،‬وما قامت بت من الوقو قان النَّ ِب هللال هللا عليت و لم وهو يواجت الوحي َّ‬
‫الر ــالة‪ ،‬يا دور عظيم يف ُا زوجها يف‬ ‫اَّؤهلة حلمل مثل هذه ِ‬
‫ص ـاحلة َّ‬ ‫الايوجة ال َّ‬
‫أن َّ‬‫ـك َّ‬ ‫وح شـ َّ‬
‫وإن الدَّعوة إىل هللا تعاىل هي أعظم‬ ‫مهمتت يف هذه احلياة‪ ،‬و اهللا ـ ٍـة األمور اليت يعامل هبا النَّاس‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬بطنان البطنان من ال َّيء و طت‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)69/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر وقفات تربوية من ِ‬
‫السرية النبوية ‪ ،‬للبالس ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪105‬‬
‫فَن ذلك من ِ‬
‫أهم أ ـ ـ ـ ــباب‬ ‫ـاحلة ذات كفاءةٍ‪َّ ،‬‬ ‫يتلملت الب ـ ـ ـ ــر‪ ،‬فَذا وفِق الدَّاعية ٍ‬
‫لايوجة هللا ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫أمر َّ‬
‫ُاحت مع ا خرين(‪ ،)1‬وهللا ــدق ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم إذ يقول «الدُّنيا متاي‪ ،‬وخري‬
‫الصاحلة» [أمحد (‪ )168/2‬ومسلم (‪ )1467‬والنسائي يف السنن الكرب (‪ )5325‬وابن ماجه (‪. ])1855‬‬
‫متاي الدُّنيا اَّرأة َّ‬
‫للسيدة خدجية رضي هللا عنوا‪:‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم َّ‬
‫سابعاً‪ :‬وفاء الن ِّ‬

‫ورد اجلميل ألهلت‪ ،‬فقد كان يف‬ ‫كان ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مثاحً عالياً للوفاء‪ِ ،‬‬
‫اية الوفاء مع زوجتت اَّهلصــة يف حياهتا‪ ،‬وبعد ااهتا‪ ،‬وقد ب َّ ـرها هللاــل هللا عليت و ــلم ٍ‬
‫ببيت‬
‫جل وعال ‪ -‬و الم جربيل عليت السالم‪ ،‬فعن أيب هريرة‬ ‫يف اجلنَّة يف حياهتا‪ ،‬وأبل ها الم هللا ‪َّ -‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقال َي ر ــول هللا! هذه خدجية‬ ‫ر ــي هللا عنت قال «أت جربيل الن َّ‬
‫قد أتتك‪ ،‬معها إانء فيت إدام ‪ -‬أو طعام‪ ،‬أو ش ـ ـ ـ ـراب ‪ -‬فَذا هي أتتك فاقرأ عليها ال َّس ـ ـ ـ ـالم من‬
‫صـ ـ ـ ـ ش »‬ ‫صـ ـ ـ ـ ٍ ح ش‬
‫هللاـ ـ ـ ـ شه ش فيت‪ ،‬وح نش ش‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫وجل ‪ -‬وم ‪ ،‬وب ـ ـ ـ ـرها ببيت يف اجلنَّة من قش ش‬ ‫عاي َّ‬ ‫رِهبا ‪َّ -‬‬
‫[البخاري (‪ )3820‬ومسلم (‪.])2432‬‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم خلدجية بعد وفاهتا بقويا‬ ‫وتذكر عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها وفاء الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ما رت عل خدجية‪ ،‬وما رأيتها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أحد من نس ـ ــاء الن ِ‬ ‫«ما رت عل‬
‫قطعها أعض ـ ــاء‪ ،‬مثَّ‬ ‫ولكن كان النَّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يكْثِر ذكرها‪ ،‬ورمبا ذب ال َّ ـ ـ ـاة‪ ،‬مثَّ ي ِ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫يبعثها يف هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدائق خدجية‪ ،‬فرمبا قلت لت كأنَّت يكن يف الدُّنيا امرأة إح خدجية؟ فيقول َّإ‪،‬ا‬
‫كانت‪ ،‬وكانت‪ ،‬وكان س منها ولد» [البخاري (‪ )3818‬ومسلم (‪ )2435‬واللفظ للبخاري] ‪.‬‬

‫السرور ألخت خدجية‪ ،‬ل ـ ـ َّـما ا تأذنت عليت ُّ‬


‫لتذكره‬ ‫وأظهر هللال هللا عليت و لم الب اشة‪ ،‬و ُّ‬
‫خدجية‪ ،‬فعن عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها قالت «ا ـ ـ ــتأذنت هالة بنت خويلد أخت خدجية عل‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪ ،‬فعر ا تئذان خدجية(‪ )3‬فارات لذلك‪ ،‬فقال اللهم هالة بنت‬
‫خويلد! ف ِْرت‪ ،‬فقلت وما تشذْكر من ع وٍز من ع ائاي قريش‪ ،‬حراء ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْدقش ْ ِ (‪ )4‬هلكت يف‬ ‫ٍ‬
‫الدَّهر فأبدلك هللا خرياً منها» [البخاري (‪ )3821‬ومس ـ ـ ـ ــلم (‪ . ])2437‬وأظهر هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬

‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)68/1‬‬


‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال ِ‬
‫(‪ )2‬يعىن من لؤلؤ ‪ ،‬أو ذه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يع لت ابت هللاوتيهما‪.‬‬
‫(‪ )4‬يع ح أ نان يا من الكرب‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫احلفاوة ابمرأةٍ كانت أتتيهم زمن خدجية‪ ،‬وب َّ أن حفم العهد من الميان(‪.)1‬‬
‫اثمناً‪ :‬سنَّة تكذيب املرسلني‪:‬‬

‫«َي ليت فيها شج شذعاً! ليت أكون حياً إذ خيرجك قومك! فقال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬
‫ودأ‪ ،‬وإن‬ ‫ملرجي هم؟!» قال نعم رت رجل ُّ‬
‫قا مبثل ما جئت بت إح ع ش‬ ‫َّ‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم « شأو‬
‫أنصرك نصراً مؤزراً» [البخاري (‪ )3‬ومسلم (‪ ،])160‬فقد ب َّ احلديث نَّةً من نن األمم‬ ‫ْ‬ ‫يدرْك يومك‬
‫عاي وجل ‪ -‬وهي التَّكذي ‪ ،‬والخراً‪ ،‬كما قال تعاىل عن قوم لوط‬ ‫مع شم ْن يدعوهم إىل هللا ‪َّ -‬‬
‫وط ِم ْن قشـ ْريشتِك ْم إِ َّ‪ْ ،‬م أ شانس يشـتشطش َّهرو شن ﴾‬
‫آل ل ٍ‬
‫اب قشـ ْوِم ِت إِحَّ أش ْن قشالوا أخرجوا ش‬
‫﴿فش شما شكا شن شج شو ش‬
‫[النمل‪. ]56 :‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫َّك شَيشـ ـ ـ شعْي شوالذ ش‬ ‫ين ا ْ ـ ـ ـتشك شْربوا ِم ْن قشـ ْوِم ِت لشن ْه ِر شجن ش‬ ‫ٍ‬
‫وكما قال قوم ش ـ ــعي ﴿قش شال الْ شم ش الذ ش‬
‫ه ش ﴾ [األعراف‪.]88 :‬‬ ‫آمنوا معك ِمن قشـريتِنا أشو لشتـعود َّن ِيف ِملَّتِنا قش شال أشولشو كنَّا شكا ِرِ‬
‫شْ‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش ش ْ ْش ش ْ ش‬
‫ين شك شفروا لِر ـ ـلِ ِه ْم لشن ْه ِر شجنَّك ْم ِم ْن أ ْشر ِ ـ ـنشا أ ْشو لشتشـعود َّن ِيف ِملَّتِنِا فشأ ْشو شح‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿وقش شال الذ ش‬ ‫وقال تعاىل ش‬
‫م ش ﴾ [إبراهيم‪.]13 :‬‬ ‫إِلشي ِهم رُّهبم لشنـهلِ شك َّن الظَّالِ ِ‬
‫ْ ْش ْ ْ‬
‫اتسعاً‪ :‬قوله‪( :‬وفرت الوحي)‪:‬‬

‫حتدَّث علماء ال ِسـ ـ ـرية قدمياً‪ ،‬وحديثاً عن ف ة الوحي‪ ،‬فقال احلافم ابن ح ر وفتور الوحي‬
‫الايمان‪ ،‬وكان ذلك ليذه ما كان هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم وجده من‬ ‫مدةً من َّ‬ ‫عبارة عن أتخره َّ‬
‫الروي‪ ،‬وليلصل لت التَّ ش ُّو (‪ )2‬إىل العود(‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قال وهو ِدث عن ف ة‬ ‫ـارأ َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫وعن جابر بن عبد هللا األنصـ ِ‬
‫الوحي «بينا أان أم ـي إذ مسعت هللاـواتً من ال َّسـماء‪ ،‬فرفعت بصـرأ‪ ،‬فَذا الْ شملشك الَّذأ جاءين‬
‫حبراء جالس عل كر ـ ٍـي ب ال َّس ـماء‪ ،‬واألرض‪ ،‬فشـرعبت منت‪ ،‬فرجعت فقلت زملوين! فأنايل هللا‬
‫ك فش شكِ ْرب *وثِيشـابشـ ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْجشاي فشـ ْاه ْر ﴾‪،‬‬
‫*و ُّ‬
‫ك فشطشه ْر ش‬ ‫ش‬ ‫*وشربَّـ ش‬‫﴿َيأشيـُّ شه ـا الْم ـدَّثر *ق ْم فشـأشنْـذ ْر ش‬
‫تعــاىل فش شلم شي ش‬
‫وتتابع» [البخاري (‪ )4‬ومسلم (‪. ])161‬‬

‫اس ما‬‫ـعد عن ابن عبَّ ٍ‬ ‫الرحن اَّباركفورأ « َّأما مدَّة ف ة الوحي فرو ابن ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـفي َّ‬ ‫وقال هللا ـ ـ ـ ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر التاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)71/1‬‬


‫(‪ )2‬التَّ ش ُّو التطلُّع‪.‬‬
‫(‪ )3‬فت البارأ (‪.)36/1‬‬
‫‪107‬‬
‫يفيد َّأ‪،‬ا كانت أَيماً‪ ،‬وهذا الذأ ي َّج بل يتع َّ بعد إدارة النظر يف يع اجلوان ‪ ،‬و َّأما ما‬
‫حبال‪ ،‬وليس هذا مو ع‬ ‫اشتهر من َّأ‪،‬ا دامت طيلة ثالث ن ‪ ،‬أو نت ونصف فال يص ُّ ٍ‬
‫التفصـ ـ ــيل يف ِرده‪ .‬وقد بقي ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف أَيم الف ة كئيباً حمايوانً تع يت‬
‫احلرية‪ ،‬والدَّه ة»(‪.)1‬‬
‫البهارأ يف هللاـ ـ ــليلت أنَّت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم حاين حايانً دا منت مراراً كي‬ ‫ُّ‬ ‫ولقد ذكر‬
‫ي َّد من ريوس ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواهق اجلبال‪ ،‬فكلَّما أو بذروة جبل لكي يـ ْلقي منت نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تشـشب َّد لشت‬
‫وتقر نفســت‪ ،‬فريجع‪ ،‬فَذا‬ ‫جربيل‪ ،‬ف شقال َي حممد! إنَّك ر ــول هللا حقاً‪ ،‬فيســكن لذلك جأشــت‪ُّ ،‬‬
‫فقال لت مثل‬ ‫تبد لت جربيل‪ ،‬ش‬ ‫طالت عليت ف ة الوحي دا َّثل ذلك‪ ،‬فَذا أو بذروة جبل َّ‬
‫ذلك [البخاري (‪ )6982‬وابن حبان (‪ )33‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])138/2‬‬

‫***‬

‫الرحيق اَّهتوم ‪ ،‬ص ‪.80 ، 79‬‬


‫انظر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪108‬‬
‫املبحث الثَّاين‬
‫لدعوة ِّ‬
‫الس ِّريَّة‬ ‫ا َّ‬
‫الرابيني بتبليغ ِّ‬
‫الرسالة‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬األمر َّ‬
‫الرحيم الكر ‪ ،‬وجاءه‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم معرفة اليق أنَّت أهللا ـ ـ ــب نبياً هلل َّ‬ ‫عر الن ُّ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الْمدَّثِر *ق ْم شفأشْن ِذ ْر‬‫نبيت قولت تعاىل ش‬ ‫للمرة الثَّانية‪ ،‬وأنايل هللا عل ِ‬ ‫جربيل عليت الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالم َّ‬
‫ك فشطش ِهر﴾ [املدثر‪.]4 - 1:‬‬ ‫ك فش شكِرب ِ‬
‫*وثيشابش ش ْ‬ ‫*وشربَّ ش ْ ش‬ ‫ش‬
‫أبن اَّا ـ ـ ــي قد انته‬ ‫للر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم َّ‬ ‫كانت هذه ا َيت اَّتتابعة إيذاانً َّ‬
‫مبنامت‪ ،‬وهدوئت‪ ،‬وأنَّت أمامت عمل عظيم‪ ،‬يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدعي اليقظة‪ ،‬والتَّ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمري‪ ،‬والنذار‪ ،‬والعذار‪،‬‬
‫ليقو عل عنائت فَنَّت مصــدر ر ــالتت‪ ،‬ومدد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فليلمل الر ــالة‪ ،‬وليوجت الناس‪ ،‬وليأنس ابلوحي‪ ،‬و ش‬
‫دعوتت(‪.)1‬‬
‫وتعد هذه ا َيت َّأول أم ٍر بتبلي الدَّعوة‪ ،‬والقيام ابلتَّبعة‪ ،‬وقد أشارت هذه ا َيت إىل أمور‬ ‫ُّ‬
‫كلت‪ ،‬وهي‬ ‫ـالمية الَّيت ب عليها ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ُّ‬ ‫اَّمدية‪ ،‬واحلقائق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫هي خالهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الدَّعوة َّ‬
‫الوحدانيَّة‪ ،‬والميان ابليوم ا خر‪ ،‬وتطهري النُّفوس‪ ،‬ودفع الفساد عن اجلماعة‪ ،‬وجل النَّفع(‪.)2‬‬
‫كانت هذه ا َيت هتيي اً لعايمية ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم لينهض بع ء ما كلِفت‬
‫من تبلي ر ـ ـ ـ ـ ــاحت ربِت‪ ،‬فيمض ـ ـ ـ ـ ــي قدماً بدعوتت‪ ،‬ح يباس العقبات‪ ،‬واحلواجاي‪ .‬كان هذا النِداء‬
‫الراحة‪ ،‬وجاء عق هذا‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الْ مدَّثِر ﴾‪ ،‬وتوديعاً ألوقات النَّوم‪ ،‬و َّ‬ ‫متلط فاً إيذاانً ب ـ ـ ـ ـ ـ ــلذ ش‬
‫ِ‬
‫تتلرك يف اد ــاه حتقيق واجـ ـ‬ ‫وقوةٍ ح ــازم ـ ٍـة‪َّ ،‬‬ ‫الن ــداء األمر اجل ــازم ابلنُّهوض يف عايمي ـ ٍـة ﴿ق ْم﴾‪َّ ،‬‬
‫خطاب وِجت إىل الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ـل هللا‬ ‫ٍ‬ ‫التَّبلي ‪ ،‬ويف جميء األمر ابلنذار منفرداً عن التَّب ـ ـ ـ ــري‪ .‬يف َّأول‬
‫ص ـبور‪ ،‬واجلهاد اَّرير‪ ،‬مثَّ‬ ‫أبن ر ــالتت تعتمد عل الكفا ال َّ‬ ‫عليت و ــلم بعد ف ة الوحي ‪ -‬إيذان َّ‬
‫ض ـت عل اَّضــي قدماً‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وشـ ِـد أزره‪ ،‬وح ِ‬ ‫زادت ا َيت يف تقوية عايمية الن ِ‬
‫ش‬
‫إىل اية ما أمر بت‪ ،‬ري عابئ مبا يع ض طريقت من عقبات‪ ،‬مهما يكن ش ـ ـ ـ ــأ‪،‬ا‪ ،‬فقيل لت أأ‬
‫ح تعظم ش ـ ـ ـ ـ ــيئاً من أمور اخللق‪ ،‬وح يتعاظمك منهم ش ـ ـ ـ ـ ــيء‪ ،‬فال تتهيَّ فعالً من أفعايم ‪ ،‬وح‬

‫السرية ‪ ،‬لل اياس ‪ ،‬ص ‪.90‬‬‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬د‪ .‬كامل المة ‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪109‬‬
‫األمهات‪،‬‬ ‫تعهدك وأنت يف أهللاالب احابء‪ ،‬وأرحام َّ‬ ‫تعظم إح ربَّك‪ ،‬الَّذأ َّ‬ ‫هش أحداً منهم ‪ ،‬وح ِ‬
‫ش‬
‫حض أخرجك للنَّاس نبياً‪ ،‬ور ـ ـ ــوحً‪ ،‬بعد أن‬ ‫فرَّابك عل موائد فض ـ ـ ــلت‪ ،‬ورعاك نحس ـ ـ ــانت وجوده َّ‬
‫فكل تعظي ٍم وتكب ٍري وإجالل حق هلل تعاىل‬ ‫ُّ‬ ‫أعدَّك خ ْلقاً وخلقاً لتلمل أمانة أعظم ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحتت‬
‫ك فش شكِ ْرب ﴾‪ ،‬ح ي اركت فيت أحد‪ ،‬أو شيء من مللوقاتت(‪.)1‬‬ ‫﴿وشربَّ ش‬
‫ش‬
‫تطهرك بفطرتك يف‬ ‫ك فشطش ِه ْر ﴾ فأنت عل طهرك و ُّ‬ ‫ِ‬
‫﴿وثيشابش ش‬
‫ويف قولت تعاىل فكأنَّت قيل لت ش‬
‫نبوتت ليعدَّك‬ ‫كمال إنســانيَّتك‪ ،‬مبا جبلك هللا عليت من أكرم مكارم األخالق‪ ،‬ومبا حباك بت من َّ‬
‫تطهرك النَّفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬فتايداد من اَّكـارم يف حيـاتـك مع‬
‫هبـا ليومـك هـذا ‪ -‬أحوً إىل أن تايداد يف ُّ‬
‫احجتماعي‬
‫ِ‬ ‫الناس واألشــياء‪ ،‬فأنت اليوم ر ــول هللا إىل العاَّ ‪ ،‬وكمال ِ‬
‫الر ــالة يف كمال اخللق‬
‫اجلد يف تبلي الدَّعوة إىل هللا تعاىل‪ ،‬وح يثنيك إيذاء‬ ‫ِ‬ ‫هللا ـرباً‪ ،‬وحلماً‪ ،‬وعفواً‪ ،‬وإحســاانً‪ ،‬ودأابً عل‬
‫وح يقعدك عن اَّضي إىل ايتك فاد البالء(‪.)2‬‬
‫الر ْجشاي فش ْاه ْر ﴾ ليكن قصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدك‪ ،‬ونيَّتك يف تركك ما‬ ‫﴿و ُّ‬
‫ويف قولت تعاىل فكأنَّت قيل لت ش‬
‫تطهره ــا هب ــداي ــة‬
‫ترك ــت فطرةً‪ ،‬وطبع ـ ـاً ه ره تكليف ـ ـاً‪ ،‬وتعبُّـ ـداً لتكون ق ــدوة َّأمت ــك‪ ،‬وعنوان ُّ‬
‫ر التك(‪.)3‬‬
‫الدعوة ِّ‬
‫الس ِّريَّة‪:‬‬ ‫اثنياً‪ :‬بدء َّ‬

‫بعد نايول آَيت اَّدثر‪ ،‬قام ر ـ ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يدعو إىل هللا‪ ،‬وإىل ال ـ ــالم‬
‫راً‪ ،‬وكان طبيعياً أن يبدأ أبهل بيتت‪ ،‬وأهللادقائت‪ ،‬وأقرب النَّاس إليت‪.‬‬
‫السيدة خدجية رضي هللا عنوا‪:‬‬
‫‪ - 1‬إسالم َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم من النِس ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬بل َّأول من آمن بت عل‬
‫كان َّأول من آمن ابلن ِ‬
‫الطالق‪ ،‬ال َّس ـ ـ ـ ـيدة خدجية ر ـ ـ ـ ــي هللا عنها‪ ،‬فكانت َّأول من ا ـ ـ ـ ــتمع إىل الوحي اليي من فم‬
‫الر ـ ـ ــول الكر هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وكانت َّأول من تال القرآن بعد أن مسعتت من هللا ـ ـ ــوت‬ ‫َّ‬
‫الر ــول العظيم هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وكانت كذلك َّأول من تعلَّم ال َّ‬
‫صـالة من ر ــول هللا هللاـل‬ ‫َّ‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فبيتها هو َّأول مكان تلي فيت َّأول وح ٍي نايل بت جربيل عل قل اَّص ـ ـ ـ ــطف‬

‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬مد الصادق عرجون (‪ 589/1‬ـ ‪ )591‬بتصر ٍ كبري‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.592‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.593‬‬
‫‪110‬‬
‫الكر بعد ار حراء(‪.)1‬‬
‫صـ ـ ـالة‪ ،‬وقد جاء يف‬ ‫ـيء فر ـ ــت هللا من ال ـ ـ ـرائع بعد القرار ابلتَّوحيد‪ ،‬إقامة ال َّ‬‫كان َّأول ش ـ ـ ٍ‬
‫ص ـ ـ ـالة‪ ،‬ح‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم زوجت خدجية الو ـ ــوء‪ ،‬وال َّ‬ ‫األخبار حديث تعليم َّ‬
‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت عل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا أاته جربيـل وهو أبعل م َّكـة‪ ،‬فهماي لـت شبعقب ِـت يف انحيـة الوادأ‪،‬‬
‫فانف رت منت ع ‪ ،‬فتو َّ ـ ـأ جربيل عليت الس ــالم‪ ،‬ور ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ينظر ِ‬
‫لرييشت‬
‫صـالة‪ ،‬مثَّ تو َّـأ ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم كما رأ جربيل تو َّـأ‪ ،‬مثَّ قام‬ ‫كيفية الطُّهور لل َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم بصــالتت‪ ،‬مثَّ انصــر جربيل‬ ‫جربيل عليت الســالم فص ـلَّ بت‪ ،‬وهللا ـلَّ الن ُّ‬
‫عليت الس ــالم‪ ،‬ف اء ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم خدجية ر ــي هللا عنها‪ ،‬فتو َّ ـ ـأ يا يريها‬
‫ص ـالة‪ ،‬كما أراه جربيل عليت الســالم‪ ،‬فتو َّ ـأت كما تو َّ ـأ ر ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫كيف الطُّهور لل َّ‬
‫عليت و ــلم ‪ ،‬مثَّ هللا ـلَّ هبا ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬كما هللا ـلَّ بت جربيل عليت الســالم‪،‬‬
‫فصلَّت بصالتت‪[ .‬ابن هشام (‪. ])261 - 260/1‬‬

‫طالب رضي هللا عنه‪:‬‬ ‫علي بن أب ٍ‬ ‫‪ - 2‬إسالم ِّ‬


‫علي بن أيب طال يف ال ـ ــالم‪ ،‬وكان َّأول من آمن من‬ ‫وبعد إميان ال َّسـ ـ ـيدة خدجية‪ ،‬دخل ُّ‬
‫ربأ‪ ،‬وابن‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـبيان‪ ،‬وكانت ـ ـ ـ ـ ــنت إذ ذاك ع ـ ـ ـ ـ ــر ـ ـ ـ ـ ــن عل أرج األقوال‪ ،‬وهو قول الطَّ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫إ ـ ـ ـ ــلاق(‪ ،)2‬وقد أنعم هللا عليت أبن جعلت ي َّىب يف ح ر ر ـ ـ ـ ـولت هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم قبل‬
‫عمت أيب طال و ـ ـ َّـمت إليت(‪ ،)3‬وكان علي ر ـ ــي هللا عنت اثلث من‬ ‫ال ـ ــالم‪ ،‬حيث أخذه من ِ‬
‫الصالة بعد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وبعد خدجية ر ي هللا عنها(‪.)4‬‬ ‫أقام َّ‬
‫ص ـالة‬
‫أن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم كان إذا حضــرت ال َّ‬ ‫وقد ذكر بعض أهل العلم َّ‬
‫علي بن أيب طال ٍ مس ـ ـ ــتهفياً من أبيت‪ ،‬ومن يع أعمامت‪،‬‬ ‫مكة‪ ،‬وخرً معت ُّ‬ ‫خرً إىل ش ـ ـ ــعاب َّ‬
‫ص ـ ـلوات فيها‪ ،‬فَذا أمس ـ ــيا رجعا ليض ـ ـ َّـمهما ذلك البيت الطَّاهر الت ُّ‬
‫َّقي‬ ‫و ـ ــائر قومت‪ ،‬فيص ـ ــلِيان ال َّ‬
‫ت(‪.)5‬‬ ‫ابلميان‪ ،‬اَّفعم بصدق الوفاء‪ ،‬وكرم الْمْنبِ ِ‬
‫ش‬

‫َّبوأ ‪ ،‬د‪ .‬عصمة ِ‬


‫الدين كركر ‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫(‪ )1‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫(‪ )2‬ا ِ‬
‫لسرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)284/1‬‬
‫(‪ )3‬ابن ه ام (‪.)246/1‬‬
‫(‪ )4‬عيون األثر ‪ ،‬حبن يِد الناس (‪.)115/1‬‬
‫َّبوأ‪ .‬د‪ .‬عصمة ِ‬
‫الدين ‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫(‪ )5‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫‪111‬‬
‫‪ - 3‬إسالم زيد بن حارثة رضي هللا عنه‪:‬‬
‫هو َّأول من آمن ابلدَّعوة من اَّواس(‪ِ ،)1‬ح ُّ الن ِ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وموحه‪ ،‬ومتشبنَّاه‬
‫الكلب‪ ،‬الَّذأ آثر ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عل والده‪ ،‬وأهلت عندما‬
‫ُّ‬ ‫زيد ابن حارثة‬
‫مكة ل رائت من ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ف ك ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫جايوا إىل َّ‬
‫لاييد‪ ،‬فقال زيد لر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا ما أان ابلذأ أختار عليك أحداً‪ ،‬وأنت م ِ مبنايلة األب‪،‬‬ ‫األمر ٍ‬
‫احلريَّـة‪ ،‬وعل أبيــك‪ ،‬وع ِمـك‪ ،‬وأهــل‬ ‫و ِ‬
‫العم‪ ،‬فقــال لــت والــده‪ ،‬وع ُّمـت و ــك! هتــار العبوديَّـة عل ِ‬
‫الرجل شيئاً ما أان ابلَّذأ أختار عليت أحداً أبداً(‪.)2‬‬‫وإين رأيت من هذا َّ‬ ‫بيتك! قال نعم! ِ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ - 4‬بنات الن ِّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬كل من زين ‪ ،‬و ِأم كلثوم‪،‬‬ ‫وكذلك ــاري إىل ال ــالم بنات الن ِ‬
‫وفاطمة‪ ،‬ورقيَّة‪ ،‬فقد أتثـَّْر شن قبل البعثة بو َّ‬
‫الدهن هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف اح ـ ـ ــتقامة‪ ،‬وحس ـ ـ ــن‬
‫عما كان يفعلت أهل اجلاهليَّة‪ ،‬من عبادة األهللاـ ـ ــنام‪ ،‬والوقوي يف ا اثم‪ ،‬وقد أتثَّرن‬ ‫ال ِس ـ ـ ـرية‪ ،‬والت ُّ‬
‫َّنايه َّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّأول أ ـ ــرةٍ‬
‫الدهتن فأ ـ ــرعن إىل الميان(‪ .)3‬وبذلك أهللا ـ ــب بيت الن ِ‬ ‫بو َّ‬
‫األول مكانة عظم يف اتري‬ ‫مؤمنة ابهلل تعاىل‪ ،‬منقادةٍ ل ــرعت يف ال ــالم‪ ،‬ويذا البيت الن ِ‬
‫َّبوأ َّ‬ ‫ٍ‬
‫ص ـت ب ــر األ ــبقية يف الميان‪ ،‬وتالوة القرآن‪،‬‬
‫الدَّعوة ال ــالميَّة َّا حباه هللا بت من ماياَي‪ ،‬وخ َّ‬
‫الصالة فهو‬ ‫وإقام َّ‬
‫السماء بعد ار حراء‪.‬‬ ‫مكان تلي فيت وحي َّ‬‫* َّأول ٍ‬

‫السبق إىل ال الم‪.‬‬ ‫* و َّأول ٍ‬


‫بيت َّم اَّؤمنة األوىل ابقة َّ‬
‫الصالة‪.‬‬
‫* و َّأول بيت أقيمت فيت َّ‬
‫* وأول بيت اجتمع فيت اَّؤمنون الثَّالثة ال َّسـ ـ ـ ـابقون إىل ال ـ ـ ــالم خدجية‪ ،‬وعلي‪ ،‬وزيد بن‬
‫حارثة‪.‬‬
‫تعهد ابلنُّص ـ ـ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬و يتقاعس فيت فرد من أفراده ‪ -‬كباراً‪ ،‬أو هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اراً ‪ -‬عن‬
‫* و َّأول بيت َّ‬

‫السيد ‪ ،‬وعل اَّملوك الذأ أعتق ‪ ،‬وهو اَّراد هنا‪.‬‬


‫يطلق اَّوىل عل َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫حممد قلع ي ‪ ،‬ص ‪.191‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫انظر درا ة حتليلية ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)284/1‬‬
‫‪112‬‬
‫مساندة الدَّعوة(‪.)1‬‬
‫ُّق يذا البيت أن يكون قدوًة‪ ،‬و ُّق لربَّتت أن تكون مثاحً‪ ،‬وجو شذجاً حياً لبيوت اَّس ـ ــلم ‪،‬‬
‫صـ ـ ـدق‪ ،‬واألمان‪،‬‬ ‫فالايوجة فيت طاهرة‪ ،‬مؤمنة‪ ،‬مللص ـ ــة‪ ،‬وزيرة ال ِ‬ ‫ولنس ـ ــائهم‪ ،‬ورجال اَّؤمن كافَّةً َّ‬
‫ض ـ ـد‪ ،‬ورفيق‪ ،‬والْمتشـبش َّىن مؤمن‪ ،‬هللا ــادق‪ ،‬مس ــاعد‪،‬‬ ‫العم اَّض ــون‪ ،‬واَّكفول مس ــت ي ‪ ،‬ومع ِ‬ ‫وابن ِ‬
‫مصدقات‪ ،‬مست يبات‪ ،‬مؤمنات‪ ،‬اتثالت(‪.)2‬‬ ‫ومع ‪ ،‬والبنات ِ‬
‫لقد اكتس ـ ـ ـ هذا البيت أبهب حلل الميان‪ ،‬وأ ـ ــاء أركانشت قبس نور التَّص ـ ــديق‪ ،‬فكان ب‬
‫الايوج التَّ اوب‪ ،‬والتَّكافل‪ ،‬وذَّ بذلك دس ـ ـ ـ ـ ـ ــيد معىن قولت تعاىل يف حمكم تناييلت ﴿ه شو الَّ ِذأ‬ ‫َّ‬
‫ت حشْالً شخ ِفي ًفا‬ ‫اها شحشلش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خلش شقكم ِمن نـَّ ْف ٍ ِ ٍ‬
‫س شواح شدة شو شج شع شل مْنـ شها شزْو شج شها ليش ْس ـك شن إِلشْيـ شها فشل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما تشـ ش َّ ـ ش‬ ‫ش‬
‫ن ِمن ال َّاكِ ِرين﴾ [األعراف‪. ]189 :‬‬ ‫ت بِِت فشل َّـما أشثْـ شقلشت َّد شعوا اَّللش شرَّهبما لشئِ ْن آتشـْيـتشـنشا ش ِ َّ‬
‫ش‬ ‫هللااحلاً لنشكونش َّ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫فش شمَّر ْ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف جمال ال َّ بية يف قولت «ما من‬ ‫وفيت أيض ـاً دســيد ما روأ عن الن ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـرانت‪ ،‬أو ميش ِ س ـ ـ ـ ـ ــانت» [البخاري (‪ )1358‬ومسـ ـ ـ ــلم‬ ‫لود إح يولد عل الفطرة‪ ،‬فأبواه يـه ِودانت‪ ،‬أو ين ِ‬ ‫مو ٍ‬
‫ش‬
‫(‪ ])2658‬ومن ا ـ ــتقامة ال َّ بية كان بناتت ر ـ ــي هللا عنهن من ال َّس ـ ـابقات إىل التَّصـ ــديق‪ ،‬والميان‪،‬‬
‫َّبوأ مكانتت األوىل‪ ،‬والواج يدعو إىل أن يكون قدوتنا‪ ،‬واألجوذً الَّذأ‬ ‫وهكذا كان للبيت الن ِ‬
‫ص ـ ـدق‪ ،‬والتَّصـ ــديق‪ ،‬يف اح ــت ابة‪ ،‬والعمل‬ ‫نس ــري عل هديت‪ ،‬يف اَّعاش ــرة‪ ،‬ومثاليَّة ال ُّس ـ ـلوك ابل ِ‬
‫الر ِ‬
‫ابين ت ـ ـ ـ ــري إىل‬ ‫إن احلقيقة البارزة يف اَّنهت َّ‬ ‫مبلم ٍد نبياً‪ ،‬ور ـ ـ ـ ــوحً(‪َّ .)3‬‬ ‫لكل من آمن ابهلل رابً‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫حلقة من حلقات الهللاــال ‪ ،‬والبناء‪ ،‬مثَّ ااتمع‬ ‫كأول ٍ‬ ‫ص ـاحلة َّ‬ ‫ص ـاأ‪ ،‬واأل ــرة ال َّ‬ ‫أليَّة بناء الفرد ال َّ‬
‫أأ عمل آخر‪،‬‬ ‫ص ـاأ‪ ،‬ولقد دلَّت عناية ال ــالم ابلفرد اَّســلم‪ ،‬وتكوينت‪ ،‬ووجوب أن يســبق َّ‬ ‫ال َّ‬
‫اجتماعي‪ ،‬ويذا كانت األ ــرة هي اليت تســتقبل الفرد‬
‫ٍ‬ ‫الاياوية يف أأ ٍ‬
‫بناء‬ ‫فالفرد اَّســلم هو ح ر َّ‬
‫مد ًة طويلةً من حياتت‪ ،‬بل هي الَّيت حتيا بت طوال حياتت‪ ،‬هي اَّضــن‬ ‫ـتمر معت َّ‬‫منذ وحدتت‪ ،‬وتسـ ُّ‬
‫ِ‬
‫اَّتقدم الَّذأ تتلدَّد بت معا ال َّ ـهص ـيَّة‪ ،‬وخص ــائص ــها‪ ،‬وهللا ــفاهتا‪ ،‬كما َّأ‪،‬ا الو ــيا ب الفرد‪،‬‬
‫القوة(‪.)4‬‬
‫لسالمة‪ ،‬و َّ‬
‫أمد طرفيت ‪ -‬الفرد وااتمع ‪ -‬اب َّ‬ ‫وااتمع‪ ،‬فَذا كان هذا الو يا ليماً قوَيً َّ‬
‫اهتم ال ـ ــالم ابأل ـ ــرة‪ ،‬و َّادت إليها‪ ،‬يض ـ ــع يا األ ـ ــس الَّيت تكفل قيامها‪َّ ،‬‬
‫وجوها جواً‬ ‫ويذا َّ‬

‫َّبوأ ‪ ،‬د‪ .‬عصمة الدين ‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫(‪ )1‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫(‪ )3‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫َّبوأ ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬لكامل المة ‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪113‬‬
‫الدولة ال الميَّة‬ ‫الرَّابنيَّة لتكون حلقةً قويَّةً يف بناء ااتمع ال الم ِي‪ ،‬و َّ‬ ‫ويوجهها الوجهة َّ‬ ‫ليماً‪ِ ،‬‬
‫الرَّابنيَّة يف دنيا النَّاس(‪.)1‬‬‫الَّيت تسع لصناعة احلضارة َّ‬
‫ويظهر هذا احهتمام ابأل ــرة من حركة الدَّعوة ال ــالميَّة منذ ــاعتها األوىل إذ كان من‬
‫قدر هللا تعاىل أن يكون َّأول ال َّس ـابق إىل ال ــالم امرأة (خدجية ر ــي هللا عنها)‪ ،‬إشــاد ًة مبنايلة‬
‫اَّرأة يف ال ــالم‪ ،‬وأنَّت ير ــي قواعده عل األ ــرة‪ ،‬وهللا ــب (علي ر ــي هللا عنت)‪ ،‬إش ــارةً حلاجة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـليلة لبناء‬
‫الدَّعوة إىل الرباعم اجلديدة‪ ،‬واهتمامها ابجليل النَّاشـ ـ ـ ـ ـ ــئ لتسـ ـ ـ ـ ـ ــري يف مراحلها ال َّ‬
‫الدولة‪ ،‬مثَّ احلضارة(‪.)2‬‬ ‫ااتمع‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫توج هت إىل امرأةٍ كهدجية ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها‪،‬‬ ‫َّأمل يف نقطة البدء هبذه الدَّعوة الَّيت َّ‬ ‫و َّ‬
‫إن الت ُّ‬
‫كعلي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬وبقيَّة أ ـ ـ ــرة الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪،‬‬ ‫ـب ِ‬ ‫وموىل كاييد بن حارثة‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ٍ‬
‫ً‬
‫لكل النَّاس ‪ -‬هللا ريهم‪ ،‬وكبريهم‪ ،‬ذكرهم‪،‬‬ ‫أن الدَّعوة ال الميَّة موجهة ِ‬ ‫ليدل دحلةً وا لةً عل َّ‬ ‫ُّ‬
‫الرجال والنِســاء‪ ،‬واألطفال‪،‬‬ ‫فلكل هذه ال َّ ـرائ احجتماعيَّة من ِ‬ ‫وأنثاهم‪ ،‬و ــيِدهم‪ ،‬وموحهم ‪ِ -‬‬
‫الدولة‪ ،‬وانت ار احلضارة(‪.)3‬‬ ‫احجتماعي‪ ،‬وإقامة َّ‬
‫ِ‬ ‫واَّواس دوره اَّنتظر يف البناء‬
‫الص ِّديق رضي هللا عنه‪:‬‬‫‪ - 5‬إسالم أب بك ٍر ِّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم من ِ‬
‫الرجال‬ ‫ص ـ ِديق ر ــي هللا عنت َّأول شم ْن آمن ابلن ِ‬
‫كان أبو بك ٍر ال ِ‬
‫أخص أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قبل البعثة‪ ،‬وفيت‬ ‫األحرار‪ ،‬واألشرا ‪ ،‬فهو من ِ‬
‫قال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ما دعوت أحداً إىل ال ـ ــالم إح كانت عنده كبوة‪،‬‬
‫وتردد‪ ،‬ونشظر‪ ،‬إح أاب بكر‪ ،‬ما شع شكم(‪ )4‬ح دعوتت‪ ،‬وح َّ‬
‫تردد فيت» [البيوقي يف الدالئل (‪ ، ])164/2‬فأبو‬ ‫ُّ‬
‫بك ٍر هللااح ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهو حسنة من حسناتت هللال هللا عليت و لم‬
‫ش ‪ -‬كما ذكر ابن‬ ‫رجل‪ ،‬بل كان إ ـ ـ ــالمت إ ـ ـ ــالم َّأم ٍة‪ ،‬فهو يف قري ٍ‬
‫فلم يكن إ ـ ـ ــالمت إ ـ ـ ــالم ٍ‬
‫إ لاق ‪ -‬يف موقع الع منها‬
‫ـ كان رجالً شمأْلشفاً(‪ )5‬لقومت‪ ،‬حمبباً‪ ،‬هالً‪.‬‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر األخوات اَّسلمات وبناء األ رة اَّسلمة ‪َّ ،‬مود اجلوهرأ ‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التَّمك ‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬ما تلبَّث ‪ ،‬بل اري‪.‬‬


‫(‪ )5‬مألفاً لقومت أأ حمبباً فيهم‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫يش هبا‪ ،‬ومبا كان فيها من خ ٍري ٍ‬
‫وشر‪.‬‬ ‫يش‪ ،‬وأعلم قر ٍ‬
‫ـ وكان أنس قريش لقر ٍ‬
‫خلق‪ ،‬ومعرو ٍ ‪.‬‬
‫ـ وكان رجالً اتجراً‪ ،‬ذا ٍ‬
‫ـ وكان رجال قومت رتونت ورلفونت ل ري و ٍ‬
‫احد من األمر لعلمت‪ ،‬ودارتت‪ ،‬وحسن جمالستت(‪.)1‬‬
‫لقد كان أبو بكر كناياً من الكنوز َّادخره هللا تعاىل لنبيِت هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وكان من‬
‫يش‪ ،‬فذلك اخللق ال َّس ـ ـ ـ ـ ـم الَّذأ وهبت هللا تعاىل َّإَيه جعلت من اَّوطَّئ أكنافاً‪،‬‬ ‫يش لقر ٍ‬ ‫أح ِ قر ٍ‬
‫وحده عنص ــر كا أللفة القوم‪ ،‬وهو الَّذأ قال فيت‬ ‫ش‬ ‫من الذين رلفون‪ ،‬ويؤلفون‪ ،‬واخللق ال َّسـ ـم‬
‫أبميت أبو بك ٍر» [أمحد (‪ )281 - 184/3‬والرتمذي (‪ 3790‬و‪ )3791‬وابن‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم «أ ْشرحم َّأميت َّ‬
‫أهم العلوم عنــدهم‪ ،‬ولــد أيب بك ٍر‬ ‫وع ْلم األنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب عنــد العرب وعلم التـَّاري لــا ُّ‬ ‫ماجه (‪ِ ])154‬‬
‫ص ـ ـ ِديق أبنَّت أعلمها أبنس ــاهبا‪،‬‬
‫ص ـ ـ ِديق ر ــي هللا عنت النَّص ــي األوفر منهما‪ ،‬وقريش تع لل ِ‬ ‫ال ِ‬
‫وأعلمها بتارخيها‪ ،‬وما فيت من خ ٍري وش ٍـر‪ ،‬فالطبقة اَّثقَّفة تراتد جملس أيب بكر لتنهل منت علماً ح‬
‫دده عند ريه ايارًة‪ ،‬ووفرًة‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــعةً‪ ،‬ومن أجل هذا كان ال َّ ـ ـ ـ ـ ـباب النَّاهبون‪ ،‬والفتيان األذكياء‬
‫تود أن تلق عنده هذه العلوم‪ ،‬وهذا‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـفوة الفكريَّة اَّثقَّفة الَّيت ُّ‬
‫يراتدون جملس ـ ـ ـ ـ ــت دائماً‪َّ ،‬إ‪،‬م ال َّ‬
‫مكة‪ ،‬هي كذلك من‬ ‫جان آخر من جوان عظمتت‪ .‬وطبقة رجال األعمال‪ ،‬ورجال اَّال يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬فهو من أشـ ـ ـ ـ ـ ــهر دَّارها‪ ،‬فأرابب‬ ‫األول يف َّ‬‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق‪ ،‬فهو إن يكن التَّاجر َّ‬ ‫َّرواد جملس ال ِ‬
‫صاده‪ .‬ولطيبتت‪ ،‬وحسن خلقت تلق عو َّام النَّاس يراتدون بيتت‪ ،‬فهو اَّضيا‬ ‫اَّصاأ هم كذلك ق َّ‬
‫اَّكي دد حظَّها عند‬ ‫فكل طبقات ااتمع ِ‬ ‫الدَّمث اخللق الَّذأ يفر بض ـ ـ ـ ـ ـ ــيوفت‪ ،‬ورنس هبم‪ُّ ،‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق‪ ،‬ر ـ ـ ـ ـ ـ ـوان هللا عليت كان رهللا ـ ـ ـ ـ ــيده ُّ‬ ‫ال ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫اَّكي‬
‫احجتماعي يف ااتمع ِ‬ ‫ُّ‬ ‫العلمي‪ ،‬و‬
‫األديب‪ ،‬و ُّ‬
‫حترك يف دعوتت لإل الم ا ت اب لت هللافوة من خرية اخللق‪ ،‬وهم‬ ‫عظيماً‪ ،‬ولذلك عندما َّ‬
‫الرابعة والثالث من عمره‪.‬‬ ‫ـ عثمان بن عفَّان ر ي هللا عنت‪ ،‬يف َّ‬
‫الرحن بن عو ر ي هللا عنت‪ ،‬يف الثَّالث من عمره‪.‬‬ ‫ـ وعبد َّ‬
‫السابعة ع رة من عمره‪.‬‬ ‫ـ و عد بن أيب وقَّاص ر ي هللا عنت‪ ،‬وكان يف َّ‬
‫العوام ر ي هللا عنت‪ ،‬وكان يف الثانية ع رة من عمره‪.‬‬ ‫الايبري بن َّ‬ ‫ـ و ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)371/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال بية القياديَّة ‪ ،‬لل ضبان (‪.)115/1‬‬
‫‪115‬‬
‫ـ وطللة بن عبيد هللا ر ي هللا عنت‪ ،‬وكان يف الثالثة ع رة من عمره(‪.)1‬‬
‫صـ ـ ِديق أيب بك ٍر ر ــي هللا عنت‪ ،‬دعاهم إىل‬ ‫كان هؤحء األبطال اخلمس ــة َّأول شرةٍ من شار ال ِ‬
‫ال ــالم‪ ،‬فا ــت ابوا‪ ،‬وجاء هبم إىل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم فراد ‪ ،‬فأ ــلموا ب يديت‪،‬‬
‫الد عامات األوىل الَّيت قام عليها هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــر الدَّعوة‪ ،‬وكانوا العدَّة األوىل يف تقوية جان‬ ‫فكانوا ِ‬
‫أعايه هللا وأيَّده‪ ،‬وتتابع الناس يدخلون يف دين هللا أفواجاً‪،‬‬ ‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهبم َّ‬
‫رجاحً‪ ،‬ونس ـ ــاءً‪ ،‬وكان كل من هؤحء الطالئع داعيةً إىل ال ـ ــالم‪ ،‬وأقبل معهم رعيل ال َّسـ ـ ـابق ‪،‬‬
‫الواحد‪ ،‬واحثنان‪ ،‬واجلماعة القليلة‪ ،‬فكانوا عل قلَّة عددهم كتيبة الدَّعوة‪ ،‬وحص ـ ـ ــن ِ‬
‫الر ـ ـ ــالة‪،‬‬
‫يسبقهم ابق‪ ،‬وح يللق هبم ححق يف اتري ال الم(‪.)2‬‬
‫حترك أيب بكر ر ـي هللا عنت يف الدَّعوة إىل هللا تعاىل يو ِ ـ هللاـورةً من هللاـور الميان هبذا‬ ‫َّ‬
‫إن ُّ‬
‫يقر لت قرار‪ ،‬وح‬ ‫ِ‬
‫الدين‪ ،‬واح ـ ــت ابة هلل ور ـ ـولت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم هللاـ ــورة اَّؤمن الَّذأ ح ُّ‬
‫عاطفيةً مؤقَّتةً‬
‫َّ‬ ‫حض ِقق يف دنيا النَّاس ما آمن بت‪ ،‬دون أن تكون انطالقتت دفعةً‬ ‫يهدأ لت ابل‪َّ ،‬‬
‫ـ ـ ــرعان ما همد‪ ،‬وتذبل‪ ،‬وتايول‪ ،‬وقد بقي ن ـ ـ ــاط أيب بك ٍر‪ ،‬وحا ـ ـ ــت إىل أن توفَّاه هللا ‪َّ -‬‬
‫جل‬
‫ميل‪ ،‬أو يع اي‪.‬‬
‫وعال ‪ -‬يف ‪ ،‬أو يضعف‪ ،‬أو َّ‬
‫أن أهللاــلاب اجلاه يم أثر كبري يف كس ـ أنصــا ٍر للدَّعوة ويذا كان أثر أيب بك ٍر‬ ‫ونالحم َّ‬
‫صـ ِديق لر ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫ر ــي هللا عنت يف ال ــالم أكثر من ريه(‪.)3‬بعد أن كانت هللاــلبة ال ِ‬
‫ش‬
‫وحده‪،‬‬‫اخللقي هللاــارت األنســة ابلميان ابهلل ش‬ ‫جمرد اح ــتئناس النفسـ ِـي و ِ‬ ‫عليت و ــلم مبنيةً عل َّ‬
‫س النَّاس‬ ‫وابَّؤازرة يف ال َّ ـدائد‪ ،‬و َّاهذ ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم من مكانة أيب بكر‪ ،‬وأنْ ِ‬
‫ٍ‬
‫ومكانة‬ ‫احلق فوق ما كان لت هللال هللا عليت و لم من َّقوة ٍ‬
‫نفس‪،‬‬ ‫بت‪ ،‬ومكانتت عندهم قوًة لدعوة ِ‬
‫عند هللا‪ ،‬وعند النَّاس(‪.)4‬‬
‫ومضــت الدَّعوة ـ ِـريَّةً‪ ،‬وفرديَّةً عل احهللاــطفاء‪ ،‬واحختيار للعناهللاــر الَّيت تصــل أن َّ‬
‫تتكون‬
‫رب العباد‪ ،‬والَّيت‬ ‫منها اجلماعة اَّؤمنة‪ ،‬الَّيت تسع لقامة دولة ال الم‪ ،‬ودعوة اخللق إىل دين ِ‬
‫تقيم حضارًة رابنيَّةً ليس يا مثيل‪.‬‬

‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)116/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬لعرجون (‪.)533/1‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫الر الة ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫الوحي وتبلي ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫خاذ النَّبي ‪ ،‬أليب زهرة ‪ ،‬ص ‪.398‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪116‬‬
‫‪ - 6‬ال يدفْعة الثَّانية‪:‬‬
‫الدفعة أبو‬ ‫فأول من أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلم من هذه ُّ‬
‫جاء دور الدُّفعة الثَّانية بعد إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم الدُّفعة األوىل‪َّ ،‬‬
‫عمة ر ـول هللا هللاـل‬
‫مرة ابن َّ‬ ‫عبيدة بن اجلرا ‪ ،‬وأبو ـلمة عبد هللا بن عبد األ ـد بن ملايوم بن َّ‬
‫اَّهايومي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الر ـ ـ ــاي‪ ،‬واألرقم بن أيب األرقم‬
‫(برة بنت عبد اَّطل )‪ ،‬وأخوه من َّ‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ــلم َّ‬
‫اجلملي‪ ،‬وعبيدة بن احلارث بن عبد اَّطل ‪ ،‬و ــعيد بن زيد بن عمرو بن‬ ‫ُّ‬ ‫وعثمان بن مظعون‬
‫مظعون‪ ،‬وفاطمة بنت اخل طَّاب بن نفيل‪ ،‬أخت عمر بن اخل طَّاب‬ ‫ٍ‬ ‫نفيل‪ ،‬وقدامة وعبد هللا ابنا‬ ‫ٍ‬
‫صـ ـ ِديق‪ ،‬وعائ ــة بنت أيب بك ٍر الص ـ ِـديق‪ ،‬وخباب‬ ‫وزوجة ــعيد بن زيد‪ ،‬وأمساء بنت أيب بكر ال ِ‬
‫األرت حليف ب زهرة(‪.)1‬‬ ‫بن ِ‬
‫‪ - 7‬ال يدفعة الثالثة‪:‬‬
‫اص‪ ،‬وعبد هللا بن مس ـ ـ ٍ‬
‫ـعود‪ ،‬ومس ـ ــعود بن‬ ‫أ ـ ــلم عمري بن أيب وقَّاص أخو ـ ــعد بن أيب وقَّ ٍ‬
‫القارأ‪ ،‬وهو مس ـ ــعود بن ربيعة بن عم ٍرو‪ ،‬و ـ ــليا بن عم ٍرو‪ ،‬وأخوه حاط بن عم ٍرو‪ ،‬وعيَّاش‬
‫همي‪ ،‬وعامر بن ربيعة حليف‬ ‫بن أيب ربيعة‪ ،‬وامرأتت أمساء بنت ـ ــالمة‪ ،‬وخنشيس بن حذافة ال َّس ـ ـ ـ ُّ‬
‫ال اخل طَّاب‪ ،‬وعبد هللا بن جلش‪ ،‬وأخوه أبو أحد‪ ،‬وجعفر بن أيب طال ‪ ،‬وامرأتت أمساء بنت‬
‫ع شميس‪ ،‬وحــاطـ بن احلــارث‪ ،‬وامرأتــت فــاطمــة بنــت االَّـل‪ ،‬وأخوه حطَّـاب بن احلــارث‪ ،‬وامرأتــت‬
‫معمر بن احلارث‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـائ بن عثمان بن مظعون‪ ،‬واَّطَّل بن‬ ‫ف شكيهة بنت يس ـ ـ ـ ــار‪ ،‬وأخولا ش‬
‫َّلام بن عبد هللا بن أ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيد‪ ،‬وعامر بن فـ شهرية موىل أيب‬
‫أزهر‪ ،‬وامرأتت رملة بنت أيب عو ‪ ،‬والن َّ‬
‫ص ـ ِديق‪ ،‬وأعتقت‪ ،‬وخالد‬‫بك ٍر‪ ،‬وفهرية ُّأمت‪ ،‬وكان عبداً للطُّفيل بن احلارث بن ـهربة‪ ،‬فاش ـ اه ال ِ‬
‫ش ْش‬
‫بن ــعيد بن العاص بن أميَّة بن عبد طس بن عبد منا بن قصـ ِـي‪ ،‬وامرأتت أمينة بنت خلف‪،‬‬
‫طس‪ ،‬وواقد بن عبد هللا بن عبد منا ‪ ،‬وخالد‪ ،‬وعامر‪،‬‬ ‫وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد ٍ‬
‫وعمار بن َي ٍر حليف ب ملايوم بن يقظة‪ ،‬وقال ابن‬ ‫وعاقل‪ ،‬وإَيس بنو الب شك ْري بن عبد َي ليل‪َّ ،‬‬
‫الروم)‪.‬‬ ‫ه ام شعْنسي من شم ْذحت‪.‬وهللاهي بن نان‪ ،‬هو ( ابق ُّ‬
‫فارأ‪ ،‬وأخوه أنشـْيس‪ ،‬و ُّأمت(‪.)2‬‬ ‫ذر ال ِ‬ ‫السابق إىل ال الم أبو ٍ‬ ‫ومن َّ‬
‫السابق بالل بن راب احلب ُّي‪.‬‬ ‫ومن أوائل َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)287/1‬‬
‫‪117‬‬
‫السابقون من يع بطون قريش‪ ،‬عدَّهم ابن ه ام أكثر من أربع نفراً(‪.)1‬‬ ‫وهؤحء َّ‬
‫الرجال‪ ،‬والنِسـاء‪ ،‬حض ف ـا ذكر‬ ‫وقال ابن إ ـلاق مثَّ دخل النَّاس يف ال ـالم أر ـاحً من ِ‬
‫مكة‪ ،‬وحت ِدث بت(‪.)2‬‬ ‫ال الم يف َّ‬
‫األول إىل ال ــالم كانوا خرية أقوامهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ويتَّضـ ـ من عرض األمساء ال َّسـ ـابقة َّ‬
‫أن ال َّسـ ـابق‬
‫و يكونوا ‪ -‬كما ُّ أعداء ال ـ ـ ـ ــالم أن يصـ ـ ـ ـ ِـوروا للنَّاس ‪ -‬من حثالة النَّاس‪ ،‬أو من األرقَّاء‬
‫اب بعض كتَّاب ال ِس ـ ـ ـرية لد‬ ‫ص ـ ـ ـو ش‬
‫حريَّتهم‪ ،‬أو ما شـ ـ ــابت ذلك‪ .‬وجان ال َّ‬ ‫الَّذين أرادوا ا ـ ـ ــتعادة ِ‬
‫أن الَّذين‬ ‫السرية َّ‬ ‫األول إىل ال الم‪ ،‬فكان من كتابة بعضهم «وحت ِدثنا ِ‬ ‫َّ‬ ‫السابق‬
‫حديثهم عن َّ‬
‫ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـعفاء‪ ،‬واألرقَّاء‪ ،‬فما‬ ‫دخلوا يف ال ـ ـ ـ ــالم يف هذه اَّرحلة كان معظمهم خليطاً من الفقراء‪ ،‬وال ُّ‬
‫احلكمة يف ذلك؟»(‪ ،)3‬وكذلك قويم‬
‫عامتهم من‬ ‫ثالث من بدايتها أربع رجالً وامرأ ًة‪َّ ،‬‬ ‫ات ٍ‬ ‫«كان رهللاـ ـ ــيد هذه الدَّعوة بعد ـ ـ ــنو ٍ‬
‫مقدمتهم أخالط من ملتلف األعاجم هللا ـ ــهي‬ ‫الفقراء‪ ،‬واَّس ـ ــتض ـ ــعف ‪ ،‬واَّواس‪ ،‬واألرقَّاء‪ ،‬ويف ِ‬
‫الرجال‪ ،‬والنِساء‪ ،‬واَّواس»(‪.)5‬‬ ‫ومي‪ ،‬وبالل احلب ُّي»(‪ .)4‬وقويم «فامن بت انس من عفاء ِ‬ ‫الر ُّ‬
‫ُّ‬
‫أن جمموي من أشري إليهم ابلفقراء‪ ،‬واَّستضعف ‪ ،‬واَّواس واألرقَّاء‬ ‫إن البلث الدَّقيق يثبت َّ‬ ‫َّ‬
‫واألخالط من ملتلف األعاجم هو ثالثة ع ر‪ ،‬ونسبة هذا العدد من العدد الكلِ ِي من الدَّاخل‬
‫عامتهم»‪.‬‬ ‫يف ال الم ح يقال عليت «أكثرهم»‪ ،‬وح «معظمهم»‪ ،‬وح « َّ‬
‫ابحلق الَّذأ ش ــر هللا‬
‫وإجا هو إميا‪،‬م ِ‬ ‫يومئذ يكن يدفعهم دافع دنيوأ َّ‬ ‫إن الَّذين أ ــلموا ٍ‬ ‫َّ‬
‫الرقيق‪ ،‬وال ُّ‪،‬‬‫هللادورهم لت‪ ،‬ونصرة نبيِ ـ ـ ـ ـ ـ ــت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ي ك يف ذل ـ ـ ـ ـ ـ ــك ال َّ ريف‪ ،‬و َّ‬
‫والفقيـر‪ ،‬ويتساو يف هـذا أبو بكـ ٍر‪ ،‬وبالل‪ ،‬وعثمـان‪ ،‬وهللاهي ر ي هللا عنهم(‪.)6‬‬
‫يقول األ تاذ هللااأ ال َّامي حنن ح نريد أن ننفي وجود الضُّعفاء‪ ،‬واألرقَّاء ولكن نريد أن‬
‫ألن هذا ملالف لللقائق الثَّابتة‪ ،‬ولو كانوا كذلك لكانت دعوةً‬ ‫البية َّ‬ ‫ننفي أن يكونوا هم ال َّ‬
‫ككل احلركات الَّيت‬
‫السلطة‪ ،‬والنُّفوذ‪ِ ،‬‬ ‫طبقيَّةً يقوم فيها الضُّعفاء‪ ،‬واألرقَّاء َّد األقوَيء وأهللالاب ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪ 245/1‬إىل ‪.)262‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)262/1( ،‬‬
‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ )3‬فقت ِ‬
‫(‪ )4‬فقت السرية للبوطي ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫الربيع (‪.)301/1‬‬
‫حدائق األنوار ومطالع األ رار ‪ ،‬حبن َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لصاأ ال َّامي ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪118‬‬
‫أأ من اَّســلم وهو يعلن إ ــالمت‪َّ ،‬إ‪،‬م يدخلون‬ ‫إن هذا يشد ْر ِ شلش ِد ٍ‬‫تقاد من خالل البطون‪َّ .‬‬
‫القوة يذه الدَّعوة أن‬ ‫ظل هذه العقيدة‪ ،‬عباداً هلل‪ ،‬وإنَّت َّن َّ‬ ‫الدين عل اعتبارهم إخوًة يف ِ‬ ‫يف هذا ِ‬
‫ابلذات من كرام أقوامهم‪ ،‬وقد آثروا يف ـ ـ ـ ــبيل العقيدة أن‬ ‫يكون البية أتباعها يف اَّرحلة األوىل َّ‬
‫فكروا فيها(‪.)1‬‬‫يتلملوا أهللانافاً من ايوان‪ ،‬ما بق يم أن عانوها‪ ،‬أو َّ‬ ‫َّ‬
‫لقد كان ال ـ ـ ــالم ينسـ ـ ــاب إىل النُّفوس الطَّيبة‪ ،‬والعقول النَِّرية‪ ،‬والقلوب الطَّاهرة الَّيت هيَّأها‬
‫الرحن‪،‬‬ ‫الايبري‪ ،‬وعبد َّ‬ ‫هللا يذا األمر‪ ،‬ولقد كان يف األوائل خدجية‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعثمان‪ ،‬و ُّ‬
‫وطللة‪ ،‬وأبو عبيدة‪ ،‬وأبو ـ ـ ــلمة‪ ،‬واألرقم‪ ،‬وعثمان بن مظعون‪ ،‬و ـ ـ ــعيد بن زيد‪ ،‬وعبد هللا بن‬
‫جلش‪ ،‬وجعفر‪ ،‬و ـ ــعد بن أيب وقَّاص‪ ،‬وفاطمة بنت اخلطَّاب‪ ،‬وخالد بن ـ ــعيد‪ ،‬وأبو حذيفة‬
‫بن عتبة‪ ،‬و ريهم ر ي هللا عنهم‪ ،‬وهم من ادة القوم‪ ،‬وأشرافهم(‪.)2‬‬
‫األولون‪ ،‬الَّذين ـ ــارعوا إىل الميان والتَّص ـ ــديق بدعوة الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا‬ ‫هؤحء هم ال َّس ـ ـ ـابقون َّ‬
‫عليت و لم ‪.‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم يف َّ‬
‫الدعوة‪:‬‬ ‫اثلثاً‪ :‬استمرار الن ِّ‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف دعوتت ال ِس ـ ِريَّة يســتقط عدداً من األتباي‪ ،‬واألنصــار‬ ‫ـتمر الن ُّ‬
‫ا ـ َّ‬
‫اتم ٍة بعد إقناعهم ابل ــالم‪،‬‬
‫يتمكن من ـ ِـمهم يف ـ ِـريٍَّة َّ‬ ‫هللا ـة الَّذين َّ‬
‫من أقاربت‪ ،‬وأهللا ــدقائت‪ ،‬وخا َّ‬
‫للر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم لتو ــيع دائرة الدَّعوة يف نطاق‬ ‫وهؤحء كانوا نعم العون وال َّسـ ـند َّ‬
‫الصعوبة‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ظهرت فيها ُّ‬ ‫الس ِريَّة‪ ،‬وهذه اَّرحلة العصيبة من حياة دعوة َّ‬ ‫ِ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ومن آمن معت ابلدَّعوة‪ ،‬فهم ح خياطبون إح من‬ ‫حترك َّ‬‫واَّ ــقَّة يف ُّ‬
‫أن الدَّعوة خطواهتا بطيئة‪ ،‬وحذرة‪ ،‬كما تقتضي هللاعوبة‬ ‫شره‪ ،‬ويثقون بت‪ ،‬وهذا يع َّ‬ ‫رمنون من ِ‬
‫تلقي مطال الدَّعوة من مص ـ ـ ـ ـ ـ ــدرها‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــعوبة تنفيذها إذ كان الدَّاخل يف هذا‬ ‫اَّواظبة عل ِ‬
‫ص ـ ـالة‪ ،‬ودرا ـ ــة ما تي َّس ـ ـر من القرآن ‪ -‬مثالً ‪ -‬و يكن يس ـ ـتطيع أن‬ ‫الدين ملايماً منذ البداية ابل َّ‬‫ِ‬
‫اين قومت‪ ،‬وح أن يقرأ القرآن‪ ،‬فكان اَّسلمون يتهفَّون يف ال ِ عاب‪ ،‬واألودية إذا‬ ‫ِ‬
‫يصلي ب ظش ْهشر ش‬
‫الصالة(‪.)3‬‬‫أرادوا َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لصاأ ال َّامي ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫األولون ‪ ،‬لسلمان العودة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪119‬‬
‫األمين‪:‬‬
‫ي‬ ‫س‬
‫‪ - 1‬احل ي‬
‫حض عن أقرب النَّاس‪ ،‬وكانت األوامر النَّبويَّة‬ ‫إن من معا هذه اَّرحلة الكتمان‪ ،‬وال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ِريَّة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫يكون من‬ ‫عل وجوب اَّافظة عل ال ِسـ ـ ـ ِريَّة وا ـ ــلةً‪ ،‬وهللا ـ ــارمةً‪ ،‬وكان هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬
‫ـتعداد‪ ،‬وتدري ٍ ‪ ،‬ح اختفاء‬ ‫بعض اَّســلم أ ـراً (خالَي)‪ ،‬وكانت هذه األ ــر هتفي اختفاء ا ـ ٍ‬
‫ينظم‬‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬ ‫وهروب‪ ،‬حس ـ ـ ـ ما تقتض ـ ــيت اخلطَّة َّ‬
‫الرَّابنيَّة‪ ،‬فبدأ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ب‪،‬‬‫جٍ‬
‫الرجل بت‬ ‫الرجل إذا أ ــلما عند َّ‬ ‫الرجل و َّ‬ ‫الرجل جيمع َّ‬ ‫أهللا ـلابت من أ ـ ٍر وخالَي هللا ـ ريةٍ‪ ،‬فكان َّ‬
‫حلقات‪ ،‬فمن‬ ‫ٍ‬ ‫َّقوة‪ ،‬و ـ ـ ــعة من اَّال‪ ،‬فيكوانن معت‪ ،‬ويص ـ ـ ــيبان منت فض ـ ـ ــل طعامت‪ ،‬وجيعل منهم‬
‫حفم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً من القرآن شعلَّ شم شم ْن فم‪ ،‬فيكون من هذه اجلماعات أ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أخ َّوة‪ ،‬وحلقات‬
‫تعليم‪.‬‬
‫إن اَّنهت الَّذأ ـ ـ ـ ــار عليت ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف تربية أتباعت هو القرآن‬ ‫َّ‬
‫يريب أهللا ـ ــلابت تربيةً ش ـ ــاملةً يف العقائد‪ ،‬والعبادات‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬ ‫الكر ‪ ،‬وكان الن ُّ‬
‫ت عن األخذ‬ ‫احلس األم ِ ‪ ،‬و ريها‪ ،‬ولذلك ُد يف القرآن الكر آَيت كرميةً شحتش َّدثش ْ‬ ‫واألخالق‪ ،‬و ِ‬
‫احلس األم ُّ يف يع أفراده ــا‪،‬‬ ‫أهم عوام ــل ‪،‬وض األ َّمـ ـة أن ين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ ُّ‬ ‫ألن ِم ْن ِ‬
‫ابحلس األم ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ف اَّنظَّم الَّذأ يدافع عن ال ــالم‪ ،‬ويســع لتمكينت يف دنيا النَّاس‪ ،‬ولذلك‬ ‫صـ ِ‬‫وخص ـوهللا ـاً يف ال َّ‬
‫مكة‪ ،‬وتو َّ ـ ـعت مع تو ُّ ـ ـع الدَّعوة‪ ،‬ووهللا ــويا إىل دولة‪،‬‬ ‫ُد النَّواة األوىل لل َّ بية األمنيَّة كانت يف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿َيبشِ َّ ا ْذ شهبوا فشـتش شل َّسـسـوا م ْن يو ـ ش‬
‫ف‬ ‫ومن ا َيت اَّكيَّة اليت أشــارت إىل هذا اَّعىن قولت تعاىل ش‬
‫ن ﴾ [يوسف‪. ]87 :‬‬ ‫اَّللِ إِحَّ الْ شق ْوم الْ شكافِرو ش‬
‫اَّللِ إِنَّت حش يشـْيأشس ِم ْن شرْو ِ َّ‬
‫شخ ِيت شوحش تشـْيأش وا ِم ْن شرْو ِ َّ‬
‫وأ ِ‬
‫ش‬
‫ووجت اح ــتدحل أن يعقوب عليت الســالم قد طل من أبنائت أن يتل َّس ـس ـوا‪ ،‬ويبلثوا عن‬
‫يو ـ ـ ـ ـ ـ ــف‪ ،‬وأخيت‪ ،‬ويف هذا إقرار من أحد أنبياء هللا يف ع اَّعلومات عن ا خرين‪ ،‬ويعترب ع‬
‫اَّعلومات من العناهللا ــر األ ــا ــية يف علم اح ــتهبارات‪ ،‬ويؤكِد عل مبدأ ع اَّعلومات قولت‬
‫﴿وحش تشـْيأش وا﴾(‪.)1‬‬ ‫تعاىل ش‬
‫عمن يريدون دعوت ـ ـ ـ ــت لإل الم‪ ،‬وكانت‬ ‫الصلاب ـ ـ ـ ــة كانوا جيمع ـ ـ ـ ــون اَّعلومات َّ‬ ‫شك أن َّ‬ ‫وح َّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ب تي جها ٍز أم ٍ رفي ٍع‪،‬‬ ‫القيادة ت ـ ـ ـ ــر عل ذلك‪ ،‬ولذلك قام الن ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر اح تهبارات العسكرية يف ال الم ‪ ،‬لعبدهللا علي ‪ ،‬ص ‪. 105‬‬


‫‪120‬‬
‫ي ر عل احتِصال اَّنظَّم ب القيادة والقواعد ليضمن حتقيق مبدأ ِ‬
‫الس ِريَّة‪.‬‬
‫ت بِِت شعن جن ٍ شوه ْم شح‬ ‫ت ِألختِ ِت ق ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِيت فشـبشص ـ ـ ـ ـ ـ ـشر ْ‬ ‫﴿وقشالش ْ ْ‬‫ويف القرآن اَّكي ُد قولت تعاىل ش‬
‫ت يشكْفلونشت لشك ْم شوه ْم‬‫ت هل أشدلُّكم علش أشه ِل بـي ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ش ْ شْ‬ ‫يش ْ ـ ـعرو شن * شو شحَّرْمنشا شعلشْيت الْ شمشرا ـ ـ شع م ْن قشـْبل فشـ شقالش ْ ش ْ‬
‫ن ﴾ [القصص ‪.]12 ،11‬‬ ‫لشت شان ِهللالو ش‬
‫ونلحظ يف اآليتني اآليت‪:‬‬
‫‪ - 1‬ا ـ ـ ــتهدام ِأم مو ـ ـ ـ مبدأ ع اَّعلومات‪ ،‬واحلص ـ ـ ــول عليها يف حفاظها عل ابنها‬
‫ص َّإجا هو تتبُّع األثر‪ ،‬و ع اَّعلومات‪.‬‬ ‫ص ِيت﴾ [القصص‪ ]11 :‬وال شق ُّ‬ ‫ت ِألِختِ ِت ق ِ‬
‫ْ‬ ‫﴿وقشالش ْ‬
‫ش‬
‫‪ - 2‬اختيار العنص ـ ـ ـ ـ ـ ــر األم ‪ ،‬واحلريص يف ع اَّعلومات لتكون هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــليلةً‪ ،‬وموثَّقةً‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ِيت﴾ [القصـ ـ ــص‪ُّ ،]11 :‬‬
‫فأم‬ ‫ت ِألِختِ ِت ق ِ‬
‫ْ‬ ‫﴿وقشالش ْ‬
‫وأمينة‪ ،‬وقبل ذلك حريص ـ ـ ـ ـةً عل تلك اَّعلومات ش‬
‫ألن األخت تعترب من احلريص ـ ـ ‪ ،‬واألمناء عل تلك اَّص ـ ـللة‪ ،‬وهي‬ ‫مو ـ ـ ه ري أختت َّ‬
‫مبكان أن يكون العنص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬‫األليَّة ٍ‬ ‫تندفع من ذاهتا يف ع اَّعلومات‪ ،‬وحتص ـ ـ ـ ـ ـ ــيل األخبار‪ ،‬فمن ِ‬
‫اَّر ش ل يف عملية اح تهبارات مندفعاً من ذاتت‪ ،‬حريصاً عل اَّصللة اَّر ل إليها‪.‬‬
‫ص‪ ،‬والتَّتبُّع بدون إشارةٍ‪ ،‬أو جل أنظار ﴿ق ِص ِيت﴾ [القصص‪ ]11 :‬إذ نفهم من كلمة‬ ‫‪ - 3‬ال شق ُّ‬
‫ص ِيت﴾‪ ،‬وعدم آاثرة األنظار‪ ،‬ودليل ذلك َّأ‪،‬ا بصرت بت دون أن ي عروا هبا‪.‬‬ ‫﴿ق ِ‬
‫ت بِِت شع ْن جن ٍ شوه ْم حش‬ ‫وقوة الفرا ــة يف أثناء ع اَّعلومات ﴿فشـبشص ـ ـشر ْ‬ ‫‪ - 4‬دقة اَّالحظة‪َّ ،‬‬
‫يش ْ عرو شن ﴾ [القصص‪. ]11 :‬‬
‫‪ - 5‬ا ــتعملت أخت مو ـ ـ ش ــكالً من أش ــكال اح ــتهبارات العصـ ـريَّة‪ ،‬وهو التَّهري‬
‫﴿ه ْل أشدلُّك ْم شعلش أ ْشه ِل‬‫وهن ري قادرات عل إر ـ ـ ــاعت قالت ش‬ ‫إليهن َّ‬
‫الفكرأ‪ ،‬فبعد أن نظرت َّ‬
‫ن ﴾ [القصص‪.]12 :‬‬ ‫ت يشكْفلونشت لشك ْم شوه ْم لشت شان ِهللالو ش‬ ‫بـي ٍ‬
‫شْ‬
‫‪ - 6‬حماولة حتقيق ايد يف أثناء ع اَّعلومات‪ ،‬فأخت مو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تكتف أبن تعر‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـلت إىل مكانت‪ ،‬وحاولت‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـت األخبار‪ ،‬وتو َّ‬
‫مكان مو ـ ـ ـ ـ ـ لتهرب َّأمها مبكانت‪ ،‬وإجا هي ق َّ‬
‫إعادتت إىل ِأمت‪ ،‬وقد ُلت يف هذا(‪.)1‬‬
‫احلس األم َّ‪ ،‬وأخذ احليطة يف مس ـ ـ ـ ـ ــريهتم‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلابة َّ‬ ‫تريب يف ِ‬
‫حس ال َّ‬ ‫إن هذه ا َيت الكرمية ِ‬
‫َّ‬
‫الدَّعويَّة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر اح تهبارات العسكريَّة يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.112 ، 111‬‬


‫‪121‬‬
‫الدولة‪ ،‬وتظهر‬ ‫إن ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة نيَّة يف أبعادها األمنيَّة منذ تربية األفراد‪َّ ،‬‬
‫وحض بعد قيام َّ‬ ‫َّ‬
‫احلاجة لللركات ال ـ ـ ـ ــالميَّة والدُّول اَّسـ ـ ـ ــلمة لجياد أجهايةٍ أمنيَّ ٍة ِ‬
‫متطورةٍ (يف زمننا اَّعاهللاـ ـ ـ ــر)‬
‫حتمي ال ـ ــالم‪ ،‬واَّس ـ ــلم من أعدائها ‪ -‬اليهود‪ ،‬والنَّص ـ ــار ‪ ،‬واَّالحدة ‪ -‬وتعمل عل حاية‬
‫ـف اَّســلم يف الدَّاخل من اخ اقات األعداء فيت‪ ،‬ودتهد لرهللاــد أعمال اَّعار ـ ‪ ،‬واَّارب‬ ‫الصـ ِ‬
‫تقدمها يا أجهايهتا اَّؤمنة األمنيَّة‪َّ ،‬‬
‫وحبد أن‬ ‫حض تسـ ـ ــتفيد القيادة من اَّعلومات الَّيت ِ‬ ‫لإل ـ ـ ــالم‪َّ ،‬‬
‫تؤ َّ ـ ـ ـ ـس هذه األجهاية عل قواعد منبعها القرآن الكر ‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـ ـنَّة النَّبويَّة‪ ،‬وتكون أخالق رجايا‬
‫قمةً رفيعةً َتثِل هللافات رجال األمن اَّسلم ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫العدوَّ ‪ ،‬وعرفت‬ ‫إن اهتمام اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم هبذا األمر جينِبهم اَّفاجات العدوانيَّة «إذا عرفت َّ‬ ‫َّ‬
‫كة‪ ،‬وإذا عرفت نفسـ ـ ـك‪ ،‬و تعر‬ ‫نفس ـ ــك‪ ،‬فليس هناك ما يدعوك إىل أن ها نتائت مئة معر ٍ‬
‫كل معركة»(‪.)1‬‬‫العدو فَنك تواجت ايايمية يف ِ‬ ‫َّ‬
‫إن بنــاء األجهاية األمنيَّـة‪ ،‬ومكــاتـ اَّعلومــات الَّيت تقـ ِـدم للقيــادة التَّقــارير لو ـ ـ ـ ـ ـ ــع اخلطا‬
‫ـانية‪ ،‬وكذلك يف اتري‬ ‫اَّنا ـ ـ ـ ـ ـ ــبة عل إثرها ليس أمراً جديداً‪ ،‬بل هو مو ل يف اتري النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫حض يومنا هذا‪.‬‬ ‫الراشدة َّ‬
‫اَّسلم منذ عصر النُّ َّبوة واخلالفة َّ‬
‫اَّهمة إعطاء هذا األمر حقَّت من احهتمام‪ ،‬واحرتقاء بت‪ ،‬وتطويره‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إن من أ ـ ـ ـ ــباب التَّمك‬
‫مبا ينا أحوال العصر الَّذأ حنن فيت ‪ .‬كان الن ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ي ر بنفست عل‬
‫ووزعهم يف أ ـ ـ ـ ـ ٍر فمثالً كانت فاطمة بنت اخلطاب وزوجها‬ ‫تربية أهللا ـ ـ ــلابت يف ش ـ ـ ـ َّـض اجلوان ‪َّ ،‬‬
‫عم عمر بن اخلطَّاب ر ي هللا عنهم ‪ -‬كانوا يف أ رةٍ واحدةٍ مع نـ شعيم‬ ‫عيد بن زيد ‪ -‬وهو ابن ِ‬
‫عدأ‪ ،‬وكان معلِمهم خبَّاب بن األرت‪ ،‬وكان اشت ايم ابلقرآن ح يقتصر‬ ‫َّلام بن ٍ‬ ‫بن عبد هللا الن َّ‬
‫عل دويد تالوتت‪ ،‬و با ملارً حروفت‪ ،‬وح عل اح تكثار من رده‪ ،‬وال راي يف قراءتت بل‬
‫وفهمت‪ ،‬ومعرفة أمره‪ ،‬و‪،‬يت‪ ،‬والعمل بت(‪.)3‬‬ ‫كان لُّهم درا تت‪ ،‬ش‬
‫لكل خطوةٍ‬ ‫ِ‬ ‫يهتم ابلتَّهطيا الدَّقيق اَّنظَّم‪ ،‬و س ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ُّ‬
‫كان الن ُّ‬
‫أن هذه‬ ‫حس ـ ـ ـ ـ ـ ــاهبا‪ ،‬وكان مدركاً َتاماً أنَّت ـ ـ ـ ـ ـ ــيأل اليوم الذأ يؤمر فيت ابلدَّعوة علناً‪ ،‬وجهراً‪ ،‬و َّ‬
‫وقوهتا‪ ،‬فلاجة اجلماعة اَّؤمنة اَّنظَّمة تقتض ـ ــي أن يلتقي َّ‬
‫الر ـ ــول‬ ‫اَّرحلة ـ ــيكون يا ش ـ ــدَّهتا‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر اح تهبارات العسكريَّة يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.112 ، 111‬‬


‫الصاليب ‪ ،‬ص ‪.311‬‬ ‫(‪ )2‬انظر فقت التمك يف القران ‪ ،‬لعلي َّ‬
‫حممد عايياي ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫(‪ )3‬انظر الدَّعوة ال الميَّة ‪ ،‬د‪ .‬عبد ال فار َّ‬
‫‪122‬‬
‫مقر يذا احجتماي‪ ،‬فقد أهللاــب بيت خدجية ر ــي هللا عنها‬ ‫حبد من ٍ‬ ‫اَّريب مع أهللاــلابت‪ ،‬فكان َّ‬‫ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم وهللا ــلبت ر ــي هللا عنهم عل‬ ‫ح يتَّس ــع لكثرة األتباي‪ ،‬فوقع اختيار الن ِ‬
‫أن األمر تاً إىل ِ‬
‫الدقَّة‬ ‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم َّ‬ ‫دار األرقم بن أيب األرقم إذ أدرك َّ‬
‫ـان آم ٍن بعيـ ٍـد عن‬ ‫اَّتنــاهيــة يف ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِريَّـة‪ ،‬والتَّنظيم‪ ،‬ووجوب التقــاء القــائــد ِ‬
‫اَّريب أبتبــاعــت يف مكـ ٍ‬
‫أن ا ــتمرار اللِقاءات الدَّوريَّة اَّنظَّمة ب القائد‪ ،‬وجنوده هو خري و ـ ٍ‬
‫ـيلة لل َّ بية‬ ‫األنظار ذلك َّ‬
‫العمليَّة‪ ،‬والنَّظرية‪ ،‬وبناء ال َّهصيَّة القياديَّة الدَّعويَّة‪.‬‬
‫الدولة‪ ،‬وحلة‬ ‫يعد أتباعت ليكونوا بناة َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم كان ُّ‬ ‫يدل عل َّ‬
‫أن َّ‬ ‫واَّا ُّ‬
‫الدَّعوة‪ ،‬وقادة األمم حرهللا ـ ـ ـت ال َّ ـ ـ ـديد عل هذا التَّنظيم ال ِس ـ ـ ـ ِر ِأ الدَّقيق‪ ،‬فلو كان جمرد داعية َّا‬
‫احتاً األمر إىل ِ‬
‫كل هذا‪.‬‬
‫مكان يف الكعبة حيث منتد قر ٍ‬
‫يش‬ ‫جمرد إبالغ الدَّعوة للنَّاس لكان خري ٍ‬ ‫ولو كان يريد َّ‬
‫َّامة يف التَّنظيم‪ ،‬ويف اَّكان الَّذأ يلتقي فيت‬ ‫فالبد من ال ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِريَّة الت َّ‬
‫َّ‬ ‫كلِها‪ ،‬ولكن األمر ري ذلك‬
‫مع أهللالابت‪ ،‬ويف الطَّريقة الَّيت ضرون هبا إىل مكان اللِقاء(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬دار األرقم بن أب األرقم (مق ير القيادة)‪:‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم كان بعد‬ ‫تذْكر كت ال ِس ـرية َّ ِ‬
‫أن اهاذ دار األرقم شم شقراً لقيادة َّ‬ ‫ش‬
‫اَّواجهة األوىل الَّيت برز فيها ـ ـ ـ ـ ــعد بن أيب وقَّاص ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ .‬قال ابن إ ـ ـ ـ ـ ــلاق «وكان‬
‫أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إذا هللالُّوا ذهبوا يف ال ِ عاب‪ ،‬فا ته شفوا بصالهتم من‬
‫قومهم‪ ،‬فبينما ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا عنت يف نف ٍر من أهللاــلاب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬
‫مكة إذ ظهر عليت نفر من اَّ ـ ــرك وهم يص ـ ـلُّون‪ ،‬فنا شكروهم‪.‬‬ ‫و ـ ــلم يف ِش ـ ـ ْع ٍ من ِش ـ ـعاب َّ‬
‫حض قاتلوهم‪ ،‬فض ــرب ـ ــعد بن أيب وقاص يومئذ رجالً من اَّ ــرك‬ ‫وعابوا عليهم ما يص ــنعون َّ‬
‫دم أريق يف ال الم» [ابن هشام (‪. ])282 - 281/1‬‬ ‫بِلشلي(‪ )2‬بع ٍري‪ ،‬ف َّ ت فكان َّأول ٍ‬
‫أهللاـ ـ ـ ــبلت دار األرقم مركاياً جديداً للدَّعوة يت َّمع فيت اَّسـ ـ ـ ــلمون‪ ،‬ويتلقَّون عن ر ـ ـ ـ ــول هللا‬
‫جديد من الوحي‪ ،‬ويســتمعون لت هللاــل هللا عليت و ــلم وهو يذكِرهم‬ ‫كل ٍ‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫كل ما يف نفو هم وواقعهم فريبيهم هللال هللا عليت‬
‫ابهلل‪ ،‬ويتلو عليهم القرآن‪ ،‬ويضعون ب يديت َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.218‬‬ ‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اللَّلي اللَّلي من النسان العظم الَّذأ تنبت عليت اللِلية ‪ ،‬ومن احليوان العظم الذأ عل الفهذ‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫َّب‬
‫وجل ‪ -‬وأهللاب هذا اجلمع هو َّقرة ع الن ِ‬ ‫عاي َّ‬‫ترىب هو عل ع هللا ‪َّ -‬‬ ‫و لم عل عينت كما َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬
‫رابعاً‪ :‬أه يم خصــ ــائص اجلماعة األوىل الَّيت تربَّت على يدي رســ ــول هللا ص ـ ــلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬

‫كانت اجلماعة األوىل الَّيت تربَّت عل يدأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬قد برزت فيها‬
‫ات ر ٍ‬
‫هللاينة حنو هللايا ة ال َّهصية اَّسلمة‪ ،‬الَّيت تقيم َّ‬
‫الدولة‬ ‫مهمة جعلتها تتقدَّم طو ٍ‬
‫خصائص َّ‬
‫الرائعة‪ ،‬ومن أبرز هذه اخلصائص‬ ‫اَّؤمنة‪ ،‬وتصنع احلضارة َّ‬
‫‪ - 1‬االستجابة الكاملة للوحي‪ ،‬وعدم التَّقدمي بني يديه‪:‬‬
‫الصلي الكامل يف العقائد‪ ،‬وال َّ رائع‪ ،‬وا داب و ريها‪ ،‬ح يكون إح عن‬ ‫َّ‬
‫إن العلم‪ ،‬والفقت َّ‬
‫اَّنايل ‪ -‬قرآانً و ـ ـ ـ ـ ـنَّةً ‪ -‬وذلك ابلعلم ابهلل‪ ،‬وأمسائت‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــفاتت‪ ،‬وأفعالت‪ ،‬ومعرفة ما‬ ‫طريق الوحي َّ‬
‫ينايه عنت ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬والعلم ابَّالئكة‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والنَّبيِ ‪ ،‬والعلم اب خرة‪،‬‬ ‫جي لت‪ ،‬وما َّ‬
‫صـ ـ ـلة‪ ،‬واألحكام اَّتعلِقة ابَّكلَّف ‪ ،‬والعلم ابَّس ـ ــلك‬ ‫واجلنَّة‪ ،‬والنَّار‪ ،‬والعلم ابل َّ ـ ـ ـرائع ااملة واَّف َّ‬
‫الر ا‪ ،‬يف القصد وال ىن‪ ،‬يف األمن‬ ‫الصلي الَّذأ ينب ي لوكت يف ائر األحوال يف ال ض و ِ‬ ‫َّ‬
‫رعي هو منهت الَّذين أنعم هللا‬ ‫واخلو ‪ ،‬يف اخلري وال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر‪ ،‬يف ايدنة والفتنة‪ ،‬والتايام الدَّليل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫﴿وِاش ْن شخلش ْقنشا أ َّمة يشـ ْهدو شن ِاب ْحلشِق شوبِِت يشـ ْع ِدلو ش‬
‫(‪)2‬‬
‫ن ﴾ [األعراف‪:‬‬ ‫تعاىل‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫صـ ـلي‬
‫عليهم ابلميان ال َّ‬
‫ش‬
‫‪. ]181‬‬

‫ابلدليل والوحي‪ ،‬وتس ــليماً‬ ‫صـ ـحابة رض ــي هللا عنوم أعظم من غريهم انتفاعاً َّ‬
‫لقد كان ال َّ‬
‫ألسباب عديدةٍ؛ منوا‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫له؛‬
‫هو ري ما جاءت بت النُّصـ ـ ــوص‪ ،‬وا ـ ـ ــتعدادها‬ ‫كل ٍ‬
‫ميل أو ً‬ ‫وخلوها من ِ‬‫أ ‪ -‬ناياهة قلوهبم‪ُّ ،‬‬
‫َّام لقبول ما جاء عن هللا‪ ،‬ور ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬والذعان‪ ،‬واحنقياد لت انقياداً مطلقاً‬ ‫الت ُّ‬
‫ترد ٍد‪ ،‬وح إح ٍام‪.‬‬
‫دون حرًٍ‪ ،‬وح ُّ‬
‫للر ول هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬‫ب ‪ -‬معاهللارهتم لوقت التَّ ريع‪ ،‬ونايول الوحي‪ ،‬ومصاحبتهم َّ‬
‫ولذلك كانوا أعلم النَّاس مبالبســات األحوال الَّيت نايلت النُّصــوص فيها‪ ،‬والعلم مبالبســات الواقعة‬

‫(‪ )1‬انظر ال بية القياديَّة (‪.)198/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر هللافة ال رابء ‪ ،‬لسلمان العودة ‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪124‬‬
‫َّص من أعظم أ باب فقهت‪ ،‬وفهمت‪ ،‬وإدراك م اياه‪.‬‬ ‫أو الن ِ‬
‫ـباب تتعلَّق هبم ‪-‬‬ ‫ً ‪ -‬وكانت النُّص ـ ــوص ‪ -‬قرآانً و ـ ـ ـنَّةً ‪ -‬أتل يف كث ٍري من األحيان أل ـ ـ ٍ‬
‫أل‪،‬ا تعاجل‬ ‫بص ـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ فرديٍَّة‪ ،‬أو اعيَّ ٍة ‪ -‬فتهاطبهم خطاابً مباش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراً‪ ،‬وتؤثِر فيهم أعظم التأثري َّ‬
‫أحدااثً واقعيَّةً‪ ،‬وتعق يف حينها‪ ،‬حيث تكون النُّفوس م ـ ــلونةً أب ـ ــباب التأثُّر‪ ،‬متهيِئةً ِ‬
‫لتلقي‬
‫األمر‪ ،‬واح ت ابة لت‪.‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم من اجلهد الَّذأ احتاً إليت من‬ ‫د ‪ -‬قد أعفاهم قرب عهدهم ابلن ِ‬
‫بعدهم يف َتيياي النُّصـ ـ ـ ـ ــوص‪ ،‬وتصـ ـ ـ ـ ــليلها‪ ،‬فلم تاجوا ‪ -‬يف ال أحوايم ‪ -‬إىل ـ ـ ـ ـ ــلسـ ـ ـ ـ ــلة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلي ب ريه‪ ،‬ومن مثَّ يقع‬ ‫الرجال‪ ،‬والعلل‪ ،‬و ريها‪ ،‬و خيتلا عليهم ال َّ‬ ‫ال ـ ـ ـ ــناد‪ ،‬وح معرفة ِ‬
‫عندهم ال ُّدد يف ثبوت النَّص الَّذأ وقع عند كث ٍري اَّن جاء بعدهم ‪ -‬خا َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً من أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب‬
‫النُّفوس اَّريضـ ــة‪ ،‬أو من اجلهلة الَّذين يدر ـ ـوا ال ُّس ـ ـنَّة‪ ،‬ويفقهوها روايةً‪ ،‬ودرايةً(‪ - )1‬فكانوا إذا‬
‫مسعوا أحداً يقول قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ابتدرتت أبصــارهم‪ ،‬كما يقول ابن عباس‬
‫ر ي هللا عنهما(‪.)2‬‬
‫‪ - 2‬الـتَّـأثيـر الوجدان يـي العميـق ابلوحي واإلميان‪:‬‬
‫جمردةٍ يتعامل معها العقل‬ ‫ص ـلي ‪ ،‬ليس كلقائق علميَّ ٍة َّ‬ ‫ص ـلابة يتعاملون مع العلم ال َّ‬
‫كان ال َّ‬
‫فلس ـ ‪ ،‬دون أن يكون يا عالقة ابلقل ‪ ،‬واجلوار فقد أورثهم العلم ابهلل‪ ،‬وأمسائت‪ ،‬وهللاــفاتت‪،‬‬
‫وأفعالت ‪ -‬حمبَّتت‪ ،‬والتألُّت إليت‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـ ـوق إىل لقائت‪ ،‬والتَّمتُّع ابلنَّظر إىل وجهت الكر يف جنَّة ٍ‬
‫عدن‪،‬‬
‫وأورثهم تعظيمت‪ ،‬واخلو منت‪ ،‬واحلذر من أب ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وعقابت‪ ،‬وبط ـ ـ ـ ــت‪ ،‬ونقمتت‪ ،‬وأورثهم رجاء ما‬
‫عنده‪ ،‬والطَّمع يف جنَّتت‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـوانت‪ ،‬وحس ـ ـ ـ ــن الظَّ ِن بت‪ ،‬فاكتملت لديهم ‪ -‬بذلك ‪ -‬آاثر العلم‬
‫الرجاء‪.‬‬ ‫ابهلل‪ ،‬والميان بت‪ ،‬وهي احل ُّ ‪ ،‬واخلو ‪ ،‬و َّ‬
‫رمدأ‪ ،‬واخلو من مقا اة العذاب‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫األبدأ َّ‬ ‫الر بةش يف النَّعيم‬
‫وأورثهم العلم ابجلنَّة‪ ،‬والنَّار َّ‬
‫وعذاب حتذره‪ ،‬وه ـ ـ وقوعت فتعلَّقت‬ ‫ٍ‬ ‫الرهي ‪ ،‬فقلوهبم ت او ب نعي ٍم ترجوه‪ ،‬وه ـ ـ فوتت‪،‬‬ ‫َّ‬
‫كأ‪،‬م يرون البعث‪ ،‬والقيامة‪ ،‬واَّيايان‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـراط‪،‬‬ ‫حض َّ‬ ‫قلوهبم اب خرة ‪ -‬فكرًة‪ ،‬وخوفاً‪ ،‬ورجاءً ‪َّ -‬‬
‫أأ الع ‪ .‬وأورثهم علمهم ابلقدر‪ ،‬وأنَّت أمر قد ف ِرغ منت ‪ -‬التَّوُّكل عل هللا‪ ،‬وعدم‬ ‫واجلنَّة‪ ،‬والنَّار ر ش‬

‫(‪ )1‬انظر هللافة ال رابء ‪ ،‬ص ‪ 92‬ـ ‪.93‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪125‬‬
‫كل عل األ ــباب‪ ،‬وعدم الفر مبا أوتوا‪ ،‬وح األ ش ـ عل ما منعوا‪ ،‬وال ال يف الطَّل إذ‬ ‫التَّو ِ‬
‫قدر لت‪ ،‬ولن رتيت ما يقدَّر‪ ،‬كما رس يف نفو ـ ـ ـ ـ ــهم ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ اعة‪ ،‬والقدام‪.‬‬ ‫لن يفوت اَّرء ما ِ‬
‫وأورثهم علمهم ابَّوت‪ ،‬وإميــا‪،‬م بــت ‪ -‬العايو ش عن الــدُّنيــا‪ ،‬والقبــال عل ا خرة‪ ،‬والـ َّـدوام عل‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاأ إذ ح يــدرأ اَّرء مض ميوت‪ ،‬واَّوت منــت قريـ ‪ .‬وهــذه اَّعــاين الوجــدانيَّـة هي‬ ‫العمــل ال َّ‬
‫اَّقص ـ ـ ـ ـ ــود األعظم من حتص ـ ـ ـ ـ ــيل العلم‪ ،‬وإذا فقدت فال ينفع مع فقدها علم‪ ،‬بل هو ـ ـ ـ ـ ــرر يف‬
‫العاجل‪ ،‬واحجل(‪.)1‬‬
‫ألن إميا‪،‬م‬ ‫ص ـ ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم من هذه اَّعاين الوجدانيَّة أعظم نص ـ ــي ٍ َّ‬ ‫ولقد كان لل َّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫ض ـ ـاً طرََّيً من الن ِ‬‫كان أعمق‪ ،‬وأكمل من إميان ريهم‪ ،‬ولقد تلقَّوه َّ‬
‫يشـ ْعلش ْق ب ربة األهواء‪ ،‬وال فالن(‪.)2‬‬
‫ص ـ ـلابة فر ــاانً ابلنَّهار‪ ،‬ورهباانً ابللَّيل‪ ،‬ح مينعهم علمهم‪ ،‬وإميا‪،‬م احل ُّق وخ ــوعهم‬ ‫وكان ال َّ‬
‫وقيام عل األهل‪ ،‬واألوحد‪،‬‬ ‫وحرث‪ ،‬ونكا ٍ ‪ٍ ،‬‬ ‫هللِ من القيام ب ـ ــؤو‪،‬م الدُّنيويَّة من بي ٍع‪ ،‬وشـ ـ ـر ٍاء‪ٍ ،‬‬
‫كل البعد عن الع اب ابلنَّفس‪ ،‬الَّذأ أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــي بت‬ ‫و ريهم فيما تاجون إليت‪ ،‬وكانوا بعيدين َّ‬
‫بعض اَّتعبِدين اَّن جاء بعدهم‪ ،‬ف تَّ عليت ازدرايهم‪ ،‬واحتقارهم ألعمال ا خرين‪ ،‬وا ـ ـ ـ ــتهانة‬
‫مب هوداهتم يف ـ ـ ـ ـ ـ ــبيــل الـ ِـدين‪ ،‬وحا من قــدرهم‪ ،‬فــأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلوا يف احلقيقــة متعبِـدين يف حمراب‬
‫معظم ألنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وهــذا مص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر كـ ِـل رذيلـ ٍـة خلقيَّـ ٍة‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ َّق كـ ِـل عمـ ٍـل‬ ‫(الـ َّـذات)‪ِ ،‬‬
‫الدين‪،‬‬‫أب‪،‬م ‪ -‬وحدهم ‪ -‬األوهللا ـ ـ ــياء عل ِ‬ ‫هللا ـ ـ ــا ٍأ‪.‬والَّذين يص ـ ـ ــابون هبذه البليَّة اَّردية ي ـ ـ ــعرون َّ‬
‫وي لقون عقويم‪ ،‬وأعينهم عن ريية فضــائل ا خرين‪ ،‬فال يرون إح العيوب واَّســاوئ بل تصــب‬
‫الفضائل عندهم عيوابً‪ ،‬ومساوئ(‪.)3‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم وأثرها يف صناعة القادة‪:‬‬
‫خامساً‪ :‬شخصيَّة الن ِّ‬

‫كانت دار األرقم بن أيب األرقم أعظم مدر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة لل َّ بيشة والتَّعليم عرفتها الب ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬كيف ح‪،‬‬
‫وأ تاذها هو ر ول هللا هللال هللا عليت و لم أ تاذ الب ريَّة كلِها‪ ،‬وتالميذها هم الدُّعاة وايداة‪،‬‬
‫حرروا الب ريــة من ِرِق العبوديــة‪ ،‬وأخرجوهم من الظُّلمات إىل النُّــور‪ ،‬بعد‬ ‫الرابنيُّــون الَّذين َّ‬
‫والقادة َّ‬

‫(‪ )1‬انظر هللافة ال رابء ‪ ،‬ص ‪.97‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫(‪ )3‬انظر هللافة ال رابء ‪ ،‬ص ‪ 103‬ـ ‪.104‬‬
‫‪126‬‬
‫ٍ‬
‫مللوقة؟!(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫مسبوقة‪ ،‬وح‬ ‫أن رَّابهم هللا تعاىل عل عينت تربيةً ري‬
‫يف دار األرقم وفَّق هللا تعاىل ر ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل تكوين اجلماعة األوىل من‬
‫الرجال‬ ‫ص ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬الَّذين نقلهم من هباء اجلاهلية إىل نور الميان‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ــبلوا يعاً من عظماء ِ‬ ‫ال َّ‬
‫رأ‪ ،‬حيث قاموا أبعظم دعوة عرفتها الب ريَّة‪.‬‬ ‫وم اهري العا ‪ ،‬وهللانَّاي التَّاري الب ِ‬
‫الرجال يف العا ‪ ،‬وهم الَّذين قامت عليهم الدَّعوة‪،‬‬ ‫إن خرجيي مدر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة األرقم من عظماء ِ‬ ‫َّ‬
‫وعمر بن‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الدولة‪ ،‬واحلضـ ـ ــارة فيما بعد فلم شجي ِد َّ‬‫واجلهاد‪ ،‬و َّ‬
‫الايمان بواحد مثل أيب بكر الص ـ ـ ـديق‪ ،‬ش‬
‫اص‪ ...‬إخل‪.‬‬ ‫وعلي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬و ِ‬
‫عد بن أيب وقَّ ٍ‬ ‫اخلطَّاب‪ ،‬وعثمان بن عفَّان‪ِ ،‬‬
‫يريب يف تلك اَّرحلة الس ـ ِـريَّة‪،‬‬ ‫اَّريب األعظم هللا ــل هللا عليت و ــلم أن ِ‬
‫الر ــول ِ‬ ‫لقد ا ــتطاي َّ‬
‫الرجــال الَّـذين حلوا رايــة التَّوحيــد واجلهــاد والــدَّعوة فــدانــت يم اجلاييرة‪،‬‬‫ويف دار األرقم‪ ،‬أفــذاذ ِ‬
‫وقاموا ابلفتوحات العظيمة يف نصف قرن‪.‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم فائقةً يف اختيار العناهللا ــر األوىل للدَّعوة‪ ،‬يف خالل‬ ‫كانت قدرة الن ِ‬
‫ال َّسـ ـ ـ ـ ـنوات الثَّالث األوىل من عمر الدَّعوة‪ ،‬وتربيتهم وإعدادهم إعداداً خاهللاـ ـ ـ ـ ـاً ِ‬
‫ليؤهلهم لتسـ ـ ـ ـ ـلُّم‬
‫فالر ــاحت الكرب ‪ ،‬واألهدا النس ــانيَّة العظم ‪ ،‬ح ملها إح أفذاذ‬ ‫الر ــالة‪ِ ،‬‬ ‫القيادة‪ ،‬وحل ِ‬
‫الد عاة‪ .‬كانت دار األرقم مدر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً من أعظم مدارس الدُّنيا‪،‬‬ ‫الرجال‪ ،‬وكبار القادة‪ ،‬وعمالقة ُّ‬ ‫ِ‬
‫الرعيل‬ ‫ص ـ ـفوة اَّهتارة من َّ‬ ‫اَّريب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ـلم ابل َّ‬ ‫الر ـ ــول ِ‬‫وجامعات العا ‪ ،‬التق فيها َّ‬
‫األول )‪ ،‬فكان ذلك اللِقاء الدَّائم تدريباً عملياً جلنود اَّدر ـ ـ ـ ـ ــة عل مفهوم‬ ‫َّ‬ ‫األول (ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـابق‬
‫َّ‬
‫السمع‪ ،‬والطَّاعة‪ ،‬والقيادة‪ ،‬وآداهبا‪ ،‬وأهللاوي ـ ـ ـ ــا‪ ،‬وي ل ـ ـ ـ ــذ في ـ ـ ـ ــت القائد األعل جن ـ ـ ـ ــده‬‫اجلنديَّة‪ ،‬و َّ‬
‫وأتباع ـ ـ ـ ـ ــت ابلثِق ـ ـ ـ ـ ــة ابهلل‪ ،‬والعايمية‪ ،‬والهللارار‪ ،‬ورخذهم ابلتَّايكية والتَّهذي ‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬والتَّعليم‪ .‬كان‬
‫ويقوأ ايمم‪ ،‬ويدفع إىل البذل‪ ،‬والتَّضلية‪ ،‬واليثار(‪.)2‬‬ ‫هذا اللِقاء اَّنظَّم ي لذ العايائم‪ِ ،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬ ‫الرابنيَّة األوىل لقاء اَّدعو ابلن ِ‬ ‫كانت نقطة البدء يف حركة ال َّ بية َّ‬
‫حتول ري واهتداء مفاجئ مب َّرد اتِصـ ـ ـ ـ ــالت ابلن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪،‬‬ ‫فيلدث للمدعو ُّ‬
‫فيهرً اَّدعو من دائرة الظَّالم إىل دائرةِ النُّور‪ ،‬ويكتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الميان‪ ،‬ويطر الكفر‪ ،‬ويقو عل‬
‫السملة‪.‬‬ ‫حتمل ال َّدائد‪ ،‬واَّصائ يف بيل دينت اجلديد‪ ،‬وعقيدتت َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.219‬‬


‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.220‬‬


‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪127‬‬
‫األول لإل ــالم ف ــهصــيتت هللاــل‬ ‫كانت شــهصــية ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ِ‬
‫اَّرك َّ‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم َتلك قو اجلذب‪ ،‬والتأثري عل ا خرين‪ ،‬فقد هللا ـ ـ ـ ـ ــنعت هللا عل عينت‪ ،‬وجعلت‬
‫ويلتف‬
‫ُّ‬ ‫أكمل هللاورةٍ لب ٍر يف اتري األرض‪ ،‬والعظمة دائماً حتش ُّ ‪ ،‬وحتاط من النَّاس ابلع اب‪،‬‬
‫حويا اَّع بون‪ ،‬يلتصــقون هبا التصــاقاً بدافع الع اب واحل ِ ‪ ،‬ولكن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬
‫تلقي الوحي من هللا‪ ،‬ومبلِ ت إىل الناس‪ ،‬وذلك‬ ‫و لم يضا إىل عظمتت تلك أنَّت ر ول هللا‪ ،‬م ِ‬
‫بـ ْعد آخر لت أثره يف تكييف م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعر ذلك اَّؤمن داهت فهو ح ُّبت لذاتت فقا‪ ،‬ك ما ُّ‬
‫الرَّابنيَّـ ـ ـ ــة الَّيت ت ملـ ـ ـ ــت من عند هللا‪ ،‬فهو معـ ـ ـ ــت يف‬
‫العظماء من النَّاس‪ ،‬ولكن أيضاً لتلك النَّفلة َّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم الب ـ ــر‬
‫اَّكرم ومن شمثَّ يلتقي يف شـ ــهص َّ‬ ‫اليي َّ‬
‫حضـ ــرة الوحي ِ‬
‫الر ـ ـ ــول العظيم‪ ،‬مثَّ يصـ ـ ــبلان شـ ـ ــيئاً واحداً يف النِهاية‪ ،‬ري متميِاي البداية‪ ،‬وح النِهاية‪،‬‬ ‫العظيم‪ ،‬و َّ‬
‫الر ــول‪ ،‬ويرتبا ح ُّ هللا حب ِ ر ـولت هللا ــل هللا‬ ‫للر ــول الب ــر‪ ،‬أو للب ــر َّ‬
‫ح عميق ش ــامل َّ‬
‫عليت و لم ‪ ،‬وميتايجان يف نفست‪ ،‬فيصبلان يف م اعره نقطة ارتكاز اَّ اعر كلِها‪ ،‬وحمور احلركة‬
‫صـ ـ ـلابة هو‬ ‫األول من ال َّ‬
‫الرعيل َّ‬‫حرك َّ‬ ‫ال ُّ ـ ـ ـعورية‪ ،‬وال ُّسـ ـ ـلوكية كلِها‪ ،‬كذلك كان هذا احل ُّ الَّذأ َّ‬
‫مفتا ال َّ بية ال الميَّة‪ ،‬ونقطة ارتكازها‪ ،‬ومنطلقها الَّذأ تنطلق منت(‪.)1‬‬
‫سادساً‪ :‬املادة الدراسية يف دار األرقم‪:‬‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف دار األرقم‪ ،‬القرآن‬ ‫اَّادة الدرا ــية الَّيت قام بتدريســها الن ُّ‬
‫كانت َّ‬
‫ص احلبي اَّصـ ــطف هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل‬ ‫ِ‬
‫الكر ش‪ ،‬فهو مصـ ــدر التَّلقي الوحيد‪ ،‬فقد شحشر ش‬
‫وتفرده‪ ،‬وأن يكون القرآن الكر وحده هو اَّنهت‪ ،‬والفكرة اَّركاييَّة الَّيت‬ ‫َّلقي‪ُّ ،‬‬ ‫توحيد مص ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الت ِ‬
‫ي َّىب عليها الفرد اَّس ــلم‪ ،‬واأل ــرة اَّس ــلمة‪ ،‬واجلماعة اَّس ــلمة‪ ،‬وكان رو القدس ينايل اب َيت‬
‫الصلابة من فم ر ول هللا هللال هللا‬ ‫ضةً طريَّةً عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فيسمعها َّ‬ ‫َّ‬
‫عليت و ــلم مباشــرًة‪ ،‬فشـت ْس ـ شك يف قلوهبم‪ ،‬وتتسـ َّـرب يف أرواحهم‪ ،‬ودرأ يف عروقهم جمر الدَّم‪،‬‬
‫فيتلول الواحــد منهم إىل إنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـان‬ ‫وكــانــت قلوهبم‪ ،‬وأرواحهم تتفــاعــل مع القرآن‪ ،‬وتنفعــل بــت‪َّ ،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬ ‫جديد بقيمت‪ ،‬وم اعره‪ ،‬وأهدافت‪ ،‬و لوكت‪ ،‬وتطلُّعاتت‪ .‬لقد حرص َّ‬ ‫ٍ‬
‫اَّادة الدرا ــية‪ ،‬واَّنهت الَّذأ ت َّىب عليت‬ ‫حرهللا ـ ـاً ش ــديداً عل أن يكون القرآن الكر وحده هو َّ‬

‫َّمد قط ‪ ،‬ص ‪ 34‬ـ ‪.35‬‬


‫(‪ )1‬انظر منهت ال َّ بيَّة ال الميَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪128‬‬
‫يء من ري القرآن(‪.)1‬‬ ‫نفوس أهللالابت‪ ،‬وأح خيتلا تعليمهم ب ٍ‬
‫أن القرآن الكر ‪ ،‬وتوجيهات احلبي اَّصــطف هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫يف دار األرقم تعلَّموا َّ‬
‫اَّادة الدرا ـ ــية‬ ‫الدولة‪ ،‬واحلضـ ــارة‪ .‬كان القرآن الكر َّ‬ ‫الد ـ ــتور األعل للدَّعوة‪ ،‬واحلياة‪ ،‬و َّ‬ ‫‪ ،‬لا ُّ‬
‫حممد هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـلم ‪،‬‬ ‫اَّريب األعظم َّ‬ ‫الوحيدة الَّيت تلقَّاها تالميذ مدر ـ ــة األرقم عل يد ِ‬
‫األمة العظيمة‪ ،‬فهو كتاب هذه‬ ‫ترىب اجليل الفريد من هذه َّ‬ ‫للتلقي‪ ،‬وعليت َّ‬ ‫فهو اَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الوحيد ِ‬
‫تتلق فيها دروس حياهتا‪.‬‬ ‫احلي‪ ،‬ورائدها النَّاهللا ‪ ،‬وهو مدر تها الَّيت َّ‬ ‫األمة ُّ‬ ‫َّ‬
‫وحرص شـ ٍ‬
‫ـديد عل فهم توجيهاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األول القرآن الكر ِ‬
‫قديٍَّة‪ ،‬ووع ٍي‪،‬‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫تلق َّ‬ ‫لقد َّ‬
‫ـأن من شــؤون حياهتم‬ ‫كل شـ ٍ‬‫اتم ٍة‪ ،‬فكانوا يلتمســون من آَيتت ما يوجههم يف ِ‬ ‫والعمل هبا بدقَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة َّ‬
‫الواقعيَّة‪ ،‬واَّستقبليَّة‪.‬‬
‫األول عل توجيهات القرآن الكر ‪ ،‬وجايوا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورًة عمليَّةً يذه التَّوجيهات‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ــأ َّ‬
‫الرَّابنيُّون‪ ،‬ذلك اجليل‬ ‫هرً منها الدُّعاة‪ ،‬والقادة َّ‬ ‫الرَّابنيَّة‪ ،‬فالقرآن كان هو اَّدر ـ ـ ـ ـ ــة الييَّة‪ ،‬الَّيت َّ‬ ‫َّ‬
‫الَّذأ تعر لت الب ـريَّة مثيالً من قبل‪ ،‬ومن بعد‪ .‬لقد أنايل هللا القرآن الكر عل قل ر ـولت‬
‫ِ‬
‫لرييب بت ـ ـ ــمائر‪،‬‬ ‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم لين ـ ـ ــئ بت َّأمةً‪ ،‬ويقيم بت دولةً‪ ،‬وينظم بت جمتمعاً و ِ ش‬
‫فهرً اجلماعة اَّس ـ ــلمة األوىل‬ ‫وأخالقاً‪ ،‬وعقوحً‪ ،‬ويب بت عقيد ًة‪ ،‬وتص ـ ـ ُّـوراً‪ ،‬وأخالقاً وم ـ ــاعر‪َّ ،‬‬
‫الروحيَّة‪ ،‬واخللقيَّة‪ ،‬واحجتماعيَّة‪،‬‬ ‫تفوقت عل ــائر ااتمعات يف يع اااحت العقديَّة‪ ،‬و ُّ‬ ‫الَّيت َّ‬
‫والسيا ية‪ ،‬واحلربيَّة(‪.)2‬‬
‫سابعاً‪ :‬األسباب يف اختيار دار األرقم‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أسباب؛ منوا‪:‬‬ ‫كان اختيار دار األرقم َّ‬
‫لعدة‬
‫حمم ٍد هللا ــل‬
‫يتم لقاء َّ‬ ‫أن األرقم يكن معروفاً ن ــالمت‪ ،‬فما كان خيطر ببال ٍ‬
‫أحد أن َّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫هللا عليت و لم وأهللالابت ر ي هللا عنهم بداره‪.‬‬
‫‪َّ - 2‬‬
‫أن األرقم بن أيب األرقم ر ـ ـ ــي هللا عنت من ب ملايوم‪ ،‬وقبيلة ب ملايوم هي اليت حتمل‬
‫لـواء احلرب َّد ب هاشم‪ ،‬و يكن األرقم معروفاً ن المت‪ ،‬ولن خيطر يف البال أن يكون اللِقاء‬
‫ِ‬
‫العدو‪.‬‬ ‫يتم يف قل هللافو‬
‫أنت ُّ‬ ‫يف داره َّ‬
‫ألن هذا يع‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.335‬‬


‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪129‬‬
‫فض عند إ ــالمت فلقد كان يف حدود ال َّسـ ـاد ــة ع ــرة‬ ‫َّ‬
‫‪ - 3‬أن األرقم بن أيب األرقم كان ً‬
‫تفكر قريش يف البلث عن مركاي الت ُّمع ال ـ ـ ـ ــالمي‪ ،‬فلن خيطر يف ابيا أن‬ ‫من عمره‪ ،‬ويوم أن ِ‬
‫حمم ٍد هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بل يتَّ ت نظرها‪،‬‬ ‫تبلث يف بيوت الفتيان ال ِ‬
‫ص ـ ـ ار من أهللا ـ ــلاب َّ‬
‫وحبثها إىل بيوت كبار أهللالابت‪ ،‬أو بيتت هو نفست هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫قد خيطر عل ذهنهم أن يكون مكان التَّ ُّمع عل األ ل يف أحد دور ب هاشــم‪ ،‬أو يف‬
‫أن اختيار هذا البيت كان يف اية‬ ‫بيت أيب بك ٍر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬أو ريه ومن أجل هذا ُد َّ‬
‫أن قري ـ ـ ـ ـاً دالت ذات ٍ‬
‫يوم هذا اَّركاي‪ ،‬وك ـ ـ ــفت‬ ‫احلكمة من النَّاحية األمنيَّة‪ ،‬و نس ـ ـ ــمع أبداً َّ‬
‫مكان اللِقاء(‪.)1‬‬
‫األول‪:‬‬
‫الرعيل َّ‬
‫اثمناً‪ :‬من صفات َّ‬

‫كانت الف ة األوىل من عمر الدَّعوة تعتمد عل ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬والفرديَّة‪ ،‬وكان التَّهطيا الن ُّ‬
‫َّبوأ‬
‫دقيقاً‪ ،‬ومنظَّماً‪ ،‬و ــيا ــية حمكماً‪ ،‬فما كان اختيار ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم لدار األرقم‬
‫وإجا كانت مركاياً للقيادة‪،‬‬ ‫ارد اجتماي اَّس ـ ــلم فيها لس ـ ــماي نص ـ ــائ ‪ ،‬ومواعم‪ ،‬وإرش ـ ــادات َّ‬ ‫َّ‬
‫ومدر ـ ـ ـ ـ ـةً للتَّعليم‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬والعداد‪ ،‬والتَّأهيل للدَّعوة‪ ،‬والقيادة‪ ،‬ابل َّ بيشة الفرديَّة العميقة ايادئة‪،‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـاً لتأهيلها ألعباء الدَّعوة‪ ،‬والقيادة‪َّ ،‬‬
‫فكأن‬ ‫وتعهد بعض العناهللا ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وال َّكياي عليها تركياياً خا َّ‬ ‫ُّ‬
‫فرد من هؤحء عملت بدقٍَّة‪ ،‬وتنظي ٍم حكي ٍم‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬ ‫اَّريب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قد حدَّد ِ‬ ‫الر ـ ــول ِ‬ ‫َّ‬
‫الكل ملتايم‬
‫َتر هبـ ـ ـ ــا‪ ،‬و ُّ‬ ‫الدعـ ـ ـ ــوة‪ ،‬واَّرحلة الَّيت ُّ‬ ‫الكل يدرك طبيعـ ـ ـ ــة َّ‬ ‫فالكل يعر دوره اَّنوط بت‪ ،‬و ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الس ِريَّة واحنضباط الت ِ‬
‫َّام(‪.)2‬‬ ‫جان احليطة‪ ،‬واحلذر‪ ،‬و ِ‬
‫وتدرًٍ و ِريَّـ ـ ٍـة‪ ،‬وكان شعار هذه‬ ‫هدوء ُّ‬‫بكل ٍ‬ ‫يتم ِ‬ ‫كان بن ـ ــاء اجلماعة اَّؤمن ـ ــة يف الف ة ِ‬
‫اَّكيَّة ُّ‬
‫وجل ‪ -‬اَّتمثِل يف قولت تعاىل‬ ‫عاي َّ‬ ‫اَّرحلة هو توجيت اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ين يش ْدعو شن شرَّهب ْم ِابلْ ش شداةِ شوالْ شع ِ ـ ـ ـ ـ ـ ِي ي ِريدو شن شو ْج شهت شوحش تشـ ْعد شعْيـنش ش‬ ‫َّ ِ‬
‫اك‬ ‫ك شم شع الذ ش‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـِ ْرب نشـ ْف شس ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫﴿وا ْ‬‫ش‬
‫احلشيش ـاةِ ال ـ ُّـدنْـيش ـا شوحش ت ِط ْع شم ْن أش ْ شف ْلنش ـا قشـ ْلبش ـت شع ْن ِذ ْك ِرشان شواتـَّبش شع شه شواه شوشك ـا شن أ ْشمره‬
‫شعْنـه ْم﴾ ﴿ت ِري ــد ِزينش ـةش ْ‬
‫فـرطًا﴾[الكوف‪.]28 :‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم أبن يصرب عل تقصري‪ ،‬وأخطاء اَّست يب‬ ‫إن ا ية الكرمية أتمر الن َّ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّنهاً احلركي ‪ ،‬لل ضبان (‪.)49/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر دولة الر ول هللال هللا عليت و لم من التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪130‬‬
‫ترددهم يف‬ ‫هللا ـ ـ ـةً إن كانت خطأً‪ ،‬وأن يص ـ ــرب عل ُّ‬
‫لدعوتت‪ ،‬وأن يص ـ ــرب عل كثرة تس ـ ــايحهتم‪ ،‬خا َّ‬
‫قبول التَّوجيهات‪ ،‬وأن جيتهد يف تص ـ ــبريهم عل فتنة أعداء الدَّعوة‪ ،‬وأن يو ِ ـ ـ يم طبيعة طريق‬
‫منتقص ـاً‪ ،‬وأح يطيع فيهم‬‫الدَّعوة‪ ،‬و َّأ‪،‬ا ش ــاقَّة‪ ،‬وأح ي ِرر بت م ِرر ليبعده عنهم‪ ،‬وأح يس ــمع فيهم ِ‬
‫متكرباً أ فل هللا قلبشت عن حقيقة األمور‪ ،‬وجوهرها(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫السابقة من ورة الكهف تصف لنا بعض هللافات اجلماعة اَّسلمة األوىل‪،‬‬ ‫إن ا ية الكرمية َّ‬‫َّ‬
‫والَّيت من ِ‬
‫ألها‬
‫ك﴾‬ ‫سَ‬ ‫﴿و ْ ِّ‬
‫اص ْرب نَـ ْف َ‬ ‫أ ‪ -‬الصرب يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ويوهللاــي‬
‫ص ـرب ت َّدد يف القرآن الكر ‪ ،‬ويف أحاديث الن ِ‬ ‫َّ‬
‫إن كلمة ال َّ‬
‫أليَّـتها أن تصــري هللاــفةً من أرب ٍع للفئة النَّاجية من اخلس ـران‪ ،‬قال‬ ‫النَّاس هبا بعض ـهم بعض ـاً‪ ،‬وتبل ِ‬
‫هللا ـ ـ ْوا ِاب ْحلشِق‬ ‫تعاىل ﴿والْعص ـ ـ ِر *إِ َّن النْس ـ ـا شن لشِفي خس ـ ـ ٍر *إِحَّ الَّ ِذين آمنوا وع ِملوا ال َّ ِ ِ‬
‫ص ـ ـاحلشات شوتشـ شوا ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش شْ‬
‫وجل ‪ -‬عل يع النَّاس ابخلس ـران إح من أت‬ ‫عاي َّ‬ ‫ص ـ ِْرب ﴾ [العصــر] فلكم اَّوىل ‪َّ -‬‬ ‫هللا ـ ْوا ِابل َّ‬
‫شوتشـ شوا ش‬
‫هبذه األمور األربعة‬
‫‪ - 1‬الميان ابهلل‪.‬‬
‫الصاأ‪.‬‬
‫‪ - 2‬العمل َّ‬
‫‪ - 3‬التَّواهللاي ِ‬
‫ابحلق‪.‬‬
‫ابلصرب‪.‬‬
‫‪ - 4‬التَّواهللاي َّ‬
‫ألن ُاة النســان ح تكون إح إذا أكمل النســان نفســت ابلميان‪ ،‬والعمل الصــاأ‪ ،‬وأكمل‬ ‫َّ‬
‫صـ ـرب ــرورة‬ ‫حق هللا‪ِ ،‬‬
‫وحق العباد‪ ،‬والتواهللا ــي ابل َّ‬ ‫ريه ابلنُّصـ ـ ‪ ،‬والرش ــاد‪ ،‬فيكون قد ع ب ِ‬
‫احلق‪ ،‬والعدل من أعس ـ ـ ـ ــر ما يواجت الفرد‪،‬‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـاأ‪ ،‬وحرا ـ ـ ـ ــة ِ‬
‫ألن القيام عل الميان‪ ،‬والعمل ال َّ‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـرب عل األذ واَّ ـ ـ ـ ــقَّة‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـرب عل جهاد النَّفس‪ ،‬وجهاد ال ري‪ ،‬وال َّ‬ ‫واجلماعة‪ ،‬وح َّ‬
‫بد من ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـرب عل طول الطَّريق‪ ،‬وباء اَّراحل‪ ،‬وانطماس اَّعا ‪ ،‬وبـ ْع ِد‬ ‫ص ـ ـ ـ ـرب عل تب ُّ الباطل‪ ،‬وال َّ‬‫وال َّ‬
‫النِهاية(‪.)2‬‬
‫ب ‪ -‬كثرة ال يدعاء واإلحلاح على هللا‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر الطريق إىل اعة اَّسلم ‪ ،‬حلس بن حمسن ‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫الظالل (‪.)3968/6‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫‪131‬‬
‫وهــذا يظهر يف قولــت تعــاىل فــالـ ُّـدعــاء ابب ﴿يشـ ْدعو شن شرَّهب ْم ِابلْ شـ شداةِ شوالْ شع ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِي﴾‪ ،‬فــَذا فت‬
‫للعبــد تتــابعــت عليــت اخلريات‪ ،‬وا‪،‬ــالــت عليــت الربكــات‪ ،‬فال بـ َّـد من تربيــة األفراد الَّـذين يـ شع ـدُّون‬
‫ألن ذلك من أعظم‪ ،‬وأقو‬ ‫الصلة ابهلل‪ ،‬وكثرة الدُّعاء َّ‬ ‫الر الة‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬عل حسن ِ‬ ‫حلمل ِ‬
‫عوامل النَّصر(‪.)1‬‬
‫ج ‪ -‬اإلخالص‪:‬‬
‫بد عند إعداد األفراد إعداداً رَّابنياً أن ي َّىب ﴿ي ِريدو شن شو ْج شهت﴾‬ ‫ويظهر يف قولت تعاىل فال َّ‬
‫عل أن تكون أقوالت‪ ،‬وأعمالت‪ ،‬وجهاده كلُّت‪ ،‬لوجت هللا‪ ،‬وابت اء مر ــاتت‪ ،‬وحس ــن مثوبتت من ري‬
‫وحض يص ـ ـ ـ ـ ـ ــب جندَيً من أجل العقيدة‬ ‫نظ ٍر إىل م ن ٍم‪ ،‬أو جاهٍ‪ ،‬أو لق ٍ ‪ ،‬أو تقدٍُّم‪ ،‬أو أتخر‪َّ ،‬‬
‫ب‬‫ابين‪ ،‬ولسـ ـ ـ ـ ـ ــان حالت قولت تعاىل ﴿قل إِ َّن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـالشِل ونس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِكي وشْحمياأ واشش ِال ََِّّللِ ر ِ‬
‫الر ِ‬
‫واَّنهت َّ‬
‫ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ش‬ ‫ْ ش‬
‫ك أ ِمرت وأ ششان أ َّشول الْمسلِ ِ‬‫ِ‬
‫الْ شعالش ِم ش *حش شش ِر ش‬
‫م ش ﴾ [األنعام‪. ]163 - 162 :‬‬
‫ْ‬ ‫يك لشت شوبِ شذل ش ْ ش‬
‫إن الخالص ركن من أرك ـ ــان قبول العم ـ ــل‪ ،‬ومعلوم َّ‬
‫أن العم ـ ــل عن ـ ــد هللا ح يقب ـ ــل إح‬ ‫َّ‬
‫ابلخالص‪ ،‬وتصلي النِيَّة‪ ،‬ومبوافقة ُّ‬
‫السنَّة‪ ،‬وال َّ ري‪.‬‬
‫د ‪ -‬الثَّبات‪:‬‬
‫[الكوف‪.]28 :‬‬ ‫احلشيشاةِ ُّ‬
‫الدنْـيشا﴾‬ ‫اك شعْنـه ْم ت ِريد ِزينشةش ْ‬ ‫﴿وحش تشـ ْعد شعْيـنش ش‬
‫ويظهر يف قولت تعاىل ش‬
‫الرابينُّ‪ ،‬قال تعاىل ِ‬
‫﴿م شن‬ ‫أعم ينب ي أن يتَّسم بت الدَّاعية َّ‬ ‫ثبات َّ‬ ‫وهذا الثبات اَّذكور فري عن ٍ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ شْحنبشت شوِمْنـه ْم شم ْن يشـْنـتش ِظر شوشما بشدَّلوا‬ ‫الْم ْؤِمنِ ِرجال هللاـ ـ ـ ـ ـ شدقوا ما عاهدوا َّ ِ‬
‫اَّللش شعلشْيت فش ِمْنـه ْم شم ْن قش ش‬ ‫ش شش‬ ‫ش ش ش‬
‫تشـب ِ‬
‫ديالً ﴾ [األحزاب‪.]23 :‬‬ ‫ْ‬
‫مهمة للثَّبات‬ ‫ـفات إميان‪ ،‬ورجولة‪ ،‬وهللا ــدق‪ .‬وهذه العناهللا ــر َّ‬ ‫ففي ا َيت الكرمية ثالث هللا ـ ٍ‬
‫الرفيعة‪ ،‬والت ـ ـ ـ ـبُّث هبا‪ ،‬ويبعث عل‬ ‫ألن الميان يبعث عل التم ُّسـ ـ ـ ـك ابلقيم َّ‬ ‫احلق َّ‬ ‫عل اَّنهت ِ‬
‫ٍ‬
‫مهتمة‬ ‫حمركة للنَّفس حنو هذا ايد ‪ ،‬ري‬ ‫الرجولة ِ‬‫الرفيع‪ .‬و ُّ‬ ‫التَّض ـ ـ ـ ــليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ابلنَّفس ليبق اَّبدأ َّ‬
‫ص ـ ـ ـدق ول دون‬ ‫الرفيع‪ .‬وال ِ‬
‫وإجا دائماً دافعة حنو ايد األمس ‪ ،‬واَّبدأ َّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ار‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ائر‪ ،‬وال َّ‬ ‫ابل َّ‬
‫يتلون معت النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪،‬‬‫تلول‪ ،‬أو الت يري‪ ،‬أو التبديل‪ ،‬ومن شمثَّ يورث هذا كلُّت الثبات الذأ ح َّ‬ ‫ال ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت التمك يف القران الكر ‪ ،‬ص‪.221‬‬


‫‪132‬‬
‫وإن رأ شــعاي ال َّس ـيف عل رقبتت‪ ،‬أو رأ حبل اَّ ــنقة ينتظره‪ ،‬أو رأ دنيا يصــيبها‪ ،‬أو امرأةً‬
‫ينكلها‪.‬‬
‫أن اللَّبنات الَّيت ُّ‬
‫تعد حلمل الدَّعوة‪ ،‬وإقامة الدَّولة‪ ،‬وهللاـ ــناعة احلضـ ــارة‪ ،‬حتتاً إىل‬ ‫ـك َّ‬
‫وح شـ ـ َّ‬
‫الرفيعة(‪.)1‬‬
‫السامية‪ ،‬وال اَيت اجلميلة‪ ،‬والقيم َّ‬ ‫َّ‬ ‫الثَّبات الَّذأ يع عل حتقيق األهدا‬
‫أهم ِ‬
‫الصفات الَّيت اتصفت هبا اجلماعة اَّؤمنة األوىل‪.‬‬ ‫هذه من ِ‬
‫اتسعاً‪ :‬انتشار َّ‬
‫الدعوة يف بطون قريش‪ ،‬وعامليَّتوا‪:‬‬

‫كان انت ـ ــار ال ـ ــالم يف اَّرحلة ال ِس ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬يف ـ ــائر فروي قريش بص ـ ــورةٍ متواز ٍنة ‪ ،‬دون أن‬
‫ألأ قبيلة‪ ،‬وهذه الظاهرة ملالفة لطبيع ـ ـ ـ ـ ــة احلياة القبليَّة آنذاك‪ .‬وهي إذا أفقدت‬ ‫يكون ثقل كبري ِ‬
‫القبلي‪ ،‬والعصبية حلماية الدَّعوة اجلديدة‪ ،‬ون رها‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬ا‬ ‫ال الم اح تفادة الكاملة من التكوين ِ‬
‫أن الدَّعوة ِ‬
‫حتقق مص ـ ــاأ الع ـ ــرية الَّيت‬ ‫يف الوقت نفس ـ ــت تؤلِ عليت الع ـ ــائر األخر حب َّ ة َّ‬
‫لعل هذا احنفتا اَّتوازن عل‬ ‫انتمت إليها‪ ،‬وتعلي من قدرها عل حس ــاب الع ــائر األخر ‪ ،‬و َّ‬
‫اجلميع أعان عل انت ار ال الم يف الع ائر القرشيَّة العديدة دون حتف ٍ‬
‫ُّظات مت ٍ‬
‫َّصلة ابلعصبيَّة‪.‬‬
‫العوام من‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق من «تشـْيم»‪ ،‬وعثمـان بن عفـان من «ب أميَّـة»‪ ،‬و ُّ‬
‫الايبري بن َّ‬ ‫فـأبو بكر ال ِ‬
‫وعلي بن أيب طال من «ب هاشــم»‪،‬‬ ‫«ب أ ــد»‪ ،‬ومصــع بن عمري من «ب عبد الدَّار»‪ُّ ،‬‬
‫الرحن بن عو من «ب زهرة»‪ ،‬و ـ ـ ـ ــعيد بن زيد من «ب شع ِدأ»‪ ،‬وعثمان بن مظعون‬ ‫وعبد َّ‬
‫إن عدداً من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يف هذه اَّرحلة يكونوا من قريش فعبد هللا بن‬ ‫من «ب ش » بل َّ‬
‫وعمار بن‬‫مازن‪ ،‬وعبد هللا بن قيس من األش ـ ـ ـ ـ ــعري ‪َّ ،‬‬ ‫ـعود من ه شذيل‪ ،‬وعتبة بن ايوان من ٍ‬ ‫مس ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫َي ــر من عنس من شم ْذ ِحت‪ ،‬وزيد بن حارثة من كل ‪ ،‬والطُّفيل بن عمرو من شد ْو ٍس‪ ،‬وعمرو بن‬
‫عبس ــة من ــليم‪ ،‬وهللا ــهي الن شَّمرأ من ب الن َِّمر بن قا ِ ـ ـا‪ .‬لقد كان وا ــلاً َّ‬
‫أن ال ــالم‬
‫يكن خاهللااً َّ‬
‫مبكة(‪.)2‬‬
‫هطيا ودقَّـ ٍـة‪ ،‬وأخذ ابأل ب ــاب مع التوُّكل‬
‫ٍ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم طريقت ِ‬
‫بكل‬ ‫شق الن ُّ‬
‫لقد َّ‬
‫فاهتم ابل َّ بية العميقة‪ ،‬والتَّكوين الدَّقيق‪ ،‬والتَّعليم الوا ـ ـ ـ ـ ـ ــع‪ ،‬واححتياط األم ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫عل هللا تعاىل‬

‫(‪ )1‬انظر دعوة هللا ب التكوين والتمك ‪ ،‬د‪ .‬علي جري ة ‪ ،‬ص ‪ 91‬ـ ‪.92‬‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)133/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪133‬‬
‫واحنسياب الطَّبيعي يف ااتمع‪ ،‬والعداد ال َّامل للمرحلة اليت بعد ِ‬
‫الس ِريَّة ألنَّت ‪ -‬عليت َّ‬
‫الصالة‬
‫أن الدَّعوة إىل هللا تنايل لتكون دعوًة ـ ـ ِـريَّةً‪ ،‬خياط هبا الفرد بعد الفرد‪ ،‬بل‬ ‫وال َّس ـ ـالم ‪ -‬يعلم َّ‬
‫نايلت لقامة احل َّ ة عل العاَّ ‪ ،‬وإنقاذ من ش ـ ـ ـ ــاء هللا إنقاذه من النَّاس‪ ،‬من ظلمات ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫رك‪،‬‬
‫واجلاهليَّة إىل نور ال الم والتَّوحيد‪ ،‬ولذلك ك ف هللا تعاىل عن حقيقة هذه الدَّعوة‪ ،‬وميدا‪،‬ا‪،‬‬
‫اَّكي ب َّ طول الدَّعوة‪ ،‬وعاَّيتها‬ ‫إن القرآن َّ‬ ‫منذ خطواهتا األوىل حيث َّ‬
‫م ش ﴾ [ص‪. ]87 :‬‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْن هو إِحَّ ِذ ْكر لِْلعالش ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫م ش ﴾ [القلم‪. ]52 :‬‬ ‫وقال تعاىل ﴿وما هو إِحَّ ِذ ْكر لِْلعالش ِ‬
‫ش‬ ‫شش ش‬
‫كل الب ر‪ ،‬ولتنقذ منهم من بقت لت من هللا احلسىن‪،‬‬ ‫إن الدَّعوة جاءت لتهاط الب ر‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫صـ ـدي‪ ،‬والبالغ‪ ،‬والبيان‪ ،‬والنذار‪،‬‬ ‫أن الدَّعوة جاءت ومن خص ــائص ــها العالن‪ ،‬وال َّ‬ ‫وهذا يع َّ‬
‫وحت ُّمل ما ي تَّ عل هذا من التَّكذي ‪ ،‬واليذاء‪ ،‬والقتل‪.‬‬ ‫ش‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف دعوتت َّأول األمر َّإجا هو حال ا تثنائي لظرو ٍ‬ ‫إن ا تسرار الن ِ‬
‫هللا ـة‪ ،‬وهي ظرو بداية الدَّعوة‪ ،‬و ــعفها‪ ،‬و ربتها‪ ،‬وينب ي أن يفهم ــمن هذا‬ ‫ومالبسـ ٍ‬
‫ـات خا َّ‬
‫الطار‪.‬‬
‫وإن كان الكتمان واح ـ ــتسـ ـ ـرار ـ ــيا ـ ـ ـةً مص ـ ــلليَّةً يف كث ٍري من أمور ال ـ ــالم يف احلرب‪،‬‬
‫وال َّسـ ـ ـالم فهو كذلك يف مو ـ ــوي الدَّعوة فاح ـ ــتسـ ـ ـرار هبا كان لض ـ ــرورة فر ـ ــها الواقع‪ ،‬وإح‬
‫لكل النَّاس‪َّ ،‬أما اح ـ ــتسـ ـ ـرار مبا ـ ــو ذلك من‬ ‫فاألهللا ـ ــل هو بيان دين هللا‪ ،‬وشـ ـ ـرعت‪ ،‬وحكمت ِ‬
‫ـرأ إذ ح‬ ‫الو ــائل‪ ،‬واخلطا‪ ،‬والتَّفص ــيالت فهو أمر مص ــللي خا ــع للنَّظر‪ ،‬واحجتهاد الب ـ ِ‬
‫حق‪ ،‬وح يتعلَّق بت بيان‪ ،‬وح بالغ‪ ،‬ومن ذلك ‪-‬‬ ‫للدين‪ ،‬وح ـ ـ ـ ـ ـ ــكوت عن ٍ‬ ‫ي تَّ عليت كتمان ِ‬
‫خيل بقضية البالغ‪ ،‬والنذارة‪،‬‬ ‫مثالً ‪ -‬معرفة عدد األتباي اَّؤمن ابلدَّعوة‪ ،‬فهــذا أمــر مصللي ح ُّ‬
‫يظل راً مض كانت اَّصللة يف ذلك‪،‬‬ ‫الر ل من أجلها‪ ،‬فيمكن أن َّ‬ ‫الَّيت نايلت الكت ‪ ،‬وبعثت ُّ‬
‫حض بعد أن هللا ـ ـ ـ ـ ــدي‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم َّ‬ ‫مع القيام أبمر الدَّعوة‪ ،‬والتبلي ‪ ،‬ويذا َّ‬
‫فَن الن َّ‬
‫ظل خيفي أش ـ ـ ـ ـ ـ ــياء كثريًة ح تؤثِر عل مهمة البالغ والبيان‪،‬‬ ‫ُّبوة َّ‬
‫بدعوتت‪ ،‬وأنذر النَّاس‪ ،‬وأعلن الن َّ‬
‫اجلاهلي(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫كعدد أتباعت‪ ،‬وأين جيتمع هبم‪ ،‬وما هي اخلطا الَّيت يتَّهذو‪،‬ا إزاء الكيد‬

‫األولون ‪ ،‬ص ‪.126 ، 125 ، 124‬‬


‫(‪ )1‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪134‬‬
***

135
‫املبحث الثَّالث‬
‫ي يف العود ِّ‬
‫املك ِّي‬ ‫البناء العقد ي‬
‫سنن‪:‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم يف التَّعامل مع ال ي‬
‫أوالً‪ :‬فقه الن ِّ‬

‫تتلكم يف‬ ‫إن بناء الدُّول‪ ،‬وتربية األمم‪ ،‬والنُّهوض هبا خيضـ ـ ـ ـ ــع لقوان ‪ ،‬و ـ ـ ـ ــنن‪ ،‬ونواميس‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫التأمل يف ــرية احلبي اَّصــطف هللاــل هللا عليت‬ ‫مســرية األفراد وال ُّ ـعوب‪ ،‬واألمم والدُّول‪ ،‬وعند ُّ‬
‫حبكمة‪ ،‬وقدرةٍ ٍ‬
‫فائقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫السنن‪ ،‬والقوان‬
‫و لم نراه قد تعامل مع ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫زمان‪،‬‬ ‫الرَّابنيَّة‪ ،‬هي أحكام هللا تعاىل الثَّابتة يف الكون عل النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان يف ِ‬ ‫َّ‬
‫إن ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنن َّ‬
‫يهمنا منها يف هذا الكتاب هو ما يتعلَّق حبركة النُّهوض تعلُّقاً‬ ‫ومكان‪ ،‬وهي كثرية جداً‪ ،‬والَّذأ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫وثيقاً‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬بل أمر هذا الكون عل ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنن‬ ‫رب العاَّ أن جيرأ أمر هذا ِ‬ ‫«ولقد شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء هللا ُّ‬
‫حض ح رل جيل من أجيال اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فيتقاعس‪،‬‬ ‫اجلارية‪ ،‬ح عل ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنن اخلارقة‪ ،‬وذلك َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ــة‪ ،‬وانقط ــاي‬‫األولون ابخلوارق‪ ،‬و تشـع ـد اخلوارق تنايل بع ــد ختم ِ‬ ‫ويقول لق ــد ن ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َّ‬
‫النُّب َّوات»(‪.)1‬‬
‫إن اَّتدبِر َيت القرآن الكر جيدها حافلةً ابحلديث عن ـ ـ ـ ـ ـنن هللا تعاىل الَّيت ح تتبدَّل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وح تت َّري‪ ،‬وجيد عنايةً مللوظةً نبراز تلك ال ُّسـ ـ ـ ـنن‪ ،‬وتوجيت النَّظر إليها‪ ،‬وا ـ ـ ــتهراً العربة منها‪،‬‬
‫والعمل مبقتضياهتا لتكوين ااتمع اَّسلم اَّستقيم عل أمر هللا‪.‬‬
‫يردهم‬
‫يوجت أنظار اَّسلم إىل نن هللا تعاىل يف األرض‪ ،‬فهو بذلك ُّ‬ ‫والقرآن الكر حينما ِ‬
‫إىل األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــول الَّيت درأ وفقهــا‪ ،‬فهم ليس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا بــدع ـاً يف احليــاة فــالنَّواميس الَّيت حتكم الكون‪،‬‬
‫وال عوب‪ ،‬واألمم‪ ،‬والدُّول‪ ،‬واألفراد جارية ح تتهلَّف‪ ،‬واألمور ح َتضي جايافاً‪ ،‬واحلياة ح درأ‬
‫وإجا تتبع هذه النواميس‪ ،‬فَذا درس اَّس ـ ـ ـ ــلمون هذه ال ُّسـ ـ ـ ـ ـنن‪ ،‬وأدركوا م ازيها‬ ‫يف األرض عبثاً َّ‬
‫تك َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـفت يم احلكمة من وراء األحداث‪ ،‬وتبيَّنت يم األهدا من وراء الوقائع‪ ،‬واطمأنُّوا إىل‬
‫ثبات النِظام الَّذأ تتبعت األحداث‪ ،‬أو إىل وجود احلكمة الكامنة وراء هذا النِظام‪ ،‬وا ـ ـ ــت ـ ـ ـرفوا‬

‫َّمد قط ‪ ،‬ص ‪.414‬‬


‫(‪ )1‬انظر واقعنا اَّعاهللار ‪َّ ،‬‬
‫‪136‬‬
‫لينالوا‬ ‫خا ال َّسـ ـري عل ــوء ما كان يف ما ــي الطَّريق‪ ،‬و يعتمدوا عل َّ‬
‫جمرد كو‪،‬م مس ــلم‬ ‫َّ‬
‫النَّصر‪ ،‬والتَّمك بدون األخذ ابأل باب ِ‬
‫اَّؤدية إليت(‪.)1‬‬
‫كل زمان»(‪.)2‬‬ ‫زمان مض يقع يف ِ‬ ‫السنن الَّيت حتكم احلياة واحدة فما وقع منها من ٍ‬ ‫«و ُّ‬
‫ك احلياة‪ ،‬ويسـ ِـري عليها حرشكتشها‪ ،‬فليس‬‫وهذه ال ُّس ـنن هي الَّيت ْجي ِرأ هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عليها فشـلش ش‬
‫وإجا جيرأ كل شـ ـ ٍ‬
‫ـيء يف هذه احلياة حس ـ ـ‬ ‫هناك شـ ــيء واحد يف حياة الب ـ ــر دث اعتباطاً‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـنن هللاِ تعاىل الَّيت ح تتبدَّل‪ ،‬وح تتهلَّف‪ ،‬وح حتايب أحداً من اخللق‪ ،‬وح تسـ ـ ـ ـ ـت ي ألهواء‬
‫الب ر(‪.)3‬‬
‫واَّسلمون أوىل أن يدركوا نن رِهبم اَّربزة يم يف كتاب هللا‪ ،‬ويف نة ر ول هللال هللا عليت‬
‫فَن التَّمك ح رل عفواً‪ ،‬وح ينايل‬ ‫عايةٍ وَتك ٍ « َّ‬ ‫حض يص ـ ـ ـ ـ ـ ــلوا إىل ما يرجون من َّ‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪َّ ،‬‬
‫إن لت قوانينت الَّيت َّ لها هللا تعاىل يف كتابت الكر ليعرفها‬ ‫ا ع واء‪ ،‬بل َّ‬ ‫اعتباطاً‪ ،‬وح خيبا شخْب ش‬
‫عباده اَّؤمنون‪ ،‬ويتعاملوا معها عل بصرية»(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫إن َّأول شـ ـ ـ ــروط التعامل اَّنه ِي السـ ـ ـ ــليم مع ال ُّس ـ ـ ـ ـنن الييَّة‪ ،‬والقوان الكونيَّة يف األفراد‪،‬‬
‫وااتمعات‪ ،‬واألمم‪ ،‬هو أن نفهم‪ ،‬بل نفقت فقهاً شـامالً رشـيداً هذه ال ُّسـنن‪ ،‬وكيف تعمل ـمن‬
‫اليي‪ ،‬أو ما نعرب عنت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ «فقت ال ُّسـنن»‪ ،‬ونســتنبا منها عل ــوء فقهنا يا القوان‬ ‫النَّاموس ِ‬
‫احجتماعيَّة‪ ،‬واَّعادحت احلضاريَّة(‪.)5‬‬
‫يقول األ ـ ـ ـ ــتاذ البنا ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬يف منه يَّة التَّعامل مع ال ُّس ـ ـ ـ ـنن «ح تصـ ـ ـ ــادموا نواميس‬
‫فَ‪،‬ا البة‪ ،‬ولكن البوها‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ــتهدموها‪ِ ،‬‬
‫وحولوا تيَّارها‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ــتعينوا ببعض ـ ـ ـ ـ ــها عل‬ ‫الكون َّ‬
‫بعض‪ ،‬وترقَّبوا اعة النَّصر‪ ،‬وما هي منكم ببعيد»(‪.)6‬‬ ‫ٍ‬
‫موم ٍة‪:‬‬
‫عدة أموٍر َّ‬ ‫ونالحظ يف هذا الكالم َّ‬
‫‪ - 1‬عدم اَّصادمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬اَّ البة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر يف ظالل القران (‪.)478/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫السيد ‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫َّمد َّ‬‫(‪ )3‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر جيل النَّصر اَّن ود ‪ ،‬للقر اوأ ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )5‬انظر اَّ روي ال المي لنهضة األمة ـ قراءة يف فكر البنا ‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫(‪ )6‬انظر ر الة اَّؤَتر اخلامس ‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪137‬‬
‫‪3‬ـ اح تهدام‪.‬‬
‫‪ - 4‬التَّلويل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بعض‪.‬‬ ‫‪ - 5‬اح تعانة ببعضها عل‬
‫‪ - 6‬ترقُّ اعة النَّصر(‪.)1‬‬
‫المي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫للسرية النَّبويَّة‪ ،‬والتَّاري ال‬ ‫يدل عل درا تت العميقة ِ‬ ‫إن ما وهللال إليت األ تاذ البنَّا ُّ‬ ‫َّ‬
‫هللايف لي ٍم للدَّاء‪ ،‬وال َّدواء‪.‬‬‫هللاليلة للواقع الَّذأ يعي ت‪ ،‬وتو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫ودارب ال ُّعوب‪ ،‬واألمم‪،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف تنظيم جهود الدَّعوة‪،‬‬ ‫إن حركة ال ـ ــالم األوىل الَّيت قادها الن ُّ‬ ‫َّ‬
‫ـارأ خض ــعت لس ــنن‪ ،‬وقوان قد ذكر‬ ‫ابين احلض ـ ِ‬ ‫الر ِ‬
‫النموذجي َّ‬
‫ِ‬ ‫الدولة‪ ،‬وهللا ــناعة النس ــان‬ ‫وإقامة َّ‬
‫كأليَّة القيادة يف هللاــناعة احلضــارات‪ ،‬وأ ِليَّة اجلماعة اَّؤمنة اَّنظَّمة يف‬ ‫بنوي من الجياز ِ‬ ‫بعضــها ٍ‬
‫أليــة اَّنهت الَّـذأ تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتمـ ُّـد منــت العقــائــد‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والعبــادات‪ ،‬والقيم‪،‬‬ ‫مقــاومــة البــاطــل‪ ،‬و ِ‬
‫َّدرً‪ ،‬وهي من ــنن هللا تعاىل يف خلقت‪،‬‬ ‫والتَّصـ ُّـورات‪ .‬ومن ــنن هللا الوا ــلة فيما ذكر ـنَّة الت ُّ‬
‫األمة أن تراعيها‪ ،‬وهي تعمل للنُّهوض‪ ،‬والتَّمك‬ ‫اَّهمة الَّيت جي عل َّ‬ ‫وكونت‪ ،‬وهي من ال ُّس ـ ـنن َّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عاي َّ‬‫لدين هللا َّ‬
‫أن الطَّريق طويل ‪ -‬ح ـ ـ ـ ـ ـيَّما يف هذا العص ـ ـ ـ ــر الَّذأ ـ ـ ـ ــيطرت فيت‬ ‫ومنطلق هذه ال ُّسـ ـ ـ ـ ـنَّة َّ‬
‫أن ال ـ ـ ـ ـ َّـر‪ ،‬والفس ـ ـ ـ ــاد قد شدش َّذر يف ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـعوب‪،‬‬
‫اجلاهليَّة‪ ،‬وأخذت أ ْهبشـتشها‪ ،‬وا ـ ـ ـ ــتعدادها ‪ -‬كما َّ‬
‫تدرً‪.‬‬‫وا تئصالت تاً إىل ُّ‬
‫بدأت الدَّعوة ال ـ ـ ـ ــالميَّة األوىل متدرجةً‪ ،‬تسـ ـ ـ ــري ابلنَّاس ـ ـ ـ ـرياً دقيقاً‪ ،‬حيث بدأت مبرحلة‬
‫احهللا ــطفاء‪ ،‬والتَّأ ــيس‪ ،‬مثَّ مرحلة اَّواجهة واَّقاومة‪ ،‬مثَّ مرحلة النَّص ــر والتَّمك ‪ ،‬وما كان ميكن‬
‫احد‪ ،‬وإح كانت اَّ قَّة‪ ،‬والع اي‪ ،‬وما كان ميكن كذلك أن تقدم‬ ‫وقت و ٍ‬ ‫أن تبدأ هذه يعها يف ٍ‬
‫واحدة منها عل األخر ‪ ،‬وإح كان اخللل‪ ،‬والرابك(‪.)2‬‬
‫أن بعض العامل يف حقل الدَّعوة ال ــالميَّة‬ ‫األليَّة «ذلك َّ‬ ‫إن اعتبار هذه ال ُّس ـنَّة يف اية ِ‬ ‫َّ‬
‫ـية و ــلاها‪ ،‬ويريدون أن ي ِريوا الواقع الَّذأ حتياه‬ ‫أن التَّمك ميكن أن يتلقَّق ب ع ـ ٍ‬ ‫ســبون َّ‬
‫األمة ال ــالميَّة يف طرفة ع ٍ ‪ ،‬دون النَّظر يف العواق ‪ ،‬ودون فه ٍم للظُّرو ‪ ،‬واَّالبســات اَّيطة‬ ‫َّ‬

‫األمة ‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫المي لنهضة َّ‬
‫انظر اَّ روي ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.227‬‬


‫‪138‬‬
‫وجت هللا تعاىل‬ ‫للمقدمات‪ ،‬أو ل ـ ـ ـ ــالي ‪ ،‬والو ـ ـ ـ ــائل»(‪ ،)1‬وقد َّ‬ ‫إعداد جيِ ٍد ِ‬ ‫هبذا الواقع‪ ،‬ودون ٍ‬
‫السموات واألرض يف تَّة أَيم‪،‬‬ ‫السنَّة يف أكثر من موقع‪ ،‬فاهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬خلق َّ‬ ‫أنظاران إىل هذه ُّ‬
‫أقل ِم ْن َّ البصر‪،‬‬ ‫جل شأنت ‪ -‬قادراً عل خلقها يف َّ‬ ‫يعلمها بلانت‪ ،‬ويعلم مقدارها‪ ،‬وكان ‪َّ -‬‬
‫حض تبل‬ ‫تتدرً يف مراحل َّ‬ ‫وكذلك ابلنسـ ـ ـ ـ ـ ــبة ألطوار خلق النسـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬واحليوان‪ ،‬والنَّبات‪ ،‬كلُّها َّ‬
‫جاءها‪ ،‬وكمايا‪ ،‬ونض ها‪ ،‬شوفْ شق نَّة هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬احلكيمة‪.‬‬
‫لة ملمو ٍة‪ ،‬وهذا من تيسري ال الم‬ ‫المي بصورةٍ وا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّدرً مقررة يف التَّ ريع ال‬ ‫و نَّة الت ُّ‬
‫َّدرً فيما شرعت يم إجياابً‪ ،‬وحترمياً‪ ،‬فن ده ح فرض‬ ‫عل الب ر حيث إنَّت راع معهم نَّة الت ُّ‬
‫ص ـ ـورة‬
‫حض انتهت إىل ال ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ودرجات َّ‬ ‫الايكاة فر ـ ــها عل مراحل‪،‬‬ ‫ص ـ ـالة‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـيام‪ ،‬و َّ‬ ‫الفرائض كال َّ‬
‫تقرت عليها(‪.)2‬‬ ‫األخرية الَّيت ا َّ‬
‫الرِق الذأ كان‬ ‫للتدرً هي الَّيت جعلتت ح ي قدم عل إل اء نظام ِ‬ ‫لعل رعاية ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ُّ‬ ‫«و َّ‬
‫تؤدأ إىل زلاي ٍلة يف احلياة‬ ‫نظاماً ـ ـ ـ ــائداً يف العا كلِت عند ظهور ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وكانت حماولة إل ائت ِ‬
‫احجتماعيَّة‪ ،‬واحقتص ــاديَّة‪ ،‬فكانت احلكمة يف تض ــييق روافده بل ردمها كلِها ما وجد إىل ذلك‬
‫َّدرً»(‪.)3‬‬ ‫حد‪ ،‬فيكون ذلك مبثابة إل اء ِ‬
‫الرق بطريق الت ُّ‬ ‫بيالً‪ ،‬وتو يع مصارفت إىل أقص ٍ‬
‫تدرً‪،‬‬
‫وأبأ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّطهرة‪ ،‬درا ـ ـ ـةً عميقةً علمنا كيف‬
‫«إننا إذا در ـ ــنا القرآن الكر ‪ ،‬وال ُّسـ ـ ـنَّة َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت‬ ‫ـالمي يف بالد العرب‪ ،‬ومنها إىل العا كلِت عل يد الن ِ‬ ‫وانس ـ ٍام ذَّ التَّ يري ال ـ ُّ‬
‫ِ‬
‫مستقرها‬ ‫تستقر يف‬
‫حض َّ‬ ‫الطبيعي َّ‬
‫ِ‬ ‫و لم ‪ ..‬فلقد كانت األمور تسري رويداً رويداً حس جمراها‬
‫رب العاَّ »(‪.)4‬‬ ‫الَّذأ أراده هللا ُّ‬
‫َّدرً ينب ي أن تـتَّبع يف ــيا ــة النَّاس‪ ،‬وعندما يراد تطبيق‬ ‫الرَّابنيَّة يف رعاية الت ُّ‬
‫«وهذه ال ُّسـ ـنَّة َّ‬
‫متكاملة يكون التَّمك شرهتا‪ ،‬فَذا أردان أن نقيم‬ ‫ٍ‬ ‫ال ــالم يف احلياة‪ ،‬وا ــتئنا حياةٍ إ ــالميَّ ٍة‬
‫ملك‪،‬‬‫ئيس‪ ،‬أو ٍ‬ ‫أن ذلك ميكن أن يتلقَّق بقرا ٍر يصـدر من ر ٍ‬ ‫نتوهم َّ‬
‫جمتمعاً إ ـالمياً حقيقياً فال َّ‬
‫ـاين‪ ،‬وإَّج ـا يتلقَّق ذل ــك بطريق التَّ ـ ُّ‬
‫درً أأ ابلع ــداد‪ ،‬والتَّهيئ ــة‬ ‫جملس قي ـ ٍ‬
‫ـادأ‪ ،‬أو برَّ ـ ٍ‬ ‫أو من ٍ‬
‫الفكريَّة‪ ،‬والنَّفسيَّة‪ ،‬واحجتماعيَّة‪.‬‬

‫افات عل الطَّريق (‪ )57/1‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫العامة لإل الم ‪ ،‬للقر اوأ ‪ ،‬ص ‪ 166‬وما بعدها‪.‬‬
‫اخلصائص َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬نقالً عن اَّودودأ ‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪139‬‬
‫وذلك هو اَّنهت الَّذأ ـ ــلطت الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم لت يري احلياة اجلاهليَّة إىل احلياة‬
‫مهمتت األ ــا ــية فيها تنلص ــر يف تربية‬ ‫مكة‪ ،‬كانت َّ‬ ‫ظل ثالثة ع ــر عاماً يف َّ‬ ‫ال ــالميَّة‪ ،‬فقد َّ‬
‫اجليل اَّؤمن‪ ،‬الذأ يسـ ـ ـ ــتطيع أن مل ع ء الدَّعوة‪ ،‬وتكاليف اجلهاد حلمايتها‪ ،‬ون ـ ـ ـ ــرها يف‬
‫بية‪ ،‬وتكوي ٍن»(‪.)1‬‬ ‫اَّكيَّة مرحلة ت ري ٍع بقدر ما كانت مرحلة تر ٍ‬ ‫ا فاق‪ ،‬ويذا تكن اَّرحلة ِ‬
‫ِّ‬
‫العقدي‪:‬‬ ‫اثنياً‪ :‬سنة التَّ يري وعالقتوا ابلبناء‬

‫يقررها قول هللا تعاىل ﴿لشت م شع ِقبشات ِم ْن‬ ‫اَّهمة عل طريق النُّهوض ال ُّس ـ ـنَّة الَّيت ِ‬ ‫من ال ُّس ـ ـنن َّ‬
‫اَّللش حش يـ شِري شما بِشق ْوٍم شح َّض يـ شِريوا شما ِأبشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم شوإِذشا‬ ‫بشْ ِ يش شديْ ِت شوِم ْن شخ ْل ِف ِت شْ شفظونشت ِم ْن أ ْشم ِر َّ‬
‫اَّللِ إِ َّن َّ‬
‫ال ﴾ [الرعد‪. ]11 :‬‬ ‫اَّلل بِشقوٍم وءا فشالش مرَّد لشت وما شيم ِمن دونِِت ِمن و ٍ‬
‫ْش‬ ‫أ ششر شاد َّ ْ ً ش ش ش ش ْ ْ‬
‫الرَّابنيَّة ابلتَّمك ل َّمة ال ـ ـ ــالميَّة وا ـ ـ ـ ـ اية الو ـ ـ ــو ذلك أ َّن‬ ‫وارتباط هذه ال ُّسـ ـ ـ ـنَّة َّ‬
‫بد من التَّ يري‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫ظل الو ـ ـ ــع احلاس ل َّمة ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬فال َّ‬ ‫التَّمك ح ميكن أن يتأتَّ يف ِ‬
‫ألم ٍة ارتضـ ــت لنفسـ ــها حياة اَّذلَّة‪ ،‬والتهلُّف‪ ،‬و حتاول أن ت ِري ما ح َّل هبا‬ ‫التَّمك لن يتلقَّق َّ‬
‫تتلرر من أ ره(‪.)2‬‬ ‫من واق ٍع‪ ،‬وأن َّ‬
‫مرةٍ‪ ،‬وقف يف وجهت واقع ــهم‪ ،‬واقع اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬وواقع الكرة‬ ‫«وال ــالم يوم جاء َّأول َّ‬
‫األر ـ ـيَّة‪ ،‬ووقفت يف وجهت عقائد وتصـ ـ ُّـورات‪ ،‬ووقفت يف وجهت قيم وموازين‪ ،‬ووقفت يف وجهت‬
‫أنظمة‪ ،‬وأو اي‪ ،‬ووقفت يف وجهت مصاأ‪ ،‬وعصبيات‪.‬‬
‫كانت اَّسـ ــافة ب ال ـ ــالم يوم جاء وب واقع النَّاس يف اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬ويف األرض كافَّةً‪،‬‬
‫مس ـ ـ ــافةً هائلةً‪ ،‬وكانت النُّقلة الَّيت يريدهم عليها بعيد ًة بعيد ًة‪ ،‬وكانت تس ـ ـ ــاند الواقع أحقاب من‬
‫الدين اجلديد‪،‬‬ ‫التَّاري ‪ ،‬وأش ــتات من اَّص ــاأ‪ ،‬وألوان من القو ‪ ،‬وقفت كلُّها ــداً يف وجت هذا ِ‬
‫الَّذأ ح يكتفي بت يري العقائد‪ ،‬والتَّصـ ـ ـ ُّـورات‪ ،‬والقيم‪ ،‬واَّوازين‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتَّقاليد‪ ،‬واألخالق‪،‬‬
‫واَّ ـ ـ ــاعر َّإجا يريد كذلك أن ي ِري األنظمة‪ ،‬واألو ـ ـ ــاي‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـ ـرائع‪ ،‬والقوان ‪ ،‬كما يريد انتاياي‬
‫لريدها إىل هللا‪ ،‬وإىل ال الم»(‪.)3‬‬ ‫قيادة الب ريَّة من يد الطَّا وت‪ ،‬واجلاهليَّة َّ‬
‫مرةً أخر ‪ ،‬فقد حدث ما حدث شوفْ شق ـ ـن ٍَّة‬ ‫مرةً ميكن أن دث َّ‬ ‫أن ما حدث َّ‬ ‫ـك َّ‬‫«وح ش ـ َّ‬

‫العامة لإل الم ‪ ،‬ص ‪ 168‬بتصر يسري‪.‬‬


‫(‪ )1‬انظر اخلصائص َّ‬
‫(‪ )2‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص‪.210‬‬
‫الدين ‪ ،‬لسيد قط ‪ ،‬ص ‪.52 ، 51‬‬ ‫(‪ )3‬انظر هذا ِ‬
‫‪140‬‬
‫لكل من يستنفد‬ ‫ات خار ٍقة‪ ،‬وقد قام ذلك البناء عل رهللايد الفطرة اَّدَّخرة ِ‬ ‫جار ٍية‪ ،‬ح وفق مع اي ٍ‬
‫الصلي »(‪.)1‬‬ ‫الرهللايد‪ ،‬وجيمعت‪ ،‬ويطلقت يف ِاداهت َّ‬ ‫هذا َّ‬
‫إن التَّ يري الَّذأ قاده الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم مبنهت هللا تعاىل بدأ ابلنَّفس الب ـ ـ ـ ــريَّة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الرجال العظماء‪ ،‬مثَّ انطلق هبم ليلدث أعظم ت يري يف ش ـ ـ ــكل ااتمع‪ ،‬حيث نقل‬ ‫وهللا ـ ـ ــنع منها ِ‬
‫النَّاس من الظُّلمات إىل النُّور‪ ،‬ومن اجلهل إىل العلم‪ ،‬ومن التَّهلُّف إىل التَّقدُّم‪ ،‬وأن ـ ـ ــأ هبم أروي‬
‫حضارٍة عرفتها احلياة(‪.)2‬‬
‫القرآين ‪ -‬بت يري يف العقائد‪ ،‬واألفكار‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ -‬مبنه ت ِ‬ ‫لقد قام الن ُّ‬
‫والتَّصـ ـ ـ ُّـور‪ ،‬وعا اَّ ـ ـ ــاعر واألخالق يف نفوس أهللاـ ـ ــلابت فت َّري ما حولت يف دنيا النَّاس‪ ،‬فت َّريت‬
‫كة عاَّيَّ ٍة تســبِ ‪ ،‬وتذكر خالقها ابل ِ‬
‫دو‪،‬‬ ‫الروم يف حر ٍ‬ ‫مكة‪ ،‬مثَّ اجلاييرة‪ ،‬مثَّ بالد فارس‪ ،‬و ُّ‬ ‫اَّدينة‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫واحهللاال‪.‬‬
‫اَّكي قان العقيدة‪ ،‬فكان يعر ها ب َّض األ الي‬ ‫القرآين يف العهد ِ‬ ‫كان اهتمام اَّنهت ِ‬
‫ف مرت قلوهبم معــاين الميــان‪ ،‬وحــدث يم حت ُّول عظيم‪ ،‬قــال هللا تبــارك وتعــاىل مو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـاً ذلــك‬
‫شحيشـْيـشناه شو شج شع ْلشنا شلت ن ًورا ميشْ ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ِب ِت ِيف الن ِ‬
‫َّاس شك شم ْن شمثشـ لت ِيف‬ ‫احرتقاء العظيم ﴿أ ششوشم ْن شكا شن شمْيـًتا شفأ ْ‬
‫ات لشيس ِ ارًٍِ ِمْنـها شك شذلِ ِ ِ ِ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪.]122 :‬‬ ‫ين شما شكانوا يشـ ْع شملو ش‬ ‫ك زي شن ل ْل شكاف ِر ش‬‫ش‬ ‫ش‬ ‫الظُّل شم ِ ْ ش ش‬
‫حقاً إنَّت تص ـ ــوير رائع ع ي تقف األقالم حائرًة يف وهللا ـ ــفت! وكذلك األ ـ ــلوب القرآينُّ يف‬ ‫َّ‬
‫كل ح ٍ تنهل منت األلباب‪ ،‬وتصـ ـ ـ ــدر عنت األ ـ ـ ـ ــالي ‪ ،‬وتع ِ اي عن إيفائت حقَّت من التَّعبري من‬ ‫ِ‬
‫اَّوت إىل احلياة‪ ،‬ومن الظُّلمات إىل النُّور‪ ،‬هل يسـ ــتوَين مثالً؟! مسـ ــافة هائلة! ونقلة عظيمة ح‬
‫تفرس يف حايم يف وء هذا البيان ِ‬
‫القرآين اَّع اي(‪.)3‬‬ ‫يعر عظمتها‪ ،‬ويدرك مقدارها إح شم ْن َّ‬
‫الصحابة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫العقدي لد‬ ‫اثلثاً‪ :‬تصحيح اجلانب‬

‫الصلابة ر ي هللا عنهم هلل قبل البعثة تصوراً فيت قصور‪ ،‬ونقص‪ ،‬فهم ينلرفون‬ ‫كان تصور َّ‬
‫شمسشائِِت‬
‫ين يـ ْل ِلدو شن ِيف أ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿وََِّّللِ األ ْ‬ ‫ِ‬
‫احل ْس ـ ـ شىن فش ْادعوه هبشا شو شذروا الذ ش‬
‫شمسشاء ْ‬ ‫عن احلق يف أمسائت‪ ،‬وهللاـ ــفاتت ش‬
‫ش ـ ـ ـي ْ شايْو شن شما شكانوا يشـ ْع شملو شن ﴾ [األعراف‪ ،]180 :‬فينكرون بعض هللا ـ ــفاتت‪ ،‬ويس ـ ـ ُّـمونت أبمساء ح توفيق‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫حممد بع ‪ ،‬ص ‪.367‬‬
‫(‪ )2‬انظر نفوس ودروس يف إطار التَّصوير القراين ‪ ،‬لتوفيق َّ‬
‫للايهراين (‪.)26 ، 25/1‬‬‫(‪ )3‬انظر اححنرافات العقديَّة والعلميَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪141‬‬
‫أن اَّالئكة‬ ‫فيها‪ ،‬أو مبا يوهم معىن فا ـ ـ ــداً‪ ،‬وينس ـ ـ ــبون إليت النَّقائص‪ ،‬كالولد‪ ،‬واحلاجة‪ ،‬فايعموا َّ‬
‫ً‬
‫اجلِ َّن وخلش شقهم وخرقوا لشت بنِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ش‬ ‫﴿و شج شعلوا ََّّلل شـ ـ ـ ـشرشكاءش ْ ش ش ْ ش ش ش‬ ‫اجلن ش ـ ـ ــركاء لت ـ ـ ــبلانت ش‬ ‫بنات هللا‪ ،‬وجعلوا َّ‬
‫ات ـ ـ ـْب شلانشت‬ ‫ص ـ ـ ـفو شن ﴾ [األنعام‪﴿ ،]100 :‬وشجيعلو شن ََِّّللِ الْبـنش ِ‬ ‫وبـنش ٍ‬
‫ات بِ ش ِري ِع ْل ٍم ـ ـ ـبلانشت وتشـع شاىل ع َّما ي ِ‬
‫ش‬ ‫ش ْش‬ ‫ْش شش ش ش‬ ‫ْ‬ ‫شش‬
‫ن ﴾ [النحل‪. ]57 :‬‬ ‫شوشي ْم شما يش ْ تشـهو ش‬
‫صـ ـ ـ ـ ـليلة‪ ،‬وتثبيتها يف قلوب اَّؤمن ‪ ،‬وإيض ـ ـ ـ ــاحها‬ ‫ف اء القرآن الكر ل ـ ـ ـ ــي العقيدة ال َّ‬
‫الربوبيَّـة‪ ،‬وتوحيــد األلوهيَّـة‪ ،‬وتوحيــد األمسـاء‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــات‪،‬‬ ‫للنـَّاس أ ع ‪ ،‬وذلــك ببيــان توحيــد ُّ‬
‫بكل ما أخرب هللا بت من اَّالئكة‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والنَّبيِ ‪ ،‬والقدر خريه وشـ ِـره‪ ،‬واليوم ا خر‪،‬‬ ‫والميان ِ‬
‫السالم ‪ -‬والميان ِ‬
‫بكل ما أخربوا بت(‪.)1‬‬ ‫للر ل ‪ -‬عليهم َّ‬ ‫الر الة ُّ‬ ‫وإثبات ِ‬
‫الناس شم ْن هو اللت الَّذأ جي أن يعبدوه‪ ،‬وكان الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل هللا‬ ‫اَّكي ش‬ ‫فقد شعَّر القرآن ُّ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ــلم يربِيهم عل تلك ا َيت العظيمة فقد حرص هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم منذ اليوم‬
‫َّصور‬
‫أن هذا الت ُّ‬ ‫حقت عليهم مدركاً َّ‬ ‫الصلي عن رِهبم‪ ،‬وعن ِ‬ ‫َّصور َّ‬ ‫األول عل أن يعطي النَّاس الت ُّ‬ ‫َّ‬
‫َّب‬
‫ــيورث التَّص ــديق‪ ،‬واليق عند شم ْن هللا ــفت نفو ــهم‪ ،‬وا ــتقامت فطرهتم‪ .‬ولقد كان تركياي الن ِ‬
‫اَّستمد من القرآن الكر قائماً عل عدَّة جوان ‪ ،‬منها‬ ‫ِ‬ ‫َّصور‬
‫هللال هللا عليت و لم يف هذا الت ُّ‬
‫أن هللا منايه عن النَّقائص‪ ،‬موهللا ـ ــو ابلكماحت الَّيت ح تتناه فهو ـ ــبلانت واحد‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫ح شريك لت‪ ،‬يتَّهذ هللااحبةً‪ ،‬وح ولداً‪.‬‬
‫اَّلل الَّ ِذأ شخلش شق‬ ‫ـيء‪ ،‬ومالكت‪ ،‬ومدبِر أمره ﴿إِ َّن شربَّكم َّ‬ ‫كل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫‪ - 2‬وأنَّت ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت خالق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واألشر ش ِ ِ ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫س‬ ‫َّم ش‬‫َّه شار يشطْلبت شحثيثًا شوال ْ‬ ‫ض ِيف تَّة أ َّشَيم مثَّ ا ْ تشـ شو شعلش الْ شع ْر ِش يـ ْ ي اللَّْي شل النـ ش‬ ‫الس شم شاو ش ْ‬
‫م ش ﴾ [األعراف‪. ]54:‬‬ ‫ب الْعالش ِ‬ ‫والْ شقمر والنُّ وم مس َّهر ٍ‬
‫ات شأب ْشم ِرهِ أشحش لشت ْ‬
‫اَّلل شر ُّ ش‬ ‫اخلشْلق شواأل ْشمر تشـبش شارشك َّ‬ ‫ش شش ش ش ش ش‬
‫نعمة ‪ -‬شدقَّت أو عظمت‪ ،‬ظهرت أو خفيت ‪ -‬يف هذا الوجود‬ ‫كل ٍ‬ ‫‪ - 3‬وأنَّت تعاىل مصدر ِ‬
‫ن ﴾ [النحل‪. ]53 :‬‬ ‫اَّللِ مثَّ إِذشا شم َّسكم الضُُّّر فشَِلشْي ِت شْدأشرو ش‬ ‫﴿وشما بِك ْم ِم ْن نِ ْع شم ٍة فش ِم شن َّ‬ ‫ش‬
‫ـيء‪ ،‬فال هف عليت خافية يف األرض‪ ،‬وح يف ال َّسـماء‪ ،‬وح ما‬ ‫بكل ش ٍ‬‫أن علمت حميا ِ‬ ‫‪ - 4‬و َّ‬
‫ض ِمثْـلشه َّن يشـتشـنشـَّايل األ ْشمر‬‫ات شوِم شن األ ْشر ِ‬ ‫﴿اَّلل الَّ ِذأ خلشق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبع شمساو ٍ‬ ‫خيفي النس ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬وما يعلن َّ‬
‫ش ش ش ْش ش ش‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللش شعلش ك ِل شش ْي ٍء قش ِدير شوأ َّ‬ ‫بشـْيـنشـه َّن لِتشـ ْعلشموا أ َّ‬
‫ع ْلما ﴾ [الطالق‪. ]12 :‬‬
‫شحا شط بك ِل شش ْيء ً‬ ‫اَّللش قش ْد أ ش‬
‫شن َّ‬ ‫شن َّ‬
‫كتاب ح ي ك هللا ـ ـ ريًة‬ ‫‪ - 5‬وأنَّت ــبلانت يقيِد عل النس ــان أعمالت بوا ــطة مالئكتت‪ ،‬يف ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫ألية اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬لعلي العلياين ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪142‬‬
‫﴿ما يشـ ْل ِفم ِم ْن‬
‫ش‬ ‫وح كبريةً إح أحصـ ــاها‪ ،‬و ـ ــين ـ ــر ذلك يف اللَّلظة اَّنا ـ ــبة‪ ،‬والوقت اَّنا ـ ـ‬
‫عتِيد﴾ [ق‪. ]18 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫قشـ ْوٍل إِحَّ لش شديْت شرقي ش‬
‫‪ - 6‬وأنَّت ــبلانت يبتلي عباده أبموٍر هالف ما بُّون‪ ،‬وما يشهوون ليعر النَّاس ش‬
‫معاد‪،‬م‪،‬‬
‫ومن منهم ير ـ بقضــاء هللا‪ ،‬وقدره‪ ،‬ويســلم لت ظاهراً وابطناً‪ ،‬فيكون جديراً ابخلالفة‪ ،‬والمامة‪،‬‬
‫والس ــيادة‪ ،‬ومن منهم ي ض ـ ـ ‪ ،‬ويس ــها‪ ،‬فيكون جايايه ض ـ ـ هللا‪ ،‬وعدم إ ــناد ش ـ ٍ‬
‫ـيء إليت‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫شح شس ـ ـ ـ ـ ـن شع شمالً شوه شو الْ شع ِايياي الْ شفور ﴾ [امللك‪ ،]2 :‬وذلك‬ ‫﴿الَّ ِذأ خلشق الْموت و ْ ِ‬
‫احلشيشا شة ليشـْبـل شوك ْم أشيُّك ْم أ ْ‬ ‫ش ش شْ ش ش‬
‫مع علمت ابل َّيء قبل وقوعت‪.‬‬
‫‪ - 7‬وأنَّت بلانت يوفِق‪ ،‬ويؤيِد‪ ،‬وينصر من جلأ إليت‪ ،‬وحذ حبماه‪ ،‬ونايل عل حكمت يف ِ‬
‫كل‬
‫ِِ ش ﴾ [األعراف‪. ]196 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ما رل‪ ،‬وما يذر ﴿إِ َّن ولِيِي َّ ِ‬
‫الصاحل‬ ‫اَّلل الَّذأ نـشَّايشل الْكتش ش‬
‫اب شوه شو يشـتشـ شوَّىل َّ‬ ‫ش ش‬
‫ويوحدوه‪ ،‬فال ي ركوا بت شيئاً‬ ‫‪ - 8‬وأنَّت ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬حقُّت عل العباد أن يعبدوه‪ِ ،‬‬
‫اعب ْد وكن ِمن ال َّاكِ ِرين ﴾ [الزمر‪. ]66 :‬‬ ‫﴿بش ِل َّ‬
‫ش‬ ‫اَّللش فش ْ ش ْ ش‬
‫‪ - 9‬وأنَّت ‪ -‬بلانت ‪ -‬حدَّد مضمون هذه العبوديَّة‪ ،‬وهذا التَّوحيد يف القرآن العظيم(‪.)1‬‬
‫األول ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي هللا عنهم‪ ،‬عل فهم هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفات هللا‪ ،‬وأمسائت احلس ـ ـ ـ ـ ـ ــىن‪ ،‬وعبدوه‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫وترىب َّ‬
‫َّ‬
‫مبقتضــاها فشـ شعظ شم هللا يف نفو ــهم‪ ،‬وأهللاــب ر ــاه ــبلانت ايةش مقصــدهم‪ ،‬و ــعيهم‪ ،‬وا ــت ــعروا‬
‫ـايل وهللا مطَّلع عليه ـ ـ ــا‪َّ ،‬‬
‫وتطهر‬ ‫كل األوق ـ ـ ــات‪ ،‬فكبلوا ا نفو هم من أن ت ـ ـ ـ َّ‬ ‫مراقبت ـ ـ ــت يم يف ِ‬
‫متصر مع‬ ‫هللالاب ــة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من ال ِ رك قميع أنواعت‪ ،‬واء من اعتقاد ِ‬
‫إحياء‪ ،‬أو إمات ٍـة‪ ،‬أو‬ ‫إعدام‪ ،‬أو ٍ‬ ‫إجياد‪ ،‬أو ٍ‬ ‫شيء‪ ،‬من تدبري الكون من ٍ‬ ‫أأ ٍ‬ ‫وجل ‪ -‬يف ِ‬ ‫عاي َّ‬‫هللا ‪َّ -‬‬
‫شيء من مقتضيات‬ ‫إذن من هللا بلانت‪ ،‬أو اعتقاد منازٍي لت يف ٍ‬ ‫شر ب ري ٍ‬ ‫طل خري‪ ،‬أو دفـ ـ ـ ـ ــع ٍ‬
‫أمسائت وهللافاتت‪ ،‬كعلم ال ي ‪ ،‬وكالعظمة‪ ،‬والكربَيء‪ ،‬وكاحلاكميَّة اَّطلقة‪ ،‬وكالطَّاعة اَّطلقة‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك(‪.)2‬‬
‫المي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الرشيدة ل فراد عل التَّوحيد هي األ اس الَّذأ قام عليت البناء ال‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّ بية النَّبويَّة َّ‬
‫ـول دعا قومت إىل‬ ‫فكل ر ـ ٍ‬ ‫ص ـليلة الَّيت ــار عليها األنبياء واَّر ــلون من قبل‪ُّ ،‬‬ ‫وهي اَّنه يَّة ال َّ‬
‫وحا إِ شىل قشـ ْوِم ِت إِِين لشك ْم نش ِذير‬
‫﴿ولششق ْد أ ْشر ش ـ ـ ْلنشا ن ً‬
‫إفراد هللا ابلعبادة‪ .‬قال تعاىل عن نو عليت الس ــالم ش‬

‫الرو اجلهاديَّة ‪ ،‬ص ‪ 10‬ـ ‪.16‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم يف رس ُّ‬
‫انظر منهت َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫ألية اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪143‬‬
‫اَّلل إِِين أشخا علشيكم ع شذاب يـوٍم أشلِي ٍم ﴾ [هود‪ ، ]26 - 25 :‬وقال عن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هود‬ ‫ش ش ْ ْ ش ش شْ‬ ‫مب *أش ْن حش تشـ ْعبدوا إحَّ َّش‬
‫اَّللش شما لشك ْم ِم ْن إِلش ٍت ش ْريه إِ ْن أشنْـت ْم إِحَّ‬ ‫ودا شقال َيقشـ ْوِم ْاع بدوا َّ‬ ‫شخاه ْم ه ً‬
‫ٍ‬
‫﴿وإِ شىل شعاد أ ش‬ ‫عليت الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ش‬
‫احلًا قشال َيقشـ ْوِم ا ْعبدوا‬ ‫م ْف و شن ﴾ [هود‪ ،]50 :‬وقال عن هللاــاأ عليت الســالم ﴿وإِ شىل ششود أشخاهم هللا ـ ِ‬
‫ش ش ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫ض شوا ْ ـتشـ ْع شمشرك ْم فِ شيها فشا ْ ـتشـ ْ ِفروه مثَّ توبوا إِلشْي ِت إِ َّن شرِيب‬ ‫اَّللش شما لشك ْم ِم ْن إِلشٍت ش ْريه ه شو أشنْ ش ـأشك ْم ِم شن األ ْشر ِ‬ ‫َّ‬
‫شخاه ْم ش ـ شعْيـبًا قشال َيقشـ ْوِم‬ ‫﴿وإِ شىل شم ْديش شن أ ش‬ ‫ٍ‬
‫قش ِري جمي ﴾ [هود‪ ،]61 :‬وقال عن شــعي عليت الســالم ش‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫شخا شعلشْيك ْم‬ ‫اَّللش شما لشك ْم م ْن إِلشت ش ْريه شوحش تشـْنـقص ـ ـ ـوا الْمكْيش شال شوالْم شيايا شن إِِين أ ششراك ْم شٍْري شوإِِين أ ش‬ ‫ْاعبدوا َّ‬
‫اعبدوه شه شذا‬ ‫اَّللش شرِيب شوشربُّك ْم فش ْ‬ ‫يا ﴾ [هود‪ ،]84 :‬وقال عن عيس ـ عليت الســالم ﴿إِ َّن َّ‬ ‫ع شذاب يـوٍم ِحم ٍ‬
‫ش ش شْ‬
‫هللاراط مستش ِقيم ﴾ [آل عمران‪.]51 :‬‬ ‫ِ‬
‫ش ْ‬
‫ص ـ ـالة وال َّس ـ ـالم ‪ -‬كلُّهم دعوا لتوحيد األلوهيَّة‪ ،‬وهو إفراد هللا‬ ‫فالر ــل ‪ -‬عليهم ال َّ‬ ‫وابجلملة ُّ‬
‫﴿ولششق ْد بشـ شعثْـنشا ِيف ك ِل أ َّم ٍة شر ـ ـ ـ ـوحً أش ِن‬‫تعاىل ابلعبادة‪ ،‬واجتناب الطَّا وت‪ ،‬واألهللا ـ ـ ــنام‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـالشلشة فش ِس ـ ـ ـ ـريوا ِيف‬
‫َّت شعلشْي ِت ال َّ‬ ‫اَّلل واجتشنِبوا الطَّا وت فش ِمْنـهم من ه شد َّ ِ‬
‫اَّلل شومْنـه ْم شم ْن شحق ْ‬ ‫ْ شْ ش‬ ‫ش‬ ‫ْاعبدوا َّش ش ْ‬
‫ذبِ ش ﴾ [النحل‪.]36 :‬‬ ‫ض فشانْظروا شكيف شكا شن عاقِبة الْم شك ِ‬ ‫األ ْشر ِ‬
‫ش ش‬ ‫ْ ش‬
‫رىب ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم هللا ــلابتت عل دريد التَّوحيد أبنواعت كلِها‪ ،‬وكان‬ ‫وقد َّ‬
‫اَّوحد اية التَّوحيد ﴿ق ْل إِنَِّ شه شد ِاين شرِيب إِ شىل‬ ‫هو هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم مثاحً حيَّاً للمؤمن ِ‬
‫هللاـ ـ ـالشِل شونسـ ـ ـ ِكي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫هللاـ ـ ـشراط م ْسـ ـ ـتشقي ٍم ديناً قيش ًما ملَّةش إِبْـشراه شيم شحني ًفا شوشما شكا شن م شن الْم ْ ـ ـ ـ ِرك ش *ق ْل إِ َّن ش‬
‫ك أ ِم ْرت شوأ ششان أ َّشول الْم ْس ـ ـ ـ ـلِ ِم ش *ق ْل أش ش ْ شري َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬
‫يك لشت شوبِ شذل ش‬ ‫ب الْ شعالش ِم ش *حش شش ـ ـ ـ ـ ِر ش‬ ‫وشْحمياأ واشش ِال ََِّّللِ ر ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش شش‬
‫س إِحَّ شعلشْيـ شها شوحش تش ِاير شوا ِزشرة ِوْزشر أخر مثَّ إِ شىل‬ ‫ب ك ِل شش ـ ـ ـ ـ ـي ٍء شوحش تش ْك ِس ـ ـ ـ ـ ـ ك ُّل نشـ ْف ٍ‬ ‫أشبْ ِي شرًّاب شوه شو شر ُّ‬
‫ْ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪.]164 - 161 :‬‬ ‫شربِك ْم شم ْرِجعك ْم فشـيـنشـبِئك ْم ِمبشا كْنـت ْم فِ ِيت شهْتشلِفو ش‬
‫ص ـلابة يف‬ ‫فتطهر ال َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ألهللاــلابت شارها اَّباركة َّ‬ ‫وقد آتت تربية َّ‬
‫ص ـ ـ ـفات‪ ،‬فلم تكموا إح‬ ‫الربوبيَّة‪ ،‬وتوحيد األمساء وال ِ‬ ‫ـاد توحيد األلوهيَّة‪ ،‬وتوحيد ُّ‬ ‫اجلملة اَّا يض ـ ـ ـ ُّ‬
‫إىل هللا وحده‪ ،‬و يطيعوا ري هللا‪ ،‬و يتَّبعوا أحداً عل ري مر ـ ـ ــاة هللا‪ ،‬و بُّوا ري هللا كل‬
‫هللا‪ ،‬و خي ـ ـ ـ ـوا إح هللا‪ ،‬و يتوَّكلوا إح عل هللا‪ ،‬و يلت ئوا إح إىل هللا‪ ،‬و يدعوا دعاء اَّسـ ـ ـ ــألة‬
‫واَّ فرة إح هلل وحده‪ ،‬و يذحبوا إح هلل‪ ،‬و ينذروا إح هلل‪ ،‬و يس ـ ــت يثوا إح ابهلل‪ ،‬و يس ـ ــتعينوا ‪-‬‬
‫فيما ح يقدر عليت إح هللا ‪ -‬إح ابهلل وحده‪ ،‬و يركعوا‪ ،‬أو يس ـ ـ ـ ـ ـ دوا‪ ،‬أو ش ُّ وا‪ ،‬أو يطوفوا‪ ،‬أو‬
‫يتعبَّدوا إح هلل وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده‪ ،‬و ي ش ـبِهوا هللا ح ابَّهلوقات‪ ،‬وح ابَّعدومات بل َّنايهوه اية التَّناييت‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫يف‪ ،‬أو تعطي ٍل‪،‬‬ ‫وأثبتوا لت ما أثبتت لنفس ـ ـ ـ ــت‪ ،‬أو أثبتت لت ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬من ري حتر ٍ‬
‫أتويل‪ ،‬و خيافوا خو ال ِس ـ ـ ِر إح من هللا وحده‪ ،‬و يص ــرفوا الطَّاعة اَّطلقة إح هلل وحده‪ ،‬و‬ ‫أو ٍ‬
‫الرزق‪ ،‬والعلم‬ ‫ي ـ ـ ــركوا أحداً من خلقت يف خا ِهللا ـ ـ ـيَّ ٍة من خصـ ـ ــائص ربوبيَّتت كالحياء‪ ،‬والماتة‪ ،‬و ِ‬
‫اَّيا‪ ،‬والقدرة الباهرة‪ ،‬والقيُّوميَّـ ـ ـ ــة‪ ،‬والبقاء اَّطلق‪ ،‬والتَّلليل‪ ،‬والتَّلر ‪ ،‬وحنو ذلـ ـ ـ ــك جعلنا هللا‬
‫وس ذلك‪ ،‬والقادر عليت(‪.)1‬‬ ‫اَّن ِقق التَّوحيد قوحً‪ ،‬وعمالً‪ ،‬واعتقاداً‪ ،‬إنَّت ُّ‬
‫حمم ٍد هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫اَّك ُّي مو ِ ـ ـلاً عقيدة التَّوحيد‪ ،‬ومثبِتاً لر ــالة َّ‬ ‫وقد جاء القرآن ِ‬
‫َّاس بش ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًريا شونش ِذ ًيرا شولش ِك َّن أش ْكثشـشر‬
‫اك إِحَّ شكافَّةً لِلن ِ‬ ‫﴿وشما أ ْشر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلنش ش‬
‫اجلن كافةً‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫إىل النس‪ ،‬و ِ‬
‫اَّللِ إِلشْيك ْم شِ ًيعا الَّ ِذأ‬ ‫َّاس حش يشـ ْعلشمو شن ﴾ [س ــبأ ‪ ، ]28‬وقال تعاىل ﴿ق ْل شَيأشيـُّ شها النَّاس إِِين شر ـ ـول َّ‬ ‫الن ِ‬
‫َّب األ ِم ِي الَّ ِذأ‬ ‫ض حش إِلشتش إِحَّ ه شو ْيِي شوميِيت فش ِآمنوا ِاب ََّّللِ شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـولِِت النِ ِ‬ ‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫لشت م ْلك ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫شش‬
‫هللاـ ـ ـ ـشرفْـنشا إِلشْي ش‬
‫﴿وإِ ْذ ش‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ ِ‬
‫ك نشـ شفًرا‬ ‫يـ ْؤمن اب ََّّلل شوشكل شماتت شواتَّبعوه لش شعلَّك ْم شهتْتشدو شن ﴾ [األعراف‪ ،]158 :‬وقال تعاىل ش‬
‫ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجل ِن يش ْستش ِمعو شن الْقرآن فشلـ ـ ـ ـ َّـما شح ش‬
‫ِمن ِْ‬
‫ين *قشالوا‬ ‫ضروه قشالوا أشنْصتوا فشلـ ـ ـ ـ َّـما قض شي شول ْوا إ شىل قشـ ْومه ْم مْنذر ش‬ ‫ش‬
‫احلشِق شوإِ شىل طش ِر ٍيق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـدقًا ل شما بشْ ش يش شديْ ِت يشـ ْهدأ إِ شىل ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شَيقشـ ْوشمنشا إِ َّان شمس ْعنشا كتش ًااب أنْ ِايشل م ْن بشـ ْعد مو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ م ش‬
‫اب أشلِي ٍم ﴾‬ ‫اَّللِ و ِآمنوا بِ ِت يـ ْ ِفر لشكم ِمن ذنوبِكم و ِجيركم ِمن شع شذ ٍ‬
‫ْش ْْ ْ‬ ‫ش ْ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*َيقشـ ْوشمشنا أشجيبوا شداع شي َّ ش‬
‫ِ‬
‫م ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشقي ٍم ش‬
‫حمم ٍد هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا‬ ‫[األحقاف‪ ]31 - 29 :‬و ري هذه ا َيت يف القرآن الكر كثري‪ ،‬والَّيت تثبت ر ـ ـ ـ ـ ــالة َّ‬
‫اجلن كافَّةً(‪.)2‬‬ ‫عليت و لم لإلنس و ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـليلة حول‬ ‫ص ـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهم العقيدة ال َّ‬ ‫اَّك ُّي يف قلوب ال َّ‬ ‫وكما ر َّ ـ ـ ـ ـ القرآن ِ‬
‫هللال عقيدهتم حـول اَّالئكة‪،‬‬ ‫الر الـة َّ‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم و ِ‬ ‫التَّوحيد أبنواعـت‪ ،‬وحول َّ‬
‫و َّأ‪،‬م خلق من خلقت‪ ،‬يس ـ دون لت‪ ،‬وح يســتكربون عن عبادتت‪ ،‬وليس يم شــرك يف ال َّس ـماء وح‬
‫يف األرض‪ ،‬و َّأ‪،‬م ح يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـرون وح ينفعون أحداً إح أبمره ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت ﴿ويس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبِ الَّرعد ِحبم ِدهِ‬
‫ْ شْ‬ ‫ش ش‬
‫اَّللِ شوه شو ششـ ـ ِديد‬ ‫صـ ـي ِهبشا شم ْن يش ش ـ ـاء شوه ْم جيش ِادلو شن ِيف َّ‬ ‫اعق فشـي ِ‬ ‫والْمالشئِ شكة ِمن ِخي شفتِ ِت ويـرِ ـ ـل ال َّ ِ‬
‫صـ ـ شو ش‬ ‫شْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫ض ِم ْن شدآبٍَّة شوالْ شمالشئِ شكة شوه ْم حش‬ ‫ات شوشما ِيف األ ْشر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ ِمل ِال ﴾ [الرعد‪ِ ِ ،]13 :‬‬
‫﴿و ََّّلل يش ْس د شما يف َّ ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫اع ِل الْ شمالشئِ شك ِة ر ـ ـ ـالً أ ِوس‬ ‫ضج ِ‬ ‫ِ‬ ‫يس ـ ـ ـتشكِْربو شن ﴾ [ النحل‪ِ ِ ِ ْ ، ]49 :‬‬
‫﴿احلش ْمد ََّّلل فشاط ِر ال َّس ـ ـ ـ شم شاوات شواأل ْشر ِ ش‬ ‫شْ‬
‫اَّللش شعلش ك ِل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ٍء قش ِدير ﴾ [فاطر‪، ]1 :‬‬ ‫اخلشْل ِق شما يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـاء إِ َّن َّ‬ ‫ي يشِاييد ِيف ْ‬ ‫شجنِ شل ٍة شمثْ شىن شوثالش ش‬
‫ث شورشاب ش‬ ‫أْ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫أليَّة اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬ص ‪.55 ، 54‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫أليَّة اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪145‬‬
‫ض شوشما شي ْم‬ ‫ات شوحش ِيف األ ْشر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ون َِّ ِ ِ‬ ‫﴿ق ِل ْادعوا الَّ ِذين شزعمتم ِمن د ِ‬
‫اَّلل حش ميشْلكو شن مثْـ شق شال ذش َّرة يف َّ ش ش‬ ‫ش شْ ْ ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ٍ‬
‫ك حش يش ْس ـ ـ ـتشكِْربو شن شع ْن‬ ‫ين ِعْن شد شربِ ش‬ ‫ِ ِ ٍِ‬
‫فيه شما م ْن ش ـ ـ ـ ْرك شوشما لشت مْنـه ْم م ْن ظشهري ﴾ [سـ ــبأ‪﴿ ، ]22 :‬إ َّن الذ ش‬
‫ن ﴾ [األعراف‪. ]206 :‬‬ ‫ِعبش شادتِِت شوي شسبِلونشت شولشت يش ْس دو ش‬
‫اَّك ُّي يف قلوب اَّؤمن أب لوب القرآن‬ ‫وكذلك ائر أركان الميان األخر ‪ ،‬ر ها القرآن ِ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫اَّع اي‪ ،‬وو َّـ ـ ـلها للنَّاس كافَّةً فب َّ كيفيَّة إنايال القرآن عل َّ‬
‫ْث شونشـَّايلْنشاه تشـْن ِاييالً ﴾ [اإلس ـ ـراء‪َّ ، ]106 :‬‬ ‫َّاس علش مك ٍ‬ ‫ِ‬
‫شح شس ـ ـ ـ شن‬
‫﴿اَّلل نشـَّايشل أ ْ‬ ‫﴿وقرآانً فشـشرقْـنشاه لتشـ ْقشرأشه شعلش الن ِ ش‬ ‫ش‬
‫ين شخيْ ش ـ ـ ْو شن شرَّهب ْم مثَّ تشلِ جلوده ْم شوقـلوهب ْم إِ شىل‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫احلشديث كتش ًااب متش ش ـ ـاهبًا شمثشاينش تشـ ْق ش ـ ـعُّر مْنت جلود الذ ش‬
‫ِْ ِ ِ‬
‫﴿وشما‬ ‫ِ ٍ‬
‫اَّلل فش شما لشت م ْن شهاد ﴾ [الزمر‪ ،]23 :‬ش‬ ‫ض ـلِ ِل َّ‬
‫اَّللِ يشـ ْه ِدأ بِِت شم ْن يش ش ـاء شوشم ْن ي ْ‬ ‫ك ه شد َّ‬ ‫ِذ ْك ِر َِّ ِ‬
‫اَّلل ذشل ش‬
‫اب الَّ ِذأ شجاءش بِِت‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللش شح َّق قش ْد ِرهِ إِ ْذ قشالوا شما أشنْـشايشل َّ‬
‫اَّلل شعلش بش ش ـ ٍر م ْن شش ـ ْيء ق ْل شم ْن أشنْـشايشل الْكتش ش‬ ‫قش شدروا َّ‬
‫و‪،‬شا شوهْفو شن شكثِ ًريا شوعلِ ْمت ْم شما شْ تشـ ْعلشموا أشنْـت ْم شوحش‬ ‫يس تـْبد ش‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن ًورا شوهد ً للنَّاس شْد شعلونشت قشـشراط ش‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]91 :‬‬ ‫اَّلل مثَّ شذ ْره ْم ِيف شخ ْو ِ ِه ْم يشـ ْل شعبو ش‬ ‫آابيك ْم ق ِل َّ‬
‫ش‬
‫ض شولششق ْد‬ ‫ِ‬
‫الس شم شاوات شواأل ْشر ِ‬ ‫ك أ ْشعلشم ِمبش ْن ِيف َّ‬ ‫وب َّ بلانت َّ‬
‫﴿وشربُّ ش‬
‫أن لت كتباً ري القرآن الكر ش‬
‫اب ِاب ْحلشِق‬ ‫ض وآتشـيـنشا داوود زبورا ﴾[اإلسـ ـ ـ ـراء‪﴿ ،]55 :‬نشـَّايشل علشي ش ِ‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ْلنشا بشـ ْع ش ِِ‬
‫ك الْكتش ش‬ ‫شْ‬ ‫ض النَّبي ش شعلش بشـ شع ٍ ش ْ ش ش ش ً‬ ‫فش َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫م ِ ِ‬
‫يل ﴾[آل عمران‪ ،]3 :‬وب َّ ـ ـ ـ ـ ــبلانت أنَّت بعث كثرياً من‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـدقًا ل شما بشْ ش يش شديْت شوأشنْـشايشل التـ َّْوشرا شة شوال ُْ ش‬ ‫ش‬
‫﴿وشك ْم أ ْشر ش ـ ـ ـ ـ ْلنشا ِم ْن نشِ ٍب ِيف األ َّشولِ ش ﴾[الزخرف‪ ،]6 :‬فبعض ـ ـ ـ ــهم ذكرهم القرآن‪ ،‬وبعض ـ ـ ـ ــهم‬ ‫األنبياء ش‬
‫ك‬ ‫ك ِمْنـهم من قشص ـص ـنشا علشي ش ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص شعلشْي ش‬ ‫ك شومْنـه ْم شم ْن شْ نـش ْقص ـ ْ‬ ‫﴿ولششق ْد أ ْشر ش ـ ْلنشا ر ـالً م ْن قشـْبل ش ْ ش ْ ش ْ ش ْ‬ ‫يذكرهم ش‬
‫ِ‬ ‫اَّللِ ق ِ‬
‫اَّللِ فشَِ شذا شجاءش أ ْشمر َّ‬ ‫وما شكا شن لِر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ك‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شي ِاب ْحلشِق شو شخ ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر هشنال ش‬ ‫ول أش ْن شرِْلش ِريشٍة إِحَّ نِِ ْذ ِن َّ‬ ‫ش‬ ‫شش‬
‫ن﴾[غافر‪.]78 :‬‬ ‫الْمْب ِطلو ش‬
‫الصحابة‪:‬‬ ‫رابعاً‪ :‬وصف اجلنَّة يف القرآن الكرمي‪ ،‬وأثره على َّ‬

‫مكَّية يذكر فيها‬ ‫فقل أن توجد ـ ـ ـ ـ ـ ــورة ِ‬ ‫اَّك ُّي عل اليوم ا خر اية ال َّكياي‪َّ ،‬‬ ‫رَّكاي القرآن ِ‬
‫اَّعذب ‪ ،‬وكيفية ح ـ ـ ــر النَّاس وحما ـ ـ ــبتهم‪،‬‬ ‫بعض أحوال يوم القيامة‪ ،‬وأحوال اَّنعَّم ‪ ،‬وأحوال َّ‬
‫ضتت‬ ‫اَّللش شح َّق قش ْد ِرهِ شو ْاأل ْشرض شِ ًيعا قشـْب ش‬
‫﴿وشما قش شدروا َّ‬
‫ش‬ ‫أأ الع‬
‫لكأن النسان ير يوم القيامة ر ش‬ ‫حض َّ‬ ‫َّ‬
‫صـعِ شق‬
‫صـوِر فش ش‬ ‫ماوات شمطْ ِوََّيت بِيش ِمينِ ِت ـْب شلانشت شوتشـ شع شاىل شع َّما ي ْ ـ ِركو شن * شون ِف ش ِيف ال ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫يشـ ْوشم الْقيش شامة شوال َّسـ ش‬
‫اَّلل مثَّ ن ِف ش فِ ِيت أخر فشَِ شذا هم قِيشام يشنظرو شن *‬ ‫ض إَِّح شمن شش ـ ـ ـ ـ ـاء َّ‬ ‫من ِيف ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫ات شوشمن ِيف ْاأل ْشر ِ‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫ت األشرض بِنوِر رِهبا وو ِ ـع الْ ِكتشاب وِجيء ِابلنَّبِيِ وال ُّ ـه شد ِاء وق ِ‬
‫ض ـ شي بشـْيـنشـه ْم ِاب ْحلشِق شوه ْم حش‬ ‫وأش ْش ـرقش ِ‬
‫شش ش ش‬ ‫ش ش‬ ‫شش ش ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫‪146‬‬
‫ين شك شفروا إِ شىل شج شهن شَّم زشمًرا‬ ‫س ما ع ِملشت وهو أشعلشم ِمبا يـ ْفعلو شن *و ِ ـ ـ ـ ـ َّ ِ‬ ‫يظْلشمو شن ِ‬
‫يق الذ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ت ك ُّل نشـ ْف ٍ ش ش ْ ش ش ْ ش ش ش‬ ‫*ووفيش ْ‬
‫ش‬
‫ت أشبْـ شواهبشا شوقش شال شي ْم شخشاينشـتـ شها أششْ شرْتِك ْم ر ـل ِمْنك ْم يشـْتـلو شن شعلشْيك ْم آَيت شربِك ْم‬ ‫ح َّض إِ شذا جاء ِ‬
‫وها فت شل ْ‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬
‫ين *قِي شـل ْادخلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّت شكل شمـة الْ شعـ شذاب شعلش الْ شكـاف ِر ش‬
‫ويـْنـ ِذرونشكم لِشقـاء يـوِمكم هـ شذا قشـالوا بـلش ولش ِكن حقـ ِ‬
‫ش ش ْ ش ْ‬ ‫ْ ش شْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫يق الَّ ِذي شن اتَّـ شق ْوا شرَّهب ْم إِ شىل ْ‬
‫اجلشن َِّة زشمًرا شح َّض‬ ‫أشبـواب جهنَّم خالِ ِدين فِيها فشبِْئس مثْـو الْمتش شكِ ِربين ِ‬
‫*و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ش ش‬ ‫ش شش‬ ‫ْش ش ش ش ش ش ش ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*وقشـالوا‬
‫ين ش‬ ‫إِذشا شجـاءوشهـا شوفت شلـ ْ‬
‫ت أشبْـ شواهبـشا شوقشـ شال شي ْم شخشاينـشتـ شهـا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشم شعلشْيك ْم طْبـت ْم فشـ ْادخلوشهـا شخـالـد ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫احلمد ََِّّللِ الَّ ِذأ هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شدقشـنشا و ْع شده وأشورثشـنشا األشرض نشـتشـبـ َّوأ ِمن ْ ِ‬
‫شجر الْ شعامل ش‬ ‫اجلشنَّة شحْيث نش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـاء فشن ْع شم أ ْ‬ ‫ْ ش ش ش‬ ‫ش ش ْش‬ ‫ش‬ ‫ْش ْ‬
‫احلش ْمد‬
‫يل ْ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫*وتشـشر الْ شمالشئ شكةش شحآف ش م ْن شح ْول الْ شع ْرش ي شس ـ ـبلو شن حبش ْمد شرهب ْم شوقضـ ـ ـ شي بشـْيـنشـه ْم اب ْحلشق شوق ش‬ ‫ش‬
‫ب الْ شعالش ِم ش ﴾ [الزمر‪. ]75 - 67 :‬‬ ‫ََِّّللِ ر ِ‬
‫ش‬
‫صـ ـ ـلابة أميَّا أتثري‬ ‫وقد جاءت ا َيت الكرمية مبيِنةً‪ ،‬واهللا ـ ــفةً لل نَّة‪ ،‬فأثـَّشر ذلك يف نفوس ال َّ‬
‫أن يا أبواابً‪ ،‬وفيها درجات‪ ،‬ودرأ من حتتها‬ ‫فمما جاء يف وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف اجلنَّة َّأ‪،‬ا ح مثيل يا‪ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫األ‪،‬ار‪ ،‬وفيها عيون‪ ،‬وقص ـ ــور‪ ،‬وخيام‪ ،‬وفيها أشـ ـ ـ ار متنوعة‪ ،‬كس ـ ــدرة اَّنته ‪ ،‬وش ـ ـ رة طوىب‪،‬‬
‫وحتدَّث القرآن الكر عن نعيم أهلها‪ ،‬وطعامهم‪ ،‬وشراهبم‪ ،‬وطرهم‪ ،‬وانيتهم‪ ،‬ولبا هم‪ ،‬وحليِهم‪،‬‬
‫وفرش ـ ـ ــهم‪ ،‬وخدمهم‪ ،‬وأحاديثهم‪ ،‬ونس ـ ـ ــائهم‪ ،‬وعن أفض ـ ـ ــل ما يـ ْعطاه أهلها‪ ،‬وعن آخر دعواهم‬
‫حبيث أهللاب الوهللاف القرآينُّ لل نَّة مهيمناً عل جوار ‪ ،‬وأحا يس‪ ،‬وأذهان‪ ،‬وقلوب اَّسلم ‪،‬‬
‫ونذكر بعض ما جاء من وهللافها من خالل القرآن الكر‬
‫‪ - 1‬اجلنَّة ال مثيل هلا‪:‬‬
‫إن نعيم اجلنَّة شــيء أعدَّه هللا لعباده اَّتَّق ‪ ،‬انبع من كرم هللا‪ ،‬وجوده‪ ،‬وفضــلت‪ ،‬ووهللاــف لنا‬ ‫َّ‬
‫أن ما أخفاه هللا عنَّا من نعي ٍم ش ــيء عظيم‪ ،‬ح تدركت‬ ‫وجل ‪ -‬ش ــيئاً من نعيمها‪ ،‬إح َّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫العقول‪ ،‬وح تص ـ ـ ـ ـ ـ ــل إىل كْن ِه ِت األفكار‪ ،‬قال تعاىل ﴿فشالش تشـ ْعلشم نشـ ْفس شما أ ْخ ِفي شيم ِم ْن قـَّرةِ أ ْشع ٍ‬
‫ش ْ‬
‫ن ﴾ [السجدة‪.]17 :‬‬ ‫شجشاياءً ِمبشا شكانوا يشـ ْع شملو ش‬
‫عظيمة من قيام‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ب َّ ــبلانت وتعاىل ــب هذا اجلاياء‪ ،‬وهو ما وفَّقهم إليت من ٍ‬
‫أعمال‬
‫وإنفاق يف ـ ـ ــبيلت‪ .‬قال تعاىل ﴿تشـت ا ش جنوهبم ع ِن الْمض ـ ـ ـ ِ‬
‫اج ِع يش ْدعو شن شرَّهب ْم شخ ْوفًا شوطش شم ًعا‬ ‫ٍ‬ ‫ليل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ْ ش ش ش‬ ‫شش‬
‫شوِا ـَّا شرشزقْـنش ـاه ْم يـْن ِفقو شن *فشالش تشـ ْعلشم نشـ ْفس شمـ ـا أ ْخ ِف شي شي ْم ِم ْن قـَّرةِ أ ْشع ٍ شجشاياءً ِمبـشـا شكـ ـانوا يشـ ْع شملو شن ﴾‬
‫[السجدة‪. ]17 - 16 :‬‬

‫‪ - 2‬درجات اجلنَّة‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن أهل اجلنَّة متفاوتون فيما بينهم عل قدر أعمايم‪ ،‬وتوفيق هللا يم‪ ،‬وكذلك درجاهتم يف‬
‫‪147‬‬
‫احل ِ‬‫ا خرة‪ ،‬بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــها فوق بعض‪ .‬قال تعاىل ﴿ومن رْتِِت مؤِمناً قش ْد ع ِمل ال َّ ِ‬
‫ك شيم‬ ‫ات فشأولشئِ ش‬ ‫صـــــــ ش‬ ‫ش ش‬ ‫شش ْ ش ْ‬
‫الدَّرجات الْعلش ﴾ [طه‪.]75 :‬‬
‫شش‬
‫ف‬‫وأولياء هللا اَّؤمنون يف تلك الدَّرجات حبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إميا‪،‬م‪ ،‬وتقواهم‪ ،‬قال تعاىل ﴿انْظ ْر شكْي ش‬
‫ات وأش ْكرب تشـ ْف ِضيالً ﴾ [اإلسراء‪ ،]21 :‬وقال َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ضه ْم شعلش بشـ ْع ٍ‬
‫ين‬‫﴿والذ ش‬ ‫ش‬ ‫ض شولشآلخرة أش ْك شرب شد شر شج ش ش‬ ‫ض ْلنشا بشـ ْع ش‬
‫فش َّ‬
‫شحلشْقنشا هبِِ ْم ذ ِريـَّتشـه ْم شوشما أشلشْتـنشاه ْم ِم ْن شع شملِ ِه ْم ِم ْن ششـ ـ ـ ـ ْي ٍء ك ُّل ْام ِر ٍء ِمبشا‬ ‫آمنوا واتَّـبـعْتـهم ذ ِريـَّتـهم نِِميش ٍ‬
‫ان أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش شش ْ‬
‫شك شس ش شرِه ﴾ [الطور‪،]21 :‬‬
‫ين اتَّـ شق ْوا شرَّهب ْم شي ْم شر ِم ْن فشـ ْوقِ شهـا شر شمْبنِيَّـة شْد ِرأ ِم ْن شْحتتِ شهـا األش ْ‪،‬ـشار شو ْعـ شد َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫﴿لشك ِن الـذ ش‬
‫اد ﴾ [الزمر‪.]20 :‬‬ ‫حش خيْلِف َّ ِ‬
‫اَّلل الْم شيع ش‬
‫‪ - 3‬أهنار اجلنَّـة‪:‬‬
‫اجلشن َِّة الَِّيت و ِع شد الْمتـَّقو شن‬ ‫﴿مثشل ْ‬ ‫ٍ‬
‫ذكر القرآن الكر يف آَيت عديدة أ‪،‬ار اجلنَّة‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫فِ شيها أ ْش‪،‬شار ِم ْن شم ٍاء ش ِْري آ ِ ـ ـ ـ ـ ٍن وأ ْش‪،‬شار ِم ْن لشش ٍ‬
‫ب شْ يشـتشـ شَّْري طش ْعمت شوأ ْش‪،‬شار ِم ْن طشْ ٍر لش َّذةٍ لِل َّ ـ ـ ـ ـا ِربِ ش شوأ ْش‪،‬شار‬ ‫ش‬
‫ِِم﴾ [حممد‪. ]15 :‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صف ً شوشي ْم ف شيها م ْن ك ِل الث شَّمشرات شوشم ْفشرة م ْن شرهب ْ‬ ‫م ْن شع شس ٍل م ْ‬
‫‪ - 4‬عيون اجلنَّـة‪:‬‬
‫يف اجلنـَّة عيون كثرية‪ ،‬ملتلفــة الطُّعوم‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارب‪ .‬قــال تعــاىل ﴿إِ َّن الْمتَّ ِق ِيف جن ـ ٍ‬
‫َّات‬ ‫ش ش‬
‫ون ﴾ [املرســ ـ ـ ــالت‪ ،]41 :‬وق ــال يف‬‫ون﴾ [احلجر‪ ،]45 :‬وق ــال تع ــاىل ﴿إِ َّن الْمت َِّق ِيف ِظالشٍل وعي ٍ‬ ‫وعي ٍ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫ان شْد ِرشَي ِن ﴾ [الرمحن‪﴿ ،]50 :‬فِي ِه شمـا‬
‫وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف اجلنَّت اللَّت أعـ َّـدلــا َّن خــا ربــت ﴿فِي ِهمـا عيـنشـ ِ‬
‫ش شْ‬
‫ان نشضَّاختش ِ‬
‫ان ﴾ [الرمحن‪. ]66 :‬‬ ‫عيـنش ِ‬
‫ش‬ ‫شْ‬
‫مللوط‪ ،‬وي ـ ــرب منهما األبرار ال َّ ـ ـراب‬ ‫اَّقربون ماءلا ِهللا ـ ـرفاً ري ٍ‬ ‫ويف اجلنَّة عينان ي ـ ــرب َّ‬
‫ْ‬
‫مللوطاً اايوجاً ب ريه‬
‫الع األوىل ع الكافور قال تعاىل ﴿إِ َّن األشبْـشر شار يش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشربو شن ِم ْن شكأْ ٍس شكا شن ِمشاياج شها شكاف ًورا‬
‫أن األبرار ي ـ ـ ـ ـ ـربون‬ ‫و‪،‬شا تشـ ْف ِ ًريا ﴾ [اإلنس ـ ـ ــان‪ .]6 - 5 :‬فقد أخرب َّ‬ ‫اَّللِ يـ شف ِ ر ش‬
‫*عْيناً يش ْ ـ ـ ـ ـ ـشرب ِهبشا ِعبشاد َّ‬
‫ش‬
‫شراهبم اايوجاً من ع الكافور‪ ،‬بينما عباد هللا ي ربو‪،‬ا خالصاً‪.‬‬
‫*علش األشرائِـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك يشـْنظرو شن‬ ‫ش‬ ‫الع الثــانيــة ع التَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــنيم‪ .‬قــال تعــاىل ﴿إِ َّن األشبْـشر شار لشفي نشـ ْعي ٍم ش‬
‫س‬‫ك فشـ ْليشـتشـنشافش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ـ ـرةش النَّعِي ِم *يس ـ ـ شقو شن ِمن رِح ٍيق ملشْت ٍوم ِ‬
‫*ختشامت ِم ْس ـ ـك شوِيف ذشل ش‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫*تشـع ِر ِيف وج ِ‬
‫وه ِ‬
‫ْ ْ ْش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫‪148‬‬
‫*عْيناً يش ْ شرب ِهبشا الْم شقَّربو شن ﴾‬ ‫الْمتشـنشافِسو شن ِ ِ ِ‬
‫[املطففني‪.]28 - 22 :‬‬ ‫*ومشاياجت م ْن تش ْسني ٍم ش‬
‫ش‬
‫﴿وي ْس ـ ـ شق ْو شن فِ شيها شكأْ ً ـ ـا شكا شن ِمشاياج شها‬
‫ومن عيون اجلنَّة ع تس ـ ـ َّـم ال َّس ـ ـلس ـ ــبيل‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ْلسبِيالً ﴾[اإلنسان‪.]18 - 17 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شزُْشبيالً * شعْيناً ف شيها ت شس َّم ش ش‬
‫‪ - 5‬وصف بعض شجر اجلنَّة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬سدرة املنتوى‪:‬‬
‫أن ر ـولنا‬ ‫وجل ‪ -‬يف كتابت العايياي‪ ،‬وأخرب ‪ -‬ــبلانت ‪َّ -‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫وهذه ال َّ ـ رة ذكرها اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫أن هذه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رة عندها جنَّة‬ ‫(ﷺ) رأ جربيل عل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورتت اليت خلقت هللا عليها عندها‪ ،‬و َّ‬
‫﴿ولششق ْد شرآه نشـ ْايلشةً أخر * ِعْن شد‬
‫اَّأو ‪ ،‬وهذه الس ـ ـ ـ ـدرة ي ـ ـ ـ ــاها ما ح يعلمت إح هللا‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صـ ـ ـر شوشما طش ش‬
‫غ الْبش ش‬ ‫ـ ـ ـ ْد شرةِ الْمْنـتشـ شه *عْن شد شها شجنَّة الْ شمأْ شو *إ ْذ يشـ ْ ش ـ ـ ـ السـ ـ ـ ْد شرشة شما يشـ ْ ش ـ ـ ـ ش‬
‫*ما شزا ش‬
‫﴾[النجم‪.]17 - 13 :‬‬

‫ب ‪ -‬شجرة طوىب‪:‬‬
‫وهذه ال َّ رة عظيمة كبرية‪ ،‬تصنع منها ثياب أهل اجلنَّة‪ ،‬فعن أيب ٍ‬
‫عيد اخل ِ‬
‫درأ ر ي هللا‬
‫عنت قال قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «طوىب ش ـ رة يف اجلنَّة مســرية مئة ٍ‬
‫عام‪ ،‬ثياب‬
‫أهل اجلنَّة هرً من أكمامها» [أمحد (‪ )71/3‬وأبو يعلى (‪ )1374‬وجممع الزوائد (‪. ])67/10‬‬

‫الراك يف ظلِها مئة عام‪ ،‬هذه ال َّ ـ ـ رة هائلة ح يقدر قدرها إح الَّذأ‬ ‫ال َّ ـ ـ رة الَّيت يس ــري َّ‬
‫الراك لفرس‬ ‫خلقها‪ ،‬وقد ب َّ الر ول هللال هللا عليت و لم ِعظش شم هذه ال َّ رة‪ ،‬أب ْن أخرب َّ‬
‫أن َّ‬
‫عام حض يقطعها إذا ـ ـ ــار أبقص ـ ـ ـ ما ميكنت‪ ،‬ففي‬ ‫تعد لل ِس ـ ـ ـباق‪ ،‬تاً إىل مئة ٍ‬
‫من اخليل الَّيت ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قال « َّ‬
‫إن يف اجلنَّــة‬ ‫ِ‬
‫البهارأ عن أيب هريرة ر ي هللا عنت عن الن ِ‬ ‫هللالي‬
‫ود ﴾ ‪[ »]30‬البخاري (‪)3252‬‬ ‫الراك يف ظلِها مئة ـ ٍ‬
‫ـنة‪ ،‬واقريوا إن شــئتم ﴿و ِظ ٍل اشْد ٍ‬ ‫ل ـ رةً يســري َّ‬
‫ش‬
‫ومسلم (‪. ])2826‬‬

‫وهذا ُّ‬
‫يدل عل شخ ْل ٍق بدي ٍع‪ ،‬وقدرةِ َّ‬
‫الصانع‪ ،‬بلانت وتعاىل‪.‬‬
‫‪ - 6‬طعام أهل اجلنَّـة وشراهبم‪:‬‬
‫ذكر هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪َّ -‬‬
‫أن يف اجلنَّة ما ت تهيت األنفس من اَّاكل‪ ،‬واَّ ارب فقال‬

‫‪149‬‬
‫اب شوفِ شيها‬
‫صلا ٍ ِمن ذش شه ٍ وأش ْكو ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ش ش‬ ‫ْ‬ ‫﴿وفشاك شهة اَّا يشـتش شه َّريو شن ﴾ [الواقعة‪ ،]20 :‬وقال ﴿يطشا شعلشْي ِه ْم ب ش‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [الزخرف‪.]71 :‬‬‫شما تش ْ تش ِه ِيت األشنْـفس شوتشـلش ُّذ األ ْشع شوأشنْـت ْم فِ شيها شخالِدو ش‬
‫وقد أاب هللا يم أن يتناولوا من خرياهتا‪ ،‬وألوان طعامها‪ ،‬وشراهبا ما ي تهون‪ ،‬فقال ﴿كلوا‬
‫اخلشالِي ِة ﴾ [احلاقة‪. ]24 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شوا ْششربوا شهنيئًا مبشا أش ْ لش ْفت ْم ِيف األ َّشَيم ْ ش‬
‫‪ - 7‬مخر أهل اجلنَّـة‪:‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل هللا بت عل أهل اجلنَّة اخلمر‪ ،‬وطر اجلنَّة ٍ‬
‫خال من العيوب‪،‬‬ ‫من ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراب الَّذأ يتف َّ‬
‫واحفات الَّيت تتَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــف هبا طر الدُّنيا‪ ،‬فهمر الدُّنيا تذه العقول‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدي الريوس‪ ،‬وتوجع‬
‫البطون‪ ،‬وَترض األبدان‪ ،‬ودل األ ــقام‪ ،‬وقد تكون معيبةً يف هللا ــنعها‪ ،‬أو لو‪،‬ا‪ ،‬أو ري ذلك‪،‬‬
‫كلت‪ ،‬و يلة‪ ،‬هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافية‪ ،‬رائعة(‪ .)1‬قال هللا تعاىل ﴿يطشا‬ ‫فَ‪،‬ا خالية من ذلك ِ‬ ‫َّأما طر اجلنَّة َّ‬
‫ضاءش لش َّذةٍ لِل َّا ِربِ ش *حش فِ شيها ش ْول شوحش ه ْم شعْنـ شها يـْن ِايفو شن ﴾‬ ‫ِ ِ‬
‫شعلشْي ِه ْم بِ شكأْ ٍس م ْن شمع ٍ *بشـْي ش‬
‫ميل‬
‫يلتذ هبا شـارهبا‪ ،‬ح ُّ‬ ‫[ الصافات‪ .]47 - 45 :‬فقد وهللاـف هللا ال لو‪،‬ا (بيضـاء)‪ ،‬مثَّ ب َّأ‪،‬ا ُّ‬
‫اب‬‫من ش ـ ـرهبا‪ .‬وقال يف مو ـ ــع آخر يص ـ ــف طر اجلنَّة ﴿يطو شعلشْي ِهم ِولْ شدان ُّملشلَّدو شن * ِأبش ْكو ٍ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ِ ِ‬
‫ن ﴾ [الواقعة‪. ]19 - 17 :‬‬
‫يق شوشكأْ ٍس من َّمع ٍ * حش ي ش‬
‫صدَّعو شن شعْنـ شها شوحش يـْن ِايفو ش‬ ‫شوأ ششاب ِر ش‬
‫س‬ ‫ِ‬
‫*ختشامت ِم ْس ـك شوِيف ذشل ش‬
‫ك فشـ ْليشـتشـنشافش ِ‬ ‫وقال تعاىل يف مو ــع آخر ﴿يس ـ شقو شن ِمن رِح ٍيق ملشْت ٍوم ِ‬
‫ْ ْ ْش‬
‫األول أنت‬ ‫َّ‬ ‫الرحيق هو اخلمر‪ ،‬ووهللاـ ـ ــف هذا اخلمر بوهللاـ ـ ــف‬ ‫الْمتشـنشافِس ـ ـ ـو شن﴾ [املطففني‪ ،]26 - 25 :‬و َّ‬
‫ملتوم أأ مو ـ ــوي عليت خاذ األمر‪ .‬الثاين َّأ‪،‬م إذا ش ـ ـربوه وجدوا يف ختام ش ـ ـراهبم لت رائلة‬
‫اَّسك(‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬طعام أهل اجلنَّـة وشراهبم ال دنس معه‪:‬‬
‫مطهرون من أو ــا أهل الدُّنيا‪ .‬قال ر ــول هللا هللاــل‬ ‫اجلنَّة دار خالصــة من األذ ‪ ،‬وأهلها َّ‬
‫هللا عليت و ـ ـ ــلم « َّأول زمرةٍ تدخل اجلنَّة من َّأميت عل هللا ـ ـ ــورة القمر ليلة البدر‪ ،‬مثَّ الذين يلو‪،‬م‬
‫عل أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ُم يف ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـماء إ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ًة‪ ،‬مثَّ هم بعد ذلك منازل‪ ،‬ح يت َّوطون‪ ،‬وح يبولون‪ ،‬وح‬

‫(‪ )1‬انظر اليوم ا خر يف اجلنَّة والنَّار ‪ ،‬لعمر األشقر ‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)514/6‬‬
‫‪150‬‬
‫[البخاري (‪ )3327‬ومسلم (‪.])2834‬‬ ‫ميشْتش ِهطو شن‪ ،‬وح يشـْبـايقون»‬
‫كل منهم‪َّ ،‬أما خلوهللاهم من‬ ‫فالَّذأ يتفاوت فيت أهل اجلنَّة اَّا ن َّ‬
‫ص عليت يف احلديث َّقوة نور ٍ‬
‫َّ‬
‫فَ‪،‬م ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كون فيت يعاً‪ ،‬فهم ح يت َّوطون‪ ،‬وح يبولون‪ ،‬وح يتفلون‪ ،‬وح يشـْبـايقون‪ ،‬وح‬ ‫األذ‬
‫تتلول إىل رش ـ كرش ـ اَّســك‪ ،‬يفيض من أجســادهم‪،‬‬ ‫ميشْتش ِهطو شن‪ ،‬وفضــالت الطَّعام وال َّ ـراب َّ‬
‫يتلول بعض منت إىل ج ٍاء‪ ،‬ولكنَّت ج اء تنبعث منت روائ طيِبة عبقة عطرة‪.‬‬ ‫كما َّ‬
‫قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫إن أهل اجلنَّة ركلون فيها‪ ،‬وي ـربون‪ ،‬ح يشـْتـفلون‪،‬‬
‫وح يشـبولون‪ ،‬وح يشـتشـ ش َّوطون‪ ،‬وح ميشْتش ِهطو شن»‪ .‬قالوا فما ابل الطَّعام؟ قال «ج ش اء‪ ،‬شور ْش شكشر ْش ِ‬
‫اَّسك» [مسلم (‪ )2835‬وأبو داود (‪. ])4741‬‬

‫‪ - 9‬لباس أهل اجلنَّة‪ ،‬وحليوم‪ ،‬ومباخرهم‪:‬‬


‫الفضة‪،‬‬
‫الذه ‪ ،‬و َّ‬ ‫احللي من َّ‬ ‫أهل اجلنَّة يلبسون فيها الفاخر من اللِباس‪ ،‬ويتاييَّنون فيها أبنواي ِ‬
‫﴿جنَّات‬ ‫الذه ‪ ،‬والفضَّة‪ ،‬واللؤلؤ‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫واللؤلؤ فمن لبا هم احلرير‪ ،‬ومن حليِهم أ اور َّ‬
‫شعـ ْد ٍن يشـ ْدخلوش‪،‬ـشا شلَّ ْو شن فِي شهـا ِم ْن أْ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِوشر ِم ْن شذ شهـ ٍ شول ْؤل ًؤا شولِبشـا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم فِي شهـا شح ِرير ﴾ [فاطر‪،]33 :‬‬
‫ضـ ـر شوإِ ْ ـ ـتش ْ شربق شوحلُّوا أش ش ـ ـا ِوشر ِم ْن فِ َّ‬
‫ضـ ـ ٍة شو ش ـ ـ شقاه ْم شرُّهب ْم ششـ ـشر ًااب طشه ًورا ﴾‬ ‫﴿عالِيشـه ْم ثِيشاب ـ ـْند ٍس خ ْ‬ ‫ش‬
‫[اإلنسـ ـ ــان‪ . ]21 :‬ومالبسـ ـ ـ ــهم ذات ألوان‪ ،‬ومن ألوان الثِياب الَّيت يلبسـ ـ ـ ــون اخلضـ ـ ـ ــر من ال ُّس ـ ـ ـ ـندس‬
‫ك شي ْم شجنَّات شع ْد ٍن شْد ِرأ ِم ْن شْحتتِ ِهم األ ْش‪،‬شار شلَّ ْو شن فِ شيها ِم ْن أش ش ـ ـ ـا ِور ِم ْن شذ شه ٍ‬ ‫وال ـ ــتربق ﴿أولشئِ ش‬
‫ش‬
‫َّكئِ فِيها علش األشرائِ ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ويـ ْلبس ـ ـ ـو شن ثِيااب خ ْ ِ‬
‫ت‬‫ك ن ْع شم الثـ شَّواب شو شحس ـ ـ ـنش ْ‬ ‫ش‬ ‫ض ـ ـ ـًرا م ْن ـ ـ ـْند ٍس شوإِ ْ ـ ـ ـتش ْ شربق مت ش ش ش‬ ‫شً‬ ‫شش ش‬
‫أن ألهل اجلنَّة أم ـ ــاطاً من‬ ‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬ ‫م ْرتشـ شف ًقا ﴾ [الكوف‪ .]31 :‬وقد أخرب َّ‬
‫أن رائلة اَّسـ ـ ـ ــك تفو من أبدا‪،‬م َّ‬
‫الايكيَّة‪.‬‬ ‫الطي ‪ ،‬مع َّ‬ ‫يتبهرون بعود ِ‬ ‫ض ـ ـ ـ ـة‪ ،‬و َّأ‪،‬م َّ‬‫الذه ‪ ،‬والف َّ‬ ‫َّ‬
‫الذه ‪ ،‬شوشوقود‬ ‫ض ـ ـة‪ ،‬وأم ــاطهم َّ‬ ‫الذه ‪ ،‬والف َّ‬ ‫قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «انيتهم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسك» [البخاري (‪ )3246‬ومسلم (‪. ])17/2834‬‬
‫شجمام ِرهم األشل َّوة ‪ -‬عود الطي ‪ -‬شور ْشلهم الْ ْ‬
‫«من‬ ‫وثياب أهل اجلنَّة‪ ،‬وحليُّهم ح تبل ‪ ،‬وح تفىن‪ .‬قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫يدخل اجلنة ينعم ح ي ـ ْـب ـأشس‪ ،‬ح تشـْب ـلش ثياب ــت‪ ،‬وح يفىن شبابت» [مسلم (‪ )2836‬وأمحد (‪ 370 - 369/2‬و‪407‬‬
‫ش‬
‫و‪ 416‬و‪ )462‬والدارمي (‪ )2861‬وأبو نعيم يف صفة اجلنة (‪. ])97‬‬

‫‪ - 10‬اجتماع أهل اجلنَّة‪ ،‬وأحاديثوم‪:‬‬

‫‪151‬‬
‫أهل اجلنَّة يايور بعضــهم بعض ـاً‪ ،‬وجيتمعون يف جمالس طيبة‪ ،‬يتلدَّثون ويذكرون ما كان منهم‬
‫من هللا بت عليهم من دخول اجلنان‪ .‬قال هللا تعاىل يف وهللا ـ ــف اجتماي أهل اجلنَّة‬ ‫يف الدُّنيا‪ ،‬وما َّ‬
‫رٍر متشـ شقابِلِ ش ﴾ [احلجر‪.]47 :‬‬ ‫﴿ونشـشاي ْعنشا شما ِيف هللادوِرِه ْم ِم ْن ِ ٍل إِ ْخ شواانً شعلش‬
‫ش‬
‫َّ‬
‫وحدَّثنا القرآن عن أهللاـ ـ ـ ــنا األحاديث اليت يتكلَّمون هبا يف اجتماعهم ش‬
‫﴿وأشقْـبش شل بشـ ْعض ـ ـ ـ ـه ْم‬
‫اب‬
‫اان شع شذ ش‬ ‫ض يشـتش شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاءشلو شن * قشالوا إِ َّان كنَّا قشـْبل ِيف أ ْشهلِشنا م ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِف ِق ش *فش شم َّن َّ‬
‫اَّلل شعلشْيـشنا شوشوقش ش‬ ‫شعلش بشـ ْع ٍ‬
‫تذكرهم أهل‬ ‫الرِحيم ﴾[الطور‪ .]28 - 25 :‬ومن ذلك ُّ‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ِوم *إِ َّان كنَّا ِم ْن قشـْبل نش ْدعوه إِنَّت ه شو الْشُّرب َّ‬
‫ض‬ ‫ـككون أهل الميان‪ ،‬ويدعو‪،‬م إىل الكفران ﴿فشأشقْـبشل بشـ ْعض ـ ـه ْم شعلش بشـ ْع ٍ‬ ‫ال ـ ـ ِـر الَّذين كانوا ي ـ ـ ِ‬
‫ش‬
‫ص ـ ـ ـ ِدقِ ش *أشإِ شذا ِمْتـنشا شوكنَّا تـشر ًااب‬ ‫يـتشس ـ ـ ـاءلو شن *قش شال قشائِل ِمْنـهم إِِين شكا شن ِس قش ِرين *يـقول أشإِن ش ِ‬
‫َّك لشم شن الْم ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش ش‬
‫اجل ِلي ِم *قش شال َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫اتَّلل إِ ْن ك ْد ش‬ ‫شوعظش ًاما أشإ َّان لش شمدينو شن *قش شال شه ْل أشنْـت ْم مطَّلعو شن *فشاطَّلش شع فشـشرآه ِيف ش ـ ـ ـ شواء ْش‬
‫ين *أشفش شمـا شْحنن ِمبشيِتِ ش *إِحَّ شم ْوتشـتشـنشـا األ ش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وىل شوشمـا شْحنن‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر ش‬
‫*ولش ْوحش ن ْع شمـة شرِيب لشكْنـت م شن الْم ْل ش‬ ‫لش ْدي ِن ش‬
‫ن ﴾ [الصافات‪.]61 - 50 :‬‬ ‫ِمب شع َّذبِ ش *إِ َّن شه شذا شي شو الْ شف ْوز الْ شع ِظيم *لِ ِمثْ ِل شه شذا فشـ ْليشـ ْع شم ِل الْ شع ِاملو ش‬
‫‪ - 11‬نساء أهل اجلنَّة‪:‬‬
‫﴿جنـَّات شعـ ْد ٍن‬
‫زوجـة اَّؤمن يف ال ُّـدنيـا هي زوجتـت يف ا خرة إذا كـانـت مؤمنـةً‪ .‬قـال تعـاىل ش‬
‫ب﴾‬ ‫و‪،‬شا ومن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـلش ِمن آابئِ ِهم وأ ْشزو ِاج ِهم وذ ِرََّيهتِِم والْمالشئِ شكة ي ْدخلو شن شعلشْي ِهم ِمن ك ِل اب ٍ‬
‫ْ ْ ش‬ ‫ش‬ ‫يش ْدخل ش ش ش ْ ش ش ْ ش ْ ش ش ْ ش ْ ش ش‬
‫[الرعد‪ ،]23 :‬وهم يف اجلنَّات منعَّمون مع األزواً‪ ،‬يت ِكئون يف ظالل اجلنَّة مس ـ ــرورين فرح ﴿ه ْم‬
‫اجلشنَّـةش أشنْـت ْم شوأ ْشزشواجك ْم ْحت شربو شن﴾‬
‫﴿ادخلوا ْ‬
‫َّكئو شن ﴾ [يس‪ْ ،]56 :‬‬ ‫ك مت ِ‬ ‫وأ ْشزواجهم ِيف ِظالشٍل شعلش األشرائِـ ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش ْ‬
‫[الزخرف‪. ]70 :‬‬
‫‪ - 12‬احلور العني‪:‬‬
‫ك شوشزَّو ْجنشـاه ْم ِحبوٍر ِع ٍ ﴾ [الـدخـان‪ ،]54 :‬واحلور ع حوراء‪ ،‬وهي الَّيت‬ ‫ِ‬
‫قــال تعــاىل ﴿ شكـ شذلـ ش‬
‫ع عيناء‪ ،‬والعيناء هي‬ ‫يكون بياض عينها ش ـ ـ ــديد البياض‪ ،‬و ـ ـ ـواده ش ـ ـ ــديد ال َّس ـ ـ ـواد‪ ،‬والع‬
‫أب‪،‬ن كواع أتراب‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ َّن‬ ‫َّ‬ ‫وا ـ ـ ـ ـ ـ ــعة الع ‪ ،‬وقد وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف هللا يف القرآن احلور الع‬
‫اع ش أشتْـشر ًااب﴾ [النبأ‪ .]33 - 31 :‬والكاع اَّرأة اجلميلة الَّيت برز‬ ‫لِْلمت َِّق م شفازا *ح شدائِق وأ ْشعنشااب *وشكو ِ‬
‫شش ً ش شش ً شش‬
‫ثديها‪ ،‬واألتراب اَّتقارابت يف الس ـ ـ ِـن‪ ،‬واحلور الع من خلق هللا يف اجلنَّة‪ ،‬أن ـ ـ َّ‬
‫ـأهن هللا إن ـ ــاءً‬
‫ف علهن أبكاراً‪ ،‬عرابً أتراابً ﴿إِ َّان أشنْ ش أْ شانه َّن إِنْ ش اءً *فش ش شع ْلنشاه َّن أشبْ شك ًارا عرًاب أشتْـشر ًااب ﴾‬

‫‪152‬‬
‫ينكلهن قبلهم أحد‪ ،‬كما قال تعاىل ﴿فِي ِه َّن‬ ‫َّ‬ ‫كو‪،‬ن أبكاراً يقضـ ـ ــي أنَّت‬
‫[الواقعة‪ .]37 - 35 :‬و َّ‬
‫قشا ِهللا ـ ـ ـشرات الطَّْر ِ شْ يشطْ ِمثْـه َّن إِنْس قشـْبـلشه ْم شوحش شجآن ﴾ [الرمحن‪ ، ]56 :‬وقد حتدَّث القرآن الكر عن‬
‫ون ﴾ [الواقعة‪ ]23 - 22 :‬واَّراد‬ ‫ال نس ـ ـ ـ ـ ــاء أهل اجلنة‪ ،‬فقال ﴿وحور ِع * شكأشمثش ِال اللَّ ْؤل ِؤ الْمكْن ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫اخلفي اَّصــون‪ ،‬الَّذأ ي ِري هللاــفاء لونت ــوء ال َّ ـمس‪ ،‬وح عبث األيدأ‪ ،‬وش ـبَّ َّ‬
‫ههن‬ ‫ُّ‬ ‫ابَّكنون‬
‫يف مو ـ ـ ــع آخر ابلياقوت واَّرجان ﴿فِي ِه َّن قشا ِهللاـ ـ ـ ـشرات الطَّْر ِ شْ يشطْ ِمثْـه َّن إِنْس قشـْبـلشه ْم شوحش شجآن‬
‫شأ آحشِء شربِك شما ت شك ِذ شاب ِن * شكأ َّش‪َّ ،‬ن الْشياقوت شوالْ شم ْر شجان ﴾ [الرمحن‪ . ]58 - 56 :‬والياقوت واَّرجان‬ ‫*فشِبأ ِ‬
‫‪،‬ن قاهللارات الطَّر ‪،‬‬ ‫ح ران كرميان فيهما ال‪ ،‬ويما منظر حسن بديع‪ ،‬وقد وهللاف احلور أب َّ‬
‫اجهن‪ ،‬وقد شـ ـ ــهد هللا‬
‫أنظارهن ل ري أزو َّ‬ ‫َّ‬ ‫اجهن‪ ،‬فلم تطم‬ ‫ـرهن عل أزو َّ‬ ‫وهن اللَّوال ق ش‬
‫ص ـ ـ ـ ْر شن بصـ ـ ـ َّ‬ ‫َّ‬
‫حلور اجلنَّة ابحلســن‪ ،‬واجلمال‪ ،‬وحســبك أن شــهد هللا هبذا ليكون قد بل اية احلســن واجلمال‬
‫شأ آحشِء شربِك شما ت شك ِذ شاب ِن ﴾ [الرمحن‪ .]71 - 70 :‬ونساء اجلنَّة لش ْس شن كنساء‬ ‫﴿فِي ِه َّن شخ ْ شريات ِح شسان *فشبِأ ِ‬
‫فَ‪،‬ن مطهرات من احليض والنِفاس‪ ،‬والبصاق‪ ،‬واَّهاط‪ ،‬والبول‪ ،‬وال ائا(‪.)1‬‬ ‫الدُّنيا‪َّ ،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم عن ال رجال‪ ،‬ونساء أهل اجلنَّة‪ ،‬فقال « َّأول‬ ‫وقد حتدَّث َّ‬
‫زمرةٍ تلت اجلنَّة هللاـ ـ ـ ـ ـ ــورهتم عل هللاـ ـ ـ ـ ـ ــورة القمر ليلةش البدر‪ ،‬ح يشـْبص ـ ـ ـ ـ ـ ـقون فيها‪ ،‬وح ميْتش ِهطو شن‪ ،‬وح‬
‫الذه والفض ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وجمش ِامرهم األل َّوة‪ ،‬شور ْشـ ـ ـ ـ ـلهم‬
‫الذه ‪ ،‬أم ـ ـ ـ ــاطهم من َّ‬ ‫يت َّوطون‪ ،‬وانيتهم فيها َّ‬
‫ِ‬ ‫اَّسك‪ ،‬و ِ ٍ‬
‫احلسن» [البخاري (‪)3245‬‬
‫لكل واحد منهم زوجتان‪ ،‬يـشر م ُّ وقهما من وراء اللَّلم من ْ ْ‬
‫ومسلم (‪. ])17/2834‬‬

‫وانظر إىل هذا اجلمال الَّذأ حدَّث بت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أهللاــلابشت‪ ،‬هل دد‬
‫أن امرأ ًة من أهل اجلنَّة اطَّلعت إىل أهل األرض أل اءت ما بينهما‪،‬‬ ‫لت نظرياً اَّا تعر ؟! «ولو َّ‬
‫وَّ تت ر اً‪ ،‬ولنص ـ ـ ــيفها عل رأ ـ ـ ــها خري من الدُّنيا وما فيها» [البخاري (‪ )2796‬وأمحد (‪ )141/3‬والرتمذي‬
‫(‪ )1651‬وابن حبان (‪.])7399‬‬

‫‪ - 13‬أفضل ما يعطاه أهل اجلنة‪:‬‬


‫قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «إذا دخل أهل اجلن َِّة اجلنَّةش‪ ،‬يقول هللا تبارك تعاىل‬
‫ض وجوهنشا؟! أ ت ْد ِخ ْلنا اجلنة‪ ،‬وتـنش ِ نشا من النار؟! قال‬
‫تريدون ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً أزيدكم؟ فيقولون أ تـبشـيِ ْ‬
‫اب‪ ،‬فما أ ْعطوا ش ـ ـ ـ ــيئاً أح َّ إليهم من النَّظر إىل رهبم تبارك وتعاىل»‪ ،‬وجاء يف‬ ‫ِ‬
‫فشـيش ْك ـ ـ ـ ـ ـف احل ش‬

‫(‪ )1‬انظر الو طية يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.433‬‬


‫‪153‬‬
‫وهه ْم قشش شوحش ِذلَّة‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫احل ْسـ ـ ـ ـ شىن شوِزشَي شدة شوحش يشـ ْرشهق وج ش‬
‫شح شسـ ـ ـ ـنوا ْ‬
‫ين أ ْ‬‫رواية أخر مثَّ تال هذه ا ية ﴿للَّذ ش‬
‫ن ﴾ [يونس‪[ ]26 :‬أمحد (‪ )333 - 332/4‬ومســلم (‪ )181‬والرتمذي (‪)2555‬‬ ‫اجلشن َِّة ه ْم فِ شيها شخالِدو ش‬
‫هللا ـ شلاب ْ‬ ‫أولشئِ ش‬
‫ك أش ْ‬
‫وابن ماجه (‪. ])187‬‬
‫ِ‬
‫اخلدرأ ر ـ ــي هللا عنت قال‬ ‫و َّأما عن ر ـ ـوان هللا الَّذأ يعط ألهل اجلنَّة فعن أيب ـ ـ ٍ‬
‫ـعيد‬
‫إن هللا تعاىل يقول ألهل اجلنَّة َي أهل اجلنة! فيقولون‬ ‫قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫ك! فيقول هل شر ِ ـ ـيتم؟ فيقولون وما لنا ح نر ـ ـ َي‬ ‫ك‪ ،‬واخلري كلُّت يف يش شديْ ش‬ ‫لبيك ربنا‪ ،‬و ش ـ ـ ْع شديْ ش‬
‫أفضل من ذلك؟ فيقولون‬ ‫ِ‬
‫رب! وقد أعطيتنا ما تعا أحداً من خلقك؟! فيقول أح أعطيكم ش‬
‫شيء أفضل من ذلك؟ فيقول أ ِح ُّل عليكم ر واين فال أ ها عليكم بعده أبداً»‬ ‫أأ ٍ‬ ‫َي رب! و ُّ‬
‫[البخاري (‪ )6549‬ومسلم (‪. ])2829‬‬

‫رب العاملني‪:‬‬ ‫‪ .14‬آخر دعواهم أن احلمد هلل ِّ‬


‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـراط‪ ،‬في ـ ـ ـ ـ ـ ــاهدون هوحً‪،‬‬ ‫ميرون عل ال ِ‬ ‫مير اَّؤمنون يف اَّوقف العظيم أبهو ٍال عظام‪ ،‬مثَّ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أعد هللا يم فيها من‬ ‫ورعباً‪ ،‬مثَّ يدخلهم هللا جنَّات النَّعيم بعد أن أذه عنهم احلاين‪ ،‬فريون ما َّ‬
‫وتقد ــت فقد أذه عنهم احلاين‪ ،‬وهللا ـ شـدقشهم وعده‪،‬‬ ‫ات عظام‪ ،‬ف تفع ألس ــنتهم تس ــبِ رَّهبم ِ‬ ‫خري ٍ‬
‫و‪،‬شا شلَّ ْو شن فِ شيها ِم ْن أْ ش ـ ـ ـ ـ ـا ِوشر ِم ْن ذش شه ٍ شول ْؤل ًؤا شولِبشا ـ ـ ـ ـ ـه ْم فِ شيها‬
‫﴿جنَّات شع ْد ٍن يش ْدخل ش‬ ‫وأورثهم اجلنَّة ش‬
‫شكور ﴾ [فاطر‪.]34 - 33 :‬‬ ‫احلش ْمد ََِّّللِ الَّ ِذأ أش ْذ شه ش شعنَّا ْ‬
‫احلششاي شن إِ َّن شربـَّنشا لش شفور ش‬ ‫*وقشالوا ْ‬‫شح ِرير ش‬
‫ك اللَّه َّم‬ ‫ِ‬
‫﴿د ْع شواه ْم في شهـا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْب شلـانشـ ش‬
‫ش‬ ‫وآخر دعواهم يف جنـَّات النَّعيم احلمــد هلل رب العــاَّ‬
‫م ش ﴾ [يونس‪.]10 :‬‬ ‫ب الْعالش ِ‬‫وشِحتيَّـتـهم فِيها الشم وآخر شد ْعواهم أ ِشن ْ ِ ِ ِ‬
‫احلش ْمد ََّّلل شر ش‬ ‫ش ْ‬ ‫ش ْ ش ش‬
‫يريب أهللا ـ ـ ــلابت عل ال َّسـ ـ ـ ـعي َّر ـ ـ ــاة هللا تعاىل حض‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم كان ِ‬ ‫َّ‬
‫إن الن َّ‬
‫حض لكـ َّ‬
‫ـأن‬ ‫القرآين‪َّ ،‬‬ ‫يــدخلهم جنَّ ـاتــت العظيمــة‪ ،‬فكــان يص ـ ـ ـ ـ ـ ــف يم اجلنَّ ـات من خالل اَّنهت ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلايب ير اجلنَّة معرو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً أمامت يف تلك الللظة‪ ،‬وينفعل هبا كأنَّت يراها يف عا العيان‬ ‫ال َّ‬
‫يتصور حدوثت يف اَّستقبل‪ ،‬وهذا من الع از البياين يف التعبري القرآين إىل‬ ‫ابلفعل‪ ،‬وليست أمراً َّ‬
‫كأ‪،‬ا احلا ــر الَّذأ يعي ــت النســان‪ ،‬ويصــب احلا ــر‬ ‫حد تصــب ا خرة ‪ -‬اليت أتت بعد ‪َّ -‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض ليق تفصلت عن النسان اماد‪ ،‬وأبعاد(‪.)1‬‬ ‫الَّذأ يعي ت ابلفعل كأنَّت ٍ‬
‫إن التَّص ـ ـ ـ ُّـور البديع لل نان‪ ،‬واحعتقاد اجلازم هبا‪ ،‬مهم يف ‪،‬ض ـ ـ ــة َّأمتنا‪ ،‬فعندما ْحتيشا هللا ـ ـ ــورة‬ ‫َّ‬

‫َّمد قط ‪ ،‬ص ‪.81‬‬


‫(‪ )1‬انظر درا ات قرانيَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪154‬‬
‫قدمون ال اس‪ ،‬والنَّفيس‪،‬‬ ‫فَ‪،‬م ـ ـ ـ ـ ـ ــيندفعون َّر ـ ـ ـ ـ ـ ــاة هللا تعاىل‪ ،‬وي ِ‬
‫األمة‪َّ ،‬‬
‫اجلنان يف نفوس أفراد َّ‬
‫ويتهلَّصــون من الوهن‪ ،‬وكراهة اَّوت‪ ،‬وتتف َّ ر يف نفو ــهم طاقات هائلة َتدُّهم بعاي ٍ‬
‫مية‪ ،‬وإهللا ـرا ٍر‪،‬‬ ‫شش‬
‫ومثابرةٍ عل إعاياز دين هللا‪ ،‬وقد ححظت يف اَّعارك الفاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلة‪ ،‬واحنتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات العظيمة اليت‬
‫األمة يف اترخيها اايد من أ ــباهبا الوا ــلة ح ُّ القادة‪ ،‬واجلنود اَّقاتل لل َّ ـ ـهادة يف‬ ‫حقَّقتها َّ‬
‫بيل هللا‪ ،‬وال َّوق جلنانت‪ ،‬وتعبُّدهم هلل بفريضة اجلهاد‪ ،‬واألمثلة عل ذلك كثرية‪ ،‬كمعركة الايحَّقة‬
‫الَّيت انتصر فيها اَّرابطون بقيادة يو ف بن اتشف عل النَّصار يف األندلس‪ ،‬وكمعركة ِ‬
‫حط‬
‫حممد الفات ‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬وع جالوت بقيادة قطاي‪ ،‬وكفت القسطنطينية بقيادة َّ‬ ‫بقيادة هللاال ِ‬
‫الصحابة‪:‬‬
‫خامساً‪ :‬وصف النَّار يف القرآن الكرمي‪ ،‬وأثره يف نفوس َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت‬ ‫الصلابـ ــة خيافـ ــون هللا تعاىل‪ ،‬وخي ونـ ــت‪ ،‬ويرجونـ ــت‪ ،‬وكان ل بيـ ــة َّ‬ ‫كان َّ‬
‫و ـ ــلم أثر يف نفو ـ ــهم عظيم‪ ،‬وكان اَّنهت القرآينُّ الَّذأ ـ ــار عليت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬
‫ألن القرآن الكر وهللاف أهوال يوم القيامة‪ ،‬ومعاَّها‬ ‫الصلابة َّ‬ ‫و لم يفعل األفاعيل يف نفوس َّ‬
‫وم ْوِر‬
‫وطي ال َّس ـ ـ ـ ـماء‪ ،‬ونس ـ ـ ـ ــف اجلبال‪ ،‬وتف ري البلار‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ريها‪ ،‬ش‬ ‫من قبض األرض ودكِها‪ِ ،‬‬
‫الس ـ ــماء‪ ،‬وانفطارها‪ ،‬وتكوير ال ـ ــمس‪ ،‬وخس ـ ــو القمر‪ ،‬وتناثر النُّ وم‪ ،‬وهللا ـ ـ َّـور القرآن الكر‬
‫حال الكفَّار‪ ،‬وذلَّتهم‪ ،‬وهوا‪،‬م‪ ،‬وحس ـ ـ ـ ـ ـ ـرهتم‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وإحباط أعمايم‪ ،‬وهاهللاـ ـ ـ ـ ـ ــم العابدين‬
‫ضـ ـاللة‪ ،‬وهاهللا ــم الض ــعفاء وال َّسـ ـادة‪ ،‬وهاهللاـ ـم الكافر وقرينت‬ ‫واَّعبودين‪ ،‬وهاهللا ــم األتباي وقادة ال َّ‬
‫الرو واجلسـ ـ ـ ــد‪ ،‬وحتدَّث القرآن الكر عن‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـيطان‪ ،‬وملاهللاـ ـ ـ ــمة الكافر أعضـ ـ ـ ــاءه‪ ،‬وهاهللاـ ـ ـ ــم ُّ‬
‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـفاعة‪ ،‬وب َّ ش ـ ـ ـ ــروطها‪ ،‬واَّقبول منها‪ ،‬واَّرفوض‪ ،‬واَّراد ابحلس ـ ـ ـ ــاب واجلاياء‪ ،‬وعن م ـ ـ ـ ــهد‬
‫احلساب‪ ،‬وهل يسأل الكفار؟ وَّاذا يسألون؟‬
‫وحتدَّث القرآن الكر عن احقتصــاص يف اَّظا ب اخللق‪ ،‬وكيف يكون احقتصــاص يف يوم‬
‫أن هنـاك يوم‬ ‫عاي وج َّـل ‪ -‬يف القرآن الكر عظم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ال ِـدمـاء‪ ،‬وب َّ‬ ‫القيـامـة‪ ،‬وب اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عن احلوض‪،‬‬ ‫القيامة تو ـ ـ ــع اَّوازين الَّيت توزن هبا األعمال‪ ،‬وأخرب الن ُّ‬
‫وم ِن الَّذين يردون عل احلوض‪ ،‬والَّذين يذادون عنت‪ ،‬وحتدَّث القرآن الكر عن ح ـ ـ ـ ـ ـ ــر الكفَّار‬ ‫ش‬
‫الصراط‪ ،‬وخالص اَّؤمن وحدهم(‪.)1‬‬ ‫إىل النَّار‪ ،‬ومرور اَّؤمن واَّنافق عل ِ‬

‫(‪ )1‬انظر الو طيَّة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.402‬‬


‫‪155‬‬
‫صـ ـ ـلابة‪ ،‬وهللا ـ ـ َّـور القرآن الكر ألوان العذاب‬
‫وقد كان يذا احلديث أثره العظيم يف نفوس ال َّ‬
‫أأ الع ‪ ،‬ومن حديث القرآن عن النَّار بيانت ٍ‬
‫لكل من‬ ‫األول يراها ر ش‬
‫الرعيل َّ‬
‫يف النَّار‪ ،‬فأهللاب َّ‬

‫‪ - 1‬طعام أهل النَّار وشراهبم ولباسوم‪:‬‬


‫وأن شـ ـراهبم احلميم‪،‬‬ ‫ضـ ـريع‪ ،‬والزقيوم‪َّ ،‬‬ ‫أن من طعام أهل النَّار ال َّ‬ ‫أ ‪َّ -‬بني القرآن الكرمي‪َّ :‬‬
‫س شي ْم طش شعام إِحَّ ِم ْن ش ـ ـ ـ ـ ِري ٍع *حش ي ْسـ ـ ـ ـ ِمن شوحش يـ ْ ِ ِم ْن‬ ‫سـ ـ ـاق‪ ،‬قال تعاىل ﴿لشْي ش‬ ‫وال ســ ــلني‪ ،‬وال َّ‬
‫يتلذذون بت‪ ،‬وح‬ ‫وي﴾ [ال اشــ ـ ـ ــية‪ ،]7 - 6 :‬وأكلهم يذا الطَّعام هو نوي من أنواي العذاب فهم ح َّ‬ ‫جٍ‬
‫تنتفع بت أجسادهم‪.‬‬
‫*كالْم ه ِل يـ ْلِي ِيف الْبط ِ‬ ‫ِ‬ ‫الايقُّوم فقال تعاىل فيت ﴿إِ َّن ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رشة َّ ِ‬
‫ون‬ ‫الايقُّوم *طش شعام األشثي ِم ش ْ ش‬ ‫ش شش‬ ‫َّأما َّ‬
‫ِ‬ ‫احلش ِمي ِم﴾ [الدخان‪ . ]46 - 43 :‬وقد وهللاف هللا ش رة َّ‬
‫ك‬‫الايقوم يف مو ٍع آخر‪ ،‬فقال ﴿أشذشل ش‬ ‫* شك شْل ِي ْ‬
‫اجلش ِلي ِم *طشْلع شها‬ ‫الايقُّ ِوم *إِ َّان جع ْلنش ِ ِ ِ ِ‬
‫شهللا ِل ْ‬ ‫اها فْتـنشةً للظَّالم ش *إِ َّ‪،‬شا شش ش شرة شهْرً ِيف أ ْ‬ ‫شش ش‬ ‫شخ ْري نـايحً أ ْشم شش ش شرة َّ‬
‫اط ِ ﴾ [الصافات‪ ]65 - 62 :‬وقال ﴿وال َّ رشة الْم ْلعونشةش ِيف الْقرآن﴾ [اإلسراء‪.]60 :‬‬ ‫شكأشنَّت ريوس ال َّي ِ‬
‫ش شش ش‬ ‫ش‬
‫ضـ ـ ـ ـآلُّو شن الْم شك ِذبو شن * كِلو شن ِم ْن ششـ ـ ـ ـ ش ٍر ِم ْن شزقُّ ٍوم‬ ‫وقال يف مو ـ ـ ـ ـ ٍع آخر ﴿مثَّ إِنَّك ْم أشيـُّ شها ال َّ‬
‫ب ا ْيِي ِم ﴾ [الواقعة‪،]55 - 51 :‬‬ ‫*فشمالِئو شن ِمْنـها الْبطو شن *فش ش ـ ـ ـا ِربو شن علشي ِت ِمن ْ ِ‬
‫احلشمي ِم *فش ش ـ ـ ـا ِربو شن ش ـ ـ ـ ْر ش‬ ‫شْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫أن هذه ال َّ ـ رة شـ رة خبيثة‪ ،‬جذورها تضــرب يف قعر النَّار‪ ،‬وفروعها‬ ‫ويؤخذ من هذه ا َيت َّ‬
‫ـتقر يف‬ ‫َتتد يف أرجائها‪ ،‬وشر هذه ال َّ ـ ـ رة قبي اَّنظر لذلك شـ ــبِت بريوس ال َّ ـ ـياط ‪ ،‬وقد ا ـ ـ َّ‬ ‫ُّ‬
‫النُّفوس قب ريو ـ ــهم ‪ -‬وإن كانوا ح يرو‪،‬م ‪ -‬ومع خبث هذه ال َّ ـ ـ ـ رة‪ ،‬وخبث طلعها إح َّ‬
‫أن‬
‫أهل النَّار يل شق عليهم اجلوي حبيث ح جيدون مفراً من األكل منها‪ ،‬إىل درجـة ملء البطون‪ ،‬فَذا‬
‫الاييت‪ ،‬في دون لذلك احماً مربحةً‪،‬‬ ‫امت ت بطو‪،‬م أخذت ت لي يف أجوافهم كما ي لي عكر َّ‬
‫ـار الَّـذأ تنــاه ُّ‬
‫حره ‪-‬‬ ‫فــَذا بل ــت احلــال هبم هــذا اَّبل انــدفعوا إىل احلميم ‪ -‬وهو اَّــاء احلـ ُّ‬
‫َّرض أهللاـ ـ ــاهبا‪ ،‬وعند ذلك ِ‬
‫يقطع‬ ‫ٍ‬ ‫ف ـ ـ ـربوا منت ك ـ ـ ــرب البل اليت ت ـ ـ ــرب‪ ،‬وت ـ ـ ــرب‪ ،‬وح ترو‬
‫يما فشـ شقطَّ شع أ ْشم شعاءشه ْم ﴾ [حممد‪ ]15 :‬هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫احلميم أمعاءهم ﴿ شك شم ْن ه شو شخالد يف النَّار شو ـ ـ ـ ـ ـقوا شماءً شح ً‬
‫هي يافتهم يف ذلك اليوم العظيم(‪.)1‬‬
‫الايقُّوم ش ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـوا بت لقبلت‪ ،‬وخبثت‪،‬‬ ‫وإذا أكل أهل النَّار هذا الطَّعام اخلبيث من ال َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـريع‪ ،‬و َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اليوم احخر يف اجلنَّة والنَّار ‪ ،‬لعمر األشقر ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪156‬‬
‫يما ﴾‬ ‫ِ‬ ‫وفساده ﴿إِ َّن لش شديـنشا أشنْ شكاحً وج ِليما *وطشعاما ذشا َّ ٍ‬
‫[املزمل‪.]13 - 12 :‬‬
‫صة شو شع شذ ًااب أشل ً‬ ‫شش ً ش شً‬ ‫ْ‬
‫*وحش طش شعام إِحَّ‬ ‫ِ‬
‫س لشت الْيشـ ْوشم شهاهنشا شحيم ش‬ ‫ومن طعام أهل النَّـ ـ ـ ــار ال سل ‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿فشـلشْي ش‬
‫اطؤو شن﴾ [احلاقة‪ ،]37 - 35 :‬وقـ ـ ــال هللا تعال ـ ـ ـ ﴿ه شذا فشـ ْليذوقوه شِ‬ ‫اخل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫حيم‬ ‫ش ش‬ ‫م ْن ْسل ٍ * شح شرْكلت إَِّح ْش‬
‫احد‪ ،‬وهو ما ـ ــال من جلود أهل النَّار من‬ ‫و ش َّس ـ ـاق ﴾ [ص‪ ،]57 :‬وال سـ ــل ‪ ،‬وال َّس ـ ـاق مبعىن و ٍ‬
‫ً‬ ‫ش‬
‫الايواين‪ ،‬ومن ننت حلوم الكفرة‪ ،‬وجلودهم‬ ‫ِ‬
‫ص ـديد‪ ،‬وقيل هو ما يس ــيل من فروً النس ــاء َّ‬ ‫القي وال َّ‬
‫القرطب «هو عصارة أهل النَّار»(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫ب ‪َّ -‬أما شراهبم فوو احلميم‪ ،‬وال َّساق‪ ،‬واملول‪ ،‬والصديد‪ .‬قال هللا تعاىل ﴿ شك شم ْن ه شو‬
‫شمعاءهم ﴾‪[ ،‬حممد‪.]15 :‬‬
‫يما فشـ شقطَّ شع أ ْ ش ش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫شخالد يف النَّار شو قوا شماءً شح ً‬
‫شحا شط هبِِ ْم ـشر ِادقـ شها شوإِ ْن يش ْسـتش ِيثوا يـ شاثوا ِمبش ٍاء شكالْم ْه ِل‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل ﴿إ َّان أ ْشعتش ْد شان للظَّالم ش شان ًرا أ ش‬
‫ت مرتشـ شف ًقا ﴾ [الكوف‪.]29 :‬‬ ‫ي ْ ِوأ الْوج ش ِ‬
‫س ال شَّراب شو ش اءش ْ ْ‬ ‫وه بْئ ش‬ ‫ش‬
‫﴿من ورائِِت جهنَّم ويسـ ـ ـ ـ شق ِمن م ٍاء هللاـ ـ ـ ـ ِد ٍ‬
‫يد *يشـتش ش َّرعت شوحش يش شكاد ي ِسـ ـ ـ ـي ت شو شرْتِ ِيت‬ ‫وقال تعاىل ِ‬
‫ْ ش ش‬ ‫ْ شش ش ش ش ْ‬
‫ذاب شلِيم ﴾ [إبراهيم‪]17 - 16 :‬‬ ‫ت شوِم ْن شوشرائِِت شع ش‬ ‫ان وما هو ِمبشيِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الْ شم ْوت م ْن ك ِل شم شك ش ش ش‬
‫ساق ﴾ [ص‪.]57 :‬‬ ‫حيم شو ش َّ‬ ‫وقال ﴿ه شذا فشـ ْليذوقوه شِ‬
‫ش ش‬
‫وقد ذكرت هذه ا َيت أربعة أنواي من ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراب أهل النَّار‪ ،‬هي احلميم‪ ،‬وهو اَّاء احلار‬
‫الَّـذأ تنــاه ُّ‬
‫حره وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاق‪ ،‬وقــد مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ احلــديــث عنــت‪ ،‬فــَنـَّت يــذكر يف مــأكول أهــل النـَّار‬
‫الاييت‪ ،‬فَذا‬ ‫ص ـ ـديد‪ ،‬وهو ما يس ـ ــيل من حلم الكافر‪ ،‬وجلده واَّهل‪ ،‬وهو كعكر َّ‬ ‫وم ـ ــروهبم وال َّ‬
‫قرب وجهت قطت فروة وجهت فيت(‪.)2‬‬
‫ج ‪ -‬لباس أهل النَّار‪:‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ شف ِاد * ش ـ ـ ـ ـشرابِيله ْم ِم ْن قش ِطشر ٍان شوتشـ ْ ش ـ ـ ـ ـ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وتشـشر الْم ْ ِرم ش يشـ ْوشمئذ م شقَّرن ش ِيف األش ْ‬
‫قال تعاىل ش‬
‫وههم النَّار﴾ [إبراهيم‪ ،]50 - 49 :‬والقطران هو النُّلاس اَّذاب‪.‬‬ ‫وج ش‬
‫‪ - 2‬صور من عذاب أهل النَّار‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تفاوت عذاب أهل النَّار‪:‬‬

‫(‪ )1‬يقظة أوس احعتبار اَّا ورد يف ذكر اجلنَّة والنَّار ‪ ،‬لصديق حسن ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ )2‬اليوم احخر يف اجلنَّة والنَّار ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪157‬‬
‫آل فِْر شع ْو شن أش شش ـ َّد‬
‫اعة أش ْد ِخلوا ش‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل ﴿النَّار يـ ْعشر ـو شن شعلشْيـ شها د ًّوا شو شع ـيًّا شويشـ ْوشم تشـقوم ال َّس ـ ش‬
‫الْع شذ ِ‬
‫اب ﴾ [غافر‪. ]46 :‬‬
‫ش‬
‫اَّللِ ِزْد شانهم شع شذااب فشـو شق الْع شذ ِ‬
‫اب ِمبشا شكانوا‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّدوا شع ْن ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ ً ْ ش‬ ‫ين شك شفروا شو ش‬
‫وقال تعاىل ﴿الذ ش‬
‫يـ ْف ِسدو ش‬
‫ن ﴾ [النحل‪. ]88 :‬‬

‫أخف الناس عذاابً‪ ،‬فقال فيت «إن أهون أهل‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم عن ِ‬ ‫وقد حدَّث الن ُّ‬
‫دمْي ِت شْرة ي لي منها ِد ما ت» [البخاري (‪6561‬‬ ‫شطش ِ‬
‫ص قش ش ش‬ ‫النَّار عذاابً يوم القيامة‪ ،‬لشرجل تو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع يف أ ْ‬
‫و‪ )6562‬ومسلم (‪.])213‬‬

‫ب ‪ -‬حشرهم على وجوهوم‪ ،‬ولفح النَّار هلم‪:‬‬


‫ومن إهانة هللا ألهل النَّار َّأ‪،‬م رون يف يوم القيامة عل وجوههم‪ ،‬ع ْمياً‪ ،‬وهللاماً وبكماً‪،‬‬
‫ضـ ـ ـلِ ْل فشـلش ْن شِد شد شي ْم أ ْشولِيشاءش ِم ْن دونِِت شوشْحن ـ ـ ـره ْم يشـ ْوشم‬
‫اَّلل فشـه شو الْم ْهتش ِد شوشم ْن ي ْ‬
‫﴿وشم ْن يشـ ْه ِد َّ‬
‫قال تعاىل ش‬
‫ت ِزْد شانهم عِريا ﴾[اإلسراء‪.]97 :‬‬ ‫ْما شوهللا ًّما شمأْ شواه ْم شج شهنَّم كلَّ شما شخبش ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ ش ً‬ ‫الْقيش شامة شعلش وجوهه ْم ع ْميًا شوبك ً‬
‫ت وجوهه ْم ِيف النَّا ِر شه ْل ْدشايْو شن إِحَّ‬ ‫ِ‬
‫﴿وشم ْن شجاءش ِابل َّس ـيِئشة فشكبَّ ْ‬
‫ويلقون يف النَّار عل وجوههم ش‬
‫ن ﴾ [النمل‪.]90 :‬‬
‫شما كْنـت ْم تشـ ْع شملو ش‬
‫إن النَّار تلف وجوههم‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاها أبداً‪ ،‬ح جيدون حائالً ول بينهم وبينها‪﴿ ،‬تشـ ْل شف‬ ‫مثَّ َّ‬
‫ن ﴾ [املؤمنون‪. ]104 :‬‬ ‫وجوههم النَّار وهم فِيها شك ِ‬
‫احلو ش‬ ‫ش ْ ش‬ ‫ش‬

‫الس ْحب‪:‬‬
‫ج ‪َّ -‬‬
‫ومن أنواي العـذاب األليم‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الكفـار يف النـَّار عل وجوههم‪ ،‬قـال هللا تعـاىل ﴿إِ َّن‬
‫ِ‬
‫س ش ـ ـ شقشر ﴾ القمر‬ ‫الْم ْ ِرِم ش ِيف ش ـ ـالشٍل شو ـ ـع ٍر *يشـ ْوشم ي ْسـ ـ شلبو شن ِيف النَّا ِر شعلش شوجوه ِه ْم ذوقوا شم َّ‬
‫مقيدون ابلقيود‪ ،‬واأل الل‪،‬‬ ‫‪ ،]48 - 47‬وياييد يف احمهم ‪ -‬حال ـ ـ ـ ـ ـ ــلبهم يف النَّار ‪َّ -‬أ‪،‬م َّ‬
‫وال َّس ـ ـ ـال ـ ـ ــل ﴿الَّ ِذين شك َّذبوا ِابلْ ِكتش ِ‬
‫اب شوِمبشا أ ْشر ش ـ ـ ـ ْلنشا بِِت ر ـ ـ ـلشنشا فش شس ـ ـ ـ ْو ش يشـ ْعلشمو شن *إِ ِذ األش ْ الشل ِيف‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [غافر‪.]72 - 70 :‬‬ ‫احلش ِمي ِم مثَّ ِيف النَّا ِر ي ْس ش رو ش‬ ‫*يف ْ‬ ‫السالش ِ ل ي ْس شلبو شن ِ‬‫أ ْشعنشاقِ ِه ْم شو َّ‬
‫د ‪ -‬تسويد الوجوه‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫كأجا حلَّت ظلمة الليل يف‬ ‫يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـود هللا يف الدَّار ا خرة وجوه أهل النار بس ـ ـ ـ ـ ـ ـو ٍاد شـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـديد‪َّ ،‬‬ ‫ش‬
‫ات شجشاياء ش يِئش ٍة مبِِثْلِ شها شوتشـ ْرشهقه ْم ِذلَّة شما شي ْم ِم شن َّ‬
‫اَّللِ ِم ْن‬ ‫السيِئ ِ‬
‫ين شك شسبوا َّ ش‬
‫وجوههم‪ ،‬قال تعاىل َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫هللاـ ـ شلاب النَّا ِر ه ْم فِ شيها شخالِدو شن﴾‬ ‫ك أش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت وجوهه ْم قطش ًعا ِم شن اللَّْي ِل مظْل ًما أولشئِ ش‬ ‫ِ‬
‫شعا ِهللاـ ـ ٍم شكأَّشجشا أ ْ ـ ـيش ْ‬
‫[يونس‪. ]27 :‬‬

‫هـ إحاطة النَّار َّ‬


‫ابلكفار‪:‬‬
‫صم‪ ،‬وكان اجلاياء من جنس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ـ ـ ـ َّـما كانت اخلطاَي والذنوب حتيا ابلكافر إحاطة السوار ابلْم ْع ش‬
‫ـَن النــار حتيا ابلكفــار من كـ ِـل جهـ ٍـة‪ ،‬كمــا قــال تعــاىل ﴿ شي ْم ِم ْن شج شهن شَّم ِم شه ـاد شوِم ْن‬ ‫العمــل‪ ،‬فـ َّ‬
‫ك شُْ ِايأ الظَّـالِ ِم ش ﴾ [األعراف‪ ،]41 :‬واَّهــاد مــا يكون من حتتهم‪ ،‬وال واش‬ ‫فشـوقِ ِهم شو ٍ ِ‬
‫اش شوشك ـ شذل ـ ش‬ ‫ْ ْ ش‬
‫أن النِريان حتيا هبم من فوقهم‪ ،‬ومن حتتهم‪،‬‬ ‫ع اش ــية‪ ،‬وهي الَّيت ت ــاهم من فوقهم‪ ،‬واَّراد َّ‬
‫ت أ ْشرجلِ ِه ْم شويشـقول ذوقوا شما كْنـت ْم تشـ ْع شملو شن﴾‬‫قال تعاىل ﴿يـوم يـ ْ ش اهم الْع شذاب ِمن فشـوقِ ِهم وِمن شْحت ِ‬
‫ْ ْ ْش ْ‬ ‫ش‬ ‫شْ ش ش‬
‫[العنكبوت‪. ]55 :‬‬

‫اَّلل بِِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وقال يف مو ـ ـ ـ ـ ـ ٍع آخر ﴿ شي ْم ِم ْن فشـ ْوق ِه ْم ظلشل ِم شن النَّا ِر شوِم ْن شْحتتِ ِه ْم ظلشل شذل ش‬
‫ك خيش ِو َّ‬
‫ون ﴾ [الزمر‪. ]16 :‬‬‫ِعباده َي ِعب ِاد فشاتـَّق ِ‬
‫شش ش ش‬
‫أن للنَّار ـ ـ ـوراً يا ابلكفَّار‪ ،‬فال يسـ ـ ــتطيع‬ ‫وقد هللا ـ ـ َّـر ابلحاطة يف مو ـ ـ ـ ٍع آخر‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ِ‬ ‫الكفار م ادرهتا‪ ،‬أو اخلروً منها‪ ،‬قال تعاىل ﴿وق ِل ْ ِ ِ‬
‫احلش ُّق م ْن شربك ْم فش شم ْن ششاءش فشـ ْليـ ْؤم ْن شوشم ْن ششاءش‬ ‫ش‬
‫ٍ‬
‫فشـ ْليشكْف ْر إِ َّان أ ْشعتش ْد شان لِلظَّالِ ِم ش شان ًرا أش شحا شط هبِِ ْم ـ ـ ـ ـشر ِادقـ شها شوإِ ْن يش ْس ـ ـ ـ ـتش ِيثوا يـ شاثوا ِمبشاء شكالْم ْه ِل يش ْ ـ ـ ـ ـ ِوأ‬
‫ت م ْرتشـ شف ًقا ﴾[الكوف‪ ،]29 :‬و ـ ـ ـرادق النَّار ـ ـ ــورها‪ ،‬وحائطها الَّذأ‬ ‫س ال َّ ـ ـ ـشراب شو ش ـ ـ ـاءش ْ‬ ‫الْوج ش ِ‬
‫وه بْئ ش‬
‫يا هبا(‪.)1‬‬
‫و ‪ِّ -‬‬
‫اطالع النَّار على األفئدة‪:‬‬
‫اَّللِ الْموقشـ شدة *الَِّيت‬
‫*انر َّ‬
‫احلطش شم ـة ش‬
‫*وشم ـا أ ْشد شر شاك شم ـا ْ‬ ‫قــال هللا تعــاىل ﴿ شكالَّ لشيـْنـب ـ شذ َّن ِيف ْ ِ‬
‫احلطش شم ـة ش‬ ‫ش‬
‫دةِ ﴾ [اهلمزة‪.]7 - 4 :‬‬ ‫تشطَّلِع شعلش األشفْئِ ش‬
‫ز ‪ -‬قيود أهل النَّار‪ ،‬وأغالهلم‪ ،‬وسالسلوم‪:‬‬
‫ين ش ـ ـ ـ ـ ـالش ِ ـ ـ ـ ـ شل شوأش ْ الشحً‬ ‫ِ ِ‬ ‫ش ِ‬
‫ومطارق ﴿إ َّان أ ْشعتش ْد شان ل ْل شكاف ِر ش‬ ‫َّ‬
‫أعد هللا ألهل النَّار ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ شـل وقيوداً‬

‫(‪ )1‬انظر اليوم احخر يف اجلنَّة والنَّار ‪ ،‬ص ‪.102‬‬


‫‪159‬‬
‫يما ﴾‬ ‫ِ‬ ‫و ـ ـعِريا﴾ [اإلنس ــان‪﴿ ،]4 :‬إِ َّن لش شديـنشا أشنْ شكاحً وج ِليما *وطشعاما ذشا َّ ٍ‬
‫[املزمل‪- 12 :‬‬
‫ص ـ ـة شو شع شذ ًااب أشل ً‬ ‫شش ً ش شً‬ ‫ْ‬ ‫شش ً‬
‫ين ا ْ ـتشك شْربوا بش ْل شمكْر اللَّْي ِل‬ ‫‪ ،]13‬وهذه األ الل تو ـع يف األعناق ﴿وقش شال الَّ ِذين ا ـت ْ ِ ِ ِ‬
‫ضـعفوا للَّذ ش‬ ‫ش ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫َّها ِر إِ ْذ شأتْمرونشـنشا أش ْن نشكْفشر ِاب ََّّلل شوشُْ شع شل لشت أشنْ شد ًادا شوأش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـُّروا الن شَّد شامةش لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شرأشوا الْ شع شذ ش‬
‫اب شو شج شع ْلنشا‬ ‫شوالنـ ش‬
‫ين شك شفروا شه ْل ْجيشايْو شن إِحَّ شما شكانوا يشـ ْع شملو شن ﴾ [ســ ـ ـ ــبأ‪﴿ ،]33 :‬إِ ِذ األش ْ الشل ِيف‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫األش ْ الش شل يف أ ْشعشناق الذ ش‬
‫أ ْشعنشاقِ ِه ْم شوال َّس ـ ـ ـ ـ ـالش ِ ـ ـ ـ ـ ـل ي ْس ـ ـ ـ ـ ـ شلبو شن ﴾ [غافر‪ ،]71 :‬واألنكال هي القيود‪ ،‬وقد ِمسيت أنكاحً ألنَّت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ﴾ [املزمل‪ ،]12 :‬وال َّس ـال ــل نوي آخر من ألوان‬ ‫يعذهبم‪ ،‬وينكل هبم هبا ﴿إ َّن لش شديْـنشا أشنْ شكاحً شو شجل ً‬
‫العذاب الَّيت يقيَّد هبا اارمون‪ ،‬كما يقيَّد اارمون يف الدُّنيا‪.‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـلُّوه *‬ ‫ص ـ ـ ـ ـورة الَّيت أخرب هبا الكتاب الكر ﴿خذوه فشـ لُّوه *مثَّ ْ ِ‬
‫اجلشل شيم ش‬ ‫وانظر إىل هذه ال ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫هللالُّوه * مثَّ ِيف ْلسلشة شذ ْرع شها ش ْبـعو شن ذ شر ً‬
‫اعا فشا ْ لكوه ﴾[احلاقة‪. ]32 - 30 :‬‬
‫ش‬
‫ح ‪ -‬قَـ ْر ُن معبوداهتم وشياطينوم يف النَّار‪:‬‬
‫ص ـ ـ شج شهن شَّم أشنْـت ْم شيشا شوا ِردو شن *لش ْو شكا شن شهؤحشِء‬ ‫ون َِّ‬
‫اَّلل شح ش‬
‫قال تعاىل ﴿إِنَّكم وما تشـعبدو شن ِمن د ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ شش ْ‬
‫ن ﴾ [األنبياء‪.]99 - 98 :‬‬ ‫وها شوكل فِ شيها شخالِدو ش‬ ‫ِ‬
‫آيشةً شما شوشرد ش‬
‫*وإِ َّ‪ْ ،‬م لشيشصد ش‬ ‫وقال تعاىل ﴿ومن يـعش عن ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫ُّو‪ْ ،‬م‬ ‫ض لشت ششْيطشاانً فشـه شو لشت قش ِرين ش‬ ‫الر ْحشان نـ شقيِ ْ‬ ‫شش ْ شْ ش ْ‬
‫س‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ت بشـْي ِ شوبشـْيـنش ش‬
‫ك بـ ْع شد الْ شم ْ رقش ْ فشبْئ ش‬ ‫*ح َّض إِ شذا شجاءش شان قش شال شَيلشْي ش‬
‫السبِ ِيل شوشْ شسبو شن أ َّش‪ْ ،‬م م ْهتشدو شن ش‬
‫شع ِن َّ‬
‫اب م ْ شِكو شن ﴾ [الزخرف‪. ]39 - 36 :‬‬ ‫الْ شق ِرين *ولشن يـْنـ شفعكم الْيـوم إِ ْذ ظشلشمتم أشنَّكم ِيف الْع شذ ِ‬
‫ْْ ْ ش‬ ‫ش ْ ش ش شْش‬
‫خ ‪ -‬حسرهتم‪ ،‬وندموم‪ ،‬ودعاؤهم‪:‬‬
‫ت بِِت شوأش ش ُّروا النَّ شد شامةش لـ ـ ـ ـ ـ َّـما شرأشوا‬
‫ض حشفْـتش شد ْ‬ ‫ت شما ِيف األ ْشر ِ‬ ‫شن لِك ِل نشـ ْف ٍ‬
‫س ظشلش شم ْ‬ ‫﴿ولش ْو أ َّ‬
‫قال تعاىل ش‬
‫ن ﴾ [يونس‪. ]54 :‬‬ ‫ض شي بشـْيـنشـه ْم ِابلْ ِق ْس ِا شوه ْم حش يظْلشمو ش‬
‫الْع شذاب وق ِ‬
‫ش ش ش‬
‫يؤهلت للهلود يف النَّار‬ ‫وعندما يطلع الكافر عل هللاليفة أعمالت‪ ،‬فري كفره‪ ،‬وشركت الَّذأ ِ‬
‫﴿وأ َّشما شم ْن أ ِولش كِتشابشت شوشراءش ظش ْه ِرهِ *فش شس ْو ش يش ْدعو ثـب ًورا‬
‫فَنَّت يدعو عل نفست ابلـ ـ ـ ـ ـثُّـ ـ ـ ــبور‪ ،‬وايالك ش‬
‫ويتكرر دعايهم ابلويل‪ ،‬وايالك عندما يل شق ْون يف النار‪،‬‬ ‫ص ـ ـ ـلش ش ـ ـ ـعِ ًريا ﴾ [اإلنش ـ ــقاق‪َّ ،]12 - 10 :‬‬ ‫*ويش ْ‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫اان ش ـ ـ ـيِ ًقا م شقَّرنِ ش شد شع ْوا هنشال ش‬
‫ك ثـب ًورا * حش تش ْدعوا الْيشـ ْوشم ثـب ًورا‬ ‫﴿وإِذشا ألْقوا ِمْنـ شها شم شك ً‬
‫حرها ش‬ ‫ص ـ ـ ـلش ْو شن َّ‬
‫ويش ْ‬
‫كثِريا ﴾ [الفرقان‪.]14 - 13 :‬‬ ‫ِ‬
‫شواح ًدا شو ْادعوا ثـب ًورا ش ً‬

‫‪160‬‬
‫﴿وه ْم‬
‫ـتد عويلهم‪ ،‬ويدعون رَّهبم امل أن خيرجهم من النَّار ش‬ ‫وهناك يعلو هللاـ ـ ـ ـ ـراخهم‪ ،‬وي ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫احلًا ش ْ شري الَّ ِذأ كنَّا نشـ ْع شمل أ ششوشْ نـ شع ِم ْرك ْم شما يشـتش شذ َّكر فِ ِيت شم ْن‬
‫يص ـ ـ ـ ـ ـطش ِرخو شن فِيها ربـَّنا أخرجنا نشـعمل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ش ْش ْ ش‬ ‫ش شش‬ ‫شْ‬
‫ص ٍري ﴾[فاطر‪. ]37 :‬‬ ‫َّذير فشذوقوا فشما لِلظَّالِ ِم ِمن نش ِ‬ ‫تش شذ َّكر وجاءكم الن ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ش‬ ‫ش شش ش‬
‫﴿وقشالوا لش ْو كنَّا نش ْس شمع أ ْشو نشـ ْع ِقل‬
‫و يع فون يف ذلك الوقت بضاليم‪ ،‬وكفرهم‪ ،‬وقلَّة عقويم ش‬
‫يستلق أن‬ ‫ُّ‬ ‫السعِ ِري ﴾ [امللك‪ ،]10 :‬ولكن طلبهم يرفض ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّة‪ ،‬وجيابون مبا‬ ‫اب َّ‬ ‫شهللال ِ‬
‫شما كنَّا ِيف أ ْ ش‬
‫*ربـَّنشا أخرجنشا ِمْنـ شها فشَِ ْن ع ْد شان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت شعلشْيـنشا ش ْق شوتـنشا شوكنَّا قشـ ْوًما ش آل ش ش‬ ‫داب بت األنعام ﴿قشالوا شربـَّنشا شلشبش ْ‬
‫ون ﴾ [املؤمنون‪106 :‬ـ ‪.]108‬‬ ‫فشَِ َّان ظشالِمو شن *قش شال اخسأوا فِيها وحش ت شكلِم ِ‬
‫ْش ش ش‬
‫حق عليهم القول‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــاروا إىل اَّص ـ ـ ـ ــري الَّذأ ح ينفع معت دعاء‪ ،‬وح يقبل فيت رجاء‬ ‫لقد َّ‬
‫﴿ولشو تشـر إِ ِذ الْم ِرمو شن شانكِس ـوا ريو ِ ـ ِهم ِعْن شد رهبِِم ربـَّنا أشبص ـرشان و شِمسعنا فشارِجعنا نشـعمل هللا ـ ِ‬
‫احلًا إِ َّان‬ ‫ش ْ ش ش ْ ش ْ ش ْش ْ ْش ْ ش ْ ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫شْ ش‬
‫اجلِن َِّة‬
‫شِ َّن شج شهن شَّم ِم شن ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫*ولش ْو ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْئـشنا شتشـْيـشنا ك َّل نشـ ْف ٍ‬ ‫ِ‬
‫س ه شد شاها شولشك ْن شح َّق الْ شق ْول م ِ أل شِ ْم ش‬ ‫موقنو شن ش‬
‫اخل ْل ِد ِمبشا كْنـت ْم‬
‫اب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫والن ِ ِ‬
‫َّاس أش ْ شع ش *فشذوقوا مبشا نشس ـ ـ ـ ـ ـ ـيت ْم ل شقاءش يشـ ْومك ْم شه شذا إِ َّان نشس ـ ـ ـ ـ ـ ـينشاك ْم شوذوقوا شع شذ ش‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [السجدة‪.]14 - 12 :‬‬ ‫تشـ ْع شملو ش‬
‫ويتوجت أهل النَّار بعد ذلك النِداء إىل خاينة النَّار‪ ،‬يطلبون منهم أن ي ــفعوا يم كي خيفف‬ ‫َّ‬
‫ف شعنَّا يشـ ْوًما ِم شن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ِيف النَّا ِر خلششاينشِة شج شهن شَّم ْادعوا شربَّك ْم خيشف ْ‬‫﴿وقش شال الذ ش‬ ‫هللا عنهم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً اَّا يعانونت ش‬
‫ين إِحَّ ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْ شع شذاب *قشالوا أ ششوشْ تشك شأتْتيك ْم ر ـ ـ ـلك ْم ابلْبشـينشات قشالوا بشـلش قشالوا فش ْادعوا شوشما د شعاء الْ شكاف ِر ش‬
‫ش الش ٍل ﴾ [غافر‪. ]50 - 49 :‬‬

‫وعن ــد ذل ــك ين ــادون م ــالكـ ـاً‪ ،‬ط ــالب من ــت أن يقبض هللا أرواحهم‪ ،‬فري هم من الع ــذاب‬
‫ك قش شال إِنَّك ْم شماكِثو شن *لششق ْد ِجْئـشناك ْم ِاب ْحلشِق شولش ِك َّن أش ْكثشـشرك ْم لِْل شل ِق‬ ‫ض شعلشْيـشنا شربُّ ش‬ ‫﴿و شان شد ْوا شَي شمالِك لِيشـ ْق ِ‬
‫ش‬
‫ن ﴾ [الزخرف‪. ]78 - 77 :‬‬ ‫شكا ِرهو ش‬
‫لقد خس ـ ــر هؤحء الظَّاَّون أنفس ـ ــهم‪ ،‬وأهليهم عندما ا ـ ــتلبُّوا الكفر عل الميان‪ .‬قال هللا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلا ِ ـ ـ ـ ِر َّ ِ‬
‫اخل ْس ـ ـ ـشران‬
‫ك ه شو ْ‬ ‫ين شخ ِس ـ ـ ـروا أشنْـف شس ـ ـ ـه ْم شوأ ْشهلي ِه ْم يشـ ْوشم الْقيش شام ِة أشحش ذشل ش‬
‫ين الذ ش‬ ‫ش‬ ‫تعاىل ﴿ق ْل إِ َّن ْش‬
‫الْمبِ ﴾[الزمر‪. ]15 :‬‬
‫أن العذاب يف‬ ‫للصلابة َّ‬ ‫يريب اَّسلم عل اخلو من عقاب هللا‪ ،‬ويبِ َّ‬ ‫اَّكي ِ‬
‫كان القرآن ُّ‬
‫صـ ـ ـلابة‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم لل َّ‬ ‫ا خرة ح ِسـ ـ ـي ومعنوأ‪ ،‬ويف خطاب القرآن‪ ،‬وتو ـ ــي الن ِ‬
‫ص ـلايب يســتلضــر‬ ‫لايب يســت ي ألوامر هللا وجيتن نواهيت‪ ،‬فكان ال َّ‬ ‫ص ـ َّ‬ ‫حقيقةش النَّار ما جيعل ال َّ‬
‫‪161‬‬
‫ات ح حمالة‪ ،‬وأنَّت ــو يس ـأل يف‬ ‫ـتعد للموت الَّذأ هو ٍ‬
‫يف مليِلتت هللا ــورة اجلنان‪ ،‬والنِريان‪ ،‬ويس ـ ُّ‬
‫فالصلايب ح‬‫أن القرب َّإما رو ة من رَيض اجلنَّة‪ ،‬أو حفرة من حفر النِريان‪َّ ،‬‬ ‫شو ْح شدتت ح حمالة‪ ،‬و َّ‬
‫وجل ‪ -‬ومراقبتت يف ال ِس ـ ـ ِر‬
‫عاي َّ‬ ‫كل هذا َّ‬
‫فَن قلبت يس ـ ــت ـ ــعر خو هللا ‪َّ -‬‬ ‫يس ـ ــتلض ـ ــر يف نفس ـ ــت َّ‬
‫ٍ‬
‫وجهاد‪ ،‬وال َّس ـ ـعي لقامة دو ٍلة حتكم ب ـ ــري‬ ‫والعلن بل يندفع بكلِيتت إىل العمل ال َّ‬
‫ص ـ ـاأ من دعوةٍ‬
‫وجل ‪ -‬وهللا ـ ــناعة حض ـ ــارةٍ تنقذ الب ـ ـرية من ـ ــياعها‪ ،‬واحنرافها عن ش ـ ــري هللا تعاىل‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫هللا ‪َّ -‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ِديق ‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـ ـ ـهداء‪،‬‬ ‫ويدعو هللا يف خلواتت‪ ،‬ويف ـ ـ ـ ـ ِـره‪ ،‬وجهره أن يكرمت هللا برفقة النَّبي وال ِ‬
‫الصاحل ‪ ،‬وحسن أولئك رفيقاً‪.‬‬ ‫و َّ‬
‫َّصور والفهم العميق حلقيق ـ ـ ـ ـ ــة ا خرة وحقيق ـ ـ ـ ـ ــة اجلنَّة والنَّار‪ ،‬لت أثره عل العامل‬ ‫َّ‬
‫إن هذا الت ُّ‬
‫ِ‬
‫العقدأ‬ ‫وعايهتا‪ ،‬وكرامتها‪ ،‬وهو أهللا ـ ـ ــل عظيم يف بناء التَّص ـ ـ ـ ُّـور‬
‫األمة‪ ،‬وا ـ ـ ــتعادة جمدها‪َّ ،‬‬
‫لنهض ـ ـ ــة َّ‬
‫األمة‪ ،‬ـ ـ ــار عل ‪ ،‬ت احلبي اَّص ـ ـ ــطف هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ولذلك َّ‬
‫حبد لنا من‬ ‫ألفراد َّ‬
‫السري عل الطَّريق نفست‪.‬‬
‫َّ‬
‫الصحابة رضي هللا عنوم‪:‬‬
‫سادساً‪ :‬مفووم القضاء والقدر‪ ،‬وأثره يف تربية َّ‬

‫اَّكيَّة بقضـ ــية القضـ ــاء والقدر‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿إِ َّان ك َّل شش ـ ـ ْي ٍء‬ ‫اهتم القرآن الكر يف الف ة ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫خلش ْقنشاه بِشق شد ٍر﴾ [القمر‪ ، ]49 :‬وقال تعاىل ﴿الَّ ِذأ لشت م ْلك ال َّسـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫ات شواأل ْشر ِ‬
‫ض شوشْ يشـتَّه ْذ شولش ًدا شوشْ‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫َّره تشـ ْق ِد ًيرا ﴾ [الفرقان‪ ،]2 :‬وكان هللال هللا عليت و لم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يشك ْن لشت شش ِريك ِيف الْم ْلك شو شخلش شق ك َّل شش ْيء فشـ شقد ش‬
‫صـ ـلابة مفهوم القض ــاء والقدر‪ ،‬ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبشِ يم مراتبت من خالل القرآن الكر ‪،‬‬ ‫ي رس يف نفوس ال َّ‬
‫وهي‬

‫﴿وشما تشكون ِيف شش ـأْ ٍن شوشما تشـْتـلو ِمْنت ِم ْن قرآن شوحش‬ ‫ٍ‬ ‫املرتبة األوىل علم هللا اَّيا ِ‬
‫بكل ش ــيء ش‬
‫ك ِم ْن ِمثْـ شق ِال شذ َّرةٍ ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودا إِ ْذ تفيض ـ ـو شن ف ِيت شوشما يشـ ْعايب شع ْن شربِ ش‬ ‫ِ‬
‫تشـ ْع شملو شن م ْن شع شم ٍل إِحَّ كنَّا شعلشْيك ْم ش ـ ـه ً‬
‫اب مبِ ٍ ﴾ [يونس‪. ]61 :‬‬ ‫ك وحش أش ْك شرب إِحَّ ِيف كِتش ٍ‬ ‫السم ِاء وحش أش ِ ِ‬
‫ش‬ ‫هللا ششر م ْن ذشل ش ش‬ ‫ض شوحش ِيف َّ ش ش ْ‬ ‫األ ْشر ِ‬
‫شيء كائن ﴿إِ َّان شْحنن ْحنيِي الْ شم ْوتش شونشكْت شما قشدَّموا شوآاثره ْم شوك َّل‬ ‫كل ٍ‬ ‫املرتبة الثَّانية كتابة ِ‬
‫ام مبِ ٍ ﴾[يس‪. ]12 :‬‬ ‫شحصْيـنشاه ِيف إِم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ش‬ ‫شش ْيء أ ْ ش‬
‫ف‬ ‫ض فشـيشـْنظروا شكْي ش‬ ‫َّامة ﴿أ ششوشْ يش ِسريوا ِيف األ ْشر ِ‬ ‫املرتبة الثالثة م يئة هللا النَّاف ـ ـ ـ ـ ــذة‪ ،‬وقدرت ـ ـ ـ ـ ــت الت َّ‬
‫اَّلل لِيـع ِ ايه ِمن شش ـي ٍء ِيف ال َّسـ ـماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫شكا شن شعاقِبشة الَّ ِذ ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫شش‬ ‫ين م ْن قشـْبله ْم شوشكانوا أش ششـ ـ َّد مْنـه ْم قـ َّوًة شوشما شكا شن َّ ْ ش ْ ْ‬ ‫ش‬
‫‪162‬‬
‫[فاطر‪. ]44 :‬‬ ‫يما قش ِد ًيرا ﴾‬‫ِ‬ ‫وحش ِيف األ ْشر ِ ِ‬
‫ض إنَّت شكا شن شعل ً‬ ‫ش‬
‫اَّلل شربُّك ْم حش إِلشتش إِحَّ ه شو شخالِق ك ِل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ٍء‬ ‫لكل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء ﴿ شذلِكم َّ‬ ‫املرتبة الرابعة شخ ْلق هللا ِ‬
‫شي ٍء وكِيل ﴾ [األنعام‪. ]102 :‬‬
‫اعبدوه شوه شو شعلش ك ِل ش ْ ش‬
‫فش ْ‬
‫الصلابة حلقيقة القضاء والقدر شار انفعة‬ ‫الرا يف قلوب َّ‬ ‫الصلي واحعتقاد َّ‬ ‫كان للفهم َّ‬
‫ومفيدة‪ ،‬عادت عليهم ريات الدُّنيا وا خرة فمن تلك الثمرات‬
‫األمة ابلميان بت‪.‬‬ ‫وجل فالقدر اَّا تشـ شعبَّ شـد هللا ‪ -‬بلانـت وتعاىل ‪َّ -‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫‪ - 1‬أداء عبـادة هللا َّ‬
‫اَّعاي‪،‬‬
‫أن النَّافع والضَّار‪ ،‬و َّ‬‫ألن اَّؤمن يعتقد َّ‬ ‫‪ 2‬ـ ـ ـ ـ ـ الميان ابلقدر طريق اخلالص من ال ِ ْرك َّ‬
‫اَّذل‪ ،‬والرافع‪ ،‬واخلافض‪ ،‬هو هللا وحده بلانت وتعاىل‪.‬‬ ‫و َّ‬
‫أن احجال بيد هللا تعاىل‪،‬‬ ‫‪ - 3‬ال َّ اعة والقدام فَميا‪،‬م ابلقضاء والقدر جعلهم يوقنون َّ‬
‫نفس كتاابً‪.‬‬‫أن لكل ٍ‬ ‫و َّ‬
‫الصرب واححتساب‪ ،‬ومواجهة ِ‬
‫الصعاب‪.‬‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫‪ - 5‬ـ ـ ـ ـ ــكون القل ‪ ،‬وط شمأْنِينشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة النَّفس‪ ،‬وراحة البال فهذه األمور من شرات الميان‬
‫فكل شم ْن عل وجت البســيطة يبت يها‪ ،‬ويبلث عنها‪ ،‬فقد‬ ‫ابلقضــاء والقدر‪ ،‬وهي هد من ــود‪ُّ ،‬‬
‫ابل‪ ،‬وح يدور حول‬ ‫ص ـ ـ ـلابة من ـ ـ ــكون القل ‪ ،‬وطمأْنِينشة النَّفس ما ح خيطر عل ٍ‬ ‫كان عن ال َّ‬
‫الق ْد اَّ شعلَّ (النَّصي الوافر) والنَّصي األو ‪.‬‬ ‫ما ي بهت خيال‪ ،‬فلهم يف ذلك ال َّأن ِ‬
‫أن رزقت بيد هللا‪،‬‬ ‫َّلرر من ِرِق اَّهلوق فاَّؤمن ابلقدر يعلم َّ‬ ‫عاية النَّفس والقناعة والت ُّ‬ ‫‪َّ - 6‬‬
‫أن العباد مهما حاولوا‬ ‫حض يس ـ ـ ـ ــتويف رزقت‪ ،‬و َّ‬‫أن هللا كافيت وحس ـ ـ ـ ــبت ورازقت‪ ،‬وأنَّت لن ميوت َّ‬ ‫ويدرك َّ‬
‫يء قد كتبت هللا‪ ،‬فينبعث بذلك إىل القناعة‪،‬‬ ‫الرزق لت‪ ،‬أو منعت عنت فلن يستطيعوا إح ب ٍ‬ ‫إيصال ِ‬
‫َّلرر من ِرِق اَّهلوق ‪ ،‬وقطع‬ ‫وعاية النَّفس‪ ،‬وال ال يف الطَّل ‪ ،‬وترك التكال عل الدُّنيا‪ ،‬والت ُّ‬ ‫َّ‬
‫التوجت ابلقل إىل ِ‬
‫رب العاَّ ‪.‬‬ ‫الطَّمع اَّا يف أيديهم‪ ،‬و ُّ‬
‫إن شرات الميان ابلقضاء والقدر كثرية‪ ،‬وهذه من ابب الشارة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الر ـول هللاــل هللا عليت و ــلم ألهللاــلابت عل تعليمهم أركان الميان ال ِس ـتَّة‬ ‫و تقتصــر تربية َّ‬
‫ـل عندهم كثرياً من اَّفاهيم والتَّص ـ ُّـورات‪ ،‬واحعتقادات عن النس ــان‪ ،‬واحلياة‪،‬‬ ‫اَّتقدمة بل هللا ـ َّ‬ ‫ِ‬
‫والكون‪ ،‬والعالقة بينهما ليسري اَّسلم عل نوٍر من هللا‪ ،‬ويدرك هد وجوده يف احلياة‪ ،‬و ِقق‬

‫‪163‬‬
‫ويتلرر من الوهم واخلرافات(‪.)1‬‬
‫ما أراد هللا منت اية التَّلقيق‪َّ ،‬‬

‫الصحابة حلقيقة اإلنسان‪:‬‬


‫سابعاً‪ :‬معرفة َّ‬

‫عرفت بربِت‪ ،‬وابليوم ا خر‪ ،‬وأجاب عل‬ ‫عر النس ـ ـ ـ ــان بنفس ـ ـ ـ ــت‪ ،‬بعد أن َّ‬ ‫َّ‬
‫إن القرآن الكر َّ‬
‫كل إنسـ ــان ش ـ ـ ِو ٍأ‪،‬‬
‫تسـ ــايحت الفطرة من أين؟ وإىل أين؟ وهي تسـ ــايحت تفرض نفسـ ــها عل ِ‬
‫وتل ُّ يف طل اجلواب(‪.)2‬‬
‫للصلابة الكرام حقيقة ن أة النسانيَّة‪ ،‬وأهللاويم الَّيت يرجعون إليها‪ ،‬وما‬ ‫وب َّ القرآن الكر َّ‬
‫هو اَّطلوب منهم يف هذه احلياة؟ وما هو مصريهم بعد اَّوت؟‬
‫ِ‬
‫النساين‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومنه ت القرآين عل األهللال‬ ‫الصلابة بوا طة الن ِ‬
‫َّ‬ ‫تعر‬
‫َّ‬
‫الط ‪ -‬وبس ـ ـ ـ ـ ـ ــاللتت الَّيت هي اَّاء اَّه ‪ ،‬أو النطفة‪ ،‬كما َّ‬
‫عرفت‬ ‫الَّذأ هو اَّاء وال ُّ اب ‪ -‬أأ ِ‬
‫مبكانتت‪ ،‬وكرامتت عند ربِت حيث أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د لت اَّالئكة‪ ،‬وأعل كرامتشت‪ ،‬وتفض ـ ـ ـ ـ ـ ــيلشت عل كث ٍري من‬
‫اخللق ليقف النســان و ــطاً ب هذين احلدَّين األدَّن‪ ،‬واألعل ‪ ،‬فبمكانتت وكرامتت ير نفســت‬
‫عايياياً‪ ،‬وأبهللا ــلت و ــاللتت يتوا ــع م شع ِظ شماً شـ ــأ شن من أن ـ ــأه من ذلك األهللا ــل‪ ،‬وأوهللاـ ــلت إىل تلك‬
‫عايه وكرامتت من التذلُّل ل ري‬ ‫اَّكانة العالية‪ ،‬فين و بذلك من الع ْ ِ والكرب‪ ،‬وال رور‪ ،‬كما مينعت ُّ‬
‫إن عدداً‬ ‫هللا تعاىل‪ ،‬والنســان لو تركت اللت دون هد ً لعاَّن الكثري من ــوء الفهم للنَّفس‪ ،‬بل َّ‬
‫من النَّاس قد يعانون ذلك لس ـ ــب ٍ ما كالفراط يف الثِقة بنظرهتم اخلا َّ‬
‫هللا ـ ـة إىل أنفس ـ ــهم الَّيت قد‬
‫وإما إىل ايوان والت ِ‬
‫َّدين(‪.)3‬‬ ‫تؤدأ إىل ال رور‪ ،‬والتَّعاس‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫إن نظرة النسان إىل نفست من أقو اَّؤثِرات يف تربيتت‪ ،‬وما زال النسان منذ أن وجد عل‬ ‫َّ‬
‫وجت األرض مأخوذاً بسـ ــوء الفهم لنفسـ ــت‪ ،‬مييل إىل جان الفراط حيناً فري أنَّت أكرب‪ ،‬وأعظم‬
‫كائ ٍن يف العا ‪ ،‬فينادأ بذلك وقد امت أاننيةً‪ ،‬و طر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬وكربَيء كما اند قوم عاد ﴿فشأ َّشما‬
‫اَّللش الَّ ِذأ شخلش شقه ْم ه شو‬ ‫شن َّ‬ ‫احلشِق شوقشالوا شم ْن أش شش ـ ـ ـ ـ ُّد ِمنَّا قـ َّوًة أ ششوشْ يشـشرْوا أ َّ‬
‫ض بِ ش ِْري ْ‬
‫شعاد فشا ْ ـ ـ ـ ـتشك شْربوا ِيف األ ْشر ِ‬
‫شش ُّد ِمْنـه ْم قـ َّوةً شوشكانوا ِرَيتنشا شْجي شلدو شن ﴾ [فصلت‪ ]15 :‬وكما اند فرعون ﴿فشـ شق شال أ ششان شربُّكم األ ْشعلش‬ ‫أش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫أليَّة اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ال المية ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫َّمد قط (‪.)54/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر منهت ال َّ بية ال الميَّة ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )3‬أ الي الت ويق يف القران ‪ ،‬د‪ .‬احلس جلو ‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪164‬‬
‫ويتلول إىل‬
‫أحد‪َّ ،‬‬‫﴾ [النازعات‪ ،]24 :‬ويرأب بنفس ــت ‪ -‬أأ النس ــان ‪ -‬أن يعتقد أنَّت مس ــؤول أمام ٍ‬
‫ٍ‬
‫معاكس هو التَّفريا فيظن أنَّت أدَّن‪ ،‬أو أرذل كائ ٍن يف العا ‪،‬‬ ‫متألٍِت‪ ،‬ومييل حيناً آخر إىل جان ٍ‬
‫جبل‪ ،‬أو أمام حيوان حبيث ح ير ال َّسـالمة‬ ‫فشـيطشأْ ِط ء رأ ـت أمام شـ ٍر‪ ،‬أو ح ٍر‪ ،‬أو ‪ٍ ،‬ر‪ ،‬أو ٍ‬
‫إح أن يس د لل َّمس أو للقمر(‪.)1‬‬
‫أن «حقيقة النسان ترجع إىل أهللال األهللال البعيد‪ ،‬وهو‬ ‫وقد ب َّ القرآن الكر بو و ٍ َّ‬
‫ـتمر‪ ،‬وهو خلقت من‬ ‫الرو ‪ ،‬واألهللاـ ــل القري اَّسـ ـ ُّ‬ ‫اخللقة األوىل من ط ٍ ‪ ،‬ح ـ ـ َّـواه‪ ،‬ونف فيت ُّ‬
‫شح شس ـ ـ ـ ـ ـ شن ك َّل شش ـ ـ ـ ـ ـ ْي ٍء شخلش شقت شوبش شدأش شخ ْل شق‬ ‫ِ‬
‫نطفة» ‪ ،‬وقال هللا تعاىل يف ذلك عن نفسـ ـ ـ ـ ــت ﴿الَّذأ أ ْ‬
‫ٍ (‪)2‬‬

‫ان ِم ْن ِط ٍ *مثَّ شج شع شل نش ْسـلشت ِم ْن ـالشلشٍة ِم ْن شم ٍاء شم ِه ٍ *مثَّ ش ـ َّواه شونشـ شف ش فِ ِيت ِم ْن رو ِح ِت شو شج شع شل‬ ‫ا ِلنْسـ ِ‬
‫ش‬
‫ص شار شواألشفْئ شدةش قشليالً شما تش ْ كرو شن﴾ [السجدة‪ ،]9 - 7 :‬وا َيت يف هذا اَّعىن كثرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْم شع شواألشبْ ش‬
‫لشكم َّ‬
‫وحتدَّث القرآن الكر عن تكر هللا تعاىل لإلنس ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬وكان لذلك احلديث أثره يف نفوس‪،‬‬
‫األول فقد بشـ َّ يم القرآن الكر هللاوراً عديد ًة لتكر النسان منها‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫وعقول‪ ،‬وقلوب َّ‬
‫اختص هللا اإلنسان خ ن خلقه بيديه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪-1‬‬
‫وحي‬ ‫ك لِْلم شالئِ شك ِة إِِين خالِق ب ش ـ ـ ـ ـ ـرا ِمن ِط ٍ * فشَِذشا ـ ـ ـ ـ ـ َّويـتت ونـش شفهت فِ ِيت ِمن ُّر ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْ ش ْ‬ ‫ش ش ً‬ ‫﴿إ ْذ قش شال شربُّ ش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ِِ‬
‫ين *قش شال‬ ‫ْرب شوشكا شن م شن الْ شكاف ِر ش‬ ‫يس ا ْ ـتشك شش‬ ‫ين فش شسـ ش شد الْ شمالشئ شكة كله ْم أش ْ شعو شن *إح إبْل ش‬ ‫فشـ شقعوا لشت ش ـاجد ش‬
‫ت ِمن الْعالِ ش ﴾ [ص‪]75 - 71 :‬‬ ‫ك أش ْن تش ْسـ ـ شد لِ شما شخلش ْقت بِيش شد َّ‬ ‫ِ‬
‫شَيإِبْليس شما شمنشـ شع ش‬
‫ت أ ْشم كْن ش ش ش‬ ‫أ أش ْ ـ ـتشك شْ‬
‫ْرب ش‬
‫كرمت بذلك اح ــتقبال‬ ‫أن يا منايلةً ــاميةً‪ ،‬و َّ‬ ‫الرو الَّيت حلَّت يف النســان‪ ،‬و َّ‬ ‫علو مكانة ُّ‬ ‫فب َّ يم َّ‬
‫الفهم الذأ ا ــتقبلت بت الوجود‪ ،‬وبذلك اَّوك الَّذأ تس ـ د فيت اَّالئكة‪ ،‬ويعلن فيت اخلالق ‪-‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ َّوْرشانك ْم مثَّ قـ ْلنشا‬
‫﴿ولششق ْد شخلش ْقنشاك ْم مثَّ ش‬
‫قائل ش‬ ‫عاي ِم ْن ٍ‬ ‫جل ش ـ ـ ـ ــأنت ‪ -‬تكر هذا النس ـ ـ ـ ــان بقولت َّ‬ ‫َّ‬
‫دين ﴾ [األعراف‪.]11 :‬‬ ‫لِْلمالشئِ شك ِة ا دوا دم فشس دوا إِحَّ إِبلِيس ش يكن ِمن َّ ِ ِ‬
‫الساج ش‬ ‫ْ ش ْش ْ ش‬ ‫شش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫صورة احلسنة‪ ،‬والقامة املعتدلة‪:‬‬
‫‪ - 2‬ال ي‬
‫ات واألشرض ِاب ْحل ِق وهللا ـ َّوركم فشأشحس ـن هللا ـوركم وإِلشي ِت الْم ِ‬
‫ص ـري﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿خلش شق ال َّس ـ شم شاو ش ْ ش ش ش ش ش ْ ْ ش ش ش ش ْ ش ْ ش‬ ‫قال هللا تعاىل ش‬
‫عاي وجل ‪-‬‬ ‫[الت ابن‪ .]3 :‬وقال ﴿لششق ْد شخلش ْقنشا ا ِلنْ شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا شن ِيف أ ْ‬
‫شح شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِن تشـ ْق ِو ٍ ﴾ [التني‪ ،]4 :‬وقال ‪َّ -‬‬
‫ِ‬
‫ك ﴾ [اإلنفطار‪. ]7 :‬‬ ‫﴿الَّذأ شخلش شق ش‬
‫ك فش شس َّو شاك فشـ شع شدلش ش‬

‫(‪ )1‬انظر أهللاول ال َّ بية للنَّلالوأ ‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫(‪ )2‬انظر أ الي التَّ ويق والتَّعايير ‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪165‬‬
‫‪ - 3‬ومنحه العقل‪ ،‬والنطق‪ ،‬والتمييز‪:‬‬
‫[الرمحن‪.]4 - 1 :‬‬ ‫*خلش شق ا ِلنْ شسا شن ش‬
‫*علَّ شمت الْبشـيشا شن ﴾‬ ‫*علَّ شم الْقرآن ش‬
‫﴿الر ْحشان ش‬
‫قال هللا تعاىل َّ‬
‫السماء واألرض‪:‬‬
‫‪ - 4‬وسخَّر هللا تعاىل لإلنسان مايف َّ‬
‫تعد وح حتص لقولت تعاىل‬ ‫بعد أن خلق هللا تعاىل النسان‪ ،‬أكرمت ابلنِعم العظيمة اليت ح ُّ‬
‫وها إِ َّن ا ِلنْ شسا شن لشظشلوم ش‬
‫كفَّار ﴾ [إبراهيم‪:‬‬ ‫آاتكم ِمن ك ِل ما أشلْتموه وإِ ْن تشـع ُّدوا نِعمةش َِّ‬
‫اَّلل حش ْحت ص ش‬ ‫ْش‬ ‫ش‬ ‫﴿و ش ْ ْ ش ش‬ ‫ش‬
‫‪.]34‬‬

‫ملكوت ال َّس ـموات مبا ت ــتمل عليت‬


‫ش‬ ‫عاي وجل ‪ -‬لإلنســان ‪ -‬تكرمياً لت ‪-‬‬
‫ـهر هللا ‪َّ -‬‬
‫لقد ـ َّ‬
‫وطوس‪ ،‬وأقمار‪ ،‬وجعل يف نظامها البديع ما ينفع النسان من تعاق اللَّيل والنَّهار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫ُوم‪،‬‬
‫واختال ٍ يف الفصول ودرجات احلرارة وحنو ذلك‪.‬‬
‫س شوالْ شق شمشر شوالنُّ وم م شس َّهشرات ِأب ْشم ِرهِ إِ َّن ِيف‬ ‫َّم ش‬
‫َّه شار شوال ْ‬‫﴿و ش َّهشر لشكم اللَّْي شل شوالنـ ش‬
‫قال هللا تعاىل ش‬
‫ات شوشما ِيف‬ ‫ك َيت لِشقوٍم يـع ِقلو شن ﴾ [النحل‪ ]12 :‬وقال تعاىل ﴿و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّهر لشكم ما ِيف ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬ ‫ِ‬
‫شش‬ ‫شش ش ْ ش‬ ‫ْ شْ‬ ‫شذل ش‬
‫ن ﴾ [اجلاثية‪. ]13 :‬‬ ‫ك َيت لِشق ْوٍم يشـتشـ شف َّكرو ش‬ ‫ِ‬
‫ض شِ ًيعا ِمْنت إِ َّن ِيف شذل ش‬
‫األ ْشر ِ‬
‫كرم هللا تعاىل اإلنسان بتفضيله على كث ٍري من خلقه‪:‬‬ ‫‪ - 5‬و َّ‬
‫ض ـ ـ ْلنشاه ْم‬ ‫قال تعاىل ﴿ولششق ْد شكَّرمنشا ب ِ آدم و شح ْلنشاهم ِيف الْ ِرب والْبل ِر ورزقْـنشاهم ِمن الطَّيِب ِ‬
‫ات شوفش َّ‬‫ش ش ْ ش ش ش ْ ش شش ْ ش ش‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬
‫ضيالً ﴾ [اإلسراء‪.]70 :‬‬ ‫علش شكثِ ٍري ِاَّن خلش ْقنشا تشـ ْف ِ‬
‫ْ ش‬ ‫ش‬
‫كرم هللا تعاىل اإلنسان إبرسال ال يرسل إليه‪:‬‬
‫‪ - 6‬و َّ‬
‫الر ـل يداية اخللق‪،‬ودعاهم‬ ‫أجل مظاهر التكر من اَّوىل ـبلانت لإلنسـان أن أر ـل ُّ‬ ‫ومن ِ‬
‫َّــا ييهم‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــمن يم الفوز يف الــدُّنيــا وا خرة‪ ،‬فكــان من أعظم النِعم الَّيت أنعم هللا هبــا عل‬
‫ـالم‪ ،‬ونعمة الميان‪ ،‬ونعمة الحس ـ ــان‪ ،‬وأ ْن هداان هللا إليها‪ ،‬فقال‬ ‫النس ـ ــان تكرمياً لت نعمة ال ـ ـ ِ‬
‫ض شعدو فشَِ َّما شرْتِيشـنَّك ْم ِم ِ هد ً فش شم ِن اتـَّبش شع‬ ‫عاي ِم ْن قائل ﴿قش شال ْاهبِطشا ِمْنـ شها شِ ًيعا بشـ ْعضـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم لِبشـ ْع ٍ‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ إِلشْيك ْم شِ ًيعا‬ ‫ض ـ ـ ُّل شوحش يش ْ ـ ـ شق ﴾ [طه‪ ،]123 :‬وقال ﴿ق ْل شَيأشيـُّ شها النَّاس إِِين شر ـ ـول َّ‬ ‫ه شداأ فشالش ي ِ‬
‫ش ش‬
‫َّب األ ِم ِي‬ ‫ض حش إِلشتش إِحَّ ه شو ْيِي شوميِيت فش ِآمنوا ِاب ََّّللِ شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـولِِت النِ ِ‬ ‫الَّ ِذأ لشت م ْلك ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫شش‬
‫ن ﴾ [األعراف‪.]158 :‬‬ ‫الَّ ِذأ يـ ْؤِمن ِاب ََّّللِ شوشكلِ شماتِِت شواتَّبِعوه لش شعلَّك ْم شهتْتشدو ش‬

‫‪166‬‬
‫صـ ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬حص ـ ــر مظاهر ش ـ ــر‬ ‫ومن مظاهر هذا التَّكر الَّذأ ش ـ ــعر بت ال َّ‬
‫﴿ولششق ْد بشـ شعثْـنشا ِيف‬ ‫ِ‬
‫النسـ ــان يف العبوديَّة هلل وحده‪ ،‬وحتريره من عبادة األهللاـ ــنام‪ ،‬واألواثن‪ ،‬والب ـ ــر ش‬
‫َّت شعلشْي ِت‬ ‫اَّلل واجتشنِبوا الطَّا وت فش ِمْنـهم من ه شد َّ ِ‬
‫اَّلل شومْنـه ْم شم ْن شحق ْ‬ ‫ْ شْ ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك ِل أ َّمة شر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوحً أشن ْاعبدوا َّش ش ْ‬
‫ض فشانْظروا شكيف شكا شن عاقِبة الْم شك ِ‬
‫ذبِ ش ﴾ [النحل‪.]36 :‬‬ ‫الضالشلشة فش ِسريوا ِيف األ ْشر ِ‬ ‫َّ‬
‫ش ش‬ ‫ْ ش‬
‫حب هللا لإلنسان‪ ،‬وذكره يف املأل األعلى‪:‬‬
‫‪ -7‬ي‬
‫من أروي مظاهر تكر اَّوىل ـ ـ ــبلانت لإلنس ـ ـ ــان أ ْن جعلت أهالً حلبِت ور ـ ـ ــاه‪ ،‬وأرش ـ ـ ــده يف‬
‫القرآن الكر إىل ما جيعلت خليقاً هبذا احل ِ ‪ ،‬و َّأول ذلك اتِباي ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬
‫فيما دعا النَّاس إليت كي يوا حيا ًة طيِبةً يف الدُّنيا‪ ،‬ويظفروا ابلنَّعيم اَّقيم يف ا خرة‪ ،‬وقد أشـ ــار‬
‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬إىل شرة هــذا احتِبــاي‪ ،‬ومــا أحالهــا من شرة! أح وهي التَّمتُّع ريأ الــدُّنيــا‬ ‫اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِحلًـا ِم ْن ذش شك ٍر أ ْشو أنْـثش شوه شو م ْؤِمن فشـلشن ْليِيشـنَّـت شحيشـا ًة طشيِبشـةً‬ ‫ِ‬
‫﴿م ْن شعم ـ شل ش‬
‫وا خرة! قــال تعــاىل ش‬
‫ن ﴾ [النحل‪. ]97 :‬‬ ‫شح شس ِن شما شكانوا يشـ ْع شملو ش‬ ‫شجشره ْم ِأب ْ‬
‫شولشنش ْ ِاييشـنـَّه ْم أ ْ‬
‫‪ - 8‬حفظ اإلنسان ورعايته‪:‬‬
‫السوء‪.‬‬
‫وجل ‪ -‬وحفظت من ُّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫ومن مظاهر تكر النسان أن ظ برعاية هللا ‪َّ -‬‬
‫ـهر لت اَّالئكة حلفظت ﴿إِ ْن ك ُّل‬ ‫﴿وإِ َّن شعلشْيك ْم شحلشافِ ِظ ش ﴾ [اإلنفطار‪ ،]10 :‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫قال تعاىل ش‬
‫س ل َّـما شعلشْيـ شها شحافِم ﴾ [الطارق‪ ،]4 :‬وهللاور التَّكر لإلنسان كثرية يف القرآن الكر (‪.)1‬‬ ‫نشـ ْف ٍ‬
‫الشيطان مع آدم عليه السالم‪:‬‬ ‫لقصة َّ‬
‫الصحابة رضي هللا عنوم َّ‬ ‫تصور َّ‬ ‫اثمناً‪ :‬ي‬
‫قصة ال َّيطان‬ ‫القرآين‪ ،‬دثهم عن َّ‬ ‫كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من خالل اَّنهت ِ‬
‫عدوه اللَّدود‪ ،‬الَّذأ حاول إ واء أبيهم آدم‬ ‫صـراي ب النســان مع ِ‬ ‫مع آدم‪ ،‬وي ــر يم حقيقة ال ِ‬
‫﴿َي بشِ آدم حش يشـ ْفتِنشـنَّكم ال َّ ـْيطشان شك شما‬ ‫عليت الســالم من خالل ا َيت الكرمية مثل قولت تعاىل ش‬
‫اجلشن َِّة يشن ِايي شعْنـه شما لِبشا ش ـه شما لِ ِرييشـه شما ش ـ ْوءشاهتِِ شما إِنَّت يشـشراك ْم ه شو شوقشبِيلت ِم ْن شحْيث حش‬ ‫أخرً أشبشـ شويْكم ِم شن ْ‬
‫ين حش يـ ْؤِمنو شن ﴾ [األعراف‪ ،]27 :‬وقولت تعاىل ﴿قش شال أشنْ ِظ ْرِين‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫تشـشرْوش‪ْ ،‬م إ َّان شج شع ْلنشا ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشاط ش أ ْشوليشاء للَّذ ش‬
‫ك الْم ْس ـ ـتش ِق شيم *مثَّ‬ ‫ين *قش شال فشبِ شما أش ْ شويْـتشِ ألشقْـع شد َّن شي ْم ِهللا ـ ـشراطش ش‬ ‫إِ شىل يـوِم يـبـعثو شن *قش شال إِن ش ِ‬
‫َّك م شن الْمْنظش ِر ش‬ ‫شْ ْ ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ ِ‬
‫ين ﴾‬ ‫شتيشـنـَّه ْم م ْن بشْ أشيْـديه ْم شوم ْن شخ ْلفه ْم شو شع ْن أشْميـشا‪ْ ،‬م شو شع ْن شطشـائله ْم شوحش شدـد أش ْكثشـشره ْم ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاك ِر ش‬
‫[األعراف‪.]17 - 14 :‬‬

‫الر ول الكر هللال هللا عليت و لم (‪.)1142 ، 1136/4‬‬


‫انظر مو وعة نضرة النَّعيم يف مكارم أخالق َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪167‬‬
‫األول مرئياً م ـ ــهوداً‪ ،‬رتيهم من ب أيديهم ومن‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫كان ال َّ ـ ـ ـيطان يت َّس ـ ـ ـم يف ِ‬
‫حس َّ‬
‫خلفهم‪ ،‬وعن أميا‪،‬م‪ ،‬وعن طائلهم‪ ،‬يو ـ ــوس يم ابَّعصـ ـ ــية‪ ،‬ويسـ ـ ــتثري فيهم كوامن ال َّ ـ ـ ـهوات‪،‬‬
‫عدوهم‪ ،‬وكانوا يس ـ ـ ـ ـ ـ ــارعون يف اخلريات ليض ـ ـ ـ ـ ـ ــيِقوا‬ ‫فكانوا اولون أن يكونوا دائماً منتبه من ِ‬
‫حض فيما هو أخف من دبي النَّمل(‪،)1‬‬ ‫مسالك ال َّيطان ويسدُّوها‪ ،‬فال جيد لت مسلكاً إليهم َّ‬
‫الرِجي ِم *إِنَّت‬ ‫ان َّ‬ ‫وقد تعلَّموا ذلك بعد قولت تعاىل ﴿فشَِذشا قشـرأْت الْقرآن فشا ـ ـ ـ ـ ـتشعِ ْذ ِاب ََّّللِ ِمن ال َّ ـ ـ ـ ـ ـيطش ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫َّ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ين يشـتشـ شول ْونشت شوالذ ش‬ ‫ين شآمنوا شو شعلش شرهب ْم يشـتشـ شوَّكلو شن *إجشا ـ ـ ـ ـ ْلطشانت شعلش الذ ش‬ ‫س لشت ـ ـ ـ ـ ْلطشان شعلش الذ ش‬ ‫لشْي ش‬
‫ن ﴾ [النحل‪.]100 - 98 :‬‬ ‫ه ْم بِِت م ْ ِركو ش‬
‫صـ ـ ـة آدم ‪ -‬عليت ال َّسـ ـ ـالم ‪ -‬مع ال َّ ـ ـ ـيطان يف القرآن الكر يف أكثر من مو ـ ــع‬ ‫جاءت ق َّ‬
‫بكل تفص ــيالهتا ‪ -‬كما يف ــورة األعرا ‪ -‬وأحياانً ديء ببعض التَّفص ــيالت ‪-‬‬ ‫فأحياانً ديء ِ‬
‫كما يف ــورة احلِ ْ ر‪ ،‬وال ـ ـراء‪ ،‬وطت‪ ،‬وص ‪ -‬وأحياانً ديء يف هللا ــورة إش ــارةٍ عابرةٍ‪ ،‬وهذا كثري‬
‫جداً يف القرآن‪ ،‬وتنفرد ـ ـ ـ ـ ـ ــورة إبراهيم بذكر موقف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان يوم القيامة من ب آدم‪ ،‬الَّذين‬
‫وتنصلت الكامل من تبعتهم ‪ -‬كما يف ا ية الثانية والع رين ‪.)2(-‬‬ ‫ا ت ابوا لت يف الدُّنيا‪ُّ ،‬‬
‫اجلشنَّةش فشكالش ِم ْن شحْيث‬ ‫ك ْ‬ ‫ت شوشزْوج ش‬ ‫﴿وشَيآدم ا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْن أشنْ ش‬‫ش‬ ‫قال هللا تعاىل يف ـ ـ ـ ـ ـ ــورة األعرا‬
‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِشْئـتما وحش تشـ ْقراب ه ِذهِ ال َّ رشة فشـتشك ش ِ َّ ِ ِ‬
‫أ شي شما شما وور ش‬ ‫س شي شما ال َّْيطشان ليـْبد ش‬ ‫وان م شن الظالم ش *فشـ شو ْ شو ش‬ ‫شش‬ ‫ش ش شش ش‬
‫وان ِم شن‬ ‫وان شملش شك ْ ِ أ ْشو تشك ش‬ ‫شعْنـه شما ِم ْن ش ـ ـ ْوآهتِِ شما شوقش شال شما ش‪،‬شاك شما شربُّك شما شع ْن شه ِذهِ ال َّ ـ ـ ش شرةِ إِحَّ أش ْن تشك ش‬
‫ْ ِِ‬
‫ت شي شما‬ ‫امسشه شما إِِين لشك شما لش ِم شن النَّا ِهللا ـ ـ ِل ش *فش شدحَّلشا بِ روٍر فشل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ذشاقشا ال َّ ـ ـ ش شرةش بش شد ْ‬ ‫*وقش ش‬‫ين ش‬ ‫اخلشالد ش‬
‫اجلشن َِّة شو شان شدالشا شرُّهب شما أششْ أ ْش‪،‬شك شما شع ْن تِْلك شما ال َّ ش شرةِ شوأشق ْل‬ ‫ان شعلشْي ِه شما ِم ْن شوشرِق ْ‬ ‫ص شف ِ‬‫وآهتما وطشِف شقا شخيْ ِ‬
‫شْ ش ش‬
‫لشك شما إِ َّن ال َّ ـْيطشا شن لشك شما شعدو مبِ *قشاحش شربـَّنشا ظشلش ْمنشا أشنْـف شس ـنشا شوإِ ْن شْ تشـ ْ ِف ْر لشنشا شوتشـ ْرحشْنشا لشنشكونش َّن ِم شن‬
‫ض م ْس ـتشـ شقر شوشمتشاي إِ شىل ِح ٍ *قش شال فِ شيها‬ ‫ض شعدو شولشك ْم ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ين *قش شال ْاهبِطوا بشـ ْعض ـك ْم لِبشـ ْع ٍ‬ ‫ْ ِ‬
‫اخلشا ـ ِر ش‬
‫*َيبشِ آدم قش ْد أشنْـشايلْنشا شعلشْيك ْم لِبشا ً ـ ـ ـ ـ ـا يـ شوا ِرأ ش ـ ـ ـ ـ ـ ْوآتِك ْم شوِري ً ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شْحتيشـ ْو شن شوف شيها شَتوتو شن شومْنـ شها هْشرجو شن ش‬
‫*َيبشِ آدم حش يشـ ْفتِنشـنَّكم ال َّْيطشان شك شما‬ ‫ولِباس التَّـ ْقو شذلِك خري شذلِك ِمن آَيت َِّ‬
‫اَّلل لش شعلَّه ْم يش َّذ َّكرو شن ش‬ ‫ش شْ ش ْ‬ ‫ش‬ ‫شش‬
‫اجلشن َِّة يشـْن ِايي شعْنـه شما لِبشا ش ـ ـه شما لِ ِرييشـه شما ش ـ ـ ْوآهتِِ شما إِنَّت يشـشراك ْم ه شو شوقشبِيلت ِم ْن شحْيث حش‬ ‫أخرً أشبشـ شويْك ْم ِم شن ْ‬
‫ين حش يـ ْؤِمنو ش‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ن ﴾ [األعراف‪. ]27 - 19 :‬‬
‫تشـشرْوش‪ْ ،‬م إ َّان شج شع ْلنشا ال َّيشاط ش أ ْشوليشاءش للَّذ ش‬

‫(‪ )1‬انظر واقعنا اَّعاهللار ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫(‪ )2‬انظر درا ات قرانيَّة ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪168‬‬
‫ص ـة آدم مع ال َّ ـيطان قصــة‬ ‫يهم النســان أن يعر اترخيت ليعترب بت‪ ،‬ح ليتس ـلَّ ‪ ،‬وق َّ‬ ‫إن اَّا ُّ‬ ‫َّ‬
‫حتدد للب ــر‪ ،‬مبدأهم ومنتهاهم‪ ،‬ودورهم يف‬ ‫القرآين كلت‪ ،‬فهي ِ‬
‫هللاـ ـة ب القص ــص ِ‬ ‫يا شدححهتا اخلا َّ‬
‫األرض‪ ،‬وخطَّـة ـ ـ ـ ـ ـ ــريهم فيهــا‪ ،‬والعقبــات اليت تقــابلهم يف أثنــاء رحلتهم‪ ،‬وطريقــة دنُّـ هــذه‬
‫العقبات ِ‬
‫وهطيها(‪.)1‬‬
‫الرعيل‬ ‫ص ـة آدم‪ ،‬وهللا ـراعت مع ال َّ ـيطان قد علَّمت َّ‬ ‫كانت ا َيت الكرمية الَّيت حتدَّثت عن ق َّ‬
‫َّصور واحعتقاد‪ ،‬واألخالق ومنها‬ ‫مهمةً يف جمال الت ُّ‬
‫األول قضاَي َّ‬ ‫َّ‬
‫إن آدم هو أصل البشر‪:‬‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫إن آدم عليت السـ ــالم هو أهللاـ ــل الب ـ ــر فقد خلقت هللا تعاىل من ط ٍ عل هللاـ ــورتت الب ـ ـريَّة‬ ‫َّ‬
‫نوي من أنواي اَّهلوقــات‪ ،‬أو عن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ أو هيئـ ٍـة‬‫ـدرً عن ٍ‬ ‫أتت عن طريق التـ ُّ‬‫ِ‬ ‫الكــاملــة الَّيت‬
‫ودم بكامل‬ ‫الرو ‪ ،‬فصار ب راً وَيً من حل ٍم‪ٍ ،‬‬ ‫أخر ‪ ،‬فاهلل تعاىل خلق آدم من ط ٍ ‪ ،‬مثَّ نف فيت ُّ‬
‫هيئتت‪ ،‬وهللاورتت النسانيَّة‪.‬‬
‫‪ - 2‬جوهر اإلسالم الطَّاعة املطلقة هلل تعاىل‪:‬‬
‫أمر هللا تعاىل اَّالئكة ابل ُّسـ ود دم‪ ،‬فسـ دوا لت ـ ود حتيَّ ٍة‪ ،‬وتكرٍ ‪ ،‬وتعظي ٍم‪ ،‬واع ا ٍ‬
‫اض‪ ،‬مع َّأ‪،‬م يف اَّ األعل ‪ ،‬وهم يف حال‬ ‫ترد ٍد‪ ،‬وح اع ٍ‬ ‫رب العاَّ دون ُّ‬ ‫بفض ـ ـ ـ ــلت‪ ،‬وطاعةً هلل ِ‬
‫نوي من العبادة‬ ‫رب العاَّ ‪ ،‬وقبل أن يصــدر من آدم أأ ٍ‬ ‫وتقديس‪ ،‬وعبادةٍ مسـ َّ‬
‫ـتمرةٍ هلل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تســبي ٍ ‪،‬‬
‫وإجا كانت مبادرة اَّالئكة إىل ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ود دم‪ ،‬واحلال كما وهللاـ ـ ـ ـ ــفنا َّ‬
‫ألن‬ ‫ترج عل عبادهتم‪َّ ،‬‬
‫رب العاَّ ‪ ،‬وما رمر بت هللا د اَّبادرة إىل تنفيذه‬ ‫األمر يم ابل ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ود دم هللا ـ ـ ـ ــادر من هللا ِ‬
‫توقف يف تنفيــذه عل معرفــة حكمــة هــذا األمر‪ ،‬وهــذا هو‬ ‫اض‪ ،‬وح ٍ‬ ‫ترد ٍد‪ ،‬وح اع ٍ‬ ‫حــاحً بــدون ُّ‬
‫ترد ٍد‪ ،‬وح‬
‫جوهر ال ــالم‪ ،‬وهذا هو ش ــأن اَّس ــلم يس ــاري إىل طاعة ربِت‪ ،‬واحمتثال ألمره بدون ُّ‬
‫ـيء آخر من معرفة ـ ــب األمر‪ ،‬أو معرفة حكمتت‪ ،‬أو‬ ‫تعليق يذه الطَّاعة عل ش ـ ـ ٍ‬ ‫اض‪ ،‬وح ٍ‬ ‫اع ٍ‬
‫موافقتت لعقلت‪ ،‬وهواه‪.‬‬
‫‪ - 3‬قابلية اإلنسان للوقوع يف اخلطيئة‪:‬‬
‫أن النسان لت قابلية للوقوي يف اَّعصية‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫قصة وقوي آدم يف اخلطيئة َّ‬ ‫الصلابة من َّ‬‫تعلَّم َّ‬
‫ٍ‬
‫طبيعة دعل وقوعت يف اخلطيئة‬ ‫هذه القابلية متأتِية من طبيعة النسـ ــان‪ ،‬فقد خلقت هللا تعاىل عل‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.114‬‬


‫‪169‬‬
‫ضـ ـ ـعف‬
‫بات‪ ،‬و رائاي ‪ -‬هي جوان ال َّ‬ ‫ميول ور ٍ‬ ‫أمراً اكناً َّا يف طبيعتت‪ ،‬وما جبلت هللا عليت من ٍ‬
‫يف النســان ‪ -‬والَّيت من خاليا ينفذ ال َّ ـيطان بو ــاو ــت إليت‪ ،‬وياييِن لت الوقوي يف اخلطيئة‪ ،‬فمن‬
‫معمراً أجالً طويالً كاخللود‪،‬‬ ‫رائاي النس ـ ـ ــان الكامنة فيت أنَّت ُّ أن يكون خالداً ح ميوت‪ ،‬أو ِ‬
‫َّد ابلعمر القصري(‪ ،)1‬ف اء إبليس إىل آدم عليت السالم من هذه‬ ‫ُّ أن يكون لت ملك ري حمد ٍ‬
‫وان‬ ‫﴿ما ش‪،‬شاك شما شربُّك شما شع ْن شه ِذهِ ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ش شرةِ إِحَّ أش ْن تشك ش‬
‫وان شملش شك ْ ِ أ ْشو تشك ش‬ ‫ال رياية‪ ،‬فقال لت‪ ،‬ولايوجتت ش‬
‫أكد يما ِادعاءه ابحللف ابهلل أبنَّت يما َّن النَّاهللال ‪.‬‬ ‫ين ﴾ [األعراف‪ ،]20 :‬و َّ‬ ‫ِمن ْ ِ ِ‬
‫اخلشالد ش‬ ‫ش‬
‫الر بات‪ ،‬بل َّ‬
‫حبد للمس ـ ـ ـ ـ ــلم من أن‬ ‫وما قلناه ح يع اح ـ ـ ـ ـ ــتس ـ ـ ـ ـ ــالم يذه ال رائاي واَّيول‪ ،‬و َّ‬
‫يض ـ ـ ـ ـ ـ ــبطهـا‪ ،‬ويكب ـاحهـا‪ ،‬وجيعلهـا اتبعـةً ألحكـام ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري احلنيف‪ ،‬وهـذه اَّيول‪ ،‬وال رائاي‪،‬‬
‫الر بات هي ما هتواه النَّفس‪ ،‬و الباً ما تكون منفلتةً‪ ،‬ومت اوزةً حدودها‪ ،‬وح ميكن ـ ـ ـ ـ ـ ــبطها‬ ‫و َّ‬
‫ذم (ايو )‪ ،‬ويراد بت ما هتواه النفس من أم ٍر ٍ‬
‫مذموم‪.‬‬ ‫إح ابحلتايام أبحكام ال َّ ـ ـ ـ ـ ـري‪ ،‬ولذلك رل ُّ‬
‫هي الْمأْو ﴾ [النازعات‪:‬‬ ‫قال تعاىل ﴿وأ َّشما من خا ش م شقام ربِِت وش‪،‬ش النَّـ ْفس ع ِن ا ْيو *فشَِ َّن ْ ِ‬
‫اجلشنَّةش ش ش ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ش شْ ش ش ش ش ش‬
‫‪ ،]41 - 40‬فقد أطلق ايو ‪ ،‬ومد من ينه نفس ـ ــت عن ايو ألنَّت ينص ـ ــر عند الطالق إىل‬
‫ما هو مذموم(‪.)2‬‬
‫املسلم ضرورة التَّويكل على ربِّه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪ - 4‬خطيئةُ آدم تُـ َعلِّم‬
‫إن خطيئة آدم عليت السالم تظهر عظيم ا تعداد النسان للوقوي يف اخلطيئة‪ ،‬وتثري اخلو ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والفايي يف النُّفوس‪ ،‬وابلتاس تاييد من تشـ شوُّكل اَّسـلم عل ربِت‪ ،‬واعتماده عليت ليكفيت ش َّـر ال َّ ـيطان‬
‫وعلو منايلتت عند ربِت‪،‬‬‫أن هللا تعاىل أش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ش شد اَّالئكة دم إظهاراً لفض ـ ـ ـ ــلت‪ِ ،‬‬ ‫الرجيم‪ ،‬وبيان ذلك َّ‬ ‫َّ‬
‫ص ـري‬
‫وطششرد إبليس من اجلنة حمتناعت من ال ُّس ـ ود لت‪ ،‬وأ ــكنت وزوجت يف اجلنَّة‪ ،‬وأمره ابألمر ال َّ‬
‫بعدم احق اب من شـ ـ رةٍ معيَّ ٍنة وأاب لت ما عداها من نعيم اجلنَّة‪ ،‬وشارها‪ ،‬قال تعاىل ﴿ شوشَيآدم‬
‫وان ِم شن الظَّالِ ِم ش ﴾‬
‫اجلشنَّةش فشكالش ِم ْن شحْيث ِشْئـت شما شوحش تشـ ْقشرشاب شه ِذهِ ال َّ ش شرةش فشـتشك ش‬
‫ك ْ‬ ‫ا ْ ك ْن أشنْ ش‬
‫ت شوشزْوج ش‬
‫[األعراف‪.]19 :‬‬

‫﴿وإِ ْذ‬
‫وحذرلا من ال َّ ـ ـ ـ ـيطان‪ ،‬ومن خداعت وكيده لئال خيرجهما من اجلنَّة‪ .‬قال هللا تعاىل ش‬ ‫َّ‬
‫ك فشالش‬ ‫قـ ْلنا لِْلمالشئِ شك ِة ا دوا دم فشس دوا إِحَّ إِبلِيس أشىب *فشـق ْلنا َيآدم إِ َّن ه شذا عدو لش ِ ِ‬
‫ك شولشايْوج ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫شش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫ـتاييما‪ ،‬و َّرلا‪،‬‬ ‫اجلشن َِّة فشـتش ْ ـ ـ ـ شق ﴾ [طه‪ ]117 - 116 :‬ومع هذا كلِت َّ‬
‫فَن ال َّ ـ ـ ـيطان ا ـ ـ ـ َّ‬ ‫خيْ ِر شجنَّك شما ِم شن ْ‬

‫(‪ )1‬انظر يف ظالل القران (‪.)1269/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران للدَّعوة والدُّعاة ‪ ،‬د‪ .‬عبد الكر زيدان (‪.)28/1‬‬
‫‪170‬‬
‫فأكال من ال َّ رة‪ ،‬ووقعا يف اَّعصية فأخرجهما اَّا كاان فيت‪.‬‬
‫الصلابة الكرام اخلو ‪ ،‬والفايي من هذا ِ‬
‫العدو‬ ‫إن خطيئة آدم عليت السالم آاثرت يف نفوس َّ‬ ‫َّ‬
‫اخلبيث‪ ،‬وهذا اخلو من ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان‪ ،‬وإ وائت دفعهم إىل احلت اء الدَّائم إىل هللا تعاىل‪ ،‬والتَّوُّكل‬
‫وجره إىل‬ ‫هم لت إح إ واء النسـ ـ ــان‪ُّ ،‬‬ ‫الرجيم‪ ،‬الَّذأ ح َّ‬ ‫عليت‪ ،‬واح ـ ـ ــتعانة بت عل هذا ال َّ ـ ـ ـيطان َّ‬
‫ك شعلشْي ِه ْم ـ ـ ـ ْلطشان شوشك شف‬ ‫اخلطيئة‪ ،‬وهذا هو الَّذأ فهموه من قول هللا تعاىل ﴿إِ َّن ِعب ِ‬
‫س لش ش‬
‫ش‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫ش‬‫ل‬ ‫أ‬ ‫اد‬ ‫ش‬
‫ين شآمنوا شو شعلش شرهبِِ ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِربِ ش ِ‬
‫س لشت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلطشان شعلش الذ ش‬‫ك شوكيالً ﴾ [اإلسـ ـ ـ ـ ـراء‪ ،]65 :‬وقولت تعاىل ﴿إنَّت لشْي ش‬ ‫ش‬
‫يشـتشـ شوَّكلو شن ﴾ [النحل‪ ]99 :‬فال أتثري‪ ،‬وح قدرة لل َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان عل إ واء الَّذين امنوا ابهلل إمياانً عميقاً‬
‫وحرشك جوارحهم يف طاعتت‪ ،‬وجعل اعتمادهم وثقتهم‬ ‫وجتش قلوهبم إليت ــبلانت‪َّ ،‬‬ ‫ألن هللا تعاىل قد َّ‬ ‫َّ‬
‫ـلطان‪ ،‬فهم اربون أمانيت الباطلة‪ ،‬ويهدمون ما يلقيت يف‬ ‫بت‪ ،‬فليس لل َّ ـ ـ ـيطان عل هؤحء من ـ ـ ٍ‬
‫ألن إميا‪،‬م ابهلل مينلهم النُّور الكاشـ ــف عن مكره‪ ،‬والتَّوُّكل عليت يفيدهم التقوية ابهلل‬
‫نفو ـ ــهم َّ‬
‫فيضعف ال َّيطان‪ ،‬وينهذل أمام َّقوة الميان ابهلل والتَّوُّكل عليت(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬ضرورة التَّوبة واالست فار‪:‬‬
‫ص ـ ـة ـ ــرورة التَّوبة‪ ،‬واح ـ ــت فار عند الوقوي يف‬ ‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم من هذه الق َّ‬ ‫تعلَّم ال َّ‬
‫الرحة من رِهبم الكر عندما وقعوا‬ ‫الذن أو اَّعصـ ــية‪ ،‬فقد ـ ــاري آدم وزوجت إىل اَّ فرة وطل َّ‬ ‫َّ‬
‫ان شعلشْي ِه شما ِم ْن‬ ‫ت شيما وآهتما وطشِف شقا شخيْ ِ‬
‫ص شف ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يف اَّعصية ﴿فش شدحَّلشا ب رور فشل ـ ـ ـ ـ َّـما شذاقشا ال َّ ش شرشة بش شد ْ ش ش ْ ش ش‬
‫اجلشن َِّة و شان شدالشا رُّهبما أششْ أ ْش‪،‬شكما شع ْن تِْلكما ال َّ ـ ش رةِ وأشقل لشكما إِ َّن ال َّ ـْيطشا شن لشكما شعدو مبِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫شوشرق ْ ش‬
‫*قشاحش ربـَّنشا ظشلشمنشا أشنْـفسـ ـنشا وإِ ْن ش تشـ ْ ِفر لشنشا وتشـرحشْنشا لشنشكونش َّن ِمن ْ ِ‬
‫ين ﴾ [االعراف‪ ]23 - 22 :‬فهذا‬ ‫اخلشا ـ ـ ِر ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ْ ْ شْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ـديد‪ ،‬فندم من قولت تعاىل ﴿ظشلش ْمنشا أشنْـف شس ـ ـ ـ ـنشا﴾‪ ،‬وتوبة‬ ‫بندم ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـ ـ ـ ـريع‪ ،‬مقرون ٍ‬ ‫َّ‬
‫ابلذن‬ ‫اع ا‬
‫خالصــة مقرونة برجاء قبويا لئال يكوان من اخلا ـرين ايالك ‪ ،‬وهذا يفهم من قويما ﴿ شوإِ ْن شْ‬
‫تشـ ْ ِفر لشنشا وتشـرحشْنشا لشنشكونش َّن ِمن ْ ِ‬
‫ين ﴾‪ ،‬فَذا كان آدم وزوجت يس ـ ـ ـ ــت نيا عن التَّوبة‪ ،‬وطل‬ ‫اخلشا ـ ـ ـ ـ ـ ِر ش‬ ‫ش‬ ‫ْ شْ‬
‫علو منايلتهما ف ريلا أوىل بذلك(‪.)2‬‬ ‫اَّ فرة من هللا تعاىل مع ِ‬
‫‪ - 6‬االحرتاز من احلسد‪ِّ ،‬‬
‫والك ْرب‪:‬‬
‫الذنوب ِ‬
‫الك ْرب‪ ،‬ا ـ ـ ــتكرب‬ ‫إن إبليس وقع فيما وقع فيت بس ـ ـ ــب احلس ـ ـ ــد‪ ،‬و ِ‬
‫الك ْرب‪ ،‬فكان بدء ُّ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)71/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)30/1( ،‬‬
‫‪171‬‬
‫الك ْرب‪ ،‬والوعيد للم ِ‬
‫تكربين‪ ،‬قال‬ ‫ابلس ود دم‪ ،‬ويذا جاء التَّلذير من ِ‬ ‫إبليس أن ميتثل ألمر ربِت ُّ‬
‫هللاـل هللا عليت و ـلم «ح يدخل اجلنَّةش من كان يف قلبت مثقال شذ َّرةٍ من كِ ٍْ‬
‫رب» [أمحد (‪ 399/1‬و‪)451‬‬
‫ومسلم (‪ )91‬وأبو داود (‪ )4091‬والرتمذي (‪ )1999‬وابن ماجه (‪. ])59‬‬
‫وحقيقة الكرب‪ :‬بشطشر ِ‬
‫احلق‪ ،‬و ش ْما النَّاس‪.‬‬
‫رده ودفعت‪ ،‬وعدم اخلض ـ ــوي لت‪ ،‬وعدم احنقياد لت ا ـ ــتهفافاً بت‪ ،‬وترفُّعاً عليت‪،‬‬ ‫وبطر ِّ‬
‫احلق ُّ‬
‫وعناداً لت‪.‬‬
‫وغمط النَّاس احتقارهم‪ ،‬واحزدراء هبم(‪.)1‬‬
‫احلق‪،‬‬
‫ألن ما رمر بت هللا هو ُّ‬ ‫َّمرد عليها َّ‬ ‫احلق رفض أوامر هللا‪ ،‬والت ُّ‬ ‫ومن أعظم مظاهر بطر ِ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم أبْـ شع شد خلق هللا‬ ‫الك ْرب‪ ،‬فكان َّ‬ ‫احلق‪ ،‬ودفعت ميثِل حقيقة ِ‬ ‫َّمرد عل هذا ِ‬ ‫فالت ُّ‬
‫الك ْرب‪ ،‬واحبتعاد عن احلديث عن النَّفس وتايكيتها‪ ،‬وقد ش ــعروا طورة‬ ‫تعاىل عن جراثيم احلس ــد و ِ‬
‫ين شْجيتشنِبو شن شكبشـائِشر‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلــك من قولــت تعــاىل َّ‬
‫ألن فيهــا معىن ﴿أ ششان شخ ْري مْنـت﴾‪ ،‬وهللا قــال يم ﴿الـذ ش‬
‫ض شوإِ ْذ أشنْـت ْم‬‫ك شوا ِ ـ ـع الْ شم ْ ِفشرةِ ه شو أ ْشعلشم بِك ْم إِ ْذ أشنْ ش ـ ـأشك ْم ِم شن األ ْشر ِ‬ ‫ش إِحَّ اللَّ شم شم إِ َّن شربَّ ش‬ ‫ِ‬
‫ا ِل ِْمث شوالْ شف شواح ش‬
‫ون أ َّم شهـاتِك ْم فشالش تـشايُّكوا أشنْـف شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم ه شو أ ْشعلشم ِمبش ِن اتَّـ شق ﴾ [النجم‪ ،]32 :‬وتعلَّموا أنـَّت ح‬ ‫أ ِشجنـَّة ِيف بط ِ‬
‫رب األرض وال َّسـموات َّ‬
‫ألن‬ ‫وإجا ابلتَّقو ‪ ،‬والطَّاعات واخلريات ابت اء ِ‬ ‫َّ‬ ‫فهر ابألهللاــل والنَّسـ‬
‫ط ٍ ﴾ [األعراف‪. ]12 :‬‬ ‫إبليس افتهر بسب أهللالت ﴿خلش ْقتشِ ِمن شان ٍر وخلش ْقتشت ِمن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ شش‬ ‫ش‬
‫‪ - 7‬إبليس هو العد يو آلدم وزوجه وذريتوما‪:‬‬
‫األول ألنَّت بس ـ ـ ـ ـ ــب امتناعت عن‬ ‫عدوهم َّ‬ ‫أن إبليس هو ُّ‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلابة من القرآن ِ‬
‫اَّك ِي َّ‬ ‫تعلَّم ال َّ‬
‫وذريَّتت قال تعاىل‬ ‫عدواً دم‪ ،‬وزوجت ِ‬ ‫َّ‬ ‫ال ُّسـ ـ ـ ـ ود ألبيهم آدم طرده هللا من رحتت‪ ،‬ولعنت‪ ،‬فأهللا ـ ـ ــب‬
‫ِ‬
‫ت شعلش َّي‬ ‫ك شه شذا الَّذأ شكَّرْم ش‬ ‫﴿وإِ َّن شج شهن شَّم لش شم ْو ِعده ْم أش ْ شعِ ش ﴾ [احلجر‪ ،]43 :‬وقال تعاىل ﴿قش شال أ ششرأشيْـشت ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫ن ذ ِريـَّتشت إِحَّ قشليالً ﴾ [اإلسراء‪.]62 :‬‬ ‫شِ ْحتشنِ شك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لشئ ْن آخرتش ِن إِ شىل يشـ ْوم الْقيش شامة أل ش‬
‫وقد أعلن إبليس عايمت وتصـ ـ ـ ـ ــميمت عل إ ـ ـ ـ ـ ــالل ب آدم‪ ،‬وإ وائهم‪ ،‬وطل من هللا تعاىل‬
‫يدل عل ش ـ ــدَّة عداوتت دم‪،‬‬ ‫إمهالت‪ ،‬وإبقاءه إىل يوم القيامة لتنفيذ ما عايم‪ ،‬وهللا ـ ـ َّـمم عليت‪ ،‬اَّا ُّ‬
‫وبنيت‪.‬‬
‫َّك ِم شن‬ ‫ِ‬
‫ب فشـأشنْ ِظ ْرِين إِ شىل يشـ ْوم يـْبـ شعثو شن *قشـ شال فشـَِن ـ ش‬ ‫قــال تعــاىل حكــايــة عن قول إبليس ﴿قشـ شال ر ِ‬
‫ش‬

‫(‪ )1‬اَّستفاد من قصص القران (‪.)33/1‬‬


‫‪172‬‬
‫ض شوألشِ ْ ِويشـنـَّه ْم‬ ‫ت الْم ْعل ِوم *قش ـ شال ر ِ‬
‫ب ِمبشـا أش ْ شويْـتشِ ألشِ شزيِنش َّن شي ْم ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْمْنظش ِر ِ ِ‬
‫ش‬ ‫ين *إ شىل يشـ ْوم الْ شوقْ ـ ش‬ ‫ش‬
‫ص ش ﴾ [احلجر‪.]40 - 36 :‬‬ ‫أش ْ عِ *إِحَّ ِعباد شك ِمْنـهم الْمهلش ِ‬
‫ْ‬ ‫شش‬ ‫ش ش‬
‫أن طبيعة عالقة ال َّ ـ ـ ـ ـيطان‬ ‫القرآين َّ‬
‫صـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ــي هللا عنهم من خالل اَّنهت ِ‬ ‫لقد أيقن ال َّ‬
‫ابلب ــر هي العداوة‪ ،‬وح ميكن تبديلها‪ ،‬وح ت يريها‪ ،‬وح ميكن إجراء اَّص ــاحلة بينهما لزالة هذه‬
‫هم لت‪ ،‬وح عمل‪ ،‬وح رض يف حياتت‪ ،‬و إ الل النسان‪ ،‬ودفعت‬ ‫ألن ال َّيطان ح َّ‬ ‫العداوة َّ‬
‫ضـَّرعوا شولش ِك ْن‬ ‫الذنوب‪ ،‬كما قال تعاىل ﴿فشـلش ْوحش إِ ْذ شجاءشه ْم شأبْ ـنشا تش ش‬ ‫إىل معصــية هللا‪ ،‬بوا ــطة تايي ُّ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪.]43 :‬‬ ‫ت قـلوهب ْم شوشزيَّ شن شيم ال َّْيطشان شما شكانوا يشـ ْع شملو ش‬‫قش شس ْ‬
‫﴿و شج ْد ُّهتشا‬
‫عما قالت ايدهد لس ـ ــليمان عليت الس ـ ــالم ب ـ ــأن ملكة ـ ــبأ ش‬ ‫وقال تعاىل حكايةً َّ‬
‫صـدَّه ْم شع ِن ال َّسـبِ ِيل فشـه ْم حش‬ ‫ون َِّ‬
‫س ِمن د ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شوشزيَّ شن شيم ال َّ ـْيطشان أ ْشع شما شي ْم فش ش‬ ‫شوقشـ ْوشم شها يش ْسـ دو شن لل َّ ـ ْم ِ ْ‬
‫يشـ ْهتشدو شن ﴾ [النمل‪ ]24 :‬وزيَّن يم ال َّ ـ ـ ـ ـيطان أعمايم أأ ح َّس ـ ـ ـ ـن يم ما هم فيت من الكفر‪﴿ ،‬‬
‫السبِ ِيل﴾ أأ عن طريق التَّوحيد(‪ ،)1‬ومن هذا الباب‪ ،‬وهبذا األ لوب ‪ -‬أ لوب‬ ‫صدَّه ْم شع ِن َّ‬ ‫فش ش‬
‫الدين يف أع اَّبتدع (‪.)2‬‬ ‫التَّايي ‪ -‬ياييِن ال َّيطان البدي يف ِ‬
‫عدوهم األكرب‪ ،‬وامتثلوا قول هللا تعاىل ﴿إِ َّن ال َّ ـ ـْيطشا شن لشك ْم‬ ‫إبليس َّ‬
‫صـ ـ ـلابة ش‬ ‫ولذلك جعل ال َّ‬
‫اب ال َّسـعِ ِري ﴾ [فاطر‪ ]6 :‬فعادوه‪ ،‬و يطيعوه‪،‬‬ ‫هللاـل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫شعدو فشاهذوه شعد ًّوا إَّجشا يش ْدعو ح ْايبشت ليشكونوا م ْن أش ْ ش‬
‫وحذروا منت النَّاس‪.‬‬‫واح زوا منت‪َّ ،‬‬
‫الصحابة الكرام‪:‬‬
‫‪ - 8‬التَّخاطب خ حسن الكالم بني َّ‬
‫﴿وق ْل‬
‫الصلابة الكرام َّاربة ال َّيطان امتثايم قول هللا تعاىل ش‬ ‫من الو ائل اليت ا تهدمها َّ‬
‫لِعِب ِادأ يـقولوا الَِّيت ِهي أشحسـن إِ َّن ال َّ ـيطشا شن يـْنـايغ بـيـنشـهم إِ َّن ال َّ ـيطشا شن شكا شن لِ ِإلنْسـ ِ‬
‫ان شعد ًّوا مبِيناً﴾‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ ش ش شْ ْ‬ ‫ش ْش‬ ‫ش ش‬
‫[اإلس ـراء‪ ،]53 :‬لقد أمر هللا تعاىل ر ـولت الكر هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬أن رمر اَّؤمن أبن يقولوا‬
‫أل‪،‬م إن يفعلوا ذلك‪ ،‬نايغ‬ ‫يف ملاطباهتـ ـ ـ ــم‪ ،‬وحماوراهتـ ـ ـ ــم الكـ ـ ـ ــالم األحسن‪ ،‬والكلمـ ـ ـ ــة الطَّيِبـ ـ ـ ــة َّ‬
‫ال َّيطان بينهم أأ أفسد فيما بينهم‪ ،‬وهيَّت ال ََّّر‪ ،‬والِمراء ل ـ ـ ـت ـ ـ ـقـ ـ ــع بينهم العداوة والب ضـ ـ ــاء‬
‫ان شعد ًّوا مبِيناً ﴾ يريد إح‬ ‫أأ ش ــديد العداوة لإلنس ــان ولذلك فهو ﴿إِ َّن ال َّ ـ ـيطشا شن شكا شن لِ ِإلنْسـ ـ ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬
‫ال ََّّر يم‪ ،‬والعداوة فيما بينهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطب (‪.)185/12‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)51/1‬‬
‫‪173‬‬
‫ـلوب ٍيل يف معاملة النَّاس من قولت تعاىل‬ ‫صـ ـ ـلابة الكرام عل خل ٍق رفي ٍع وأ ـ ـ ٍ‬ ‫ترىب ال َّ‬
‫وقد َّ‬
‫ك ِمن شلاي ِ‬
‫ات ال َّ ـي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ِ‬ ‫ش‬ ‫*وق ْل شرب أشعوذ بِ ش ْ شش‬ ‫ِ‬
‫شح شس ـن ال َّس ـيئشةش شْحنن أ ْشعلشم مبشا يشص ـفو شن ش‬ ‫﴿ادفش ْع ِابلَِّيت ه شي أ ْ‬
‫ْ‬
‫ون ﴾ [املؤمنون‪ ،]98 - 96 :‬وقولت تعاىل أأ ابخلشلَّة الَّيت هي أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬ ‫ب أش ْن ش ض ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ‬ ‫ك رِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫*وأشعوذ ب ش ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫شح شس ـ ـ ـ ـن﴾‪ ،‬ومكارم األخالق‪ ،‬ادفع إ ـ ـ ـ ــاءة من يس ـ ـ ـ ــيء إليك‪،‬‬ ‫﴿ادفش ْع ِابلَِّيت ه شي أ ْ‬ ‫اخلِالل أأ ْ‬
‫فبهذا تعود عداوتت هللا ــداقة‪ ،‬وب ض ــت حمبَّة(‪ ،)1‬وقولت تعاىل أأ أعوذ بك من و ــاو ــهم اَّ رية‬
‫ألن ال َّ ياط ح ينفع‬ ‫الص ِد عن احلق َّ‬ ‫ون ﴾‪ ،‬و َّ‬ ‫ب أش ْن ش ضر ِ‬
‫ْ‬ ‫ك رِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وأشعوذ ب ش ش‬ ‫عل الباطل وال ُّرور ش‬
‫ـأن من شــؤوين أو‬ ‫رب أن ضــروين يف شـ ٍ‬ ‫معهم شــيء‪ ،‬وح ينقادون ابَّعرو (‪ ،)2‬أأ أعوذ بك ِ‬
‫ون ﴾‪ ،‬ويذا أمر ال َّ ـ ـ ـ ـري بذكر هللا يف ابتداء األمور‬ ‫ب أش ْن ش ضـ ـ ـ ـر ِ‬ ‫ك رِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫﴿وأشعوذ ب ش ش‬ ‫يف ش ـ ـ ــيء من ش‬
‫وذلك لطرد ال َّيطان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫احلش شس ـ ـنشة شوحش ال َّس ـ ـيِئشة ْادفش ْع ِابلَِّيت ه شي أش ْح شس ـ ـن فشَِ شذا الَّذأ بشـْيـنش ش‬
‫﴿وحش تش ْس ـ ـتش ِوأ ْ‬ ‫وقال هللا تعاىل ش‬
‫*وإِ َّما‬ ‫ٍ ِ‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شربوا وما يـلشق ش ِ‬ ‫حيم *وما يـلشق ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاها إحَّ ذو شحم شعظي ٍم ش‬ ‫شش‬ ‫ين ش‬ ‫َّاها إحَّ الذ ش‬ ‫ش‬ ‫شوبشـْيـنشت شع شد شاوة شكأشنَّت شوِس ش ش ش‬
‫ابَّللِ إِنَّت ه شو ال َّس ـ ِميع الْ شعلِيم ﴾ [فصــلت‪ ،]36 - 34 :‬وقولت تعاىل‬ ‫ان نشـ ْايغ فشا ْ ـتشعِ ْذ َّ‬ ‫َّك ِمن ال َّ ـيطش ِ‬
‫يشـْنـشاي شن ش ش ْ‬
‫ِ‬
‫شح شسن﴾ أأ شم ْن أ اء إليك فادفعت عنك إليت‪.‬‬ ‫﴿ ْادفش ْع ِابلَِّيت ه شي أ ْ‬
‫حيم ﴾‪ ،‬أو قري ‪.‬‬ ‫ك وبـيـشنت ع شداوة شكأشنَّت وِس شِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ش‬ ‫وقولت تعاىل كأنَّت وس أأ ﴿فشَ شذا الذأ بشـْيـشن ش ش شْ ش ش‬
‫(حيم) أأ شـ ـ ـ ــديد الوحء‪ .‬ومعىن ذلك أنَّك إذا أحسـ ـ ـ ــنت إىل شم ْن أ ـ ـ ـ ــاء إليك قادتت تلك‬
‫حض يصــري كأنَّت وس لك‪ ،‬حيم أأ قري‬ ‫احلنو عليك َّ‬ ‫احلســنة إليت إىل مصــافاتك‪ ،‬وحمبَّتك‪ ،‬و ِ‬
‫إليك من ال َّفقة عليك والحسان إليك‪.‬‬
‫َّاها إِحَّ ذو شح ٍم شع ِظي ٍم ﴾ يقبل‬ ‫مثَّ قال تعاىل أأ ﴿وما يـلشق ِ َّ ِ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شربوا شوشما يـلشق ش‬
‫ين ش‬ ‫َّاها إحَّ الذ ش‬
‫ش‬ ‫شش‬
‫هذه الوهللايَّة ‪ -‬وهي مقابلة ال اءة ابلحسان ويعمل هبا ‪ -‬إح شم ْن هللارب عل ذلك‪ ،‬فَنَّت ي ق‬
‫عل النُّفوس‪ ،‬وما يقبل هذه الوهللاية أأ ذو نصي ٍ واف ٍر من َّ‬
‫السعادة يف الدُّنيا وا خرة‬
‫وقال تعاىل أأ وإما يـ ْل ِق ش َّ ال َّ ـ ـيطان يف نفس ــك و ــو ــة ليلملك عل جمازاة اَّس ــيء‬
‫ان نشـ ْايغ فشا ْ ـتشعِ ْذ ِاب ََّّللِ إِنَّت ه شو ال َّسـ ِميع الْ شعلِيم ﴾‪ ،‬واحنتقام منت‪ ،‬فا ــتعذ‬
‫َّك ِمن ال َّ ـيطش ِ‬
‫﴿وإِ َّما يشـْنـشاي شن ش ش ْ‬
‫ش‬
‫ابهلل من و ــاوس هذا ال َّ ـيطان وناي ت‪ ،‬وشـ ِـره‪ ،‬فَنت يســمع ا ــتعاذتك‪ ،‬ويعلم حالك‪ ،‬فال َّ ـيطان‬

‫(‪ )1‬تفسري القامسي (‪.)100/12‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)85/1‬‬
‫‪174‬‬
‫ألن الحسان الذأ ير يت هو فقا أن تطيعت‬ ‫نحسان َّ‬‫ٍ‬ ‫ح تنفع معت مداراة‪ ،‬وح مقابلة إ اءتت‬
‫عدو النس ـ ــان فقد ينفع معت إحس ـ ــانك إليت‪،‬‬
‫يف معص ـ ــية هللا‪ ،‬وح يقبل منك ري هذا أبداً‪َّ ،‬أما ُّ‬
‫وعدم مقابلة إ ــاءتت ن ــاءةٍ مثلها‪ ،‬ولذلك حثَّنا ال َّ ـ ـري عل مقابلة إ ــاءة اَّس ــيء من النس‬
‫ابلحســان إليت‪َّ ،‬أما ابلنِســبة لنايغ ال َّ ـيطان ُّ‬
‫وحترشــت ابلنســان فال ينفع معت إح اح ــتعاذة ابهلل‬
‫شره(‪.)1‬‬ ‫ليهلِصك من ِ‬
‫إن اَّنهت القرآينَّ الكر و َّ حقيقة العالقة ب النسان وال َّيطان‪ ،‬وب َّ ش ب شل عالجها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وو ــائل ال َّ ـ ـيطان ل واء ب آدم‪ ،‬ومض ـ ـ القرآن يتلدَّث عن ال َّ ـ ـيطان‪ ،‬وهو يف جهنم‪ ،‬وقد‬
‫تربأ اَّن أ واهم‪ ،‬وأ لَّهم من ب النسان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ين ا ْ ـ ـ ـ ـ ـتشك شْربوا إِ َّان كنَّا لشك ْم تشـبشـ ًعا فشـ شه ْل أشنْـت ْم‬ ‫ِِ‬ ‫﴿وبشـشرزوا ََِّّللِ شِ ًيعا فشـ شق شال ال ُّ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ شع شفاء للَّذ ش‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫شج ِاي ْعنشا أش ْم ش‬
‫هللا ـ شْربشان شما‬ ‫اَّلل شيششديْـنشاك ْم ش ـ شواء شعلشْيـنشا أ ش‬ ‫اَّللِ ِم ْن شش ـ ْي ٍء قشالوا لش ْو شه شد شاان َّ‬ ‫م ْنو شن شعنَّا ِمن شع شذ ِ‬
‫اب َّ‬ ‫ْ‬
‫ض شي األ ْشمر إِ َّن َّ‬ ‫يص *وقش شال ال َّيطشان لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ق ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شخلش ْفتك ْم‬ ‫احلشِق شوشو شع ْدتُّك ْم فشأ ْ‬ ‫اَّللش شو شع شدك ْم شو ْع شد ْ‬ ‫ْ‬ ‫لشنشا م ْن شحم ٍ ش‬
‫ان إِحَّ أش ْن شد شع ْوتك ْم فشا ْ ـتش ش ْبـت ْم ِس فشالش تشـلوم ِوين شولوموا أشنْـف شسـك ْم شما أ ششان‬ ‫وما شكا شن ِس علشيكم ِمن ـ ْلطش ٍ‬
‫ش شْ ْ ْ‬ ‫شش‬
‫ون ِم ْن قشـْبل إِ َّن الظَّالِ ِم ش شي ْم شع شذاب أشلِيم ﴾‬ ‫ِمبص ـ ـ ِرِخكم وما أشنْـتم ِمبص ـ ـ ِرِخي إِِين شك شفرت ِمبشا أش ْش ـ ـرْكتم ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ ش ش ْ ْ َّ‬ ‫ْ‬
‫[إبراهيم‪.]22 - 21 :‬‬

‫العدو اللَّع ‪.‬‬


‫الصلابة ر ي هللا عنهم يذا ِ‬
‫وتصور َّ‬
‫هذه هللاورة موجاية عن حقيقة إبليس‪ُّ ،‬‬
‫الصحابة إىل الكون‪ ،‬واحلياة‪ ،‬وبعض املخلوقات‪:‬‬
‫اتسعاً‪ :‬نظرة َّ‬

‫ص ـلابة كتاب هللا تعاىل‪ ،‬ويربِيهم عل التَّصـ ُّـور‬ ‫ظل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يعلِم ال َّ‬ ‫َّ‬
‫صـ ـ ـلي يف قض ـ ــاَي العقائد‪ ،‬والنَّظر الس ـ ــليم للكون واحلياة‪ ،‬من خالل ا َيت القرآنيَّة الكرمية‪،‬‬ ‫ال َّ‬
‫فب َّ بدء الكون ومصريه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ك شر ُّ‬ ‫ض ِيف يشـ ْوشم ْ ِ شوشْد شعلو شن لشت أشنْ شد ًادا ذشل ش‬ ‫قال تعاىل ﴿ق ْل أشإِنَّك ْم لشتشكْفرو شن ِابلَّذأ شخلش شق األ ْشر ش‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الْ عالش ِم *وج عل فِيها روا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ِمن فشـوقِها وابرشك فِيها وشقد ِ‬
‫َّر ف شيها أشقْـ شو شاهتشا يف أ ْشربشـ شعة أ َّشَيم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شواءً‬
‫ش ْ ْ ش ششش ش ش ش‬ ‫ش ش ش ش ش ش ش شش‬
‫ض ائْتِيشا طشْو ًعا أ ْشو شك ْرًها قشالشتشا أشتشـْيـنشا‬ ‫لِل َّس ـ ـائِلِ ش * مثَّ ا ْ ـ ـتشـ شو إِ شىل ال َّس ـ ـ شما ِء شوِهي د شخان فشـ شق شال شيشا شولِ ْشر ِ‬
‫ش‬
‫ات ِيف يشـ ْوشم ْ ِ شوأ ْشو شح ِيف ك ِل شمسش ٍاء أ ْشمشرشها شوشزيـَّنَّا ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ شماءش ُّ‬
‫الدنْـيشا‬ ‫طشائِعِ *فشـ شقض ـ ـ ـ ـ ـ ـاه َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـبع شمساو ٍ‬
‫ش ْش ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫دير الْع ِايي ِاي الْعلِي ِم ﴾ [فصلت‪.]12-9 :‬ـ‬ ‫ِمبصابِي و ِح ْفظًا ذشلِك تشـ ْق ِ‬
‫ش ش‬ ‫ش‬ ‫شش شش‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)101 ، 100/4‬‬


‫‪175‬‬
‫وقد أشارت اآلايت الكرمية إىل ثالث حقائق كونيَّة‪:‬‬
‫وهي‬ ‫ٍ‬
‫‪ - 1‬خلق األرض‪ ،‬وتقدير األقوات فيها يف أربعة َّأَيم قبل اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتواء إىل السـ ـ ـ ـ ـ ــماء ش‬
‫دخان‪.‬‬
‫اَّاد ِأ من الدُّخان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أهللال الكون ِ‬
‫السماء جمموعها تَّة َّأَيٍم(‪.)1‬‬ ‫‪ - 3‬الدَّورات التَّكوينيَّة ل رض‪ ،‬و َّ‬
‫األولية يذه اَّواد اليت‬ ‫مهمةً‪ ،‬وهي ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتلالة حتديد احلالة َّ‬ ‫وقد ب َّ ش القرآن الكر حقيقةً َّ‬
‫اارات‪ ،‬ولن يس ـ ـ ـ ـ ــتطيع الناس‬ ‫دمعها يف جمموعات من النُّ وم‪ ،‬والكواك ‪ ،‬و َّ‬ ‫كانت عليها قبل ُّ‬
‫ض شوحش شخ ْل شق‬ ‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫معرفة ذلك‪ ،‬إح ظناً‪ ،‬وهميناً‪ ،‬قال تعاىل ﴿ما أش ْش ـ ـ ـ ـ ـه ْد ُّهتم خ ْلق ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫شش‬ ‫ش ْ ش ش‬ ‫ش‬
‫دا ﴾ [الكوف‪. ]51 :‬‬ ‫ضلِ ش شعض ً‬ ‫أشنْـف ِس ِهم وما كْنت مت ِ‬
‫َّه شذ الْم ِ‬
‫ْ شش‬
‫اَّوحد‪ ،‬و ـ ــاق حقائق كونيَّةً يف اية الو ـ ــو ‪ .‬قال‬ ‫وأشـ ــار القرآن الكر إىل هذا األهللاـ ــل َّ‬
‫ض شكانـشتشا شرتْـ ًقا فشـ شفتشـ ْقنشالشا شو شج شع ْلنشا ِم شن الْ شم ِاء ك َّل‬ ‫ِ‬ ‫ين شك شفروا أ َّ‬
‫شن ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شم شاوات شواأل ْشر ش‬
‫َّ ِ‬
‫تعاىل ﴿أ ششوشْ يشـشر الذ ش‬
‫ن ﴾ [األنبياء‪. ]30 :‬‬ ‫شش ْي ٍء شح ٍي أشفشالش يـ ْؤِمنو ش‬
‫أن هللا تعاىل خلق األرض‪،‬‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـلت ‪َّ -‬‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـلابة من ا َيت ‪ -‬الَّيت يف ـ ـ ـ ــورة ف ِ‬ ‫لقد فهم ال َّ‬
‫كل ذلك قبل ت ـ ـ ـ ــكيل ال َّسـ ـ ـ ـ ـماء وجعلها ـ ـ ـ ــبع‬ ‫وو ـ ـ ـ ــع الربكة فيها وقدَّر أقواهتا يف أربعة َّأَيم‪ُّ ،‬‬
‫السموات واألرض(‪.)2‬‬ ‫الصلابة من طريق الوحي‪ ،‬من خالق َّ‬ ‫ات‪ ،‬وهذه احلقيقة وهللال إليها َّ‬ ‫مسو ٍ‬
‫قال ابن عبَّاس ر ــي هللا عنهما شو شخلشق األرض يف يوم ‪ ،‬مثَّ شخلش شق ال َّسـ ـماء‪ ،‬مثَّ ا ــتو إىل‬
‫وخلق‬
‫ود ْحوها أ ْن أخرً منها اَّاء واَّرع ‪ ،‬ش‬ ‫اهن يف يوم آخرين‪ ،‬مثَّ دحا األرض‪ ،‬ش‬ ‫ال َّس ـماء فس ـ َّـو َّ‬
‫اها﴾‬ ‫احكام‪ ،‬وما بينهما يف يوم آخرين‪ ،‬فذلك قولت تعاىل ﴿ شد شح ش‬ ‫اجلماد‪ ،‬و ش‬ ‫مال‪ ،‬و ش‬ ‫الر ش‬‫اجلبال‪ ،‬و ِ‬
‫ش‬
‫ت‬ ‫ـيء يف أربعة أَيم‪ ،‬وخلِ شق ِ‬ ‫ت األرض وما فيها من شـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫وقولت ﴿خلشق األشرض ِيف يـوم ِ ﴾‪ .‬ف عِلش ِ‬
‫ش ش ْ ش شْ ش ْ‬
‫السموات يف يوم ‪[ .‬البخاري تعليقاً (‪. ])714/8‬‬ ‫َّ‬
‫أن هللا هو الَّذأ خلق ال َّس ـموات وألق يف األرض‬ ‫وب َّ يم القرآن الكر يف آَيت عظيمة َّ‬
‫صـ ـ ـ ـل يف اجلبال‪،‬‬ ‫روا ـ ـ ـ شـي‪ ،‬وحتدَّث عن حقائق يف الكون‪ ،‬وعن ال َّ ـ ـ ـ ـمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والنُّ وم‪ ،‬وف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)86/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر مباحث يف إع از القران ‪َّ ،‬صطف مسلم ‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪176‬‬
‫التأمل فيها‪ ،‬وأخرب أنَّت ـ ـ ــو ينس ـ ـ ــفها نسـ ـ ـ ــفاً‪،‬‬ ‫وب َّ فوائدها‪ ،‬و ـ ـ ــرب هبا األمثال‪ ،‬ودعا إىل ُّ‬
‫وحتــدَّث القرآن الكر عن البلــار‪ ،‬ومــا فيهــا من ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفن‪ ،‬واألرزاق‪ ،‬وتكلَّم القرآن الكر عن‬
‫﴿اَّلل الَّ ِذأ يـ ْرِ ـ ـ ـ ـ ـ ـل‬
‫الرعد‪ ،‬والربق‪ ،‬قال تعاىل َّ‬ ‫كالرَي ‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـل ‪ ،‬واَّطر‪ ،‬و َّ‬ ‫اجلويَّة‪ِ ،‬‬‫الظَّواهر ِ‬
‫ف يش ش ـاء شوشْجي شعلت كِ شس ـ ًفا فششش الْ شوْد شق شخيْرً ِم ْن ِخالشلِِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشَي ش فشـتثري ش ـ شل ًااب فشـيشـْبس ـطت ِيف ال َّس ـ شماء شكْي ش‬
‫ِ‬
‫﴿وأ ْشر ش ـ ـ ـ ْلنشا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫فشَِذشا أشهللاـ ـ ـ ِِ‬
‫اب بت شم ْن يش ش ـ ـ ـاء م ْن عبشاده إذشا ه ْم يش ْسـ ـ ـتشـْب ـ ـ ـرو شن ﴾ [الروم‪ ،]48 :‬وقال تعاىل ش‬ ‫ش ش‬
‫اء ماء فشأش ْ شقْيـنشاكموه وما أشنْـتم لشت ِ شا ِزنِ ش ﴾ [احلجر‪.]22 :‬‬ ‫الرَي لشواقِ فشأشنْـايلْنا ِمن َّ ِ‬
‫شش ْ‬ ‫الس شم ش ً‬ ‫ِش ش ش ش ش ش ش‬
‫الدقَّة عن احلقائق الَّيت َّقررها يف‬ ‫وقرر القرآن الكر حقائق عن احليوان‪ ،‬ح تقل يف ِ‬
‫األليَّة‪ ،‬و ِ‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫كل جوان الكون‪ ،‬واحلياة‪ ،‬فهو يلفت النَّظر اترةً إىل اَّنافع اليت صـ ـ ـ ـ ــل عليها النس ـ ـ ـ ــان من‬ ‫ِ‬
‫ـهرة لإلنس ـ ــان‪،‬‬ ‫اب ركوابً‪ ،‬وحالً‪ ،‬ولبا ـ ـ ـاً‪ ،‬وطعاماً‪ ،‬وشـ ـ ـراابً‪ ،‬وزينة‪ ،‬فهي مس ـ ـ َّ‬ ‫الدو ِ‬ ‫تس ـ ــهري هذه َّ‬
‫طس‪،‬‬‫األول قبل البعثة ينظر إىل الكون واحلياة‪ ،‬واَّهلوقات من ٍ‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫مذلَّلة لت منقادة‪ ،‬كان َّ‬
‫ـلة يف معاَّها التَّصـ ـ ـ ـ ُّـوريَّة‪ ،‬والعقديَّة‪ ،‬وح يسـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ــعرون‬ ‫وُوم‪ ،‬نظرًة مضـ ـ ـ ــطربةً ري وا ـ ـ ـ ـ ٍ‬‫وقم ٍر‪ٍ ،‬‬
‫ابَّنظومة اليت خلقها هللا‪ ،‬و َّأ‪،‬ا تس ـ ـ ــبِ هللِ‪ ،‬ولت حكمة من خلقها‪ ،‬فأرش ـ ـ ــدهم القرآن الكر إىل‬
‫أن مللوقــاتــت العظيمــة‬ ‫التــأ ُّم ـل‪ ،‬والتــدبُّر يف هــذا الكون‪ ،‬ومــا فيــت من مللوقــات‪ ،‬وب َّ يم حقيقــة َّ‬
‫تســبِ لت ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬ولكن ح يفقهون تســبيلهم‪ ،‬قال تعاىل ﴿ت شس ـبِ لشت ال َّس ـ شم شاوات‬
‫يله ْم إِنَّت شكا شن‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ال َّس ـْبع شواأل ْشرض شوشم ْن في ِه َّن شوإ ْن م ْن شش ـ ْيء إحَّ ي شس ـبِ حبش ْمده شولشك ْن حش تشـ ْف شقهو شن تش ْس ـبِ ش‬
‫حلِيما شفورا﴾[اإلسراء‪. ]44 :‬‬
‫ش ً ً‬
‫وحدَّثهم القرآن الكر عن ظاهرة تذليل‪ ،‬وانقياد احليوان لإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬وب َّ يم َّأ‪،‬ا ظاهرة‬
‫تس ــتدعي ش ــكر اَّنعم الَّذأ جعل فيها هذه الطَّبائع‪ ،‬ولوح وجود هذا الطَّبع فيها َّا ا ــتطاي‬
‫ت أشيْ ِدينشا أشنْـ شعا ًما‬ ‫ِ‬
‫النسـ ـ ـ ــان الت لُّ عليها ـ ـ ـ ــبيالً ‪ .‬قال تعاىل ﴿أ ششوشْ يشـشرْوا أ َّشان شخلش ْقنشا شي ْم اَّا شع ِملش ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫اها شي ْم فش ِمْنـ شها شركوهب ْم شوِمْنـ شها شرْكلو شن * شوشي ْم فِ شيها شمشنافِع شوشم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِرب أشفشالش‬
‫*وذشلَّْلشن ش‬
‫ِ‬
‫فشـه ْم شيشا شمالكو شن ش‬
‫ن ﴾[يس‪. ]73 - 71 :‬‬ ‫يش ْ كرو ش‬
‫وخيطا‪،‬‬ ‫ويفكر‪ِ ،‬‬ ‫أن النسـ ــان يعقل ِ‬ ‫ولفت القرآن الكر األنظار إىل مسـ ــألة رزق احليوان‪ ،‬و َّ‬
‫فكر يف ِادخاره‪،‬‬ ‫يقة ما َّ‬ ‫ويسع يف بيل حتصيل معي تت وكسبت‪ ،‬وإذا حصل عل الكس بطر ٍ‬
‫وهايينت للمس ـ ــتقبل‪َّ ،‬أما احليوان فليس ـ ــت عنده القدرة عل التَّفكري والتَّهطيا‪ ،‬وليس من طبعت‬

‫(‪ )1‬انظر مباحث يف إع از القران ‪َّ ،‬صطف مسلم ‪ ،‬ص ‪ 177‬إىل ‪.179‬‬
‫‪177‬‬
‫ـيء قد تكفلت أبرزاقها‪ ،‬وتوفري ـ ـ ـ ـ ـ ــبل البقاء‬ ‫بكل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫لكن قدرة احلكيم اخلبري اَّيطة ِ‬ ‫ذلك‪ ،‬و َّ‬
‫اَّلل يشـ ْرزقـ شها شوإِ ََّيك ْم شوه شو ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ِميع الْ شعلِيم ﴾‬
‫﴿وشكأشيِ ْن ِم ْن شدآبٍَّة حش شْحت ِمل ِرْزقشـ شها َّ‬
‫أمامها‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫[العنكبوت‪. ]60 :‬‬

‫األلوهية يف اَّهلوقات العلم‪ ،‬والحاطة ابَّكان‪ ،‬والتَّكفُّل ابلرزق يف يع‬ ‫َّ‬ ‫هكذا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلراء اَّرقة‪،‬‬ ‫مكان‪ ،‬يف أعماق البلار‪ ،‬واَّيطات‪ ،‬ويف ال َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫الظُّرو ‪ ،‬فاحليوان مرزوق يف ِ‬
‫اب ح يض ـ ُّـل‬ ‫كل ذلك يف كت ٍ‬ ‫صـ ـ َّماء‪ ،‬ويف أجواء الفض ــاء‪َّ ،‬‬ ‫واألهللا ــقاي اَّت ِمدة‪ ،‬حتت ال ُّ‬
‫صـ ـهور ال َّ‬
‫اَّللِ ِرْزقـ شها شويشـ ْعلشم م ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـ شقَّرشها‬ ‫﴿وشما ِم ْن شدآبٍَّة ِيف األ ْشر ِ‬
‫ض إِحَّ شعلش َّ‬ ‫ِريب‪ ،‬وح ينس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫اب مبِ ٍ ﴾ [هود‪.]6 :‬‬ ‫ومستشـوشد شعها كل ِيف كِتش ٍ‬
‫ش ْْ ش‬
‫الدواب واحل ـ ـ ـ ـرات اَّتباينة يف‬ ‫أن هذه اَّهلوقات ‪ -‬من َّ‬ ‫وقد لفت القرآن الكر النَّظر إىل َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫﴿وشما‬‫األش ـ ــكال واحل وم وطريقة احلركة‪ ،‬وال َّسـ ـ ـري ‪ -‬أمم‪ ،‬وفص ـ ــائل أمثال النَّاس ‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫اب ِم ْن شش ْي ٍء مثَّ إِ شىل‬ ‫ض وحش طشائٍِر ي ِطري ِقشنشاحْي ِت إِحَّ أمم أ ْشمثشالكم ما فشـَّرطْنشا ِيف الْ ِكتش ِ‬
‫ْش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ٍِ‬
‫م ْن شدآبَّة يف األ ْشر ِ ش‬
‫ِ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]38 :‬‬ ‫شرهبِِ ْم ْ ش رو ش‬
‫األول عن الكون‪ ،‬وم ــا في ــت من‬ ‫الرعي ــل َّ‬ ‫وهك ــذا نشظَّ شم القرآن الكر أفك ــار‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـورات َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم يف رس حقيقة‬ ‫ٍ‬
‫ـتمر الن ُّ‬
‫مللوقات‪ ،‬وعن حقيقة هذه احلياة الفانية‪ ،‬وا ـ َّ‬
‫أن شم ْن عر منهم عاقبتت‪ ،‬و ـ ــبيل النَّ اة‪،‬‬ ‫اَّص ـ ــري‪ ،‬و ـ ــبيل النَّ اة يف نفوس أهللا ـ ــلابت‪ ،‬موقناً َّ‬
‫حض يظفر داً هبذه النَّ اة‪،‬‬ ‫ـيلة لس ـ ــلوك ال َّس ـ ـ ـبيل‪َّ ،‬‬ ‫بكل ما أول من َّقوةٍ وو ـ ـ ٍ‬ ‫والفوز ـ ــيس ـ ــع ِ‬
‫وذلك الفوز‪ ،‬ورَّكاي هللال هللا عليت و لم يف هذا البيان عل اجلوان التَّالية‬
‫وإن متاعها مهما عظم فَنَّت قليل حقري‪،‬‬ ‫إن هذه احلياة الدُّنيا مهما طالت فهي إىل زو ٍال‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ا بِِت نشـبشات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫احلشيشاةِ ُّ‬ ‫وو َّ ـ ـ ـ ـ ش يم ذلك هللا تعاىل ﴿إَِّجشا شمثشل ْ‬
‫الدنْـيشا شك شماء أشنْـشايلْنشاه م شن ال َّسـ ـ ـ ـ شماء فش ْ‬
‫اختشـلش ش‬
‫ت شوظش َّن أ ْشهل شها أ َّش‪ْ ،‬م قش ِادرو شن‬ ‫ض ِاَّا رْكل النَّاس واألشنْـعام ح َّض إِ شذا أ ِ‬
‫شخ شذت األ ْشرض ز ْخرفشـ شها شو َّازيـَّنش ْ‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫األ ْشر ِ ش‬
‫ك نـ شف ِصل ا َيت لِشق ْوٍم‬ ‫يدا شكأش ْن ش تشـ ْن ِابألشم ِ ِ‬
‫س شك شذل ش‬ ‫ْ ش ْ‬ ‫اها شح ِص ً‬
‫شعلشْيـ شها أ ششات شها أ ْشمرشان لشْيالً أ ْشو ش‪،‬ش ًارا فش ش شع ْلنش ش‬
‫ن ﴾ [يونس‪. ]24 :‬‬ ‫يشـتشـ شف َّكرو ش‬
‫إن ا ية الكرمية ال َّس ـ ـابقة فيها ع ـ ــر ٍل وقع ال َّكي من جمموعها‪ ،‬حبيث لو ـ ــقا منها‬ ‫َّ‬
‫ضـيها‪ ،‬وانقراض نعيمها‪ ،‬وا ار‬ ‫اختل التَّ ــبيت إذ اَّقصــود ت ــبيت حال الدُّنيا يف ــرعة تق ِ‬ ‫شــيء َّ‬

‫(‪ )1‬انظر مباحث يف إع از القران ‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪178‬‬
‫السماء‪ ،‬وأنبت أنواي الع ‪ ،‬وزيَّن بايخرفت وجتش األرض‪ ،‬كالعروس‬ ‫ماء نايل من َّ‬ ‫النَّاس هبا‪ ،‬حبال ٍ‬
‫إذا أخذت الثِياب الفآخرة‪ ،‬حض إذا طمع أهلها فيها‪ ،‬وظنُّوا أ‪،‬ا م شسلَّ شمة من اجلوائ أاتها أبس‬
‫فكأ‪،‬ا تكن ابألمس(‪.)1‬‬ ‫هللا ف أ ًة‪َّ ،‬‬
‫الدنْـيشا‬‫احلشيشاةِ ُّ‬‫ب شي ْم شمثش شل ْ‬ ‫﴿وا ْ ـ ـ ـ ِر ْ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بقول هللا تعاىل ش‬ ‫وأخربهم َّ‬
‫يما تش ْذروه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا بِِت نـشبشات األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اَّلل شعلش‬‫الرشَي شوشكا شن َّ‬ ‫ض فشأش ْ‬
‫هللا ـ ـبش ش شه ـ ـ ً‬ ‫شك شماء أشنْـشايلْنشاه م شن ال َّس ـ ـ شماء فش ْ‬
‫اختشـلش ش‬
‫الدنْـيشا﴾‪ ،‬وفنائها‪،‬‬ ‫احلشيشاةِ ُّ‬ ‫﴿مثش شل ْ‬ ‫حممد للنَّاس يف ش‬ ‫ك ِل ششـ ْي ٍء م ْقتش ِد ًرا ﴾ [الكوف‪ ]45 :‬أأ وا ــرب َي َّ‬
‫ِ‬ ‫ا بِِت نشـبشات األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يما تش ْذروه‬ ‫ض فشأش ْ‬
‫هللا ـ ـ ـبش ش شه ـ ـ ـ ً‬ ‫وانقض ـ ـ ــائها أأ ﴿ شك شماء أشنْـشايلْنشاه م شن ال َّس ـ ـ ـ شماء فش ْ‬
‫اختشـلش ش‬
‫ِ‬ ‫الرشَي ﴾ فيها من احل ِ ‪ ،‬ف َّ ‪ ،‬وجا‪ ،‬وحسن‪ ،‬وعاله َّ‬ ‫ِ‬
‫شهللابش ش‬
‫الايهر‪ ،‬والنَّضرة‪ ،‬مثَّ بعد هذا كلت ﴿فشأ ْ‬
‫الرشَي ﴾‪ ،‬أأ تفرقت وتطرحت ذات اليم ‪ ،‬وذات ال ِ مال ﴿ شوشكا شن‬ ‫يما﴾ أأ َيبساً ﴿تش ْذروه ِ‬ ‫شه ً‬
‫ِ‬
‫اَّلل شعلش ك ِل شش ْي ٍء م ْقتش ِد ًرا﴾ أأ هو قادر عل الن اء والفناء‪.‬‬ ‫َّ‬
‫احلشيشـاة الـ ُّـدنْـيشـا لشعِـ شوشيْو شوِزينشـة شوتشـ شفـآخر بشـْيـنشك ْم شوتش شكـاثـر ِيف األ ْشم شو ِال‬ ‫﴿اعلشموا أشَّجـشا ْ‬ ‫وقــال تعــاىل ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شفًّرا مثَّ يشكون ح طش ًاما وِيف اْ خرةِ‬
‫ش‬ ‫َّار نشـشباتت مثَّ يش ِهيت فشششاه م ْ‬ ‫شو ْاأل ْشوشحد شك شمشث ِل شْيث أ ْشع ش ش الْك ف ش‬
‫الدنْـيشا إَِّح شمتشاي الْ روِر ﴾[احلديد‪ ]20 :‬يقول تعاىل‬ ‫احلشيشاة ُّ‬ ‫اَّللِ شوِر ْ ـ ـ شوان شوشما ْ‬‫شع شذاب شش ـ ـ ِديد شوشم ْ ِفشرة ِم شن َّ‬
‫﴿وشيْو﴾‬ ‫ٍ‬ ‫الدنْـيشا لشعِ ﴾ أأ تفري‬ ‫احلشيشاة ُّ‬ ‫﴿اعلشموا أَّشجشا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس‪ ،‬ش‬ ‫م شوهنشاً أمر احلياة الدُّنيا‪ ،‬وحمقراً يا ْ‬
‫﴿وتشـ شفآخر بشـْيـنشك ْم﴾ أأ ابحلس والنَّس ﴿ شوتش شكاثـر‬ ‫أأ ابطل‪ِ ،‬‬
‫﴿وزينشة﴾ أأ منـ ـ ــظر يـ ـ ــل ش‬ ‫ش‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الايَّراي نبات‬ ‫ُّ‬ ‫َّار نـششباتت﴾ أأ يع‬ ‫ِيف األ ْشم شوال شواأل ْشوحشد شك شمثش ِل شْيث﴾ أأ مطر ﴿أ ْشع ش ش الْكف ش‬
‫الايَّراي ذلك‪ ،‬كذلك تع احلياة الدُّنيا الكفار‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الايري الَّذأ نبت ابل يث‪ ،‬وكما يع‬ ‫ذلك َّ‬
‫جيف بعــد‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شفًّرا﴾ أأ مثَّ ُّ‬ ‫ـَ‪،‬م أحرص النـَّاس عليهــا‪ ،‬وأميــل النـَّاس إليهــا ﴿مثَّ يش ِهيت فشششاه م ْ‬ ‫فـ َّ‬
‫خض ـ ـرتت‪ ،‬ونض ـ ـرتت‪ ،‬ف اه مص ـ ــفراً أأ من اليبس ﴿مثَّ يشكون حطش ًاما﴾‪ ،‬مث يكون بعد ذلك كلِت‬
‫حطاماً أأ ه يماً منكسراً وكذلك الدُّنيا ح تبق ‪ ،‬كما ح يبق النَّبات الَّذأ وهللافناه‪ ،‬ول ـ ـ ـ َّـما‬
‫أن ا خرة كائنة‪ ،‬واتية ح حمالة‪،‬‬ ‫كان هذه اَّثل داحً عل زوال الدُّنيا‪ ،‬وانقض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائها ح حمالة‪ ،‬و َّ‬
‫﴿وِيف ا خرةِ شع شذاب ششـ ـ ـ ِديد‬ ‫حذران هللا تعاىل من أمرها‪ ،‬ور َّبنا فيما فيها من اخلري‪ ،‬فقال تعاىل ش‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ شوِر ْ ـ ـ ـ شوان﴾ أأ وليس يف ا خرة ا تية إح َّإما هذا‪ ،‬وإما هذا أأ َّإما عذاب‬ ‫شوشم ْ ِفشرة ِم شن َّ‬
‫الدنْـيشا إِحَّ شمتشاي الْ روِر ﴾ أأ‬ ‫احلشيشاة ُّ‬
‫﴿وشما ْ‬
‫وإما م فرة من هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـوان‪ ،‬وقولت تعاىل ش‬ ‫ش ـ ـ ــديد‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر مباحث يف إع از القران ‪ ،‬ص ‪.216‬‬


‫‪179‬‬
‫شم ْن يعتقد أ نَّت ح‬ ‫هي متاي زائل ي ُّر‪ ،‬وخيدي شم ْن يركن إليها‪ ،‬وإىل متاعها‪ ،‬في ُّ هبا‪ ،‬وتع‬
‫دار واها‪ ،‬وح معاد وراءها‪ ،‬مع َّأ‪،‬ا حقرية‪ ،‬قليلة اَّتاي ابلنسبة إىل الدَّار ا خرة(‪.)1‬‬
‫بكل متاعها‪ ،‬وزينتها‪،‬‬ ‫إن هذه احلقيقة الَّيت أشـ ــارت إليها ا َيت الكرمية‪ ،‬هي حقيقة الدُّنيا ِ‬ ‫َّ‬
‫كل ذلك ابلنِسـ ـ ــبة لنعيم ا خرة شـ ـ ــيء اتفت‪ ،‬وقليل وزائل‪ ،‬هكذا‬ ‫وما ت ـ ـ ــتهيت النَّفس منها‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬
‫صـ ـ ـ ـرهم‪ ،‬ويذكِرهم‬
‫األول حقيقة الدُّنيا‪ ،‬فكان ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يب ِ‬
‫الرعيل َّ‬ ‫فهم َّ‬
‫وظل هللاــل هللا عليت و ــلم معهم عل هذه‬ ‫بدورهم‪ ،‬ور ــالتهم يف األرض‪ ،‬ومكانتهم عند هللا‪َّ ،‬‬
‫حض انقد يف ذهنهم ما يم عند هللا‪ ،‬وما دورهم وما ر ـ ـ ـ ــالتهم يف‬ ‫احلال من التَّبصـ ـ ـ ــري والتَّذكري َّ‬
‫األرض‪ ،‬وأتثُّراً ب بيتت احلميدة تولَّد احلماس‪ ،‬والعايمية يف نفوس أهللاـ ــلابت‪ ،‬فانطلقوا عامل ابللَّيل‬
‫ملل‪ ،‬ودون‬ ‫بكل ما يف و ـ ـ ـ ــعهم‪ ،‬وما يف طاقتهم دون فتوٍر‪ ،‬أو تو ٍان‪ ،‬ودون كسـ ـ ـ ـ ٍـل‪ ،‬أو ٍ‬ ‫والنَّهار ِ‬
‫أحد إح من هللا‪ ،‬ودون طمع يف م ن ٍم أو جاهٍ إح أداء هذا الدَّور وهذه ِ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالة‬ ‫خو ٍ من ٍ‬
‫السعـادة يف الدُّنيـا‪ ،‬والفـوز‪ ،‬والنَّ اة يف ا خرة(‪.)2‬‬ ‫لتلقيق َّ‬
‫أل‪،‬م ان مس ـ ـ ـ ـ ـوا يف‬ ‫إن كثرياً من العامل يف جمال الدَّعوة هبتت يف نفو ـ ـ ـ ـ ــهم هذه احلقيقة َّ‬ ‫َّ‬
‫ـيء من‬‫هذه احلياة الدُّنيا‪ ،‬ومتاعها وش ـ ـ ـ فتهم حباً‪ ،‬فهم يلهثون وراءها‪ ،‬وكلَّما حصـ ـ ــلوا عل ش ـ ـ ٍ‬
‫وإ‪،‬ا لكارثة‬ ‫متاعها طلبوا اَّاييد‪ ،‬فهم ح ي ـ ـ ـ ـ ــبعون‪ ،‬وح يقنعون بس ـ ـ ـ ـ ــب التص ـ ـ ـ ـ ــاقهم ابلدُّنيا‪َّ ،‬‬
‫ابألمة‪َّ ،‬أما التمتُّع هبذه احلياة يف حدود ما رمست ال َّ ـري‪ ،‬و ِاهاذها‬ ‫عظيمة عل الدَّعوة‪ ،‬والنُّهوض َّ‬
‫مطيَّةً لآلخرة فذلك فعل حممود‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر التقان ‪ ،‬للسيوطي (‪.)70/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري القامسي (‪.)49/11‬‬
‫‪180‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫البناء التعبيدي واألخالقي يف العود املكي‬
‫األول خ نواع العبادات‪:‬‬
‫الرعيل َّ‬
‫أوالً‪ :‬تزكية أرواح َّ‬
‫الرو ِم ْن أ ْشم ِر شرِيب شوشما أوتِيت ْم ِم شن الْعِْل ِم إِحَّ قشلِيالً ﴾‬ ‫الرو ِ ق ِل ُّ‬ ‫ك شع ِن ُّ‬ ‫﴿ويش ْس ـ ـ ـ ـأشلونش ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اج ِدي شن ﴾ [ص‪،]72 :‬‬ ‫وحي فشـ شقعوا لشت ـ ـ ِ‬
‫ش‬
‫[اإلسـ ـراء‪ ،]85 :‬وقال تعاىل ﴿فشَِ شذا ـ ـ َّويـتت ونشـ شفهت فِ ِيت ِمن ر ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ْ ش ْ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ شار شواألشفْئِ شد شة قشلِيالً شما‬ ‫ِِ ِ ِِ‬
‫وقال تعاىل ﴿مثَّ ش ـ ـ ـ ـ ـ َّواه شونشـ شف ش فيت م ْن روحت شو شج شع شل لشكم ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ْم شع شواألشبْ ش‬
‫تش ْ ـكرو شن ﴾ [السجدة‪ ،]9 :‬وقد شرَّىب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أهللاــلابت عل تايكية أرواحهم‪،‬‬
‫وأرش ـ ـ ــدهم إىل الطَّريق الَّيت تس ـ ـ ــاعدهم عل حتقيق ذلك اَّطل ‪ ،‬من خالل القرآن الكر ومن‬
‫ِ‬
‫ألها‬
‫حض ي عروا بعظمة اخلالق‪ ،‬وحكمتت‬ ‫‪ 1‬ـ ـ التَّدبُّر يف كون هللا ومللوقاتت‪ ،‬ويف كتاب هللا تعاىل َّ‬
‫ض ِيف ِ ـ ـ ـ ـ ـت َِّة أ َّشَيٍم مثَّ‬ ‫ِ‬ ‫ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ َّن ربَّكم َّ ِ‬
‫اَّلل الَّذأ شخلش شق ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ شم شاوات شواأل ْشر ش‬ ‫ش‬
‫ا ـ ـتشـو علش الْعر ِش يـ ْ ِ ـ ـي اللَّيل النـَّهار يطْلبت حثِيثًا وال َّ ـ ـمس والْ شقمر والنُّ وم مسـ ـ َّهر ٍ‬
‫ات شأب ْشم ِرهِ‬
‫ش ش ْ ش ش شش ش ش ش ش‬ ‫ْش ش ش ش‬ ‫ْ ش ش شْ‬
‫م ش ﴾ [األعراف‪.]54 :‬‬ ‫ب الْعالش ِ‬ ‫أشحش لشت ْ‬
‫اَّلل شر ُّ ش‬ ‫اخلشْلق شواأل ْشمر تشـبش شارشك َّ‬
‫بكل ما يف الكون بل ما يف عا ال ي‬ ‫التأمل يف علم هللا ال َّامل‪ ،‬وإحاطتت الكاملة ِ‬ ‫‪ُّ - 2‬‬
‫ويطهر النَّفس من ال ـ ـ ــكوك‪ ،‬واألمراض‪.‬‬ ‫الرو ‪ ،‬والقل بعظمة هللا‪ِ ،‬‬ ‫ألن ذلك مي ُّ‬ ‫وال َّ ـ ـ ـ ـهادة َّ‬
‫﴿و ِعْن شده شم شفاتِ الْ شْي ِ حش يشـ ْعلشم شها إِحَّ ه شو شويشـ ْعلشم شما ِيف الْشِرب شوالْبش ْل ِر شوشما تش ْس ـقا ِم ْن‬ ‫قال هللا تعاىل ش‬
‫*وه شو الَّ ِذأ‬ ‫ض وحش رطْ ٍ وحش شَيبِ ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ‬
‫س إحَّ يف كتشاب مب ش‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫شوشرقشة إحَّ يشـ ْعلشم شها شوحش شحبَّة يف ظل شمات األ ْشر ِ ش ش ش‬
‫ٍِ‬
‫شجل م شسـ ـم ً مثَّ إِلشْي ِت شم ْرِجعك ْم مثَّ‬ ‫ضـ ـ أ ش‬
‫ِِِ‬
‫يشـتشوفَّاك ْم ِابللَّْي ِل شويشـ ْعلشم شما شجشر ْحت ْم ِابلنـ ش‬
‫َّها ِر مثَّ يشـْبـ شعثك ْم فيت ليـ ْق ش‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]60 - 59 :‬‬ ‫يـنشـبِئك ْم ِمبشا كْنـت ْم تشـ ْع شملو ش‬
‫وجل ‪ -‬وهي من أعظم الو ــائل ل بية ا ُّلرو وأجلِها قدراً إذ العبادة‬ ‫عاي َّ‬ ‫‪ - 3‬عبادة هللا ‪َّ -‬‬
‫ك أشحَّ‬ ‫ُّ‬
‫ض ـ شربُّ ش‬ ‫اية التذل ِل هلل ــبلانت‪ ،‬وح يس ــتلقُّها إح هللا وحده ولذلك قال ــبلانت ش‬
‫﴿وقش ش‬
‫ِ‬
‫وتطهر النفس نوعان‬ ‫تشـ ْعبدوا إِحَّ إِ ََّيه﴾ [اإلسراء‪ ،]23 :‬والعبادات الَّيت تسمو ُّ‬
‫ابلرو‬
‫احلت و ريها‪.‬‬
‫الايكاة‪ ،‬و ِ‬ ‫الصالة‪ ،‬و ِ‬
‫الصيام‪ ،‬و َّ‬ ‫األول العبادات اَّفرو ة كالطَّهارة‪ ،‬و َّ‬‫أ ‪ -‬النَّوي َّ‬

‫‪181‬‬
‫عمل يعملت النس ــان‪ ،‬أو ي كت‪،‬‬ ‫كل ٍ‬‫ب ‪ -‬النوي الثَّاين العبادات مبعناها الوا ــع‪ ،‬الَّذأ ي ــمل َّ‬
‫كل ش ـ ـ ـ ـ ــعوٍر يطرده‬ ‫بل كل ش ـ ـ ـ ـ ــعوٍر يقبِل عليت النس ـ ـ ـ ـ ــان ُّ‬
‫تقرابً بت إىل هللا تعاىل‪ ،‬بل يدخل فيها ُّ‬
‫تقرابً بت إىل هللا تعاىل‪ ،‬ما دامت نيَّة اَّتعبِد هبذا العمل هي إر اء هللا بلانت‬ ‫النسان من نفست ُّ‬
‫َّقرب إىل هللا ـ ـ ــبلانت وتعاىل عبادة يثاب هللاـ ـ ــاحبها‪ِ ،‬‬
‫وتريب روحت‬ ‫فكل األمور مع نيَّة الت ُّ‬
‫وتعاىل‪ُّ ،‬‬
‫تربيةً حسنةً(‪.)1‬‬
‫صـ ـالة‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬وذكر هللا تعاىل‪ ،‬والتَّس ــبي لت ــبلانت أمر مهم يف‬ ‫الرو ابل َّ‬
‫إن تايكية ُّ‬ ‫َّ‬
‫تتطهر من أدرا‪،‬ا‪ ،‬وتتَّص ـ ـ ـ ــل القها فلن تقوم ابلتَّكاليف‬
‫َّ‬ ‫فَن النَّفس الب ـ ـ ـ ـ ـريَّة إذا‬‫ال ـ ـ ـ ــالم َّ‬
‫الرو وقوداً وزاداً‪ ،‬ودافعاً قوَيً إىل القيام‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـرعية اَّلقاة عليها‪ ،‬والعبادة واَّداومة عليها‪ ،‬تعطي ُّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف اثلث ـ ــورةٍ نايلت عليت‬ ‫ويدل عل هذا أمر هللا َّ‬ ‫مبا تؤمر بت‪ُّ ،‬‬
‫الذكر‪ ،‬وترتيل القرآن‪.‬‬ ‫ابلصالة و ِ‬‫َّ‬
‫ص ِمْنت قشلِيالً *أ ْشو ِزْد شعلشْي ِت‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الْمَّايمل *ق ِم اللَّْي شل إِحَّ قشليالً *ن ْ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شفت أش ِو انْـق ْ‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫شش ُّد شو ْطءًا شوأشقْـ شوم قِيالً *إِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك قشـ ْوحً ثشقيالً *إِ َّن شان ِشئشةش اللَّْي ِل ه شي أ ش‬
‫ِ‬
‫شوشرتِ ِل الْقرآن تشـ ْرتِيالً *إِ َّان ش نـ ْلقي شعلشْي ش‬
‫ك وتشـبـتَّل إِلشْي ِت تشـْبتِيالً ﴾ [املزمل‪.]8 - 1 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َّها ِر ش ْب ًلا طش ِويالً ش ِ‬
‫*واذْكر ا ْ شم شرب ش ش ش ْ‬ ‫ك ِيف النـ ش‬ ‫لش ش‬
‫الذكر‬ ‫إن اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتعداد ل مر الثَّقيل‪ ،‬والتَّكاليف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاقَّة يكون بقيام اللَّيل واَّداومة عل ِ‬ ‫َّ‬
‫جل ‪ -‬عل تربية‬ ‫عاي و َّ‬ ‫بتوجيت من ربِت ‪َّ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫والتِالوة‪ ،‬وقد حرص ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫الصلابة من َّأول إ المهم عل تطهري أرواحهم وتايكيتها ابلعبادة(‪.)2‬‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫وكان أهللاــلاب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم إذا هللا ـلُّوا ذهبوا يف ال ـعاب‪ ،‬وا ـ ْ‬
‫ـته شفوا‬
‫بصــالهتم(‪ .)3‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خا هللاــل هللا عليت و ــلم يف بداية ال ــالم عل أهللاــلابت‪ ،‬وعر َّ‬
‫أن‬
‫الصالة‪ ،‬وقراءة القرآن علناً‪ ،‬دخل هبم دار األرقم‪ ،‬وهللاار يصلِي هبم‪،‬‬ ‫الكفار ح ي كو‪،‬م ميار ون َّ‬
‫عاي وجل ‪ -‬ولوح ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬والتِالوة ألمرهم‬
‫الرو ابلعبادة‪ ،‬وال َّ‬
‫ألية تايكية ُّ‬ ‫ويعلِمهم كتاب هللا ‪َّ َّ -‬‬
‫حض إنَّت بعد أن اكت ــفت قريش اَّكان الَّذأ يصــلِي فيت َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا‬ ‫ب كها عند اخلو ‪َّ ،‬‬
‫الصالة‪ ،‬والتِالوة ألجل اخلو (‪.)4‬‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫عليت و لم أبهللالابت ي ك َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪ 312/4‬ـ ‪.)313‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم يف رس الرو اجلهادية ‪ ،‬ص ‪ 19‬إىل ‪.34‬‬
‫انظر منهت َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬فقت الدَّعوة ‪ ،‬لعبد احلليم حممود (‪.)472 ، 471/1‬‬


‫(‪ )4‬انظر أليَّة اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪182‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وأثىن عل الَّذين خي ـ ـ ـ ـ ـ ــعون يف‬ ‫اَّك ِي عل إقامة ال َّ‬ ‫حض هللا تعاىل يف القرآن ِ‬ ‫وقد َّ‬
‫هللاــالهتم‪ ،‬والَّذين تت ا جنوهبم عن اَّضــاجع ألجل إحياء ليلهم بذكر هللا‪ ،‬وعل الذين يدعون‬
‫هللاـ ـ ـ ـالشهتِِ ْم شخا ِشـ ـ ـ ـعو شن‬
‫ين ه ْم ِيف ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا ويس ـ ـ ــبلونت‪ ،‬ويذكرونت‪ ،‬قال تعاىل ﴿قش ْد أشفْـلش ش الْم ْؤمنو شن *الذ ش‬
‫ِ‬
‫ن ﴾ [املؤمنون‪.]4 - 1 :‬‬‫اعلو ش‬ ‫*والَّ ِذين هم ع ِن اللَّ ْ ِو مع ِر و شن *والَّ ِذين هم لِ َّلايشكاةِ فش ِ‬
‫ش ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش ْ ش‬
‫ين إِذشا ذكِروا ِهبشا شخُّروا ـ َّ ًدا شو ش ـبَّلوا ِحبش ْم ِد شرهبِِ ْم شوه ْم حش‬ ‫َِّ ِ ِ َّ ِ‬
‫وقال تعاىل ﴿إجشا يـ ْؤمن رَيتنشا الذ ش‬
‫ِ‬
‫اج ِع يش ْدعو شن شرَّهب ْم شخ ْوفًا شوطش شم ًعا شواَّا شرشزقْـنشاه ْم يـْن ِفقو شن *فشالش‬ ‫يس ـ ـتكِْربو شن *تشـت ا ش جنوهبم ع ِن الْمض ـ ـ ِ‬
‫ْ ش ش ش‬ ‫شش‬ ‫شْ ش‬
‫ن ﴾ [السجدة‪.]17 - 15 :‬‬ ‫تشـ ْعلشم نشـ ْفس شما أ ْخ ِف شي شي ْم ِم ْن قـَّرةِ أ ْشع ٍ شجشاياءً ِمبشا شكانوا يشـ ْع شملو ش‬
‫ات ي ْذ ِهب ال َّسـيِئ ِ ِ‬
‫احلسـنش ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫﴿وأشقِِم ال َّ‬
‫صـالششة طشر شِيف النـ ش ِ‬
‫ك‬
‫ات شذل ش‬‫ْش ش‬ ‫َّهار شوزلشًفا م شن اللْي ِل إ َّن ْش ش‬ ‫ش‬ ‫وقال تعاىل ش‬
‫ِذ ْكر لِ َّ‬
‫لذاكِ ِرين ﴾ [هود‪. ]114 :‬‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫س إِ شىل ش شس ِق اللَّْي ِل شوقرآن الْ شف ْ ِر إِ َّن قرآن الْ شف ْ ِر شكا شن‬ ‫الصالششة لِدل ِ‬
‫وك ال َّ ْم ِ‬ ‫وقال تعاىل ﴿أشقِِم َّ‬
‫ِ‬
‫ودا ﴾‬ ‫ك شم شق ًاما شْحمم ً‬‫ك شربُّ ش‬ ‫ك شع شس أش ْن يشـْبـ شعثش ش‬‫*وِم شن اللَّْي ِل فشـتشـ شه َّ ْد بِِت شانفلشةً لش ش‬
‫ودا ش‬
‫شم ْ ه ً‬
‫[اإلسراء‪. ]79 - 78 :‬‬

‫س وقشـبل ر ِ‬ ‫ِ‬
‫وهبشا‬ ‫ِ‬
‫وي ال َّ ـ ـ ـ ْم ش ْ ش‬ ‫ك قشـْب شل طل ِ‬ ‫هللاـ ـ ـِ ْرب شعلش شما يشـقولو شن شو ش ـ ـ ـبِ ْ ِحبش ْمد شربِ ش‬
‫وقال تعاىل ﴿فشا ْ‬
‫ِِ‬ ‫َّن شعْيـنشـْي ش ِ‬ ‫وِمن ِ‬
‫اجا‬
‫ك إ شىل شما شمتـ َّْعنشا بت أ ْشزشو ً‬ ‫*وحش شَتد َّ‬‫ك تشـ ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫آانء اللَّْي ِل فش شسـ ـ ـ ـ ـبِ ْ شوأشطْشرا ش النـ ش‬
‫َّها ِر لش شعلَّ ش‬ ‫ش ْ ش‬
‫هللا ـطشِ ْرب شعلشْيـ شها‬ ‫الدنْـيا لِنشـ ْفتِنشـهم فِ ِيت وِرْزق ربِك خري وأشبـ شق *وأْمر أشهلشك ِابل َّ ِ‬ ‫ِمْنـهم زهرشة ْ ِ‬
‫ص ـالشة شوا ْ‬ ‫ْ ش ش ش شْ ش ْ ش ْ ْ ش‬ ‫احلشيشاة ُّ ش‬ ‫ْ شْ ش‬
‫ك والْعاقِبة لِلتَّـ ْقو ﴾ [طه‪. ]132 - 130 :‬‬ ‫حش نش ْسأشل ش ِ‬
‫ك رْزقًا شْحنن نشـ ْرزق ش ش ش ش ش‬
‫ِ‬
‫وب‬‫س وقشـْبل الْ ر ِ‬ ‫ِ‬
‫وي ال َّ ـ ـ ْم ش ش‬ ‫ك قشـْب شل طل ِ‬ ‫هللاـ ـِ ْرب شعلش شما يشـقولو شن شو ش ـ ـبِ ْ ِحبش ْمد شربِ ش‬‫وقال تعاىل ﴿فشا ْ‬
‫ود ﴾ [ق‪. ]40 - 39 :‬‬ ‫الس ِ‬‫*وِم شن اللَّْي ِل فش شسبِ ْلت شوأ ْشد شاب شر ُّ‬ ‫ش‬
‫صـالة‪،‬‬ ‫أن الع َّد شة يف حال الضــيق وال ــدَّة هي الكثار من ال َّ‬ ‫تدل عل َّ‬ ‫وهذه ا َيت األخرية ُّ‬
‫الذكر‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬واحلت اء إىل هللا بلانت وحده‪ ،‬والكثار من الدُّعاء(‪.)1‬‬ ‫وِ‬

‫لعل من أبرز‬ ‫صـ ـ ـالة أتل يف ِ‬


‫مقدمة العبادات الَّيت يا أثر عظيم يف تايكية رو اَّس ـ ــلم‪ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّ‬
‫األول‬ ‫آاثرها الَّيت أهللاابت َّ‬
‫الرعيل َّ‬

‫بل ايد والرشاد ‪ ،‬للصاحلي (‪.)404/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫‪183‬‬
‫‪ - 1‬االستجابة ألمر هللا تعاىل وإظوار العبودية له سبحانه‪:‬‬
‫ين ا ْ تش ش ابوا‬ ‫عاي وجل َّ ِ‬ ‫أثىن هللا تعاىل عل عباده اَّؤمن الَّذين ا ت ابوا ألمره‪ ،‬فقال َّ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫الصالششة شوأ ْشمره ْم ش شور بشـْيـنشـه ْم شوِاَّا شرشزقْـنشاه ْم يـْن ِفقو ش‬
‫ن ﴾ [الشور ‪. ]38 :‬‬ ‫لِشرهبِِ ْم شوأشقشاموا َّ‬
‫التوجت إليت‪،‬‬
‫صـ ـادقة هلل ــبلانت وتعاىل‪ ،‬إح إذا اق نت بصـ ـدق ُّ‬ ‫وح تتلقَّق معاين العبودية ال َّ‬
‫ِ‬ ‫والخالص لت بلانت‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿قل إِ َّن هللاالشِل ونس ِكي وشْحمياأ واشش ِال ََِّّللِ ر ِ‬
‫ب الْ شعالشم ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ْ ش ش‬
‫ك أ ِمرت وأ ششان أ َّشول الْمسلِ ِ‬‫ِ‬
‫*حش شش ِر ش‬
‫م ش ﴾ [األنعام‪. ]163 - 162 :‬‬
‫ْ‬ ‫يك لشت شوبِ شذل ش ْ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالةِ عبوديةً خاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬وأتثرياً يف‬ ‫أن لكل ٍ‬
‫عمل من أعمال ال َّ‬ ‫ألول ير َّ‬ ‫الرعيل ا َّ‬
‫وكان َّ‬
‫للرو فقراءة ـ ـ ــورة الفاحتة مع التدبُّر ت ـ ـ ــعرهم بعبوديَّتهم هلل تعاىل‪ ،‬فعندما يتلو‬ ‫النَّفس‪ ،‬وتايكيةً ُّ‬
‫كل كمال هلل ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪-‬‬ ‫﴿احل مد ََِّّللِ ر ِ‬
‫ب الْ شعالش ِم ش ﴾ يثبت َّ‬ ‫ش‬ ‫العبد قول هللا تعاىل ْش ْ‬
‫و مده عل ما وفَّقت إليت من ال طَّاعة‪ ،‬وما أنعم عليت من النِعم‪ ،‬ويث عليت بص ـ ـ ـ ـ ـ ــفاتت‪ ،‬وأمسائت‬
‫احلسىن(‪.)1‬‬
‫يقر ابلتَّوحيد واح تعانة ابهلل‬ ‫وكذلك عندما يتلو قولت تعاىل ﴿إِ ََّي شك نشـ ْعبد شوإِ ََّي شك نش ْستشعِ ﴾ ُّ‬
‫تعانة ب ري هللا فهي خذحن وذل‪.‬‬ ‫كل ا ٍ‬ ‫وحده‪ ،‬فاهلل هو اَّعبود‪ ،‬وهو اَّستعان‪ ،‬و ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـشرا شط الْم ْس ـ ـ ـ ـ ـتش ِق شيم ﴾ فهو إقرار من العبد أبنَّت مفتقر إىل ايداية‪،‬‬ ‫﴿اه ِد شان ال ِ‬
‫وعندما يقول ْ‬
‫احلق‪ ،‬وأنـَّت حمتـاً إىل شـار ايـدايـة‪ ،‬واح ـ ـ ـ ـ ـ ــتايادة منهـا‪ ،‬والبعـد عن ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـل‬ ‫والثَّبـات عل طريق ِ‬
‫اَّ ضوب عليهم‪ ،‬والضَّالِ (‪.)2‬‬
‫الركن خضـ ــوي‬ ‫يكرب ربَّت معظماً لت‪ ،‬انطقاً بتسـ ــبيلت‪ ،‬في تمع يف هذا ُّ‬ ‫للركوي ِ‬ ‫وعندما ينل ُّ‬
‫أعايها متذلالً هلل‬ ‫اجلوار ‪ ،‬وخض ـ ــوي القل ‪ ،‬مثَّ رل ال ُّسـ ـ ـ ود‪ ،‬في عل العبد أش ـ ــر أعض ـ ــائت‪ ،‬و َّ‬
‫وح ِرأ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫بلانت‪ ،‬ويتبع هذا انكسار القل ‪ ،‬وتوا عت‪ ،‬فيس د القل لربت كما د اجلسد ‪ ،‬ش‬
‫بت يف هذهِ احلال أن يكون أقرب ما يكون من ربِت‪ ،‬وكلَّما ازداد توا ـ ـ ـ ـ ـ ــعاً وخ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعاً لربِت يف‬

‫(‪ )1‬انظر ألية اجلهاد يف ن ر الدعوة ‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫(‪ )2‬انظر أليَّة اجلهاد يف ن ر الدَّعوة إىل هللا ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫(‪ )3‬انظر منهت ال الم يف تايكية النَّفس ‪ ،‬د‪ .‬أنس أحد كرزون (‪.)221/1‬‬
‫‪184‬‬
‫ِ‬
‫[العلق‪.]19 :‬‬ ‫ب﴾‬‫وده‪ ،‬ازداد منت قرابً‪ ،‬كما يف قولت تعاىل ﴿ شكالَّ حش تط ْعت شوا ْ ْد شواقْ شِ ْ‬
‫َّبوأ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريف «أقرب مــا يكون العبــد من ربِـت وهو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاجــد فــأكثروا‬
‫ويف احلــديــث الن ِ‬
‫الدُّعاءش»(‪.)1‬‬
‫وعندما يعتدل جالس ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬يتمثَّل جاثياً ب يدأ ربِت‪ ،‬ملقياً نفس ـ ـ ـ ــت ب يديت‪ ،‬معتذراً إليت اَّا‬
‫صـ ـالة العبودية هلل ــبلانت‪،‬‬ ‫جناه‪ ،‬را باً إليت أن ي فر لت‪ ،‬ويرحت‪ ،‬وهكذا تت لَّ يف ِ‬
‫كل أفعال ال َّ‬
‫وإقبال العبد عل ربِت‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬وتقوية الميان بت الَّذأ هو أ ــاس التَّايكية‪ ،‬وهذه أعظم شرةٍ من‬
‫الصالة‪ ،‬وهي الَّيت تنري للعبد طريق حياتت‪ ،‬وَتنلت طهارة القل ‪ ،‬وطمأنينة النَّفس(‪.)2‬‬ ‫شرات َّ‬
‫‪ - 2‬مناجاة العبد لربِّه‪:‬‬
‫وقد ب َّ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم م هداً من م اهد هذه اَّناجاة‪ ،‬فقد قال ر ول‬
‫ص شف ‪ ،‬ولعبدأ‬ ‫ِ‬
‫الصال شة بي وب عبدأ ن ْ‬ ‫هللا هللال هللا عليت و لم « قال هللا تعاىل قش شس ْمت َّ‬
‫ب الْ شعالش ِم ش ﴾ قال هللا تعاىل حدين عبدأ‪ ،‬وإذا قال‬ ‫﴿احلمد ََِّّللِ ر ِ‬
‫ش‬ ‫ما ـ ـ ــأل ‪ ،‬فَذا قال العبد ْش ْ‬
‫ك يشـ ْوِم الـ ِـدي ِن ﴾ قــال‬
‫علي عبــدأ‪ ،‬وإذا قــال ﴿مـالِـ ِ‬
‫ش‬ ‫الرحي ِم ﴾ قــال هللا تعــاىل أثىن َّ‬
‫ان َّ ِ‬
‫﴿الر ْحـ ِ‬
‫َّ ش‬
‫ت شعلشْي ِهم ش ِْري الْم ْض ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫جمَّدين عبدأ‪ ،‬فَذا قال ْ ِ ِ‬
‫وب‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ين أشنْـ شع ْم ش‬
‫﴿اهد شان الصشرا شط الْم ْستشق شيم *هللاشرا شط الذ ش‬
‫ض ـ ـالِ ش ﴾ قال هذا لعبدأ‪ ،‬ولعبدأ ما ـ ــأل»‪[ .‬أمحد (‪ )242 - 241/2‬ومس ــلم (‪ )395‬وأبو‬ ‫شعلشْي ِه ْم شوحش ال َّ‬
‫داود (‪ )821‬والرتمذي (‪ )2953‬وابن ماجه (‪.])3784‬‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬


‫أن هذه اَّناجاة‪ ،‬من‬ ‫ص ـلابة ر ــي هللا عنهم من الن ِ‬‫لقد تعلَّم ال َّ‬
‫أعظم أ ـ ـ ـ ـ ــباب تايكية النَّفس‪ ،‬وتقوية الميان‪ ،‬إذا هيَّأ العبد نفس ـ ـ ـ ـ ــت يا‪ ،‬وأقبل عليها إقبال العبد‬
‫اَّت ـ ِـوق للوقو ب يدأ ربِت‪ ،‬الوافد عليت‪ ،‬اَّنتظر لرحتت‪ ،‬وفضــلت يسـ ُّ‬
‫ـتمد العون منت ــبلانت‬
‫كل أموره وأعمالت‪.‬‬ ‫يف ِ‬
‫‪ - 3‬طمأنينة النَّفس‪ ،‬وراحتوا‪:‬‬
‫كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إذا شحشايبشت أمر هللالَّ [أبو داود (‪ )1319‬وأمحد (‪ ،])388/5‬وقد‬
‫ص ـالة [أمحد (‪ 128/3‬و‪ 199‬و‪ )285‬والنســائي (‪ )61/7‬واحلاكم (‪ ،])160/2‬وقد علَّم َّ‬
‫الر ــول‬ ‫جعلت َّقرة عينت يف ال َّ‬
‫السنن والنَّوافل ليايدادوا هللالةً برِهبم‪ ،‬وأتمن هبا نفو هم‪،‬‬‫الصلابة كثرياً من ُّ‬
‫هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫حلل لومهم وم اكلهم‪.‬‬ ‫مهماً ِ‬
‫الصالة الحاً َّ‬ ‫وتصب َّ‬

‫الصالة والقران ‪ ،‬حبن قيِم اجلوزيَّة ‪ ،‬ص ‪ 35‬ـ ‪.40‬‬


‫السماي وذوق َّ‬
‫اَّوازنة ب ذوق َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الصالة ‪ ،‬حبن رج ‪ ،‬ص ‪ 20‬ـ ‪.22‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪( ،‬ص ‪ 43‬ـ ‪ ، )46‬وانظر اخل وي يف َّ‬
‫‪185‬‬
‫حاجز عن املعاصي‪:‬‬ ‫الصالة ٌ‬ ‫‪4‬ـ َّ‬
‫اب شوأشقِِم ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشةش إِ َّن ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشةش تشـْنـ شه شع ِن‬ ‫ك ِمن الْ ِكشت ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال هللا تعاىل ﴿ا ْتل شما أ ْوح شي إلشْي ش ش‬
‫ن ﴾ [العنكبوت‪. ]45 :‬‬ ‫صنشـعو ش‬
‫اَّلل يشـ ْعلشم شما تش ْ‬ ‫الْ شف ْل ش ِاء شوالْمْن شك ِر شولش ِذ ْكر َّ‬
‫اَّللِ أش ْك شرب شو َّ‬
‫بقوةٍ‬
‫يؤدون هللا ــالهتم‪ ،‬تسـ ـ ي هبا نفو ـ ـهم‪ ،‬وَتدُّهم َّ‬ ‫صـ ـلابة ر ــي هللا عنهم عندما ُّ‬ ‫كان ال َّ‬
‫عاي وجـ َّـل ‪-‬‬ ‫دافعـ ٍـة لفعــل اخلريات‪ ،‬واحبتعــاد عن اَّنكرات‪ ،‬وت رس يف نفو ـ ـ ـ ـ ـ ــهم مراقبــة هللا ‪َّ -‬‬
‫ورعاية حدوده‪ ،‬والتَّ لُّ عل نوازي ايو ‪ ،‬وجماهدة النَّفس‪ ،‬فكانت يم ـ ـ ـ ـ ـ ــياجاً منيعاً حاهم‬
‫تكفر ال َّس ـ ـيئات‪،‬‬ ‫ص ـ ـالة ِ‬ ‫أن ال َّ‬ ‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم َّ‬ ‫من الوقوي يف اَّعاهللاـ ــي (‪ ،)1‬كما أيقن ال َّ‬
‫ب‬ ‫صـالششة طشر شِيف النـَّها ِر وزلشًفا ِمن اللَّي ِل إِ َّن ْ ِ ِ‬ ‫﴿وأشقِِم ال َّ‬
‫احلش شسـنشات ي ْذه ْ ش‬ ‫ش ْ‬ ‫ش ش ش‬ ‫وترفع الدَّرجات‪ .‬قال هللا تعاىل ش‬
‫لذاكِ ِرين ﴾ [هود‪.]114 :‬‬ ‫ك ِذ ْكر لِ َّ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫ش‬ ‫السيئشات ذشل ش ش‬
‫فتؤدأ‬‫و ري ذلك من ا اثر ال َّ بويَّة‪ ،‬والنَّفسـيَّة الطَّيبة الَّيت تتضــافر‪ ،‬في نمها العبد اَّصــلِي‪ِ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـالة دورها يف تايكية النَّفس‪ ،‬وطهارهتا‪ ،‬ويتلقَّق قول ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـالة نور» [مسـ ــلم (‪ )223‬والرتمذي (‪ )3517‬والنسـ ــائي (‪ )6 - 5/5‬وابن ماجه (‪ )280‬وأمحد (‪ 342/5‬و‪343‬و‪])344‬‬ ‫«وال َّ‬
‫صـ ـاأ‪ ،‬وهي‬ ‫فهي نور تض ــيء لص ــاحبها طريق ايداية‪ ،‬وحت ايه عن اَّعاهللا ــي وهتديت إىل العمل ال َّ‬
‫نور يف قلبـت مبـا جيـد من حالوة الميـان‪ ،‬ول َّـذة اَّنـاجـاة لربِـت‪ ،‬وهي نور مبـا َتن النَّفس من تايكي ٍـة‪،‬‬
‫ـكينة‪ ،‬وهي نور ظاهر عل وجت اَّقيم يا يف الدُّنيا‪،‬‬ ‫َتد من أم ٍن‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫احة‪ ،‬ومبا ُّ‬ ‫وطمأنينة‪ ،‬ور ٍ‬
‫ٍ‬
‫الصالة (‪ ،)2‬وهي نور لت يوم القيامة(‪.)3‬‬ ‫تت لَّ هبا شو ش اءشة الوجت وهبايه ال اترك َّ‬
‫ات يش ْس ـ ـ شع نوره ْم بشْ ش أشيْ ِدي ِه ْم شو ِأبشْميشا‪ْ ِِ،‬م ب ْ ـ ـشراكم‬ ‫قال هللا تعاىل ﴿يـوم تشـر الْم ْؤِمنِ والْم ْؤِمنش ِ‬
‫شش‬ ‫شْ ش ش‬
‫ظيم ﴾ [احلديد‪.]12 :‬‬ ‫ك هو الْ شفوز الْع ِ‬ ‫الْيـوم جنَّات شد ِرأ ِمن شحتتِها األ ْش‪،‬شار خالِ ِد ِ ِ‬
‫ين ف شيها شذل ش ش ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ْ ْش‬ ‫شْش ش‬
‫الذكر‪ ،‬والدُّعاء‪ ،‬وتالوة القرآن الكر ‪ ،‬واح ـ ــتماي إليت‪ ،‬وا تنام‬ ‫ص ـ ـلابة يكثرون من ِ‬ ‫كان ال َّ‬
‫ال َّس ـاعات الفا ــلة يف قيام اللَّيل‪ ،‬وجماهدة النَّفس عل اخل ــوي والتدبُّر وحض ــور القل ‪ ،‬فكان‬
‫الرو ‪ ،‬وترقيتهــا‬ ‫ومسو ُّ‬ ‫ذلــك من أعظم القرابت إىل هللا تعــاىل‪ ،‬ولــت آاثر عظيمــة يف تايكيــة النَّفس‪ِ ،‬‬
‫الذكر‪ ،‬والدُّعاء‪ ،‬والتِالوة مناجاة‬ ‫ص ـلابة من آاثر ِ‬ ‫إىل مقامات الكمال فمن أعظم ما ظفر بت ال َّ‬
‫هللا‪ ،‬وحتقيقهم مقامات العبوديَّة اليت تعلي مكانتهم عند هللا تعاىل‪.‬‬

‫الس ود ‪ ،‬رقم (‪.)482‬‬


‫الركوي و ُّ‬
‫الصالة ‪ ،‬ابب ما يقال يف ُّ‬
‫(‪ )1‬مسلم ‪ ،‬كتاب َّ‬
‫(‪ )2‬انظر منهت ال الم يف تايكية النَّفس (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر منهت ال الم يف تايكية النفس (‪.)227/1‬‬
‫‪186‬‬
‫وجل ‪ -‬أان عند ظش ِن عبدأ يب‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫قال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «يقول هللا ‪َّ -‬‬
‫وأان معت ح يذكرين إن ذكرين يف نفسـ ــت ذكرتت يف نفسـ ــي‪ ،‬وإن ذكرين يف م ٍ ذكرتت يف م ٍ‬
‫تقربت منت ابعاً‪،‬‬ ‫إس ذراعاً َّ‬ ‫تقرب َّ‬ ‫تقربت إليت ذراعاً‪ ،‬وإ ْن َّ‬ ‫ب م ش ـ ـ ـرباً َّ‬ ‫تقر ش‬
‫هم خري منهم‪ ،‬وإن َّ‬
‫هرولشـةً» [البخاري (‪ )7405‬ومسلم (‪.])2675‬‬
‫وإ ْن أاتين مي ي أتيتت ش ْ ش‬
‫صـ ـ ـلابة الكرام ر ـ ــي هللا عنهم تالوة القرآن الكر ‪،‬‬ ‫الذكر الَّيت مار ـ ــها ال َّ‬ ‫ومن أعظم أنواي ِ‬
‫فقد عظمت حمبَّة هللا يف قلوهبم‪ ،‬وازدادت خ ـ ــيتهم لت ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬فقد ش ـ ــف القرآن‬
‫﴿ونـنشـ ِايل ِم شن الْقرآن شما ه شو ِش ـ ـ ـ ـ ـ شفاء شوشر ْحشة‬‫نفو ش ـ ـ ـ ـ ـهم من أمرا ـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬وحتقَّق فيهم قول هللا تعاىل ش‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫خسارا ﴾ [اإلسراء‪. ]82 :‬‬
‫ل ْلم ْؤمن ش شوحش يشِاييد الظَّالم ش إحَّ ش ش ً‬
‫ت آَيتت أشأ ْشع ش ِمي شو شعشرِيب ق ْل ه شو‬ ‫وقولت ــبلانت ﴿ولشو جع ْلنشاه قرآانً أ ْشع ِميًّا لششقالوا لشوحش ف ِ‬
‫ص ـلش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش ْ شش‬
‫ك يـنش شاد ْو شن ِم ْن‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين حش يـ ْؤِمنو شن ِيف آ شذا‪ْ ،‬م شوقْـر شوه شو شعلشْي ِه ْم شعم ً أولشئِ ش‬ ‫ِ‬
‫للَّذ ش‬
‫ين شآمنوا هد ً شوشـ ـ ـ ـ ـ شفاء شوالذ ش‬
‫يد ﴾ [فصلت‪. ]44 :‬‬ ‫ان بعِ ٍ‬
‫ٍ‬
‫شم شك ش‬
‫اَّللِ تشطْ شمئِ ُّن الْقلوب ﴾‬ ‫اَّللِ أشحش بِ ِذ ْك ِر َّ‬
‫ين شآمنوا شوتشطْ شمئِ ُّن قـلوهب ْم بِ ِذ ْك ِر َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫وقولت تعاىل ﴿الذ ش‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫ص ـلابة مع الدُّعاء ش ــأن عظيم‪ ،‬فقد علَّمهم الن ُّ‬ ‫[الرعد‪ . ]28 :‬وكان لل َّ‬
‫أنَّت ِم ْن أجل مظاهر العبودية‪ ،‬واَّناجاة هلل ـ ـ ــبلانت وتعاىل‪ ،‬قال ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫الد عاء هو العبادة» [أبو داود (‪ )1479‬والرتمذي (‪ )3372‬وابن ماجه (‪ )3828‬وابن حبان (‪ )887‬واحلاكم‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم « ُّ‬
‫(‪ ،])491/1‬ولقد أمر ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل عباده ابلدُّعاء‪ ،‬وتوعَّد من يسـ ـ ـ ـ ــتكرب‪ ،‬في ك الدُّعاء وكأنت‬
‫مست ٍن عن ربت‪.‬‬
‫ين يش ْس ـتشكِْربو شن شع ْن ِعبش شادِل ش ـيش ْدخلو شن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وقش شال شربُّكم ْادعوين أش ْ ـتش ْ لشك ْم إ َّن الذ ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫جهنَّم شدآخرين ﴾ [غافر‪. ]60 :‬‬
‫ش‬ ‫شش ش‬
‫قال ابن كثري ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬يستكربون عن عبادل أأ عن دعائي‪ ،‬وتوحيدأ»(‪.)1‬‬
‫ذاء دائ ٍم من ذك ٍر‪ٍ ،‬‬
‫ودعاء‪،‬‬ ‫كان النَّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يبِ يم حاجة القل إىل ٍ‬
‫ُّ‬
‫وتالوة قرآن ليكون ذلك حتصيناً يم من األمراض‪ ،‬واحفات‪ ،‬وب َّ يم ما يستل ُّ للمسلم من‬
‫السوق‪،‬‬
‫الصبا واَّساء‪ ،‬وعند دخول اَّنايل‪ ،‬أو اخلروً منت‪ ،‬وعند دخول ُّ‬
‫األدعية‪ ،‬واألذكار يف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر منهت ال الم يف تايكية النفس (‪.)233/1‬‬


‫‪187‬‬
‫كل ٍ‬
‫مرض‪،‬‬ ‫وقاية ٍ‬
‫دائمة من ِ‬ ‫أو األكل‪ ،‬أو اللبس‪ ،‬و ري ذلك من األعمال اليوميَّة حض يبق يف ٍ‬
‫ـب‪ ،‬أو ريها‪ ،‬كانت تلك‬ ‫عارض‪ ،‬كالقلق‪ ،‬والكابة‪ ،‬واح ـ ـ ـ ـ ــطراب العص ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فَذا أهللا ـ ـ ـ ـ ــي مبرض‬
‫تطمئن بت القلوب‪ ،‬وحتيا بت النُّفوس‪ ،‬ومن ب تلك‬ ‫ُّ‬ ‫األذكار والدَّعوات البلسـ ـ ـ ــم ال َّ ـ ـ ـ ـايف الَّذأ‬
‫األذكار والدَّعوات اَّأثورة الَّيت علَّمها ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ألهللاــلابت‪ ،‬دعاء ال ِ ـدَّة‪،‬‬
‫رب العرش العظيم‪ ،‬ح إلت‬ ‫والكرب الَّذأ يقول فيت «ح إلت إح هللا العظيم احلليم‪ ،‬ح إلت إح هللا ُّ‬
‫ورب العرش الكر »‪[ .‬البخاري (‪ )6345‬ومسلم (‪. ])2730‬‬ ‫ورب األرض ُّ‬ ‫السموات ُّ‬ ‫رب َّ‬ ‫إح هللا ُّ‬
‫إن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم شعلَّ شم أهللا ـ ــلابت كيف يل ؤون إىل هللا ـ ــبلانت وقت‬
‫َّ‬
‫ال ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيق لي دوا اَّأمن‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكينة‪ ،‬فال يفايعوا‪ ،‬وح يقلقوا‪ ،‬وهم موقنون َّ‬
‫أبن هللا معهم‪ ،‬وأنَّت‬
‫ومتوس أمرهم‪ ،‬ومؤيِدهم‪ ،‬وأنَّت جيي دعاء اَّضطرين(‪.)1‬‬ ‫انهللارهم‪ِ ،‬‬
‫ض أشإِلشت شم شع‬ ‫ضطشَّر إِ شذا شد شعاه شويش ْك ِ ف ُّ‬
‫السوءش شوشْجي شعلك ْم خلش شفاءش األ ْشر ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿أ َّشم ْن ِجيي الْم ْ‬
‫ن ﴾ [النمل‪. ]62 :‬‬ ‫اَّللِ قشلِيالً شما تش شذ َّكرو ش‬
‫َّ‬
‫إن الـ ِـذكر والـ ُّـدعــاء‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬وقيــام اللَّيــل‪ ،‬والنَّوافــل أبنواعهــا‪ ،‬يــا أثر عظيم يف تايكيــة‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫هللافلات أو كت ٍ‬ ‫الرو ‪ ،‬ومهما كتبنا يف هذا اَّو وي فال ميكن أن حنيا بت يف‬ ‫النفس‪ِ ،‬‬
‫ومسو ُّ‬
‫كل و يض من ٍ‬
‫فيض‪.‬‬ ‫وإجا هذا جايء من ٍ‬ ‫َّ‬
‫اثنياً‪ :‬التزكية العقلية‪:‬‬

‫أل‪،‬ا مستمدة من القرآن الكر ‪،‬‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ألهللالابت شاملةً َّ‬ ‫كانت تربية الن ِ‬
‫اهتمت ال َّ بية النَّبويَّة‬
‫الرو ‪ ،‬واجلس ـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬والعقل‪ ،‬فقد َّ‬ ‫ككل يتكون من ُّ‬ ‫الَّذأ خاط النس ـ ـ ـ ـ ــان ٍ‬
‫ألن ذلك هو الذأ‬ ‫التفكر‪ ،‬والتدبُّر َّ‬ ‫التأمل‪ ،‬و ُّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لايب عل تنمية قدرتت يف النَّظر‪ ،‬و ُّ‬ ‫ب بية ال َّ‬
‫يؤهلت حلمل أعباء الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬وهذا مطل قرآين‪ ،‬أرش ـ ـ ــد إليت ربنا ‪ -‬ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬يف‬
‫ض شوشما تـ ْ ِ ا َيت شوالنُّذر شع ْن‬ ‫ات شواأل ْشر ِ‬‫حمكم تناييلت‪.‬قال تعاىل ﴿ق ِل انْظروا ما شذا ِيف ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬
‫شش‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [يونس‪. ]101 :‬‬ ‫قشـ ْوٍم حش يـ ْؤِمنو ش‬
‫اَّلل يـْن ِ ـ ء النَّ ْ ـأشةش ا خرةش‬ ‫ف بش شدأش ْ‬
‫اخلشْل شق مثَّ َّ‬ ‫ض فشانْظروا شكْي ش‬ ‫وقال ـبلانت ﴿ق ْل ِ ـريوا ِيف األ ْشر ِ‬

‫َّووأ يف شرحت عل مسلم (‪ ، )100/3‬والمام ابن رج احلنبلي يف جامع العلوم واحلكم ‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫أشار إىل هذا اَّعىن الن ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪188‬‬
‫[العنكبوت‪.]20 :‬‬ ‫اَّللش شعلش ك ِل شش ْي ٍء قش ِدير ﴾‬ ‫إِ َّن َّ‬
‫آَيتت ولِيـتش شذ َّكر أولو األلْب ِ‬ ‫ك مبارك لِي َّدبـَّروا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ﴾ [ص‪. ]29 :‬‬
‫ش‬ ‫شش ش‬ ‫وقال تعاىل ﴿كتشاب أشنْـشايلْنشاه إلشْي ش ش ش ش‬
‫ِِ‬
‫ض‬‫هللا ـ ـبًّا *مثَّ شش ـ ـ شق ْقنشا األشْر ش‬ ‫جل ش ــأنت ﴿فشـ ْليشـْنظ ِر ا ِلنْ شس ـ ـان إِ شىل طش شعامت *أ َّشان ش‬
‫هللا ـ ـبشـْبـنشا الْ شماءش ش‬ ‫وقال َّ‬
‫اعا لشك ْم‬ ‫ض ـ ـ ـ ـبا *وزيـتوانً وشَنْالً *وح شدائِق ْلبا ِ‬ ‫شش ـ ـ ـ ـقًّا *فشأشنْـبـْتـنشا فِيها حبًّا ِ‬
‫*متش ً‬
‫*وفشاك شهةً شوأ ًّشاب ش‬ ‫شش ش ً ش‬ ‫*وعنشـبًا شوقش ْ ً ش شْ ش‬ ‫ش ش ش ش‬
‫ِ‬
‫امكم ﴾ [عبس‪.]32 24 :‬‬
‫شو ِأل شِنْـ شع ْ‬
‫وجل ‪ -‬مناط التَّكليف‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫اَّهمة‪ ،‬وقد جعلت اَّوىل ‪َّ -‬‬ ‫والعقل يعترب أحد طاقات النســان َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫﴿وحش تشـ ْقف‬‫فمن حرم العقل جلنون أو ريه‪ ،‬فهو ري مكلَّف‪ ،‬ويسقا عنت التَّكليف قال تعاىل ش‬
‫عْنت مسؤوحً ﴾ [اإلسراء‪. ]36 :‬‬
‫ك شكا شن ش ش ْ‬ ‫صشر شوالْف شؤ شاد ك ُّل أولشئِ ش‬ ‫ك بِِت ِع ْلم إِ َّن َّ‬
‫الس ْم شع شوالْبش ش‬ ‫س لش ش‬‫شما لشْي ش‬
‫يتمكن هبا من قبول العلم‪ ،‬وا ــتيعابت ولذلك و ــع‬ ‫إن العقل نعمة من هللا عل النس ــان َّ‬
‫َّ‬
‫القرآن الكر منه اً ل بية العقل‪ ،‬ــار عليت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ل بية أهللا ــلابت‬
‫ومن ِ‬
‫أهم نقاط هذا اَّنهت‬
‫حذر‬‫الظن والتَّهم ‪ ،‬أو التبعيَّة والتقليد‪ ،‬فقد َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪ - 1‬دريد العقل من اَّس ـلَّمات اَّبنيَّة عل‬
‫﴿وشما شي ْم بِ ِت ِم ْن ِع ْل ٍم إِ ْن يشـتَّبِعو شن إِحَّ‬
‫القرآن الكر من ذلك يف ا ية الكرمية التَّالية قال تعاىل ش‬
‫الظَّ َّن شوإِ َّن الظَّ َّن حش يـ ْ ِ ِم شن ْ‬
‫احلشِق ش‬
‫شْيـئًا ﴾ [النجم‪. ]28 :‬‬

‫ين شآمنوا إِ ْن شجاءشك ْم فشا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـق‬ ‫َّ ِ‬ ‫‪ - 2‬إلايام العقل ابلت ِ‬


‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫َّلرأ والتَّثبُّت‪ ،‬قال هللا تعاىل ش‬
‫علش ما فشـع ْلتم شَندم ش ﴾ [احلجرات‪.]6 :‬‬ ‫صيبوا قشـوًما ِقش شهالشٍة فشـت ْ ِ‬
‫بِنشـبٍَ فشـتشـبـيَّـنوا أش ْن ت ِ‬
‫صبلوا ش ش ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫﴿وشما شخلش ْقنشا‬
‫ش‬ ‫التأمل يف نواميس الكون ‪ .‬قال هللا تعال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫‪ - 3‬دعوة العقل إىل التدبُّر و ُّ‬
‫يل ﴾‬ ‫الص ْف ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض شوشما بشـْيـنشـه شما إِحَّ ِاب ْحلشِق شوإِ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫اجلشم ش‬ ‫اهللا شف ْ َّ ش‬ ‫اعةش شتيشة فش ْ‬
‫الس ش‬ ‫الس شم شاوات شواأل ْشر ش‬
‫[احلجر‪.]85 :‬‬

‫ـادات‪ ،‬ومعـ ٍ‬
‫ـامالت‪،‬‬ ‫‪ - 4‬دعوة العقــل إىل التــأ ُّم ـل يف حكمــة مــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ــري هللا لعبــاده من عبـ ٍ‬
‫ضت‬ ‫ألن ذلك يـْن ِ‬
‫السفر َّ‬ ‫السلم واحلرب‪ ،‬يف القامة و َّ‬ ‫أخالق‪ ،‬وآداب‪ ،‬وأ لوب حياةٍ ٍ‬
‫كامل‪ ،‬يف ِ‬ ‫و ٍ‬
‫الرابينَّ يف حياتت‪،‬‬
‫وبتعرفت عل تلك احلكم يعطيت أحسـ ــن الفرص‪ ،‬ليطبق ال َّ ـ ـري َّ‬ ‫العقل‪ ،‬وين ِميت‪ُّ ،‬‬
‫وح يب ي عنت حوحً َّا فيت من ال َّس ـ ـكينة‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬وال َّس ـ ـعادة للب ـ ـريَّة‪َّ ،‬‬
‫وألن هللا ‪ -‬ـ ــبلانت‬
‫وتعاىل ‪َّ -‬إجا شري ما شري لذلك‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫ص ـ ـ شل لشك ْم شما شحَّرشم شعلشْيك ْم‬ ‫﴿وشما لشك ْم أشحَّ شأتْكلوا ِاَّا ذكِشر ا ْ ـ ـم َّ‬
‫اَّللِ شعلشْي ِت شوقش ْد فش َّ‬ ‫قال ـ ــبلانت ش‬
‫ِ ِ‬
‫ين ﴾‬ ‫ك ه شو أ ْشعلشم ابلْم ْعتشد ش‬ ‫ضلُّو شن ِأب ْشه شوائِ ِه ْم بِ ش ِْري ِع ْل ٍم إِ َّن شربَّ ش‬
‫إِحَّ ما ا ْ ط ِرر ْذ إِلشي ِت وإِ َّن شكثِريا لشي ِ‬
‫ً‬ ‫ْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫[األنعام‪. ]119 :‬‬

‫ـرأ ليتَّعم النَّاظر يف‬ ‫‪ - 5‬دعوة العقل إىل النَّظر إىل ـ ـ ـ ـ ـنَّة هللا يف النَّاس عرب التَّاري الب ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ويتأمل يف ــنن هللا يف األمم‪ ،‬وال ُّ ـعوب‪ ،‬والدُّول‪ .‬قال هللا‬ ‫اتري احابء‪ ،‬واألجداد‪ ،‬واأل ــال ‪َّ ،‬‬
‫ض شمـا شْ جش ِك ْن لشك ْم شوأ ْشر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلنشـا‬ ‫تعــاىل ﴿أششْ يشـشرْوا شك ْم أ ْشهلش ْكنشـا ِم ْن قشـْبلِ ِه ْم ِم ْن قشـ ْرٍن شم َّكنَّـاه ْم ِيف األ ْشر ِ‬
‫ال َّس ـ شماءش شعلشْي ِه ْم ِم ْد شر ًارا شو شج شع ْلنشا األ ْش‪،‬ش شار شْد ِرأ ِم ْن شْحتتِ ِه ْم فشأ ْشهلشكْنشاه ْم بِذنوهبِِ ْم شوأشنْ ش ـأْ شان ِم ْن بشـ ْع ِد ِه ْم قشـ ْرانً‬
‫آخرين﴾ [األنعام‪. ]6 :‬‬
‫ش‬
‫ات شوشما‬ ‫وقال هللا تعاىل ﴿ولششق ْد أشهلشكْنشا الْقرو شن ِمن قشـبلِكم ل ـ ـ ـ َّـما ظشلشموا وجاء ْهتم ر لهم ِابلْبـيِنش ِ‬
‫ْ ش‬ ‫شش ش ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ش ْ‬
‫ض ِم ْن بشـ ْعـ ِد ِه ْم لِنشـْنظشر‬ ‫ف ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك شُْ ِايأ الْ شق ْوشم الْم ْ ِرم ش *مثَّ شج شع ْلنشـاك ْم شخالشئ ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شكـانوا ليـ ْؤِمنوا شكـ شذلـ ش‬
‫ن ﴾ [يونس ‪-13‬ـ ‪. ]14‬‬ ‫ف تشـ ْع شملو ش‬ ‫شكْي ش‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين ِم ْن قشـْبل ِه ْم شكانوا أ ش‬
‫شش َّد‬ ‫ف شكا شن شعاقبشة الذ ش‬ ‫ض فشـيشـْنظروا شكْي ش‬ ‫وقال بلانت ﴿أ ششوشْ يش ِسريوا ِيف األ ْشر ِ‬
‫اَّلل‬
‫ات فش شمـا شكـا شن َّ‬ ‫ِمْنـهم قـ َّوًة وآاثروا األشرض وعمروهـا أش ْكثشـر ِاـَّا عمروهـا وجـاء ْهتم ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلهم ِابلْبـيِنشـ ِ‬
‫ْ ش‬ ‫ش شش ش ش ش ش ْ‬ ‫ْ ش ش شش ش‬ ‫ْ ش‬
‫ن ﴾ [الروم‪. ]9 :‬‬ ‫لِيشظْلِ شمه ْم شولشك ْن شكانوا أشنْـف شسه ْم يشظْلمو ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابين لكي‬ ‫الر ِ‬ ‫ص ـلابة إىل ا ــتهدام عقويم وفق اَّنظور َّ‬ ‫كانت هذه ا َيت الكرمية ترشــد ال َّ‬
‫قد ـوا العقل‪ ،‬وأعطوه أكثر‬ ‫ح تضـ َّـل عقويم يف التيت الَّذأ ـ َّـل فيت كثري من الفال ــفة‪ ،‬الَّذين َّ‬
‫يستلق(‪ ،)1‬وقد كان يذه ال َّ يبة القرآنيَّة آاثر عمليَّة عظيمة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫اَّا‬
‫اثلثاً‪َّ :‬‬
‫الرتبية اجلسديَّة‪:‬‬

‫ـتمد أهللاــول تلك ال َّ بية‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم عل تربية أهللاــلابت جســدَيً‪ ،‬وا ـ َّ‬ ‫ص الن ُّ‬
‫شحشر ش‬
‫يؤدأ اجلس ـ ـ ـ ـ ـ ــم وظيفتت‪ ،‬الَّيت خلق يا‪ ،‬دون إ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا ٍ أو تقت ٍري‪ ،‬ودون‬ ‫من القرآن الكر ‪ ،‬حبيث ِ‬
‫طاقة أخر ‪.‬‬‫حماابةٍ لطاقة من طاقاتت عل حساب ٍ‬
‫حرمت من اخلبائث‪،‬‬ ‫إن هللا أرش ـ ـ ـ ـ ـ ــد عباده يف القرآن الكر ‪ ،‬إىل ما أحلَّت من الطَّيبات‪ ،‬وما َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ الَِّيت‬
‫وأنكر عل أولئك الَّذين ِرمون عل أنفســهم الطَّيبات‪ ،‬قال تعاىل ﴿ق ْل شم ْن شحَّرشم ِزينشةش َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلشيشاةِ ُّ‬ ‫ات ِمن ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫أخرً لِعِب ِادهِ والطَّيِب ِ‬
‫ص ـةً يشـ ْوشم الْقيش شام ِة شك شذل ش‬
‫ك‬ ‫الدنْـيشا شخال ش‬ ‫ين شآمنوا ِيف ْ‬
‫الرْزق ق ْل ه شي للَّذ ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)86/4‬‬


‫‪190‬‬
‫[األعراف‪.]32 :‬‬ ‫صل ا َيت لِشق ْوٍم يشـ ْعلشمو شن ﴾‬ ‫نـ شف ِ‬
‫أ وظائفت الَّيت‬ ‫ِ‬ ‫أن النس ـان عندما ِ‬ ‫ـك َّ‬
‫يلب حاجاتت البدنيَّة‪ ،‬نمكانت بعد ذلك أن يؤد ش‬ ‫وحشـ َّ‬
‫ٍ‬
‫وتعاون عل‬ ‫كلَّفت هللا هبا يف الدُّنيا من عبادة هللا‪ ،‬وا تهال ٍ يف األرض‪ ،‬وإعمارها‪ ،‬وتعار ٍ ‪،‬‬
‫ـرأ عل‬ ‫الدين ولذلك ـ ـ ــبا القرآن الكر حاجات اجلس ـ ـ ــم الب ـ ـ ـ ِ‬ ‫الرب والتَّقو مع إخوانت يف ِ‬ ‫ِ‬
‫النَّلو التَّاس‬
‫﴿َيبشِ آدم خذوا ِزينشـتشك ْم ِعْن شد ك ِل‬ ‫ا حاجتت إىل الطَّعام‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـراب بقولت تعاىل ش‬ ‫‪ - 1‬ش ـ ـ ـبش ش‬
‫شربوا وحش تس ِرفوا إِنَّت حش ِ ُّ الْمس ِرفِ ش ﴾ [األعراف‪. ]31 :‬‬ ‫ٍِ‬
‫ْ‬ ‫شم ْس د شوكلوا شوا ْ ش ش ْ‬
‫ا حاجتت إىل اَّلبس‪ ،‬أبن أوج من اللِباس ما يسـ ـ العورة‪ ،‬و فم اجلس ــم من‬ ‫‪ - 2‬ش ـ ـبش ش‬
‫﴿َيبشِ آدم‬ ‫الذهاب إىل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫احلر والربد‪ ،‬وندب ما يكون زينةً عند َّ‬ ‫عادَيت ِ‬
‫شربوا وحش تس ِرفوا إِنَّت حش ِ ُّ الْمس ِرفِ ش ﴾ [األعراف‪.]31 :‬‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫خذوا ِزينشـتشك ْم عْن شد ك ِل شم ْس د شوكلوا شوا ْ ش ش ْ‬
‫اَّلل شج شع شل لشك ْم ِم ْن بـيوتِك ْم ش شكناً شو شج شع شل لشك ْم‬ ‫﴿و َّ‬
‫ا احلاجة إىل اَّأو بقولت تعاىل ش‬ ‫‪ - 3‬ش بش ش‬
‫هللاـ ـ ـ شوافِ شها شوأ ْشوشاب ِرشها شوأش ْشـ ـ ـ شعا ِرشها‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّو‪،‬شا يشـ ْوشم ظش ْعنك ْم شويشـ ْوشم إِقش شامتك ْم شوم ْن أش ْ‬ ‫وات تش ْسـ ـ ـتش ِهف ش‬
‫ود األشنْـ شع ِام بـي ً‬ ‫ِمن جل ِ‬
‫ْ‬
‫ح ٍ ﴾[النحل‪. ]80 :‬‬ ‫أش شاث ًاث ومتشاعا إِ شىل ِ‬
‫شش ً‬
‫الايواً واأل ــرة نابحة النِكا ‪ ،‬بل إجيابت يف بعض األحيان‪ ،‬وحتر‬ ‫ا حاجتت إىل َّ‬ ‫‪ - 4‬ش ـ ـبش ش‬
‫وج ِه ْم شحافِظو شن * إِحَّ شعلش أ ْشزشو ِاج ِه ْم أشْو شما‬ ‫الايَّن‪ ،‬واَّهادنة‪ ،‬واللِواط‪ ،‬قال تعاىل ﴿والَّ ِذين هم لِفر ِ‬
‫ش ش ْ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ن ﴾[املؤمنون‪.]7 - 5 :‬‬ ‫ك هم الْ شعادو ش‬ ‫ك فشأولشئِ ش‬ ‫وم ش *فش شم ِن ابْـتشـ ش شوشراءش ذشل ش‬ ‫ملش شكت أْشميشا‪،‬م فشَِ َّ‪،‬م شري مل ِ‬
‫ْ ْ ْ ش‬ ‫ش ْ‬
‫ا حاجتت إىل التَّملُّك وال ِس ـ ـ ـ ـيادة‪ ،‬وأاب التَّملُّك للمال‪ ،‬والعقار‪ ،‬شوفْ شق ـ ـ ـ ـوابا‬ ‫‪ - 5‬ش ـ ـ ـ ـبش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫شجر‬‫ين شآمنوا مْنك ْم شوأشنْـ شفقوا شي ْم أ ْ‬ ‫﴿وأشنْفقوا اَّا شج شعلشك ْم م ْس ـ ـ ـ ـ ـتش ْهلشف ش فيت فشالذ ش‬ ‫شـ ـ ـ ـ ــرعيَّة‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫كبِري ﴾ [احلديد‪.]7 :‬‬ ‫ش‬
‫﴿وشم ْن أشظْلشم ِاش ِن‬ ‫ا ال ـالم السـيادة بتلر الظُّلم‪ ،‬والعدوان‪ ،‬والب ي‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ِ‬ ‫‪ - 6‬ش ـبش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ شك ِذاب أ ْشو شك َّذ ش ِ ِ ِ‬
‫ب رَيتت إنَّت حش يـ ْفل الظَّالمو شن ﴾ [األنعام‪ ، ]21 :‬وقال تعاىل ش‬
‫﴿وقشـ ْوشم‬ ‫افْ شش شعلش َّ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫الر ل أش ْ شرقْـنشاه ْم شو شج شع ْلنشاه ْم لِلن ِ‬ ‫َّ‬
‫يما ﴾‬ ‫َّاس آيشةً شوأ ْشعتش ْد شان للظَّالم ش شع شذ ًااب أشل ً‬ ‫نو ٍ ل َّـما شكذبوا ُّ ش‬
‫ان شوإِ شيت ِاء ِذأ الْق ْرشىب شويشـْنـ شه شع ِن‬ ‫اَّلل رْمر ِابلْع ْد ِل وا ِلحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ش ش ْش‬
‫ِ‬
‫[الفرقان‪ ،]37 :‬وقال تعاىل ﴿إ َّن َّش ش‬
‫ن ﴾ [النحل ‪.]90‬‬ ‫الْ شف ْل ش ِاء شوالْمْن شك ِر شوالْبشـ ْ ِي يشعِظك ْم لش شعلَّك ْم تش شذ َّكرو ش‬
‫ا حاجتت إىل العمل‪ ،‬والنَّ ا أبن جعل من الَّالزم أن يكون العمل م ـ ـ ـ ـروعاً‪،‬‬ ‫‪ - 7‬ش ـ ـ ـ ـبش ش‬

‫‪191‬‬
‫أبحد من النَّاس‪ ،‬واند اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم أن يعملوا يف هذه الدُّنيا ما يكفل يم القيام‬ ‫و ري مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـر ٍ‬
‫الدين‪ ،‬وما يدَّخرون عند هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت‪ ،‬قال تعاىل ﴿ شقالوا أ ِ‬
‫وذ شينا ِم ْن قشـْب ِل أش ْن‬ ‫بع ء الدَّعوة و ِ‬
‫ض فشـيشـْنظشر‬ ‫ك شعد َّوك ْم شويش ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ْهلِ شفك ْم ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شأتْتِيشـنشا شوِم ْن بشـ ْعد شما جْئـتشـنشا قش شال شع شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شربُّك ْم أش ْن يـ ْهل ش‬
‫ن ﴾ [األعراف‪.]129 :‬‬ ‫ف تشـ ْع شملو ش‬
‫شكْي ش‬
‫وربا العلم ابلميان يف كث ٍري من آَيت القرآن الكر ‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــرط يف العمل أن يكون هللا ـ ـ ـ ــاحلاً‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قال ــبلانت وتعاىل ﴿إِ َّن الَّ ِذين آمنوا وع ِملوا ال َّ ِ ِ‬
‫شح شس ـ شن شع شمالً﴾‬ ‫ص ـاحلشات إِ َّان حش نض ـيع أ ْ‬
‫شجشر شم ْن أ ْ‬ ‫ش ش شش‬
‫اَّلل رْمر ِابلْع ْد ِل وا ِلحس ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ش ش ْش‬ ‫[الكوف‪ ،]30 :‬وطال ابلحس ـ ـ ــان يف العمل‪ ،‬فقال ـ ـ ــبلانت ﴿إ َّن َّش ش‬
‫ن ﴾ [النحل‪.]90 :‬‬ ‫شوإِيتش ِاء ِذأ الْق ْرشىب شويشـْنـ شه شع ِن الْ شف ْل ش ِاء شوالْمْن شك ِر شوالْبشـ ْ ِي يشعِظك ْم لش شعلَّك ْم تش شذ َّكرو ش‬
‫﴿وشك ْم أ ْشهلشكْنشا ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫‪ - 8‬وحذر بلانت من الدَّعة والبطر‪ ،‬واح ار ابلنعمة‪ ،‬فقال بلانت ش‬
‫َّ‬
‫حنن الْوا ِرثِ ش ﴾ [القصص‪:‬‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك شم شساكنـه ْم شْ ت ْس شك ْن م ْن بشـ ْعده ْم إحَّ قشليالً شوكنَّا شْ ش‬ ‫ت شمعِي ش تشـ شها فشتِْل ش‬‫قشـ ْريشٍة بش ِطشر ْ‬
‫‪. ]58‬‬

‫هذه بعض األ ـ ـ ـ ــس الَّيت قامت عليها ال بية النَّبويَّة ل جسـ ـ ـ ــام‪ ،‬حض تسـ ـ ـ ــتطيع أن َّ‬
‫تتلمل‬
‫أثقال اجلهاد‪ ،‬ولوم الدَّعوة‪ ،‬وهللاعوبة احلياة‪.‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم هللاـ ـ ـ ـ ــلابتت عل اَّنهت الكر ‪ ،‬منهت تايكية األروا ‪،‬‬
‫رىب الن ُّ‬
‫لقد َّ‬
‫الرَّابنيَّة اَّتوازنة‪،‬‬
‫وتنوير العقول‪ ،‬واَّافظة عل األجساد‪ ،‬وتقويتها لعداد ال َّهصيَّة ال الميَّة َّ‬
‫ولقد ُلت تربيتت هللال هللا عليت و لم يف حتقيق أهدافها اَّر ومة‪.‬‬
‫الرذائل‪:‬‬
‫الصحابة على مكارم األخالق‪ ،‬وتنقيتوم من َّ‬
‫رابعاً‪ :‬تربية َّ‬

‫خلق‪ ،‬وقد‬‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليلة ح تكون ب ري ٍ‬ ‫الرفيعة جايء مهم من العقيدة فالعقيدة ال َّ‬ ‫إن األخالق َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫متنوعة‪ ،‬وكان‬ ‫رىب ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم هللاـ ــلابتت عل مكارم األخالق‪ ،‬أب ـ ــالي‬ ‫َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم يتلو عليهم ما ينايل من قرآن‪ ،‬فَذا مسعوه‪ ،‬وتدبَّروه عملوا بتوجيهاتت‪.‬‬
‫الرو ‪،‬‬
‫ـث عل مك ـ ــارم األخالق‪ ،‬وعل تنقي ـ ــة ُّ‬ ‫واَّت ـ ــدبِر للقرآن ِ‬
‫اَّك ِي جي ـ ــده مليئ ـ ـاً ابحل ـ ـ ِ‬
‫كل ما يعوق ــريها إىل هللا تعاىل‪ ،‬ور ــول ايد هللا ــل هللا عليت و ــلم القدوة‬ ‫وتص ــفيتها‪ ،‬من ِ‬
‫َّك لش شعلش خل ٍق‬‫﴿وإِن ـ ش‬ ‫ٍ‬
‫ٍ (‪)1‬‬ ‫الكــاملــة‪ ،‬و ِ‬
‫ش‬ ‫ـاىل‬‫ـ‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫خلق عظيم‬ ‫اَّريب النـَّاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ل َّم ـة كــان عل‬
‫شع ِظي ٍم﴾[القلم‪ ]4 :‬ومعىن ا ية وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬أأ ما كان رمر بت من أمر هللا‪ ،‬وينه عنت من ‪،‬ي هللا‪،‬‬

‫(‪ )1‬منهت ال الم يف تايكية النَّفس (‪.)331/1‬‬


‫‪192‬‬
‫واَّعىن إنَّك لعل اخللق الَّذأ اثرك هللا بت يف القرآن(‪.)1‬‬
‫وعن عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها عندما ـ ــئلت عن خلق ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬
‫ـي هللا هللاــل هللا عليت و ــلم كان القرآن » [ مســلم (‪ )746‬وأمحد (‪ )54/6‬وأبو داود‬ ‫إن خل شق نشبِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫قالت « َّ‬
‫(‪ . ])1342‬وقــد ع هللا تعــاىل لنبيِنــا مكــارم األخالق يف قولــت تعــاىل ﴿خ ـ ِذ الْع ْفو وأْمر ِابلْعر ِ‬
‫شش ش ْ ْ‬
‫اهلِ ش ﴾ [األعراف‪. ]199 :‬‬ ‫اجل ِ‬
‫شوأ ْشع ِر ْ‬
‫ض شع ِن ْش‬
‫يس‬‫قال جماهد يف معىن ا ية يع خذ العفو من أخالق النَّاس ‪ ،‬وأعمايم من ري هس ـ ـ ٍ‬
‫‪ ،‬مثل قبول األعذار‪ ،‬والعفو واَّسـ ـ ـ ــاهلة‪ ،‬وترك اح ـ ـ ـ ــتقصـ ـ ـ ــاء يف البلث‪ ،‬والتَّفتيش عن حقائق‬
‫بواطنهم(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫أعشرفت التَّوحيد‪،‬‬ ‫﴿وأْم ْر ِابلْع ْر ﴾‪ ،‬و ْ‬‫كل ش‬‫قال ابن عباس ر ــي هللا عنهما يف قولت تعاىل وهو ُّ‬
‫اهلِ ش ﴾‪ ،‬يع إذا ــفت‬ ‫اجل ِ‬
‫ض شع ِن ْش‬ ‫﴿وأ ْشع ِر ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫مثَّ حقوق العبوديَّة‪ ،‬وحقوق العبيد ‪ ،‬مثَّ قال تعاىل ش‬
‫ض شه ْوانً‬ ‫ين ميشْ و شن شعلش األ ْشر ِ‬ ‫ابلسفت‪ ،‬كقولت تعاىل ﴿و ِعباد َّ ِ َّ ِ‬
‫الر ْحشان الذ ش‬ ‫ش ش‬ ‫عليك اجلاهل‪ ،‬فال تقابلت َّ‬
‫اهلو شن قشالوا ش ـ ـ ـالشًما ﴾ [الفرقان‪ ،]63 :‬وهكذا كان خلقت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫شوإذشا شخاطشبشـهم ْش‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم أحسن النَّاس خلقاً» [البخاري (‪ )6203‬ومسلم (‪.])659‬‬ ‫«كان الن ُّ‬
‫ش‬
‫يريب أهللاــلابت عل حســن اخللق‪ ،‬و ثُّهم عليت‪ ،‬فعن النَّ ِب‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ِ‬ ‫وكان الن ُّ‬
‫هللا ــل هللا عليت و ــلم قال «ما ش ــيء أثقل يف ميايان اَّؤمن يوم القيامة من حس ــن اخللق‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫هللا تعاىل لشيـْب ِض الفاحش البذأء» [أبو داود (‪ )4799‬والرتمذي (‪ )2002‬وابن حبان (‪.])476‬‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫و ئل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عن أكثر ما يدخل النَّاس اجلنة؟ فقال «تقو هللا‪،‬‬
‫وحسـ ـ ـ ـ ــن اخللق»‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال «الفم‪ ،‬والفرً» [أمحد (‪)392/2‬‬
‫ش‬
‫والرتمذي (‪ )2004‬وابن ماجه (‪ )4246‬وابن حبان (‪ )476‬والبخاري يف األدب الفرد (‪ 289‬و‪ ،])294‬وقد ب َّ هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫إس‪ ،‬وأقربكم م ِ جملس ـاً يوم‬ ‫إن من أحبِكم َّ‬ ‫و ــلم ألهللاــلابت عظم ثواب ح ْس ـ ِن اخللق‪ ،‬فقال « َّ‬
‫إس‪ ،‬وأبعدكم م يوم القيامة‪ ،‬الثـ َّْراثرون‪ ،‬واَّت ـ ِـدقو شن‪،‬‬ ‫وإن أب ض ــكم َّ‬‫القيامة أحا ِ ـ ـنشكم أخالقاً‪َّ ،‬‬
‫واَّتفيهقون» قالوا َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! قد علمنا (الثراثرون‪ ،‬واَّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدقون)‪ ،‬فما اَّتفيهقون؟ قال‬
‫تكربون» [الرتمذي (‪.])2018‬‬ ‫«اَّ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت التَّمك يف القران الكر ‪ ،‬للصالَّيب ‪( ،‬ص ‪.)354‬‬


‫(‪ )2‬انظر ألية اجلهاد يف ن ر الدَّعوة ‪ ،‬ص ‪.65 ، 64‬‬
‫السالك (‪.)653/2‬‬ ‫انظر هتذي مدارً َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪193‬‬
‫الثَّراثر هو كثري الكالم ب ري فائدةٍ دينيَّ ٍة‪ .‬واَّت ـ ـ ـ ِـدق اَّتكلِم مبلء فيت تفاهللاـ ـ ـ ـلاً وتعاظماً‪،‬‬
‫وتطاوحً‪ ،‬وإظهاراً لفضـ ـ ـ ـ ــلت عل ريه‪ ،‬واَّتفيهق هو الَّذأ يتو َّ ـ ـ ـ ـ ـع يف الكالم‪ ،‬ويفت بت فاهت‪،‬‬
‫وأهللالت من الْ شف ْه ِق‪ ،‬وهو احمتالء(‪.)1‬‬
‫القرآين يف تربية أهللا ـ ـلابت عل األخالق‬ ‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل اَّنهت ِ‬ ‫لقد ـ ــار الن ُّ‬
‫ألن العالقة ب األخالق‬ ‫احد َّ‬ ‫وقت و ٍ‬ ‫الكرمية‪ ،‬وكانت األخالق تعرض مع العبادة‪ ،‬والعقائد يف ٍ‬
‫والعقيدة وا ـ ـ ـ ـ ــلة يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬وقد ب َّ ـ ـ ـ ـ ــبلانت لر ـ ـ ـ ـ ـولت هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪،‬‬
‫وللمس ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬األخالقيات الميانيَّة الَّيت ينب ي أن يكون عليها اَّؤمنون ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (ح إلت إح هللا)‪،‬‬
‫أن التَّنديد أبخالقيات اجلاهلية‬ ‫واألخالقيات اجلاهليَّة الَّيت ينب ي أن ينبذها اَّؤمنون‪ ،‬واحلقيقة َّ‬
‫حض النِهاية‪.‬‬ ‫تمر معت َّ‬ ‫تصوراهتم احعتقاديَّة‪ ،‬وا َّ‬ ‫قد بدأ منذ اللَّلظة األوىل‪ ،‬مع التنديد بفساد ُّ‬
‫نطاق مع َّ ٍ من نط ِق‬ ‫الدين‪ ،‬وليسـ ــت حمصـ ــورًة يف ٍ‬ ‫إن األخالق ليسـ ــت شـ ــيئاً اثنوَيً يف هذا ِ‬ ‫َّ‬
‫أن اَّظاهر‬ ‫رأ كلِت‪ ،‬كما َّ‬ ‫للسلوك الب ِ‬ ‫رأ َّإجا هي ركياية من ركائايه‪ ،‬كما َّأ‪،‬ا شاملة ُّ‬ ‫السلوك الب ِ‬ ‫ُّ‬
‫ص ـلي‬ ‫ص ـب ة اخللقيَّة الوا ــلة‪ ،‬هي ال َّ ة العمليَّة لالعتقاد‪ ،‬والميان ال َّ‬ ‫ال ُّس ـلوكيَّة كلَّها ذات ال ِ‬
‫ألن الميان ليس م اعر مكنونةً يف داخل الضَّمري فلس ٍ َّإجا هو عمل لوكي ظاهر كذلك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫العملي‪ ،‬أو ح نر عكســت أن نتســاءل أين الميان‬ ‫َّ‬ ‫حبيث ُّق لنا ح ح نر ذلك ال ُّسـلوك‬
‫يتلول إىل ٍ‬
‫لوك(‪)2‬؟!‬ ‫َّ‬ ‫إذاً؟ وما قيمتت إذا‬
‫ولــذلــك ُــد القرآن الكر يربا األخالق ابلعقيــدة ربط ـاً قوَيً‪ ،‬واألمثلــة عل ذلــك كثرية‬
‫منها‬
‫ين ه ْم شع ِن اللَّ ْ ِو‬ ‫قولت تعاىل ﴿قش ْد أشفْـلش الْمؤِمنو شن *الَّ ِذين هم ِيف هللا ـ ـ ـ ـالشهتِِم خا ِش ـ ـ ـ ـعو شن َّ ِ‬
‫*والذ ش‬
‫ش‬ ‫ش ْ ش ْ ش‬ ‫ش ْ‬
‫وج ِه ْم شحافِظو شن *إِحَّ شعلش أ ْشزشو ِاج ِه ْم أ ْشو شما‬ ‫اعلو شن *والَّ ِذين هم لِفر ِ‬
‫ش ش ْ‬
‫مع ِر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو شن *والَّ ِذين هم لِ َّلايشكاةِ فش ِ‬
‫ش ش ْ‬ ‫ْ‬
‫وم *فشم ِن ابـتـ ش وراء ذشلِـ ـك فش ـأولشئِ ـك هم الْع ـادو شن َّ ِ‬
‫ين ه ْم‬ ‫*وال ـذ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ت أشْميشـا‪ْ ،‬م فش ـَِ َّ‪ْ ،‬م ش ْري شمل ِ ش ش ْ ش ش ش ش ش‬ ‫شملش شك ـ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫اانهتِِم وعهـ ِد ِهم راعو شن َّ ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ك هم الْ شوارثو شن *الـذ ش‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلش شواهت ْم شـافظو شن *أولشئِـ ش‬
‫ين ه ْم شعلش ش‬
‫*والـذ ش‬
‫ش‬ ‫أل شِ شمـ ش ْ ش ش ْ ْ ش‬
‫ِ‬
‫س ه ْم فِ شيها شخالِدو شن ﴾ [املؤمنون‪ ]11 - 1 :‬فالس ـ ــورة تبدأ بتقرير الفال للمؤمن هبذا‬ ‫ِ ِ‬
‫يشرثو شن الْف ْرشد ْو ش‬
‫اَّفصل‪ ،‬الذأ‬ ‫اَّطول َّ‬ ‫التَّوكيد ﴿قش ْد أشفْـلش ش الْم ْؤِمنو شن ﴾‪ ،‬مثَّ تصف هؤحء اَّؤمن بذلك الوهللاف َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪.)655/2( ،‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫أن هذه األخالقيات ‪ -‬من‬ ‫يـ ْع شىن نِبراز اجلان اخللقي ألولئك اَّؤمن ‪ ،‬موحياً إ اءً وا ـ ـ ـ ـ ـ ــلاً َّ‬
‫جهة أخر ‪ -‬هو لوك ملموس ي ِجم عن العقيدة‬ ‫أن الميان ‪ -‬من ٍ‬ ‫جهة ‪ -‬هي شرة الميان‪ ،‬و َّ‬ ‫ٍ‬
‫اَّكنونة‪.‬‬
‫صـ ـ ـادق أن تكون‬ ‫َّإ‪،‬م ابدئ ذأ بدء خاش ـ ــعون يف هللا ـ ــالهتم‪ ،‬فذلك َّأول مظه ٍر للمؤمن ال َّ‬
‫هللاــالتت ‪ -‬وهي اللَّلظة اليت يقف فيها متعبِداً لربِت‪ ،‬ذاكراً لت يف قلبت‪ ،‬متَّص ـالً بت بروحت ‪ -‬هللاــالةً‬
‫صـ ـ ـالة‪ ،‬مثَّ تث ِ‬ ‫صـ ـ ـلة ابهللِ الَّيت يرتفع نبض ـ ــها وحرارهتا يف أثناء ال َّ‬ ‫خاش ـ ــعةً مبا ينبئ عن هللا ـ ــدق ال ِ‬
‫حلة‪ ،‬هي َّأ‪،‬م عن الل و معر ون فاللَّ و ح ينبئ عن ٍ‬
‫نفس‬ ‫السورة بصفة لوكيَّة أخر ذات د ٍ‬ ‫ُّ‬
‫ش‬
‫وجديتها‪ ،‬و ُّ‬
‫اجلد‬ ‫اجلد مبا ي ـ ـ ـ ـ ــعرها من ثقل التَّكاليف‪ِ ،‬‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلي يورث النَّفس َّ‬ ‫جادةٍ‪ ،‬والميان ال َّ‬
‫َّ‬
‫جدية ال ُّ ـ ـعور‬ ‫لكن اللَّ و ‪ -‬من جان ٍ آخر ‪ -‬ح يسـ ــتقيم مع ِ‬ ‫ليس تقطيباً دائماً وح عبو ـ ـاً‪ ،‬و َّ‬
‫حبد أن تكون يف قلوهبم‬ ‫َّ‬ ‫إن هؤحء اَّؤمن‬ ‫بعظم األمانة اليت ملها النس ـ ـ ـ ـ ـ ــان أمام خالقت‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫حلق هللا يف أموايم‪ ،‬وهو َّ‬
‫الايكاة‪.‬‬ ‫احلسا ية ِ‬
‫وحبـ َّـد أن يكونوا ملتايم أبوامر هللا يف عالقــات اجلنس فال يتعــدَّون حــدود هللا‪ ،‬وملتايم‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة‬
‫أبوامره يف عالقتهم احجتماعيَّة فيلفظون األمانة‪ ،‬ويرعون العهد‪ ،‬وهبذا نفهم فشـ ْهم ال َّ‬
‫صـ ـليلة‪ ،‬وكذلك العبادة احليَّة اخلاش ــعة هلل‪ ،‬هكذا تعلَّموا‬ ‫ل خالق‪ ،‬فهي شرة طبيعيَّة للعقيدة ال َّ‬
‫الصادق األم هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬ ‫من القرآن الكر ‪ ،‬ومن هدأ حبيبهم َّ‬
‫لقد ر ـ ــم القرآن الكر يم هللا ـ ــورةً تفص ـ ــيليَّةً لل َّ ـ ـهص ـ ـيَّة اَّؤمنة‪ ،‬فكانت العبادة َّأول شم ْعلشٍم‬
‫ص ـ ـالة‪،‬‬ ‫ـوي يف ال َّ‬ ‫ـف يم اخل ـ ـ ش‬ ‫وا ـ ـ فيها فنظروا كيف جعل هللا يف أوهللاـ ــا اَّؤمن أول وهللاـ ـ ٍ‬
‫الايكاة‪ ،‬وهي عبادة‪ ،‬مع الفضائل اخللقيَّة األخر ‪.‬‬ ‫وآخر أوهللاافهم اَّافظة عليها‪ ،‬ووهللافهم بفعل َّ‬
‫إن القرآن الكر يربز جان العبادة أحياانً‪ ،‬وجان األخالق أحياانً أخر َّنا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـبات‬ ‫َّ‬
‫الذارَيت كانت العناية ابلعبادة يف وهللاـ ـ ـ ـ ــف اَّتق‬ ‫ات توج هذا البراز‪ ،‬ففي ـ ـ ـ ـ ــورة َّ‬ ‫واعتبار ٍ‬
‫ك ْحم ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنِ ش * شك ـانوا قشلِيالً ِم شن اللَّْي ـ ِل شم ـا يشـ ْه ش عو شن‬ ‫ِ‬
‫آاته ْم شرُّهب ْم إِ َّ‪ْ ،‬م شك ـانوا قشـْب ـ شل شذل ـ ش‬
‫ين شم ـا ش‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿آخ ـذ ش‬
‫لسائِ ِل والْملر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم ﴾ [الذارايت‪. ]19 - 16 :‬‬ ‫*وِيف أ ْشم شواي ْم شحق ل َّ ش ش ْ‬ ‫ِ‬
‫*وابألش ْ شلار ه ْم يش ْستشـ ْفرو شن ش‬ ‫ش‬
‫األخالقي يف وهللا ــف أهللا ــلاب العقول‪ ،‬قال تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫الرعد كانت العناية ابجلان‬ ‫ويف ــورة َّ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫َِّ‬
‫احلش ُّق شك شم ْن ه شو أ ْشع شم إجشـا يشـتش ـ شذ َّكر أولو األشلْبش ـاب *ال ـذ ش‬
‫ين‬ ‫ك ْ‬ ‫ك ِم ْن شربِ ـ ش‬ ‫﴿أشفش شم ْن يشـ ْعلشم أشَّجشـا أنْ ِايشل إِلشْي ـ ش‬
‫صـ ـ ـلو شن ما أشمر َّ ِ‬ ‫اق *والَّ ِذين ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫يوفو شن بِعه ِد َِّ‬
‫اَّلل بِت أش ْن يو ش‬
‫هللاـ ـ ـ شل شوشخيْ ش ـ ـ ـ ْو شن شرَّهب ْم‬ ‫ش شش‬ ‫اَّلل شوحش يشـْنـقضـ ـ ـو شن الْميثش ش ش ش ش‬ ‫شْ‬

‫‪195‬‬
‫صـ ـالشةش شوأشنْـ شفقوا ِاَّا شرشزقْـنشاه ْم ِ ـ ـًّرا‬
‫هللاـ ـ شربوا ابْتِ شاءش شو ْج ِت شرهبِِ ْم شوأشقشاموا ال َّ‬
‫ين ش‬
‫اب َّ ِ‬
‫*والذ ش‬
‫ش‬
‫احلِسـ ـ ِ‬
‫شوشخيشافو شن ـ ـوءش ْ ش‬
‫ك شيم ع ْقىب الدَّا ِر ﴾ [الرعد‪.]22 - 19 :‬‬ ‫وعالشنِيةً وي ْدرأو شن ِاب ْحلسنش ِة َّ ِ ِ‬
‫السيئشةش أولشئ ش ْ‬ ‫شش‬ ‫ش ش ش شش ش‬
‫أن معظم األوهللا ـ ـ ـ ـ ــا هنا أخالقيَّة ‪َّ -‬نا ـ ـ ـ ـ ــبة أوس األلباب ‪ -‬مثل الوفاء وال ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلة‪،‬‬ ‫ومع َّ‬
‫وإجا هي أخالق رَّابنيَّة‪،‬‬ ‫أخالق (مدنيَّة)‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكن اَّللو فيها َّأ‪،‬ا ليست َّ‬
‫جمرد‬ ‫الصرب‪ ،‬والنفاق َّ‬ ‫و َّ‬
‫أخالق فيها معىن العبادة‪ ،‬والتَّقو ‪ ،‬فهم َّإجا يوفون (بعهد هللا)‪ ،‬وإجا يص ـ ـ ـ ـ ــلون ما أمر هللا بت أن‬
‫اب ﴾‪ ،‬وهم َّإجا‬ ‫احلِس ـ ـ ـ ِ‬ ‫َّ‬
‫﴿وشخيْ ش ـ ـ ـ ْو شن شرَّهب ْم شوشخيشافو شن ـ ـ ـوءش ْ ش‬ ‫يوهللا ـ ــل‪ ،‬وهم َّإجا يفعلون وي كون أل‪،‬م ش‬
‫كل أخالقهم و لوكهم يرجون ﴿ابْتِ شاءش شو ْج ِت شرهبِِ ْم﴾‪ ،‬ويرجون اليوم ا خر(‪.)1‬‬ ‫يصربون فهم يف ِ‬
‫أل‪،‬ا من ابب الوفاء‬ ‫أن العبادة نوي من األخالق َّ‬ ‫ص ـلابة ر ــي هللا عنهم عل َّ‬ ‫ترىب ال َّ‬
‫لقد َّ‬
‫هلل‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكر للنِعمــة‪ ،‬واحع ا ابجلميــل‪ ،‬والتَّوقري َّن هو أهــل التَّوقري‪ ،‬والتَّعظيم‪ ،‬وكلُّهــا من‬
‫الرجاء يف‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لابة رَّاب َّنية‪ ،‬ابعثها الميان ابهلل‪ ،‬وحاديها َّ‬ ‫مكارم األخالق(‪ ،)2‬كانت أخالق ال َّ‬
‫ويؤدون األمانة‪ ،‬ويوفون‬ ‫ا خرة‪ ،‬و ر ـ ـ ــها ر ـ ـ ـوان هللا‪ ،‬ومثوبتت‪ ،‬فكانوا يصـ ـ ــدقون يف احلديث‪ُّ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ري‪،‬‬ ‫ض ـ ـ ـ ـَّراء‪ ،‬وح البأس‪ ،‬وي يثون اَّلهو ‪ ،‬ويرحون ال َّ‬ ‫ابلعهود‪ ،‬ويصـ ـ ـ ــربون يف البأ ـ ـ ـ ــاء وال َّ‬
‫كل ذلك ابت اء وجت هللا‪ ،‬وطلباً َّا عنده تعاىل‬ ‫ويوقِرون الكبري‪ ،‬ويرعون الفضـ ـ ــيلة يف ـ ـ ــلوكهم ُّ‬
‫ضـشرًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الْيشـ ْوم شولشقَّاه ْم نش ْ‬ ‫اَّلل ششـَّر شذل ش‬
‫فقد كانت بواعثهم وطواَي نفو ــهم‪ ،‬كما قال تعاىل ﴿فشـ شوقشاهم َّ‬
‫و رورا *وجاياهم ِمبشا هللا شربوا جنَّةً وح ِريرا ﴾ [اإلنسان‪.]12 - 11 :‬‬
‫ش ً ش شش ْ ش ش ش ش ً‬
‫الرذيلة‪ ،‬ومرجعت فيما رخذ وما يدي‪،‬‬ ‫ألن مقيا ـ ــت يف الفض ـ ــيلة‪ ،‬و َّ‬ ‫إن أخالق اَّؤمن عبادة َّ‬ ‫َّ‬
‫اعات ر ـ ـ ــيت ـ ـ ــمائرهم‬ ‫ٍ‬ ‫ـوم‪ ،‬وكم من أفر ٍاد و‬ ‫ضـ ـ ـ ـمري وحده ليس مبعص ـ ـ ـ ٍ‬ ‫هو أمر هللا و‪،‬يت ابل َّ‬
‫ش‬
‫بقبائ األعمال!(‪.)3‬‬
‫ـأمون ألنـَّت حمــدود ابلبيئــة والظُّرو ‪ ،‬ومتــأثِر ابألهواء والنِاياعــات‪ ،‬ويف‬ ‫والعقــل وحــده ليس مبـ ٍ‬
‫اخللقي‪ ،‬دليل وا ـ ـ ـ عل ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫احختال ال َّ ـ ـا ـ ــع للفال ـ ــفة األخالقيِ يف مقياس احلكم‬
‫والعر ح ثبــات لــت‪ ،‬وح عموم ألنـَّت يت َّري من جيـ ٍـل إىل جيــل‪ ،‬ويف اجليــل الواحــد من بلـ ٍـد إىل‬
‫بلد‪ ،‬ويف البلد الواحد من إقلي ٍم إىل إقليم ولذلك الت أ اَّؤمن إىل اَّصدر اَّعصوم اَّأمون الَّذأ‬ ‫ٍ‬

‫السالك (‪.)657/2‬‬ ‫هتذي مدارً َّ‬


‫(‪)1‬‬

‫َّمد قط ‪ ،‬ص ‪.130‬‬‫(‪ )2‬انظر درا ات قرانيَّة ‪َّ ،‬‬


‫(‪ )3‬انظر العبادة يف ال الم ‪ ،‬للقر اوأ ‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪196‬‬
‫يضل‪ ،‬وح ينس ‪ ،‬وح يتأثَّر‪ ،‬وح جيور(‪.)1‬‬ ‫ح ُّ‬
‫كل أحا ــيس ــت‪،‬‬ ‫كل تص ـ ُّـرفات النس ــان‪ ،‬و َّ‬ ‫يعم َّ‬ ‫إن األخالق يف ال َّ بية النَّبويَّة ش ــيء ش ــامل‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫صـ ـ ـ ـالة يا أخالق هي اخل ـ ـ ــوي‪ ،‬والكالم لت أخالق هي العراض عن‬ ‫وم ـ ـ ــاعره‪ ،‬وتفكريه فال َّ‬
‫اللَّ و‪ ،‬واجلنس لت أخالق هي احلتايام حبدود هللا‪ ،‬وحرماتت‪ ،‬والتَّعامل مع ا خرين لت أخالق هي‬
‫التو ُّ ـ ـ ـ ـا ب التقتري وال ـ ـ ـ ـرا ‪ ،‬واحلياة اجلماعيَّة يا أخالق‪ ،‬هي أن يكون األمر ش ـ ـ ــور ب‬
‫الصف ‪ ،‬ووقوي العدوان من األعداء تستتبعت أخالق هي‬ ‫النَّاس‪ ،‬وال ض لت أخالق هي العفو و َّ‬
‫رد العدوان ‪ -‬وهكذا ح يوجد شــيء واحد يف حياة اَّســلم ليســت لت أخالق‬ ‫احنتص ـار ‪ -‬أأ ُّ‬
‫تكيِفت‪ ،‬وح شيء واحد ليست لت شدحلة أخالقيَّة مصاحبة‪.‬‬
‫أن األخالق يف اَّفهوم القرآين هي هلل‪ ،‬وليس ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬ ‫األهم ‪َّ -‬‬ ‫هذا أمر‪ ،‬واألمر ا خر ‪ -‬وهو ُّ‬
‫اَّرمات يف عالقات اجلنس‬ ‫ص ـ ـدق هلل‪ ،‬والوفاء ابلعهد هللِ‪ ،‬واتِقاء َّ‬ ‫ألحد ري هللا فال ِ‬ ‫للب ــر‪ ،‬وح ٍ‬
‫صـ ـ ـف هلل‪ ،‬واحنتص ـ ــار من الظُّلم هلل‪ ،‬وإتقان العمل هلل‪ ،‬كلُّها عبادة هلل‪ ،‬تـ شقدَّم هلل‬ ‫هلل‪ ،‬والعفو‪ ،‬وال َّ‬
‫وحده خ يةً هلل‪ ،‬وتقو ‪ ،‬وتطلُّ شعاً إىل ر اه‪َّ ،‬إ‪،‬ا ليست هللافقةً ب ريَّةً للكس ‪ ،‬واخلسارة‪َّ ،‬إجا‬ ‫ش‬
‫هي هللافقة تعقد مع هللا(‪.)2‬‬
‫اان شوحش‬ ‫قال تعاىل ﴿ق ْل تشـ شعالش ْواْ أشتْل شما شحَّرشم شربُّك ْم شعلشْيك ْم أشحَّ ت ْ ـ ِركواْ بِِت ششـْيـئًا شوِابلْ شوالِ شديْ ِن إِ ْح شسـ ً‬
‫ش شم ـا ظش شهشر ِمْنـ شه ـا شوشم ـا بشطش شن شوحش‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِ‬
‫تشـ ْقتـلواْ أ ْشوحش شدكم م ْن ْإمالشق ْحنن نشـ ْرزقك ْم شوإِ ََّيه ْم شوحش تشـ ْقشربواْ الْ شف شواح ش‬
‫هللاـ ـاك ْم بِِت لش شعلَّك ْم تشـ ْع ِقلو شن * شوحش تشـ ْقشربوا شم شال الْيشتِي ِم إِحَّ‬ ‫س الَِّيت شحَّرشم اَّلل إِحَّ ِاب ْحلشِق ذشلِك ْم شو َّ‬ ‫تشـ ْقتـلواْ النَّـ ْف ش‬
‫ِابلَِّيت ِه شي أْ ْح شس ـ ـن شح َّض يشـْبـل ش أشش ـ ـدَّه شوأ ْشوفوا الْ شكْي شل شوالْ ِم شيايا شن ِابلْ ِق ْس ـ ـ ِا حش ن شكلِف نشـ ْف ًس ـ ـا إِحَّ و ْ ـ ـ شع شها‬
‫شن شه شذا‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللِ أ ْشوفوا شذلِك ْم شو َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـاك ْم بت لش شعلَّك ْم تش شذ َّكرو شن ش‬
‫*وأ َّ‬ ‫اع ِدلوا شولش ْو شكا شن شذا قـ ْرشىب شوبِ شع ْه ِد َّ‬ ‫شوإِ شذا قـ ْلت ْم فش ْ‬
‫يما فشاتَّبِعوه شوحش تشـتَّبِعوا ال ُّس ـ ـ ـب شل فشـتشـ شفَّر شق بِك ْم شع ْن ش ـ ـ ـ ـبِيلِ ِت ذشلِك ْم شو َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـاك ْم بِِت لش شعلَّك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هللاـ ـ ـ ـشراطي م ْسـ ـ ـ ـتشق ً‬
‫وم ْن‬‫ص ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬ش‬ ‫األخالقي ال َّ ـ ـ ـ ـامل الَّذأ التايم بت ال َّ‬ ‫ُّ‬ ‫تشـتـَّقو شن﴾ [األنعام‪ .]153 - 151 :‬ذلك هو اَّيثاق‬
‫ـ ـ ـ ـ ــار عل هديهم اتِباعاً لص ـ ـ ـ ـ ـراط هللا اَّسـ ـ ـ ـ ــتقيم‪ ،‬فهو ‪ -‬إذاً ‪ -‬من العقيدة مرتبا هبا ارتباطاً‬
‫أ ا ية‪ ،‬ح ينفصل عنها ٍ‬
‫حبال‪.‬‬
‫اليي إىل ذروةٍ ِ‬
‫متفردة‬ ‫إن األعمــال اخللقيَّ ـة تــدخــل يف يع اجلوان ـ ‪ ،‬ويرتقي هبــا الوحي ُّ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر الو طيَّة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.591‬‬


‫(‪ )2‬انظر الميان واحلياة ‪ ،‬للقر اوأ ‪ ،‬ص ‪.256‬‬
‫‪197‬‬
‫أتملنا يف‬ ‫ح جيعلها ديناً‪ ،‬وعبادةً وحمالً لثواب هللا تعاىل‪ ،‬أو عقابت األليم عند اَّهالفة(‪ ،)1‬وإذا َّ‬
‫ض ـرورَيت اخلمس‪ ،‬وهي‬ ‫ا َيت ال َّس ـابقة من ــورة األنعام‪ُ ،‬دها قد اشــتملت عل العناية ابل َّ‬
‫الدين‪ ،‬والدُّنيا حيث َّإ‪،‬ا إذا فقدت د ِر مصـ ـ ـ ــاأ الدُّنيا عل‬ ‫حبد منها يف قيام مصـ ـ ـ ــاأ ِ‬ ‫«ما َّ‬
‫الرجوي‬ ‫ـاد‪ ،‬وهتارًٍ وفوت حياةٍ‪ ،‬ويف األخر فوت النَّ اة والنَّعيم‪ ،‬و ُّ‬ ‫ـتقامة‪ ،‬بل عل فسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ا ــــــ ٍ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم من أهدافها إرجاي النَّاس إىل مقاهللا ــد‬ ‫إن دعوة الن ِ‬ ‫ابخلسـ ـران اَّب »(‪َّ )2‬‬
‫ضـ ـ ـ ـرورَيت اخلمس‪ ،‬فقد اش ـ ـ ــتملت ا َيت الكرمية‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـريعة‪ ،‬والَّيت من ـ ـ ــمنها اَّافظة عل ال َّ‬
‫السابقة عل العناية ابلضَّرورَيت‪ ،‬وهي‬ ‫َّ‬
‫الدين‪ :‬وذلك يف قولت تعاىل ﴿أشحَّ ت ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِركوا بِِت شش ـ ـ ـ ـ ـ ـْيـئًا﴾‪ ،‬ويف قولت تعاىل ألنَّت‬ ‫أ ‪ -‬حفظ ِّ‬
‫يما فشاتَّبِعوه شوحش تشـتَّبِعوا ال ُّس ـب شل فشـتشـ شفَّر شق بِك ْم شع ْن ش ـبِيلِ ِت﴾ يســتقيم دين مع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شن شه شذا هللا ـشراطي م ْس ـتشق ً‬ ‫﴿وأ َّ‬
‫ش‬
‫يوحدوه ابلعبادة‪ ،‬وأن يتَّبعوا هللا ـراطت اَّس ــتقيم‪ ،‬الَّذأ‬ ‫ال ِ ـرك ابهلل تعاىل‪ ،‬فأمر ــبلانت عباده أن ِ‬
‫شش‬
‫فَ‪،‬ا ي و الل‪،‬‬ ‫ح رتيت الباطل من ب يديت‪ ،‬وح من خلفت‪ ،‬و‪،‬اهم عن اتِباي بل ال يطان َّ‬
‫َّب‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ويف ــلوكها إعراض عن دين ِ ِ‬
‫احلق‪ ،‬واتباي ألهواء النفوس‪ ،‬وو ـواس ال َّ ـيطان ‪ ،‬وقد قام الن ُّ‬
‫الدين من خالل العمل بت‪ ،‬واجلهاد من أجلت‪ ،‬والدَّعوة‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ابَّافظة عل ِ‬
‫كل ما خيالفت(‪.)4‬‬ ‫ورد ِ‬‫إليت‪ ،‬واحلكم بت‪ِ ،‬‬
‫﴿وحش تشـ ْقتـلوا أ ْشوحش شدك ْم ِم ْن إِ ْمالش ٍق﴾ وقد و عت‬
‫ب ‪ -‬حفظ النَّفس يف قولت تعاىل وقولت ش‬
‫اَّلل إِحَّ ِاب ْحلشِق﴾ نذن هللاَّ ‪ -‬حبفم النَّفس‬
‫س الَِّيت شحَّرشم َّ‬‫﴿وحش تشـ ْقتـلوا النَّـ ْف ش‬
‫ـائل الكفيلةش ش‬ ‫ال َّ ـريعة الو ـ ش‬
‫الذرائع ِ‬
‫اَّؤدية إىل القتل‪،‬‬ ‫َّعدأ عليها‪ ،‬ومن هذه الو ــائل(‪ )5‬حتر احعتداء عليها‪ ،‬و ـ ُّـد َّ‬ ‫من الت ِ‬
‫كالقصاص‪ ،‬و رورة إقامة البيِنة يف قتل النَّفس‪ ،‬و مان النَّفس‪ ،‬وأتخري تنفيذ ال ِقصاص حبيث‬ ‫ِ‬
‫إذا خ شي ِم ْن قشـْت ِل ري القاتل وج عليت العفو‪ ،‬وكذلك إابحة اَّظورات ش‬
‫حال الضَّرورة(‪.)6‬‬
‫الايَّن الَّذأ وهللاـ ــفت هللا تعاىل يف‬
‫ج ‪ -‬حفظ النَّس ــل يف قولت تعاىل ومن أعظم الفواحش ِ‬
‫﴿وحش تشـ ْقشربوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ش شم ـا ظش شهشر مْنـ شه ـا شوشم ـا بشطش شن﴾‪ ،‬كمــا قــال تعــاىل ش‬ ‫﴿وحش تشـ ْقشربوا الْ شف شواح ش‬
‫ايــة أخر أبنـَّت ش‬

‫(‪ )1‬انظر الو طية يف القران ‪ ،‬ص ‪.592‬‬


‫(‪ )2‬انظر درا ات قرانية ‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫(‪ )3‬انظر الو طيَّة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.594‬‬
‫(‪ )4‬اَّوافقات ‪ ،‬لل َّاطب (‪.)8/2‬‬
‫(‪ )5‬مقاهللاد ال َّ ريعة ‪ ،‬د‪ .‬حممد اليويب ‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫(‪ )6‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪198‬‬
‫الايَّن إِنَّت شكا شن فش ِ‬
‫اح ش ةً و ش اءش ش بِيالً ﴾‬
‫[اإلسراء‪. ]32 :‬‬ ‫ِش‬
‫إن حفم النَّس ــل من الركائاي األ ــا ــية يف احلياة‪ ،‬ومن أ ــباب عمارة األرض‪ ،‬وفيت تكمن‬ ‫َّ‬
‫األمة‪ ،‬وبت تكون مرهوبة اجلان ‪ ،‬عايياية القدر‪ ،‬حتمي دينها‪ ،‬وحتفم نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬ ‫َّقوة َّ‬
‫كل ما من شــأنت أن يقف يف طريق‬ ‫عر ــها‪ ،‬ومايا ولذلك عنِيشت ال َّ ـريعة حبماية النَّســل‪ ،‬ومنع ِ‬
‫مهمةً يف هذا الباب(‪.)1‬‬ ‫المتت‪ ،‬وو عت وابا‪ ،‬وأهللاوحً شرعيَّةً َّ‬
‫﴿وحش تشـ ْقشربوا شم شال الْيشتِي ِم إِحَّ ِابلَِّيت ِه شي أْ ْح شس ـ ـ ـن شح َّض يشـْبـل ش ﴾‬ ‫د ‪ -‬حفظ املال يف قولت تعاىل ش‬
‫وقولت ‪ .‬ومن و ـ ـ ـ ــائل حفم اَّال يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـريعة حتر احعتداء ﴿أششـ ـ ـ ـ ـدَّه شوأ ْشوفوا الْ شكْي شل شوالْ ِم شيايا شن‬
‫كلد ال َّسـ ـ ـ ـرقة‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وحد‬ ‫ي من احلدود يف العهد ِ‬
‫اَّدين‬ ‫ِابلْق ْسـ ـ ـ ـا﴾‪ ،‬وحتر إ ـ ـ ــاعة اَّال‪ ،‬وما شـ ـ ـ ـ ِر ش‬
‫الدفاي عن اَّال‪ ،‬وتوثيق الدُّيون والشــهاد عليها‪ ،‬وتعريف‬ ‫احلرابة‪ ،‬و ــمان اَّتلفات‪ ،‬وم ــروعيَّة ِ‬
‫اللُّ شقطشة‪ ،‬وما يتبعت(‪.)2‬‬
‫ألن التَّكليف هبذه األمور ح يكون‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ حفظ العقل و َّأما حفم العقل‪ ،‬فمطلوب أيضاً َّ‬
‫إح َّن ـ ـ ــلم عقلت‪ ،‬وح يقوم هبا فا ـ ـ ــد العقل‪ ،‬ويف قولت تعاىل إش ـ ـ ــارة إىل ﴿لش شعلَّك ْم تشـتـَّقو شن ﴾‪،‬‬
‫كل ما من شأنت إفساد العقل‪ ،‬وإدخال اخلشلل عليت(‪.)4‬‬ ‫حرم ال الم َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وهللا أعلم ‪ ،‬وقد َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـلابة عل العقائد‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬ومقاهللا ـ ـ ـ ــد‬ ‫وهكذا القرآن الكر يعلم‪ِ ،‬‬
‫ويريب ال َّ‬
‫الرَّابنيَّة تص ــدر من القرآن الكر بتقرير التَّوحيد‪ ،‬والعبودية‬ ‫وقت و ٍ‬
‫احد‪َّ ،‬‬
‫إن األخالق َّ‬ ‫ال َّ ـ ـريعة يف ٍ‬
‫القرآين‪ ،‬الَّيت تتبع يعها‬ ‫هلل تعاىل‪ ،‬وهذا بدوره أتكيد أ ــا ــي عل حقائق وأهللا ــول هذا اَّنهت ِ‬
‫يتقرر‬
‫هذا اَّدخل التَّأ يسي‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫أن هللا تعاىل هو وحده مص ــدر ال َّ ـ ـرائع يعاً‪ ،‬وهو ش ــاري القيم‪ ،‬واَّعايري األخالقية‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫الَّيت تنس م مع الفطرة‪ ،‬وتوافق العقل َّ‬
‫السليم‪.‬‬
‫جمرد‬ ‫الر ِ‬
‫ابين‪ ،‬وليس ـ ـ ـ ــت َّ‬ ‫‪َّ - 2‬‬
‫أن األخالق دين ملتايم بت‪ ،‬بل هي أهللا ـ ـ ـ ــل من أهللا ـ ـ ـ ــول اَّنهت َّ‬
‫فضائل فرديٍَّة‪ ،‬أو آداب اجتماعيَّ ٍة‪ ،‬أو أذو ٍاق حضاريٍَّة‪.‬‬
‫أن األخالق قيم أ ـ ـ ـ ــا ـ ـ ـ ــية يف حياة الب ـ ـ ـ ــر‪ ،‬ينب ي أن حتظ ابلثَّبات واح ـ ـ ـ ــتقرار‪،‬‬‫‪َّ - 3‬‬

‫(‪ )1‬اَّوافقات (‪.)27/4‬‬


‫(‪ )2‬مقاهللاد ال َّ ريعة ‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.287‬‬
‫‪199‬‬
‫وابلتَّاس مينع الطَّوا يت من التالع هبا‪ ،‬أو ت كيلها حس اَّصاأ واألهواء(‪.)1‬‬
‫وقــد احتو القرآن الكر عل العــديــد من ا داب الفـ َّـذة‪ ،‬الَّيت تعطي أمس التَّوجيهــات يف‬
‫ابب الفض ــائل‪ ،‬وا داب الفرديَّة‪ ،‬واحجتماعيَّة‪ ،‬ففي ــورة ال ـ ـراء جاءت آَيت كرمية هي من‬
‫لللث عل اخللق اَّمود‪ ،‬والتَّنفري من اخللق اَّذموم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أ ع ا َيت‬
‫ك أشحَّ تشـ ْعبدوا إِحَّ إِ ََّيه شوِابلْ شوالِ شديْ ِن إِ ْح شس ـ ـ ـ ـ ـاانً إِ َّما يشـْبـل ش َّن ِعْن شد شك الْ ِك ششرب‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ شربُّ ش‬
‫﴿وقش ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫الذ ِل‬‫ض شي شما شجشنا ش ُّ‬ ‫أشحدلا أشو كِالشلا فشالش تشـقل شيما أ ٍ وحش تشـْنـهرلا وقل شيما قشـوحً شك ِرميا *و ِ‬
‫اخف ْ‬ ‫ش شْ ش ش ْ ش ْ ً ش ْ‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ْ‬
‫ب ارحشْهما شكما ربـَّي ِاين هللا ـ ـ ِريا *ربُّكم أ ْشعلشم ِمبشا ِيف نـفو ِ ـ ـكم إِ ْن تشكونوا ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫هللا ـ ـاحل ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫الر ْحشة وق ْل شر ْ ش ش ش ش ش ً ش ْ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آت ذشا الْق ْرشىب شحقَّت شوالْ ِم ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِك ش شوابْ شن ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل شوحش تـبشذ ْر تشـْبذ ًيرا *إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫فشَِنَّت شكا شن ل َّشوابِ شفورا *و ِ‬
‫ش ً ش‬
‫*وإِ َّما تـ ْع ِر ش ـ ـ َّن شعْنـهم ابْتِ شاءش شر ْحشٍة ِم ْن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين شكانوا إ ْخ شوا شن ال َّ ـ ـْياط شوشكا شن ال َّ ـ ـْيطشان لشربت شكف ًورا ش‬ ‫الْمبشذر ش‬
‫ك شوحش تشـْبسـ ـ ـطْ شها ك َّل الْبش ْسـ ـ ـ ِا‬ ‫ِ‬
‫*وحش شْد شع ْل يش شد شك شم ْلولشةً إِ شىل عنق ش‬ ‫وها فشـق ْل شي ْم قشـ ْوحً شمْيسـ ـ ـ ًورا ش‬ ‫ك تشـ ْرج ش‬ ‫شربِ ش‬
‫*وحش‬ ‫ِِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فشـتـ ْقع شد ملوما شحمس ـورا *إِ َّن ربَّك يـبس ـا ِ ِ‬
‫الرْز شق ل شم ْن يش ش ـاء شويشـ ْقدر إنَّت شكا شن بعبشاده شخب ًريا بشص ـ ًريا ش‬ ‫ش ش شْ‬ ‫ش ش ً ْ ً‬
‫الاي شَّن إِنَّت‬‫*وحش تشـ ْقربوا ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫تشـ ْقتـلوا أ ْشوحش شدك ْم شخ ْ ـ ـ ـ ـ ـيشةش إ ْمالشق شْحنن نشـ ْرزقـه ْم شوإ ََّيك ْم إ َّن قشـْتـلشه ْم شكا شن خطْأً شكب ًريا ش ش‬
‫ِ‬ ‫اح ش ـ ـ ـ ـ ـةً و ـ ـ ـ ـ ـاء ـ ـ ـ ـ ـبِيالً *وحش تشـ ْقتـلوا النَّـ ْفس الَِّيت حَّرشم َّ ِ‬ ‫شكا شن فش ِ‬
‫وما فشـ شق ْد‬ ‫اَّلل إحَّ ِاب ْحلشِق شوشم ْن قت شل شمظْل ً‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬
‫*وحش تشـ ْقشربوا شم شال الْيشتِي ِم إِحَّ ِابلَِّيت ِه شي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫شج شع ْلنشا ل شوليت ـ ـ ـ ْلطشاانً فشالش ي ْس ـ ـ ـ ِر ْ يف الْ شقْت ِل إنَّت شكا شن شمْنص ـ ـ ـ ًورا ش‬
‫*وأ ْشوفوا الْ شكْي شل إِ شذا كِْلت ْم شوِزنوا‬ ‫ِ ِِ‬
‫شح شسـ ـ ـ ـ ـ ـن شح َّض يشـْبـل ش أششـ ـ ـ ـ ـ ـدَّه شوأ ْشوفوا ابلْ شع ْهد إ َّن الْ شع ْه شد شكا شن شم ْسـ ـ ـ ـ ـ ـؤوحً ش‬ ‫أْ‬
‫ك بِِت ِع ْلم إِ َّن ال َّس ـ ـ ـ ـ ْم شع‬ ‫شحس ـ ـ ـ ـن شأتْ ِ‬ ‫اس الْمس ـ ـ ـ ـت ِقي ِم ذشلِ‬
‫ِابلْ ِق ْس ـ ـ ـ ـطش ِ‬
‫س لش ش‬ ‫ش‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ش‬ ‫ف‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ـ‬
‫ش‬‫ت‬ ‫ش‬‫ح‬ ‫*و‬‫ش‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫أ‬
‫و‬ ‫ش‬ ‫ري‬‫ْ‬ ‫خ‬
‫ش‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫ض‬‫َّك لش ْن شهْ ِر شق األ ْشر ش‬ ‫ض شمشر ًحا إِن ش‬ ‫ش ِيف األ ْشر ِ‬ ‫*وحش َتشْ ِ‬ ‫ك شكا شن شعْنت شم ْسـ ـ ـ ـ ـؤوحً ش‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـشر شوالْف شؤ شاد ك ُّل أولشئِ ش‬
‫شوالْبش ش‬
‫ِ‬
‫وها ﴾ [اإلسراء‪.]38 - 23 :‬‬ ‫ك شمكْر ً‬ ‫ك شكا شن ش يِئت ِعْن شد شربِ ش‬ ‫اجلِبش شال طوحً *ك ُّل شذل ش‬ ‫شولش ْن تشـْبـل ش ْ‬
‫إن هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬قد جعل التَّوحيد ‪ -‬أأ إفراد هللا ابلعبادة ‪ -‬عل رأس هذا‬ ‫َّ‬
‫ألن التَّوحيــد لــت يف احلقيقــة جــانـ أخالقي‬ ‫لقي الَّـذأ رمستــت ا َيت مــدحـاً‪ ،‬وذمـاً َّ‬ ‫اَّنهت اخل ِ‬
‫الصدق مع النَّفس‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫أهللايل إذ اح ت ابة إىل ذلك ترجع إىل خلق العدل‪ ،‬والنصا ‪ ،‬و ِ‬
‫الك ْرب‪ ،‬عن‬ ‫األول‪ ،‬مثل ِ‬ ‫العراض عن ذلك يرجع يف احلقيقة إىل بؤرة ـ ـ ـ ـ ـ ــوء األخالق يف اَّقام َّ‬
‫الر ــل روراً‪ ،‬وأشنشـ شفةً‪ ،‬أو الولوي ابَِّراء واجلدل ابلباطل م البةً‪،‬‬ ‫احلق‪ ،‬واح ــتكبار عن اتِباي ُّ‬ ‫قبول ِ‬
‫وتطلُّعاً للظُّهور‪ ،‬أو تقليداً و وداً عل اللف‪ ،‬والعر مع ـ ـ ـ ـ ــاللت وهبتانت‪ ،‬وكلُّها ‪ -‬وأمثايا ‪-‬‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.189‬‬


‫‪200‬‬
‫احلق بعدما تب َّ ‪ ،‬وعن عادة الدَّارين‪ ،‬مع ا تيقان‬ ‫أخالق وء هتلك أهللالاهبا‪ ،‬وتصدُّهم عن ِ‬
‫السبيل إليها‪.‬‬ ‫الر ل هو َّ‬ ‫أبن طريق ُّ‬‫أنفسهم َّ‬
‫متعددة اجلوان يف ش ــؤون األ ــرة مثل ِبر الوالدين‪،‬‬ ‫وا َيت بعد ذلك تذكر أجاطاً خلقيَّةً ِ‬
‫مو‪ ،‬والحسـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬والوفاء ابجلميل‪ ،‬ومثل ِبر األقارب‪،‬‬
‫وما جاء فيت من وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــاَي ايةً يف ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫والض ــعفاء‪ ،‬ويف ش ــؤون اَّال‪ ،‬والنفاق ابلنَّهي عن التبذير‪ ،‬واألمر ابحعتدال ب ال ُّ ـ ـ ِ اَّطْبق‪،‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين شكانوا‬ ‫والبس ــا اَّس ــت رق‪ ،‬وقد نفَّر هللا تعاىل من التَّبذير ن ـ ــافتت إىل ش ـ ِـر اخللق ﴿إ َّن الْمبشذر ش‬
‫اط ِ شوشكا شن ال َّ ـ ـ ـ ـْيطشان لِشربِِت شكف ًورا ﴾ [اإلسـ ـ ـراء‪ .]27 :‬ونفَّر من احلرص‪ ،‬والمس ـ ـ ــاك عن‬ ‫إِخوا شن ال َّ ـ ـ ـ ـي ِ‬
‫ْ‬ ‫ْش‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك﴾‬ ‫﴿وحش شْد شع ْل يش شد شك شم ْلولشةً إِ شىل عنق ش‬ ‫النفاق بتصويره عل أب ع مثال ش‬
‫مو‪ ،‬وهو احلرص عل الكلمة الطَّيبة‪ ،‬إذا‬ ‫وأتمر ا َيت الكرمية ٍلق ٍيل ايةً يف ال ُّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫﴿وإِ َّما تـ ْع ِر ش ـ َّن شعْنـهم ابْتِ شاءش شر ْحشٍة ِم ْن﴾ وهي وهللاـيَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫جيد النســان من اَّال ما يش شسـع بت النَّاس ش‬
‫ض ـلوها‬ ‫وها فشـق ْل شي ْم قشـ ْوحً شمْيس ـ ًورا ﴾‪ ،‬بل رمبَّا ف َّ‬
‫ك تشـ ْرج ش‬ ‫﴿ربِ ش‬
‫ذات أث ٍر ابل ٍ يف إحســان العالئق ب ش‬
‫ابَّن‪ ،‬واألذ ‪ ،‬مثَّ تتلدَّث ا َيت عن ــوء اخللق ابلب ي‬ ‫هللاـ ـةً إذا اق ن ِ‬ ‫عل العطاء ِ‬
‫اَّاد ِأ خا َّ‬
‫الرحة‪ ،‬و ود العاطفة الكرمية‪ ،‬ويتمثَّل ذلك يف مظهره‬ ‫واح تطاعة‪ ،‬وقساوة القل ‪ ،‬وجفافت من َّ‬
‫الص رية‪.‬‬
‫وخاهللاةً قتل احبنة َّ‬
‫َّ‬ ‫اجلنائي‪ ،‬وهو القتل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نعم‪ ،‬القتل جرمية جنائيَّة تس ـ ـ ـ ــلك يف قانون العقوابت القص ـ ـ ـ ــاهللا ـ ـ ـ ـ ـيَّة‪ ،‬ولكنَّها هنا تعا شجل من‬
‫زاويتها األخالقيَّة اليت تس ـ ـ ـ ــتهد الوقاية‪ ،‬وتعمل عل ت يري الرادة‪ ،‬وتوجيهها وجهةً هللا ـ ـ ـ ــاحلةً‬
‫﴿حنن نشـ ْرزقـه ْم شوإِ ََّيك ْم﴾‪ ،‬وهبــدم القيم‬ ‫لتلر الفعــل‪ ،‬ودرميــت‪ ،‬وإهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــال عقيــدة هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحبــت شْ‬
‫الايَّن‪ ،‬وهو‬ ‫احجتماعيَّة اجلائرة الَّيت هللا ـ ـ ــنعت هذا اَّنكر‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ َّـو تت بال نك ٍري‪ ،‬وتنه ا َيت عن ِ‬
‫ابَّقياس نفس ـ ـ ــت جرمية خلقيَّة أ ـ ـ ــا ـ ـ ــها الب ي‪ ،‬واح ـ ـ ــتطالة عل األعراض‪ ،‬واحلرمات‪ ،‬وإهدار‬
‫بكل كرٍ من القيم النس ــانيَّة العليا‪ ،‬وأتمر ا َيت‪ ،‬وتنه عن‬ ‫العفا ‪ ،‬وال َّ ـ ـر ‪ ،‬واح ــتهانة ِ‬
‫اجلد أو العبث‪ ،‬والتَّوا ـ ـ ـ ـ ـ ــع العايياي أو الكرب‪ ،‬وال رور‬ ‫مردها إىل خلق األمانة أو اخليانة‪ ،‬و ِ‬ ‫أموٍر ُّ‬
‫حض يبل أش ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّه‪ ،‬والوفاء ابلعهد‪ ،‬وتوفية الكيل واَّيايان‪ ،‬واخليانة‬ ‫فمن األمانة حفم مال اليتيم َّ‬
‫اجلد اش ــت ال النس ــان مبا ينفعت‪ ،‬وعدم تتبُّعت ما ليس بت ش ــأن‪ ،‬وح علم ﴿ شوحش‬ ‫أ ــدادها‪ ،‬ومن ِ‬
‫عْنت مس ـؤوحً ﴾ [اإلسـراء‪]36 :‬‬
‫ك شكا شن ش ش ْ‬ ‫ص ـشر شوالْف شؤ شاد ك ُّل أولشئِ ش‬ ‫تشـ ْقف ما لشيس لش ش ِ ِ‬
‫ك بِت ع ْلم إِ َّن ال َّس ـ ْم شع شوالْبش ش‬ ‫ش ْ ش‬
‫كل العبث اش ــت ال النس ــان مبا ‪ ِ،‬شي عنت‪ ،‬ومن التَّوا ــع العايياي ش ــعور النس ــان حبدوده‪،‬‬ ‫والعبث ُّ‬

‫‪201‬‬
‫صـ ـ ـليلة‪ ،‬ومن الكرب وال رور ذلك التَّطاول اَّب ُّ‬ ‫ومعرفتت قدر نفس ـ ــت‪ ،‬فيض ـ ــعها يف موا ـ ــعها ال َّ‬
‫ض شولش ْن تشـْبـل ش‬ ‫ض شمشر ًح ـا إِن ـ ش‬
‫َّك لش ْن شهْ ِر شق األ ْشر ش‬ ‫ش ِيف األ ْشر ِ‬ ‫﴿وحش َتشْ ِ‬
‫عل اجلهــل‪ ،‬والطيش‪ ،‬واحلمــاقــة ش‬
‫ال طوحً ﴾ [اإلسراء‪. ]37 :‬‬ ‫اجلِبش ش‬
‫ْ‬
‫وألن هذه الوهللاـ ـ ــاَي جامعة لك ما يصـ ـ ــل شـ ـ ــأن النسـ ـ ــان ختمها هللا تعاىل بقولت احلكيم‬ ‫َّ‬
‫اَّللِ إِ شيًا آخر﴾ [اإلسراء‪.]39 :‬‬ ‫ْم ِة شوحش شْد شع ْل شم شع َّ‬ ‫ك ِمن ِْ‬ ‫﴿ذشلِ ِ‬
‫احلك ش‬ ‫ك اَّا أ ْشو شح إِلشْي ش‬
‫ك شربُّ ش ش‬ ‫ش‬
‫فسـ ـ َّـماها حكمةً‪ ،‬وختمها ابلدَّعوة إىل التوحيد‪ ،‬والنَّهي عن ال ِ ـ ـرك كما بدأها أل َّن الميان‬
‫شر وابعثت(‪.)1‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫كل خ ٍري‪ ،‬وحافظت‪ ،‬وحار ت‪ ،‬والكفر بت مفتا ِ‬ ‫ابهلل تعاىل ِم ْفتشا ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـف اَّؤمن‪ ،‬فقد كانت قائمةً عل التهلُّق مبلا ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫هكذا كانت تربية القرآن الكر لل َّ‬
‫األخالق‪ ،‬ونـشْب ِذ يِئها‪.‬‬
‫القرآين‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫الصحابة على مكارم األخالق من خالل القصص‬
‫خامساً‪ :‬تربية َّ‬

‫إن القص ـ ـ ـ ـ ــص القرآينَّ ابَّواعم‪ ،‬واحلكم‪ ،‬واألهللا ـ ـ ـ ـ ــول العقديَّة‪ ،‬والتَّوجيهات األخالقيَّة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫واأل ــالي ال َّ بويَّة‪ ،‬واحعتبار ابألمم وال ُّ ـعوب‪ ،‬والقصــص القرآينُّ ليس أموراً اترخييَّةً ح تفيد إح‬
‫وإجا هو أعل ‪ ،‬وأشر ‪ ،‬وأفضل من ذلك‪ ،‬فالقصص القرآينُّ مليء ابلتَّوحيد‪ ،‬والعلم‪،‬‬ ‫اَّؤرخ ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ومكارم األخالق‪ ،‬واحل ت العقليَّة‪ ،‬والتَّبصرة‪ ،‬والتَّذكرة‪ ،‬واَّاورات الع يبة‪.‬‬
‫متأمالً يف جان األخالق الَّيت عر ــت‬ ‫ص ـة يو ــف عليت الســالم‪ِ ،‬‬ ‫وأ ــرب لك مثالً من ق َّ‬
‫األمة إح مبص ـ ـ ـ ـ ـ ــلل ‪،‬‬ ‫الرائعة‪ ،‬قال علماء األخالق‪ ،‬واحلكماء «ح ينتظم أمر َّ‬ ‫يف م ـ ـ ـ ـ ـ ــاهدها َّ‬
‫أعمال قائم ‪ ،‬وفضالء مرشدين هادين‪ ،‬يم شروط معلومة‪ ،‬وأخالق معهودة فَن كان‬ ‫ورجال ٍ‬
‫ص ـ ـ ـلشةً ذكروها‪ ،‬كلُّها آداب‪ ،‬وفضـ ـ ــائل هبا يسـ ـ ــوس أمتشت‪ ،‬وإن‬ ‫القائم ابألعمال نبياً فلت أربعون شخ ْ‬
‫كان رئيساً فا الً‪ ،‬اكتفوا من ال ُّروط األربع ببعضها‪ ،‬و يِدان يو ف عليت السالم حاز من‬
‫كمال اَّر ـ ــل ‪ ،‬و ال النَّبيِ ‪ ،‬ولقد جاء يف ـ ــريتت هذه ما يتهذه عقالء األمم هدَيً حختيار‬
‫مهام األعمال إذ قد حاز اَّلك‪ ،‬والنبوة! وحنن ح قِشبل لنا ابلنُّبوة حنقطاعها‪َّ ،‬‬
‫وإجا‬ ‫األكفاء يف ِ‬
‫أهم خص ـ ــال‬ ‫صـ ـ ـلشةً هي ُّ‬
‫نذكر ما يليق مبقام رائ ـ ــة اَّدينة الفا ـ ــلة‪ ،‬ولنذكر منها اثنيت شع ْ ـ ـ ـشرةش شخ ْ‬
‫يتفكر يف القرآن‪ ،‬وتنبيه ـاً للمتعلِم ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاع‬ ‫رئيس اَّ ــدين ــة الف ــا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ــة لتكون ذكر َّن َّ‬

‫(‪ )1‬مقاهللاد ال ريعة ‪ ،‬ص‪.236‬‬


‫‪202‬‬
‫للفضائل»(‪.)1‬‬
‫أه يم ما شرطه احلكماء يف رئيس املدينة الفاضلة‪:‬‬
‫ص ـ ـ ِر ش شعْنت‬ ‫‪ - 1‬العفَّة عن ال َّ ـ ـهوات ليضـ ــبا نفسـ ــت‪ ،‬وتتوافر َّقوتت النَّفس ـ ـيَّة ﴿ شك شذلِ ِ‬
‫ك لنش ْ‬ ‫ش‬
‫ص ش ﴾ [يوسف‪. ]24 :‬‬ ‫السوء والْ شفل ش اء إِنَّت ِمن ِعب ِاد شان الْمهلش ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ش‬ ‫ُّ ش ش ْ‬
‫‪ - 2‬احللم عند ال ض ـ ـ ـ ليض ـ ـ ــبا نفس ـ ـ ــت ﴿قشالوا إِ ْن يش ْس ـ ـ ـ ِر ْق فشـ شق ْد ش ـ ـ ـشر شق أش لشت ِم ْن قشـْبل‬
‫ن ﴾ [يوسف‪.]77 :‬‬ ‫صفو ش‬ ‫فشأش ش َّرشها يو ف ِيف نـش ْف ِس ِت شوشْ يـْب ِد شها شي ْم قش شال أشنْـت ْم ششر شم شكاانً شو َّ‬
‫اَّلل أ ْشعلشم ِمبشا تش ِ‬
‫﴿ولـ ـ َّـما شج َّهشايه ْم ِقش شها ِزِه ْم قش شال ائْـت ِوين ِأبش ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪ - 3‬و ع الل يف مو عت‪ ،‬وال دَّة يف مو عها ش‬
‫ِ‬
‫لشك ْم ِم ْن أشبِيك ْم أشحش تشـشرْو شن أِشين أ ِويف الْ شكْي شل شوأ ششان شخ ْري الْمْن ِايلِ ش *فشَِ ْن شْ شأتْت ِوين بِ ِت فشالش شكْي شل لشك ْم ِعْن ِدأ‬
‫ون ﴾ [يوسف‪ ]60 - 59 :‬فبداية ا ية ل ‪ ،‬و‪،‬ايتها شدَّة‪.‬‬ ‫وحش تشـ ْقرب ِ‬
‫ش ش‬
‫ض إِِين شح ِفيم شعلِيم‬ ‫اج شع ْل ِ شعلش شخشايائِ ِن األ ْشر ِ‬ ‫‪ - 4‬ثقتت بنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت ابحعتماد عل ربِت ﴿قش شال ْ‬
‫﴾ [يوسف‪.]55 :‬‬

‫الذاكرة ليمكنت تذكر ما اب‪ ،‬ومض ـ ـ لت ــنون ليض ــبا ال ِس ـ ـيا ــات‪ ،‬ويعر‬ ‫‪َّ - 5‬قوة َّ‬
‫ن ﴾ [يوسف‪.]58 :‬‬ ‫ف فش شد شخلوا شعلشْي ِت فشـ شعشرفشـه ْم شوه ْم لشت مْن ِكرو ش‬ ‫﴿و شجاءش إِ ْخ شوة يو ش‬ ‫للنَّاس أعمايم ش‬
‫اتمة الو ـ ـ ــو ﴿إِ ْذ قش شال يو ـ ـ ـف‬ ‫حض أتل ابألشـ ـ ــياء َّ‬ ‫القوة اَّهيِلة َّ‬ ‫‪ - 6‬جودة اَّص ـ ـ ـ ِوشرة و َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫دين ﴾ [يوسف‪.]4 :‬‬
‫س شوالْ شق شمشر شرأشيْـتـه ْم ِس ش اج ش‬ ‫َّم ش‬ ‫شح شد شع ش شر شك ْوشكبًا شوال ْ‬ ‫أل شِبيت َيأشبشت إِين شرأشيْت أ ش‬
‫آابئِي إِبْـشر ِاه شيم شوإِ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شلـ ش‬
‫اق‬ ‫ِ‬
‫﴿واتَّـبشـ ْعـت ملَّـةش ش‬ ‫ُّ‬
‫‪ - 7‬ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتعـداده للعلم‪ ،‬وحبُّـت لـت‪ ،‬وَتكنـت منـت ش‬
‫َّاس شولش ِك َّن أش ْكثشـشر‬ ‫اَّللِ شعلشْيـنشا شو شعلش الن ِ‬ ‫ك ِم ْن فش ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضـ ِل َّ‬ ‫وب شما شكا شن لشنشا أش ْن ن ْ ـ ِرشك ِاب ََّّلل ِم ْن ششـ ْيء ذشل ش‬ ‫شويشـ ْعق ش‬
‫ك وعلَّمتشِ ِمن شأتْ ِو ِيل األشح ِاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس حش ي ْ ـ ـكرو شن ﴾ [يوس ــف‪ ،]38 :‬و ِ‬
‫يث‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫﴿رب قش ْد آتشـْيـتشِ م شن الْم ْل ش ش ْ‬ ‫ش‬ ‫الن ِ ش‬
‫ِِ ش ﴾ [يوسف‪:‬‬ ‫لصاحل‬‫شحلِْق ِ ِاب َّ‬ ‫الدنْـيشا شوا خرةِ تشـ شوفَِّ م ْسلِ ًما شوأ ْ‬ ‫ت شولِيِي ِيف ُّ‬ ‫ض أشنْ ش‬‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫فشاطشر َّ ش ش‬
‫ِ‬
‫‪.]101‬‬

‫وعلو منص ــبت‪ ،‬فقد خاط الفتي‬ ‫ض ـعفاء‪ ،‬وتوا ــعت مع جالل قدره‪ِ ،‬‬ ‫‪ - 8‬ش ــفقتت عل ال ُّ‬
‫اَّلل الْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّس ـ ون ابلتَّوا ــع‪ ،‬فقال ﴿َي ِ ِ‬
‫احد الْ شق َّهار ﴾‬ ‫هللا ـاح شِب الس ـ ْ ِن أشأ ْشرشابب متشـ شفرقو شن شخ ْري أشم َّ ش‬
‫ش ش‬
‫[يوســ ـ ـ ــف‪ ،]39 :‬وحــادثهمــا يف أمور دينهمــا‪ ،‬ودنيــالــا بقولــت ﴿قشـ شال حش شرْتِيك شمـا طش شعـام تـ ْرشزقشـانِـ ِت إِحَّ‬
‫نشـبَّأْتك شما بِتشأْ ِويلِ ِت﴾ [يوس ــف‪ ،]37 :‬و ﴿إِِين تشـشرْكت ِملَّةش قشـ ْوٍم حش يـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّللِ شوه ْم ِاب خرةِ ه ْم شكافِرو شن﴾‬

‫(‪ )1‬انظر اَّنهاً القراينُّ يف التَّ ريع ‪ ،‬لعبد الستار فت هللا عيد ‪( ،‬ص ‪ 425‬ـ ‪.)433‬‬
‫‪203‬‬
‫ان قش شال أشحدلا إِِين أشرِاين أ ْشع ِ‬
‫ص ـ ـر طشًْرا‬ ‫[يوس ــف‪ ،]37 :‬و شش ـ ـ ِه شدا لت بقويما ﴿ودخل معت ال ِس ـ ـ ن فشـتشـي ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْش ش‬ ‫شش ش ش شش‬
‫حـ ـل فشـ ْو شق شرأْ ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي خْبـًايا شأتْكـ ـل الطَّْري ِمْنـ ـت نشـبِْئـنشـ ـا بِتشـ ـأْ ِويلِـ ـ ِت إِ َّان نشـشر شاك ِم شن‬
‫وقشـ ـ شال ا خر إِِين أشرِاين أش ِْ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫سنِ ش ﴾ [يوسف‪. ]36 :‬‬ ‫الْمل ِ‬
‫ْ‬
‫اَّلل لشكم وهو أشرحم ا َّلر ِِ‬ ‫ِ‬
‫اح ش ﴾‬ ‫‪ - 9‬العفو عند اَّقدرة ﴿قش شال حش تشـثْ ِري ش شعلشْيكم الْيشـ ْوشم يشـ ْفر َّ ْ ش ش ْ ش‬
‫[يوسف‪. ]92 :‬‬
‫تبِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ًريا شوأْتوِين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫‪ - 10‬إكرام الع ـ ـ ـ ـ ــرية ﴿ا ْذ شهبوا ب شقميص ـ ـ ـ ـ ـي شه شذا فشأشلْقوه شعلش شو ْجت أِشيب شرْ ش‬
‫شهلِكم أش ْ شعِ ش ﴾ [يوسف‪. ]93 :‬‬ ‫ِ‬
‫أب ْ ْ‬
‫الرعيَّة‬ ‫الراعي و َّ‬ ‫‪َّ - 11‬قوة البيان والفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحة بتعبري ريَي اَّلِك واقتداره عل األخذ أبفئدة َّ‬
‫ش‬
‫َّك الْيشـ ْوشم‬
‫ش‬ ‫ن‬‫ِ‬‫إ‬ ‫ال‬
‫ش‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫م‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ك‬
‫ش َّ ش ش ش‬‫ا‬ ‫ـم‬‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬‫ف‬‫﴿‬ ‫العلم‬ ‫و‬ ‫احلكمة‪،‬‬ ‫السوقة‪ ،‬ما كان هذا إح ابلفصاحة اَّبنيَّة عل‬ ‫و ُّ‬
‫شم ﴾ [يوسف‪. ]54 :‬‬ ‫لش شديـنشا م ِك أ ِ‬
‫ْ ش‬
‫ص ْد ُّْذ فش شذروه ِيف ْنـبلِ ِت إِحَّ قشلِيالً‬ ‫ِِ‬
‫‪ - 12‬حسن التَّدبري ﴿قش شال تشـ ْايشرعو شن ش ْب شع ن ش شدأ ًشاب فش شما شح ش‬
‫ِاَّا شأتْكلو شن﴾ [يوسف‪ ]47 :‬اتهلل! ما أ شل القرآن! وما أهبت العلم!‬
‫ألن من أهدا القصــص ِ‬
‫القرآين‬ ‫القرآين واألخالق متينة َّ‬ ‫أن العالقة ب القصــص ِ‬ ‫ـك َّ‬‫حشـ َّ‬
‫األمة‪ ،‬واحلض ــارة‪ ،‬كما‬ ‫الدولة‪ ،‬و َّ‬ ‫الرفيعة الَّيت تفيد الفرد‪ ،‬واأل ــرة‪ ،‬واجلماعة‪ ،‬و َّ‬ ‫التذكري ابألخالق َّ‬
‫الذميمة الَّيت تكون ـ ــبباً يف هالك األمم‬ ‫القرآين التنفري من األخالق َّ‬ ‫أن من أهدا القص ـ ــص ِ‬ ‫َّ‬
‫ص ـلابة الكرام من تربية النِ ِب هللاــل هللا عليت و ــلم يم‪ ،‬ومن اَّنهت‬ ‫وال ُّ ـعوب‪ ،‬ولقد ا ــتفاد ال َّ‬
‫الَّذأ ـ ــار عليت‪ ،‬فهذا جايء من األخالق القرآنيَّة النَّبويَّة أردت بت التمثيل وليس اح ـ ــتقص ـ ـ ـاء‪،‬‬
‫َّبوأ‬
‫وإن اَّنهت الن َّ‬ ‫ويف ـنَّة ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم وهديت ماييد من التَّفص ــيل والبيان‪َّ ،‬‬
‫الرابينَّ يف األخالق جا فري ــد‪ ،‬وع ي ـ ـ ‪ ،‬ليس ل ــت مق ــارب‪ ،‬وح نظري ألن ــت من ِ‬
‫رب‬ ‫القرآينَّ َّ‬
‫تفرد أبموٍر وخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائص‪ ،‬زاد من َّقوهتا واكتمايا وجودها جمتمعةً عل هذا الوجت‬ ‫العاَّ ‪ ،‬وقد َّ‬
‫اَّ ْل شكم‪ ،‬ومنها‬
‫ابين متمثِالً يف الكتاب وال ُّسـ ـ ـ ـنَّة‪ ،‬وقد حدَّدا‬
‫الر ِ‬
‫‪ - 1‬وجود اَّرجع الوايف ل خالق يف اَّنهت َّ‬
‫ذم‪.‬‬
‫ما ْ شمد‪ ،‬أو ي ُّ‬
‫السلوك ويبعث عل العلم‪ ،‬وهو رجاء هللا والدَّار ا خرة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وجود ما يضبا ُّ‬
‫‪ - 3‬وجود القدوة العمليَّة‪ ،‬وهي من أ ـ ـ ـ ــس ال َّ بية اخللقيَّة‪ ،‬وقد َتثَّل ذلك أبو معانيت يف‬

‫‪204‬‬
‫[القلم‪.]4 :‬‬ ‫َّك لش شعلش خل ٍق شع ِظي ٍم ﴾‬
‫﴿وإِن ش‬
‫(‪)1‬‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم كما قال تعاىل ش‬
‫أليَّةً كبريًة‪،‬‬‫رب العاَّ ‪ -‬األخالق ِ‬ ‫ـتمد من كتاب ِ‬ ‫النبوأ الكر ‪ -‬اَّس ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫لقد أوىل اَّنهاً ُّ‬
‫وحذر من ارتكاب مرذويا ب ـ ـ َّـض الطُّرق‪،‬‬ ‫وحث عل التم ُّس ـ ـك بفض ــائلها مبهتلف األ ـ ــالي ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ونظرة القرآن إىل األخالق منبثقة من نظرتت إىل الكون واحلياة‪ ،‬والنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬فَذا كانت العقائد‬
‫واراتت‪ ،‬ومداخلت‪،‬‬ ‫تكون تقســيمات ح راتت‪َّ ،‬‬ ‫فَن التَّ ـريعات ِ‬ ‫ـالمي َّ‬
‫ص ـر ال ـ ِ‬ ‫ـكل أركان ال َّ‬ ‫ت ـِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـر اَّكتمل‪ ،‬وتص ـ ـ ـ ــب ت ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـب ة الرَّابنيَّة‬ ‫الرونق‪ ،‬واجلمال عل ال َّ‬ ‫واألخالق تض ـ ـ ـ ــفي البهاء‪ ،‬و َّ‬
‫فَن ال َّ ـريعة‬‫ـكل جذور الدَّوحة ال ــالميَّة‪ ،‬وجذعها‪َّ ،‬‬ ‫اَّتميِاية‪ ،‬وإذا كانت العقيدة ال ــالميَّة ت ـ ِ‬
‫تكون شارها اليانعة‪ ،‬وظاليا الوارفة‪ ،‬ومنظرها البهيت‬ ‫َتثِل أ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪،‬ا‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ ـ ــعُّباهتا‪ ،‬واألخالق ِ‬
‫الن ِ‬
‫َّضر(‪.)2‬‬
‫صـلابة لكي‬ ‫َّبوأ أ ــالي التَّأثري واح ــت ابة‪ ،‬واحلتايام يف تربيتت لل َّ‬ ‫لقد ا ــتهدم اَّنهاً الن ُّ‬
‫َّطبيقي‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ـواء كانت‬ ‫َّنفيذأ‪ ،‬والعمل الت ِ‬ ‫َّول اخللق من دائرة النَّظرَيت‪ ،‬إىل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــميم الواقع الت ِ‬
‫ض ـمائر‪،‬‬ ‫اعتقاديَّةً‪ ،‬كمراقبة هللا تعاىل‪ ،‬ورجاء ا خرة‪ ،‬أو عباديَّةً كال َّ ـعائر الَّيت تعمل عل تربية ال َّ‬
‫الدولة أهللا ـ ــبلت‬ ‫تطور الدَّعوة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬ووهللا ـ ــويا إىل َّ‬ ‫وهللا ـ ــقل الرادات‪ ،‬وتايكية النَّفس‪ ،‬ومع ُّ‬
‫هناك حوافاي إلاياميَّة أتل من خارً النفس‪ ،‬متمثلةً يف‬
‫أ ‪ -‬التَّشريع‪:‬‬
‫الَّذأ و ـ ــع حلماية القيم اخللقيَّة‪ ،‬ك ـ ـ ـرائع احلدود‪ ،‬و ِ‬
‫القص ـ ــاص الَّيت حتمي الفرد‪ ،‬وااتمع‬
‫من رذائــل الب ي عل ال ري (ابلقتــل‪ ،‬أو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرقــة)‪ ،‬أو انتهــاك األعراض ِ‬
‫(ابلايَّن والقــذ ) أو‬
‫الب ي عل النَّفس‪ ،‬وإهدار العقل (ابخلمر‪ ،‬واَّسكرات اَّهتلفة)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬سلطة اجملتمع‪:‬‬
‫الَّيت تقوم عل أ ــاس ما أوجبت هللا تعاىل من األمر ابَّعرو ‪ ،‬والنَّهي عن اَّنكر‪ ،‬والتَّناهللاـ‬
‫الايكاة‪،‬‬ ‫ب اَّؤمن ‪ ،‬ومس ـ ـ ــؤوليَّة بعض ـ ـ ــهم عل بعض‪ ،‬وقد جعل هللا تعاىل هذه اَّسـ ـ ـ ــؤوليَّة قرينة َّ‬
‫ض‬‫﴿والْم ْؤِمنو شن شوالْم ْؤِمنشات بشـ ْعضه ْم أ ْشولِيشاء بشـ ْع ٍ‬ ‫الصالة‪ ،‬وطاعة هللا ور ولت هللال هللا عليت و لم ش‬ ‫و َّ‬
‫الايشكاةش شوي ِطيعو شن َّ‬
‫اَّللش شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـولشت‬ ‫شرْمرو شن ِابلْ شم ْعرو ِ شويشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شك ِر شوي ِقيمو شن ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشةش شويـ ْؤتو شن َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّنهاً القراينُّ للتَّ ريع ‪ ،‬ص ‪.433‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري القامسي (‪.)310/9‬‬
‫‪205‬‬
‫[التوبة‪.]71 :‬‬ ‫اَّللش شع ِايياي شح ِكيم ﴾‬ ‫اَّلل إِ َّن َّ‬
‫ك ش شْري شحهم َّ‬ ‫أولشئِ ش‬
‫ـلي خلرييَّـة هــذه األ َّم ـة ﴿كْنـت ْم شخ ْ شري أ شم ـ ٍة أخرجــت لِلن ـ ِ‬
‫َّاس شأتْمرو شن‬ ‫بــل جعلهــا ِ‬
‫اَّقوم األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ِابلْم ْعرو ِ وتشـْنـهو شن شع ِن الْمْن شك ِر وتـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّللِ ولشو آمن أش ْهـ ـ ـل الْ ِكتشـ ـ ـ ِ‬
‫اب لش شكـ ـ ـا شن شخ ْ ًريا شي ْم ِمْنـهم‬ ‫ش ْ شش‬ ‫ش‬ ‫ش شْ‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [آل عمران‪. ]110 :‬‬ ‫الْم ْؤِمنو شن شوأش ْكثشـرهم الْ شفا ِ قو ش‬
‫السلطة‪ ،‬وأثرها يف الف ة اَّدنيَّة‬ ‫وقد ظهرت هذه ُّ‬
‫ج ‪ -‬سلطة َّ‬
‫الدولة‪:‬‬
‫الَّيت وج قيامها‪ ،‬وأقيمت عل أ ـ ـ ـ ـ ـ ــس أخالقيَّ ٍة وطيدةٍ‪ ،‬ولايمها أن تقوم عل رعاية هذه‬
‫األخالق‪ ،‬وبثِها يف ائر أفرادها ومؤ َّ ساهتا‪ ،‬ودعلها من ِ‬
‫مهام وجودها ومربراتت(‪.)1‬‬
‫ـالمي أطرا الكمال كلِت‪ ،‬وأهللا ـ ـ ــب للم تمع األخالقي نظام‬
‫وبذلك اجتمع للهلق ال ـ ـ ـ ِ‬
‫واقعي مثاس‪ ،‬بسب احلتايام ابَّنهت الرابين‪.‬‬
‫ألخالقي يف الف ة ِ‬
‫اَّكيَّـة ‪ ،‬ولقــد اتــت‬ ‫ِ‬ ‫وحي وا‬
‫الر ِ‬ ‫هــذه بعض اخلطوط يف البنــاء العقــائـ ِ‬
‫ـدأ و ُّ‬
‫ص ـ ـ ـلابة الكرام من اخلمس ـ ـ ـ األوائل‬ ‫هذه ال َّ بية أكلشها‪ ،‬فقد كان ما ياييد عل الع ـ ـ ـرين من ال َّ‬
‫َّب‬
‫ليات قياديَّةً بعد تو ــع الدَّعوة‪ ،‬وانطالقها يف عهد الن ِ‬ ‫ال َّس ـابق إىل ال ــالم‪ ،‬ميار ــون مس ــؤو ٍ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وبعد وفاتت‪ ،‬وأهللا ـ ــبلوا القادة الكبار ل َّمة‪ ،‬وع ـ ــرون آخرون معظمهم‬
‫الرعيل األول أعظم‬ ‫ا ــت ــهدوا‪ ،‬أو ماتوا عل عهد ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم فكان يف َّ‬
‫األمة‬
‫األمة عل الطالق‪ ،‬كان فيت تس ــعة من الع ــرة اَّب َّ ـرين ابجلنَّة‪ ،‬وهم أفض ــل َّ‬ ‫ش ــهص ــيات َّ‬
‫بعد ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬ومنهم جاذً أ ـ ـ ــهمت يف هللاـ ـ ــناعة احلضـ ـ ــارة العظيمة‬
‫ذر‪ ،‬وجعفر بن أيب طال ‪،‬‬ ‫ـعود‪ ،‬وأيب ٍ‬‫كعمار بن َي ــر‪ ،‬وعبد هللا بن مس ـ ٍ‬ ‫بتض ــلياهتم اجلس ــيمة‪َّ ،‬‬
‫األمة خدجية ر ــي هللا عنها‪ ،‬وجاذً‬ ‫الرعيل أعظم نســاء َّ‬ ‫و ريهم ر ــي هللا عنهم‪ ،‬وكان من هذا َّ‬
‫عالية أخر ‪ ،‬مثل ِأم الفضل بنت احلارث‪ ،‬وأمساء ذات النِطاق ‪ ،‬وأمساء بنت ع شميس‪ ،‬و َّ‬
‫ريهن‪.‬‬
‫األخالقية عل‬
‫َّ‬ ‫العقلية‪ ،‬و‬
‫وحية‪ ،‬و َّ‬ ‫األول أكرب قد ٍر من ال َّ بية العقد يَّة‪ ،‬و ُّ‬
‫الر َّ‬ ‫للرعيل َّ‬
‫لقد أتي َّ‬
‫ألمة(‪،)2‬‬
‫الرك ‪ ،‬وهداة ا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يد ِ‬
‫مريب الب ـريَّة األعظم حممد هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فكانوا هم حداة َّ‬

‫(‪ )1‬انظر الو طيَّة يف القرآن الكر ‪ ،‬ص ‪.603‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّنهاً القراينُّ يف التَّ ريع ‪ ،‬ص ‪.425‬‬
‫‪206‬‬
‫فقد كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يايكِيهم‪ ،‬ويربِيهم ِ‬
‫وينقيهم من أو ار اجلاهليَّة‪ ،‬فَذا كان‬
‫مرًة واحد ًة يف‬
‫ص ـلبة شم ْن رأ ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ولو َّ‬
‫ال َّس ـعيد الذأ فاز بفضــل ال ُّ‬
‫تلق منــت‪ ،‬ويعبق من نوره‪ ،‬ويت ـ َّـذ من‬
‫اليومي لــت‪ ،‬وي َّ‬
‫َّ‬ ‫الرفيق‬
‫حيــاتــت‪ ،‬وامن بــت‪ ،‬فكيف مبن كــان َّ‬
‫كالمت‪ ،‬وي َّىب عل عينت(‪)1‬؟!!‬

‫***‬

‫(‪ )1‬اَّنهاً القراينُّ يف التَّ ريع ‪ ،‬ص ‪.433‬‬


‫‪207‬‬
‫الفصل الثَّالث‬

‫اجلور َّ‬
‫ابلدعوة‪ ،‬وأساليب املشركني يف حماربتوا‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫اجلور َّ‬
‫ابلدعوة‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ل بية أهللاــلابت‪ ،‬وبناء اجلماعة‬ ‫بعد العداد العظيم الَّذأ قام بت الن ُّ‬
‫ـس عقديٍَّة‪ ،‬وتعبُّديٍَّة‪ ،‬وخلقيَّ ٍة رفيعة اَّس ـ ــتو حان موعد إعالن‬ ‫اَّس ـ ــلمة اَّنظَّمة األوىل عل أ ـ ـ ٍ‬
‫ك ِم شن‬ ‫الدَّعوة‪ ،‬بنايول قول هللا تعاىل ﴿وأشنْ ِذر ع ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريتشك األشقْـربِ *واخ ِفض جناح ِ‬
‫ك ل شم ِن اتَّـبشـ شع ش‬
‫ش ش ش ش ش ْ ْ شش ش ش‬ ‫ش ْ ش‬
‫ن ﴾ [الشعراء‪. ]216 - 214 :‬‬ ‫ص ْو شك فشـق ْل إِِين بشِرأء ِاَّا تشـ ْع شملو ش‬ ‫ِِ‬
‫الْم ْؤمن ش *فشَِ ْن شع ش‬
‫نلت و ٍ‬
‫احد‪،‬‬ ‫ف مع قبيلتت هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وع ـ ـ ـ ـ ــريتت‪ ،‬ودعاهم عالنيةً إىل الميان ٍ‬
‫وخوفهم من العذاب ال َّ ـ ـديد إن عصـ ــوه‪ ،‬وأمرهم ننقاذ أنفسـ ــهم من النَّار‪ ،‬وب َّ يم مسـ ــؤولية‬ ‫َّ‬
‫إنسان عن نفست(‪.)1‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ك األشقْـشربِ ش ﴾ هللا ــل‬ ‫﴿وأشنْذ ْر شع ِ ـ ـ شريتش ش‬ ‫عباس ر ــي هللا عنهما قال َّا نايلت ِ‬
‫هللا ـ ـع شد ش‬
‫ش‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫حض‬‫طون قريش ‪َّ -‬‬ ‫دأ ‪ -‬لب ِ‬ ‫صـ ـ ـ ـفا‪ ،‬ف عل ينادأ َي ب فِ ْهر! َي ب شع ٍ‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ــلم عل ال َّ‬
‫ـتطع أن شخيرً أر ـ ـ ــل ر ـ ـ ــوحً لينظر ما هو‪ ،‬ف اء أبو ي ٍ ‪،‬‬ ‫الرجل إذا يس ـ ـ ـ ْ‬ ‫اجتمعوا‪ ،‬ف عل َّ‬
‫قي؟‬ ‫ِ‬ ‫وقريش‪ ،‬فقال أرأيتشكم لو أخربتكم َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد َّ‬
‫أن خيالً ابلوادأ تريد أن ت ري عليكم‪ ،‬أكنتم م ش‬
‫فَين نذير لكم ب يدأ عذاب ش ـ ــديد‪ .‬فقال أبو‬ ‫قالوا نعم! ما شجَّربْنا عليك إح ِهللاـ ـ ـدقاً‪ ،‬قال ِ‬
‫*ما أش ْ شىن شعْنت شمالت شوشما‬ ‫ت يش شدا أِشيب شيش ٍ شوتش َّ ش‬ ‫ـائر اليوم! أيذا عتنا؟ فنايلت ﴿تشـبَّ ْ‬ ‫ي تبَّاً لك ـ ش‬
‫اية انداهم بطناً بطناً‪ ،‬ويقول ِ‬
‫لكل‬ ‫شكس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﴾ [املسـ ـ ـ ــد‪[ ]2 - 1 :‬البخاري (‪ )4971‬ومسـ ـ ـ ــلم (‪ ])208‬ويف رو ٍ‬
‫ش ش‬
‫فَين ح‬ ‫بطن «أنقذوا أنفسكم من النَّار‪ ،»......‬مثَّ قال «َي فاطمة! أنقذأ نفسك من النَّار‪ِ ،‬‬
‫اليشا» [البخاري (‪ )4771‬ومسـ ـ ـ ــلم (‪ ])204‬كان‬ ‫أملك لكم من هللا ش ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪ ،‬ري أن لكم رحاً ـ ـ ـ ـ ـ ـأشبـلُّها بِب ِ‬
‫ش ش‬

‫(‪ )1‬ر الة األنبياء ‪ ،‬لعمر أحد عمر (‪.)46/3‬‬


‫‪208‬‬
‫لصادق األم ‪ -‬قد‬ ‫حممداً هللال هللا عليت و لم ‪ - ،‬وهو ا َّ‬ ‫القرشيُّون واقعيِ عمليِ ‪ ،‬فل ـ َّـما رأوا َّ‬
‫وقف عل جبــل ير مــا أمــامــت‪ ،‬وينظر إىل مــا وراءه‪ ،‬وهم مــا يرون إح مــا هو أمــامهم‪ ،‬فهــداهم‬
‫إنصافهم‪ ،‬وذكايهم إىل تصديقت‪ ،‬فقالوا نعم‪.‬‬
‫وَّا َتَّت هذه اَّرحلة الطَّبيعية البدائيَّة‪ ،‬وحتقَّقت شهادة اَّستمع قال ر ول هللا هللال هللا‬
‫ُّبوة‪ ،‬وما ينفرد‬ ‫فَين نذير لكم ب يدأ عذاب ش ــديد» وكان ذلك تعريفاً مبقام الن َّ‬ ‫عليت و ــلم « ِ‬
‫حكمة وبال ٍة ح نظري يما‬ ‫ٍ‬ ‫الوهبية‪ ،‬وموعظةً‪ ،‬وإنذاراً‪ ،‬يف‬ ‫يبية‪ ،‬والعلوم َّ‬ ‫بت من عل ٍم ابحلقائق ال َّ‬
‫ُّبوات‪ ،‬فلم تكن طريق أقص ـ ــر من هذه الطَّريق‪ ،‬وح أ ـ ــلوب أو ـ ـ ـ من‬ ‫الدَيانت‪ ،‬والن َّ‬ ‫يف اتري ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫لكن أاب ي قال تباً لك ــائر اليوم أما دعوتنا إح يذا؟!‬ ‫هذا األ ــلوب‪ ،‬فســكت القوم ‪ ،‬و َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قد و ــع ل َّمة أ ــس العالم فقد اختار مكاانً عالياً ‪-‬‬ ‫وهبذا كان الن ُّ‬
‫وهو اجلبل ‪ -‬ليقف عليت‪ ،‬وينادأ عل يع النَّاس‪ ،‬فيص ـ ـ ــل هللا ـ ـ ــوتت إىل اجلميع‪ ،‬وهذا ما تفعلت‬
‫الذاعي‪ ،‬مثَّ اختار لدعوتت‬ ‫ِ‬ ‫حمطَّات الر ـ ـ ـ ـ ــال يف عص ـ ـ ـ ـ ـران احلديث‪ ،‬لتاييد من عملية احنت ـ ـ ـ ـ ــار‬
‫ص ـدق‪ ،‬وهبذا يكون هللاــل هللا عليت و ــلم قد علَّم رجال‬ ‫األ ــاس اَّت ليب عليت كالمت وهو ال ِ‬
‫أن احتص ـ ـ ـ ــال ابلنَّاس هبد إعالمهم‪ ،‬أو دعوهتم جي أن يعتمد ‪ -‬وبص ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـفة‬ ‫العالم والدَّعوة َّ‬
‫الر الة واجلمهور الَّذأ َّ‬
‫يتلق‬ ‫َّامة ب اَّرِ ل‪ ،‬واَّستقبِل‪ ،‬أو ب مصدر ِ‬ ‫أ ا ية ‪ -‬عل الثِقة الت َّ‬
‫أن اَّضمون أو اَّتو جي أن يكون هللاادقاً ح كذب فيت(‪.)2‬‬ ‫الر الة‪ ،‬كما َّ‬‫ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم دعوتت العلنيَّة ننذار ع ريتت األقرب‬ ‫«ومن الطَّبيعي أن يبدأ َّ‬
‫الرو القبليَّة‪ ،‬فبدء الدَّعوة ابلع ــرية‪ ،‬قد يع عل نص ـرتت‪ ،‬وأتييده‪،‬‬ ‫مكة بلد تو َّلت فيت ُّ‬ ‫إن َّ‬
‫إذ َّ‬
‫حبد أن يكون لت أثر خاص َّا يذا البلد من مرك ٍاي دي ٍ‬ ‫مكة َّ‬ ‫أن القيام ابلدَّعوة يف َّ‬ ‫وحايتت‪ ،‬كما َّ‬
‫ألن ال ــالم‬ ‫حبد أن يكون لت وقع كبري عل بقيَّة القبائل َّ‬ ‫خط ٍري‪ ،‬فش ش ْلبـ شها إىل حظرية ال ــالم َّ‬
‫يش خطوةً أوىل لتلقيق ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالتـ ــت‬ ‫‪ -‬كمـ ــا يت لَّ من القرآن الكر ‪ -‬ا َّه ـ ـذ الـ ــدَّعوة يف قر ٍ‬
‫اَّكَّية تبِ عاَّية الدَّعوة‪ ،‬قال تعاىل ﴿تشـشب شارشك الَّ ِذأ نشـَّايشل‬ ‫العالية»[(‪ ،])487‬فقد جاءت ا َيت ِ‬
‫اك إِحَّ شر ْحشةً‬ ‫﴿وشما أ ْشر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلشن ش‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الْف ْرشقا شن شعلش شعْبده ليشكو شن ل ْل شعالشم ش نشذ ًيرا ﴾ [الفرقان‪ ،]1 :‬وقال تعاىل ش‬
‫َّاس بش ِ ـ ـ ـ ًريا شونش ِذ ًيرا شولش ِك َّن أش ْكثشـشر‬ ‫اك إِحَّ شكافَّةً لِلن ِ‬
‫﴿وشما أ ْشر ش ـ ـ ـ ْلنش ش‬ ‫ِ ِ‬
‫ل ْل شعالشم ش ﴾ [األنبياء‪ ،]107 :‬وقال تعاىل ش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة أليب احلسن النَّدوأ ‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫(‪ )2‬انظر احلرب النَّفسيَّة َّد ال الم ‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب كليل ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪209‬‬
‫[سبأ‪.]28 :‬‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس حش يشـ ْعلشمو شن﴾‬
‫كل شم ْن يلتقي بت من النَّاس عل اختال‬ ‫وجاءت مرحلة أخر بعدها‪ ،‬فأهللاب يدعو فيها َّ‬
‫احلت‪،‬‬
‫قبائلهم‪ ،‬وبلدا‪،‬م‪ ،‬ويتبع النَّاس يف أنديتهم‪ ،‬وجمامعهم‪ ،‬وحمافلهم‪ ،‬ويف اَّوا ـ ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬ومواقف ِ‬
‫ـعيف‪ ،‬و ٍ ‪ ،‬وفقري(‪ )1‬ح نايول قولــت تعــاىل‬ ‫وقوأ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ويــدعو من لقيــت من ح ٍر‪ ،‬وعبـ ٍـد‪ٍ ،‬‬
‫اَّللِ إِ شيًا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ض شع ِن الْم ْ ـ ـ ِركِ ش *إِ َّان شك شفْيـنش ش‬ ‫ِ‬
‫اك الْم ْس ـ ـتشـ ْه ِايئ ش *الذ ش‬
‫ين شْجي شعلو شن شم شع َّ‬ ‫هللا ـ ـ شد ْي مبشا تـ ْؤشمر شوأ ْشع ِر ْ‬
‫﴿فشا ْ‬
‫ن ﴾ [احلجر‪. ]97 - 94 :‬‬ ‫هللا ْدرشك ِمبشا يشـقولو ش‬ ‫آخر فشسو ش يـعلشمو شن *ولششق ْد نشـعلشم أشن ش ِ‬
‫َّك يشضيق ش‬ ‫ش ْ‬ ‫شْ شْ‬
‫السهرية‪ ،‬واليذاء‪ ،‬والتَّكذي ‪ ،‬والكيد‬ ‫الصدُّ‪ ،‬والعراض‪ ،‬و ُّ‬ ‫الص ْدي هي َّ‬ ‫كانت النتي ة يذا َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم وهللاــلبت‪ ،‬وب شــيو الوثنية‬ ‫ص ـراي ب الن ِ‬ ‫ـتد ال ِ‬
‫اَّدبَّر اَّدروس‪ ،‬وقد اشـ َّ‬
‫مكان‪ ،‬وكان هذا يف ِ‬
‫حد‬ ‫كل ٍ‬ ‫صـ ـراي يف ِ‬‫مكة يتناقلون أخبار ذلك ال ِ‬ ‫وزعمائها‪ ،‬وأهللا ــب النَّاس يف َّ‬
‫ذاتت مكسـ ـ ــباً عظيماً للدَّعوة‪ ،‬ـ ـ ــاهم فيت فأشـ ـ ــدُّ‪ ،‬و ُّ‬
‫ألد أعدائها‪ ،‬اَّن كان ي ـ ـ ــيع يف القبائل قالة‬
‫كل الناس يسلِمون بدعاو زعماء الكفر‪ ،‬وال ِ رك‪.‬‬ ‫السوء عنها‪ ،‬فليس ُّ‬ ‫ُّ‬
‫كانت الو ــيلة العالميَّة يف ذلك العص ــر‪ ،‬تناقل النَّاس ل خبار م ــافهةً‪ ،‬ومسع القاهللا ــي‪،‬‬
‫الر ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــار هذا احلدث العظيم حديث النَّاس يف‬
‫بنبوة َّ‬
‫والدَّاين َّ‬
‫ااالس‪ ،‬ونوادأ القبائل‪ ،‬ويف بيوت النَّاس(‪.)2‬‬
‫أهم اعرتاضات املشركني‪:‬‬
‫أهم اع ا ـات زعمـاء ال ِ رك موجهـةً حنو وحدانيـة هللا تعاىل‪ ،‬والميان ابليوم ا خر‪،‬‬
‫كانت ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬والقرآن الكر الذأ أنايل عليت من ِ‬
‫رب العاَّ ‪.‬‬ ‫ور الة الن ِ‬
‫وفيما يلي تفصيل يذه احع ا ات والرد عليها‬
‫أوالً‪ :‬اإلشراك ابهلل‪:‬‬

‫﴿ولشئِ ْن ش ـ ـ ـأشلْتشـه ْم‬ ‫ٍ‬ ‫مكةش ينكرون َّ‬ ‫يكن كفار َّ‬
‫كل ش ـ ـ ــيء‪ ،‬قال تعاىل ش‬ ‫أن هللا خلقهم‪ ،‬وخلق َّ‬
‫احلش ْمـد ََِّّللِ بشـ ْل أش ْكثشـره ْم حش يشـ ْعلشمو شن ﴾ [لقمان‪،]25 :‬‬
‫اَّلل قـ ِل ْ‬
‫ض لشيشـقول َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫شم ْن شخلش شق ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شمـ شاوات شواأل ْشر ش‬

‫(‪ )1‬انظر درا ة يف السرية ‪ ،‬لعماد الدين خليل ‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫(‪ )2‬انظر ال رابء األولون‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫‪210‬‬
‫اخلشالِص‬ ‫الدين ْ‬ ‫تقرهبم إىل هللا‪ ،‬قال تعاىل ﴿أشحش ََِّّللِ ِ‬ ‫لكنَّهم كانوا يعبدون األهللاـ ــنام‪ ،‬ويايعمون َّأ‪،‬ا ِ‬
‫ِ‬
‫اَّللش شْكم بشـْيـنشـه ْم ِيف شما‬‫اَّللِ زلْ شف (‪ )1‬إِ َّن َّ‬ ‫اهذوا ِم ْن دونِ ِت أ ْشولشياءش شما نشـ ْع بده ْم إِحَّ لِيـ شق ِرب ش‬
‫وان إِ شىل َّ‬ ‫ين َّش‬
‫َّ ِ‬
‫شوا لذ ش‬
‫كفار ﴾ [الزمر‪.]3 :‬‬ ‫اَّللش حش يشـ ْه ِدأ شم ْن ه شو شك ِاذب ش‬ ‫ه ْم فِ ِيت شخيْتشلِفو شن إِ َّن َّ‬
‫وقد انتقلت عبادة األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــنام إليهم من األمم اااورة يم‪ ،‬ويذا قابلوا الدَّعوة إىل التَّوحيد‬
‫نذر ِمْنـه ْم شوقش شال الْ شكافِرو شن‬‫اب(‪ .)2‬قال تعاىل ﴿وع ِ بوا أشن جاءهم ُّم ِ‬
‫ش‬ ‫شش‬ ‫أبعظم إنكا ٍر‪ ،‬وأشـ ـ ِـد ا ـ ــت ر ٍ‬
‫اح ًدا إِ َّن شه شذا لش ش ـ ـ ـ ـ ْيء ع ش اب * شوانطشلش شق الْ شم ش ِمْنـه ْم أ ِشن‬ ‫احر شك َّذاب * أشجعل اْ ِيةش إِ شيا و ِ‬ ‫ه شذا ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫شش ش ش ً ش‬ ‫ش ش‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـِربوا شعلش ِآيشتِك ْم إِ َّن شه شذا لش ش ـ ـ ـ ـ ـيء يـشراد * شما شِمس ْعنشا ِهبش شذا ِيف الْ ِملَّ ِة ا خرةِ إِ ْن شه شذا إِحَّ‬
‫ْام ـ ـ ـ ـ ـوا شوا ْ‬
‫ْ‬
‫اختِالشق ﴾(‪[ )3‬ص‪ ]7 - 4 :‬و يكن تص ُّـورهم هلل تعاىل‪ ،‬ولعالقتت لقت هللاـليلاً إذ كانوا يايعمون‬ ‫ْ‬
‫أن اَّالئكة بنات هللا!‬ ‫اجلن‪ ،‬و َّأ‪،‬ا ولدت اَّالئكة‪ ،‬و َّ‬ ‫أن هلل تعاىل هللااحبةً من ِ‬ ‫َّ‬
‫اجلن‪ ،‬واَّالئكة‪ ،‬كما خلق النس‪،‬‬ ‫وجل ‪ -‬خلق َّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫أن هللا ‪َّ -‬‬ ‫كانت ا َيت تنايل مبيِنةً َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫﴿و شج شعلوا ََِّّللِ ششرشكاءش ْ‬
‫اجلِ َّن شو شخلش شقه ْم شو شخشرقوا‬ ‫وأنَّت يتَّهذ ولداً‪ ،‬و تكن لت هللااحبة‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫شَّن يشكون لشت‬ ‫ض أ َّ‬‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫صـ ـفو شن * ب ِديع ال َّسـ ـماو ِ‬ ‫ات بِ ش ِري ِع ْل ٍم ـ ـبلانشت وتشـع شاىل ع َّما ي ِ‬ ‫لشت بنِ وبـنش ٍ‬
‫شش‬ ‫ش‬ ‫ْش شش ش ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش شش‬
‫احبشة شو شخلش شق ك َّل ششـ ْي ٍء شوه شو بِك ِل ششـ ْي ٍء شعلِيم ﴾ [األنعام‪ ،]101 - 100 :‬ومبينةً َّ‬
‫أن‬ ‫ولشد وش تشكن لشت هللاـ ِ‬
‫ش شْ ْ ش‬
‫اجلِن َِّة‬
‫﴿و شج شعلوا بشـْيـنشت شوبشْ ش ْ‬ ‫ش‬ ‫قرون هلل ابلعبودية‪ ،‬وينكرون أن يكون بينهم وبينت عالقة نسـ‬ ‫اجلن ي ُّ‬
‫َّ‬
‫ت ِْ‬ ‫نشسبا ولششق ْد علِم ِ‬
‫ن ﴾ [الصافات‪.]158 :‬‬ ‫ضرو ش‬ ‫اجلنَّة إِ َّ‪ْ ،‬م لشم ْل ش‬ ‫شً ش ش ش‬
‫ين حش يـ ْؤِمنو شن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومطــالبـةً اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ابتبــاي احلق‪ ،‬وعــدم القول ابلظُّنون‪ ،‬واألوهــام ﴿إ َّن الـذ ش‬
‫ِاب خرةِ لشي شس ُّمو شن الْ شمالشئِ شكةش تش ْس ِميشةش األنْـثش * شوشما شي ْم بِِت ِم ْن ِع ْل ٍم إِ ْن يشـتَّبِعو شن إِحَّ الظَّ َّن شوإِ َّن الظَّ َّن حش‬
‫احلشِق ششْيـئًا﴾ [النجم‪ ،]28 - 27 :‬ومو ِ شلةً أنَّت ح يـ ْع شقل أن ميشْنش ش هللا اَّ رك البن ‪َّ ،‬‬
‫وخيص‬ ‫يـ ْ ِ ِم شن ْ‬
‫هللا ـ ـ ـ شفاك ْم شربُّك ْم ِابلْبشنِ ش شو َّاهش شذ ِم شن‬
‫وهن أدَّن قيمةً ‪ -‬يف رأيهم ‪ -‬من البن ﴿أشفشأش ْ‬ ‫نفس ـ ـ ــت ابلبنات‪َّ ،‬‬
‫ظيما﴾ [اإلسراء‪. ]40 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫الْ شمالشئ شكة إ شان ًاث إنَّك ْم لشتشـقولو شن قشـ ْوحً شع ً‬
‫ين ه ْم ِعبشاد‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫وحمش ِملةً اَّ رك مسؤوليَّة أقوايم الَّيت ح تقوم عل ٍ‬
‫﴿و شج شعلوا الْ شمالشئ شكةش الذ ش‬
‫دليل ش‬

‫(‪ )1‬زلْ شف قـشرىب‬


‫(‪ )2‬انظر ر الة األنبياء (‪.)52/3‬‬
‫(‪ )3‬احت ُّ وا مبا عليت النَّصار من ال ِ رك والتَّثليث‪.‬‬
‫(‪ )4‬اختلقوا‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫الر ْح ِ‬
‫ان إِ شان ًاث أ ش‬
‫شش ِهدوا شخ ْل شقه ْم ش تكْتش شش شه شادهت ْم شوي ْسأشلو شن ﴾‬
‫[الزخرف‪. ]19 :‬‬ ‫َّ ش‬
‫اثنياً‪ :‬كفرهم ابآلخرة‪:‬‬

‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل الميان ابليوم ا خر‪ ،‬فقد قابلها اَّ ـ ـ ــركون‬ ‫َّأما دعوة َّ‬
‫ين شك شفروا شه ْل نشدلُّك ْم شعلش شرج ٍل يـنشـبِئك ْم إِ شذا م ِايقْـت ْم ك َّل اشَّايٍق‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿وشق شال ا لذ ش‬
‫ش‬ ‫ابل ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهرية والتَّكذي‬
‫اَّللِ شك ِذاب أ ْشم بِِت ِجنَّة ب ِل الَّ ِذين حش يـ ْؤِمنو شن ِاب خرةِ ِيف الْع شذ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫إنَّك ْم لشفي شخ ْل ٍق شجديد * أشفْ شش شعلش َّ ً‬
‫﴿وقشالوا إِ ْن ِه شي إِحَّ شحيشاتـنشا ُّ‬
‫الدنْـيشا‬ ‫ش‬ ‫يد ﴾ [سبأ‪ ]8 - 7 :‬فقد كانوا ينكرون بعث اَّوت‬ ‫الضالشِل الْبعِ ِ‬
‫ش‬ ‫شو َّ‬
‫﴿وأشقْ شسموا ِاب ََّّللِ شج ْه شد‬
‫شوشما شْحنن مبشْبـعوث ش ﴾ [األنعام‪ ،]29 :‬ويقسمون عل ذلـ ـ ـ ــك ابألميان اَّ لَّظـ ـ ـ ــة ش‬
‫ِ ِ‬
‫َّاس حش يشـ ْعلشمو شن *لِيـبشِ ش شيم‬ ‫اَّلل شم ْن شميوت بشـلش شو ْع ـ ًدا شعلشْي ـ ِت شح ًّق ـا شولش ِك َّن أش ْكثشـشر الن ـ ِ‬ ‫أشْميشـا‪ْ ِِ،‬م حش يشـْبـ شع ـث َّ‬
‫ين شك شفروا أ َّش‪ْ ،‬م شكـانوا شكـ ِاذبِ ش ﴾ [النحل‪ ،]39-38 :‬وكــانوا يظنُّون أنـَّت ح‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الـذأ شخيْتشلفو شن فيــت شوليشـ ْعلش شم الـذ ش‬
‫توجد حياة يف ري الدُّنيا‪ ،‬ويطلبون إحياء اابئهم ليصدقوا اب خرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫﴿وقشالوا شما ِه شي إِحَّ شحيشاتـنشا ُّ‬
‫َّهر شوشما شي ْم‬ ‫الدنْـيشا شجوت شوشْحنيشا شوشما يـ ْهلكنشا إِحَّ الد ْ‬ ‫ش‬ ‫قال تعالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ات شما شكا شن ح َّ تشـه ْم إِحَّ أش ْن شقالوا‬ ‫آَيتنا بـيِشن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب شذلِ ش ِ ِ ِ‬
‫ك م ْن ع ْل ٍم إ ْن ه ْم إَّح يشظنُّو شن * شوإ شذا تـْتـلش شعلشْي ِه ْم ش ش‬
‫اَّلل ْيِيك ْم مثَّ ميِيتك ْم مثَّ شْجي شمعك ْم إِ شىل يشـ ْوِم الْ ِقيش شام ِة حش شريْ ش فِ ِيت‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ِادقِ ش *ق ِل َّ‬ ‫ِ‬
‫ائْـتوا ِر شابئنشا إِ ْن كْنـت ْم ش‬
‫اعة يشـ ْوشمئِ ٍذ شخيْ شسـ ـ ـر‬
‫ض شويشـ ْوشم تشـقوم ال َّسـ ـ ـ ش‬
‫َّاس حش يـعلشمو شن *وََِّّللِ م ْلك ال َّسـ ـ ـماو ِ‬
‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫شش‬ ‫ش‬ ‫شولشك َّن أش ْكثشـشر الن ِ ش ْ‬
‫ِ‬
‫ن ﴾ [اجلاثية‪.]27 - 24 :‬‬ ‫الْمْب ِطلو ش‬
‫مرةٍ‪ ،‬قــادر عل أن ييهم يوم القيــامــة‪ ،‬قــال جمــاهــد‪ ،‬و ريه‬ ‫أن الــذأ خلقهم َّأول َّ‬ ‫ـاهتم َّ‬
‫وفـ ش‬
‫يب بن خلف(‪ )1‬إىل ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ويف يده عظم رميم‪ ،‬وهو يفتِتت‪،‬‬
‫جاء أ شُّ‬
‫ويذروه يف ايواء وهو يقول َي حممد! أتايعم َّ‬
‫أن هللا يبعث هذا؟ قال هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫(‪)2‬‬
‫رك إىل النار»‪ ،‬ونايلت هذه ا َيت‬ ‫«نعم‪ ،‬مييتك هللا تعاىل‪ ،‬مثَّ يبعثك‪ ،‬مثَّ‬
‫ب لشنشا شمثشالً شونش ِس شي شخ ْل شقت‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿أ ششوشْ يشـشر النْ شسان أ َّشان شخلش ْقنشاه م ْن نطْ شفة فشَ شذا ه شو شخ صيم مب ش‬
‫*و ش شر ش‬
‫علِيم ﴾ [يس‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قش شال شم ْن ْيِي الْعظش شام شوه شي شرميم *ق ْل ْيِ شيها الَّذأ أشنْ ش ـ ـ ـأ ششها أ َّشوشل شمَّرةٍ شوه شو بِك ِل شخ ْل ٍق ش‬
‫‪[ ، ]79 - 77‬الدر املنثور (‪. ])76 - 75/7‬‬

‫(‪ )1‬ويف رواية عن ابن ٍ‬


‫عباس أنَّت العاص بن وائل‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري (‪.)581/3‬‬
‫‪212‬‬
‫كانت أ الي القرآن الكر يف إقناي النَّاس ابلبعث تعتمد عل خطاب العقل‪ ،‬واحنس ام‬
‫أن حكمتت تقتضي بعث العباد لل اياء‪،‬‬ ‫مع الفطرة‪ ،‬والت اوب مع القلوب‪ ،‬فقد ذ َّكر هللا عباده َّ‬
‫الر ـ ـ ــل‪ ،‬وأنايل الكت لبيان الطَّريق الَّذأ بت‬ ‫واحلس ـ ـ ــاب‪ ،‬فَن هللا خلق اخللق لعبادتت‪ ،‬وأر ـ ـ ــل ُّ‬
‫يعبدونت‪ ،‬ويطيعونت‪ ،‬ويتبعون أمره‪ ،‬وجيتنبون ‪،‬يت‪ ،‬فمن العباد شم ْن رفض اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتقامة عل طاعة‬
‫هللا‪ ،‬وط ‪ ،‬وب ‪ ،‬أفليس من العدل بعد ذلك أن ميوت الطَّاأ وال َّ‬
‫ص ـ ـ ـاأ‪ ،‬مثَّ جيايأ هللا اَّسـ ـ ــن‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ف‬
‫*ما لشك ْم شكْي ش‬‫نحسـ ـ ـ ــانت‪ ،‬واَّسـ ـ ـ ــيء ن ـ ـ ـ ــاءتت‪ .‬قال تعاىل ﴿أشفشـنش ْ شعل الْم ْس ـ ـ ـ ـلم ش شكالْم ْ ِرم ش ش‬
‫ن ﴾ [القلم‪. ]38 - 35 :‬‬ ‫شْحتكمو شن *أ ْشم لشك ْم كِتشاب فِ ِيت تش ْدر و شن *إِ َّن لشك ْم فِ ِيت لش شما شهشَّريو ش‬
‫أن الكون خلِق عبثـاً‪ ،‬وابطالً‪ ،‬ح‬ ‫إن اَّالحــدة الَّـذين ظلموا أنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم هم الَّـذين يظنُّون َّ‬ ‫َّ‬
‫َّقي والفاجر(‪ .)1‬قال‬ ‫حلكمة‪ ،‬وأنَّت ح فرق ب مصــري اَّؤمن اَّصــل ‪ ،‬والكافر اَّفســد‪ ،‬وح ب الت ِ‬
‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين شك شفروا فشـ شويْل للَّذ ش‬
‫ين شك شفروا‬ ‫ك ظش ُّن الذ ش‬ ‫ض شوشما بشـْيـنشـه شما شاب ِطالً ذشل ش‬
‫﴿وشما شخلش ْقنشا ال َّسـ ـ شماءش شواأل ْشر ش‬
‫تعاىل ش‬
‫ِ‬ ‫ين ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِمن النَّا ِر *أشم شُْعل الَّ ِذين آمنوا وع ِملوا ال َّ ِ ِ‬
‫ض أ ْشم شُْ شعل الْمتَّق ش‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاحلشات شكالْم ْفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬
‫كالْف َّ ا ِر ﴾ [ص‪. ]28 - 27 :‬‬ ‫ش‬
‫أن الذأ أحيا األرض بعد‬ ‫و ـ ــرب القرآن الكر للنَّاس األمثلة يف إحياء األرض ابلنَّبات‪ ،‬و َّ‬
‫ف‬ ‫موهتا قادر عل إعادة احلياة إىل اجلثث ايامدة‪ ،‬والعظام البالية ﴿فشانْظر إِ شىل آاثر ر ْح ِة َِّ‬
‫اَّلل شكْي ش‬ ‫شش‬ ‫ْ‬
‫دير ﴾ [الروم‪. ]50 :‬‬ ‫يِي األشرض بـع شد موِهتشا إِ َّن شذلِك لشمليِي الْموتش وهو علش ك ِل شي ٍء قش ِ‬
‫شْ‬ ‫ش ْ شْ ش ش ش‬ ‫ْ ش شْ شْ‬ ‫ْ‬
‫وذكر هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬يف كتابت‪ ،‬أمثلةً من إحياء بعض األموات يف هذه احلياة‬
‫ٍ‬
‫ثالشئة‬ ‫َّاس يف كتابت عن أهللاـ ــلاب الكهف‪ ،‬أبنَّت ـ ـرب عل اذا‪،‬م يف الكهف‬ ‫الدُّنيا‪ ،‬فأخرب الن ش‬
‫وتسع ن ‪ ،‬مثَّ قاموا من رقدهتم بعد تلك األزمان اَّتطاولة‪ ،‬قال تعاىل ﴿مثَّ بشـ شعثْـنشاه ْم لِنشـ ْعلش شم أ ُّ‬
‫شأ‬
‫ك بشـ شعثْـنشاه ْم لِيشـتش شساءشلوا بشـْيـنشـه ْم قش شال قشائِل ِمْنـه ْم‬ ‫ِ‬
‫﴿وشك شذل ش‬ ‫ص ل شما لشبثوا أ ششم ًدا ﴾ [الكوف‪ ،]12 :‬ش‬
‫شح ش ِ ِ‬ ‫ِْ‬
‫احل ْايبشْ ِ أ ْ‬
‫شح شدك ْم بِشوِرقِك ْم شه ِذهِ إِ شىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض يشـ ْوم قشالوا شربُّك ْم أ ْشعلشم مبشا لشبِثْـت ْم فشابْـ شعثوا أ ش‬ ‫شك ْم لشبِثْـت ْم قشالوا لشبِثْـشنا يشـ ْوًما أشْو بشـ ْع ش‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫دا ﴾ [الكوف‪:‬‬
‫ف شوحش ي ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـعشر َّن بك ْم أ ش‬
‫شح ً‬ ‫الْ شمدينش ِة فشـ ْليشـْنظ ْر أشيـُّ شها أ ْشزشك طش شع ًاما فشـ ْليشأْتِك ْم بِ ِرْزٍق ِمْنت شولْيشـتشـلشطَّ ْ‬
‫ث ِمئش ٍة ِ ـ ـ ـ ـ ـنِ ش شو ْازشدادوا تِ ْس ـ ـ ـ ـ ًعا ﴾ [الكوف‪ ،]25 :‬و ري ذلك من األدلَّة‬ ‫ِ‬
‫﴿ولشبِثوا ِيف شك ْهف ِه ْم ثشالش ش‬ ‫‪ ،]19‬ش‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪.)124/2( ،‬‬

‫‪213‬‬
‫اليت ا ـ ـ ـ ــتهدمها ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف مناظراتت مع زعماء الكفر‪،‬‬ ‫والرباه‬
‫وال ِ رك‪.‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫اثلثاً‪ :‬اعرتاضوم على َّ‬
‫الر ــول ح‬ ‫أن َّ‬‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقد كانوا يتصـ َّـورون َّ‬ ‫اع ـوا عل شــهص َّ‬
‫َّاس أش ْن‬‫﴿وشما شمنش شع الن ش‬ ‫يكون ب ـ ـ ـ ـ ـ ـراً مثلهم‪ ،‬وأنَّت ينب ي أن يكون شملشكاً‪ ،‬أو مص ـ ـ ـ ـ ـ ــلوابً ابَّالئكة ش‬
‫﴿وقشالوا لش ْوحش أنْ ِايشل شعلشْي ِت‬ ‫اَّلل بش ش ًرا شر وحً ﴾ [اإلسراء‪ ،]94 :‬ش‬ ‫ث َّ‬ ‫يـ ْؤِمنوا إِ ْذ شجاءشهم ا ْي شد إِحَّ أش ْن قشالوا أشبشـ شع ش‬
‫*ولش ْو شج شع ْلنشاه شملش ًكا شجلششع ْلنشاه شرجالً شولشلشبش ْس ـنشا شعلشْي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫شملشك شولش ْو أشنْـشايلْنشا شملش ًكا لشقض ـ شي األ ْشمر مثَّ حش يـْنظشرو شن ش‬
‫شما يشـ ْلبِسـ ـ ـ ـ ـو شن ﴾ [األنعام‪ ،]9 - 8 :‬أأ لو بعثنا إىل الب ـ ـ ـ ــر ر ـ ـ ـ ــوحً من اَّالئكة جلعلناه عل هيئة‬
‫حض ميكنهم ملـاطبتـت‪ ،‬واحنتفـاي ابألخـذ عنـت‪ ،‬ولو كـان كـذلـك حلْتشـبشس عليهم األمر كمـا‬ ‫رج ٍـل‪َّ ،‬‬
‫هم يلبِس ــون عل أنفس ــهم يف قبول ر ــالة الب ــر(‪ .)1‬وكانوا يريدون ر ــوحً ح ركل الطَّعام‪ ،‬وح‬
‫ول شرْكل الطَّ شع شام شوميشْ ِ ـ ـي ِيف األش ْ ـ ـ شو ِاق لش ْوحش أنْ ِايشل إِلشْي ِت‬ ‫الر ـ ـ ِ‬
‫﴿وقشالوا شم ِال شه شذا َّ‬ ‫مي ـ ــي يف األ ـ ـواق ش‬
‫شملشـك فشـيشكو شن شم شع ـت نشـ ِذ ًيرا *أ ْشو يـ ْل شق إِلشْي ـ ِت شكْنـاي أ ْشو تشكون لشـت شجنـَّة شرْك ـل ِمْنـ شه ـا شوقشـ شال الظَّـالِمو شن إِ ْن‬
‫الر ـ ــل يعاً كانوا ركلون‪،‬‬ ‫كأ‪،‬م يس ـ ــمعوا َّ‬
‫أبن ُّ‬ ‫تشـتَّبِعو شن إِحَّ شرجالً شم ْسـ ـ ـل ًورا ﴾ [الفرقان‪ ،]8 - 7 :‬و َّ‬
‫ك ِم شن الْم ْر ش ـ ـ ـ ـلِ ش إِحَّ إِ َّ‪ْ ،‬م لشيشأْكلو شن الطَّ شع شام شوميشْ ـ ـ ـ ـو شن ِيف‬ ‫﴿وشما أ ْشر ش ـ ـ ـ ـ ْلنشا قشـْبـلش ش‬‫ويس ـ ـ ــعون‪ ،‬ويعملون ش‬
‫صريا ﴾[الفرقان‪. ]20 :‬‬ ‫ض فِْتـنشةً(‪ )2‬أشتشصِربو شن وشكا شن ربُّ ش ِ‬ ‫ضك ْم لِبشـ ْع ٍ‬
‫األش ْ شو ِاق شو شج شع ْلنشا بشـ ْع ش‬
‫ك بش ً‬ ‫ْ ش ش‬
‫﴿وقشالوا لش ْوحش نـ ِايشل شه شذا الْقرآن شعلش‬ ‫كثري اَّال‪ ،‬كبرياً يف أعينهم ش‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول ش‬ ‫ويريدون أن يكون َّ‬
‫ظي ٍم ﴾ [الزخرف‪. ]31 :‬‬ ‫رج ٍل ِمن الْ شقريـتش ِ ع ِ‬
‫ش ْش ْ ش‬ ‫ش‬
‫مبكة‪ ،‬أو عروة بن مسعود الثَّقفي‬ ‫ويقصدون بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﴿رج ٍل ِمن الْ شقريشـتش ْ ِ شع ِظي ٍم ﴾ بن اَّ رية َّ‬
‫ش ْ‬ ‫ش‬
‫ابلطَّائف(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وقشالوا شَيأشيـُّ شها الَّذأ نـ ِايشل شعلشْي ِت الذ ْكر إِن ش‬
‫َّك‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم إىل اجلنون ش‬ ‫ونسبوا َّ‬
‫شَّن شيم ِ‬ ‫ص ـ ـ ِادقِ ش ﴾ [احلجر‪﴿ ،]7 - 6 :‬أ َّ‬ ‫ت ِم شن ال َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الذ ْكشر شوقش ْد‬ ‫لش شم ْ نون *لش ْو شما شأتْتينشا ِابلْ شمالشئ شكة إِ ْن كْن ش‬
‫جمنون ﴾ [الدخان‪. ]14 - 13 :‬‬ ‫شجاءشه ْم شر ول مبِ *مثَّ تشـ شولَّْوا شعْنت شوقشالوا م شعلَّم شْ‬

‫(‪ )1‬انظر الو طية يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.402‬‬


‫(‪ )2‬اختربان بعضكم ببعض‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري (‪ 126/4‬ـ ‪.)127‬‬
‫‪214‬‬
‫ك ِمبش ن ٍ‬ ‫ورد هللا عليهم بقولت ﴿ما أشنْ ِ ِ‬
‫[القلم‪. ]2 :‬‬ ‫ون ﴾‬ ‫ت بِن ْع شمة شربِ ش ْ‬ ‫ش ش‬ ‫َّ‬
‫اه ٍن وحش شْجمن ٍ‬
‫ون *أ ْشم‬ ‫كما نس ـ ـ ـ ـ ـ ــبوه إىل الكهانة‪ ،‬وال ـ ـ ـ ـ ـ ــعر ﴿فش شذكِر فشما أشنْت بِنِعم ِة ربِ ِ ِ‬
‫ك ب شك ش‬ ‫ْ ش ش ْش ش ش‬
‫ون ﴾ [الطور‪. ]30 - 29 :‬‬ ‫اعر نش بَّص بِِت ري الْمن ِ‬ ‫ِ‬
‫شْ ش ش‬ ‫يشـقولو شن شش شش‬
‫أن ما يقولت بعيد عن‬ ‫هذا مع َّأ‪،‬م كانوا يعلمون أنَّت ح يشـْن ِظم ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـعر‪ ،‬وأنَّت راج العقل‪ ،‬و َّ‬
‫السلرة(‪.)1‬‬
‫ع الك َّهان‪ ،‬وقول َّ‬
‫﴿و شع ِ بوا أش ْن شجاءشه ْم مْن ِذر ِمْنـه ْم شوقش شال الْ شكافِرو شن شه شذا‬ ‫ِ‬
‫ونس ــبوه (ﷺ)إىل السـ ـلر‪ ،‬والكذب ش‬
‫ك شوإِ ْذ ه ْم شُْ شو إِ ْذ يشـقول‬ ‫﴿حنن أ ْشعلشم ِمبشا يش ْستش ِمعو شن بِِت إِ ْذ يش ْستش ِمعو شن إِلشْي ش‬
‫احر شك َّذاب ﴾ [ص‪ ،]4 :‬شْ‬ ‫ِ‬
‫ش‬
‫ض ـ ـلُّوا فشالش يش ْس ـ ـتش ِطيعو شن‬ ‫ِ‬
‫ك األ ْشمثش شال فش ش‬
‫ف ش ـ ـشربوا لش ش‬ ‫الظَّالمو شن إِ ْن تشـتَّبِعو شن إِحَّ شرجالً شم ْس ـ ـل ًورا *انْظ ْر شكْي ش‬
‫بِيالً ﴾ [اإلسراء‪.]48 - 47 :‬‬
‫ش‬
‫تتنايل عل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم تفنِد ماياعم اَّ ــرك ‪ ،‬وتبِ لت‬ ‫وكانت ا َيت َّ‬
‫﴿ولششق ِد ا ْ ـ ـتـ ْه ِاي ءش بِر ـ ـ ٍل ِم ْن‬
‫ش‬ ‫أن العذاب عاقبة اَّس ــتهايئ‬ ‫الر ــل ال َّسـ ـابق ا ــتهايئ هبم‪ ،‬و َّ‬ ‫أن ُّ‬‫َّ‬
‫أن اَّ ــرك ح‬ ‫ين ش ـ ـ ِهروا ِمْنـه ْم شما شكانوا بِِت يش ْسـ ـتشـ ْه ِايئو شن ﴾ [األنعام‪ ،]10 :‬وتـ شعلِمت َّ‬ ‫قشـبلِك فشل ش ِ َّ ِ‬
‫اق ابلذ ش‬ ‫ْ ش ش‬
‫احلق‪ ،‬ويدفعون آَيت هللا بتلك األقاويل(‪﴿ )2‬قش ْد نشـ ْعلشم إِنَّت‬ ‫كذبون شـ ــهصـ ــت‪ ،‬ولكنَّهم يعاندون َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]33 :‬‬ ‫اَّللِ شْجي شلدو ش‬‫ك شولش ِك َّن الظَّالِ ِم ش ِرَيت َّ‬ ‫ِ‬ ‫لشيلاين ِ‬
‫ك الَّذأ يشـقولو شن فشَِ َّ‪ْ ،‬م حش ي شكذبونش ش‬ ‫شْ ش‬
‫رابعاً‪ :‬موقفوم من القرآن الكرمي‪:‬‬

‫أن القرآن الكر منايل من عند هللا‪ ،‬واعتربوه ـ ـ ـرابً من ال ِ ـ ـ ـعر‪ ،‬الَّذأ‬ ‫كذلك يصـ ـ ـ ِـدقوا َّ‬
‫كل من قارن ب القرآن‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ـ ــعار العرب يعلم أنَّت ملتلف عنها‬ ‫كان ينظمت ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـعراء‪ ،‬مع َّ‬
‫أن َّ‬
‫﴿وشما شعلَّ ْمنشاه ال ِ ـ ـ ـ ْعشر شوشما يشـْنـبش ِي لشت إِ ْن ه شو إِحَّ ِذ ْكر شوقرآن مبِ *لِيـْن ِذ شر شم ْن شكا شن شحيًّا شوشِ َّق الْ شق ْول‬
‫ش‬
‫ين ﴾ [يس‪ ]70 - 69 :‬وكيف يكون القرآن شعراً وقد نايل فيت ذم لل عراء الَّذين ي ِضلُّون‬ ‫ِِ‬
‫شعلش الْ شكافر ش‬
‫ُّعشراء يشـتَّبِعهم الْ شاوو شن(‪* )4‬أششْ تشـشر أ َّش‪ْ ،‬م ِيف ك ِل‬
‫﴿وال ش‬
‫(‪)3‬‬
‫الناس ويقولون خال احلقيقة؟! قال تعاىل ش‬
‫*وأ َّش‪ْ ،‬م يشـقولو شن شما حش يشـ ْف شعلو شن ﴾ (‪[ )5‬الشــ ـ ـ ــعراء‪ ]226 - 224 :‬فهو كالم هللا اَّنايل عل‬ ‫ٍ ِ‬
‫شواد يشهيمو شن ش‬

‫(‪ )1‬انظر ر الة األنبياء (‪.)57/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر ر الة األنبياء (‪.)58/3‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪.)59/3‬‬
‫(‪ )4‬يع الضَّالُّون‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ر الة األنبياء (‪.)59/3‬‬
‫‪215‬‬
‫ول‬ ‫الكهان ﴿إِنَّت لششقول ر ـ ٍ‬ ‫ر ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم وليس شــبيهاً بقول ال ــعراء‪ ،‬وح بقول َّ‬
‫ْ ش‬
‫ب‬ ‫اه ٍن قشلِيالً ما تش شذ َّكرو شن *تشـْن ِاييل ِمن ر ِ‬ ‫اع ٍر قشلِيالً ما تـؤِمنو شن *وحش بِشقوِل شك ِ‬
‫ش ْ‬ ‫شك ِرٍ *وما هو بِشقوِل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ْش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫شش ش ْ‬
‫م ش ﴾ [احلاقة‪. ]43 - 40 :‬‬ ‫الْعالش ِ‬
‫ش‬
‫(‪)1‬‬
‫أن القرآن الكر ليس ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعراً ‪ ،‬ومن فرط تكــذيبهم‪،‬‬ ‫وقــد أدرك ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعراء قبــل ريهم َّ‬
‫مي(‪ ،)2‬كــان الم ـاً لبعض بطون قريش‪،‬‬ ‫إن حم َّم ـداً يتعلَّم القرآن من رجـ ٍـل أع ٍ‬ ‫وعنــادهم قــالوا َّ‬
‫ص ـفا‪ ،‬ورمبَّا كان الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم جيلس إليت‪ ،‬ويكلِمت بعض‬ ‫وكان بياعاً يبيع عند ال َّ‬
‫مي اللِسـ ـ ــان ح يعر من العربيَّة إح اليسـ ـ ــري‪ ،‬بقدر ما ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّد جواب‬ ‫ال ـ ـ ــيء‪ ،‬وذاك كان أع َّ‬
‫﴿ولششق ْد نشـ ْعلشم أ َّش‪ْ ،‬م يشـقولو شن إَِّجشا يـ شعلِمت بش ش ر لِ شسان الَّ ِذأ‬ ‫اخلطاب فيما حب ـ َّـد من ــت‪ ،‬ويذا قال تعاىل ش‬
‫يـ ْل ِلدو شن إِلشْي ِت أ ْشع ش ِمي شوشه شذا لِ شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان شعشرِيب مبِ ﴾ [النحل‪ ]103 :‬أأ فكيف يتعلَّم شم ْن جاء هبذا‬
‫مي؟ ح يقول هذا من لت‬ ‫رجل أع ٍ‬ ‫َّامة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـاملة من ٍ‬ ‫القرآن يف فص ـ ـ ـ ـ ــاحتت‪ ،‬وبال تت‪ ،‬ومعانيت الت َّ‬
‫مسكة من العقل(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫أدَّن‬
‫مفرقاً أدع‬ ‫أن نايولت َّ‬ ‫واع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل طريقة نايول القرآن‪ ،‬فطلبوا أن ينايل لةً واحدةً‪ ،‬مع َّ‬
‫﴿وقش شال الَّ ِذي شن شك شفروا لش ْوحش نـ ِايشل شعلشْي ِت‬
‫لتثبيت قلوب اَّؤمن بت‪ ،‬وتيس ـ ـ ـ ـ ـ ــري فهمت‪ ،‬وحفظت‪ ،‬وامتثالت ش‬
‫ك ورتَّـ ْلنشاه تشـرتِيالً ﴾[الفرقان‪. ]32 :‬‬ ‫ك لِنـثشـبِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الْقرآن ْلشةً و ِ‬
‫ْ‬ ‫ت بت فـ شؤ شاد ش ش ش‬ ‫ش‬ ‫اح شد ًة شك شذل ش‬ ‫ش‬
‫فل ـ َّـما اع ض اَّ ركون عل القرآن‪ ،‬وعل من أن ِايل عليت هبذه احع ا ات حتدَّاهم هللا أبن‬
‫اجلِ ُّن‬
‫ت ا ِلنْس شو ْ‬ ‫اجتش شم شع ْ‬
‫ِ‬
‫اجلن جمتمع عن ذلك ﴿ق ْل لشئ ْن ْ‬ ‫رتوا مبثلت‪ ،‬وأعلن عن ع اي النس و ِ‬
‫ض ظش ِهريا ﴾ [اإلسراء‪. ]88 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫شعلش أش ْن شرْتوا مبثْ ِل شه شذا الْقرآن حش شرْتو شن مبثْلت شولش ْو شكا شن بشـ ْعضه ْم لبشـ ْع ٍ ً‬
‫بل هم عاجايون عن أن رتوا بع ر وٍر مثلت‬
‫اَّللِ إِ ْن‬ ‫ت و ْادعوا م ِن ا ـ ـتشطشعتم ِمن د ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ون َّ‬ ‫ش ْ ْْ ْ‬ ‫﴿أ ْشم يشـقولو شن افْ ششاه ق ْل فشأْتوا ب شع ْ ـ ـ ِر ـ ـ شور مثْلت م ْف شششَي ش‬
‫اَّللِ شوأش ْن حش إِلشتش إِحَّ ه شو فشـ شه ْل أشنْـت ْم‬
‫اعلشموا أَّشجشا أنْ ِايشل بِعِْل ِم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـادق ش * شفَِ َّْ يش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش يبوا لشك ْم شف ْ‬
‫كْنـت ْم ش‬
‫﴿وشما شكا شن‬ ‫‪.‬وحض ال ُّس ـ ـ ـ ـورة الواحدة هم عاجايون عن أن رتوا مبثلها ش‬ ‫م ْس ـ ـ ـ ـلِمو شن ﴾ [هود‪َّ ]14 - 13 :‬‬
‫اب حش شريْ ش فِ ِيت‬ ‫ص ـ ـيل الْ ِكتش ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يق الذأ بشْ ش يش شديْت شوتشـ ْف ش‬
‫اَّللِ ولش ِكن تشص ـ ـ ِد َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شه شذا الْقرآن أش ْن يـ ْف شش م ْن دون َّ ش ْ ْ ش‬
‫اَّللِ إِ ْن‬
‫ون َّ‬ ‫ب الْعالش ِم *أشم يـقولو شن افْ اه قل فشأْتوا بِس ـ ـ ـ ـ ـورةٍ ِمثْلِ ِت و ْادعوا م ِن ا ـ ـ ـ ـ ـتشطشعتم ِمن د ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ش ْ ْْ ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫شش ْ‬ ‫م ْن شر ش ش ْ ش‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪.)59/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر هتذي ِ‬
‫السرية (‪.)90 ، 74/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)586/2‬‬
‫‪216‬‬
‫هللا ِادقِ ش ﴾‬
‫كْنـت ْم ش‬ ‫[يونس‪. ]38 - 37 :‬‬

‫أن الفصاحة كانت من اَيهم‪ ،‬وكانت أشعارهم ومعلَّقاهتم يف َّ‬


‫قمة البيان‬ ‫فع ايهم ‪ -‬مع َّ‬
‫أن القرآن كالم هللا الَّذأ ح ي ـ ــبهت شـ ــيء يف ذاتت‪ ،‬وح يف هللاـ ــفاتت‪ ،‬وح يف أفعالت‪،‬‬
‫‪ -‬دليل عل َّ‬
‫وأقوالت‪ ،‬وكالمت ح ي بت كالم اَّهلوق (‪.)1‬‬
‫خامساً‪ :‬دوافع إنكار دعوة اإلسالم يف العود ِّ‬
‫املك ِّي‪:‬‬
‫حتدَّث بعض الباحث (‪ )2‬عن دوافع إنكار دعوة ال الم يف العهد ا ِ‬
‫َّك ِي‪ ،‬فذكروا منها‬
‫‪ - 1‬ضعف أتثري النبوات يف جزيرة العرب‪:‬‬
‫الدَيانت ال َّسـ ـماويَّة‪،‬‬ ‫كان العرب الَّذين بعِث فيهم النب هللا ــل هللا عليت و ــلم بعيدين عن ِ‬
‫ش‬
‫ـاوأ ‪ -‬كمــا كــانــت تفعــل اليهود‪،‬‬ ‫فلم يكونوا يــدينون بــدي ٍن و ين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لوا بــدرا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة كتـ ٍ‬
‫ـاب مسـ ٍ‬
‫حمم ٍد هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬يقول هللا تعاىل ﴿ شوشه شذا‬ ‫والنَّص ــار ‪ -‬ويذا احت َّت هللا عليهم ببعثة َّ‬
‫كِشتاب أشنْـشايلْشناه مشب شارك فشاتَّبِعوه شواتـَّقوا لش شعلَّك ْم تـ ْر شحو شن *أش ْن تشـقولوا إَِّجشا أنْ ِايشل الْ ِكشتاب شعلش طشائِشفتش ْ ِ ِم ْن‬
‫قشـْبلِنشا شوإِ ْن كنَّا شع ْن ِد شرا ش ـ ـ ـ ـتِ ِه ْم لش شافِلِ ش *أ ْشو تشـقولوا لش ْو أ َّشان أنْ ِايشل شعلشْيـنشا الْ ِكتشاب لشكنَّا أ ْشه شد ِمْنـه ْم فشـ شق ْد‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ شد ش شعْنـ شها ش ـ ـ ـ ـ ـ ـنش ْ ِايأ‬ ‫جاءكم بـيِنشة ِمن ربِكم وهد ور ْحة فشمن أشظْلشم ِاشن شك َّذب ِرَيت َِّ‬
‫اَّلل شو ش‬ ‫ْ ش‬ ‫ش ش ْ ش ْ ش ْ ش ً شش ش ش ْ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]157 - 155 :‬‬ ‫ص ِدفو ش‬ ‫الَّ ِذين يص ِدفو شن عن آَيتنشا وء الْع شذ ِ ِ‬
‫اب مبشا شكانوا يش ْ‬ ‫ش ش‬ ‫شْ‬ ‫ششْ‬
‫وكان لت ل ل اَّعتقدات الوثنيَّة يف حياهتم‪ ،‬وعقويم‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــيطرهتا عل تفكريهم أثر عظيم يف‬
‫أن طبيعة النَّفس الب ـريَّة‬ ‫احلق‪ ،‬وإابئهم احنقياد والذعان لدعوتت‪ ،‬هذا فض ـالً عن َّ‬ ‫تص ـلُّبهم أمام ِ‬
‫العقدأ‪ ،‬وَتيل إىل التَّ ســيم ِ‬
‫اَّاد ِأ‬ ‫ِ‬ ‫ص ـفاء‬
‫فَ‪،‬ا تبتعد عن الت ُّرد وال َّ‬ ‫مساوأ‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ح ح تدين بدي ٍن‬
‫احل ِس ـ ِي‪ ،‬ولذلك أقدم عبَّاد األهللاــنام عل بذل نفو ــهم وأموايم‪ ،‬وأبنائهم دو‪،‬ا‪ ،‬وهم ي ــاهدون‬
‫حل هبم‪ ،‬وح ياييدهم ذلك إح حباً يا‪ ،‬وتعظيماً‪ ،‬ويوهللا ــي بعض ــهم بعضـ ـاً‬ ‫مص ــاري إخوا‪،‬م‪ ،‬وما َّ‬
‫وحتمل أنواي اَّكاره يف نصـ ـ ـرهتا وعبادهتا‪ ،‬وهم يس ـ ــمعون أخبار األمم الَّيت فتنت‬ ‫صـ ـ ـرب عليها‪ُّ ،‬‬ ‫ابل َّ‬
‫حل هبم من عاجل العقوابت(‪.)3‬‬
‫بعبادهتا‪ ،‬وما َّ‬
‫‪ - 2‬العصبيَّة لرتاث االابء‪ ،‬واألجداد‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر ر الة األنبياء (‪.)66/3‬‬


‫(‪ )2‬مثل لمان العودة ‪ ،‬وحممد العبدة ‪ ،‬وعبد الرحن اَّالَّحي‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر إ اثة اللهفان من مصائد ال يطان ‪ ،‬حبن القيم (‪.)225/2‬‬
‫‪217‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـالة وال َّس ـ ـ ـ ـالم ‪ -‬هو‬ ‫حتارب بت دعوات الُّر ـ ـ ـ ــل واألنبياء ‪ -‬عليهم ال َّ‬ ‫ٍ‬
‫كان أكرب طا وت ش‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ِد عن دين هللا‪ ،‬ومن ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـع‬ ‫طا وت التَّقليد‪ ،‬والعادة اَّتبعة‪ ،‬وهي من أكرب العوامل يف ال َّ‬
‫وإن ذهاب روحت أهون عليت من ت يريها إح أن يدخل يف‬ ‫عل النسـ ـ ـ ـ ـ ــان اخلروً من مألوفاتت‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قلبت ما يقتلعها‪ ،‬وقد أش ــار القرآن الكر إىل مرض تقليد احابء يف الباطل يف األمم ال َّسـ ـابقة‬
‫فهذا إبراهيم ‪ -‬عليت السالم ‪ -‬خياط قومت قائالً ﴿إِ ْذ قش شال ِألبِ ِيت شوقشـ ْوِم ِت شما تشـ ْعبدو شن *قشالوا نـش ْعبد‬
‫هللا ـ ـنش ًاما فشـنشظش ُّل شيشا شعاكِ ِف ش *قش شال شه ْل يش ْس ـ ـ شمعونشك ْم إِ ْذ تش ْدعو شن *أ ْشو يشـْنـ شفعونشك ْم أ ْشو يشض ـ ـُّرو شن *قشالوا بش ْل‬ ‫أش ْ‬
‫ن ﴾ [الشعراء‪. ]74 - 70 :‬‬ ‫ك يشـ ْف شعلو ش‬ ‫ِ‬
‫آابءش شان شك شذل ش‬
‫شو شج ْد شان ش‬
‫مر األجيال‪ ،‬وإذا ا تنكر عليهم‬ ‫وهذا اَّنهت هو دأب اَّ رك ‪ ،‬واَّعار لدين هللا عل ِ‬
‫الدُّعاة األطهار اَّصللون ولو هم يف ال َّهوات‪ ،‬وا‪،‬ماكهم يف الفواحش‪ ،‬و اءلوهم عن ذلك‪،‬‬
‫اَّللِ شما حش‬ ‫اَّللش حش شرْمر ِابلْ شف ْل ش ـ ـ ـ ـ ـ ِاء أشتشـقولو شن شعلش َّ‬
‫اَّلل أ ششمشرشان ِهبشا ق ْل إِ َّن َّ‬
‫آابءش شان شو َّ‬
‫﴿و شج ْد شان شعلشْيـ شها ش‬
‫قالوا ش‬
‫ن ﴾ [األعراف‪. ]28 :‬‬ ‫تشـ ْعلشمو ش‬
‫عقل يرش ـ ـ ـ ـ ــدهم‪ ،‬وح‬ ‫ما ذلك إح لفقدان الدَّليل‪ ،‬وانقطاي احل َّ ة إذ َّإ‪،‬م ح يعتمدون عل ٍ‬
‫ض‬ ‫ات شوشما ِيف األ ْشر ِ‬ ‫اَّلل ـ َّهر لشكم ما ِيف ال َّسـماو ِ‬ ‫كتاب يؤيِدهم‪ ،‬ولذلك قال تعاىل ﴿أششْ تشـشرْوا أ َّ‬ ‫ٍ‬
‫شش‬ ‫شن َّش ش ش ْ ش‬
‫اب‬‫اَّللِ بِ ش ِْري ِع ْل ٍم وحش هد وحش كِتش ٍ‬ ‫َّاس شم ْن جيش ِادل ِيف َّ‬ ‫اهشرًة شوشاب ِطنشةً شوِم شن الن ِ‬‫وأش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب علشيكم نِعمت ظش ِ‬
‫ًش‬ ‫ش‬ ‫ش ْ شش ش ْ ْ شش‬
‫ِ‬ ‫منِ ٍري ِ ِ‬
‫اَّلل شقالوا بش ْل نشـتَّبِع شما شو شج ْد شان شعلشْيت ش‬
‫آابءش شان أ ششولش ْو شكا شن ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْي طشان‬ ‫يل شيم اتَّبِعوا شما أشنْـشايشل َّ‬ ‫*وإ شذا ق ش‬ ‫ش‬
‫ري ﴾ [لقمان‪. ]21 - 20 :‬‬ ‫ِ‬
‫السع ِ‬
‫اب َّ‬ ‫ي ْدعوهم إِ شىل شع شذ ِ‬
‫ش ْ‬
‫الكفار يف هذا التَّقليد اَّنلر ا ــتدراً ال َّ ـيطان يم من خالل فطرة مركوزةٍ يف‬ ‫ش‬ ‫وإجا أوقع‬ ‫َّ‬
‫النسان أهللاالً‪ ،‬تدعوه إىل الوفاء لالابء‪ ،‬واألجداد‪ ،‬وتربطت بتارخيت وتراثت‪ ،‬وهذا من أعظم و ائل‬
‫ٍ‬
‫مطبوعة فيت من ح ِ ال َّ ـ ـ ـهوة‪ ،‬والوطن‪،‬‬ ‫ال ـ ـ ــيطان يف الكيد أن رل النسـ ـ ــا شن من قبل ريايةٍ‬
‫واَّال‪ ،‬و ريها‪ ،‬قال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم « َّ‬
‫إن ال َّ ـ ـ ـيطان قعد حبن آدم أبطرقت‪،‬‬
‫فقعد لت بطريق ال ــالم‪ ،‬فقال ت ْسـلِم‪ ،‬وتذر دينك‪ ،‬ودين اابئك‪ ،‬واابء أبيك؟ فعصــاه‪ ،‬فأ ــلم‪،‬‬
‫وإجا مثل اَّهاجر كمثل الفرس‬ ‫مثَّ قعد لت بطريق اي رة‪ ،‬فقال هتاجر‪ ،‬وتدي أر ــك‪ ،‬ومساءك؟! َّ‬
‫يف الطَّشول!(‪ )2‬فعص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه فهــاجر‪ ،‬مث قعــد لــت بطريق اجلهــاد‪ ،‬فقــال دــاهــد؟! فهو جهــد النَّفس‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر الطريق إىل اَّدينة ‪َّ ،‬مد العبدة ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫(‪ )2‬الطَّشول هو احلبل‪.‬‬
‫‪218‬‬
‫واَّال‪ ،‬فتقاتل‪ ،‬فتقتل‪ ،‬فتنك اَّرأة! ويقسم اَّال! فعصاه ف اهد»‪.‬‬
‫وجل ‪-‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «فمن فعل ذلك كان حقاً عل هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬أن يــدخلــت اجلنـَّة‪ ،‬وإن رق كـان‬
‫أن يــدخلــت اجلنـَّة‪ ،‬ومن قتــل كــان حقـاً عل هللا ‪َّ -‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حقاً عل هللا أن يدخلت اجلنَّة‪ ،‬أو وقشص ـ ـ ـ ـ ـْتت دابتت كان حقاً عل هللا أن يدخلت اجلنة» [النس ـ ـ ــائي‬
‫ش ش‬
‫(‪ )22 - 21/6‬وأمحد (‪ )483/3‬وابن حبان (‪. ])4593‬‬

‫النب (ﷺ) ‪ ،‬كـان من التُّهم الَّيت وِجهــت إليــت أنـَّت كــان يــدعو إىل خال مــا‬‫فلمــا بعــث ُّ‬
‫العامة والدَّلاء‪ ،‬وفر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا عل الدَّعوة نوعاً من‬
‫عهدوا عليت ا ابء واألجداد‪ ،‬وبذلك نفَّروا منت َّ‬
‫احلصار اَّؤقت(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬موقف أهل الكتاب املساند للوثنيَّة‪:‬‬
‫ـتعد ًة َّواجهة دعوة التَّوحيد‪ ،‬وحماربتها‪ ،‬ووجدت يف موقف‬ ‫كانت بيئة العرب الوثنيَّة مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫قوَيً يذه اَّعار ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فهاهم أهل التَّوراة‪ ،‬والُيل‪ ،‬وورثة‬ ‫الرافض للدَّعوة مسـ ـ ـ ـ ــتنداً َّ‬ ‫أهل الكتاب َّ‬
‫ويكذبو‪،‬ا‪ ،‬وهم أدر‬ ‫ويردو‪،‬ا‪ِ ،‬‬ ‫حممد هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ُّ ،‬‬ ‫الكت ال َّس ـ ـماوية‪ ،‬ينكرون دعوة َّ‬
‫﴿وانْطشلش شق الْ شم شِ ِمْنـه ْم‬ ‫ٍ‬
‫وتثبيت َّوقف اَّ ـ ـ ــرك‬ ‫ٍ‬
‫وتقوية‪،‬‬ ‫ابلدين‪ ،‬وهذا كان مص ـ ـ ــدر دع ٍم‪،‬‬ ‫منَّا ِ‬
‫ش‬
‫*ما شِمس ْعنشا ِهبش شذا ِيف الْ ِملَّ ِة ا خرةِ إِ ْن شه شذا إِحَّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫أ ِشن ْام ـ ـ ـوا وا ْ ِ‬
‫هللا ـ ـ ـربوا شعلش آيشتك ْم إ َّن شه شذا لش ش ـ ـ ـ ْيء يـشراد ش‬ ‫ش‬
‫اختِالشق ﴾ [ص‪. ]7 - 6 :‬‬ ‫ْ‬
‫ص ـرب عل احية يف مواجهة الدَّعوة اجلديدة أ‪،‬م يســمعوا مبا جاء بت هللاــل‬ ‫فمن عوامل ال َّ‬
‫وحممد بن كع‬ ‫أ‪َّ ،‬‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ــلم يف اَّلَّة ا خرة‪ ،‬وهي النَّصـ ـ ـ ـرانيَّة‪ ،‬قالت ابن عباس‪ ،‬وال ُّسـ ـ ـ ـ ِد ُّ‬
‫القرظي‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وجماهد ‪ ،‬وهذا مب عل شــهادة أهل الكتاب للم ــرك ـ َّـد َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الر ــول هللاــل‬ ‫ُّ‬
‫هللا عليــت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وإح فمــا كــان للعرب من عل ٍم ابلكتـ ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــاويــة‪ ،‬ومــا فيهــامن احلقــائق‬
‫واألخبار(‪.)4‬‬
‫‪ - 4‬سيطرة األعراف‪ ،‬والعوائد القبليَّة‪:‬‬
‫الرَي ـ ــة‪ ،‬وال َّ ـ ـر ‪ ،‬وال ُّس ـ ـؤدد‪ ،‬ذا جذوٍر يف األعرا ‪،‬‬
‫القبلي‪ ،‬والتَّنافس عل ِ‬ ‫ِ‬
‫كان الص ـ ـراي ُّ‬

‫(‪ )1‬أأ قا عنها ‪ ،‬فاندقَّت عنقت ‪ ،‬فمات‪.‬‬


‫األولون ‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال رابء َّ‬
‫الدر اَّنثور (‪.)146/7‬‬
‫ربأ (‪ ، )126/23‬و ُّ‬‫(‪ )3‬تفسري الطَّ ِ‬
‫األولون ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ )4‬انظر ال رابء َّ‬
‫‪219‬‬
‫والعوائد القبليَّة‪ ،‬ولذلك دد اَّعار ـ للدَّعوة اَّنتســب للبطن الَّذأ ينتسـ إليت الَّر ــول هللاــل‬
‫هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ت ُّ ون عل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أبنَّت ليس ش ـ ــيهاً ذا رَي ـ ـ ٍـة‪،‬‬
‫وتقدٍُّم فيهم‪ ،‬واَّعار ـ من البطون األخر يرفضــون ال ــالم خوفاً عل مناهللاــبهم‪ ،‬ومكانتهم‪،‬‬
‫فرد من‬ ‫وتكرباً عل اتِباي ٍ‬ ‫واَّعار ـ ـ ـ من القبائل األخر يرفض ـ ــو‪،‬ا حفاظاً عل مراكاي قبائلهم‪ُّ ،‬‬
‫يوم عرفت فيت ر ــول هللا هللاــل‬ ‫إن َّأول ٍ‬‫قبيلة أخر ‪ ،‬فعن اَّ رية بن شــعبة ر ــي هللا عنت قال « َّ‬ ‫ٍ‬
‫مكة إذ لقينا ر ــول هللا هللا ــل‬ ‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬كنت أان‪ ،‬وأبو جهل بن ه ــام يف بعض أزقَّة َّ‬
‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أليب جهل َي أاب احلكم! شهل َّم إىل هللا‪،‬‬
‫نتت عن ـ ـ ِ ايتنا؟ هل‬ ‫وإىل ر ـ ـولت‪ِ ،‬إين أدعوك إىل هللا‪ ،‬فقال أبو جهل َي حممد! هل أنت م ٍ‬
‫أن ما تقول حقاً ما تبعتك! فانص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫تريد إح أن ن ـ ـ ـ ـ ـ ــهد أن قد بل ت؟ فوهللا! لو ِأين أعلم َّ‬
‫أن ما يقولت حق‪ ،‬ولكن‬ ‫علي‪ ،‬فقال وهللا! ِإين ألعلم َّ‬ ‫ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأقبل َّ‬
‫ب قص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـي قالوا فينا احل ابة‪ ،‬فقلنا نعم‪ ،‬قالوا فينا النَّدوة‪ ،‬قلنا نعم‪ ،‬قالوا فينا اللِواء‪ ،‬قلنا‬
‫الرك قالوا منا نب!‬ ‫حض إذا َّ‬
‫حتاكت ُّ‬ ‫نعم‪ ،‬قالوا فينا ال ِس ـقاية‪ ،‬قلنا نعم‪ .‬مث أطعموا‪ ،‬وأطعمنا َّ‬
‫فال وهللا ح أفعل» [البيوقي يف دالئل النبوة (‪. ])207/2‬‬

‫‪ - 5‬حرصوم على مصاحلوم ومكانتوم وأتثريهم على العرب‪:‬‬


‫َّكة‬‫فقد كانوا يري ـ ــدون أن تبق يم منايلتهم اَّرموق ـ ــة‪ ،‬وأجمادهم العريق ـ ــة‪ ،‬ويريدون أن تبق َّ‬
‫أن ال ـ ــالم ـ ــيسـ ــلبها هذه اَّياية‪ ،‬وجيعل العرب‬ ‫قدا ـ ــتها عند القبائل العربيَّة إذ كانوا يظنُّون َّ‬
‫أن هللا هو اَّنعم عليهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ابألمن‬ ‫الرزق إىل أ ـ ـ ـ ـواقها‪ ،‬وينس ـ ـ ــون َّ‬ ‫ي ايو‪،‬ا‪ ،‬وميتنعون عن جل ِ‬
‫ف ِم ْن أ ْشر ِ ـ ـ ـ ـ ـنشا أ ششوشْ جش ِك ْن شي ْم شحشرًما ِآمناً ْجي شىب إِلشْي ِت‬ ‫ك نـتش شهطَّ ْ‬ ‫﴿وقشالوا إِ ْن نشـتَّبِ ْع ا ْي شد شم شع ش‬ ‫ش‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫والرزق‬
‫ن ﴾ [القصص‪. ]57 :‬‬ ‫ششششرات ك ِل شش ْي ٍء ِرْزقًا ِم ْن لشد َّان شولش ِك َّن أش ْكثشـشره ْم حش يشـ ْعلشمو ش‬
‫أن قري ـ ـ ـ ـاً‬ ‫يقد ـ ـ ـ ــون األهللا ـ ـ ـ ــنام‪ ،‬عندما يعلمون َّ‬ ‫تظن أن العرب الَّذين ِ‬ ‫إن قري ـ ـ ـ ـاً كانت ُّ‬ ‫َّ‬
‫ضـ ـون عليها‪ ،‬ويتهطَّفون أهلها جاياءش ما‬ ‫فَ‪،‬م ــينق ُّ‬ ‫ــتعتنق ديناً جديداً‪ ،‬و ــت ك دين اابئهم َّ‬
‫فَن هللا ال عل‬ ‫احلت‪ ،‬لكن هيهات! َّ‬ ‫الرزق إليهم يف موا ـ ـ ـ ـ ـ ــم ِ‬ ‫فعلوا‪ ،‬بل وميتنعون عن جل ِ‬
‫اط ِل يـ ْؤِمنو شن‬ ‫أمره‪ ،‬يقول تعاىل ﴿أشوش يـروا أ َّشان جع ْلشنا حرما ِآمناً ويـتشهطَّف النَّاس ِمن حويِِم أشفشبِالْب ِ‬
‫ْ شْ ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش ْ شش ْ ش ش ش ش ً‬
‫ِ‬ ‫اَّللِ يكْفرو شن ﴾ [العنكبوت‪ ،]67 :‬ويقول تعاىل ﴿ولششق ْد ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ شق ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت شكل شمتـنشا لعبشاد شان الْم ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـل ش‬‫ش ش ش ْ‬ ‫شوبِن ْع شمة َّ ش‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 96‬ـ ‪.106‬‬


‫‪220‬‬
‫[الصافات‪.]173 - 171 :‬‬ ‫*وإِ َّن جْن شد شان شيم الْ شالِبو شن ﴾‬ ‫ِ َّ‬
‫*إ‪ْ ،‬م شيم الْ شمْنصورو شن ش‬

‫‪221‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫سنَّة االبتالء‬
‫عام ٍة ‪ -‬ـ ـنَّة هللا يف خلقت‪ ،‬وهذا وا ـ ـ ـ يف تقريرات القرآن الكر ‪ .‬قال‬ ‫ـفة َّ‬ ‫احبتالء ‪ -‬بص ـ ـ ٍ‬
‫ات لِيشـْبـل شوك ْم ِيف شما‬
‫ض درج ٍ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم فشـ ْو شق بشـ ْع ٍ ش ش ش‬ ‫ف األ ْشر ِ‬
‫ض شوشرفش شع بشـ ْع ش‬
‫ِ‬
‫﴿وه شو الَّذأ شج شعلشك ْم شخالشئ ش‬
‫ِ‬
‫تعاىل ش‬
‫اب شوإِنَّت لش شفور شرِحيم ﴾ [األنعام‪ ،]165 :‬وقال ـ ـ ــبلانت ﴿إِ َّان شج شع ْلنشا شما‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ِريع الْعِ شق ِ‬ ‫ش ِ‬
‫آاتك ْم إ َّن شربَّ ش ش‬
‫جل ش ـ ـ ـ ـ ـ ــأنت ﴿إِ َّان شخلش ْقنشا‬ ‫ِ‬
‫شح شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن شع شمالً ﴾ [الكوف‪ ،]7 :‬وقال َّ‬ ‫ض ِزينشةً شيشا لنشـْبـل شوه ْم أشيـُّه ْم أ ْ‬
‫شعلش األ ْشر ِ‬
‫صريا ﴾ [اإلنسان‪. ]2 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ا ِلنْسا شن ِمن نطْ شف ٍة أشم ش ٍ ِ ِ‬
‫اً نشـْبـتشليت فش ش شع ْلنشاه شمس ًيعا بش ً‬ ‫ْ‬ ‫ش ْ‬
‫ألم ٍة إح بعد أن‬ ‫احبتالء مرتبا ابلتَّمك ارتباطاً وثيقاً فلقد جرت ـنَّة هللا تعاىل أح مي ِكن َّ‬
‫َتر مبراحل احختبار اَّهتلفة‪ ،‬وإح بعد أن ينص ــهر معد‪،‬ا يف بوتقة األحداث‪ ،‬فيمياي هللا اخلبيث‬ ‫ُّ‬
‫األمة ال ـ ـ ــالميَّة ح تتهلَّف‪ ،‬فقد ش ـ ـ ــاء هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬أن‬ ‫من الطَّيِ ‪ ،‬وهي ـ ـ ـ ـنَّة جارية عل َّ‬
‫ليملص إميــا‪،‬م‪ ،‬مثَّ يكون يم التَّمك يف األرض بعــد ذلــك‪ ،‬ولــذلــك‬ ‫يبلي اَّؤمن ‪ ،‬وخيتربهم ِ‬
‫افعي ر ــي هللا عنت ح ــألت رجل أيُّهما أفضــل للمرء‪،‬‬ ‫جاء هذا اَّعىن عل لســان المام ال َّ ـ ِ‬
‫فَن هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ابتل نوحاً‪،‬‬ ‫حض يبتل ‪َّ ،‬‬ ‫َّافعي ح ميش َّكن َّ‬ ‫أن مي َّكن‪ ،‬أو يبتل ؟ فقال المام ال ُّ‬ ‫َّ‬
‫وحممداً ‪ -‬هللا ــلوات هللا‪ ،‬و ــالمت عليهم أ ع ‪ -‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما هللا ــربوا‬
‫وإبراهيم‪ ،‬ومو ـ ‪ ،‬وعيس ـ ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫مكنهم فال يظ ُّن أحد أن خيلص من األ ألبتَّة(‪.)1‬‬
‫وابتالء اَّؤمن قبل التَّمك أمر حتمي من أجل التَّمليص ليقوم بنيا‪،‬م بعد ذلك عل‬
‫جمرد‬
‫الرحة‪ ،‬ح ابتالء ال ض ‪ ،‬وابتالء احختيار‪ ،‬ح َّ‬ ‫ُّ‬
‫َتك ٍن ور و ‪ ،‬وهذا احبتالء للمؤمن ابتالء َّ‬
‫احختبار(‪.)2‬‬
‫إن طريق احبتالء ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـَّة هللا يف الــدَّعوات‪ ،‬كمــا أنـَّت الطريق إىل اجلنـَّة‪ ،‬وقــد «ح َّفـت اجلنـَّة‬ ‫َّ‬
‫َّت النَّار ابل َّهوات» [مسلم (‪ )2822‬وأمحد (‪ )153/3‬والرتمذي (‪. ])2559‬‬ ‫ابلْم شكا ِرهِ‪ ،‬وحف ِ‬

‫(‪ )1‬الفوائد ‪ ،‬حبن القيِم ‪ ،‬ص ‪.283‬‬


‫حممد يو ف ‪ ،‬ص ‪.235‬‬
‫َّمد السيد َّ‬
‫(‪ )2‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪222‬‬
‫حكمة االبتالء‪ ،‬وفوائده‪ :‬لالبتالء ِّح َكم كثرية؛ من ِّ‬
‫أمهوا‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫‪ - 1‬تصفية النيفوس‪:‬‬
‫صـادق من اَّنافق الكاذب‬ ‫جعل هللا احبتالء و ــيلةً لتصــفية نفوس النَّاس‪ ،‬ومعرفة اَّؤمن ال َّ‬
‫شح ِس ـ ـ ـ ش النَّاس أش ْن‬ ‫ِ‬
‫الرخاء‪ ،‬لكن يتب َّ يف ال ـ ـ ـدَّة‪ .‬قال تعاىل ﴿أ ش‬‫ألن اَّرء قد ح يتب َّ يف َّ‬ ‫وذلك َّ‬
‫ي ْشكوا أش ْن يشـقولوا شآمنَّا شوه ْم حش يـ ْفتشـنو ش‬
‫ن ﴾ [العنكبوت‪. ]2 :‬‬

‫‪ - 2‬تربية اجلماعة املسلمة‪:‬‬


‫ويف هذا يقول ـ ـ ـ ـ ـ ــيِد قط ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬مثَّ إنَّت الطَّريق الَّذأ ح طريق ريه لن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء‬
‫اجلم ــاع ــة الَّيت حتم ــل ه ــذه ال ــدَّعوة‪ ،‬وتنهض بتك ــاليفه ــا طريق ال بي ــة ي ــذه اجلم ــاع ــة‪ ،‬وآخراً‬
‫القوة‪ ،‬واححتمــال‪ ،‬وهو طريق اَّاياولــة العمليَّـة للتَّكــاليف‪ ،‬واَّعرفـة الواقعيَّـة‬
‫مكنوانهتــا من اخلري‪ ،‬و َّ‬
‫حلقيقة النَّاس‪ ،‬وحقيقة احلياة ذلك ليثبت عل هذه الدَّعوة أهللا ــل أهللا ــلاهبا عوداً‪ ،‬فهؤحء هم‬
‫الَّذين يصللون حلملها ‪ -‬إذاً ‪َّ -‬‬
‫ابلصرب عليها‪ ،‬فهم عليها مؤَتنون»(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬الكشف عن خبااي النيفوس‪:‬‬
‫ويف هــذا اَّعىن يقول هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاحـ ِ‬
‫الظالل «وهللا يعلم حقيقــة القلوب قبــل احبتالء‪ ،‬ولكن‬
‫احبتالء يك ـ ــف يف عا الواقع ما هو مك ـ ــو لعلم هللا‪ ،‬م يَّ عن علم الب ـ ــر‪ ،‬فيلا ـ ـ ـ‬
‫جمرد ما يعلمت ـ ــبلانت من أمرهم‪ ،‬وهو فضـ ــل‬‫النَّاس ‪ -‬إذاً ‪ -‬عل ما يقع من عملهم‪ ،‬ح عل َّ‬
‫من هللا من جــان ـ ٍ ‪ ،‬وعــدل من جــان ـ ٍ ‪ ،‬وتربيــة للنـَّاس من جــان ـ ٍ ‪ ،‬فال رخــذون أحــداً إح مبــا‬
‫أبعلم من هللا حبقيقة قلبت»(‪.)2‬‬
‫ا تعلن من أمره‪ ،‬ومبا حقَّقت فعلت فليسوا ش‬
‫احلقيقي لتح يمل األمانة‪:‬‬‫ي‬ ‫‪ - 4‬اإلعداد‬
‫الظالل «وما ابهلل ‪ -‬حاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هللِ ‪ -‬أن ِ‬
‫يعذب اَّؤمن‬ ‫ويف هذا اَّعىن يقول هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ِ‬
‫حاجة إىل ٍ‬
‫إعداد‬ ‫ٍ‬ ‫لتلمل األمانة‪ ،‬فهي يف‬ ‫ابحبتالء‪ ،‬وأن يؤذيهم ابلفتنة‪ ،‬ولكنَّت العداد احلقيقي ُّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)180/2‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)387/6( ،‬‬
‫‪223‬‬
‫احلقيقي عل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـهوات‪ ،‬وإح‬
‫ِ‬ ‫يتم إح ابَّعاانة العمليَّة للم ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاق‪ ،‬وإح ابح ـ ـ ـ ــتعالء‬ ‫ٍ‬
‫خاص‪ ،‬ح ُّ‬
‫الر م من طول الفتنة‪،‬‬ ‫احلقيقي عل اححم‪ ،‬وإح ابلثِقة احلقيقيَّة يف نصر هللا وثوابت‪ ،‬عل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ابلصرب‬
‫َّ‬
‫وشدَّة احبتالء‪ .‬والنَّفس تصهرها ال َّدائد‪ ،‬فتنفي عنها اخلبث‪ ،‬وتست يش كامن قواها اَّذخورة‪،‬‬
‫فتس ـ ــتيقم وتت َّمع‪ ،‬وتطرقها بعنف وش ـ ــدَّةٍ‪ ،‬في ـ ـ ُّ‬
‫ـتد عودها‪ ،‬ويص ـ ــل ويص ـ ــقل‪ ،‬وكذلك تفعل‬
‫ال َّ ـدائد ابجلماعات‪ ،‬فال يبق هللاــامداً إح أهللاــلبها عوداً‪ ،‬وأقواها طبيعةً‪ ،‬وأشــدُّها اتِصــاحً ابهلل‪،‬‬
‫وثقةً فيما عنده من احل ْس ـ ـنشـيش ْ النَّصـ ــر أو ال َّ ـ ـهادة‪ ،‬وهؤحء هم الَّذأ يس ـ ـلَّمون َّ‬
‫الراية يف النهاية‬
‫مؤَتن عليها بعد اح تعداد واحختبار»(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬معرفة حقيقة النَّفس‪:‬‬
‫ويف هذا اَّعىن يقول هللاـ ــاح ِ‬
‫الظالل «وذلك لكي يعر أهللا ــلاب الدَّعوة حقيقتهم هم‬
‫أنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وهم ياياولون احليــاة‪ ،‬واجلهــاد ماياولـةً عمليَّـةً واقعيَّـةً‪ ،‬ويعرفوا حقيقــة النَّفس الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـريــة‬
‫وخباَيها‪ ،‬حقيقة اجلماعات‪ ،‬وااتمعات‪ ،‬وهم يرون كيف تصطري مبادئ دعوهتم مع ال َّهوات‬
‫يف أنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬ويف أنفس الناس‪ ،‬ويعرفون مداخل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان إىل هذه النفوس‪ ،‬ومايالق الطَّريق‬
‫ومسارب الضَّالل»(‪.)2‬‬
‫‪ - 6‬معرفة قدر الدعوة‪:‬‬
‫تعاي هذه الدَّعوة عليهم‪ ،‬وت لو بقدر‬ ‫الظالل «وذلك لكي َّ‬ ‫ويف هذا اَّعىن يقول هللاـ ـ ـ ـ ــاح ِ‬
‫ـلون يف ـ ـ ــبيلها من عايي ٍاي‪ ،‬و ٍال‪ ،‬فال‬ ‫جهد ٍ‬
‫وبالء‪ ،‬وبقدر ما يض ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ما يص ـ ـ ــيبهم يف ـ ـ ــبيلها من ٍ‬
‫ِ‬
‫يفرطون فيها بعد ذلك مهما كانت األحوال»(‪.)3‬‬
‫‪ِّ - 7‬‬
‫الدعاية هلا‪:‬‬
‫فصـ ـ ــرب اَّؤمن عل احبتالء دعوة هللاـ ـ ــامتة يذا ِ‬
‫الدين‪ ،‬وهي الَّيت ت ِ‬
‫دخل النَّاس يف دين هللا‪،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا‬
‫ولو وهنوا‪ ،‬أو ا ـ ــتكانوا َّا ا ـ ــت اب يم أحد‪ ،‬لقد كان الفرد الواحد رل إىل الن ِ‬
‫ش‬
‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)389/6‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)181/2( ،‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)180/2( ،‬‬
‫‪224‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم أن ميضــي إىل قومت‪ ،‬يدعوهم‪ ،‬ويصــرب عل‬
‫عليت و ــلم ‪ ،‬مثَّ رتيت أمر الن ِ‬
‫حض يعود بقومت إىل ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم (‪،)1‬‬
‫تكذيبهم‪ ،‬وأذاهم‪ ،‬ويتابع طريقت َّ‬
‫الصفلات القآدمة‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬
‫و نر ذلك يف َّ‬
‫‪ - 8‬جذب بعض العناصر القويَّة إليوا‪:‬‬
‫أمام هللاـ ـ ـ ـ ـ ــمود اَّسـ ـ ـ ـ ـ ــلم وتضـ ـ ـ ـ ـ ــلياهتم تتوق النُّفوس القويَّة إىل هذه العقيدة‪ ،‬ومن خالل‬
‫ص ـالبة الميانيَّة تكرب عند هذه ال َّ ـهص ــيات الدَّعوة‪ ،‬وحاملوها‪ ،‬فيس ــارعون إىل ال ــالم دون‬ ‫ال َّ‬
‫الدين من خالل هذا‬‫يعتاي هبا ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم دخلت إىل هذا ِ‬
‫ترد ٍد‪ ،‬وأعظم ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهص ـ ـ ـ ـ ـ ــيات الَّيت ُّ‬
‫ُّ‬
‫الطريق(‪.)2‬‬
‫السيِّئات‪:‬‬ ‫‪ - 9‬رفع املنزلة َّ‬
‫والدرجة عند هللا‪ ،‬وتكفري َّ‬
‫«ما يص ــي اَّؤمن من ش ــو ٍ‬
‫كة فما فوقها‪ ،‬إح رفعت‬ ‫قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫ش‬
‫هللا هبا درجةً‪ ،‬أو شح َّ‬
‫ا عنت هبا خطيئةً» [البخاري (‪ )6540‬ومس ــلم (‪ ،.])2572‬فقد يكون للعبد درجة عند‬
‫حض يرفشعــت إليهــا‪ ،‬كمــا َّ‬
‫أن احبتالء طريق لتكفري‬ ‫هللا تعــاىل ح يبل ه ـا بعملــت‪ ،‬فيبتليــت هللا تعــاىل َّ‬
‫يِئات اَّسلم(‪.)3‬‬
‫الربوبيــة‪ ،‬وقهرهــا‪ ،‬ومعرفــة ِ‬
‫ذل العبوديــة‪،‬‬ ‫أن لالبتالء فوائـ شـد عظيم ـةً منهــا معرفــة ِ‬
‫عاي ُّ‬ ‫كمــا َّ‬
‫وكس ــرها‪ ،‬والخالص‪ ،‬والانبة إىل هللا‪ ،‬والقبال عليت‪ ،‬والتَّض ـ ُّـري‪ ،‬والدُّعاء‪ ،‬واحللم ع َّمن هللا ــدرت‬
‫صـ ـ ـرب عليها‪ ،‬والفر هبا ألجل فوائدها‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـكر عليها‪،‬‬
‫عنت اَّص ـ ــيبة‪ ،‬والعفو عن هللا ـ ــاحبها‪ ،‬وال َّ‬
‫ورحة أهل البالء‪ ،‬ومســاعدهتم عل بلواهم‪ ،‬ومعرفة قدر نعمة العافية‪ ،‬وال ُّ ـكر عليها‪ ،‬وما أعدَّه‬
‫هللا تعاىل عل هذه الفوائد من ثواب ا خرة عل اختال مراتبها‪ ،‬و ري ذلك من الفوائد‪ ،‬ومن‬
‫أراد التو ُّ ع فلرياجع كتاب فقت احبتالء(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.193 ، 192‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.194 ، 193‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َّمد أبو هللاعيليك ‪ ،‬ص ‪ 8‬إىل ‪.11‬‬
‫انظر التمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 224‬وانظر فقت احبتالء ‪َّ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫َّمد أبو هللاعيليك ‪ ،‬ص ‪ 15‬إىل ‪.28‬‬
‫انظر فقت احبتالء ‪َّ ،‬‬
‫‪225‬‬
‫ـكال وأنو ٍاي‪ ،‬وأهللاـ ــنا ٍ ِ‬
‫متعددةٍ من‬ ‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وأهللاـ ــلابت ألشـ ـ ٍ‬
‫تعرض الن ُّ‬
‫وقد َّ‬
‫احبتالء‪ ،‬كملاولة قريش لبعاد أيب طال عن مناهللارة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وت ويت‬
‫الدَّعوة‪ ،‬وإيذائت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وإيذاء أهللا ـ ــلابت‪ ،‬وعرض اَّ رَيت‪ ،‬واَّس ـ ــاومات ل ك‬
‫ص ـ ـ ـفا ذهباً‪ ،‬واح ـ ـ ــتعانة ابليهود يف جمادلة ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫الدَّعوة‪ ،‬ومطالبتت قعل ال َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫الدعاية العالميَّة يف اَّوا ــم ـ َّـد الدَّعوة‪ ،‬وش ــهص َّ‬ ‫و ــلم ‪ ،‬و ِ‬

‫تعرض لت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وبنو هاشم‪ ،‬وبنو اَّطَّل‬ ‫احقتصادأ الَّذأ َّ‬
‫ِ‬ ‫واحلصار‬
‫ص ـ ـ ـفلات‬ ‫ـدأ‪ ،‬و ري ذلك من أنواي احبتالء‪ ،‬و ـ ـ ــنب يف ال َّ‬ ‫من قِبشل كفار َّ‬
‫مكة‪ ،‬واليذاء اجلسـ ـ ـ ِ‬
‫القآدمة ‪ -‬نذن هللا تعاىل ‪ -‬أ ــالي اَّ ــرك يف حماربة ال ــالم‪ ،‬وكيف تصـ َّـد يا ر ــول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم وأهللالابت‪ ،‬وكيف دفع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قش شد شر نَّة احبتالء‪،‬‬
‫حض‬
‫بسنَّة األ باب‪ ،‬وكيف تعامل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم مع نَّة األخذ ابأل باب‪َّ ،‬‬
‫أقام دولة ال الم يف اَّدينة‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫املبحث الثَّالث‬

‫أساليب املشركني يف حماربة َّ‬


‫الدعوة‬

‫اجلاهلي‪ ،‬وعابت ايتهم‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــفَّهت‬


‫َّ‬ ‫أ ع اَّ ـ ـ ـ ـ ــركون عل حماربة الدَّعوة الَّيت َّ‬
‫عرت واقعهم‬
‫أحالمهم ‪ -‬أأ اراءهم‪ ،‬وأفكارهم ‪ -‬وتصـ ـ ُّـوراهتم عن هللا‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والنسـ ــان‪ ،‬والكون َّ‬
‫فاهذوا‬
‫العديد من الو ـ ــائل واَّاوحت ليقا الدَّعوة‪ ،‬وإ ـ ــكات هللا ـ ــوهتا‪ ،‬أو حت يمها‪ ،‬وحتديد جمال‬
‫انت ارها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬حماولة قريش إلبعاد أب ٍ‬
‫طالب عن مناصـ ـ ــرة‪ ،‬ومحاية رسـ ـ ــول هللا صـ ـ ــلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬

‫إن ابن أخيك هذا قد اذاان يف اندينا‪ ،‬ومس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دان‬ ‫جاءت قريش إىل أيب طال ‪ ،‬فقالوا َّ‬
‫عمك هؤحء زعموا أنك‬ ‫إن ب ِ‬ ‫فا‪،‬ت عنَّا‪ ،‬فقال أبو طال لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫تؤذيهم يف انديهم‪ ،‬ومسـ دهم‪ ،‬فانْـتش ِت عن أذاهم‪ ،‬فللَّق ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ببصــره‬
‫إىل ال َّسـماء‪ ،‬فقال «ترون هذه ال َّ ـمس؟» قالوا نعم! قال «فما أان أبقدر أن أدي ذلك منكم‬
‫اية «وهللا! ما أان أبقدر أن أدي ما بعثت بت من أن ي ـ شعل‬ ‫ـعلة» ويف رو ٍ‬
‫عل أن ت ــعلوا منها ب ـ ٍ‬
‫ش‬
‫قا‪ ،‬فارجعوا‬‫أحد من هذه ال َّ ـمس شـعلةً من ان ٍر» فقال أبو طال «وهللا ما كذب ابن أخي ُّ‬
‫مر ٍ‬
‫ات عديد ًة‬ ‫راشـ ـ ـ ـ ـ ــدين» [البخاري يف التاريخ الكبري (‪ )51/1/4‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪ )1(])187/2‬وحاولت قريش َّ‬
‫الض ا عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بوا طة عائلتت‪ ،‬ولكنَّها ف لت‪.‬‬
‫َّ‬
‫ذاي أمر حاية أيب طال حبن أخيت‪ ،‬وتصميمت عل مناهللارتت‪ ،‬وعدم خذحنت‪َّ ،‬‬
‫فاشتد ذلك‬
‫عل قريش َّماً‪ ،‬وحس ـ ـ ـ ـ ــداً‪ ،‬ومكراً‪ ،‬فم ـ ـ ـ ـ ـ ـوا إليت بع شمارةش بن الوليد بن اَّ رية‪ ،‬فقالوا لت «َي أاب‬
‫يش‪ ،‬وأ لها‪ ،‬فهذه‪ ،‬فلك شع ْقلت(‪ )2‬ونصــره‪ ،‬و َّاهذه‬ ‫فض يف قر ٍ‬ ‫طال ! هذا ع شمارة بن الوليد‪ ،‬أ‪،‬د ً‬
‫(‪ )1‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لبراهيم العلي ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫(‪ )2‬فلك شع ْقلت أأ ديتت إذا قتل‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫وفرق اعة‬ ‫ولداً‪ ،‬فهو لك‪ ،‬وأ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِ ْم إلينا ابن أخيك هذا الذأ خالف دينك‪ ،‬ودين اابئك‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫برجل» قال «وهللا لبئس ما تس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـومون !‬ ‫فَجا هو رجل ٍ‬ ‫قومك‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــفَّت أحالمنا‪ ،‬فنقتلت‪َّ ،‬‬
‫أتعطون ابنكم أ ذوه لكم‪ ،‬وأعطيكم اب فتقتلونت؟! هذا وهللا ما ح يكون أبداً!»‪[ .‬الس ـ ـ ـ ــرية النبوية‬
‫البن هشام (‪ )285/1‬وابن كثري يف البداية والنواية (‪. ])48/3‬‬

‫وإن اَّرء ليســمع ع باً‪ ،‬ويقف مذهوحً أمام مروءة أيب طال ٍ مع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬ ‫َّ‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬بل وا ــتفاد‬
‫و ــلم ‪ ،‬فقد ربا أبو طال مصــريه مبصــري ابن أخيت َّ‬
‫احد‪ ،‬عل احلياة‬‫حلف و ٍ‬ ‫من كونت زعيم ب هاش ـ ـ ـ ــم أن ـ ـ ـ ـ َّـم ب هاش ـ ـ ـ ــم‪ ،‬وب اَّطل إليت يف ٍ‬
‫السواء(‪ ،)2‬وأجار ابن‬ ‫واَّوت أتييداً لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مسلمهم‪ ،‬وم ركهم عل َّ‬
‫حممداً إجارًة مفتوحةً ح تقبل ال ُّدد‪ ،‬أو الح ام‪ ،‬كانت هذه األعرا اجلاهليَّة‪ ،‬والتَّقاليد‬ ‫أخيت َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم خلدمة ال الم‪ ،‬وقد قام أبو طال ح رأ‬ ‫العربيَّة ت شس َّهر من قبل الن ِ‬
‫قري ـاً تصــنع ما تصــنع يف ب هاشــم‪ ،‬وب اَّطل ‪ ،‬فدعاهم إىل ما هو عليت من منع ر ــول هللا‬
‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم والقيام دونت فاجتمعوا إليت‪ ،‬وقاموا معت‪ ،‬وأجابوه إىل ما دعاهم إليت‪ ،‬إح‬
‫ما كان من أيب ي ٍ ِ‬
‫عدو هللا اللَّع ‪.‬‬
‫وح شدهبم عليت‪ ،‬جعل ميدحهم‪،‬‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ أبو طال ٍ من قومت ما ـ ـ َّـره من جهدهم معت‪ ،‬ش‬
‫ويذكر قدميهم‪ ،‬ويذكر فضـ ــل ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم فيهم‪ ،‬ومكانت منهم لي ـ ـ َّـد يم‬
‫رأيهم‪ ،‬وليش ْل شدبوا معت عل أمره‪ ،‬فقال‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ِميمها‬ ‫فشـ شعْبد شمنشا ـ ـ ـ ـ ـُّرها و ش‬
‫ٍ ِ‬ ‫عت يوماً قـشريْش لِ شم ْف شه ٍر‬ ‫اجتش شم ْ‬ ‫إذا ْ‬
‫فشِفي شها ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍم أش ْش ـ ـ ـ ـ ـ ـشرافها وقش ِدْمي شها‬ ‫لت أ ْشرا شعْب ِد شمنشافِها‬ ‫ص ْ‬ ‫وإ ْن ح ِ‬
‫ه شو اَّصـ ـطششف ِم ْن ِ ـ ـ ِرشها وشك ِرِمي شها‬ ‫ت يومـ ـ ـاً ف ـ ـ َّ‬
‫ـَن حمش َّمـ ـ ـداً‬ ‫وإ ْن فش شهشر ْ‬
‫ت‬ ‫علين ـ ــا فشـلش ْم تشظْ شف ْر وطشـ ـ ـا ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ت قريش شثُّـ شهـ ـ ـا شوشِْيـنه ـ ــا‬ ‫تشـ ـ ـدا شعـ ـ ـ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخل ـ ـ ـدـ ـْـ ـودـا‬
‫هللاــ ــ ـْعهـشرـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫إذاـ ـ ـ ـ ـلماـ ـ ـ ـثـشــــــــــــــــــ ـ ــنشــ ـ ـ ـوـ ـمــــــ ـ ـْ ــواـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫وكـنَّ ـ ـ ـا قشـ ـ ـ ـدمي ـ ـ ـاً ح نـقـُّر ظـالششمـ ـ ـ ـةً ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ِ‬
‫وقال‬
‫ـد لت حاية‪ ،‬فش ش ـ ـ ـ َّ ت بقو ( ـ ـ‪3‬ـت‪) ،‬‬
‫ص ــ ــ ـ ِقَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وح حاول أبو جهل أن شخيْفر جو شار أيب طال ٍ ‪ ،‬ن ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫حممداً وأان عل دينت! فشـرَّد ذلك إن ا تطعت‪.‬‬ ‫لت ت تم َّ‬
‫فذة أن تقوم اجلاهليَّة حبماية شم ْن يس ـ ـ ُّ ايتها‪ ،‬ويعي دينها‪ ،‬ويسـ ـ ِـفت أحالمها‪،‬‬ ‫َّإ‪،‬ا ظاهرة َّ‬

‫بادلون ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تسومون ت ِ‬


‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)269/1‬‬
‫‪228‬‬
‫حممد هللاــل هللا‬ ‫س َّ‬ ‫ِ‬
‫واب ــم هذه القيم يقدمون اَّهت واألروا ‪ ،‬وخيو ــون اَّعارك واحلروب‪ ،‬وح ميش ُّ‬
‫بسوء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليت و لم‬
‫تعوذ فيها حبرمة‬ ‫ولـ ـ ـ ـ َّـما خ ي أبو طال شدلاءش العرب أن يركبوه مع قومت‪ ،‬قال قصيدتت اليت َّ‬
‫وتودد فيها أش ـ ـ ـ ـرا قومت‪ ،‬وهو عل ذلك خيربهم يف ذلك من شـ ـ ـ ــعره‪ ،‬أنَّت‬ ‫مكة‪ ،‬ومبكانت منها‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫حض يهلك دونت فقال‬ ‫يء أبداً َّ‬ ‫ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وح اتركت ل ٍ‬ ‫ري م ْسلٍِم ر ش‬
‫الو ش ـائِ ِل‬ ‫وقش ْد قشطشعوا ك َّل العشر و ش‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّمـا رأيْـت ال شق ْوشم ح وَّد فِْي ِهم‬
‫وقشـ ْد ط ـ شاوعوا أ ْشمشر ال شع ـد ِو اَّشايايـ ِـل‬ ‫داوةِ واألشذش‬ ‫وان ابل شع ـ ش‬ ‫ـارح ش‬ ‫وقش ـ ْد هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ابألان ِم ِل‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـون شيظاً شخ ْل شفنا ش‬ ‫يشع ُّ‬ ‫وق ـ ــد ح ـ ــالفوا قوم ـ ـ ـاً علشيـنشـ ـ ـا أ ِ‬
‫شظنَّـ ـ ـةً‬ ‫شْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (‪ِ)2‬من تـراثِ‬ ‫يم نـش ْف ِسـ ـي حبش ْمشراءش مسشْلة‬
‫ٍ‬
‫وأشبْـيش ش‬
‫(‪)1‬‬
‫ْ ش‬ ‫ض شع ْ‬ ‫هللا ـ شْربت ْ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـمـــــــ ـ ـْـنـ ـ ـ ـ ـأـشـثْــ ــ ــ ــ ـ ـشـوااب ـِـوـِلت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرت عْن ـ ـ ـ شد الْبشـْي ـ ـ ـت شرْهطي اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوأـ ـ ـْشمـ ـ ـ ـشـســـــــــــــــــــــ ـ ـ ـْكـ ـ ـشقــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫أح ش‬ ‫وْ‬
‫ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل‬ ‫وإِ ْخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شوِل ابلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـو ش‬
‫)‬ ‫(‪3‬‬

‫حممداً ولو ــالت‬ ‫اَّقد ــات الَّيت فيت‪ ،‬وأقس ــم ابلبيت أبنَّت لن ي ْس ـلِ شم َّ‬ ‫وبكل َّ‬ ‫وتعوذ ابلبيت‪ِ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الدماء أ‪،‬اراً‪ ،‬واشتدَّت اَّعارك مع بطون قر ٍ‬
‫يش‬ ‫ِ‬

‫اع ْن د ْونشت ونـنشا ِ ـ ـ ـل‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نطش ِ‬ ‫ت هللا نـْبـشاي حم َّمـ ـداً‬ ‫شكـ ـ شذبـتم وبـيـ ـ ِ‬
‫ْ ْ شْ‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬
‫احلشالئ ـل‬ ‫ِ‬
‫ون ـ ْذ شه ـ شل شع ْن أشبْـنشـائنشـا و ْ‬ ‫(‪)4‬‬
‫ي شح ْولشت‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـَّر ش‬ ‫حض ن ش‬ ‫ون ْس ـ ـ ـ ـ ـلِمت َّ‬
‫ات‬‫‪،‬ـ ـ ـوض ال ـ ـ َّـرواَي(‪ )6‬شْحتـ ـ ـ ـت شذ ِ‬
‫ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫ويشـْنهض قشـ ْوم يف احلشـ ـ ِديْ ـ ـ ِد إِلشْيكم‬
‫وقشـَّري زعماء ب عبد منا ٍ‬
‫يقولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِل‬ ‫بيعةـال ِهللا ـ ـ‬ ‫بنـ ـ ـ ـ ـ ـر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫فلعتبةـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ص ـــــــــ‬ ‫َّ‬ ‫ه‪،‬‬
‫ال‬ ‫إَي‬
‫َّ‬ ‫‪،‬م‬ ‫خلذح‬ ‫أبمسائهم‬ ‫ش‬
‫ض ِذ ْأ‬ ‫وب مْب ِ ٍ‬ ‫حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوٍد شك ـ ـ ـذ ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫فشـعْتـبشة حش تش ْس ـ ـ شم ْع بِنشا قشـ ْوشل شكا ِش ـ ـ ٍ‬
‫)‬ ‫(‪7‬‬
‫شد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ِوِل‬ ‫حرب يقول‬ ‫وأليب فيان بن ٍ‬

‫مر قشـْيـ ـ ـ ـل(‪ِ )8‬م ْن ِعظش ـ ـ ـ ِام‬ ‫شك شمـ ـ ـ ـا َّ‬ ‫ومَّر أشبو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْفيشا شن شع ِ ش م ْع ِر ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‬ ‫ش‬
‫اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِوِل‬
‫ش‬
‫الرم ‪.‬‬
‫حراء كناية عن ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬أبيض عض كناية عن السيف‪.‬‬


‫(‪ )3‬السرية النبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)273/1‬‬
‫(‪ )4‬ونسلمت حض نصري حولت أأ كذبتم أن نسلمت قبل أن نصري حولت‪.‬‬
‫(‪ )5‬احلالئل الايوجات‪.‬‬
‫(‪ )6‬الرواَي البل اليت حتمل اَّاء واأل قية‪.‬‬
‫(‪ )7‬الد اول الدواهي‪.‬‬
‫الرئيس الكبري يف اليمن‪.‬‬
‫ْقيل َّ‬
‫(‪)8‬‬

‫‪229‬‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫ويشـ ْايعم ِأين لش ْست شعْنك ْم بِ شافل‬ ‫يشـ ـ ِفـ ـُّر إىل شُْـ ـ ـ ـ ٍد شوبشـ ـ ْرِد ِمـ ـيشـ ـ ـ ـا ِهـ ـ ـ ـ ِت‬

‫عدأ يِد ب نوفل يقول‬


‫وللمطْعم بن ِ‬
‫شوحش مـ ْعـ ِظـ ٍم ِعـْنـ ـ ـ ـ شد األمـ ْوِر اجلشـ ِالئ ـ ـ ـ ِـل‬ ‫أمطعِم ش أخ ـذلْـ ـك يف يـوِم شُْـ ـ شدةٍ‬
‫ْ ش شْ‬
‫ِ ِ ( ‪)2‬‬
‫وإين شم شض أوشك ـ شل فشـلش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ب شوائ ــل‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫أمطْعِم َّ‬
‫إن الْ شق ْوشم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام ْو شك خ طةً‬
‫ِ ( ‪)3‬‬
‫اجالً ش ْ شري اج ــل‬ ‫عقوبـ ـةش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـر عـ ـ ِ‬ ‫س ونشـ ْوفشالً‬ ‫شجشاي هللا شعنَّ ـا شعْب ـ شد شطْ ٍ‬
‫ش‬
‫للدفاي عنت‪ ،‬نصراً عظيماً‪،‬‬ ‫هللافت ِ‬ ‫لعمت‪ ،‬وجذبت إىل ِ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ِ‬ ‫لقد كان كس الن ِ‬
‫القبلي‪ ،‬فتمتَّع حبماية الع رية‪ ،‬ومنِع من ِ‬
‫أأ اعتداء‬ ‫ِ‬ ‫وقد ا تفاد هللال هللا عليت و لم من الع ْر‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم للواقع‬ ‫يدل عل فهم الن ِ‬ ‫َّلرك والتَّفكري‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫حريَّة الت ُّ‬ ‫يقع عليت‪ ،‬وأعطي ِ‬
‫الَّذأ َّ‬
‫يتلرك فيت‪ ،‬ويف ذلك درس ابل للدُّعاة إىل هللا تعاىل للتَّعامل مع بيئتهم‪ ،‬وجمتمعاهتم‪،‬‬
‫واح تفادة من القوان ‪ ،‬واألعرا ‪ ،‬والتقاليد خلدمة دين هللا‪.‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫اثنياً‪ :‬حماولة تشويه دعوة َّ‬

‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ولذلك نظَّمت قريش حرابً‬ ‫قام م ــركو َّ‬
‫مكة بت ــويت دعوة َّ‬
‫إعالميَّةً ـ ــدَّه لت ـ ــويهت‪ ،‬قادها الوليد بن اَّ رية حيث اجتمع مع نفر من قومت‪ ،‬وكان ذا ـ ـ ٍـن‬
‫احلت‪ ،‬فقال يم َي مع ـ ـ ــر قريش! إنت قد حض ـ ــر اَّو ـ ــم‪ ،‬وإن وفود‬ ‫فيهم‪ ،‬وقد حض ـ ــر مو ـ ــم ِ‬
‫العرب ـ ـ ـ ـ ـ ــتقدم عليكم‪ ،‬وقد مسعوا أبمر هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــاحبكم هذا‪ ،‬فأ عوا فيت رأَيً واحداً‪ ،‬وح هتلفوا‪،‬‬
‫ويرد قولكم بعضت بعضاً‪.‬‬ ‫كذب بعضكم بعضاً‪ُّ ،‬‬ ‫في ِ‬

‫فقل‪ ،‬وأقِ ْم لنا رأَيً نقول بت‪.‬‬


‫ـ فقالوا فأنت أاب عبد طس! ْ‬
‫ـ قال بل أنتم فقولوا أمسع‪.‬‬
‫ـ فقالوا نقول كاهن‪.‬‬
‫ـ فقال ما هو بكاهن‪ ،‬لقد رأيت الك َّها شن‪ ،‬فما هو بايمايمة(‪ )4‬الكاهن‪ ،‬وح ش ْ عت‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫(‪ )2‬بوائل بناً‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫الايمايمة كالم خفي ح يسمع‪.‬‬ ‫(‪َّ )4‬‬
‫‪230‬‬
‫ـ فقالوا نقول جمنون‪.‬‬
‫نون‪ ،‬لقد رأينا اجلنو شن‪ ،‬وعرفناه‪ ،‬فما هو شْن ِقت‪ ،‬وح شهاجلِت‪ ،‬وح شو ْ شو ش تِت‪.‬‬
‫ـ فقال ما هو مب ٍ‬

‫ـ فقالوا نقول شاعر‪.‬‬


‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فقال ما هو ب ــاع ٍر‪ ،‬قد عرفنا ال ِ ـعر برجايه‪ ،‬وقريضــت‪ ،‬ومقبو ــت‪ ،‬ومبســوطت‪ ،‬فما هو‬
‫ابل ِ عر‪.‬‬
‫ـ قالوا فنقول احر‪.‬‬
‫الس َّلار‪ ،‬فما هو بِنشـ ْفثِ ِه ْم‪ ،‬وح شع ْق ِد ِه ْم‪.‬‬
‫ـ قال ما هو احر‪ ،‬لقد رأينا ُّ‬
‫ـ قالوا فما نقول َي أاب عبد طس؟!‬
‫ـ ـ ـ قال وهللا! َّ‬
‫إن لقولت حلالوًة‪ ،‬وإن أهللالت شلعذق(‪ ،)1‬وإن فرعت شجلشنشاة(‪ ،)2‬وما أنتم بقائل من‬
‫هذا شـ ـ ــيئاً إح ع ِر أنَّت ابطل‪ ،‬وإن أقرب القول ألن تقولوا ـ ـ ــاحر‪ ،‬فقولوا ـ ـ ــاحر ِ‬
‫يفرق ب‬
‫اَّرء وب أبيت‪ ،‬وب اَّرء وأخيت‪ ،‬وب اَّرء وزوجت‪ ،‬وب اَّرء وع ريتت(‪.)3‬‬
‫يدا *وجع ْلت شلت ماحً شْاد (‪ِ )4‬‬ ‫ِ‬
‫ودا * شوبشن ش‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫وأنايل هللا تعاىل يف الوليد ﴿ذش ْرِين شوشم ْن شخلش ْقت شوح ً ش ش ش‬
‫ِ‬
‫ودا *‬ ‫هللاـ ـ ـع ً‬
‫يدا * ش ـ ـ ـأ ْرهقت ش‬ ‫يد * شكالَّ إِنَّت شكا شن َيتنشا شعنِ ً‬ ‫ت لشت َتشْ ِه ً‬
‫يدا *مثَّ يشطْ شمع أش ْن أش ِز ش‬ ‫*وشم َّه ْد ُّ‬ ‫ودا ش‬
‫ش ـ ـ ـه ً‬
‫س‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫ـ ـ ـ ـأرِهقت هللاـ ـ ـ ـعودا(‪* )5‬إِنَّت فش َّكر وقشد ِ‬
‫َّر *مثَّ نشظششر *مثَّ شعبش ش‬ ‫ف قشد ش‬ ‫َّر *مثَّ قت شل شكْي ش‬
‫ف قشد ش‬‫َّر *فشـقت شل شكْي ش‬‫ش ش‬ ‫ش ً‬ ‫ش ْ‬
‫هللاـلِ ِيت‬ ‫(‬ ‫ِ‬
‫ْرب *فشـ شق شال إِ ْن شه شذا إِحَّ ـ ْلر يـ ْؤثـشر *إِ ْن شه شذا إِحَّ قشـ ْول الْبش ش ـ ِر * ش ـأ ْ‬
‫)‬‫‪8‬‬ ‫)‬‫‪7‬‬ ‫(‬
‫شوبش شسـشر *مثَّ أ ْشدبشـشر شوا ْ ـتشك شش‬
‫شقر ﴾ [املدثر‪. ]26 - 11 :‬‬
‫شش‬
‫تكن‬ ‫للر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫ـادة َّ‬ ‫صـة َّ‬
‫أن احلرب النَّفسـيَّة اَّضـ َّ‬ ‫ويتَّضـ من هذه الق َّ‬

‫(‪ )1‬العذق النَّهلة‪.‬‬


‫(‪ )2‬اجلناة ما جيىن من الثَّمر‪.‬‬
‫السري واَّ ازأ ‪ ،‬حبن إ لاق ‪ ،‬ص ‪ ، 151 ، 150‬وهتذي ِ‬
‫السرية (‪ ، )65 ، 64/1‬والبيهقي يف دحئل النبوة (‪ ، )200/2‬وابن ه ام يف السرية‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫النبوية (‪ 288/1‬ـ ‪.)289‬‬
‫(‪ )4‬وا عاً‪.‬‬
‫(‪ )5‬أأ أهللاليت عذاابً شديداً‪.‬‬
‫ترو ماذا يقول يف القران‪.‬‬ ‫(‪ )6‬أأ َّ‬
‫(‪ )7‬أأ قبض ب عينيت ‪ ،‬وكلَّ ‪ ،‬وقطَّ ‪.‬‬
‫حممد عن ريه اَّن قبلت ‪ ،‬و كيت عنهم‪.‬‬ ‫(‪ )8‬أأ هذا لر ينقلت َّ‬
‫‪231‬‬
‫تعد نحكام ودقَّ ٍة ب زعماء الكفَّار‪ ،‬وحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قواعد معيَّ ٍنة‪ ،‬هي‬ ‫وإجا كانت ُّ‬ ‫توجت اعتباطاً‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أ ـ ـ ـ ـ ــاس القواعد اَّعمول هبا يف هطيا احلرب النَّفس ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة يف العص ـ ـ ـ ـ ــر احلديث كاختيار الوقت‬
‫دمع النَّاس يف مو ـ ــم احلت‪ ،‬واحتِفاق وعدم التَّناقض‪ ،‬و ري ذلك‬ ‫اَّنا ـ ـ ‪ ،‬فهم خيتارون وقت ُّ‬
‫حض تكون حلتهم منظَّمةً‪ ،‬وابلتَّاس يا أتثري عل وفود احل يت‪ ،‬فتؤل شارها‬ ‫من هذه األ ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـس َّ‬
‫حض تص ــل يع‬ ‫للايمان اَّنا ـ ـ ‪ ،‬فقد اختاروا أيضـ ـاً مكاانً منا ــباً َّ‬ ‫اَّرجوة منها‪ ،‬ومع اختيارهم َّ‬ ‫َّ‬
‫الوفود القآدمة إىل َّ‬
‫مكة(‪.)1‬‬
‫وقوتت يف التَّأثري ابلقرآن عل‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫ويتَّض ـ ـ ـ ـ من هذا اخلرب‪ ،‬عظمة الن ِ‬
‫ـ ـ ـ ــامعيت‪ ،‬فالوليد بن اَّ رية كبري قريش ومن أكرب ـ ـ ـ ــاداهتم‪ ،‬ومع ما ص ـ ـ ـ ــل عادة للكرباء من‬
‫ورق لت‪ ،‬واع بعظمتت‪ ،‬ووهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفت بذلك الوهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف‬ ‫التكرب‪ ،‬والتَّعاظم‪ ،‬فَنَّت قد أتثَّر ابلقرآن‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫البلي (‪ ،)2‬وهو يف حالة ا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ابة لنداء العقل‪ ،‬و تسـ ـ ـ ـ ـ ــتطع تلك احلرب العالميَّة اَّنظَّمة أن‬
‫حممد هللال هللا عليت و لم أن خي ق‬ ‫حتاهللار دعوة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بل ا تطاي َّ‬
‫مكة من ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪،‬‬ ‫حص ـ ـ ــار األعداء‪ ،‬الَّذين يكتفوا بتنفري ـ ـ ــاك َّ‬
‫وت ــويت مسعتت عندهم بل هللاــاروا يتلقَّون الوافدين إليهم ليسـ ِـمموا أفكارهم‪ ،‬وليلولوا بينهم وب‬
‫عظيم النَّ ا يف دعوتت‪،‬‬ ‫ش‬ ‫مساي كالمت‪ ،‬والتأثُّر بدعوتت‪ ،‬فقد كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫بلي اً يف التأثري فيمن خاطبت‪ ،‬حيث يؤثِر عل من جالسـ ـ ـ ـ ــت هبيئتت‪ ،‬ومسشْتِت‪ ،‬ووقاره قبل أن يتكلَّم‪،‬‬
‫مثَّ إذا حتدَّث أ ش ـ ـ ـر ـ ـ ــامعيت مبنطقت البلي ‪ ،‬اَّتمثِل يف العقل ال َّس ـ ـ ـليم‪ ،‬والعاطفة اجليَّاشـ ـ ــة ابحل ِ‬
‫ش‬
‫األمة بوحي هللا تعاىل[(‪ .])554‬ومن أبرز األمثلة عل َّقوتت يف‬ ‫الصفاء‪ ،‬والنِـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة اخلالصة يف هداية َّ‬
‫و َّ‬
‫ـدأ‪ ،‬الَّـذأ حــاول‬ ‫التــأثري ابلكلمــة ِ‬
‫اَّعربة‪ ،‬واألخالق الكرميــة‪ ،‬وقــدرتــت عل اخ اق اجلــدار احلــديـ ِ‬
‫األزدأ‪ ،‬وعمرو بن الطُّفيل الدَّو ِي‪ ،‬وأيب‬
‫ِ‬ ‫مكة ربت عليت‪ ،‬ما كان من موقفت مع ماد‬ ‫زعماء َّ‬
‫التفصيل‬ ‫اك‬
‫وه ش‬
‫ذر‪ ،‬وعمرو بن عبسة ر ي هللا عنهم‪ ،‬ش‬ ‫ٍ‬
‫ش‬
‫ِ‬
‫األزدأ ر ي هللا عنت‬ ‫‪ - 1‬إ الم ِ ماد‬
‫األزدأ إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬وأتثَّر بدعاو اَّ رك عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وفش شد ِ ماد‬
‫مكة ‪ -‬وكان ــماد من‬ ‫ـتقر يف نفســت أنَّت مصــاب ابجلنون ‪ -‬كما يتَّهمت بذلك زعماء َّ‬
‫حض ا ـ َّ‬‫َّ‬

‫النفسية َّد ال الم ‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب كليل ‪ ،‬ص ‪.103‬‬


‫انظر احلرب َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)123/1‬‬ ‫انظر التَّاري ال ُّ‬


‫(‪)2‬‬

‫‪232‬‬
‫حممداً هللاــل هللا عليت‬
‫إن َّ‬ ‫أزد شــنوءة‪ ،‬وكان يعالِت من اجلنون‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسع ــفهاء َّ‬
‫مكة يقولون َّ‬
‫يدأ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫لعل هللا ي فيت عل‬
‫الرجل َّ‬ ‫و لم جمنون‪ ،‬فقال لو أين رأيت هذا َّ‬
‫يدأ من ش ــاء‬
‫َّ‬ ‫وإن هللا ي ــفي عل‬ ‫قال فلقيت‪ ،‬فقال َي حممد! ِإين أرقي من هذه ِ‬
‫الري ‪َّ ،‬‬
‫فهل لك؟ فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده‪ ،‬ونســتعينت‪ ،‬من يهده‬
‫هللا فال مض ـ َّـل لت‪ ،‬ومن يض ــلل فال هادأ لت‪ ،‬وأش ــهد أن ح إلت إح هللا وحده ح شـ ـريك لت‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬
‫حممداً عبده‪ ،‬ور ولت‪ ،‬أما بعد»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فأعادهن عليت ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ثالث‬ ‫َّ‬ ‫علي كلماتِك هؤحء !‬ ‫ِ‬
‫فقال أع ْد َّ‬
‫ات‪ .‬قال فقال لقد مسعت قول الكهنة‪ ،‬وقول ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـلرة‪ ،‬وقول ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـعراء‪ ،‬فما مسعت مثل‬ ‫مر ٍ‬
‫َّ‬
‫وس الْبش ْل ِر(‪ ،)1‬فقال لر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم هات‬ ‫كلماتك هؤحء‪ ،‬ولقد بشـلش ْ شن شانع ش‬
‫أابيعك عل ال ـ ـ ــالم‪ ،‬قال فبايعت‪ ،‬فقال ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم «وعل‬ ‫يدك ْ‬
‫قومك» قال وعل قومي‪.‬‬
‫مروا عل قوم‬ ‫ـول هللا تبعث ُّ‬ ‫وعندما قامت دولة ال ـ ـ ـ ـ ــالم يف اَّدينة‪ ،‬وكانت ـ ـ ـ ـ ـراَي ر ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـ ـ ــماد‪ ،‬فقال هللاـ ـ ــاح ال َّس ـ ـ ـريَّة لل يش هل أهللاـ ـ ــبتم من هؤحء شـ ـ ــيئاً؟ فقال رجل من القوم‬
‫ماد‪[ .‬مسلم (‪ )868‬وأمحد (‪ )302/1‬والنسائي (‪- 89/6‬‬ ‫ٍ‬ ‫فَن هؤحء قوم‬‫ردوها َّ‬ ‫أهللابت منهم ِمطْ شهشرةً‪ ،‬فقال ُّ‬
‫‪ )90‬وابن ماجه (‪. ])1893‬‬

‫دروس وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬و ِاهتامت ابجلنون حل‬ ‫‪ - 1‬دعاية قريش‪ ،‬وت ــويت شــهص َّ‬
‫للر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم من أجل رقيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬فكانت احلرب العالميَّة‬
‫ــماداً عل ال َّس ـري َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم بباً يف إ المت‪ ،‬وإ الم قومت‪.‬‬ ‫اَّكيَّة َّد َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقد عرض ماد‬ ‫الصرب واحللم يف شهص الن ِ‬ ‫‪ - 2‬تتَّض هللافتا َّ‬
‫عل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬معاجلتت من مرض اجلنون‪ ،‬وهذا موقف يثري ال ض ـ ـ ‪،‬‬
‫ـماد‬ ‫ٍ‬
‫وهدوء‪ ،‬اَّا آاثر إع اب ـ ـ ٍ‬ ‫لكن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ا ـ ــتقبل األمر حبل ٍم‪،‬‬
‫و َّ‬
‫واح امت لر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال الم ُّي ‪ ،‬لللميدأ (‪ 127/1‬ـ ‪.)137‬‬


‫‪233‬‬
‫ألية هذه ِ‬
‫اَّقدمة الَّيت يستفت هبا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بعض خطبت‪ ،‬فقد‬ ‫‪ِ -3‬‬
‫اشتملت عل تعظيم هللا وَت يده‪ ،‬وهللار العبادة لت بلانت ولذلك كان ر ول هللا هللال هللا‬
‫عليت و لم كثرياً ما جيعلها ب يدأ خطبت‪ ،‬ومواعظت‪.‬‬
‫الر ــول‬
‫ألن حديث َّ‬ ‫وقوة بيانت َّ‬ ‫‪ - 4‬أتثَّر ــماد بفصــاحة َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم انبعث من قل ملئ إمياانً‪ ،‬ويقيناً‪ ،‬وحكمةً‪ ،‬فأهللا ـ ــب حديثت يص ـ ــل إىل‬
‫القلوب‪ ،‬وجيذهبا إىل الميان‪.‬‬
‫دردت‬‫أن النفوس إذا َّ‬ ‫أن ال ــالم دين الفطرة‪ ،‬و َّ‬ ‫‪ - 5‬يف ــرعة إ ــالم ــماد دليل عل َّ‬
‫فَ‪،‬ا الباً تتأثَّر وتس ـ ـ ـ ـ ـ ــت ي ‪َّ ،‬إما بس ـ ـ ـ ـ ـ ــماي قول مؤثٍِر‪ ،‬أو‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وط الدَّاخليَّة واخلارجيَّة َّ‬
‫من ال ُّ‬
‫بسلوك قو ‪.‬‬‫ٍ‬ ‫الع اب‬
‫الر ـ ــول عل انت ـ ــار دعوتت حيث رأ يف ـ ــماد هللا ـ ــدق إميانت‪ ،‬وحا ـ ــتت‬‫‪ - 6‬حرص َّ‬
‫وقوة اقتناعت بت‪ ،‬فدفعت ذلك إىل أخذ البيعة منت لقومت‪.‬‬
‫لإل الم‪َّ ،‬‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫ِ‬
‫‪ - 7‬ويف هذا بيان وا ـ ـ ـ ألليَّة الدَّعوة إىل هللا تعاىل حيث جعلها الن ُّ‬
‫و ــلم قرينة احلتايام ال َّ ـهصـ ِـي‪ ،‬فقد ابيع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم عل احلتايام ِ‬
‫ابلدين‪،‬‬
‫فلم يكتف ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم بذلك بل أخذ منت البيعة عل دعوة قومت إىل‬
‫ال الم‪.‬‬
‫ردوهــا فـ َّ‬
‫ـَن هؤحء من قوم‬ ‫‪ - 8‬حفم اَّعرو والود ألهــل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابقــة‪ ،‬والفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل « ُّ‬
‫ماد»(‪.)1‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم مع‬
‫‪ - 9‬يف احلديث بعض الو ـ ـ ــائل ال َّ بويَّة اليت ا ـ ـ ــتعملها الن ُّ‬
‫كالتأين يف احلديث‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ــلوب احلوار‪ ،‬والتَّوجيت اَّباشـ ـ ـ ــر‪ ،‬وتظهر بعض ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـفات يف‬ ‫ـ ـ ـ ــماد‪ِ ،‬‬
‫كمرب كاحللم‪ ،‬والصـرب‪ ،‬والتَّ ـ يع عل الكثار من‬ ‫ٍ‬ ‫شـهصـية ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم‬
‫اخلريات‪.‬‬
‫‪ - 2‬إسالم عمرو بن عبسة رضي هللا عنه‪:‬‬

‫(‪ )1‬انعوس البلر معناه و طت ‪ ،‬أو جلَّتت ‪ ،‬أو قعره األقص ‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫أن النَّاس عل ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاللة‪ ،‬و َّأ‪،‬م‬ ‫قال شع ْمرو بن شعبش شس ـ ـ ـ ـةش ال ُّس ـ ـ ـ ـلش ِم ُّي كنت وأان يف اجلاهلية أشظ ُّن َّ‬
‫مبكةش خيِْرب أخباراً‪ ،‬فقعدت عل راحليت‪،‬‬ ‫برجل َّ‬
‫شيء وهم يعبدون األواثن‪ ،‬فسمعت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليسوا عل‬
‫فقدمت عليت‪ ،‬فَذا ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم مســتهفياً‪ ،‬جشراء عليت قومت‪ ،‬فشـتشلطَّْفت َّ‬
‫حض‬
‫مبكة‪ ،‬فقلت لت ما أنت؟ قال «أان نب» فقلت وما نب؟ قال «أر ـ ـ ـ ــل هللا»‪،‬‬ ‫دخلت عليت َّ‬
‫فقلت وأبأ ش ــي ٍء أر ــلك؟ قال «أر ــل بص ــلة األرحام‪ ،‬وكس ــر األواثن‪ ،‬وأن يـ شو َّح شد هللا ح‬
‫ي ْ ـ ـ ـ ـ ـشرك بت ش ـ ـ ـ ــيء» فقلت لت فمن معك عل هذا؟ قال «حر‪ ،‬وعبد» قال ومعت يومئذ أبو‬
‫يومك هذا‪ ،‬أح تر‬ ‫ك‪ .‬قال «إنك ح تستطيع ذلك ش‬ ‫بكر‪ ،‬وبالل اَّن امن بت‪ ،‬فقلت إين متَّبِع ش‬
‫مسعت يب قد ظش شه ْرت فائت »‪.‬‬
‫ارجع إىل أهلك‪ ،‬فَذا ش‬ ‫حاس وح شال النَّاس؟ ولكن ْ‬
‫قال فذهبت إىل أهلي‪ ،‬وقدم ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم اَّدينة‪ ،‬وكنت يف أهلي‪،‬‬
‫علي نفر من أهل يثرب من‬ ‫حض قدم َّ‬ ‫ف علت أهشَّرب األخبار‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ـ ـ ــأل النَّاس ح قدم اَّدينة‪َّ ،‬‬
‫الرجل الَّذأ قدم اَّدينة؟ فقالوا الناس إليت ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراي‪ ،‬وقد أراد‬
‫أهل اَّدينة‪ ،‬فقلت ما فعل هذا َّ‬
‫قومت قتلت‪ ،‬فلم يس ـ ــتطيعوا ذلك‪ ،‬فقدمت اَّدينة‪ ،‬فدخلت عليت‪ ،‬فقلت َي ر ـ ــول هللا! أتعرف ؟‬
‫قال «نعم‪ ،‬أنت الَّذأ لقيت َّ‬
‫مبكة»‪.‬‬
‫[مس ــلم (‪ )832‬وأمحد (‪ )112/4‬وأبو داود‬ ‫صـ ـالة‪ ،‬والو ــوء‪.‬‬
‫وذكر بقيَّة احلديث‪ ،‬وفيت أنَّت ــألت عن ال َّ‬
‫(‪ )1277‬والنسائي (‪ )280 - 279/1‬وابن ماجه (‪. ])1251‬‬

‫دروس وعرب‪:‬‬
‫‪ - 1‬شع ْمرو بن شعبش شسة كان من احلنفاء اَّنكرين لعبادة ري هللا تعاىل يف اجلاهليَّة‪.‬‬
‫ض ـ ـروس الَّيت ش ـ ـنَّتها قريش عل ر ـ ــول هللا هللا ـ ـل هللا عليت‬
‫‪ - 2‬كانت احلروب العالميَّة ال َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬ ‫و لم بباً يف تتبُّع عمرو بن عبسة ألخبار َّ‬
‫‪ - 3‬جرأة‪ ،‬وشدَّة قريش عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقد وجده عمرو بن عبسة‬
‫مستهفياً وقومت جشراء عليت‪.‬‬
‫‪ - 4‬األدب يف الدُّخول عل أهل الفضـ ـ ــل واَّنايلة‪ ،‬قال عمرو بن عبسـ ـ ــة «فتلطَّفت َّ‬
‫حض‬
‫دخلت عليت»‪.‬‬
‫حق هللا‪ِ ،‬‬
‫وحق اخللق‪ .‬قال هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫ِ‬ ‫اَّمدية تقوم عل ركيايت‬ ‫‪ِ -5‬‬
‫الر ــالة َّ‬
‫‪235‬‬
‫«أر ــل بص ــلة األرحام‪ ،‬وكس ــر األواثن» ويف هذا دليل عل ِ‬
‫أليَّة هللا ــلة األرحام حيث كان‬
‫هذا اخللق العظيم من أوليات دعوة ال ـ ـ ــالم‪ ،‬مع اق انت ابلدَّعوة إىل التَّوحيد‪ ،‬وقد ظهر يف هذا‬
‫ـيء عند العرب‪ ،‬ويف هذا دحلة عل‬ ‫بقوة‪ ،‬مع َّأ‪،‬ا كانت أقدس ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫البيان اي وم عل األواثن َّ‬
‫تستقر وح تنت ر‪ ،‬إح بايوال هذه اَّعا ‪.‬‬ ‫أن دعوة التَّوحيد ح ُّ‬ ‫ِ‬
‫أليَّة إزالة معا اجلاهليَّة‪ ،‬و َّ‬
‫اَّبكر نزالة األواثن مع عدم قدرتت عل تنفيذ‬ ‫َّب هللاـل هللا عليت و ـلم ِ‬
‫‪ - 6‬ويف اهتمام الن ِ‬
‫الدين ح جيوز أتخري بيا‪،‬ا للنَّاس‪ ،‬حب َّ ة عدم القدرة‬ ‫أن أمور ِ‬
‫ذلك يف ذلك الوقت دحلة عل َّ‬
‫عل تطبيقها‪ ،‬فالَّذين يبيِنون للنَّاس من أمور ِ‬
‫الدين ما يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيعون تطبيقت بس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـهولة‪ ،‬وأمن‪،‬‬
‫ـيء من اَّواجهة واجلهاد هؤحء دعوهتم‬ ‫الدين الَّيت تاً تطبيقها إىل شـ ـ ٍ‬‫و مون عن بيان أمور ِ‬
‫انقصة‪ ،‬و يقتدوا بر ول هللا هللال هللا عليت و لم الذأ واجت اجلاهليَّة وط اهتا وهو يف قلَّ ٍة من‬
‫السيادة يف بلده ألعدائت(‪.)1‬‬ ‫أنصاره‪ ،‬و ِ‬

‫اجلو احمن يم‪ ،‬وال َّسـ ـري‬ ‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم عل هللا ــلابتت‪ ،‬وتوفري ِ‬ ‫‪ِ - 7‬ح ْرص َّ‬
‫َّعرض للمضـ ـ ـ ـ ــايقات‪ ،‬فقد قال شلع ْم ِرو ب ِن شعبش شس ـ ـ ـ ـ ـةش «إنك ح‬
‫هبم إىل ِبر األمان‪ ،‬وإبعادهم عن الت ُّ‬
‫تستطيع يومك هذا»‪.‬‬
‫‪ُّ - 8‬‬
‫تذكر ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ألحوال أهللالابت‪ ،‬وعدم نسيان مواقفهم‪ ،‬قال‬
‫مبكة»‪.‬‬‫«أنت الذأ لقيت َّ‬
‫كل شم ْن أ ـ ــلم قائمةً أبمساء أتباعت‪،‬‬ ‫‪ - 9‬يكن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يعطي َّ‬
‫فهذا ليس لل َّسـائل منت مصــللة‪ ،‬وح يتعلَّق بت بالغ‪ ،‬ولذلك ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ــألت عمرو بن عبســة َّ‬
‫عمن‬
‫تبعت قال «حر‪ ،‬وعبد» وهذه تورية ‪ -‬كما قال ابن كثري ‪ -‬أبن هذا ا ـ ـ ـ ـ ـ ــم جنس فش ِه شم منت‬
‫عمرو أنَّت ا م ع (‪.)2‬‬
‫مسعت يب ظش شه ْرت فائت »‪ ،‬أنخذ منت در ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً يف‬
‫‪ - 10‬يف قولت «ارجع إىل أهلك‪ ،‬فَذا ش‬
‫أن تكديس اَّريدين‪ ،‬واألعضـ ــاء حيث اَّنة‪ ،‬واليذاء‪ ،‬ليس هو األهللاـ ــل فهذا ر ـ ــول‬ ‫الدَّعوة َّ‬
‫الرجوي إىل األقوام‪ ،‬وأمر ‪ -‬كما ـ ـ ــنر ‪ -‬ابي رت إىل‬ ‫هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ِ‬
‫يوجت حنو ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪ ، )133 ، 132/1‬وانظر الوحي وتبلي ِ‬


‫الر الـة ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪( ،‬ص ‪ 111‬ـ ‪.)113‬‬
‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)109/1‬‬
‫‪236‬‬
‫لقوة اَّس ــلم ‪ ،‬وإعطاء‬
‫احلب ــة‪ ،‬فذلك هفيف عن اَّس ــلم ‪ ،‬وإبعاد عن مواطن اخلطر‪ ،‬و ـ َّ‬
‫حض ح ين ـ ل‪ ،‬و ــمان لل ِس ـ ِريَّة‪ ،‬وإفادة للمكان اَّر ــل إليت‪ ،‬وإعداد للمســتقبل‪،‬‬
‫فرهللاـ ٍـة للقائد َّ‬
‫ومالحظة لضمان اح تمرار‪ ،‬ودنُّ اح تئصال(‪.)1‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬الطفيل بن عمرو‬ ‫واَّن أ ــلم بســب احلرب العالميَّة ـ َّـد َّ‬
‫الدكتور أكرم ياء العمرأ أنَّت يثبت‬ ‫السرية‪ ،‬وير ُّ‬ ‫مفصلةً يف كت ِ‬ ‫قصتت َّ‬‫الد َّْو ِ ُّي‪ ،‬وجاءت َّ‬
‫دوس اَّنيع‪ ،‬فأىب ر ــول‬ ‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم لاللت اء إىل حصــن ٍ‬ ‫منها إح أنَّت دعا ر ـ ش‬
‫أن الطُّفيل‬
‫هللا هللاـل هللا عليت و ـلم ذلك [مسلم (‪ )116‬وأمحد (‪ ،])371/3‬وأشـارت رواية هللاـليلة إىل َّ‬
‫حض طل الطُّفيل من ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫دعا قومت إىل ال ـ ــالم‪ ،‬ولقي منهم هللاـ ــدوداً‪َّ ،‬‬
‫و ـ ــلم أن يدعو عليهم‪ ،‬لكن ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم دعا يم ابيداية [البخاري (‪)2937‬‬

‫اَّنورة(‪..)2‬‬ ‫ومسلم (‪ ])2524‬وكان الر ول هللال هللا عليت و لم ٍ‬


‫انئذ ابَّدينة َّ‬
‫‪ - 3‬إسالم احلصني والد عمران رضي هللا عنوما‪:‬‬
‫الرجل‪ ،‬فَنَّت يذكر‬ ‫تعظمت ‪ -‬فقالوا لت شكلِ ْم لنا هذا َّ‬ ‫جاءت قريش إىل احلص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ -‬وكانت ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقال‬
‫حض جلس ـ ـ ـ ـوا قريباً من ابب الن ِ‬ ‫ايتنا‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـبُّها‪ ،‬ف ايوا معت َّ‬
‫«أو ــعوا لل َّ ـ ـي »‪ ،‬وعمران وأهللا ــلابت متوافرون‪ ،‬فقال حصـ ـ ما هذا الذأ بل نا عنك‪ ،‬أنك‬
‫إن أيب وأابك يف‬ ‫ص ـ ـ ـ ْ ! َّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ت ـ ــتم ايتنا‪ ،‬وتذكرها‪ ،‬وقد كان أبوك حص ـ ــينةً ‪ ،‬وخرياً؟ فقال «َي ح ش‬
‫ص ـ ـ ْ ! كم تعبد من إلت؟» قال ـ ــبعاً يف األرض‪ ،‬وواحداً يف ال َّس ـ ـماء‪ .‬فقال «فَذا‬ ‫النَّار‪َ ،‬ي ح ش‬
‫أهللا ـ ــابك الض ـ ـ ُّـر شم ْن تدعو؟» قال الَّذأ يف ال َّس ـ ـماء‪ .‬قال «فَذا هلك اَّال شم ْن تدعو؟» قال‬
‫الَّذأ يف ال َّسـماء‪ ،‬قال «فيســت ي لك وحده‪ ،‬وت ــركهم معت؟ أر ـيتت يف ال ُّ ـكر أم ها أن‬
‫ي ل عليك؟» قال وح واحد ًة من هات ‪ .‬قال وعلمت ِأين أكلم مثلت‪ ،‬قال «َي حصـ ـ !‬
‫إن س قوماً‪ ،‬وع ـ ــريًة‪ ،‬فماذا أقول؟ قال «قل اللَّهم أ ـ ــتهديك ألرش ـ ــد‬ ‫ـلم»‪ .‬قال َّ‬ ‫ـلم تس ـ ـ ْ‬
‫أ ــ ْ‬
‫حض أ ــلم‪ .‬فقام إليت ِع ْمران فقبَّل رأ ــت‪،‬‬ ‫أمرأ‪ ،‬وزدين علماً ينفع »‪ ،‬فقايا حصـ ـ ‪ ،‬فلم يشـق ْم َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم بك ‪ ،‬وقال «بكيت من هللانيع‬ ‫ويديت‪ ،‬ورجليت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ ذلك الن ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر الوحي وتبلي ِ‬


‫الر الة ‪ ،‬ص ‪ 106‬إىل ‪.109‬‬
‫حو ‪.)126/1( ،‬‬ ‫السنَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الصليلة ‪ُّ ،‬‬


‫للدكتور العمرأ (‪.)146/1‬‬ ‫السرية النَّبويَّـة ‪ ،‬حبن كثري (‪ ، )76/2‬وانظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّـة َّ‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫‪237‬‬
‫عمران‪ ،‬دخل حص ـ ـ وهو كافر‪ ،‬فلم يقم إليت عمران‪ ،‬و يلتفت انحيتت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ــلم قض ـ ـ‬
‫الرقَّة»‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أراد حص أن خيرً قال ألهللالابت «قوموا ف يِعوه إىل‬ ‫حقَّت‪ ،‬فدخل من ذلك ِ‬
‫وتفرقوا عنت»(‪.)1‬‬ ‫منايلت» فل َّـما خرً من دَّةِ الباب رأتت قريش‪ ،‬فقالوا هللابأ!! َّ‬
‫لعل الَّذأ حدا ابحلص ـ ـ ـ ـ والد عمران أن يس ـ ـ ــلم هبذه ال ُّس ـ ـ ـ ـرعة ـ ـ ــالمة فطرتت‪ ،‬وحس ـ ـ ــن‬
‫و َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم و ـ ـ ــالمة منطقت من انحية‬‫وقوة ح َّ ة َّ‬ ‫ا ـ ـ ــتعداده من ٍ‬
‫انحية‪َّ ،‬‬
‫أن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ا ــتهدم أ ــلوب احلوار مع احلص ـ‬ ‫أخر (‪ ،)2‬ونالحم َّ‬
‫ل رس معاين التوحيد يف نفست‪ ،‬ونسف العقائد الباطلة الَّيت كان يعتقدها‪.‬‬
‫‪ - 4‬إ الم أيب ٍ‬
‫ذر ر ي هللا عنت‬
‫ذر ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت مْن ِكراً حلال اجلاهليَّة‪ ،‬ورىب عبادة األهللا ـ ـ ـ ـ ــنام‪ ،‬وينكر عل شم ْن‬ ‫كان أبو ٍ‬
‫ابلتوجت‪،‬‬
‫خيص قبلة بعينها ُّ‬ ‫ي ـ ــرك ابهلل‪ ،‬وكان يص ـ ــلِي هلل قبل إ ـ ــالمت بثالث ـ ــنوات‪ ،‬دون أن َّ‬
‫مكة‪ ،‬وكره‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم قدم إىل َّ‬ ‫ويظهر أنَّت كان عل ‪،‬ت األحنا ‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ َّـما مسع ابلن ِ‬
‫أن يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأل عنت حض أدركت اللَّيل‪ ،‬فا ـ ـ ـ ـ ـ ــط ع فراه علي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬فعر أنَّت ري ‪،‬‬
‫حض أمس ‪ ،‬فراه‬ ‫شيء‪ ،‬مثَّ ادره هللاباحاً إىل اَّس د احلرام‪ ،‬فمكث َّ‬ ‫فا تضافت‪ ،‬و يسألت عن ٍ‬
‫علي فا تضافت لِلشيلة اثنية‪ ،‬وحدث مثل ذلك يف اللَّيلة الثَّالثة‪ ،‬مثَّ ألت عن ب قدومت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقال لت علي فَنَّت‬ ‫ذر أخربه أبنَّت يريد مقابلة َّ‬ ‫ا ــتوثق منت أبو ٍ‬
‫فَين إن رأيت ش ـ ــيئاً أخا عليك قمت ِ‬
‫كأين‬ ‫َّبع ‪ِ ،‬‬ ‫حق‪ ،‬وهو ر ـ ــول هللا‪ ،‬فَذا أهللا ـ ــبلت فات ْ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وا ــتمع إىل قولت‬ ‫أريق اَّاء‪ ،‬فَن مضــيت‪ ،‬فاتَّبع ‪ ،‬فتبعت‪ ،‬وقابل َّ‬
‫حض رتيك أمرأ»‪،‬‬ ‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ارجع إىل قومك فأخربهم َّ‬ ‫فأ ـ ــلم‪ ،‬فقال لت الن ُّ‬
‫حض أت اَّس ـ د‪ ،‬فناد أبعل‬ ‫انيهم‪ ،‬فهرً َّ‬ ‫ـرخن هبا ب ظش ْهشر ْ‬ ‫فقال والَّذأ نفســي بيده‪ ،‬ألهللاـ َّ‬
‫حض أ ـ ـ عوه‪ ،‬فأت العبَّاس‬ ‫أن حممداً ر ــول هللا‪ ،‬واثر القوم َّ‬ ‫هللا ــوتت أش ــهد أن ح إلت إح هللا‪ ،‬و َّ‬
‫َّعرض لت ــارهتم الَّيت ُّ‬
‫َتر بــدَيرهم إىل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـام‪،‬‬ ‫بن عبــد اَّطَّلـ ‪ ،‬فلـ َّـذرهم من انتقــام فــار‪ ،‬والت ُّ‬

‫ِ‬
‫متلصناً بدين اابئت وأجداده ‪ ،‬ومعتقداهتم‪ .‬انظر النهاية (‪.)234/1‬‬ ‫حصينة يع عاقالً‬
‫(‪)1‬‬

‫الصلابة ‪ ،‬حبن ح ر ‪ )337/1( ،‬وعنت نقل ال َّي حممد يو ف الكاندهلوأ يف حياة الصلابة (‪ ، )76 ، 75/1‬وبنلوه ملتصراً‬ ‫(‪ )2‬الهللاابة يف َتيياي َّ‬
‫رواه ال مذأ (‪.)3483‬‬
‫‪238‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫فأنقذه منهم(‪ ،)1‬وكان أبو ٍ‬
‫ذر قبل جميئت قد أر ــل أخاه ليعلم لت علم الن ِ‬
‫حض قدم إليت‪ ،‬ومسع من قولت‪ ،‬مثَّ رجع إىل أيب ٍ‬
‫ذر فقال‬ ‫ويســمع من قولت‪ ،‬مثَّ رتيت‪ ،‬فانطلق األ َّ‬
‫لت رأيتت رمر مبكارم األخالق‪ ،‬وكالماً ما هو ابل ِ ـ ـعر‪ ،‬فقال ما شـ ــفيت (‪ )2‬اَّا أردت(‪ ،)3‬وعايم‬
‫الذهاب بنفس ـ ــت لر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقال أخوه لت «وكن عل حذ ٍر من‬
‫عل َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فَ‪،‬م قد ششنِفوا لت‪َّ ،‬‬
‫ودهموا» [البخاري (‪ )3861‬ومسلم (‪. ])2474‬‬ ‫أهل َّ‬
‫مكة َّ‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪ - 1‬ش ــيوي ذكر ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ب القبائل‪ ،‬واكثر شم ْن ــاهم يف ذلك‬
‫م ركو قريش‪ ،‬مبا َّاهذوه من منهت التَّلذير والتَّ ويت لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وَّا جاء‬
‫ش‬
‫حض وهللال ذكره قبيلة ِفار‪.‬‬
‫بت‪َّ ،‬‬
‫‪َ - 2‬تيُّـاي أيب ٍ‬
‫ذر ر ـ ـ ــي هللا عنت أبنَّت رجل مسـ ـ ــتقل يف رأيت‪ ،‬ح تؤثر عليت الشـ ـ ــاعات‪ ،‬وح‬
‫الدعآَيت‪ ،‬فيقبل كل ما تن ره قريش‪ ،‬ولذلك أر ل أخاه يستوثق لت من خرب ر ول هللا‬ ‫تستفايه ِ‬
‫ُّ‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬بعيداً عن التَّأثريات العالميَّة‪.‬‬
‫العامة‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فلم يكتف ابَّعلومات َّ‬ ‫ذر أبمر َّ‬‫‪ - 3‬شدَّة اهتمام أيب ٍ‬
‫إن جمــال البلــث ليس‬ ‫اليت جــاء هبــا أخوه أنيس‪ ،‬بــل أراد أن يقف عل احلقيقــة بعينهــا حيــث َّ‬
‫َّ‬
‫رجل رمر ابخلري فلس ـ ـ ـ وإجا عن ٍ‬
‫رجل يشذكر أنَّت نب ولذلك حت َّمل اَّ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـاق‪ ،‬واَّتاع ‪،‬‬ ‫عن ٍ‬
‫ذر ترك أهلت‪ ،‬واكتف من الاياد‬ ‫احلق‪ ،‬فأبو ٍ‬
‫وشظف العيش‪ ،‬وال ربة عن األهل‪ ،‬والوطن يف بيل ِ‬
‫ُّبوة(‪.)5‬‬
‫مكة َّعرفة أمر الن َّ‬ ‫قر ٍ‬
‫اب‪ ،‬وارحتل إىل َّ‬
‫ذر ر ـ ــي هللا عنت َّا يعرفت‬ ‫أتَّن أبو ٍ‬ ‫َّأين وال َّ يُّث يف احلص ـ ــول عل اَّعلومة حيث َّ‬ ‫‪ - 4‬الت ِ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وهذا الت ِ‬
‫َّأين تص ـ ـ ـ ُّـر أم‬ ‫يش ِ‬
‫لكل شم ْن خياط َّ‬ ‫من كراهية قر ٍ‬
‫يتعرض ل ذ والطَّرد‪،‬‬ ‫تقتضــيت حســا ــية اَّوقف‪ ،‬فلو ــأل عنت لعلمت بت قريش‪ ،‬وابلتَّاس قد َّ‬

‫(‪ )1‬انظر فقت الدعوة الفردية ‪ ،‬د‪ .‬السيد حممد نو ‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫البهارأ رقم (‪ ، )3861‬و(‪.)3522‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )2‬مسلم ‪ ،‬كتاب الفضائل ‪ ،‬ابب من فضائل أيب ٍ‬
‫ذر ‪ ،‬رقم (‪ ، )2474‬و‬
‫هم ك ِ‬
‫ف هذا األمر‪.‬‬ ‫ما شفيت اَّا أردت ما بل ت ر ي ‪ ،‬وأزلت ع ِ َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لبراهيم العلي ‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)145/1‬‬ ‫(‪ )5‬ششنِفوا لت أأ أب ضوه ‪ ،‬وانظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪239‬‬
‫وخيس ـ ــر الوهللا ـ ــول إىل هدفت‪ ،‬الَّذأ من أجلت ترك مض ـ ــارب قومت‪َّ ،‬‬
‫وحتمل يف ـ ــبيلت مص ـ ــاع ‪،‬‬
‫السفر‪.‬‬ ‫اق َّ‬ ‫وم َّ‬
‫ذر ر ي هللا‬‫‪ - 5‬اححتياط واحلذر قبل النُّطق ابَّعلومة ح أل علي ر ي هللا عنت أاب ٍ‬
‫ابلر م من أنَّت ا ـ ـ ـ ـ ــتضـ ـ ـ ـ ــافت ثالثة َّأَيٍم إمعاانً يف‬ ‫عنت عن أمره‪ ،‬و ـ ـ ـ ــب جميئت إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬خيربه َّ‬
‫احلذر‪ ،‬فاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ط عليت قبل أن خيربه أن يكتم عنت‪ ،‬ويف الوقت ذاتت أن يرش ـ ـ ـ ـ ـ ــده‪ ،‬فهذا اية يف‬
‫اححتياط‪ ،‬وذَّ ما أراده‪.‬‬
‫ذر ر ـ ـ ــي هللا عنت عل إشـ ـ ــارةٍ‪ ،‬أو‬ ‫علي وأيب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫َّلرك ذَّ احتفاق ب‬
‫‪ - 6‬التَّ طية األمنيَّة للت ُّ‬
‫كة معيَّ ٍنة‪ ،‬كأنَّت يص ـ ـ ـ ـ ــل نعلت‪ ،‬أو كأنت يريق اَّاء‪ ،‬وذلك عندما ير علي ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت من‬ ‫حر ٍ‬
‫اَّقر (دار األرقم)‪ ،‬هذا إىل جان َّ‬
‫أن‬ ‫لتلركهم داه ِ‬
‫ي هللا ـ ـ ـ ـ ــدلا‪ ،‬أو يراقبهما‪ ،‬فهذه ت طية أمنية ُّ‬
‫لكل طارئ‪ ،‬قد‬ ‫عد هذا اَّوقف احتياطاً‪ ،‬وحت ُّس ـ ـ ـ ـباً ِ‬
‫علي‪ ،‬في ُّ‬
‫ـافة من ٍ‬‫ذر كان يس ـ ـ ــري عل مس ـ ـ ـ ٍ‬
‫أاب ٍ‬
‫َّلرك‪.‬‬
‫دث يف أثناء الت ُّ‬
‫ص ـلابة ر ــي هللا عنهم يف اجلوان‬ ‫تفوق ال َّ‬ ‫‪ - 7‬هذه الشــارات األمنيَّة العابرة‪ُّ ،‬‬
‫تدل عل ُّ‬
‫حض أهللا ــب مسةً ايِايًة ِ‬
‫لكل‬ ‫احلس األم ِ لديهم‪ ،‬وت ل لت يف نفو ــهم‪َّ ،‬‬ ‫األمنيَّة‪ ،‬وعل مد توافر ِ‬
‫حتركاهتم منظَّمةً ومدرو ـ ـةً‪ ،‬فما أحوجنا َّثل هذا‬
‫العامة‪ ،‬فأتت ُّ‬ ‫تصـ ـ ُّـر ٍ من تصـ ـ ُّـرفاهتم اخلا َّ‬
‫هللا ـ ـة و َّ‬
‫ألية ابل ة يف زوال وا ــتمرار‬‫ص ـلابة‪ ،‬بعد أن أهللاــب ل من يف عص ـران ِ‬ ‫احلس‪ ،‬الَّذأ كان عند ال َّ‬‫ِ‬
‫اَّتطورة‪،‬‬ ‫هللا ـ ـة‪ ،‬وتقنياتت ِ‬
‫اَّتقدمة‪ ،‬وأ ـ ــاليبت‪ ،‬وو ـ ــائلت ِ‬ ‫احلضـ ــارات(‪ ،)1‬وأهللاـ ــبلت لت مدار ـ ــت اخلا َّ‬
‫وأجهايتت اَّســتقلَّة‪ ،‬وميايانياتت ذات األرقام الكبرية‪ ،‬وأ ــلت اَّعلومات َّ‬
‫عامةً‪ ،‬واَّعلومات األمنيَّة‬
‫ض َّل يف بيل احلصول عليها ابلنَّفس إذا لايم األمر!‪.‬‬
‫خاهللاةً تباي أب ل األشان‪ ،‬وي ش‬ ‫َّ‬
‫حض ح تص ـ ـ ــب قض ـ ـ ــاَيان‬
‫وما دام األمر كذلك‪ ،‬فعل اَّس ـ ـ ــلم احهتمام ابلنَّاحية األمنية َّ‬
‫مستباحةً ل عداء‪ ،‬وأ راران يف متناول أيديهم(‪.)2‬‬
‫وقوة فهمت‪ ،‬فقد‬ ‫ذر ر ـ ـ ــي هللا عنت يف البلث عن ِ‬
‫احلق‪ ،‬ورجاحة عقلت‪َّ ،‬‬ ‫‪ - 8‬هللا ـ ـ ــدق أيب ٍ‬
‫أ لم بعد عرض ال الم عليت‪.‬‬

‫الر الة ‪ ،‬د‪ .‬ىي اليلىي ‪( ،‬ص ‪ 91‬ـ ‪.)93‬‬ ‫(‪ )1‬انظر الوحي وتبلي ِ‬
‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم علي ‪ ،‬ص ‪.59 ، 58‬‬
‫‪240‬‬
‫‪ - 9‬حرص ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم واهتمامت أبمن أهللا ــلابت‪ ،‬و ــالمتهم حيث‬
‫حض يظهره هللا‪.‬‬
‫ابلرجوي إىل أهلت‪ ،‬وكتمان أمره َّ‬ ‫أمر أاب ٍ‬
‫ذر ُّ‬
‫احلق فقد جهر ن ــالمت يف نوادأ قريش‪،‬‬ ‫وقوتت يف ِ‬ ‫‪ - 10‬ش ـ اعة أيب ٍ‬
‫ذر ر ــي هللا عنت‪َّ ،‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم لت‬ ‫لللق(‪ ،)1‬وكأنَّت فهم َّ‬
‫أن أمر الن ِ‬ ‫وجمتمعاهتم‪ِ ،‬‬
‫حتدَيً يم وإظهاراً ِ‬
‫أبن بت َّقوًة عل ذلك‬ ‫ابلكتمان‪ ،‬ليس عل الجياب بل عل ـ ـ ـ ـ ــبيل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـفقة عليت‪ ،‬فأعلمت َّ‬
‫احلق عند من خي منت‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم عل ذلك‪ ،‬ويؤخذ منت جواز قول ِ‬ ‫أقره الن ُّ‬
‫ويذا َّ‬
‫األذيَّة َّن قالت ‪ -‬وإن كان ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكوت جائاياً ‪ -‬والتَّلقيق َّ‬
‫أن ذلك ملتلف ابختال األحوال‬
‫واَّقاهللاد‪ ،‬وحبس ذلك ي تَّ وجود األجر‪ ،‬وعدمت(‪.)2‬‬
‫ذر ر ي هللا عنت مفيداً للدَّعوة‪ ،‬ومسالاً يف مقاومة احلرب النَّفسيَّة‬‫‪ - 11‬كان موقف أيب ٍ‬
‫مكة يف‬‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وكانت ربةً معنويَّةً أهللاابت كفار َّ‬‫الَّيت شنَّتها قريش َّد َّ‬
‫التلمل‪ ،‬فقد الت ِ‬
‫الدماء‬ ‫ُّ‬ ‫ذر ر ي هللا عنت وقدرتت عل‬‫الصميم‪ ،‬بسب ش اعة ورجولة أيب ٍ‬ ‫َّ‬
‫للصدي ابل َّهادة‪.‬‬
‫مرةً أخر َّ‬‫من جسده‪ ،‬مثَّ عاد َّ‬
‫ذر من أذ قريش‪ ،‬دليل عل‬‫‪ - 12‬مدافعة العبَّاس عن اَّس ـ ــلم ‪ ،‬و ـ ــعيت لتهليص أيب ٍ‬
‫مكة حيث‬ ‫تعاطفت مع اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وكان أ ـ ـ ــلوبت يف ِرد احعتداء ُّ‬
‫يدل عل خربتت بنفوس كفار َّ‬
‫َتر بدَير ِفار(‪.)3‬‬
‫حذرهم من األخطار اليت تواجهها دارهتم‪ ،‬عندما ُّ‬ ‫َّ‬
‫ذر لل تيبات األمنيَّة‪ ،‬الَّيت َّاهذها ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف‬
‫‪ - 13‬امتثل أبو ٍ‬
‫ابلر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وحبِت لت‪ ،‬وحرهللا ــت عل لقائت‪ ،‬إح أنَّت‬ ‫مكة‪ ،‬فمع تعلُّق أيب ٍ‬
‫ذر َّ‬ ‫َّ‬
‫مكة إىل قومت‪ ،‬واه َّتم بصـ ـ ـال ‪ ،‬وهداية‬ ‫امتثل أمر ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف م ادرة َّ‬
‫األهل‪ ،‬ودعوهتم لإل الم‪ ،‬فبدأ أبخيت‪ ،‬و ِأمت وقومت‪.‬‬
‫َّعوأ عل قومت وقدرتت عل هدايتهم‪ ،‬وإقناعهم ابل الم‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫‪ - 14‬أثر أيب ٍ‬
‫ذر الد ُّ‬
‫فَنَّت ح يص ـ ـ ــل لإلمارة‪ ،‬رو مس ـ ـ ــلم يف هللا ـ ـ ــليلت عن أيب ٍ‬
‫ذر‪ ،‬قال قلت َي ر ـ ـ ــول هللا! أح‬
‫وإ‪،‬ا أمانة َّ‬
‫‪،‬وإ‪،‬ا‬ ‫تســتعمل ؟ قال فض ـرب بيده عل شمْن ِكب‪ ،‬مثَّ قال «َي أاب ذر! إنَّك ــعيف‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر دروس يف الكتمان ‪َّ ،‬مود شيت خطَّاب ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )2‬انظر الوحي وتبلي ِ‬
‫الر الة ‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫(‪ )3‬فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3861‬‬
‫‪241‬‬
‫يوم القيامة خايأ وندامة‪ ،‬إح من أخذها ِ‬
‫حبقها‪ ،‬و َّأد الَّذأ عليت فيها»‬
‫[مسلم (‪ )1825‬وأمحد (‪،173/5‬‬

‫ـهره هللا فيت‪ ،‬وميدانت الَّذأ يقوم بواجبت فيت‪ ،‬فليس معىن‬
‫ـهص جمالت الَّذأ ـ ـ َّ‬
‫فلكل ش ـ ـ ٍ‬
‫‪ِ ،])267‬‬
‫لكل ٍ‬
‫شيء‪.‬‬ ‫أنَّت ُ يف الدَّعوة‪ ،‬وإقناي النَّاس أنَّت يصل ِ‬
‫ذر المامة إىل ـ ـ ــيِد فار (أمياء بن شرحضـ ـ ــة) ‪ -‬مع تقدُّم أيب ذ ٍر عليت‬
‫‪ - 15‬تفويض أيب ٍ‬
‫كل األعمال يف يده‪ ،‬وتقدير‬ ‫يدل عل مهارةٍ إداريٍَّة‪ ،‬وهي عدم ع ِ‬ ‫وعلو منايلتت ‪ُّ -‬‬
‫يف ال ــالم ِ‬
‫النَّاس‪ ،‬وإنايايم منازيم(‪.)1‬‬
‫‪ُ - 16‬ا أيب ٍ‬
‫ذر الباهر يف الدَّعوة حيث أ ــلمت نص ــف فار‪ ،‬وأ ــلم نص ــفها الثَّاين‬
‫بعد اي رة(‪.)2‬‬
‫لقد ف ـ ـ ـ ـ ـ ــلت حماوحت التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــويت‪ ،‬واحلرب العالميَّة‪ ،‬واحل ر الفكرأ الَّذأ كان الكفار‬
‫ميار ــونت عل الدَّعوة ال ــالميَّة يف بداية عهدها َّ‬
‫ألن هللا ــوت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫كان أقو من أهللاـواهتم‪ ،‬وو ـائلت يف التَّبلي كانت أبل من و ـائلهم‪ ،‬وثباتت عل مبدئت ال َّسـامي‬
‫فالر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم جيلس يف بيتت‪ ،‬و‬ ‫كان أعل بكث ٍري اَّا كان يتوقَّعت أعدايه َّ‬
‫ينايِو يف ز ٍ‬
‫اوية من زواَي اَّس ـ ـ ـ ـ ـ د احلرام ليس ـ ـ ـ ــتهفي بدعوتت‪ ،‬وليقي نفس ـ ـ ـ ــت من ـ ـ ـ ــهام أعدائت‬
‫اَّس ــمومة بل إنَّت امر بنفس ــت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فكان خيرً إىل مض ــارب العرب قبل أن‬
‫مكة‪ ،‬وكان جيهر بتالوة القرآن يف اَّس ـ ـ ـ ـ د احلرام ليسـ ـ ـ ــمع من كان يف قلبت بقيَّة من‬ ‫يفدوا إىل َّ‬
‫حريٍَّة وإاب ٍء‪ ،‬فيتس ـ ـ ـ ـ ـ َّـرب نور ايد إىل جمامع لبِت‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــويداء قلبت(‪ ،)3‬وكان من‬
‫حياةٍ‪ ،‬وآاثرةٍ من ِ‬
‫ذر ال فارأ‪ ،‬والطُّفيل بن عمرو الدَّو ي‪ ،‬وحص‬ ‫وعمرو بن شعبشسةش‪ ،‬وأبو ٍ‬ ‫األزدأ‪ْ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫هؤحء ماد‬
‫ش‬
‫والد عمران بن احلص ـ ر ــي هللا عنهم‪ ،‬وهذا دليل قاطع‪ ،‬وبرهان ــاطع‪ ،‬عل ف ــل حالت‬
‫التَّ ــويت الَّيت ش ـنَّتها قريش ـ َّـد ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فعلينا أن نعترب‪ ،‬ونســتفيد من‬
‫الدُّروس‪ ،‬والعرب‪.‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من األذ والتَّعذيب‪:‬‬
‫تعرض له ُ‬
‫اثلثاً‪ :‬ما َّ‬

‫الر الة (ص ‪.)95 ، 94‬‬‫(‪ )1‬انظر الوحي وتبلي ِ‬


‫الر الة ‪ ،‬ص ‪.100‬‬‫(‪ )2‬انظر الوحي وتبلي ِ‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)45/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية َّ‬
‫‪242‬‬
‫يف اَّ ـ ــركون عن أذ ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم منذ أن هللاـ ــدي بدعوتت إىل أن‬
‫ويدل عل ذلك ‪ -‬مبل هذا األذ ‪ -‬تلك ا َيت‬ ‫خرً من ب أظهرهم‪ ،‬وأظهره هللا عليهم‪ُّ ،‬‬
‫ابلصرب‪ ،‬وتدلُّت عل و ائلت‪ ،‬وتنهاه عن احلاين‪،‬‬ ‫تتنايل عليت يف هذه الف ة أتمره َّ‬ ‫الكثرية الَّيت كانت َّ‬
‫هللاـ ـِ ْرب شعلش شما يشـقولو شن شو ْاه ْره ْم‬
‫﴿وا ْ‬‫وتض ــرب لت أمثلةً من واقع إخوانت اَّر ــل مثل قولت تعاىل ش‬
‫ك شوحش ت ِط ْع ِمْنـه ْم ِآشًا أ ْشو شكف ًورا ﴾ [اإلنســان‪ ،]24 :‬و‬ ‫ِ‬
‫هللاـ ـِ ْرب حل ْك ِم شربِ ش‬ ‫ِ‬
‫شه ْ ًرا ش يالً ﴾ [املزمل‪ ،]10 :‬و ﴿فشا ْ‬
‫ِ‬ ‫﴿وشح شْحتشاي ْن شعلشْي ِهم وشح تشكن ِيف ش ـ ـ ـْي ٍق ِاَّا ميشْكرو شن ﴾ [النمل‪ ،]70 :‬و ﴿ما يـ شقال لش ش ِ‬
‫ك إحَّ شما قش ْد ق ش‬
‫يل‬ ‫ش‬ ‫ْش‬ ‫ش‬
‫اب أشلِي ٍم ﴾ [فصلت‪.]43 :‬‬ ‫ك لشذو م ْ ِفرةٍ وذو ِع شق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ُّلر ِل ِم ْن قشـْبل ش‬
‫ك إِ َّن شربَّ ش‬
‫ش ش ش‬

‫َّب صلى هللا عليه وسلم من اإليذاء‪:‬‬


‫تعرض له الن ي‬ ‫وهذه أمثلةٌ ي‬
‫تدل على ما َّ‬
‫‪ - 1‬ق ــال أبو جه ــل ه ــل يـ شع ِفر حمم ــد وج شه ـت(‪ )1‬ب أظهركم؟ ق ــال فقي ــل نعم‪ .‬فق ــال‬
‫ـأن عل رقبتــت‪ ،‬أو ِ‬
‫ألعفشر َّن وجهــت يف ال ُّ اب‪ ،‬قــال‬ ‫والالَّ ِ‬
‫ت والعَّاي ! لئن رأيت ـت يفعــل ذلــك ألطـ َّ‬
‫فأت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم وهو يصلِي‪ ،‬زعم لِيشطشأ عل رقبتت‪ ،‬قال فما فش ِ ئشـه ْم(‪ )2‬منت‬
‫إن بي وبينت خلندقاً‬ ‫إح وهو يشـْنكص عل عقبيت(‪ )3‬ويتَّقي بيديت‪ .‬قال فقيل لت ما لك؟ فقال َّ‬
‫من ان ٍر‪ ،‬ش‬
‫وهوحً‪ ،‬وأجنلةً‪ ،‬فقال ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم «لو دان م حختطفتت‬
‫اَّالئكة عضواً عضواً» [مسلم (‪. ])2797‬‬

‫َّب يص ـ ـ ـ ـ ـ ــلِي‪ ،‬ف اء أبو جهل‪ ،‬فقال أ أ ‪،‬شك عن‬ ‫ويف حديث ابن ٍ‬
‫عباس قال « كان الن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فايبره(‪ ،)4‬فقال أبو جهل إنَّك‬ ‫هذا؟! أ أ‪،‬ك عن هذا؟ فانصــر الن ُّ‬
‫اند أكثر م ِ ‪ ،‬فأنايل هللا تعاىل ﴿فشـ ْليش ْدي شان ِديشت * ش ـنش ْدي َّ‬
‫الايشابنِيشةش ﴾ [العلق‪ ]18 - 17 :‬قال‬ ‫لتعلم ما هبا ٍ‬
‫ابن عباس لو دعا انديت ألخذتت زابنية هللا» [الرتمذي (‪. ])3349‬‬

‫ـعود ر ــي هللا عنت «بينما ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم قائم يص ـلِي‬
‫‪ - 2‬وعن ابن مسـ ٍ‬
‫عند الكعبة‪ ،‬و ع قر ٍ‬
‫يش يف جمالس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم إذ قال قائل منهم أح تنظرون إىل هذا اَّرائي؟ أيُّكم‬

‫(‪ )1‬التاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)144/1‬‬


‫(‪ )2‬ف ئشهم ب تهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬عقبيت رجع مي ي إىل الوراء‪.‬‬
‫(‪ )4‬زبره ‪،‬ره‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫حض إذا‬‫يقوم إىل جايور ال فالن‪ ،‬فيشـ ْع ِمـد إىل فشـ ْرثِهــا‪ ،‬ودمهــا‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــالهــا‪ ،‬في يء بــت‪ ،‬مثَّ ميهلـت َّ‬
‫د و عت ب كتفيت؟ فانبعث أشقاهم‪ ،‬فل ـ َّـما د ر ول هللا هللال هللا عليت و لم و عت‬
‫بعض من‬‫حض مال بعضهم إىل ٍ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم اجداً‪ ،‬فضلكوا َّ‬ ‫ب كتفيت‪ ،‬وثبت الن ُّ‬
‫الضَّلك‪ ،‬فانطلق م ِ‬
‫السالم ‪ -‬وهي ج شوي ِري ــةـ ـ فأقبلت تسع ‪ ،‬وثبت الن ُّ‬
‫َّب‬ ‫نطلق إىل فاطمـ ـةش عليها َّ‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم ــاجداً حض ألقتت عنت‪ ،‬وأقبلت عليهم تس ـبُّهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قض ـ ر ــول هللا‬
‫هم عليك بقريش! اللَّه َّم عليك‬ ‫ص ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬قال اللَّهم عليك بقريش! اللَّ َّ‬
‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ال َّ‬
‫هم عليك بعمرو بن ه ـ ـ ـ ــام‪ ،‬وعتبةش بن ربيعة‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــيبة بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن‬ ‫بقريش! مثَّ شمسَّ اللَّ َّ‬
‫ـعود فوهللا لقد‬ ‫أمية بن خلف‪ ،‬وعقبة بن أيب معي ٍا‪ ،‬وع مارةش بن الوليد‪ ،‬قال ابن مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫عتبة‪ ،‬و َّ‬
‫شْ‬
‫رأيتهم هللا ـ ــرع يوم بد ٍر‪ ،‬مثَّ ـ ــلبوا إىل ال شقلِي (‪ - )1‬قلي بد ٍر ‪ -‬مثَّ قال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا‬
‫وأتْبِع أهللالاب ال شقلِي ِ لعنةً» [البخاري (‪ )520‬ومسلم (‪. ])1794‬‬ ‫عليت و لم‬
‫ش‬
‫الرفث عليت هو عقبة بن أيب م شعْي ٍا‪،‬‬ ‫أن الَّذأ رم َّ‬ ‫صـليلة األخر َّ‬ ‫وقد بيَّنت ِ‬
‫الروآَيت ال َّ‬
‫أن اَّ ــرك أتثَّروا بدعوة َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت‬ ‫حر ــت هو أبو جهل [مسـلم (‪ ،])1794‬و َّ‬‫أن الَّذأ َّ‬
‫و َّ‬
‫مبكة مست ابة(‪.)2‬‬‫أن الدَّعوة َّ‬ ‫وشق عليهم األمر َّ‬
‫أل‪،‬م يرون َّ‬ ‫و لم عليهم‪َّ ،‬‬
‫اجتمع أشرا قر ٍ‬
‫يش‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬ ‫‪ - 3‬اجتماي اَّ من قريش و رهبم َّ‬
‫يوماً يف احل ر‪ ،‬فذكروا ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم فقالوا ما رأينا مثل ما هللا ــربان عليت من‬
‫قا ــفَّتش أحالمنا‪ ،‬و ـ ـ َّ ايتنا‪ ،‬لقد هللا ــربان منت عل أم ٍر عظيم! فبينما هم يف‬ ‫الرجل ُّ‬
‫أمر هذا َّ‬
‫احد‪ ،‬وأحاطوا بت‬ ‫رجل و ٍ‬ ‫ذلك إذ طلع عليهم ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فوثبوا وثبة ٍ‬
‫يقولون أنت الَّذأ تقول كذا وكذا ‪َّ -‬ا كان يقول من عي ايتهم ودينهم ‪ -‬فيقول «نعم‪،‬‬
‫أان الذأ أقول ذلك»‪ ،‬مثَّ أخذ رجل منهم مب مع ردائت فقام أبو بكر ر ــي هللا عنت دونت‪ ،‬وهو‬
‫يبكي‪ ،‬ويقول أتقتلون رجالً أن يقول ِ ش‬
‫ريب هللا؟! [البخــاري (‪ 3687‬و‪ 3856‬و‪ )4815‬والبيوقي يف دالئــل النبوة‬
‫(‪.)3(])274/2‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم من ِ‬


‫أشد النَّاس عداوًة لت‪ ،‬وكذلك كانت‬ ‫‪ - 4‬كان أبو ي ٍ ُّ‬
‫عم الن ِ‬

‫(‪ )1‬ال شقلي البئر اَّفتوحة‪.‬‬


‫السابق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للعمرأ (‪ ، )149/1‬وانظر كذلك اَّصدر َّ‬ ‫الصليلة ‪،‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫طرق أخر ‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ )3‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لبراهيم العلي من ٍ‬
‫‪244‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم فكانت تسع ابلفساد بينت‬ ‫امرأتت ُّأم ٍيل‪ ،‬من ِ‬
‫أشد النَّاس عداوةً للن ِ‬
‫وب النَّاس ابلنَّميمة‪ ،‬وتض ــع ال َّ ـ ـوك يف طريقت‪ ،‬والقذر عل اببت‪ ،‬فال ع أن ينايل فيهم قول‬
‫ات شيش ٍ‬ ‫ت يش شدا أِشيب شيش ٍ شوتش َّ ش‬
‫*ما أش ْ شىن شعْنت شمالت شوشما شك شس ـ ـ ـ ش * ش ـ ـ ـيش ْ‬
‫ص ـ ـ ـلش شان ًرا شذ ش‬ ‫هللا تعاىل ﴿تشـبَّ ْ‬
‫يد شها شحْبل ِم ْن شم شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍد ﴾ [املسـ ـ ـ ــد‪ ،]5 - 1 :‬فل مسعت ما نايل فيها‬ ‫*يف ِج ِ‬‫احلشطش ِ ِ‬ ‫*و ْامشرأشتت شحَّالشةش ْ‬
‫ش‬
‫ويف زوجها من القرآن أتت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم وهو جالس عند الكعبة‪ ،‬ومعت أبو‬
‫الصديق‪ ،‬ويف يدها فهر من ح ارةٍ فل َّـما وقفت عليهما قالت َي أاب بكر! أين هللااحبك؟‬ ‫بكر ِ‬
‫فقد بل أنَّت يه وين‪ ،‬وهللا لو وجدتت لضـربت هبذا الفهر فاه! مثَّ انصــرفت فقال أبو بكر َي‬
‫مذمم أبينا‪ ،‬ودينت‬ ‫ر ــول هللا! أما تراها رأتك؟ فقال لقد أخذ هللا ببص ــرها ع ِ ‪ ،‬وكانت تن ــد َّ‬
‫قلينا‪ ،‬وأمره عص ــينا‪ ،‬وكان ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يفر ألن اَّ ــرك يسـ ـبُّون َّ‬
‫مذااً‬
‫مذااً ويلعنون َّ‬
‫مذااً‪،‬‬ ‫يقول «أح تع بون كيف يص ــر هللا ع ِ ش ــتم قريش‪ ،‬ولعنهم‪ ،‬ي ــتمون َّ‬
‫حممد» [البخاري (‪.])3533‬‬ ‫وأان َّ‬
‫وقد بل من أمر أيب ي ٍ أنَّت كان يتبع ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف األ ـ ـ ـ ـواق‪،‬‬
‫وااامع‪ ،‬وموا م احلت ِ‬
‫ويكذبت(‪.)1‬‬
‫هذا بعض ما حقاه ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من أذيـَّ ـ ـ ــة اَّ رك ‪ ،‬وقد ختم اَّ ركون‬
‫أذاهم لر ول هللا هللال هللا عليت و لم مبلاولة قتلت يف أوآخر اَّرحلة ِ‬
‫اَّكيَّ ــة(‪ ،)2‬وكان ر ول هللا‬
‫يش قبل أن ينال األذ أحداً من أتباعت‪ ،‬يقول‬ ‫هللال هللا عليت و لم يذكر ما حقـاه من أذ قر ٍ‬
‫وجل ‪ -‬وما خيا أحد‪ ،‬ولقد أوذيت يف هللا وما يؤذ أحد‪ ،‬ولقد‬ ‫عاي َّ‬‫«لقد أ ِخ ْفت يف هللا ‪َّ -‬‬
‫كبد إح شيء يواريت إبا‬‫لبالل طعام ركلـت ذو ٍ‬ ‫يوم وليلـة‪ ،‬وما س‪ ،‬وح ٍ‬ ‫أتت علي ثالثون من ب ٍ‬
‫َّ‬
‫بالل» [الرتمذي (‪ )2472‬وابن ماجه (‪. ])151‬‬
‫ومع ما لت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من عظيم القدر‪ ،‬ومنته ال َّ ـ ـر ‪ ،‬إح أنَّت قد حظي من‬
‫ٍ‬
‫البالء ابحلمل الثَّقيل‪ ،‬والعناء الطَّويل‪ ،‬منذ َّأول يوم هللاــدي فيت ابلدَّعوة‪ ،‬ولقد لقي الن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا‬
‫مر عل جمالس ــهم َّ‬
‫مبكة ا ــتهاييوا بت‪ ،‬وقالوا‬ ‫عليت و ــلم من ــفهاء قريش أذ ً كثرياً‪ ،‬فكان إذا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)293/1‬‬
‫الصليلة (‪.)153/1‬‬
‫السرية النَّبوية َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫‪245‬‬
‫ـ ــآخرين هذا ابن أيب كب ـ ــة ‪ ،‬يكلَّم من ال َّس ـ ـماء! وكان أحدهم ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا‬
‫مير عل َّ‬
‫السماء؟!(‪.)2‬‬
‫ت اليوم من َّ‬ ‫ِ‬
‫عليت و لم فيقول لت آخراً أما كل ْم ش‬
‫جمرد ال ُّس ـ ـهرية‪ ،‬واح ـ ــتهاياء‪ ،‬واليذاء النَّفسـ ـ ِـي‪ ،‬بل تعدَّاه إىل اليذاء‬
‫و يقتصـ ــر األمر عل َّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت‬
‫عدو هللا أميَّة بن خلف يف وجت الن ِ‬ ‫ِ‬
‫البدين‪ ،‬بل قد وهللا ـ ــل األمر إىل أن يبص ـ ــق ُّ‬
‫و ــلم (‪َّ ،)3‬‬
‫وحض بعد ه رتت ‪ -‬عليت ال َّس ـالم ‪ -‬إىل اَّدينة‪ ،‬تتوقف حدَّة احبتالء واألذ ‪ ،‬بل‬
‫أخذت خطاً جديداً‪ ،‬بظهور ٍ‬
‫أعداء جدد‪ ،‬فبعد أن كانت العداوة تكاد تكون مقص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة عل‬
‫قريش َّ‬
‫مبكة هللا ـ ــار لت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أعداء من اَّنافق اااورين ابَّدينة‪ ،‬ومن اليهود‪،‬‬
‫الروم‪ ،‬وأحالفهم‪ ،‬وبعد أن كان األذ َّ‬
‫مبكة شــتماً‪ ،‬و ــهريةً‪ ،‬وحصــاراً‪ ،‬و ـرابً‪ ،‬هللاــار‬ ‫والفرس‪ ،‬و ُّ‬
‫مواجهةً عسكريَّة مسلَّلةً‪ ،‬حامية الوطيس‪ ،‬فيها كر‪ ،‬وفر‪ ،‬و رب‪ ،‬وطعن فكان ذلك بالء يف‬
‫األموال‪ ،‬واألنفس عل ال َّس ـ ـ ـواء(‪ ،)4‬وهكذا كانت ف ة ر ـ ـ ــالتت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم وحياتت‪،‬‬
‫حض‬
‫َّ‬ ‫ــلســلةً متَّصــلةً من اَّن‪ ،‬واحبتالء‪ ،‬فما وهن َّا أهللاــابت يف ــبيل هللا‪ ،‬بل هللاــرب‪ ،‬واحتسـ‬
‫لقي ربَّت(‪.)5‬‬

‫ابل‪ ،‬يف‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم من الفنت‪ ،‬واألذ ‪ ،‬واَّن ماح خيطر عل ٍ‬ ‫لقد واجت َّ‬
‫مواقف متع ِـددةٍ‪ ،‬وكان ذلك عل قدر ِ‬
‫الر الـة الَّيت ِ‬
‫حلهـا‪ ،‬ولذلـك ا تلق اَّقام اَّمود‪ ،‬واَّنايلـة‬
‫الرفيع ـ ـ ـ ـ ـ ــة عند ربِت‪ ،‬وقد هللارب عل ما أهللاابت إشفاقاً عل قومت أن يصيبهم مثل ما أهللااب األمم‬
‫َّ‬
‫اَّا ـ ـ ـ ـ ـ ــية من العذاب وليكون قدوةً للدُّعاة‪ ،‬واَّصـ ـ ـ ـ ـ ــلل (‪ ،)6‬فَذا كان احعتداء األثيم قد انل‬
‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فلم يعد هناك أحد أكرب من احبتالء‪ ،‬واَّنة‪ ،‬وتلك ـنة هللا‬
‫رـ ش‬
‫أأ الناس أش ـ ُّـد بالءً؟‬ ‫ِ‬
‫اخلدرأ ر ــي هللا عنت قلت َي ر ــول هللا! ُّ‬ ‫يف الدَّعوات فعن أيب ــعيد‬

‫الر اعة‪.‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم من َّ‬
‫والد َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الروض األنف (‪ )33/2‬وما بعدها‪.‬‬ ‫انظر َّ‬


‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)48/2( ،‬‬


‫(‪ )4‬انظر زاد اليق ‪ ،‬أليب شن ‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫(‪ )5‬انظر التمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫السويكت ‪ ،‬ص ‪.197‬‬ ‫(‪ )6‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬د‪ .‬ليمان ُّ‬
‫‪246‬‬
‫الرجل عل حس ـ دينت‪ ،‬فَن كان دينت هللا ــلباً اش ـ َّ‬
‫ـتد‬ ‫قال «األنبياء‪ ،‬مثُّ األمثل فاألمثل‪ ،‬يـْبـتشـلش َّ‬
‫حض ي كت مي ـ ـ ـ ـي عل‬ ‫باليه‪ ،‬وإن كان يف دينت رقَّة ابتلي حس ـ ـ ـ ـ دينت‪ ،‬فما يرب البالء ابلعبد َّ‬
‫[ابن ماجه (‪ )4024‬عن أب سـ ـ ـ ـ ــعيد اخلدري‪ ،‬ورواه الرتمذي (‪ ،)2398‬وأمحد (‪ ،)172/1‬وابن ماجه‬ ‫األرض‪ ،‬وما عليت خطيئة»‬
‫(‪ )4023‬عن سعد بن أب وقاص] ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ما تعرض له أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من األذ والتَّعذيب‪:‬‬

‫الص ِديق ر ي هللا عنت‬


‫‪ - 1‬ما حقاه أبو بك ٍر ِ‬

‫الروا ـ ــي ال َّ ـ ـ ـاملات‪ ،‬وبذلوا‬ ‫ص ـ ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم من البالء العظيم ما تنوء بت َّ‬ ‫حتمل ال َّ‬
‫َّ‬
‫أموايم ودماءهم يف ــبيل هللا‪ ،‬وبل هبم اجلهد ما شــاء هللا أن يبل ‪ ،‬و يش ْس ـلش ْم أش ـرا اَّســلم‬
‫من هذا احبتالء‪ ،‬فلقد أوذأ أبو بكر ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وحثي عل رأ ـ ـ ـ ــت ال ُّ اب‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـرب يف‬
‫وحل إىل بيتت يف ثوبت‪ ،‬وهو ما ب احلياة‬ ‫حض ما يعر وجهت من أنفت‪ِ ،‬‬ ‫اَّس ـ ـ ـ د احلرام ابلنِعال َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬ ‫واَّوت(‪ ،)1‬فقد روت عائ ة ر ي هللا عنها أنَّت ل َّـما اجتمع أهللالاب الن ِ‬
‫‪ ،‬وكانوا شانية وثالث رجالً‪ ،‬أأَّ أبو بكر ر ي هللا عنت عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف‬
‫حض ظهر ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـل هللا‬ ‫الظُّهور‪ ،‬فقال «َي أاب بكر! َّإان قليل»‪ .‬فلم يايل أبو بكر يل ُّ َّ‬
‫جل يف ع ـريتت‪ ،‬وقام أبو بكر يف النَّاس‬ ‫كل ر ٍ‬
‫وتفرق اَّسـلمون يف نواحي اَّسـ د‪ُّ ،‬‬ ‫عليت و ـلم ‪َّ ،‬‬
‫خطيباً ور ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم جالس‪ ،‬فكان َّأول خطي دعا إىل هللا تعاىل وإىل‬
‫ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬واثر اَّ ركون عل أيب بكر‪ ،‬وعل اَّسلم ‪ ،‬فضربوهم يف نواحي‬
‫اَّس د رابً شديداً‪ ،‬وو ِطأ ش أبو بكر‪ ،‬و رب رابً شديداً‪ ،‬ودان منت الفا ق عتبة بن ربيعة‪،‬‬
‫حض‬‫ف عل يض ـ ـربت بنعل ملص ــوفت ‪ ،‬و ِرفهما لوجهت‪ ،‬ونايا عل بطن أيب بك ٍر ر ــي هللا عنت‪َّ ،‬‬
‫لت بنو‬‫ما يعر وجهت من أنفت‪ ،‬وجاءت بنو تشـْي ٍم يتعادون‪ ،‬فأجلت اَّ ــرك عن أيب بك ٍر‪ ،‬وحش ْ‬
‫تيم أاب بك ٍر يف ثوب حض أدخلوه منايلــت‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـكون يف موتــت‪ ،‬مثَّ رجعــت بنو تي ٍم‪ ،‬فــدخلوا‬
‫لنقتلن عتبة بن ربيعة‪ ،‬فرجعوا إىل أيب بكر‪ ،‬ف عل أبو‬ ‫اَّسـ ـ ـ ـ د‪ ،‬وقالوا وهللا لئن مات أبو بكر َّ‬
‫حض أجاب‪ ،‬فتكلَّم آخر النَّهار‪ ،‬فقال ما فعل ر ــول‬ ‫قلافة (والده) وبنو تشـْيم يكلِمون أاب بكر َّ‬
‫ألمت ِأم اخلري انظرأ أن‬ ‫هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ؟ فم ُّسـ ـ ـ ـوا منت أبلس ـ ـ ــنتهم‪ ،‬وعذلوه‪ ،‬وقالوا ِ‬

‫(‪ )1‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.243‬‬


‫‪247‬‬
‫تطعميت شيئاً‪ ،‬أو تسقيت َّإَيه‪ ،‬فل َّـما خلت بت أحلَّت عليت‪ ،‬وجعل يقول ما فعل ر ول هللا هللال‬
‫هللا عليت و ـ ــلم ؟ فقالت وهللا ماس علم بص ـ ــاحبك‪ .‬فقال اذهب إىل ِأم يل بنت اخلطاب‪،‬‬
‫حممد بن عبد‬ ‫إن أاب بك ٍر يسـ ـ ــألك عن َّ‬
‫فا ـ ـ ــأليها عنت فهرجت حض جاءت َّأم يل فقالت َّ‬
‫هللا‪ ،‬فقــالــت مــا أعر أاب بك ٍر‪ ،‬وح حم َّمـد بن عبــد هللا‪ ،‬وإن كنــت حتبِ أن أذهـ معــك إىل‬
‫حض وجدت أاب بكر هللاـ ـريعاً شدنِفاً‪ ،‬فدنت ُّأم يل‪ ،‬وأعلنت‬ ‫ابنك‪ ،‬قالت نعم‪ ،‬فمض ــت معها َّ‬
‫إن قوماً انلوا هذا منك ألهل فِ ْسـ ٍق وكف ٍر‪ ،‬إنَّ ألرجو أن ينتقم هللا لك‬ ‫صـيا ‪ ،‬وقالت وهللا! َّ‬‫ابل ِ‬
‫منهم قال فما فعل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ؟ قالت هذه ُّأمك تس ـ ــمع‪ ،‬قال فال‬
‫علي‬
‫فَن هلل َّ‬ ‫شـيء عليك منها‪ ،‬قالت ـا ‪ ،‬هللاـاأ‪ ،‬قال أين هو؟ قالت يف دار األرقم‪ ،‬قال َّ‬
‫حض إذا‬ ‫أحَّ أذوق طعاماً‪ ،‬وح أشــرب ش ـراابً‪ ،‬أو ال ر ـ ش‬
‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فأمهلتاه َّ‬
‫حض أدخلتاه عل ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا‬ ‫الرجل و ـ ــكن الناس‪ ،‬خرجتا بت يتكئ عليهما‪َّ ،‬‬ ‫هدأت ِ‬
‫عليت و لم ‪ ،‬فقال فأك َّ عليت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقبَّلت‪ ،‬وأك َّ عليت اَّسلمون‪،‬‬
‫ورق لت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم رقَّةً شــديدة‪ ،‬فقال أبو بكر أبيب‪ ،‬وأمي َي ر ــول هللا!‬
‫َّ‬
‫ليس يب أبس إح ما انل الفا ـ ـ ـ ـ ـ ــق من وجهي‪ ،‬وهذه ِأمي بشـَّرة بولدها‪ ،‬وأنت مبارك فادعها إىل‬
‫هللا‪ ،‬وادي هللا يا‪ ،‬عس هللا أن يستنقذها بك من النَّار‪ .‬قال فدعا يا ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫و لم ‪ ،‬ودعاها إىل هللا فأ لمت(‪.)1‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪ِ - 1‬حرص أيب بك ٍر ر ــي هللا عنت عل إعالن ال ــالم‪ ،‬وإظهاره أمام الكفَّار‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل‬ ‫ْ‬
‫إن قومت كانوا ح ي ُّكون يف موتت‪.‬‬
‫حض َّ‬‫عل َّقوة إميانت‪ ،‬وش اعتت‪ ،‬وقد حتش َّمل األذ العظيم‪َّ ،‬‬
‫‪ - 2‬مد احل ِ الَّذأ كان يكنُّت أبو بك ٍر لر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم حيث إنَّت‬
‫السؤال‪ ،‬مثَّ لف أحَّ ركل‪ ،‬وح‬ ‫وهو يف تلك احلال احلرجة‪ ،‬يسأل عنت‪ ،‬ويل ُّ إحلاحاً ع يباً يف ُّ‬
‫يتم ذلك‪ ،‬وهو ح يس ـتطيع اَّ ــي‪ ،‬بل النُّهوض؟ ولكنَّت احل ُّ الَّذأ يف‬ ‫حض يراه‪ ،‬كيف ُّ‬ ‫ي ــرب َّ‬
‫ـاب يف ــبيل هللا ومن أجل ر ـ ـولت هللا ــل هللا عليت‬ ‫كل مص ـ ٍ‬ ‫هللا‪ ،‬والعايائم اليت تقهر ال ِ‬
‫ص ـ ـعاب‪ ،‬و ُّ‬
‫و لم هِ ‪ ،‬ويسري‪.‬‬

‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪ 439/1‬ـ ‪ ، )441‬والبداية والنِهاية (‪.)30/3‬‬


‫انظر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪248‬‬
‫القبلية‪ ،‬كان يا يف ذلك احل دور يف توجيت األحداث والتَّعامل مع‬ ‫‪َّ - 3‬‬
‫إن العص ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـبية َّ‬
‫حض مع اختال العقيدة فهذه قبيلة أيب بك ٍر ِ‬
‫هتدد بقتل عتبة إن مات أبو بكر(‪.)1‬‬ ‫األفراد‪َّ ،‬‬
‫لعل من ألها‬ ‫تصر ٍ‬
‫فات َّ‬ ‫احلس األم ُّ ِ‬
‫ألم ٍيل ر ي هللا عنها‪ ،‬فقد برز يف عدَّة ُّ‬ ‫‪ُّ - 4‬‬
‫إخفاء ال َّهصيَّة‪ ،‬واَّعلومة عن طريق النكار‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬أنكرت َّأ‪،‬ا‬
‫عندما ـ ـ ــألت ُّأم اخلري َّأم يل‪ ،‬عن مكان َّ‬
‫حذر ـ ـ ـ ـ ــليم إذ تكن ُّأم اخلري ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاعتئذ‬ ‫ِ‬ ‫وحممد بن عبد هللا‪ ،‬فهذا تص ـ ـ ـ ـ ـ ُّـر‬
‫تعر أاب بكر‪َّ ،‬‬
‫تود أن تعلم بت ُّأم اخلري‪ ،‬ويف الوقت ذاتت أخفت‬ ‫مس ـ ــلمةً‪ ،‬و ُّأم يل كانت هفي إ ـ ــالمها‪ ،‬وح ُّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ملافةش أن تكون عيناً لقر ٍ‬
‫يش(‪.)2‬‬ ‫عنها مكان َّ‬
‫است الل املوقف إليصال املعلومة‪:‬‬
‫فأم ٍيل أرادت أن تقوم نيصال اَّعلومة بنفسها أليب بك ٍر ر ي هللا عنت‪ ،‬ويف الوقت ذاتت‬ ‫ُّ‬
‫ألم اخلري إمعاانً يف ال ِس ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬والكتمان‪ ،‬فا ـ ـ ــت لَّت اَّوقف لصـ ـ ــاحلها قائلةً «إن‬
‫تظهر ذلك ِ‬
‫كنت حتبِ أن أذه معك إىل ابنك فعلت»‪ ،‬وقد عر ت عليها هذا الطَّل بطر ٍ‬
‫يقة تنم عن‬ ‫ِ‬
‫َّصر ‪ ،‬فقويا «إن كنت حتبِ ‪ -‬وهي ُّأمت ‪ »-‬وقويا «إىل ابنك»‪ ،‬و تقل‬ ‫الذكاء وحسن الت ُّ‬‫َّ‬
‫كل ذلك ِرك يف ِأم اخلري عاطفة األمومة‪ ،‬ف الباً ما تر ـ ـ يذا الطَّل ‪ ،‬هذا‬ ‫يا إىل أيب بك ٍر‪ُّ ،‬‬
‫ما ذ ابلفعل حيث أجابتها بقويا «نعم» وابلتَّاس ُلت ُّأم يل يف إيصال اَّعلومة بنفسها‪.‬‬
‫است الل املوقف يف كسب عطف ِّأم أب بكر‪:‬‬
‫أن َّأم يل حاولت أن تكس ـ عطف ِأم اخلري‪ ،‬فا ــت لَّت و ــع أيب بك ٍر ر ــي هللا‬ ‫يبدو َّ‬
‫ت شم ْن قام هبذا الفعل بقويا « َّ‬
‫إن‬ ‫عنت‪ ،‬الَّذأ يظهر فيت هللا ـ ـ ـريعاً دنِفاً‪ ،‬فأعلنت ابل ِ‬
‫ص ـ ـ ـيا ‪ ،‬و ش ـ ـ ـبَّ ْ‬ ‫ش‬
‫أن هذا اَّوقف من ِأم ٍيل ي ـ ــفي بعض‬ ‫منك ألهل فس ـ ـ ٍـق‪ ،‬وكف ٍر» فال ش ـ ــك َّ‬ ‫قوماً انلوا هذا ش‬
‫ألم يل‪ ،‬وهبذا تكون ُّأم‬ ‫ليل ِأم اخلري من الَّذين فعلوا ذلك اببنها‪ ،‬فقد ت ِك ُّن شـ ـ ــيئاً من احل ِ ِ‬
‫مهمة ِأم يل يف إيصــال اَّعلومة إىل‬ ‫يل كســبت عطف ِأم اخلري‪ ،‬وثقتها‪ ،‬األمر الذأ يسـ ِـهل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬


‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪249‬‬
‫أيب بك ٍر ر ي هللا عنت(‪.)1‬‬
‫االحتياط ِّ‬
‫والتأين قبل النيطق ابملعلومة‪:‬‬
‫لقد كانت ُّأم يل يف اية احليطة‪ ،‬واحلذر‪ ،‬من أن تتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرب هذه اَّعلومة اخلطرية عن‬
‫مكان قائد الدَّعوة‪ ،‬فهي تطمئن بعد إىل ِأم اخلري َّ‬
‫أل‪،‬ا ما زالت م ـ ـ ـ ـ ـ ــركةً آنذاك‪ ،‬وابلتَّاس‬
‫ترددت عندما ـ ــأيا أبو بكر ر ـ ــي هللا عنها عن حال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا‬‫أتمن جانبها‪ ،‬لذا َّ‬
‫عليت و لم ‪ ،‬فقالت لت هذه ُّأمك تسمع؟ فقال يا ح شيء عليك منها‪ ،‬فأخربتت اعتها َّ‬
‫أبن‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ا هللااأ(‪ ،)2‬وزَيد ًة يف احليطة‪ ،‬واحلذر‪ ،‬والتكتُّم هربه مبكانت‪،‬‬
‫إح بعد أن أيا عنت قائالً أين هو؟ فأجابتت يف دار األرقم‪.‬‬
‫املومة‪:‬‬
‫ختري الوقت املناسب لتنفيذ َّ‬
‫ي‬
‫الذهاب إىل دار األرقم‪ ،‬تس ـ ـ ـ ــت لت ُّأم يل عل‬‫ح طل أبو بك ٍر ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫الرجل و ــكن النَّاس خرجت بت ومعها ُّأمت‬ ‫الفور بل آتخرت عن اح ــت ابة‪ ،‬حض إذا هدأت ِ‬
‫الرقابة من قِبش ِل‬
‫اَّهمة‪ ،‬حيث تنعدم َّ‬
‫َّلرك‪ ،‬وتنفيذ هذه َّ‬‫يتكئ عليهما‪ ،‬فهذا هو أنس ـ ـ ـ وقت للت ُّ‬
‫اَّهمة ابلفعل دون أن ي عر هبا األعداء‪،‬‬ ‫أعداء الدَّعوة‪ ،‬اَّا يقلِل من فرص ك فها‪ ،‬وقد نـ ِفذت َّ‬
‫أن الوقت اَّهتار‬ ‫حض دخلت ُّأم يل‪ ،‬و ُّأم اخلري بص ـ ــلبة أيب بكر إىل دار األرقم‪ ،‬وهذا يؤكِد َّ‬
‫َّ‬
‫كان أنس األوقات(‪.)3‬‬
‫صـ ِديق يف‬ ‫‪ - 5‬قانون اَّنلة بعد اَّنة‪ ،‬حيث أ ــلمت ُّأم اخلري ُّأم أيب بكر‪ ،‬بســب ر بة ال ِ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم الدُّعاء يا لِ شما رأ‬
‫إدخال ِأمت إىل حظرية ال ــالم‪ ،‬وطلبت من َّ‬
‫من ِبرها بت‪ ،‬وقد كان ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت حريص ـ ـ ـ ـ ـاً عل هداية الناس ا خرين فكيف أبقرب الناس‬
‫إليت؟!(‪.)4‬‬
‫تعر وا َّنة األذ ‪ ،‬والفتنة بعد ر ول هللا هللال هللا عليت‬ ‫الصلابة الَّذين َّ‬
‫إن من أكثر َّ‬ ‫‪َّ - 6‬‬
‫ص ـ ِديق ر ــي هللا عنت نظراً لصــلبتت اخلا َّ‬
‫هللا ـة لت‪ ،‬والتصــاقت بت يف اَّواطن اليت‬ ‫و ــلم ‪ ،‬أاب بك ٍر ال ِ‬

‫(‪ )1‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة يف جوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪ ، 52 ، 51 ، 50‬وقد ا تفدت من هذا الكتاب يف هذه الدُّروس األمنيَّة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪250‬‬
‫ص ـ ِديق مدافعاً عنت‪ ،‬وفادَيً َّإَيه بنفســت‪ ،‬فيصــيبت من‬
‫يتعرض فيها ل ذ من قومت‪ ،‬فينربأ ال ِ‬ ‫كان َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق يعترب من كبــار رجــال قريش اَّعروف ابلعقــل‪،‬‬
‫أن ال ِ‬
‫أذ القوم و ـ ـ ـ ـ ـ ــفههم‪ ،‬هــذا مع َّ‬
‫والحسان(‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬بالل ر شي هللا عنت‬


‫حض وهللال إىل ذروة‬ ‫تضاعف أذ اَّ رك لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وألهللالابت َّ‬
‫فنكلت هبم لتفتنهم عن عقيدهتم‪،‬‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـةً يف معاملة اَّس ـ ـ ـ ــتض ـ ـ ـ ــعف من اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪َّ ،‬‬
‫العنف وخا َّ‬
‫لتنفس عن حقدها‪ ،‬و ض ـ ـ ـ ـ ـ ــبها‪ ،‬مبا تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبُّت عليهم من‬ ‫وإ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمهم ولت علهم ِعربًة ل ريهم‪ ،‬و ِ‬
‫العذاب‪.‬‬
‫قال عبد هللا بن مسعود ر ي هللا عنت « َّأول من أظهر ال الم بعة ر ول هللا هللال هللا‬
‫فأما ر ول هللا هللال هللا‬ ‫وعمار‪ ،‬و ُّأمت مسيَّة‪ ،‬وهللاهي ‪ ،‬وبالل‪ ،‬واَّقداد َّ‬‫عليت و لم ‪ ،‬وأبو بك ٍر‪َّ ،‬‬
‫بعمت أيب طال ٍ ‪ ،‬و َّأما أبو بكر فمنعت هللا بقومت‪ ،‬و َّأما ائرهم فأخذهم‬ ‫عليت و لم ‪ ،‬فمنعت هللا ِ‬
‫اَّ ــركون فألبســوهم أدري احلديد‪ ،‬وهللاــهروهم يف ال َّ ـمس‪ ،‬فما منهم إنســان إح وقد وااتهم عل‬
‫ما أرادوا إح بالحً‪ ،‬فَنَّت هانت عليت نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت يف هللا‪ ،‬وهان عل قومت‪ ،‬فأعطوه الولدا شن‪ ،‬وأخذوا‬
‫مكة‪ ،‬وهو يقول أحد أحد» [أمحد (‪ )404/1‬وابن ماجه (‪ )150‬واليبوقي يف دالئل النبوة‬ ‫يطوفون بت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعاب َّ‬
‫(‪ . ])282 - 281/2‬يكن لبالل ر ــي هللا عنت ظش ْهر يس ــنده‪ ،‬وح ع ــرية حتميت‪ ،‬وح ــيو تذود‬
‫كي يعادل رقماً من األرقام‪ ،‬فليس لت دور يف‬ ‫اجلاهلي اَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫عنت‪ ،‬ومثل هذا النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان يف ااتمع‬
‫كالسائمة‪َّ ،‬أما أن يكون لت رأأ‪ ،‬أو يكون هللااح ش‬ ‫َّ‬ ‫احلياة إح أن خيدم‪ ،‬ويطيع‪ ،‬ويباي‪ ،‬وي ْ‬
‫هتاي‬
‫اَّكي‪ُّ ،‬‬
‫اجلاهلي ِ‬‫ِ‬ ‫فك ٍر‪ ،‬أو هللاــاح دعوةٍ‪ ،‬أو هللاــاح قض ـيَّ ٍة‪ ،‬فهذه جرمية شــنعاء يف ااتمع‬
‫كن الدَّعوة اجلديدة الَّيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري يا الفتيان وهم يتلدَّون تقاليد‪،‬‬ ‫أركانت‪ ،‬وتايلايل أقدامت‪ ،‬ول َّ‬
‫اَّرمي اَّنس ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬فأخرجتت إنس ـ ـ ــاانً جديداً عل‬
‫وأعرا آابئهم الكبار حمس ـ ـ ــت قل هذا العبد ِ‬
‫حمم ٍد هللال‬
‫انضم إىل َّ‬ ‫الدين‪ ،‬و َّ‬ ‫الوجود(‪ ،)2‬فقد تف َّ رت معاين الميان يف أعماقت بعد أن امن هبذا ِ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪251‬‬
‫يتعرض للتَّعـذيـ من أجـل‬
‫هللا عليـت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم وإخوانـت يف موكـ الميـان العظيم‪ ،‬وهـا هو ا ن َّ‬
‫موقع التَّعذي ‪ ،‬وفاوض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عقيدتت‪ ،‬ودينت‪ ،‬فقصــد وزير ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم الص ـديق ش‬
‫مض؟! قال أنت الَّذأ أفسدتت‪،‬‬ ‫حض َّ‬‫أميَّةش بن خلف‪ ،‬وقال لت «أح تتَّقي هللا يف هذا اَّسك ؟ َّ‬
‫فأنقذه اَّا تر ! فقال أبوبكر أفعل‪ ،‬عندأ الم أ ــود أجلد منت‪ ،‬وأقو عل دينك‪ ،‬أعطيكت‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت المت ذلك‪،‬‬
‫بت‪ ،‬قال قد قبلت فقال هو لك‪ ،‬فأعطاه أبو بك ٍر ال ِ‬
‫اية اش اه بسبع أو ٍاق‪ ،‬أو أبربع أوقيَّ ٍة ذهباً(‪.)2‬‬ ‫وأخذه‪ ،‬فأعتقت»(‪ .)1‬ويف رو ٍ‬

‫ما أهللارب بالحً‪ ،‬وما أهللالبت ر ي هللا عنت! فقد كان هللاادق ال الم‪ ،‬طاهر القل ‪ ،‬ولذلك‬
‫َّلدَيت‪ ،‬وأمام هللانو من العذاب‪ ،‬وكان هللاربه‪ ،‬وثباتت اَّا ي يظهم‪،‬‬ ‫هللال و تشلِن قناتت أمام الت ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ش‬
‫الرجل الوحيد من ــعفاء اَّس ــلم الَّذأ ثبت عل ال ــالم‪،‬‬ ‫هللاـ ـةً أنَّت كان َّ‬
‫وياييد حنقهم‪ ،‬خا َّ‬
‫مردداً كلمة التَّوحيد ٍ‬
‫بتلد هللاـ ـ ـ ــارٍ ‪ ،‬وهانت عليت نفسـ ـ ـ ــت يف هللا‪،‬‬ ‫ات الكفار فيما يريدون‪ِ ،‬‬ ‫فلم يو ِ‬
‫وهان عل قومت(‪.)3‬‬
‫حمنة منلة فقد هلَّص بالل من العذاب والنَّكال‪ ،‬وهلَّص من أ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العبودية‪،‬‬ ‫كل ٍ‬‫وبعد ِ‬
‫وعاش مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بقيَّـ ـ ـ ـ ـ ــة حياتت مالزماً لت‪ ،‬ومات را ياً عنت مب ِ راً َّإَيه‬
‫يدأ‬
‫َّ‬ ‫ف نعليك ب‬ ‫ابجلنَّة‪ ،‬فقد قال هللاــل هللا عليت و ــلم لبالل «‪ِ ...‬‬
‫فَين مسعت الليلةش شخ ْ ـ ش‬
‫صـ ـ ـلابة‪ ،‬فقد كان عمر ر ـ ــي هللا عنت‬
‫يف اجلنة» [البخاري (‪ )1149‬ومسـ ــلم (‪ .])2458‬و َّأما مقامت عند ال َّ‬
‫يقول «أبو بكر يدان‪ ،‬وأعتق يِدان» يع بالحً(‪.)4‬‬
‫فك رقاب اَّستضعف من اخلطَّة الَّيت تبنَّتها القيادة ال المية‬ ‫الص ِديق يف ِ‬ ‫وأهللاب منهت ِ‬
‫َّقاومة التَّعذي الَّذأ نايل ابَّس ــتض ــعف ‪ ،‬فمض ـ يض ــع مالت يف حترير رقاب اَّؤمن اَّنض ـ ِـم‬
‫الرِق‪.‬‬
‫الدين اجلديد من ِ‬‫إىل هذا ِ‬

‫رقاب بالل ابعهم عامر بن‬ ‫ت ٍ‬ ‫«مثَّ أعتق معت عل ال الم قبل أن يهاجر إىل اَّدينة َّ‬
‫فهرية ش ــهد بدراً‪ ،‬وأحداً‪ ،‬وقتل يوم بئر معونة ش ــهيداً‪ ،‬و ُّأم عبيس‪ ،‬وِزنِرية‪ ،‬وأهللا ــي بص ــرها حض‬

‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)136/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)394/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ال َّ بية القيادية (‪.)140/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫حمنة اَّسلم يف العهد اَّكي ‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪252‬‬
‫العاي ‪ .‬فقالت كذبوا وبيت هللا‪ ،‬ما تضـ ُّـر‬ ‫أعتقها‪ ،‬فقالت قريش ما أذه بصــرها إح الالت‪ ،‬و َّ‬
‫فرد هللا بصــرها(‪ .)1‬وأعتق النَّهدية‪ ،‬وبنتها‪ ،‬وكانتا حمرأةٍ من ب عبد‬ ‫العاي ‪ ،‬وما تنفعان‪َّ ،‬‬ ‫الالت و َّ‬
‫فمر هبما‪ ،‬وقد بعثتهما ـ ـ ـ ـ ـ ــيِدهتما بطشل ٍ يا‪ ،‬وهي تقول وهللا ح أعتقكما أبداً! فقال‬ ‫الدَّار‪َّ ،‬‬
‫أبو بكر ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت ِحل(‪َ )2‬ي َّأم فالن! فقالت ِحل‪ ،‬أنت أفس ـ ـ ـ ـ ــدهتما‪ ،‬فأعتقهما‪ ،‬قال‬
‫حراتن‪ ،‬أ ْشرجعا إليها طشلينها‪ .‬قالتا شأو‬ ‫فبكم لا؟ قالت بكذا‪ ،‬وكذا‪ .‬قال قد أخذهتما‪ ،‬ولا َّ‬
‫نرده إليها؟ قال وذلك إن شئتما»(‪.)3‬‬ ‫نشـ ْفشرغ منت َي أاب بكر! مثَّ ُّ‬
‫خطاب‬
‫ش‬ ‫حض خاطبتاه‪،‬‬ ‫صـ ـ ـ ِديق واجلاريت َّ‬ ‫أتمل ترينا كيف ـ ـ َّـو ال ـ ــالم ب ال ِ‬ ‫وهنا وقفة ُّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ِديق ‪ -‬عل ش ـ ـ ـ ــرفت‪ ،‬وجاللتت يف اجلاهليَّة‪،‬‬ ‫الند ِ‬
‫للند‪ ،‬ح خطاب اَّس ـ ـ ـ ــود لل َّسـ ـ ـ ـ ـيِد‪ ،‬وتقبَّل ال ِ‬ ‫ِ‬
‫حض‬‫أن لت يداً عليهما ابلعتق‪ ،‬وكيف هللا ـ ـ ــقل ال ـ ـ ــالم اجلاريت َّ‬ ‫وال ـ ـ ــالم ‪ -‬منهما ذلك‪ ،‬مع َّ‬
‫وحتررات من الظُّلم أن تــدعــا يــا طلينهــا‬ ‫هلَّقتــا هبــذا اخللق الكر ‪ ،‬وكــان ميكنهمــا‪ ،‬وقــد أعتقتــا‪َّ ،‬‬
‫الرَي ‪ ،‬أو ركلت احليوان‪ ،‬والطَّري‪ ،‬ولكنَّهما أبتا ‪ -‬تف ُّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً ‪ -‬إح أن تفر ا منت‪،‬‬ ‫اً ِ‬
‫يذه أدر ش‬
‫وترداه إليها(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫عدأ بن كع ‪ -‬وكانت مســلمةً‪ ،‬وعمر بن‬ ‫ِ‬ ‫صـ ِديق قارية ب م شؤَّمل ‪ -‬حي من ب‬
‫ومر ال ِ‬
‫َّ‬
‫مل قال إين أعتذر‬ ‫حض إذا َّ‬ ‫عذهبا لت ك ال ــالم‪ ،‬وهو ٍ‬
‫يومئذ م ــرك‪ ،‬وهو يضـ ـرهبا‪َّ ،‬‬ ‫اخلطَّاب ي ِ‬
‫إليك‪ِ ،‬إين أتركك إح عن ٍ‬
‫ماللة‪ ،‬فتقول كذلك فعل هللا بك‪ .‬فابتاعها أبو بك ٍر‪ ،‬فأعتقها(‪.)5‬‬
‫وحمرر العبيد‪ ،‬ش ــي ال ــالم الوقور الَّذأ عر ب قومت أبنَّت‬ ‫احلرََّيت‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫هكذا كان واه‬
‫ِ‬
‫احلق‪،‬‬ ‫ضـ ـ ـ ـ ـيف‪ ،‬ويع عل نوائ‬ ‫الكل‪ ،‬ويقرأ ال َّ‬
‫الرحم‪ ،‬و مل َّ‬ ‫يكسـ ـ ـ ـ ـ اَّعدوم‪ ،‬ويص ـ ـ ـ ــل َّ‬
‫ضـ ـ ـعفاء‪ ،‬واألرقَّاء‪ ،‬أنفق‬ ‫ين مس يف ٍإمث يف جاهليتت‪ ،‬أليف مألو ‪ ،‬يس ـ ــيل قلبت رقَّةً ورحةً عل ال ُّ‬
‫جايءاًكبرياً من مالت يف ش ـ ـ ـ ـراء العبيد‪ ،‬وأعتقهم هلل‪ ،‬ويف هللا قبل أن تنايل التَّ ـ ـ ـ ـريعات ال ـ ـ ــالميَّة‬
‫اَّبَّبة يف العتق‪ ،‬والواعدة عليت أجايل الثَّواب(‪.)6‬‬

‫الطبقات الكرب ‪ ،‬حبن عد (‪ ، )232/3‬ورجالت ثقات‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫حتلَّلي من ميينك‪.‬‬ ‫(‪ )2‬حل‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)393/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)346/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)393/1‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)345/1‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‬
‫‪253‬‬
‫اَّكي يتنــدَّر أبيب بك ٍر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنــت الَّـذأ يبــذل هــذا اَّــال كلَّ ـت يؤحء‬
‫كــان ااتمع ُّ‬
‫فكل م ـ ـ ـ ـركي األرض‪،‬‬
‫الدين اجلديد‪ُّ ،‬‬ ‫اَّس ـ ـ ــتض ـ ـ ــعف ‪َّ ،‬أما يف نظر الص ـ ـ ــديق فهؤحء إخوانت يف ِ‬
‫وط اهتا ح يس ــاوون عنده واحداً من هؤحء‪ ،‬وهبذه العناهللا ــر‪ ،‬و ريها ت شبىن دولة التَّوحيد‪ ،‬وتص ــنع‬
‫الرائعة(‪ .)1‬و يكن الصـ ِـديق يقصــد بعملت هذا حممد ًة‪ ،‬وح جاهاً‪ ،‬وح‬ ‫الرائدة‪ ،‬و َّ‬
‫حضــارة ال ــالم َّ‬
‫يوم «َي ب َّ‪ِ ،‬إين أراك‬ ‫وإجا كان يريد وجت هللا ذا اجلالل والكرام‪ ،‬ولقد قال لت أبوه ذات ٍ‬ ‫دنيا‪َّ ،‬‬
‫أجالداً مينعونــك‪ ،‬ويقومون‬ ‫تعتق رقــاابً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعــافـاً‪ ،‬فلو أنـَّك إذ فعلــت مــا فعلــت أعتقــت رجــاحً ْ‬
‫وجل»‪ .‬فال ع‬‫عاي َّ‬ ‫دونك؟ فقال أبو بكر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت َي أبت! ِإين َّإجا أريد ما أريد هلل َّ‬
‫الص ِديق قرآانً يتل إىل يوم ِ‬
‫الدين‪.‬‬ ‫إذا كان هللا بلانت أنايل يف شأن ِ‬

‫*وأ َّشما شم ْن شِ شل‬ ‫ِ ِ‬ ‫هللاد ش ِ‬


‫َّق اب ْحل ْس شىن *فش شسنـيشسره ل ْلي ْسشر ش‬ ‫قال تعاىل ﴿فشأ َّشما شم ْن أ ْشعطش شواتَّـ شق ش‬
‫*و ش‬
‫*وشما يـ ْ ِ شعْنت شمالت إِذشا تشـشرَّد *إِ َّن شعلشْيـنشا لشْله شد‬ ‫ِ ِ‬ ‫وا ْ تشـ ْ شىن *وشك َّذ ش ِ‬
‫ب اب ْحل ْس شىن *فش شسنـيشسره ل ْلع ْسشر ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫ب شوتشـ شوَّىل‬ ‫صالش شها إِحَّ األش ْش شق *الَّذأ شك َّذ ش‬ ‫*وإِ َّن لشنشا لشآلخرشة شواأل ش‬
‫وىل *فشأشنْ شذ ْرتك ْم شان ًرا تشـلشظَّ *حش يش ْ‬ ‫ش‬
‫*وشما ِأل شح ٍد ِعْن شده ِم ْن نِ ْع شم ٍة ْدشاي *إِحَّ ابْتِ شاءش شو ْج ِت شربِِت‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫*و ش ي ش نَّـبـ شها األشتْـ شق *الذأ يـ ْؤل شمالشت يشـتشـشايَّك ش‬
‫ش‬
‫(‪)2‬‬
‫[الليل ‪. ]21 5‬‬ ‫األ ْشعلش * شولش شس ْو ش يشـ ْر ش ﴾‬
‫كان هذا التكافل ب أفراد اجلماعة ال ــالميَّة األوىل قِ َّمةً من قِ شم ِم اخلري‪ ،‬والعطاء‪ ،‬وأهللاــب‬
‫ـلاب عقيدةٍ‪ ،‬وفكرةٍ‪ ،‬يناق ـ ــون هبا‪ ،‬وينافلون عنها‪ ،‬وجياهدون يف‬ ‫هؤحء العبيد ابل ـ ــالم أهللا ـ ـ ش‬
‫ص ـ ِديق ر ــي هللا عنت عل ش ـرائهم‪ ،‬مثَّ إعتاقهم دليالً عل عظمة‬ ‫ــبيلها‪ ،‬وكان إقدام أيب بك ٍر ال ِ‬
‫ص ـ ِديق ر ــي هللا عنت‪ ،‬وما أحوً اَّســلم اليوم أن ْيوا‬ ‫الدين‪ ،‬ومد ت ل لت يف نفســية ال ِ‬ ‫هذا ِ‬
‫الرفيع‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ــاعر ال َّسـ ـ ـ ـ ـامية ليتم التَّالحم والتَّعايش‪ ،‬والتَّعا ـ ـ ـ ــد ب أبناء األمة الَّيت‬
‫هذا اَّثل َّ‬
‫الدين!‬ ‫يتعرض أبنايها لإلابدة ال َّاملة من قِب ِل أعداء العقيدة‪ ،‬و ِ‬
‫ش‬
‫عمار بن َي ٍر‪ ،‬وأبوه‪ ،‬و ُّأمت ر ي هللا عنت‬
‫‪َّ - 3‬‬
‫كــان والــد ع َّمـار بن َي ـ ـ ـ ـ ـ ــر من ب عنس من قبــائــل اليمن‪ ،‬قــدم م َّكـة‪ ،‬وأخواه احلـارث‪،‬‬
‫مبكة‪ ،‬وحالف أاب حذيفة‬ ‫ومالك يطلبون أخاً يم‪ ،‬فرجع احلارث‪ ،‬ومالك إىل اليمن‪ ،‬وأقام َي ــر َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)342/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر رية ابن ه ام (‪ ، )319/1‬وتفسري احلو ي (‪.)152/30‬‬
‫‪254‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فايوجت أبو حذيفةش أ ششمةً لت‪ ،‬يقال يا مسيَّة بنت خيَّاط‪ ،‬فولدت لت شع َّماراً‪،‬‬ ‫اَّهايومي ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫بن اَّ رية‬
‫وعمار‪ ،‬وأخوه‬ ‫فأعتقت أبو حذيفة الَّذأ يلبث أن مات‪ ،‬وجاء ال ــالم‪ ،‬فأ ــلم َي ــر‪ ،‬ومسيَّة‪َّ ،‬‬
‫عبد هللا بن َي ر‪ ،‬ف ض عليهم مواليهم بنو ملايوم ضباً شديداً‪ ،‬وهللابُّوا عليهم العذاب هللابـ ـ ـ ـاً‪،‬‬
‫مكة ‪ ،‬ويقلِبو‪،‬م ظهراً لبط ٍن ‪ُّ ،‬‬ ‫فكانوا خيْ ِرجو‪،‬ـم إذا حيـت الظَّهـرية‪ِ ،‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫َّ (‪)2‬‬
‫فيمر‬ ‫فيعذبو‪،‬ـم برمضـاء‬
‫فَن موعدكم‬ ‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وهم َّ‬
‫يعذبون‪ ،‬فيقول «هللاـ ـ ـرباً آل َي ـ ــر! َّ‬ ‫عليهم َّ‬
‫مسية‪ ،‬فقال يا ما‬ ‫اجلنة» [احلاكم (‪ )383/3‬واحللية (‪ )140/1‬واملطالب العالية (‪ .)4(])4034‬وجاء أبو جهل إىل َّ‬
‫ألنك ع ـ ـ ـ ـ ـ ــقتِت جلمالت‪ ،‬فأ لظت لت القول‪ ،‬فطعنها ابحلربة يف ملمس العِ َّفة‪،‬‬
‫مبلمد إح ِ‬ ‫امنت َّ‬
‫فقتلها‪ ،‬فهي َّأول شــهيدة يف ال ــالم ر ــي هللا عنها(‪ ،)5‬وبذلك ـطَّرت هبذا اَّوقف ال ُّ ـ اي‬
‫حض يرث هللا األرض ومن‬ ‫كل امرأةٍ مس ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـلمة َّ‬ ‫أعل ‪ ،‬وأ ل ما ِ‬
‫تقدمت امرأة يف ـ ـ ــبيل هللا لتبق ُّ‬
‫عليها ترنو إليها‪ ،‬ويهفو قلبها إىل احقتداء هبا‪ ،‬فال تبهل ب ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء يف ـ ـ ـ ــبيل هللا بعد أن جادت‬
‫مسيَّة بنت خيَّاط بدمها يف بيل هللا(‪.)6‬‬
‫وقد جاء يف حديث عثمان ر ي هللا عنت قال «أقبلت مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫عمار َي ر ــول هللا!‬
‫عمار بن َي ــر‪ ،‬فقال أبو َّ‬ ‫حض أت عل ال َّ‬ ‫اخذاً بيده نتم َّ ـ ابلبطلاء‪َّ ،‬‬
‫هم ا فر حل َي ـ ٍر‪ ،‬وقد‬‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم اهللاــرب‪ ،‬مثَّ قال اللَّ َّ‬
‫الدَّهر هكذا؟ فقال لت الن ُّ‬
‫فعلت» [أمحد (‪ ،.)7(])62/1‬مثَّ يلبث َي ر أن مات حتت العذاب‪.‬‬ ‫ش‬
‫يقدم شـ ـ ـ ــيئاً ل َي ـ ـ ـ ــر‪ ،‬رموز الفداء‪،‬‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم أن ش‬
‫يكن يف و ـ ـ ـ ــع الن ِ‬
‫القوة ليســتهلصــهم من األذ‬‫حض ي ـ يهم‪ ،‬ويعتقهم‪ ،‬وليســت لديت َّ‬ ‫والتضــلية‪ ،‬فليس ـوا أبرقاء َّ‬
‫فكل ما يســتطيعت هللاــل هللا عليت و ــلم أن ياي َّ يم الب ــر ابَّ فرة‪ ،‬واجلنَّة‪ ،‬و ثَّهم‬ ‫والعذاب‪ُّ ،‬‬
‫عل الصرب لتصب هذه األ رة اَّبارك ــة قدوًة ل جيال اَّتالحق ــة‪ ،‬وي هد اَّوك اَّستم ـ ُّـر عل‬

‫ِ‬
‫للبالذرأ (‪.)157 ، 100/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر أنساب األشرا ‪،‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)68/2‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫ِ‬
‫للعامرأ (‪.)92/1‬‬ ‫(‪ )3‬هب ة اَّافل ‪،‬‬
‫(‪ )4‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لبراهيم العلي ‪ ،‬ص ‪.98 ، 97‬‬
‫(‪ )5‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )6‬ال َّ بية القياديَّة (‪.)217/1‬‬
‫(‪ )7‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪255‬‬
‫مدار التَّاري هذه الظَّاهرة «هللارباً ال َي ر! َّ‬
‫فَن موعدكم اجلنَّة» [سبق خترجيه](‪. )1‬‬
‫عمار ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬فقد عاش بعد أهلت زمناً يكابد من هللا ـ ـ ــنو العذاب ألواانً‪ ،‬فهو‬ ‫َّأما َّ‬
‫مبكة حتميهم‪ ،‬وليس ــت يم منعة‪ ،‬وح َّقوة‪،‬‬ ‫يص ـنَّف يف طائفة اَّس ــتض ــعف ‪ ،‬الَّذين ح ع ــائر يم َّ‬
‫عمار‬ ‫مبكة يف منتص ـ ـ ـ ـ ـ ــف النَّهار لريجعوا عن دينهم‪ ،‬وكان َّ‬ ‫الرمض ـ ـ ـ ـ ـ ــاء َّ‬
‫تعذهبم يف َّ‬‫فكانت قريش ِ‬
‫َّب هللال‬ ‫حض َّ الن َّ‬ ‫حض ح يدرأ ما يقول(‪ .)2‬ول ـ ـ َّـما أخذه اَّ ركون ليعذبوه ي كوه َّ‬ ‫عذب َّ‬ ‫ي َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قال «ما وراءك؟»‬ ‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وذكر ايتهم ٍري‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أت الن َّ‬
‫قال ش ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وهللا ما ترك اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــركون حض نلت منك! وذكرت ايتهم ري‪ ،‬قال «كيف دد‬
‫قلبك؟» قال مطمئناً ابلميان‪ ،‬قال « فَن عادوا فعد » [احلاكم (‪ ) 357/2‬والزيلعي يف نصـ ـ ـ ـ ــب الرايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫عمار‪ .‬قال تعاىل ﴿من شك شفر ِاب ََّّللِ‬ ‫َّ‬ ‫إميان‬ ‫هللادق‬ ‫عل‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫هادة‬ ‫ب‬ ‫الوحي‬ ‫ونايل‬ ‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شْ ش‬ ‫(‪])158/4‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ضـ‬ ‫هللا ـ ْد ًرا فشـ شعلشْي ِه ْم ش ش‬‫م ْن بشـ ْعد إِميشانت إِحَّ شم ْن أ ْك ِرشه شوقشـ ْلبت مطْ شمئن ِاب ِلميشان شولشك ْن شم ْن شش ـشر ش ِابلْك ْف ِر ش‬
‫اَّللِ شوشي ْم شع شذاب شع ِظيم ﴾ [النحل‪ ]106 :‬وق ـ ــد حضر اَّ اهد كلَّها مع ر ول هللا هللال هللا عليت‬ ‫ِم شن َّ‬
‫و لم (‪. )4‬‬
‫ويف حــادثيت ٍ‬
‫بالل‪ ،‬وع َّم ـا ٍر فقــت عظيم ي او ب العايميــة‪ ،‬و ُّ‬
‫الرخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬تــاً الـ ُّـدعــاة أن‬
‫يا‪.‬‬ ‫اط‪ ،‬أو تفر ٍ‬ ‫الصلي ‪ ،‬ويف معايريه الدَّقيقة دون إفر ٍ‬
‫يستوعبوه‪ ،‬ويضعوه يف إطاره َّ‬
‫‪ - 4‬عد بن أيب وقَّاص ر ي هللا عنت‬
‫حض يعود إىل‬ ‫تعرض للفتنـ ـ ـ ـ ـ ـة من قِبش ـ ـ ـ ـ ـ ِـل والدتت الكافرة‪ ،‬فقد امتنعت عن الطَّعام‪ ،‬وال َّ راب َّ‬
‫َّ‬
‫س‬ ‫﴿وإِ ْن شج ش ِ ِ ِ‬ ‫دينها‪ .‬رو الطَّرباينُّ أن ـ ـ ــعداً قال أنايلت َّ‬
‫اه شد شاك لت ْ ـ ـ ـرشك يب شما لشْي ش‬ ‫يف هذه ا ية ش‬
‫ط ْعهما﴾[العنكبوت‪.]8 :‬‬ ‫ِ‬ ‫لش ش ِِ ِ‬
‫ك بت ع ْلم فشالش ت ش‬
‫أبمي‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ لمت‪ ،‬قالت َي عد! ما هذا ِ‬
‫الدين الَّذأ أراك قد‬ ‫قال كنت رجالً ابراً ِ‬
‫قاتل‬
‫عري يب‪ ،‬فيقال َي ش‬ ‫حض أموت‪ ،‬فت َّ‬
‫لتدعن دينك هذا‪ ،‬أو ح اكل‪ ،‬وح أش ـ ـ ـ ـ ـ ــرب َّ‬
‫َّ‬ ‫أحدثت؟!‬
‫فأهللابلت‬
‫ْ‬ ‫فمكثت يوماً وليلةً أتكل‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فَين ح أدي دي ل يء‪،‬‬ ‫أمت! فقلت ح تفعلي َي أ َّمت ِ‬

‫(‪ )1‬ال َّ بية القياديَّة (‪.)218 ، 217/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫اس ‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لل اي ِ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫فمكثت يوماً آخر‬
‫ْ‬ ‫فمكثت يوماً آخر وليلة أتكل‪ ،‬فأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلت وقد جهدت‪،‬‬‫ْ‬ ‫وقد جهدت‪،‬‬
‫ـبلت قد اشـ َّ‬
‫ـتد جهدها‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأيت ذلك قلت َي أ َّمت‪ ،‬تعلم‬ ‫وليلةً أخر ح أتكل‪ ،‬فأهللاـ ْ‬
‫نفس‪ ،‬فهرجت نفسـ ـ ـاً نفسـ ـ ـاً ما تركت دي هذا ل ـ ـ ٍ‬
‫ـيء‪ ،‬فَن ش ـ ــئت‬ ‫وهللا لو كانت لك مئة ٍ‬
‫فأكلت(‪.)1‬‬
‫ْ‬ ‫فكلي‪ ،‬وإن شئت ح أتكلي!‬
‫حض يكفر بدينت‪ ،‬وح أتكل‪ ،‬وح ت رب‪،‬‬ ‫عد حلفت أحَّ تكلِمت أبداً َّ‬ ‫أن َّأم ٍ‬ ‫ورو مسلم َّ‬
‫حض ي‬ ‫مكثت ثالاثً َّ‬ ‫ْ‬ ‫هللااك بوالديك‪ ،‬وأان ُّأمك‪ ،‬وأان امرك هبذا‪ ،‬قال‬ ‫ت َّ‬
‫أن هللا و َّ‬ ‫زعم ش‬
‫قالت ْ‬
‫ـعد‪ ،‬فأنايل‬‫عليها من اجلهد‪ ،‬فقال ابن يا ‪ -‬يقال لت عمارةش ‪ -‬فس ـ ــقاها‪ ،‬ف علت تدعو عل ـ ـ ٍ‬
‫شش‬
‫ِ ِ‬
‫هللاـ ـْيـنشا ا ِلنْ شسـ ـا شن بِشوال شديْت ح ْسـ ـناً شوإِ ْن شج ش‬
‫اه شد شاك‬ ‫﴿وشو َّ‬
‫وجل ‪ -‬يف القرآن الكر هذه ا ية ش‬ ‫عاي َّ‬‫هللا ‪َّ -‬‬
‫لِت ْ ِرشك ِيب﴾ وفيها ﴿وهللا ِ‬
‫احْبـه شما ِيف ُّ‬
‫الدنْـيشا شم ْعروفًا﴾‬ ‫شش‬
‫قال فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شـ ـ ـ ـ ـ روا فاها بعصـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬مثَّ أ ْشو شجروها‬
‫[مسـ ـ ــلم (‪ )1748‬والرتمذي‬

‫يدل عل مد ت ل ل الميان يف‬ ‫ـعد حمنة عظيمة‪ ،‬وموقفت موقف شفذ‪ُّ ،‬‬ ‫(‪ .)2(])3189‬فملنة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫قلبت‪ ،‬وأنَّت ح يقبل فيت مساومةً مهما كانت النَّتي ة(‪.)3‬‬
‫اَّكي‪ُ ،‬د أنَّت بر م قطع الوحء‪ ،‬ـ ـ ـواء يف احل ِ ‪ ،‬أو النُّص ـ ــرة ب‬
‫ومن خالل تتبُّع القرآن ِ‬
‫وبربهم‪ ،‬والحس ــان إليهم‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫فَن القرآن أمر بعدم قطع هللا ــلتهم‪ِ ،‬‬
‫اَّس ــلم وأقاربت الكفَّار‪َّ ،‬‬
‫ألن الوحء هللِ ولر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬لدينت‪ ،‬وللمؤمن (‪.)4‬‬
‫فال وحء بينهم َّ‬
‫‪ - 5‬مصع بن ع شمري ر ي هللا عنت‬

‫أجودها حلَّةً‪ ،‬وكان أبواه بِانت‪ ،‬وكانت ُّأمت مليئةً‬ ‫مبكة‪ ،‬و ش‬ ‫كان مصـع بن عمري أنعم ٍ‬
‫الم َّ‬
‫ش‬
‫احلضرمي‪،‬‬ ‫مكة‪ ،‬يلبس‬ ‫ِ‬
‫كثرية اَّال‪ ،‬تكسوه أحسن ما يكون من الثياب‪ ،‬وأرقَّت‪ ،‬وكان أعطر أهل َّ‬
‫َّ‬ ‫ش‬
‫وقع احلشْيس(‪ )6‬عند رأ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬فَذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)5‬‬
‫من النعال ‪ ،‬وبل من ش ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّة كلف أمت بت أنَّت كان يبيت ْ‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)446/3‬‬


‫(‪(] )2‬ش روا فاها مث أوجروها) أأ فتلوا فمها ‪ ،‬وهللابُّوا فيت الطَّعام‪.‬‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫(‪ )3‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫َّمد القلطاين ‪( ،‬ص ‪.)175 ، 174‬‬ ‫(‪ )4‬انظر الوحء والرباء ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )5‬الطَّبقات الكرب (‪.)116/3‬‬
‫(‪ )6‬القع القد ال ليم ‪ ،‬واحليس َتر ‪ ،‬وأقا ‪ ،‬ومسن هلا ‪ ،‬وتع ن‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يدعو إىل ال الم يف‬ ‫ا تيقم من نومت أكل(‪ ،)1‬ول َّـما علم َّ‬
‫دار األرقم بن أيب األرقم دخل عليت‪ ،‬فأ ـ ـ ــلم‪ ،‬وهللاـ ـ ــدَّق بت‪ ،‬وخرً فكتم إ ـ ـ ــالمت خوفاً من ِأمت‬
‫(‪)2‬‬
‫وقومت‪ ،‬فكان خيتلف إىل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ــراً‪ ،‬فبص ــر بت عثمان بن طللة‬
‫حض خرً إىل أرض احلب ـ ــة يف‬ ‫يصـ ــلِي‪ ،‬فأخرب َّأمت وقومت‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬وحبسـ ــوه‪ ،‬فلم يايل حمبو ـ ـاً َّ‬
‫اي رة األوىل(‪.)3‬‬
‫حض‬‫قال عد بن أيب وقَّاص ر ي هللا عنت لقد رأيتت وقد شج ِه شد يف ال الم جهداً شديداً‪َّ ،‬‬
‫حض إن كنا لنعر ــت عل‬‫لقد رأيت جلده يتل َّ ـف ‪ -‬أأ يتطاير ‪ -‬حت ُّ ـف جلد احليَّة عنها‪َّ ،‬‬
‫قتبنا فنلملت اَّا بت من اجلهد(‪ ،)4‬وكان ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم كلَّما ذكره‪ ،‬قال «ما‬
‫بن عمري» [احلاكم‬ ‫أرق َّ‬
‫حلةً‪ ،‬وح أنعم نعمةً‪ ،‬من مص ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬ ‫رأيت َّ‬
‫مبكة أحداً أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن َّةً‪ ،‬وح َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وجفاء‬ ‫وحمنة‪ ،‬ووه ٍن يف اجلسـ ــم‪ ،‬و َّ‬
‫القوة‪،‬‬ ‫كل ما أهللاـ ــابت ر ـ ــي هللا عنت من ٍ‬
‫بالء ٍ‬ ‫(‪ ،)5(])200/3‬ومع ِ‬
‫ـيء اَّا بل ت أهللاــلاب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم من‬ ‫ص ـر عن شـ ٍ‬ ‫من أقرب النَّاس إليت يق ِ‬
‫حض أكرمت هللا تعاىل ابل َّهادة يوم ٍ‬
‫أحد(‪.)6‬‬ ‫اخلري‪ ،‬والفضل‪ ،‬واجلهاد يف بيل هللا تعاىل‪َّ ،‬‬
‫يـ شع ُّد مصع ر ي هللا عنت أجوذجاً من تربية ال الم للم ف ال َّباب‪ ،‬للمنعم من أبناء‬
‫الطَّبقات ال نيَّة اَّرفَّهة‪ ،‬ألبناء القص ـ ـ ـ ــور‪ ،‬واَّال‪ ،‬واجلاه‪ ،‬للمع ب أبش ـ ـ ـ ــهاهللا ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬اَّبال يف‬
‫قوَيً ح يض ـ ـ ـ ــعف‪ ،‬وح‬
‫أتنُّقهم‪ ،‬ال َّسـ ـ ـ ـ ـاع وراء مظاهر احلياة كيف ت َّريت‪ ،‬ووقف بعد إ ـ ـ ـ ــالمت َّ‬
‫يتكا ل‪ ،‬وح يتهاذل‪ ،‬وح تقهره نفست‪ ،‬وشهواتت فيسقا يف جليم النَّعيم اخلادي(‪.)7‬‬
‫احة ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـذةٍ‪ ،‬وهناءةٍ‪ ،‬يوم دخل هذا ِ‬
‫الدين‪ ،‬وابيع تلك‬ ‫بكل ما فيت من ر ٍ‬
‫ودي ما ـ ــيت ِ‬ ‫لقد َّ‬
‫ويتعمق يقينت‪ ،‬وكان مص ــع‬
‫حبد لت من اَّرور يف درب اَّنة لكي يص ــقل إميانت‪َّ ،‬‬ ‫البيعة‪ ،‬وكان َّ‬
‫جربوت‪ ،‬وملــاو ‪ ،‬وبر م مــا نايل بــت من البؤس‪ ،‬والفقر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مطمئن ـاً را ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـاً بر م مــا حولــت من‬

‫الروض األنف (‪.)195/2‬‬ ‫َّ‬


‫(‪)1‬‬

‫للذهب (‪ 10/3‬ـ ‪.)12‬‬ ‫(‪ )2‬ري أعالم النبالء ‪َّ ،‬‬


‫(‪ )3‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫السري واَّ ازأ ‪ ،‬حبن إ لاق ‪ ،‬ص‪.193‬‬ ‫(‪ِ )4‬‬
‫(‪ )5‬الطَّبقات الكرب (‪.)116/3‬‬
‫(‪ )6‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫(‪ )7‬انظر مصع بن عمري الدَّاعية اااهد ‪َّ ،‬مد بري ش ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪258‬‬
‫تعرض َّنــة الفقر‪ ،‬وحمنــة فشـ ْق ـ ِد‬ ‫(‪)1‬‬
‫الراحــة ‪ ،‬فقــد َّ‬
‫والعــذاب‪ ،‬وبر م مــا فقــده من مظــاهر النَّعيم و َّ‬
‫الوجاهة‪ ،‬واَّكانة عند أهلت‪ ،‬وحمنة األهل واألقارب والع ـ ـ ـ ـ ـ ــرية‪ ،‬وحمنة اجلوي والتَّعذي ‪ ،‬وحمنة‬
‫كل تلك اَّن منتص ـراً بدينت وإميانت‪ ،‬مطمئنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً أعم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬ ‫ال ربة واحبتعاد عن الوطن‪ ،‬فهرً من ِ‬
‫احطمئنان‪ ،‬اثبتـاً أقو الثبات(‪ ،)2‬ولنا معـت وقفـات يف اَّدينة نذن هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 6‬خبَّاب بن األرت ر ي هللا عنت‬
‫مبكة‪ ،‬وأراد هللا لت ايداية ِ‬
‫مبكراً‪ ،‬فدخل يف ال ــالم قبل‬ ‫كان خبَّاب ر ــي هللا عنت قشـْيناً(‪َّ )3‬‬
‫دخول دار األرقم بن أيب األرقم(‪ ،)4‬فكان من اَّس ـ ـ ـ ـ ــتض ـ ـ ـ ـ ــعف الَّذين عذبوا َّ‬
‫مبكة لكي ير َّ‬
‫تد عن‬
‫حض ذه ماء‬ ‫اَّماة َّ‬
‫دينت‪ ،‬ووهللال بت العذاب أبن ألصق اَّ ركون ظهره ابألرض عل احل ارة َّ‬
‫شمْتنت(‪.)5‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم رلف خباابً‪ ،‬وي َّدد عليت بعد أن أ لم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما علمت‬ ‫وكان َّ‬
‫موحتت بذلك‪ ،‬وهي ُّأم أجار اخلاياعيَّة‪ ،‬أخذت حديد ًة قد أحتها‪ ،‬فو ـ ــعتها عل رأ ـ ــت‪ ،‬ف ـ ــكا‬
‫خباب ذلك إىل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقال هللاــل هللا عليت و ــلم «اللَّ َّ‬
‫هم انصــر‬
‫خباابً!» فاش ـ ـ ــتكت موحتت رأ ش ـ ـ ـها‪ ،‬فكانت تعوأ مع الكالب‪ ،‬فقيل يا اكتوأ‪ ،‬ف اءت إىل‬
‫اب ليكويها‪ ،‬فكان رخذ احلديدة قد أحاها فيكوأ هبا رأ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬وإن يف ذلك لعربةً َّن أراد‬ ‫خبَّ ٍ‬
‫أن يعترب‪ ،‬ما أقرب فرً هللا‪ ،‬ونص ـ ـ ـ ـ ـ ــره من عباده اَّؤمن الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابرين! فانظر كيف جاءت إليت‬
‫يكوأ رأ ش ها(‪.)6‬‬
‫بنفسها تطل منت أن ش‬
‫شد ًة جاء خبَّاب إىل ر ول هللا‬ ‫وَّا زاد ا اَّ رك عل عفاء اَّسلم ‪ ،‬ولقوا منهم َّ‬
‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وهو متشـ شو ِ ـ ـد بـ ْرشد ًة لت يف ِ‬
‫ظل الكعبة‪ ،‬فقال لت «أح تسـ ــتنصـ ــر لنا؟! أح‬
‫الرجل فيمن‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم وهو حممر وجهت‪ ،‬قال «كان َّ‬ ‫تدعو هللا لنا؟!» فقعد َّ‬
‫قبلكم فر لت يف األرض‪ ،‬في عل فيت‪ ،‬في اء ابَّن ــار‪ ،‬فيو ــع عل رأ ــت‪ ،‬في ــق ابثنت ‪ ،‬وما‬

‫السابق نفست ‪( ،‬ص ‪.)107 ، 105‬‬ ‫اَّصدر َّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر مصع بن عمري الدَّاعية اااهد ‪ ،‬ص ‪.126‬‬


‫(‪ )3‬قيناً حداداً‪.‬‬
‫(‪ )4‬ري أعالم النبالء (‪.)479/2‬‬
‫(‪ )5‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫(‪ )6‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد اَّكي ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪259‬‬
‫يص ــدُّه ذلك عن دينت‪ ،‬ومي ش ـ ـا أبم ــاط احلديد ما دون حلمت من عظ ٍم أو شع ش‬
‫صـ ـ ‪ ،‬وما يص ــدُّه‬
‫موت‪ ،‬ح خيا‬
‫ض ـشر ش‬
‫حض يســري الراك من هللاــنعاءش إىل شح ْ‬ ‫تم َّن هذا األمر َّ‬
‫ذلك عن دينت‪ ،‬وهللا! لشيش َّ‬
‫نمــت‪ ،‬ولكنكم تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتع لون» [البخاري (‪ )3612‬وأمحد (‪ 109/5‬و‪ )111‬وأبو داود‬ ‫إح هللا‪ ،‬أو الــذئـ عل‬
‫(‪ )2649‬والنسائي (‪. ])204/8‬‬

‫ولل ـ ــي ـ ــلمان العودة ‪ -‬حفظت هللا ‪ -‬تعليق لطيف عل هذا احلديث‪ ،‬هو َي ـ ــبلان‬
‫احر وجت اَّصـ ــطف هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وقعد من ـ ـ عتت‪ ،‬وخاط‬
‫هللا! ماذا جر حض َّ‬
‫القوأ اَّؤثِر‪ ،‬مثَّ عاتبهم عل اح ــتع ال أل‪،‬م طلبوا الدُّعاء منت هللاــل‬
‫أهللاــلابت هبذا األ ــلوب ِ‬
‫أبمتت‪.‬‬
‫الرحيم َّ‬
‫الريو َّ‬
‫هللا عليت و لم ؟ كال‪ ،‬حاشاه من ذلك‪ ،‬وهو َّ‬
‫إن أ ــلوب الطَّل أح تدعو لنا؟ أح تســتنصــر لنا؟ يوحي مبا وراءه‪ ،‬وأنَّت هللاــادر من ٍ‬
‫قلوب‬ ‫َّ‬
‫أ ــناها العذاب‪ ،‬وأ‪،‬كها اجلهد‪ ،‬وهدَّهتا البلو ‪ ،‬فهي تلتمس الفرً العاجل‪ ،‬وتســتبطئ النَّصــر‪،‬‬
‫أن قبل النَّصر‬ ‫أن األمور مرهونة أبوقاهتا‪ ،‬وأ باهبا‪ ،‬و َّ‬ ‫فتستدعيت‪ ،‬وهو هللال هللا عليت و لم يعلم َّ‬
‫الر ـل شوظشنُّوا أ َّش‪ْ ،‬م قش ْد‬
‫شس ُّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ح َّض إ شذا ا ْ ـتشـْيأ ش‬
‫فالر ــل تبتل ‪ ،‬مثَّ تكون يا العاقبة‪ ،‬قال تعاىل ش‬ ‫البالء‪ُّ ،‬‬
‫ن الْ شقوِم الْم ْ ِرِم ش ﴾ [يوسف‪. ]110 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صرشان فشـن شي شم ْن نش ش اء شوحش يـشرُّد شأبْ نشا شع ِ ْ‬
‫كذبوا شجاءشه ْم نش ْ‬
‫ويلمس ‪ -‬عليت ال َّس ـ ـالم ‪ -‬من واقع أهللاـ ــلابت‪ ،‬ومالبسـ ــات أحوايم‪ ،‬بشـشرمهم ابلعذاب الذأ‬
‫حض يفتنوا عن دينهم‪ ،‬ويستعلي عليهم الكفرة‪ ،‬وميوت منهم من ميوت حتت التَّعذي ‪.‬‬ ‫يالقون‪َّ ،‬‬
‫وقد ح يكون من اَّيس ــور أن يدرك اَّرء ‪ -‬مب َّرد قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراءة الن ِ‬
‫َّص ‪ -‬حقيقة احلال اليت كانوا‬
‫ص ـالة وال َّس ـالم ‪ -‬الدُّعاء‪ ،‬واح ــتنصــار‪ ،‬وح أن يعر اَّ ـاعر‬ ‫عليها‪ ،‬ح طلبوا منت ‪ -‬عليت ال َّ‬
‫والحس ـ ــا ـ ــات الَّيت كانت تثور يف نفو ـ ــهم‪ ،‬إح أن يعيش حاحً قريباً من حايم‪ ،‬ويعاين ‪ -‬يف‬
‫بعض ما عانوا‪.‬‬
‫بيل هللا ‪ -‬ش‬
‫لقد كان صلى هللا عليه وسلم يربِّيوم على‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التأ ِ ـ ـ ـ ـي ابل َّس ـ ـ ـ ـابق من األنبياء واَّر ـ ـ ــل وأتباعهم‪ ،‬يف ُّ‬
‫حتمل األذ يف ـ ـ ــبيل هللا‪،‬‬
‫ويضرب يم األمثلة يف ذلك‪.‬‬
‫الصابرين من النَّعيم‪ ،‬وعدم اح ار مبا يف أيدأ‬
‫َّ‬ ‫ب ‪ -‬التَّعلُّق مبا أعدَّه هللا يف اجلنة للمؤمن‬
‫الكافرين من زهرة احلياة الدُّنيا‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫ً ‪ -‬التَّطلُّع للمس ــتقبل‪ ،‬الَّذأ ينص ــر هللا فيت ال ــالم يف هذه احلياة الدُّنيا‪ُّ ،‬‬
‫ويذل فيت أهل‬
‫الكفر‪ ،‬والعصيان‪.‬‬
‫خيطا‪،‬‬‫وشَّة أمر آخر كبري‪ ،‬أح وهو أنَّت هللاــل هللا عليت و ــلم مع هذه األشــياء كلِها كان ِ‬
‫كف اَّ رك عن فتنتهم‪،‬‬ ‫اَّتعددة لرفع األذ والظُّلم عن أتباعت‪ ،‬و ِ‬ ‫اَّاديَّة ِ‬
‫ويستفيد من األ باب ِ‬
‫لكل مسـ ــل ٍم أن يعبد ربَّت حيث شـ ــاء‪،‬‬ ‫وإقامة ال َّدولة الَّيت داهد يف ـ ــبيل ِ‬
‫الدين‪ ،‬وتتي الفرهللاـ ــة ِ‬
‫وتاييل احلواجاي‪ ،‬والعقبات الَّيت تع ض طريق الدَّعوة إىل هللا(‪.)1‬‬
‫عنت‪ ،‬و ــوء‬ ‫وقد حتدَّث خباب ر ــي هللا عنت عن بعض ما كانوا يلقونت من اَّ ــرك ‪ ،‬من ٍ‬
‫حض يعودوا إىل الكفر‪ ،‬فقال كنت رجالً قشـْي ناً(‪ ،)2‬وكان س‬ ‫ـاومة عل احلقوق‪َّ ،‬‬ ‫معاملة‪ ،‬ومسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫مبلمد‪ ،‬فقلت لن‬ ‫حض تكفر َّ‬ ‫عل العاص بن وائل شديْن‪ ،‬فأتيتت ألقتضيت‪ ،‬فقال س لن أقضيك َّ‬
‫وإين َّبعوث بعد اَّوت؟ فَن كان ذلك فلسو أقضيك إذا‬ ‫حض َتوت‪ ،‬وتبعث‪ ،‬قال ِ‬ ‫أكفر َّ‬
‫رجعت إىل ماس وولدأ‪ ،‬فنايلت فيت ﴿أشفشـرأشي ِ‬
‫ت الَّذأ شك شفشر ِر ش‬
‫َيتنا شوشق شال ألشِوتشش َّ شماحً شوشولش ًدا ﴾‬ ‫شْ ش‬
‫إىل قولت ﴿ورْتِينشا فشـرًدا ﴾ [مرمي‪[ ]80 - 77 :‬البخاري (‪ )2091‬ومسلم (‪. ])2795‬‬
‫شش ْ‬
‫عما لقي يف ذات هللا‬ ‫أن عمر بن اخلطَّاب ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت يف خالفتت ـ ـ ـ ـ ــأل خبَّاابً َّ‬ ‫وذكِشر َّ‬
‫تعاىل‪ ،‬فك ف خباب عن ظهره‪ ،‬فَذا هو قد برص‪ ،‬فقال عمر ما رأيت كاليوم‪ ،‬فقال خباب‬
‫أمري اَّؤمن ‪ ،‬لقد ْأوقشدوا س انراً‪ ،‬مثَّ ـ ـ ــلقوين فيها‪ ،‬مثَّ و ـ ـ ــع شرجل ِر ْجلشت عل هللا ـ ـ ــدرأ‪ ،‬فما‬
‫َي ش‬
‫اتَّقيت األرض ‪ -‬أو قال برد األرض ‪ -‬إح بظهرأ‪ ،‬وما أطفأ تلك النَّار إح شلمي(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫مسعود ر ي هللا عنت‬ ‫‪ - 7‬عبد هللا بن‬
‫كان منهت ر ول هللا (ﷺ) يف معاملتت للنَّاس حكيماً‪ ،‬وكان يعامل األكابر وزعماء القبائل‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ار فهذا ابن مس ـ ـ ـ ــعود ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت ِدثنا عن لقائت‬
‫ص ـ ـ ـ ـبيان ال ِ‬
‫بلطف وترفُّ ٍق‪ ،‬وكذلك ال ِ‬
‫ٍ‬
‫اللَّطيف بر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يقول كنت الماً َيفعاً أرع نماً لع ْقبة بن أيب‬
‫ب؟ قلت‬ ‫فمر يب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وأبو بك ٍر‪ ،‬فقال َي الم! هل من ل ٍ‬ ‫م شعْيا‪َّ ،‬‬
‫نعم‪ ،‬ولك مؤَتن‪ ،‬قال فهل من ش ــاةٍ يشـْنـاي عليها فلل؟ فأتيتت ب ــاةٍ‪ ،‬فمسـ ـ ــرعها‪ ،‬فنايل‬

‫األولون ‪ ،‬ص ‪.146 ، 145‬‬


‫(‪ )1‬انظر ال رابء َّ‬
‫(‪ )2‬ال شق ْ احلداد ‪ ،‬واجلمع قـيون‪.‬‬
‫الروض األنف (‪.)98/2‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪261‬‬
‫ضـ ـري اقلص‪ ،‬فقلص‪ ،‬قال مثَّ أتيتت بعد‬ ‫إانء‪ ،‬ف ـ ـرب‪ ،‬و ش ـ ـ شق أاب بك ٍر‪ ،‬مثَّ قال لل َّ‬ ‫لب فللبت يف ٍ‬
‫ـول هللا! علِم من هذا القول‪ ،‬قال فمس ـ ـ ـ ـ رأ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬وقال «يرحك هللا!‬ ‫هذا فقلت َي ر ـ ـ ـ ـ ش‬
‫فَنَّك لشيِم معلَّم» [أمحد (‪ 379/1‬و‪ )462‬وأبو يعلى (‪ )4985‬والطيالسي (‪ )353‬واحللية (‪.)1(])125/1‬‬
‫وهكذا كان ِم ْفشتا إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمت كلمت عظيمت األوىل قايا عن نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت « ِإين مؤَتن»‪،‬‬
‫والثانية كانت من الصادق اَّصدوق‪ ،‬حيث قال لت «إنك لشيِم معلَّم»‪.‬‬
‫ولقــد كــان يــات الكلمت دور عظيم يف حيــاتــت‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــب فيمــا بعــد من أعيــان علمــاء‬
‫الص ـ ـ ـ ــلابة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬ودخل عبد هللا يف رك الميان‪ ،‬وهو ميهر حبار ال ِ ـ ـ ـ ـ ـرك يف قلعة‬
‫السابق الَّذين مدحهم هللا يف قرآنت العظيم(‪ ،)2‬وقد قال عنت‬ ‫األهللانام‪ ،‬فكان واحداً من أولئك َّ‬
‫األول ‪ ،‬أ ـ ـ ــلم قدمياً‪ ،‬وهاجر اي رت ‪ ،‬وش ـ ـ ــهد بدراً‪ ،‬واَّ ـ ـ ــاهد‬ ‫َّ‬ ‫ابن ح ر «أحد ال َّس ـ ـ ـ ـابق‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وكان هللااح نعليت»(‪.)3‬‬ ‫بعدها‪ ،‬وحزم الن َّ‬
‫َّأول من جور ابلقرآن الكرمي‪:‬‬
‫ـعود ر ــي هللا عنت كان حليفاً‪ ،‬وليس لت ع ــرية حتميت‪ ،‬ومع أنَّت كان‬ ‫أن ابن مس ـ ٍ‬ ‫ابلر م من َّ‬
‫َّ‬
‫وقوة نفســت ر ــي هللا عنت‬ ‫فَن ذلك ش ْل دون ظهور ش ـ اعتت‪َّ ،‬‬ ‫ــئيل اجلســم‪ ،‬دقيق ال َّس ـاق ‪َّ ،‬‬
‫مكة‪ ،‬وإِ َّابن الدَّعوة‪ ،‬وشـ ـ ــدَّة وطأة قر ٍ‬
‫يش‬ ‫ولت مواقف رائعة يف ذلك منها ذلك اَّ ـ ـ ــهد اَّثري يف َّ‬
‫عليهــا‪ ،‬فلقــد وقف عل شملشئِهم‪ ،‬وجهر ابلقرآن‪ ،‬فقري بــت أمســاعهم اَّقفلــة‪ ،‬وقلوهبم اَّ لَّقــة(‪،)4‬‬
‫فكان َّأول من جهر ابلقرآن بعد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫مبكة‪.‬‬
‫اجتمع يوماً أهللاـ ـلاب ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم فقالوا وهللا! ما مسعت قريش هذا‬
‫ٍ‬
‫مسعود أان! قالوا َّإان َن اهم‬ ‫قا‪ ،‬فش شم ْن رجل ي ْس ِمعهموه؟ فقال عبد هللا بن‬ ‫القرآن جيهر يا بت ُّ‬
‫عليك‪َّ ،‬إجا نريد رجالً لت ع ـ ـ ــرية مينعونت من القوم إن أرادوه! قال دعوين َّ‬
‫فَن هللا ـ ـ ــيمنع !‬
‫حض قام عند اَّقام‪ ،‬مث‬ ‫ضـ ـ ـل وقريش يف أنديتها َّ‬ ‫حض أت اَّقام يف ال ُّ‬ ‫قال ف دا ابن مس ـ ـ ٍ‬
‫ـعود َّ‬
‫*علَّ شم الْقرآن ﴾‪ ،‬قال مثَّ‬ ‫الرِحي ِم ﴾ ‪ -‬رافعاً هبا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــوتت ‪َّ -‬‬ ‫الر ْح ِ‬ ‫قرأ ﴿بِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِم َِّ‬
‫﴿الر ْحشان ش‬ ‫ان َّ‬ ‫اَّلل َّ ش‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬البداية والنِهاية (‪ ، )32/3‬و ري أعالم النُّبالء (‪.)465/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر عبد هللا بن مسعود ‪ ،‬لعبد الستار ال َّي ‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )3‬الهللاابة (‪.)214/6‬‬
‫(‪ )4‬انظر عبد هللا بن مسعود ‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪262‬‬
‫فتأملوه‪ ،‬ف علوا يقولون ماذا قال ابن ِأم عبد؟ قال مثَّ قالوا إنَّت ليتلو‬ ‫ا ـ ـ ـ ـ ــتقبلها يقريها‪ ،‬قال َّ‬
‫حض بل منها ما‬ ‫حممد! فقاموا إليت‪ ،‬ف علوا يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـربون يف وجهت‪ ،‬وجعل يقرأ َّ‬
‫بعض ما جاء بت َّ‬
‫ش ـ ــاء هللا أن يبل ‪ ،‬مثَّ انص ـ ــر إىل أهللا ـ ــلابت‪ ،‬وقد أثَّروا يف وجهت‪ ،‬فقالوا لت هذا الذأ خ ـ ــينا‬
‫علي منهم احن‪ ،‬ولئن ش ــئتم أل ادينَّهم مبثلها داً! قالوا‬ ‫عليك! فقال ما كان أعداء هللا أهو شن َّ‬
‫ح! حسبك‪ ،‬قد أمسعتهم ما يكرهون(‪.)1‬‬
‫وهبذا كان عبد هللا بن مسـ ـ ــعود َّأول شم ْن جهر ابلقرآن َّ‬
‫مبكة بعد ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت‬
‫يش اليت ما كانت‬ ‫أن هذا العمل الَّذأ قام بت عبد هللا يعترب ِ‬
‫حتدَيً عملياً لقر ٍ‬ ‫و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وح رو َّ‬
‫الر م اَّا أهللاـ ـ ــابت‬
‫لتتلمل مثل هذا اَّوقف‪ ،‬ويالحم جرأة عبد هللا عليهم بعد هذه التَّ ربة عل َّ‬
‫من أ شذ (‪.)2‬‬
‫‪ - 8‬خالد بن عيد بن العاص ر ي هللا عنت‬
‫خالد قدمياً لريَي راها عند َّأول ظهور النَّب هللال هللا عليت و لم إذ رأ كأنَّت‬ ‫كان إ الم ٍ‬
‫الر ول يلتايمت لئال يقع‪ ،‬ففايي من نومت‪ ،‬معتقداً‬ ‫وقف عل شفري النَّار‪ ،‬وهناك شم ْن يدفعت فيها‪ ،‬و َّ‬
‫يد بك خرياً‪ ،‬هذا ر ـ ـ ــول هللا‬ ‫صـ ـ ـ ـ ِديق‪ ،‬فقال لت أ ِر ش‬
‫ص ـ ـ ـها عل أيب بك ٍر ال ِ‬ ‫َّ‬
‫أن هذه الريَي حق‪ ،‬فق َّ‬
‫لكن أابه علم‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم فاتَّبعت‪ ،‬فذه إليت فأ ــلم‪ ،‬وأخف إ ــالمت خوفاً من أبيت‪َّ ،‬‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ كثرة ت يُّبت عنت‪ ،‬فبعث إخوتت الَّذين يكونوا قد أ ـ ـ ــلموا بعد يف طلبت‪ ،‬ف يء بت‪،‬‬
‫مبكة‪ ،‬ومنع‬ ‫مبقرعة‪ ،‬أو عص ـ ـاً كانت يف يده‪ ،‬حض كسـ ــرها عل رأ ـ ــت‪ ،‬مثَّ حبسـ ــت َّ‬ ‫فأنَّبت‪ ،‬و ـ ـربت ٍ‬
‫وحذرهم من عملت‪ ،‬مثَّ يق عليت اخلناق فأجاعت‪ ،‬وقطع عنت اَّاء ثالثة‬ ‫إخوتت من الكالم معت‪َّ ،‬‬
‫َّأَيٍم‪ ،‬وهو هللاابر حمتس ‪ ،‬مثَّ قال لت أبوه وهللا ألمنعنَّك القوت! فقال خالد إن منعت َّ‬
‫فَن هللا‬
‫يرزق ما أعيش بت‪ ،‬وانصر إىل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم فكان يكرمت‪ ،‬ويكون معت‪ ،‬مثَّ‬
‫اَّرة الثَّانية(‪.)3‬‬
‫رأ أن يهاجر إىل احلب ة مع من هاجر إليها من اَّسلم يف َّ‬
‫ٍ‬
‫مظعون ر ي هللا عنت‬ ‫‪ - 9‬عثمان بن‬
‫‪ ،‬فاذوه‪ ،‬وكان أشــدَّهم عليت وأكثرهم إيذاءً لت أمية بن‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ــلم شع شدا عليت قومت بنو‬

‫(‪ )1‬انظر ابن ه ام (‪ 314/1‬ـ ‪ ، )315‬وأ د ال ابة (‪ 385/3‬ـ ‪.)386‬‬


‫اَّكي ‪ ،‬ص ‪.88‬‬‫(‪ )2‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫(‪ )3‬انظر ري أعالم النُّبالء (‪.)260/1‬‬
‫‪263‬‬
‫(‪)1‬‬
‫خلف‪ ،‬ولذلك قال بعد أن خرً إىل احلب ة يعاتبت‬
‫ضـاءش تـ ْق شدي‬
‫هللاـ ْرِ بشـْي ش‬ ‫وأش ْ ـ شكْنـتشِ يف ش‬ ‫أأخرجت ِ ِم ْن بطن م َّكـ ـ ـةش آشـ ـ ـاً‬
‫ك أش ْ شع‬ ‫شوتشِْربأ نِبش ـاحً ِريْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شه ـا لشـ ش‬ ‫ك ِريْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شها‬‫تش ِريْش نِشباحً حش يواتِْي ش‬
‫ِِ‬ ‫وح ـ ـ ـارب ـ ـ ـت أشقْوام ـ ـ ـاً كِرام ـ ـ ـاً أ ِ‬
‫ت أشقْـ شوام ـاً هب ْم كْن ـ ش‬
‫ت تشـ ْفشايي‬ ‫و ْأهلش ْك ـ ش‬ ‫شعَّايةً‬ ‫ش‬ ‫ش شْ ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صنشع‬ ‫ت تش ْ‬ ‫ك األ ْشوشابش شما كْن ش‬ ‫وأش ْ لش شم ش‬ ‫ك يشـ ْوشمـاً مل َّمـة‬ ‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـ ْعلشم إ ْن شانبشـْتـ ش‬
‫وبقي عثمان بن مظعون ف ةً يف احلب ة‪ ،‬لكنَّت يلبث أن عاد منها من من عاد من‬
‫مكة إح قوا ٍر من الوليد بن اَّ رية‪ ،‬حيث َّ‬
‫ظل‬ ‫اَّرة األوىل‪ ،‬و يستطع أن يدخل َّ‬ ‫اَّسلم يف َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم من البالء‪،‬‬ ‫ي دو يف جواره امناً مطمئناً‪ ،‬فل َّـما رأ ما يصي أهللالاب الن ِ‬
‫دوأ‪ ،‬شورواحي امناً قوار ٍ‬
‫رجل‬ ‫إن ِ‬ ‫وما هو فيت من العافية‪ ،‬أنكر ذلك عل نفست‪ ،‬وقال وهللا! َّ‬
‫من أهل ال ِ رك‪ ،‬وأهللالايب وأهل دي يلقون من البالء واألذ يف هللا ما ح يصيب لنقص كبري‬
‫ذمتك‪ ،‬وقد شرددت‬ ‫يف نفسي(‪ ،)2‬فذه إىل الوليد بن اَّ رية‪ ،‬وقال لت َي أاب عبد طس! وفت َّ‬
‫إليك جوارك! فقال ِش َيبن أخي؟ فلعلَّك أوذيت‪ ،‬أو انتهكت‪ ،‬قال ح! ولك أر قوار‬
‫علي جوارأ عالنيةً‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬
‫فاردد َّ‬
‫هللا تعاىل‪ ،‬وح أريد أن أ ت ري ب ريه‪ ،‬قال فانطل ْق إىل اَّس د ْ‬
‫جملس من‬ ‫فرد عليت جواره أمام النَّاس‪ ،‬مثَّ انصر عثمان إىل ٍ‬ ‫أجرتك عالنيةً‪ ،‬فانطلقا إىل اَّس د َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫كل شيء‬ ‫جمالس قريش‪ ،‬ف لس معهم‪ ،‬وفيهم لبيد بن ربيعة ال َّاعر ين دهم‪ ،‬فقال لبيد «أح ُّ‬
‫كل نعي ٍم ح حمالة‬‫تمر لبيد يف إن اده‪ ،‬فقال «و ُّ‬ ‫ما خال هللا ابطل»‪ .‬فقال عثمان هللادقت‪ ،‬وا َّ‬
‫زائل»‪ ،‬فقال عثمان كذبت‪ ،‬نعيم اجلنَّة ح يايول! قال لبيد َي مع ر قريش! وهللا ما كان يـ ْؤذش‬
‫إن هذا فيت يف فهاء معت‪ ،‬قد فارقوا‬ ‫جليسكم‪ ،‬فمض حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم َّ‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ديننا‪ ،‬فال َّ‬
‫الرجل‪،‬‬ ‫أ أمرلا‪ ،‬فقام إليت ذلك َّ‬ ‫حض ششر ش‬‫فرد عليت عثمان َّ‬
‫ددن يف نفسك من قولت‪َّ ،‬‬
‫ضرت‪ ،‬والوليد بن اَّ رية قري ير ما بل من عثمان‪ ،‬فقال أما وهللا َيبن أخي!‬ ‫فاخ َّ‬
‫فلطم عينت ْ‬
‫الصليلة‬ ‫إن عي َّ‬ ‫ذم ٍة ٍ‬
‫منيعة‪ ،‬فقال عثمان وهللا! َّ‬ ‫عما أهللااهبا‪ ،‬ولقد كنت يف َّ‬
‫إن عينك ل نية َّ‬
‫أعاي منك‪ ،‬وأقدر َي أاب عبد‬ ‫وإين لفي جوار من هو ُّ‬ ‫لفقرية إىل مثل ما أهللااب أختها يف هللا‪ِ ،‬‬

‫هب ‪ ،‬ص ‪.112‬‬‫للذ ِ‬ ‫(‪ِ )1‬‬


‫السرية النَّبوية ‪َّ ،‬‬
‫السرية النَّبوية حبن ه ام (‪.)120/2‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫(‪ )3‬انظر طبقات ال ُّعراء ‪ ،‬حبن الم ‪( ،‬ص ‪.)49 ، 48‬‬
‫أ عظم‪.‬‬ ‫شش ِر ش‬
‫(‪)4‬‬

‫‪264‬‬
‫مرةً أخر ‪ ،‬فرفض(‪.)1‬‬ ‫طس! مثَّ عرض عليت الوليد اجلوار َّ‬
‫يدل عل مد َّقوة إميانت ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬ور بتت يف األجر‪ ،‬واَّثوبة عند هللا ولذلك‬ ‫وهذا ُّ‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مات‪ ،‬رأت ُّأم العالء األنصاريَّة ‪ -‬وكان عثمان اَّن وقع يف همها عندما اق ي األنصار‬
‫أن لت عيناً درأ‪ ،‬ف اءت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫عل ــكىن اَّهاجرين ‪ -‬يف اَّنام َّ‬
‫فأخربتت‪ ،‬فقال «ذلك عملت» [البخاري (‪. ])7004‬‬

‫الرها من ال َّ ـ ـ ـباب‬‫تعرض للتَّعذي ‪ ،‬وهكذا نر أولئك َّ‬ ‫ص ـ ـ ـلابة الكرام َّ‬ ‫و ري هؤحء من ال َّ‬
‫التفوا حول‬ ‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وا ـ ـ ــت ابوا يا‪ ،‬و ُّ‬
‫القرش ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬قد أقبلوا عل دعوة َّ‬
‫ـلوا بكل‬ ‫الر م من مواقف آابئهم ‪ ،‬وذويهم ‪ ،‬وأقرابئهم اَّت ـ ـ ِـددة داههم‪ ،‬فضـ ـ ُّ‬ ‫هللاـ ــاحبها عل َّ‬
‫وتعر ـ ـ ـوا للفتنة ر بةً فيما عند هللا‬‫ات قبل دخويم يف ال ـ ـ ــالم‪َّ ،‬‬ ‫ما كانوا يتمتَّعون بت من امتياز ٍ‬
‫وحتملوا أذ ً كثرياً‪ ،‬وهــذا فعــل الميــان يف النفوس عنــدمــا خيــالطهــا‪،‬‬ ‫تعــاىل من األجر‪ ،‬والثَّواب‪َّ ،‬‬
‫يؤدأ إىل الفوز بر ـ ــا هللا تعاىل‪،‬‬ ‫وحرمان إذا كان ذلك ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بكل ما يص ـ ــيبها من ٍ‬
‫عنت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فتس ـ ــته‬
‫وجنَّتت‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬و يكن التَّعذي واألذ مقص ـ ـ ـ ــوراً عل رجال اَّس ـ ـ ـ ــلم دون نس ـ ـ ـ ــائهم‪َّ ،‬‬
‫وإجا طال‬
‫المهن‪ ،‬كسميَّة بنت خياط‪ ،‬وفاطمة بنت‬ ‫َّ‬ ‫النِساء أيضاً قسا كبري من األذ والعنت بسب إ‬
‫س‪ ،‬وحامةش أِم بالل‪،‬‬ ‫اَّؤمل‪ ،‬وِزنِرية ُّ‬
‫الروميَّة‪ ،‬والنـ َّْهدية‪ ،‬وابنتها‪ ،‬و ِأم عبشـْي ٍ‬ ‫اخلطَّاب‪ ،‬ولبيبة جارية ب ِ‬
‫ريهن(‪.)2‬‬
‫و َّ‬
‫َّب صــلى هللا عليه وســلم ابلبناء‬
‫مكة واهتمام الن ِّ‬ ‫خامس ـاً‪ :‬حكمة ِّ‬
‫الكف عن القتال يف َّ‬
‫الداخلي‪:‬‬

‫أن اَّوقف ال ِس ـلمي أ ا بعضــهم‪،‬‬ ‫الدفاي عن أنفســهم‪ ،‬ويبدو َّ‬ ‫كان اَّســلمون ير بون يف ِ‬
‫هللا ـةً ال َّ ـباب منت‪ ،‬وقد أت عبد الرحن بن عو وأهللا ــلابت ر ــي هللا عنهم إىل النَّ ِب هللا ــل‬ ‫وخا َّ‬
‫عايةٍ وحنن م ركون‪ ،‬فل ـ َّـما امنَّا هللاران أذلَّةً! قال‬ ‫مبكة‪ ،‬فقالوا َي نب هللا! كنا يف َّ‬ ‫هللا عليت و لم َّ‬
‫«ِ‬
‫إين أمرت ابلعفو‪ ،‬فال تقـاتلوا القوم» [(النسـ ـ ـ ـ ــائي (‪ )3/6‬والبيوقي يف السـ ـ ـ ـ ــنن الكرب (‪ )11/9‬واحلاكم (‪67 - 66/2‬‬

‫(‪ِ )1‬‬
‫السري واَّ ازأ ‪ ،‬حبن إ لاق ‪( ،‬ص ‪ 178‬ـ ‪.)180‬‬
‫(‪ )2‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪( ،‬ص ‪.)117 ، 116‬‬
‫‪265‬‬
‫و‪.)1(])307‬‬
‫مكة‪ ،‬ومن هؤحء األ تاذ‬ ‫الرَّابنيَّة يف عدم فر ية القتال يف َّ‬
‫وتعرض بعض الباحث لللكمة َّ‬ ‫َّ‬
‫هللا ـل إليت ألنَّنا ٍ‬
‫حينئذ َّ‬
‫نتأىل عل هللا ما‬ ‫ــيِد قط ‪ -‬رحت هللا تعاىل ‪ -‬فقد قال ح ُايم مبا نتو َّ‬
‫ٍ‬
‫حكمة‪ ،‬ونفرض أ ـ ـ ــباابً‪ ،‬وعلالً قد ح تكون هي األ ـ ـ ــباب‪ ،‬والعلل احلقيقية‪ ،‬أو‬ ‫يبِ لنا من‬
‫قد تكون‪.‬‬
‫أأ حك ٍم من أحكام ال َّ ـ ـ ـ ـ ـريعة هو التَّس ـ ـ ـ ــليم‬ ‫ٍ‬
‫تكليف‪ ،‬أو ِ‬ ‫أن ش ـ ـ ـ ــأن اَّؤمن أمام ِ‬
‫أأ‬ ‫ذلك َّ‬
‫وإجا نقول هذه احلكم‪ ،‬واأل باب من ابب احجتهاد‪،‬‬ ‫ألن هللا بلانت هو العليم اخلبري‪َّ ،‬‬ ‫اَّطلق َّ‬
‫جمرد احتمــال ألنـَّت ح يعلم احلقيقــة إح هللا‪ ،‬و ـ ِـددهــا هو لنــا‪ ،‬ويطلعنــا عليهـا ٍ‬
‫بنص‬ ‫وعل أنـَّت َّ‬
‫هللاري (‪ ،)2‬ومن هذه األ باب واحلكم والعلل نجيا ٍز‬
‫ٍ‬
‫وإعداد‪ ،‬يف بي ٍئة‬ ‫اَّكيَّة كانت ف ة تر ٍ‬
‫بية‪،‬‬ ‫ألن الف ة ِ‬ ‫الكف عن القتال يف َّ‬
‫مكة رمبا َّ‬ ‫أن َّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫معيَّ ٍنة‪ٍ ،‬‬
‫لقوم معيَّن ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــا ظرو ٍ معيَّ ٍنة‪ ،‬ومن أهدا ال َّ بية يف مثل هذه البيئة تربية الفرد‬
‫ضـ ـيم ح يقع عليت‪ ،‬أو عل من يلوذون‬ ‫صـ ـرب‪ ،‬عل ما ح يص ــرب عليت عادة من ال َّ‬ ‫ِ‬
‫العريب عل ال َّ‬
‫مهيت ومن‬ ‫ألول ٍ‬ ‫ألول مؤثِر‪ ،‬وح يهيت َّ‬ ‫بت ليهلص من ش ــهص ــت‪ ،‬ويت َّرد من ذاتت‪ ،‬فال يندفع َّ‬
‫يتم احعتدال يف طبيعتت‪ ،‬وحركتت‪ ،‬مثَّ تربيتت عل أن يتَّبع نظام ااتمع اجلديد‪ ،‬أبوامر القيادة‬ ‫مثَّ ُّ‬
‫يتصر إح وفق ما أتمره ‪ -‬مهما يكن ملالفاً َّألوفت وعادتت ‪ -‬وقد كان هذا‬ ‫اجلديدة‪ ،‬حيث ح َّ‬
‫هو ح ر األ اس يف إعداد شهصيَّة ِ‬
‫العريب اَّسلم لن اء (ااتمع اَّسلم)‪.‬‬
‫ألن الدَّعوة ال ِس ـ ـلميَّة أشـ ـ ُّـد أثراً وأنفذ يف مثل بيئة قريش‪ ،‬ذات‬
‫‪ - 2‬ورمبَّا كان ذلك أيض ـ ـاً َّ‬
‫العن هيَّـة وال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ‪ ،‬والَّيت قـد يـدفعهـا القتـال معهـا ‪ -‬يف مثـل هـذه الف ة ‪ -‬إىل زَيدة العنـاد‪،‬‬
‫دموية جديدةٍ‪ ،‬كثارات العرب اَّعروفة أمثال داحس‪ ،‬وال رباء‪ ،‬وحرب البسـ ـ ــوس‪،‬‬ ‫ات ٍ‬ ‫ون ـ ـ ــأة اثر ٍ‬
‫ات تنس معها فكرتت األ ا ية‪.‬‬ ‫يتلول ال الم من دعوةٍ‪ ،‬إىل اثر ٍ‬ ‫وحينئذ َّ‬‫ٍ‬

‫كل بيت‪ ،‬فلم تكن هناك‬ ‫ٍ‬


‫ومقتلة داخل ِ‬ ‫‪ - 3‬ورمبَّا كان ذلك أيض ـ ـ ـ ـاً اجتناابً لن ـ ـ ــاء معر ٍ‬
‫كة‬
‫كل ٍ‬
‫فرد‪ ،‬ومعىن‬ ‫تعذب اَّؤمن ‪َّ ،‬‬
‫وإجا كان ذلك موكوحً إىل أولياء ِ‬ ‫عامة هي اليت ِ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ــلطة نظاميَّة َّ‬

‫الصليلة (‪.)158/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬الظالل (‪.)714/2‬‬
‫‪266‬‬
‫الذن ابلقتــال ‪ -‬يف مثــل هــذه البيئــة ‪ -‬أن تقع معركــة‪ ،‬ومقتلــة يف كـ ِـل بيـ ٍ‬
‫ـت‪ ،‬مثَّ يقــال هـذا هو‬
‫ابلكف عن القتال! فقد كانت دعاية قريش يف‬ ‫ِ‬ ‫حض وال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم رمر‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم!! ولقد قيلت َّ‬
‫يفرق ب الوالد‪ ،‬وولده‪ ،‬فوق تفريقت لقومت‪ ،‬وع ـ ـ ــريتت فكيف لو كان رمر‬ ‫أن حممداً ِ‬ ‫اَّوا ـ ـ ــم َّ‬
‫الولد بقتل الوالد‪ ،‬واَّوىل بقتل الوس؟!‬
‫أن كثرياً من اَّعاندين‪ ،‬الَّذين يفتنون اَّســلم‬
‫‪ - 4‬ورمبَّا كان ذلك أيضـاً َّا يعلمت هللا من َّ‬
‫ويعذبو‪،‬م‪ ،‬ــيكونون من جند ال ــالم اَّهلص ـ بل من قادتت‪ ،‬أ يكن عمر بن‬ ‫عن دينهم‪ِ ،‬‬
‫اخلطَّاب من ب هؤحء؟!‬
‫بيئة قبليَّ ٍة‪ ،‬من عادهتا أن تثور للمظلوم‬
‫ألن النَّهوة العربيَّة يف ٍ‬ ‫‪ - 5‬ورَّمبا كان ذلك أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة إذا كان األذ واقعاً عل كرام النَّاس فيهم وقد‬
‫يتلمل األذ ‪ ،‬وح ي اجع‪ ،‬و ا َّ‬ ‫الَّذأ َّ‬
‫يرض أن ي ك أاب‬
‫ش‬
‫(‪)1‬‬
‫ـلة هذه النَّظرة يف هذه البيئة فابن ُّ‬
‫الد نَّة‬ ‫وقعت ظواهر كثرية تثبت هللا ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫مكة ورأ يف ذلك عاراً عل العرب! وعرض عليت‬ ‫بكر ‪ -‬وهو رجل كر ‪ -‬يهاجر وخيرً من َّ‬
‫جواره‪ ،‬وحايتت‪ ،‬وآخر هذه الظَّواهر‪ ،‬نقض هللاليفة احلصار لب هاشم يف ِش ْع أيب طال ‪.‬‬
‫مكة حيث تبل‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬واحنصـ ــارهم يف َّ‬ ‫‪ - 6‬ورمبَّا كان ذلك أيض ـ ـاً لقلَّة عدد اَّسـ ــلم‬
‫الدَّعوة إىل بقيَّة اجلاييرة‪ ،‬أو بل ت‪ ،‬ولكن بص ـ ـ ــورةٍ متناثرةٍ‪ ،‬حيث كانت القبائل تقف عل احلياد‬
‫داخلي ٍة ب قريش وبعض أبنائها‪ ،‬ل ماذا يكون مص ـ ـ ـ ـ ـ ــري اَّوقف ففي مثل هذه‬ ‫كة َّ‬ ‫من معر ٍ‬
‫حض ولو قتلوا هم أ ـ ـ ــعا‬
‫احلالة قد تنتهي اَّعركة اَّدودة إىل قتل ااموعة اَّسـ ـ ــلمة القليلة ‪َّ -‬‬
‫من يقتل منهم ‪ -‬ويبق ال ِ رك‪ ،‬وح يقوم لإل الم يف األرض نظام‪ ،‬وح يوجد لت كيان واقعي‪،‬‬
‫وهو دين جاء ليكون منهت حياةٍ ونظام دنيا وآخرة‪.‬‬
‫مللة لت اوز هذه احعتبارات كلِها‪ ،‬واألمر ابلقتال‬ ‫‪ - 7‬أنَّت تكن هناك ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة قاهرة َّ‬
‫َّ‬
‫ألن األمر األ ـ ـ ـ ــا ـ ـ ـ ـ َّـي يف هذه الدَّعوة كان قائماً‪ ،‬وحمقَّقاً‪ ،‬وهو (وجود الدَّعوة)‪،‬‬ ‫ودفع األذ‬
‫حممد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وشهصت يف حاية يو ب هاشم‪،‬‬ ‫ووجودها يف شهص الدَّاعية َّ‬
‫فال َتتـ ُّـد إليــت يــد إح وهي مهــدَّدة ابلقطع ولــذلــك ح جيري أحــد عل منعــت من إبالي الــدَّعوة‪،‬‬
‫العامة‪ ،‬وح‬ ‫يش حول الكعبة‪ِ ،‬‬
‫وم ْن فوق جبل الص ـ ـ ـ ـ ـ ــفا‪ ،‬ويف احجتماعات َّ‬ ‫وإعال‪،‬ا يف ندوات قر ٍ‬

‫(‪ )1‬ابن ُّ‬


‫الد نَّة رجل جاهلي أجار أاب بكر عندما أخرجت قومت ‪ ،‬وأراد اي رة إىل احلب ة ‪ ،‬انظر الهللاابة (‪.)344/2‬‬
‫‪267‬‬
‫نت أو قتلت‪ ،‬أو أن يفرض عليت كالماً بعينت يقولت‪.‬‬ ‫جيري أحد عل‬
‫إن هذه احعتبارات كلَّها ‪ -‬فيما حنس ـ ـ ـ ـ ـ ‪ -‬كانت بعض ما اقتضـ ـ ـ ـ ــت حكمة هللا معت أن‬ ‫َّ‬
‫لتتم تربيتهم‪ ،‬وإعدادهم‪ ،‬وليقف‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وإيتاء الايكاة َّ‬ ‫ِ‬
‫بكف أيديهم‪ ،‬وإقام ال َّ‬ ‫رمر اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬
‫اَّس ـ ــلمون يف انتظار أمر القيادة يف الوقت اَّنا ـ ـ ‪ ،‬وليهرجوا أنفس ـ ــهم من اَّس ـ ــألة كلِها‪ ،‬فال‬
‫يكون لذواهتم فيها حم لتكون خالصةً‪ ،‬ويف بيل هللا(‪.)1‬‬
‫صـ ـ ـلابة من القرآن الكر فقت اَّص ـ ــاأ واَّفا ـ ــد‪ ،‬وكيفية التَّعامل مع هذا الفقت‬ ‫وقد تعلَّم ال َّ‬
‫اَّللِ فشـيشسـ ـبُّوا َّ‬
‫اَّللش شع ْد ًوا بِ ش ِْري ِع ْل ٍم‬ ‫ون َّ‬ ‫من خالل الواقع‪ ،‬قال تعاىل ﴿وحش تشسـ ـبُّوا الَّ ِذين ي ْدعو شن ِمن د ِ‬
‫ْ‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]108 :‬‬ ‫ك شزيـَّنَّا لِك ِل أ َّم ٍة شع شملشه ْم مثَّ إِ شىل شرهبِِ ْم شم ْرجعه ْم فشـيـنشـبِئـه ْم ِمبشا شكانوا يشـ ْع شملو ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شك شذل ش‬
‫أعظم ت ْ ش ْك(‪،)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫صـ ـلابة ر ــي هللا عنهم َّ‬‫وهكذا تعلَّم ال َّ‬
‫أن اَّص ــللة إ ْن َّأدت إىل مفس ــدة ش‬
‫ويف هذا هتذي أخالقي‪ ،‬ومسو إمياين‪ ،‬وترفُّع عن جماراة ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـفهاء الَّذين جيهلون احلقائق‪ ،‬وهلو‬
‫حال‪ ،‬فمض‬ ‫كل ٍ‬ ‫األمة عل ِ‬
‫ابق يف َّ‬ ‫أن احلكم ٍ‬ ‫أفئدهتم من معرفـة هللا وتقديست‪ ،‬وقد ذكر العلماء َّ‬
‫منعة‪ ،‬و ري خا ــع لســلطان ال ــالم واَّســلم ‪ ،‬وخيفة أن يسـ َّ ال ــالم‪ ،‬أو‬ ‫كان الكافر يف ٍ‬
‫وجل ‪ -‬فال ُّل َّســل ٍم أن يسـ َّ هللاــلبا‪،‬م‪ ،‬وح دينهم‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم أو هللا ‪َّ -‬‬
‫الن ُّ‬
‫يؤدأ إىل ذلك ألنَّت فعل مبنايلة التَّلريض عل اَّعص ـ ـ ــية‪،‬‬ ‫يتعرض إىل ما ِ‬ ‫وح كنائس ـ ـ ــهم‪ ،‬وح أن َّ‬
‫الذرائع(‪.)3‬‬ ‫وهذا نوي من اَّوادعة‪ ،‬ودليل عل وجوب احلكم ِ‬
‫بسد َّ‬
‫ٍ‬
‫وإعداد و ٍ‬
‫رس‬ ‫اَّكَّية ‪ -‬والَّيت كانت ثالثة ع ـ ـ ـ ـ ـ ــر عاماً‪ ،‬كلُّها يف ترب ٍية‪،‬‬
‫والنَّاظر يف الف ة ِ‬
‫ـأن يف عدم اح ـ ــتع ال وا ــتباق‬ ‫ألليَّة هذه العقيدة من شـ ـ ٍ‬ ‫َّفاهيم (ح إلت إح هللا) ‪ -‬يدرك ما ِ‬
‫ابلرعاية‪ ،‬والعناية‪ ،‬واَّداومة حبيث ح يكون للع لة‬ ‫رس يـتشـ شع َّهد ِ‬ ‫ٍ‬
‫حباجة إىل ٍ‬ ‫الايمن ‪ ،‬فالعقيدة‬
‫َّ‬
‫أجدر الدُّعاةش إىل هللا أن يقفوا أمام تربية اَّصـ ــطف هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫والفو ـ ـ فيها نصـ ــي ‪ ،‬وما ش‬
‫و ــلم ألهللا ــلابت عل هذه العقيدة وقفةً طويلةً‪ ،‬فيأخذوا منها العربة واأل ــوة ألنَّت ح يقف يف‬
‫وجت اجلاهليَّة ‪ -‬أَيً كانت قدميةً‪ ،‬أو حديثةً‪ ،‬أو مس ــتقبلةً ‪ -‬إح رجال اختلطت قلوهبم بب ــاش ــة‬

‫(‪ )1‬الوحء والرباء ‪َّ َّ ،‬مد القلطاين ‪ ،‬خلَّص نقاطاً من الظالل ‪ ،‬ص ‪ ، 171 ، 170 ، 169‬ويف ظالل القران (‪ ، )715 ، 714/2‬ويف (معا يف الطَّريق)‬
‫(ص ‪ 69‬ـ ‪.)71‬‬
‫للاي شحيلي (‪.)325/7‬‬
‫(‪ )2‬انظر التفسري اَّنري ‪ُّ ،‬‬
‫السابق نفست ‪.)326/7( ،‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪268‬‬
‫وتع َّمقت جذور ش رة التَّوحيد يف نفو هم(‪.)1‬‬
‫الرَّابنيَّة‪ ،‬ش‬
‫العقيدة َّ‬
‫ابلصرب‪ ،‬وكان‬ ‫كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قد أمر أهللالابت بضبا النَّفس والتَّللِي َّ‬
‫َّقرب إليت ابلعبادة‪ ،‬وقد نايلت‬ ‫ويوجههم حنو توثيق ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلة ابهلل‪ ،‬والت ُّ‬ ‫يريب أهللاـ ـ ـ ـ ـ ــلابت عل عينت‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫ص ِمْنت قشلِيالً *أ ْشو ِزْد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الْمَّايمل *ق ِم اللَّْي شل إِحَّ قشليالً *ن ْ‬
‫ص شفت أش ِو انْـق ْ‬
‫ِ‬
‫ا َيت يف اَّرحلة اَّكيَّة ش‬
‫ص ـ ـلابة إىل حاجة الدُّعاة‬ ‫علشي ِت ورتِ ِل الْقرآن تشـرتِيالً ﴾ [املزمل‪ ،]4 - 1 :‬فقد أرش ــدت ــورة ِ‬
‫اَّايمل ال َّ‬ ‫ْ‬ ‫ش ْ شش‬
‫الصرب‬
‫الصرب‪ ،‬ومع َّ‬ ‫الذكر‪ ،‬والتَّوُّكل عل هللا يف يع األمور‪ ،‬و رورة َّ‬ ‫الدوام عل ِ‬ ‫إىل قيام الليل‪ ،‬و َّ‬
‫الصاحلة‪.‬‬
‫اي ر اجلميل‪ ،‬واح ت فار بعد األعمال َّ‬
‫ص ـص شــطراً‬ ‫اَّايِمل‪ ،‬أتمر النَّب هللاــل هللا عليت و ــلم أن خي ِ‬ ‫كانت ا َيت األوىل من ــورة َّ‬
‫َّ‬
‫صـ ـ ـالة نص ـ ــف اللَّيل‪ ،‬أو ياييد عليت‪ ،‬أو ينقص‬ ‫خريه هللا تعاىل أن يقوم لل َّ‬ ‫صـ ـ ـالة‪ ،‬وقد َّ‬ ‫من اللَّيل لل َّ‬
‫حض ورمت أقدامهم‪ ،‬فنايل‬ ‫عام‪َّ ،‬‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأهللا ــلابت معت قريباً من ٍ‬ ‫منت‪ ،‬فقام الن ُّ‬
‫التَّهفيف عنهم بعد أن علم هللا منهم اجتهادهم يف طل ر اه‪ ،‬وت مريهم لتنفيذ أمره ومبت اه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فرحهم رُّهبم‪ ،‬فهفَّف عنهم‪ ،‬فقال ﴿إِ َّن شربَّ ش‬
‫َّك تشـقوم أ ْشد شَّن م ْن ثـلثش ِي اللَّْي ِل شون ْ‬
‫صـ شفت شوثـلثشت‬ ‫ك يشـ ْعلشم أشن ش‬
‫ِ‬ ‫وطشائِشفة ِمن الَّ ِذين م عك و َّ ِ‬
‫اب شعلشْيك ْم شفاقْـشرأوا شما‬ ‫اَّلل يـ شقدر اللَّْي شل شوالنـ ش‬
‫َّه شار شعل شم أش ْن لش ْن ْحتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوه فشـشت ش‬ ‫ش ش شش ش ش‬ ‫ش‬
‫ض يشـْبـتشـ و شن ِم ْن فش ْ‬
‫ضـ ـ ِل‬ ‫ضـ ـ ِربو شن ِيف األ ْشر ِ‬ ‫تشـيش َّسـ ـشر ِم شن الْقرآن شعلِ شم أش ْن ش ـ ـيشكون ِمْنك ْم شم ْر ش ـ ـ شوآخرو شن يش ْ‬
‫الايشكا شة شوأشقْ ِر ـ ـوا َّ‬
‫اَّللش‬ ‫ص ـ ـالششة شوآتوا َّ‬ ‫اَّللِ فشاقْـشرأوا شما تشـيش َّس ـ ـشر ِمْنت شوأشقِيموا ال َّ‬
‫اَّللِ شوآخرو شن يـ شقاتِلو شن ِيف ش ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫َّ‬
‫شجًرا شوا ْ ـ ـتشـ ْ ِفروا َّ‬
‫اَّللش‬
‫قشـر ـ ـا حسـ ـناً وما تـ شق ِدموا ألشنف ِسـ ـكم ِمن خ ٍري شِددوه ِعْن شد َِّ‬
‫اَّلل ه شو شخ ْ ًريا شوأ ْشعظش شم أ ْ‬ ‫ْ ْ شْ‬ ‫ْ ً ش ش شش‬
‫ِ‬
‫اَّلل شفور﴾[املزمل‪.]20 :‬‬
‫إ َّن َّش‬
‫كان امتلا‪،‬م يف الفر ِش‪ ،‬ومقاومة النَّوم‪ ،‬ومألوفات النَّفس ل بيتهم عل اااهدة‪ ،‬وحتريرهم‬
‫حبد من ٍ‬
‫إعداد‬ ‫من اخلض ـ ـ ـ ـ ـ ــوي ألهواء النفس َتهيداً حلمل زمام القيادة‪ ،‬والتَّوجيت يف عاَّهم إذ َّ‬
‫عال يم‪ ،‬وقد اختارهم هللا حلمل ر ــالتت‪ ،‬وائتمنهم عل دعوتت‪ ،‬و َّاهذ منهم ش ــهداء عل‬ ‫روحي ٍ‬
‫ٍ‬
‫النَّاس‪ ،‬فالع رات من اَّؤمن يف هذه اَّرحلة التَّارخيية‪ ،‬كانت أمامهم اَّهمات العظيمة يف دعوة‬
‫مهمة عظيمة يقدر عل تنفيذها أولئك الذين‬ ‫النَّاس إىل التَّوحيد‪ ،‬وهليصـ ــهم من ال ِ ـ ـرك‪ ،‬وهي َّ‬
‫اج ِع يش ْدعو شن شرَّهب ْم شخ ْوفًا شوطش شم ًعا﴾‬ ‫﴿تشـت ا ش جنوهبم ع ِن الْمض ِ‬
‫ْ ش ش ش‬ ‫شش‬

‫(‪ )1‬انظر الوحء والرباء ‪ ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪269‬‬
‫صـ ـ ـ ـالة فيت‪ ،‬وقراءة القرآن ترتيالً ‪ -‬أأ مع البيان والتُّؤدة ‪-‬‬ ‫وقد وهللا ـ ـ ــف هللا قيام اللَّيل‪ ،‬وال َّ‬
‫بقولت فهو أثبت أثراً يف النَّفس مع ﴿إِ َّن شان ِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئشةش اللَّْي ِل ِه شي أش ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّد شو ْطءًا شوأشقْـ شوم قِيالً ﴾ اللَّيل‪،‬‬
‫للذكر واَّناجاة بعيداً عن عالئق الدُّنيا‪ ،‬وش ـ ـوا ل‬ ‫وهدأة اخللق‪ ،‬حيث هلو من ش ـ ـوا لها وتفرغ ِ‬
‫اليي والقول الثَّقيل هو القرآن ﴿إِ َّان‬ ‫لتلقي الوحي ِ‬ ‫النَّهار‪ ،‬وبذلك يتلقَّق اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتعداد الالزم ِ‬
‫ك قشـ ْوحً ثشِقيالً ﴾‪ ،‬وقد ظهر أثر هذا العداد الدَّقيق للمسـ ـ ــلم األوائل‪ ،‬يف قدرهتم‬ ‫ِ‬
‫ش ـ ـ ـنـ ْلقي شعلشْي ش‬
‫الدولة ابَّدينة‪ ،‬ويف إخالهللاهم العميق لإل الم‪ ،‬وتضليتهم من‬ ‫حتمل أعباء اجلهاد وإن اء َّ‬ ‫عل ُّ‬
‫أجل إقامتت يف دنيا النَّاس‪ ،‬ون ره ب العاَّ (‪.)1‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم مهتماً قبهتت الدَّاخلية‪ ،‬وحريص ـ ـاً عل تعبئة أهللا ــلابت‬ ‫لقد كان الن ُّ‬
‫ابلعقيــدة القويَّـة‪ ،‬اليت ح تتايعايي‪ ،‬وح تل ‪ ،‬وكــان هــذا مبعثـاً لرو معنويَّـ ٍة مرتفعـ ٍـة‪ ،‬وقويَّـ ٍة للـ ِـدفـاي‬
‫وحتمل العذاب واألذ يف ـ ــبيل الدَّعوة‪ ،‬وأهللا ـ ــبلت اجلماعة األوىل شو ْح شدةً متما ـ ــكةً‪ ،‬ح تؤثِر‬ ‫ُّ‬
‫فيهــا حالت العـ ِ‬
‫ـدو النَّفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـة‪ ،‬وح دــد يــا مكــاانً يف هــذه اجلمــاعــة‪ ،‬عن طريق اَّؤاخــاة ب‬
‫األخوة يف هللا تاييد عل رابطة الدَّم‪ ،‬والنَّسـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وتفض ـ ـ ــلها يف‬ ‫اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقد أهللا ـ ـ ــبلت رابطة َّ‬
‫المي‪.‬‬
‫الدين ال ِ‬ ‫ِ‬

‫الرفيعـ ــة‪ ،‬القائمة عل احل ِ ‪ ،‬و َّ‬


‫اَّودة‪ ،‬واليثـ ــار‪ ،‬وكانت‬ ‫األخوة َّ‬
‫األول مبعاين َّ‬
‫الرعيل َّ‬
‫وتعايش َّ‬
‫أحاديث ر ول هللا هللال هللا عليت و لم تفعل فعلها يف نفوس الصلابة‪ ،‬فكان هللال هللا عليت‬
‫األخوة‪ ،‬وال َّ ابا‪ ،‬والتَّعاون وتفريت الكرب‪ ،‬ح ل ـ ٍ‬
‫ـيء إح لر ـ ـا هللا‬ ‫َّ‬ ‫ث اَّس ــلم عل‬ ‫و ــلم ُّ‬
‫وإجا يفعل اَّسـ ـ ـ ــلم ذلك ابت اء وجت هللا وحده‪،‬‬ ‫خدمة ٍ‬
‫مقابلة‪ ،‬أو حنو ذلك‪َّ ،‬‬ ‫ـ ـ ـ ــبلانت‪ ،‬ح نظري ٍ‬
‫ـالمي(‪ ،)2‬وب َّ يم‬
‫األخوة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬وَتا ـ ــك ااتمع ال ـ ـ ِ‬‫وهذه اَّباد ء هي ـ ـ ُّـر ا ـ ــتمرار َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف احلديث القد ـ ـ ـ ِـي الذأ يرويت عن ربِت ـ ـ ــبلانت وتعاىل‬
‫َّ‬
‫«اَّتلابون يف جالس يم منابر من نور‪ ،‬ي بطهم النَّبيُّون وال ُّهداء» [الرتمذي (‪ )2390‬وأمحد (‪. ])239/5‬‬

‫ص ـادقة من مقاييس األعمال‪ ،‬وأهللاــبلت اَّبَّة يف هللا من أفضــل‬ ‫األخوة ال َّ‬ ‫وهكذا أهللاــبلت َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم اَّســلم من أن‬ ‫األعمال‪ ،‬ويا أفضــل الدَّرجات عند هللا‪َّ ،‬‬
‫وحذر َّ‬
‫الرابطة‪ ،‬وو ـ ـ ـ ـ ـ ــع يم أ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس احلفا عليها‪ ،‬فقال يم «ح تبا ض ـ ـ ـ ـ ـ ــوا‪ ،‬وح‬
‫هتون عليهم هذه َّ‬

‫الصليلة (‪.)160/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر احلرب النَّفسيَّة َّد ال الم ‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب كليل ‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪270‬‬
‫حتا ـ ــدوا‪ ،‬وح تدابروا‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخواانً‪ ،‬وح ُّل َّس ـ ــل ٍم أن يه ر أخاه فوق ثالث ٍ‬
‫ليال»‬
‫[البخاري (‪ )6076‬ومسلم (‪. ])2559‬‬

‫َّاخلي‪ ،‬وتوحيد جبهتت لتكون قويَّة يف مواجهة‬ ‫َّب (ﷺ) يف ربا ااتمع الد ِ‬ ‫وا ـ ـ ـ ـ ـ ــتعان الن ُّ‬
‫احلريَّة‪ ،‬فهم ح يدخلون‬ ‫اَّوجهة دَّها ابَّساواة ب أفراد هذه اجلبهة‪ ،‬وإعطائهم ِ‬ ‫احلرب النَّفسيَّة َّ‬
‫حريَّة الرأأ ِ‬
‫وحريَّة التعبري‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‪ ،‬فقد‬ ‫ابحلريَّة ‪ ،‬مثَّ كانت يم يف داخلت ِ‬
‫إىل هذا ااتمع إح ِ‬
‫حممد (ﷺ) مببدأ اَّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاواة ب يع النَّاس‪ ،‬احلاكم واَّكوم‪ ،‬وال ُّ والفقري‪ ،‬وب يع‬ ‫أت َّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـلم ‪،‬‬ ‫الطَّبقات‪ ،‬وقد كان يذا اَّبدأ العظيم أكرب األثر يف نفوس أتباي الن ِ‬
‫بكل ما أوتوا من َّقوةٍ وعاي ٍ‬
‫مية‬ ‫وجعلهم يتلابُّون ويتما ــكون‪ ،‬ويفتدون أبرواحهم‪ ،‬ويدافعون عنت ِ‬
‫أهللال‪ ،‬أو حس ٍ أو نس ٍ ‪،‬‬ ‫لد‪ ،‬أو ٍ‬ ‫يقر تفاواتً ب الب ر بسب مو ٍ‬ ‫َّ‬ ‫فهو هللال هللا عليت و لم‬
‫يؤدأ إىل اختال ٍ يف‬ ‫لون‪ ،‬واحختال يف األنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب واألجنــاس‪ ،‬واأللوان ح ِ‬ ‫أو وراثـ ٍـة‪ ،‬أو ٍ‬
‫مكة من‬ ‫َّ‬ ‫فالكل أمام هللا ـ ـ ـ ــوآ ـ ـ ـ ــيا‪ ،‬وعندما طل أش ـ ـ ـ ـرا‬
‫ُّ‬ ‫احلقوق‪ ،‬والواجبات أو العبادات‬
‫حض ح‬ ‫ضـ ـ ـ ـعفاء‪َّ ،‬‬ ‫ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أن جيعل يم جملسـ ـ ـ ـاً ري جملس العبيد وال ُّ‬
‫أن يع النَّاس متسـ ــاوون يف‬ ‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫وإَيهم جملس واحد ب َّ َّ‬ ‫يضـ ـ َّـمهم َّ‬
‫تلقي الوحي‪ ،‬وايداية‪.‬‬ ‫ِ‬

‫وم ْن يعتربو‪،‬م ـ ــعفاء‬ ‫مكة‪ ،‬و ـ ــاداهتا يف ذلك الوقت أن جيلسـ ـ ـوا مع العبيد‪ ،‬ش‬ ‫ورفض كفَّار َّ‬
‫أذحَّء من أتباي َّ ٍ‬
‫ك‬‫هللاـ ـِ ْرب نشـ ْف شسـ ـ ش‬
‫﴿وا ْ‬‫حممد هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فنايل القرآن الكر بقولت تعاىل ش‬
‫احلشيشاةِ ُّ‬
‫الدنْـيشا‬ ‫اك شعْنـه ْم ت ِريد ِزينشةش ْ‬ ‫ين يش ْدعو شن شرَّهب ْم ِابلْ ش شداةِ شوالْ شع ِ ِي ي ِريدو شن شو ْج شهت شوحش تشـ ْعد شعْيـنش ش‬ ‫َّ ِ‬
‫شم شع الذ ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وحش‬ ‫شوحش تط ْع شم ْن أش ْ شف ْلشنا قشـ ْلشبت شع ْن ذ ْك ِرشان شواتـَّبش شع شه شواه شوشكا شن أ ْشمره فـرطًا ﴾[الكوف‪ ،]28 :‬وقولت تعاىل ش‬
‫ك ِم ْن ِح شسـاهبِِ ْم ِم ْن ششـ ْي ٍء شوشما ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ين يش ْدعو شن شرَّهب ْم ِابلْ ش شداة شوالْ شع ِ ـ ِي ي ِريدو شن شو ْج شهت شما شعلشْي ش‬
‫ِ َّ ِ‬
‫تشطْرد الذ ش‬
‫ض لِيشـقولوا‬ ‫ض ـ ـه ْم بِبشـ ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِحس ـ ـابِ ش ِ ِ‬
‫ك فشـتشـنَّا بشـ ْع ش‬
‫*وشك شذل ش‬‫ك شعلشْيه ْم م ْن شش ـ ـ ْيء فشـتشطْرشده ْم فشـتشكو شن م شن الظالم ش ش‬ ‫ش‬
‫اَّلل علشي ِهم ِمن بـينِنشا أشلشيس َّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب هللال هللا‬ ‫إن الن َّ‬ ‫ين﴾[األنعام‪ 52 :‬ـ ـ ـ ـ‪ ،]53‬بل َّ‬ ‫اَّلل أب ْشعلش شم ابل َّاك ِر ش‬ ‫أ ششهؤحشء شم َّن َّ ش ْ ْ ْ شْ ْ ش‬
‫مكتوم األعم ‪ ،‬من الً مبلاورة بعض األشرا عاتبت هللا‬ ‫عليت و لم ل ـ ـ ـ َّـما أعرض عن ابن ِأم ٍ‬
‫يك لش شعلَّت يشـَّايَّك *أ ْشو‬ ‫*وشما ي ْد ِر ش‬ ‫س شوتشـ شوَّىل *أش ْن شجاءشه األ ْشع شم ش‬ ‫أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد العتاب‪ ،‬كما يف ا َيت ش‬
‫﴿عبش ش‬
‫ِ‬
‫ك أشحَّ يشـَّايَّك * شوأ َّشما شم ْن شجاءش شك‬ ‫*وشما شعلشْي ش‬‫ص َّد ش‬ ‫ت لشت تش ش‬‫يش َّذ َّكر فشـتشـْنـ شف شعت الذ ْكشر * أ َّشما شم ِن ا ْ تشـ ْ شىن *فشأشنْ ش‬
‫ِ َّ ِ‬
‫كره ﴾ [عبس‪1 :‬ـ‪.]12‬‬
‫ت شعْنت تشـلش َّه * شكالَّ إ‪،‬شا تشذْكشرة *فش شم ْن ششاءش ذش ش ش‬ ‫*وه شو شخيْ ش *فشأشنْ ش‬ ‫يش ْس شع ش‬
‫‪271‬‬
‫ـالمي‪ ،‬وتوحيده‪،‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم يف ربطت ااتمع ال ـ َّ‬ ‫وكان من أكرب أ ــالي الن ِ‬
‫وتقويتت لل بهة الدَّاخلية‪ ،‬وجعلها قويَّة البنيان متما ــكةً ما دعا إليت هللا ــل هللا عليت و ــلم من‬
‫القوأ الضَّعيف‪ ،‬وليعطف ال ُّ عل الفقري‪،‬‬ ‫اَّعنوأ ب اَّسلم ليع منهم ُّ‬ ‫التَّكافل ِ‬
‫اَّاد ِأ و ِ‬
‫ـالمي‬
‫ف ال ـ ِ‬ ‫صـ ِ‬
‫و ي ك هللاــل هللا عليت و ــلم ث رًة واحد ًة تنفذ منها احلرب النفسـيَّة إىل هذا ال َّ‬
‫كل اجلهود واخلطا الَّيت بذيا‬ ‫األول‪ ،‬وأهللا ــبلت اجلماعة األوىل هللا ــهرةً عظيمةً حتطَّمت عليها ُّ‬
‫َّ‬
‫مكة للقضاء عل الدَّعوة(‪.)1‬‬ ‫زعماء َّ‬

‫الصحابة‪:‬‬
‫سادساً‪ :‬أثر القرآن الكرمي يف رفع معنوايت َّ‬

‫كان للقرآن الكر أثر عظيم يف ش ـ ـ ِـد أزر اَّؤمن من جان ٍ ‪ ،‬وتوعُّده الكفار ابلعذاب من‬
‫جان ٍ آخر‪ ،‬اَّا كان لت وقع القنابل عل نفو ـ ــهم‪ ،‬وقد كان دفاي القرآن الكر عن ال َّ‬
‫صـ ـ ـلابة‬
‫يتمثَّل يف نقطت‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم عل رعايتهم‪ ،‬وحســن جمالســتهم‪ ،‬وا ــتقبايم‪،‬‬ ‫األوىل‪ُّ :‬‬
‫حث َّ‬
‫ومعاتبتت عل بعض اَّواقف الَّيت ترك فيها بعض َّ‬
‫الصلابة حن الت أبمر الدَّعوة أيضاً‪.‬‬
‫الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ :‬التَّهفيف عن ال َّ‬
‫صـ ـ ـلابة‪ ،‬بض ـ ــرب األمثلة والقص ـ ــص يم‪ ،‬من األمم ال َّسـ ـ ـابقة‪،‬‬
‫وأنبيائها‪ ،‬وكيف حقوا ِم ْن قومهم األذ والعذاب ليص ــربوا‪ ،‬ويس ـ ُّ‬
‫ـتهفوا مبا يالقون‪ ،‬وأيض ـاً مبد‬
‫بعض تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـرفاهتم‪ ،‬مثَّ بوعدهم ابلثَّواب‪ ،‬والنَّعيم اَّقيم يف اجلنَّة‪ ،‬وكذلك ابلتَّنديد أبعدائهم الَّذين‬
‫كانوا يذيقو‪،‬م األ واألذ (‪.)2‬‬
‫أما النُّقطـة األوىل حينما كان النَّب هللال هللا عليت و لم جيلس يف اَّس د مع اَّستضعف‬
‫وعمار‪ ،‬وابن فكيهة يس ـ ـ ـ ــار موىل هللا ـ ـ ـ ــفوان بن أميَّة‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــهي ‪،‬‬
‫من أهللا ـ ـ ـ ــلابت مثل خبَّاب‪َّ ،‬‬
‫لبعض هؤحء أهللالابت كما ترون‪ ،‬مثَّ يقولون‬ ‫وأشباههم‪ ،‬فكانت قريش هتايأ هبم‪ ،‬ويقول بعضهم ٍ‬
‫حممد خرياً ما بقنا هؤحء إليت‪،‬‬ ‫احلق‪ ،‬لو كان ما جاء بت َّ‬ ‫من هللا عليهم من بيننا ابيد و ِ‬‫أهؤحء َّ‬
‫خصهم هللا بت دوننا(‪.)3‬‬
‫وما َّ‬

‫(‪ )1‬انظر احلرب النفسيَّة َّد ال الم ‪( ،‬ص ‪ 125‬ـ ‪.)140‬‬


‫(‪ )2‬انظر احلرب النَّفسيَّة َّد ال الم ‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫(‪ )3‬اَّرجع السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.271 ، 270‬‬
‫‪272‬‬
‫أن ر ـ ـ ـ ـ ــا هللا عل‬ ‫ورد هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬عل ا ـ ـ ـ ـ ــتهاياء هؤحء الكفَّار‪ ،‬مبيِناً يم َّ‬ ‫َّ‬
‫عباده‪ ،‬ح يتوقَّف عل منايلتهم‪ ،‬وح مكانتهم ب النَّاس يف الدنيا‪ ،‬كما يؤكِد لر ـ ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا‬
‫حض ح يتأثـَّشر مبا يقولت الكفَّار‪ ،‬من حماوحت احنتقاص من شأن هؤحء‬ ‫عليت و لم هذا اَّفهوم‪َّ ،‬‬
‫ين يش ْدعو شن شرَّهب ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وحش تشطْرد الذ ش‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬ومبيناً لت أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً مكانتهم‪ ،‬فيقول هللا تبارك وتعاىل ش‬ ‫ال َّ‬
‫ك شعلشْي ِه ْم ِم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك ِم ْن ِح شس ـ ـ ـاهبِِ ْم ِم ْن شش ـ ـ ـ ْيء شوشما ِم ْن ِح شس ـ ـ ـابِ ش‬‫ِابلْ ش شداة شوالْ شع ِ ـ ـ ـ ِي ي ِريدو شن شو ْج شهت شما شعلشْي ش‬
‫ض لِيشـقولوا أ ششهؤحشِء شم َّن َّ‬
‫اَّلل شعلشْي ِه ْم‬ ‫ض ـه ْم بِبشـ ْع ٍ‬‫ك فشـتشـنَّا بشـ ْع ش‬
‫ِ‬
‫*وشك شذل ش‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬
‫شش ـ ْيء فشـتشطْرشده ْم فشـتشكو شن م شن الظالم ش ش‬
‫ٍ‬
‫اَّلل ِأب ْشعلشم ِابل َّ ـ ـ ـاكِ ِرين *وإِ شذا شجاء شك الَّ ِذ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين يـ ْؤمنو شن رَيتنشا فشـق ْل ش ـ ـ ـالشم شعلشْيك ْم شكتش ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫س َّ ش‬ ‫م ْن بشـْيننشا أشلشْي ش‬
‫هللا ـ ـ ـلش ش فشأشنَّت شفور‬ ‫الر ْحةش أشنَّت من ع ِمل ِمْنكم ـ ـ ـوءا ِقهالشٍة مثَّ شات ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب م ْن بشـ ْعده شوأش ْ‬ ‫ش‬ ‫ً شش‬ ‫شربُّك ْم شعلش نشـ ْفس ـ ـ ـت َّ ش ش ْ ش ش ْ‬
‫حيم ﴾ [األنعام‪. ]54 - 52 :‬‬ ‫رِ‬
‫ش‬
‫وهكذا ب َّ هللا لر ولت هللال هللا عليت و لم شأن هؤحء الصلابة‪ ،‬وقيمتهم‪ ،‬ومنايلتهم الَّيت‬
‫ـول‬
‫الر ـ ش‬‫جيهلها‪ ،‬أو يت اهلها الكفَّار‪ ،‬و اولون أن ينالوا منها بل وياييد هللا عل ذلك أن ينه َّ‬
‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن طردهم‪ ،‬كما رمره حبسـ ــن حتيَّتهم‪ ،‬ورمره أيض ـ ـاً أن يب ِ ـ ـرهم َّ‬
‫أبن هللا‬
‫بلانت قد وعدهم مب فرة ذنوهبم بعد توبتهم‪.‬‬
‫الرو اَّعنويـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة يؤحء؟! وكيف جيدون األذ من الكفَّار بعد ذلك؟! َّإ‪،‬م‬
‫كيف تكون ُّ‬
‫يفرحون هبذا األذ الذأ وهللالوا بسببت إىل هذه اَّنازل العظيمة(‪.)1‬‬
‫مثَّ نر عتاب هللا لر ـ ـولت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف آَيت تتل إىل يوم القيامة‪ ،‬وكان هذا‬
‫مرًة‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫ص ـلابة‪ ،‬أعرض عنت َّ‬
‫رجل فقري أعم من ال َّ‬ ‫العتاب يف شــأن ٍ‬
‫مكة(‪.)2‬‬‫َّ‬ ‫واحدةً‪ ،‬و جيبت عن ؤالت حن الت بدعوة بعض أشرا‬
‫ـك لش شعلَّـت يشـَّايَّك *أ ْشو يشـ َّذ َّكر فشـتشـْنـ شف شع ـت‬
‫*وشم ـا ي ـ ْد ِريـ ش‬
‫س شوتشـ شوَّىل *أش ْن شج ـاءشه األ ْشع شم ش‬
‫﴿عبش ش‬
‫قــال تعــاىل ش‬
‫ِ‬
‫*وه شو‬ ‫*وأ َّشما شم ْن شجاءش شك يش ْس شع ش‬ ‫ك أشحَّ يشـَّايَّك ش‬ ‫ص َّد ش‬
‫*وشما شعلشْي ش‬ ‫ت لشت تش ش‬‫الذ ْكشر * أ َّشما شم ِن ا ْ تشـ ْ شىن *فشأشنْ ش‬
‫عْنت تشـلش َّه ﴾ [عبس‪. ]10 - 1 :‬‬ ‫ت ش‬ ‫شخيْ ش *فشأشنْ ش‬
‫إنَّت ح جمال لالمتيازات يف دعوة ِ‬
‫احلق‪ ،‬بســب احلسـ ‪ ،‬والنَّسـ ‪ ،‬أو اَّال واجلاه‪ ،‬فهي َّإجا‬

‫(‪ )1‬انظر احلرب النفسية د ال الم ‪ ،‬ص ‪.271 ، 270‬‬


‫(‪ )2‬احلرب النَّفسيَّة َّد ال الم ‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪273‬‬
‫جاءت لتأهللا ــيل النَّظرة إىل النس ــان‪ ،‬وبيان وحدة األهللا ــل‪ ،‬وما تقتض ــيت من اَّس ــاواة‪ ،‬والتكافؤ‪،‬‬
‫وجهت هللا تعاىل لر ولت هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬ ‫ومن هنا ميكن تعليل شدَّة أ لوب العتاب الَّذأ َّ‬
‫لالهتمام الكبري الَّذأ أظهره أل ِيب بن خلف‪ ،‬عل حس ـ ــاب ا ـ ــتقبالت حبن ِأم مكتوم الض ـ ــعيف‬
‫احلق عل البالي من أمثال أ ِيب بن خلف(‪ )1‬لعنت‬ ‫ر ي هللا عنت‪ ،‬فابن ِأم مكتوم يرج يف ميايان ِ‬
‫هللا!‬
‫وم ْن جــاء بعــدهم من‬‫األول ش‬
‫الرعيــل َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة دروس‪ ،‬وعرب‪ ،‬ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتفــاد منهــا َّ‬
‫وكــانــت يــذه الق َّ‬
‫فَن عل الدُّعاة البالغ‪ ،‬وليس عليهم‬ ‫َّ‬ ‫أهم هذه الدُّروس القبال عل اَّؤمن‬ ‫اَّسـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬شوِم ْن ِ‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فلو يكن نبيُّنا َّ‬
‫حممد‬ ‫قصة األعم دليل عل نبـ ـ ـ َّـوة َّ‬ ‫ايداي ـ ــة‪ ،‬ففي َّ‬
‫ول هللا لكتم هذه احلادث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬و خيرب النَّاس هبا َّا فيها من ٍ‬
‫عتاب لت‬ ‫هللال هللا عليت و لم ر ش‬
‫ص ـ ـة ز ٍ‬
‫يد‪،‬‬ ‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ولو كان كاَتاً ش ـ ــيئاً من الوحي لكتم هذه ا َيت‪ ،‬وآَيت ق َّ‬
‫وزين بنت جلش ر ي هللا عنهما(‪ ،)2‬فعل الدُّعاة تقد أهل اخلري‪ ،‬والميان(‪.)3‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬فقد كانت ابلتَّهفيف عنهم‪ ،‬وكان‬
‫أما النقطة الثَّانية يف دفاي القرآن الكر عن ال َّ‬
‫أن هذا األذ الَّذأ يلقونت يكن فريداً من نوعت َّ‬
‫وإجا حدث‬ ‫أهم و ـ ـ ـ ـ ــائل التَّهفيف إظهار َّ‬
‫َّ‬
‫قبل ذلك مثلت‪ ،‬وأش ـ ُّـد منت‪ ،‬كان القص ــص الَّذأ يتلدَّث عن حياة ُّ‬
‫الر ــل يف القرآن الكر من‬
‫لدن نو ٍ ‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬ومو ـ ـ وعيس ـ ـ ‪ -‬عليهم ال َّس ـ ـالم ‪ -‬تثبيتاً للمسـ ــلم ‪ ،‬ولرو التَّضـ ــلية‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬وب َّ يم القدوة احلســنة الَّيت كانت يف العصــور القدمية فالقصــص‬ ‫ص ـرب فيهم من أجل ِ‬ ‫وال َّ‬
‫القرآينُّ وأ الكثري من العرب‪ ،‬واحلكم‪ ،‬واألمثال‪.‬‬
‫الدفاي عنهم أ ــلوبت يف مدحهم‪،‬‬ ‫ص ـلابة‪ ،‬و ِ‬‫كان أيض ـاً من أ ــالي القرآن يف هفيفت عن ال َّ‬
‫وم ْن عليها كما حدث‬ ‫ومد أعمايم يف القرآن الكر ‪ ،‬يقريها النَّاس إىل أن يرث هللا األرض‪ ،‬ش‬
‫صـلابة لينقذهم من األذ ‪ ،‬والتَّعذي ‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫صـ ِديق لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أعتق ــبع ر ٍ‬
‫قاب من ال َّ‬ ‫مع ال ِ‬
‫يعذب بالل بن أيب راب ‪ ،‬فالقرآن بد ـ ـ ــتوره األخالقي‬ ‫يندد أبميَّة بن خلف‪ ،‬الَّذأ كان ِ‬ ‫نفسـ ـ ــت ِ‬
‫وحذر اَّهالف ‪ ،‬وحل هذا األ ــلوب م ًاي‬ ‫قد قدَّم قواعد الثَّواب‪ ،‬والعقاب‪ ،‬وش ـ َّ ع اَّؤمن ‪َّ ،‬‬

‫تصر يف العدد بدل مئة بالي ‪.‬‬


‫الصليلة (‪ )167/1‬مع ُّ‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬تفسري ابن عطيَّة (‪ ، )316/15‬والقامسي (‪.)54/17‬‬
‫(‪ )3‬انظر اَّستفاد من قصص القران ‪ ،‬لعبد الكر زيدان (‪.)89/2‬‬
‫‪274‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬وكان َّمةً وكرابً عل نفوس الكفار اَّ ِددين إذ جاء قول‬ ‫عميقاً‪ ،‬فقد أانر الطريق لل َّ‬
‫ِ‬
‫*و ش ـ ـ ـ ـي ش نَّـبـ شها‬ ‫ص ـ ـ ـ ـالش شها إِحَّ األش ْش ـ ـ ـ ـ شق *الَّذأ شك َّذ ش‬
‫ب شوتشـ شوَّىل ش‬ ‫هللا تعاىل ﴿فشأشنْ شذ ْرتك ْم شان ًرا تشـلشظَّ *حش يش ْ‬
‫*وشما ِأل شِ شح ٍد ِعْن شده ِم ْن نِ ْع شم ٍة ْدشاي *إِحَّ ابْتِ شاءش شو ْج ِت شربِ ِت األ ْشعلش‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫األشتْـ شق *ا لذأ يـ ْؤل شمالشت يشـتشـشايَّك ش‬
‫*ولشسو ش يـر ش ﴾ [الليل‪. ]21 - 14 :‬‬
‫ش ش ْ شْ‬
‫وكذلك خلَّد القرآن ثبات وفد نصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ُران عل ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬بر م ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتهاياء الكفَّار‪،‬‬
‫اَّؤرخ (‪ ،)1‬قال‬ ‫لصدهم عن ال الم‪ ،‬لذا نايلت فيهم بعض ا َيت كما يذكر بعض ِ‬ ‫وحماوحهتم ِ‬
‫*وإِذشا يـْتـلش شعلشْي ِه ْم قشالوا شآمنَّا بِ ِت إِنَّت ْ‬
‫احلش ُّق‬ ‫تعاىل ﴿الَّ ِذين آتشـيـنشاهم الْ ِكتش ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫اب م ْن قشـْبلت ه ْم بت يـ ْؤمنو شن ش‬ ‫ش‬ ‫ش ْ ْ‬
‫هللاـ شربوا شويش ْد شرأو شن ِاب ْحلش شسـنش ِة ال َّسـيِئشةش‬ ‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫شجشره ْم شمَّرتش ْ ِ مبشا ش‬ ‫ِم ْن شربِنشا إِ َّان كنَّا ِم ْن قشـْبل ِت م ْسـل ِم ش *أولشئِ ش‬
‫ك يـ ْؤتشـ ْو شن أ ْ‬
‫*وإِ شذا شِمسعوا اللَّ ْ شو أ ْشعشر وا شعْنت شوقشالوا لشنشا أ ْشع شمالنشا شولشك ْم أ ْشع شمالك ْم ش الشم شعلشْيك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شواَّا شرشزقْـنشاه ْم يـْنفقو شن ش‬
‫اهلِ ش ﴾ [القصص‪. ]55 - 52 :‬‬ ‫اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫حش نشـْبـتش ي ْش‬
‫صـ ـلابة ابلثَّواب العظيم‪ ،‬وابلنَّعيم اَّقيم يف اجلنَّة‪ ،‬جاياءً مبا‬ ‫وكانت ا َيت بعد ذلك تب ِ ـ ـر ال َّ‬
‫حتملوا من األذ ‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ يعاً يم عل اح ـ ـ ـ ــتمرار يف طريق الدَّعوة ري مبال مبا‬ ‫هللا ـ ـ ـ ــربوا‪ ،‬وما َّ‬
‫َّب هللاـ ـل هللا عليت و ــلم‬ ‫ِ‬
‫يس ــمعونت‪ ،‬وما يالقونت‪ ،‬فالنَّص ــر‪ ،‬وال لبة يم يف النهاية‪ ،‬كما ب َّ يم الن ُّ‬
‫يف أحاديثت‪ ،‬وكما ب َّ يم القرآن‪ ،‬كما ب َّ القرآن الكر يف الوقت نفس ــت مص ــري أعدائهم‪ ،‬كفَّار‬
‫احلشيشاةِ ُّ‬ ‫ين شآمنوا ِيف ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الدنْـيشا شويشـ ْوشم يشـقوم األش ْشـ ـ شهاد * يشـ ْوشم حش‬ ‫مكة‪ .‬قال تعاىل ﴿إ َّان لشنشـْنصـ ـر ر ـ ـلشنشا شوالذ ش‬
‫يشـْنـ شفع الظَّالِ ِم ش شم ْع ِذ شرهت ْم شوشيم اللَّ ْعنشة شوشي ْم ـ ـ ـ ـ ـوء الدَّا ِر ﴾ [غافر‪ ،]52 - 51 :‬وب َّ فضـ ـ ـ ـ ــل َت ُّس ـ ـ ـ ـ ـكهم‬
‫صـ ـ ـ ـ ـالششة شوأشنْـ شفقوا ِاَّا شرشزقْـنشاه ْم‬
‫اَّللِ شوأشقشاموا ال َّ‬
‫اب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ابلقرآن وإميا‪،‬م بت‪ .‬قال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫ين يشـْتـلو شن كتش ش‬
‫يدهم ِمن فش ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شكور﴾ [فاطر‪:‬‬ ‫ضل ِت إِنَّت شفور ش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ًّرا شو شعالشنيشةً يشـ ْرجو شن دش شارًة لش ْن تشـب شور *ليـ شوفيشـه ْم أج شوره ْم شويشِاي ش ْ ْ‬
‫ِ‬
‫‪. ]30 - 29‬‬

‫صـرب عل‬ ‫وب َّ ‪ -‬ــبلانت ‪ -‬فضــل التَّم ُّسـك بعبادتت بر م األذ ‪ ،‬والتعذي ‪ ،‬وب َّ جاياء ال َّ‬
‫اج ًدا شوقشائِ ًما شْ شذر اْ خرشة شويشـ ْرجو شر ْحشةش شربِِت ق ْل‬ ‫آانء اللَّي ِل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬قال تعاىل ﴿أ َّشم ْن ه شو قشانت ش ْ ش‬
‫اب * ق ْل شَي ِعبش ِاد الَّ ِذي شن شآمنوا‬‫شهل يس ـ ـ ـتش ِوأ الَّ ِذين يـ ْعلشمو شن والَّ ِذين حش يـ ْعلشمو شن إَِّجشا يـتش شذ َّكر أولو األشلْب ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫شش‬ ‫ْ شْ‬
‫شجشره ْم بِ ش ِْري‬ ‫اَّللِ شوا ِ شعة إَِّجشا يـ شو َّ َّ‬
‫الصابِرو شن أ ْ‬ ‫الدنْـيشا شح شسنشة شوأ ْشرض َّ‬ ‫شح شسنوا ِيف شه ِذهِ ُّ‬ ‫ِِ‬
‫اتـَّقوا شربَّك ْم للَّذ ش‬
‫ين أ ْ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)4/2‬‬
‫‪275‬‬
‫[الزمر‪. ]10 - 9 :‬‬ ‫ِحس ٍ‬
‫اب ﴾‬ ‫ش‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـنهم ـ ـ ـ ـ ـ َّـد احلرب‬‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬ويدافع عنهم‪ ،‬و ِ‬ ‫وهكذا كان القرآن الكر ِ‬
‫خيفف عن ال َّ‬
‫صـ ـلابة بفض ــل اَّنهت‬ ‫النَّفسـ ـيَّة‪ ،‬وبذلك تؤثِر تلك احلمالت‪ ،‬وو ــائل التَّعذي عل قلوب ال َّ‬
‫الر ول هللال‬ ‫كل أ الي اَّ رك يف حماربة َّ‬ ‫القرآين‪ ،‬واأل الي النَّبويَّة احلكيمة‪ ،‬فلقد حتطَّمت ُّ‬ ‫ِ‬
‫األول‪.‬‬
‫الرعيل َّ‬ ‫السليم الَّذأ تش ش َّربت َّ‬
‫الصليلة‪ ،‬واَّنهت َّ‬ ‫هللا عليت و لم وأهللالابت أمام العقيدة َّ‬

‫سابعاً‪ :‬أسلوب املفاوضات‪:‬‬

‫اجتمع اَّ ــركون يوماً‪ ،‬فقالوا انظروا أعلمكم ابل ِس ـلر‪ ،‬والكهان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وال ِ ـعر‪ ،‬فليأت هذا‬
‫الرجل الَّذأ َّفرق اعتنا‪ ،‬وشتَّت أمران‪ ،‬وعاب ديننا فليكلِمت‪ ،‬ولينظر ماذا يـ ـ ـ ُّ‬
‫ـرد عليت ؟ فقالوا‬ ‫َّ‬
‫ما نعلـ ـ ـ ــم أحداً ري عتب ـ ـ ـ ـةش بن ربيعة‪ ،‬فقالوا أنت َي أاب الوليد! فأاته عتبة‪ ،‬فقال َي حممد! أنت‬
‫خري أم عبد اَّطل ؟ فسـ ـ ــكت ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ .‬قال فَن كنت تايعم َّ‬
‫أن‬
‫حض‬‫هؤحء خري منــك فقــد عبــدوا احيــة الَّيت عبــت‪ ،‬وإن كنــت تايعم أنـَّك خري منهم‪ ،‬فتكلَّم َّ‬
‫قا أشأم عل قومك منك! َّفرقت اعتنا‪ ،‬وشتَّت أمران‪،‬‬ ‫نسمع قولك‪َّ ،‬إان وهللا ما رأينا ش ْهلشةً ُّ‬
‫أن يف قريش‬ ‫أن يف قريش ـ ـ ـ ـ ـ ــاحراً‪ ،‬و َّ‬ ‫حض لقد طار فيهم َّ‬ ‫وعبت ديننا‪ ،‬وفض ـ ـ ـ ـ ـ ــلتنا يف العرب َّ‬
‫حض نتفاَّن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بعض ابلسيُّو‬ ‫كاهناً‪ ،‬وهللا ما ننتظر إح مثل هللايلة احلبل ! أن يقوم بعضنا إىل ٍ‬
‫حض تكون أ ىن قريش رجالً‪،‬‬ ‫الرجل! إن كان َّإجا بك احلاجة عنا لك من أموالنا َّ‬ ‫أيُّها َّ‬
‫فلنايوجك ع راً‪ .‬فقال ر ول هللا هللال‬ ‫أأ نس ـ ـ ــاء قريش شئت ِ‬ ‫وإن كان َّإج ـ ـ ــا بك الباءة فاخ َّ‬
‫هللا عليت و لم «فر ت؟» ق ــال نعم ! فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ﴿حم *تشـْن ِاييل‬
‫ت آَيتت قرآانً شعشربِيًّا لِشق ْوٍم يشـ ْعلشمو شن ﴾ [فصـ ـ ـ ــلت‪ ]3 - 1 :‬إىل أن بل‬ ‫الرِحي ِم *كِتشاب ف ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلش ْ‬ ‫ان َّ‬‫الر ْح ِ‬ ‫ِ‬
‫م شن َّ ش‬
‫ود ﴾ [فصلت‪ ،]13 :‬فقال عتبة حسبك!‬ ‫اع شقةً ِمثْل ِ ِ ٍ‬ ‫﴿فشَِ ْن أ ْشعر وا فشـقل أشنْ شذرتكم هللا ِ‬
‫هللااع شقة شعاد شوشش ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫يش‪ ،‬فقالوا ما وراءك؟ قال ما تركت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً أر‬ ‫ما عندك ري هذا؟ قال «ح» فرجع إىل قر ٍ‬
‫أنَّكم تكلِمونت إح كلَّمتت‪ ،‬قالوا فهل أجابك؟ فقال نعم [ابن هشـ ـ ـ ـ ــام (‪ )314 - 313/1‬والبيوقي يف الكرب‬

‫‪276‬‬
‫(‪. )1(])204 - 203/2‬‬
‫ويف رواي ـ ــة ابن إ لاق فل ـ ـ َّـما جلس إليهم قالوا ما وراءك َي أاب الوليد ؟! قال ورائي أين‬
‫قا ! وهللا ما هو ابل ـ ـ ـ ـ ــعر ! وح ابل ِسـ ـ ـ ـ ـ ـلر‪ ،‬وح ابلكهانة‪َ ..‬ي‬ ‫مسعت قوحً وهللا ما مسعت مثلت ُّ‬
‫مع ر قريش! أطيعوين‪ ،‬واجعلوها يب‪ ،‬وخلُّوا ب هذا َّ‬
‫الرجل وب ما هو فيـ ـ ـ ــت‪ ،‬فاعتايلـ ـ ـ ــوه‪ ،‬فوهللا‬
‫صْب ــت العرب فقد كفيتموه ب ريكم ‪ ،‬وإن يشظْ شه ــر‬ ‫ليكونَّن لقول ــت الَّذأ مسعت منت نبأ عظيم‪ ،‬فَن ت ِ‬
‫ـعد النَّاس بت‪ ،‬قالوا ش ـ ـ ـ ـ شلشرك وهللا َي أاب‬ ‫وعايه ُّ‬
‫عايكم ‪ ،‬وكنتم أ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫عل العرب ‪ ،‬فملكت م ْلككم ‪ُّ ،‬‬
‫الوليد بلسانت؟ قال هذا رأيي فيت فاهللانعوا ما بدا لكم(‪.)2‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫كة جانبيَّ ٍة حول أفض ـ ــليتت عل أبيت‪،‬‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف معر ٍ‬
‫‪ - 1‬يدخل َّ‬
‫ض شي األمر دون أن يسمع عتبة شيئاً‪.‬‬ ‫وجده‪ ،‬أو أفضليتهما عليت‪ ،‬ولو فعل ذلك لق ِ‬ ‫ِ‬

‫َّهصي‬
‫ِ‬ ‫خيض هللال هللا عليت و لم معركة جانبيَّةً حول العروض اَّ رية‪ ،‬و ضبت ال‬
‫ْ‬ ‫‪-2‬‬
‫يذا ِ‬
‫احهتام َّإجا ترك ذلك كلت يد ٍ أبعد‪ ،‬وترك عتبة يعرض َّ‬
‫كل ما عنده‪ ،‬وبل من أدبت هللاــل‬
‫هللا عليت و لم أن قال «أفر ت َي أاب الوليد؟!» فقال نعم(‪.)3‬‬
‫وإن اختياره يذه ا َيت لدليل‬ ‫‪ - 3‬كان جواب ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم حامساً‪َّ ،‬‬
‫أن هذا القرآن تناييل من‬ ‫عل حكمتت‪ ،‬وقد تناولت ا َيت الكرمية قض ـ ـ ـ ــاَي رئيس ـ ـ ـ ــيةً كان منها َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأنَّت ب ــر‪،‬‬ ‫مهمة َّ‬
‫هللا‪ ،‬وبيان موقف الكافرين‪ ،‬وإعرا ــهم‪ ،‬وبيان َّ‬
‫أن اخلالق واحد هو هللا‪ ،‬وأنَّت خالق ال َّس ـ ـ ـموات واألرض‪ ،‬وبيان تكذي األمم ال َّس ـ ـ ـابقة‪،‬‬ ‫وبيان َّ‬
‫عاد‪ ،‬وشود(‪.)4‬‬ ‫يش هللااعقةً مثل هللااعقة ٍ‬ ‫وما أهللااهبا‪ ،‬وإنذار قر ٍ‬
‫‪ - 4‬خطورة اَّال‪ ،‬واجلاه‪ ،‬والنِسـ ـ ـ ــاء عل الدُّعاة‪ ،‬فكم من الدُّعاة ـ ـ ـ ــقا يف الطَّريق حتت‬
‫ليكفوا عن دعوهتم! والذين ثبتوا أمام‬ ‫بريق اَّال! وكم ع ِر ـ ـ ـ ــت احح من األموال عل الدُّعاة ُّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وخطورة اجلاه وا ــلة َّ‬
‫ألن ال َّ ـ ـيطان يف‬ ‫إ راء اَّال هم اَّقتدون ابلن ِ‬

‫(‪ )1‬البداية والنِهاية ‪ ،‬حبن كثري (‪ 68/3‬ـ ‪.)69‬‬


‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)294/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر التَّلالف ِ‬
‫السيا ي يف ال الم ‪َّ ،‬نري ال ضبان ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫(‪ )4‬انظر مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬لل َّامي ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪277‬‬
‫الرَّابينُّ هو الَّذأ يتأ َّ ـ ـ ـ بر ـ ـ ــول‬
‫بطرق أكرب‪ ،‬وأمكر‪ ،‬وأف ر‪ ،‬والدَّاعية َّ‬ ‫هذا ااال ياييِن‪ ،‬وي وأ ٍ‬
‫هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يف حركتت‪ ،‬وأقوالت‪ ،‬وأفعالت‪ ،‬وح ينس ـ ايد الذأ يعيش وميوت من‬
‫ك أ ِم ْرت شوأ ششان‬ ‫ِ‬ ‫أجلت ﴿قل إِ َّن هللاالشِل ونس ِكي وشْحمياأ واشش ِال ََِّّللِ ر ِ‬
‫ب الْ شعالش ِم ش *حش شش ِر ش‬
‫يك لشت شوبِ شذل ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ْ ش ش‬
‫م ش ﴾ [األنعام‪. ]163 - 162 :‬‬ ‫أ َّشول الْمسلِ ِ‬
‫ْ‬
‫الرجال من‬ ‫و َّأما النِســاء فقد قال هللاــل هللا عليت و ــلم «ما تركت بعدأ فتنةً أ ـَّـر عل ِ‬
‫ايمة عن الدَّعوة‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬أو‬ ‫ـاء» [البخاري (‪ )5096‬ومسـ ـ ــلم (‪ ،])2740‬ـ ـ ـ ـواء كانت زوجةً تثبِا َّ‬ ‫النِسـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـباكهن‪ ،‬أو يف هتيئة أجواء الب ي‪ ،‬والمث‪ ،‬وااون‬ ‫تسـ ـ ــليا بعض الفاجرات عليت لِي ْس ـ ـ ـ ِقطْنشت يف شـ ـ ـ َّ‬
‫لدين‪ ،‬فهاهي قريش تعرض عل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا (ﷺ)‬ ‫فَ‪،‬ا فتنة عظيمة يف ا ِ‬ ‫لرياتدها‪ ،‬أَيً كانت‪َّ ،‬‬
‫إن خطر اَّرأة‬ ‫ادهن‪َّ .‬‬ ‫زوجات لت إن أر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يكن‬
‫ـنهن َّ‬ ‫لهن وأحس ـ ـ ـ َّ‬ ‫نس ـ ـ ــاءها‪ ،‬خيتار ع ـ ـ ـ ـراً منها‪ ،‬أ َّ‬
‫الرقاب(‪ ،)1‬فعل الدُّعاة أن‬ ‫صلشت عل ِ‬ ‫السيف اَّ ْ‬ ‫أشد من خطر َّ‬ ‫ح ح تستقيم عل منهت هللا ُّ‬
‫السالم ‪﴿ -‬قش شال‬ ‫ويتذكروا دائماً قول يو ف ‪ -‬عليت َّ‬ ‫يقتدوا بسيِد اخللق هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إِلشْي ِه َّن شوأشك ْن ِم شن‬ ‫ِ‬ ‫ب ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن أشح ُّ إِ ش ِ‬ ‫رِ‬
‫س اَّا يش ْدعونشِ إِلشْيت شوإِحَّ تش ْ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر ْ شع ِ شكْي شده َّن أش ْ‬ ‫ْ ش َّ‬ ‫ش‬
‫ميع الْعلِيم ﴾ [يوسف‪.]34 - 33 :‬‬ ‫الس ِ‬
‫صشر ش شعْنت شكْي شده َّن إِنَّت ه شو َّ‬ ‫ْ ِِ‬
‫ش‬ ‫اب لشت شربُّت فش ش‬
‫اجلشاهل ش *فشا ْ تش ش ش‬
‫‪ - 5‬أتثُّر عتبة من موقف الن ِ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وكان هذا التأثري وا ــلاً لدرجة َّ‬
‫أن‬
‫العدو ينوأ القض ـ ـ ـ ـ ــاء عل‬
‫أهللا ـ ـ ـ ـ ــلابت أقس ـ ـ ـ ـ ــموا عل ذلك التَّأثري قبل أن خيربهم‪ ،‬فبعد أن كان ُّ‬
‫حممد هللال هللا عليت و لم‪،‬‬ ‫الدَّعوة‪ ،‬إذا بت يدعو لعكس ذلك‪ ،‬فيطل من قريش أن هلِ شي بيـ ــن َّ‬
‫وما يريد(‪.)2‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وعتبة‪ ،‬وكيف رفض‬
‫ص ـ ـ ـلابة َّا حدث ب الن ِ‬
‫‪ - 6‬ا ـ ـ ــتمع ال َّ‬
‫كل عرو ـ ــت اَّ رية‪ ،‬فكان ذلك در ـ ـاً تربوَيً خالا أح ـ ــاءهم‪،‬‬
‫حبيبهم هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫َّمسك ابلعقيدة‪ ،‬وو ع اَّ رَيت حتت أقدامهم‪.‬‬ ‫تعلَّموا منت الثَّبات عل اَّبدأ‪ ،‬والت ُّ‬
‫ص ـدر‪ ،‬فقد‬
‫الر ــول الكر هللا ــل هللا عليت و ــلم احللم‪ ،‬ورحابة ال َّ‬ ‫‪ - 7‬تعلَّم ال َّ‬
‫ص ـلابة من َّ‬
‫إن يف قر ٍ‬
‫يش‬ ‫ا تمع هللال هللا عليت و لم إىل ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرهات عتبة بن ربيعة‪ ،‬ونيلت منت‪ ،‬وقولت عنت « َّ‬

‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪278‬‬
‫قا أشــأم عل قومك منك»‪ ،‬و «إن‬ ‫يش كاهناً»‪ ،‬و «ما رأينا ش ـ ْهلشةً ُّ‬ ‫إن يف قر ٍ‬
‫ــاحراً» و « َّ‬
‫ض عن هذا‬ ‫كان الذأ رتيك شرئِياً من ِ‬
‫اجلن»‪ ،‬فقد أعرض عنت هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأ َّ‬
‫ال ِسـ ـباب‪ ،‬حبيث ح يص ــرفت ذلك عن دعوتت‪ ،‬وتبلي ت َّإَيها لس ــيد ب عبد طس‪ ،‬فقد كانت ُّ‬
‫كل‬
‫كل تص ــر ٍ ِديناً يـتَّبع‪ ،‬و ُّ‬
‫كل‬ ‫لمة تص ــدر من ــيِد اخللق هللا ــل هللا عليت و ــلم مبدأً تذ ‪ ،‬و ُّ‬ ‫ك ٍ‬
‫إ ٍ‬
‫ضاء خلقاً يتأ َّ بت(‪.)1‬‬
‫ـات بعد ذلك مع ر ــول هللا‬ ‫مكة دخلوا يف مفاو ـ ٍ‬ ‫أن قيادات َّ‬ ‫وذكرت بعض كت ال ِس ـرية َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وعر وا عليت إ راءات تل أمامها القلوب الب ريَّة‪ ،‬اَّن أراد الدُّنيا وطمع‬
‫أن ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم َّاهذ موقفاً حامساً يف وجت الباطل‪ ،‬دون‬ ‫يف م اجها‪ ،‬إح َّ‬
‫دهاء يا ٍي‪ ،‬أو حماولة وجود رابطة ا تعطا ٍ ‪ ،‬أو ا تلطا ٍ‬ ‫دخول يف ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مداهنة‪ ،‬أو ٍ‬ ‫مراو ة‪ ،‬أو‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـراحة‪ ،‬والبيان‪ ،‬بعيدةً عن‬ ‫مع زعماء قريش(‪َّ )2‬‬
‫ألن قض ـ ـ ـ ــية العقيدة تقوم عل الو ـ ـ ـ ــو ‪ ،‬وال َّ‬
‫رد ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «ما يب ما تقولون‪ ،‬ما جئتكم‬ ‫اَّداهنة‪ ،‬والتَّنازل ولذلك َّ‬
‫لكن هللا بعث إليكم‬ ‫مبــا جئتكم بــت أطل ـ أموالكم‪ ،‬وح ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر فيكم‪ ،‬وح اَّلــك عليكم‪ ،‬و َّ‬
‫علي كتاابً وأمرين أن أكون لكم ب رياً ونذيراً‪ ،‬فبلَّ ْتكم ر الة ريب‪ ،‬ونصلت لكم‪،‬‬ ‫ر وحً‪ ،‬وأنايل َّ‬
‫علي أهللاـ ـ ـ ـ ـ ــرب ألمر هللا‬ ‫فَن تقبلوا م ما جئتكم بت فهو حظُّكم يف الدُّنيا‪ ،‬وا خرة‪ ،‬وإن ُّ‬
‫تردوه َّ‬
‫حض كم هللا بي وبينكم» [ابن هشام (‪.)3(])316/1‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫المياين الثَّابت رجع كيدهم يف حنورهم‪ ،‬وثبتت قض ـيَّة من أخطر قضــاَي العقيدة‬ ‫هبذا اَّوقف‬
‫ـائبة ر ٍ‬
‫يبة عنها‪ ،‬ـ ـواء يف جوهرها‪ ،‬أو يف الو ــيلة‬ ‫أأ شـ ـ ٍ‬
‫ال ــالميَّة‪ ،‬وهي خلوص العقيدة من ِ‬
‫اَّوهللالة إليها(‪.)4‬‬
‫س ِدي ِن ﴾ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ اَّ ــركون هللاــالبة اَّســلم ‪ ،‬وا ــتمســاكهم بدينهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿لشك ْم دينك ْم شو ش‬
‫ابطل بدأت خطوط اليأس يف نفو ـ ــهم من َّ‬
‫أن اَّس ـ ــلم يس ـ ــتليل‬ ‫كل ٍ‬ ‫ورفعة نفو ـ ــهم فوق ِ‬
‫رجوعهم عن دينهم فس ـ ـ ـ ـ ـ ــلكوا مهايلةً أخر من مهازيم الدَّالة عل طيش أحالمهم‪ ،‬ورعونتهم‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)304/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر الوفود يف العهد اَّكي ‪ ،‬لعلي األ طل ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )197/1‬وال َّ بيَّة القياديَّة (‪.)305/1‬‬
‫(‪ )4‬اتري هللادر ال الم ‪ ،‬لعبد الرحن ال ُّ اي ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪279‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم األ ـ ــود بن عبد اَّطل ‪ ،‬والوليد بن اَّ رية‪،‬‬ ‫احلمقاء‪ ،‬فأر ـ ــلوا إىل الن ِ‬
‫هلم‪ ،‬فلنعبــد مــا تعبــد‪ ،‬وتعبــد مــا نعبــد‪،‬‬ ‫وأميَّـة بن خلف‪ ،‬والعــاص بن وائــل‪ ،‬فقــالوا َي حممــد! َّ‬
‫حبظنا منت‪ ،‬وإن‬ ‫فن ـ ـ ـ ـ ك حنن وأنت يف األمر‪ ،‬فَن كان الذأ تعبد خرياً اَّا نعبد كنَّا قد أخذان ِ‬
‫حبظك منت‪ ،‬فأنايل هللا فيهم ﴿ق ْل شَيأشيـُّ شها الْ شكافِرو شن‬ ‫كان ما نعبد خرياً اَّا تعبد كنت قد أخذت ِ‬
‫*وحش أشنْـت ْم شعاِبدو شن شما‬ ‫ِ‬
‫*وحش أ ششان شعا بد شما شعشب ْد ُّْذ ش‬
‫ِ‬
‫*وحش أشنْـت ْم شعا بدو شن شما أ ْشع بد ش‬
‫*حش أ ْشع بد شما تشـ ْع بدو شن ش‬
‫س ِدي ِن﴾ [الكافرون‪.)1(]6 - 1 :‬‬ ‫ِ‬
‫أ ْشعبد *لشك ْمِ ينك ْمش ش‬
‫ومثل هذه ال ُّس ـورة آَيت أخر ت ــاهبها يف إعالن الرباء من الكفر‪ ،‬وأهلت مثل قولت تعاىل‬
‫ن ﴾ [يونس‪:‬‬‫وك فشـق ْل ِس شع شملِي شولشك ْم شع شملك ْم أشنْـت ْم بشِريئو شن ِاَّا أ ْشع شمل شوأ ششان بشِرأء ِاَّا تشـ ْع شملو ش‬
‫﴿وإِ ْن شك َّذب ش‬
‫ش‬
‫‪. ]41‬‬

‫اَّللِ قـ ْل حش أشتَّبِع أ ْشه شواءشك ْم قشـ ْد‬


‫ون َّ‬‫وقولــت تعــاىل ﴿قـل إِِين ‪ِ،‬يــت أش ْن أ ْشعبـ شد الَّـ ِذين تشـ ْدعو شن ِمن د ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫ين *ق ْل إِِين شعلش بشـيِنش ٍة ِم ْن شرِيب شوشك َّذبْـت ْم بِِت شما ِعْن ِدأ شما تش ْس ـتشـ ْع ِ لو شن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ـلشْلت إ ًذا شوشما أ ششان م شن الْم ْهتشد ش‬
‫اهللالِ ش ﴾ [األنعام‪.]57 - 56 :‬‬ ‫احل َّق وهو خري الْ شف ِ‬
‫ص ْش ش ش ش ْ‬ ‫احلكْم إِحَّ ََِّّللِ يشـق ُّ‬
‫بِِت إِ ِن ْ‬
‫احلق واحد ح عوً فيت‪ ،‬وح ف اً لت‪ ،‬إنَّت العبادة‬ ‫أن طريق ِ‬ ‫ولقد بيَّنت ـ ـ ـ ــورة (الكافرون) َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم للمفاهللالة‬ ‫السورة عل َّ‬ ‫رب العاَّ ‪ ،‬فنايلت هذه ُّ‬ ‫اخلالصة هلل وحده ِ‬
‫ومنهت‪ ،‬ومنهت‪ ،‬وتص ـ ـ ُّـوٍر‪ ،‬وتص ـ ــور‪ ،‬وطر ٍيق‪ ،‬وطريق‪ .‬نعم نايلت نفياً‬ ‫ٍ‬ ‫احلامسة ب عبادةٍ‪ ،‬وعبادة‪،‬‬
‫احلق والباطل‪ ،‬وح اجتماي ب‬ ‫ِ‬ ‫بعد نفي‪ ،‬وجايماً بعد جايم‪ ،‬وتوكيداً بعد تو ٍ‬
‫كيد أب نَّت ح لقاء ب‬
‫النُّور والظالم‪ ،‬فاحختال جوهرأ كامل‪ ،‬يســتليل معت الِلقاء عل شــيء يف منتصــف الطَّريق‪،‬‬
‫مداهنة‪ ،‬أو مراو ٍة‪ ،‬نعم فاألمر هنا ليس مص ـ ـ ـ ـ ـ ــللةً ذاتيَّةً‪ ،‬وح ر بةً عابرًة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واألمر ح تاً إىل‬
‫الدين هلل‪ ،‬والوطن لل ميع» كما تايعم اجلاهليَّة اَّعاهللا ـ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬ويدَّعي‬ ‫وحمساً يف عس ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل‪ ،‬وليس « ِ‬
‫ض ـالِ ‪ ،‬واَّ ض ــوب عليهم‪ ،‬واَّللدين أعداء هللا ــبلانت‬ ‫اَّنافقون‪ ،‬واَّس ــت ربون الَّذين يتَّبعون ال َّ‬
‫كل مكان‪.‬‬ ‫يف ِ‬
‫الرد حامساً عل زعماء قريش اَّ ــرك ‪ ،‬وح مســاومة‪ ،‬وح م ــاهبة‪ ،‬وح حلول و ــطاً‪،‬‬ ‫كان ُّ‬
‫ٍ‬
‫ومكان‪ ،‬والفارق‬ ‫كل ٍ‬
‫زمان‬ ‫فَن اجلاهليَّة جاهليَّة‪ ،‬وال ــالم إ ــالم‪ ،‬يف ِ‬ ‫وح تر ـ ٍ‬
‫ـيات ش ــهص ـيَّةً َّ‬

‫(‪ )1‬ابن ه ام (‪.)362/1‬‬


‫‪280‬‬
‫بينهم كبري‪ ،‬كالفرق ب التِ ِْرب(‪ )1‬وال ُّ اب‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبيل الوحيد هو اخلروً عن اجلاهليَّة قملتها إىل‬
‫الصري ب‬
‫َّامة‪ ،‬واَّفاهللالة الكاملة‪ ،‬واحلسم َّ‬
‫ال الم قملتت‪ ،‬عباد ًة وحكماً‪ ،‬وإح فهي الرباءة الت َّ‬
‫ِ ِ ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫احلق‪ ،‬والباطل يف ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫س دين﴾‬ ‫كل زمان ﴿لشك ْم دينك ْم شو ش‬
‫يتكون من عبد هللا بن أيب أميَّة‪ ،‬والوليد بن‬ ‫وجاء وفد آخر بعد ف ـ ـ ـ ـ ـ ــل الوفد ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابق‪َّ ،‬‬
‫قيس‪ ،‬والعــاص بن عــام ٍر(‪ )3‬جــاء ليقـ ِـدم‬ ‫حفص‪ ،‬وعمرو بن عبــد هللا بن أيب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّ رية‪ ،‬ومكشْرز بن‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم أن ينايي من‬ ‫عر ـ ـاً آخر للتَّنازل عن بعض ما يف القرآن‪ ،‬فطلبوا من الن ِ‬
‫﴿وإِذشا تـْتـلش شعلشْي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫القرآن مــا ي يظهم من ذم ايتهم‪ ،‬فــأنايل هللا يم جواابً حــامس ـاً‪ ،‬قــال تعــاىل ش‬
‫ت بِقرآن ش ِْري شه شذا أ ْشو بش ِدْلت ق ْل شما يشكون ِس أش ْن أبش ِدلشت‬
‫ات قش شال الَّ ِذين حش يـرجو شن لِشقاء شان ا ْئ ِ‬
‫ش‬ ‫ش شْ‬
‫آَيتنا بـيِشن ٍ‬
‫ش ش‬
‫س إِِين أشخا إِ ْن عصيت رِيب ع شذاب يـوٍم ع ِ‬ ‫وح إِ شَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ظي ٍم ﴾ [يونس‪:‬‬ ‫ش شْ ش ش ش ش ْ ش‬ ‫ش‬ ‫م ْن ت ْل شقاء نشـ ْفسي إ ْن أشتَّبِع إحَّ شما ي ش‬
‫‪. ]15‬‬

‫يش يف عدم حصــويم‬ ‫وهذه الوفود‪ ،‬واَّفاو ــات تبِ مد الف ــل الَّذأ أهللاــاب زعماء قر ٍ‬
‫ـيء من‬‫عل التَّنازل الكلِ ِي عن ال ـ ــالم‪ ،‬األمر الَّذأ جعلها تل أ إىل طل احلص ـ ــول عل ش ـ ـ ٍ‬
‫أن التنــازل الَّـذأ طلبوه يف اَّرة األوىل أكرب اـَّا طلبوه يف اَّرة الثــانيــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫التَّنــازل‪ ،‬ويالحم َّ‬
‫تدرجهم يف التَّنازل من األكرب إىل األهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ر لعلَّهم جيدون اذاانً هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــا يةً لد قائد‬
‫يدل عل ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ـل هللا‬ ‫الدَّعوة‪ ،‬كما َّأ‪،‬م كانوا ي ِريون األش ــهاص اَّتفاو ـ ـ ‪ ،‬فالَّذين تفاو ـ ـوا مع َّ‬
‫اَّرة الثَّانية‪ ،‬ما خال الوليد بن اَّ رية‬ ‫اَّرة األوىل‪ ،‬ري الَّذين تفاو ـ ـ ـ ـ ـوا معت يف َّ‬‫عليت و ـ ـ ـ ــلم يف َّ‬
‫تتكرر الوجوه‪ ،‬ويف الوقـت ذاتـت تنويع الكفـاءات‪ ،‬والعقول اَّفـاو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فرَّمبـا أثَّر‬ ‫حض ح َّ‬‫وذلـك َّ‬
‫ذلك يف نظرهم بعض ال َّ ـ ـيء‪ ،‬ويف هذا درس للدَّعاة إىل يوم القيامة‪ ،‬أح تنازل عن ال ـ ــالم ‪-‬‬
‫ولو كان هذا التنازل شيئاً يسرياً ‪ -‬فال الم دعوة رَّابنيَّة‪ ،‬وح جمال فيها للمساومة إطالقاً‪ ،‬مهما‬
‫كــانــت األ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــاب‪ ،‬والـ َّـدوافع‪ ،‬واَّربرات‪« ،‬وعل الـ ُّـدعــاة اليوم احلــذر من مثــل هــذه العروض‪،‬‬
‫اَّاديَّة‪ ،‬الَّيت قد ح تعرض بطر ٍيق مباش ـ ـ ٍر‪ ،‬فقد أتخذ ش ـ ــكالً ري مباش ـ ـ ٍر‪ ،‬يف ش ـ ــكل‬ ‫وال راءات ِ‬
‫هطا لت اَّؤ َّ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــات‬ ‫مرحبة‪ ،‬وهذا ما ِ‬
‫ـفقات داريٍَّة ٍ‬ ‫عمل جماي ٍية‪ ،‬أو هللا ـ ـ ـ ٍ‬
‫وظائف عليا‪ ،‬أو عقود ٍ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ٍة القياديون منهم‪ ،‬وهناك تعاون اتم يف‬ ‫العاَّيَّة اَّ ـ ـ ـ ــبوهة لصـ ـ ـ ــر الدُّعاة عن دعوهتم‪ ،‬و ا َّ‬

‫(‪ )1‬الـتِ ْـبـر فـتشـات َّ‬


‫الذه أو الفضَّة قبل أن يصا ا‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر يف ظالل القران (‪ )3991/6‬بتصر ٍ كبري‪.‬‬
‫ِ‬
‫للهضرأ ‪ ،‬ص ‪ 61‬بتصر ‪.‬‬ ‫احدأ ‪ ،‬ص ‪ ، 200‬ونور اليق ‪،‬‬ ‫(‪ )3‬أ باب النايول ‪ ،‬للو ِ‬
‫‪281‬‬
‫(‪)1‬‬
‫متعددة لتدمري العا ال ــالمي»‬ ‫تبادل اَّعلومات‪ ،‬ب هذه اَّؤ َّ ـســات الَّيت تعمل من مواقع ِ‬
‫ولقد جاء يف التَّقرير الَّذأ قدَّمت «ريت ـ ـ ـ ـ ـ ــارد ب‪ .‬مي ـ ـ ـ ـ ـ ــيل»‪ ،‬أحد كبار العامل يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرق‬
‫معلومات‪ ،‬وتقارير عنها‪ ،‬جاء يف هذا التَّقرير‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ص ـ ـ ـلوة ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬وتقد‬
‫األو ـ ـ ــا‪ ،‬لرهللا ـ ـ ــد ال َّ‬
‫خلطة جديدةٍ ميكن من خاليا تص ــفية احلركات ال ــالميَّة‪ ،‬فكان من ب فقرات‬ ‫و ــع تص ــور ٍ‬
‫خاهللاة ن راء قيادات الدَّعوة‪ ،‬فاق لتلقيق ذلك ال راء ما يلي‬ ‫هذا التَّقرير فقرة َّ‬
‫يتم ش ـ ـ لهم ابَّ ــروعات ال ــالميَّة‬
‫‪ - 1‬تعي شم ْن ميكن إ رايهم ابلوظائف العليا حيث ُّ‬
‫فار ة اَّض ـ ـ ـ ـ ــمون‪ ،‬و ريها من األعمال الَّيت تس ـ ـ ـ ـ ــتنفد جهدهم‪ ،‬وذلك مع ال داق عليهم أدبياً‬
‫يتم ا ـ ــتهالكهم حملِياً‪ ،‬وفص ـ ــلهم عن قواعدهم‬
‫ـهيالت كبريةٍ لذويهم‪ ،‬وبذلك ُّ‬
‫ومادَيً‪ ،‬وتقد تس ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اجلماهرييَّة‪.‬‬
‫‪ - 2‬العمل عل جذب ذوأ اَّيول التِ اريَّة واحقتص ـ ـ ــاديَّة‪ ،‬إىل اَّس ـ ـ ــالة يف اَّ ـ ـ ــروعات‬
‫ذات األهدا اَّ بوهة‪ ،‬الَّيت تقام يف اَّنطقة العربيَّة لصاأ أعدائها‪.‬‬
‫وعقود جماي ٍية يف البالد العربيَّة ال نيَّة‪ ،‬األمر الَّذأ ِ‬
‫يؤدأ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ - 3‬العمل عل إجياد فرص ٍ‬
‫عمل‪،‬‬
‫المي(‪.)2‬‬
‫إىل بعدهم عن النَّ اط ال ِ‬
‫فاَّتدبِر يف النُّقاط الثالث ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابقة‪ ،‬يالحم َّأ‪،‬ا إ راءات ِ‬
‫ماديَّة ري مباش ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٍ‪ ،‬وبنظرةٍ‬
‫كل هدوء‪ ،‬فقد أشـ لت اَّناهللا‬ ‫ـالمي اليوم نالحم أن هذه النُّقاط تنفَّذ بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاحص ٍـة للعا ال‬
‫العليا بعض الدَّعاة‪ ،‬وا ــتهلكت بعض الدُّول العربيَّة ال نية اً فرياً من الدُّعاة‪ ،‬وأيت التِ ارة‬
‫بعضهم(‪.)3‬‬
‫اثمناً‪ :‬أسلوب اجملادلة‪ ،‬وحماولة التَّعجيز‪:‬‬

‫ـلة دعوتت‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم قد أقام احل ت‪ ،‬والرباه ‪ ،‬واألدلَّة عل هللا ـ ـ ـ َّ‬
‫كان الن ُّ‬
‫ويتصد ِ‬
‫للرد‬ ‫َّ‬ ‫وكان هللال هللا عليت و لم يتق ـ ـ ــن اختيار األوقات‪ ،‬وانتهاز الفرص واَّنا ب ـ ـ ــات‪،‬‬
‫عل ال ُّ ـبهات مهما كان نوعها‪ ،‬وقد ا ــتهدم يف جمادلتت مع الكفار أ ــالي كثريًة‪ ،‬ا ــتنبطها‬

‫(‪ )1‬يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪282‬‬
‫من كت ـ ــاب هللا تعاىل يف إقامة احل َّ ة العقليَّ ـ ــة‪ ،‬وا تهدام األقيسة اَّنطقيَّة‪ ،‬وا تلضار التَّفكري‪،‬‬
‫التأمل‪ ،‬ومن األ الي الَّيت ا تهدمها هللال هللا عليت و لم مع كفَّار َّ‬
‫مكة‬ ‫و ُّ‬
‫‪ - 1‬أ لوب اَّقارنة‬
‫وذلك بعرض أمرين أحدلا هو اخلري اَّطلوب ال َّ ي فيت‪ ،‬وا خر هو ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـُّر اَّطلوب‬
‫ال َّ هي منت‪ ،‬وذلك اب ـ ـ ـ ـ ـ ــتثارة العقل ُّ‬
‫للتفكر يف كال األمرين‪ ،‬وعاقبتهما‪ ،‬مثَّ الوهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــول ‪ -‬بعد‬
‫اَّقارنة ‪ -‬إىل تفضيل اخلري‪ ،‬واتِباعت‪.‬‬
‫شحيشـْيـنشـاه شو شج شع ْلنشـا لشـت ن ًورا ميشْ ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي بِـ ِت ِيف النـ ِ‬
‫َّاس شك شم ْن شمثشـلـت ِيف‬ ‫قـال تعـاىل ﴿أ ششوشم ْن شكـا شن شمْيـتًـا فشـأ ْ‬
‫ات لشيس ِ ارًٍِ ِمْنـها شك شذلِ ِ ِ ِ‬
‫ن ﴾ [األنعام‪. ]122 :‬‬ ‫ين شما شكانوا يشـ ْع شملو ش‬ ‫ك زي شن ل ْل شكاف ِر ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫الظُّل شم ِ ْ ش ش‬
‫قال ابن كثري يف تفس ـ ـ ـ ـ ـ ــريه «هذا مثل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـربت هللا تعاىل للمؤمن الَّذأ كان ميتاً أأ يف‬
‫الضاللة هالكاً حائراً‪ ،‬فأحياه هللا أأ أحيا قلبت ابلميان وهداه لت‪ ،‬ووفَّقت حتِباي ر لت»(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬أ لوب التَّقرير‬
‫وهو أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب يؤول ابَّرء بعد اَّاكمة العقليَّة إىل القرار ابَّطلوب‪ ،‬الَّذأ هو مض ـ ـ ـ ـ ـ ــمون‬
‫اخلالِقو شن *أشم خلشقوا َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض بش ْل‬‫الس شم شاوات شواألشْر ش‬ ‫ْ ش‬ ‫الدَّعوة‪ ،‬قال تعاىل ﴿أ ْشم خلقوا م ْن ش ِْري شش ْيء أ ْشم هم ْش‬
‫يطرو شن *أ ْشم شي ْم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّم يش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ِمعو شن فِ ِيت فشـ ْليشأْ ِت‬ ‫ك أشم هم الْمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حش يوقنو شن *أ ْشم عْن شده ْم شخشايائن شربِ ش ْ‬
‫شجًرا فشـه ْم ِم ْن شم ْشرٍم مثْـ شقلو شن *أ ْشم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫م ْس ـتشمعه ْم بِس ـ ْلطشان مبِ ٍ *أ ْشم لشت الْبشـنشات شولشك ْم الْبشـنو شن *أ ْشم تش ْس ـأشي ْم أ ْ‬
‫ِعْنـ شدهم الْ شيـ فشـهم ي ْكتـبو شن *أشم ي ِريــدو شن شكيـ ًدا فشـالَّـ ِذين شك شفروا هم الْم ِكيــدو شن *أشم شيم إِلشـت شري َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْش‬ ‫ْ‬
‫الس شم ِاء ش اقِطًا يشـقولوا ش شلاب شم ْركوم *فش شذ ْره ْم شح َّض‬ ‫*وإِ ْن يشـشرْوا كِ ْس ًفا ِم شن َّ‬ ‫بلا شن َِّ‬
‫اَّلل شع َّما ي ْ ِركو شن ش‬ ‫ْش‬
‫ِ ِِ‬
‫ن ﴾ [الطور‪. ]45 - 35 :‬‬ ‫ص شعقو ش‬ ‫يالشقوا يشـ ْوشمهم الَّذأ فيت ي ْ‬
‫الربوبية‪ ،‬وتوحيد األلوهيَّة‪ ،‬فقال تعاىل أأ‬ ‫قال ابن كثري يف تفسريه «هذا اَّقام يف إثبات ُّ‬
‫وجد؟ أم ﴿أ ْشم خلِقوا ِم ْن ش ِْري شش ـ ـ ْي ٍء أ ْشم هم ْ‬
‫اخلشالِقو شن ﴾ ْأو شجدوا أنفسـ ــهم؟ أأ‬ ‫أشوِجدوا من ري م ٍ‬
‫ح هذا‪ ،‬وح هذا بل هللا هو الَّذأ خلقهم‪ ،‬وأن أهم بعد أن يكونوا شيئاً مذكوراً»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)172/2‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري (‪.)244/4‬‬
‫‪283‬‬
‫ألن «وجودهم هكذا من ري ش ٍ‬
‫يء أمر‬ ‫القوة من حيث احل َّ ة العقليَّة َّ‬
‫وهذه ا ية يف اية َّ‬
‫ينكره منطق الفطرة ابت ــداء‪ ،‬وح ت ــاً إىل ج ـ ٍ‬
‫ـدل كث ٍري‪ ،‬أو قلي ــل‪ ،‬أ َّم ـا أن يكونوا هم اخل ــالق‬ ‫ً‬
‫ألنفسـ ـ ـ ــهم فأمر يدَّعوه‪ ،‬وح يدَّعيت مللوق‪ ،‬وإذا كان هذان الفر ـ ـ ـ ــان ح يقومان حبكم منطق‬
‫الفطرة فــَنـَّت ح يبق ـ ـ ـ ـ ـ ــو احلقيقــة الَّيت يقويــا القرآن‪ ،‬وهي أ‪،‬م يعـاً من خلق هللا الواحــد‬
‫الَّذأ ح ي اركت أحد» والتَّعبري ابلفطرة مضمون األمر َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اَّقرر بداهةً يف العقل‪.‬‬
‫عدأ يف تفس ــريه‪ ،‬حيث قال‬ ‫وأتم ْل هذا اللايام ابلقرار بربوبيَّة هللا وألوهيتت‪ ،‬فيما ذكره ال َّس ـ ُّ‬
‫َّ‬
‫لللق‪ ،‬أو اخلروً عن موج العقل‬ ‫«وهذا ا ـ ـ ـ ــتدحل عليهم‪ ،‬أبم ٍر ح ميكنهم فيت إح التَّس ـ ـ ـ ــليم ِ‬
‫الدين‪ ،‬وبيان ذلك َّأ‪،‬م منكرون لتوحيد هللا‪ِ ،‬‬
‫مكذبون لر ـ ـولت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وذلك‬ ‫وِ‬
‫أن ذلك ح خيلو من أحد ثالثة‬ ‫تقرر يف العقل مع ال َّ ـري َّ‬ ‫أن هللا خلقهم‪ ،‬وقد َّ‬ ‫مســتشل ِايم لنكار َّ‬
‫ـيء‪ ،‬أأ ح خــالق خلقهم‪ ،‬بــل وجــدوا من ري إجيـ ٍ‬
‫ـاد‪ ،‬وح‬ ‫أموٍر إ َّم ـا َّأ‪،‬م خلقوا من ري ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫موجد‪ ،‬وهذا ع اَّلال‪ ،‬أم هم اخلالقون ألنفســهم‪ ،‬وهذا أيضـاً حمال فَنَّت ح يتصـ َّـور أن يوجد‬
‫أحد نفس ـ ــت‪ ،‬فَذا بطل هذان األمران‪ ،‬وابن ا ـ ــتلالتهما‪ ،‬تع َّ القس ـ ــم الثَّالث‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن هللا هو‬
‫أن هللا هو اَّعبود وحده‪ ،‬الَّذأ ح تنب ي العبادة‪ ،‬وح تصل‬ ‫الَّذأ خلقهم‪ ،‬وإذا تع َّ ذلك علم َّ‬
‫إح لت تعاىل»(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬أ لوب المرار‪ ،‬والبطال‬
‫صـ ـ ـلشف(‪ )3‬نمرار أقوايم‪ ،‬وعدم‬ ‫وهو أ ـ ــلوب قوأ يف إفلام اَّعاندين أهللا ـ ــلاب ال رور‪ ،‬وال َّ‬
‫احع اض عل بعض ح هم البــاطلــة منع ـاً لل ــدل‪ ،‬والنِاياي‪ ،‬خلوهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً إىل ح َّ ـ ٍة قــاطعـ ٍـة‬
‫ص ـة مو ـ ‪ -‬عليت ال َّس ـالم ‪ -‬مع‬ ‫تدم هم‪ ،‬وتبطل هبا ح َّ تهم تلك‪ ،‬فتبطل األوىل ابلتَّبع‪ ،‬ويف ق َّ‬
‫ـبهة أوردها‬ ‫اض وشـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬‫كل اع ٍ‬ ‫مطول يذا األ ـ ـ ـ ـ ــلوب حيث أعرض مو ـ ـ ـ ـ ـ عن ِ‬ ‫فرعون‪ ،‬جوذً َّ‬
‫فرعون‪ ،‬ومض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إىل إبطال دعو اليية لفرعون‪ ،‬من خالل إقامة احل َّ ة العقليَّة الظَّاهرة عل‬
‫ب‬‫ربوبيَّة هللا‪ ،‬وألوهيَّتت(‪ ،)4‬وذلك يف ا َيت من ـ ــورة ال ُّ ـ ـ ـعراء‪ ،‬قال تعاىل ﴿قش شال فِْر شع ْون شوشما شر ُّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)3399/6‬‬


‫السعدأ (‪.)196 ، 195/7‬‬ ‫تفسري َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫َّكرب والتَّفاخر‪.‬‬
‫لف الت ُّ‬
‫الص ش‬
‫(‪َّ )3‬‬
‫السابقة من هذا الكتاب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر مقومات الدَّاعية النَّاج ‪ ،‬د‪ .‬علي ابدحد ‪ ،‬ص ‪ 59‬إىل ‪ ، 69‬واأل الي‬
‫‪284‬‬
‫ض شوشم ـا بشـْيـنشـه شم ـا إِ ْن كْنـت ْم موقِنِ ش * قشـ شال لِ شم ْن شح ْولشـت أشحش‬
‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫ب ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـاو ِ‬
‫ش ش‬ ‫الْ شع ـالش ِم ش * قشـ شال شر ُّ‬
‫ب آابئكم األ َّشولِ ش * قش شال إِ َّن شر ـ ـ ـولشكم الَّ ِذأ أ ْرِ ـ ـ ـ شل إِلشْيك ْم لش شم ْ نون *‬ ‫تش ْس ـ ـ ـتش ِمعو شن * قش شال شربُّك ْم شوشر ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب الْم ْ ـ ـ ـ ِرِق والْم ْ ِر ِ‬
‫َّك‬ ‫ت إِ شيًا ش ِْريأ أل ْ‬
‫شج شعلشن ش‬ ‫ب شوشما بشـْيـنشـه شما إِ ْن كْنـت ْم تشـ ْعقلو شن * قش شال لشئ ِن َّاهش ْذ ش‬ ‫ش ش‬ ‫قش شال شر ُّ ش‬
‫ِمن الْمس ونِ ش ﴾[الشعراء‪.]29 - 23 :‬‬
‫ش شْ‬
‫الركياية‪ ،‬يف جمادلة ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫وهكذا كانت األ ـ ــالي القرآنيَّة الكرمية‪ ،‬هي َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬و يكونوا عل‬ ‫و لم للم رك ‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما احتار اَّ ركون يف أمر َّ‬
‫وإجا عناداً وكفراً‪ ،‬كما قال‬ ‫يكذبونت‪َّ ،‬‬ ‫أل‪،‬م ِ‬ ‫ـتعداد يف تصـ ــديقت أنَّت ر ـ ــول من عند هللا‪ ،‬ليس َّ‬ ‫ا ــ ٍ‬
‫ك شولش ِك َّن الظَّـالِ ِم ش ِرَيت َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الَّـذأ يشـقولو شن فشـَِ َّ‪ْ ،‬م حش ي شك ـذبونشـ ش‬
‫تعــاىل ﴿قشـ ْد نشـ ْعلشم إِنـَّت لشيش ْلاين ـ ش‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫اَّعو ًُّ إىل أن يطلبوا من َّ‬ ‫شْجي شلدو شن ﴾ [األنعام‪ ،]33 :‬هداهم تفكريهم ش‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ولكن ر ـ ــهم منها‬ ‫مطال ليس ال رض منها التَّأكد من هللا ـ ــدق الن ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬ ‫التعنُّت والتَّع ياي‪ ،‬وهذا ما طلبوه من َّ‬
‫‪ - 1‬أن يف ر يم من األرض ينبوعاً أأ جيرأ يم اَّاء عيوانً جاريةً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أو تكون لت جنَّة من َنيل وعن ٍ يف ِ ر األ‪،‬ار خاليا تف رياً أأ تكون لت حديقة‬
‫فيها النَّهل والعن ‪ ،‬واأل‪،‬ار تـ شف َّ ر بداخلها‪.‬‬
‫السماء قطعاً كما يكون يوم القيامة‪.‬‬
‫السماء كسفاً عليهم أأ يسقا َّ‬
‫‪ - 3‬أو يسقا َّ‬
‫‪ - 4‬أو رل ابهلل واَّالئكة قبيالً‪.‬‬
‫‪ - 5‬أو يكون لت بيت من ز ْخر ٍ أأ ذه ‪.‬‬

‫السماء أأ يتَّهذ لَّماً يرتقي عليت‪ ،‬ويصعد إىل َّ‬


‫السماء‪.‬‬ ‫‪ - 6‬أو يرق يف َّ‬
‫وينايل كتــاابً من ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــاء يقريونــت‪ ،‬يقول جمــاهــد أأ مكتوب فيــت إىل كـ ِـل واحـ ٍـد‬
‫‪ِ -7‬‬
‫فالن‪ ،‬تصب مو وعةً عند رأ ت(‪.)1‬‬‫هللاليفةً‪ ،‬هذا كتاب من هللا لفالن بن ٍ‬

‫‪ - 8‬طلبوا من ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أن يدعو يم‪ ،‬في شس ـ ـِري يم اجلبال‪ ،‬ويقطع‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫اَّعوقون للدَّعوة ال الميَّة ‪ ،‬د‪ .‬مسرية حممد ‪ ،‬ص ‪.172 ، 171‬‬
‫‪285‬‬
‫األرض‪ ،‬ويبعث من مض من اابئهم من اَّوت (‪.)1‬‬
‫إن عملية طل اخلوارق واَّع ايات‪ ،‬هي خ طَّة متَّبعة عل مد اتري الب ـ ـ ـ ـ ـ ــريَّة الطَّويل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم عل إميان قومت‪ ،‬وتفانيت يف ذلك‪ ،‬إح أنَّت رفض طلبهم‬ ‫وبر م حرص الن ِ‬
‫هذا ألنَّت علم من آَيت القرآن َّأ‪،‬م إن يؤمنوا بعد إجابتهم َّا طلبوا ع ِذبوا عذاابً شـ ـ ـ ـ ــديداً‪،‬‬
‫وكانت إجابتت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ما هبذا بعثت إليكم‪َّ ،‬إجا جئتكم من هللا مبا بعث بت‪،‬‬
‫علي‬
‫تردوه َّ‬ ‫وقد بلَّ تكم ما أر ـ ـ ـ ـ ــلت بت إليكم‪ ،‬فَن تقبلوه فهو حظُّكم يف الدُّنيا وا خرة‪ ،‬وإن ُّ‬
‫أهللارب ألمر هللا تعاىل حض كم هللا بي وبينكم» [سبق خترجيه](‪.)2‬‬

‫طمع فيت من‬ ‫وانص ــر ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم إىل أهلت حاييناً أش ِ ـ ـفاً َّا فاتت‪ ،‬اَّا ِ‬
‫قومت ح دعوه‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ من مباعدهتم َّإَيه(‪ ،)3‬وقد ذكر هللا بلانت وتعاىل هذه التعنُّتات‪،‬‬
‫وعا * أ ْشو تشكو شن‬ ‫ض يشنب ً‬ ‫ك شح َّض تشـ ْف شر لششنا ِم شن األ ْشر ِ‬ ‫﴿وشقالواْ لشن نـ ُّْؤِم شن شل ش‬‫الرد عليها يف قولت تعاىل ش‬ ‫و َّ‬
‫ت شعلشْيـنشا‬ ‫ا ال َّسـ ـ ـ شماء شك شما شز شع ْم ش‬ ‫ك شجنَّة ِمن ََِّن ٍيل شو ِعنش ٍ فشـتـ شف ِ شر األ ْش‪،‬ش شار ِخال شيشا تشـ ْف ِ ًريا * أ ْشو ت ْس ـ ـ ِق ش‬ ‫لش ش‬
‫ك بشـْيت ِم ْن ز ْخر ٍ أشْو تشـ ْرقش ِيف ال َّس ـ ـ ـ شم ِاء شولش ْن‬ ‫ِ‬
‫كِ شس ـ ـ ـ ًفا أ ْشو شأتِْلش ِابَّلل شوالْ شمآلئِ شك ِة قشبِيالً * أ ْشو يشكو شن لش ش‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫*وشما شمنش شع‬ ‫ِ‬
‫ك شح َّض تـنشـ ِايشل شعلشْيـنشا كتش ًااب نشـ ْقشرأه ق ْل ـ ـ ـْب شلا شن شرِيب شه ْل كْنت إحَّ بش ش ـ ـ ـًرا شر ـ ـ ـوحً ش‬ ‫نـ ْؤِم شن لرقيِ ش‬
‫ض‬ ‫اَّلل بش ش ـ ـ ـ ـ ـًرا شر ـ ـ ـ ـ ـوحً *ق ْل لش ْو شكا شن ِيف األ ْشر ِ‬‫ث َّ‬ ‫َّاس أش ْن يـ ْؤِمنوا إِ ْذ شجاءشهم ا ْي شد إِحَّ أش ْن قشالوا أشبشـ شع ش‬ ‫الن ش‬
‫مالشئِ شكة ميشْ و شن مطْمئِنِ لشنـَّايلْنا علشي ِهم ِمن َّ ِ‬
‫يدا بشـْي ِ شوبشـْيـنشك ْم‬ ‫الس شماء شملش ًكا شر وحً *ق ْل شك شف ِاب ََّّللِ شش ِه ً‬ ‫ش ش ش ش شْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫صريا ﴾ [اإلسراء‪.]96 - 90 :‬‬ ‫ِِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إنَّت شكا شن بعبشاده شخب ًريا بش ً‬
‫ت بِِت األ ْشرض أ ْشو كلِ شم بِِت الْ شم ْوتش‬ ‫ِ‬
‫اجلبشال أ ْشو قط شع ْ‬
‫ت بِِت ِْ‬ ‫شن قرآانً ـِ شري ْ‬ ‫﴿ولش ْو أ َّ‬
‫ونايل قولت ـبلانت ش‬
‫َّ ِ‬ ‫اَّلل شي شد الن ِ‬ ‫بل ََِّّللِ األشمر شِ يعا أشفشـلشم يـيأ َّ ِ‬
‫ين‬
‫َّاس ش ًيعا شوحش يشـشايال الذ ش‬ ‫ش‬ ‫ين شآمنوا أش ْن لش ْو يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء َّ ش‬ ‫شس الذ ش‬ ‫ْ ً ْ شْ ْ‬ ‫شْ‬
‫اَّللش حش خيْلِف‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنشـعوا قشا ِر شعة أ ْشو شحت ُّل قش ِريبًا ِم ْن شدا ِرِه ْم شح َّض شرِْلش شو ْعد َّ‬
‫اَّللِ إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شك شفروا تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيبـه ْم مبشا ش‬
‫اد ﴾[الرعد‪.]31 :‬‬ ‫ِ‬
‫الْم شيع ش‬
‫إن احلكمة يف َّأ‪،‬م جيابوا َّا طلبوا َّأ‪،‬م يس ـ ـ ـ ــألوا مسـ ـ ـ ـ ـ ش ـ ـ ـ ــدين وج ِادين‪َّ ،‬‬
‫وإجا ـ ـ ـ ــألوا‬ ‫َّ‬
‫احلق ـ ـ ـ ـ ــبلانت َّأ‪،‬م لو عاينوا‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــاهدوا ما طلبوا‪َّ ،‬ا امنوا‪،‬‬ ‫متعنِت ‪ ،‬ومس ـ ـ ـ ــتهايئ ‪ ،‬وقد علم ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)311/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)459/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)317/1‬‬
‫‪286‬‬
‫ولل ُّ وا يف ط يا‪،‬م يعمهون‪ ،‬ولظلُّوا يف يِهم و ـ ــاليم ي َّددون‪ ،‬قال ــبلانت ﴿وأشقْس ـ ـموا ِاب ََّّللِ‬
‫ش ش‬
‫جه شد أْشميشا‪ِِ،‬م لشئِن جاء ْهتم آية لشيـؤِمن َّن ِهبا قل إَِّجشا ا َيت ِعْن شد َِّ‬
‫ت حش‬ ‫اَّلل شوشما ي ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـعِرك ْم أ َّش‪،‬شا إِ شذا شجاءش ْ‬ ‫ْ ْ شش ْ ش ْ ش ْ‬ ‫شْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫يـ ْؤِمنو شن ِ ِ‬
‫*ولش ْو‬‫ص ـ ـ ـ ـ ـ شاره ْم شك شما شْ يـ ْؤمنوا بت أ َّشوشل شمَّرة شونش شذره ْم يف ط ْيشا‪ْ ،‬م يشـ ْع شمهو شن ش‬ ‫*ونـ شقل أشفْئ شد شهت ْم شوأشبْ ش‬ ‫ش‬
‫أشنـَّنشا نشـَّايلْنشا إِلشْي ِهم الْ شمالشئِ شكةش شوشكلَّ شمهم الْ شم ْوتش شو شح ش ـ ـ ـ ْرشان شعلشْي ِه ْم ك َّل شش ـ ـ ـ ْي ٍء قـبالً شما شكانوا لِيـ ْؤِمنوا إِحَّ أش ْن‬
‫ن ﴾ [األنعام‪.]111 - 109 :‬‬ ‫اَّلل شولش ِك َّن أش ْكثشـشره ْم شْجي شهلو ش‬
‫يش ش اءش َّ‬
‫الرَّابنيَّة‪ ،‬أح جيابوا إىل ما ــألوا َّ‬
‫ألن ـنَّتت ـبلانت‬ ‫الرحة َّ‬
‫ويذا اقتض ــت احلكمة الييَّة‪ ،‬و َّ‬
‫عذهبم عذاب اح تئصال‪ ،‬كما فعل ٍ‬
‫بعاد‪ ،‬وشود‪،‬‬ ‫أنَّت إذا طل قوم آَيت‪ ،‬فأجيبوا‪ ،‬مثَّ يؤمنوا َّ‬
‫وقوم فرعون‪.‬‬
‫أن عندهم‬ ‫جادين‪ ،‬من َّ‬ ‫ومعوق ح ِ‬ ‫أن القوم كانوا متعنِت ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآخرين‪ِ ،‬‬ ‫أدل عل َّ‬ ‫وليس َّ‬
‫القرآن‪ ،‬وهو اية ا َيت‪ ،‬وبيِنة البيِنات ولذلك ل ـ ـ ـ َّـما ألوا ما اق حوا من هذه ا َيت‪ ،‬و ريها‬
‫اَّللِ شوإَِّجشا‬
‫﴿وقشالوا لش ْوحش أنْ ِايشل شعلشْي ِت آَيت ِم ْن شربِِت ق ْل إَِّجشا ا َيت ِعْن شد َّ‬
‫ش‬ ‫لت‬‫و‬ ‫بق‬ ‫(‪)1‬‬
‫رد عليهم ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت‬ ‫َّ‬
‫حةً شوِذ ْكشر لِشق ْوٍم‬‫ك لششر ْ ش‬
‫ِ‬
‫اب يـْتـلش شعلشْي ِه ْم إِ َّن ِيف ذش ل ش‬ ‫ْف ِهم أ َّشان أشنْـايلْشنا علشي ش ِ‬
‫ك الْكشت ش‬ ‫ش شْ‬
‫ِ‬
‫أ ششان نشذير مب *أ ششوشْ يشك ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ض والَّ ِذين آمنوا ِابلْب ِ‬ ‫ِ‬ ‫يـ ْؤِمنو شن *ق ْل شك شف ِاب ََّّللِ بشـْي ِ شوبشـْيـنشك ْم شش ـ ِه ً‬
‫اط ِل‬ ‫يدا يشـ ْعلشم شما ِيف ال َّس ـ شم شاوات شواأل ْشر ِ ش ش ش ش‬
‫اخلشا ِ رو ش‬ ‫ِ‬
‫ن ﴾ [العنكبوت‪. ]52 - 50 :‬‬ ‫ك هم ْ‬ ‫شوشك شفروا ِاب ََّّلل أولشئِ ش‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا‬‫أن قري ـ ـاً قالت للن ِ‬ ‫عباس ر ـ ــي هللا عنت روايةً‪ ،‬مفادها َّ‬ ‫وقد ذكر عبد هللا بن ٍ‬
‫الصفا ذهباً‪ ،‬ونؤمن بك‪ .‬قال وتفعلون؟ قالوا نعم‪ .‬قال‬ ‫عليت و لم ادي لنا ربك أن جيعل لنا َّ‬
‫وجل ‪ -‬يقرأ عليك ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالم‪ ،‬ويقول إن ش ـ ـ ـ ـ ـ ــئت‬ ‫عاي َّ‬ ‫إن ربك ‪َّ -‬‬ ‫فدعا فأاته جربيل‪ ،‬فقال َّ‬
‫أعذبت أحداً من العاَّ ‪ ،‬وإن‬ ‫عذبتت عذاابً ح ِ‬ ‫صـ ـفا ذهباً‪ ،‬فمن كفر بعد ذلك منهم َّ‬ ‫أهللا ــب يم ال َّ‬
‫﴿وشما‬
‫الرحة فأنايل هللا تعاىل ش‬ ‫الرحة‪ ،‬فقال بل ابب التَّوبة‪ ،‬و َّ‬ ‫شــئت‪ ،‬فتلت يم أبواب التَّوبة‪ ،‬و َّ‬
‫ص ـشرًة فشظشلشموا ِهبشا شوشما نـ ْرِ ـل‬
‫منشـعنشا أش ْن نـرِ ـل ِاب َيت إِحَّ أش ْن شك َّذب ِهبا األ َّشولو شن وآتشـيـنشا شود النَّاقشةش مب ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ش‬ ‫شش‬
‫وي ًفا ﴾ [اإلسراء‪[ ]59 :‬احلاكم (‪ )53/1‬و(‪ )240/4‬والبزار (‪ )2224‬والبيوقي (‪. )2(])50/7‬‬ ‫ِاب َيت إِحَّ شهْ ِ‬
‫حرب إعالميَّ ٍة ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد الدَّعوة‪،‬‬
‫لقد كان هد زعماء قريش من تلك اَّطال ‪ ،‬هو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـن ٍ‬

‫دل عليت اَّقام‪.‬‬ ‫أن هناك قراانً هبذه ِ‬


‫الصفات أو هذه ال ُّروط لكان هذا القران الكر ‪ ،‬فهو ليس لت مثيل ‪ ،‬ح من قبل ‪ ،‬وح من بعد ‪ ،‬ف واب (لو) حمذو ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )1‬يع لو َّ‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)321 ، 320/1‬‬
‫‪287‬‬
‫احلق كي تبتعد القبائل العربيَّة عنت هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫أل‪،‬م يطالبونـ ـ ـ ــت‬ ‫والدَّاعية‪ ،‬واتمراً عل ِ‬
‫هللارحوا أبن لو حتقَّق‬ ‫أبموٍر يدركـون َّأ‪،‬ا ليست طبيعـة هـذه الدَّعوة‪ ،‬ويـذا ُّ‬
‫أهللاروا عليها‪ ،‬بل لقد َّ‬
‫شـ ـ ـ ــيء من ذلك‪ ،‬فلن يؤمنوا أيض ـ ـ ـ ـاً هبذه الدَّعوة‪ ،‬وهذا كلُّت حماولة منهم لظهار ع اي َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ــول‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬و ِاهاذ ذلك ذريعةً َّنع النَّاس عن اتِباعت(‪.)1‬‬
‫اتسعاً‪ :‬دور اليوود يف العود ِّ‬
‫املك ِّي‪ ،‬واستعانة مشركي َّ‬
‫مكة هبم‪:‬‬

‫حتدَّث القرآن الكر عن ب إ ـرائيل طويالً يف ــوٍر كثريةٍ‪ ،‬بل ت طس ـ ــورةً يف اَّرحلة‬
‫اَّكيَّة‪ ،‬ويف اَّرحلة اَّدنيَّة كان دور اليهود كبرياً يف حماولة إطفاء نور هللا‪ ،‬والقضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء عل دعوة‬ ‫ِ‬
‫م ِملَّة من اَّلل‪ ،‬وح قوم من‬ ‫ال ـ ـ ــالم‪ ،‬وعل حياة ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬و حت ش‬
‫األقوام ابحلديث عنهم مبثل هذا ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـمول‪ ،‬وهذه التَّفصـ ـ ـ ـ ـ ــيالت‪ ،‬ما حظي بت اليهود‪ ،‬وحديث‬
‫مرت هبا دعوة ال ـ ــالم‪ ،‬فقد‬ ‫دقيق يتنا ـ ـ مع اَّراحل الدَّعوية الَّيت َّ‬ ‫مبنهت ٍ‬ ‫القرآن عنهم يتَّس ـ ــم ٍ‬
‫احلق‪ ،‬الَّذأ جاء بت ر ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫أن فلة اَّ ــرك عن ِ‬ ‫جاءت ا َيت الكرمية ت ــري إىل َّ‬
‫وشود‪ ،‬وفرعون‪،‬‬ ‫عاد‪ٍ ،‬‬ ‫عليت و ــلم ‪ ،‬وعدم اك اثهم بت‪ ،‬وبدعوتت لت جاذً ب ـ ـريَّة تقدَّمتهم مثل ٍ‬
‫الرس(‪.)2‬‬
‫وب إ رائيل‪ ،‬وقوم تـبَّ ٍع‪ ،‬وأهللالاب َّ‬
‫اَّايمل ‪ -‬وهي ال ُّس ـ ـ ـورة الثَّالثة يف ترتي‬ ‫اقرأ معي تلك الش ـ ـ ــارات‪ ،‬يف قولت تعاىل يف ـ ـ ــورة َّ‬
‫ص ـ فِْر شع ْون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النُّايول ﴿إِ َّان أ ْشر ش ـ ْلنشا إِلشْيك ْم شر ـ ًوح شش ـاه ًدا شعلشْيك ْم شك شما أ ْشر ش ـ ْلنشا إِ شىل ف ْر شع ْو شن شر ـ ًوح فشـ شع ش‬
‫(‪)3‬‬

‫ف تشـتـَّقو شن إِ ْن شك شف ْر ْذ يشـ ْوًما شْجي شعل الْ ِولْ شدا شن ِشـ ـيبًا *ال َّسـ ـ شماء مْنـ شف ِطر‬
‫شخ ًذا شوبِيالً *فش شكْي ش‬
‫شخ ْذ شانه أ ْ‬
‫ول فشأ ش‬
‫الر ـ ـ ش‬
‫َّ‬
‫ذ إِ شىل ربِ ِت بِيالً ﴾ [املزمل‪. ]19 - 15 :‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫بت شكا شن شو ْعده شم ْفعوحً *إ َّن شهذه تشذْكشرة فش شم ْن ششاءش اهش ش ش ش‬
‫وكذلك ما ورد يف ـ ـ ـ ـ ــورة األعل ‪ ،‬وهي ال ُّسـ ـ ـ ـ ـ ـورة الثَّامنة يف ترتي النُّايول‪ ،‬فبعد أن ذكرت‬
‫جل جاللت‪ ،‬وما أ ـ ـ ـ ــب بت من النِعم الدُّنيويَّة وا خرويَّة عل عباده‪،‬‬ ‫بعض ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـفات اجلليلة هلل َّ‬
‫السورة بقولت تعاىل ﴿إِ َّن شه شذا لشِفي‬
‫أن ا خرة خري وأبق ‪ ،‬ختمت ُّ‬ ‫وذكر طريق الفال يف الدُّنيا و َّ‬
‫﴾ [األعلى‪. ]19 - 18 :‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الصل ِ‬
‫وىل *هللالف إبْـشراه شيم شومو ش‬
‫ف األ ش‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )2‬انظر الوفود يف العهد اَّكي ‪ ،‬ص ‪ 40‬ـ ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬معا قرانيَّة يف ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪َّ ،‬صطف مسلم ‪ ،‬ص ‪.31 ، 30‬‬
‫‪288‬‬
‫ات الْعِ شم ِاد *الَِّيت شْ خيْلش ْق ِمثْـل شها ِيف‬
‫ك بِع ٍاد *إِرم ذش ِ‬
‫ف فشـ شع شل شربُّ ش ش ش ش‬ ‫ويف ـ ـ ـ ـ ـ ــورة الف ر ﴿أششْ تشـشر شكْي ش‬
‫ين طش ش ْوا ِيف الْبِالش ِد *فشأش ْكثشـروا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صـ ـ ـ ـهر ِابلْو ِاد ِ‬ ‫الْبِالش ِد * وشش َّ ِ‬
‫*وف ْر شع ْو شن ذأ األ ْشو شاتد *الذ ش‬ ‫ين شجابوا ال َّ ْ ش ش ش‬ ‫ود الذ ش‬
‫ش ش‬
‫اد ﴾ [الفجر‪. ]14 - 6 :‬‬ ‫اب *إِ َّن ربَّك لشبِالْ ِمرهللا ِ‬
‫ك و شط شع شذ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْش‬ ‫ش ش‬ ‫ص َّ شعلشْيه ْم شربُّ ش ش ْ‬
‫ف شيها الْ شف شس شاد *فش ش‬
‫تعر ت للفتنة‪ ،‬واح طهاد‪ ،‬فمنهم‬‫وجاء يف ورة النَّ م ِذ ْكر ب إ رائيل‪ ،‬كنماذً ب ريَّة َّ‬
‫من احنر و قا يف هذا احبتالء‪ ،‬ومنهم من هللامد‪ ،‬وُ يف احبتالء‪.‬‬
‫ك شمْبـلش ه ْم ِم شن‬ ‫ِ‬ ‫ض شعن َّم ْن تشـ شوَّىل شع ْن ِذ ْك ِرشان شوشْ ي ِرْد إِحَّ ْ‬
‫احلشيشا شة ُّ‬
‫الدنْـيشا * شذل ش‬ ‫قال هللا تعاىل ﴿فشأ ْشع ِر ْ‬
‫ين أش ش ـ ـ ـ ـاءوا ِمبشا‬ ‫الْعِْل ِم إِ َّن ربَّك هو أشعلشم ِمبن ـ ـ ـ ـ َّل عن ـ ـ ـ ـبِيلِ ِت وهو أشعلشم ِمب ِن اهت شد * لِي ِاي َّ ِ‬
‫أ الذ ش‬ ‫شْ ش‬ ‫ش ش ْ ش ْش‬ ‫ش ش ش ْ شْ ش ش ْ ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ع ِملوا وشجي ِاي َّ ِ‬
‫ك‬‫ش إِحَّ اللَّ شم شم إِ َّن شربَّ ش‬
‫ين شْجيتشنبو شن شكبشائشر ا ِل ِْمث شوالْ شف شواح ش‬ ‫ِ‬
‫شح شس ـ ـ ـنوا اب ْحل ْس ـ ـ ـ شىن * الذ ش‬
‫ين أ ْ‬
‫أ الذ ش‬ ‫ش شْ ش‬
‫ون أ َّم شهاتِك ْم فشالش تـشايُّكوا‬‫ض وإِ ْذ أشنْـتم أ ِشجنَّة ِيف بط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوا ـ ـ ـع الْ شم ْفشرةِ ه شو أ ْشعلشم بك ْم إ ْذ أشنْ ش ـ ـ ـأشك ْم م شن األ ْشر ِ ش ْ‬
‫شعْن شده ِع ْلم الْ شْي ِ فشـه شو‬ ‫أشنْـف سكم هو أ ْشعلشم ِمبش ِن اتَّـ شق *أشفشـرأشيت الَّ ِذأ تشـوَّىل *وأ ْشعطش قشلِيالً وأش ْك شد *أ ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫شْ ش‬ ‫ش ْ ش‬
‫ِ‬ ‫ف مو ـ ـ ِ ِ َّ ِ‬ ‫يـر *أ ْشم ش يـنشـبَّأْ ِمبشا ِيف هللا ـ ـل ِ‬
‫س‬‫*وأش ْن لشْي ش‬‫*وإبْـشراه شيم الذأ شو َّ *أشحَّ تش ِاير شوازشرة ِوْزشر أخر ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْ‬ ‫شش‬
‫ك الْمْنـتشـ شه ﴾‬ ‫شن إِ شىل شربِ ش‬
‫*وأ َّ‬ ‫ان إِحَّ شما ش ـ شع *وأ َّ‬ ‫لِ ِإلنْس ـ ِ‬
‫اجلششاياءش األ ْشو ش ش‬
‫شن ش ـ ْعيشت ش ـ ْو ش يـشر *مثَّ ْجيشاياه ْ‬ ‫ش‬
‫[النجم‪.]42 - 29 :‬‬

‫مقررة يف هللا ـ ـ ــلف مو ـ ـ ـ ـ ‪ -‬عليت ال َّسـ ـ ـ ـالم ‪ -‬اَّر ـ ـ ــل إىل ب إ ـ ـ ـ ـرائيل‪،‬‬ ‫إن تلك اَّبادئ َّ‬ ‫َّ‬
‫حممد هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وكذلك يف هللا ـ ـ ـ ــلف‬
‫ـك من أمر َّ‬ ‫فلريجعوا إليها إن كانوا يف ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ويعظمون شـ ـ ـرائعت الَّيت توارثوها‪ ،‬كما هو‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وهم «أأ قريش» يايعمون َّأ‪،‬م ينتمون إليت‪ِ ،‬‬
‫حايم يف القيام عل دانة الكعبة‪ ،‬وخدمة احل يت(‪.)1‬‬
‫ويف ـ ـ ـ ـ ـ ــورة (ص‪ ،‬ويس‪ ،‬ومر ‪ ،‬وطت) عرض جاذً من قص ـ ـ ـ ـ ـ ــص األنبياء مع أقوامهم‪ ،‬وما‬
‫أهللا ـ ـ ـ ـ ــاهبم من الفتنة واحبتالء‪ ،‬وكيف أوذوا فص ـ ـ ـ ـ ــربوا‪ ،‬وبيان ـ ـ ـ ـ ـنَّة هللا تعاىل يف أولئك ِ‬
‫اَّتلايب‬
‫شحاي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّناهض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لدعوة ِ‬
‫اب * شك َّذبش ْ‬
‫ت قشـْبـلشه ْم قشـ ْوم نو ٍ شو شعاد‬ ‫ك شم ْهايوم م شن األ ْ ش‬ ‫احلق ﴿جْند شما هنشال ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫شحشاياب *إِ ْن كـل إِحَّ شكـ َّذ ش‬ ‫ك األ ْ‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شلـاب األشيْ شكـ ِة أولشئِـ ش‬ ‫ٍ‬
‫*وششود وقشـ ْوم لوط شوأش ْ‬‫شوف ْر شع ْون ذو األ ْشو شاتد ش‬
‫*وقشالوا شربـَّنشا شع ِ ْل لشنشا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫*وشما يشـْنظر شهؤحشء إِحَّ ش‬
‫هللاـ ـ ـ ـْي شلةً شواح شد ًة شما شيشا م ْن فشـ شواق ش‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ شل فش شل َّق ع شقاب ش‬ ‫ُّ‬
‫ود شذا األشيْـ ِد إِنـَّت أ َّشواب ﴾‬ ‫احلِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِ ْرب شعلش شمـا يشـقولو شن شواذْك ْر شعْبـ شد شان شداو ش‬
‫اب *ا ْ‬ ‫قطنشـا قشـْبـ شل يشـ ْوم ْ ش‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫‪289‬‬
‫[ص ‪. ]17- 11‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم مأخوذة من رية هؤحء‬ ‫دحلة تربويٍَّة ألهللالاب الن ِ‬
‫َّإ‪،‬ا إشارة ذات ٍ‬
‫فلق عليهم كلمة العذاب‪ ،‬وانتص ـ ــر‬ ‫حتايبوا ـ ـ َّـد دعوة ِ‬
‫احلق لقد َّ‬
‫كذبوا أنبياءهم‪َّ ،‬‬ ‫األقوام الَّذين َّ‬
‫أهل ِ‬
‫احلق عليهم‪.‬‬
‫وعايهتم يف جمتمعاهتم‪،‬‬ ‫يس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم أحد من األنبياء من إيذاء األقوام‪ ،‬مهما كانت مكانتهم‪َّ ،‬‬
‫عامة النَّاس‪ ،‬فما قولك يف داود‬ ‫فلئن كان نو ‪ ،‬وهود‪ ،‬ومو ـ ـ ـ ‪ ،‬وهللا ـ ــاأ‪ ،‬ولوط‪ ،‬وش ـ ــعي من َّ‬
‫القوة‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـلطة‪ ،‬واَّلك‪ ،‬الَّذأ كانت مع اياتت ابرزة للعيان من تس ـ ـ ــبي اجلبال معت‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫هللا ـ ـ ــاح‬
‫دونوا يف كتبهم عن‬ ‫ـماي مايامريه‪ ،‬وتالوتت؟ ماذا تقول عنت بنو إ ـ ـرائيل؟ وماذا َّ‬ ‫وح ْ ـ ـ ِر الطُّيور لسـ ـ ِ‬
‫ش‬
‫األواب‪ ،‬ومثل ذلك ما قالوه عن‬ ‫َّب العابد َّ‬ ‫ــريتت؟ َّإ‪،‬م ي كوا نقيص ـةً إح ألصــقوها فيت‪ ،‬وهو الن ُّ‬
‫السالم ‪ -‬وقد أورد القرآن الكر حلها‪ ،‬ووحدهتا‪ ،‬واخلوارق الَّيت‬ ‫مر البتول ‪ -‬عليها وعل ابنها َّ‬
‫ك ه شو شعلش َّي شهِ شولِنش ْ شعلشت‬ ‫حص ـ ـ ـ ــلت يما حيث جعلها وابنها ايةً للعاَّ ﴿قش شال شك شذلِ ِ‬
‫ك قشا شل ربُّ ِ‬
‫ش‬
‫َّاس شوشر ْحشةً ِمنَّا شوشكا شن أ ْشمًرا شم ْق ِضيًّا ﴾ [مرمي‪ ]21 :‬فَذا كان هذا شأن ب إ رائيل مع أنبيائهم‪،‬‬ ‫آيشةً لِلن ِ‬
‫وهم أهل الكتاب وب أيديهم التَّوراة‪﴿ ،‬فِ شيها هد ً شونور﴾‪ ،‬فال رابة أن تقول قريش عن دعوة‬
‫احلق َّالقاة أعدائت‬ ‫يدل عل ـ ـ ـ ـ ـ ــاليا‪ ،‬وجهلها‪َّ ،‬إ‪،‬ا هتيئة للنُّفوس‪ ،‬وتثبيت يا عل ِ‬ ‫احلق ما ُّ‬ ‫ِ‬
‫اَّف ين اَّكـ ِـذب من اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ومن أهــل الكتــاب‪ ،‬و يكن هــذا موقفهم من األنبيــاء الَّـذين‬
‫كذبوهم و يؤمنوا يم بل كانت يم مواقف ريبة م ـ ـ ـ ـ ـ ــينة مع أعظم أنبيائهم الَّذين يفتهرون‬ ‫َّ‬
‫بنس ــبتهم إليت‪ ،‬وهم يايعمون َّأ‪،‬م أهل كتابت الَّذأ أنايل عليت‪ ،‬وحلة ش ـ ـرائعت وهدآَيتت‪ ،‬إنَّت نبيُّهم‬
‫السالم ‪ -‬أعظم أنبياء ب إ رائيل قاطبةً‪.‬‬
‫‪ -‬عليت َّ‬ ‫مو‬
‫َتردهم عل أوامر‬ ‫وتذكر لنا ـ ـ ـ ـ ــورة (طت) كيف كان احلال معت‪ ،‬وما عاانه من ـ ـ ـ ـ ــفههم‪ ،‬و ُّ‬
‫اَّتعمد‪ ،‬فما كاد مو ـ ـ ـ ‪ -‬عليت السـ ـ ــالم ‪ -‬ي ادرهم َّناجاة ربِت‪ ،‬وقد ترك ب‬ ‫هللا‪ ،‬وعصـ ـ ــيا‪،‬م َّ‬
‫ظهرانيهم أخاه هارون ليصل من شأن القوم‪ ،‬وح يتَّبع بيل اَّفسدين‪ ،‬إح واتمروا عليت‪ ،‬و عوا‬
‫امرأ ع الً جسداً لت خوار‪ ،‬فيقوم النَّاس ابلطَّوا بت لعبادتت وليقولوا‬ ‫الس ُّ‬
‫زينة القوم ليهرً يم َّ‬
‫﴿ه شذا إِ شيك ْم شوإِلشت مو ش فشـنش ِس شي ﴾ [طه‪ ، ]88 :‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما عر احلقيقة‪ ،‬ا ـتدع‬ ‫كلمتهم الكبرية ش‬
‫ال َّس ـ ـ ـامرأ ليسـ ـ ــأل عن الدَّافع لت عل هذا التصـ ـ ـ ُّـر ال َّس ـ ـ ـفيت‪﴿ ،‬قش شال بشص ـ ـ ـ ْرت ِمبشا شْ يشـْبص ـ ـ ـروا بِِت‬
‫سي ﴾ [طه‪.]96 :‬‬ ‫ك َّولشت ِس نشـ ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضةً ِم ْن أشثشِر َّ‬
‫الر ِ‬
‫ول فشـنشـبش ْذهتشا شوشك شذل ش ش ْ‬ ‫ضت قشـْب ش‬
‫فشـ شقبش ْ‬
‫‪290‬‬
‫الايي ‪ ،‬والضـَّالل‪ ،‬والفســاد‪ ،‬فهل يـ ْؤشمن جانبهم‪،‬‬ ‫إن قوماً يصــل هبم ال َّسـفت إىل هذا ِ‬
‫احلد من َّ‬ ‫َّ‬
‫احلق؟! لقد كان لقصـ ـ ـ ـ ــص ب إ ـ ـ ـ ـ ـرائيل يف هذه اَّرحلة ِ‬
‫اَّكيَّة‬ ‫ويتوقَّع منهم اخلري‪ ،‬أو مناهللا ـ ـ ـ ــرة ِ‬
‫اَّتقدمة آاثر بعيدة الدَّحلة يف تكوين ال َّهصيَّة ال الميَّة اَّتميِاية عن هذه الطَّوائف والنِ شل ِل(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ومن لطائف األ ـ ـ ـ ـ ـرار القرآنيَّة‪ ،‬ومن يل وجوه اَّنا ـ ـ ـ ــبات أن رل احلديث عن عاَّيَّة الدَّعوة‬
‫َّب‬
‫ال ــالميَّة‪ ،‬من خالل ذكر العهد واَّيثاق اَّأخوذ عل ب إ ـرائيل أنفســهم لكي يؤمنوا ابلن ِ‬
‫األم ِي عندما رتيهم بدعوتت العاَّيَّة‪ ،‬وكان ذلك يف ـ ـ ــورة األعرا ‪ ،‬وكان إيراد التَّفص ـ ـ ــيالت يف‬ ‫ِ‬
‫فَ‪،‬م‬‫تنكروا يم‪َّ ،‬‬ ‫احنرافات ب إ ـ ـ ـ ـرائيل لتهيئة نفوس اَّؤمن ‪ ،‬أبح يتأثَّروا مبوقف اليهود إن هم َّ‬
‫حممداً هللا ــل هللا‬
‫كذبوا َّ‬‫قوم هبْت‪ ،‬وتلك ــريهتم مع أنبيائهم‪ ،‬فَن أعر ـ ـوا عن دعوة ال ــالم‪ ،‬و َّ‬
‫عليت و لم ‪ ،‬وقد وجدوا أوهللاافت يف كتبهم‪ ،‬فال يست رب ذلك من القوم اَّفسدين(‪.)2‬‬
‫ك قش شال شع شذ ِايب أ ِهللاي‬ ‫الدنْـيشا شح شسنشةً شوِيف ا خرةِ إِ َّان ه ْد شان إِلشْي ش‬ ‫﴿وا ْكت ْ لشنشا ِيف شه ِذهِ ُّ‬ ‫ش‬ ‫قال تعالـ‬
‫ين ه ْم ِرَيتنشا‬ ‫بِِت من أششـ ـاء ور ْح ِيت و ِ ـ ـعت ك َّل شـ ـي ٍء فشسـ ـأش ْكتـبـها لِلَّ ِذين يـتـَّقو شن ويـؤتو شن َّ َّ ِ‬
‫الايشكا شة شوالذ ش‬ ‫شْ‬ ‫شش‬ ‫ش ْ ش ش‬ ‫ش ْ ش شش ش ش ش ْ‬
‫واب ِعْنـ شده ْم ِيف التـ َّْوشراةِ شوا ِل ُِْي ِـل‬ ‫ول النِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ين يشـتَّبِعو شن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب األم َّي الَّـذأ شجيـدونشـت شمكْت ً‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫يـ ْؤمنو شن * الـذ ش‬
‫الطيِب ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع شعْنـه ْم‬‫ث شويش ش‬ ‫اخلششبائِ ش‬
‫ات شو ش ِرم شعلشْي ِهم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شرْمره ْم ِابلْ شم ْعرو شويشـْنـ شهاه ْم شع ِن الْمْن شك ِر شو ُّل شيم ش‬
‫ُّور الَّ ِذأ أنْ ِايشل شم شعت‬ ‫ص ـروه شواتَّـبشـعوا الن ش‬
‫ِ‬
‫ين شآمنوا بِت شو شعَّايروه شونش ش‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ت شعلشْيه ْم فشالذ ش‬ ‫إِ ْ‬
‫هللا ـشره ْم شواألش ْ الش شل الَِّيت شكانش ْ‬
‫اَّللِ إِلشيكم شِ يعا الَّ ِذأ لشت م ْلك ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماو ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫شش‬ ‫ك هم الْم ْفللو شن *ق ْل شَيأشيـُّ شها النَّاس إِِين شر ـ ـ ـ ـ ـول َّ ْ ْ ً‬ ‫أولشئِ ش‬
‫َّب األ ِم ِي الَّـ ِذأ يـ ْؤِمن ِاب ََّّللِ شوشكلِ شمـاتـِ ِت‬ ‫ض حش إِلشـتش إِحَّ ه شو ْيِي شوميِيـت فشـ ِآمنوا ِاب ََّّللِ شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـولِـ ِت النِ ِ‬ ‫شواأل ْشر ِ‬
‫ن ﴾[األعراف‪. ]158 - 156 :‬‬ ‫شواتَّبِعوه لش شعلَّك ْم شهتْتشدو ش‬
‫مكة‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــعاهبا‪ ،‬وجبايا إىل أقطار العا يعاً‪َّ ،‬إ‪،‬ا نقلة روحيَّة‬ ‫نعم‪َّ ،‬إ‪،‬ا نقلة من هللا ـ ـ ـ ــعيد َّ‬
‫مكة إىل‬ ‫هرً من َّ‬ ‫نفس ـ ـيَّة كبرية حيث نالحم ـ ــياق ا َيت ير ـ ــم معا الدَّعوة العاَّيَّة عندما َّ‬
‫حممد‬ ‫ألمة َّ‬ ‫أن ا َيت يف ـ ـ ــورة األعرا مليئة ابلدُّروس ال َّ بويَّة العظيمة َّ‬ ‫العاَّي‪ ،‬كما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـعيد‬
‫ال َّ‬
‫ٍ‬
‫أحداث‬ ‫َّارخيي حلياة ب إ ـ ـرائيل‪ ،‬وما اعتورها من‬ ‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬من خالل ال َّس ـ ـرد الت ِ‬
‫عظام‪ ،‬وهذه اَّداخالت الَّيت تلفت النَّظر إىل َّأمة ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ودورها‬ ‫ٍ‬
‫ومهمتها يف قيادة العا ‪ ،‬ويف الوقت نفسـ ـ ـ ــت حتذير يا لكي تت نَّ ما وقعت فيت بنو إ ـ ـ ـ ـرائيل‪،‬‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر معا قرانية يف الصراي مع اليهود ‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫(‪ )2‬انظر معا قرانيَّة يف الصراي مع اليهود ‪ ،‬ص ‪.40 ، 39‬‬
‫‪291‬‬
‫وميضـ ـ ــي ال ِس ـ ـ ـياق يف احلديث عن األمم الَّيت ت َّ‬
‫كونت من األ ـ ـ ــباط‪ ،‬وكيف ف َّكت ـ ـ ــائقتهم يف‬
‫الظالل الوارفة يم بتظليل‬ ‫اَّن‪ ،‬وال َّس ـلو عليهم‪ ،‬وتوفري ِ‬
‫اَّطعم واَّ ــرب‪ ،‬بتف ري الينابيع وإنايال ِ‬
‫ال مام عليهم‪ ،‬ولكن هل َّأدوا شــكر هذه النِعم؟ وماذا كان موقفهم من التكاليف ال َّ ـرعيَّة؟ لقد‬
‫التمرد دائماً!‬
‫كان العناد‪ ،‬والتَّلريف‪ ،‬والتَّلايل‪ ،‬و ُّ‬
‫إن إنس ـ ـ ـ ــانيَّة النس ـ ـ ـ ــان تتلقَّق ابتِباعت الوحي َّ‬
‫الرَّابينَّ اَّنايل من خالق ال َّسـ ـ ـ ـ ـموات واألرض‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حتقق الكمال النس ـ ــاينَّ‪ ،‬حيث تتلقَّق ال اية الَّيت خلق النس ـ ــان من أجلها‪،‬‬ ‫والعبودية هلل تعاىل ِ‬
‫رأ‪ ،‬ويللقت‬‫ابتعاد عن ن ــور الوحي يبعد النسان عن الكمال الب ِ‬ ‫أأ ٍ‬ ‫اَّهم ــة‪ ،‬و ُّ‬
‫إلال يذه َّ‬ ‫أأ ٍ‬ ‫و ُّ‬
‫يسهر عقلت َّايي ـ ـ ـ ـ ـ ــد من ال فا ‪ ،‬واححنطاط‪،‬‬ ‫ابلدواب‪ ،‬واألنعام‪ ،‬وقد يكون أ َّل منها ألنت ِ‬ ‫َّ‬
‫وإجا هي مفطورة عل رائاي معيَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـنة تدفعها‬ ‫بينما البهائم ح تتلايل يف ال فا ‪ ،‬واححنطاط‪َّ ،‬‬
‫حمد ٍد‪.‬‬ ‫لتصر ٍ َّ‬
‫ُّ‬
‫ـ ــنناً‬ ‫ٍ‬
‫توجيهات رَّابنيَّةً‪ ،‬وتو ِ ـ ـ ـ‬ ‫اَّكيَّة‪ ،‬تعرض ٍ‬
‫َّات تربويَّةً‪ ،‬وتبِ‬ ‫ِ‬ ‫كانت ـ ــورة األعرا‬
‫إييةً‪ ،‬من خالل احعتبار بقصص ب إ رائيل(‪.)1‬‬
‫اَّعرب عن هذا الع اي النَّض ــر بن‬ ‫احلق‪ ،‬وكان ِ‬
‫عندما وجدت قريش نفس ــها عاجاية أمام دعوة ِ‬
‫احلارث الَّذأ هللا ــر قائالً «َي مع ــر قريش! إنت وهللا قد نايل بكم أمر ما أوتيتم لت حبيلة بعد!‬
‫فقرروا بعد ذلك إر ـ ـ ــال النَّض ـ ـ ــر بن‬ ‫فانظروا يف ش ـ ـ ــأنكم‪ ،‬فَنَّت وهللا لقد نايل بكم أمر عظيم!»‪َّ .‬‬
‫احلــارث‪ ،‬وعقبــة بن أيب م شعْي ٍا‪ ،‬إىل أحبــار اليهود ابَّــدينــة‪َّ ،‬عرفــة حقيقــة هــذه الــدَّعوة‪ ،‬ح لكي‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫يتَّبعوها‪ ،‬ولكن لدراكهم َّ‬
‫أن اليهود قد ميدُّو‪،‬م أبشـ ـ ـ ـ ــياء تظهر ع اي َّ‬
‫احلق أينما كانوا‪.‬‬ ‫مكة حبقد اليهود اَّنص ِ عل األنبياء يعاً‪ ،‬وأهللالاب ِ‬ ‫و لم‪ ،‬وَّعرفة زعماء َّ‬
‫كانت بعثة اَّص ـ ــطف هللا ـ ــدمةً قويَّةً لليهود وذلك َّ‬
‫أل‪،‬م عاش ـ ـوا يف جاييرة العرب عل حل ٍم‬
‫توارثوه طوال ال ِسـ ـ ـ ـن اَّا ـ ـ ــية‪ ،‬وهو أنَّت ـ ـ ــيبعث نب مللِص يف ذلك َّ‬
‫الايمان واَّكان‪ ،‬فرجوا أن‬
‫يكون منهم آمل أن خيلِصهم من الفرقة‪ ،‬وال َّتات الَّذأ كانوا فيت(‪.)2‬‬
‫كان التقارب ب معســكر الكفر وال ِ ـرك مع اليهود ينس ـ م مع أهدافهم اَّ ـ كة للقضــاء‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬ص ‪ 55‬إىل ‪.60‬‬
‫(‪ )2‬انظر معا قرانية يف َّ‬
‫‪292‬‬
‫َّب هللال هللا عليت‬
‫اَّكي ببعض األ ئلة حماولةً لتع ياي الن ِ‬
‫عل دعوة ال الم‪ ،‬ولذلك َّزودوا الوفد َّ‬
‫و لم ‪.‬‬
‫عباس ر ــي هللا عنهما قال بعثت قريش النَّضــر بن احلارث‪ ،‬وعقبة بن أيب معيا‪،‬‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫حممد‪ ،‬وهللا ـ ـ ــفوا يم هللا ـ ـ ــفتت‪ ،‬وأخربوهم بقولت‪،‬‬
‫إىل أحبار اليهود ابَّدينة‪ ،‬فقالوا يم ـ ـ ــلوهم عن َّ‬
‫حض قــدمــا‬ ‫األول‪ ،‬وعنــدهم علم مــا ليس عنــدان من علم األنبيــاء‪ ،‬فهرجــا َّ‬ ‫ـَ‪،‬م أهــل الكتــاب َّ‬ ‫فـ َّ‬
‫اَّدينة‪ ،‬فســأح أحبار يهود عن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ووهللاــفا يم أمره‪ ،‬وبعض قولت‪،‬‬
‫وقاح إنَّكم أهل التَّوراة‪ ،‬وقد جئناكم لتهربوان عن هللااحبنا هذا‪ ،‬قال فقالت يم أحبار يهود‬
‫فالرجل متشـ شق ِول‪،‬‬
‫هبن فهو نب مر ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬وإن يفعل َّ‬ ‫هبن‪ ،‬فَن أخربكم َّ‬ ‫ثالث أنمركم َّ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ــلوه عن ٍ‬
‫األول‪ ،‬ما كان من أمرهم؟ فَنَّت قد كان يم‬ ‫ِ‬
‫فقرروا فيت رأيكم ـ ـ ـ ـ ـ ــلوه عن فتية ذهبوا يف الدَّهر َّ‬
‫طوا ‪ ،‬بل م ــارق األرض‪ ،‬وم ارهبا‪ ،‬ما كان نبؤه؟ و ــلوه‬ ‫حديث ع ي ‪ ،‬و ــلوه عن ٍ‬
‫رجل َّ‬
‫قول‪،‬‬‫الرو ‪ ،‬ما هي؟ فَن أخربكم بذلك‪ ،‬فَ نَّت نب فاتَّبعوه‪ ،‬وإن هو خيربكم فهو رجل متش ِ‬ ‫عن ُّ‬
‫يش‪ ،‬فقاح َي مع ــر‬ ‫حض قدما َّ‬
‫مكة عل قر ٍ‬ ‫فاهللاــنعوا يف أمره ما بدا لكم‪ ،‬فأقبل النَّضــر‪ ،‬وعقبة َّ‬
‫حممد‪،‬قد أمران أحبار يهود أن نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألت عن أموٍر‪،‬‬ ‫قريش!‪ ،‬قد جئناكم بفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ما بينكم وب َّ‬
‫أخِ ْربان‪ ،‬فس ـ ــألوه َّ‬
‫عما‬ ‫فأخربوهم هبا‪ ،‬ف ايوا ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم فقالوا َي حممد! ْ‬
‫أمروهم بت‪ ،‬فقال يم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم أخربكم داً مبا ألتم عنت‪ ،‬و يستث ِن(‪،)1‬‬
‫فانصــرفوا عنت‪ ،‬فمكث ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم طس ع ــرة ليلةً‪ ،‬ح ِدث هللا إليت يف‬
‫حممد داً‪،‬‬ ‫مكة‪ ،‬وقالوا وعدان َّ‬ ‫ذلك وحياً‪ ،‬وح رتيت جربيل عليت الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬حض أرجف أهل َّ‬
‫ـول هللا‬ ‫أحشاي شن ر ـ ش‬ ‫وحض ْ‬ ‫واليوم طس ع ــرة‪ ،‬قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أهللاــبلنا فيها ح خيربان ب ــيء اَّا ــألناه عنت‪َّ ،‬‬
‫مكة‪ ،‬مثَّ جاء جربيل‬ ‫وشق عليت ما يتكلَّم بـ ـ ـ ـ ـ ــت أهل َّ‬ ‫هللال هللا عليت و لم مكْث الوحي عنـ ـ ـ ـ ـ ــت‪َّ ،‬‬
‫وجل ‪ -‬بسورة أهللالاب الكهف‪ ،‬فيه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا معاتبتت َّإَيه عل حاينت‬ ‫عاي َّ‬
‫علي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت السالم من هللا ‪َّ -‬‬
‫ك‬‫﴿ويش ْسأشلونش ش‬ ‫وجل ش‬ ‫عاي َّ‬ ‫الرجل الطََّّوا ‪ ،‬وقول هللا َّ‬ ‫عليهم‪ ،‬وخرب ما ألوه عنت من أمر الفتي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة و َّ‬
‫شم ِر رِيب وما أوتِيتم ِمن الْعِْل ِم إِحَّ قشلِيالً ﴾ [اإلس ـ ـ ـ ـ ـراء‪[ ]85 :‬ابن هشـ ـ ـ ـ ــام (‪])322/1‬‬ ‫الرو ِ ق ِل ُّ ِ‬
‫شع ِن ُّ‬
‫ْ ش‬ ‫الرو م ْن أ ْ ش ش ش‬
‫﴿وشما أوتِيت ْم ِم شن الْعِْل ِم إِحَّ قشلِيالً ﴾‪ ،‬ومن أول التَّوراة‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسع اليهود قالوا كيف وقد أوتينا ش‬
‫ات شرِيب لشنش ِف شد الْبش ْلر قشـْب شل أش ْن تشـْنـ شف شد‬
‫فقد أول خرياً كثرياً؟ فنايلت ﴿قل لشو شكا شن الْبلر ِم شدادا لِ شكلِم ِ‬
‫ً ش‬ ‫شْ‬ ‫ْ ْ‬

‫يقل (إن شاء هللا)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أأ‬


‫‪293‬‬
‫[الكوف‪.]109 :‬‬ ‫شكلِ شمات شرِيب شولش ْو ِجْئـنشا مبِِثْلِ ِت شم شد ًدا ﴾‬
‫أن كهفاً من عناية هللا‬ ‫إجابة أل ــئلتهم‪ ،‬وإش ــارةٍ إىل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كانت ــورة الكهف قد احتوت عل‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬كما او الكهف‬ ‫ــو يؤوأ هؤحء اَّســتضــعف من أهللاــلاب َّ‬
‫ـتبش يف وجوه هذه العصـ ـ ــبة من‬ ‫أن نفو ـ ـ ـاً ـ ـ ـ ُّ‬ ‫الفارين بدينهم من الفتنة‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬ ‫اجلبلي الفتية اَّؤمن‬
‫ُّ‬
‫شكهم‪ ،‬وحاولوا معهم طمس نور‬ ‫أنصار دين هللا يف يثرب‪ ،‬ابلقرب من الَّذين عا دوا قري اً يف ِ‬
‫ُّبوة‪ ،‬وهو منهت ري ـ ـ ـ ـ ـ ــليم فمض كانت‬ ‫َّثبت من أمر الن َّ‬ ‫احلق‪ ،‬بتلقينهم اَّنهت التع ِ‬
‫يايأ يف الت ُّ‬ ‫ِ‬
‫نب هللا مو ـ ـ عليت‬ ‫الر ـ ــالة‪ ،‬وهللا ـ ــاحبها؟! فهذا ُّ‬ ‫األ ـ ــئلة التَّع ياييَّة و ـ ــيلة التَّلقُّق من هللا ـ ــدق ِ‬
‫الس ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وهو من أعظم أنبياء ب إ ـ ـ ـ ــرائيل‪ ،‬يعلم أتويل األحداث الثالثة اليت جرت أمامت‪،‬‬
‫حض دث لت منت ذكراً‪،‬‬ ‫شيء َّ‬ ‫الر م من تعهده أحَّ يسألت عن ٍ‬ ‫وأنكر عل اخلضر تصرفاتت‪ ،‬عل َّ‬
‫نبوة مو ـ عليت الســالم شــيئاً‪ ،‬و‬ ‫الر م من كل ذلك تؤثر األحداث‪ ،‬وما دار حويا يف َّ‬ ‫عل َّ‬
‫نبوتت‪ ،‬فشلِ شم جيعلون مثل هذه األ ـ ـ ـ ــئلة أ ـ ـ ـ ــلوابً للتلقُّق من هللا ـ ـ ـ ــدق‬ ‫ـكك بنو إ ـ ـ ـ ـ ـرائيل يف َّ‬ ‫ي ــــ ِ‬
‫الر الة؟!(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫جعل هللا هذه اَّنا بة و يل ـ ـ ـةً لإلشارة إىل قـ ـ ــرب الفرً للعصبة اَّؤمنـ ـ ــة لي دوا مأو ً كما‬
‫بش أهل اَّدينـة يف وجـت أحـد الفتيـة‪ ،‬مثَّ‬
‫ليبش يف وجوههم أهل اَّدينة‪ ،‬كما َّ‬ ‫وجد الفتية اَّأو و َّ‬
‫ذهبوا إليهم ليكرموهم‪ ،‬وليهلِـدوا ذكراهم(‪.)2‬‬
‫ليكون خري أ َّمـ ٍة أخرجـت للنـَّاس‪ ،‬يـا ِ‬
‫مقومـاهتـا ال َّـذاتيَّـة‪ ،‬ومص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرهـا‬ ‫إن القرآن الكر نايل ِ‬‫َّ‬
‫اَّكيَّة‪ ،‬ــورة الفاحتة‪ ،‬وفيها التَّض ـ ُّـري إىل هللا تعاىل‬ ‫اَّعرفيَّة‪ ،‬ولقد نايل من أوائل ما نايل يف اَّرحلة ِ‬
‫صـ ـ ـراط اَّس ـ ــتقيم‪ ،‬ودنُّبت هللاـ ـ ـراط اَّ ض ـ ــوب عليهم ‪ -‬وهم اليهود ‪ -‬وهللا ـ ـراط‬ ‫هبداية اَّؤمن إىل ال ِ‬
‫حاذ ر ـ ــي هللا عنت [الرتمذي (‪)2954‬‬ ‫عدأ بن ٍ‬
‫ضـ ـ ـال ‪ -‬وهم النَّص ـ ــار ‪ -‬كما جاء يف حديث ِ‬ ‫ال َّ‬
‫وأمحد (‪. ])379 - 378/4‬‬

‫ض ـ ـالَّة َّ‬
‫حض تـتش نَّ‬ ‫فتلديد هذا النَّهت‪ ،‬وبيان ال ِ‬
‫ص ـ ـراط اَّسـ ــتقيم يسـ ــتدعي بيان اَّناهت ال َّ‬
‫التعرض لعقائد اليهود‪،‬‬ ‫تؤدأ بصاحبها إىل اَّايالق‪ ،‬واَّهالك‪ ،‬فكان ُّ‬ ‫اَّتفرقة الَّيت ِ‬
‫ِ‬ ‫السبل األخر‬
‫ُّ‬
‫واحنرافاهتم‪ ،‬ومواقفهم مع أنبيائهم أمراً تقتضــيت دواعي التكوين لل ــهص ـيَّة ال ــالميَّة اَّتميِاية‪َّ ،‬‬
‫إن‬

‫(‪ )1‬انظر مباحث يف التَّفسري اَّو وعي ‪َّ ،‬صطف مسلم ‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫أتمالت يف ورة الكهف ‪ ،‬لل َّي أيب احلسن النَّدوأ ‪ ،‬ص ‪ ، 46‬وانظر معا قرانيَّة يف ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ُّ‬
‫‪294‬‬
‫الرَّاب ِين‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـراط اَّســتقيم ـ َّد اَّناهت‬ ‫ـتمرة َّ‬
‫أل‪،‬ا معركة ب اَّنهت َّ‬ ‫معركتنا مع اليهود معركة مسـ َّ‬
‫الساعية لإلفساد يف األرض(‪.)1‬‬ ‫اجلاهليَّة ِ‬
‫اَّرفة لكلمات هللا‪َّ ،‬‬
‫السابع من البعثة‪:‬‬
‫واالجتماعي يف آخر العام َّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عاشراً‪ :‬احلصار االقتصاد ي‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم واَّس ــلم عل‬ ‫ازداد إيذاء اَّ ــرك من قريش‪ ،‬أمام هللا ــرب َّ‬
‫قمتت يف‬‫األذ ‪ ،‬وإهللا ـ ـ ـرارهم عل الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬وإزاء ف ـ ــو ال ـ ــالم يف القبائل‪ ،‬وبلوغ األذ َّ‬
‫اَّعنوأ الَّذأ ـ ـربتت قريش ظلماً‪ ،‬وعدواانً عل الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫اَّادأ‪ ،‬و ِ‬
‫احلص ـ ــار ِ‬
‫وم ْن عطف عليهم ِم ْن قرابتهم(‪.)2‬‬
‫وأهللالابت‪ ،‬ش‬
‫ـتدوا عل اَّسـ ــلم كأشـ ـ ِـد ما كانوا َّ‬
‫حض بل اَّسـ ــلم‬ ‫هرأ «مثَّ َّ‬
‫إن اَّ ـ ــرك اشـ ـ ُّ‬ ‫الاي ُّ‬
‫قال ُّ‬
‫ـتد عليهم البالء‪ ،‬وأ عت قريش أن يقتلوا ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم عالنيةً‬ ‫اجلهد‪ ،‬واشـ َّ‬
‫دخلوا ر ول هللا هللال هللا‬ ‫فل ـ ـ ـ َّـما رأ أبو طال عمل القوم ع ب عبد اَّطل ‪ ،‬وأمرهم أن ي ِ‬
‫عليت و ـ ــلم ِش ـ ـ ْعبشهم‪ ،‬ومينعوه اَّن أراد قتلت‪ ،‬فاجتمعوا عل ذلك مس ـ ــلمهم وكافرهم‪ ،‬فمنهم شم ْن‬
‫أن القوم قد منعوا ر ول هللا هللال‬‫حيَّةً‪ ،‬ومنهم من فعلت إمياانً‪ ،‬ويقيناً‪ ،‬فل ـ ـ َّـما عرفت قريش َّ‬‫فعلت شِ‬
‫حض يس ـ ـ ــلموا‬‫هللا عليت و ـ ـ ــلم أ عوا أمرهم أح جيالسـ ـ ـ ــوهم‪ ،‬وح يبايعوهم‪ ،‬وح يش ْدخلوا بيوهتم َّ‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم للقتل‪ ،‬وكتبوا من مكرهم هللاــليفةً‪ ،‬وعهوداً ومواثيق أح يتقبَّلوا‬
‫حض يسلموه للقتل(‪.)3‬‬ ‫من ب هاشم أبداً هللاللاً‪ ،‬وح أتخذهم هبم رأفة َّ‬
‫اية « ‪ ...‬عل أح ينكلوا إليهم‪ ،‬وح يـْنكلوهم‪ ،‬وح يبيعوهم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪ ،‬وح يبتاعوا‬ ‫ويف رو ٍ‬
‫الرزق يص ــل إليهم‪ ،‬وح يقبلوا منهم هللاـ ـللاً‪ ،‬وح أتخذهم هبم‬ ‫منهم‪ ،‬وح يش شدعوا ــبباً من أ ــباب ِ‬
‫حض ي ْس ـلِموا إليهم ر ـ ش‬
‫ـول‬ ‫رأفة‪ ،‬وح خيالطوهم‪ ،‬وح جيالســوهم‪ ،‬وح يكلِموهم‪ ،‬وح يدخلوا بيوهتم‪َّ ،‬‬
‫صـ ـ ـليفة يف جو‬ ‫هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم للقتل‪ ،‬مثَّ تعاهدوا وتواثقوا عل ذلك‪ ،‬مثَّ علَّقوا ال َّ‬
‫الكعبة توكيداً عل أنفسهم»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬معركة الوجود ب القران والتلمود ‪ ،‬ص ‪ ، 79 ، 78‬نقالً عن معا قرانيَّة ‪َّ ،‬صطف مسلم ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(‪ )2‬انظر ظاهرة الرجاء ‪ ،‬د‪ .‬فر احلواس (‪.)50/1‬‬
‫ُّبوة للبيهقي (‪ 80/2‬ـ ‪ ، )85‬و ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪ 43/2‬ـ ‪، )72‬‬ ‫قصة ال ِ ْع وما هلَّلها من أحداث ‪ ،‬انظر دحئل الن َّ‬
‫(‪َّ )3‬عرفة تفصيالت َّ‬
‫الروض (‪ 101/2‬ـ ‪ ، )129‬والسرية النبوية حبن ه ام (‪ 375/1‬ـ ‪.)376‬‬ ‫و َّ‬
‫(‪ )4‬السرية النبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )350/1‬وزاد اَّعاد (‪ ، )46/2‬والكامل يف التاري (‪.)87/2‬‬
‫‪295‬‬
‫فلبث بنو هاشـ ـ ـ ــم يف ِش ـ ـ ـ ـ ْعبهم ثالث ـ ـ ـ ــن ‪ ،‬واشـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتد عليهم البالء‪ ،‬واجلهد‪ ،‬وقطعوا عنهم‬
‫مكة وح بيعاً إح ابدروهم إليت‪ ،‬فاش وه‪ ،‬يريدون بذلك أن‬ ‫األ واق‪ ،‬فال ي كون طعاماً يقدم من َّ‬
‫يدركوا فك دم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬
‫ـول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم فأت‬
‫وكان أبو طال إذا أخذ النَّاس مضـ ـ ــاجعهم أمر ر ـ ـ ـ ش‬
‫حض يراه من أراد بت مكراً‪ ،‬أو ائلة‪ ،‬فَذا انم النَّاس أخذ أحد بنيت‪ ،‬أو إخوتت‪ ،‬أو ب‬ ‫فراش ـ ـ ـ ـ ـ ــت َّ‬
‫ـول هللا هللا ــل هللا عليت‬
‫عمت‪ ،‬فا ــط ع عل فراش ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأمر ر ـ ش‬ ‫ِ‬
‫و لم أن رل بعض فرشهم‪ ،‬فريقد عليها(‪.)2‬‬
‫حض ا ـ ــطروا إىل أكل ورق‬ ‫ص ـ ـ ـلابة‪ ،‬وب هاشـ ـ ــم‪ ،‬وب اَّطل ‪َّ ،‬‬ ‫واش ـ ـ َّ‬
‫ـتد احلص ـ ــار عل ال َّ‬
‫أن أحدهم خيرً ليبول‪ ،‬فيس ـمع بقعقعة‬ ‫ال َّ ـ ر‪ ،‬وحض أهللاــيبوا ب ــظف العيش‪ ،‬وشــدَّتت إىل ِ‬
‫حد َّ‬
‫ـيء حتتت‪ ،‬فَذا هي قطعة من جلد بع ٍري‪ ،‬فيأخذها‪ ،‬في س ـ ـ ـ ـ ــلها‪ ،‬مثَّ رقها‪ ،‬مث يس ـ ـ ـ ـ ــلقها‪ ،‬مثَّ‬ ‫شـــــ ٍ‬
‫وحض لتسـ ـ ــمع قريش هللاـ ـ ــوت ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـبية‬ ‫يسـ ـ ــتفُّها‪ ،‬وي ـ ـ ــرب عليها اَّاء‪ ،‬فيتقو هبا ثالثة أَيم(‪َّ ،)3‬‬
‫يتضا ون من وراء ال ِ ْع من اجلوي(‪.)4‬‬
‫ص ـليفة أان ـاً من‬
‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان رأس ثالث ــن ‪ ،‬قيَّض هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬لنقض ال َّ‬
‫ص ـليفة‪ ،‬ه ــام بن عمرو اياطي‪،‬‬ ‫يش‪ ،‬وكان الَّذأ َّ‬
‫توىل احنقالب الدَّاخلي لنقض ال َّ‬ ‫أش ـرا قر ٍ‬
‫فقصــد زهري بن أيب أميَّة اَّهايومي‪ ،‬وكانت ُّأمت عاتكة بنت عبد اَّطَّل ‪ ،‬فقال لت َي زهري! أقد‬
‫ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـت أن أتكـل الطَّعـام‪ ،‬وتلبس الثِيـاب‪ ،‬وتنك النِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء وأخوالـك حيـث قـد علمـت‪ ،‬ح‬
‫يبتــاعون‪ ،‬وح يبتــاي منهم‪ ،‬وح يشنكْلون‪ ،‬وح يـْنك إليهم؟ أمــا إين أحلف ابهلل‪ ،‬لو كــانوا أخوال‬
‫أيب احلكم بن ه ـام‪ ،‬مثَّ دعوتت إىل مثل ما دعاك إليت منهم ما أجابك إليت أبداً‪ ،‬قال و ك َي‬
‫ه ام! فماذا أهللانع؟ َّإجا أان رجل واحد‪ ،‬وهللا لو كان معي رجل آخر لقمت يف نقضها! فقال‬
‫لت قد وجدت رجالً‪ ،‬قال من هو؟ قال أان‪ ،‬فقال لت زهري أبْ ِنشا اثلثاً‪.‬‬
‫عدأ‪ ،‬فقال لت َي مطْعِم! أقد ر ــيت أن يشـ ْهلِك بطنان من ب عبد‬
‫فذه إىل اَّطْعِم بن ٍ‬
‫يش فيهم؟ أما وهللا لو أمكنتموهم من هذه لت َّ‬
‫د‪،‬م‬ ‫منا ‪ ،‬وأنت شــاهد عل ذلك‪ ،‬موافق لقر ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر ظاهرة الرجاء (‪.)51/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر فقت السرية النبوية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال رابء األولون ‪ ،‬ص ‪ ، 148‬نقالً عن حلية األولياء تر ة رقم (‪.)7‬‬
‫‪296‬‬
‫إليها منكم ـ ـ ـراعاً! قال و ك! فماذا أهللا ـ ــنع؟ َّإجا أان رجل واحد‪ ،‬قال قد وجدت لك اثنياً‪،‬‬
‫قال من؟ قال أان‪ ،‬قال أب نا اثلثاً‪ ،‬قال قد فعلت‪ ،‬قال شم ْن؟ قال زهري بن أيب أميَّة‪ ،‬فقال‬
‫عدأ‪ ،‬فقال‬ ‫أب نا رابعاً‪ ،‬فذه إىل أيب البه أ بن ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام‪ ،‬فقال لت حنواً اَّا قال للمطعم بن ٍ‬
‫لــت و ــك! وهــل ُــد أحــداً يع عل ذلــك؟ قــال نعم‪ ،‬زهري بن أيب أميَّـة‪ ،‬واَّطعم بن عـ ِ‬
‫ـدأ‪،‬‬
‫وأان‪ ،‬فقال أب نا خامس ـ ـاً‪ ،‬فذه إىل زمعة بن األ ـ ــود بن اَّطَّل بن أ ـ ــد‪ ،‬فكلَّمت‪ ،‬وذكر لت‬
‫قرابتت‪ ،‬وحقَّهم‪ ،‬فقال لت وهل عل هذا األمر الَّذأ تدعوين إليت من ٍ‬
‫أحد؟ قال نعم‪ ،‬مثَّ مسَّ‬
‫مكة‪ ،‬فاجتمعوا هناك‪ ،‬وأ عوا أمرهم‪ ،‬وتعاقدوا عل‬ ‫لت القوم فاتَّعدوا شخطْم احلش ون ليالً أبعل َّ‬
‫حض ينقضوها‪ ،‬وقال زهري أان أبديكم‪ ،‬فأكون َّأول من يتكلَّم‪ ،‬فلما أهللابلوا‬ ‫الصليفة َّ‬
‫القيام يف َّ‬
‫دوا إىل أنديتهم‪ ،‬و دا زهري بن أيب أميَّة عليت حلَّة‪ ،‬فطا ابلبيت ـ ــبعاً‪ ،‬مثَّ أقبل عل النَّاس‪،‬‬
‫فقال أأنكل الطَّعام‪ ،‬ونلبس الثِياب‪ ،‬وبنو هاش ـ ـ ـ ـ ـ ــم هلك ح يبتاعون‪ ،‬وح يبتاي منهم‪ ،‬وهللا ح‬
‫أقعد حض ت ـ َّـق هذه الصــليفة القاطعة الظاَّة ! فقال أبو جهل ‪ -‬وكان يف انحية اَّس ـ د ‪-‬‬
‫كذبت وهللا ح ت ُّق ! فقال زمعة بن األ ود أنت وهللا أكذب! ما ر ينا كتابتها ح كتبت‪،‬‬
‫فقال أبو البه أ هللا ـ ـ ــدق زمعة‪ ،‬ح نر ـ ـ ـ ـ ما كت فيها‪ ،‬وح ن ِقُّر بت‪ ،‬فقال اَّطعم بن ٍ‬
‫عدأ‬
‫كذب شم ْن قال ري ذلك‪ ،‬نربأ إىل هللا منها‪ ،‬واَّا كتِ ش فيها‪ ،‬وقال ه ـ ـ ـ ــام بن عمرو‬ ‫هللاـ ـ ـ ــدقتما‪ ،‬و ش‬
‫بليل‪ ،‬ت وِوشر فيت يف ري هذا اَّكان‪ ،‬وأبو طال‬
‫حنواً من ذلك‪ ،‬فقال أبو جهل هذا أمر قضي ٍ‬
‫جالس يف انحية اَّس د ح يتكلَّم‪.‬‬
‫وقام اَّطْعم بن ِ‬
‫عد ِأ إىل ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة لي ـ ـ ـ ـ ـ ــقَّها‪ ،‬فوجد األ ششر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةش قد أكلتها‪ ،‬إح «ابمسك‬
‫هم»(‪.)1‬‬‫اللَّ َّ‬
‫قال ابن ه ــام وذكر بعض أهل العلم أن ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ -‬قال أليب‬
‫طال َي عم ! إن ريب هللا قد ــلا األ ششر ش ـة عل هللاــليفة قريش‪ ،‬فلم تدي فيها امساً هو هلل إح‬
‫أثبتتــت فيهــا‪ ،‬ونفــت منــت الظلم والقطيعــة والبهتــان فقــال أربــك أخربك هبــذا ؟ قــال نعم قــال‬
‫فوهللا ما يدخل عليك أحد‪ ،‬مث خرً إىل قريش فقال َي مع ـ ـ ـ ـ ـ ــر قريش ! إن ابن أخي أخربين‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬فهلم هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــليفتكم‪ ،‬فَن كان كما قال ابن أخي‪ ،‬فانتهوا عن قطيعتنا‪ ،‬وانايلوا عما‬

‫(‪ )1‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬حبن كثري (‪ 43/2‬ـ ‪ 67 ، 50‬ـ ‪.)69‬‬


‫‪297‬‬
‫فيهــا‪ ،‬وإن يكن كــاذابً دفعــت إليكم ابن أخي‪ ،‬فقــال القوم ر ـ ـ ـ ـ ـ ــينــا‪ ،‬فتعــاقــدوا عل ذلــك‪ ،‬مث‬
‫نظروا‪ ،‬فَذا هي كما قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فايادهم ذلك ش ـراً‪ .‬فعند ذلك هللاــنع‬
‫الرها من قريش يف نقض الصليفة ما هللانعوا(‪.)1‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬
‫ٌ‬
‫اَّتأمل لبنود هذه احتِفاقيَّة‪ ،‬جيد َّ‬
‫أن قري ـ ـاً قد أحكمت البنود‪ ،‬و تدي فيها ثـ ْشرةً‬ ‫إن ِ‬‫‪َّ - 1‬‬
‫ٍ‬
‫نطاق وا ـ ـ ـ ٍع‪،‬‬ ‫مداوحت‪ ،‬وم ـ ــاور ٍ‬
‫ات عل‬ ‫ٍ‬ ‫ميكن النفاذ من خاليا‪ ،‬اَّا يؤكد َّأ‪،‬ا و ِ ـ ـ ـعت بعد‬
‫وشاركت يف و عها عقول مفكرة‪ ،‬امتايجت معها خربات عديدة‪ ،‬وحب شكها ذكاء مفرط‪.‬‬
‫ـالايواً ــالب ـاً م ــا ي ِ‬
‫ؤدأ إىل‬ ‫الايواً ب الطَّرف ‪ ،‬ج ــان ـ اجتم ــاعي مهم ف ـ َّ‬ ‫‪ - 2‬يف ع ــدم َّ‬
‫الايوج ‪ ،‬فَذا ذَّ ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء من ذلك‬
‫التالف‪ ،‬والتاخي‪ ،‬وال َّ احم‪ ،‬والتَّواهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬والتَّاياور ب أهل َّ‬
‫الايواً ب الطَّرف ‪.‬‬ ‫ت الوثيقة عل عدم َّ‬ ‫نص ِ‬‫وحض ح دث ذلك َّ‬ ‫فسيؤدأ إىل ف ل احلصار‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫‪ - 3‬ويف النَّهي عن البيع‪ ،‬وال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء منهم يظْهر جان اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادأ ابل ِ‬
‫األليَّة‪ ،‬فالبيع‪،‬‬ ‫ش‬
‫وال ِ ـ ـ ـراء عص ـ ـ ـ احلياة احقتصـ ـ ــادية‪ ،‬ويقوم عليت تبادل اَّنافع ب ب الب ـ ـ ــر‪ ،‬فَذا انعدم ذلك‬
‫ـادأ‪ ،‬وابتت احلياة احقتصـ ـ ــاديَّة مهدَّدةً ابخلطر‪ ،‬فيصـ ـ ــب النسـ ـ ــان‬ ‫التَّعامل ا‪،‬ار البناء احقتصـ ـ ـ ُّ‬
‫الر ـو ‪ ،‬واحنصـياي ألوامر شم ْن ميلك تلك الضـرورَيت‪،‬‬ ‫مفتقداً لضـرورَيت احلياة اَّا يعر ـت إىل ُّ‬
‫ومعلوم أثر ذلك عل اجلماعة‪ ،‬واألفراد‪ ،‬فأرادت قريش من ذلك البند دويع اَّسلم ‪ ،‬وهذا ما‬
‫حض كانوا ركلون ورق ال َّ ر‪ ،‬واجللود(‪.)2‬‬ ‫وقع فعالً‪ ،‬فقد جاء َّأ‪،‬م ج ِهدوا َّ‬
‫يسد الطَّريق أمام اَّسلم يف التَّعامل مع‬ ‫ِ‬
‫احقتصادأ‪ ،‬و عوا بنداً ُّ‬ ‫‪ - 4‬وزَيد ًة يف احلصار‬
‫ص ـلابة‬
‫حض ح يدرك ال َّ‬ ‫مكة‪ ،‬فكانوا ي لون عل اَّســلم يف ال ِس ـعر َّ‬‫التُّ ار الوافدين من خارً َّ‬
‫ش ــيئاً ي ـ ـ ونت‪ ،‬فريجعون إىل أطفايم الَّذين يتض ــا ون جوعاً وليس يف أيديهم ش ــيء ي ـ ـ لو‪،‬م‬
‫بت‪ ،‬فكان يسـ ــمع ب شكاء األطفال من ٍ‬
‫بعيد(‪ .)3‬كل هذا التضـ ــييق بسـ ــب البند الَّذأ يقول «وح‬ ‫ش‬
‫أن هذا البند ِ‬
‫يفوت احل َّ ة عل شم ْن أراد أن‬ ‫يدعوا ش ـ ــيئاً من أ ـ ــباب ِ‬
‫الرزق يص ـ ــل إليهم»‪ ،‬كما َّ‬

‫(‪ )1‬السرية النبوية (‪.)377/1‬‬


‫الرحيق اَّهتوم ‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبويَّـة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )377/1‬و َّ‬
‫السرية النَّبويَّـة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )377/1‬و ِ‬
‫السرية النَّبويَّـة ‪ ،‬للنَّدوأ ‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫(‪ِ )3‬‬
‫‪298‬‬
‫وحض ح تبق ذريعة ليصـ ـ ـ ـ ــال‬ ‫يهدأ شـ ـ ـ ـ ــيئاً ألهل ال ِ ـ ـ ـ ـ ـع ‪ ،‬حب ة أنَّت ح يبيع‪َّ ،‬‬
‫وإجا يهدأ‪َّ ،‬‬ ‫ش‬
‫مسم و عت قريش هذا البند(‪.)1‬‬ ‫أأ َّ‬ ‫الطَّعام إليهم حتت ِ‬
‫أأ خيا ٍر آخر و تسليم‬ ‫يسد الطَّريق أمام ِ‬ ‫‪ - 5‬والبند التَّاس «وح تقبلوا منهم هللاللاً»‪ُّ ،‬‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فال جمال ألنصا احللول عندهـ ـ ـ ــم‪َّ ،‬أما البنـ ـ ـ ــد الذأ يقضي «أبح‬ ‫َّ‬
‫الرحة وجود‬
‫حض عل العواطف كي ح يكون للرأفة‪ ،‬و َّ‬ ‫أتخذهم هبم رأفة»‪ ،‬فهو بند يضــع قيوداً َّ‬
‫فك احلصـ ـ ـ ـ ــار الَّذأ ِ‬
‫يؤدأ‬ ‫الرأفة قد تقودان إىل ِ‬ ‫الرحة و َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـليفة داه اَّؤمن‬
‫ب أهل ال َّ‬
‫الرأفة بو عها‬
‫بـ ـ ـ ــدوره إىل ف ـ ـ ـ ــل جهود قريش‪ ،‬وهو ما ح هتواه‪ ،‬لذا عملت عل إبطال مفعول َّ‬
‫الصليفة‪.‬‬
‫يذا البند يف َّ‬
‫مهم ٍة رمبُّا جاء من قِبشلِها خطر‬
‫‪ - 6‬ويف «عدم جمالستهم‪ ،‬وملالطتهم‪ ،‬وكالمهم»‪ُّ ،‬د ث رةٍ َّ‬
‫يؤدأ إىل النِقاش‪،‬‬ ‫ألن ااالس ـ ـ ــة‪ ،‬واَّهالطة‪ ،‬والكالم مع اَّس ـ ـ ــلم ‪ِ ،‬‬
‫عل اَّقاطعة واحلص ـ ـ ــار َّ‬
‫الصليفة طأ ما هم عليت َّ‬
‫ألن‬ ‫وتبادل احراء‪ ،‬ووجهات النَّظر‪ ،‬فقد يقنِع اَّسلمون بعض أهل َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـت‬
‫يتم ذلك ن َّ‬ ‫احلق واألدلَّة ما ميكن أن يقنعوا هبا ـ ـ ـ ـ ـواهم‪َّ ،‬‬
‫وحض ح َّ‬ ‫اَّس ـ ـ ـ ــلم ميلكون من ِ‬
‫الصليفة عل عدم ااالسة‪ ،‬واَّهالطة والكالم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ألن دخويم البيوت ِرك‬ ‫‪ - 7‬قويم «ح يــدخلوا بيوهتم»‪ ،‬بنــد ح خيتلف ع َّمـا ـ ـ ـ ـ ـ ــبقــت َّ‬
‫اجلوان النس ــانيَّة يف النَّفس‪ ،‬فالنس ــان عندما ير بيتاً خيلو من ِ‬
‫أقل مقومات احلياة‪ ،‬وأهللا ــاب‬
‫ـك َّ‬
‫أن‬ ‫يش حش ـ ـ ـ َّ‬‫أهلت اجلوي‪ ،‬والعرأ‪ ،‬واَّرض‪ ،‬ليس لذن ٍ ـ ـ ــو َّأ‪،‬م اختاروا ديناً ري دين قر ٍ‬
‫ـتتلرك عندهم‪ ،‬و ــيلاولون رفع هذا الظُّلم‪ ،‬وتلك اَّعاانة‪َّ ،‬‬
‫وحض ح تقع قيادة قريش‬ ‫العاطفة ـ َّ‬
‫نصت عل عدم دخول البيوت‪.‬‬ ‫يف مثل هذا اَّوقف َّ‬
‫ص ـ ـليفة يف الكعبة يعطيها قد ـ ـيَّةً‪ ،‬وجيعل بنودها أتخذ طابع القدا ـ ــة الَّيت‬ ‫‪ - 8‬وتعليق ال َّ‬
‫جي التَّقيُّد‪ ،‬واحلتايام هبا‪ ،‬فالعرب قاطبةً ِ‬
‫تقدس الكعبة‪ ،‬وتض ـ ـ ـ ـ ـ ــع يا مكاانً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامياً من احلرمة‬
‫الصليفة داخل الكعبة(‪.)2‬‬ ‫عمدت قريش إىل تعليق َّ‬ ‫والقد يَّة‪ ،‬لذا ش‬
‫إن م ــركي ب هاشـ ـ ٍم‪ ،‬وب اَّطل تض ــامنوا مع ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬
‫‪َّ - 9‬‬

‫(‪ )1‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّـة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة ـ جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.97 ، 96‬‬
‫‪299‬‬
‫وحوه كأث ٍر من أعرا اجلاهليَّة‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬ومن ريه‪ ،‬أنخذ أنَّت يسـ ـ ــع اَّسـ ـ ــلم أن يس ـ ــتفيد من‬
‫ٍ‬
‫هللاليلة من أهلها(‪.)1‬‬ ‫قوان الكفر فيما خيدم الدَّعوة‪ ،‬عل أن يكون ذلك مبنِياً عل فتو‬
‫الدينيَّة يف كثري من البلدان‬‫احلريَّة ِ‬ ‫إن حقوق النس ــان يف عصـ ـران ــمان للمس ــلم‪ ،‬و ِ‬ ‫‪َّ - 10‬‬
‫يس ـ ـ ـ ـ ــتفاد منها‪ ،‬وقوان كثرية من أقطار العا تعطي للمس ـ ـ ـ ـ ــلم فرهللا ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وعل اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم أن‬
‫انت ٍ‬
‫دقيقة(‪.)2‬‬ ‫يستفيدوا من ذلك‪ ،‬و ريه من خالل مواز ٍ‬

‫أن حاية أقارب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم لت تكن حايةً‬ ‫اَّهم أن تعلم َّ‬ ‫‪ - 11‬من ِ‬
‫وإجا كانت ل ـهصـت من ال ري ‪ ،‬وإذا أمكن أن تسـت َّل هذه احلماية من‬ ‫للر ـالة الَّيت بعِث هبا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫قِب ِل اَّسـ ـ ـ ــلم كو ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيلة من و ـ ـ ـ ــائل اجلهاد والت لُّ عل الكافرين‪ ،‬و ِ‬
‫الرد َّكائدهم وعدوا‪،‬م‬ ‫ش‬
‫جهد م كوٍر‪ ،‬و ٍ‬
‫بيل ينتبهون إليها!(‪.)3‬‬ ‫فأنعم بذلك من ٍ‬
‫‪ - 12‬يستطع أبو طال أن يقاوم هذا التَّلالف البا ي إح ابحلرب السيا ية من ٍ‬
‫جهة‪،‬‬
‫وحماولة تفتيت هذا التَّلالف‪ ،‬فعمل قصيدتت الالَّمية اَّ هورة ويف بدايتها قال‬
‫وقش ْد قشطشعوا ك َّل العشرا والْ شو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائِ ِل‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأشيْت ال شق ْوشم ح وَّد ِعْن شده ْم‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬ ‫وقشـ ـ ْد ح ـ ـالشفوا قشـوم ـ ـاً علشيـنشـ ـا أ ِ‬
‫ضـو شن شْيظاً شخ ْل شفنشا ابأل ششانمل‬ ‫يشـ شع ُّ‬ ‫شظنَّـ ـةً‬ ‫ْ شْ‬ ‫ش‬
‫حترك كامن العصــبية عند‬ ‫مكة‪ ،‬وا ــتطاعت أن ِ‬ ‫وكان يذه القصــيدة أثر خطري زلايل أو ــاي َّ‬
‫الصليفة(‪.)5‬‬ ‫أقارب ب هاش ٍم‪ ،‬حيث ائتمروا راً‪ ،‬ودعوا إىل نقض َّ‬
‫هايت كيانت هاياً‪،‬‬ ‫ض ـهمة‪ ،‬الَّيت َّ‬ ‫‪ - 13‬انتصــر أبو طال يف ايو ااتمع القرشـ ِـي بقصــائده ال َّ‬
‫ابة‪ ،‬أو رح ٍم لب‬ ‫صـليفة من ذكران ِمن قبل‪ ،‬أولئك اخلمســة الَّذين ميتُّون بصــلة قر ٍ‬ ‫وحترك لنقض ال َّ‬
‫َّ‬
‫ْ‬ ‫شْ‬
‫هاشم‪ ،‬وب اَّطَّل ‪ ،‬وا تطاعوا أن يرفعوا هذه الظُّالمة وهذا احليف‪ ،‬عن اَّسلم ‪ ،‬وأنصارهم‪،‬‬
‫أن كثرياً من النُّفوس ‪ -‬والَّيت‬ ‫وحلفائهم‪ ،‬وخطَّطوا لت‪ ،‬وُلوا فيت‪ ،‬ويف هذا اَّوقف إشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة إىل َّ‬
‫ـاهلي ‪ -‬قــد َتلــك يف أعمــاقهــا رفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً يــذا الظُّلم‪،‬‬ ‫تبــدو يف ظــاهر األمر من أعمــدة احلكم اجلـ ِ‬
‫يهتموا هبذه ال َّ رائ ‪ ،‬وينفذوا‬ ‫والب ي‪ ،‬وتست ُّل الفرهللاة اَّنا بة لزاحتت‪ ،‬وعل أبناء اَّسلم أن ُّ‬

‫السنَّة وفقهها ‪ِ ،‬‬


‫السرية النَّبوية ‪ ،‬لسعيد حو (‪.)264/1‬‬ ‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)245/1‬‬
‫السيا ُّي ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪ 35‬إىل ‪.37‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّلالف ِ‬
‫‪300‬‬
‫إىل أعماقها‪ ،‬وتو ِ ـ ـ ش يم حقيقة القرآن الكر ‪ ،‬وال ُّس ـ ـنَّة النَّبويَّة ال َّ ـ ـريفة‪ ،‬وتبِ يا طبيعة العداء‬
‫(‪)1‬‬
‫ب ال الم‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنَّصار ‪ ،‬والعلمانيَّة‪ ،‬فقد يستفاد منهم يف خدمة ال الم‬
‫ـالمي‪ ،‬فقد‬
‫تتكرر يف التَّاري ال ـ ـ ِ‬
‫أل‪،‬ا َّ‬ ‫ـتلق ِ‬
‫الدرا ـ ــة والعناية َّ‬ ‫‪ - 14‬ظاهرة أيب ي ٍ تس ـ ـ ُّ‬
‫جيد الدُّعاة من أقرب حلفائهم شم ْن يقل يم ظهر اَِّ ش ِن‪ ،‬ويبال يف إيذاء الدُّعاة وحرهبم أكثر‬
‫بكثري من خصومهم األلدَّاء األشدَّاء(‪.)2‬‬
‫العدو‪،‬‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ألفراد اَّس ــلم أح يواجهوا َّ‬ ‫‪ - 15‬كانت تعليمات َّ‬
‫بية يف هذه‬‫وإن أعظم تر ٍ‬
‫وأن يضـ ـ ـ ــبطوا أعصـ ـ ـ ــاهبم‪ ،‬فال ي ْ ـ ـ ـ ـعِلوا فتيل اَّعركة‪ ،‬أو يكونوا وقودها َّ‬
‫ٍ‬
‫مقاومة حاية‪ ،‬وعمر‪ ،‬وأبو بك ٍر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬ ‫اَّرحلة هي هللارب أبطال األرض عل هذا األذ دون‬
‫كل هذا األذ ‪ ،‬وهذا احلقد‪ ،‬وهذا الظُّلم‪،‬‬‫و ريهم ‪ -‬ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهم ‪ -‬مسعوا وأطاعوا‪ ،‬فلقوا َّ‬
‫فكفوا أيديهم‪ ،‬وهللا ـ ــربوا ليس عل حادث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة واحدةٍ فقا‪ ،‬أو ٍ‬
‫يوم و ٍ‬
‫احد فقا‪ ،‬بل ثالث ـ ــن‬
‫ع ا ٍ ‪ ،‬حت ق أعصاهبم‪ ،‬وح يسم يم برمية ه ٍم أو ش َّ ة ر ٍ‬
‫أس(‪.)3‬‬
‫َّصرفات‬ ‫الص ِ‬
‫ف اَّؤمن يف التايامت أبوامر قائده‪ ،‬وبـ ْعده عن الت ُّ‬ ‫‪ - 16‬أثبتت األحداث عظمة َّ‬
‫جهل‪ ،‬وإش ــعال معركة ري مدرو ـ ٍـة ‪ -‬ح يعلم‬ ‫ـهل من ا تيال أيب ٍ‬ ‫َّ‬
‫الطائ ــة فلم يكن ش ــيء أ ـ ش‬
‫ٍ‬
‫متكافئة‪.‬‬ ‫إح هللا مداها ‪ -‬و ري‬
‫‪ - 17‬كانت الدَّعوة ال ـ ـ ـ ــالميَّة ِ‬
‫حتقق انتص ـ ـ ـ ــار ٍ‬
‫ات رائعةً يف احلب ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ويف ُران‪ ،‬ويف أ ْزد‬
‫خا وا ـ ٍ ‪ ،‬ــيكون ــنداً لإل ــالم واَّســلم ‪،‬‬ ‫تتم يف ٍ‬
‫شــنوءة‪ ،‬ويف شدوس‪ ،‬ويف ِفار‪ ،‬وكانت ُّ‬
‫تتلرك يف اللَّلظ ــة احل ــامس ــة‪ ،‬وامت ــدادات لل ــدَّعوة‪ ،‬تت ــاوز ح ــدود م َّك ـة‬
‫ومراكاي قو ميكن أن َّ‬
‫الص ْلدة اَّستعصية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الرائد زاداً عظيماً يف البناء‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬حيث‬
‫‪ - 18‬كانت هذه ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنوات الثالث لل يل َّ‬
‫ضـ ا‬
‫صـرب عل احبتالء‪ ،‬و ـبا األعصـاب‪ ،‬وال َّ‬ ‫حتمل احم اجلوي‪ ،‬واخلو ‪ ،‬وال َّ‬ ‫ـاهم بعضـت يف ُّ‬
‫عل النُّفوس‪ ،‬والقلوب‪ ،‬وجلم العواطف عن احنف ار‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)371/1‬‬
‫‪301‬‬
‫صـ ِ‬
‫ف اَّ ــرك تبىن يف داخلها ابل َّ بية النَّبويَّة‪ ،‬وتتأثر‬ ‫‪ - 19‬كانت بعض ال َّ ـهصــيات يف ال َّ‬
‫يقدمها ِ‬
‫الدين‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وتتفاعل يف أعماقها مع اَّبادئ الَّيت ِ‬ ‫بعظمة شهصية الن ِ‬
‫اجلديد‪ ،‬لكن ـ ـ ـ ــيطرة اَّ ‪ ،‬و ـ ـ ـ ــطوة الكرباء كانت حتول دون إبراز هذا التَّفاعل‪ ،‬وهذا احل ِ ‪،‬‬
‫بيان عن ذلك(‪.)1‬‬‫تقدم لنا أجل ٍ‬ ‫الصليفة ِ‬
‫قصة َّ‬ ‫وهذه ال َّ بية‪ ،‬وختام َّ‬
‫‪ - 20‬قيام احل ت الدَّام ة‪ ،‬والرباه ال َّس ـ ـ ـ ـاطعة‪ ،‬واَّع ايات اخلارقة ح يؤثِر يف أهللا ـ ـ ـ ــلاب‬
‫أل‪،‬م يل ون عقويم‪ ،‬وي لقون قلوهبم‪ ،‬وعقويم عن التــدبُّر‪،‬‬ ‫ايو ‪ ،‬وعبــدة اَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاأ واَّنــافع َّ‬
‫احلق بعد‬‫التأمل واحهتداء إىل ِ‬ ‫ويص ـ ـ ـ ـ ُّـمون اذا‪،‬م عن مساي ِ‬
‫احلق‪ ،‬وي مض ـ ـ ـ ــون أعينهم عن النَّظر و ُّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مبا حدث‬ ‫قيام األدلَّة عليت‪ ،‬فلقد أخربهم أبو طال مبا أخرب بت َّ‬
‫أبم أعينهم‪ ،‬فما‬ ‫هم» ورأوا ذلك ِ‬ ‫األر ش ـة يا‪ ،‬وبقاء ا ــم هللا فقا «ابمسك اللَّ َّ‬ ‫صـليفة من أكل ش‬ ‫لل َّ‬
‫ويصم احذان عن مساعت(‪.)2‬‬‫احلق‪ُّ ،‬‬ ‫امن منهم أحد‪ ،‬إنَّت ايو الذأ ي ي عن ِ‬
‫‪ - 21‬كانت حادثة اَّقاطعة احقتص ـ ــادية واحجتماعية ـ ــبباً يف خدمة الدَّعوة و ِ‬
‫الدعاية يا‬
‫احلت‪ ،‬ولفت أنظار‬
‫كل القبائل العر َّبية من خالل مو ـ ـ ـ ـ ـ ــم ِ‬ ‫ب قبائل العرب‪ ،‬فقد ذاي اخلرب يف ِ‬
‫يع اجلاييرة العربية إىل هذه الدَّعوة‪ ،‬الَّيت َّ‬
‫يتلمل هللاـ ـ ـ ــاحبها وأهللاـ ـ ـ ــلابت اجلوي‪ ،‬والعطش‪ ،‬والعايلة‬
‫حتمل هللااح ِ‬
‫الر الة‬ ‫أن هذه الدَّعوة حق‪ ،‬ولوح ذلك َّا َّ‬ ‫لكل هذا الوقت‪ ،‬وآاثر يف نفو هم َّ‬ ‫ِ‬
‫كل هذا األذ والعذاب‪.‬‬
‫وأهللالابت َّ‬
‫مكة لقس ـ ـ ــوهتم عل ب هاشـ ـ ـ ـ ٍم وب‬ ‫‪ - 22‬آاثر هذا احلص ـ ـ ــار ـ ـ ــها العرب عل كفار َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم وأهللا ــلابت‪ ،‬فما إن انفك احلص ــار‪،‬‬ ‫اَّطل ‪ ،‬كما آاثر عطفهم عل الن ِ‬
‫كل بالد العرب‪،‬‬ ‫وتردد هللا ـ ــداها يف ِ‬
‫وحض ذاي أمر هذه الدَّعوة‪َّ ،‬‬ ‫حض أقبل النَّاس عل ال ـ ــالم‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ـادأ عل أهللاـ ـ ــلابت‪ ،‬وكان عامالً قوَيً من عوامل انت ـ ـ ـار‬‫تد ـ ــال احلصـ ـ ــار احقتص ـ ـ ِ‬
‫وهكذا ار َّ‬
‫الدَّعوة ال الميَّة‪ ،‬عكس ما أراد زعماء ال ِ رك َتاماً(‪.)3‬‬
‫‪ - 23‬كان لوقو ب هاشم‪ ،‬وب اَّطَّل مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ُّ ،‬‬
‫وحتملهم‬
‫المي حيث َّ‬
‫إن هم ذوأ القرىب من‬ ‫ِ‬ ‫احجتماعي‪ ،‬أثر يف الفقت ال‬
‫َّ‬ ‫احقتصادأ‪ ،‬و‬
‫َّ‬ ‫معت احلصار‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)385 ، 384/1‬‬


‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫(‪ )3‬انظر احلرب النفسيَّة َّد ال الم ‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب كليل ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪302‬‬
‫اخلمس يعط لب هاشــم‪ ،‬وب اَّطَّل ‪ ،‬ويو ـ ابن كثري هذا احلكم لد تفســريه قولت تعاىل‬
‫ول شولِ ِذأ الْق ْرشىب شوالْيشـتش شام شوالْ شم شس ـ ـاكِ ِ شوابْ ِن‬
‫شن ََِّّللِ طس ـ ـت ولِ َّلر ـ ـ ِ‬
‫ش ش‬ ‫﴿و ْاعلشموا أَّشجشا شنِ ْمت ْم ِم ْن شش ـ ـ ْي ٍء فشأ َّ‬ ‫ش‬
‫اجلمع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شعلش ك ِل‬
‫ان شو َّ‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل إِ ْن كْنـت ْم شآمْنـت ْم ِاب ََّّلل شوشما أشنْـشايلْنشا شعلش شعْبد شان يشـ ْوشم الْف ْرقشان يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫دير ﴾ [األنفال‪.]41 :‬‬ ‫شي ٍء قش ِ‬
‫شْ‬
‫فيقول «و َّأما هم ذوأ القرىب‪ ،‬فَنَّت يصر إىل ب هاش ٍم‪ ،‬وب اَّطَّل ألن ب اَّطَّل‬
‫وازروا ب هاشم يف اجلاهليَّة ويف َّأول ال الم‪ ،‬ودخلوا معهم ال ِ ْع ضباً لر ول هللا هللال هللا‬
‫عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وحايةً يم‪ ،‬مس ـ ـ ــلمهم طاعةً هلل ور ـ ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وكافرهم حيَّة‬
‫عم ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم و َّأما بنو عبد طس‪،‬‬ ‫للع ــرية‪ ،‬وأنفةً‪ ،‬وطاعةً أليب طال ِ‬
‫عمهم فلم يوافقوهم عل ذلك بل حاربوهم‪ ،‬وانبذوهم ومالؤوا بطون‬ ‫وبنو نوفل‪ ،‬وإن كانوا ب ِ‬
‫ذم أيب طال ٍ يم يف قصيدتت الالَّمية‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم ويذا كان ُّ‬ ‫قريش عل حرب َّ‬
‫اهلية‪ ،‬وح‬ ‫أشـ َّـد من ريهم ل ــدَّة قرهبم‪ ...‬ويف بعض روآَيت هذا احلديث َّإ‪،‬م يفارقوان يف ج ٍ‬
‫ـالم [أبو داود (‪ )2980‬والنســائي (‪ )130/7‬وأمحد (‪ ،])81/4‬وهذا قول هور العلماء َّأ‪،‬م بنو هاشــم‪ ،‬وبنو‬ ‫إ ـ ٍ‬
‫اَّطل »(‪.)1‬‬
‫‪ - 24‬لـ ـ ـ َّـما أذن هللا بنصر دينت‪ ،‬وإعاياز ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وفت َّ‬
‫مكة‪ ،‬مثَّ ح َّ ة‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يؤثر أن ينايل يف شخْيف ب كنانة َّ‬
‫ليتذكر ما كانوا فيت‬ ‫الوداي كان الن ُّ‬
‫مكة ‪ -‬اليت‬ ‫ضـيق‪ ،‬واح ـطهاد‪ ،‬في ـكر هللا عل ما أنعم عليت من الفت العظيم‪ ،‬ودخويم َّ‬ ‫من ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـابرين(‪ ،)2‬فعن‬ ‫أخرجوا منها ‪ -‬وليؤكِد قضـ ـ ــية انتصـ ـ ــار ِ‬
‫احلق‪ ،‬وا ـ ـ ــتعالئت‪ ،‬وَتك هللا ألهلت ال َّ‬
‫أ امة بن زيد ر ي هللا عنت قال قلت َي ر ول هللا! أين تنايل داً؟ ‪ -‬يف ح َّ تت ‪ -‬قال وهل‬
‫ص ـ ـ ِ ‪ ،‬حيث قامست قريش‬ ‫ترك لنا شع ِقيل منايحً؟ مثَّ قال حنن انزلون داً ِ شْيف ب كنانة‪ ،‬الْم شل َّ‬
‫أن ب كنانة حالفت قري اً عل ب هاشم أحَّ يبايعوهم‪ ،‬وح يؤووهم‪ .‬قال‬ ‫عل الكفر‪ ،‬وذلك َّ‬
‫هرأ واخلشْيف الوادأ‪[ .‬البخاري (‪ )3058‬ومسـ ـ ـ ـ ــلم‪ ،‬طرفه األول (‪ )1351‬وأمحد (‪ )202/5‬وأبو داود (‪ )2010‬وابن ماجه‬
‫الاي ُّ‬
‫ُّ‬
‫(‪.] )2942‬‬

‫أأ ٍ‬
‫وقت يسع لتطبيق شري هللا أن يضع يف حسبانت احتماحت‬ ‫‪ - 25‬عل كل شش ْع ٍ يف ِ‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)312/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر ال رابء األولون ‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪303‬‬
‫احلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬واَّقاطعة من أهل الباطل‪ ،‬فالكفر ملَّة واحدة فعل قادة َّ‬
‫األمة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة هتيئة‬
‫أنفســهم‪ ،‬وأتباعهم َّثل هذه الظُّرو ‪ ،‬وعليهم و ــع احللول اَّنا ــبة يا إذا حصــلت‪ ،‬وأن ِ‬
‫تفكر‬
‫نوي من أنواي‬‫أأ ٍ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـمود يف وجت ِ‬
‫األمة من ال ُّ‬ ‫مبقاومة احلص ـ ـ ـ ــار ابلبدائل اَّنا ـ ـ ـ ــبة كي َّ‬
‫تتمكن َّ‬
‫احلصار(‪.)1‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪304‬‬
‫الرابع‬
‫الفصل َّ‬
‫هجرة احلبشة‪ ،‬وحمنة الطَّائف‪ ،‬ومنحة اإلسراء‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم مع سنَّة األخذ ابألسباب‬
‫تعامل الن ِّ‬

‫الرابنيَّة الَّيت تعامل معها الن ُّ‬


‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ـ ـ ـنَّة األخذ ابأل ـ ــباب‪،‬‬ ‫من ال ُّسـ ـ ـنن َّ‬
‫هللا ـل بت إىل ريه‪ .‬و ـنَّة األخذ ابأل ــباب مقَّررة يف‬ ‫واأل ــباب ع ــب ‪ ،‬وهو كل ش ـ ٍ‬
‫ـيء يتو َّ‬ ‫ُّ‬
‫ـلة‪ ،‬فلقد خلق هللا هذا الكون بقدرتت‪ ،‬وأودي فيت من القوان ‪،‬‬ ‫كون هللا تعاىل بص ـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫وال ُّسـ ـنن ما يض ــمن ا ــتقراره‪ ،‬وا ــتمراره‪ ،‬وجعل اَّس ــببات مرتبطةً ابأل ــباب بعد إرادتت تعاىل‬
‫الايري ابَّاء‪ ...‬و ري‬
‫ف عل عرشـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ــبلانت حمموحً ابَّالئكة‪ ،‬وأر ـ ـ ـ ـ األرض ابجلبال‪ ،‬وأنبت َّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حمتاجة‬ ‫كل هذه األش ـ ــياء و ريها ‪ -‬بقدرتت اَّطلقة ‪ -‬ري‬ ‫رب العاَّ جلعل َّ‬ ‫ولو ش ـ ــاء هللا ُّ‬
‫يوجت خلقت إىل رورة‬ ‫إىل ب ‪ ،‬ولكن هكذا اقتضت م يئة هللا تعاىل‪ ،‬وحكمتت الَّيت يريد أن ِ‬
‫السنَّة ليستقيم ري احلياة عل النَّلو الَّذأ يريده بلانت‪ ،‬وإذا كانت نَّة األخذ‬ ‫مراعاة هذه ُّ‬
‫مقررة يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬ولقد‬ ‫فَ‪،‬ا كذلك َّ‬ ‫ابأل ــباب مربزةً يف كون هللا تعاىل بصــورةٍ وا ــلة‪َّ ،‬‬
‫وجت هللا عباده اَّؤمن إىل وجوب مراعاة هذه ال ُّس ـ ـنَّة يف كل ش ـ ــؤو‪،‬م‪ ،‬الدُّنيويَّة‪ ،‬وا خرويَّة عل‬ ‫َّ‬
‫اَّلل شعملشك ْم وشر ـ ـ ـ ـولت والْم ْؤِمنو شن و ش ـ ـ ـ ـ شُّدو شن إِ شىل شعاِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫﴿وق ِل ْاع شملوا فش شسـ ـ ـ ـ ششري َّ ش ش‬‫ال َّسـ ـ ـ ـواء‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫الْ شْي ِ شوال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شه شادةِ فشـيـنشـبِئك ْم ِمبشا كْنـت ْم تشـ ْع شملو شن ﴾ [التوبة‪ ،]105 :‬وقال تعاىل ﴿ه شو الَّ ِذأ شج شع شل لشكم‬
‫ام وا ِيف منشاكِبِها وكلوا ِمن ِرْزقِ ِت وإِلشْي ِت النُّ ور ﴾ [امللك‪. ]15 :‬‬
‫ض شذلوحً فش ْ‬ ‫األ ْشر ش‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش ش‬
‫أن هللا تعاىل طل من ال َّس ـ ـيدة مر ‪ ،‬أن تباشـ ــر األ ـ ــباب وهي‬ ‫ولقد أخربان القرآن الكر َّ‬
‫ك ِِق ْذ ِي النش ْهلش ِة تس ـ ـاقِ ْا شعلشي ِ‬
‫ك رطشبًا شجنِيًّا ﴾‬ ‫يف أش ـ ـ ِـد حاحت ـ ــعفها‪ .‬قال تعاىل ﴿وه ِايأ إِلشي ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫[مرمي‪. ]25 :‬‬

‫ــرورة مباشــرة األ ــباب يف ِ‬


‫كل األمور‪ ،‬واألحوال‪ .‬ور ــول هللا‬ ‫وهكذا يؤكِد هللا تعاىل عل‬

‫‪305‬‬
‫الرابنيَّة ‪ ،‬فكان ‪ -‬وهو يؤ ِ ـس لبناء َّ‬
‫الدولة‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم كان أوع النَّاس هبذه ال ُّس ـنَّة َّ‬
‫بكل ما يف و ــعت من أ ــباب‪ ،‬وح ي ك شــيئاً يســري جايافاً‪ ،‬ولقد َّســنا ذلك‬ ‫ال ــالمية ‪ -‬رخذ ِ‬
‫فيما مض ‪ ،‬و نلمس ذلك فيما بقي نذن هللا تعاىل‪.‬‬
‫الرَّابنيَّة‪ ،‬يف أمورهم‬
‫يوجت أهللا ــلابت دائماً إىل مراعاة هذه ال ُّس ـنَّة َّ‬ ‫وكان هللا ــل هللا عليت و ــلم ِ‬
‫الاياهر َّ‬
‫أن‬ ‫األمة ال ــالميَّة‪ ،‬يف هللا ــدرها َّ‬‫حس َّ‬ ‫الدُّنيويَّة‪ ،‬وا خرويَّة عل ال َّس ـ ـواء(‪ .)1‬وقد كان يف ِ‬
‫إميا‪،‬ا بقدرة هللا تعاىل اَّطلقة‪ ،‬وقضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائت‪ ،‬وقدره ح يتعارض مع ِاهاذ األ ـ ـ ـ ـ ـ ــباب‪ ،‬فلقد كانوا‬
‫قابلة للتَّ يري‪ ،‬ومع َّ‬
‫أن هلل تعاىل‬ ‫أن هلل تعاىل ــنناً يف هذا الكون‪ ،‬ويف حياة الب ــر‪ ،‬ري ٍ‬ ‫يدركون َّ‬
‫أن هللا تعاىل ‪ -‬جلَّت قدرتت ‪ -‬قد‬ ‫ـيء‪ ،‬وح يع ايها شــيء إح َّ‬ ‫ــنناً خارقةً َتلك أن تصــنع كل شـ ٍ‬
‫َّ‬
‫قض أبن تكون نَّتت اجلارية اثبتةً يف احلياة الدُّنيا‪ ،‬وأن تكون نَّتت اخلارقة ا تثناءً يا‪ ،‬وكلتالا‬
‫بد يم من جماراة ال ُّسـ ـ ـ ـنن اجلارية إذا ر بوا يف‬ ‫معلَّقة مب ـ ـ ــيئة هللا‪ ،‬لذلك كان يف ح ِسـ ـ ـ ـهم أنَّت ح َّ‬
‫الوهللا ــول إىل نتي ٍة معيَّنة يف واقع حياهتم أأ أنَّت ح بد من ِاهاذ األ ــباب ِ‬
‫اَّؤدية إىل النتائت‪،‬‬
‫السنن اجلارية(‪.)2‬‬
‫حبس تلك ُّ‬
‫الايعامة العاَّيَّة يكن ظلماً نايل هبم‪ ،‬بل كان العدل‬ ‫وإن هلُّف اَّسـ ـ ـ ـ ـ ــلم اليوم عن شرْك ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫هائل من األهواء‪،‬‬ ‫كام ٍ‬ ‫قوم نشس ـ ـ ـ ـ ـوا ر ـ ـ ـ ــالتهم‪ ،‬وحطُّوا من مكانتها‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــابوا معد‪،‬ا بر ٍ‬ ‫اليي مع ٍ‬
‫ُّ‬
‫أن التمك قد‬ ‫الرابنيَّة‪ ،‬وظنُّوا َّ‬ ‫واألوهام يف جمال العلم‪ ،‬والعمل عل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـواء‪ ،‬وأللوا ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـنشن َّ‬
‫س بِظشالٍَّم‬ ‫ي‬‫ش‬‫ل‬ ‫اَّلل‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫شن‬ ‫أ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫يك‬ ‫يكون ابألم ــاين‪ ،‬واألحالم‪ ،‬ولكن هيه ــات! ﴿ذشلِ ـك ِمب ـا قش ـ َّدم ـت أشي ـ ِ‬
‫د‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش ش ْ ْ‬
‫يد﴾ [آل عمران‪ ]182 :‬ورمبَّا ــائل يقول ولكن إذا كان هذا عقاب هللا للمؤمن الَّذين عص ــوه‪،‬‬ ‫لِْلعبِ ِ‬
‫ش‬
‫اكنون يف األرض ‪ -‬من‬ ‫ـَ‪،‬م َّ‬ ‫ابَّرة‪ ،‬ومع ذلــك فـ َّ‬ ‫فمــا ابل الكــافرين الَّـذين جلــدوه ـ ـ ـ ـ ـ ــبلــانــت َّ‬
‫النَّاحية ِ‬
‫اَّاديَّة ‪ -‬اية التمك ؟!‬
‫أل‪،‬م أقرب إىل هللا‪ ،‬أو أر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لت‪ ،‬و يبل وا ما بل وا‬‫إن هؤحء الكفار‪ ،‬يبل وا ما بل وه َّ‬ ‫َّ‬
‫أل‪،‬م خلق آخر متميِاي‪ ،‬و يقيموا ال ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـناعات‪ ،‬أو جيوبوا البلار‪ ،‬أو‬ ‫بس ـ ـ ـ ـ ـ ــل ٍر‪ ،‬أو مبع ايةٍ‪ ،‬أو َّ‬
‫ألن فكرهم ـ ــليم‪َّ ،‬إ‪،‬م بل وا بذلك أل َّن السـ ــبيل‬ ‫ألن عقيدهتم حق‪ ،‬أو َّ‬ ‫خي قوا أجواء الفضـ ــاء َّ‬
‫إىل هــذا التَّقــدُّم درب مفتو جلميع خلق هللا‪ ،‬مؤمنهم‪ ،‬وكــافرهم‪ِ ،‬برهم‪ ،‬وفــاجرهم‪ .‬قــال تعــاىل‬

‫(‪ )1‬انظر التَّمك ل َّمة ال الميَّة ‪( ،‬ص ‪ 248‬ـ ‪.)250‬‬


‫َّمد قط ‪ ،‬ص ‪ ، 262‬وما بعدها بتصر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر مفاهيم ينب ي أن تصل ‪َّ ،‬‬
‫‪306‬‬
‫[هود‪]15 :‬‬ ‫الدنْـيشا شوِزينشـتشـ شها نـ شو ِ إِلشْي ِه ْم أ ْشع شما شي ْم فِ شيها شوه ْم فِ شيها حش يـْب شهس ـو شن ﴾‬ ‫﴿م ْن شكا شن ي ِريد ْ‬
‫احلشيشاةش ُّ‬ ‫ش‬
‫‪.‬‬

‫ـرأ‪ ،‬وابلطَّاقة‬ ‫إن هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬جعل التَّمك يف احلياة ميضـ ـ ـ ـ ــي ابجلهد الب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـادق‪،‬‬
‫قدم اجلهد ال َّ‬ ‫تتلول فمن ي ِ‬ ‫الب ـ ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬عل ـ ـ ـ ـ ـن ٍن رَّابنيَّ ٍة ٍ‬
‫اثبتة‪ ،‬وقوان ح تتبدَّل‪ ،‬وح َّ‬
‫وخيضع لسنن احلياة يصل عل قدر جهده‪ ،‬وبذلت‪ ،‬وعل قدر عيت‪ ،‬وعطائت‪.‬‬
‫َّإ‪،‬ا ال ُّس ـ ـ ـنَّة الَّيت أرادها هللا يف هذه احلياة‪َّ ،‬إ‪،‬ا م ـ ـ ــيئتت‪ ،‬و ـ ـ ـنَّتت‪ ،‬وإرادتت هللاـ ـ ــلي َّ‬
‫أن هذا‬
‫التَّقدُّم كلَّت ح يفت للكافرين أبواب اجلنَّة‪ ،‬وح ي عنهم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪ ،‬و َّ‬
‫لكن التَّقص ـ ـ ـ ـ ـ ــري من جان‬
‫اَّسلم إمث ا عليت(‪.)1‬‬
‫التَّوُّكل عل هللا واألخذ ابأل باب‬
‫التَّوُّكل عل هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ح مينع من األخذ ابأل ــباب‪ ،‬فاَّؤمن يتَّهذ األ ــباب من ابب‬
‫الميان ابهلل‪ ،‬وطاعتت فيما رمر بت من ِاهاذها‪ ،‬ولكنَّت ح جيعل األ ــباب هي الَّيت تن ــئ النَّتائت‪،‬‬
‫فيتوَّكل عليها‪.‬‬
‫إن الَّذأ ين ـ ـ ــئ النَّتائت ‪ -‬كما ين ـ ـ ـئ األ ـ ـ ــباب ‪ -‬هو قدر هللا‪ ،‬وح عالقة ب ال َّس ـ ـ ـب‬
‫َّ‬
‫السب عبادة ابلطاعة‪ ،‬وحتقُّق النتي ة قدر من هللا مستقل عن‬ ‫ِ‬
‫والنَّتي ة يف شعور اَّؤمن‪ ..‬اهاذ َّ‬
‫يتلرر شعور اَّؤمن من التعبُّد ل باب والتَّعلُّق هبا‪ ،‬ويف‬ ‫السب ‪ ،‬ح يقدر عليت إح هللا‪ ،‬وبذلك َّ‬ ‫َّ‬
‫الوقت ذاتت هو يستوفيها بقدر طاعتت لينال ثواب طاعة هللا يف ا تيفائها(‪.)2‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف أحاديث كثريةٍ ــرورة األخذ ابأل ــباب مع التَّوُّكل‬
‫ولقد َّقرر الن ُّ‬
‫السالم ‪ -‬عل عدم تعار هما‪.‬‬ ‫الصالة و َّ‬
‫عل هللا تعاىل‪ ،‬كما نـشبَّتش ‪ -‬عليت َّ‬
‫وهم‬
‫أن رجالً وقف بنــاقتــت عل ابب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‪َّ ،‬‬ ‫يروأ أنس بن مــالـ ٍ‬
‫ـك ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنــت َّ‬
‫ابلدُّخول‪ ،‬فقال َي ر ول هللا! أر ل راحليت‪ ،‬وأتوكل؟‪ ...‬وكأنت كان يفهم أن األخذ ابأل باب‬
‫أن مباش ـ ــرة األ ـ ــباب أمر‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم إىل َّ‬ ‫ينايف التَّوُّكل عل هللا تعاىل‪َّ ،‬‬
‫فوجهت الن ُّ‬
‫حبال من األحوال ‪ -‬التَّوُّكل عل هللا تعاىل‪ ،‬ما هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقت النِيَّة يف األخذ‬ ‫مطلوب‪ ،‬وح ينايف ‪ٍ -‬‬

‫بتصر ‪.‬‬
‫انظر لقاء اَّؤمن ‪ ، )124/2( ،‬وما بعدها ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬يف ظالل القران (‪.)1476/3‬‬


‫‪307‬‬
‫[احلاكم (‪ )623/3‬وجممع الزوائد (‪)291/10‬‬ ‫«بل قيِدها وتوَّكل»‬ ‫ابأل باب‪ ،‬فقال لت هللال هللا عليت و لم‬
‫وبلفظ‪( :‬اعقلوا وتوكل) رواه الرتمذي (‪.])2517‬‬

‫وهــذا احلــديــث من األحــاديــث الَّيت تبِ أنـَّت ح تعــارض ب التَّوُّكـل‪ ،‬واألخــذ ابأل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــاب‬
‫ب رط عدم احعتق ـ ـ ــاد يف األ باب‪ ،‬واحعتماد عليها‪ ،‬ونسي ـ ـ ــان التَّوُّكل عل هللا‪ .‬ورو عمر بن‬
‫اخلطاب ر ي هللا عنت عن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «لو أنكم توَّكلتم عل هللا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـق‬
‫ِ‬
‫كل ــت لرزقكم كما يرزق الطَّري‪ ،‬ت دو طاهللااً‪ ،‬وترو بِطاانً» [أمحد (‪ )52 ،30/1‬والرتمذي (‪ )2344‬وابن ماجه‬ ‫توُّ‬
‫(‪ )4164‬وأبو يعلى (‪ )247‬واحلاكم (‪.])318/4‬‬

‫ويف هذا احلديث ال َّ ريف حث عل التَّوُّكل‪ ،‬مع الشارة إىل ِ‬


‫ألية األخذ ابأل باب حيث‬
‫الروا للطَّري مع مان هللا تعاىل ِ‬
‫الرزق يا‪.‬‬ ‫دو‪ ،‬و َّ‬
‫أثبت ال َّ‬
‫وميكن تلخيص نظرة اإلسالم يف هذه القضيَّة‪ ،‬يف النيقاط التَّالية‪:‬‬
‫‪ِ -1‬‬
‫يقرر ال ـ ـ ــالم مبدأ األخذ ابأل ـ ـ ــباب‪ ،‬ذلك َّ‬
‫ألن تعطيل األخذ ابأل ـ ـ ــباب تعطيل‬
‫لل َّري‪ ،‬وَّصاأ الدُّنيا‪.‬‬

‫‪ - 2‬احعتماد علىاألخذ ابأل باب وحدها‪ ،‬مع ترك التوُّكل عل هللا‪ ،‬شرك‪.‬‬

‫أبن أمر األ باب كلِها بيد هللا‪.‬‬


‫‪ - 3‬يربا ال الم اهاذ األ باب ابلتَّوحيد‪ ،‬مع احعتقاد َّ‬

‫‪ - 4‬اَّطلوب من اَّسلم إذاً‪ ،‬هو ِاهاذ األ باب مع التوُّكل عل هللا تعاىل(‪.)1‬‬

‫بد ل َّمة ال الميَّة‪ ،‬أن تدرك َّ‬


‫أن األخذ ابأل باب للوهللاول إىل التَّمك أمر ح حميص‬ ‫وح َّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّتت الَّيت ح تتهلَّف‪ ،‬ومن رحة هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬أنَّت‬ ‫عنت‪ ،‬وذلك بتقرير هللا تعاىل حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫يطل من اَّسـ ـ ـ ــلم فوق ما يسـ ـ ـ ــتطيعونت من األ ـ ـ ـ ــباب‪ ،‬و يطل منهم أن يعِ ُّدوا العدَّة اليت‬
‫شع ُّدوا شي ْم شما ا ْ ـ ـتشطش ْعت ْم ِم ْن قـ َّوةٍ شوِم ْن ِرشاب ِط ْ‬
‫اخلشْي ِل‬ ‫تكافئ دهياي اخلص ـ ــم‪ ،‬ولكنَّت ـ ــبلانت قال ﴿وأ ِ‬
‫ش‬
‫اَّلل يشـ ْعلشمه ْم شوشما تـْن ِفقوا ِم ْن شش ـ ـ ْي ٍء ِيف‬
‫و‪،‬م َّ‬ ‫ين ِم ْن دو‪ْ ِِ،‬م حش تشـ ْعلشم ش‬ ‫تـرِهبو شن بِِت عد َّو َِّ‬
‫اَّلل شو شعد َّوك ْم شوآخر ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫ن ﴾ [االنفال‪. ]60 :‬‬ ‫اَّللِ يـ شو َّ إِلشْيك ْم شوأشنْـت ْم حش تظْلشمو ش‬
‫ش بِ ِيل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر التمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.254‬‬


‫‪308‬‬
‫فكأنت تعاىل يقول يم افعلوا أقصـ ما تســتطيعون‪ ،‬اح ــدوا أقصـ إمكاانتكم ولو كانت‬
‫دون إمكاانت اخلصوم‪ ،‬فاح تطاعة هي ُّ‬
‫احلد األقص اَّطلوب‪ ،‬وما ياييد عل ذلك يتكفَّل هللا‬
‫تعاىل بت‪ ،‬بقدرتت الَّيت ح حدود يا وذلك َّ‬
‫ألن فعل أقص ـ اَّســتطاي هو برهان الخالص‪ ،‬وهو‬
‫ال َّرط اَّطلوب لينايل عون هللا‪ ،‬ونصره(‪.)1‬‬

‫ـالمية‪ ،‬أبن يت اوزوا مرحلة الوهن‪ ،‬وال ثاء‪ ،‬إىل‬ ‫األمة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫موجت جلماهري َّ‬ ‫إن ِ‬
‫النداء اليوم َّ‬ ‫َّ‬
‫بكل األ ـ ـ ـ ـ ــباب الَّيت‬
‫يودعوا األحالم‪ ،‬واألمنيات‪ ،‬وينهض ـ ـ ـ ـ ـوا ل خذ ِ‬ ‫القوة‪ ،‬والبناء‪ ،‬وأن ِ‬
‫مرحلة َّ‬
‫تعينهم عل إقامة دولة ال الم‪ ،‬وهللاناعة حضارة النسان اَّوهللاول ِ‬
‫برب العاَّ ‪.‬‬

‫األمة أن تراعي نن هللا اَّبثوثة يف كونت‪ ،‬والظَّاهرة يف قرآنت الكر وذلك لتسري عل‬
‫وعل َّ‬
‫طريق النُّهوض بنوٍر من هللا تعاىل‪.‬‬
‫يفرط يف ٍ‬
‫أأ‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم أخذ بســنن هللا تعاىل منذ البعثة ح َّض وفاتت‪ ،‬و ِ‬ ‫َّ‬
‫إن الن َّ‬
‫َّدرً يف بناء‬
‫منها‪ ،‬فتعامل مع ـ ـ ـ ـ ـنَّة هللا يف ت يري النُّفوس‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـنَّة التَّدافع مع الباطل‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـنَّة الت ُّ‬
‫اجلماعة‪ ،‬مثَّ الدولة‪ ،‬و ـ ـ ـنَّة احبتالء‪ ،‬وا ـ ـ ــتفرغ (ﷺ) جهده يف األخذ ابأل ـ ـ ــباب الَّيت توهللا ـ ـ ــل‬
‫للتَّمك ‪ ،‬فكانت ه رات احلب ــة‪ ،‬وذهابت للطَّائف‪ ،‬وعر ــت للدَّعوة عل القبائل‪ ،‬مثَّ ه رتت إىل‬
‫اَّدينة‪ ،‬فأقام َّ‬
‫الدولة‪ ،‬وحافم عليها‪ ،‬و ـ ــار أهللا ـ ــلابت من بعده عل ‪ ،‬ت‪ ،‬وتعاملوا مع ال ُّسـ ـ ـنن‬
‫حض يومنا هذا‪.‬‬ ‫بوع ٍي‪ ،‬وبصريةٍ‪ ،‬وهللانعوا حضارًة يعر التَّاري الب ُّ‬
‫رأ مثلها َّ‬
‫األمة‪ ،‬وإقامة َّ‬
‫الدولة نور يهتد بت‪ ،‬و ـ ـ ـ ـنَّة‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف تربية َّ‬ ‫َّ‬
‫إن حركة الن ِ‬
‫يقتد هبا يف هذه البلور اَّتالطمة‪ ،‬واَّناهت اَّت ايرة‪ ،‬والظَّالم البهيم‪َّ ،‬‬
‫وإ‪،‬ا ليس ـ ـ ـ ـ ـ ــرية عل من‬
‫يسرها هللا عليت‪.‬‬
‫َّ‬
‫***‬

‫(‪ )1‬انظر ال الم يف خندق ‪َّ ،‬صطف حممود ‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪309‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫اهلجرة إىل احلبشة ‪1‬‬


‫( )‬

‫شجر‬ ‫اَّللِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما ظلِموا لشنـبشـ ِوئشـنـَّه ْم ِيف ُّ‬


‫الدنْـشيا شح شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشنةً شوأل ْ‬ ‫اجروا ِيف َّ‬
‫ين شه ش‬
‫قال تعاىل َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫[النحل‪.]41 :‬‬ ‫ا خرةِ أش ْك شرب لش ْو شكانوا يشـ ْعلشمو شن ﴾‬

‫حممد هللال هللا‬ ‫القرطب ‪ -‬رحت هللا! قول قتـ ــادة ‪ -‬رحت هللا! ‪« -‬اَّراد أهللالاب َّ‬
‫ُّ‬ ‫فقـ ــد نقل‬
‫حض حلق طائفة منهم ابحلب ـ ــة‪ ،‬مثَّ َّبوأهم هللا‬
‫مبكة‪ ،‬وأخرجوهم َّ‬ ‫عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ظلمهم اَّ ـ ــركون َّ‬
‫تعاىل دار اي رة‪ ،‬وجعل يم أنصاراً من اَّؤمن »(‪.)2‬‬

‫شح شسنوا ِيف شه ِذهِ ُّ‬


‫الدنْـيشا شح شسنشة شوأ ْشرض‬ ‫ِِ‬
‫ين شآمنوا اتـَّقوا شربَّك ْم للَّذ ش‬
‫ين أ ْ‬
‫ِ ِ َّ ِ‬
‫وقال تعاىل ﴿ق ْل شَيعبشاد الذ ش‬
‫اب ﴾ [الزمر‪.]10 :‬‬ ‫شجرهم بِ ش ِْري ِحس ٍ‬ ‫اَّللِ وا ِ شعة إَِّجشا يـو َّ َّ ِ‬
‫ش‬ ‫الصابرو شن أ ْ ش ْ‬ ‫ش‬ ‫َّ ش‬
‫ـاس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهمــا يريــد جعفر بن أيب طــال ـ ٍ ‪ ،‬والَّـذين خرجوا معــت إىل‬
‫قــال ابن عبـ ٍ‬
‫احلب ة(‪.)3‬‬
‫اعبد ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿َي ِعب ِاد َّ ِ‬
‫[العنكبوت‪. ]56 :‬‬ ‫ون ﴾‬ ‫ين شآمنوا إ َّن أ ْشر ي شوا شعة فشَ ََّي ش‬
‫أ فش ْ‬ ‫أ الذ ش‬‫ش ش ش‬
‫قــال ابن كث ٍري ‪ -‬رحــت هللا! ‪« -‬هــذا أمر من هللا تعــاىل لعبــاده اَّؤمن ابي رة من البلــد‬
‫حض ميكن إقامة ِ‬
‫الدين‪ ...‬إىل أن‬ ‫الَّذأ ح يقدرون فيت عل إقامة ِ‬
‫الدين إىل أرض هللا الوا ـ ـ ــعة َّ‬
‫مبكة مقامهم هبا خرجوا مهاجرين إىل أرض احلب ة‬ ‫قال ويذا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما اق عل اَّستضعف َّ‬
‫ليأمنوا عل دينهم هناك‪ ،‬فوجدوا خري اَّْن ِايل هناك‪ ،‬أهللاــلمةش النَّ اشـ َّـي ملك احلب ــة‪ ،‬رحت هللا‬
‫تعاىل!»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )9‬يف الصفلة (‪.)745‬‬


‫(‪ )2‬اجلامع ألحكام القران (‪.)107/10‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪.)240/15‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري لالية رقم (‪ )56‬من ورة العنكبوت (‪.)335/5‬‬
‫‪310‬‬
‫أوالً‪ :‬اهلجرة األوىل إىل أرض احلبشة‪:‬‬

‫‪ - 1‬أسباب اهلجرة إىل احلبشة‪:‬‬


‫ـتد البالء عل أهللاـ ــلاب ر ـ ــول هللا هللا ـ ـل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وجعل الكفَّار بسـ ــو‪،‬م‪،‬‬ ‫اشـ ـ َّ‬
‫مكة‪ ،‬والنَّار ليفتنوهم عن دينهم‪ ،‬فمنهم من‬ ‫ضـ ـ ـ ـرب‪ ،‬واجلوي‪ ،‬والعطش‪ ،‬ورمض ـ ـ ــاء َّ‬ ‫ويعذبو‪،‬م ابل َّ‬‫ِ‬
‫يفتنت من ش ـ ـ ــدَّة البالء وقلبت مطمئن ابلميان‪ ،‬ومنهم من تصـ ـ ـ ـلَّ يف دينت‪ ،‬وعص ـ ـ ــمت هللا منهم‪،‬‬
‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ما يصي أهللالاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت من البالء‪ ،‬وما هو فيت من‬
‫عمت أيب طال ‪ ،‬وأنَّت ح يقدر عل أن مينعهم اَّا هم فيت من البالء‬ ‫العافية َّكانت من هللا‪ ،‬ومن ِ‬
‫فَن هبا شملِكاً ح يظْلشم عنده أحد‪ ،‬وهي أرض ِهللا ْد ٍق‪،‬‬ ‫قال يم «لو خرجتم إىل أرض احلب ـ ـ ـ ـ ــة َّ‬
‫حض جيعل هللا لكم فرجاً اَّا أنتم فيت»‪ ،‬فهرً عند ذلك اَّسلمون من أهللالاب ر ول هللا هللال‬ ‫َّ‬
‫هللا عليت و ــلم إىل أرض احلب ــة‪ ،‬ملافةش الفتنة‪ ،‬وفراراً إىل هللا بدينهم‪ ،‬فكانت َّأول ه رةٍ كانت‬
‫يف ال الم»‪[ .‬ابن هشام (‪.)1(])344/1‬‬

‫وقد ذكر الباحثون أ ــباابً عديدةً يف ــب ه رة اَّس ــلم إىل احلب ــة منها ما ذكرت‪،‬‬
‫ومنها ظهور الميان حيث كثر الدَّاخلون يف ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وظهر الميان‪ ،‬وحتدَّث الناس بت‪ .‬قال‬
‫لدث بت‬ ‫الايهرأ يف حديثت عن عروة يف ه رة احلب ة فلـ ـ ـ ـ ـ َّـما كثر اَّسلمون‪ ،‬وظهر الميان‪ ،‬فت ِ‬ ‫ُّ‬
‫اثر اَّ ـ ـ ـ ــركون من كفَّار قريش مبن امن من قبائلهم‪ ،‬يع ِذبو‪،‬م‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـ ـ نو‪،‬م‪ ،‬وأرادوا فتنتهم عن‬
‫ـول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم قال لِلَّذين امنوا بت « َّ‬
‫تفرقوا يف‬ ‫دينهم‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل ذلك ر ـ ـ ـ ش‬
‫األرض»‪ ،‬قالوا فأين نذه َي ر ول هللا؟! قال «ها هنا»‪ ،‬وأشار إىل أرض احلب ة(‪.)2‬‬
‫ومنوا‪ :‬الفرار ِّ‬
‫ابلدين‪:‬‬
‫كان الفرار ِ‬
‫ابلدين خ ـ ـية احفتتان فيت ـ ــبباً مهماً من أ ـ ــباب ه رهتم لللب ـ ــة‪ .‬قال ابن‬
‫إ لاق «فهرً عند ذلك اَّسلمون من أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬إىل أرض‬
‫احلب ة ملافة الفتنة‪ ،‬وفراراً إىل هللا بدينهم»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ألحايمي امعون ‪ ،‬ص ‪.290‬‬


‫للايهرأ ‪ ،‬حتقيق هيل زَّكار ‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫(‪ )2‬اَّ ازأ النبَّويَّة ‪ُّ ،‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)398/1‬‬
‫‪311‬‬
‫الدعوة خارج َّ‬
‫مكة‪:‬‬ ‫ومنوا‪ :‬نشر َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يبلث عن قاعدةٍ‬ ‫قال األ ــتاذ ــيِد قط « شوِم ْن شمثَّ كان َّ‬
‫احلريَّة‪ ،‬ويتا فيها أن تتهلَّص من هذا‬ ‫مكة‪ ،‬قاعدةٍ حتمي هذه العقيدة‪ ،‬وتكفل يا ِ‬ ‫أخر ري َّ‬
‫الت مي ــد ال ــذأ انته ــت إلي ــت يف م َّك ـة‪ ،‬حي ــث تظفر حبري ــة ال ــدَّعوة‪ ،‬وح ــاي ــة اَّعتنق ي ــا من‬
‫األهم لله رة‪ ،‬ولقد ـ ـ ـ ـ ــبق‬
‫األول‪ ،‬و َّ‬‫َّ‬ ‫اح ـ ـ ـ ــطهاد‪ ،‬والفتنة‪ ،‬وهذا يف تقديرأ‪ ،‬كان هو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـب‬
‫ارد‬‫أب‪،‬م هاجروا إليها َّ‬ ‫احداه إىل احلب ـ ـ ــة حيث هاجر إليها كثري من اَّؤمن األوائل‪ ،‬والقول َّ‬
‫أقل الناس وجاهةً‪،‬‬ ‫النَّ اة أبنفس ـ ــهم ح يس ـ ــتند إىل قرائن قويٍَّة‪ ،‬فلو كان األمر كذلك ياجر إذاً ُّ‬
‫أن األمر كان عل الض ـ ِـد من هذا‪ ،‬فاَّواس اَّس ــتض ــعفون الَّذين‬ ‫وقوًة‪ ،‬ومنعةً من اَّس ــلم ‪ ،‬ري َّ‬
‫َّ‬
‫كان ينص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ عليهم معظم اح ـ ـ ـ ـ ـ ــطهاد‪ ،‬والتَّعذي ‪ ،‬والفتنة يهاجروا َّإجا هاجر رجال ذوو‬
‫ـبيات‪ ،‬يم من عص ـ ـ ــبيتهم ‪ -‬يف بيئة قبليَّ ٍة ‪ -‬ما يعص ـ ـ ــمهم من األذ ‪ ،‬و ميهم من الفتنة‪،‬‬ ‫عص ـ ـ ـ ٍ‬
‫وكان عدد القرشي يؤلِف البية اَّهاجرين»(‪.)1‬‬
‫ووافق ال ضبان يِداً فيما ذه إليت‪ ،‬يقول «وهذه اللَّفتة العظيمة من ( يِد) ‪-‬رحت هللا‪-‬‬
‫أهم ما يؤكِدها يف رأيي هو الو ع ُّ‬
‫العام الَّذأ انته إليـت‬ ‫السرية ما يعضدها‪ ،‬ويساندها‪ ،‬و ُّ‬ ‫يا يف ِ‬
‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قد بعث يف طل مهاجرة‬ ‫أمر مهاجرة احلب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فلم نعلم َّ‬
‫معر ـةً‬
‫ت ه رة يثرب‪ ،‬وبدر‪ ،‬وأحد‪ ،‬واخلندق‪ ،‬واحلديبي ــة‪ ،‬فلقد بقيت يثرب َّ‬ ‫ضْ‬ ‫حض شم ش‬
‫احلب ة‪َّ ،‬‬
‫حجتي ـ ــا ٍ كا ٍ من قري ـ ــش طس نوات‪ ،‬وكان آخر هذا اي وم واحجتيا يف اخلندق‪ ،‬وح‬
‫اطمأن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم إىل َّ‬
‫أن اَّدينة قد أهللا ـ ــبلت قاعدةً أمينةً للمس ـ ــلم ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫عندئذ بعث يف طل اَّهاجرين من احلب ــة‪ ،‬فلم يعد شَّة‬ ‫ٍ‬ ‫وانته خطر اجتياحها من اَّ ــرك ‪،‬‬
‫ـ ــرورة يذه القاعدة اححتياطيَّة‪ ،‬الَّيت كان من اَّمكن أن يل أ إليها ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬
‫و لم ‪ ،‬ولو قطت يثرب يف يد ِ‬
‫العدو»(‪.)2‬‬
‫أن فت ٍ‬
‫جمال للدَّعوة يف احلب ـ ـ ــة‪ ،‬كان ـ ـ ــبباً من أ ـ ـ ــباب ه رة‬ ‫ومييل األ ـ ـ ــتاذ دروزة إىل َّ‬
‫احلب ة حيث يقول «بل إنَّت ليهطر ابلبال أن يكون من أ باب اختيار احلب ة النَّصرانيَّة أمل‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)29/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّنهت احلركي ِ‬
‫للسرية (‪.)68 ، 67/1‬‬
‫‪312‬‬
‫جمال للدَّعوة فيها‪ ،‬وأن يكون هد انتداب جعفر متَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً هبذا األمل»(‪ .)1‬وذه إىل‬ ‫وجود ٍ‬
‫الرأأ القــائــل بكون الــدَّعوة للـ ِـدين‬
‫هــذا القول الـ ُّـدكتور ـ ـ ـ ـ ـ ــليمــان بن حــد العودة «واـَّا يــدعم َّ‬
‫اجلديد يف أرض احلب ــة ــبباً‪ ،‬وهدفاً من أ ــباب اي رة إ ــالم النَّ اشـ ِـي‪ ،‬وإ ــالم آخرين من‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬
‫أهل احلب ة‪ ،‬وأمر آخر‪ ،‬فَذا كان ذهاب اَّهاجرين لللب ة مب ورة الن ِ‬
‫وتوجيهت‪ ،‬فبقايهم يف احلب ـ ـ ـ ــة إىل فت خيرب أبم ِر الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وتوجيهت‪ ،‬ويف‬
‫البهارأ فقال جعفر ل شــعريِ ح وافقوه ابحلب ــة « َّ‬
‫إن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬ ‫ِ‬ ‫هللاــلي‬
‫و لم بعثنا هنا‪ ،‬وأمران ابلقامة فأقيموا معنا»‬
‫[البخاري (‪. ])4230‬‬

‫َّهمة معيَّ ٍنة ‪ -‬وح أش ـ ـ ـ ـ ـ ــر من َّ‬


‫مهمة الدَّعوة لدين هللا ‪ -‬و َّ‬
‫أن هذه‬ ‫وهذا يع َّأ‪،‬م ذهبوا َّ‬
‫اَّهمة قد انتهت ح طلِ اَّهاجرون(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫ومنوا البحث عن ٍ‬
‫مكان آم ٍن للمسلمني‪:‬‬
‫الصفوة اَّؤمن ـة‬ ‫كانت اخلطَّـة األمنيَّـة َّ‬
‫للر ول هللال هللا عليت و لم تستهد احلفا عل َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫أن احلب ـة تعترب مكاانً امنـاً للمسلم ‪ ،‬ريثما ي ت ُّـد‬ ‫ولذلـك رأ َّ‬
‫عود ال الم‪ ،‬وهتدأ العاهللافـ ـ ـ ــة‪ ،‬وقد وجد اَّهاجرون يف أرض احلب ـ ـ ـ ــة ما َّأمنهم‪ ،‬وطمأ‪،‬م‪ ،‬ويف‬
‫خري جا ٍر النَّ َّ‬
‫اشي‪،‬‬ ‫ذلك تقول ُّأم لمة ر ي هللا عنها «لـ ـ ـ َّـما نايلنا أرض احلب ة شج شاوْرنـ ـ ــا هبا ش‬
‫أ ِشمنَّـا عل ديننا‪ ،‬وعبدان هللا تعاىل‪ ،‬ح نـ ْؤ شذ »(‪.)3‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم احلبشة؟‬
‫‪ - 2‬ملاذا اختار الن ي‬
‫السؤال منها‬
‫باب تساعد الباحث يف الجابة عن هذا ُّ‬ ‫هناك عدَّة أ ٍ‬
‫جاشي العادل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النَّ ي‬
‫اشي بقولت ألهللالابت «لو خرجتم إىل أرض‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم إىل عدل النَّ ِ‬
‫أشار الن ُّ‬
‫فَن هبا شملِكاً ح يظلم عنده أحد»(‪.)4‬‬
‫احلب ة َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم (‪ )265/1‬عن ال َّامي ‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫رية َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬د‪ .‬ليمان العودة ‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام ‪ ،‬حتقيق لام أبو هللاعليك (‪.)413/1‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪.)397/1( ،‬‬
‫‪313‬‬
‫الصاحل‪:‬‬
‫َّجاشي َّ‬
‫ب ‪ -‬الن ي‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ثنايه عل ملك احلب ـ ـ ــة‪ ،‬بقولت «قد تويف اليوم‬
‫فقد ورد عن الن ِ‬
‫صلُّوا عليت» [البخاري (‪ )1320‬ومسلم (‪ ])66/952‬ويظهر هذا َّ‬
‫الصال يف‬ ‫فهل َّم فش ش‬
‫رجل هللااأ من احلب ة‪ ،‬ش‬
‫حايتت للمس ــلم ‪ ،‬وأتثُّره ابلقرآن الكر عندما مسعت من جعفر ر ــي هللا عنت‪ ،‬وكان معتقده يف‬
‫السالم ‪ -‬هللاليلاً‪.‬‬
‫عيس ‪ -‬عليت َّ‬
‫ج ‪ -‬احلبشة متجر قريش‪:‬‬
‫عماد احقتصــاد القرشـ ِـي‪ ،‬واحلب ــة تـ شع ُّد من مراكاي التِ ارة يف اجلاييرة‪ ،‬فرمبَّا‬ ‫َّ ِ‬
‫إن الت ارة كانت ش‬
‫عرفها بعض اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم عندما ذهبوا إليها يف التِ ارة‪ ،‬أو ذكرها يم شم ْن ذه إليها قبلهم‪ ،‬وقد‬
‫ذكر الطَّ ُّ‬
‫ربأ يف معرض ذكره أل ـ ـ ــباب اي رة لللب ـ ـ ــة «وكانت أرض احلب ـ ـ ــة مت راً لقريش‪،‬‬
‫يتَّ رون فيها‪ ،‬جيدون فيها شرفشا اً(‪ )1‬من ِ‬
‫الرزق‪ ،‬وأمناً‪ ،‬ومت راً حسناً»(‪.)2‬‬
‫أن ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ح دخل ال ِ ـ ْع ‪ ،‬أمر شم ْن‬ ‫كما ذكر ابن عبد ِ‬
‫الرب َّ‬
‫كان َّ‬
‫مبكة من اَّؤمن أن خيرجوا إىل أرض احلب ة‪ ،‬وكانت مت راً لقريش(‪.)3‬‬
‫وذكر ابن حبَّان ‪ -‬ــمن أ ــباب اختيار احلب ــة مكاانً لله رة ‪َّ -‬أ‪،‬ا كانت أر ـاً دفيئة‪،‬‬
‫ترحل إليها قريش رحلة ال ِ تاء(‪.)4‬‬
‫د ‪ -‬احلبشة البلد اآلمن‪:‬‬
‫كانت قبائل العرب يف تلك الف ة تدين ابلوحء والطَّاعة لقريش‪ ،‬وتس ـ ـ ــمع وتطيع ألمرها يف‬
‫ال ال إذ يا نفوذ عليها‪ ،‬وكانت القبائل يف حاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة لقريش يف شح ِ ها‪ ،‬ودارهتا‪ ،‬وموامسها‪،‬‬
‫للنب (ﷺ) ‪ ،‬وقد أش ــار‬
‫وفوق ذلك كانوا ي ــاركون قري ـ ـاً يف حرب الدَّعوة‪ ،‬وعدم اح ــت ابة ِ‬

‫الرفا ة عة العيش ‪ ،‬واخلص ‪.‬‬ ‫الرفْ و َّ‬


‫شرفشا اً َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الايبري ‪ ،‬ص ‪.104‬‬


‫(‪ )2‬م ازأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم لعروة بن ُّ‬
‫السري ‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ )3‬انظر الدُّرر يف اختصار اَّ ازأ و ِ‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة وأخبار اخللفاء ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪314‬‬
‫ابن إ لاق إىل جاذً من هؤحء العرب الَّذين رفضوا عر ت‪ ،‬ودعوتت(‪ ،)1‬فَذا كان هذا يف داخل‬
‫اجلاييرة‪ ،‬فلم يكن يف حينها يف خارً اجلاييرة بلد أكثر أمناً من بالد احلب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ومن اَّعلوم بـ ْعد‬
‫يش ابحتِباي ك ريها من القبائل(‪.)2‬‬ ‫احلب ـ ـ ـ ــة عن ـ ـ ـ ــطوة قريش من جان ٍ ‪ ،‬كما َّأ‪،‬ا ح تدين لقر ٍ‬
‫ويف حديث ابن إ ــلاق عن أ ــباب اختياراحلب ــة مكاانً لله رة َّأ‪،‬ا أرض ِهللا ـ ـ ْد ٍق‪ ،‬وأن هبا‬
‫أهم مسات البلد‬ ‫ـدق‪ ،‬وملكها عادل‪ ،‬وتلك من ِ‬ ‫ملِكاً ح يظْلم عنده أحد(‪ ،)3‬فهي أرض هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ش‬
‫ا من(‪.)4‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم للحبشة‪ ،‬ومعرفته هبا‪:‬‬
‫هـ حمبة َّ‬
‫أن احلب ــة كانت أح َّ األرض إىل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫الاي ِ‬
‫هرأ َّ‬‫ففي حديث ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫لعل تلك اَّبة يا أ باب منها‬
‫أن يهاجر إليها ‪ ،‬و َّ‬
‫‪ ‬حكم النَّ ِ‬
‫اشي العادل‪.‬‬
‫‪ ‬التايام األحباش ابلنَّصـ ـ ـرانيَّة ‪ ،‬وهي أقرب إىل ال ـ ــالم من الوثنيَّة ولذلك فر اَّؤمنون‬
‫شان من‬ ‫فارس ااوس اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬يف الف ة ِ‬
‫اَّكية ـ ـ ــنة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ابنتص ـ ـ ــار الروم النَّص ـ ـ ــار عل‬
‫البعثة‪ ،‬كما يف القرآن(‪.)6‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم أبخبار احلب ــة‪ ،‬من خالل حا ــنتت ِأم أمين ر ــي‬
‫‪ ‬معرفة َّ‬
‫هللا عنها‪ ،‬و ُّأم أمين هذه ثبت يف هللالي مسل ٍم‪ ،‬و ريه َّ‬
‫أ‪،‬ا كانت حب يَّةً [البخاري (‪)2630‬‬

‫َّب‬ ‫ٍ‬
‫شهاب‪ ،‬ويف نن ابن ماجت َّأ‪،‬ا كانت تصنع للن ِ‬ ‫ومسلم (‪ ،])1771‬ونقل ذلك عن ابن‬
‫هللا ــل هللا عليت و ــلم طعاماً‪ ،‬فقال ما هذا؟ فقالت طعام نص ــنعت أبر ــنا‪ ،‬فأحببت‬
‫[ابن ماجه (‪. ])3336‬‬ ‫أن أهللانع لك منت ر يفاً‪.‬‬

‫السري واَّ ازأ ‪ ،‬حتقيق هيل زَّكار ‪ ،‬ص ‪.232‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬
‫السنَّة ‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم وأهللالابت يف القران و ُّ‬
‫انظر ه رة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)397/1‬‬
‫(‪ )4‬اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫الايهرأ ‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ )5‬م ازأ ُّ‬
‫(‪ )6‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة (‪.)152/2‬‬
‫‪315‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم فيما ح تستطيع‬ ‫و تستطع أن ت ِري لكنتها احلب ية‪َّ ،‬‬
‫ورخص يا الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عن طبيعة أر ـ ـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬وجمتمعها‪،‬‬
‫نطقت‪ ،‬فال يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبعد حديثها للن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم كان خبرياً بطبائع وأحوال الدُّول الَّيت كانت يف‬ ‫َّ‬
‫وحكامها(‪ ،)1‬كما َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫زمانت‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقت خروج املواجرين‪ِّ ،‬‬
‫وسريَّـة اخلروج‪ ،‬والوصول إىل احلبشة‪:‬‬
‫ادر أهللاــلاب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫مكة يف رج من ال َّس ـنة اخلامســة للبعثة‪،‬‬
‫رجال‪ ،‬وأربع نسـ ـ ـ ــوةٍ‪ ،‬وقيل طس نسـ ـ ـ ــوةٍ‪ ،‬وحاولت قريش أن تدركهم ل َّدهم إىل‬
‫وكانوا ع ـ ـ ـ ــرة ٍ‬
‫لكن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم كـانوا قـد أحبروا‪ِ ،‬‬
‫متوجه إىل‬ ‫م َّكـة‪ ،‬وخرجوا يف إثرهم َّ‬
‫حض وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلوا البلر‪ ،‬و َّ‬
‫احلب ة(‪.)2‬‬
‫اَّروَيت يتب َّ لنا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ِريَّة خروً اَّهاجرين األوائل ففي رواية الو ِ‬
‫اقدأ‬ ‫التأمل يف فقت َّ‬
‫وعند ُّ‬
‫«فهرجوا متســلِل ـَّـراً»(‪ ،)3‬وعند الطَّ ِ‬
‫ربأ(‪ ،)4‬واَّن يذكر ال ِسـ ِريَّة يف اي رة ابن ــيِد النَّاس(‪،)5‬‬
‫وابن القيِم(‪ ،)6‬و ُّ‬
‫الايرقاينُّ(‪ .)7‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وهللا ــل اَّس ــلمون إىل أرض احلب ــة أكرم النَّ اش ـ ُّـي مثواهم‪،‬‬
‫وأحس ـ ـ ـ ــن لقاءهم‪ ،‬ووجدوا عنده من الطُّمأنينة‪ ،‬واألمن ما جيدوه يف وطنهم‪ ،‬وأهليهم‪ ،‬فعن ِأم‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قالت «ل ـ ـ ـ ـ َّـما نايلنا أرض احلب ة‪ ،‬شج شاوْران هبا خ شري جا ٍر ‪-‬‬ ‫لمة زوً الن ِ‬
‫ذ ‪ ،‬وح نسمع شيئاً نكرهت» [سبق خترجيه] ‪.‬‬ ‫اشي ‪ -‬أ ِشمنَّا عل ديننا‪ ،‬وعبدان هللا ح نـ ْؤ ش‬
‫النَّ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪ ، 48‬ويعترب مبلث احلب ة جلُّت قد أخذ من هذا الكتاب والذأ بعده‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ألحايمي امعون ‪ ،‬ص ‪.291 ، 290‬‬
‫(‪ )3‬طبقات ابن عد (‪.)204/1‬‬
‫(‪ )4‬اتري الطَّربأ (‪.)329/2‬‬
‫(‪ )5‬عيون األثر (‪.)116/1‬‬
‫(‪ )6‬زاد اَّعاد (‪.)23/3‬‬
‫(‪ )7‬شر اَّواه (‪ .)271/1‬ـ البداية والنِهاية (‪ ,)97 , 96/3‬و رية ابن ه ام (‪ 344/1‬ـ ‪ )452‬واي رة يف القرآن الكر ص ‪ 292‬إىل ‪.294‬‬

‫‪316‬‬
‫أمساء أصحاب اهلجرة األوىل إىل احلبشة‪:‬‬
‫‪ ‬الرجال‪:‬‬
‫‪ ‬عثمان بن عفَّان بن أيب العاص بن أميَّة بن عبد طس‪.‬‬
‫‪ ‬عبد هللا بن عو بن عو بن عبد بن احلارث بن زهرة‪.‬‬
‫العوام بن خ شويلد بن أ د‪.‬‬ ‫‪ُّ ‬‬
‫الايبري بن َّ‬
‫‪ ‬أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد طس‪.‬‬
‫‪ ‬مصع بن عمري بن هاشم بن عبد منا بن عبد الدار‪.‬‬
‫‪ ‬أبو لمة بن عبد األ د بن هالل بن عبد هللا بن عمر بن ملايوم‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ‬عثمان بن مظعون بن حبي بن وه بن حذافة بن‬
‫‪ ‬عامر بن ربيعة‪ ،‬حليف آل اخلطَّاب من شعْناي بن وائل‪.‬‬
‫‪ ‬ـ شهيل بن بيضــاء‪ ،‬وهو ــهيل بن وه بن ربيعة بن هالل بن أ شهي بن ش ـبَّة بن‬
‫احلارث‪.‬‬
‫‪ ‬أبو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْربة بن أيب رْهم بن عبد العَّاي بن أيب قيس عبد وَّد بن نص ـ ـ ـ ـ ــر بن مالك بن‬
‫ِح ْسل بن عامر‪.‬‬

‫فكان هؤحء الع رة َّأول من خرً من اَّسلم إىل أرض احلب ة‪.‬‬

‫‪ ‬النساء‪:‬‬
‫‪ ‬رقيَّة بنت الن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫‪ ‬ــهلة بنت ــهيل بن عمرو‪ ،‬أحد ب عامر بن لؤأ‪ ،‬والَّيت هاجرت مع زوجها أيب‬
‫حممد بن أيب حذيفة‪.‬‬
‫حذيفة‪ ،‬وولدت لت أبرض احلب ة َّ‬
‫‪ُّ ‬أم لمة بنت أيب أمية بن اَّ رية بن عبد هللا بن عمر بن ملايوم‪ ،‬امرأة أيب لمة‪.‬‬
‫‪ ‬ليل بنت أيب شحثمة بن حذافة بن امن (بن عامر) بن عبد هللا بن عو بن عبيد‬

‫‪317‬‬
‫ابن عويت بن ِ‬
‫عدأ بن كع ‪ ،‬امرأة عامر بن ربيعة‪.‬‬
‫‪ُّ ‬أم كلثوم بنت هيل بن عمرو بن عبد طس‪ ،‬امرأة أيب ش ْربة بن أيب رْهم(‪.)1‬‬

‫وكان أول من هاجر منهم‪ ،‬عثمان بن عفان‪ ،‬وامرأتت رقية بنت ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫لوط» [ابن أب عاصــم‬‫ألول من هاجر أبهلت بعد ٍ‬ ‫و ــلم ‪ ،‬فقد رو يعقوب بن ــفيان « َّ‬
‫إن عثمان َّ ش ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يف السنة (‪])1311‬‬

‫اَّتأمل يف األمساء الفة ِ‬


‫الذكر ح جيد فيهم أحداً من اَّواس‪ ،‬الَّذين انيم من أذ قريش‬ ‫إن ِ‬ ‫َّ‬
‫وعمار ر ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬بل ُد البيتهم من ذوأ‬ ‫وتعذيبها أش ـ ـ ُّـد من ريهم‪ ،‬كبالل‪ ،‬وخبَّاب‪َّ ،‬‬
‫يش‪ ،‬وميثِلون عدداً من القبائل‪ ،‬هللاـ ـ ــلي َّ‬
‫أن األذ طل ذوأ النَّس ـ ـ ـ‬ ‫النَّس ـ ـ ـ ‪ ،‬واَّكانة يف قر ٍ‬
‫أشد يف ٍ‬
‫بيئة تقيم وزانً للقبيلة‪ ،‬وترع النَّس ‪،‬‬ ‫واَّكانة‪ ،‬كما طال ريهم‪ ،‬ولكنَّت كان عل اَّواس َّ‬
‫وابلتَّاس فلو كان الفرار من األذ وحده هو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ب يف اي رة لكان هؤحء اَّواس َّ‬
‫اَّعذبون‬
‫أحق ابي رة من ريهم‪ ،‬ويؤيِ ـد هــذا َّ‬
‫أن ابن إ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــاق و ريه ذكر عــدوان اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك عل‬ ‫َّ‬
‫اَّستضعف ‪ ،‬و يذكر ه رهتم لللب ة(‪.)3‬‬
‫مهم ٍة‪ ،‬أح وهي أن شَّةش أ ــباابً أخر تدفع لله رة ري األذ ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حقيقة َّ‬ ‫ويصــل الباحث إىل‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم نوعيةً من أهللا ـ ـ ــلابت‪َ ،‬تثِل عدداً من القبائل‪ ،‬وقد يكون‬
‫اختار يا الن ُّ‬
‫لذلك أثر يف حايتهم لو وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلت قريش إىل إقناي أهل احلب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة نرجاعهم من جان ٍ ‪ُّ ،‬‬
‫وهتاي‬
‫ه رهتم قبائل قريش كلَّها‪ ،‬أو معظمها من جان ٍ آخر‪َّ ،‬‬
‫فمكة ـ ـ ـ ـ ـ ــاقت أببنائها‪ ،‬و جيدوا بداً‬
‫ـث يرحـل هؤحء اَّهـاجرون بـدين‬ ‫من اخلروً عنهـا حبثـاً عن األمن يف بل ٍـد آخر‪ ،‬ومن جـانـ ٍ اثل ٍ‬
‫هللا لين ـ ـ ـ ــروه يف ا فاق‪ ،‬وقد تكون حمالً أهللا ـ ـ ـ ــوب‪ ،‬وأبرك للدَّعوة إىل هللا‪ ،‬فتنفت عقول وقلوب‬
‫ح يست لق واها(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬البداية والنِهاية (‪ ، )67/3‬نقالً عن (اي رة يف القران الكر ) ‪ ،‬ص ‪ .294‬وانظر فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3872‬‬
‫(‪ )2‬أنساب األشرا للبالذرأ (‪ 156/1‬ـ ‪ ، )198‬وابن ه ام (‪ 392/1‬ـ ‪.)396‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫(‪ )4‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.295‬‬
‫‪318‬‬
‫اثنياً‪ :‬أسباب عودة املسلمني إىل َّ‬
‫مكة بعد هجرهتم األوىل‪:‬‬

‫قصة ال رانيق‪:‬‬
‫‪ - 1‬شبوة عودة املواجرين بسبب َّ‬
‫اَّؤرخ واَّف ِس ـ ـرين عودة اَّس ـ ــلم من احلب ـ ــة بعد اي رة إىل َّ‬
‫مكة أل ـ ــطورة‬ ‫يعايو بعض ِ‬
‫مساحات وا عةً من كت اَّست رق ‪ ،‬قاهللادين بذلك تروجيها‪ ،‬وجعلها‬ ‫ٍ‬ ‫راجت كثرياً‪ ،‬واحتلَّت‬
‫حقيقةً واقعةً يف اتري الدَّعوة ال الميَّة‪.‬‬
‫إن الَّذين تعر ـ ـ ـوا لذكر تلك األ ـ ـ ــطورة ينه ون حيايا مناهت ش ـ ـ ـ َّـض فمنهم شم ْن يذكرها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكــت عنهــا‪ ،‬ح ينفيهــا‪ ،‬وح يثبتهــا‪ ،‬ومنهم شم ْن ــاول إثبــاهتــا‪ ،‬ومنهم شم ْن يورد األدلَّـة عل‬
‫بطال‪،‬ا(‪.)1‬‬
‫أن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم جلس يوماً عند الكعبة‪،‬‬ ‫تتلهص يف َّ‬
‫وتلك األ ــطورة َّ‬
‫ت شوالْعَّاي ۝ شوشمشنا شة الثَّالِشثةش األخر ﴾‬
‫حض بل قولت تعاىل ﴿أشفشـشرأشيْـتم الالَّ ش‬
‫وقرأ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة النَّ م‪َّ ،‬‬
‫[النجم‪.]20-19 :‬‬

‫ـفاعتهن ل ج »‪ ،‬فقال اَّ ـ ـ ـ ـ ــركون ما ذكر ايتنا‬


‫َّ‬ ‫قرأ بعدها «تلك ال رانيق العال‪َّ ،‬‬
‫وإن شـ ـ ـ ـ ـ‬
‫لكن ايتنا ت ـ ـ ــفع عنده‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل‬ ‫ٍري قبل اليوم‪ ،‬وقد علمنا َّ‬
‫أن هللا يرزق‪ ،‬و يي‪ ،‬ومييت‪ ،‬و َّ‬
‫ال َّس ـ دة ـ د‪ ،‬و ـ د معت اَّســلمون‪ ،‬واَّ ــركون كلُّهم‪ ،‬إح شــيهاً من قريش‪ ،‬رفع إىل جبهتت‬
‫كفاً من حص ‪ ،‬فس د عليت(‪.)2‬‬
‫كفوا عن أذ اَّســلم ‪ ،‬وشــاي ذلك‬‫هللا ـا ش اَّ ــركون ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬و ُّ‬
‫وش‬
‫حض بل شم ْن يف احلب ة‪ ،‬فاطمأنُّوا إىل حسن إقامتهم يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬واار تهم عباداهتم امن ‪ ،‬فعادوا‬ ‫َّ‬
‫إىل َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫تلك خالهللاــة األ ــطورة‪ ،‬والَّذين ذكروا الق َّ‬
‫ص ـة ‪ -‬مع اختال مواقفهم منها ‪ -‬يقولون َّ‬
‫إن‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قالت قريش « َّإما جعلت حيتنا نصــيباً‪ ،‬فنلن معك»‬

‫َّمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ص ‪.84‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫انظر ملتصر رية َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫للسيوطي عل هامش اجلالل (‪ ، )16/2‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.296‬‬


‫فت القدير (‪ ، )416/3‬وفت البارأ (‪ ، )355/8‬وأ باب النايول ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪319‬‬
‫حض أمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬مثَّ أاته جربيل‪ ،‬فقرأ عليت ـ ـ ـ ـ ـ ــورة النَّ م‪ ،‬فقال‬
‫كرب عليت ذلك‪ ،‬وجلس يف بيتت َّ‬
‫ـفاعتهن ل ج » فلاين‬ ‫َّ‬ ‫جربيل أوجئتك هبات الكلمت ؟ يقصـ ـ ــد «تلك ال رانيق العال‪َّ ،‬‬
‫وإن شـ ـ ـ‬
‫﴿وشما أ ْشر ش ْلنشا ِم ْن‬
‫ش‬
‫(‪)1‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم حايانً شديداً‪ ،‬وخا من ربِت‪ ،‬فأنايل هللا عليت‬ ‫َّ‬
‫اَّلل شما يـ ْل ِقي ال َّ ـ ـْيطشان مثَّ‬
‫ول شوحش نشِ ٍب إِحَّ إِذشا شَتشَّىن أشلْ شق ال َّ ـ ـْيطشان ِيف أ ْمنِيَّتِ ِت فشـيشـْن شس ـ ـ َّ‬ ‫ك ِمن ر ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫قشـْبل ش ْ ش‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل‬ ‫وحينئذ عاد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّلل شعلِيم شح ِكيم ﴾ [احلج‪،]52 :‬‬ ‫اَّلل ِ‬
‫آَيتت شو َّ‬ ‫ْ ِكم َّ‬
‫عي ايتهم‪ ،‬وتسفيت عقويم‪ ،‬وعادوا هم كذلك إىل إيذاء اَّسلم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬تفنيد القصة الباطلة‪:‬‬
‫ص ـ ـ ـة الكثري من علماء ال ـ ـ ــالم ال َّس ـ ـ ـابق ‪ ،‬واَّ ْل شدث ‪ ،‬نقالً‪ ،‬وعقالً وذلك‬
‫أنكر هذه الق َّ‬
‫نبوتت هللال هللا عليت و لم‪،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم بل وتطعن يف َّ‬ ‫أل‪،‬ا تتنا مع عصمة َّ‬ ‫َّ‬
‫العلمي‪ ،‬ومن األدلة النقليَّة عل بطال‪،‬ا‬
‫ِ‬ ‫كما َّأ‪،‬ا تتهاو أمام البلث‬
‫يتقول‬
‫أن النب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ح يس ـ ــتطيع أن َّ‬ ‫أن القرآن الكر ب َّ بو ـ ــو َّ‬ ‫أ ‪َّ -‬‬
‫ض األشقشـا ِويـ ِـل ۝ ألش شخ ـ ْذ شان ِمْن ـت ِابلْيش ِم ِ *مثَّ لششقطش ْعنش ـا ِمْن ـت‬
‫﴿ولش ْو تشـ شق َّوشل شعلشْيـنش ـا بشـ ْع ش‬
‫عل هللا تعــاىل ش‬
‫الْوتِ ش ﴾ [احلاقة‪.]46 - 44 :‬‬
‫ش‬
‫وجل ‪ -‬قد أخرب أنَّت فم القرآن من أن يدخل عليت ما ليس منت‪ ،‬أو‬ ‫عاي َّ‬ ‫ب ‪َّ -‬‬
‫أن هللا ‪َّ -‬‬
‫الذ ْكشر شوإِ َّان لشت شحلشافِظو شن﴾‬
‫ينقص منت شـ ـ ــيء‪ ،‬أو َّر عن موا ـ ـ ــعت‪ .‬قال تعاىل ﴿إِ َّان شحنن نشـَّايلْنا ِ‬
‫ْ ش‬
‫[احلجر‪.]9 :‬‬

‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم نطق يف أثناء قراءتت ابلكلمت اَّذكورت ‪،‬‬ ‫ولو هللا ـ ـ ـ َّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫لدخل يف القرآن ما ليس منت‪ ،‬فال يكون هناك حفم‪ ،‬وهو ملالف للن ِ‬
‫َّص‪.‬‬
‫ين شآمنوا شو شعلش شرهبِِ ْم يشـتشـ شوَّكلو شن﴾ [النحل‪،]99 :‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫س لشت ـ ـ ـ ـ ْلطشان شعلش الذ ش‬
‫ً ‪ -‬قال تعاىل ﴿إنَّت لشْي ش‬
‫وهل هناك ب ـ ــر أهللاـ ــدق إمياانً‪ ،‬وأشـ ـ ُّـد توُّكالً عل هللا من األنبياء‪ ،‬وح ـ ـيَّما خاَتهم هللاـ ــل هللا‬
‫أقر رئيس ال َّياط أبنَّت ح لطان لت عل عباد هللا اَّهلص ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫عليت و لم ؟! وقد َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.298‬‬


‫‪320‬‬
‫صش﴾‬ ‫ك ألش ْ ِويـنـَّهم أش ْ عِ ۝ إِحَّ ِعباد شك ِمْنـهم الْمهلش ِ‬ ‫﴿قش شال فشبِعَِّايتِ ش‬
‫[ص‪.]83 - 82 :‬‬ ‫ْ‬ ‫شش‬ ‫ش ْ ش ش‬
‫أحق من األنبياء ابحهللا ــطفاء؟! ومن أش ـ ُّـد إخالهللا ـ ـاً منهم هلل؟! ونبيُّنا َّ‬
‫حممد هللا ــل هللا‬ ‫شوشم ْن ُّ‬
‫الذروة منهم إخالهللااً هلل(‪.)1‬‬ ‫عليت و لم عل رأس اَّصطف األخيار‪ ،‬ويف ِ‬
‫وقد ذكر القا ــي عياض َّ‬
‫أن شم ْن ذكرها من اَّفسـ ـرين‪ ،‬و ريهم يس ــندها أحد منهم‪ ،‬وح‬
‫البايار أنَّت ح يعر من طر ٍيق جيوز ذكره ـ ــو ما‬ ‫رفعها إىل هللاـ ــاح ٍ ‪ ،‬إح رواية َّ‬
‫البايار‪ ،‬وقد ب َّ َّ‬
‫ذكره‪ ،‬وفيت ما فيت(‪.)2‬‬
‫ورأ ابن ح ر وما قيل من َّ‬
‫أن ذلك ‪ -‬ال ُّسـ ـ ود من اَّ ــرك ‪ -‬بس ــب إلقاء ال َّ ـيطان‬
‫هللالة لت عقالً‪ ،‬وح نقالً(‪.)3‬‬
‫يف أثناء قراءة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ح َّ‬
‫ورأ ابن كثري أنت قد ذكر كثري من اَّفس ـ ـ ـ ـ ـرين ها هنا قص ـ ـ ـ ــة ال رانيق‪ ،‬وما كان من رجوي‬
‫أن م ركي قريش قد أ لموا‪ ،‬ولكنَّها من ٍ‬
‫طرق‬ ‫كث ٍري من اَّهاجرين إىل أرض احلب ة‪ ،‬ظنَّاً منهم َّ‬
‫كلِها مر لة‪ ،‬و أرها مسند ًة من ٍ‬
‫وجت هللالي ‪ .‬وهللا أعلم(‪.)4‬‬
‫األمة‪،‬‬
‫العقلي‪ ،‬وأ عت َّ‬
‫ُّ‬ ‫صـ ـ ـ ـة من جوة العقل‪ :‬فقد قام الدَّليل‬
‫وأما بطالن الق َّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫الر ــول‬
‫عل عصــمتت هللاــل هللا عليت و ــلم من مثل هذا إذ لو جاز هذا من َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت‬
‫هللال هللا عليت و لم جلاز عليت الكذب‪ ،‬والكذب عل َّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫ص ـ ـة عن َّ‬
‫و ـ ــلم حمال إذ هللاـ ــدور مثل هذه الق َّ‬
‫حمال‪ ،‬ولو قالت عمداً‪ ،‬أو ـ ـ ـ ـ ــهواً يكن هناك عص ـ ـ ـ ـ ــمة‪ ،‬وهو مردود‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة هالف عقيدة التَّوحيد الَّيت من أجلها بشـ شع ش‬
‫ث هللا نبيَّت هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫الق َّ‬
‫و لم‪.‬‬
‫قا عن العرب َّأ‪،‬م وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــفوا ايتهم بـ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـة ل وايً‪ :‬ف نَّت يرد ُّ‬
‫وأما بطالن الق َّ‬
‫‪َّ ‬‬

‫(‪ )1‬انظر ال ِ فا (‪.)117/2‬‬


‫(‪ )2‬فت البارأ ‪ ،‬عند شر حديث رقم (‪.)4862‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري والب وأ (‪ 600/6‬وما بعدها) ‪ ،‬نقالً عن اي رة يف القران ‪ ،‬ص ‪.298‬‬
‫(‪ )4‬القاموس اَّيا (‪ )281/3‬مادَّة (ال رنوق)‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫(ال رانيق)‪ ،‬يف ال ِ ـعر‪ ،‬وح يف النَّثر‪ ،‬والَّذأ تعرفت الل ة َّ‬
‫أن (ال ْرنوق) ا ــم لطائ ٍر‬
‫اب األبيض اجلميل(‪ ،)1‬وح شــيء من‬
‫مائي أ ــود‪ ،‬أو أبيض‪ ،‬ومن معانيت ال َّ ـ ُّ‬
‫ٍ‬
‫معانيت اللُّ ويَّــة يالئم معىن احية واألهللانام َّ‬
‫حض يطلق عليهما يف فصي الكالم‬
‫عرض عل أمراء الفص ــاحة والبيان‪ ،‬فكيف يفر بت اَّ ــركون‪ ،‬ويعتربونت‬ ‫َّ‬
‫الذأ ي ش‬
‫ذكراً حيتهم ابخلري؟!(‪.)2‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـة ال رانيق ح تثبت من جهة النَّقل‪ ،‬وهي ملالفة للقرآن الكر ‪ ،‬وَّا قام عليت الدَّليل‬ ‫َّ‬
‫إن ق َّ‬
‫الاياندقة‪،‬‬
‫أن حديث ال رانيق مكذوب‪ ،‬اختلقتت َّ‬ ‫العقلي‪ ،‬كما أنكرهتا اللُّ ة‪ ،‬وهذا اَّا يدلُّنا عل َّ‬
‫الَّذين يس ــعون لفس ــاد العقيدة و ِ‬
‫الدين‪ ،‬والطَّعن يف ــيِد األنبياء‪ ،‬وإمام اَّر ــل هللا ــل هللا عليت‬
‫و لم (‪. )3‬‬
‫‪ - 3‬األسباب احلقيقية لعودة املسلمني‪:‬‬
‫عاش اَّس ـ ـ ـ ــلمون ثالثة أش ـ ـ ـ ــهر من بدء اي رة‪ ،‬وحدث ت ُّري كبري عل حياة اَّس ـ ـ ـ ــلم يف‬
‫تكن موجود ًة من قبل‪ ،‬بعثت يف اَّسـ ـ ـ ـ ــلم األمل يف إمكان ن ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬ون ـ ـ ـ ـ ــأت ظرو‬
‫عم ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬ ‫الدَّعوة يف َّ‬
‫مكة حيث أ ــلم يف تلك الف ة حاية بن عبد اَّطل ‪ُّ ،‬‬
‫أعاي فتيان‬
‫و ـ ــلم عص ـ ــبيَّةً حبن أخيت‪ ،‬مثَّ ش ـ ــر هللا هللا ـ ــدره لإل ـ ــالم فثبت عليت‪ ،‬وكان حاية َّ‬
‫قريش‪ ،‬وأشدَّهم شكيمةً‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دخل يف ال الم عرفت قريش َّ‬
‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منت(‪.)4‬‬ ‫عاي‪ ،‬وامتنع‪ ،‬و َّ‬
‫أن عمت يمنعت‪ ،‬و ميت‪ُّ ،‬‬ ‫و لم قد َّ‬
‫وبعد إ ـ ـ ـ ــالم حاية ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت أ ـ ـ ـ ــلم عمر بن اخلطَّاب ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وكان عمر ذا‬
‫حض‬
‫شكيمة ح يرام‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ لم امتنع بت أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وحبماية َّ‬ ‫ٍ‬
‫عازوا قري اً(‪.)5‬‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القرآن الكر ‪ ،‬ص ‪.299 ، 298‬‬


‫لسنَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)372/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة يف وء القران وا ُّ‬
‫َّمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬ ‫ملتصر رية َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫وعازوا قري اً أأ لبوهم‪.‬‬ ‫(‪ِ )4‬‬


‫السرية النَّبويَّة (‪ُّ ، )294/1‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)365/1‬‬‫(‪ِ )5‬‬
‫‪322‬‬
‫عايةً‬
‫الرجل العظيم بعد خروً اَّس ـ ـ ــلم إىل احلب ـ ـ ــة‪ ،‬فكان إ ـ ـ ــالمهما َّ‬
‫كان إ ـ ـ ــالم َّ‬
‫يعاً ألهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عل اااهرة‬ ‫للمسلم ‪ ،‬وقهراً للم رك ‪ ،‬وت‬
‫بعقيدهتم‪.‬‬
‫عمر كان فتلاً‪َّ ،‬‬
‫وإن ه رتت كانت نص ـ ـراً‪ ،‬وإن إمارتت كانت‬ ‫قال ابن مسـ ـ ٍ‬
‫ـعود « َّ‬
‫إن إ ــالم ش‬
‫حض هللا ـلَّ عند‬
‫حض أ ــلم عمر‪ ،‬فلما أ ــلم قاتل قري ـاً َّ‬
‫رحةً‪ ،‬ولقد كنَّا ما نصــلي عند الكعبة َّ‬
‫الكعبة‪ ،‬وهللالَّينا معت»(‪.)1‬‬
‫يل بن‬ ‫أأ قريش أنقل لللديث؟ قيل لت‬
‫وعن ابن عمر قال لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ـ ــلم عمر قال ُّ‬
‫حض‬
‫شم ْعمر اجل شملي‪ ،‬قال ف دا عليت‪ ،‬قال عبد هللا و دوت معت أتبع أثره‪ ،‬وأنظر ماذا يفعل‪َّ ،‬‬
‫جاءه‪ ،‬فقال لت أعلمت َي يل! ِأين أ ـ ـ ـ ـ ــلمت‪ ،‬ودخلت يف دين َّ‬
‫حممد؟ قال فوهللا ما راجعت‬
‫حض إذا قام عل ابب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــر أبعل‬
‫جير رداءه‪ ،‬وتبعت عمر‪ ،‬واتَّبعت أيب َّ‬
‫حض قام ُّ‬
‫َّ‬
‫هللا ـ ـ ــوتت َي مع ـ ـ ــر قريش! ‪ -‬وهم يف أنديتهم حول الكعبة ‪ -‬أح إن ابن اخلطَّاب قد هللا ـ ـ ــبأ(‪.)2‬‬
‫حممداً‬
‫أن َّ‬ ‫قال يقول عمر ِم ْن خلفت كذب! ولك ِ أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمت‪ ،‬وشـ ـ ـ ـ ـ ــهدت أن ح إلت إح هللا‪ ،‬و َّ‬
‫حض قامت ال َّ ـ ـ ـ ـمس عل ريو ـ ـ ــهم‪،‬‬ ‫عبده‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـولت‪ .‬واثروا إليت‪ ،‬فما بر يقاتلهم‪ ،‬ويقاتلونت‪َّ ،‬‬
‫شوطشلِ ش (أأ أعيا) فقعد‪ ،‬وقاموا عل رأ ـ ـ ــت‪ ،‬وهو يقول افعلوا ما بدا لكم‪ ،‬فأحلف ابهلل أن لو‬
‫ٍ‬
‫ثالشئة‪ ،‬لقد تركناها لكم‪ ،‬أو تركتموها لنا(‪.)3‬‬ ‫كنا‬
‫«لقد أهللاــب اَّســلمون إذاً يف و ـ ٍع ري الَّذأ كانوا فيت قبل اي رة إىل احلب ــة‪ ،‬فقد امتنعوا‬
‫حبماية‪ ،‬وعمر ر ــي هللا عنهما‪ ،‬وا ــتطاعوا أن يصـ ـلُّوا عند الكعبة بعد أن كانوا ح يقدرون عل‬
‫حض دخلوا اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ د‪ ،‬شوشكفَّت قريش عن‬
‫ذلك‪ ،‬وخرجوا من بيت األرقم بن أيب األرقم جماهرين‪َّ ،‬‬
‫تعذهبم هبا قبل ذلك‪ ،‬فالو ع قد ت َّري ابلنسبة للمسلم ‪،‬‬ ‫ابلصورة الوح يَّة الَّيت كانت ِ‬
‫إيذاءهم ُّ‬
‫والظُّرو الَّيت كانوا يعي ـ ــون فيها قبل اي رة قد َّ‬
‫حتولت إىل أحس ـ ــن‪ ،‬فهل تر هذا خيف عل‬

‫(‪ )1‬هللابأ خرً من دين إىل دي ٍن اخر ‪ ،‬القاموس اَّيا ‪ ،‬ابب ايماية (‪.)20/1‬‬
‫الرشاد للصاحلي (‪.)499 ، 498/2‬‬ ‫بل ايد و َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫َّمد يد الوكيل ‪ ،‬ص ‪ ، 59‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.302‬‬‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬
‫أتمالت يف رية َّ‬
‫(‪ُّ )3‬‬
‫‪323‬‬
‫أن هذه التَّ يريات الَّيت جرت عل حياة اَّس ــلم يف َّ‬
‫مكة تص ــل إىل أرض‬ ‫تظن َّ‬
‫أحد؟! وهل ُّ‬
‫البلارة الَّذين كانوا ُّ‬
‫ميرون قدَّة؟!‬ ‫احلب ة‪ ،‬ولو عن طريق َّ‬
‫ـك َّ‬
‫أن هؤحء ال رابء قد فرحوا بذلك كثرياً‪ ،‬وح‬ ‫كل ذلك قد وهللا ـ ـ ـ ـ ــلهم‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫بد َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ح َّ‬
‫يست رب أحد بعد ذلك أن يكون احلن إىل الوطن ‪ -‬وهو فطرة فطر هللا عليها يع اَّهلوقات‬
‫مكة ُّأم القر ‪ ،‬وإىل حيث‬ ‫‪ -‬قد عاودهم‪ ،‬ور بت نفو ـ ـ ــهم يف العودة إىل حيث الوطن العايياي‪َّ ،‬‬
‫ظل الظُّرو اجلديدة‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ عة‪ ،‬وحتت إحلا‬
‫مكة يف ِ‬‫يوجد األهل‪ ،‬والع ـ ـ ـ ـ ـ ــرية‪ ،‬فعادوا إىل َّ‬
‫النَّفس‪ ،‬وحنينها إىل حرم هللا‪ ،‬وبيتت العتيق»(‪.)1‬‬
‫لقد رجع اَّهاجرون إىل َّ‬
‫مكة بسـ ـ ـ ـ ـ ــب ما علموا من إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم حاية‪ ،‬وعمر‪ ،‬واعتقادهم َّ‬
‫أن‬
‫يعتاي بت اَّسلمون‪ ،‬وتقو بت شوكتهم‪.‬‬
‫الصلابيَّ ْ اجلليل ‪ُّ ،‬‬
‫إ الم هذين َّ‬
‫ات جديدة‪ ،‬يت لَّ فيها‬ ‫لكن قري ـاً واجهت إ ــالم حاية‪ ،‬وعمر ر ــي هللا عنهما‪ ،‬بتدبري ٍ‬
‫و َّ‬
‫انحية‪ ،‬والقسـ ـ ــوة‪ ،‬والعنف من ٍ‬
‫انحية أخر ‪ ،‬فايادت يف أ ـ ــللة الرهاب الَّيت‬ ‫اَّكر والدَّهاء من ٍ‬

‫تس ــتعملها ـ َّـد الن ِ‬


‫َّب هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وأهللا ــلابت ر ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬ـ ــالحاً قاطعاً‪ ،‬وهو‬
‫جراء ذلك اَّوقف العنيف‪ ،‬أن رجع‬
‫ال اَّقاطعة احقتصادية ‪ -‬وقد حتدَّثت عنت ‪ -‬وكان من َّ‬
‫انضم إليهم عدد كبري اَّن يهاجروا قبل ذلك(‪.)2‬‬
‫مرًة اثنيةً‪ ،‬و َّ‬
‫اَّسلمون إىل احلب ة َّ‬
‫اثلثاً‪ :‬هجرة املسلمني الثَّانية إىل احلبشة‪:‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫مكة من اي رة األوىل‬ ‫قال ابن ٍ‬
‫عد قالوا ل ـ َّـما قدم أهللالاب الن ِ‬
‫اشـ َّ‬
‫ـتد عليهم قومهم‪ ،‬و ــطت هبم ع ــائرهم‪ ،‬ولقوا منهم أذ ً شــديداً‪ ،‬فأذن يم ر ــول هللا هللاــل‬
‫خرجتهم الثَّانية أعظمها م ـ َّـقةً‪،‬‬
‫مرًة اثنيةً‪ ،‬فكانت ش‬‫هللا عليت و ــلم يف اخلروً إىل أرض احلب ــة َّ‬
‫ولقوا من قريش تعنيفاً شديداً‪ ،‬وانلوهم ابألذ ‪ ،‬و َّ‬
‫اشتد عليهم ما بل هم عن النَّ اشي من حسن‬
‫جواره يم‪ ،‬فقال عثمان بن عفَّان َي ر ول هللا! فه رتنا األوىل وهذه ا خرة ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــست معنا ؟‬

‫(‪ )1‬انظر القول اَّب يف رية يِد اَّر ل هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬د‪ .‬حممد النَّ ار ‪ ،‬ص ‪ ، 111‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫(‪ )2‬طبقات ابن عد (‪( )207/1‬ط‪ .‬بريوت) ‪ ،‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.303‬‬
‫‪324‬‬
‫« أنتم مهاجرون إىل هللا تعاىل‪ ،‬وإلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي‪ ،‬لكم هااتن‬ ‫فقال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫اي رتـان يعـاً» قال عثمان فلسبنـا َي ر ول هللا(‪!)1‬‬
‫وهاجر معهم كثريون ريهم أكثر منهم‪ ،‬وعدَّهتم ‪ -‬كما قال ابن إ ـ ـ ـ ـ ـ ــلاق و ريه ‪ -‬ثالثة‬
‫وشــانون رجالً إن كــان ع َّم ـار بن َي ـ ـ ـ ـ ـ ــر فيهم‪ ،‬واثنــان وشــانون رجالً إن يكن فيهم‪ .‬قــال‬
‫(‪)2‬‬ ‫ال ُّس ـ ـهيلي وهو األهللا ـ ـ ُّ عند أهل ال ِس ـ ـري كالو ِ‬
‫اقدأ‪ ،‬وابن عقبة‪ ،‬و ريلا ‪ ،‬وشاين ع ـ ــرة امرأةً‬
‫إحد ع ــرة قرش ـيَّات‪ ،‬و ــبع ري قرش ـيَّ ٍ‬
‫ات‪ ،‬وذلك عدا أبنائهم الَّذين خرجوا معهم هللا ـ اراً‪ ،‬مثَّ‬
‫الذين ولِدوا يم فيها(‪.)3‬‬
‫َّجاشي يف ِّ‬
‫رد املواجرين‪:‬‬ ‫‪ - 1‬سعي قريش لد الن ِّ‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأت قريش َّ‬
‫أن أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قد أمنوا‪ ،‬واطمأنُّوا أبرض‬
‫احلب ــة‪ ،‬و َّأ‪،‬م قد أهللاــابوا هبا داراً وا ــتقراراً‪ ،‬وح ْس ـ شن جوا ٍر من النَّ اشـ ِـي‪ ،‬وعبدوا هللا‪ ،‬ح يؤذيهم‬
‫أحد ائتمروا فيما بينهم أن يبعثوا وفداً للنَّ اشـ ِـي لحضــار شم ْن عنده من اَّســلم إىل َّ‬
‫مكة بعد‬
‫أن يوقعوا بينهم وب ملك احلب ـ ـ ــة‪ ،‬إح َّ‬
‫أن هذا الوفد خدم ال ـ ـ ــالم واَّس ـ ـ ــلم من حيث ح‬
‫يدرأ‪ ،‬فقد أ ـ ـ ـ ــفرت مكيدتت عند النَّ اش ـ ـ ـ ـ ِـي عن حوا ٍر هاد ‪ ،‬دار ب أحد اَّهاجرين‪ ،‬وهو‬
‫جعفر بن أيب طال ‪ ،‬وب ملك احلب ـ ـ ـ ــة‪ ،‬أ ـ ـ ـ ــفر هذا احلوار عن إ ـ ـ ـ ــالم النَّ اش ـ ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬وأتم‬
‫اَّهاجرين اَّسلم عنده‪.‬‬
‫فعن ِأم لمة بنت أيب أميَّـ ـ ـ ـ ـ ــة بن اَّ رية زوً الن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قالت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نايلنا‬
‫خري جا ٍر (النَّ اش ـ ـ ـ ِـي) أ ِشمنَّا عل ديننا‪ ،‬وعبدان هللا تعاىل‪ ،‬ح نـ ْؤذش ‪،‬‬ ‫جاوْران هبا ش‬‫أرض احلب ـ ـ ــة‪ ،‬ش‬
‫وح نس ـ ــمع ش ـ ــيئاً نكرهت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل ذلك قري ـ ـ ـاً ائتمروا أن يبعثوا إىل النَّ اش ـ ــي فينا رجل‬
‫مكة‪ ،‬وكان من أع ما رتيت‬ ‫شج ْلدين(‪ ،)4‬وأن يـ ْهدوا للنَّ اش ـ ـ ِـي هداَي اَّا يس ـ ــتطر من متاي َّ‬

‫الروض األنف ‪ ،‬للسهيلي (‪.)228/3‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫القوة وال دَّة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )4‬اجللد‬
‫‪325‬‬
‫منها إليت ا دم(‪ ،)1‬ف معوا لت آدماً كثرياً‪ ،‬و ي كوا من بطارقتت(‪ )2‬بِطْريقاً إح أ ْشه شد ْوا لت هديَّةً‪ ،‬مثَّ‬
‫همي‪،‬‬
‫اَّهايومي‪ ،‬وعمرو بن العاص بن وائل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫َّ‬ ‫بعثوا بذلك عبد هللا بن أيب ربيعة ابن اَّ رية‬
‫كل بطريق هديَّتت قبل أن تكلِموا النَّ اشــي فيهم‪ ،‬مثَّ ِ‬
‫قدما‬ ‫وأمرولا أبمرهم‪ ،‬وقالوا يما ادفعا إىل ِ‬
‫َّ‬
‫للنَّ اشـ ـ ـ ِـي هداَيه‪ ،‬مثَّ ـ ـ ــاله أن ي ْس ـ ـ ـلِ شمهم إليكما قبل أن يكلِمهم‪ .‬قالت فهرجا‪ ،‬فقدما عل‬
‫يبق من بطارقتت بطريق إح دفعا إليت هديتت قبل‬ ‫النَّ اش ـ ِـي‪ ،‬وحنن عنده ري دا ٍر‪ ،‬وخري جا ٍر‪ ،‬فلم ش‬
‫لكل بطر ٍيق منهم إنَّت هللابأ إىل بلد اَّلك منا لمان فهاء‪ ،‬فارقوا‬ ‫اشي‪ ،‬مث قاح ِ‬ ‫ِ‬
‫أن يكلما النَّ َّ‬
‫دين قومهم‪ ،‬و يــدخلوا يف دينكم‪ ،‬وجــايوا بــدي ٍن مبتـ ٍ‬
‫ـدي ح نعرفــت حنن‪ ،‬وح أنتم‪ ،‬وقــد بشـ شعثشـنشـا إىل‬
‫اَّلك فيهم أشرا قومهم من اابئهم‪ ،‬وأعمامهم ل ُّدوهم إليهم‪ ،‬فَذا كلَّمنا اَّلك فيهم فأشريوا‬
‫ـَن قومهم أعل هبم عينـاً(‪ ،)3‬وأعلم مبــا عــابوا عليهم‪.‬‬ ‫عليــت أبن ي ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِ شمهم إلينــا‪ ،‬وح يكلِمهم‪ ،‬فـ َّ‬
‫فقالوا يما نعم ‪ .‬مثَّ إ‪،‬ما َّقراب هداَيلا إىل النَّ اشـ ـ ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬فقبلها منهما‪ ،‬مثَّ كلَّماه‪ ،‬فقاح لت أيها‬
‫اَّلك! إنَّت قد هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبأ إىل بلدك منا لمان ـ ـ ـ ـ ـ ــفهاء‪ ،‬فارقوا دين قومهم‪ ،‬و يدخلوا يف دينك‪،‬‬
‫قومهم من اابئهم‪،‬‬ ‫وج ــايوا ب ــدي ٍن مبت ـ ٍ‬
‫ـدي ح نعرف ــت حنن‪ ،‬وح أن ــت‪ ،‬وق ــد بشـ شعثشـنش ـا فيهم أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا‬
‫وأعمامهم‪ ،‬وع ائرهم ل َّدهم إليهم‪ ،‬فهم أعل هبم عيناً‪ ،‬وأعلم مبا عابوا عليهم‪ ،‬وعاتبوهم فيت‪.‬‬
‫ض إىل عبد هللا بن أيب ربيعة‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬من أن يس ـ ــمع‬
‫قالت و يكن ش ـ ــيء أب ش‬
‫النَّ اش ـ ـ ـ ـ ُّـي كالمهم‪ ،‬فقالت بطارقتت حولت هللا ـ ـ ـ ــدقا أيها اَّلك! قومهم أعل هبم عيناً‪ ،‬وأعلم مبا‬
‫فلريدا‪،‬م إىل بالدهم‪ ،‬وقومهم‪.‬‬ ‫عابوا عليهم‪ ،‬فأش ْ لِ ْمهم إليهما‪َّ ،‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫قالت ف ض ـ النَّ اش ـ ُّـي‪ ،‬مثَّ قال ح شهْيم هللا! إذاً ح أ ــلمهم إليهما وح أكاد ‪ ،‬قوماً‬
‫حض أدعوهم‪ ،‬فأ ـ ـ ــأيم ما يقول هذان يف‬
‫جاوروين‪ ،‬ونايلوا بالدأ‪ ،‬واختاروين عل شم ْن ـ ـ ـواأ‪َّ ،‬‬
‫أمرهم؟ فَن كانوا كما يقولون أ ـ ـ ــلمتهم إليهما‪ ،‬ورددهتم إىل قومهم‪ ،‬وإن كانوا عل ري ذلك‬

‫(‪ )1‬األدم ع أد ‪ ،‬وهو اجللد اَّدبوغ‪.‬‬


‫الروم‪.‬‬
‫ع بطريق وهو احلاذق ابحلرب وأمورها بل ة ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الروض األنف (‪.)92/1‬‬


‫السهيلي أأ أبصر هبم ‪ ،‬أأ أعينهم وأبصارهم فوق ع ريهم يف أمرهم ‪ ،‬وانظر َّ‬ ‫أعل هبم عيناً قال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬واَّعىن ح وهللا!‬


‫(‪ )5‬ح أكاد أأ وح أخ أن يللق فيت كيد ‪ ،‬ويف رية ابن ه ام وح يكاد قوم جاوروين‪.‬‬
‫‪326‬‬
‫منعتهم منهما‪ ،‬وأحسنت جوارهم‪ ،‬ما جاوروين(‪.)1‬‬
‫جاشي‪:‬‬
‫حوار بني جعفر‪ ،‬والنَّ ِّ‬
‫‪ٌ -2‬‬
‫اشي إىل أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فدعاهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاءهم‬
‫مثَّ أر ل النَّ ُّ‬
‫للرجل إذا جئتموه؟ قالوا نقول وهللا ما‬ ‫ر ـ ـ ـ ـولت اجتمعوا‪ ،‬مثَّ قال بعض ـ ـ ـ ــهم ٍ‬
‫لبعض ما تقولون َّ‬
‫علَّمنا‪ ،‬وما أ ششمشران بت نبيُّنا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬كائناً يف ذلك ما هو كائن‪ .‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جايوه‪ ،‬وقد‬
‫دعا النَّ اشي أ اقفتت(‪ ،)2‬فن روا مصاحفهم(‪ )3‬حولت‪ ،‬أيم‪ ،‬فقال ما هذا ِ‬
‫الدين الَّذأ فارقتم‬ ‫ُّ‬
‫أحد من هذه األمم؟‬‫فيت قومكم‪ ،‬و تدخلوا دي ‪ ،‬وح دين ٍ‬

‫قالت فكان الذأ كلَّمت جعفر بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬فقال لت أيُّها اَّلك! كنَّا‬
‫قوماً أهل جاهليَّة‪ ،‬نعبد األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــنام‪ ،‬وأنكل اَّيتة‪ ،‬وأنل الفواحش‪ ،‬ونقطع األرحام‪ ،‬ون ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيء‬
‫حض بعث هللا إلينا ر ـ ــوحً نعر نس ـ ــبت‪،‬‬
‫ض ـ ـعيف‪ ،‬فكنَّا عل ذلك‪َّ ،‬‬
‫القوأ منَّا ال َّ‬
‫اجلوار‪ ،‬وركل ُّ‬
‫وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــدقت‪ ،‬وأمانتت‪ ،‬وعفافت‪ ،‬فدعاان إىل هللا ِ‬
‫لنوحده‪ ،‬ونعبده‪ ،‬وَنلع ما كنا نعبد حنن واابيان من‬
‫الرحم‪ ،‬وحسن اجلوار‪،‬‬ ‫دونت من احل ارة‪ ،‬واألواثن‪ ،‬وأمران بصدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وهللالة َّ‬
‫الكف عن اَّ ــارم وال ـ ِـدم ــاء‪ ،‬و‪ ،‬ــاان عن الفواحش‪ ،‬وقول ُّ‬
‫الايور‪ ،‬وأك ــل م ــال اليتيم‪ ،‬وقشـ ـ ْذ‬ ‫و ِ‬
‫الايكاة‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـ ـيام‪.‬‬ ‫ص ـ ـ ـالة‪ ،‬و َّ‬
‫اَّصـ ـ ــنات‪ ،‬وأمران أن نعبد هللا وحده‪ ،‬ح ن ـ ـ ــرك بت شـ ـ ــيئاً‪ ،‬وأمران ابل َّ‬
‫قالت فعدَّد عليت أمور ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ‪ -‬فص ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّقناه‪ ،‬وامنَّا بت‪ ،‬واتَّبعناه عل ما جاء بت‪ ،‬فعبدان هللا‬
‫أحل لنا‪ ،‬فعدا علينا قوم نا‪،‬‬
‫وحرمنا ما شحَّرم علينا‪ ،‬وأحللنا ما َّ‬
‫وحده‪ ،‬فلم ن ـ ـ ـ ـ ـ ــرك بت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪َّ ،‬‬
‫ـتلل‬
‫ـتلل ما كنَّا نسـ ُّ‬
‫لريدوان إىل عبادة األواثن من عبادة هللا‪ ،‬وأن نسـ َّ‬
‫فعذبوان‪ ،‬وفتنوان عن ديننا‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫من اخلبائث‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قهروان‪ ،‬وظلموان‪ ،‬وشـ ُّـقوا علينا‪ ،‬وحالوا بيننا وب ديننا خرجنا إىل بلدك‪،‬‬
‫ظلم عندك أيُّها اَّلك(‪.)4‬‬
‫واخ انك عل شم ْن واك‪ ،‬ور بنا يف جوارك‪ ،‬ورجوان أح ن ش‬

‫(‪ )1‬أخرجت أحد (‪ )290/5‬وقال إ ناده هللالي ‪ ،‬ورقمت (‪.)22498‬‬


‫الرئيس من علماء النَّصار ‪.‬‬
‫أ اقفتت ع األ قف ‪ ،‬وهو العا و َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫يسمو‪،‬ا مصاحف‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أأ أانجيلهم ‪ ،‬وكانوا ُّ‬


‫(‪ )4‬مسند المام أحد (‪.)203 ، 202/1‬‬
‫‪327‬‬
‫قالت فقال لت النَّ اش ـ ـ ـ ــي هل معك اَّا جاء بت عن هللا من ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء؟ قال لت جعفر نعم‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫علي‪.‬‬
‫اشي فاقرأه َّ‬ ‫فقال لت النَّ ُّ‬
‫ضـ ـ شل(‪ )1‬حليتت‪،‬‬
‫شخ ش‬
‫حض أ ْ‬
‫فقرأ عليت هللا ــدراً من ﴿كهيعص ﴾‪ ،‬قالت فبك ‪ ،‬وهللا النَّ اش ـ ُّـي‪َّ ،‬‬
‫حض أخضلوا مصاحفهم ح مسعوا ما تال عليهم‪.‬‬
‫وبكت أ اقفتت‪َّ ،‬‬
‫إن هذا ‪ -‬وهللا! ‪ -‬والَّذأ جاء بت مو ـ ـ ‪ ،‬ليهرً من م ـ ــكاةٍ واحدةٍ‪،‬‬
‫مثَّ قال النَّ اشـ ـ ُّـي َّ‬
‫انطلقا فوهللا ح أ ْ لِمهم إليكما أبداً‪ ،‬وح يكادون(‪.)2‬‬
‫َّجاشي‪:‬‬
‫للدس بني املواجرين والن ِّ‬ ‫‪ - 3‬حماولة أخر َّ‬
‫اشي‬
‫قالت فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً كل من عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد هللا بن أيب ربيعة‪ ،‬من عند النَّ ِ‬
‫قال عمرو بن العاص وهللا! حتينَّت داً عنهم مبا أ تأهللال بت خضراءهم(‪ .)3‬قالت فقال لت عبد‬
‫الرجل فينا ‪ -‬ح تفعل َّ‬
‫فَن يم أرحاماً‪ ،‬وإن كانوا قد خالفوان‪.‬‬ ‫هللا بن ربيعة ‪ -‬وكان أتق َّ‬
‫قال وهللا! ألخربنَّت َّأ‪،‬م يايعمون أن عيس ـ ـ ـ ـ ـ ابن مر عبد‪ ،‬قالت مثَّ دا عليت من ال د‪،‬‬
‫فقال لت أيها اَّلك! َّإ‪،‬م يقولون يف عيس ـ ـ ابن مر قوحً عظيماً فأر ـ ــل إليهم‪ ،‬فا ـ ــأيم َّ‬
‫عما‬
‫قا‪ ،‬فاجتمع القوم‪،‬‬‫يقولون فيت‪ ،‬قالت فأر ـ ـ ـ ـ ــل إليهم يس ـ ـ ـ ـ ــأيم عنت‪ ،‬قالت و ينايل بنا مثلها ُّ‬
‫فقال بعضهم ٍ‬
‫لبعض ماذا تقولون يف عيس إذا ألكم عنت؟ قالوا نقول ‪ -‬وهللا! ‪ -‬فيت ما قالت‬
‫هللا‪ ،‬وما جاء بت نبيُّنا كائناً يف ذلك ما هو كائن‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دخلوا عليت قال يم ما تقولون يف‬
‫عيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ابن مر ؟ فقال لت جعفر بن أيب طال ٍ نقول فيت الَّذأ جاء بت نبيُّنا‪ ،‬هو عبد هللا‪،‬‬
‫ور ولت‪ ،‬وروحت‪ ،‬وكلمتت ألقاها إىل مر العذارء(‪ )4‬البشـتول(‪.)5‬‬
‫قالت فضـ ـ ــرب النَّ اشـ ـ ــي يده إىل األرض‪ ،‬فأخذ منها عوداً‪ ،‬مثَّ قال ما عدا عيس ـ ـ ـ ابن‬

‫(‪ )1‬ابتلت ابلدُّموي يقال خضل وأخضل إذا ندأ ‪ ،‬النهاية (‪.)43/3‬‬
‫اَّعىن وح يعودون إىل قومهم ليكيدوهم ‪ِ ،‬‬
‫ويعذبوهم‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مسند المام أحد (‪ ، )203 ، 202/1‬وح يكادون لعل َّ‬
‫أجتث بت ش رة حياهتم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أ تأهللال بت خضراءهم أأ مبا ُّ‬
‫ميسها رجل ‪ ،‬وهي البكر‪.‬‬
‫العذارء اجلارية اليت َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬يقال امرأة بتول منقطعة عن ِ‬


‫الرجال ‪ ،‬ح شهوة يا فيهم‪.‬‬
‫‪328‬‬
‫ـت هـذا العود‪ ،‬فتنـآخرت(‪ )1‬بطـارقتـت حولـت ح قـال مـا قـال‪ ،‬فقـال وإن َنرذ وهللا!‬ ‫مر مـا قل ش‬
‫اذهبوا فأنتم شيوم أبر ي (وال ُّيوم احمنون) من بَّكم ش ِرشم‪ ،‬مثَّ من بَّكم رم‪ ،‬فما أ ِح ُّ أن‬
‫ردوا عليهما هداَيلا‪ ،‬فال‬‫س شدبشراً ذهباً‪ ،‬و ِأين اذيت رجالً منكم‪ ،‬والدَّبر بلس ـ ــان احلب ـ ــة اجلعل‪ُّ ،‬‬
‫الرشوة في ـ ـ ــت‪ ،‬وما أطاي‬
‫علي م ْلكي فاخ شذ َّ‬
‫الرشوة ح رد َّ‬ ‫حاجة لنا هبا‪ ،‬فوهللا! ما أخذ هللا م َّ‬
‫وح ْ ِ ‪ ،‬مردوداً عليهما ما جاءا ب ــت‪ ،‬وأقمن ــا‬
‫يف‪ ،‬فأطيعهم في ــت‪ ،‬قالت فهرجا من عنده شم ْقب ش‬‫النَّاس َّ‬
‫[أمحد (‪ )203 - 202/1‬و(‪ )292 - 290/5‬وابن هشام (‪ )362 - 357/1‬وأبو نعيم يف‬ ‫عنده ري دا ٍر مع خي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر جا ٍر‪.‬‬
‫دالئل النبوة (‪ )194‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])304 - 301/2‬‬

‫جاشي‪:‬‬
‫‪ - 4‬إسالم النَّ ِّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وإن كان قد أخف إميانت‬ ‫بنبوة الن ِ‬
‫وقد أ ــلم النَّ اش ـ ُّـي‪ ،‬وهللا ــدَّق َّ‬
‫عن قومت لِ شما علمت فيهم من الثَّبات عل الباطل‪ ،‬وحرهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــهم عل ال َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالل‪ ،‬و ودهم عل‬
‫العقائد اَّنلرفـ ـ ـ ــة ‪ -‬وإن هللاآدمت العقل‪ ،‬والنَّقـ ـ ـ ــل ‪[ -‬البخاري (‪ )1245‬ومسلم (‪ 62/951‬و‪ ،])63‬فعن أيب‬
‫أن ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم نع النَّ اش ـ َّـي يف اليوم الَّذأ مات‬
‫هريرة ر ــي هللا عنت « َّ‬
‫ات»(‪ ،)2‬وعن جاب ـ ٍر ر ي هللا عن ــت‬‫كرب عليت أربع تكبري ٍ‬
‫فصف هبم‪ ،‬و َّ‬ ‫فيت‪ ،‬وخرً هبم إىل اَّصلَّ ‪َّ ،‬‬
‫اشي «مات الي ـ ـ ــوم رجل هللااأ فقوموا‪،‬‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ح مات النَّ ُّ‬ ‫ق ـ ـ ــال قال الن ُّ‬
‫فصلُّوا عل أخيكم أهللالمة» [البخاري (‪ . ])3877‬وكانت وفاتـ ـ ـ ـ ـ ــت ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬نـ ـ ـ ـ ـ ــة تس ٍع عند‬
‫ـان قبل فت َّ‬
‫مكة»(‪.)3‬‬ ‫األكثر‪ ،‬وقيل نـة ش ٍ‬

‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬


‫ٌ‬
‫إن ثبات اَّؤمن عل عقيدهتم‪ ،‬بعد أن يـْن ِايشل هبم األش ـ ـرار‪ ،‬وال َّ‬
‫ض ـ ـالون أنواي العذاب‪،‬‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫واح ـ ـ ــطهاد دليل عل ِهللا ـ ـ ـ ْدق إميا‪،‬م‪ ،‬وإخالهللاـ ـ ــهم يف معتقداهتم‪ِ ،‬‬
‫ومسو نفو ـ ـ ــهم‪ ،‬وأرواحهم‪،‬‬
‫ض ـمري‪ ،‬واطمئنان النَّفس والعقل‪ .‬وما رملونت من ر ــا هللا ‪-‬‬
‫حبيث يرون ما هم عليت من راحة ال َّ‬

‫(‪ )1‬فتناخرت أأ تكلَّمت ‪ ،‬وكأنت كالم مع ض ٍ ونفور‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫(‪ )3‬أ د ال ابة (‪ ، )99/1‬والهللاابة (‪.)109/1‬‬
‫‪329‬‬
‫وحرمان‪ ،‬وا ـ ٍ‬
‫ـطهاد َّ‬
‫ألن الســيطرة‬ ‫ٍ‬ ‫ـادهم‪ ،‬من تعذي ٍ ‪،‬‬
‫جل شــأنت ‪ ،-‬أعظم بكثري اَّا ينال أجسـ ش‬
‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـادق ‪ ،‬والدُّعاة اَّهلص ـ ـ ـ ‪ ،‬تكون دائماً وأبداً ألرواحهم‪ ،‬ح ألجسـ ـ ــادهم‪ ،‬وهم‬
‫يف اَّؤمن ال َّ‬
‫يسرعون إىل تلبية مطال أرواحهم‪ ،‬من حيث ح يبالون مبا تتطلَّبت أجسامهم‪ ،‬من ر ٍ‬
‫احة‪ ،‬وشب ٍع‪،‬‬
‫تتلرر اجلماهري من الظُّلمات‪ ،‬واجلهاحت(‪.)1‬‬ ‫و َّلذةٍ‪ ،‬وهبذا تنتصر الدَّعوات‪ ،‬وهبذا َّ‬
‫الر ـ ــول الكر هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫‪ - 2‬اَّا يتبادر إىل ِ‬
‫الذهن من هذه اي رة العظيمة‪ ،‬ش ـ ــفقة َّ‬
‫عما فيت أمنهم وراحتهم‪ ،‬ولذلك‬
‫و ـ ــلم عل أهللا ـ ــلابت‪ ،‬ورحتت هبم‪ ،‬وحرهللا ـ ــت ال َّ ـ ـ ـديد للبلث َّ‬
‫ابلذهاب إىل اَّلك العادل الَّذأ ح يظْلم أحد عنده‪ ،‬فكان األمر كما قال هللا ــل‬
‫أش ــار عليهم َّ‬
‫ٍ (‪)2‬‬
‫فالر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫منايل ‪َّ ،‬‬ ‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فأمنوا يف دينهم‪ ،‬ونايلوا عنده يف خري‬
‫هو الَّـذأ و َّجـت األنظــار إىل احلب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وهو الَّـذأ اختــار اَّكــان احمن جلمــاعتــت‪ ،‬ودعوتــت كي‬
‫ٍ‬
‫حبكمة‪ ،‬وبـ ْعد‬ ‫كل عصـ ـ ـ ـ ٍر أن ِ‬
‫هطا‬ ‫ميها من الابدة‪ ،‬وهذه تربية نبويَّة لقيادات اَّس ـ ـ ــلم يف ِ‬
‫نظ ٍر حلماية الدَّعوة‪ ،‬والدُّعاة‪ ،‬وتبلث عن األرض احمنة الَّيت تكون عاهللا ـ ـ ـ ــمةً احتياطيَّةً للدَّعوة‪،‬‬
‫الرئيسـ ـ ُّـي للهطر‪ ،‬أو وقع احتمال اجتياحت ‪-‬‬
‫تعرض اَّركاي َّ‬
‫ومركاياً من مراكاي انطالقها ‪ -‬فيما لو َّ‬
‫ف نود الدَّعوة هم الثَّروة احلقيقية‪ ،‬وهم الَّذين تنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ اجلهود كلُّها حلفظهم‪ ،‬وحايتهم دون أن‬
‫يا يف أرواحهم‪ ،‬وأمنهم‪ ،‬ومس ــلم واحد يعادل ما عل األرض من ب ـ ٍر خارج عن‬ ‫أأ تفر ٍ‬‫يتم ُّ‬
‫َّ‬
‫دين هللا‪ ،‬وتوحيده(‪.)3‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫‪ - 3‬كانت األهدا من ه رة احلب ــة متعددةً‪ ،‬ولذلك حرص الن ُّ‬
‫يش منت‪،‬‬‫نوعيات معيَّ ٍنة لتلقيق هذه األهدا ‪ ،‬ك ــر قضـ ـيَّة ال ــالم‪ ،‬وموقف قر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عل اختيار‬
‫حترٍك ـ ــيا ـ ٍـي‪،‬‬ ‫الرأأ ِ‬
‫العام بعدالة قض ـ ـيَّة اَّسـ ــلم عل حنو ما تفعلت الدُّول احلديثة من ُّ‬ ‫وإقناي َّ‬
‫أرض جديدةٍ للدَّعوة‪ ،‬فلذلك هاجر‬
‫ٍ‬ ‫الرأأ ِ‬
‫العام إىل جوارها(‪ ،)4‬وفت‬ ‫ي ــر قض ــاَيها‪ ،‬وكسـ ـ َّ‬

‫للدكتور مصطف ِ‬
‫السباعي ‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬
‫السرية النَّبوية ‪ُّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة ‪ ،‬لل ضبان (‪.)333/1‬‬
‫حممد بع ‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫(‪ )4‬أ واء عل اي رة ‪ ،‬لتوفيق َّ‬
‫‪330‬‬
‫ص ـ ْل ‪ ،‬وأوكل األمر إىل جعفر ر ــي هللا‬
‫ص ـلابة يف بداية األمر‪ ،‬مثَّ حلق هبم أكثر ال َّ‬
‫ــادات ال َّ‬
‫عنت(‪.)1‬‬
‫إن وجود اب ــن ِ‬
‫عم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم جعفر‪ ،‬وهللاهره عثمان‪ ،‬وابنتت رقيَّ ــة‬ ‫‪َّ - 4‬‬
‫أن األخطار ح َّ‬
‫بد‬ ‫‪ -‬ر ـ ـ ــي هللا عنهم يعاً ‪ -‬يف ِ‬
‫مقدمة اَّهاجرين لت دحلة عميقة‪ ،‬ت ـ ـ ــري إىل َّ‬
‫اص القــائــد يف منــأ ً عن‬ ‫اَّقربون إىل القــائــد‪ ،‬وأهلــت‪ ،‬ورحــت‪ ،‬أ َّمـا أن يكون خو ُّ‬
‫أن يت َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمهــا َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫اخلطر‪ ،‬وي ْدفشع إليت األبعدون ري ذوأ اَّكانة فهو منهت بعيد عن ‪،‬ت الن ِ‬
‫و لم (‪.)3‬‬
‫مكة عل فض ـ ــلها ‪ -‬إذا كان اخلروً‬ ‫‪ - 5‬م ـ ــروعية اخلروً من الوطن ‪ -‬وإن كان الوطن َّ‬
‫فراراً ِ‬
‫ابلدين ‪ -‬وإن يكن إىل دار إ ــالم ‪َّ -‬‬
‫فَن أهل احلب ــة كانوا نص ــار ‪ ،‬يعبدون اَّس ــي ‪،‬‬
‫حديث ِأم ـ ـ ـ ـ ــلمة اَّتق ِدم ‪-‬‬ ‫وح يقولون هو عبد هللا‪ ،‬وقد تب َّ ذلك يف هذا احلديث ‪ -‬يع‬
‫ومسُّوا هبذه مهاجرين‪ ،‬وهم أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب اي رت الَّذين أثىن هللا تعاىل عليهم ابل َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبق‪ ،‬فقال‬
‫السابِقو شن األ َّشولو شن﴾‬
‫﴿و َّ‬
‫ش‬
‫وجاء يف التفســري َّإ‪،‬م هم الذين شــهدوا بيعة ِ‬
‫الر ـوان(‪ ،)2‬فانظر كيف أثىن هللا عليهم هبذه‬
‫اي رة‪ ،‬وهم قد خرجوا من بيت هللا احلرام إىل دار الكفر ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان فعلهم ذلك احتياطاً عل‬
‫دينهم‪ ،‬ورجاء أن خيلي بينهم وب عبادة رهبم يذكرونت امن مطمئن ‪ ،‬وهذا حكم مســتمر مض‬
‫لللق‪ ،‬ورجا أن يكون يف ٍ‬
‫بلد‬ ‫احلق مؤمن‪ ،‬ورأ الباطل قاهراً ِ‬‫بلد‪ ،‬وأوذأ عل ِ‬ ‫ل اَّنكر يف ٍ‬
‫أأ ٍ‬
‫بلد كان ‪ -‬خيلَّ بينت وب دينت‪ ،‬ويظهر فيت عبادة ربِت فَن اخلروً عل هذا الوجت‬ ‫آخر ‪َّ -‬‬
‫﴿وََِّّللِ الْ شم ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرق شوالْ شم ْ ِرب‬ ‫َّ‬
‫حق عل اَّؤمن‪ ،‬هــذه هي اي رة اليت ح تنقطع إىل يوم القيــامــة ش‬
‫اَّللش شوا ِ ع شعلِيم ﴾ [البقرة‪.)3(]115 :‬‬
‫اَّللِ إِ َّن َّ‬
‫فشأشيْـنش شما تـ شولُّوا فشـثش َّم شو ْجت َّ‬
‫‪ - 6‬جيوز للمسلم أن يدخلوا يف حاية ري اَّسلم ‪ ،‬إذا دعت احلاجة إىل ذلك‪ ،‬واء‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)333/1‬‬


‫(‪ )2‬تفسري الطَّربأ (‪ ، )6/11‬وتفسري ابن كثري (‪.)331/2‬‬
‫هيلي (‪ ، )92/2‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫للس ِ‬‫الروض األنف ‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪331‬‬
‫كان اَّ ِ ري من أهل الكتاب كالنَّ اشـ ـ ــي إذ كان نص ـ ـ ـرانياً ٍ‬
‫عندئذ‪ ،‬ولكنَّت أ ـ ـ ــلم بعد ذلك‪ ،‬أو‬
‫كان م ركاً كأولئك الَّذين عاد اَّسلمون إىل َّ‬
‫مكة يف حايتهم‪ ،‬عندما رجعوا من احلب ة‪ ،‬وكأيب‬
‫الر ــول هللاــل هللا‬ ‫عم ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وكاَّطْعِم بن ِ‬
‫عدأ‪ ،‬الذأ دخل َّ‬ ‫طال ٍ ِ‬
‫عليت و لم مكةش يف حايتت عندما رجع من الطَّائف(‪.)1‬‬
‫وهذا م ــروط ‪ -‬حبكم البداهة ‪ -‬أبحَّ تســتلايم مثل هذه احلماية إ ـراراً ابلدَّعوة ال ــالميَّة‪،‬‬
‫اَّرمات‪ ،‬وإحَّ شجي ْاي للمس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫أو ت يرياً لبعض أحكام ِ‬
‫الدين‪ ،‬أو ـ ـ ـ ـ ـ ــكواتً عل اق ا بعض َّ‬
‫الدُّخول فيها ودليل ذلك ما كان من موقفت هللاــل هللا عليت و ــلم حينما طل منت أبو طال‬
‫ـوء‪ ،‬فقد وطَّن‬ ‫أن يبقي عل نفسـ ـ ــت‪ ،‬وح ِملت ما ح يطيق‪ ،‬فال يتلدَّث عن اية اَّ ـ ـ ــرك بسـ ـ ـ ٍ‬
‫نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت إذ ذاك للهروً من حاية ِ‬
‫عمت‪ ،‬وأشىب أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــكت عن ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍي اَّا جي عليت بيانت‪،‬‬
‫وإيضاحت(‪.)2‬‬
‫نقطة ا اتي يَّ ٍة‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم اي رة إىل احلب ة ي ري إىل ٍ‬ ‫‪َّ - 7‬‬
‫إن اختيار َّ‬
‫مهم ٍة‪َ ،‬تثَّلت يف معرفة َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم مبا حولت من الدُّول‪ ،‬واَّمالك‪ ،‬فقد كان‬ ‫َّ‬
‫يعلم طيِبها ِمن خبيثها‪ ،‬وعاديا ِمن ظاَّها‪ ،‬األمر الَّذأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعد عل اختيار دا ٍر ٍ‬
‫امنة ي رة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫أهللا ــلابت‪ ،‬وهذا ما ينب ي أن يكون عليت حال قائد الدَّعوة الَّذأ ح َّ‬
‫بد أن يكون ملماً مبا جيرأ‬
‫حولت‪ ،‬مطَّلعاً عل أحوال‪ ،‬وأو اي األمم‪ ،‬واحلكومات(‪.)3‬‬
‫األول يف ه رهتم األوىل‪ ،‬وكيفيــة اخلروً‪ ،‬فيتمثـَّل يف‬
‫الرعيــل َّ‬
‫احلس األم ُّ عنــد َّ‬
‫‪ - 8‬يظهر ُّ‬
‫ٍ‬
‫نطاق ـ ــيِ ٍق‪ ،‬يايد‬ ‫حض ح تفطن لت قريش‪ ،‬فتلبطت‪ ،‬كما أنَّت ذَّ عل‬ ‫كونت ذَّ تس ـ ـلُّالً‪ ،‬وخفيةً َّ‬
‫عل ــتة ع ــر فرداً‪ ،‬فهذا العدد ح يلفت النَّظر يف حالة تسـ ـلُّلهم‪ ،‬فرداً‪ ،‬أو فردين‪ ،‬ويف الوقت‬
‫ذاتت يسـ ــاعد عل ال َّس ـ ـري بسـ ـ ٍ‬
‫ـرعة‪ ،‬وهذا ما يتطلَّبت اَّوقف َّ‬
‫فالرك يتوقَّع اَّطاردة‪ ،‬واَّالحقة يف‬
‫لعل ال ِسـ ـ ـ ـ ِريَّة اَّض ـ ـ ــروبة عل هذه اي رة‪َّ ،‬فوتت عل قر ٍ‬
‫يش العلم هبا يف حينها‪ ،‬فلم‬ ‫أأ ٍ‬
‫حلظة‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫(‪ )2‬فقت السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪ ، 126‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.317‬‬
‫(‪ )3‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبوية قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪332‬‬
‫مؤخراً‪ ،‬فقامت يف إثرهم لتللق هبم‪ ،‬لكنَّها أخفقت يف ذلك‪ ،‬فعندما وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلت‬ ‫تعلم هبا إح َّ‬
‫حتركــاتــت‬ ‫البلر دــد أحــداً‪ ،‬وهــذا اـَّا يؤكِ ـد عل َّ‬
‫أن احلــذر هو اـَّا جي ـ أن يلتايمــت اَّؤمن يف ُّ‬
‫َّلركات كلُّها مك ـ ـ ــوفةً‪ ،‬ومعلومةً ِ‬
‫للعدو حبيث ي تَّ عليها ال ـ ـ ـرار بت‬ ‫الدَّعوية‪ ،‬فال تكون الت ُّ‬
‫وابلدَّعوة(‪.)1‬‬
‫‪ - 9‬ترض قريش روً اَّســلم إىل احلب ــة‪ ،‬وشــعرت ابخلطر الَّذأ ِ‬
‫يهدد مصــاحلها يف‬ ‫ش‬
‫اَّســتقبل‪ ،‬فرمبَّا تكرب اجلالية هناك‪ ،‬وتصــب َّقوًة خطرًة‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫جد اَّ ــركون‪ ،‬وشــرعوا يف األخذ‬
‫ابأل ـ ـ ـ ـ ـ ــباب لعادة اَّهاجرين‪ ،‬وبدأت قريش تالحق اَّهاجرين لكي تنايي هذا اَّوقع ا جلديد‬
‫عت اخلطَّة داخل‬‫ذكي ابيداَي إىل النَّ اش ـ ِـي‪ ،‬وايداَي إىل بطارقتت‪ ،‬وو ِ ـ ِ‬ ‫ٍ‬
‫هطيا حمك ٍم ٍ‬ ‫منهم يف‬
‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬وكيف توزَّي ايداَي‪ ،‬وما نوعية الكالم الَّذأ يرافق ايداَي‪ ،‬وهللا ـ ـ ــفات ال ُّسـ ـ ـ ـفراء‪ ،‬فعمرو من‬
‫عدوان‪ ،‬وأح ننام عن‬
‫أهللاـ ـ ـ ـ ــدقاء النَّ اشـ ـ ـ ـ ــي ومعرو ابلدَّهاء ‪ .‬ما أحوجنا إىل أح نسـ ـ ـ ـ ــتص ـ ـ ـ ـ ـ ر َّ‬
‫لنستعد َّواجهة ملطَّطاتت اَّاكرة!(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫حتركاتت‬
‫احلقيقي‪ ،‬وندرس ُّ‬‫َّ‬ ‫ملطَّطاتت‪ ،‬وأن نعطيت ح مت‬
‫اشي الَّيت‬
‫ألن شهصيـ ــة النَّ ِ‬ ‫‪ - 10‬نـ ـ ِـفذت خطَّة قر ٍ‬
‫يش حبذافريها كامل ـ ـةً‪ ،‬ولكنَّها ف لت َّ‬
‫ذَّ جوارها رفض ــت أن تس ــلِم اَّس ــلم قبل ال َّسـ ـماي منهم وبذلك أاتحت الفرهللا ــة للمس ــلم‬
‫ليعر وا قضيَّتهم العادلة‪ ،‬ودينهم القو ‪.‬‬
‫ص ـ ـلابة ح جاءهم ر ـ ــول النَّ اش ـ ــي‪ ،‬طل منهم احلض ـ ــور‪ ،‬وتدار ـ ـوا‬
‫‪ - 11‬اجتمع ال َّ‬
‫يتم عن طريق ال ُّ ـور هو أدع إىل‬ ‫كل أم ٍر ُّ‬ ‫اَّوقف‪ ،‬وهكذا كان أمر اَّســلم شــور بينهم‪ ،‬و ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة‬ ‫عقول كثريةٍ‪ .‬وتبدو مظاهر ال ُّس ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫مو ال َّ ِ‬
‫بوأ يف كون ال َّ‬ ‫ُاحت ألنَّت يضـ ـ ـ ـ ُّـم خالهللاـ ـ ـ ــة ٍ‬
‫خيتلفوا‪ ،‬بل أ عوا عل رأ ٍأ و ٍ‬
‫احد‪ ،‬أح وهو أن يعرض ال ـ ــالم كما جاء بت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل‬
‫هللا عليت و لم ‪ ،‬كائناً يف ذلك ما هو كائن‪ ،‬وعايموا عل عرض ال الم بعايةٍ وإن كان يف ذلك‬
‫هالكهم(‪.)3‬‬

‫السابق نفست‪.‬‬
‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)317/1‬‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)92/2‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ - 12‬كان شو ْعي القيادة النَّبويَّة عل مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتو األحداث‪ ،‬ولذلك و ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع جعفر بن أيب‬
‫طال ٍ عل إمارة اَّسلم يف اي رة‪ ،‬وذَّ اختياره من قِبش ِل اَّسلم اَّهاجرين ليتلدَّث ابمسهم‬
‫ليتمكن من مواجهة داهية العرب عمرو بن العاص‪ ،‬وقد امتازت ش ـ ـ ـ ــهص ـ ـ ـ ـيَّة‬ ‫ب يدأ اَّلك و َّ‬
‫أن جعفر بن أيب طال ٍ من‬ ‫جعفر بعدَّة أموٍر‪ ،‬جعلتها تتقدَّم لس ـ ـ ـ ـ ـ ِـد هذه الثُّ رة العظيمة منها َّ‬
‫بيت و ٍ‬
‫احد‪ ،‬فهو أخرب النَّاس‬ ‫ألصــق النَّاس بر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقد عاش معت يف ٍ‬
‫األمة من ب ِ‬
‫كل اَّهاجرين إىل احلب ة‪.‬‬ ‫بقائد الدَّعوة‪ ،‬و يِد َّ‬
‫قمة قريش نســباً‪،‬‬ ‫وهذا اَّوقف ب يدأ النَّ اشـ ِـي تاً إىل بال ٍة‪ ،‬وفصـ ٍ‬
‫ـاحة‪ ،‬وبنو هاشــم َّ‬
‫وفض ـ ـالً‪ ،‬وجعفر يف ُّ‬
‫الذيابة(‪ )1‬من ب هاش ــم‪ ،‬وهللا تعاىل قد اختار هاطاً من كنانة‪ ،‬واختار نبيَّت‬
‫من ب هاشم فهو أفص النَّاس لساانً‪ ،‬وأو طهم نسباً‪.‬‬
‫اشي أكثر اطمئناانً‪ ،‬وثقةً مبا‬
‫عم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهذا جيعل النَّ َّ‬‫وهو ابن ِ‬
‫يعرض عن ابن ِ‬
‫عمت(‪.)2‬‬
‫ُّبوة‪ ،‬و ال شخ ْل ِقت اَّنلدر من أهللاــالب ب هاشــم‪ ،‬فقد‬
‫خلق جعفر اَّقتبس من م ــكاة الن َّ‬
‫[البخاري (‪ )2699‬والرتمذي‬ ‫قال ر ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم جلعفر «أشـ ــبهت شخ ْلقي‪ ،‬وخلقي»‬
‫الايمان‪ ،‬و ِ‬
‫كر العصــور‪،‬‬ ‫(‪ ])3765‬فال َّس ـفري ب يدأ النَّ اشــي كان قدوًة لســفراء اَّســلم عل ِ‬
‫مر َّ‬
‫فقد اتَّصــف بســمات ال ُّس ـفراء اَّســلم كال ــالم‪ ،‬واحنتماء إليت‪ ،‬والفصــاحة‪ ،‬والعلم‪ ،‬وحســن‬
‫الصرب‪ ،‬وال َّ اعة‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬و عة احليلة‪ ،‬واَّظهر َّ‬
‫اجلذاب(‪.)3‬‬ ‫اخللق‪ ،‬و َّ‬
‫‪ - 13‬كان عمرو بن العاص ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وهو ميثِل يف تلك اَّرحلة عداوة هللا ور ـ ـ ـ ـولت‬
‫الذكاء‪ ،‬والدَّهاء‪ ،‬واَّكر‪ ،‬وكان قبل دخول جعفر‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم عل مس ــتو كب ٍري من َّ‬
‫ً‬
‫كل ما لديت من ح َّ ٍة‪ ،‬وألق هبا ب يدأ النَّ اش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬من خالل النقاط‬
‫وحديثت قد ش ـ ـ ـ ـ ـ ــلن َّ‬
‫حممد هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫ا تية حتدَّث عن بلبلة ِ‬
‫جو مكة‪ ،‬وفس ـ ـ ـ ـ ــاد ذات بينها‪ ،‬من خالل دعوة َّ‬

‫كل شيء أعاله‪.‬‬ ‫(‪ُّ )1‬‬


‫الذيابة من ِ‬
‫(‪ )2‬ال َّ يبة القياديَّة (‪.)335/1‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم َّمود شيت خطاب (‪ 252/2‬إىل ‪.)317‬‬
‫(‪ )3‬انظر فراء الن ِ‬
‫‪334‬‬
‫مكة‪ ،‬واثِلها ب يدأ النَّ اش ـ ِـي‪ ،‬فكالمت مص ــدَّق‪ ،‬ح يع يت ال َّ ـ ُّ‬
‫ك‪ ،‬وهو‬ ‫و ــلم ‪ ،‬وهو ــفري َّ‬
‫اشي مو ع ٍ‬
‫ثقة‪.‬‬ ‫عند النَّ ِ‬
‫اشي‪ ،‬كما‬
‫حممد (ﷺ) ‪ ،‬فرمبا يايلايلون األرض حتت قدمي النَّ ِ‬
‫وقد حتدث عن خطورة أتباي َّ‬
‫مكة‪ ،‬ولوح ح ُّ قريش للنَّ اش ـ ـ ِـي‪ ،‬وهللا ـ ــداقتها معت ما تعنَّوا هذا العناء لنص ـ ــلت‬ ‫جو َّ‬ ‫أفس ـ ــدوا َّ‬
‫أقل من ِرد‬ ‫ـدق‪ ،‬أتل إىل ع ـ ـ ـ ـ ـ ــريتنا ابَّعرو ‪ ،‬ورمن اتجران عندك» فال َّ‬ ‫«وأنت لنا عيـبة هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫شْ ش‬
‫اَّعرو مبثلت‪ ،‬وحتذيره من هذه الفتنة اَّهيفة‪.‬‬
‫وأخطر ما يف أمرهم هو خروجهم عل عقيدة النَّ اشـ ِـي‪ ،‬وكفرهم هبا فهم ح ي ــهدون َّ‬
‫أن‬
‫عيس ابن مر إلت‪ ،‬فليسوا عل دين قومهم‪ ،‬وليسوا عل دينك فهم مبتدعة‪ ،‬دعاة ٍ‬
‫فتنة‪.‬‬
‫ودليل ا تص ارهم ل أن اَّلك‪ ،‬وا تهفافهم بت َّ‬
‫أن كل النَّاس يس دون للملك لكنَّهم ح‬
‫الرع يف نفس ـ ـ ـ ــت من عدم اح ام‬
‫يتم إيوايهم عندك‪ ،‬وهو عودة إىل آاثرة ُّ‬
‫يفعلون ذلك‪ ،‬فكيف ُّ‬
‫كل ِ‬
‫احهتامات‬ ‫الدُّعاة لت‪ ،‬ح يس ـ ــتهفُّون مبلكت‪ ،‬وح يسـ ـ ـ دون لت‪ ،‬فكان عل جعفر أن يفنِد َّ‬
‫الباطلة‪ ،‬اليت ألصقها فري قريش ابَّهاجرين(‪.)1‬‬
‫الذكاء‪ ،‬وقِ َّمة اَّهارة الس ـ ـ ـ ــيا ـ ـ ـ ــية‪،‬‬
‫رد جعفر عل أ ـ ـ ـ ــئلة النَّ اش ـ ـ ـ ـ ِـي يف اية َّ‬
‫‪ - 14‬كان ُّ‬
‫والعالميَّة‪ ،‬والدَّعويَّة‪ ،‬والعقديَّة فقد قام ابلتَّاس‬
‫السامع‪ ،‬وقصد بذلك ت ويت هللاورة‬ ‫‪ ‬عدَّد عيوب اجلاهليَّة‪ ،‬وعر ها بصورةٍ ِ‬
‫تنفر َّ‬
‫الذميمة الَّيت ح تنتايي إح َّ‬
‫بنبوة‪.‬‬ ‫الصفات َّ‬ ‫قريش يف ع اَّلك‪ ،‬ورَّكاي عل ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬يف هذا ااتمع ا ن(‪ ،)2‬اَّليء‬ ‫‪ ‬عرض شهصيَّة َّ‬
‫ابلرذائل‪ ،‬وكيف كان بعيداً عن النَّقائص كلِها‪ ،‬ومعروفاً بنس ـ ـ ـ ـ ـ ــبت‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقت‪،‬‬
‫َّ‬
‫اَّؤهل ِ‬
‫للر الة‪.‬‬ ‫وأمانتت‪ ،‬وعفافت‪ ،‬فهو َّ‬
‫‪ ‬أبرز جعفر حما ن ال الم‪ ،‬وأخالقت‪ ،‬الَّيت تتَّفق مع أخالقيَّات دعوات األنبياء‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)340 ، 319/1‬‬


‫(‪ )2‬اح ن اَّت ِري الفا د‪.‬‬
‫‪335‬‬
‫الرحم‪ ،‬وحس ـ ـ ــن‬
‫كنبذ عبادة األواثن‪ ،‬وهللا ـ ـ ــدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وهللا ـ ـ ــلة َّ‬
‫الكف عن اَّ ــارم‪ ،‬وال ـ ِـدم ــاء‪ ،‬وإق ــام ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وإيت ــاء َّ‬
‫الايك ــاة وكون‬ ‫اجلوار‪ ،‬و ِ‬
‫النَّ اش ـ ـ ـ ـ ــي وبطارقتت مو ل يف النَّصـ ـ ـ ـ ـ ـرانية فهم يدركون َّ‬
‫أن هذه ر ـ ـ ـ ـ ــاحت‬
‫السالم‪.‬‬ ‫األنبياء الَّيت بعثوا هبا من لدن مو ‪ ،‬وعيس عليهما َّ‬
‫الصالة‪ ،‬و َّ‬
‫‪ ‬فض ما فعلتت قريش هبم َّ‬
‫أل‪،‬م رفضوا عبادة األواثن‪ ،‬وامنوا مبا نـ ِايل عل َّ‬
‫حممد‬
‫هللال هللا عليت و لم‪ ،‬وهلَّقوا لقت‪.‬‬
‫‪ ‬أحس ـ ـ ــن الثَّناء عل النَّ اش ـ ـ ـ ِـي مبا هو أهلت‪ ،‬أبنَّت ح يظْلم عنده أحد‪ ،‬وأنَّت يقيم‬
‫العدل يف قومت‪.‬‬
‫َّأ‪،‬م اختاروه كهفاً من دون النَّاس‪ ،‬فراراً من ظلم هؤحء الَّذين يريدون‬ ‫‪ ‬وأو ـ ـ ـ‬
‫تعذيبهم‪ .‬وهبذه اخلطوات البيِنة الوا لة شد شحشر بال ة عم ٍرو‪ ،‬وفصاحتت‪ ،‬وا تأثر‬
‫بل ِ النَّ اش ـ ـ ــي‪ ،‬وعقلت‪ ،‬وكذلك ا ـ ـ ــتأثر بل ِ وعقل البطارقة‪ ،‬والق ِسـ ـ ـ ـيس ـ ـ ـ ـ‬
‫احلا رين‪.‬‬
‫وعندما طل اَّلك النَّ اشـ ُّـي شــيئاً اَّا نـ ِايل عل َّ‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم جاء هللاــدر‬
‫حض بك النَّ اش ـ ـ ُّـي‪ ،‬وأ ـ ــاقفتت‪ ،‬وبلَّلوا حلاهم‪،‬‬
‫الروعة‪ ،‬والتأثري‪َّ ،‬‬
‫ـ ــورة مر ‪ ،‬يف اية الحكام و َّ‬
‫ومص ـ ـ ـ ـ ــاحفهم من الدُّموي‪ ،‬واختيار جعفر لس ـ ـ ـ ـ ــورة مر يظْهر بو ـ ـ ـ ـ ــو ٍ حكمة وذكاء مندوب‬
‫السالم(‪.)1‬‬
‫اَّهاجرين‪ ،‬فسورة مر تتلدَّث عن مر وعيس عليهما َّ‬
‫‪ ،‬والقل اَّتفتِ ‪،‬‬ ‫الايمن اَّنا‬ ‫َّ‬
‫إن عبقرية جعفر ر ي هللا عنت يف حسن اختيار اَّو وي‪ ،‬و َّ‬
‫اَّلك إىل جانبت(‪.)2‬‬
‫ش‬ ‫وال ُّلنة العاطفيَّة أدت إىل أن يرب‬
‫رد‬ ‫رده يف قض ـ ــية عيسـ ـ ـ ‪ -‬عليت ال َّسـ ـ ـالم ‪ -‬دليالً عل احلكمة‪ ،‬و َّ‬
‫الذكاء النَّادر‪ ،‬فقد َّ‬ ‫كان ُّ‬
‫أب‪،‬م ح يـ شؤِيون عيس ـ ابن مر ‪ ،‬ولكنَّهم كذلك ح خيو ــون يف عرض مر ‪ -‬عليها ال َّس ـالم ‪-‬‬

‫(‪ )1‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)337/1‬‬
‫‪336‬‬
‫كمــا خيوض الكــاذبون بــل عيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ابن مر كلمــة هللا‪ ،‬وروحــت ألقــاهــا إىل مر البتول العــذراء‬
‫الطَّاهرة‪ ،‬وليس عند النَّ اشي زَيدة َّ‬
‫عما قال جعفر‪ ،‬وح مقدار هذا العود(‪.)1‬‬
‫هم ح يس ـ دون للنَّ اشــي‪ ،‬فهم معاذ هللا أن يعدلوا ابهلل شــيئاً! وح ينب ي ال ُّس ـ ود إح هلل‬
‫لكنَّهم ح يس ـ ــتهفُّون ابَّلك بل يوقِرونت‪ ،‬ويس ـ ــلِمون عليت كما يس ـ ــلِمون عل نبيِهم‪ ،‬و يُّونت مبا‬
‫أنفسهم بت يف اجلَّنة(‪.)3‬‬
‫يي أهل اجلنَّة ش‬
‫أبن هؤحء هللا ـ ـ ِـديقون‪ ،‬وعايم عل أن‬
‫انته األمر أبن أعلن النَّ اش ـ ـ ُّـي هللا ـ ــدق القوم‪ ،‬وأيقن َّ‬
‫يكون يف خدمة ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬الَّذأ رتيت انموس كناموس مو ـ ـ ـ ‪ ،‬وأن‬
‫أكد لعم ٍرو أنَّت ح يض ـ ـ ـ ـ ــريه دارة قريش‪ ،‬وح مال قريش‪ ،‬وح‬
‫يتقرب إىل هللا حبماية أهللا ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬
‫جاهها‪ ،‬ولو قطعت عالقتها معت(‪.)2‬‬
‫‪ - 15‬ا‪،‬ايمت قريش يف هذه اجلبهة ـ ـ ــيا ـ ـ ــية‪ ،‬ومعنوَيً‪ ،‬وإِعالمياً أمام مقاومة اَّس ـ ـ ــلم‬
‫اَّوفَّقة‪ ،‬وخطواهتم‪ ،‬وأ اليبهم َّ‬
‫الرهللاينة‪.‬‬
‫‪ - 16‬كان موقف جعفر‪ ،‬وإخوانت مثاحً تطبيقياً لقول ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫«من التمس ر ا هللا بسها النَّاس كفاه هللا م ْؤنشة النَّاس‪ ،‬ومن التمس ر ا النَّاس بسها هللا‬
‫ص ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ــي هللا‬
‫شوشكلشت هللا إىل النَّاس» [الرتمذي (‪ )2414‬وابن حبان (‪ )276‬وابن املبارك يف الزهد (‪ ])66‬فهؤحء ال َّ‬
‫أن الظَّاهر يف األمر أنَّت ي تَّ عليت يف هذه‬
‫وجل ‪ -‬مع َّ‬
‫عاي َّ‬
‫عنهم قد التمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا ر ـ ـ ـ ـ ـ ــا هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي‬ ‫القض ـ ـيَّة ـ ــها أولئك النَّص ـ ــار ‪ ،‬وهم الَّذين يم اييمنة عليهم‪ ،‬فكانت النَّتي ة َّ‬
‫أن هللا ‪َّ -‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مع‬ ‫حض نطق ِ‬
‫ابحلق اَّوافق لدعوة الن ِ‬ ‫وجل ‪َّ -‬هر يم ملك احلب ة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ــة َّعتقــدهم اَّنلر الَّـذأ قــام عليــت م ْلكهم‪ ،‬ومــا ي لـ عل الظَّ ِن من ثورة‬
‫ملــالفتــت ال َّ‬
‫ِ‬
‫اَّتعصب عليت(‪.)3‬‬ ‫النَّصار‬
‫‪ - 17‬كان عند بعض النَّصار إميان هللالي بدينهم‪ ،‬ولكنَّهم يكتمون ذلك‪ ،‬لكون ال لبة‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)342/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر ال بية القياديَّة (‪.)342/1‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)105/2‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪337‬‬
‫اَّر ‪ ،‬ومن الَّذين كانوا عل احعتقاد ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـلي ملك‬ ‫وال ِس ـ ـ ـيادة يف األرض ألهللاـ ـ ــلاب ِ‬
‫الدين َّ‬
‫احلب ـ ــة‪ ،‬وكان خيفي إميانت هذا مدارا ًة لقومت‪ ،‬وإبقاءً عل نفس ـ ــت‪ ،‬وملكت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وقع يف هذا‬
‫احبتالء أظهر إميانت‪ ،‬إر اءً لربِت‪ ،‬وإراحةً لضمريه‪ ،‬وانتصاراً حلايب هللا اَّؤمن ‪ ،‬مهما ترتَّ عل‬
‫ذلك من نتائت فكان هبذا اَّوقف من عظماء التَّاري (‪.)1‬‬
‫أن اجلهل ببعض أحكام ال ـ ـ ــالم َّصـ ـ ــللة ر ٍ‬
‫اجلة ح‬ ‫‪ - 18‬ومن دروس ه رة احلب ـ ـ ــة َّ‬
‫يقرر العذر ابجلهل «ول َّـما ِز ش‬
‫يد يف هللاالة احلضر ح‬ ‫يضر‪ .‬قال ابن تيميَّة ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬وهو ِ‬
‫ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم إىل اَّدينة‪ ،‬كان شم ْن بعيداً عنت ‪ -‬مثل من كان َّ‬
‫مبكة‪ ،‬وأبرض‬ ‫هاجر الن ُّ‬
‫الصالة»(‪.)2‬‬ ‫احلب ة ‪ -‬يصلُّون ركعت ‪ ،‬و رمرهم الن ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم نعادة َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة‬
‫هب «فال رمث أحد إح بعد العلم‪ ،‬وبعد قيام احل َّ ة‪ ،‬وقد كان ـ ـ ـ ـ ــادة ال َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫الذ ُّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فال يبل هم إح بعد أش ـ ــهر‪،‬‬ ‫ابحلب ـ ــة ينايل الواج ‪ ،‬والتَّلر عل الن ِ‬
‫َّص»(‪.)3‬‬
‫حض يبل هم الن ُّ‬
‫فهم يف تلك األمور معذورون ابجلهل‪َّ ،‬‬
‫‪ - 19‬ومن دروس ه رة احلب ة تفا ل اجلهاد حس احلاجة‪ ،‬فَذا كانت اي رة للمدينة‬
‫ص ـ ـهم ِ‬
‫ابلذكر‪ ،‬والفضـ ــيلة‪ ،‬فقد انل هذا الفضـ ــل أهللاـ ــلاب ه رة‬ ‫جهاداً‪ ،‬ميَّاي هللا أهللا ــلاهبا‪ ،‬وخ َّ‬
‫حض فت خيرب‪ ،‬وذلك لللاجة لبقائهم‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫احلب ــة‪ ،‬وإن آتخر حلوقهم ابلن ِ‬
‫ِ‬
‫األشعرأ ر ي هللا عنت‬ ‫السفينت (‪ ،)4‬فعن أيب مو‬
‫َّب ألهللالاب َّ‬ ‫يف احلب ة‪ ،‬وهذا ما َّ‬
‫أكده الن ُّ‬
‫قال ودخلت أمساء بنت ع شميس ‪ -‬وهي اَّن قدم معنا ‪ -‬عل حفصةش زوً النَّ ِب هللال هللا عليت‬
‫اشي فيمن هاجر‪ ،‬فدخل عمر عل حفصة ‪ -‬وأمساء‬
‫و لم زائرًة‪ ،‬وقد كانت هاجرت إىل النَّ ِ‬
‫عندها ‪ -‬فقال عمر ح رأ أمساء من هذه؟ قالت أمساء بنت ع شميس‪ ،‬قال عمر احلب ـ ـ ــية‬
‫أحق بر ول هللا هللال هللا‬
‫بقناكم ابي رة‪ ،‬فنلن ُّ‬ ‫هذه؟ البلرية هذه؟ قالت أمساء نعم‪ ،‬قال‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)106/2‬‬


‫(‪ )2‬الفتاو (‪.)43/22‬‬
‫(‪ )3‬الكبائر ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )4‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫‪338‬‬
‫عليت و ــلم منكم‪ ،‬ف ضــبت وقالت كال وهللا! كنتم مع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يطعم‬
‫ضـ ـ ـ ـ ِاء ابحلب ـ ـ ــة‪ ،‬وذلك يف‬
‫جائعكم‪ ،‬ويعم جاهلكم‪ ،‬وكنَّا يف دار ‪ -‬أو يف أرض ‪ -‬البـ شعداء الْبـ ش ش‬
‫حض أذكر ما‬
‫أطعم طعاماً‪ ،‬وح أشرب ششراابً‪َّ ،‬‬ ‫هللا‪ ،‬ويف ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ .‬وا هللا ح ش‬
‫َّب هللال هللا‬
‫قلت لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وحنن كنا نـ ْؤ شذ ‪ ،‬وَنا ‪ ،‬و أذكر ذلك للن ِ‬ ‫ش‬
‫َّب هللال هللا عليت‬
‫عليت و لم ‪ ،‬وأ ألت‪ ،‬وهللا! ح أكذب‪ ،‬وح أزي ‪ ،‬وح أزيد عليت‪ .‬فلـ ـ ـ ـ َّـما جاء الن ُّ‬
‫عمر قال كذا‪ ،‬وكذا‪ .‬قال «فما قلت لت؟» قالت قلت لت‬ ‫إن ش‬‫نب هللا! َّ‬
‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم قالت َي َّ‬
‫أبحق يب منكم‪ ،‬ولت وألهللاــلابت ه رة واحدة‪ ،‬ولكم أنتم أهل ال َّس ـفينة‬
‫كذا‪ ،‬وكذا‪ .‬قال «ليس َّ‬
‫ه راتن» قالت فلقد رأيت أاب مو ـ ـ ‪ ،‬وأهللا ـ ــلاب ال َّسـ ـ ـفينة رتوين أر ـ ــاحً يس ـ ــألوين عن هذا‬
‫َّب هللاــل هللا عليت‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ ،‬ما م شن الدُّنيا شــيء هم بت أفر ‪ ،‬وح أعظم يف أنفســهم اَّا قال يم الن ُّ‬
‫و لم ‪[ .‬البخاري (‪ )4230‬ومسلم (‪ 2502‬و‪. ])2503‬‬

‫‪ - 20‬كانت بداية إ ــالم عمرو بن العاص ر ــي هللا عنت أبرض احلب ــة‪ ،‬وهذا بال ش ـ ٍ‬
‫ـك‬
‫أثر من آاثر اي رة لللب ــة‪ ،‬وبرهان عل ما حقَّقت اَّهاجرون من مكا ـ للدَّعوة‪ ،‬من خالل‬
‫مكوثهم أبرض احلب ة‪ ،‬وإن كانت كثري من اَّروَيت تتَّ ت إىل أن بداية إ الم عمرو بن العاص‬
‫كانت عل يد النَّ اشـ ـ ـ ـ ـ ِـي‪ ،‬وهو اَّ ـ ـ ـ ـ ــهور كما يقول ابن ح ر(‪ ،)1‬وهي لطيفة ح مثل يا إذ‬
‫الايرقاين(‪ ،)2‬وهناك ما يفيد إ الم عمرو عل يد جعفر‬
‫اتبعي‪ ،‬كما يقول ُّ‬
‫أ لم هللالايب عل يد ٍ‬
‫ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬
‫أبم حبيبة هب رة احلب ـ ــة ارتباطاً وثيقاً‪،‬‬ ‫‪ - 21‬يرتبا زواً َّ‬
‫معىن كبرياً‪ ،‬وكان عقد‬
‫الايواً منت هللاــل هللا عليت و ــلم لحد اَّهاجرات الثابتات ً‬
‫و مل هذا َّ‬
‫الايواً عل ِأم حبيبة ر ــي هللا عنها وهي يف أرض احلب ــة‪ ،‬وجاء أتكيده يف كت ال ُّس ـنَّة‪ ،‬فقد‬
‫َّ‬
‫رو أبو داود يف ننت ٍ‬
‫بسند هللالي عن ِأم حبيبة ر ي هللا عنها َّأ‪،‬ا كانت حتت عبيد هللا بن‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.167‬‬


‫(‪ )2‬انظر شر اَّواه (‪.)271/1‬‬
‫‪339‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وأمهرها عنت أربعة‬
‫اشي الن َّ‬
‫فايوجها النَّ ُّ‬
‫جلش‪ ،‬فمات أبرض احلب ة‪َّ ،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم مع شرحبيل بن حسنة‪[ .‬أبو داود (‪.])2107‬‬
‫اح ‪ ،‬وبعث هبا إىل َّ‬
‫ش‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫ويس ـ ـ ــتنتت الباحث من دححت هذا احلدث ِ‬
‫اَّهم‪ ،‬متابعةش َّ‬
‫ص ـ ـ ـابرين‪ ،‬وتقدير ثبات الثَّابت ‪.‬‬
‫ألحوال اَّهاجرين‪ ،‬وم ـ ــاركتهم يف مص ـ ــاهبم‪ ،‬وتطيي أنفس ال َّ‬
‫(أم حبيبة) ر ـ ـ ـ ــي هللا عنها هي الوحيدة الَّيت يعىن َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـول‬ ‫وابلتَّتبُّع ألحوال اَّهاجرات‪ ،‬ح ُد َّ‬
‫الكر هللا ــل هللا عليت و ــلم أبمرها‪ ،‬ويوا ــيها يف مص ــاهبا‪ ،‬بل ــبق ذلك هللا ــنيعت مع ( ــودة)‬
‫ر ـ ــي هللا عنها(‪ ،)1‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رجعت مع زوجها إىل َّ‬
‫مكة من احلب ـ ــة‪ِ ،‬‬
‫تويف زوجها ال َّس ـ ـكران بن‬
‫عمرو‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما حلَّت أر ل إليها هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وخطبها‪ ،‬فقالت أمرأ إليك َي ر ول‬
‫«مرأ رجالً من قومك ِ‬
‫يايوجك‪ ،‬فأمرت حاط‬ ‫هللا! فقال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫تايوجها ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا‬
‫فايوجها‪ ،‬فكانت َّأول امرأة َّ‬ ‫بن عمرو بن عبد طس بن عبد ٍ‬
‫ود‪َّ ،‬‬
‫عليت و لم بعد خدجية(‪.)2‬‬
‫وهذان احلداثن مؤ ِش ـران من مؤ ِش ـرات ِح شكم تعدُّده هللاــل هللا عليت و ــلم يف َّ‬
‫الايواً ب ـ ٍ‬
‫ـكل‬
‫عما‬ ‫ـكل ٍ‬
‫خاص‪ ،‬هذا فضـ ـالً َّ‬ ‫عام‪ ،‬ويما دحلتهما‪ ،‬وحكمتهما ابحهتمام ابلنِس ــاء اااهدات ب ـ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الايواً أبِم حبيبة‪،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم كان يهد أيضاً من وراء َّ‬ ‫أن َّ‬‫ميكن أن يقال من َّ‬
‫ـكل‬ ‫ـكل ٍ‬
‫عام‪ ،‬وهفيف عداوة زعيمهم أيب ـ ـ ــفيان (والدها) ب ـ ـ ـ ٍ‬ ‫هفيف عداوة «ب أميَّة» ب ـ ـ ـ ٍ‬
‫أخص لإل الم‪ ،‬ونبيِت‪ ،‬واَّسلم (‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫فالتَّأليف لإل ــالم وارد يف ال ِس ـرية‪ ،‬و َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم كان حريص ـاً عل قومت‬
‫بكل و يل ٍة ح تتنا مع قيم ال الم(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ أن يهاجر إىل‬ ‫يكن‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم‬ ‫َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫‪ - 22‬ير بعض الباحث‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة األوىل يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.188‬‬


‫(‪ )2‬الطَّبقات (‪.)3/8‬‬
‫(‪ِ )3‬‬
‫السرية النَّبويَّة يف وء اَّصادر األهللاليَّة ‪ ،‬د‪ .‬مهدأ رزق هللا ‪ ،‬ص ‪.707 ، 706‬‬
‫(‪ )4‬انظر شر اَّواه (‪.)271/1‬‬
‫‪340‬‬
‫احلب ة‪ ،‬أل ٍ‬
‫باب كثرية منها‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم دار اي رة أر ـ ـ ـاً ذات‬
‫‪ -‬أنَّت ثبت ‪ -‬كما ـ ــي يء ‪ -‬ريية الن ِ‬
‫حرت ‪ ،‬وأنَّت ظنَّها ه ر(‪.)1‬‬ ‫َنل‪ ،‬ب َّ‬ ‫ٍ‬
‫ايف لللب ة الَّذأ يعوق انت ار الدَّعوة‪ ،‬وبسا لطا‪،‬ا عل العا ‪.‬‬ ‫‪ -‬طبيعة الو ع اجل ر ِ‬
‫ابلذات‪ ،‬مثَّ اَّدينة لنايول الوحي‪ ،‬وانطالق ِ‬
‫الدين يكن‬ ‫أن اختيار اجلاييرة العر َّبية َّ‬
‫ومكة َّ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫ات كثرية(‪.)2‬‬ ‫اتِفاقاً‪ ،‬بل كان َّمياي ٍ‬
‫أن هذه البيئة احلب ـ ـيَّة تكن لتس ــم يذا ِ‬
‫الدين الالجئ أن ينمو إىل جوار اَّس ــيليَّة‪،‬‬ ‫‪َّ -‬‬
‫الرومان ‪ -‬وهي اَّهيمنة عل اَّسيليَّة يف العا ‪ -‬لتسم لللب ة بذلك(‪.)3‬‬ ‫و تكن ُّ‬
‫‪ - 23‬كان لله رة إىل احلب ة أثـ ـ ـ ــر يف ِ‬
‫احلا من مكانة القرشيِ عند ائر العرب‪ ،‬وإدانة‬
‫موقفهم من ال ــدَّعوة‪ ،‬وحلته ــا إذ ك ــان ــت البيئ ــة العربيَّـ ـة تفتهر نيواء ال ريـ ـ ‪ ،‬وإكرام اجل ــار‪،‬‬
‫السبَّة‪ ،‬والعار يف خالفت‪ ،‬فهاهم األحباش يسبقون قري اً‪ ،‬ويؤوون شم ْن‬
‫وتتنافس يف ذلك‪ ،‬وحتاذر ُّ‬
‫طردهتم وأ اءت إليهم من أشرا النَّاس‪ ،‬ومن عفائهم‪ ،‬ومن رابئهم(‪.)4‬‬

‫***‬

‫هي األحساء‪.‬‬ ‫(‪ )1‬شهـ شر‬


‫األولون ‪ ،‬ص ‪.170 ، 169‬‬
‫ال رابء َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫أ واء عل اي رة ‪ ،‬ص ‪ 156‬إىل ‪ ، 161‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫األولون ‪ ،‬ص ‪.171 ، 170‬‬
‫ال رابء َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪341‬‬
‫املبحث الثَّالث‬

‫عام احلزن وحمنة الطَّائف‬


‫أوالً‪ :‬عام احلزن‪:‬‬
‫‪ - 1‬وفاة أيب طال ٍ‬
‫كانت وفاة أيب طال ٍ بعد م ادرة ب هاش ـ ـ ـ ٍم ِشـ ـ ـ ـ ْعبت‪ ،‬وذلك يف آخر ال َّسـ ـ ـ ـنة العاش ـ ـ ــرة من‬
‫(‪)1‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وي ضـ لت»‬
‫[البخاري (‪)3883‬‬ ‫اَّبعث ‪ .‬وقد كان أبو طال « وط الن َّ‬
‫ومس ـ ــلم (‪ ])209‬و«ينص ـ ـ ــره» [مس ـ ــلم (‪ ،])358/209‬وكانت قريش حت مت‪ ،‬وعندما حضـ ـ ـ ـرتت الوفاة‪ ،‬جاء‬
‫وحر وه عل اح تمساك بدينت‪ ،‬وعدم الدُّخول يف ال الم قائل أتر عن‬ ‫زعماء ال ِ رك‪َّ ،‬‬
‫ملَّة عبد اَّطل ؟! وعرض عليت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ال الم قائالً قل «ح إلت إح‬
‫تعريين هبا قريش‪ ،‬يقولون َّإجا حلت عليها‬ ‫هللا» أشــهد لك هبا يوم القيامة‪ ،‬فقال أبو طال لوح ِ‬
‫اَّللش يشـ ْه ِدأ شم ْن يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـاء‬
‫ت شولش ِك َّن َّ‬
‫شحبشـْب ش‬
‫ِ‬
‫اجلايي ألقررت هبا عينك‪ ،‬فأنايل هللا ﴿إِن ش‬
‫َّك حش شهتْدأ شم ْن أ ْ‬
‫دين ﴾ [القصص‪[ ]56 :‬مسلم (‪ )25‬والرتمذي (‪ )3188‬وأمحد (‪. ])434/2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫شوه شو أ ْشعلشم ابلْم ْهتش ش‬
‫كانت أفكار اجلاهليَّة را ـ ــهةً يف عقل أيب طال ٍ ‪ ،‬و َّ‬
‫يتمكن من ت يريها‪ ،‬فهو ش ـ ــي كبري‬
‫يصـ ــع عليت ت يري فكره‪ ،‬وما ألفت عن اابئت‪ ،‬وكان أقرآنت حا ـ ـرين وقت احتضـ ــاره فأثَّروا عليت‬
‫خوفاً من شيوي خرب إ المت‪ ،‬وأتثري ذلك عل قومت(‪.)2‬‬
‫السيدة خدجية ر ي هللا عنها‬
‫‪ - 2‬وفاة َّ‬
‫َّأما ال َّسـ ـ ـ ـ ـيدة خدجية ُّأم اَّؤمن ر ـ ـ ـ ــي هللا عنها‪ ،‬فقد توفِيت قبل اي رة إىل اَّدينة بثالث‬
‫ن (‪)3‬يف العام نفست لوفاة أيب طال ٍ (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3883‬‬


‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)184/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)185/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫ومبوت أيب طال ٍ الَّذأ أعقبت موت خدجية ر ي هللا عنها‪ ،‬تضاعف األ ‪ ،‬واحلاين عل‬
‫اللَّذين كاان دعامت من دعائم ـ ـ ــري‬ ‫ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬بفقد هذين احلبيب‬
‫اخلارجي الَّذأ يدفع عنت القوم‪ ،‬وكانت خدجية‬
‫َّ‬ ‫ند‬
‫الدَّعوة يف أزماهتا‪ ،‬فقد كان أبو طال ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫خيفف عنت األزمات واَّن‪ ،‬فت َّرأ كفار قريش عل ر ــول‬ ‫ر ــي هللا عنها ال َّس ـند الدَّاخلي الَّذأ ِ‬

‫هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وانلوا منت ما يكونوا يطمعون فيت يف حياة أيب طال ٍ (‪ .)1‬وابتدأت‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم واجت فيها كثرياً من اَّ ـ ـ ـ ـ ــكالت‪،‬‬
‫مرحلة عصـ ـ ـ ـ ــيبة يف حياة َّ‬
‫الساحة وحيداً ح انهللار لت إح هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل‬
‫واَّصاع ‪ ،‬واَّن‪ ،‬والفنت حينما أهللاب يف َّ‬
‫‪ -‬ومع هذا فقد مض ـ ـ يف تبلي ر ـ ــالة ربِت إىل النَّاس كافَّةً‪ ،‬عل ما يلق من اخلال واألذ‬
‫ال َّ ـديد الَّذأ أفا ــت كت احلديث‪ ،‬وكت ال ِس ـري‪ ،‬أب ــانيدها ال َّ‬
‫ص ـليلة الثَّابتة يف احلديث‬
‫وحتمل هللال هللا عليت و لم من ذلك ما تنوء اجلبال حبملت‪ .‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّما تكالبت الفنت‪ ،‬واَّن‬
‫عنت‪َّ ،‬‬
‫عل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يف بلده الَّذأ نبت فيت‪ ،‬وب قومت الَّذين يعرفون عنت َّ‬
‫كل‬
‫بلد ري بلده‪ٍ ،‬‬
‫وقوم ري قومت‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ريةٍ وكبريةٍ‪ ،‬عايم هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم عل أن ينتقل إىل ٍ‬

‫عاي‬
‫ليعرض عليهم دعوتت‪ ،‬ويلتمس منهم نص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرهتم رجاءش أن يقبلوا منت ما جاءهم بت من هللا ‪َّ -‬‬
‫ش‬
‫وجل ‪ -‬فهرً إىل الطَّائف‪ ،‬وهي من أقرب البالد إىل َّ‬
‫مكة(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم إىل الطَّائف(‪:)3‬‬
‫اثنياً‪ :‬رحلة َّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬يقتدأ ابألنبياء واَّر ـ ــل الَّذين ـ ــبقوه يف الدَّعوة إىل‬ ‫كان الن ُّ‬
‫ف ش ـ ـ ـ ـنش ٍة إِحَّ طشْ ِس ـ ـ ـ ـ ش شع ًاما﴾ [العنكبوت‪ ،]14 :‬فكانت هذه‬ ‫هللا‪ ،‬فهذا نو لبث يف قومت داعياً ﴿أشلْ ش‬
‫ك ِم ْن قشـْب ِل‬ ‫ِ‬
‫وحا إِ شىل قشـ ْوِم ِت أش ْن أشنْذ ْر قشـ ْوشم ش‬ ‫األعوام الطَّويلة عمالً دائباً‪ ،‬وتنويعاً ِ ِ‬
‫متكرراً ﴿إ َّان أ ْشر ش ـ ـ ْلنشا ن ً‬
‫ون *يشـ ْ ِف ْر‬
‫شطيع ِ‬‫اَّلل واتَّـقوه وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫أش ْن شرْتيشـه ْم شع ـ شذاب أشليم * قشـ شال شَيقشـ ْوم إين لشك ْم نشـذير مب *أشن ْاعب ـدوا َّش ش‬

‫(‪ )1‬انظر حمنة اَّسلم يف العهد ِ‬


‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (ص ‪ 36‬ـ ‪.)45‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ال كل (‪ )10‬يف الصفلة (‪.)746‬‬
‫‪343‬‬
‫اَّللِ إِذشا شجاءش حش يـ شؤ َّخر لش ْو كْنـت ْم تشـ ْعلشمو شن *قش شال‬ ‫ِ‬
‫شج ٍل م شس ـم ً إ َّن أ ش‬
‫شج شل َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫لشك ْم م ْن ذنوبِك ْم شويـ شؤخ ْرك ْم إ شىل أ ش‬
‫ِ‬
‫*وإِِين كلَّ شما شد شع ْوهت ْم لِتشـ ْ ِفشر شي ْم شج شعلوا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫شرب إين شد شع ْوت قشـ ْومي لشْيالً شوش‪،‬ش ًارا *فشـلش ْم يشِايْده ْم د شعائي إحَّ فشر ًارا ش‬
‫ِ ِِ‬
‫هللا ـُّروا شوا ْ ـتشك شْربوا ا ْ ـتِكْبش ًارا *مثَّ إِِين شد شع ْوهت ْم ِج شه ًارا *مثَّ إِِين‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫هللا ـابِ شعه ْم ِيف آ شذا‪ْ ،‬م شوا ْ ـتشـ ْ ش ـ ْوا ثيش شاهب ْم شوأش ش‬
‫أش ش‬
‫الايمن الطَّويل ما توقف عن الدَّعوة‪،‬‬ ‫أ ْشعلشْنت شي ْم شوأش ْ ـ ـشرْرت شي ْم إِ ْ ـ ـشر ًارا ﴾ [نوح‪ ،]9 - 1 :‬ومع امتداد َّ‬
‫ت بص ـ ـ ـ ــريتت‪ ،‬وحيلتت يف تنويع أوقاهتا وأ ـ ـ ـ ــاليبها‪ .‬قال‬ ‫ت لَّتت يف تبلي ها‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ ـ ـع شف ْ‬ ‫وح ش ـ ـ ـ ـع شف ْ‬
‫ب إِِين شد شع ْوت قشـ ْوِمي﴾‪ ،‬أأ دائماً من ري‬ ‫احلو ـ ـ ـ ـ ــي يف تفسـ ـ ـ ـ ــريه أأ إىل الميان والطَّاعة﴿ر ِ‬
‫ش‬
‫فتوٍر﴿لشْيالً شوش‪،‬ش ًارا ﴾‪ ،‬وح تو ٍان‪ ،‬مثَّ وهللاف إعرا هم ال َّديد‪ ،‬وإهللارارهم العنيد‪ ،‬مثَّ علَّق عل قولت‬
‫كرًة ِ َّ َّ‬
‫كرةٍ‬ ‫مرةٍ﴿مثَّ إِِين أ ْشعلشْنت شي ْم شوأش ْ ـ ـشرْرت شي ْم إِ ْ ـ ـشر ًارا ﴾‪ ،‬و َّ‬ ‫مرًة بعد َّ‬ ‫تعاىل فقال أأ دعوهتم َّ‬
‫متفاوتة‪ ،‬وهو تعميم لوجوه الدَّعوة‪ ،‬بعد تعميم األوقات‪ ،‬وقولت‬ ‫ٍ‬ ‫عل وجوهٍ ٍ‬
‫ملتلفة‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالي‬
‫ي ْ ـعِر مبس ــبوقية اجلهر ﴿مثَّ إِِين شد شع ْوهت ْم ِج شه ًارا ﴾‪ ،‬وهو األليق ِمبش ْن لُّت الجابة ألنَّت أقرب إليها‬
‫ِ‬
‫ابَّدعو(‪.)1‬‬ ‫َّا فيت من اللُّطف‬
‫فكان النب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ِ‬
‫ينوي‪ ،‬ويبتكر يف أ ـ ـ ــالي الدَّعوة‪ ،‬فدعا ـ ـ ــراً وجهراً‪،‬‬
‫قص القص ـ ــص‪،‬‬ ‫و ـ ــلماً وحرابً‪ ،‬و عاً وفرداً‪ ،‬و ـ ــفراً وحض ـ ـ ـراً‪ ،‬كما أنَّت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫ابخلا عل األرض‪ ،‬و ريه‪ ،‬كما ر َّ وب َّ ـ ـ ـر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و ـ ــرب األمثال‪ ،‬وا ـ ــتهدم و ـ ــائل اليض ـ ــا‬
‫لوب موثٍِر فعَّ ٍال(‪ ،)2‬فها هو هللال هللا‬
‫وبكل أ ٍ‬ ‫حال‪ِ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫كل ٍان‪ ،‬وعل ِ‬ ‫وره وأنذر‪ ،‬ودعا يف ِ‬ ‫َّ‬
‫ويستمر يف دعوة اخللق إىل هللا‬
‫ُّ‬ ‫عليت و لم ينتقل إىل الطَّائف‪ ،‬مثَّ ي َّدد عل القبائل‪ ،‬مثَّ يهاجر‪،‬‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يسع لجياد مرك ٍاي جديد للدَّعوة‪ ،‬وطل ش الن ْ‬
‫ُّصرة من‬
‫ٍ‬
‫ثقيف‪ ،‬لكنَّها تس ـ ـ ـ ـ ــت لت‪ ،‬وأ رت بت هللا ـ ـ ـ ـ ــبيا‪،‬ا‪ ،‬فرش ـ ـ ـ ـ ــقوه ابحل ارة‪ ،‬ويف طريق عودتت من‬
‫الطَّائف التق شبعدَّاس الَّذأ كان نصـرانياً‪ ،‬فأ ــلم‪ ،‬و َّأر الو ُّ‬
‫اقدأ ِ‬
‫الرحلة يف شـ َّـوال ــنة ع ــر من‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري احلو ي (‪.)89/10‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫مقومات الدَّعوة والدَّاعية ‪ ،‬ابدحد ‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪344‬‬
‫أن مدَّة إقامتت ابلطَّائف‪ ،‬كانت ع رة أَيم(‪.)1‬‬
‫اَّبعث بعد موت أيب طال ‪ ،‬وخدجية‪ ،‬وذكر َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم الطَّائف؟‬ ‫‪َّ - 1‬اذا اختار َّ‬
‫كانت الطَّائف َتثل العمق اح ـ ـ ـ ـ ـ اتي َّي َّ قريش بل كانت لقريش أطماي يف الطَّائف‪،‬‬
‫ولقد حاولت يف اَّا ـ ـ ـ ـ ـ ــي أن تض ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم الطَّائف إليها‪ ،‬ووثبت عل وادأ شو ًٍ وذلك َّا فيت من‬
‫حض خافتهم ثقيف‪ ،‬وحالفتهم‪ ،‬وأدخلت معهم ب شد ْو ٍس(‪ .)2‬وقد كان كثري‬ ‫الايري َّ‬‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ر‪ ،‬و َّ‬
‫صـ ـ ـ ـيف‪ ،‬وكانت قبيلة ب‬ ‫من أ نياء َّ‬
‫مكة ميلكون األمالك يف الطَّائف‪ ،‬ويقض ـ ـ ــون فيها فص ـ ـ ــل ال َّ‬
‫طس عل اتِص ـ ـ ــال مس ـ ـ ــتم ٍر مع الطَّائف‪ ،‬كما كانت تربا ملايوماً مص ـ ـ ــاأ ماليَّة‬
‫هاشـ ـ ـ ـ ٍم‪ ،‬وعبد ٍ‬
‫ٍ (‪)3‬‬
‫توجت مدروس‪،‬‬‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم إىل الطَّائف‪ ،‬فذلك ُّ‬ ‫بثقيف ‪ ،‬فَذا َّادت َّ‬ ‫م ـ كة‬
‫فَن ذلك ـ ــيفايي قري ـ ـ ـاً‪ِ ،‬‬
‫ويهدد‬ ‫وإذا ا ـ ــتطاي أن جيد لت فيها مو ـ ــع ٍ‬
‫قدم‪ ،‬وعص ـ ــبةً تناهللا ـ ــره‪َّ ،‬‬
‫يؤدأ لتطويقها‪ ،‬وعاييا عن اخلارً‪ .‬وهذا‬ ‫أمنها‪ ،‬ومص ـ ــاحلها احقتص ـ ــاديَّة هتديداً مباش ـ ـراً‪ ،‬بل قد ِ‬

‫يدل عل‬ ‫َّعوأ ال ِس ـيا ـ ُّـي اح ـ اتي ُّي‪ ،‬الَّذأ قام بت َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ُّ‬ ‫التَّلرك الد ُّ‬
‫ـلمة‪ ،‬أو َّقوةٍ جديدةٍ‪ ،‬تطر نفس ـ ــها داخل حلبة‬‫حرهللا ـ ــت يف األخذ ابأل ـ ــباب‪ ،‬لجياد دو ٍلة مس ـ ـ ٍ‬

‫القوة الَّيت يا وجودها من الو ـ ـ ـ ــائل َّ‬


‫اَّهمة يف تبلي دعوة هللا إىل‬ ‫الدولة‪ ،‬أو إجياد َّ‬ ‫ألن َّ‬ ‫ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـراي َّ‬
‫النَّاس‪.‬‬
‫عندما وهللا ـ ـ ــل النب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل الطائف‪ ،‬ادت مباش ـ ـ ــرة إىل مركاي الس ـ ـ ــلطة‪،‬‬
‫ومو ع القرار السيا ي يف الطائف(‪.)4‬‬
‫السلطة يف الطَّائف؟‬
‫‪ - 2‬أين كان مو ع ُّ‬
‫الايمنيَّة لال ــتيطان ‪ -‬لا اَّســيطرين عليها‪،‬‬ ‫مالك‪ ،‬واألحال ‪ -‬حبكم أ ــبقيتهم َّ‬ ‫كان بنو ٍ‬
‫الرائ ـ ـ ــة ِ‬
‫الدينية اَّتمثِلة يف رعاية اَّسـ ـ ـ ـ د‪ ،‬وابل ـ ـ ــافة إىل‬ ‫وتنتهي إليهما قيادهتا‪ ،‬فكانت يما ِ‬

‫الصليلة (‪.)185/1‬‬ ‫(‪ )1‬طبقات ابن عد (‪ ، )221/1‬نقالً عن ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر فت البارأ ‪ ،‬كتاب الكفالة ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)2294‬‬
‫(‪ )3‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫السيا ِي ‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪345‬‬
‫ـادأ إح َّأ‪،‬ما مع ذلك يكوان يف‬ ‫العامة‪ ،‬والعالقة اخلارجيَّة‪ ،‬والنُّفوذ احقتصـ ِ‬
‫الايعامة الســيا ــية َّ‬ ‫َّ‬
‫الدفاي عن منطقة الطَّائف الَّيت كانت من أخصـ ـ ـ ـ ـ بالد العرب‪ ،‬وأكثرها‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ٍع ميكنهما من ِ‬

‫جذابً ل نظار واألطماي‪ ،‬فكاان خيافان قبيلة هوازن‪ ،‬وخيافان قري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وخيافان ب عامر‪ ،‬وكلُّها‬
‫قبائل قويَّة وقادرة عل احنقضاض واح تالب‪ ،‬ولذلك فقد اعتمد زعماء الطَّائف عل يا ة‬
‫اَّهادنة‪ ،‬وحفم اح ـ ــتقرار ال ِس ـ ـيا ـ ـ ِـي عن طريق اَّعاهدات واَّوازانت‪ ،‬وهي الطَّريقة عينها اليت‬
‫مالك يوثِقون عالقاهتم مع هوازن ليأمنوا شـ ـ َّـرها‪ ،‬وهللاـ ــار‬
‫كانت تسـ ــري عليها قريش‪ ،‬فصـ ــار بنو ٍ‬
‫األحال يرتبطون بقر ٍ‬
‫يش ليأمنوا جانبها(‪.)1‬‬
‫الر ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم افالً عن هذه ال َّ ـ ـ ـ ـ ـبكة من العالقات‪،‬‬
‫هذا‪ ،‬و يكن َّ‬
‫أن الطَّائف تكن توجد هبا لطة مركاييَّة‬ ‫واَّعاهدات‪ ،‬وهو يتَّ ت إىل الطائف‪ ،‬بل كان يعر َّ‬
‫السلطة فيها بطنان من بطون العرب‪ ،‬مبوج اتفاقيَّ ٍة داخليَّ ٍة‪ ،‬و َّ‬
‫أن أَيً منهما‬ ‫واحدة‪ ،‬وإجا يقتسم ُّ‬
‫قبيلة خارجيَّ ٍة أقو ‪ ،‬فَذا ا ــتطاي أن يســتميل إليت أَيً منهما‪ ،‬فســو يكون‬
‫كان يدور يف فلك ٍ‬
‫لذلك أثر كبري يف ميايان القو السـ ـ ـ ــيا ـ ـ ـ ــية‪ ،‬هذا عل وجت العموم‪َّ ،‬أما إذا ا ـ ـ ـ ــتطاي عل وجت‬
‫فَن خطَّتت تكون قد‬ ‫اخلص ــوص أن يس ــتميل إليت األحال ‪ ،‬وهو اَّعس ــكر اَّتلالف مع قر ٍ‬
‫يش َّ‬
‫أن مو َّادة هذا اَّعس ـ ـ ـ ــكر لقر ٍ‬
‫يش ح تقوم عل‬ ‫بل ت َتامها‪ ،‬وهو أمر ري مس ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـتليل‪ ،‬فهو يعلم َّ‬
‫يش‪ ،‬وعل هذا‬ ‫َّهو من قر ٍ‬ ‫الدي ِ ‪ ،‬بقدر ما تقوم عل أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس الت ُّ‬‫القناعة اَّذهبيَّة‪ ،‬أو الوحء ِ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم مباشرةً ‪ -‬حينما دخل الطَّائف ‪-‬‬ ‫السيا ِي‪ ،‬ادت َّ‬‫التَّقدير للو ع ِ‬
‫ٍ‬
‫مالك‬ ‫يش‪ ،‬و يذه إىل ب‬‫إىل ب عمرو بن عمري‪ ،‬الَّذين ي أ ـ ـ ـ ــون األحال ‪ ،‬ويرتبطون بقر ٍ‬
‫الَّذين يتلالفون مع هوازن(‪.)2‬‬
‫قال ابن ه ام يف ِ‬
‫السرية ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما انته ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إىل الطَّائف شع شم شد‬
‫يومئذ ـ ـ ــادة ثقيف‪ ،‬وأشـ ـ ـ ـرافهم‪ ،‬وهم إخوة ثالثة عبد َي لشْيل بن عمرو‬ ‫ثقيف‪ ،‬هم ٍ‬ ‫إىل نف ٍر من ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر السيا ي يف القران ‪ ،‬ص ‪.174‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص (‪.)175‬‬
‫‪346‬‬
‫وحبي بن عمرو بن ع شمري بن ع ْقدة بن ِ شرية بن شع ْو‬‫ابن عم ٍري‪ ،‬ومسعود بن عمرو بن عم ٍري‪ ،‬ش‬
‫أن ب عم ٍرو كــانوا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـدأ‬
‫(‪ )1‬ري َّ‬ ‫بن ثقيف‪ ،‬وعنــد أحــدهم امرأة من قريش من ب‬
‫السفت‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم بل ابل وا يف َّ‬
‫َّهو ‪ ،‬فلم يست يبوا لدعوة َّ‬
‫احلذر‪ ،‬وكثريأ الت ُّ‬
‫و وء األدب معت‪ ،‬فقام ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من عندهم‪ ،‬وقد يئس من خري ٍ‬
‫ثقيف‪،‬‬
‫وقال يم «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا ع ِ »(‪ ،)2‬وكره ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أن يبل‬
‫(‪)3‬‬
‫يتم اتصــاحتت‬
‫قومت عنت في ْذئرهم ذلك عليت‪ ،‬فقد كان ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يود أن َّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫جو من ال ِس ـ ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬وأح تنك ـ ـ ـ ــف ُّ‬
‫حتركاتت لقر ٍ‬
‫يش[(‪ ])876‬فقد كان الن ُّ‬ ‫تلك يف ٍ‬
‫يهتم كثرياً قوان احليطة‪ ،‬واحلذر‪ ،‬فقد‬ ‫و لم ُّ‬
‫تظن قريش أنت ينوأ اخلروً من َّ‬
‫مكة ألنَّت‬ ‫مكة عل األقدام‪ ،‬حض ح َّ‬ ‫أ ‪ -‬كان خروجت من َّ‬
‫السفر إىل ٍ‬
‫جهة ما‪ ،‬اَّا قد‬ ‫لو خرً راكباً فذلك اَّا يثري ال ُّبهة‪ ،‬وال ُّكوك‪ ،‬وأنَّت ينوأ اخلروً و َّ‬
‫عر ت للمنع من اخلروً من َّ‬
‫مكة دون اع ٍ‬
‫اض من أحد‪.‬‬ ‫يِ‬
‫ب ‪ -‬واختيار ا َّلر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم زيداًكي يرافقت يف رحلتت فيت جوان أمنيَّة‬
‫نوي‬
‫أأ ٍ‬ ‫فاييد هو ابن ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ابلتَّب ِ ‪ ،‬فَذا راه معت أحد ح يثري ذلك َّ‬
‫ص ـ ـلة بينهما‪ ،‬كما أنَّت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عر زيداً عن ٍ‬
‫قرب‪ ،‬فعلم فيت‬ ‫لقوة ال ِ‬
‫ك‪َّ ،‬‬ ‫من ال َّ ـ ـ ِ‬
‫الخالص‪ ،‬واألمانة‪ ،‬وال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـدق‪ ،‬فهو إذاً مأمون اجلان ‪ ،‬فال يف ـ ـ ـ ـ ــي ـ ـ ـ ـ ــراً‪ ،‬ويعتشمد عليت يف‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من احل ارة بنفس ــت‪ ،‬حض‬
‫ص ـ ـلبة‪ ،‬وهذا ما ظهر عندما كان يقي الن َّ‬
‫ال ُّ‬
‫اً يف رأ ت‪.‬‬
‫أهللاي ب ٍ‬
‫رد زعماء الطَّائف رداً قبيلاً م ـ ـ ـ ـ ـ ـوابً ابح ـ ـ ـ ـ ــتهاياء‪ ،‬وال ُّسـ ـ ـ ـ ـ ـهرية َّ‬
‫حتملت‬ ‫ً ‪ -‬وعندما كان ُّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬و ي ض ‪ ،‬أو يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـر بل طل منهم أن يكتموا عنت‪ ،‬فهذا‬
‫َّ‬
‫تصـ ُّـر ايةً يف احليطة‪ ،‬فَذا علمت قريش هبذا احتِصــال‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬ا ح تســهر منت فلسـ بل رمبَّا‬

‫(‪ )1‬رية ابن ه ام (‪.)78/2‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ْذئرهم ِ‬
‫جيرئهم ويثريهم‪.‬‬
‫‪347‬‬
‫حتركاتت داخل‪ ،‬وخارً َّ‬
‫مكة(‪.)1‬‬ ‫شدَّدت عليت يف العذاب‪ ،‬واح طهاد‪ ،‬وحاولت رهللاد ُّ‬
‫تضري ودعاء‬
‫‪ُّ - 3‬‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم بل أش ْ شرْوا بت‬
‫كان بنو عمرو لئاماً‪ ،‬فلم يكتموا خرب َّ‬
‫حض دميت عقباه‪ ،‬وتلطَّهت نعاله‪،‬‬ ‫ـ ـ ــفهاءهم‪ ،‬وعبيدهم‪ ،‬يس ـ ـ ـبُّونت‪ ،‬ويرمون عراقيبت ابحل ارة‪َّ ،‬‬
‫حض أجلؤولا إىل ٍ‬
‫حائا‬ ‫الايكي عل أرض ال طَّائف‪ ،‬وما زالوا بت‪ ،‬وباييد بن حارثة َّ‬
‫و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال دمت َّ‬
‫(أأ بس ـ ــتان) لعتبة‪ ،‬وش ـ ــيبة اب ربيعة‪ ،‬ولا فيت‪ ،‬ورجع عنت من ـ ــفهاء ثقيف من كان يتبعت‪،‬‬
‫ظل شـ رةٍ من عن ٍ ‪ ،‬ف لس فيت هو وهللاــاحبت زيد‪ ،‬ريثما يسـ ان من عنائهما‪ ،‬وما‬
‫فعمد إىل ِ‬
‫أهللاــاهبما‪ ،‬وابنا ربيعة ينظران إليت‪ ،‬ويشـشرشَين ما لقي من ــفهاء أهل الطَّائف‪ ،‬و ِركا ــاكناً‪ ،‬ويف‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬ ‫هذه ال مرة من األ ‪ ،‬واحلاين‪ ،‬واححم النفسيَّة‪ ،‬واجلسمانية توجت َّ‬
‫إىل ربِت هبذا الدُّعاء الَّذأ يفيض إمياانً‪ ،‬ويقيناً‪ ،‬ور ـ ـ ـاً مبا انلت يف هللا‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ــاء هللا «اللَّ َّ‬
‫هم!‬
‫رب‬
‫الراح ! أنــت ُّ‬ ‫إليــك أش ـ ـ ـ ـ ـ ــكو ـ ـ ـ ـ ـ ــعف َّقول‪ ،‬وقِلَّـة حيليت‪ ،‬وهواين عل النـَّاس‪َ ،‬ي أرحم َّ‬
‫عدو ملَّكتت أمرأ؟ إن‬ ‫تكل ؟ إىل ٍ‬
‫بعيد يت َّهم ؟(‪ )2‬أم إىل ٍ‬ ‫اَّســتضــعف ‪ ،‬وأنت ِريب‪ ،‬إىل من ِ‬
‫شْ‬
‫علي ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فال أابس‪ ،‬ولكن عافيتك هي أو ـ ـ ـ ـ ـ ــع س‪ .‬أعوذ بنور وجهك الذأ‬
‫يكن بك َّ‬
‫علي‬
‫ض ـ ـ ـبك‪ ،‬أو َّل َّ‬ ‫هللا ـ ـ ـل عليت أمر الدُّنيا وا خرة‪ ،‬من أن تنايل يب ش‬
‫أش ـ ـ ـرقت لت الظلمات‪ ،‬و ش‬
‫‪ ،‬وح حول وح قوة إح بك!» [ابن هشام يف السرية النبوية (‪)62 - 61/2‬‬ ‫حض تر‬ ‫هطك‪ ،‬لك العْتىب(‪َّ )3‬‬
‫والقرطب يف تفسريه (‪ )195/16‬والطرباين يف املعجم الكبري (‪ )346/25‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪. )4(])35/6‬‬

‫جل‬
‫درده هلل ‪َّ -‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ومبل ُّ‬ ‫وإان لنلم يف هذا الدُّعاء عمق توحيد الن ِ‬‫َّ‬
‫وعال ‪ -‬فهو ي ـ ــعر هبذا احلاين اَّفضـ ــي‪ ،‬و ِ‬
‫ايم اَّتواهللاـ ــل ليدرأ عن نفسـ ــت األذ ‪ ،‬أو لي ل‬

‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر ِ‬


‫السيا ِي يف القران اَّكي‪.‬‬
‫مرح بت ‪ ،‬وح را ٍ فيت‪.‬‬ ‫بوجت كر ٍيت ري ِ‬‫(‪ )2‬دهمت ا تقبلت ٍ‬
‫(‪ )3‬العتىب اح اء و ِ‬
‫الر ا‪.‬‬
‫هللالتت ‪ ،‬وب َّ َّ‬
‫أن لللديث شاهداً‬ ‫السرية النَّبوية الصليلة (‪ ، )186/1‬وذه إبراهيم العلي إىل َّ‬ ‫(‪ )4‬ذه الدكتور العمرأ إىل تضعيف احلديث يف كتابت ِ‬
‫لسرية النَّبويَّة) ص ‪ ، 136‬وذه الدكتور عبد الرحن عبد احلميد الرب مدرس احلديث وعلومت‬ ‫يقويت ‪ ،‬ولذلك اعتربه هللاليلاً وذكره يف كتابت (هللالي ا ِ‬
‫ِ‬
‫وخرً طرقت يف كتابت اي رة النَّبويَّـة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫أن احلديث بطريقيت قوأ مقبول ‪َّ ،‬‬ ‫قامعة األزهر إىل َّ‬
‫‪348‬‬
‫كل هذا األذ من أجل هللا تعاىل‪ ،‬ري‬
‫لنفســت شــيئاً من حياة ايدوء‪ ،‬والنَّعيم بل هو يســتعذب َّ‬
‫ص ـر يف أم ٍر من أمور الدَّعوة‪ ،‬من ري أن ي ــعر‪،‬‬‫أنَّت م ــفق من ض ـ ربِت ــبلانت أن يكون ق َّ‬
‫جل وعال ‪ -‬فر ـوان هللا تعاىل إذاً هو ايد األعل عند‬ ‫ٍ‬
‫فيتعرض ل ــيء من ض ـ موحه ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬
‫ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهو اَّطل األعظم الَّذأ ت شس ـ َّهر لت ُّ‬
‫كل اَّطال ‪ ،‬وإذا كان‬
‫ٍ‬
‫اعتئذ نعمة‪،‬‬ ‫البالء من هللا تعاىل من أجل أن َّل ر اه‪ ،‬وين لي هطت فأهالً ابلبالء‪ ،‬فهو‬
‫ورخاء‪.‬‬
‫وختم ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم دعاءه ابلكلمة العظيمة‪ ،‬الَّيت يقويا‪ ،‬وعلَّم أهللاــلابت‬
‫حتول للمؤمن من حال ال ِ ـ ـدَّة‬ ‫أن يقولوها عند حلول اَّكاره «وح حول وح قوة إح بك!» فال ُّ‬
‫وحتمل‬
‫الرخاء‪ ،‬وح من اخلو إىل األمن إح ابهلل تعاىل‪ ،‬وح َّقوة عل مواجهة ال َّدائد‪ُّ ،‬‬
‫إىل حال َّ‬
‫جل وعال(‪.)1‬‬
‫اَّكاره‪ ،‬إح ابهلل َّ‬
‫فعال يف جمال احلماية لإلنسـ ــان‪ ،‬وحتقيق أمنت‪،‬‬ ‫َّ‬
‫إن الدُّعاء من أعظم العبادات‪ ،‬وهو ـ ـال َّ‬
‫َتر عل‬
‫للايلل‪ ،‬والخفاق‪ ،‬وقد ُّ‬ ‫ـرأ من َّ‬
‫الذكاء‪ ،‬والدَّهاء فهو عر ـ ـ ـ ـ ـ ــة َّ‬ ‫فمهما بل العقل الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫اَّســلم مواقف يع اي فيها عن التَّفكري‪ ،‬والتَّدبري َتاماً‪ ،‬فليس لت ملرً منها ــو أن جيأر إىل هللا‬
‫ابلدُّعاء لي د فرجاً‪ ،‬وملرجاً‪ ،‬فعندما حلق بر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من أهل الطَّائف‬
‫األذ ‪ ،‬والطَّرد‪ ،‬وال ُّس ـهرية‪ ،‬واح ــتهاياء‪ ،‬وأهللاــب هائماً عل وجهت جلأ إىل هللا ابلدُّعاء‪ ،‬فما أن‬
‫رب العاَّ ‪ ،‬مع جربيل وملك اجلبال(‪.)2‬‬‫حض جاءت الجابة من ِ‬ ‫انته من الدُّعاء‪َّ ،‬‬
‫الرحة‪ ،‬وال َّفقة النَّـبويَّـة‬
‫‪َّ - 4‬‬
‫كانت رحتت‪ ،‬وشـ ـ ــفقتت العظيمة هي الَّيت ت ل يف اَّواقف العصـ ـ ــيبة الَّيت تبل فيها اَّعاانة‬
‫ويتربم‪ ،‬ومع‬
‫صـ ـدر ليض ــيق َّ‬ ‫أش ـ َّـد مراحلها‪ ،‬وتضـ ـ ا بعنف عل النَّفس لت ـ َّ‬
‫ـتد وتقس ــو‪ ،‬وعل ال َّ‬
‫ذلك تبق نفست الكبرية‪ ،‬ورحتت العظيمة‪ ،‬هي ال البة(‪.)3‬‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)20/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.113 ، 112‬‬
‫(‪ )3‬انظر مقومات الدَّاعية النَّاج ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪349‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬أ‪،‬ا ألت ر ول هللا هللال هللا‬
‫عن عائ ة ر ي هللا عنها زوً الن ِ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ــلم هل أت عليك يوم كان أش ـ ـ ـ ـ َّـد من أحد؟ قال لقد لقيت من قومك ما لقيت‪،‬‬
‫الع شقبشة إذ عر ْ ـت نفســي عل ابْ ِن شعْب ِد شَيلشْي ِل بْ ِن شعْب ِد كالل‪ ،‬فلم‬
‫وكان أشـ َّـد ما لقيت منهم يوم ش‬
‫تفق إح وأان ب شق ْرِن الثَّعال (‪،)1‬‬ ‫جيب إىل ما أردت‪ ،‬فانطلقت وأان مهموم عل وجهي‪ ،‬فلم أش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫فرفعت رأ ــي‪ ،‬فَذا أان بس ــلابة قد أظلَّت ‪ ،‬فنظرت فَذا فيها جربيل‪ ،‬فناداين‪ ،‬فقال َّ‬
‫إن هللا قد‬
‫ـئت فيهم‪.‬‬
‫لتأمره مبا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث هللا إليك ملك اجلبال ش‬
‫مسع قول قومك لك‪ ،‬وما ُّ‬
‫شئت أن أطْبِ شق‬
‫شئت‪ ،‬إن ش‬ ‫علي‪ ،‬مثَّ قال َي حممد! فقال ذلك فيما ش‬ ‫فناداين شملشك اجلبال‪ ،‬فسلَّم َّ‬
‫عليهم األخ ـ ــب ِ ‪ .‬فقال الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بل أرجو أن خيْرًِ هللا من أهللا ـ ــالهبم من‬
‫[البخاري (‪ )3231‬ومسلم (‪.])1795‬‬ ‫وحده ح ي رك بت شيئاً‪.‬‬
‫يعبد هللا ش‬
‫كانت إهللا ــابتت هللا ــل هللا عليت و ــلم يوم ٍ‬
‫أحد‪ ،‬أبل من النَّاحية اجلس ــميَّة‪َّ ،‬أما من النَّاحية‬
‫فَن إهللا ـ ـ ــابتت يوم الطَّائف أبل ‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ُّـد َّ‬
‫ألن فيها إرهاقاً كبرياً لنفس ـ ـ ــت‪ ،‬ومعاان ًة فكريَّةً‬ ‫النفس ـ ـ ـيَّة َّ‬
‫شديدةً‪ ،‬جعلتت يست رق يف التَّفكري من الطَّائف إىل قشـ ْرن الثَّعال (‪.)2‬‬
‫‪ - 5‬من مناهت التَّ يري‬
‫كان م ْق شش ش ملك اجلبال أن يطبق عليهم األخ ب ‪ ،‬وهو يدخل حتت أ لوب اح تئصال‪،‬‬
‫لوط‪ .‬قــال تعــاىل ﴿فشك ًّال أش شخ ـ ْذ شان بِـ شذنبِ ـ ِت فش ِمْنـهم َّم ْن‬ ‫وشود‪ ،‬وقوم ٍ‬ ‫ـاد‪ٍ ،‬‬ ‫وقــد نفــذ يف قوم نو ٍ ‪ ،‬وعـ ٍ‬

‫ض شوِمْنـهم َّم ْن أش ْ شرقْـنشا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫صـ ـْي شلة شومْنـهم َّم ْن شخ شسـ ـ ْفنشا بِت ْاأل ْشر ش‬
‫شخ شذتْت ال َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أ ْشر ش ـ ـ ْلنشا شعلشْيت شحاهللاـ ـبًا شومْنـهم َّم ْن أ ش‬
‫ن ﴾ [العنكبوت‪.]40 :‬‬ ‫اَّلل لِيشظْلِ شمه ْم شولش ِك ْن شكانوا أشنْـف شسه ْم يشظْلِمو ش‬
‫شوشما شكا شن َّ‬
‫مكة‪ ،‬والطَّائف الكافرت‬ ‫يستمر يف ه رتت‪ ،‬واحبتعاد عن َّ‬ ‫َّ‬ ‫وكان هناك اق ا آخر‪ ،‬وهو أن‬
‫األمر زيد بن حارثة عل ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا‬
‫فاألوىل أخرجتت‪ ،‬والثَّانية خذلتت‪ ،‬وعرض ذلك ش‬
‫عليت و ـ ـ ــلم ‪ .‬قال ابن القيِم َّ‬
‫إن ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم بعد أن جيد انهللا ـ ـ ـراً يف‬

‫ويسم احن السيل الكبري‪.‬‬


‫(‪ )1‬هو قرن اَّنازل ‪ ،‬ميقات أهل ُد ‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)27 ، 26/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪350‬‬
‫الطَّـائف‪ ،‬انص ـ ـ ـ ـ ـ ــر إىل م َّك ـة ومعــت موحه زيــد بن حــارثــة حمايوانً‪ ،‬وهو يــدعو بــدعــاء الطَّـائف‬
‫ك اجلبال إليت يســتأمره أن يطبق األخ ــب عل أهل‬
‫اَّ ــهور‪ ،‬فأر ــل ربُّت ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬شملش ش‬
‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬ولا جبالها اللَّذان كانت بينهما‪ ،‬فقال «ح‪ ،‬بل أ تأين هبم َّ‬
‫لعل هللا خيرً من أهللاالهبم‬
‫من يعبده‪ ،‬وح ي ـرك بت شـيئاً»‪ ،‬وأقام بنهلةش أَيماً‪ ،‬فقال لت زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم‬
‫الطَّائف ‪ -‬فقال هللاــل‬ ‫قري ـاً ‪ -‬وخرجت تســتنصــر‪ ،‬فلم تنصــر ‪ -‬يع‬ ‫وقد أخرجوك ‪ -‬يع‬
‫«َي زيد! إن هللا جاعل َّا تر فرجاً‪ ،‬وملرجاً‪َّ ،‬‬
‫وإن هللا انهللا ـ ـ ـ ــر دينشت‪ ،‬ومظهر‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم‬
‫نبيَّت»(‪.)1‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم رفض منهت اح ـ ـ ــتئص ـ ـ ــال‪ ،‬وامتنع عن فكرة احعتايال‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬
‫إن الن َّ‬
‫وقرر الدُّخول إىل َّ‬
‫مكة الكافرة ليواهللاــل جهاده‬ ‫ـتمرة‪ ،‬ونظر إىل اَّســتقبل بنور الميان‪َّ ،‬‬
‫اي رة اَّسـ َّ‬
‫كل ما يس ـ ــتطيعت من أجل دعوة التَّوحيد‪ ،‬شخيْشِ الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫اَّيمون‪ ،‬ويس ـ ــتثمر َّ‬
‫بل تقدَّم حنو اَّنهت البديل الَّذأ عايم عليت‪ ،‬وهو منهت يقوم عل‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابق‬ ‫أحد اَّنه‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ــرورة الوجود عل األرض‬ ‫فكرة دخول َّ‬
‫مكة الكافرة‪ ،‬وليس احنس ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب منها‪ ،‬ويقوم عل‬
‫ذاهتا‪ ،‬الَّيت يقف عليها الكافرون‪ ،‬واعتص ـ ـ ــار مؤ َّ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــاهتا‪ ،‬وا ـ ـ ــتثمار عالقاهتا‪ ،‬وحتوير آَيهتا‬
‫بكل ذلك جمتمع اَّؤمن ‪ ،‬الَّذأ ـ ـ ــيولد من أح ـ ـ ــائها أأ أنَّت كان هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫ِ‬ ‫ليت َّذ‬
‫و ــلم يريد أن يتَّهذ من أهللاــالب الكافرين‪ ،‬مصــانع ب ـرية هرً أجياحً من اَّســلم ‪ ،‬اَّقاتل‬
‫َّبوأ هنا مص ـ ـ ـ ـ ـ َّوب حنو اَّسـ ـ ـ ـ ــتقبل بصـ ـ ـ ـ ــورةٍ جليَّ ٍة‪ ،‬و يكن ذلك يع‬
‫يف ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬فالنَّظر الن ُّ‬
‫احنسلاب من احلا ر(‪.)2‬‬
‫أن ظاهر األحوال‬ ‫مرًة اثنية‪ ،‬ري َّ‬ ‫كان النَّب ُّـي هللال هللا عليت و لم قد عايم عل دخول َّ‬
‫مكة َّ‬
‫أن دخول َّ‬
‫مكة يكن أمراً هيناً‪ ،‬وح امناً‪ ،‬وهنالك احتمال كبري لل در بت‪ ،‬أو ا تيالت‬ ‫تدل عل َّ‬ ‫ُّ‬
‫من قِبش ِل قريش‪ ،‬الَّيت ح ميكن أن تص ـ ـ ـ ــرب أكثر وهو قد أعلن اخلروً عليها‪ ،‬وذه يس ـ ـ ـ ــتنص ـ ـ ـ ــر‬

‫(‪ )1‬انظر زاد اَّعاد (‪.)46/2‬‬


‫السيا ِي يف القران ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫(‪ )2‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫‪351‬‬
‫ابلقب ــائ ــل األخر ‪ ،‬ويوقع بينه ــا‪ ،‬وب حلف ــائه ــا مثَّ إنَّـ ـت َّ‬
‫حض لو تكن هن ــاك خطورة عل‬
‫مكة بصورة «عادية» وقد طردتت الطَّائف‪ ،‬ي عل أهل مكة ي ِ‬
‫صورون‬ ‫فَن دخولت إىل َّ‬
‫شهصت َّ‬
‫مية كبريةٍ أهللا ـ ــابت اَّس ـ ــلم ‪ ،‬وجي ئون عليهم‪ ،‬ويايدادون ـ ــفهاً ولذلك فقد َّادت نظر‬
‫األمر كهاي ٍ‬
‫مكة من الدَّاخل‪ ،‬بدحً من تطويقها من‬‫اَّرة‪ ،‬إىل تف ري َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم هذه َّ‬
‫َّ‬
‫اخلارً أأ أنَّت أراد أن يت ل ل يف داخل بطون قريش ذاهتا‪ ،‬وي ِ‬
‫وجد لت حلفاء من بينهم‪ ،‬وي شك ِون‬
‫لت وجوداً يف قلبها(‪.)1‬‬
‫قال ابن القيِم يف كتابت زاد اَّعاد مثَّ إنَّت هللاــل هللا عليت و ــلم َّا انصــر من الطَّائف‪ ،‬و‬
‫جييبوه إىل ما دعاهم إليت‪ ،‬من تصديقت‪ ،‬ونصرتت‪ ،‬هللاار إىل ِحراء‪ ،‬مثَّ بعث إىل األخنس بن شريق‬
‫لي ريه‪ ،‬فقال أان حليف‪ ،‬واحلليف ح جيري فبعث إىل ـ ـهيل بن عمرو‪ ،‬فقال لت َّ‬
‫إن ب عامر‬
‫ح دري عل ب كع فبعث إىل الْمطْعِم بن ٍ‬
‫عدأ ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــيد قبيلة ب نوفل بن عبد منا ‪-‬‬
‫بعث إليت رجالً من خاياعة أأدخل يف جوارك؟ فقال نعم‪ .‬ودعا بنيت‪ ،‬وقومت‪ ،‬فقال البشس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا‬
‫حممداً‪ ،‬فدخل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫فَين قد أجرت َّ‬ ‫ِ‬
‫السال ‪ ،‬وكونوا عند أركان البيت ِ‬
‫حض انته إىل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد احلرام فقـام الْمطْعِم بن ع ٍ‬
‫ـدأ عل راحلتـت‪،‬‬ ‫‪ ،‬ومعـت زيـد بن حـارثـة‪َّ ،‬‬
‫حممداً فال يش ِه ْ ت أحد منكم»‪ ،‬فانته ر ـ ـ ـ ـ ـ ـول هللا‬
‫فناد «َي مع ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـر قريش! ِإين قد أجرت َّ‬
‫الركن‪ ،‬فا تلمت‪ ،‬وهللالَّ ركعت ‪ ،‬وانصر إىل بيتت‪ ،‬والْمطْعِم بن عد ِأ‬ ‫هللال هللا عليت و لم إىل ُّ‬
‫حض دخل بيتت(‪.)2‬‬ ‫وولده حمدقون بت ِ‬
‫ابلسال ‪َّ ،‬‬
‫ويف جواب األخنس‪ ،‬و ٍ‬
‫هيل نظر أل‪،‬ما لو يكوان اَّن جيري َّا أيما ر ول هللا هللال‬
‫هللا عليت و ـ ــلم ذلك َّعرفتت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ألعرا قومت‪ ،‬وعاداهتم‪ ،‬كيف وعامر ‪-‬‬
‫الَّذأ هو ُّ‬
‫جد ـ ــهيل ‪ -‬وكع أخوان‪ ،‬أبولا لؤأ‪ ،‬فهما ـ ـواء يف مكا‪،‬ما‪ ،‬جيري أحدلا عل‬
‫الايرقاينُّ(‪.)3‬‬
‫ا خر؟! هكذا قال ُّ‬

‫السيا ِي يف القران ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.178 ، 177‬‬ ‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫(‪ )2‬زاد اَّعاد (‪.)47/2‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬لصادق عرجون (‪.)324/2‬‬
‫(‪َّ )3‬‬
‫‪352‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم اجلديدة‪ ،‬فبدحً من أن‬‫لقد ت َّري الو ــع كثرياً بســب منه يَّة َّ‬
‫يدخل مكة منهايماً‪ ،‬ملتفياً‪ ،‬دخلها و ر ـ ــت ابل ِسـ ـ ـال ـ ــيِد من ـ ــادات قريش‪ ،‬عل مس ـ ــم ٍع‬
‫الر ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم قد اختار رجالً من خاياعة‪،‬‬ ‫منهم‪ ،‬ومرأ ‪ ،‬هذا ونالحم َّ‬
‫أن َّ‬
‫فبعثت ر ــوحً‪ ،‬ويف هذين احختيارين حْن شكة ــيا ــية مده ــة‪ ،‬ووعي اترخيي‪ ،‬ودبلوما ــي عميق‬
‫ألن نوفالً ‪ -‬وهو األب األكرب لقبيلــة ب نوفــل الَّيت يتايعَّمهــا الْمطْعِم بن عـ ِ‬
‫ـدأ آنــذاك ‪ -‬كــان‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أفنية‪،‬‬ ‫جد ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يف اجلاهليَّة‪ ،‬فقد وث عل‬ ‫ِ‬ ‫خص ــيماً لعبد اَّطَّل‬
‫و ـ ٍ‬
‫ـاحات كانت لعبد اَّطَّل ‪ ،‬وا تصــبها فا ــطرب عبد اَّطَّل لذلك‪ ،‬وا ــتنهض قومت‪ ،‬فلم‬
‫ينهض كبري ٍ‬
‫أحد منهم فكت إىل أخوالت من ب النَّ ار من اخلايرً قص ــيد ًة يس ــتنص ــرهم فقدم‬
‫القسي‪ ،‬وعلَّقوا الِ اس فل ـ ـ ـ ـ َّـما راهم نوفل‬
‫َّ‬ ‫عليت منهم ع كثيف‪ ،‬فأانخوا ِبفناء الكعبة‪َّ ،‬‬
‫وتنكبوا‬
‫ورد أركا عبد اَّطل إليت فلـ ـ ـ َّـما نصر بنو اخلايرً‬ ‫قال لِ ش ٍر ما قدم هؤحء؟ فكلَّموه‪ ،‬فهافهم‪َّ ،‬‬
‫عبد اَّطَّل ‪ ،‬قالت خاياعة ‪ -‬وهم قد قووا‪ُّ ،‬‬
‫وعايوا ‪ -‬وهللا! ما رأينا هبذا الوادأ أحداً أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫وجهاً‪ ،‬وح أذَّ خلقاً‪ ،‬وح أعظم ِحلماً من هذا النســان‪ ،‬يعنون عبد اَّطل ‪ ،‬وقد نصــره أخوالت‬

‫ـ ـ ــيِد خاياعة‪ ،‬ولو بذلنا لت نش ش‬


‫صـ ـ ـ ـشران‪،‬‬ ‫من اخلايرً‪ ،‬ولقد ولدانه كما ولدوه‪َّ ،‬‬
‫وإن جدَّه عبد منا‬
‫وحالششف نا‪ ،‬وانتفعنا بت‪ ،‬وبقومت‪ ،‬وانتفع بنا‪ .‬فأاته وجوههم‪ ،‬فقالوا َي أاب احلارث! َّإان قد ولدانك‬ ‫ش‬
‫كما ولدك قوم من ب النَّ ار‪ ،‬وحنن بعد مت اورون يف الدَّار‪ ،‬وقد أماتت األَيم ما يكون يف‬
‫ذلك عبد اَّطَّل ‪ ،‬وقشبِشلت‪،‬‬ ‫فهلم فنلالفك‪ ،‬فأع‬ ‫قلوب بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــنا عل قر ٍ‬
‫يش من األحقاد‪َّ ،‬‬
‫و اري إليت‪ ،‬و ضر أحد من ب نوفل‪ ،‬وح عبد طس(‪.)1‬‬
‫َّارخيي القد ب خاياعة‪ ،‬وقريش‪ ،‬حينما ع قصـ ـ ُّـي‬ ‫هذا النَّص ي ــري إىل جذور ال ِ‬
‫ص ـ ـراي الت ِ‬
‫بن كالب قري ـ ـ ـاً من متفرقات اَّواقع‪ ،‬وقاتل هبم خاياعة الَّيت كان لديها رائ ـ ــة البيت‪ ،‬و ـ ــيادة‬
‫العرب‪ ،‬فأخرً خاياعة من البيت‪ ،‬وقس ـ ـ ـ ـ ـ ــم َّ‬
‫مكة أرابعاً عل قر ٍ‬
‫يش‪ ،‬فما زالت خاياعة مب ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً‬
‫يش‪ ،‬وعبد اَّطل حتالفت خاياعة مع عبد‬ ‫لقريش‪ ،‬كاره يا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ا ــطرب األمر ب قر ٍ‬

‫حممد حيد هللا (‪.)71/1‬‬ ‫ِ‬


‫للبالذرأ ‪ ،‬حتقيق َّ‬ ‫(‪ )1‬أنساب األشرا ‪،‬‬
‫‪353‬‬
‫أن األَيم قد أماتت ما كان يف قلوب‬ ‫اَّطَّل نكايةً بقريش‪ ،‬وإ ـ ـ ـ ـ ــعافاً يا وليس هللاـ ـ ـ ـ ــليلاً َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلي َّ‬
‫أن األحقاد تايل حيَّةً‪،‬‬ ‫يش من األحقاد‪ ،‬كما ذكر وفدهم بل ال َّ‬ ‫بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم عل قر ٍ‬
‫و ِ‬
‫الصراي يايل مستمراً‪ ،‬واَّا يدل عل ذلك َّ‬
‫أن ب نوفل‪ ،‬وب عبد طس يدخال‪ ،‬و ضرا‬
‫هذا احللف إذ إنَّت حلف مضاد يما‪.‬‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم رجالً من خاياعة‪ ،‬إىل ـ ــيِد قبيلة ب نوفل‪َّ ،‬‬
‫فَن‬ ‫فَذا بعث َّ‬
‫هذا الفعل إشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة ظاهرة إىل تلك الوقائع التَّارخيية الَّيت ذكرانها‪ ،‬كما َّ‬
‫أن فيها تذكرياً ابحللف‬
‫القد ب عبد اَّطل ‪ ،‬وخاياعة َّد ب نوفل‪ ،‬وعبد طس ليفهم من ذلك َّ‬
‫أن الر ول هللال‬
‫هللا عليت و لم ح يقف معايوحً يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬وأنَّت قد يفعل ما فعلت جدُّه عبد اَّطَّل ‪ ،‬فيتلالف مع‬
‫فالر ول هللال هللا عليت و لم يكن يف الواقع يستعطف الْمطْعِم‬ ‫خاياعة‪ ،‬أو يستنصر ابخلايرً َّ‬
‫يهدده‪ ،‬ويثري ملاوفت‪ ،‬وحاية الْمطْعِم‬‫عدأ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِد ب نوفل ليدخل يف جواره بقدر ما كان ِ‬ ‫بن ٍ‬
‫ونبل بقدر ما كانت رعايةً‬ ‫بن شع ِد ٍأ لر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم تكن َّ‬
‫جمرد أ ْشرشِ يَّ ٍة‪ٍ ،‬‬
‫حممداً هللا ــل هللا عليت و ــلم يدخل يف‬ ‫يش ‪ -‬وهي تر َّ‬ ‫هللاـ ـ ْمت قر ٍ‬
‫َّص ــللتت‪ ،‬وحايةً لو ــعت‪ ،‬و ش‬
‫وإجا خوفاً من ال‬‫ابلسال ‪ -‬يكن خوفاً من ال نوفل‪َّ ،‬‬ ‫جوار ب نوفل‪ ،‬وهم ر ونت ِ‬
‫وقسي اخلايرً(‪.)1‬‬
‫خاياعة‪ِ ،‬‬
‫ص ـ ـليفة الظَّاَّة ‪ -‬مع من ذكران فيما مض ـ ـ ‪-‬‬ ‫كما ح ننس ـ ـ َّ‬
‫أن اَّطعم اَّن قام بنقض ال َّ‬
‫حتسن موقفت بعد تقريع أيب طال ٍ لت‪ ،‬عندما قال‬ ‫واَّن َّ‬
‫وح م ْع ِظ ٍم ِعْنـ ـ شد األموِر اجلشالئِـ ـ ِل‬ ‫ك ِ ْيف يشـ ْوِم شُْـ شد ٍة‬
‫أشمطْعِم ْ أخــذلْـ ش‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫عقوبةش ش ـ ـ ـ ـ ـ ٍر ع ِ‬
‫اجالً ش ْ شري اجل‬ ‫س شونشـ ْوفالً‬ ‫شجشاي هللا شعنَّا شعْب شد شطْ ٍ‬
‫ش ش ش‬
‫عدأ‪ ،‬وعر مد اخلطورة‬ ‫وقد حفم ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم هللا ــنيع مطْعِم بن ٍ‬
‫ـار بد ٍر ال َّس ـبع يوم أ ــرهم «لو‬ ‫الَّيت َّ‬
‫عرض نفســت‪ ،‬وولده‪ ،‬وقومت يا من أجلت‪ ،‬فقال عن أ ـ ش‬

‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر ِ‬


‫السيا ِي يف القران اَّكي ‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫(‪ )2‬انظر التَّلالف السيا ُّي يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪354‬‬
‫[البخاري (‪ )4024‬وأبو داود (‪)2689‬‬ ‫كان الْمطْعِم بن ٍ‬
‫عدأ حياً مثَّ كلَّم يف هؤحء النَّـْت شىن ل كتهم لت»‬
‫وأمحد (‪. ])80/4‬‬

‫يفرق ب من يعادأ هذه العقيدة‪،‬‬ ‫العقدأ فر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فر م العداء‬
‫و ــارهبــا‪ ،‬ومن ينــا ِهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرهــا‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاَّهــا‪َّ ،‬إ‪،‬م وإن كــانوا كفــاراً فليس من مســة الن َّ‬
‫ُّبوة أن َّ‬
‫تتنكر‬
‫لل ميل(‪.)1‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ح َّسـان بن ٍ‬
‫اثبت عل موقف اَّطعم‪ ،‬فقال‬ ‫وقد أثىن شــاعر َّ‬
‫يف مدحت‬
‫اليوم مطْعِ شم ـا‬ ‫اس َُّ شْجم ـده ش‬ ‫ِم شن النَّ ـ ِ‬ ‫فشـلشو شك ـ ـا شن شْجم ـ ـد ملْلِـ ـ شد اليشـ ْوشم شواحـ ـ شـداً‬
‫ِع ـبشـ ـ ـ ـ شادك شمـ ـ ـ ـا ل ـ َّـىب ِحمـ ـ ـ ـل شوأش ْح ـشرشم ـ ـ ـا‬ ‫أشجرت ر ـ ـ ـ ـ ش ِ ِ‬
‫هللاـ ـ ـ ـبشلوا‬ ‫هم فشأش ْ‬ ‫ول هللا مْن ْ‬ ‫شْ ش ش‬
‫شوقش ْلطش ـ ـ ـان أ ْشو شابقِي بشِقيَّـ ـ ـ ـة ج ْرلش ـ ـ ـا‬ ‫ت شعْنـت شم شعـد ِأبش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرشهـا‬ ‫ِ‬
‫فشـلش ْو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئلشـ ْ‬
‫شوِذ َّمتِ ـ ـ ـت يشـ ْوم ـ ـ ـاً إذشا شم ـ ـ ـا د َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شم ـ ـ ـا‬ ‫لشـ ـ شقـ ـ ـ ـالـ ـوا ه ـو اَّـ ـ ِويف ِ ـ ـ ْفـ ـرةِ شجـ ـ ـ ـا ِرهِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫شع ـلشـ ِم ـثْ ـلِ ـ ـ ـ ِت فِـْي ـ ِه ـ ْم أش شع ـَّاي شوأش ْك ـشرشم ـ ـ ـا‬ ‫هم‬ ‫ِ‬
‫شوشم ـا تشطْلع ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْمس اَّن ْ شرية فشـ ْوقش ْ‬
‫شوأشنْـ شوم شع ْن جــا ٍر إِ شذا اللَّْي ـل أظْلش شم ـا‬ ‫إِ شابء إذا شر شىب شوأشلْ ـ ـ ـ ش ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيـ ـ ـ ـ شمـ ـ ـ ـةً‬
‫(‪)2‬‬

‫أقر ح َّس ـ ـ ـان بن اثبت يف ثنائت البال عل اَّطْعِم بن‬


‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم َّ‬ ‫َّ‬
‫إن كون الن ِ‬
‫عدأ‪ ،‬وكونت هللال هللا عليت و لم أثىن عليت أيضاً إىل ِ‬
‫حد أنَّت أبد ا تعداده ألن يتنازل عن‬ ‫ٍ‬
‫األ ــر لو كان اَّطعم حياً‪ ،‬وكلَّمت فيهم لدليل وا ـ ـ عل َّ‬
‫أن من شـ ـريعة ال ــالم احع ا‬
‫بفضل أهل الفضل‪ ،‬والثَّناء عليهم مبا يم من معرو ٍ وإن كانوا ري مسلم (‪.)3‬‬
‫وهكذا كان هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ِ‬
‫يوظف األعرا ‪ ،‬والتَّقاليد الَّيت يف جمتمعت َّصـ ـ ـ ـ ــللة‬
‫ـاعي القــائم‪ ،‬ابعتبــاره حقيقـةً مو ـ ـ ـ ـ ـ ــوعيَّـةً اترخييَّـةً‪ ،‬وينظر‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬فكــان ينظر للبنــاء احجتمـ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر التَّلالف السيا ُّي يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫(‪ )2‬البداية والنِهاية (‪.)136/3‬‬
‫ِ‬
‫للميدأ (‪.)32/3‬‬ ‫المي ‪ ،‬ل‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪355‬‬
‫ـبكة اجتماعيٍَّة‬ ‫وإجا ينظر إليت ٍ‬
‫كفرد يف شـ ـ ـ ٍ‬ ‫لإلنسـ ـ ــان الكافر ليس ابعتباره رقماً حسـ ـ ــابياً منقطعاً‪َّ ،‬‬
‫يتلول هو‬‫وإن النسـ ـ ـ ـ ــان ميلك الفرهللاـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬والمكان ألن َّ‬‫الدوافع‪َّ ،‬‬ ‫متداخلة العالقات‪ ،‬ومتنوعة َّ‬
‫نفست‪ ،‬وطوي إرادت ـ ـ ـ ــت إىل َّقوةٍ اجتماعيَّ ٍة مؤثِ ـ ـ ـ ــرةٍ‪ ،‬ولت وزن يف ِاهاذ القرار‪ ،‬ونقضت شوفْقاً للقيم الَّيت‬
‫وإجا كان مؤ َّ سةً‪ ،‬وهي مؤ َّ سة تول ـ ـ ـ ـ ــد مبيالده‪َّ ،‬‬
‫وإجا‬ ‫عدأ يكن فرداً‪َّ ،‬‬ ‫خيتارها‪ ،‬واَّطعم بن ٍ‬
‫يرجع وجوده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا إىل اتري ٍ قد ٍ ‪ ،‬تص ــارعت فيها قيم التَّوحيد والش ـراك‪ ،‬فَن هللا ــارت مؤ َّ ـس ـةً‬
‫خالص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً للكافرين ا ن‪ ،‬فال يع ذلك ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتلالة احنتفاي هبا‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ـ ــهريها للعودة لإلميان‪،‬‬
‫والتَّوحيد(‪.)1‬‬

‫اين‪ ،‬وإ الم ِ‬


‫اجلن‬ ‫قصة شعدَّاس النَّصر ِ‬
‫‪َّ - 6‬‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم انتصـ ــار ٍ‬
‫ات دعويَّةً رفيعةش اَّسـ ــتو فقد أتثَّر‬ ‫لقد حقَّقت رحلة الن ِ‬
‫اجلن ال َّسـ ـ ـبعة الَّذين‬
‫ابلدَّعوة ال الم النَّصـ ـ ـراينُّ شعدَّاس الَّذأ أ ـ ــلم(‪ ،)2‬كما وهللا ـ ــلت الدَّعوة إىل ِ‬
‫أ لموا‪ ،‬مثَّ انطلقوا إىل قومهم م ِ‬
‫نذ ِرين‪.‬‬
‫أ ‪ -‬قصة َع َّداس‪:‬‬
‫تعرض ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ل ذ من أهل الطَّائف‪ ،‬وخرً من عندهم‪،‬‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما َّ‬
‫ٍ‬
‫وأجلؤوه إىل حائا لعتبة بن ربيعة‪ ،‬وش ـ ـ ــيبة بن ربيعة‪ ،‬ولا فيت‪ ،‬وراه عتبة‪ ،‬وش ـ ـ ــيبة شرقَّا لت‪ ،‬ش‬
‫ود شعوا‬
‫(عدَّاس)‪ ،‬فقاح لت خ ْذ قِطْفاً من هذا العن ‪ ،‬فض ـ ـ ـ ـ ـ ــعت يف هذا‬ ‫الماً يما نص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرانياً يقال لت ش‬
‫حض و ـ ـ ـ ـ ـ ــعت‬
‫الرجل‪ ،‬فقل لت ركل منت‪ .‬ففعل عدَّاس‪ ،‬مثَّ أقبل بت َّ‬ ‫الطَّبق‪ ،‬مثَّ اذه بت إىل ذلك َّ‬
‫ب يدأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مثَّ قال لت ك ْل‪ .‬فل ـ َّـما و ع ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫و لم فيت يشـ ـ شـده قال بسم هللا‪ ،‬مثَّ أكل‪ ،‬فنظر شعدَّاس يف وجهـ ــت‪ ،‬مثَّ قال وهللا! َّ‬
‫إن هذا الكالم‬
‫ما يقولت أهل هـ ـ ــذه البالد‪ ،‬فقال لت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ومن أهل أ ِأ البالد أنت‬

‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر السيا ُّي ‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫ِ‬
‫للهالدأ ‪ ،‬ص ‪.40 ، 39‬‬ ‫الر ول اَّبلِ ‪،‬‬
‫انظر َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪356‬‬
‫َي عدَّاس؟! وما دينك؟ قال نصراين‪ ،‬وأان رجل من أهل نِينو ‪.‬‬
‫صـ ـ ـاأ يونس بن شم َّض‪ .‬فقال لت‬
‫الرجل ال َّ‬
‫من قرية َّ‬ ‫فقال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫ذاك أخي‪ ،‬كان‬ ‫مض؟ فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫عداس وما يدريك ما يونس بن َّ‬
‫نبياً‪ ،‬وأان نب‪ ،‬فأك َّ عدَّاس عل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يقبِل رأ ــت‪ ،‬ويديت‪ ،‬وقدميت‪.‬‬
‫قال يقول ابنا ربيعة أحدلا لصاحبت َّأما المك فقد أفسده عليك فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاءلا عدَّاس‬
‫الرجل‪ ،‬ويديت‪ ،‬وقدميت؟! قال َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيِدأ‪ ،‬ما‬
‫قاح لت ويلك َي عداس! ما لك تقبِل رأس هذا َّ‬
‫يف األرض ش ـ ــيء خري من هذا‪ ،‬لقد أخربين أبم ٍر ما يعلمت إح نب! قاح لت و ك َي عداس! ح‬
‫يصرفنَّك عن دينك‪َّ ،‬‬
‫فَن دينك خري من دينت‪[ .‬ابن هشام (‪ )63 - 62/2‬وتفسري القرطب (‪.)1(])196 - 195/16‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قبل األكل تطبيق لسن ٍَّة من نش ِن ال الم الظَّاهرة‪،‬‬ ‫* َّ‬
‫إن تسمية الن ِ‬
‫الرجل النَّص ـراينُّ إىل ال ــالم‪ ،‬فما إن ذكر ر ــول هللا هللاــل‬
‫وقد كان من بركة ذلك اُذاب هذا َّ‬
‫حض اهتاي كيان ذلك اَّوىل النَّصـ ـ ـ ـر ِ‬
‫اين‪ ،‬وجاش ـ ـ ــت‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ــلم ا ـ ـ ــم هللا تعاىل قبل األكل َّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بع بت من ذلك حيث ح يعر أهل تلك البالد‬
‫م ـ ــاعره‪ ،‬فأخرب الن َّ‬
‫ذكر ا م هللا تعاىل‪.‬‬
‫إن التَّس ــمية قبل األكل ‪ -‬كس ــائر ال ُّسـ ـنن الظَّاهرة ‪ -‬من أ ــباب َتيُّاي اَّس ــلم عل من‬
‫* َّ‬
‫حويم من الوثني ‪ ،‬وهذا التميُّاي يلفت أنظار الكفار‪ ،‬ويدفعهم إىل ال ُّسـ ـؤال عن ــب ذلك‪ ،‬مثَّ‬
‫المي‪ ،‬واحُذاب إليت(‪.)2‬‬
‫الدين ال ِ‬ ‫يقودهم ذلك إىل فهم ِ‬

‫يدل عل ذلك موقفت من ـ ـ ــيِديت عتبة‪ ،‬وشـ ـ ــيبة‬


‫بنبوة ر ـ ـ ــول هللا قوَيً‪ُّ ،‬‬
‫* كان يق عدَّاس َّ‬
‫الرجل‬ ‫اب ربيعة لـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أرادا اخلروً إىل بد ٍر‪ ،‬وأمراه ابخلروً معهما‪ ،‬حيث قال يما قتال ذلك َّ‬
‫الَّذأ رأيت يف حائطكما تريدان؟ فوهللا! ح تقوم لت اجلبال‪ ،‬فقاح و ك َي عدَّاس! قد ــلرك‬
‫بلسانت(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬هللالي ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.137 ، 136‬‬
‫المي (‪.)22/3‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الرشاد (‪.)578/2‬‬
‫انظر بل ايد و َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪357‬‬
‫* يف قول عدَّاس «وهللا ما عل األرض خري من هذا» موا ـ ـ ـ ـ ــاة عظيمة‪ ،‬فلئن اذاه قومت‪،‬‬
‫فهذا وافد من العراق‪ِ ،‬م ْن نينو يك ُّ عل يديت‪ ،‬ورجليت‪ ،‬ويقبِلهما‪ ،‬وي ــهد لت ِ‬
‫ابلر ــالة‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫هذا ل شق شدر شرَّابين‪ ،‬يسـ ـ ــوق ِم ْن نينو شم ْن يؤمن ابهلل ور ـ ـ ـولت حيث كان ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ُّد من أقرب الناس‬
‫إليت!(‪.)1‬‬
‫ب ‪ -‬إسالم ِّ‬
‫اجلن‪:‬‬
‫مكة‪ ،‬ح يئس من خري‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم من الطَّائف‪ ،‬راجعاً إىل َّ‬
‫لـ ـ ـ ـ َّـما انصر الن ُّ‬
‫اجلن‪ ،‬الَّذين ذكرهم‬ ‫حض إذا كان بنهلة قام من جو اللَّيل يصـ ـ ـ ــلِي‪َّ ،‬‬
‫فمر بت النَّفر من ِ‬ ‫ثقيف‪َّ ،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬
‫جن أهل نصيب ‪ ،‬فا تمعوا لتالوة َّ‬ ‫هللا تعاىل‪ ،‬وكانوا بعة نفر من ِ‬
‫فلما فرغ من هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــالتت‪ ،‬ولَّْوا إىل قومهم منذ ِرين قد امنوا‪ ،‬وأجابوا إىل ما مسعوا‪َّ ،‬‬
‫فقص هللا تعاىل‬
‫اجلِ ِن يش ْس ـ ـ ـتش ِمعو شن‬ ‫ك نشـ شفًرا ِم شن ْ‬ ‫هللا ـ ـ ـشرفْـنشا إِلشْي ش‬
‫﴿وإِ ْذ ش‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقال ش‬ ‫خربهم عل الن ِ‬
‫ين ۝ قشالوا شَيقشـ ْوشمنشا إِ َّان شِمس ْعنشا‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضروه قشالوا أشنْصتوا فشل ـ ـ َّـما قض شي شول ْوا إ شىل قشـ ْومه ْم مْنذر ش‬ ‫الْقرآن فشل ـ ـ َّـما شح ش‬
‫احلشِق شوإِ شىل طش ِر ٍيق م ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ِقي ٍم ﴾‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِدقًا لِ شما بشْ ش يش شديْ ِت يشـ ْه ِدأ إِ شىل ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫كتش ًااب أنْ ِايشل م ْن بشـ ْعد مو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ م ش‬
‫[األحقاف‪. ]30 - 29 :‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم وهو يقرأ ببطن َنلة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما مسعوه قالوا‬
‫اجلن عل الن ِ‬
‫هبا هؤحء ُّ‬
‫﴿أشنْ ِ‬
‫صتوا﴾‪.‬‬
‫هذه الدَّعوة اليت رفضــها اَّ ــركون ابلطَّائف تنتقل إىل عاٍ آخر‪ ،‬هو عا ِ‬
‫اجلن‪ ،‬فتل َّقوا دعوة‬
‫فارأ إىل قومت‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ومضـ ـ ـوا هبا إىل قومهم‪ ،‬كما مضـ ـ ـ هبا أبو ٍ‬
‫ذر ال ُّ‬ ‫الن ِ‬
‫اجلن دعاة‪ ،‬يبل ون دعوة‬ ‫األزدأ إىل قومت‪ ،‬فأهللاـب يف عا ِ‬ ‫ُّ‬ ‫والطفيل بن عم ٍرو إىل قومت‪ ،‬و شـماد‬
‫اب أشلِي ٍم ﴾‬
‫اَّللِ و ِآمنوا بِ ِت يـ ْ ِفر لشكم ِمن ذنوبِكم و ِجيركم ِمن شع شذ ٍ‬
‫ْش ْْ ْ‬ ‫ش ْ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿َيقشـ ْوشمشنا أشجيبوا شداع شي َّ ش‬
‫هللا تعاىل ش‬
‫[األحقاف‪. ]31 :‬‬

‫حممد هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم هتفو إليت قلوب ِ‬


‫اجلن‪ ،‬وليس قلوب اَّؤمن من‬ ‫وأهللا ــب ا ــم َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)437/1‬‬


‫‪358‬‬
‫اجلن حواريُّـون‪ ،‬حلوا راي ـة التَّوحيد‪ ،‬ووطَّنوا أنفسهم دعاةً إىل هللا‪ ،‬ونايل‬
‫النس فقا‪ ،‬وأهللاب من ِ‬
‫يف حقهم قرآن يتل إىل أن يرث هللا األرض ومن عليها‪.‬‬
‫اجلِ ِن فشـ شقالوا إِ َّان شِمس ْعنشا قرآانً شع ش بًا ۝ يشـ ْه ِدأ‬ ‫س أشنَّت ا ْ تش شم شع نشـ شفر ِم شن ْ‬ ‫قال تعاىل ﴿ق ْل أ ْو ِح شي إِ شَّ‬
‫احبشةً شوحش شولش ًدا ۝‬ ‫الر ْشـ ِد فشآمنَّا بِِت ولشن ن ْ ـ ِرشك بِربِنشا أشح ًدا ۝ وأشنَّت تشـع شاىل ج ُّد ربِنشا ما َّاهش شذ هللاـ ِ‬ ‫إِ شىل ُّ‬
‫ش‬ ‫ش ش ش ش ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش شْ‬
‫اَّللِ شك ِذ ًاب‬
‫اجلِ ُّن شعلش َّ‬ ‫ول ا ِلنْس شو ْ‬ ‫اَّللِ شش ـطشطًا ۝ شوأ َّشان ظشنشـنَّا أش ْن لش ْن تشـق ش‬ ‫شوأشنَّت شكا شن يشـقول ش ـ ِفيهنشا شعلش َّ‬
‫اجلِ ِن فشـشايادوه ْم شرشه ًق ـا ۝ شوأ َّش‪ْ ،‬م ظشنُّوا شك شم ـا‬ ‫س يشـعوذو شن بِ ِر شج ـ ٍال ِم شن ْ‬ ‫۝ شوأشنـَّت شك ـا شن ِر شج ـال ِم شن ا ِلنْ ِ‬

‫ت شحشر ً ـ ـا شش ـ ـ ِد ً‬ ‫ِ‬
‫يدا شوش ـ ـهبًا‬ ‫شح ًدا ۝ شوأ َّشان لش شم ْس ـ ـنشا ال َّس ـ ـ شماءش فشـ شو شج ْد شان شها ملئش ْ‬ ‫اَّلل أ ش‬
‫ث َّ‬ ‫ظشنشـْنـت ْم أش ْن لش ْن يشـْبـ شع ش‬
‫هللا ًدا ۝ شوأ َّشان حش نش ْد ِرأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لس ْم ِع فش شم ْن يش ْستشم ِع ا ن شجي ْد لشت ش شه ًااب شر ش‬ ‫اع شد لِ َّ‬
‫۝ وأ َّشان كنَّا نشـ ْقعد ِمْنـها م شق ِ‬
‫ش ش‬ ‫ش‬
‫ك كنَّا طششرائِ شق‬ ‫ِ‬ ‫ض أشم أشراد هبِِم رُّهبم رش ًدا ۝ وأ َّشان ِمنَّا َّ ِ‬
‫الصاحلو شن شوِمنَّا دو شن ذشل ش‬ ‫ش‬ ‫يد ِمبش ْن ِيف األ ْشر ِ ْ ش ش ْ ش ْ ش ش‬ ‫ششر أ ِر ش‬ ‫أش‬
‫ض شولش ْن نـ ْع ِ شايه شهشرًاب ۝ شوأ َّشان ل ـ َّـما شِمس ْعنشا ا ْي شد شآمنَّا‬ ‫اَّللش ِيف األ ْشر ِ‬ ‫قِ شد ًدا ۝ شوأ َّشان ظشنشـنَّا أش ْن لش ْن نـ ْع ِ شاي َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ه ًقا ﴾ [اجلن‪. ]13 - 1 :‬‬ ‫بِت فش شم ْن يؤم ْن بِشربِت فشالش شخيشا ش ْ ًسا شوحش شرش‬
‫الرابينُّ يف جمال الدَّعوة ور ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ببطن َنلة عاجاي‬ ‫كان هذا الفت َّ‬
‫مكة‪ ،‬فهل يس ـ ـ ــتطيع عتاة َّ‬
‫مكة‪ ،‬وثقيف أن ر ـ ـ ـ ــروا هؤحء اَّؤمن من ِ‬
‫اجلن‪ ،‬وينايلوا‬ ‫عن دخول َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫مكة يف جوار اَّطعم بن‬ ‫(‪)1‬‬
‫هبم ألوان التَّعذي ؟! وعندما دخل الن ُّ‬
‫اجلن‪ ،‬فتت اوب أفئدهتم خ ـ ــوعاً‪ ،‬وأتثُّراً من روعة الفت‬
‫عدأ‪ ،‬كان يتلو عل هللا ـ ــلابتت ـ ــورة ِ‬
‫العظيم يف عا الدَّعوة‪ ،‬وارتفاي رآَيهتا‪ ،‬فليس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا هم وحدهم يف اَّعركة‪ ،‬هناك إخوا‪،‬م من ِ‬
‫اجلن‬
‫خيو ون معركة التَّوحيد مع ال ِ رك‪.‬‬
‫وبعد عدَّة أشـ ـ ــه ٍر من لقاء الوفد األول من ِ‬
‫اجلن بر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬جاء‬
‫الوفد الثَّاين مت ـ ـ ِـوقاً لريية احلبي اَّص ـ ــطف هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬واح ـ ــتماي إىل كالم ِ‬
‫رب‬
‫ــألت ابن مس ــعود‪ ،‬فقلت هل ش ــهد أحد منكم مع ر ــول هللا‬ ‫العاَّ (‪ .)2‬فعن علقمةش قال‬

‫(‪ )1‬انظر ال بية القيادية (‪.)443/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪.)445/1( ،‬‬
‫‪359‬‬
‫اجلن؟ قال ح‪ ،‬ولكنَّا كنَّا مع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ذات‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم ليلة ِ‬
‫ليلة‪ ،‬ففقدانه‪ ،‬فالتمس ــناه يف األودية وال ِ ـ ـعاب‪ ،‬فقلنا ا ـ ـت ِطري‪ ،‬أو ا ْ تِيل‪ ،‬قال فبتنا بِ ش ـ ـ ِر ٍ‬
‫ليلة‬ ‫ٍ‬
‫ش‬ ‫ْ ش‬
‫ابت هبا قوم‪ ،‬فل َّـما أهللابلنا إذا هو جاء من قِبش ِل ِحشر ٍاء‪ ،‬فقلنا َي ر ول هللا! فقدانك‪ ،‬فطلبناك‪،‬‬
‫اجلن‪ ،‬فذهبت معت‪ ،‬فقرأت عليهم‬ ‫ليلة ابت هبا قوم‪ ،‬فقال «أاتين داعي ِ‬ ‫فلم ُدك‪ ،‬فبتنا ش ـ ـ ـ ـ ـ َّـر ٍ‬
‫كل شعظٍْم‬‫الاياد‪ ،‬فقال «لكم ُّ‬ ‫القرآن»‪ ،‬قال فانطلش شق بنا‪ ،‬فأراان آاثرهم‪ ،‬وآاثر نريا‪،‬م‪ .‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألوه َّ‬
‫أوفر ما يكون حلماً‪ ،‬وك ُّل بشـ ْعشرةٍ علف لدوابِكم» فقال ر ــول‬ ‫ِ‬
‫ذكشر ا ــم هللا عليت‪ ،‬يقع يف أيديكم ش‬
‫فَ‪،‬ما طعام إخوانكم» [رواه مس ــلم (‪ )450‬وأبو داود‬ ‫هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «فال تسـ ــتن وا هبما َّ‬
‫(‪ )85‬والرتمذي (‪. ])18‬‬
‫لفتوحات وانتصار ٍ‬
‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫كان هذا الفت العظيم‪ ،‬والنَّصر اَّب ‪ ،‬يف عا ِ‬
‫اجلن‪ ،‬إرهاهللااً‪ ،‬وَتهيداً‬
‫عظيمة يف عا النس‪ ،‬فقد كان اللِقاء مع وفد األنصار بعد عدَّة أشهر(‪.)1‬‬
‫وقد علَّق الدكتور البوطي عل مساي ِ‬
‫اجلن من ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬يف عودتت‬
‫أن عل اَّسـ ــلم أن يؤمن بوجود‬‫يهمنا أن نعلمت بعد هذا كلِت هو َّ‬ ‫من الطَّائف‪ ،‬فقال «والَّذأ ُّ‬
‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬بعبــادتــت‪ ،‬كمــا كلَّفنــا بــذلــك‪ ،‬ولئن كــانــت‬ ‫اجلن‪َّ ،‬‬
‫وأب‪،‬م كــائنــات حيَّـة كلَّفهــا هللا ‪َّ -‬‬ ‫ِ‬
‫وجل ‪ -‬جعل وجودهم ري خا ـ ـ ـ ـ ٍع‬
‫عاي َّ‬ ‫حوا ُّ ـ ـ ـ ـنا‪ ،‬ومداركنا ح ت ـ ـ ـ ــعر هبم‪ ،‬فذلك َّ‬
‫ألن هللا ‪َّ -‬‬
‫للطَّاقة البص ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬الَّيت بثَّها يف أعيننا‪ ،‬ومعلوم أن أعيننا َّإجا تبصـ ـ ـ ــر أنواعاً معيَّنةً من اَّوجودات‪،‬‬
‫روط معيَّ ٍنة‪.‬‬
‫بقد ٍر مع َّ ٍ ‪ ،‬وب ٍ‬
‫إن وجود هذه اَّهلوقات مسـ ــند إىل أخبار يقينيَّ ٍة متواترةٍ وردت إلينا من الكتاب‪ ،‬وال ُّس ـ ـنَّة‪،‬‬
‫َّ‬
‫الدين ابلضَّرورة‪ ،‬والتَّكذي بوجودها تكذيباً للهرب‬ ‫وهللاار وجود هذه اَّهلوقات أمراً معلوماً من ِ‬

‫وجل ‪ -‬وعن ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬


‫عاي َّ‬ ‫الصادق اَّتواتر إلينا عن هللا ‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫وح ينب ي أن يقع العاقل يف أش ـ ِـد مظاهر ال فلة واجلهل من حيث يايعم أنَّت ح يؤمن إح مبا‬
‫س‬
‫اجلان‪ ،‬و َّ‬ ‫يتَّفق مع العلم‪ ،‬فيمض ـ ـ ـ ــي يتب َّ أبنَّت ح يعتقد بوجود ِ‬
‫اجلان‪ ،‬من أجل أنَّت شير َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫‪360‬‬
‫هبم‪.‬‬
‫أن مثل هذا اجلاهل اَّتعا يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدعي إنكار كث ٍري من اَّوجودات‬ ‫إن من البداهة ٍ‬
‫مبكان َّ‬ ‫َّ‬
‫اليقينيَّة لس ـ ــب ٍ و ٍ‬
‫احد‪ ،‬هو عدم إمكان رييتها‪ ،‬والقاعدة العلميَّة اَّ ـ ــهورة تقول عدم ش ـ ــعورأ‬
‫ابل َّ ـ ـيء ح يسـ ــتلايم عدم الوجود أأ عدم رييتك ل ـ ـ ٍ‬
‫ـيء تفتِش عنت ح يسـ ــتلايم أن يكون حب ِد‬
‫ذاتت مفقوداً‪ ،‬أو ري ٍ‬
‫مفقود»(‪.)1‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬يف عا الثَّقل‬ ‫الرابينُّ‪ ،‬الَّذأ خ َّ‬
‫ص بت الن ُّ‬ ‫َّكرم َّ‬
‫وبعد هذا الت ُّ‬
‫السموات العال‪ ،‬إىل‬
‫النس‪ ،‬واجلن حان وقت احلديث عن رحلتت هللال هللا عليت و لم إىل عا َّ‬
‫عا اَّالئكة‪ ،‬إىل حضرة اجلليل بلانت‪ ،‬إىل أن يرفعت إليت من ب هذه اخلالئق يعاً‪ ،‬مثَّ يعيده‬
‫الرحلة اَّيمونة اخلالدة‪ ،‬الَّيت تعر الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة يا مثيالً‪ ،‬ولن‬
‫إليهم‪ ،‬فيلدثهم مبا رأ يف هذه ِ‬
‫وم ْن عليها(‪.)2‬‬
‫حض يرث هللا األرض‪ ،‬ش‬
‫تعر َّ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.106 ، 105‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)446/1‬‬
‫‪361‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫اإلسراء واملعراج‪ ..‬ذروة التَّكرمي‬
‫كان وجود أيب طال ٍ قان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪ ،‬ياجاً واقياً لت مينع عنت أذ‬
‫ألن قري اً ما كانت تريد أن هسر أاب طال ٍ ‪ ،‬ول ـ ـ ـ َّـما تويف أبو طال ا‪،‬ار هذا احلاجاي‪،‬‬ ‫قريش َّ‬
‫اجلسدأ ال يء الكثري‪.‬‬‫ِ‬ ‫ول هللا هللال هللا عليت و لم من الضَّرر‬ ‫وانل ر ش‬
‫وكانت خدجية ر ـ ــي هللا عنها زوً ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم البلس ـ ــم ال َّ ـ ـ ـايف َّا‬
‫يصــي ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم من اجلرا النَّفس ـيَّة الَّيت يللقها بت اَّ ــركون‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬
‫البلسم‪.‬‬
‫ش‬ ‫توفيت فشـ شق شد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم هذا‬
‫ـتد عليت أذ قريش‪ ،‬وأمعنوا‬ ‫وخرً ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم إىل الطَّائف بعدما اش ـ َّ‬
‫احلق الذأ يدعو إليت‪ ،‬وحايتت‪ ،‬حض يبلِ دين هللا‪،‬‬ ‫يف التَّض ــييق عليت‪ ،‬يطل من زعمائها نص ــرة ِ‬
‫ردوه أقب ٍرد‪ ،‬و يكتفوا بذلك بل أر ـ ــلوا إىل قريش ر ـ ــوحً خيربهم مبا‬ ‫فما كان جواهبم إح أن ُّ‬
‫جاء بت حم َّمد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فت َّهمت لت قريش‪ ،‬وأ مرت لت ال ََّّر‪ ،‬فلم يستطع ر ول‬
‫دهمت لت قريش‪ ،‬وأحدقت‬ ‫رجل كافر‪ ،‬لقد َّ‬ ‫مكة إح يف جوار ٍ‬ ‫هللا هللاــل هللا عليت و ــلم دخول َّ‬
‫حض ِمسي ذلك العام ابلنِســبة لر ـول هللا‬ ‫ادت حاينشت‪ ،‬ولَّت َّ‬ ‫بر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فاي ْ‬
‫هللال هللا عليت و لم بـ(عام احلاين)(‪.)1‬‬
‫حصلت مع اية هللاِ لر ولت‪ ،‬أحش وهي ال راء واَّعراً‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وبعد هذا كلِت‬
‫ألها‬ ‫َّأما هد هذه اَّع اية‪ ،‬فيتمثل يف أموٍر من ِ‬
‫وجل ‪ -‬أراد أن يتي لر ـ ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم فرهللا ـ ـ ــة احطالي عل‬ ‫عاي َّ‬
‫أن هللا ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬
‫حض يايداد َّقوةً يف مها ة ــلطان‬ ‫حض مي قلبت ثقةً فيت‪ ،‬وا ــتناداً إليت َّ‬ ‫اَّظاهر الكرب لقدرتت َّ‬
‫الكفَّار القائم يف األرض‪ ،‬كما حدث َّو ـ ـ ـ عليت السـ ـ ــالم‪ ،‬فقد شـ ـ ــاء أن يريت ع ائ قدرتت‪.‬‬
‫ش ِهبشا شعلش‬ ‫ِ‬
‫اأ أشتشـ شوَّكأ شعلشْيـ شها شوأشه ُّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫ك بِيش ِمينِ ش‬
‫ك شَيمو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ۝ قش شال ه شي شع ش‬ ‫﴿وشما تِْل ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اها فشَِ شذا شه شي شحيَّة تش ْس ـ ـ ـ ـ شع ۝‬ ‫ِ‬ ‫شن ِمي وِ ِ‬
‫س ف شيها شمآ ِرب أخر ۝ قش شال أشلْق شها شَيمو ش ـ ـ ـ ـ ۝ فشأشلْ شق ش‬ ‫ش شش‬
‫ضاءش ِم ْن ش ِْري‬ ‫ك شهْر ًْ بشـْي ش‬ ‫اح ش‬ ‫ف نعِيدها ِ ريشهتشا األوشىل ۝ وا ْ مم ي شد شك إِ شىل جنش ِ‬
‫ش‬ ‫ش ْش‬ ‫قش شال خ ْذ شها شوحش شهش ْ ش ش ش ْ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫انظر درا ة حتليلية ل هصيَّة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪362‬‬
‫وء آيشةً أخر ﴾ [طه‪ ]22 - 17 :‬فلـ ـ َّـما م قلبت مب اهدة هذه ا َيت الكرب ‪ ،‬قال لت بعد ذلك‬ ‫ٍ‬
‫ك ِمن آَيتنشا الْك ْرب ﴾ [طه‪.]23 :‬‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫﴿لن ِريش ش ْ‬
‫يف رحلة ال ـ ـ ـراء واَّعراً أطلع هللا نبيت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عل هذه ا َيت الكرب ‪،‬‬
‫ض ـ ـ ـالل‪ ،‬والفسـ ـ ــوق‪ .‬وا َيت اليت‬ ‫اجهة عل مد التَّاري للكفر‪ ،‬وال َّ‬ ‫توطئةً لله رة‪ ،‬وألعظم مو ٍ‬
‫الذهاب إىل بيت اَّقدس‪ ،‬والعروً إىل‬ ‫راها ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم كثرية منها َّ‬
‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماء‪ ،‬وريية األنبياء‪ ،‬واَّر ـ ـ ـ ــل ‪ ،‬واَّالئكة‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـ ـموات‪ ،‬واجلنَّة‪ ،‬والنار‪ ،‬وجاذً من النعيم‬
‫والعذاب‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫كان حديث القرآن الكر عن ال ـ ـ ـراء يف ـ ـ ــورة ال ـ ـ ـراء‪ ،‬وعن اَّعراً يف ـ ـ ــورة النَّ م‪،‬‬
‫وذكر حكمة ال ـ ـ ـراء يف ـ ــورة ال ـ ـ ـراء بقولت ﴿لِن ِريشت ِم ْن آَيتنشا﴾ [اإلس ـ ـراء‪ ]1 :‬ويف ـ ــورة الن م‬
‫بقولت ﴿لششق ْد شرأش ِم ْن آَيت شرِب ِت الْك ْ شرب ﴾ [النجم‪ .]18 :‬ويف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء واَّعراً علوم‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار‪،‬‬
‫ودقائق‪،‬ودروس‪ ،‬شو ِع شرب(‪.)1‬‬
‫ـيا رأ فيت‬ ‫فردأ بسـ ـ ـ ٍ‬
‫حادث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جمرد‬‫يقول األ ـ ـ ــتاذ أبو احلسـ ـ ــن النَّدوأ « يكن ال ـ ـ ـراء َّ‬
‫ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ا َيت الكرب ‪ ،‬ودلَّ لت ملكوت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـموات‪ ،‬واألرض‬
‫معان دقي ٍ‬
‫قة‬ ‫ٍ‬ ‫الرحلة النَّبوية ال يبية عل‬ ‫م ـ ــاهد ًة‪ ،‬عياانً بل ‪ -‬زَيد ًة إىل ذلك ‪ -‬اش ـ ــتملت هذه ِ‬
‫ص ـ ـة ال ـ ـراء‪ ،‬وأعلنت ال ُّس ـ ـوراتن الكرميتان‬ ‫ٍ‬
‫حكيمة بعيدة اَّد فقد ـ ـ َّـمت ق َّ‬ ‫كثريةٍ‪ ،‬وشـ ــار ٍ‬
‫ات‬
‫نب القبلت ‪،‬‬ ‫اللَّتان نايلتا يف شـ ــأنت «ال ـ ـراء» و«النَّ م» َّ‬
‫أن حممداً هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم هو ُّ‬
‫وإمام اَّ رق واَّ رب ‪ ،‬ووارث األنبياء قبلت‪ ،‬وإمام األجيال بعده‪ ،‬فقد التقت يف شهصت‪ ،‬ويف‬
‫إ ـرائت مكة ابلقدس‪ ،‬والبيت احلرام ابَّسـ د األقصـ ‪ ،‬وهللاـلَّ ابألنبياء خلفت‪ ،‬فكان هذا إيذاانً‬
‫الايمان‪ ،‬وأفادت‬
‫بعموم ر ــالتت‪ ،‬وخلود إمامتت‪ ،‬وإنســانيَّة تعاليمت‪ ،‬وهللاــالحيتها حختال اَّكان و َّ‬
‫ـ ــورة ال ـ ـراء تعي ش ــهص ــية النَّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ووهللاـ ــف إمامتت‪ ،‬وقيادتت‪ ،‬وحتديد‬
‫األمة اليت بعث فيها‪ ،‬وامنت بت‪ ،‬وبيان ر ــالتها ودورها الَّذأ ــتمثِلت يف العا ‪ ،‬ومن ب‬ ‫مكانة َّ‬
‫ال ُّعوب‪ ،‬واألمم»(‪.)2‬‬

‫حو (‪.)292 ، 291/1‬‬


‫السنَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السنَّة (‪.)292/1‬‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪363‬‬
‫أوالً‪ :‬قصة اإلسراء واملعراج كما جاءت يف بعض األحاديث‪:‬‬

‫مالك ر ـ ـ ــي هللا عنت قال قال ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «أتِيت‬ ‫عن أنس بن ٍ‬
‫ابلرباق ‪ -‬وهو داب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أبيض طويل‪ ،‬فوق احلمار ودون الب ل‪ ،‬يض ــع حافره عند منته طشْرفت ‪-‬‬ ‫ش‬
‫حض أتيــت بيــت اَّقــدس‪ ،‬قــال فربطتــت ابحللقــة الَّيت يشـ ْربِا بــت األنبيــاء‪ .‬قــال مثَّ‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬
‫قــال فركبتــت َّ‬
‫نانء من ط ٍر‪،‬‬ ‫دخلت اَّس ـ ـ ـ د فص ـ ـ ـلَّيت فيت ركعت ‪ ،‬مثَّ خرجت‪ ،‬ف اءين جربيل عليت الس ـ ــالم ٍ‬
‫ٍ‬
‫وإانء من ل ٍ‬
‫ت الفطرة»(‪ ...)2‬فذكر احلديث [مسلم (‪. ])162‬‬ ‫ب‪ ،‬فاخ ت اللَّب‪ ،‬فقال جربيل اخ ش‬
‫نب هللا هللاــل هللا عليت و ــلم حدَّثت عن‬ ‫أن َّ‬‫ويف حديث مالك بن هللاــعصــعة ر ــي هللا عنت َّ‬
‫ليلة أ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأ بت‪ ،‬قال «بينما أان يف احلطيم(‪ - )3‬ورمبا قال يف احلِ ر ‪ -‬مض ـ ـ ـ ـ ـ ــط عاً إذ أاتين‬
‫ات(‪ ،)4‬فشـ شق َّد ‪ -‬قال ومسعتت يقول ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـق ‪ -‬ما ب هذه إىل هذه‪ ،‬فقلت لل ارود وهو إىل‬ ‫ٍ‬
‫صـ ـ ـ ِت(‪ )7‬إىل ش ـ ــعرتت ‪-‬‬‫جنب ما يع بت؟ قال من ث رةِ حن ِرهِ (‪)5‬إىل ِشـ ـ ـعرتت(‪)6‬ومسعتت يقول من قش ِ‬
‫ْش‬
‫ت من ذه ٍ الوءةٍ إمياانً‪ ،‬فشـ ِس ـ ـ شل قلب‪ ،‬مثَّ ح ـ ـ شـي‪ ،‬مثَّ أ ِع ش‬
‫يد‪ ،‬مثَّ‬ ‫فا ـ ــتهرً قلب‪ ،‬مثَّ أتيت بطشس ـ ـ ٍ‬
‫ْ‬
‫الرباق َي أاب حاية؟! قـال‬ ‫ٍ‬
‫أتيـت بـدابـة دون الب ـل‪ ،‬وفوق احلمـار أبيض ‪ -‬فقـال لـت اجلـارود هو ش‬
‫أنس نعم ‪ -‬يض ـ ـ ـ ـ ـ ــع شخطْ شوه عند أقص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طشْرفت(‪ ،)8‬فل ِملت عليت‪ ،‬فانطشلش شق يب جربيل َّ‬
‫حض أت‬
‫(‪)9‬‬
‫حممد‪ ،‬قيل‬ ‫قيل ومن معك؟ قال َّ‬ ‫ش‬ ‫‪،‬‬ ‫جربيل‬ ‫قال‬ ‫هذا؟‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ش‬ ‫فقيل‬ ‫ال َّس ـ ـ ـماء الدُّنيا‪ ،‬فا ـ ــتفت ش‬
‫وقد أرِ ـ ـ ـ ـ ـ شل إليت؟ قال نعم‪ .‬قيل مرحباً بت(‪ ،)10‬فنعم اايء جاء‪ ،‬فشـ شفتش ‪ ،‬فلما شخلشص ـ ـ ـ ــت فَذا‬
‫فرد الســالم‪ ،‬مثَّ قال مرحباً ابحبن‬ ‫فيها آدم‪ ،‬فقال هذا أبوك آدم‪ ،‬فش شس ـلِم عليت‪ ،‬فس ـلَّمت عليت‪َّ ،‬‬
‫حض أت ال َّسـ ـ ـماء الثَّانية فا ـ ــتفت ‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال‬ ‫صـ ـ ـاأ‪ .‬مثَّ هللا ـ ــعِد يب َّ‬
‫َّب ال َّ‬
‫صـ ـ ـاأ‪ ،‬والن ِ‬
‫ال َّ‬
‫جربيل‪ ،‬قيل ومن معك؟ قال حممد‪ ،‬قيل وقد أر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إليت؟ قال نعم‪ ،‬قيل مرحباً بت‪ ،‬فنعم‬

‫(‪ )1‬احللقة اَّراد حلقة ابب مس د بيت اَّقدس‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفطرة ال الم ‪ ،‬واح تقامة‪.‬‬
‫الركن واَّقام‪.‬‬
‫احلطيم هو ما ب ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬ات هو جربيل عليت السالم‪.‬‬


‫الرقبة من األمام‪.‬‬
‫ث رة النلر اَّو ع اَّنهفض يف أدَّن َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬شعرتت شعر عانتت وهو ما ينبت حول العانة‪.‬‬


‫الصدر‪.‬‬
‫(‪ )7‬القص رأس عظام َّ‬
‫(‪ )8‬يضع شخطْشوه عند أقص طرفت يضع رجلت عند منته بصره‪.‬‬
‫السماء الدُّنيا‪.‬‬
‫ا تفت طل فت ابب َّ‬
‫(‪)9‬‬

‫(‪ )10‬مرحباً بت أهللااب رحباً ‪ ،‬و عةً‪.‬‬


‫‪364‬‬
‫خالة ‪ -‬قال هذا ىي‪،‬‬ ‫اايء جاء‪ ،‬فشـ شفتش ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خلشص ـ ــت إذا ىي‪ ،‬وعيس ـ ـ ـ ‪ -‬ولا ابنا ٍ‬
‫ش‬
‫الصاأ‪ .‬مثَّ هللاعد يب‬‫َّب َّ‬ ‫وعيس ‪ ،‬فسلِ ْم عليهما‪ ،‬فسلَّمت فشـشرَّدا‪ ،‬مثَّ قاح مرحباً ابأل َّ‬
‫الصاأ والن ِ‬
‫حممد‪ ،‬قيل‬‫وم ْن معك؟ قال َّ‬ ‫إىل ال َّس ـماء الثَّالثة‪ ،‬فا ــتفت ‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال جربيل‪ ،‬قيل ش‬
‫وقد أر ل إليت؟ قال نعم‪ ،‬قيل مرحباً بت‪ ،‬فنعم اايء جاء‪ ،‬ففت ‪ ،‬فل ـ َّـما خلصت إذا يو ف‪،‬‬
‫ِ‬
‫الصاأ‪.‬‬
‫َّب َّ‬
‫الصاأ‪ ،‬والن ِ‬
‫فرد مثَّ قال مرحباً ابأل َّ‬
‫مت عليت‪َّ ،‬‬ ‫قال هذا يو ف فسل ْم عليت‪ ،‬فسلَّ ْ‬
‫الرابعة‪ ،‬فا ـ ـ ــتفت ‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال جربيل‪ .‬قيل شوشم ْن‬
‫حض أت ال َّس ـ ـ ـماء َّ‬ ‫مثَّ هللا ـ ـ ـعِ شد يب َّ‬
‫حممد‪ ،‬قيل أ ششو قد أرِ ـل إليت؟ قال نعم‪ ،‬قيل مرحباً بت‪ ،‬فنعم اايء جاء‪ ،‬ففت ‪،‬‬ ‫معك؟ قال َّ‬
‫فرد مثَّ قال مرحباً‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خلصت فَذا إدريس‪ ،‬قال هذا إدريس فسلِ ْم عليت‪ ،‬فسلَّمت عليت‪َّ ،‬‬
‫الصاأ‪.‬‬
‫َّب َّ‬ ‫الصاأ‪ ،‬والن ِ‬ ‫ابأل َّ‬
‫حض أت ال َّس ـ ـماء اخلامس ــة‪ ،‬فا ــتفت ‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال جربيل قيل شوشم ْن‬ ‫مثَّ هللا ـ ـعِ شد يب َّ‬
‫حممد‪ ،‬قيل وقد أر ـ ـ ـ ـ ــل إليت؟ قال نعم‪ ،‬قيل مرحباً بت‪ ،‬فنعم اايء جاء‪ ،‬ففت ‪،‬‬ ‫معك؟ قال َّ‬
‫فرد مثَّ قال مرحباً‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خلصت فَذا هارون‪ ،‬قال هذا هارون‪ ،‬فسلِ ْم عليت‪ ،‬فسلَّمت عليت‪َّ ،‬‬
‫الصاأ‪.‬‬
‫َّب َّ‬ ‫الصاأ‪ ،‬والن ِ‬ ‫ابأل َّ‬
‫حض أت ال َّسـماء ال َّسـاد ــة‪ ،‬فا ــتفت ‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال جربيل‪ ،‬قيل شوشم ْن‬ ‫مثَّ هللاـعِ شد يب َّ‬
‫حممد‪ ،‬قيل وقد أر ــل إليت؟ قال نعم‪ ،‬قال مرحباً بت‪ ،‬فنعم اايء جاء‪ .‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫معك؟ قال َّ‬
‫فرد مثَّ قال مرحباً ابأل‬ ‫خلصــت فَذا مو ـ ‪ ،‬قال هذا مو ـ فســلِم عليت‪ ،‬فس ـلَّمت عليت‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ألن الماً‬ ‫صـاأ فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما داوزت بك ‪ ،‬قيل لت ما يبكيك؟ قال أبكي َّ‬ ‫َّب ال َّ‬
‫صـاأ‪ ،‬والن ِ‬
‫ال َّ‬
‫ث بعدأ يدخل اجلنَّةش من أ َّمتت أكثر ِاَّن يش ْدخلها من َّأميت‪.‬‬ ‫بعِ ش‬
‫مثَّ هللاــعد يب إىل ال َّسـماء ال َّسـابعة‪ ،‬فا ــتفت جربيل‪ ،‬قيل شم ْن هذا؟ قال جربيل‪ ،‬قيل شوشم ْن‬
‫حممد‪ ،‬قيل وقد بعث إليت؟ قال نعم‪ ،‬قال مرحباً بت‪ ،‬ونعم اايء جاء‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫معك؟ قال َّ‬
‫فرد ال َّس ـالم‪ ،‬مثَّ قال‬ ‫خلصــت فَذا إبراهيم‪ ،‬قال هذا أبوك‪ ،‬فســلِم عليت‪ ،‬قال فس ـلَّمت عليت‪َّ ،‬‬
‫ِ ـ ـ ـ ـدرة اَّنته ‪ ،‬فَذا نشبقها(‪ )3‬مثل قِ ِ‬
‫الل‬ ‫(‪)2‬‬
‫تس‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـاأ‪ ،‬مثَّ رف شع ْ‬
‫َّب ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـاأ‪ ،‬والن ِ‬
‫مرحباً ابحبن ال َّ‬

‫بيل التَّنويت بقدرة هللا وعظيم كرمت‪.‬‬ ‫بيل النَّقص ‪ ،‬بل عل‬ ‫(‪ )1‬أبكي ألن الماً ‪ ...‬ليس هذا عل‬
‫(‪ )2‬رفعت س قـ ِربت س‪.‬‬
‫السدر‪.‬‬‫(‪ )3‬النَّبق هو شر ِ‬
‫‪365‬‬
‫اذان الفيلة‪ ،‬قال هذه ِ ـ ـ ـ ـدرة اَّنته ‪ ،‬وإذا أربعة أ‪،‬ا ٍر ‪،‬ران ابطنان‪،‬‬
‫ه ر(‪ ،)1‬وإذا ورقها مثل ِ‬
‫شش‬
‫و‪،‬ران ظاهران‪ ،‬فقلت ما هذان َي جربيل؟! قال َّأما الباطنان فنهران يف اجلنَّة‪ ،‬و َّأما الظاهران‬
‫فع س البيت اَّعمور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فالنيل والفرات‪ ،‬مثَّ ر ش‬
‫ٍ‬ ‫وإانء من ل ٍ‬ ‫نانء من ط ٍر‪ٍ ،‬‬ ‫مثَّ أتي ــت ٍ‬
‫ب‪ ،‬فق ــال هي‬ ‫ب‪ ،‬وإانء من عس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل‪ ،‬ف ــأخ ــذت اللَّ ش‬
‫الفطرة(‪ )2‬الَّيت أنت عليها‪ ،‬و َّأمتك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كل يوم‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فمررت عل مو ـ ـ ‪ ،‬قال ش‬ ‫ص ـ ـالة طس ـ ـ هللا ـ ــال ًة َّ‬ ‫علي ال َّ‬ ‫ـت َّ‬ ‫مثَّ ف ِر ـ ـ ْ‬
‫إن َّأمتك ح تســتطيع طسـ هللاــال ًة كل ٍ‬
‫يوم‪،‬‬ ‫يوم‪ .‬قال َّ‬ ‫أ ِمرت؟ قال أمرت مسـ هللاــال ًة كل ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فارجع إىل ربِك‪،‬‬
‫ْ‬ ‫جربت النَّاس قبلك‪ ،‬وعاجلت ب إ ـ ـ ـ ـ ـ ـرائيل أشـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد اَّعاجلة(‪،)3‬‬ ‫وإين وهللا! قد َّ‬ ‫ِ‬
‫ألمتك‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فو ع ع ِ ع راً‪ ،‬فرجعت إىل مو ‪ ،‬فقال مثلت‪ ،‬فرجعت‪،‬‬ ‫فا ألت التَّهفيف َّ‬
‫فو ـ ــع ع ِ ع ـ ـراً‪ ،‬فرجعت إىل مو ـ ـ ‪ ،‬فقال مثلت‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فو ـ ــع ع ِ ع ـ ـراً‪ ،‬فرجعت إىل‬
‫كل ي ٍوم‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقال مثلت‪ ،‬فرجعت‬ ‫مو ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬فقال مثلت‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فأمرت بع ـ ـ ـ ــر هللاـ ـ ـ ــلوات َّ‬
‫ت؟ قلت أمرت مس‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فأمرت مس هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلو ٍ‬
‫كل يوم‪ ،‬فرجعت إىل مو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬فقال ش أم ْر ش‬ ‫ات َّ‬
‫ات كل ٍ‬ ‫ات كل ٍ‬
‫جربت النَّاس‬
‫وإين قد َّ‬ ‫يوم‪ِ ،‬‬ ‫إن أمتك ح تسـ ـ ـ ــتطيع طس هللاـ ـ ـ ــلو ٍ َّ‬ ‫يوم‪ ،‬قال َّ‬ ‫هللاـ ـ ـ ــلو ٍ َّ‬
‫فارجع إىل ربك فا ـ ـ ـ ــألت التهفيف ألمتَّك‪ ،‬قال‬ ‫ْ‬ ‫قبلك‪ ،‬وعاجلت ب إ ـ ـ ـ ـرائيل أش ـ ـ ـ ـ َّـد اَّعاجلة‪،‬‬
‫مناد أمضــيت‬‫ٍ‬ ‫ــألت ِريب حض ا ــتلييت‪ ،‬ولكن أر ـ ‪ ،‬وأ ــلِم‪ ،‬قال فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاوزت اند‬
‫فريضيت‪ ،‬وخففت عن عبادأ» [البخاري (‪ )3207‬ومسلم (‪. ])164‬‬

‫ـنة‪ ،‬هكذا قال القا ـ ــي‬ ‫كانت حادثة ال ـ ـ ـراء واَّعراً قبل ه رتت ‪ -‬عليت ال َّسـ ـ ـالم ‪ -‬بس ـ ـ ٍ‬
‫عياض يف ال ِ فا(‪.)4‬‬
‫ولـ ـ ـ َّـما رجع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من رحلتت اَّيمونة أخرب قومت بذلك‪ ،‬فقال يم‬
‫عدأ‪ ،‬وعمرو بن ه ام‪ ،‬والوليد بن اَّ رية ِإين هللاليت اللَّيلة الع اء‬ ‫جملس حضره اَّطعم بن ٍ‬ ‫يف ٍ‬
‫يف هذا اَّسـ ـ ـ د‪ ،‬وهللا ـ ــليت بت ال داة‪ ،‬وأتيت فيما دون ذلك بيت اَّقدس‪ ،‬فشـن ِ ـ ـ ـر س رها من‬
‫األنبياء منهم إبراهيم‪ ،‬ومو ـ ـ ـ ـ ـ وعيس ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ـلَّيت هبم‪ ،‬وكلَّمتهم‪ ،‬فقال عمرو بن ه ـ ـ ـ ــام‬

‫(‪ )1‬قالل ه ر يضرب هبا اَّثل لكربها ‪ ،‬وه ر قرية يف البلرين ‪ ،‬والقلَّة اجلرة الكبرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفطرة دين ال الم‪.‬‬
‫أشد اَّعاجلة مار ت ب إ رائيل َّ‬
‫أشد اَّمار ة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬عاجلتهم َّ‬
‫(‪ )4‬انظر ال ِ فا بتعريف حقوق اَّصطف (‪.)108/1‬‬
‫‪366‬‬
‫الصدر‪ ،‬ظاهر‬ ‫الربعة‪ ،‬ودون الطول‪ ،‬عريض َّ‬ ‫كاَّستهايئ بت ِهللا ْفهم س‪ ،‬فقال َّأما عيس ففوق َّ‬
‫الدَّم‪ ،‬جعد‪ ،‬أش ــعر‪ ،‬تعلوه هللاـ ـ ْهبشة(‪ ،)1‬كأنَّت عروة بن مس ــعود الثَّقفي‪ .‬و َّأما مو ـ ـ فض ــهم آدم‪،‬‬
‫طوال‪ ،‬كأنَّت من رجال شش ـ ـ ـ ـ ـنوءش شة‪ ،‬م اك األ ـ ـ ـ ـ ــنان‪ ،‬مقلَّص ال َّ ـ ـ ـ ـ ـفة‪ ،‬خارً اللَّثة‪ ،‬عابس‪ ،‬و َّأما‬
‫إبراهيم فوهللا إنت ألشبت النَّاس يب‪ ،‬شخ ْلقاً‪ ،‬وخلقاً(‪.)2‬‬
‫فقالوا َي حممد! فص ـ ـ ـ ـ ـ ــف لنا بيت اَّقدس‪ ،‬قال «دخلت ليالً‪ ،‬وخرجت منت ليالً»‪ ،‬فأاته‬
‫جربيل بص ـ ـ ـ ــورتت يف جناحت‪ ،‬ف عل يقول «ابب منت كذا‪ ،‬يف مو ـ ـ ـ ــع كذا‪ ،‬وابب منت كذا‪ ،‬يف‬
‫مو ع كذا»‪.‬‬
‫ت انقة يم‪،‬‬ ‫ابلروحاء‪ ،‬قد ش ـ ـ ـلَّ ْ‬
‫مثَّ ـ ـ ــألوه عن عريهم‪ ،‬فقال يم «أتيت عل عري ب فالن َّ‬
‫فانطلقوا يف طلبها‪ ،‬فانتهيت إىل رحايم‪ ،‬ليس هبا منهم أحد‪ ،‬وإذا قد ماء‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ ـ ــربت م نت‪،‬‬
‫فا ـ ـ ـ ـ ـ ــألوهم عن ذلك» ‪ -‬قالوا هذه واللت اية! ‪« -‬مثَّ انتهيت إىل عري ب فالن‪ ،‬فنفرت م ِ‬
‫البــل‪ ،‬وبرك منهــا ــل أحر‪ ،‬عليــت جوالِق(‪ )3‬ملطَّا ببيــاض‪ ،‬ح أدرأ أكس ـ ـ ـ ـ ـ ــر البعري‪ ،‬أم ح؟‬
‫فالن يف التَّنعيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألوهم عن ذلك» ‪ -‬قالوا هذه واللت اية! ‪« -‬مثَّ انتهيت إىل عري ب‬
‫يقــدمهــا ــل أورق(‪ ،)4‬وهــا هي تطلع عليكم من الثَّنِيَّـة»(‪)5‬فقــال الوليــد بن اَّ رية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحر‪،‬‬
‫فانطلقوا‪ ،‬فنظروا‪ ،‬فوجدوا األمر كما قال‪ ،‬فرموه ابل ِس ـ ـ ـلر‪ ،‬وقالوا هللا ـ ـ ــدق الوليد بن اَّ رية فيما‬
‫قال [املطالب العالية (‪ ،204 - 201/4‬وجممع الزوائد (‪ )76 - 75/1‬وابن هشام يف السرية النبوية (‪. ])11/2‬‬
‫تدوا‪ ،‬وذه‬‫كانت هذه احلادثة فتنةً لبعض النَّاس‪ِ ،‬اَّن كانوا امنوا‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ــدَّقوا ابلدَّعوة‪ ،‬فار ُّ‬
‫الص ِديق ر ي هللا عنت‪ ،‬فقالوا هل لك إىل هللااحبك؟ يايعم أنَّت أ رأ‬ ‫بعض النَّاس إىل أيب بك ٍر ِ‬
‫بت اللَّيلة إىل بيت اَّقدس!‬
‫قال أشو قشال ذلك؟! قالوا نعم! قال لئن كان قال ذلك لقد هللادق! قالوا أو ِ‬
‫تصدقت أنَّت‬ ‫ش‬
‫ذه اللَّيلة إىل بيت اَّقدس‪ ،‬وجاء قبل أن يصب ؟!‬
‫قال نعم‪ِ ،‬إين ألهللاـ ِـدقت فيما هو أبعد من ذلك‪ ،‬أهللاـ ِـدقت رب ال َّس ـماء‪ ،‬يف دوةٍ أو روحة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬هللاهبة بياض حبمرة‪.‬‬


‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)37/3‬‬‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬اجلوالق هو العِ ْدل الذأ يو ع فيت اَّتاي‪.‬‬


‫(‪ )4‬أورق أأ لونت أبيض وفيت واد‪.‬‬
‫(‪ )5‬الثَّنيَّة الطَّريق اجلبلي‪.‬‬
‫‪367‬‬
‫[احلاكم (‪. ])62/3‬‬ ‫الص ِديق‬
‫فلذلك ِمسي أبو بكر ِ‬

‫ودروس‪ ،‬وعربٌ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫اثنياً‪ :‬فوائد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عظيمة‪ ،‬فهذه‬ ‫تعرض ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم َّ ٍن‬ ‫كل ٍ‬
‫حمنة منلة‪ ،‬وقد َّ‬ ‫‪ - 1‬بعد ِ‬
‫ـت‬
‫ثقيف‪ ،‬ويف قبـائـل العرب‪ ،‬وأحكم ْ‬ ‫قريش قـد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّت الطَّريق يف وجـت الـدَّعوة يف م َّكـة‪ ،‬ويف ٍ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف خط ٍر بعد‬ ‫كل جان ٍ ‪ ،‬وأهللاب الن ُّ‬‫احلصار َّد الدعوة ورجاحهتا من ِ‬
‫ماض يف طريقت‪ ،‬هللاــاب ٍر ألمر‬‫عمت أيب طال ٍ أكرب حاتت‪ ،‬ور ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ٍ‬ ‫وفاة ِ‬
‫حمارب‪ ،‬وح كيد مس ـ ـ ـ ــتهاي ٍء‪ ،‬فقد ان األوان للملنة‬ ‫ربِت‪ ،‬ح أتخذه يف هللا لومة حئ ٍم‪ ،‬وح حرب ٍ‬
‫رب العاَّ ‪ ،‬فيعرً بت من دون اخلالئق‬ ‫العظيمة‪ ،‬ف اءت حادثة ال راء واَّعراً‪ ،‬عل قش شد ٍر من ِ‬
‫اب‪ ،‬ويطلعت عل‬ ‫ـول‪ ،‬وح ح ٍ‬ ‫يعاً‪ ،‬ويكرمت عل هللا ــربه‪ ،‬وجهاده‪ ،‬ويلتقي بت مباش ــرة دون ر ـ ٍ‬
‫احد‪ ،‬فيكون المام‪،‬‬ ‫ـعيد و ٍ‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ــل يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫عوا ال ي دون اخللق كافَّةً‪ ،‬وجيمعت مع إخوانت من ُّ‬
‫والقدوة يم‪ ،‬وهو خاَتهم‪ ،‬وآخرهم هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬
‫مرحلة جديدةٍ‪ ،‬مرحلة اي رة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم كان م ْق ِدماً عل‬
‫إن َّ‬‫‪َّ - 2‬‬
‫الدولة‪ ،‬يريد هللا تعاىل لِلَّبِنشات األوىل يف البناء أن تكون ـ ـ ـ ــليمةً قويَّةً‪ ،‬م ا َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـةً‬ ‫واحنطالق لبناء َّ‬
‫الضعا اَّ ِددين‪ ،‬والَّذين‬ ‫ف من ِ‬ ‫متما كةً‪ ،‬ف عل هللا هذا احختبار والتَّمليص ليهلِص َّ‬
‫الص َّ‬
‫يف قلوهبم مرض‪ ،‬ويثبِت اَّؤمن األقوَيء واخللَّص الذين َّسـوا عياانً هللاــدق نبيِهم بعد أن َّســوه‬
‫ـعد ي مرهم‪ ،‬وهم حول‬ ‫أأ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫حم وطهم‪ ،‬و ُّ‬ ‫فأأ ٍ‬
‫تص ـ ــديقاً‪ ،‬وش ـ ــهدوا مد كرامتت عل ربِت‪ُّ ،‬‬
‫َّب اَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــطف ‪ ،‬وقد امنوا بت‪ ،‬وقدَّموا حياهتم فداءً لت‪ ،‬ولدينهم؟! كم ي َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الميان يف‬ ‫هذا الن ِ‬
‫مكة يف جوا ٍر‪ ،‬وبعد أذ‬ ‫قلوهبم أمام هذا احلدث الَّذأ ذَّ بعد وعثاء ال طَّائف؟! وبعد دخول َّ‬
‫السفهاء؟!(‪.)2‬‬ ‫الصبيان‪ ،‬و ُّ‬ ‫ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم العالية‪ ،‬تت َّس ـد يف مواجهتت للم ــرك أبم ٍر‬ ‫إن ش ـ اعة الن ِ‬ ‫‪َّ - 3‬‬
‫تنكره عقويم‪ ،‬وح تدركت يف َّأول األمر تص ـ ـ ـ ـ ُّـوراهتم‪ ،‬و مينعت من اجلهر بت اخلو من مواجهتهم‪،‬‬
‫ألمتت أروي األمثلة يف اجلهر‬ ‫وتلقي نكريهم‪ ،‬وا ــتهايائهم‪ ،‬فض ــرب بذلك هللا ــل هللا عليت و ــلم َّ‬ ‫ِ‬
‫كل ما يف و عهم‪ ،‬وكان من حكمة‬ ‫احلق‪ ،‬وجنَّدوا حلربت َّ‬ ‫حتايبوا َّد ِ‬‫ابحلق أمام أهل الباطل‪ ،‬وإن َّ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر ال بية القياديَّة (‪.)447/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)451/1‬‬
‫‪368‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف إقامة احل َّ ة عل اَّ ـ ـ ـ ــرك أ ْن حدَّثهم عن إ ـ ـ ـ ـرائت إىل بيت‬
‫الن ِ‬
‫ٍ‬
‫عالمات تل ِايم الكفَّار ابلتَّصديق‪ ،‬وهذه العالمات هي‬ ‫اَّقدس‪ ،‬وأظهر هللا لت‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم بيت اَّقدس‪ ،‬وبعضــهم قد ــافر إىل ال َّ ـام‪ ،‬ورأ‬ ‫‪ ‬وهللاــف الن ِ‬
‫اَّسـ ـ د األقصـ ـ ‪ ،‬فقد ك ــف هللا لنبيِت هللا ــل هللا عليت و ــلم اَّسـ ـ د األقصـ ـ َّ‬
‫حض‬
‫أقروا بصدق الوهللاف‪ ،‬ومطابقتت للواقع الَّذأ يعرفونت‪.‬‬ ‫وهللافت للم رك ‪ ،‬وقد ُّ‬
‫ابلروحاء‪ ،‬والبعري الَّذأ ش ـ ـ َّل‪ ،‬وما قام بت من ش ــرب اَّاء الَّذأ يف‬
‫‪ ‬إخباره عن العري اليت َّ‬
‫القد ‪.‬‬
‫‪ ‬إخباره عن العري الثَّانية الَّيت نفرت فيها البل‪ ،‬ووهللافت الدَّقيق ألحد ايم‪.‬‬
‫أب‪،‬ا تطلع‬ ‫‪ ‬إخباره عن العري الثَّالثة الَّيت ابألبواء‪ ،‬ووهللا ـ ـ ـ ــفت اجلمل الَّذأ يقدمها‪ ،‬وإخباره َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ــول‬ ‫أتكد اَّ ـ ـ ـ ــركون‪ ،‬فوجدوا َّ‬
‫أن ما أخربهم بت َّ‬ ‫ذلك الوقت من ثشنِيَّة التَّنعيم‪ ،‬وقد َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم كان هللاـ ـ ـ ـ ــليلاً‪ ،‬فهذه األدلَّة الظَّاهرة كانت ِ‬
‫مفلمةً يم‪ ،‬وح‬
‫يستطيعون معها أن يتَّهموه ابلكذب‪ .‬كانت هذه ِ‬
‫الرحل ـ ـ ـ ـ ــة العظيمة تربيةً رَّابنيَّ ـ ـ ـ ـ ــة رفيعة‬
‫ات نقطةً‬‫اَّس ــتو وأهللا ــب هللا ــل هللا عليت و ــلم ير األرض كلَّها‪ ،‬مبا فيها من مللوق ٍ‬
‫مكة يف هذه النقطة؟! َّإ‪،‬م ح ميثِلون‬
‫هللاـ ـ ريًة يف ذلك الكون الفس ــي ‪ ،‬مثَّ ما مقام كفار َّ‬
‫إح جايءاً يسـ ـ ـرياً جداً من هذا الكون‪ ،‬فما الَّذأ ـ ــيفعلونت داه من اهللا ـ ــطفاه هللا تعاىل‬
‫وخصت بتلك ِ‬
‫الرحلـ ـ ــة العلويـَّ ـ ــة اَّيمونـ ـ ــة‪ ،‬و عت ابَّالئكـ ـ ــة واألنبياء ‪ -‬عليهم‬ ‫من خلقت‪َّ ،‬‬
‫السبع‪ ،‬و ـدرة اَّنته ‪ ،‬والـبيت اَّعمور‪ ،‬وكلَّمت َّ‬
‫جل وعال(‪)1‬؟‬ ‫السموات َّ‬
‫السالم ‪ -‬وأراه َّ‬
‫َّ‬

‫القوأ يف هذا احلدث اجلشلش ِل‪ ،‬فعندما أخربه الكفَّار‪،‬‬ ‫الص ِديق ر ي هللا عنت ُّ‬ ‫‪ - 4‬يظهر إميان ِ‬
‫قال بلسـ ـ ـ ــان الواثق لئن كان قال ذلك لقد هللاـ ـ ـ ــدق! مثَّ قال ِإين ألهللاـ ـ ـ ـ ِـدقت فيما هو أبعد من‬
‫الص ِديق‪ ،‬وهذا منته الفقت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تلق لق‬
‫روحة‪ ،‬وهبذا ا َّ‬ ‫السماء يف دوةٍ‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ذلك‪ِ ،‬‬
‫أهللادقت رب َّ‬
‫واليق ‪ ،‬حيث وازن ب هذا اخلرب‪ ،‬ونايول الوحي من ال َّس ـ ـماء‪ ،‬فب َّ يم أنَّت إذا كان ريباً عل‬

‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ ‪.)42 ، 41/3( ،‬‬


‫‪369‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬ ‫العادأ‪ ،‬فَنَّت يف اية المكان ابلنِسبة للن ِ‬ ‫ِ‬ ‫النسان‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وملء قلبت إمياانً وحكمةً‬ ‫إن احلكمة يف ش ـ ـ ـ ِـق هللا ـ ـ ــدر الن ِ‬ ‫‪َّ - 5‬‬
‫يؤمنت من يع اَّهاو‬ ‫َّق‪ ،‬وآخراً القل اَّا ِ‬ ‫ا تعداداً لإل راء تظهر يف عدم أتثُّر جسمت ابل ِ‬
‫َّعرض لص ـ ـ ـ ـ ـرفها عن‬ ‫العادية األخر ‪ ،‬ومثل هذه األمور اخلارقة للعادة جي التَّس ـ ـ ـ ـ ــليم يا دون الت ُّ‬
‫حقيقتها َّقدرة هللا تعاىل‪ ،‬الَّيت ح يستليل عليها شيء(‪.)2‬‬
‫إن ش ـ ْرب ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم اللَّب ح خِري بينت وب اخلمر‪ ،‬وب ــارة‬ ‫‪َّ - 6‬‬
‫أن هذا ال الم دين الفطرة الب ريَّة الَّيت ينس م‬ ‫ديت للفطرة»‪ ،‬تؤكِد َّ‬ ‫جربيل عليت السالم «ه ش‬
‫يلب نوازعها‪ ،‬واحتياجاهتا‪ ،‬و ِقق‬ ‫الدين‪ ،‬الَّذأ ِ‬ ‫معها‪ ،‬فالَّذأ خلق الفطرة الب ـ ـريَّة خلق يا هذا ِ‬
‫ك لِلـ ِـدي ِن شحنِي ًف ـا فِطْرةش َِّ َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ال ِيت فشطششر الن ـ ش‬
‫َّاس شعلشْيـ شه ـا حش‬ ‫ش‬ ‫طموحــاهتــا‪ ،‬ويكب ــاحهــا ﴿فشـأشق ْم شو ْج شه ـ ش‬
‫اَّللِ شذلِك ِ‬
‫الدين الْ شقيِم شولش ِك َّن أش ْكثشـشر الن ِ‬ ‫تشـب ِد ِ‬
‫ن ﴾ [الروم‪. ]30 :‬‬ ‫َّاس حش يشـ ْعلشمو ش‬ ‫يل خلشْل ِق َّ ش‬
‫ْ ش‬
‫ابلرو واجلسد يقظةً إىل بيت اَّقدس‪ ،‬وعل‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ُّ ،‬‬ ‫‪ - 7‬كان إ راء الن ِ‬
‫إن ال ـ ـراء كان بروحت‪ ،‬وأنَّت ريَي منام‬ ‫عول عل شم ْن قال َّ‬ ‫هذا اهري ال َّس ـ ـلف‪ ،‬واخللف‪ ،‬وح ي َّ‬
‫كذبوه إذ مثل‬ ‫إذ لو كان ال راء مناماً َّا كانت فيت اية‪ ،‬وح مع اية‪ ،‬وَّا ا تبعده الكفار‪ ،‬وح َّ‬
‫إن يف قولت تعاىل ﴿ ـ ـْب شلا شن الَّ ِذأ أش ْ ـ ـشر بِ شعْب ِدهِ﴾‪ ،‬واَّقصـ ــود‬ ‫هذا من اَّنامات ح ينكر(‪ ،)3‬مثَّ َّ‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وكلمة «بعبده» ت مل روحت‪ ،‬وجسده(‪.)4‬‬ ‫بعبده يدان َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ابألنبياء دليل عل َّأ‪،‬م ـ ـ ـ ـلَّموا لت القيادة‪،‬‬ ‫‪َّ - 8‬‬
‫إن هللا ـ ـ ــالة الن ِ‬
‫أن ش ـريعة ال ــالم نســهت ال َّ ـرائع ال َّس ـابقة‪ ،‬وأنَّت و ــع أتباي هؤحء األنبياء ما و ــع‬ ‫وِ‬
‫الرَيدة‪ ،‬و َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ولر ــالتت الَّيت ح رتيها الباطل‬ ‫أنبياءهم‪ ،‬أن يســلِموا القيادة يذا َّ‬
‫من ب يديها‪ ،‬وح من خلفها‪.‬‬
‫إن عل الَّذين يعقدون مؤَترات التقارب ب األدَين أن يدركوا هذه احلقيقة‪ ،‬ويدعوا إليها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫وهي ـ ـ ـ ـ ــرورة احَنالي من ِ‬
‫الدَيانت اَّنلرفة‪ ،‬والميان هبذا َّ‬
‫ور ــالتت‪ ،‬وعليهم أن يدركوا حقيقة هذه الدَّعوات اَّ ــبوهة‪ ،‬الَّيت هدم و ــعاً من األو ــاي‪ ،‬أو‬

‫المي ‪ ،‬لللميدأ ‪.)43/3( ،‬‬ ‫انظر التَّاري ال ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫الصليلة (‪.)189/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبوية َّ‬
‫(‪ )3‬انظر اَّستفاد من قصص القران للدَّعوة والدُّعاة (‪.)91/2‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري (‪ ، )23/3‬وتفسري القامسي (‪.)189/10‬‬
‫‪370‬‬
‫نظاماً من األنظمة اجلاهليَّة‪.‬‬
‫أن اَّسـ ـ ـ ـ ــي ابن هللا‪ ،‬و َّ‬
‫أن هللا‬ ‫أن هللا هو اَّسـ ـ ـ ـ ــي ‪ ،‬و َّ‬ ‫ٍ‬
‫منلرفة تعتقد َّ‬ ‫أأ تقري ب عقيدةٍ‬ ‫و ُّ‬
‫أن عاييراً ابن هللا‪ ،‬و ِر كالم هللا‪ ،‬وب من يعتق ــد َّ‬
‫أن هللا‬ ‫اثل ــث ثالث ـ ٍـة‪ ،‬أو ب شم ْن يعتق ــد َّ‬
‫واحد ح شريك لت‪ ،‬وح والد‪ ،‬وح ولد‪ ،‬وح زوجة لت ‪ -‬وهو عبث من القول(‪.)1‬‬
‫الربا ب اَّس د األقص واَّس د احلرام وراءه ِح شكم‪ ،‬ودححت‪ ،‬وفوائد منها‬ ‫إن َّ‬ ‫‪َّ - 9‬‬
‫أليَّة اَّسـ ـ د األقصـ ـ ابلنِس ــبة للمس ــلم إذ أهللا ــب مس ــر ر ــويم هللا ــل هللا عليت‬ ‫‪ِ ‬‬
‫و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ومعراجت إىل ال َّس ـ ـ ـ ـموات العال‪ ،‬وكان ح يايال قبلتهم األوىل طيلة الف ة ِ‬
‫اَّكيَّة‪،‬‬
‫أل‪،‬ا مباركة‪،‬‬‫َّ‬ ‫وهذا توجيت وإرشـ ــاد للمسـ ــلم أبن بُّوا اَّس ـ ـ د األقص ـ ـ ‪ ،‬وفلسـ ــط‬
‫َّ‬
‫ومقد ة‪.‬‬
‫عر اَّسلم مبسؤوليتهم حنو اَّس د األقص ‪ ،‬مبسؤوليَّة حترير اَّس د األقص‬ ‫‪َّ ‬‬
‫الربا ي‬
‫ــار ال ِ ـ ـرك‪ ،‬وعقيدة التَّثليث‪ ،‬كما هي أيضـ ـاً مس ــؤوليتهم حترير اَّسـ ـ د احلرام‪،‬‬ ‫من أو‬
‫ار ال ِ رك‪ ،‬وعبادة األهللانام‪.‬‬ ‫من أو‬
‫أبن التَّهديد للمس ـ ـ د األقص ـ ـ ‪ ،‬هو هتديد للمس ـ ـ د احلرام‪ ،‬وأهلت‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫ـ ــعر َّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫الربا ي‬
‫النـَّْيل من اَّس ـ ـ د األقص ـ ـ ‪ ،‬توطئة للنـَّْيل من اَّس ـ ـ د احلرام فاَّس ـ ـ د األقص ـ ـ بوابة‬
‫الطَّريق إىل اَّس ـ ـ ـ د احلرام‪ ،‬وزوال اَّس ـ ـ ـ د األقص ـ ـ ـ من أيدأ اَّسـ ـ ــلم ‪ ،‬ووقوعت يف‬
‫أيدأ اليهود‪ ،‬يع أن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ داحلرام واحل از قد هتدَّد األمن فيهما‪ ،‬و َّادهت أنظار‬
‫األعداء إليهما ححتاليما‪.‬‬

‫ليب‬
‫ص ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـليبيَّة خيربان َّ‬
‫أن (أرانط) ال َّ‬ ‫والتَّاري قدمياً وحديثاً يؤكِد هذا‪َّ ،‬‬
‫فَن اتري احلروب ال َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫هللا ــاح الكة الكرك‪ ،‬أر ــل بعثةً للل از لالعتداء عل قرب َّ‬
‫َّبوأ‪ ،‬وحاول الربت اليُّون (النَّصـ ـ ــار الكاثوليك) يف بداية العصـ ـ ــور‬‫وعل جثمانت يف اَّس ـ ـ ـ د الن ِ‬
‫ص ـليبيُّون‪ ،‬ولكن اَّقاومة‬ ‫احلديثة الوهللاــول إىل احلرم ال َّ ـريف لتنفيذ ما ع اي عنت أ ــالفهم ال َّ‬
‫اجلهنمي‪ ،‬وبعد‬ ‫ِ‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـديدة الَّيت أبداها اَّماليك‪ ،‬وكذا العثمانيُّون‪ ،‬حالت دون إَتام م ـ ـ ـ ـ ـروعهم‬
‫أبن ايد بعد ذلك‬ ‫حرب (‪ 1967‬م)‪ ،‬الَّيت احتل اليهود فيها بيت اَّقدس هللا ـ ـ ـ ـ ــر زعمايهم َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪371‬‬
‫مقدمة ذلك مدينة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وخيرب‪.‬‬ ‫احتالل احل از‪ ،‬ويف ِ‬
‫لقد وقف دافيد بن جوريون زعيم اليهود بعد دخول اجليش اليهودأ القدس‪ ،‬يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعرض‬
‫جنوداً وشـ ـبَّاانً من اليهود ابلقرب من اَّسـ ـ د األقصـ ـ ‪ ،‬ويلقي فيهم خطاابً انرَيً‪ ،‬خيتتمت بقولت‬
‫«لقد ا تولينا عل القدس‪ ،‬وحنن يف طريقنا إىل يثرب»(‪.)1‬‬
‫ووقفت جولدا مائري رئيس ـ ـ ــة وزراء اليهود ‪ ،‬بعد احتالل بيت اَّقدس ‪ ،‬وعل خليت إيالت‬
‫العقبــة ‪ ،‬تقول «إنَّ أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـم رائلــة أجــدادأ يف اَّــدينــة‪ ،‬واحل ــاز‪ ،‬وهي بالدان اليت ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬
‫نس جعها»(‪.)2‬‬
‫وبعد ذلك ن ر اليهود خريطةً لدولتهم اَّنتظرة الَّيت طلت اَّنطقة من الفرات إىل النِيل‪ ،‬مبا‬
‫يف ذلك اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬واألردن‪ ،‬و ـ ـ ــورية‪ ،‬والعراق‪ ،‬ومص ـ ـ ــر‪ ،‬واليمن‪ ،‬والكويت‪ ،‬واخلليت العريب‬
‫ووزعوا خريطة دولتهم هذه بعد انتصارهم يف حرب (‪ )1967‬م يف أوروبة(‪.)3‬‬ ‫كلِت‪َّ ،‬‬
‫اية واحدةٍ فقا‪ .‬قال‬ ‫ص ـ ـة ال ـ ـراء يف ٍ‬ ‫‪ - 10‬ير القارئ يف ـ ــورة ال ـ ـراء َّ‬
‫أن هللا ذكر ق َّ‬
‫صـ الَّ ِذأ شاب شرْكنشا‬ ‫ِِ‬ ‫تعاىل ﴿ ـْبلا شن الَّ ِذأ أش ْ ـر بِعْب ِدهِ لشْيالً ِمن الْمسـ ِ ِد ْ ِ‬
‫احلششرام إِ شىل الْ شم ْسـ د األشقْ ش‬ ‫ش شْ‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬
‫حولشت لِن ِريت ِمن آَيتنشا إِنَّت هو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ِميع الْب ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـري ﴾ [اإلسـ ـ ـ ـراء‪ ]1 :‬مثَّ أخذ يف ذكر فض ـ ـ ـ ــائ اليهود‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫شْ ش ْ‬
‫أن هذا القرآن يهدأ لِلَّيت هي أقوم‪ ،‬واحرتباط ب ا َيت يف ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬ ‫وجرائمهم‪ ،‬مثَّ نبَّههم إىل َّ‬
‫األمة النسانيَّة َّا ارتكبوا من اجلرائم‬ ‫عايلون عن منص قي ــادة َّ‬ ‫أن اليه ــود ي ش‬ ‫ال راء‪ ،‬ي ي ــر إىل َّ‬
‫يبق معها جمال لبقائهم عل هذا اَّنص ‪ ،‬وأنَّت يصري إىل ر ولت هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬ ‫الَّيت ش‬
‫وجي شمع لت مركايا الدَّعوة البراهيمية كاللا(‪.)4‬‬
‫ائيلي‪ ،‬وبيَّنت كيف هتاو ب ملال القو‬ ‫تعر ـ ــت لال ـ ــتبداد ال ـ ـر ِ‬ ‫إن ـ ــورة ال ـ ـراء َّ‬ ‫َّ‬
‫ـَن من الفوائــد العظيمــة يف رحلــة‬ ‫الايمــان «الفرس‪ ،‬والروم» ولــذلــك فـ َّ‬ ‫الـ َّـدوليــة الكرب يف ذلــك َّ‬
‫ألن من أو ـ آَيت هللا‬ ‫ال ـراء لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم و َّأمتت ريية بعض آَيت هللا َّ‬
‫الروماينُّ الفار ـ ـ ُّـي ‪-‬‬ ‫اَّتعلقة ابَّس ـ ـ ـ د األقص ـ ـ ـ هي آَيتت التَّارخييَّة الَّيت كان يعكس ـ ــها ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـراي ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ص ‪.314‬‬
‫(‪ )2‬جريدة ا ُّلد تور األردنيَّة ‪ ،‬العدد (‪ )4613‬بقلم أميل ال ورأ ‪ ،‬نقالً عن ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.314‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫الرحيق اَّهتوم ‪ ،‬للمباركفورأ ‪ ،‬ص ‪ ، 120‬بتصر ‪.‬‬ ‫انظر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪372‬‬
‫ائيلي قبل ال راء(‪.)1‬‬ ‫ال ر ُّ‬
‫َّهذوا ِم ْن د ِوين شوكِيالً‬ ‫قال تعاىل ﴿وآتشـيـنشا مو ـ الْ ِكتشاب وجع ْلنشاه هد لِب ِ إِ ـرائِيل أشحَّ تشـت ِ‬
‫ً ش ْش ش‬ ‫ش ش شش‬ ‫ش ْ ش‬
‫اب‬‫ضـ ـ ـ ـ ـْيـنشا إِ شىل ب ِ إِ ْ ـ ـ ـ ـ ـرائِيل ِيف الْ ِكتش ِ‬ ‫۝ ذ ِريَّةش شم ْن شحشْلنشا شم شع نو ٍ إِنَّت شكا شن شعْب ًدا ششـ ـ ـ ـ ـك ًورا ۝ شوقش ش‬
‫ش ش‬ ‫ش‬
‫اب لشتـ ْف ِسـ ـ ـ ـ ـد َّن ِيف األ ْشر ِ‬
‫ض شمَّرتش ْ ِ شولشتشـ ْعل َّن‬ ‫ض مَّرتش ْ ِ ولشتشـ ْعل َّن عل ًّوا شكبِريا ۝ الْ ِكتش ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لشتـ ْفسـ ـ ـ ـ ـد َّن يف األ ْشر ِ ش ش‬
‫عل ًّوا شكبِ ًريا ۝ فشَِذشا شجاءش شو ْعد أوحشلشا بشـ شعثْـنشا شعلشْيك ْم ِعبش ًادا لشنشا أ ِوس شأبْ ٍس ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ِدي ٍد فش ش ا ـ ـ ـ ـ ـ ـوا ِخالش شل‬
‫الـ ِـد شَي ِر شوشك ـا شن شو ْع ـ ًدا شم ْفعوحً ۝ مثَّ شرشد ْد شان لشكم الْ شكَّرشة شعلشْي ِه ْم شوأشْم ـ شد ْد شانك ْم ِأب ْشم شو ٍال شوبشنِ ش شو شج شع ْلنش ـاك ْم‬
‫شح شس ـْنـت ْم ِألنْـف ِس ـك ْم شوإِ ْن أش ش ـأْ ْذ فشـلش شها فشَِ شذا شجاءش شو ْعد ا خرةِ لِيشس ـوءوا‬ ‫ِ‬
‫أش ْكثشـشر نشف ًريا ۝ إِ ْن أ ْ‬
‫شح شس ـْنـت ْم أ ْ‬
‫علشوا تشـْتبِريا ﴾ [اإلسراء‪. ]7 - 2 :‬‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهك ْم شوليش ْدخلوا الْ شم ْس شد شك شما شد شخلوه أ َّشوشل شمَّرة شوليـتشربوا شما ش ْ ً‬ ‫وج ش‬
‫أن ( تنصـ ـ ـ ـ ـ ــر) أبم ٍر من ملك الفرس(‪ ،)2‬قد قام بتهري‬ ‫ذكر ابن كث ٍري يف البداية والنِهاية َّ‬
‫وتفرقت بسـ ـ ــب ذلك بنو إ ـ ـ ـرائيل‪ ،‬فنايلت طائفة احل از‪،‬‬ ‫الدَير‪َّ ،‬‬ ‫الكة اليهود‪ ،‬وجاس خالل ِ‬
‫وطائفة يثرب‪ ،‬وطائفة بوادأ القر ‪ ،‬وذهبت شـ ـ ــرذمة َّصـ ـ ــر(‪ ،)3‬وقد وقع هذا الدَّمار الفار ـ ـ ـ ُّـي‬
‫السادس قبل اَّيالد (‪597‬ق‪.‬م)(‪.)4‬‬ ‫لدولة اليهود‪ ،‬يف القرن َّ‬
‫الروماين للدَّولة اليهوديَّة «بعد أن أعيد بنايها»‪ ،‬فقد وقع يف‬ ‫َّأما الدَّمار الثاين‪ ،‬وهو الدَّمار ُّ‬
‫وفر‬
‫الروماين (تيتوس) هيكل أورش ـ ـ ـ ــليم‪َّ ،‬‬ ‫األول (‪ 70‬م)‪ ،‬وذلك ح هدم القائد ُّ‬ ‫القرن اَّيالدأ َّ‬
‫الدي ِ ‪ ،‬وتتابعت ه رهتم‪ ،‬وانته بعضـ ـ ــهم إىل‬ ‫وماين ال ِس ـ ـ ـيا ـ ـ ـ ِـي ِ‬
‫الر ِ‬ ‫اليهود من وجت اح ـ ـ ــطهاد ُّ‬
‫جنوب اجلاييرة العربية‪ ،‬حيث بقهم أجدادهم األوائل(‪.)5‬‬
‫اليهودأ يف أطرا اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬ما زال مل جرثومة الفس ــاد يف األرض‪ ،‬فَذا‬
‫ُّ‬ ‫فال َّ ـ ـتات‬
‫ـتعد يا‪ ،‬فعليت أن لِل‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم قد ا ــتوع الظَّاهرة القرش ـيَّة‪ ،‬وا ـ َّ‬‫كان َّ‬
‫جمرد َّأم ٍة اترخييَّ ٍة‪ ،‬كعاد‪ ،‬وشود‪ ،‬ت شورد أخبارها‬ ‫(‪)6‬‬
‫الظاهرة اليهوديَّة‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتعد يا ‪ ،‬فاليهود ليسـ ـ ـ ـ ـ ـوا َّ‬
‫العريب الَّذأ يعيش فيت َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـول‬ ‫لإلرش ـ ـ ــاد‪ ،‬واحعتبار‪َّ ،‬‬
‫وإجا هم َّأمة يا حض ـ ـ ــور كثيف يف الواقع ِ‬

‫كي ‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ )1‬انظر أهللاول الفكر ِ‬


‫السيا ي يف القران اَّ ِ‬
‫تنصر كلداين ‪ ،‬وليس فار ياً ‪ ،‬واألمر من اَّلك الكلداين‪.‬‬
‫الدكتور فر ت مرعي أ تاذ التاري يف جامعة هللانعاء أن َّ‬‫(‪ )2‬ير ُّ‬
‫السيا ِي ‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫(‪ )3‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫(‪ )5‬ابن خلدون ‪.)206/2( ،‬‬
‫السيا ِي ‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫(‪ )6‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫‪373‬‬
‫ويتلرك فيت لقامة دولة ال ــالم‪ ،‬فقد كانوا ي ـ ِ‬
‫ـكلون ‪ -‬فوق مكانتهم‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬
‫نبوأ‪ِ ،‬‬
‫تؤهلهم لتلديد‬ ‫اث ٍ‬ ‫لطة فكريٍَّة َّا يم من أحبا ٍر‪ ،‬وأخبا ٍر‪ ،‬وكت تر ٍ‬
‫احقتصاديَّة ‪ -‬مركاي ٍ‬
‫ـلة الر ـ ــاحت‪ ،‬فَذا‬‫الر ــل وهللاـ ـ َّ‬
‫ُّبوة‪ ،‬وطل اَّع ايات‪ ،‬وو ـ ــع ال ُّ ـ ـروط لصـ ــدق ُّ‬
‫مواهللا ــفات الن َّ‬
‫فَن اليهود كانوا يستهدمون التَّوراة َّاربة القرآن‪،‬‬ ‫كانت قريش تستهدم الكعبة َّاربة ال الم‪َّ ،‬‬
‫وإذا كــان حم َّمـد هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليــت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يتوقَّع معركـةً مع قر ٍ‬
‫يش فعليــت أن يتوقَّع معــارك مع‬
‫اليهود(‪.)1‬‬
‫الروم‪ ،‬واليهود‪ ،‬ونايلت‬ ‫لقد هللا ـ ـ َّـورت ـ ــورة ال ـ ـ ـراء جانباً من ال ِ‬
‫صـ ـ ـراي الدَّوس ب الفرس‪ ،‬و ُّ‬
‫الصراي الدَّوس‪.‬‬ ‫الروم‪ ،‬وهي كذلك تتلدَّث عن ِ‬ ‫بعدها ورة ُّ‬
‫ض شوه ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شلشبِ ِه ْم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـيشـ ْلِبو شن‬ ‫الروم ۝ ِيف أ ْشد شَّن األ ْشر ِ‬
‫ت ُّ‬ ‫قال هللا تعاىل ﴿ا ۝ لِب ِ‬
‫ش‬
‫اَّللِ يشـْنصر شم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫۝ ِيف بِ ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫ص ِر َّ‬ ‫ض ِع ن ش ََّّلل األ ْشمر م ْن قشـْبل شوم ْن بشـ ْعد شويشـ ْوشمئذ يشـ ْفشر الْم ْؤمنو شن ۝ بِنش ْ‬
‫اس شح يشـ ْعلشمو شن ۝‬ ‫اَّللِ شح خيْلِف َّ‬
‫اَّلل شو ْع شده شولش ِك َّن أش ْكثشـشر النَّ ِ‬ ‫الرِحيم ۝ شو ْع شد َّ‬ ‫يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء شوه شو الْ شع ِايياي َّ‬
‫ن ﴾ [الروم‪. ]7 - 1 :‬‬ ‫الدنْـيشا شوه ْم شع ِن ا خرةِ ه ْم شافِلو ش‬
‫احلشيشاةِ ُّ‬
‫اهًرا ِم شن ْ‬ ‫يـعلشمو شن ظش ِ‬
‫شْ‬
‫أواثن‪ ،‬بينما‬ ‫وإَيهم أهل ٍ‬ ‫أل‪،‬م َّ‬ ‫الروم َّ‬ ‫يش بُّون أن يظهر أهل فارس عل ُّ‬ ‫كان م ـ ـ ـ ـ ــركو قر ٍ‬
‫أل‪،‬م أهــل كتــاب‪ ،‬كمــا أورد اَّف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرون‬ ‫الروم عل فــارس َّ‬ ‫كــان اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون بُّون أن تظهر ُّ‬
‫الص ِديق‪ ،‬وبعض م ركي َّ‬
‫مكة حول اَّعركة‬ ‫الرهان الَّذأ جر ب أيب بك ٍر ِ‬ ‫ٍ‬
‫تفصيالت كثريًة عن ِش‬
‫الروم الَّيت جايم فيها القرآن ابنتصار ُّ‬
‫الروم‪ ،‬وهايمية الفرس(‪.)2‬‬ ‫القآدمة ب الفرس‪ ،‬و ُّ‬
‫ـتلق التدبُّر حيث قال «األقرب أن يـ شعلَّل ذلك ‪-‬‬‫وذه ابن عطيَّة إىل رأ ٍأ آخر‪ ،‬يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫الروم ‪ -‬ألنَّت أيس ـ ــر‬
‫العدو األهللا ـ ـ ـ ر ‪ُّ -‬‬
‫ُّ‬ ‫أأ فر اَّؤمن ‪ -‬مبا يقتض ـ ــيت النَّظر من حمبَّة أن ي ل‬
‫فتأمل هذا اَّعىن مع ما كان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫مؤنةً ‪ -‬ومض ل األكرب ‪ -‬الفرس ‪ -‬كثر اخلو منت‪َّ .‬‬
‫هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يرجوه من ظهور دينت‪ ،‬وش ـ ــري هللا الَّذأ بعثت بت‪ ،‬و لبتت عل األمم‪،‬‬

‫السيا ِي ص ‪.153‬‬‫(‪ )1‬أهللاول الفكر ِ‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري الطَّربأ (‪.)12/21‬‬
‫‪374‬‬
‫مكة أن يرميت ٍ‬
‫مبلك يستأهللالت‪ ،‬وير هم منت»(‪.)1‬‬ ‫وإرادة كفار َّ‬
‫أن الروم أهل كتاب‪ ،‬أو أن انتص ــارهم‬ ‫أن فر اَّؤمن األكرب‪ ،‬ليس ــببت َّ‬ ‫فابن عطيَّة ير َّ‬
‫أن هللا تعاىل وظَّف‬ ‫القرآين َّ‬
‫وإجا ـ ـ ــببت هو َّ‬ ‫عل الفرس ـ ـ ــيكون دليالً مادَيً عل هللاـ ـ ــدق اخلرب ِ‬
‫الرومانية لصـ ـ ــاأ اَّسـ ـ ــلم الَّذين يقم يم ـ ـ ــلطان جهازأ بعد إذ إنَّت بعد أن‬ ‫القوة اجلهازية ُّ‬
‫َّ‬
‫يسـ ـ ـ ــلِا الروم عل َّ‬
‫الدولة الفار ـ ـ ـ ـيَّة‪ِ ،‬‬
‫فيلطموها‪ ،‬وخيضـ ـ ـ ــدوا شـ ـ ـ ــوكتها ـ ـ ـ ــيهرجون من اَّعارك‬
‫القوة‪ ،‬اَّا ـ ــيمهد طريقاً لنص ـ ــر اَّس ـ ــلم عليهم‪ ،‬وينفت لإل ـ ــالم‬
‫منتصـ ـ ـرين‪ ،‬ولكنَّهم منهكو َّ‬
‫القوت اَّندحرت (‪.)2‬‬ ‫كقوة عاَّيَّ ٍة جديدةٍ عل أنقاض َّ‬
‫بذلك طريق للربوز َّ‬
‫ص ـالة فر ــت عل‬ ‫ص ـالة‪ ،‬وعظيم منايلتها وقد ثبت يف ال ُّس ـنَّة النَّبويَّة َّ‬
‫أن ال َّ‬ ‫‪ِ - 11‬‬
‫أليَّة ال َّ‬
‫السموات‪ ،‬ويف هذا كما قال ابن كثري‬ ‫األمة ال الميَّة يف ليلة عروجت هللال هللا عليت و لم إىل َّ‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـالة‪،‬‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وعظمتها»(‪ ،)3‬فعل الدُّعاة أن يؤكِدوا عل ِ‬
‫ألية ال َّ‬ ‫«اعتناء عظيم ب ـ ـ ـ ـ ــر ال َّ‬
‫واَّافظة عليها‪ ،‬وأن يذكروا فيما يذكرون من ِ‬
‫أليتها‪ ،‬ومنايلتها كو‪،‬ا فر ت يف ليلة اَّعراً‪ ،‬و َّأ‪،‬ا‬
‫من آخر ما أوهللا بت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قبل موتت(‪.)4‬‬
‫أَّن أراه»‬
‫إن كان قد رأ ربَّت‪ ،‬فقال «نور َّ‬ ‫‪ - 12‬ئل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫[مسلم (‪ )178‬والرتمذي (‪. ])3278‬‬

‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عن ملاطر األمراض احجتماعيَّة‪ ،‬وب َّ‬
‫‪ - 13‬حتدَّث َّ‬
‫عقوبتها‪ ،‬كما شاهد ذلك يف ليلة ال راء واَّعراً ومن هذه األمراض وعقوبتها‬
‫رأ ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أان ـ ـ ـ ـاً ركلون‬ ‫‪ ‬عقوبة جرمية ال يبة واَّ تاب‬
‫[أمحد (‪. ])257/1‬‬ ‫اجليف‪ ،‬فأخربه جربيل «هؤحء الَّذين ركلون حلوم النَّاس»‬
‫رأ ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم رجاحً يم م ــافر ‪-‬‬ ‫‪ ‬عقوبة أكلة أموال اليتام‬
‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ــفاه كبرية ‪ -‬كم ـ ـ ـ ـ ـ ــافر البل يف أيديهم قطع من انر كاألفهار ‪ -‬أأ احل ارة ‪-‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن عطيَّـة (‪.)425/11‬‬


‫السيا ِي ‪ ،‬ص ‪ .158‬ـ ‪]963‬تفسري ابن كثري (‪.)23/3‬‬ ‫(‪ )2‬انظر أهللاول الفكر ِ‬
‫(‪ )3‬انظر اَّستفاد من قصص القران للدَّعوة والدُّعاة (‪.)93/3‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري (‪.)274/4‬‬
‫‪375‬‬
‫يقــذفو‪،‬ــا يف أفواههم‪ ،‬فتهرً من أدابرهم‪ ،‬فــأخربه جربيــل هؤحء أكلــة أموال اليتــام‬
‫[ابن هشام يف السرية النبوية (‪.])47/2‬‬ ‫ظلماً‪.‬‬
‫قوم بطو‪،‬م كالبيوت‪ ،‬فيها احليَّات تر‬ ‫الراب أت النَّب هللال هللا عليت و لم عل ٍ‬
‫‪ ‬أكلة ِ‬
‫ُّ‬
‫من خارً بطو‪،‬م‪ ،‬فأخربه جربيل هؤحء أكلة ِ‬
‫الراب [أمحد (‪ )353/2‬وابن ماجه (‪. ])2273‬‬

‫[أمحــد (‪،231 ،180 ،120/3‬‬ ‫الايانة‪ ،‬ومــانعي َّ‬


‫الايكــاة‪ ،‬وخطبــاء الفتنــة‬ ‫‪ ‬وذكرت ِ‬
‫الروآَيت عقوبــة ُّ‬
‫‪ )239‬وعبد بن محيد (‪ ])1222‬والتَّهاون يف األمانة(‪.)1‬‬
‫مر ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عل ٍ‬
‫قوم‬ ‫‪ ‬ثواب اااهدين يف ليلة ال راء واَّعراً‪َّ ،‬‬
‫يوم‪ ،‬كلَّما حصدوا عاد كما كان‪ ،‬فأخرب جربيل «هؤحء‬ ‫يوم و صدون يف ٍ‬ ‫يايرعون يف ٍ‬
‫عف‪ ،‬وما أنفقوا من ٍ‬
‫شيء‬ ‫ٍ‬ ‫اااهدون يف بيل هللا‪ ،‬تضاعف يم احلسنات بسبعمئة‬
‫فهو خيْلشف»‪[ .‬البزار (‪ )55‬وجممع الزوائد (‪ )72 - 67/1‬واملنذري يف الرتغيب والرتهيب (‪.)2(])1129‬‬

‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬مسؤوليتهم‬ ‫أللية اَّس د األقص أدرك َّ‬ ‫الصلابة ِ‬ ‫‪ - 14‬إدراك َّ‬
‫فلرره يف عهد عمر بن اخلطَّاب‬ ‫الرومان‪َّ ،‬‬‫حنو اَّسـ ـ ـ ـ د األقصـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وهو يقع أ ـ ـ ـ ـرياً حتت حكم ُّ‬
‫صـ ـليبيُّون فس ــاداً فيت بعد طس ــة قرون‪،‬‬ ‫حض عاث ال َّ‬
‫وظل ينعم ابألمن‪ ،‬واألمان‪َّ ،‬‬ ‫ر ــي هللا عنت‪َّ ،‬‬
‫فلرره اَّسلمون‬
‫من ه رة اَّصطف هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومكثوا ما يعادل قرانً يعيثون فساداً‪َّ ،‬‬
‫هودأ‪ ،‬فم ــا الطَّريق إىل‬
‫األيويب‪ ،‬وه ــا هو ذا يقع حت ــت اححتالل الي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقي ــادة هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــال ال ـ ِـدين‬
‫هليصت؟(‪.)3‬‬
‫الطَّريق إىل هليصـ ـ ــت اجلهاد يف ـ ـ ــبيل هللا عل اَّنهت الَّذأ ـ ـ ــار عليت ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـلابة الكرام‬
‫ر ي هللا عنهم‪.‬‬

‫***‬

‫كل ما ورد من رواَيت يف هذه العقوابت الَّيت راها النَّب هللال هللا عليت و لم يف رحلة اَّعراً ‪ ،‬هو حديث مروأ عن أيب عيد اخلدرأ ر ي هللا عنت‪،‬‬
‫و ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫قصة اَّعراً ‪ ،‬ري أنَّت يرد يف هذا نص هللالي عن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪ ،‬و‬
‫وهو موجود يف بعض كت التفا ري ‪ ،‬ويف رية ابن ه ام يف َّ‬
‫ِ‬
‫البهارأ أو يف مسلم ‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫خيرً هذا احلديث يف‬
‫(‪ )2‬تفسري الطَّربأ (‪ ، )7/15‬والفت الرابين (‪.)257/20‬‬
‫(‪ )3‬انظر اخلصائص الكرب (‪ )171/1‬و ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪376‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫الطَّواف على القبائل‪ ،‬وهجرة َّ‬


‫الصحابة إىل املدينة‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫الطَّواف على القبائل طلباً للنيصرة‬
‫بعد رجوعت هللا ــل هللا عليت و ــلم من الطَّائف بدأ يعرض نفس ــت عل القبائل يف اَّوا ــم‪،‬‬
‫جل ‪ -‬وكان‬ ‫عاي و َّ‬ ‫حض يبلِ كالم هللا ‪َّ -‬‬‫ي ـ ـ ــر يم ال ـ ـ ــالم‪ ،‬ويطل منهم اليواء‪ ،‬والنُّص ـ ـ ــرة‪َّ ،‬‬
‫احلت الَّيت دتمع فيها القبائل‬ ‫يتلرك يف اَّوا م التِ ارية‪ ،‬وموا م ِ‬ ‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫ص ـ ِديق‬
‫وفْق خطٍَّة ــيا ـيَّ ٍة دعويٍَّة وا ــلة اَّعا ‪ ،‬وحمدَّدة األهدا ‪ ،‬وكان يص ــاحبت أبو بكر ال ِ‬
‫ش‬
‫ص ـ ـ ـص يف معرفة أنسـ ـ ــاب العرب‪ ،‬واترخيها‪ ،‬وكاان يقصـ ـ ــدان « شرر النَّاس‪ ،‬ووجوه‬ ‫الرجل الَّذأ ه َّ‬
‫َّ‬
‫القبائل‪ ،‬وكان أبو بكر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬يس ـ ـ ـ ـ ـ ــأل وجوه القبائل‪ ،‬ويقول يم كيف العدد فيكم؟‬
‫وكيف اَّنعة فيكم؟ وكيف احلرب فيكم؟ وذلك قبل أن يتلدَّث ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫‪ ،‬ويعرض دعوتت»(‪.)1‬‬
‫يقول اَّقريايأ «مثَّ عرض هللال هللا عليت و لم نفست عل القبائل َّأَيم اَّوا م‪ ،‬ودعاهم إىل‬
‫مرة‪ ،‬وبنو حنيفة‪ ،‬وبنو ـ ــليم‪ ،‬وبنو عبس‪،‬‬ ‫ال ـ ــالم‪ ،‬وهم بنو عامر‪ ،‬و َّس ـ ـان‪ ،‬وبنو فشـشايارة‪ ،‬وبنو َّ‬
‫وبنو نص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وثعلبـة بن عكـابـة‪ ،‬وكنـدة وكلـ ‪ ،‬وبنو احلـارث بن كعـ ‪ ،‬وبنو عـذرة‪ ،‬وقيس بن‬
‫اقدأ أخبار هذه القبائل قبيلةً قبيلةً‪،‬‬ ‫اخلطيم‪ ،‬وأبو اليس ـ ــر أنس بن أيب رافع» وقد ا ـ ــتقصـ ـ ـ الو ُّ‬
‫ويقال إنَّت هللا ــل هللا عليت و ــلم بدأ بكندة‪ ،‬فدعاهم إىل ال ــالم‪ ،‬مثَّ أت كلباً‪ ،‬مثَّ ب حنيفة‪،‬‬
‫حض أبل ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالة ِريب ف َّ‬
‫َن‬ ‫َّ‬ ‫مثَّ ب عامر‪ ،‬وجعل يقول « شم ْن رجل مل إىل قومت‪ ،‬فيمنع‬
‫قري ـ ـاً قد منعوين أن أبلِ ر ـ ــالة ِريب؟» هذا وأبو ي وراءه يقول للنَّاس ح تسـ ــمعوا منت فَنَّت‬
‫كذاب» [أمحد (‪ )493 ،492/3‬وابن هشام (‪. )2(]65 - 64/2‬‬
‫مذأ عن جاب ٍر ر ي هللا عنت‬ ‫تعرض هللال هللا عليت و لم ل ذ العظيم‪ ،‬فقد رو الِ ُّ‬ ‫وقد َّ‬

‫للسمعاين (‪.)36/1‬‬
‫انظر األنساب ‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬إمتاي األمساي ‪ ،‬للمقريايأ (‪.)31 ، 30/1‬‬


‫‪377‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يعرض نفست ابَّوقف‪ ،‬فيقول «أح رجل مل إىل قومت؟‬ ‫قال كان الن ُّ‬
‫فَن قري ـ ـ ـ ـاً قد منعوين أن أبلِ كالم رِيب» [أبو داود (‪ )4734‬والرتمذي (‪ )2925‬وابن ماجه (‪ )201‬وأمحد (‪])390/3‬‬

‫الرِد‪ ،‬ويؤذونت‪،‬‬ ‫فريدون عليت أقب َّ‬ ‫تردده عل القبائل يدعوهم‪ُّ ،‬‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم يف ُّ‬
‫وظل الن ُّ‬
‫َّ‬
‫ويقولون قومت أعلم بت‪ ،‬وكيف يصـ ـ ـ ــللنا شم ْن أفسـ ـ ـ ــد قومت؟! فلفظوه(‪ )1‬وكانت ال َّ ـ ـ ـ ـائعات الَّيت‬
‫تن ـ ــرها قريش يف أو ـ ــاط احل َّ اً دد رواجاً‪ ،‬وقبوحً مثل الص ـ ــابئ‪ ،‬و الم ب هاش ـ ــم الَّذأ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت‬
‫ـك أن هذا كان اَّا ُّاي يف نفس َّ‬ ‫يايعم أنَّت ر ـ ــول‪ ،‬و ري ذلك‪ ،‬وح شـ ـ َّ‬
‫و لم ‪ ،‬ويضاعف أ التَّكذي ‪ ،‬وعدم اح ت ابة(‪.)2‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ما هو أشــدُّ‪ ،‬وأقسـ ‪،‬‬ ‫و يقتصــر األذ عل ذلك‪ ،‬بل واجت َّ‬
‫البهارأ يف اترخيت‪ ،‬والطَّرباينُّ يف الكبري عن مدرك ابن مني أيضـ ـاً‪ ،‬عن أبيت عن ِ‬
‫جده‬ ‫ُّ‬ ‫فقد رو‬
‫ر ـ ـ ــي هللا عنت قال رأيت ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف اجلاهليَّة‪ ،‬وهو يقول «َي أيها‬
‫النـَّاس! قولوا ح إلــت إح هللا تفللوا»‪ ،‬فمنهم من تفـ شـل يف وجهــت‪ ،‬ومنهم من حثــا عليــت ال ُّ اب‪،‬‬
‫ماء‪ ،‬ف سل وجهت‪ ،‬ويديت‪ ،‬وقال‬ ‫س من ٍ‬ ‫حض انتصف النَّهار‪ ،‬فأقبلت جارية بِع ٍ‬ ‫ومنهم من بَّت َّ‬
‫«َي بنية ! ح شهْ ش ْي عل أبيك لبةً‪ ،‬وح ذلَّةً !» فقلت من هذه ؟ قالوا زين بنت ر ول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهي جارية و يئة‪[ .‬البخاري يف التاريخ الكبري (‪ )14/2/4‬والطرباين يف املعجم الكبري (‪)342/20‬‬

‫وجممع الزوائد (‪. )3(])21/6‬‬


‫وقد كان أبو جهل‪ ،‬وأبو ي ‪ -‬لعنهما هللا ‪ -‬يتناوابن عل أذيَّة ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬
‫و ــلم عندما يدعو يف األ ـ ـواق‪ ،‬واَّوا ــم‪ ،‬وكان جيد منهما عنتاً كبرياً إ ــافةً إىل ما يللقت من‬
‫ِ‬
‫اَّدعوين أنفسهم(‪.)4‬‬

‫الرب ‪ ،‬ص ‪ ، 35‬و ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)185/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر الدُّرر ‪ ،‬حبن عبد ِ‬
‫(‪ )2‬انظر اَّنة يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اَّنة يف العهد ِ‬
‫اَّك ِي ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪378‬‬
‫جول‪ ،‬واملشــركني‬ ‫َّب صــلى هللا عليه وســلم يف ِّ‬
‫الرد على مكائد أب ٍ‬ ‫أوالً‪ :‬من أســاليب الن ِّ‬
‫يف أثناء الطَّواف على القبائل‪:‬‬

‫‪ - 1‬مقابلة القبائل يف اللَّيل‬


‫حض ح‬ ‫فكان هللا ــل هللا عليت و ـ ـلم من حكمتت العالية خيرً َّقابلة القبائل يف ظالم اللَّيل َّ‬
‫ـادة‬
‫الدعاية اَّض ـ َّ‬ ‫ول بينت وبينهم أحد من اَّ ــرك (‪ ،)1‬وقد ُ هذا العمل يف إبطال مفعول ِ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ٍ‬
‫بقبيلة من القبائل‪ ،‬والدَّليل‬ ‫الَّيت كانت تتبعها قريش‪ ،‬كلَّما اتَّص ــل َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ابألوس‪ ،‬واخلايرً ليالً‪،‬‬ ‫ـاد‪ ،‬اتِصــال َّ‬ ‫عل ُا هذا األ ــلوب اَّضـ ِ‬
‫شوِم ْن مثَّ كانت العقبة األوىل‪ ،‬والثَّانية ليالً(‪.)2‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم إىل القبائل يف منازيم‬ ‫‪ - 2‬ذهاب َّ‬
‫فقد أت كلباً‪ ،‬وب حنيفة‪ ،‬وب عامر يف منازيم(‪ )3‬وبذلك اول أن يبتعد عن مطاردة‬
‫ويت من قريش‪.‬‬ ‫ويش‪ ،‬أو ت ٍ‬ ‫قريش‪ ،‬فيستطيع أن يتفاوض مع القبائل ابلطَّريقة اَّنا بة‪ ،‬دوجا ت ٍ‬
‫‪ - 3‬اهللاطلاب األعوان‬
‫الر ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف بعض‬
‫كان أبو بكر‪ ،‬وعلي ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهما يرافقان َّ‬
‫اَّدعوون أنَّت وحيد‪ ،‬وح‬ ‫يظن ُّ‬ ‫الرفقة ألجل أح َّ‬ ‫مفاو ـ ـ ـ ـ ــاتت‪ ،‬مع بعض القبائل‪ ،‬ورمبَّا كانت هذه ُّ‬
‫أعوان لت من أش ـ ـ ـ ـ ـرا قومت‪ ،‬وأقاربت‪ ،‬هذا إىل جان معرفة أيب بك ٍر ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت أبنسـ ـ ـ ـ ــاب‬
‫العرب ‪ ،‬األمر الَّذأ يس ـ ــاعد َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫َّعر عل معادن القبائل‪،‬‬ ‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف الت ُّ‬
‫فيقع احختيار عل أفضلها لتلمل تشبِ شعات الدَّعوة‪.‬‬
‫التأكد من حاية القبيلة‬‫‪ُّ - 4‬‬
‫القوة لد القبائل‪،‬‬ ‫اَّهمة‪ ،‬ـ ـ ـؤالت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن اَّنعة‪ ،‬و َّ‬ ‫ومن اجلوان األمنيَّة َّ‬
‫فقوة‪ ،‬ومنعة القبيلة الَّيت حتمي الدَّعوة ش ـ ـ ـ ــيء‬ ‫يوجت إليهم الدَّعوة‪ ،‬ويطل منهم احلماية‪َّ ،‬‬ ‫قبل أن ِ‬
‫فالبد أن تكون‬ ‫كل قو ال َّ ـ ـ ـ ِر‪ ،‬والباطل‪َّ ،‬‬ ‫ألن هذه القبيلة ـ ـ ــتواجت َّ‬ ‫حبد منت َّ‬ ‫ـ ـ ــرورأ‪ ،‬ومهم َّ‬

‫الرحيق اَّهتوم‪.‬‬ ‫اتري ال الم ‪ ،‬للنَّ ي اابدأ (‪ ، )129/1‬نقالً عن َّ‬


‫(‪)1‬‬

‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ،)52 ،44/2‬ويف ِ‬


‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية‪ ،‬ص ‪.116‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫(‪ )3‬البداية والنَّهاية ‪ ،‬حبن كثري (‪.)140/3‬‬
‫(‪ )4‬يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪379‬‬
‫اَّعنوأ واَّـ ِ‬
‫ـاد ِأ الَّـذأ يرهـ األعــداء‪ ،‬و مي ح‬ ‫ِ‬ ‫أهالً يــذا الــدَّور‪ ،‬من حيــث اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتعــداد‬
‫لكل العقبات اليت تقف يف طريقها(‪.)1‬‬ ‫ويتلمل تبعات ن رها‪ ،‬ماييالً ِ‬ ‫َّ‬ ‫الدَّعوة‪،‬‬
‫اثنياً‪ :‬املفاوضات مع بين عامر‪:‬‬

‫ـات مع ب عام ٍر‪ ،‬وقامت تلك اَّفاو ـ ـ ــات عل‬ ‫الر ـ ـ ــول (ﷺ) أن جيرأ مفاو ـ ـ ـ ٍ‬ ‫اختار َّ‬
‫أن ب عامر‬ ‫فالر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهللاــاحبت أبو بكر‪ ،‬كاان يعلمان َّ‬ ‫ٍ‬
‫وهطيا‪َّ ،‬‬ ‫درا ـ ٍـة‬
‫قبيلة مقاتلة كبرية العدد‪ ،‬وعايياية اجلان بل هي من القبائل اخلمس الَّيت مي َّس ـ ـها ِ ـ ـبشاء(‪ ،)2‬و‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫أن َّ‬ ‫تؤد إاتوة‪ ،‬مثلها مثل قريش‪ ،‬وخاياعة(‪ ،)3‬كما َّ‬ ‫َّلك‪ ،‬و ِ‬ ‫تتبع ٍ‬
‫أن هنالك تض ـ ـ ـ ـ ــاداً قدمياً ب ب عام ٍر‪ ،‬وثقيف‪ ،‬فَذا كانت ثقيف امتنعت عليت من‬ ‫كان يعلم َّ‬
‫الدَّاخل‪ ،‬فلماذا ح اول أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً تطويقها من اخلارً‪ ،‬واح ـ ـ ـ ـ ـ ــتفادة يف ذلك من ب عامر بن‬
‫فَن موقف ٍ‬
‫ثقيف‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم أن يربم حلفاً مع ب عامر َّ‬ ‫هللاعصعة‪ ،‬فَذا ا تطاي الن ُّ‬
‫يكون عل حافة اخلطر(‪.)4‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم لـ ـ ـ َّـما أت ب عامر بـ ـ ــن هللاعصعـ ـ ــة‪،‬‬ ‫السرية َّ‬
‫أن َّ‬ ‫يذكر أهللالاب ِ‬
‫فدعا إىل هللا‪ ،‬وعرض عليهم نفس ـ ـ ـ ــت‪ ،‬قال لت رجل منهم يقال لت بشـْي شلشرة بن فِراس وهللا! لو أين‬
‫أخذت هذا الفض من قريش‪ ،‬ألكلت بت العرب‪ ،‬مثَّ قال لت أرأيت إن حنن اتبعناك عل أمرك‪،‬‬
‫مثَّ أظهرك هللا عل من خالفك‪ ،‬أيكون لنا األمر من بعدك؟ قال األمر هلل يضــعت حيث ي ــاء‪،‬‬
‫فقــال لــت أشفشـتـ ْه ـ شد حنوران للعرب دونشـك‪ ،‬فــَذا أظهرك هللا كــان األمر ل ريان؟! ح حــاجــة لنــا‬
‫أبمرك! فأبوا عليت‪[ .‬ابن هشـ ـ ـ ـ ــام (‪ )66/2‬وأبو نعيم يف الدالئل (‪ )215‬والطربي يف اترخيه (‪ )351 - 350/2‬وابن سـ ـ ـ ـ ــعد خمتص ـ ـ ـ ـ ـراً‬
‫(‪. ])216/1‬‬

‫اثلثاً‪ :‬املفاوضات مع بين شيبان‪:‬‬

‫وجل ‪ -‬نبيَّت هللال هللا‬ ‫علي بن أيب طال ٍ ر ي هللا عنت قال لـ ـ َّـما أمر هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬ ‫ففي رواية ِ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم أن يعرض نفس ـ ـ ـ ـ ــت عل قبائل العرب خرً‪ ،‬وأان معت‪ ...‬إىل أن قال مثَّ دفعنا إىل‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.117 ، 116‬‬


‫ميسها ِ بشاء ت ْس ش نسايها يف احلرب‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السيا ِي ‪ ،‬ص ‪.182‬‬‫(‪ )3‬انظر أهللاول الفكر ِ‬


‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪380‬‬
‫جملس آخر‪ ،‬عليت ال َّس ـكينة‪ ،‬والوقار‪ ،‬فتقدَّم أبو بكر‪ ،‬فس ـلَّم‪ ،‬فقال شم ِن القوم؟ قالوا ش ـيبان بن‬
‫ثعلبة‪ ،‬فالتفت أبو بكر إىل ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وقال أبيب‪ ،‬وأمي! هؤحء شرر‬
‫النَّاس‪ ،‬وفيهم مفروق قد لبهم لس ـ ـ ــاانً و احً‪ ،‬وكانت لت ديراتن تس ـ ـ ــقطان عل تش ِريشبتشـْيت‪ ،‬وكان‬
‫الع شدد فيكم؟ فقال مفروق إ َّان لناييد عل‬ ‫أدَّن القوم جملس ـ ـ ـ ـاً من أيب بك ٍر‪ ،‬فقال أبو بكر كيف ش‬
‫األلف‪ ،‬ولن ت ل ألف من قلَّة‪ .‬فقال أبو بكر وكيف اَّنعة فيكم؟ فقال مفروق إان ألشـ ُّـد ما‬
‫نكون ض ـ ـ ـ ــباً ح نلق ‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ـ ُّـد ما نكون لقاءً ح ن ض ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وإان لنؤثر اجلياد عل األوحد‪،‬‬
‫مرًة‪ ،‬ويديل علينا أخر ‪ ،‬لعلَّك أخو قريش؟‬ ‫وال ِسـ ـ ـال عل اللِقا ‪ ،‬والنَّص ـ ــر من عند هللا يديلنا َّ‬
‫فقال أبو بكر إن كان بل كم أنَّت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فها هو ذا‪ .‬فقال مفروق‬
‫إحم تدعوان َي أخا قريش؟! فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم أدعوكم إىل شهادة أن ح إلت‬
‫ش‬
‫إح هللا‪ ،‬وحده ح ش ـ ـريك لت‪ ،‬و ِأين عبد هللا ور ـ ـولت‪ ،‬وإىل أن تؤووين‪ ،‬وتنصـ ــروين َّ‬
‫فَن قري ـ ـاً قد‬
‫كذبت ر ـ ـ ـ ـولت‪ ،‬وا ـ ـ ــت نت ابلباطل عن ِ‬
‫احلق‪ ،‬وهللا هو ال ُّ احلميد‪ ،‬فقال‬ ‫تظاهرت عل هللا‪ ،‬و َّ‬
‫وإحم تدعو أيضاً َي أخا قريش! فوهللا ما مسعت كالماً أحسن من هذا؟ فتال ر ول هللا‬ ‫ش‬ ‫مفروق‬
‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ﴿ق ْل تشـ شعالش ْوا أشتْل شما شحَّرشم شربُّك ْم شعلشْيك ْم أشحَّ ت ْ ـ ـ ـ ِركوا بِِت شش ـ ـ ـْيـئًا شوِابلْ شوالِ شديْ ِن‬
‫ش شما ظش شهشر ِمْنـ شها شوشما‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْح شس ـ ـاانً شوحش تشـ ْقتـلوا أ ْشوحش شدك ْم م ْن إِ ْمالشق شْحنن نشـ ْرزقك ْم شوإِ ََّيه ْم شوحش تشـ ْقشربوا الْ شف شواح ش‬
‫ن ﴾ [اآلنعام‪. ]151-:‬‬ ‫هللااك ْم بِِت لش شعلَّك ْم تشـ ْع ِقلو ش‬
‫اَّلل إِحَّ ِاب ْحلشِق شذلِك ْم شو َّ‬
‫س الَِّيت شحَّرشم َّ‬
‫بشطش شن شوحش تشـ ْقتـلوا النَّـ ْف ش‬
‫كذبوك‪،‬‬ ‫قال مفروق دعوت وهللا! إىل مكارم األخالق‪ ،‬وحما ــن األعمال‪ ،‬ولقد أفِك قوم َّ‬
‫رد األمر إىل هانئ بن قبيص ــة‪ ،‬فقال وهذا هانئ‪ ،‬ش ــيهنا‪ ،‬وهللا ــاح ديننا‪،‬‬ ‫وظاهروا عليك‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫وإَّن أر تركنــا ديننــا‪ ،‬واتِبــاعنــا دينــك الس‬
‫فقــال هــانئ قــد مسعــت مقــالتــك َي أخــا قريش! ِ‬
‫الايلَّة مع الع لة‪َّ ،‬‬
‫وإان‬ ‫الرأأ‪ ،‬وقلَّة نظ ٍر يف العاقبة َّ‬
‫إن َّ‬ ‫جلس ـ ــت إلينا ح َّأول لت‪ ،‬وح آخر لذل يف َّ‬
‫اَّثىن‬
‫نعقد عل شم ْن وراءان عقداً‪ ،‬ولكن نرجع‪ ،‬وترجع‪ ،‬وننظر‪ ،‬مثَّ كأنَّت أح َّ أن ي ركت َّ‬‫نكره أن ِ‬

‫اَّثىن ‪ -‬وأ ــلم بعد ذلك ‪ -‬قد‬ ‫اَّثىن‪ ،‬ش ــيهنا‪ ،‬وهللا ــاح حربنا‪ ،‬فقال َّ‬
‫بن حارثة‪ ،‬فقال وهذا َّ‬
‫مسعت مقالتك َي أخا قريش! واجلواب فيت جواب هانئ بن قبيص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة يف تركنا ديننا‪ ،‬ومتابعتنا‬

‫‪381‬‬
‫أحدلا اليمامة‪ ،‬وا خر ال َّس ـمامة‪ ،‬فقال لت ر ــول هللا هللاــل‬ ‫وإان َّإجا نايلنا ب هللا ـري‬
‫دينك‪َّ ،‬‬
‫فأما ما كان من أ‪،‬ار‬
‫ص ـ ـ ـرَين؟ قال أ‪،‬ار كس ـ ـ ــر ‪ ،‬ومياه العرب‪َّ ،‬‬
‫هللا عليت و ـ ـ ــلم ما هذان ال َّ‬
‫ٍ‬
‫عهد أخذه علينا‬ ‫كس ـ ـ ـ ـ ــر ‪ ،‬فذن هللا ـ ـ ـ ـ ــاحبت ري م فوٍر‪ ،‬وعذره ري ٍ‬
‫مقبول‪َّ ،‬‬
‫وإان إجا نايلنا عل‬
‫وإين أر هذا األمر الَّذأ تدعوان إليت َي أخا قريش!‬
‫كسر ‪ ،‬أح حندث حداثً‪ ،‬وح نؤوأ حمداثً‪ِ ،‬‬
‫اا تكره اَّلوك‪ ،‬فَن أحببت أن نؤويك وننصرك اَّا يلي مياه العرب فعلنا‪ .‬فقال ر ول هللا هللال‬
‫جل ‪ -‬لن ينصــره‬ ‫عاي و َّ‬
‫وإن دين هللا ‪َّ -‬‬ ‫هللا عليت و ــلم ما أ ــأذ يف ِ‬
‫الرد إذ أفصــلتم ابل ِ‬
‫ص ـدق‪َّ ،‬‬
‫حض ِ‬
‫يورثكم هللا تعــاىل أر ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪،‬‬ ‫إح من حــاطــت من يع جوانبــت‪ ،‬أرأيتم إن تلبثوا إح قليالً َّ‬
‫هم فلك‬ ‫ودَيرهم‪ ،‬ويفرش ــكم نس ــاءهم‪ ،‬أتس ــبِلون هللا ِ‬
‫وتقد ــونت؟ فقال النُّعمان بن ش ـ ـريك اللَّ َّ‬
‫ذاك‪[ .‬أبو نعيم يف دالئل النبوة (‪. )1(])214‬‬
‫رابعاً‪ :‬فوائد‪ ،‬ودروس‪ ،‬وعرب‪:‬‬

‫ـفة ملص ـ ـوهللاـ ـ ٍـة‪ ،‬وذلك عل‬


‫كانت النُّصـ ــرة الَّيت طلبها النَّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ذات هللاـ ـ ٍ‬
‫ُّ‬
‫النَّلو التاس‬
‫مكة َّإجا بدأ ين ـ ــا ب ـ ـ ٍ‬
‫ـكل‬ ‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم للنُّصـ ــرة من خارً َّ‬ ‫‪ - 1‬طل َّ‬
‫عمت أيب طال الَّذأ كان ميت من قريش‪،‬‬ ‫ـتد األذ عليت ع ِق وفاة ِ‬ ‫مللو ٍ بعد أن اش ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ش ش‬
‫َّلرك الفعَّال ألجلها‪ ،‬وتوفري اح ــت ابة‬ ‫يتلرك الت ُّ‬‫ألن شم ْن مل الدَّعوة‪ ،‬لن يس ــتطيع أن َّ‬ ‫وذلك َّ‬
‫الض ا‪ ،‬والرهاب‪.‬‬ ‫جو من العنف‪ ،‬و َّ‬ ‫يا‪ ،‬يف ٍ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم نفســت عل القبائل يطل منهم النُّصــرة‪َّ ،‬إجا‬ ‫‪ - 2‬كان عرض َّ‬
‫اجتهاد ِم ْن قِبش ِل نفست‪ ،‬اقتضتت الظُّرو‬
‫ٍ‬ ‫جمرد‬
‫وجل ‪ -‬لت يف ذلك‪ ،‬وليس َّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫هو أبم ٍر من هللا ‪َّ -‬‬
‫الَّيت وهللالت إليها الدَّعوة يف َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫‪ - 3‬حصر ر ول هللا هللال هللا عليت و لم طل النُّصرة يف زعماء القبائل‪ ،‬وذوأ ال َّر ‪،‬‬
‫ألن هؤحء هم القــادرون عل توفري احلمــايــة‬ ‫واَّكــانــة اَّن يم أتبــاي يس ـ ـ ـ ـ ـ ــمعون يم‪ ،‬ويطيعون َّ‬
‫للدَّعوة‪ ،‬وهللااحبها‪.‬‬

‫الرشاد (‪.)597 ، 596/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )145 ، 143 ، 142/3‬وفيها زَيدات ليست عند َّ‬
‫الصاحلي يف بل َّ‬
‫‪382‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬صوص طل النُّصرة أنَّت كان يطلبها‬ ‫‪ - 4‬يالحم يف رية الن ِ‬
‫ألمرين اثن‬
‫حض تس ــري ب الناس حمميَّة اجلان ‪،‬‬ ‫أ ‪ -‬كان يطل النُّص ــرة من أجل حاية تبلي الدَّعوة َّ‬
‫بعيد ًة عن ال اءة إليها‪ ،‬وإىل أتباعها‪.‬‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مقاليد احلكم‪،‬‬ ‫ب ‪ -‬كان يطل النُّصـ ــرة‪ ،‬من أجل أن يتس ـ ـلَّم الن ُّ‬
‫السلطان عل أ اس تلك الدَّعوة‪ ،‬وهذا ترتي طبيعي ل مور‪.‬‬ ‫و ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم أن يعطي القو اَّس ـ ـ ـ ـ ــتعدة لتقد نصـ ـ ـ ـ ـ ـرهتا أيَّة‬
‫‪ - 5‬رفض الن ُّ‬
‫السلطان عل بيل الثَّمن‪ ،‬أو اَّكافأة َّا‬ ‫ماانت‪ ،‬أبن يكون ألشهاهللاهم شيء من احلكم‪ ،‬و ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ألن الدَّعوة ال ـ ــالميَّة َّإجا هي دعوة إىل‬ ‫وأتييد للدَّعوة ال ـ ــالميَّة وذلك َّ‬‫ٍ‬ ‫يقدمونت من نص ـ ــرةٍ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تعد لنصرهتا أن يكون الخالص هلل‪ ،‬ون دان ر اه‬ ‫هللا‪ ،‬فال َّرط األ ا ُّي فيمن يؤمن هبا‪ ،‬ويس ُّ‬
‫نفوذ‪ ،‬أو ر ٍبة يف ـ ـ ٍ‬
‫ـلطان‪،‬‬ ‫لا ال اية الَّيت يس ـ ــع إليها من النُّص ـ ــرة والتَّض ـ ــلية‪ ،‬وليس طمعاً يف ٍ‬
‫ألن ال اية اليت يضــعها النســان لل َّ ـيء هي الَّيت تكيِف ن ــاط النســان يف ال َّس ـعي إليت‪،‬‬ ‫وذلك َّ‬
‫ماديٍَّة لضــمان‬ ‫ـللة ِ‬
‫أأ مصـ ٍ‬‫فالبد ‪ -‬إذاً ‪ -‬أن تت َّرد ال اية اَّســتهدفة من وراء نصــرة الدَّعوة عن ِ‬ ‫َّ‬
‫أأ احنرا ٍ ‪ ،‬و مان أقص ما ميكن من بذل الدَّعم‬ ‫دوام التأييد يا‪ ،‬و مان اَّافظة عليها من ِ‬
‫كل من يريد أن يلتايم ابجلماعة الَّيت تدعو‬ ‫يا‪ ،‬وتقد التَّضـ ـ ــليات يف ـ ـ ــبيلها(‪ ،)1‬في عل ِ‬
‫ألن هذه الدَّعوة هلل‪ ،‬واألمر هلل‬ ‫إىل هللا أح ي ـ ـ ـ ط عليها منص ـ ــباً‪ ،‬أو عر ـ ـ ـاً من أعراض الدُّنيا َّ‬
‫يضعت حيث ي اء‪ ،‬والدَّاخل يف أمر الدَّعوة َّإجا يريد ابتداءً وجت هللا‪ ،‬والعمل من أجل رفع رايتت‪،‬‬
‫َّأما إذا كان اَّنص ـ هو شلَّت ال َّ ـ ـا ل فهذه عالمة خطرية‪ ،‬تنبئ عن شد شخ ٍن يف نيَّة هللا ـاحبها(‪،)2‬‬
‫الرَي ة»(‪.)3‬‬‫ت منت رائلة ِ‬ ‫الرازأ «ح يفل شم ْن شطش ْم ش‬ ‫لذا قال ىي بن معاذ َّ‬
‫‪ - 6‬ومن هللافة النُّصرة الَّيت كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يطلبها لدعوتت من زعماء‬
‫مبعاهدات تتناقض مع الدَّعوة‪ ،‬وح يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتطيعون‬‫ٍ‬ ‫القبائل أن يكون أهل النُّص ـ ـ ـ ـ ـ ــرة ري مرتبط‬
‫عر ــها خلطر القضــاء عليها‪ِ ،‬م ْن‬ ‫ألن احتضــا‪،‬م للدَّعوة ‪ -‬واحلالة هذه ‪ -‬ي ِ‬ ‫التلرر منها وذلك َّ‬
‫ُّ‬
‫قِبشـ ِل الــدُّول الَّيت بينهم وبينهــا تلــك اَّعــاهــدات‪ ،‬والَّيت دــد يف الــدَّعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّـة خطراً عليهــا‪،‬‬

‫َّمد خري هيكل (‪.)411/1‬‬


‫السيا ة ال َّرعيَّة ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )1‬انظر اجلهاد والقتال يف ِ‬
‫(‪ )2‬انظر وقفات تربويَّة من ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لعبد احلميد البالس ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫الصفوة (‪.)94/4‬‬‫(‪ )3‬انظر هللافة َّ‬
‫‪383‬‬
‫وهتديداً َّصاحلها(‪.)1‬‬
‫إن احلماية اَّ ـروطة‪ ،‬أو اجلايئية ح ِ‬
‫حتقق ايد اَّقصـود‪ ،‬فلن خيوض بنو شـيبان حرابً َّـد‬ ‫َّ‬
‫كســر لو أراد القبض عل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم وتســليمت‪ ،‬ولن خيو ـوا حرابً ـ َّـد‬
‫حممد ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأتباعت‪ ،‬وبذلك ف ـ ـ ــلت‬
‫كس ـ ـ ــر لو أراد مها ة َّ‬
‫اَّباحثات(‪.)2‬‬
‫َّب هللال‬
‫الرد من الن ِ‬ ‫‪َّ « - 7‬‬
‫إن دين هللا لن ينصره إح من حاطت من يع جوانبت»‪ ،‬كان هذا ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم حايتت عل مياه‬ ‫اَّثىن بن حارثة ح عرض عل الن ِ‬ ‫هللا عليت و لم عل َّ‬
‫العرب دون مياه الفرس‪ ،‬فمن يس ـ ــرب أ وار ال ِس ـ ـ ـيا ـ ــة البعيدة يشـشر بـ ْع شد النَّظر ال ـ ـ ـ ِ‬
‫ـالمي الن ِ‬
‫َّبوأ‬
‫الَّذأ ح يسام (‪.)3‬‬
‫َّب‬
‫وينم عن تعظيم هذا الن ِ‬‫الرجولة‪ُّ ،‬‬ ‫‪ - 8‬كان موقف ب شـ ـ ــيبان يتَّسـ ـ ــم ابأل ْشرشِ يَّ ِة‪ ،‬واخللق‪ ،‬و ُّ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وعن و ـ ــو يف العرض‪ ،‬وحتديد مد قدرة احلماية الَّيت ميلكو‪،‬ا‪ ،‬وقد‬
‫بيَّنوا َّ‬
‫أن أمر الدَّعوة اَّا تكرهت اَّلوك‪ ،‬وقدَّر هللا ل يبا شن بعد ع ر ن ‪ ،‬أو تاييد‪ ،‬أن حتمل هي‬
‫اَّثىن بن حارثة ال َّ ـ ـ ـيباينُّ‬
‫ابتداءً ع ء مواجهة اَّلوك بعد أن أش ـ ــرق قلبها بنور ال ـ ــالم‪ ،‬وكان َّ‬
‫الص ِديق ر ي هللا‬ ‫هللااح حرهبم‪ ،‬وبطلهم اَّ وار‪ ،‬الَّذأ قاد الفتو يف أرض العراق‪ ،‬يف خالفة ِ‬
‫عنت(‪ ،)4‬فكان وقومت من أجرأ اَّسلم بعد إ المهم عل قتال الفرس‪ ،‬بينما كانوا يف جاهليتهم‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم بعد اقتناعهم‬
‫ردوا دعوة الن ِ‬ ‫يرهبون الفرس‪ ،‬وح ِ‬
‫يفكرون يف قتايم بل َّإ‪،‬م ُّ‬
‫هبــا ححتمــال أن تل ئهم إىل قتــال الفرس‪ ،‬األمر الَّـذأ يكونوا ِ‬
‫يفكرون فيــت أبـداً‪ ،‬وهبــذا نعلم‬
‫عظمة هذا ِ‬
‫الدين الَّذأ رفع هللا بت اَّسـ ـ ـ ـ ــلم يف الدُّنيا حيث جعلهم ـ ـ ـ ـ ــادة األرض‪ ،‬مع ما‬
‫ينتظرون يف أخرآه م من النَّعيم الدَّائم‪ ،‬يف جنَّات النَّعيم(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬انظر اجلهاد والقتال يف ِ‬


‫السيا ة ال َّرعيَّة (‪.)412/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر التلالف ِ‬
‫السيا ي يف ال الم ‪َّ ،‬نري ال ضبان ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )4‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)20/2‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)69/3‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫‪384‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫مواكب اخلري وطالئع النيور‬


‫األنصارأ‬
‫ُّ‬ ‫قال جابر بن عبد هللا‬
‫«مكث ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫مبك ــة ع ر ن ‪ ،‬يشـتَّ ـبَّع النَّاس يف منازيم‪ ،‬بعكا ‪،‬‬
‫إن‬ ‫حض أبلِ ر ــالة ريب ولت اجلنة؟ َّ‬
‫حض َّ‬ ‫وجمشنَّة‪ ،‬ويف اَّوا ــم مبىن‪ ،‬يقول من يؤوي ؟ من ينصــرين َّ‬
‫ضر‪ ،‬فيأتيت قومت‪ ،‬فيقولون احذر الم قريش ح يفتننَّك! ومي ي‬
‫الرجل ليهرً من اليمن‪ ،‬أو م ش‬
‫حض شبعثشنا هللا إليت من يثرب‪ ،‬فآويناه‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ــدَّقناه‪،‬‬
‫ب رجايم وهم ي ـ ـ ـ ـ ــريون إليت ابألهللا ـ ـ ـ ـ ــابع‪َّ ،‬‬
‫يبق‬
‫حض ش‬ ‫الرجل منا‪ ،‬فيؤمن بت‪ ،‬ويقرئت القرآن‪ ،‬فينقل إىل أهلت‪ ،‬فيس ـ ــلمون ن ـ ــالمت‪َّ ،‬‬
‫فيهرً َّ‬
‫دار من دور األنصار‪ ،‬إح وفيها رها من اَّسلم ‪ ،‬يظهرون ال الم» [أمحد (‪- 339 ،323 - 322/3‬‬

‫‪. ])340‬‬
‫َّأوالً‪ :‬االتِّصاالت األوىل ابألنصار يف مواسم ِّ‬
‫احلج‪ ،‬والعمرة‪:‬‬

‫الصامت‬
‫‪ - 1‬إ الم شويد بن َّ‬
‫كان ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ح يس ـ ــمع ٍ‬
‫بقادم يقدم َّ‬
‫مكة من العرب‪ ،‬لت ا ـ ــم‪،‬‬
‫احلق‪ ،‬فقدم ـ شويد‬ ‫وشــر ‪ ،‬إح تصـ َّـد لت‪ ،‬ودعاه إىل هللا‪ ،‬وعرض عليت ما جاء بت من ايد ‪ ،‬و ِ‬
‫مكة حاجاً‪ ،‬أو معتمراً‪ ،‬وكان ـ ـ ـ شويد يس ـ ـ ِـميت قومت‬
‫صـ ـ ـامت ‪ -‬أخو ب عمرو بن عو ‪َّ -‬‬ ‫بن ال َّ‬
‫فيهم الكامل‪ ،‬شجلشلده‪ ،‬و ِشـ ْعره‪ ،‬وشــرفت‪ ،‬ونســبت‪ ،‬فتصـ َّـد لت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ح‬
‫فلعل الذأ معك مثل الَّذأ معي؟ فقال‬ ‫مسع بت‪ ،‬فدعاه إىل هللا‪ ،‬وإىل ال ــالم‪ ،‬فقال لت ـ شويد َّ‬
‫لت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «وما الَّذأ معك؟» قال جملَّة(‪ )1‬لقمان‪ ،‬فقال لت ر ـ ــول‬
‫إن هذا الكالم حس ـ ــن‪ ،‬والَّذأ معي أفض ـ ــل من‬ ‫علي» فعر ـ ــها عليت‪ ،‬فقال « َّ‬
‫هللا «اعر ـ ــها َّ‬
‫هد ونور»‪ ،‬فتال عليت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم القرآن‪،‬‬‫علي‪ ،‬وهو ً‬ ‫هذا؟ قرآن أنايلت هللا َّ‬

‫(‪ )1‬االة الصليفة ‪ ،‬وتطلق عل احلكمة ‪ ،‬أأ حكمة لقمان‪.‬‬


‫‪385‬‬
‫ودعاه إىل ال ـ ــالم‪ ،‬فلم يشـْبـعد منت‪ ،‬وقال َّ‬
‫إن هذا القول حسـ ــن‪ ،‬مثَّ انصـ ــر عنت‪ ،‬فقدم اَّدينة‬
‫عل قومــت‪ ،‬فلم يلبــث أن قتلــت اخلايرً‪ ،‬وقــد كــان رجــال من قومــت يقولون َّإان لنرآه قتــل وهو‬
‫[ابن هش ـ ــام (‪ )69 - 67/2‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪ )418/2‬والطربي يف اترخيه (‪- 351/2‬‬ ‫مس ـ ـ ــلم‪ ،‬وكان قشـْتـلت يوم بعاث‪.‬‬
‫‪. ])352‬‬

‫وعل أيَّة ٍ‬
‫حال‪ ،‬ح توجد دحئل عل قيام ـ ـ شويد بن الص ــامت ابلدَّعوة إىل ال ــالم و ــا‬
‫قومت(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬إ الم إَيس بن معاذ‬
‫ل ـ ـ ـ َّـما قدم أبو احلشْيسر بن رافع َّ‬
‫مكة‪ ،‬ومعت فتيان من ب عبد األ ْش شهل‪ ،‬فيهم إَيس بن معاذ‪،‬‬ ‫ش‬
‫يلتمس ــون احللف من قريش عل قومهم من اخلايرً مسع هبم ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬
‫فأاتهم‪ ،‬ف لس إليهم‪ ،‬فقال « هل لكم يف خري اَّا جئتم لت؟» قالوا لت وما ذاك؟ قال «أان‬
‫علي‬
‫ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا‪ ،‬بعث إىل العباد‪ ،‬أدعوهم إىل أن يعبدوا هللا‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ـ ـ ــركوا بت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪ ،‬وأنايل َّ‬
‫الكتاب»‪ ،‬مثَّ ذكر يم ال الم‪ ،‬وتال عليهم القرآن‪ ،‬فقال إَيس بن معاذ ‪ -‬وكان الماً حداثـً ـ ـ‬
‫اب‪ ،‬و ـ ـ ــرب هبا وجهت‪ ،‬وقال دعنا‬ ‫هذا وهللاِ خري اَّا جئتم لت‪ ،‬فأخذ أبو احليس ـ ـ ــر ح ْفنشةً من تر ٍ‬
‫ش‬
‫منك‪ ،‬فلش شعم ِرأ لقد جئنا ل ري هذا! فصــمت إَيس‪ ،‬وقام ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم عنهم‪،‬‬
‫وانص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفوا إىل اَّدينة‪ ،‬وكانت وقعة ب عاث ب األوس‪ ،‬واخلايرً‪ ،‬مثَّ يلبث إَيس بن معاذ أن‬
‫حض‬ ‫هلك‪ ،‬وقد رو من حض ـ ـ ـ ـ ــره من قومت‪ ،‬أنَّت ما زال يهلِل هللا‪ِ ،‬‬
‫ويكربه‪ ،‬و مده‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـ ــبلت َّ‬
‫مات‪ ،‬فما كانوا ي ـ ُّـكون أنَّت مات مس ــلماً‪ ،‬لقد ا ــت ــعر ال ــالم يف ذلك االس‪ ،‬ح مسع‬
‫[ابن هش ــام (‪ )70 - 69/2‬وأمحد (‪ )427/5‬والطرباين يف املعجم الكبري‬ ‫من ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ما مسع‪.‬‬
‫(‪ )805‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪ )421 - 420/2‬والطربي يف اترخيه (‪ )353 - 352/2‬وجممع الزوائد (‪ )36/6‬واإلصابة (‪. ])102/1‬‬

‫اثنياً‪ :‬بدء إسالم األنصار‪:‬‬

‫احلت عند عقبة مىن‪ ،‬قال يم ر ـ ــول هللا‬ ‫كانت البداية اَّثمرة مع ٍ‬
‫وفد من اخلايرً يف مو ـ ــم ِ‬

‫الصليلة (‪.)195/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪386‬‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم من أنتم؟ قالوا نفر من اخلايرً‪ ،‬قال أ ِشم ْن مواس يهود؟ قالوا نعم‪ ،‬قال‬
‫وجل ‪ -‬وعرض عليهم‬‫عاي َّ‬‫أفال دلســون أكلِمكم؟ قالوا بل ‪ ،‬ف لس ـوا معت‪ ،‬فدعاهم إىل هللا ‪َّ -‬‬
‫[ابن هش ـ ــام (‪ ،)71 - 70/2‬وابن س ـ ــعد (‪ ،)219 - 218/1‬والبيوقي يف الدالئل (‪- 433/2‬‬ ‫ال ـ ـ ــالم‪ ،‬وتال عليهم القرآن‪.‬‬
‫‪ ،)435‬والطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)362/20‬وجممع الزوائد (‪. ])42 - 40/6‬‬

‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كلَّم ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أولئك النَّفر‪ ،‬ودعاهم إىل هللا قال بعضـ ــهم‬
‫َّب الَّذأ َّ‬
‫توعدكم بـت يهود‪ ،‬فال تسبقنَّكم إليت‪ ،‬فأجابوه فيما‬ ‫لبعض َي قوم! تعلمون وهللا أنَّـت للن ُّ‬
‫دعاهم إليت‪ ،‬أبن هللادَّقوه‪ ،‬وقشبِلوا من ـ ـ ـ ــت ما عرض عليهم من ال الم‪ ،‬وقالوا َّإان قد تركنا قومن ـ ـ ـ ــا‪،‬‬
‫وح قوم بينهم من العداوة وال ِر ما بينهم‪ ،‬فعس أن جيمعهم هللا بك‪ ،‬فسنقدم عليهم‪ ،‬فندعوهم‬
‫إىل أمرك‪ ،‬ونعرض عليهم الَّـ ـ ــذأ أجبناك إليت من هذا ِ‬
‫الديـ ـ ــن‪ ،‬فَن جيمعهم هللا عليك‪ ،‬فال رجل‬
‫أعاي منك‪ .‬مثَّ انص ـ ـ ــرفوا عن ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم راجع إىل بالدهم‪ ،‬وقد آمنوا‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وهللادَّقوا(‪ ،)1‬وكانوا تَّة نف ٍر‪ ،‬وهم أبو أمامة أ عد بن زرارشة‪ ،‬وعو بن احلارث من ب النَّ ار‪،‬‬
‫ورافع بـن مالك‪ ،‬وقطْبـة بـن عام ٍر‪ ،‬وع ْقبـة بـن عام ٍر‪ ،‬وجابر بـن عبد هللا بـن رائب(‪ .)2‬فل َّـما قدموا‬
‫حض ف ا‬ ‫ودعوهـم إىل ال ـالم‪َّ ،‬‬ ‫ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ش‬ ‫اَّدينـة إىل قومهم ذكروا يـم ر ش‬
‫بينهم‪ ،‬فلم تب شـق دار من دور األنصار إح وفيها ِذ ْكـر لر ول هللا هللال هللا عليت و لم (‪. )3‬‬
‫وإجا أخذ العهد عل نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أن‬ ‫ِ‬
‫يكتف ابلميان َّ‬ ‫فهذا َّأول موك ٍ من مواك اخلري‪،‬‬
‫يدعو إليت قومت‪ ،‬وقد و َّ كل منهم لدينت‪ ،‬ور ولت‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬م ح رجعوا ن طوا يف الدَّعوة إىل هللا‪،‬‬ ‫ش‬
‫َّمد‬
‫تبق دار من دور اَّدينة إح وفيها ذكر َّ‬
‫وعر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا كلمة ايد عل أهلهم‪ ،‬وذويهم‪ ،‬فلم ش‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهكذا عندما رذن هللا أتل ــاعة احلســم الفاهللاــلة‪ ،‬فقد كان لقاء هؤحء‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم عل ري موعـ ـ ـ ٍـد‪ ،‬لكنَّت لقاء هيَّأه هللا ليكون نبع اخلري اَّت ِ دد‬
‫مع َّ‬
‫َّلول احلا م يف التَّاري ‪ ،‬و اعة اخلالص اَّقَّق من عبادة األح ار بل َّإ‪،‬ا‬
‫اَّوهللاول‪ ،‬ونقطة الت ُّ‬

‫(‪ )1‬البداية والنِهاية (‪.)149 ، 148/3‬‬


‫للايرقاين (‪.)361/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر شر اَّواه ‪ُّ ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر البداية والنِهاية (‪.)147/3‬‬
‫‪387‬‬
‫عل التَّلقيق ـ ـ ـ ــاعة احلس ـ ـ ـ ــم يف مص ـ ـ ـ ــري العا كلِت‪ ،‬ونقل احلياة من الظُّلمات إىل النُّور‪ ،‬أكان‬
‫ص ـ ـ ـ ـب ‪ ،‬إىل أنص ـ ـ ـ ــا ٍر للدَّعوة متفتِل ‪،‬‬ ‫حلظة يس ـ ـ ـ ــريةٍ أن َّ‬
‫يتلول هؤحء من وثنيِ متع ِ‬ ‫معقوحً يف ٍ‬
‫لللق مللص ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ودعاةٍ إىل هللا مت ِردين‪ ،‬يذهبون إىل أقوامهم‪ ،‬وب جواحنهم نور وعل‬ ‫ٍ‬
‫وجنود ِ‬
‫وجوههم نور‪ ،‬و َّإ‪،‬م لعل نوٍر؟! تلك م يئة القدر العاس‪ ،‬هيَّأت للدَّعوة جمايا اخلص ‪ ،‬وحاها‬
‫األم ‪ ،‬وال َّس ـنوات العِ ا الَّيت قضــاها َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم نضــاحً مســتمراً‪ ،‬وكفاحاً‬
‫دائماً‪ ،‬وتطوافاً عل القبائل‪ ،‬والتما ـ ـ ـ ـ ـ ـاً لللليف‪ ،‬قد ولَّت إىل ري ٍ‬
‫رجعة ـ ـ ـ ـ ـ ــيكون بعد اليوم‬
‫احلق ابلباطل ليصـ ـ ِـفي معت حسـ ــاب األَيم‬
‫الرادعة‪ ،‬وجي ـ ــت البا ـ ــل‪ ،‬و ـ ــيلتقي ُّ‬
‫لإل ـ ــالم َّقوتت َّ‬
‫اخلواس‪ ،‬والعاقبة للمتق ‪ ،‬و ــتتواىل عل َّ‬
‫مكة منذ اليوم مواك اخلري‪ ،‬وطالئع النُّور‪ ،‬الَّيت هيَّأها‬
‫ت من‬
‫من اخلري‪ ،‬وترجع إىل يثرب مبا شو شع ْ‬ ‫هللا للهري لتتصـ ــل ابيداية‪ ،‬وتسـ ــب يف النُّور‪ ،‬وت‬
‫خري‪ ،‬ومبا حلت من نوٍر(‪.)1‬‬
‫أن هذه اَّقابلة الَّيت حدثت عند العقبة‪ ،‬وتالق فيها فريق من اخلايرً‬
‫ومن اجلدير ابلتَّنبيت َّ‬
‫َّ‬
‫أل‪،‬ا كانت من نفر‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ــلموا عل يديت‪ ،‬تكن فيها بيعة‬
‫ابلن ِ‬
‫الرجوي إىل قبائلهم يف اَّدينة‪ ،‬ولكنَّهم‬ ‫هللا ـ ـ ٍري‪ ،‬يروا ألنفسـ ــهم َّ‬
‫احلق يف أن يلتايموا مبعاهدة دون ُّ‬
‫أخلصوا يف تبلي ر الة ال الم(‪.)2‬‬
‫اثلثاً‪ :‬بيعة العقبة األوىل‪:‬‬
‫بعد ٍ‬
‫عام من اَّقابلة األوىل الَّيت َتَّت ب َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم وأهل يثرب عند‬
‫العقبة‪ ،‬شوا ش اَّو ـ ــم من األنص ــار اثنا ع ـ ــر رجالً‪ ،‬فلقوه هللاـ ــل هللا عليت و ــلم ابلعقبة‪ ،‬وابيعوه‬
‫أن ن ـ ــاط وفد اخلايرً الَّذين‬
‫العقبة األوىل‪ ،‬ع ـ ــرة من اخلايرً‪ ،‬واثنان من األوس‪ ،‬اَّا ي ـ ــري إىل َّ‬
‫أ ـ ـ ـ ــلموا يف العام اَّا ـ ـ ـ ــي‪ ،‬ترَّكاي عل و ـ ـ ـ ــطهم القبلي ابلدَّرجة األوىل لكنَّهم َتكنوا يف الوقت‬

‫حممد بع ‪ ،‬ص ‪.274 ، 273‬‬ ‫(‪ )1‬انظر أ واء عل اي رة ‪ ،‬لتوفيق َّ‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لموهللالابتت ‪ ،‬لل مل ‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫انظر ه رة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪388‬‬
‫نفست من اجتذاب رجال األوس‪ ،‬وكان ذلك بداية ائتال القبيلت حتت راية ال الم(‪.)1‬‬
‫اخلايرجي عن البيعة‪ ،‬يف العقبة األوىل‪ ،‬فقال «كنت فيمن‬
‫ُّ‬ ‫صـ ـ ـ ـامت‬
‫وقد حتدَّث عبادة بن ال َّ‬
‫ـول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل بيعة‬
‫فبايعنا ر ـ ـ ش‬
‫حض ـ ــر العقبة األوىل‪ ،‬وكنا اث ْ شع ش ـ ـشر رجالً‪ْ ،‬‬
‫النس ـاء‪ ،‬وذلك قبل أن تف ض علينا احلرب‪ ،‬عل أحَّ ن ــرك ابهلل‪ ،‬وح نســرق‪ ،‬وح نايين‪ ،‬ح نقتل‬
‫أوحدان‪ ،‬وح أنل ببهتان نف يت من ب أيدينا‪ ،‬وأرجلنا‪ ،‬وح نعص ـ ـ ــيت يف معرو ‪ ،‬فَن وفَّيتم فلكم‬
‫وجل ‪ -‬إن ش ـ ـ ــاء فر‪ ،‬وإن ش ـ ـ ــاء‬ ‫اجلنَّة‪ ،‬وإن ش ِ ـ ـ ـ ـيتم من ذلك ش ـ ـ ــيئاً‪ ،‬فأمركم إىل هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫[البخاري (‪ 18‬و‪ 92‬و‪ 38‬و‪ )3999‬ومسلم (‪. ])1709‬‬ ‫َّ‬
‫عذب»‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عليها النِس ـ ـ ــاء فيما بعد‪،‬‬
‫وبنود هذه البيعة‪ ،‬هي الَّيت ابيع َّ‬
‫ولذلك عرفت اب م بيعة النِساء ‪ ،‬وقد بعث َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم مع اَّبايع مصع‬
‫بن عمري‪ ،‬يعلِمهم الـ ِـدين‪ ،‬ويقرئهم القرآن‪ ،‬فكــان يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم ابَّــدينــة (اَّقرئ)‪ ،‬وكــان ُّ‬
‫يؤمهم يف‬
‫الصالة‪ ،‬وقد اختاره ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عن عل ٍم ب هصيَّتت من ٍ‬
‫جهة‪ ،‬وعل ٍم ابلو ع‬ ‫َّ‬
‫جهة أخر ‪ ،‬حيث كان قان حفظت َّا نايل من القرآن ميلك من اللَّباقة‪،‬‬ ‫القائم يف اَّدينة من ٍ‬
‫للدين‪ ،‬ولذلك‬ ‫وايدوء‪ ،‬وحســن اخللق‪ ،‬واحلكمة قدراً كبرياً‪ ،‬فض ـالً عن َّقوة إميانت‪ ،‬وشــدَّة حا ــت ِ‬
‫َّ‬
‫َتكن خالل أشه ٍر أن ين ر ال الم يف معظم بيواتت اَّدينة‪ ،‬وأن يكس لإل الم أنصاراً من‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ْري‪ ،‬وقد أ ـ ـ ــلم ن ـ ـ ــالمهما خلق كثري من‬
‫كبار زعمائها‪ ،‬كس ـ ـ ــعد بن معاذ‪ ،‬وأ ش ـ ـ ـ ـْيد بن ح ش‬
‫قومهم(‪.)3‬‬
‫لقد ُلت ـ ــفارة مصـ ــع بن عمري ر ـ ــي هللا عنت يف شـ ــر تعاليم ِ‬
‫الدين اجلديد‪ ،‬وتعليم‬
‫َّب‬ ‫الروابا األخويَّة ب أفراد القبائل اَّؤمنة من ٍ‬
‫انحية‪ ،‬وب الن ِ‬ ‫القرآن الكر ‪ ،‬وتفسـ ـ ـ ـ ـ ــريه‪ ،‬وتقوية َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم وهللالبت َّ‬
‫مبكة اَّكرمة‪ ،‬لجياد القاعدة األمينة حنطالق الدَّعوة‪.‬‬

‫الصليلة (‪.)197/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النبوية َّ‬
‫األولون ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال رابء َّ‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.187 ، 186‬‬
‫‪389‬‬
‫وقد نايل مص ــع بن عمري ر ــي هللا عنت يف يثرب عل أ ــعد بن زرارة ر ــي هللا عنت(‪،)1‬‬
‫الرائدة مصـ ــع ر ـ ــي هللا عنت‪،‬‬
‫ون ـ ــا اَّسـ ــلمون يف الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬يقود تلك احلركة الدَّعوية َّ‬
‫وقد انتهت منهت القرآن الكر يف دعوتت‪ ،‬وهذا هو الذأ تعلَّمت من أ ـ ـ ـ ـ ـ ــتاذه هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل هللا عليت‬
‫اَّكيَّة بصــورةٍ عمليَّ ٍة حيَّ ٍة‪ ،‬مثل قولت تعاىل ْ‬
‫﴿ادي إِ شىل‬ ‫و ــلم‪ ،‬وقد شــر لنا بعض ا َيت القرآنيَّة ِ‬
‫ك ه شو أ ْشعلشم ِمبش ْن ش َّل شع ْن‬ ‫ِ‬ ‫بِ ِيل ربِك ِاب ْحلِكْم ِة والْمو ِعظشِة ْ ِ ِ‬
‫شح شسن إِ َّن شربَّ ش‬
‫احلش شسنشة شو شجاد ْي ْم ِابلَِّيت ه شي أ ْ‬ ‫ش ش شْ‬ ‫ش ش ش‬
‫دين ﴾ [النحل‪]125 :‬‬‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ش بيلت شوه شو أ ْشعلشم ابلْم ْهتش ش‬

‫ُس ْيد بن ُحضري‪ ،‬وسعد بن معاذ رضي هللا عنوما‪:‬‬


‫قصة إسالم أ َ‬
‫رابعاً‪َّ :‬‬

‫دأ قومهما من ب عبد األشهل‪ ،‬وكاان م رشك ْ‬ ‫كان عد بن معاذ‪ ،‬وأ ش ْيد بن حضري‪ ،‬يِ ْ‬
‫عل دين قومهما‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شِمس شعا مبصع بن عمري‪ ،‬ون اط ـ ـ ـ ـ ــت يف الدَّعوة إىل ال الم قال عد‬
‫الرجل ‪ ،‬اللَّذين أتيا دارينا لي شسـ ـ ـ ِفها ـ ــعفاءان‪ ،‬فازجرلا‪،‬‬
‫أل ش ـ ـ ـْي ٍد ح أاب لك! انطلق إىل هذين َّ‬
‫دارينا فَنَّت لوح أ ـ ـ ـ ـ ـ ــعد بن زرارشة م ِ حيث قد علمت كفيتك ذلك‪ ،‬هو ابن‬ ‫وا‪،‬هما أن رتيا ش‬
‫خاليت‪ ،‬وح أجد عليت مقدماً‪ ،‬فأخذ أ ش ْيد حربتت‪ ،‬مثَّ أقبل عليهما‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه أ عد بن زرارة‬
‫جيلس أكلِ ْمت‪ ،‬فوقف‬ ‫ِ‬
‫قال هذا ـ ـ ـ ــيد قومت‪ ،‬وقد جاءك فاهللاـ ـ ـ ــدق هللا فيت‪ ،‬قال مصـ ـ ـ ــع إن ْ‬
‫عليهما مت ــتِماً‪ ،‬فقال ما جاء بكما تسـ ِـفهان ــعفاءان؟! اعتايحان إن كانت لكما أبنفســكما‬
‫حاجة‪ ،‬فقال لت مصع بلسان اَّؤمن ايادئ الواثق من مساحة دعوتت أو دلس‪ ،‬فتسمع‪ ،‬فَن‬
‫نكف عنك ما تكره؟‬
‫ُّ‬ ‫ر يت أمراً قبلتت‪ ،‬وإ ْن كرهتت‬
‫ـفت‪ ،‬مثَّ رَّكاي حربتت‪ ،‬وجلس إليهما‪ ،‬فكلَّمت مصـ ــع ابل ـ ــالم‪ ،‬وقرأ عليت‬
‫قال أ ش ـ ـْيد أنصـ ـ ش‬
‫القرآن‪ ،‬فقاح ‪ -‬فيما يذكر عنهما ‪ -‬وهللا! لعرفنا يف وجهت ال ـ ــالم قبل أن يتكلَّم يف إش ـ ـراقت‪،‬‬
‫الكالم‪ ،‬وأ ْ شلشت! كيف تصـ ـ ــنعون إذا أردذ أن تدخلوا يف هذا‬
‫ش‬ ‫وتسـ ـ ـ ُّـهلت‪ ،‬مثَّ قال ما أحسـ ـ ـ شـن هذا‬

‫السنَّة (‪.)441/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة يف وء القران و ُّ‬
‫‪390‬‬
‫احلق‪ ،‬مثَّ تص ـ ـ ــلِي‪ ،‬فقام‪،‬‬ ‫فتتطهر‪ِ ،‬‬
‫وتطهر ثوبيك‪ ،‬مث ت ـ ـ ــهد ش ـ ـ ــهادة ِ‬ ‫ِ‬
‫الدين؟ قاح لت ت تس ـ ـ ــل‪َّ ،‬‬
‫إن ورائي رجالً‪،‬‬ ‫وطهر ثوبيت‪ ،‬وت ـ َّـهد شــهادة ِ‬
‫احلق‪ ،‬مثَّ قام فركع ركعت ‪ ،‬مثَّ قال يما َّ‬ ‫فا تســل‪َّ ،‬‬
‫ف عنت أحد من قومت‪ ،‬و أر لت إليكم ا ن عد بن معاذ‪.‬‬ ‫َّبعكما يتهلَّ ْ‬
‫إن ات ْ‬
‫مثَّ أخذ حربتت‪ ،‬وانصــر إىل ـ ٍ‬
‫ـعد‪ ،‬وقومت وهم جلوس يف انديهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نظر إليت ــعد‬
‫مقبالً‪ ،‬قال أحلف ابهلل! لقد جاءكم أ ش ْيد بن حضري ب ري الوجت الذأ ذه بت من عندكم!!‬
‫الرجل ‪ ،‬فوهللا! ما رأيت‬ ‫فعلت؟ قال كلَّمت َّ‬ ‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وقف عل النَّادأ قال لت عد ما ش‬
‫أن ب حارثة خرجوا إىل أ ـ ــعد‬ ‫أحببت‪ ،‬وقد ح ِدثت َّ‬‫ش‬ ‫هبما أب ـ ـ ـاً‪ ،‬وقد ‪،‬يتهما‪ ،‬فقاح نفعل ما‬
‫بن زرارشة ليقتلوه وذلك َّأ‪،‬م عرفوا أنت ابن خالتك لِي ْه ِفر ش‬
‫وك(‪.)1‬‬
‫هوفاً لِلَّذأ ذكر لـ ـ ـ ــت من أمر ب حارثـ ـ ـ ــة‪ ،‬وأخذ احلربة يف يده‪ ،‬مثَّ‬
‫ضباً مبادراً ُّ‬
‫فقام عد م ْ ش‬
‫نيت ش ـ ــيئاً‪ ،‬مثَّ خرً إليهما ـ ــعد‪ ،‬فوجدلا مطمئنَّ ْ ‪ ،‬فعر َّ‬
‫أن أ ش ـ ـ ـْيداً‬ ‫قال وهللا! ما أراك أ ش‬
‫َّإجا أراد أن يسـ ـ ــمع منهما‪ ،‬فوقف مت ـ ـ ــتِماً‪ ،‬مثَّ قال أل ـ ـ ــعد بن زرارة وهللا َي أاب أمامة! لوح ما‬
‫ت هذا م ِ ‪ ،‬أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاان يف داران مبا نكره؟! وكان أ ـ ـ ـ ـ ـ ــعد قد قال‬
‫بي وبينك من القرابة ما رْم ش‬
‫َّص ـ ـ ـ ـ ــع لقد جاء ‪ -‬وهللا! ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ــيِد شم ْن وراءشه ِم ْن قومت‪ ،‬إن يتبعك ح يتهلَّف منهم اثنان‪،‬‬
‫بت فيت قبلتشت‪ ،‬وإن كرهتشت عايلنا عنك‬ ‫ـيت أمراً‪ ،‬ور ش‬ ‫فقال لت مص ــع شأو تقعد فتس ــمع؟ فَن ر ـ ش‬
‫ما تكره‪ .‬فقال عد أنصفت‪ ،‬مثَّ رَّكاي احلربة‪ ،‬وجلس‪ ،‬فعرض عليت ال الم‪ ،‬وقرأ القرآن‪ .‬وذكر‬
‫الايخر ‪ ،‬قاح فعرفنا ‪ -‬وهللا! ‪ -‬يف وجهت ال الم قبل‬
‫مو بن عقبة أنَّت قرأ عليت َّأول ورة ُّ‬
‫أن يتكلَّم يف إشراقت‪ُّ ،‬‬
‫وتسهلت‪.‬‬
‫مثَّ قال يما كيف تص ـ ـ ـ ـ ـ ــنعون إذا أنتم أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمتم‪ ،‬ودخلتم يف هذا ِ‬
‫الدين؟ قاح ت تس ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪،‬‬
‫وطهر ثوبيت‪،‬‬
‫احلق‪ ،‬مثَّ تصــلي ركعت ‪ ،‬فقام فا تســل‪َّ ،‬‬ ‫فتتطَّهر‪ِ ،‬‬
‫وتطهر ثوبيك‪ ،‬مثَّ ت ــهد شــهادة ِ‬
‫مثَّ ت ـ َّـهد شــهادة ِ‬
‫احلق‪ ،‬مثَّ ركع ركعت ‪ ،‬مثَّ أخذ حربتت‪ ،‬فأقبل عائداً إىل اندأ قومت‪ ،‬ومعت أ ش ـْيد‬
‫ض ـ ْري‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه قومت مقبالً قالوا حنلف ابهلل‪ ،‬لقد رجع إليكم ــعد ب ري الوجت الذأ‬
‫بن ح ش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)442/1‬‬
‫‪391‬‬
‫ذه بت من عندكم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما وقف عليهم قال َي ب عبد األشهل! كيف تعلمون أمرأ فيكم؟‬
‫حض‬
‫علي حرام َّ‬ ‫ـ ـ ــيِدان‪ ،‬وأفض ـ ـ ــلنا رأَيً‪ ،‬وأميننا نقيبةً! قال َّ‬
‫فَن كالم رجالكم ونس ـ ـ ــائكم َّ‬ ‫قالوا‬
‫تؤمنوا ابهلل‪ ،‬ور ولت! قال فوهللا‪ ،‬ما أمس يف دار ب عبد األشهل رجل‪ ،‬وح امرأة إح مسلماً‪،‬‬
‫أو مسلمةً‪.‬‬
‫ورجع أ ــعد‪ ،‬ومصــع إىل منايل أ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بن زرارة‪ ،‬فأقام عنده يدعو النَّاس إىل ال ــالم‬
‫[قصة إسالم سعد بن معاذ‬ ‫تبق دار من دور األنصار إح وفيها رجال مسلمون‪ ،‬ونساء مسلمات‬
‫حض ش‬‫َّ‬
‫رواه ــا الطربي يف اترخي ــه (‪ )359 - 357/2‬وابن س ـ ـ ـ ـ ـع ــد (‪ )421 - 420/3‬والبيوقي يف ال ــدالئ ــل (‪ )432 - 431/2‬والطرباين يف الكبري‬

‫هللا ِْريم‪ ،‬وهو عمرو بـ ــن اثبت بـ ــن وقش فَنـَّ ــت َّ‬
‫أتخر إ المت إىل يوم‬ ‫(‪ ])362/20‬إح ما كـ ــان من األ ش‬
‫ـا‪ ،‬وأخرب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫يصل هلل دةً ق ُّ‬‫أبحد‪ ،‬و ِ‬ ‫أح ٍـد‪ ،‬فأ لم وا ت ِه ـد ٍ‬

‫أنَّـت من أهل اجلنَّة‪.‬‬


‫ـناد حس ـ ـ ـ ٍن عن أيب هريرة أنَّت كان يقول « ِ‬
‫حدثوين عن رج ٍل‬ ‫وقد رو ابن إ ـ ـ ــلاق ن ـ ـ ـ ٍ‬

‫[أمحد‬ ‫هللا ـ ـ ـ ِْريم ب عبد األش ـ ــهل»‬ ‫دخل اجلنَّة يص ـ ـ ِـل هللا ـ ــال ًة ُّ‬
‫قا‪ ،‬فَذا يعرفت النَّاس‪ ،‬قال هو أ ش‬
‫(‪ )429 - 428/5‬وجممع الزوائد (‪. )1(])364/9‬‬
‫ودروس‪ ،‬وعربٌ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫خامساً‪ :‬فوائد‪،‬‬

‫‪َّ - 1‬ادت التَّهطيا الن ُّ‬


‫َّبوأ لل َّكياي عل يثرب َّ‬
‫ابلذات‪ ،‬وكان للنَّفر الس ـ ـ ـ ـتَّة الذين أ ـ ـ ـ ــلموا‪،‬‬
‫دور كبري يف بث الدَّعوة إىل ال الم‪ ،‬خالل ذلك العام‪.‬‬
‫‪ - 2‬كانت هناك عدَّة عوامل اعدت عل انت ار ال الم يف اَّدينة منها‬
‫الرقَّـة‪ ،‬واللِ ‪ ،‬وعــدم اَّ ــاحة يف الكربَيء‪،‬‬
‫(أ) مــا طبع هللا عليــت قبــائــل اخلايرً‪ ،‬واألوس من ِ‬
‫احلق‪ ،‬وذلك يرجع إىل اخلص ــائص الدَّمويَّة وال ُّس ـالليَّة الَّيت أش ــار إليها ر ــول هللا هللا ــل‬
‫وجلود ِ‬
‫هللا عليت و لم ح شوفشد شوفْد من اليمن‪ ،‬بقولت «أاتكم أهل اليمن‪ ،‬هم ُّ‬
‫أرق أفئد ًة‪ ،‬وأل قلوابً»‬
‫الايمن‬
‫[البخاري (‪ )4388‬ومســ ـ ـ ــلم (‪ ])52‬ولـا ترجعـان يف أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــليهمـا إىل اليمن‪ ،‬ناي أجـدادهم منهـا يف َّ‬

‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪ ، )444/1‬وهللالي ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.291‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫‪392‬‬
‫َّار شوا ِلميـشا شن ِم ْن قشـْبلِ ِه ْم ِ بُّو شن شم ْن‬
‫ين تشـبشـ َّوءوا الـد ش‬
‫َّ ِ‬
‫﴿والـذ ش‬‫القـد ‪ ،‬فيقول القرآن الكر مـادحـاً يم ش‬
‫(‪)1‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هاجر إِلشي ِهم وحش شِجيدو شن ِيف هللادوِرِهم ح ِ‬
‫اهللاة‬
‫ص ش‬ ‫اجةً اَّا أوتوا شويـ ْؤثرو شن شعلش أشنْـفس ِه ْم شولش ْو شكا شن هب ْم شخ ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫ش شش ْ ْ ش‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]9 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬
‫وق ش َّ نشـ ْف ِس ِت فشأولشئِ ش‬
‫شوشم ْن ي ش‬
‫(ب) التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحن‪ ،‬والتَّطاحن اَّوجود ب قبيليت اَّدينة‪ ،‬األوس واخلايرً‪ ،‬وقد قامت بينهما‬
‫احلروب الطَّاحنة كيوم بعاث‪ ،‬و ريه‪ ،‬وقد أفنت هذه احلرب كبار زعمائهم‪ ،‬اَّن كان نظرايهم يف‬
‫يبق إح القيادات ال َّ ـ ـ ـ ـ ـابَّة اجلديدة‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬والطائف‪ ،‬و ريها‪ ،‬ح ر عثرة يف ـ ـ ـ ــبيل الدَّعوة‪ ،‬و ش‬ ‫َّ‬
‫معروفة‪ ،‬يتوا ـ ــع اجلميع عل التَّسـ ــليم‬‫ٍ‬ ‫احلق إ ـ ــافةً إىل عدم وجود قيادةٍ ابرزةٍ‬
‫اَّسـ ــتعدَّة لقبول ِ‬
‫حباجة إىل من رتلفون عليت‪ ،‬ويلتئم طلهم حتت ظلِت‪ .‬قالت عائ ـ ـ ـة ر ـ ــي هللا عنها‬ ‫يا‪ ،‬وكانوا ٍ‬
‫عاث أمراً قدَّمت هللا تعاىل لنبيِت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فشـ شق ِد شم ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫«كان يوم ب ش‬
‫و ــلم وقد اف ق شملشؤهم‪ ،‬وقتِلت ش ـشرشواهتم(‪ )2‬وج ِرحوا‪ ،‬فقدَّمت هللا لر ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم يف‬
‫دخويم ال الم»‪[ .‬البخاري (‪ 3777‬و‪ 3846‬و‪ )3930‬وأمحد (‪ )61/6‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪. ])421/2‬‬

‫(ً) جماورهتم لليهود‪ ،‬اَّا جعلهم عل عل ٍم ‪ -‬ولو يس ـ ٍري ‪ -‬أبمر ِ‬


‫الر ــاحت ال َّس ـماويَّة‪ ،‬وخرب‬
‫اَّر ـل ال َّسـابق ‪ ،‬وهم ‪ -‬يف جمتمعهم ‪ -‬يعاي ـون هذه القضـيَّة يف حياهتم اليوميَّة‪ ،‬وليسـوا مثل‬
‫متفرقةً عن ِ‬
‫الر ـ ـ ــاحت‪،‬‬ ‫يش اليت ح يسـ ـ ــاكنها أهل كتاب‪َّ ،‬‬
‫وإجا اية أمرها أن تسـ ـ ــمع أخباراً ِ‬ ‫قر ٍ‬
‫اليي‪ ،‬دون أن تل َّ عليها هذه اَّسأل ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬أو ت ل تفكريه ـ ـ ـ ـ ـ ــا اب تمرا ٍر‪ ،‬وكان اليهود‬ ‫والوحي ِ‬
‫أظل زمان ــت‪ ،‬ويايعمون َّأ‪،‬م يتَّبعون ــت‪ ،‬ويقتلو‪،‬م بت قتل ع ـ ٍ‬
‫ـاد‪،‬‬ ‫ش‬ ‫بنب قد َّ‬ ‫يه ـ ِـددون األوس‪ ،‬واخلايرً ٍ‬
‫أن األوس‪ ،‬واخلايرً كانوا أكثر من اليهود(‪ ،)3‬وقد حك هللا عنهم ذلك يف كتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬ ‫وإرم! مع َّ‬
‫ص ِدق لِ شما شم شعه ْم شوشكانوا ِم ْن قشـْبل يش ْستشـ ْفتِلو شن‬ ‫العايياي‪ .‬قال تعاىل ﴿وَّا جاءهم كِتاب ِمن ِعْن ِد َِّ‬
‫اَّلل م ش‬ ‫ْ‬ ‫ش شش ْ ش‬
‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شعلش الْ شكاف ِري شن ﴾[البقرة‪. ]89 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين شك شفروا فشل َّـما شجاءشه ْم شما شعشرفوا شك شفروا بت فشـلش ْعنشة َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫شعلش الذ ش‬
‫وكان األوس‪ ،‬واخلايرً قد علوا اليهود دهراً يف اجلاهليَّة‪ ،‬وهم أهل ش ــرك وهؤحء أهل كتاب‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب احلسن الن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫السشروات األشرا ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫األولون ‪ ،‬ص ‪.183‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ال رابء َّ‬


‫‪393‬‬
‫أظل زمانت‪ ،‬نقتلكم بت قتل ٍ‬
‫عاد وإرم(‪.)1‬‬ ‫فكانوا يقولون َّ‬
‫إن نبياً قد َّ‬
‫ش‬
‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أراد هللا إَتام أمره بنص ــر دينت قيَّض ـ ـتَّة نف ٍر من أهل اَّدينة للن ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت‬
‫و ـ ــلم ‪ ،‬فالتق هبم عند العقبة ‪ -‬عقبة مىن ‪ -‬فعرض عليهم ال ـ ــالم‪ ،‬فا ـ ــتب ـ ــروا‪ ،‬وأ ـ ــلموا‪،‬‬
‫َّب الَّذأ توعَّ شدهم بت اليهود‪ ،‬ورجعوا إىل اَّدينة‪ ،‬فأف ـ ـ ـوا ذكر الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫وعرفوا أنَّت الن ُّ‬
‫السري(‪.)3‬‬ ‫يسميت أهل ِ‬ ‫و لم يف بيوهتا(‪ ،)2‬وكان هذا هو «بدء إ الم األنصار» كما ِ‬
‫تطور مهم َّصـ ــللة ال ـ ــالم‪ ،‬فبعد‬ ‫‪ - 3‬حضـ ــر بيعة العقبة األوىل اثنان من األوس‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫قصة ا ِ‬
‫لصراعات الدَّاخلية‪،‬‬ ‫احلرب العنيفة يف بـعاث ا تطاي النَّفر ِ‬
‫الستَّة من اخلايرً‪ ،‬أن يت اوزوا َّ‬ ‫ش‬
‫و ضــروا معهم ــبعةً جدداً‪ ،‬فيهم اثنان من األوس‪ ،‬وهذا يع َّأ‪،‬م وفوا ابلتاياماهتم الَّيت قطعوها‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـدي‪ ،‬وتوجيت التَّـيَّار لدخول ال ـ ـ ـ ـ ــالم يف اَّدينة أو ـ ـ ـ ـ ــها‪،‬‬
‫عل أنفس ـ ـ ـ ـ ــهم يف حماولة رأب ال َّ‬
‫الصراعات القبليَّة القائمة‪.‬‬ ‫وخايرجها‪ ،‬وداوز ِ‬

‫‪ - 4‬كان التَّطُّور اجلديد الَّذأ أشرتت بيعة العقبة قد بعث مص ــع بن عمري اثالً ش ــهص ــياً‬
‫للر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم إىل اَّدينة يعلِم النَّاس القرآن الكر ‪ ،‬ومبادئ ال ــالم‪ ،‬وا ــتطاي‬
‫َّ‬
‫السيا ِي أن ِقق انتصار ٍ‬
‫ات كبريةً لإل الم(‪.)4‬‬ ‫مصع حبكمتت‪ ،‬وحصافتت‪ ،‬وذكائت ِ‬
‫عام و ٍ‬
‫احد الكثري‪ ،‬وما‬ ‫‪ - 5‬ا ـ ــتطاي ـ ــفري ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أن يفعل يف ٍ‬
‫ذلك إح بتوفيق هللا تعاىل‪ ،‬مثَّ بصــدق ذلك الدَّاعية وإخالهللاــت‪ ،‬فأين ــفراء دول اَّســلم اليوم‬
‫من ـ ــفري ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فعل وحة األمر أن خيتاروا ال َّسـ ـ ـفري اَّؤمن اَّلتايم‬
‫اَّوهوب الَّـذأ يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن ميثِـل بالده‪ ،‬ودينـت قوحً وعمالً‪ ،‬وخلقـاً و ـ ـ ـ ـ ـ ــلوكـاً‪ ،‬فري النـَّاس‪،‬‬
‫ويسمعون من خاللت‪.‬‬
‫‪ - 6‬ا ـ ـ ــتطاي ال َّس ـ ـ ـفري مص ـ ـ ــع ر ـ ـ ــي هللا عنت أن يهيِئ البيئة ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـاحلة‪ ،‬حنتقال الدَّعوة‬

‫للسيوطي (‪.)216/1‬‬
‫الدُّر اَّنثور ‪ُّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ابن ه ام (‪.)44/1‬‬


‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)44 ، 39/1( ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر التَّلالف ِ‬
‫السيا ُّي ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪394‬‬
‫مقرها اجلديد حيث ا ـ ـ ـ ـ ــتطاي تر ة رو بيعة العقبة األوىل عملياً و ـ ـ ـ ـ ــلوكياً‪ ،‬والَّيت‬
‫الدولة إىل ِ‬
‫و َّ‬
‫َّام بنظام ال الم(‪.)1‬‬
‫تع احلتايام الت َّ‬
‫كل ما ميلك من ٍ‬
‫جهد لتعبئة الطَّاقات ال ــالميَّة‬ ‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫‪ - 7‬بذل َّ‬
‫لصلبة‪ ،‬الَّيت تقوم‬ ‫يف اَّدينة‪ ،‬و يكن هناك أدَّن تقص ٍري لل هد الب ِ‬
‫رأ اَّمكن يف بناء القاعدة ا ُّ‬
‫احتل هذا اجلهد نت كاملت من الدَّعوة‪ ،‬والتَّنظيم(‪.)2‬‬ ‫عل أكتافها َّ‬
‫الدولة اجلديدة‪ ،‬و َّ‬
‫‪ُ - 8‬لت التعبئة الميانيَّة يف نفوس شم ْن أ لم من األنصار‪ ،‬وشعرت األنصار أبنَّت قد آن‬
‫الدولة اجلديدة‪ ،‬وكما يقول جابر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وهو ميثِل هذه ال ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـورة الَّرفيعة‬ ‫األوان لقيام َّ‬
‫ـول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يطو ‪ ،‬ويطرد يف جبال َّ‬
‫مكة‪،‬‬ ‫حض مض ن ك ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫الرائعة « َّ‬
‫َّ‬
‫ش‬
‫وخيا ؟!»(‪.)2‬‬
‫احلت‪ ،‬من العام الثَّالث ع ـ ـ ــر‬ ‫‪ - 9‬وهللاـ ـ ــل مصـ ـ ــع ر ـ ـ ــي هللا عنت إىل َّ‬
‫مكة قبيل مو ـ ـ ــم ِ‬
‫صـ ـورة الكاملة الَّيت انتهت إليها أو ــاي اَّس ــلم هناك‪ ،‬والقدرات‪ ،‬والمكاانت‬
‫للبعثة‪ ،‬ونقل ال ُّ‬
‫أن القوم جاهايون ٍ‬
‫لبيعة‬ ‫اَّتاحة‪ ،‬وكيف ت ل ل ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم يف يع قطاعات األوس‪ ،‬واخلايرً‪ ،‬و َّ‬
‫جديدة‪ ،‬قادرةٍ عل حاية ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومنعتت(‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬كان اللِقاء الَّذأ َّري جمر التَّاري ‪ ،‬يف مو ـ ـ ـ ـ ــم احل ِت يف ال َّس ـ ـ ـ ـ ـنة الثَّالثة ع ـ ـ ـ ـ ــرة من‬
‫احلت بضـ ــع و ــبعون نفس ـ ـاً من اَّس ــلم ‪ ،‬من أهل يثرب‪،‬‬
‫البعثة حيث حض ــر ألداء منا ــك ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم اتصاحت ِريَّة‪َّ ،‬أدت إىل اتِفاق‬
‫مكة جرت بينهم وب الن ِ‬‫فلـ ـ ـ ـ َّـما قدموا َّ‬
‫الفريق عل أن جيتمعوا يف أو ـ ـ ــا َّأَيم التَّ ـ ـ ـ ـريق يف ال ِ ـ ـ ـ ـ ْع الَّذأ عند العقبة‪ ،‬حيث اجلمرة‬
‫اتم ٍة يف ظالم اللَّيل(‪.)4‬‬ ‫يتم هذا احجتماي يف ِريٍَّة َّ‬ ‫األوىل من ِم ًىن‪ ،‬وأن َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التَّكوين إىل التَّمك ‪ ،‬ص ‪.356‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السيا ُّي ‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫(‪ )2‬انظر التَّلالف ِ‬


‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫السيا ُّي ‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫(‪ )4‬انظر التَّلالف ِ‬
‫‪395‬‬
***

396
‫املبحث الثَّالث‬

‫بيعة العقبة الثَّانية‬


‫حض مض ن ك ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا‬
‫قال جابر بن عبد هللا ر ـ ـ ــي هللا عنهما «‪ ...‬فقلنا َّ‬
‫حض قدموا عليت يف‬ ‫عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم يطْرد يف جبال َّ‬
‫مكة‪ ،‬وخيا ‪ ،‬فرحل إليت منا ـ ـ ـ ـ ــبعون رجالً َّ‬ ‫ش‬
‫حض توافينا فقلنا َي ر ــول‬
‫َّ‬ ‫اَّو ــم‪ ،‬فواعدانه ِشـ ـ ْع العقبة‪ ،‬فاجتمعنا عليت من ٍ‬
‫رجل‪ ،‬ورجل‬
‫هللا! عالم نبايعك؟‬
‫قال «تبايعوين عل ال َّسـ ـمع‪ ،‬والطَّاعة يف النَّ ــاط‪ ،‬والكس ــل‪ ،‬والنَّفقة يف العس ــر‪ ،‬واليس ــر‪،‬‬
‫وعل األمر ابَّعرو ‪ ،‬والنَّهي عن اَّنكر‪ ،‬وأن تقولوا يف هللا‪ ،‬ح هافون يف هللا لومة حئم‪ ،‬وعل‬
‫أن تنص ـ ـ ــروين‪ ،‬فتمنعوين إذا قدمت عليكم اَّا َتنعون منت أنفس ـ ـ ــكم‪ ،‬وأزواجكم‪ ،‬وأبناءكم‪ ،‬ولكم‬
‫اجلنَّة»‪.‬‬
‫قال فقمنا إليت‪ ،‬فبايعناه‪ ،‬وأخذ بيده أ عد بن زرارة ‪ -‬وهو من أهللا رهم ‪ -‬فقال رويداً َي‬
‫فَان نضــرب أكباد البل إح وحنن نعلم أنَّت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫أهل يثرب! َّ‬
‫فَما أنتم قوم تصـ ــربون‬ ‫إخراجت اليوم مفارقة العرب كافَّةً‪ ،‬وقتل خياركم‪ ،‬وأن تع َّ‬
‫ض ـ ـكم ال ُّس ـ ـيو ‪َّ ،‬‬
‫وإما أنتم هافون من أنفس ــكم جبشـْيـنشةً فبينوا ذلك‪ ،‬فهو أعذر لكم‬ ‫عل ذلك‪ ،‬وأجركم عل هللا‪َّ ،‬‬
‫عند هللا! قالوا أما عنَّا َي أ ـ ـ ـ ـ ــعد! فوهللا ح ندي هذه البيعة أبداً! وح نش ْس ـ ـ ـ ـ ـلِيها (أأ ن كها)!‬
‫وششر شط‪ ،‬ويعطينا عل ذلك اجلنَّة»(‪.)1‬‬ ‫قال فقمنا إليت‪ ،‬فبايعناه‪ ،‬فأخذ علينا‪ ،‬ش‬
‫وهكذا ابيع األنصار ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عل الطَّاعة‪ ،‬والنُّصرة‪ ،‬واحلرب لذلك‬
‫ص ـلايب كع بن مالك األنصـ ِ‬
‫ـارأ ‪ -‬وهو‬ ‫ص ـامت بيعة احلرب(‪َّ ،)2‬أما رواية ال َّ‬
‫مسَّاها عبادة بن ال َّ‬
‫مهمة‪ ،‬قال «خرجنا يف ح َّ اً قومنا من‬
‫أحد اَّبايع يف العقبة الثَّانية ‪ -‬ففيها تفص ـ ـ ـ ـ ـ ــيالت َّ‬

‫الصليلة (‪.)199/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬مسند المام أحد (‪ )316/5‬ن ٍ‬
‫ناد هللالي ٍ ل ريه‪.‬‬
‫‪397‬‬
‫اَّ ـ ــرك ‪ ،‬وقد هللاـ ـ ـلَّينا‪ ،‬وفقهنا‪ ،‬مثَّ خرجنا إىل احلت‪ ،‬وواعدان ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫ابلعقبة‪ ،‬من أو ـ ــا أَيم التَّ ـ ـ ـريق‪ ،‬وكنَّا نكتم شم ْن معنا من اَّ ـ ــرك أمران‪ ،‬فشنِ ْمنشا تلك اللَّيلة مع‬
‫حض إذا مض ـ ـ ثلث اللَّيل خرجنا من رحالنا َّيعاد ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫قومنا يف رحالنا‪َّ ،‬‬
‫حض اجتمعنا يف ال ِ ـ ـ ْع عند العقبة‪ ،‬وحنن‬ ‫و ــلم ‪ ،‬نت َّسـ ـلل تسـ ـلُّ شل ال شقطشا (احلمام) مس ــتهف ‪َّ ،‬‬
‫ثالثة و ـبعون رجالً‪ ،‬ومعنا امرأاتن من نسـائنا ن شسـيبة بنت كع ‪ ،‬وأمساء بنت عم ٍرو‪ ،‬فاجتمعنا‬
‫حض جاءان‪ ،‬ومعت العبَّاس بن عبد اَّطل ‪،‬‬ ‫يف ال ِ ـع ننتظر ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬
‫وهو ٍ‬
‫يومئذ عل دين قومت‪ ،‬إح أنَّت أح َّ أن ضر أمر ابن أخيت‪ ،‬ويتوثَّق لت‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما جلس كان‬
‫الر ـول هللاـل هللا عليت و ـلم يف ٍ‬
‫منعة من قومت ب‬ ‫أول متكلِم العبَّاس بن عبد اَّطل فب َّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫فَن العباس يريد ُّ‬
‫التأكد من حاية األنص ـ ـ ـ ــار لت‪،‬‬ ‫هاش ـ ـ ـ ــم‪ ،‬ولكنَّت يريد اي رة إىل اَّدينة‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫وإح فشـ ْليش شدعوه‪ ،‬فطل األنصار أن يتكلَّم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فيأخذ لنفست‪ ،‬ولربِت‬
‫ُّ من ال ُّروط‪.‬‬ ‫ما‬
‫قال «أابيعكم عل أن َتنعوين اَّا َتنعون منت نس ـ ـ ـ ـ ـ ــاءكم‪ ،‬وأبناءكم» فأخذ الرباء بن شم ْعرور‬
‫بيده‪ ،‬مثَّ قال نعم والَّذأ بعثك ابحلق! لنمنعنَّك اَّا جنع منت أزشران(‪ ،)1‬فبايِ ْع نا َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ـول هللا!‬
‫فنلن وهللا أهل احلرب‪ ،‬وأهل احلشلقة (ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـال )‪ ،‬ورثناها كابراً عن كابر‪ .‬فقاطعت أبو اييثم بن‬
‫وإان قاطعوها (يع اليهود)‪ ،‬فهل‬ ‫إن بيننا وب القوم حباحً‪َّ ،‬‬ ‫التَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِهان متسائالً َي ر ول هللا! َّ‬
‫ـيت إن حنن فعلنا ذلك‪ ،‬مثَّ أظهرك هللا أن ترجع إىل قومك‪ ،‬وتش شد شعنا؟ فتب َّسـم ر ـول هللا هللاـل‬ ‫عس ش‬
‫هللا عليــت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬مثَّ قــال «بــل الــدَّم الــدَّم‪ ،‬وايـش ْدم ايـش ْدم‪ ،‬أان منكم‪ ،‬وأنتم م ِ ‪ ،‬أحــارب شم ْن‬
‫حاربتم‪ ،‬وأ ا شم ْن اَّتم»‪.‬‬
‫فأخشرجوا منهم‬ ‫أخ ِرجوا َّ‬
‫إس منكم اث ع ـ ــر نقيباً ليكونوا عل قومهم مبا فيهم»‪ْ .‬‬ ‫مثَّ قال « ْ‬
‫اث ع ر نقيباً تسعةً من اخلايرً‪ ،‬وثالثةً من األوس‪.‬‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم منهم احنص ـرا إىل رحايم‪ ،‬وقد مسعوا ال َّ ـيطان‬
‫وقد طل َّ‬

‫(‪ )1‬األزر الـثِـياب ‪ ،‬واَّقصـود النِسـاء أو األنفس ‪ ،‬واَّعىن لنمنعنَّك اَّا جنع منت نساءان ‪ ،‬وأنفسنا‪.‬‬
‫‪398‬‬
‫ضـ ـ ـ ـلة وهللا الَّذأ بعثك ابحلق! إن ش ـ ـ ـ ش‬
‫ـئت‬ ‫يص ـ ـ ــر منذراً قري ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬فقال العبَّاس بن عبادة بن نش ْ‬
‫لنميلن عل أهل ِم ًىن داً أب يافنا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فقال ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم « نـ ْؤشمر بذلك ولكن ارجعوا إىل رحالكم»‪.‬‬
‫عما بل هم من بيعتهم‬
‫صـ ـ ـ ـبا جاءهم ع من كبار قريش‪ ،‬يس ـ ـ ــألو‪،‬م َّ‬‫فرجعوا إىل رحايم‪ ،‬ويف ال َّ‬
‫َّب هللاـل هللا عليت و ـلم ‪ ،‬ودعوهتم لت لله رة‪ ،‬فللف اَّ ـركون من اخلايرً‪ ،‬واألوس‪َّ ،‬‬
‫أب‪،‬م‬ ‫للن ِ‬
‫يفعلوا‪ ،‬واَّسلمون ينظرون إىل بعضهم(‪ ،)1‬قال مثَّ قام القوم وفيهم احلارث بن ه ام بن اَّ رية‬
‫القوم فيما‬ ‫ِ‬
‫جديدان‪ ،‬قال فقلت لت كلمةً ‪ِ -‬‬ ‫اَّهايومي‪ ،‬وعليت نعال ِن‬
‫كأين أريد أن أش ـ ـ ـ ـ ـ ــرك هبا ش‬ ‫ُّ‬
‫قالوا ‪َ -‬ي أاب جابر! أما تس ـ ــتطيع أن تتَّهذ‪ ،‬وأنت ـ ــيِد من ـ ــاداتنا‪ ،‬مثل نشـ ْعلشي هذا الفض من‬
‫إس‪ ،‬وقال وهللا لتشـْنـتشعِلشـ ـ ـ ـ ـ ـنَّهما‪،‬‬
‫يش؟ قال فسمعهما احلارث‪ ،‬فهلعهما من رجليت‪ ،‬مثَّ رم هبا َّ‬ ‫قر ٍ‬
‫فاردد إليت نعليت‪ .‬قال قلت‬‫ت (أأ أ ضـ ـ ـ ـ ـ ــبت) وهللا الفض‪ْ ،‬‬ ‫شح شفظْ ش‬
‫قال يقول أبو جابر شم ْت! أ ْ‬
‫أردلا‪ ،‬فأل وهللا هللااأ! لئن هللادق الفأل أل ْ لبـنَّت‪[ .‬أمحد (‪ )462 - 460/3‬واحلاكم (‪- 624/2‬‬‫ح وهللا! ح ُّ‬
‫ش‬
‫‪ )625‬والطربي يف اترخيه (‪ )362 - 360/2‬والبيوقي يف سننه الكرب (‪. ])9/9‬‬

‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد‪:‬‬


‫ٌ‬
‫‪« - 1‬كانت هذه البيعة العظم مبالبس ـ ـ ـ ـ ـ ــاهتا‪ ،‬وبواعثها‪ ،‬وآاثرها‪ ،‬وواقعها التَّارخيي‪( ،‬فت ش‬
‫أل‪،‬ا كانت احللقة األوىل يف ـ ـ ــلس ـ ـ ــلة الفتوحات ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬الَّيت تتابعت حلقاهتا يف‬
‫الفتو ) َّ‬
‫متدرجة‪ ،‬م دودةٍ هبذه البيعة منذ اكتمل عقدها‪ ،‬مبا أخذ فيها ر ول هللا هللال هللا عليت‬ ‫هللاوٍر ِ‬
‫ٍ‬
‫طليعة من طالئع أنصار هللا الَّذين كانوا أعر النَّاس بقدر‬ ‫و لم من ٍ‬
‫عهود ومواثيق عل أقو‬
‫مواثيقهم‪ ،‬وعهودهم‪ ،‬وكانوا أمس النَّاس ابلوفاء مبا عاهدوا هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـولت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫عليـت من التَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــليـة‪ ،‬مهمـا بل ـت متطلبَّـاهتـا من األروا ‪ ،‬وال ِـدمـاء‪ ،‬واألموال‪ ،‬فهـذه البيعـة يف‬
‫ابحلق‪ ،‬ونص ـرتت‪ ،‬وهي يف مالبس ــاهتا َّقوة تنا ــل ًقو هائلةً تقف متألِبةً‬
‫بواعثها هي بيعة الميان ِ‬
‫عليها‪ ،‬و يش ِ ْ عن أنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار هللا قدرها‪ ،‬ووز‪،‬ا‪ ،‬يف ميادين احلروب‪ ،‬والقتال‪ ،‬وهي يف آاثرها‬

‫ِ‬
‫للعمرأ (‪)201/1‬‬ ‫الصليلة ‪،‬‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر ابن ه ام (‪ ، )61/1‬ن ٍ‬
‫ناد حسن ‪ ،‬وانظر ِ‬
‫‪399‬‬
‫القتاس يف ـبيل إعالء كلمة هللا‪ ،‬عل‬ ‫ت ـمري انهض ِ‬
‫بكل ما ميلك أهللاـلاهبا من و ـائل اجلهاد ِ‬
‫حض يكون ِ‬
‫الدين كلُّت هلل‪ ،‬وهي يف واقعها الت ِ‬
‫َّارخيي هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫عال مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتك ٍرب يف األرض َّ‬ ‫ِ‬
‫وعدل‪ ،‬ونصر‪ ،‬وا ت هاد‪ ،‬وتبلي لر الة ال الم»(‪.)1‬‬
‫‪َّ - 2‬‬
‫إن حقيقة الميان‪ ،‬وأثره يف تربية النفوس‪ ،‬تظهر آاثرها يف ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتعداد هذه القيادات‬
‫الكرب ألن تبذل أرواحها‪ ،‬ودماءها يف ــبيل هللا‪ ،‬ور ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وح يكون يا‬
‫اجلاياء يف هذه األرض كســباً‪ ،‬وح منصــباً‪ ،‬وح قياد ًة‪ ،‬وح زعامةً‪ ،‬وهم الَّذين أفنوا ع ـرات ال ِسـن‬
‫الايعامة‪ ،‬والقيادة‪ ،‬إنَّت أثر الميان ابهلل‪ ،‬وحبقيقة هذا ِ‬
‫الدين‪ ،‬عندما‬ ‫من أعمارهم‪ ،‬يتصــارعون عل َّ‬
‫يت ل ل يف النُّفوس(‪.)2‬‬
‫ص ـ ـ ـعوب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪،‬‬ ‫‪ - 3‬يظهر التَّهطيا العظيم يف بيعة العقبة حيث َتَّت يف ظرو ٍ ٍ‬
‫اية يف ال ُّ‬
‫حتدي ـاً خطرياً‪ ،‬وجريئ ـاً لق ـو ال ِ رك ف ـي ذل ـك الوقت‪ ،‬ولذلك كان التَّهطيا الن ُّ‬
‫َّبوأ‬ ‫وكانت َتثِـل ِ‬
‫لن احها يف اية الحكام و ِ‬
‫الدقَّة عل النَّلو التَّاس‬
‫(‪)3‬‬

‫ـف األمر‪ ،‬فقد كان وفد اَّبايعة‬ ‫حض ح ينك ـ ش‬ ‫َّ‬ ‫أ ‪ ِ -‬ـ ِريَّة احلركة‪ ،‬واحنتقال جلماعة اَّبايع‬
‫السبع‬
‫يثريب قوامت حنو طسمئة اَّا جيعل حركة هؤحء َّ‬ ‫وفد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّسلم بع رجالً وامرأت من ب‬
‫هللاعبةً ‪ ،‬وانتقايم أمراً ري ميسوٍر‪ ،‬وقد حتدَّد موعد اللِقاء يف اثين أَيم التَّ ريق‪ ،‬بعد ثلث اللَّيل‪،‬‬
‫الر ْجل‪ ،‬كما ذَّ حتديد اَّكان يف ال ِ ـ ـ ـ ْع‬
‫حيث النَّوم قد ـ ـ ــرب أع القوم‪ ،‬وحيث قد هدأت ِ‬
‫ٍ‬
‫حلاجة(‪.)4‬‬ ‫األمين‪ ،‬بعيداً عن ع شم ْن قد يستيقم من النَّ ِوم‬
‫ب ‪ -‬اخلروً اَّنظَّم جلماعة اَّبايع ‪ ،‬إىل موعد‪ ،‬ومكان احجتماي‪ ،‬فقد خرجوا يتس ـ ـ ـ ـ ـلَّلون‬
‫مستهف ‪ ،‬رجالً رجالً‪ ،‬أو رجل رجل ‪.‬‬
‫ً ‪ -‬رب ِ‬
‫الس ِريَّة التَّامة عل موعد‪ ،‬ومكان احجتماي‪ ،‬حبيث يعلم بت و العبَّاس بن‬

‫الصادق عرجون (‪.)400/2‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)103/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحن الرب ‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪400‬‬
‫وعلي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬الَّذأ‬
‫عبد اَّطل ‪ ،‬الَّذأ جاء مع النَّ ِب هللال هللا عليت و لم ليتوثَّق لت ‪ُّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫كان عيناً للمسـ ـ ـ ــلم عل فم ال ِ ـ ـ ـ ـع ‪ ،‬وأبو بكر الَّذأ كان عل فم الطَّريق ‪ -‬وهو ا خر ‪-‬‬
‫عيناً للمس ـ ــلم (‪َّ ،)2‬أما شم ْن عداهم من اَّس ـ ــلم ‪ ،‬و ريهم فلم يكونوا يعلمون عن األمر ش ـ ــيئاً‪،‬‬
‫ص ـ ـوت‪ ،‬وأح يطيلوا يف الكالم حذراً من وجود ع ٍ تسـ ــمع‬ ‫وقد أمر اعة اَّبايع أح يرفعوا ال َّ‬
‫دس حركتهم(‪.)3‬‬
‫هللاوهتم‪ ،‬أو ُّ‬
‫ِ‬
‫د ‪ -‬متابعة الخفاء والس ـ ِريَّة ح ك ــف ال َّ ـيطان أمر البيعة‪ ،‬فأمرهم الن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت‬
‫و ــلم أن يرجعوا إىل رحايم‪ ،‬وح دثوا ش ــيئاً رافضـ ـاً اح ــتع ال يف اَّواجهة اَّس ـلَّلة اليت‬
‫تتهيَّأ يا الظُّرو بعد‪ ،‬وعندما جاءت قريش تسـ ــتربئ اخلرب َّ‬
‫موه اَّسـ ــلمون عليهم ابل ُّس ـ ـكوت‪،‬‬
‫أو اَّ اركة ابلكالم الَّذأ ي ل عن اَّو وي(‪.)4‬‬
‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اختيار اللَّيلة األخرية من لياس ِ‬
‫احلت‪ ،‬وهي الليلة الثالثة شع ْ ـرة من ذأ احل َّ ة حيث‬
‫ــينفر احل اً إىل بالدهم ظهر اليوم التَّاس‪ ،‬وهو يوم الثالث ع ــر‪ ،‬ومن شمثَّ تضــيق الفرهللاــة أمام‬
‫قريش يف اع ا هم‪ ،‬أو تعويقهم إذا انك ف أمر البيعة‪ ،‬وهو أمر متوقَّع‪ ،‬وهذا ما حدث(‪.)5‬‬
‫القوة حبيث ح تقبل التَّمييع وال َّ اخي‪ ،‬إنَّت‬
‫‪ - 4‬كانت البنود اخلمسـ ــة للبيعة من الو ـ ــو ‪ ،‬و َّ‬
‫ال َّس ـمع‪ ،‬والطَّاعة يف النَّ ــاط والكســل‪ ،‬والنَّفقة يف اليســر‪ ،‬والعســر‪ ،‬واألمر ابَّعرو والنَّهي عن‬
‫اَّنكر‪ ،‬والقيام يف هللا ح أتخذهم فيت لومة حئم‪ ،‬ونصر لر ول هللا هللال هللا عليت و لم وحايتت‬
‫إذا قدم اَّدينة(‪.)6‬‬
‫ترد ٍد ‪ -‬الرباء بن شم ْعرور‪ ،‬قائالً والذأ‬
‫‪ - 5‬ـ ـ ــرعان ما ا ـ ـ ــت اب قائد األنص ـ ـ ــار ‪ -‬دون ُّ‬
‫بعثك ابحلق! لنمنعنَّك اا جنع منت أزشران‪ ،‬فبايعنا َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! فنلن وهللا أبناء احلرب! وأهل‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.62‬‬


‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)109/2‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫(‪ )5‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫السيا ي ‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫(‪ )6‬انظر التَّلالف ِ‬
‫‪401‬‬
‫احللقة‪ ،‬ورثناها كابراً عن كاب ٍر‪ ،‬فهذا زعيم الوفد يعرض إمكانيات قومت عل ر ول هللا هللال هللا‬
‫عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقومت أبناء احلرب‪ ،‬وال ِس ـ ـال (‪ .)5‬واَّا جيدر الشـ ــارة إليت يف أمر الرباء أنَّت عندما‬
‫جاء مع قومت من يثرب قال يم إين قد رأيت رأَيً‪ ،‬فوهللا ما أدرأ أتوافقون عليت‪ ،‬أم ح؟‬
‫فقــالوا ومــا ذاك؟ قــال قــد رأيــت أحَّ أدي هــذه البشنيَّـة ‪ -‬يع الكعبــة ‪ -‬م ِ بِظش ْهر‪ ،‬وأن‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يصلِي إحَّ إىل ال َّام ‪ -‬ببيت‬ ‫أهللالِي إليهـا‪ ،‬فقالوا لـت وهللا ما بل نـا َّ‬
‫أن الـن َّ‬
‫صـ ـالة هللاـ ـلُّوا إىل بيت اَّقدس‪ ،‬وهللاـ ـلَّ هو‬
‫اَّقدس ‪ -‬وما نريد أن َنالفت‪ ،‬فكانوا إذا حض ــرت ال َّ‬
‫وتعرفوا إىل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم وهو‬
‫مكة‪َّ ،‬‬‫ـتمروا كذلك حض قدموا َّ‬ ‫إىل الكعبة‪ ،‬وا ـ ُّ‬
‫العباس‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫جالس مع عمت العباس ر ــي هللا عنت ابَّسـ د احلرام‪ ،‬فســأل الن ُّ‬
‫الرجل َي أاب الفضــل؟» قال نعم‪ ،‬هذا الرباء بن شم ْعرور ــيِد‬ ‫ر ــي هللا عنت «هل تعر هذين َّ‬
‫فقص‬
‫ب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ال َّ ـ ـاعر؟» قال نعم‪َّ .‬‬ ‫قومت‪ ،‬وهذا كع بن ٍ‬
‫مالك‪ ،‬فقال النَّ ُّ‬
‫عليت الرباء ما هللاــنع يف ــفره من هللاــالتت إىل الكعبة‪ .‬قال فماذا تر َي ر ــول هللا؟! قال «قد‬
‫ـربت عليها»(‪ )1‬قال كع فرجع الرباء إىل قِْب ِلة ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت‬ ‫ِ ٍ‬
‫كنت عل قْبلة لو هللا ـ ش‬
‫يوجهوه قبش شل الكعبة‪ ،‬ومات يف‬ ‫و لم ‪ ،‬وهللالَّ معنا إىل ال َّام‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما حضرتت الوفاة أمر أهلت أن ِ‬

‫هللاـفر قبل قدومت هللاـل هللا عليت و ـلم ب ـه ٍر‪ ،‬وأوهللاـ بثلث مالت إىل الن ِ‬
‫َّب هللاـل هللا عليت و ـلم‬
‫ورده عل ولده‪ ،‬وهو َّأول من أوهللا بثلث مالت(‪.)2‬‬
‫‪ ،‬فقبلت‪َّ ،‬‬
‫ويستوقفنا يف هذا اخلرب‪:‬‬
‫أ ‪ -‬احنضــباط‪ ،‬واحلتايام من اَّســلم بســلوك ر ــويم هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأوامره‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫أأ اق ا ٍ مهما كان مص ـ ــدره‪ ،‬يتعارض مع ذلك يـ شع ُّد مرفو ـ ـ ـاً‪ ،‬وهذه األمور من أولوَيت الفقت‬
‫َّ‬
‫يف دين هللا‪ ،‬أتخذ حيِايها يف حياهتم‪ ،‬وهم ‪ -‬بعد ‪ -‬ما زالوا يف بداية الطَّريق‪.‬‬
‫أأ ٍ‬
‫إنسان‪،‬‬ ‫وإن توقري ِ‬
‫ألحد ري ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪َّ ،‬‬ ‫السيادة تعد ٍ‬ ‫إن ِ‬‫ب ‪َّ -‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)444/1‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)445/1‬‬
‫‪402‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهكذا بدأت‬ ‫واح امت َّإجا هو انعكاس لســلوكت‪ ،‬والتايامت أبوامر َّ‬
‫تنايا تقــاليــد جــاهليَّـة لتلـ َّـل حملَّهــا قيم إميــانيَّـة‪ ،‬فهي اَّقــاييس احلقـَّة الَّيت هبــا ميكن احلكم عل‬
‫النَّاس تصنيفاً وترتيباً(‪.)1‬‬
‫‪ - 6‬كان أبو اييثم بن الـ ـ ـتَّ ـ ــيِهان هللار اً عندما قال َّ‬
‫للر ول هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫إن بيننا‬
‫عسيت إن حنن فعلنا ذلك‪ ،‬مث أظهرك‬
‫ش‬ ‫وإان قاطعوها ‪ -‬يع اليهود ‪ -‬فهل‬ ‫وب ِ‬
‫الرجال حباحً‪َّ ،‬‬
‫هللا أن ترجع إىل قومك‪ ،‬وتدعنا؟ فتب َّس ـ ـ ـم ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم وقال «بل الدَّم‬
‫الدَّم‪ ،‬وايدم ايدم‪ ،‬أان منكم‪ ،‬وأنتم م ‪ ،‬أحارب من حاربتم‪ ،‬وأ ا من اَّتم»‪.‬‬
‫احلريَّة العالية الَّيت رفع هللا تعاىل اَّسلم إليها ابل الم‪ ،‬حيث‬
‫وهذا احع اض يدلُّنا عل ِ‬
‫حريَّتت(‪ ،)2‬وكان جواب ــيِد اخللق هللاــل هللا عليت و ــلم عظيماً‪ ،‬فقد‬
‫عما يف نفســت بكامل ِ‬
‫عرب َّ‬
‫َّ‬
‫جعل نفست جايءاً من األنصار‪ ،‬واألنصار جايءاً منت(‪.)3‬‬
‫مهمة منها‬
‫‪ - 7‬يؤخذ من اختيار النُّقباء دروس َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يعِ النُّقباء َّإجا ترك طريق اختيارهم إىل الَّذين‬ ‫أ ‪َّ -‬‬
‫أن َّ‬
‫ابيعوا‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬م ـ ـ ــيكونون عليهم مسـ ـ ــؤول وكفالء‪ ،‬واألوىل أن خيتار النسـ ـ ــان من يكفلت‪ ،‬ويقوم‬
‫أبمره‪ ،‬وهذا أمر شورأ‪ ،‬وأراد الر ول هللال هللا عليت و لم أن ميار وا ال ُّور عملياً من خالل‬
‫اختيار نقبائهم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التَّمثيل النِس ـ ـ ــب يف احختيار‪ ،‬فمن اَّعلوم َّ‬
‫أن الذين حض ـ ـ ــروا البيعة من اخلايرً‪ ،‬أكثر‬
‫من الذين حضــروا البيعة من األوس‪ ،‬ثالثة أ ــعا من األوس بل ياييدون‪ ،‬ولذلك كان النقباء‬
‫ثالثة من األوس‪ ،‬وتسعة من اخلايرً(‪.)4‬‬
‫ـ ــري الدَّعوة يف يثرب‪،‬‬ ‫ً ‪ -‬جعل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم النقباء م ـ ــرف عل‬

‫مع ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل َّامي ‪ ،‬ص ‪.135‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)97/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫التَّاري ال ُّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)67/2‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.209‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪403‬‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫حيث ا ــتقام عود ال ــالم هناك‪ ،‬وكثر مثقَّفوه‪ ،‬ومعتنقوه‪ ،‬فأراد َّ‬
‫أن ي ـ ــعرهم َّأ‪،‬م يعودوا رابء لكي يبعث إليهم أحداً من ريهم‪ ،‬و َّأ‪،‬م دوا أهل ال ـ ــالم‪،‬‬
‫وحاتت‪ ،‬وأنصاره(‪.)1‬‬
‫ص ـفقة‪ ،‬الَّيت َتَّت ب ر ــول هللا هللا ـل هللا عليت و ــلم‬ ‫أتكد زعماء َّ‬
‫مكة من حقيقة ال َّ‬ ‫‪َّ - 8‬‬
‫واألنصار‪ ،‬فهرجوا يف طل القوم‪ ،‬فأدركوا عد بن عبادة أبذشاخر(‪ ،)2‬واَّنذر بن عمرو‪ ،‬وكاللا‬
‫القوم‪ ،‬و َّأما عد‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬فربطوا يديت إىل عنقت بنِ ْسع(‪ )3‬شر ْحلت‪،‬‬
‫فأما اَّنذر‪ ،‬فأع اي ش‬ ‫كان نقيباً‪َّ ،‬‬
‫مكة‪ ،‬يضربونت‪ ،‬وجيذبونت ق َّمتت(‪ - )4‬وكان ذا شع ٍر كث ٍري ‪ ،)5(-‬وا تطاي‬ ‫حض أدخلوه َّ‬
‫مثَّ أقبلوا بت َّ‬
‫أن يتهلَّص من قريش‪ ،‬بوا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـة احلـارث بن حرب بن أميَّـة‪ ،‬وجبري بن مطْعِم ألنـَّت كـان جيري‬
‫دارهتم ببلده فقد أنقذتت أعرا اجلاهليَّة‪ ،‬و تنقذه ـ ـ ـ ـ ـ ــيو َّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬و جيد يف نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫أن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلم مطاردون يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬وعاجايون عن حاية‬ ‫َّ‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً من ذلك‪ ،‬فهو يعر‬
‫أنفسـ ـ ــهم(‪ ،)6‬وقد قيل يف هذه احلادثة َّأول شـ ـ ــع ٍر يف اي رة‪ ،‬بيتان قايما ـ ـ ـرار بن اخلطَّاب بن‬
‫مرداس حيث قال‬
‫دارْك ـت مْن ـ ِذرا‬ ‫ِ‬
‫وكــا شن ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــاءً لشو تش ـ ش‬ ‫دارْكـ ـت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْعـ ـداً شعْنوةً ف ــأ شخـ ـ ْذت ـت‬
‫تشـ ـ ش‬
‫وك ـ ـ ــا شن ح ـ ِرََّيً أش ْن يـ ـ شهـ ـ ـ ـا شن ويـ ـ ْهـ ـ ـ ـ شدرا‬ ‫اك ِجراح ـ ـت‬ ‫ت(‪ )7‬هنش ـ ـ ش‬ ‫ِ‬
‫ولو ن ْلتـ ــت طلَّـ ـ ْ‬
‫الركبان‬ ‫ورد عليت أببيات من ال ِ عر‪ ،‬تناقلتها ُّ‬
‫حسان بن اثبت ابَّرهللااد‪َّ ،‬‬ ‫وكان َّ‬
‫ِ‬ ‫شولش ْس ـ ـ ـ ـ ـت إِ شىل ش ـ ـ ـ ـ ـ ْع ٍد وحش اَّ ْرء ِمْن ِذر‬
‫إِذشا شما شمطشاَي ال شق ْوم أش ْ‬
‫(‪)8‬‬
‫هللابش ْل شن َّمرا‬
‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فشالش تشـ ـ ـك ك ـ ــالو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنشـ ـ ـ ِ‬
‫بِشق ْريشـة ك ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر أ ْشو بِشق ْريشـة قشـْي ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرا‬ ‫ان شْلم أشنـَّ ـ ـت‬ ‫شْ‬

‫(‪ )1‬انظر درا ات يف ِ‬


‫السرية النَّبوية ‪ ،‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫(‪ )2‬أذاخر مكان قري من َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫النِ ْسع ال ِ راك الَّذأ ي َّد بت َّ‬
‫الرحل‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫اجلمة جمتمع شعر الرأس‪.‬‬ ‫(‪َّ )4‬‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)107/3‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التاري ال المي ‪،‬‬
‫(‪ )6‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)116/2‬‬
‫(‪ )7‬أأ أهدرت‪.‬‬
‫(‪َّ )8‬مرا ع امر ‪ ،‬والضامر من اخليل والبل هو اخلفيف اللَّلم من التَّدري ‪.‬‬
‫‪404‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ض شخْي شربا‬ ‫شكمس ـ ـتشـب ِ‬
‫ض ـ ـ ٍع َتشْراً إِ شىل أ ْشر ِ‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائِـ شد شْحن شو شان‬ ‫ِ‬ ‫فـ َّ‬
‫ْ ْ‬ ‫ـَان شوشم ْن يشـ ْهـدأ ال شق ش‬
‫نميل َّن عل‬‫‪ - 9‬يف قول العبَّاس بن عبادة بن نضــلة «وهللا الذأ بعثك ابحلق! إن شــئت لش ِ‬
‫أهل ِم شىن داً أب ــيافنا»‪ ،‬وقول ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « نؤمر بذلك‪ ،‬ولكن ارجعوا‬
‫الدفاي عن ال الم‪ ،‬والتَّعامل مع أعداء هذا‬ ‫أن ِ‬
‫إىل رحالكم» [سبق خترجيه] درس تربوأ بلي ‪ ،‬وهو َّ‬
‫وإجا هو خضوي ألوامر هللا تعاىل‪ ،‬وت ريعاتت احلكيمة‪ ،‬فَذا‬ ‫الدين‪ ،‬ليس م وكاً حجتهاد أتباعت َّ‬ ‫ِ‬

‫فَن أمر القدام‪ ،‬أو الح ام م وك لنظر ااتهدين‪ ،‬بعد التَّ ــاور‪ ،‬ودرا ــة األمر‬ ‫ش ـري اجلهاد َّ‬
‫اَّهمات‬
‫َّ‬ ‫من يع جوانبت(‪ ،)2‬وكلَّما كانت عبقريَّة التَّهطيا ال ِس ـ ـ ـ ـ ـيا ـ ـ ـ ـ ـ ِـي أقو َّأدت إىل ُا‬
‫أكثر‪ ،‬وإخفاء اَّهطَّطات‪ ،‬وتنفيذها عن ِ‬
‫العدو‪ ،‬هو الكفيل ‪ -‬نذن هللا ‪ -‬بن احها «ولكن‬
‫ارجعوا إىل رحالكم» [سبق خترجيه](‪.)3‬‬
‫‪ - 10‬كانت البيعة ابلنِسبة ِ‬
‫للرجال ببسا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يده‪ ،‬وقويم لت‬
‫ابسا يدك‪ ،‬فبسا يده‪ ،‬فبايعوه‪ ،‬و َّأما بيعة اَّرأت اللَّت شهدات الوقعة‪ ،‬فكانت قوحً ما هللااف‬
‫قا‪ ،‬فلم يتهلَّف أحد عن بيعتت هللاـ ـ ــل هللا عليت‬
‫ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم امرأ ًة أجنبيةً ُّ‬
‫(أم عمارة)‪،‬‬
‫فأما ن شس ـ ـيبة بنت كع ُّ‬
‫حض اَّرأاتن ابيعتا بيعة احلرب‪ ،‬وهللاـ ــدقتا عهدلا‪َّ ،‬‬
‫و ـ ــلم ‪َّ ،‬‬
‫حد‪ ،‬وقد أهللا ـ ــاهبا اثنا ع ـ ــر جرحاً‪ ،‬وقد خرجت يوم ٍ‬
‫أحد مع زوجها زيد بن‬ ‫فقد ـ ــقطت يف أ ٍ‬

‫عاهللام بن كع ‪ ،‬ومعها قاء تسقي بت اَّسلم ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما ا‪،‬ايم اَّسلمون احنازت إىل ر ول هللا‬
‫ٍ‬
‫عميقة‪،‬‬ ‫وتذب عنت ابل َّس ـيف‪ ،‬وقد أهللاــيبت قرا ٍ‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فكانت تباشــر القتال‪ُّ ،‬‬
‫الر وان(‪ ،)4‬وقطَّع مسيلمة َّ‬
‫الكذاب ابنها إرابً إرابً‪ ،‬فما وهنت‪ ،‬وما ا تكانت(‪،)5‬‬ ‫وشهدت بيعة ِ‬
‫حض قطعـت يـدهـا‪،‬‬
‫الردة مع خـالـد بن الوليـد‪ ،‬فقـاتلـت َّ‬
‫وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـدت معركـة اليمـامـة‪ ،‬يف حروب َّ‬

‫(‪ )1‬رية ابن ه ام (‪.)65/2‬‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)104/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التاري ال ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السيا ُّي يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫انظر التَّلالف َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫َّبوأ ‪ ،‬دكتورة عصمة ِ‬


‫الدين ‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫(‪ )4‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫السيا ُّي ‪ ،‬ص ‪.87‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّلالف ِ‬
‫‪405‬‬
‫ـ ـ ـ ــلمة‪ ،‬قيل هي والدة معاذ بن‬ ‫وجرحت اث شع ش ـ ـ ـ ـ ـشر جرحاً(‪ ،)1‬و َّأما أمساء بنت عمرو من ب‬
‫عمة معاذ بن جبل ر ي هللا عنهم يعاً(‪.)2‬‬
‫جبل‪ ،‬وقيل ابنة َّ‬
‫‪ - 11‬عندما نراجع تراجم أهللا ـ ــلاب العقبة الثانية من األنص ـ ــار يف كت ال ِسـ ـ ـري وال َّ اجم‪،‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫ُد َّ‬
‫أن هؤحء الثالثة وال َّس ـبع ‪ ،‬قد ا ــت ــهد قرابة ثلثهم عل عهد الن ِ‬
‫وبعده‪ ،‬ونالحم أنَّت قد حضر اَّ اهد كلَّها مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم قرابة النِصف‪،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم يف يع ايواتت‪ ،‬و َّأما الَّذين حضروا‬
‫فثالثة وثالثون منهم كانوا قوار َّ‬
‫السبع ‪.‬‬
‫ايوة بدر‪ ،‬فكانوا قرابة َّ‬
‫لقد هللادق هؤحء األنصار عهدهم مع هللا‪ ،‬ور ولت هللال هللا عليت و لم فمنهم من قض‬
‫الدولة اَّسلمة‪ ،‬وشارك يف أحداثها‬ ‫حض اهم يف قيادة َّ‬ ‫حنبت‪ ،‬ولقي ربَّت شهيداً‪ ،‬ومنهم من بقي َّ‬
‫اجلِ شسـ ـام‪ ،‬بعد وفاة ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ومبثل هذه النماذً قامت دولة ال ــالم‪،‬‬
‫تقدم كل شـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء‪ ،‬وح تطل شـ ـ ـ ـ ــيئاً إح اجلنَّة‪ ،‬ويتصـ ـ ـ ـ ــا ر‬ ‫النَّماذً الَّيت تعطي‪ ،‬وح أتخذ‪ ،‬والَّيت ِ َّ‬
‫الرجال والنِساء(‪.)3‬‬ ‫التَّاري يف يع عصوره‪ ،‬ودهوره‪ ،‬أن وأ يف هللافلاتت أمثال هؤحء ِ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬ابن ه ام (‪ ، )80/2‬وأ د ال ابة (‪ ، )395/5‬والبداية والنِهاية (‪ 158/3‬ـ ‪ ، )166‬والهللاابة (‪ )8/8‬رقم ‪ ، 49 ، 48‬نقالً عن اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫َّبوأ‬
‫‪ ،‬ص ‪108‬‬
‫(‪ )2‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫َّبوأ ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)140/2‬‬
‫‪406‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫اهلجرة إىل املدينة‬
‫أوالً‪ :‬التَّمويد‪ ،‬واإلعداد هلا‪:‬‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وكان‬ ‫َّ‬


‫إن اي رة إىل اَّدينة ــبقها َتهيد‪ ،‬وإعداد‪ ،‬وهطيا من الن ِ‬
‫ذلك بتقدير هللا تعاىل‪ ،‬وتدبريه‪ ،‬وكان هذا العداد يف ِاداه إعداد يف ش ـ ــهص ـ ــية اَّهاجرين‪،‬‬
‫اَّهاج ِر إليت‪.‬‬
‫وإعداد يف اَّكان ش‬
‫‪ - 1‬إعداد اَّهاجرين‬
‫يرو فيها النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان عن نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ولكنَّها م ادرة األرض‪،‬‬ ‫تكن اي رة نايهةً‪ ،‬أو رحلةً ِ‬
‫كل ذلك من‬‫الرزق‪ ،‬والتَّهلِي عن ِ‬ ‫اَّودة‪ ،‬وأ ــباب ِ‬ ‫ص ـداقة و َّ‬
‫واألهل‪ ،‬ووشــائت القرىب‪ ،‬وهللاــالت ال َّ‬
‫أجــل العقيــدة‪ ،‬ويــذا احتــاجــت إىل جهـ ٍـد كب ٍري‪َّ ،‬‬
‫حض وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اَّهــاجرون إىل قنــاعـ ٍـة كــاملـ ٍـة هبــذه‬
‫اي رة‪ ،‬ومن تلك الو ائل‬
‫ـ ال َّ بية الميانيَّة العميقة الَّيت حتدَّثنا عنها يف َّ‬
‫الصفلات اَّا ية‪.‬‬
‫قناعة ٍ‬
‫كاملة بعدم إمكانية اَّعاي ة مع‬ ‫حض وهللالوا إىل ٍ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ اح طهاد الَّذأ أهللااب اَّؤمن ‪َّ ،‬‬
‫الكفر‪.‬‬
‫أن أرض هللا وا عة‪ .‬قال تعاىل ﴿ق ْل‬ ‫اَّك ِي التَّنويت ابي رة‪ ،‬ولفت النَّظر إىل َّ‬ ‫ـ تناول القرآن ِ‬
‫اَّللِ شوا ِ ـ ـ ـ شعة إَِّجشا يـ شو َّ‬ ‫شح شس ـ ـ ـنوا ِيف شه ِذهِ ُّ‬
‫الدنْـيشا شح شس ـ ـ ـنشة شوأشْرض َّ‬ ‫ِِ‬
‫ين آمنوا اتـَّقوا شربَّك ْم للَّذ ش‬
‫ين أ ْ‬
‫ِ ِ َّ ِ‬
‫شَيعبشاد الذ ش‬
‫اب ﴾ [الزمر‪. ]10 :‬‬ ‫شجرهم بِ ش ِْري ِحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫ش‬ ‫الصابرو شن أ ْ ش ْ‬
‫مثَّ تال ذلك نايول ـ ـ ـ ـ ــورة الكهف‪ ،‬والَّيت حتدَّثت عن الفتية الذين آمنوا برهبم‪ ،‬وعن ه رهتم‬
‫ص ـلابة‪ ،‬وهي ترك‬
‫ـتقرت هللاــورة من هللاــور الميان يف نفوس ال َّ‬
‫من بلدهم إىل الكهف‪ ،‬وهكذا ا ـ َّ‬
‫األهل‪ ،‬والوطن من أجل العقيدة‪.‬‬
‫اجروا‬ ‫مث تال ذلك آَيت هللار ة تتلدَّث عن اي رة يف ورة النَّلل‪ ،‬قال تعاىل َّ ِ‬
‫ين شه ش‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫‪407‬‬
‫شجر ا خرةِ أش ْك شرب لش ْو شكانوا يشـ ْعلشمو شن ۝‬ ‫اَّللِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما ظلِموا لشنـبشـ ِوئشـنـَّه ْم ِيف ُّ‬
‫الدنْـيشا شح شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنشةً شوأل ْ‬ ‫ِيف َّ‬
‫ن ﴾ [النحل‪. ]42 - 41 :‬‬ ‫هللا شربوا شو شعلش شرهبِِ ْم يشـتشـ شوَّكلو ش‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ش‬ ‫الذ ش‬
‫اجروا ِم ْن بشـ ْع ِد‬ ‫مرًة أخر بقولت تعاىل ﴿مثَّ إِ َّن ربَّ ِ ِ‬
‫ك للَّذ ش‬
‫ين شه ش‬ ‫ش ش‬ ‫ويف أواخر ال ُّس ـ ـ ـ ـورة يؤكِد اَّعىن َّ‬
‫ك ِمن بـع ِدها لش شفور رِ‬ ‫ِ‬
‫حيم ﴾ [النحل‪. ]110 :‬‬
‫ش‬ ‫هللا شربوا إِ َّن شربَّ ش ْ ش ْ ش‬ ‫اهدوا شو ش‬ ‫شما فتنوا مثَّ شج ش‬
‫وكانت اي رة إىل احلب ة تدريباً عملياً عل ترك األهل‪ ،‬والوطن(‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬العداد يف يثرب‬

‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬يس ـ ــاري ابحنتقال إىل األنص ـ ــار من األَيم‬ ‫نالحم َّ‬
‫أن َّ‬
‫حض َّ‬
‫أتكد من وجود القاعدة الوا ـ ـ ـ ـ ــعة نسـ ـ ـ ـ ــبياً‪ ،‬كما‬ ‫َّ‬ ‫أخر ذلك ألكثر من عام‬ ‫األوىل َّ‬
‫وإجا َّ‬
‫هللا ـ ـةً بعد انتقال مص ــع ر ــي‬
‫يتم إعدادها يف أجواء القرآن الكر ‪ ،‬وخا َّ‬
‫كان يف الوقت نفس ــت ُّ‬
‫هللا عنت إىل اَّدينة‪.‬‬

‫الر ـول الكر‬


‫أن اح ـتعداد لد األنصـار قد بل كمالت‪ ،‬وذلك بطلبهم ه رة َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫أتكد َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم إليهم‪ ،‬كما كانت اَّناق ات الَّيت جرت يف بيعة العقبة الثَّانية‪ ،‬تؤكِد احلرص‬
‫ال َّ ـ ـديد من األنص ــار عل أتكيد البيعة‪ ،‬واح ــتيثاق للنَّب هللا ــل هللا عليت و ــلم أبقو اَّواثيق‬
‫عل أنفسهم‪ ،‬وكان يف ر بتهم أن مييلوا عل أهل ِم ًىن اَّن آذ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫الر ول الكر بذلك‪ ،‬ولكنَّت قال يم « نؤمر بذلك»‪.‬‬ ‫أب يافهم لو أذن َّ‬
‫وهكذا ذَّ العداد ألهل يثرب ليكونوا قادرين عل ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبال اَّهاجرين‪ ،‬وما ي تَّ عل‬
‫ذلك من تشبِ شعات(‪.)2‬‬
‫اثنياً‪ :‬أت يم ٍ‬
‫الت يف بعض آايت سورة العنكبوت‪:‬‬
‫تعترب ــورة العنكبوت من أواخر ما نايل يف اَّرحلة ِ‬
‫اَّكيَّة‪ ،‬وحتدَّثت ال ُّس ـورة عن ـنَّة هللا يف‬

‫لصاأ ال امي ‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫انظر السرية النَّبويَّة تربية َّأمة وبناء دولة ‪ ،‬ش‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪ ،‬ص ‪.121 ، 120‬‬


‫‪408‬‬
‫شح ِس ش النَّاس أش ْن ي ْشكوا أش ْن يشـقولوا شآمنَّا شوه ْم‬ ‫الدَّعوات‪ ،‬وهي نُّة احبتالء‪ ،‬قال تعاىل ﴿ا ۝ أ ش‬
‫ين‬ ‫حش يـ ْفتـنو شن ۝ يـقولوا آمنـَّا وهم حش يـ ْفتـنو شن ۝ ولششقـ ْد فشـتـنـَّا الَّـ ِذين ِمن قشـبلِ ِهم فشـلشيـعلشم َّن َّ َّ ِ‬
‫اَّلل الـذ ش‬ ‫ش ْ ْ ْ شْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ شدقوا ولشيـعلشم َّن الْ شك ِاذبِ ۝ أشم ح ِس ـ ـ ـ ـ ـ الَّ ِذين يـعملو شن ال َّس ـ ـ ـ ـ ـيِئ ِ‬
‫ات أش ْن يش ْس ـ ـ ـ ـ ـبِق ش‬
‫وان ش ـ ـ ـ ـ ـاءش شما‬ ‫ش‬ ‫ْ ش ش ش شْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش شْ ش‬ ‫ش‬
‫ن﴾ [العنكبوت‪. ]4 - 1 :‬‬ ‫ش ْ كمو ش‬
‫ويف سورة العنكبوت ثالثةُ أموٍر تلفت النَّظر‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ِ - 1‬ذ ْكر كلمـ ــة اَّنـ ــافق ‪ ،‬ومن اَّعلوم َّ‬
‫أن النِفـ ــاق ح يكون إح عنـ ــدمـ ــا تكون ال لبـ ــة‬
‫للمسلم حيث خي بعض النَّاس عل مصاحلهم‪ ،‬فيظهرون ال الم‪ ،‬ويبطنون الكفر‪ ،‬ومن‬
‫القوة وال لبة ألهل ال ِ ـ ـ ـ ـرك‪ ،‬فما منا ـ ـ ــبة جميء‬ ‫أن ااتمع يف َّ‬
‫مكةش كان جاهلياً‪ ،‬وكانت َّ‬ ‫اَّعلوم َّ‬
‫ين آمنوا شولشيشـ ْعلش شم َّن الْمنشـافِ ِق ش ﴾‬ ‫اَّنــافق يف هــذه ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـورة‪ ،‬يف قولــت تعــاىل ﴿ولشيـعلشم َّن َّ َّ ِ‬
‫اَّلل ال ـذ ش‬ ‫ش شْ ش‬
‫مكيَّة كما قلنا فهل كانت ا مال قد قويت عند الفئة اَّؤمنة حبيث‬ ‫[العنكبوت‪ ،]11 :‬وهي ـ ـ ـ ـ ـ ــورة ِ‬
‫مكيَّ ٍة‬
‫أن هذه ا ية مدنيَّة و ــعت يف ــورةٍ ِ‬ ‫تراء يم الفرً‪ ،‬والنَّصــر قاب قو ـ أو أدَّن؟ أم َّ‬
‫ِ ن وقتت بعد‪ ،‬كما ذه إىل ذلك بعض ِ‬
‫اَّفسرين؟(‪.)1‬‬ ‫ألن النِفاق‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫‪ - 2‬ورد األمر مب ــادلــة أهــل الكتــاب ابلَّيت هي أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬وكــأنـَّت هتيئــة للنُّفوس للمرحلــة‬
‫القادمة الَّيت ـ ـ ـ ـ ـ ــيكون ب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم وب أهل الكتاب فيها احتكاك‪ ،‬فال يكونون البادئ‬
‫اب إِحَّ ِابلَِّيت ِه شي‬
‫ابل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّة‪ ،‬فيأل التَّنبيت عل هذا األمر يف قولت تعاىل ﴿وحش شد ِادلوا أ ْشهل الْ ِكشت ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫احد شوشْحنن‬ ‫أشحسـ ـن إِحَّ الَّ ِذين ظشلشموا ِمْنـهم وقولوا آمنَّا ِابلَّ ِذأ أنْ ِايشل إِلشيـنشا وأنْ ِايشل إِلشيكم وإِ شينشا وإِ شيكم و ِ‬
‫ْ ْش ش ْش‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ْش‬ ‫ش‬ ‫ْش‬
‫اب يـ ْؤِمنو شن بِِت شوِم ْن شهؤحشِء شم ْن‬ ‫ِ‬
‫ين آتشـْيـنشاه ْم الْكتش ش‬
‫َّ ِ‬
‫اب فشالذ ش‬
‫ك أشنْـايلْنشا إِلشي ش ِ‬
‫ك الْكتش ش‬
‫ِ‬
‫لشت م ْسلمو شن ۝ شوشك شذل ش ش ْ‬
‫ِ‬

‫ن ﴾ [العنكبوت‪. ]47 - 46 :‬‬ ‫يـ ْؤِمن بِِت شوشما شْجي شلد ِرَيتنشا إِحَّ الْ شكافِرو ش‬
‫‪ - 3‬هتيئة النُّفوس لله رة يف أرض هللا الوا ـ ـ ـ ـ ـ ــعة‪ ،‬ورمبا كانت اَّدينة قد بدأت تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبل‬

‫القرطب من خال العلماء يف‬


‫ُّ‬ ‫حممد فؤاد عبد الباقي يف اَّع م اَّفهرس حيث رماي لالية بـ (م) وهو رماي احَيت اَّدنية ‪ ،‬وما ذكره‬
‫(‪ )1‬انظر يف ذلك هللانيع َّ‬
‫احية (‪.)323/13‬‬
‫‪409‬‬
‫أَّن كان وقت نايول ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫اَّهاجرين من اَّؤمن بعد بيعة العقبة األوىل‪ ،‬ومهما كان األمر‪ ،‬و َّ‬
‫احلث عل اي رة ‪ -‬أيضـ ـاً ‪ -‬وا ـ ـ ببيان تكفُّل هللاِ ِ‬
‫الرزق‬ ‫العنكبوت َّ‬
‫فَن الش ــارة وا ــلة‪ ،‬و َّ‬
‫ين آمنوا إِ َّن أ ْشر ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي شوا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شعة‬ ‫زمان(‪ .)1‬قال تعاىل ﴿َي ِعب ِاد َّ ِ‬
‫أأ ٍ‬ ‫أرض‪ ،‬ويف ِ‬ ‫أأ ٍ‬‫للعباد يف ِ‬
‫أ الذ ش‬‫ش ش ش‬
‫اعبد ِ‬
‫ون ﴾ [العنكبوت‪. ]56 :‬‬ ‫أ فش ْ‬ ‫ِ‬
‫فشَ ََّي ش‬
‫مبكة عل اي رة فأخربهم هللا تعاىل‬ ‫هذه ا ية الكرمية نايلت يف حتريض اَّؤمن الَّذين كانوا َّ‬
‫تلمس عبادة‬ ‫صـواب أن ي َّ‬ ‫بقعة عل أذ الكفار ليس بصـو ٍ‬
‫اب بل ال َّ‬ ‫أن البقاء يف ٍ‬ ‫بســعة أر ــت‪ ،‬و َّ‬
‫هللا يف أر ـ ـ ـ ـ ــت مع هللاـ ـ ـ ـ ــاحلي عباده أأ إن كنتم يف ـ ـ ـ ـ ــيق من إظهار الميان هبا‪ ،‬فهاجروا إىل‬
‫ببقعة معيَّن ٍة‬
‫خيتص ٍ‬ ‫أن ِ‬
‫الرزق ح ُّ‬ ‫فَ‪،‬ا وا ـ ـ ـ ـ ـ ــعة لظهار التَّوحيد هبا(‪ ،)2‬مثَّ أخربهم تعاىل َّ‬ ‫اَّدينة َّ‬
‫بــل رزقــت تعــاىل عــام خللقــت حيــث كــانوا‪ ،‬وأين كــانوا‪ ،‬بــل كــانــت أرزاق اَّهــاجرين حيــث هــاجروا‬
‫حكام البالد يف ـ ــائر األقطار‪ ،‬واألمص ـ ــار(‪،)3‬‬ ‫فَ‪،‬م بعد قليل هللا ـ ــاروا َّ‬ ‫أكثر‪ ،‬وأو ـ ــع‪ ،‬وأطي ‪َّ ،‬‬
‫اَّلل يشـ ْرزقـ شها شوإِ ََّيك ْم شوه شو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِميع الْ شعلِيم ﴾‬
‫﴿وشكأشيِ ْن ِم ْن شدآ بَّ ٍة حش شْحت ِمل ِرْزقشـ شها َّ‬
‫ويذا قال تعاىل ش‬
‫[العنكبوت‪. ]60 :‬‬

‫س ذشائِشقة‬
‫جل ش ـ ـ ـ ـ ــأنت ﴿ك ُّل نـش ْف ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫نفس واجدة مرارة اَّوت‪ ،‬فقال َّ‬ ‫أن َّ‬ ‫ذكرهم تعاىل َّ‬ ‫كما َّ‬
‫ن ﴾ [العنكبوت‪. ]57 :‬‬ ‫الْمو ِ‬
‫ت مثَّ إِلشْيـنشا تـ ْر شجعو ش‬ ‫شْ‬
‫الذائق طعم اَّذوق‪ ،‬ومعناه إنَّكم ميِتون‪ ،‬فواهللاــلون إىل‬
‫أأ واجدة مرارتت‪ ،‬وكربت‪ ،‬كما جيد َّ‬
‫التايود يا‪ ،‬واح ـ ـ ـ ـ ــتعداد قهده(‪ ،)4‬وهذا‬
‫يكن لت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد من ُّ‬ ‫اجلاياء‪ ،‬ومن كانت هذه عاقبتت‬
‫ه شل عليها مفارقة وطنها(‪.)5‬‬ ‫يع للنَّفس عل اي رة َّ‬
‫ألن النَّفس إذا تيقَّنت ابَّوت‬ ‫ت‬

‫قال ابن كثري يف ا ية أأ أينما كنتم يدرككم اَّوت‪ ،‬فكونوا يف طاعة هللا‪ ،‬وحيث أمركم‬

‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬د‪ .‬مصطف مسلم ‪ ،‬ص ‪.63 ، 62‬‬ ‫معا قرانيَّة يف ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫تفسري القرطب (‪.)5073/6‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫تفسري ابن كثري (‪.)360/3‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫للايمل رأ (‪ ، )310/3‬وتفسري أيب السعود (‪ ، )45/7‬وتفسري فت القدير (‪.)210/4‬‬
‫الك ا َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫حو (‪.)4223/8‬‬ ‫األ اس يف التفسري ‪ ،‬لسعيد َّ‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪410‬‬
‫ـَن اَّوت حبـ َّـد منــت‪ ،‬وح حميــد عنــت‪ ،‬مثَّ إىل هللا اَّرجع واَّــآب‪ ،‬فمن كــان‬ ‫هللا فهو خري لكم‪ ،‬فـ َّ‬
‫ين آمنوا شو شع ِملوا‬ ‫مطيعاً لت جازاه أفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اجلاياء‪ ،‬ووافاه أذَّ الثَّواب(‪ ،)1‬ويذا قال تعاىل َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫شجر الْ شع ِاملِ ش ۝‬ ‫اجلن َِّة رفًا شْد ِرأ ِمن شْحتتِها ا ‪،‬شار خالِ ِد ِ ِ‬
‫ين ف شيها ن ْع شم أ ْ‬
‫ش ش‬ ‫ْ ش‬
‫ال َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـاحلشات لشنـبشـوئشـنـَّه ْم م شن ْش ش‬
‫هللا ـ شربوا شو شعلش شرهبِِ ْم يشـتشـ شوَّكلو شن ﴾ [العنكبوت ‪ ،]59- 58‬أأ هللا ــربوا عل دينهم‪ ،‬وهاجروا إىل هللا‪،‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ش‬ ‫الذ ش‬
‫وانبايوا األعداء‪ ،‬وفارقوا األهل‪ ،‬واألقرابء ابت اء وجت هللا‪ ،‬ورجاء ما عنده‪ ،‬وتصديق موعوده‪ ،‬و‬
‫(‪)2‬‬
‫يتوَّكلوا يف يع ذلك إح عل هللا‬

‫اثلثاً‪ :‬طالئع املواجرين‪:‬‬

‫ب هللا ــل هللا عليت و ــلم عل‬


‫ابيعت طالئع اخلري‪ ،‬ومواك النُّور من أهل يثرب النَّ َّ‬
‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ْ‬
‫َّب هللال هللا عليت‬ ‫ِ‬
‫ال الم‪ ،‬والدفاي عنت اثرت اثئرة اَّ رك ‪ ،‬فازدادوا إيذاءً للمسلم ‪ ،‬فأذن الن ُّ‬
‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم للمس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ابي رة إىل اَّدينة‪ ،‬وكان اَّقص ـ ـ ـ ـ ـ ــود من اي رة إىل اَّدينة‪ ،‬إقامة الدَّولة‬
‫حض ح تكون فتنة‪ ،‬ويكون ِ‬
‫الدين كلُّت هلل(‪،)3‬‬ ‫ال ــالميَّة الَّيت حتمل الدَّعوة‪ ،‬وداهد يف ــبيلها َّ‬
‫السبعون‬
‫وكان التَّوجيت إىل اَّدينة من هللا تعاىل‪ ،‬فعن عائ ة ر ي هللا عنها قالت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما هللادر َّ‬
‫من عند ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم طابت نفسـ ـ ــت‪ ،‬وقد جعل هللا لت منعةً‪ ،‬وقوماً أهل‬
‫ـتد عل اَّس ــلم من اَّ ــرك َّا يعلمون من اخلروً‪،‬‬ ‫حرب‪ ،‬وعدَّةٍ‪ ،‬وُدةٍ‪ ،‬وجعل البالء ي ـ َّ‬ ‫ٍ‬
‫فضيَّقوا عل أهللالابت‪ ،‬وتعبَّثوا(‪ )4‬هبم‪ ،‬وانلوا منهم ما يكونوا ينالون من ال َّتم‪ ،‬واألذ ‪ ،‬ف كا‬
‫ذلك أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم وا تأذن ـ ـ ـ ـ ــوه يف اي رة‪ ،‬فقال « ق ـ ـ ـ ـ ــد أريت دار‬
‫احلراتن ‪ -‬ولو كانت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـراة أرض ٍ‬
‫َنل‪،‬‬ ‫ه رتكم‪ ،‬أريت ـ ـ ـ ــبهةً ذات ٍ‬
‫َنل ب حبت ‪ -‬ولا َّ‬
‫و با ٍ لقلت هي‪ ،‬هي» [البخاري (‪ )2297‬والبيوقي يف الدالئل (‪.. ])459/2‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)359/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.34 ، 33‬‬
‫بث عبثاً لع ‪ ،‬فهو عابث حع َّا ح يعنيت ‪ ،‬انظر لسان العرب (‪.)166/2‬‬ ‫شع ش‬
‫(‪)4‬‬

‫‪411‬‬
‫مثَّ مكث أَيماً‪ ،‬مثَّ خرً إىل أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت مس ـ ـ ـ ـ ـ ــروراً فقال «قد أخربت بدار ه رتكم‪ ،‬وهي‬
‫يثرب‪ ،‬فمن أراد اخلروً فليهرً إليها» ف عل القوم يتَّ هون‪ ،‬ويتوافقون‪ ،‬ويتوا ـ ــون‪ ،‬وخيرجون‪،‬‬
‫وخيفون ذلك‪ ،‬فكان َّأوشل من قدم اَّدينة من أهللا ـ ــلاب ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬أبو‬
‫ـ ــلمة بن عبد األ ـ ــد‪ ،‬مثَّ قدم بعده عامر بن ربيعة‪ ،‬معت امرأتت ليل بنت أيب شحثْ شمة‪ ،‬فهي َّأول‬
‫ٍ‬
‫ظعينة قدمت اَّدينة‪ ،‬مثَّ قدم أهللاـ ـ ــلاب ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أر ـ ـ ــاحً‪ ،‬فنايلوا عل‬
‫يؤم اَّهاجرين‬
‫األنصـ ــار يف دورهم‪ ،‬فآووهم‪ ،‬ونصـ ــروهم‪ ،‬وآ ـ ــوهم‪ ،‬وكان ـ ــا موىل أيب حذيفة‪ُّ ،‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً اَّسلمون يف ه رهتم إىل اَّدينة‪،‬‬
‫بقباء‪ ،‬قبل أن يقدم الن ُّ‬
‫ت(‪ )1‬قريش عليهم‪ ،‬وحربوا‪ ،‬وا تاظوا عل شم ْن خرً من فتيا‪،‬م‪ ،‬وكان نفر من األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬ ‫ِ‬
‫شكلشب ْ‬
‫ابيعوا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف البيعة ا خرة‪ ،‬مثَّ رجعوا إىل اَّدينة‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما قدم َّأول شم ْن‬
‫حض قدموا مع أهللا ـ ـلابت يف‬ ‫هاجر إىل قباء خرجوا إىل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫مبكة‪َّ ،‬‬
‫اي رة‪ ،‬فهم مهــاجرون أنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريُّون‪ ،‬وهم ذكوان بن عبــد قيس‪ ،‬وعقبــة بن وه ـ بن كلــدة‪،‬‬
‫يبق َّ‬
‫مبكة‬ ‫والعباس بن عبادة بن نض ـ ـ ـ ــلة‪ ،‬وزَيد بن لبيد‪ ،‬وخرً اَّس ـ ـ ـ ــلمون يعاً إىل اَّدينة‪ ،‬فلم ش‬
‫فيهم إح ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعلي‪ ،‬أو مفتون‪ ،‬أو مريض‪ ،‬أو ــعيف‬
‫[ابن سعد (‪. ])325/1‬‬ ‫عن اخلروً‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬من أساليب قريش يف حماربة املواجرين‪ ،‬ومن مشاهد العظمة يف اهلجرة‪:‬‬

‫عملت قيادة قريش مايف و ـ ـ ـ ــعها للليلولة دون خروً من بقي من اَّس ـ ـ ـ ــلم إىل اَّدينة‪،‬‬
‫منها‬ ‫واتَّبعت يف ذلك عدَّة أ الي‬

‫الرجل‪ ،‬وزوجت‪ ،‬وولده‬


‫‪ - 1‬أ لوب التَّفريق ب َّ‬
‫وقوة اليق يف‬ ‫أمية ِ‬
‫حتدثنا عن روائع الميان‪َّ ،‬‬ ‫ون ك َّأم اَّؤمن َّأم ـ ـ ـ ـ ـ ــلمة‪ ،‬هند بنت أيب َّ‬
‫اخلروً إىل اَّدينة‪،‬‬
‫ش‬ ‫ه رهتا‪ ،‬وه رة زوجها أيب لمة‪ .‬قالت ر ي هللا عنها «َّا أش ْ ش شع أبو لمة‬

‫(‪ )1‬كلبت قريش عليهم أأ ضبت عليهم‪.‬‬


‫‪412‬‬
‫ــلمة بن أيب ــلمة يف ح رأ‪ ،‬مثَّ خرً يب يقود‬ ‫بعريه‪ ،‬مثَّ حل عليت‪ ،‬وحل معي اب‬
‫شر شحل س ش‬
‫بعريه‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما رأتت رجال ب اَّ رية بن عبد هللا بن عمر بن ملايوم قاموا إليت‪ ،‬فقالوا هذه نفسك‬
‫ش‬
‫عالم ن كك تسري هبا يف البالد؟‬
‫لبتنا عليها‪ ،‬أرأيت هللااحبتنا هذه‪ ،‬ش‬
‫قالت فنايعوا خطام البعري من يده‪ ،‬فأخذوين منت‪.‬‬

‫قالت و ضـ ـ عند ذلك بنو عبد األ ــد‪ ،‬رها أيب ــلمة‪ ،‬فقالوا ح وهللا‪ ،‬ح ن ك ابننا‬
‫عندها إذ نايعتموها من هللااحبنا‪.‬‬

‫حض خلعوا يده‪ ،‬وانطلق بت بنو عبد األ د‪ ،‬وحبس بنو‬ ‫قالت فت اذبوا ب َّ لمة بينهم‪َّ ،‬‬
‫اَّ رية عندهم‪ ،‬وانطلق زوجي أبو لمة إىل اَّدينة‪.‬‬

‫قالت فف ِرق بي ‪ ،‬وب زوجي‪ ،‬وب اب ‪.‬‬

‫كل داةٍ‪ ،‬فأجلس ابألبط ‪ ،‬فما أزال أبكي َّ‬


‫حض أمسـ ـ ـ ــي‪ ،‬ـ ـ ـ ــنةً‪ ،‬أو‬ ‫قالت فكنت أخرً َّ‬
‫عمي ‪ -‬أحد ب اَّ رية ‪ -‬فرأ ما يب‪ ،‬فرح ‪ ،‬فقال لب‬ ‫مر يب رجل من ب ِ‬ ‫حض َّ‬
‫قريباً منها َّ‬
‫اَّ رية أح ه ْرجون هذه اَّسكينة َّفرقتم بينها وب زوجها‪ ،‬وب ولدها؟!‬
‫قالت فقالوا س احلقي بايوجك إن ِ‬
‫شئت‪.‬‬

‫إس عند ذلك اب ‪.‬‬


‫ورد بنو عبد األ د َّ‬
‫قالت َّ‬

‫قــالــت فــارحتلــت بعريأ‪ ،‬مثَّ أخــذت اب ‪ ،‬فو ـ ـ ـ ـ ـ ــعتــت يف ِح رأ‪ ،‬مثَّ خرجــت أريــد زوجي‬
‫ابَّدينة‪ ،‬وما معي أحد من شخ ْلق هللا‪.‬‬

‫حض إذا كن ــت ابلتَّـْنعيم‪ ،‬لقي ــت‬ ‫ق ــال ــت فقل ــت أتبلَّ مبن لقي ــت َّ‬
‫حض أق ــدم عل زوجي‪َّ ،‬‬
‫عثمان بن طللة بن أيب طللة‪ ،‬أخا ب عبد الدَّار‪.‬‬

‫فقال س إىل أين َي بنت أيب أميَّة؟!‬

‫قالت فقلت أريد زوجي ابَّدينة‪.‬‬


‫‪413‬‬
‫قال أو ما معك أحد؟‬

‫قالت فقلت ح وهللا! إح هللا‪ ،‬وب شَّ هذا‪.‬‬


‫قال وهللا ما ِ‬
‫لك من شم ْ ك‪.‬‬
‫فأخذ طام البعري‪ ،‬فانطلق معي يشـ ْه ِوأ يب‪ ،‬فوهللا ما هللالبت رجالً من العرب ُّ‬
‫قا أر أنَّت‬
‫كان أكرم منت‪ ،‬كان إذا بل اَّنايل أان يب‪ ،‬مثَّ ا ـ ـ ــتأخر ع ِ ‪َّ ،‬‬
‫حض إذا نايلت ا ـ ــتأخر ببعريأ‪،‬‬
‫تنل ع ِ إىل شـ رة‪ ،‬فا ــط ع حتتها‪ ،‬فَذا دان َّ‬
‫الروا قام‬ ‫َّ‬
‫فلا عنت‪ ،‬مثَّ قيَّده يف ال َّ ـ رة‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫فرحلت‪ ،‬مثَّ ا ـ ـ ــتأخر ع ِ ‪ ،‬وقال اركب‪ ،‬فَذا ركبت‪ ،‬وا ـ ـ ـ ــتويت عل بعريأ‬
‫إىل بعريأ‪ ،‬فقدَّمت‪َّ ،‬‬
‫حض ينايل يب‪ ،‬فلم يايل يصنع ذلك يب حض أقْ شدم اَّدينة فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نظر‬
‫أت فأخذ طامت‪ ،‬فقاده َّ‬
‫إىل قرية ب عمرو بن عو بقباء‪ ،‬قال زوجك يف هذه القرية ‪ -‬وكان أبو ـ ـ ـ ـ ـ ــلمة هبا انزحً ‪-‬‬
‫فادخليها عل بركة هللا‪ ،‬مثَّ انصر راجعاً إىل َّ‬
‫مكة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قال فكانت تقول وهللا! ما أعلم أهل ٍ‬
‫بيت يف ال ـالم أهللاـاهبم ما أهللاـاب آل أيب ـلمة‪،‬‬
‫وما رأيت هللااحباً ُّ‬
‫قا كان أكرم من عثمان بن طللة»‪[ .‬ابن هشام (‪. )1(])113 - 112/2‬‬

‫فهذا مثل عل الطُّرق القا ــية‪ ،‬الَّيت ــلكتها قريش لتلول ب أيب ــلمة واي رة‪ ،‬فرجل‬
‫كل ذلك من أجل أن يثنوه‬ ‫يفرق بينت وب زوجت شعْنـ شوةً‪ ،‬وبينت وب فلذة كبده عل مرأ ً منت‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫َتكن الميان من القل ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتلال أن ِ‬
‫يقدم هللاـ ـ ـ ـ ـ ــاحبت عل ال ـ ـ ـ ـ ــالم‬ ‫لكن مض َّ‬ ‫عن اي رة‪ ،‬و ْ‬
‫حض لو كان ذلك ال َّ ـ ـيء‪ ،‬فلذة كبده‪ ،‬أو ش ـ ـريكة حياتت‪ ،‬لذا انطلق أبو ـ ــلمة‬ ‫والميان شـ ــيئاً‪َّ ،‬‬
‫أحد‪ ،‬وف ـ ــل معت هذا األ ـ ــلوب‪ ،‬وللدُّعاة إىل هللا فيت‬ ‫ٍ‬ ‫ر ـ ــي هللا عنت إىل اَّدينة‪ ،‬ح يلوأ عل‬
‫أ وة(‪.)2‬‬

‫السرية النَّبوية الصليلة (‪.)203 ، 202/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫حممد ‪ ،‬ص ‪ ، 131 ، 130‬تقسيم األ الي أخذ من هذا الكتاب ‪ ،‬وأخذت م اهد العظمة من كتاب‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم علي َّ‬‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫(اي رة النَّبويَّة اَّباركة)‪.‬‬
‫‪414‬‬
‫وهكذا أثـشر الميان ح خيالا ب ــاشــة القلوب‪ ،‬فهذه أ ــرة فـ ِرق طلها‪ ،‬وامرأة تبكي شــدَّة‬
‫مصاهبا‪ ،‬وطفل خلعت يده‪ ،‬وح ِرم من أبويت‪ ،‬وزوً‪ ،‬وأب يس ِ ل أروي هللاور التَّضلية‪ ،‬والتَّ رد‬
‫ليكون َّأول ِ‬
‫مهاج ٍر يصــل أرض اي رة‪ ،‬حمتســب يف ــبيل هللا ما يلقون‪ ،‬مصـ ِـمم عل اَّضـ ِـي‬
‫يف طريق الميان‪ ،‬واححنياز إىل كتيبة ايد ‪ ،‬فماذا عس ـ ـ ـ أن ينال الكفر‪ ،‬وهللا ـ ــناديده من أمثال‬
‫هؤحء؟!‬

‫و َّأما هللانيع عثمان بن طللة ر ي هللا عنت‪ ،‬فقد كان يومئذ كافراً «وأ لم قبل الفت »‪ ،‬ومع‬
‫ـدق عل نفا ــة هذا‬ ‫ص ـل ِبة‪ ،‬وذلك ش ــاهد هللا ـ ٍ‬
‫ذلك ت ـ شـهد لت ُّأم ــلمة ر ــي هللا عنها بكرم ال ُّ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫العريب األهللا ــيل‪ ،‬أن‬
‫ضـ ـعيف ‪ ،‬فقد أبت عليت مروءتت‪ ،‬وخلقت ُّ‬ ‫اَّعدن‪ ،‬وكمال مروءتت‪ ،‬وحايتت لل َّ‬
‫الصلراء اَّوح ة‪ ،‬وإن كانت عل ري دينت‪ ،‬وهو يعلم‬ ‫يش شدي امرأ ًة شريفةً‪ ،‬تسري وحدها يف هذهِ َّ‬
‫َّأ‪،‬ا هب رهتا ترا مت‪ ،‬وأمثالت من كفَّار قريش‪.‬‬

‫فأين من هذه األخالق ‪َ -‬ي قومي اَّس ـ ــلم ! ‪ -‬أخالق احلض ـ ــارة يف القرن الع ـ ـرين من‬
‫كل‬ ‫تصاب ل عراض بل وعل قارعة الطَّريق‪ ،‬وما تطالعنا بت َّ‬
‫الصلافة َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ط ٍو عل ِ‬
‫احلرَيت‪ ،‬وا‬
‫ٍ‬
‫أحداث يند يا جب النسانيَّة ِمن تشـ شفنُّ ٍن يف و ــائل اح تص ــاب‪ ،‬وانتهاك األعراض‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يوم من‬
‫السطو عل األموال!‪.‬‬
‫و َّ‬
‫ـيد من الفض ـ ــائل‬ ‫أن ما كان للعرب من رهللا ـ ـ ٍ‬ ‫إن هذه القص ـ ــة ‪ -‬ويا مثل ونظائر ‪ -‬لت ـ ــهد َّ‬ ‫َّ‬
‫كان أكثر من مثالبهم‪ ،‬ورذائلهم‪ ،‬فش ِم ْن مثَّ اختار هللا منهم خاذ أنبيائت ور ـ ـ ـ ـ ــلت هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫و لم ‪ ،‬وكانوا أهالً حلمل ِ‬
‫الر الة‪ ،‬وتبلي ها للنَّاس كافَّةً(‪.)2‬‬

‫جل وعال ‪ -‬الَّذأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬


‫ـهر قل‬ ‫وتظهر عناية هللا تعاىل أبوليائت‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ـ ــهريه يم‪ ،‬فهو ‪َّ -‬‬
‫عثمـان بن طللـة للعنـايـة ِ‬
‫أبم ـ ـ ـ ـ ـ ــلمـة‪ ،‬ولـذلـك بـذل اجلهـد‪ ،‬والوقـت من أجلهـا(‪ ،)3‬كمـا تظهر‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.124‬‬


‫حممد أبو شهبة (‪.)461/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة يف وء القران والسنة ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)128/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪415‬‬
‫ــالمة فطرة عثمان بن طللة الَّيت قادتت أخرياً إىل ال ــالم بعد هللا ــل احلديبية‪ ،‬و َّ‬
‫لعل إ ــاءة‬
‫ألم لمة ر ي هللا عنها(‪.)1‬‬ ‫الرحلة يف مصاحبتت ِ‬ ‫قلبت بدأت منذ تلك ِ‬

‫‪ - 2‬أ لوب احختطا‬


‫ِ‬
‫تكتف قيادة قريش ابَّس ـ ـ ــلم داخل َّ‬
‫مكة مبنعهم من اي رة‪ ،‬بل تعدَّت ذلك إىل حماولة‬
‫إرجاي من دخل اَّدينة مهاجراً‪ ،‬فقامت بتنفيذ عملية اختطا أحد اَّهاجرين‪ ،‬ولقد ُلت‬
‫هذه اَّاولة‪ ،‬وذَّ اختطا أحد اَّهاجرين من اَّدينة‪ ،‬وأعيد إىل َّ‬
‫مكة(‪ ،)2‬وهذه ال ُّ‬
‫ص ـورة التَّارخييَّة‬
‫َّعدت َّا أردان اي رة إىل‬ ‫ِدثنا هبا عمر بن اخلطَّاب ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬حيث قال ات ُّ‬ ‫لالختطا‬
‫(‪)4‬‬
‫السهمي التَّنا ِ ش (‪ )3‬من أ ش اة‬
‫اَّدينة‪ ،‬أان‪ ،‬وعيَّاش بن أيب ربيعة‪ ،‬وه ام بن العاص بن وائل َّ‬
‫ِ‬
‫فليمض هللااحباه‪.‬‬ ‫صبِ ْ عندها فقد حبس‪،‬‬ ‫ب فا ٍر‪ ،‬فوق ش ِر ‪ ،‬وقلنا أيُّنا ي ْ‬
‫(‪)5‬‬

‫قال فأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلت أان‪ ،‬وعياش بن أيب ربيعة عند التَّنا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وحبِس عنَّا ه ـ ـ ـ ـ ـ ــام‪ ،‬وفنت‪،‬‬
‫فافتنت(‪.)6‬‬

‫فل ـ َّـما قدمنا اَّدينة نايلنا يف ب عمرو بن عو بقباء‪ ،‬وخرً أبو جهل بن ه ام‪ ،‬واحلارث‬
‫حض قدما علينا اَّدينة‪،‬‬ ‫عمهما‪ ،‬وأخالا ِ‬
‫ألمهما‪َّ ،‬‬ ‫بن ه ــام‪ ،‬إىل عيَّاش بن أيب ربيعة‪ ،‬وكان ابن ِ‬
‫ميس رأ ها م ا‬‫إن َّأمك قد نذرت أح َّ‬ ‫ور ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫مبكة‪ ،‬فكلَّماه‪ ،‬وقاح َّ‬
‫حض تراك‪َّ ،‬‬
‫فرق يا‪ ،‬فقلت لت عيَّاش‪ ،‬إنَّت وهللا إن يريدك القوم‬ ‫طس َّ‬‫تستظل من ٍ‬
‫َّ‬ ‫حض تراك‪ ،‬وح‬ ‫َّ‬
‫إح ليفتنوك عن دينك‪ ،‬فاحذرهم‪ ،‬فوهللا لو قد آذ َّأمك القمل‪ ،‬حمت ـ ـ ـ ــطت‪ ،‬ولو قد اش ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتد‬
‫حر مكة ح تظلَّت‪.‬‬
‫عليها ُّ‬

‫الصليلة (‪.)204/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫ع تنضي ‪ ،‬وهو ش ر ‪ ،‬وهو ا م مو ع قري من َّ‬
‫مكة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬التنا‬
‫(‪ )4‬األ اة عل ع رة أميال من َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫(‪ )5‬ر و ٍاد متو ا الطُّول من أودية َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫‪416‬‬
‫أبر قسم ِأمي‪ ،‬وس هناك مال‪ ،‬فآخذه‪.‬‬
‫قال ُّ‬
‫قال فقلت وهللا إنك لتعلم ِأين لش ِم ْن أكثر قر ٍ‬
‫يش ماحً‪ ،‬فلك نص ـ ـ ـ ـ ـ ــف ماس‪ ،‬وح تذه‬
‫علي إح أن خيرً معهما‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أىب إح ذلك‪ ،‬قلت لت أما إذ قد فعلت ما‬
‫معهما‪ ،‬قال فأىب َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫فانت‬ ‫فالايم ظهرها‪ ،‬فَن رابك من القوم ري‬
‫فعلت فهذ انقيت هذه‪ ،‬فَ‪،‬ا انقة ُيبة ذلول ‪ْ ،‬‬
‫حض إذا كانوا ببعض الطريق‪ ،‬قال لت أبو جهل َي أخي‪ ،‬وهللا! لقد‬ ‫عليها‪ ،‬فهرً عليها معهما‪َّ ،‬‬
‫ا ت لظت بعريأ هذا‪ ،‬أفال تـ ْع ِقب عل انقتك هذه؟ قال بل ‪ ،‬قال فأان ‪ ،‬وأان ‪َّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ليتلول‬
‫عليها‪ ،‬فلما ا تشـوْوا ابألرض‪ ،‬عدوا عليت‪ ،‬فأوثقاه‪ ،‬مثَّ دخال بت َّ‬
‫مكة‪ ،‬وفتناه‪ ،‬فافتنت(‪.)3‬‬ ‫ش‬
‫هللارفاً‪ ،‬وح عدحً‪ ،‬وح توبةً‪ ،‬قوم عرفوا هللا‪ ،‬مثَّ رجعوا‬
‫قال فكنَّا نقول ما هللا بقابل اَّن افتنت ش‬
‫إىل الكفر ٍ‬
‫لبالء أهللااهبم! قال وكانوا يقولون ذلك ألنفسهم‪ ،‬فل ـ َّـما قدم ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫ين أش ْ ـ ـ ـ ـشرفوا‬ ‫و ـ ـ ــلم اَّدينة أنايل هللا تعاىل فيهم‪ ،‬ويف قولنا‪ ،‬وقويم ألنفس ـ ـ ــهم ﴿قل َي ِعب ِاد َّ ِ‬
‫أ الذ ش‬ ‫ْش ش ش‬
‫الرِحيم ۝‬ ‫وب شِ ي ًعـا إِنَّـت ه شو الْ شفور َّ‬ ‫اَّللِ إِ َّن َّ ِ‬‫شعلش أشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم حش تشـ ْقنشطوا ِم ْن شر ْحشـ ِة َّ‬
‫اَّللش يشـ ْفر الـ ُّـذن ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شح شس ـ ـ ـ شن شما‬‫ص ـ ـ ـرو شن ۝ شواتَّبِعوا أ ْ‬‫شوأشنيبوا إِ شىل شربِك ْم شوأش ْ ـ ـ ـلموا لشت م ْن قشـْب ِل أش ْن شرْتيشكم الْ شع شذاب مثَّ حش تـْن ش‬
‫ن ﴾ [الزمر‪. ]55 - 53 :‬‬ ‫أنْ ِايشل إِلشْيك ْم ِم ْن شربِك ْم ِم ْن قشـْب ِل أش ْن شرْتِيشكم الْ شع شذاب بشـ ْتشةً شوأشنْـت ْم حش تش ْ عرو ش‬
‫ـليفة‪ ،‬وبعثت هبا إىل ه ــام بن‬ ‫قال عمر بن اخلطَّاب ر ــي هللا عنت فكتبتها بيدأ يف هللا ـ ٍ‬
‫أهللا ِوب‪،‬‬ ‫العاص‪ ،‬قال فقال ه ام فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أتت جعلت أقريها بذأ طشو (‪ )4‬أ ِ‬
‫هللاعد هبا فيت‪ ،‬و ش‬‫ش‬ ‫ش‬
‫اللهم ِ‬
‫فهمنيها‪ ،‬قال فألق هللا تعاىل يف قلب َّأ‪،‬ا َّإجا أنايلت فينا‪ ،‬وفيما‬ ‫حض قلت َّ‬ ‫وح أفهمها‪َّ ،‬‬
‫كنا نقول يف أنفس ـ ــنا‪ ،‬ويقال فينا‪ ،‬قال فرجعت إىل بعريأ‪ ،‬ف لس ـ ــت عليت‪ ،‬فللقت بر ـ ــول‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهو ابَّدينة‪[ .‬البزار (‪ )1746‬والبيوقي يف الدالئل (‪ )462-461/2‬وجممع الزوائد (‪. )5(])61/6‬‬

‫الركوب واحنقياد‪.‬‬
‫أذيا العمل ‪ ،‬فصارت هلة ُّ‬ ‫(‪ )1‬الذلول َّ‬
‫(‪ )2‬تعقب دعل أعقبك عليها لركوهبا‪.‬‬
‫الصليلة (‪.)205/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ال ِسرية النَّبوية َّ‬
‫(‪ )4‬ذو طو و ٍاد من أودية َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫(‪ )5‬اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪417‬‬
‫أعد عمر ر ـ ــي هللا عنت خطَّة اي رة لت‪ ،‬ولص ـ ــاحبيت عيَّاش بن‬
‫هذه احلادثة تظهر لنا كيف َّ‬
‫احد من ٍ‬
‫قبيلة‪ ،‬وكان مكان‬ ‫كل و ٍ‬‫همي‪ ،‬وكان ثالثتهم ُّ‬
‫أيب ربيعة‪ ،‬وه ــام بن العاص بن وائل ال َّسـ ـ ِ‬
‫اللِقــاء الَّـذأ اتَّـ شعـدوا فيــت بعيــداً عن م َّكـة‪ ،‬وخــارً احلرم‪ ،‬عل طريق اَّــدينــة‪ ،‬ولقــد حتــدَّد الايمــان‪،‬‬
‫ِ‬
‫فليمض هللاـ ــاحباه‪ ،‬وح ينتظرانت ألنَّت قد حبس‪،‬‬ ‫ض ـ ـبا حبيث إنَّت إذا هلف أحدهم‬
‫واَّكان ابل َّ‬
‫وكما توقعوا‪ ،‬فقد حبس ه ــام بن العاص ر ــي هللا عنت‪ ،‬بينما مضـ ـ عمر‪ ،‬وعيَّاش هب رهتما‪،‬‬
‫وُلت اخلطَّة كاملة‪ ،‬ووهللاال اَّدينة ش الِ شم ْ ِ (‪.)1‬‬

‫أن قري ـ ـ ـ ـاً هللا ـ ـ ـ َّـممت عل متابعة اَّهاجرين‪ ،‬ولذلك أعدَّت خطَّةً حمكمةً‪ ،‬قام بتنفيذها‬
‫إح َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ٍة‬
‫يطمئن يما‪ ،‬و ا َّ‬
‫ُّ‬ ‫شخ شوا عياش من ِأمت‪ ،‬األمر الذأ جعل عياش ـ ـ ـاً‬
‫أبو جهل‪ ،‬واحلارث‪ ،‬ولا أ ش‬
‫أبمت‪ ،‬فاختلق أبو جهل هذه احليلة لعلمت مبد ش ـ ـ ــفقة ورحة عيَّاش أب ِمت‪،‬‬ ‫إذا كان األمر يتعلَّق ِ‬

‫والَّـذأ ظهر جلي ـاً عنــدمــا أظهر موافقتــت عل العودة معهمــا‪ ،‬كمــا تظهر احلــادثــة َّ‬
‫احلس األم‬
‫الرفيع الَّذأ كان يتمتَّع بت عمر ر ي هللا عنت حيث هللادقت فرا تت يف أمر احختطا (‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫األخوة اليت بناها ال ــالم يف هذه النُّفوس فعمر يض ـ ِـلي‬
‫كما يظهر اَّس ــتو العظيم من َّ‬
‫بنص ـ ــف مالت حرهللاـ ـ ـاً عل ـ ــالمة أخيت‪ ،‬وخوفاً عليت من أن يفتنت اَّ ـ ــركون بعد عودتت‪ ،‬ولكن‬
‫فيرب قس ـ ــم ِأمت‪ ،‬ورل مبالت‬ ‫لبت عياش ـ ـاً عاطفتت حنو ِأمت‪ِ ،‬‬
‫وبره هبا ولذلك َّقرر أن ميض ـ ــي َّ‬
‫َّكة َّ‬
‫من هناك‪ ،‬وأتىب عليت عفَّتت أن رخذ نصـ ــف مال أخيت عمر ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬ومالت قائم يف َّ‬
‫مكة‬
‫أن أفق عمر ر ي هللا عنت كان أبعد‪ ،‬فكأنت ير رأأ الع ‪ ،‬اَّصري اَّ ؤوم‪ ،‬الَّذأ‬‫س‪ ،‬ري َّ‬
‫مي َّ‬
‫الذلول النَّ يبة‪ ،‬وحدث‬‫مكة‪ ،‬وح ع اي عن إقناعت أعطاه انقتت َّ‬ ‫بعياش لو عاد إىل َّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ــينايل ٍ‬
‫لعياش ما توقَّعت عمر من در اَّ رك بت(‪.)3‬‬

‫أن هللا تعاىل ح يقبل هللا ـ ــرفاً‪ ،‬وح عدحً‪ ،‬من هؤحء الذين فتِنوا‪،‬‬ ‫و ـ ــاد يف الص ـ ـ ِ‬
‫ـف اَّس ـ ــلم َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)159/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)160/2‬‬
‫‪418‬‬
‫ين أش ْ ـ ـ ـ ـشرفوا شعلش‬ ‫اجلاهلي‪ ،‬فنايل قول هللا تعاىل ﴿قل َي ِعب ِاد َّ ِ‬
‫أ الذ ش‬‫ْش ش ش‬ ‫ِ‬ ‫فافتتنوا‪ ،‬وتعاي ـ ـ ـ ـوا مع ااتمع‬
‫حض ـ ـ ــاري الفاروق ر ـ ـ ــي هللا‬ ‫اَّللِ﴾‪ ،‬وما إن نايلت هذه ا َيت‪َّ ،‬‬‫أشنْـف ِس ـ ـ ـ ِه ْم حش تشـ ْقنشطوا ِم ْن شر ْحشِة َّ‬
‫أخ شويــت احلميم عيَّـاش‪ ،‬وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام لي ـ ِـددوا حمــاوحهتمــا يف م ــادرة‬
‫عنــت‪ ،‬فبعــث هبــذه ا يــة إىل ش‬
‫مسو عظي ٍم عند ابن اخلطَّاب ر ـي هللا عنت؟! لقد حاول مع أخيت عياش‪،‬‬ ‫أأ ٍ‬ ‫معسـكر الكفر ‪ُّ ..‬‬
‫ليفر عليها‪ ،‬ومع هذا كلِت‪ ،‬فلم ي ـ ــمت‬ ‫أعطاه نص ـ ــف مالت عل أحَّ ي ادر اَّدينة‪ ،‬وأعطاه انقتت َّ‬
‫ف منت ألنَّت خالفت‪ ،‬ورفض نص ـ ــيلتت‪ ،‬وألق برأيت خلف ظهره َّإجا كان ش ـ ــعور‬
‫أبخيت‪ ،‬و يشـتش ش ـ ـ ـ َّ‬
‫حض ـ ــاري ببعثها إىل أخويت‬ ‫احل ِ ‪ ،‬والوفاء ألخيت هو الَّذأ يس ـ ــيطر عليت‪ ،‬فما إن نايلت ا ية‪َّ ،‬‬
‫مبلاوحت جديدةٍ لالنض ـ ـ ـ ـ ـ ــمام إىل اَّعس ـ ـ ـ ـ ـ ــكر‬
‫ٍ‬ ‫يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬و ِ‬
‫لكل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــتض ـ ـ ـ ـ ـ ــعف هناك ليقوموا‬
‫المي(‪.)1‬‬
‫ال ِ‬

‫‪ - 3‬أ لوب احلبس‬

‫فكل من تقبض عليت‪ ،‬وهو اول اي رة‬ ‫جلأت قريش إىل احلبس كأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـلوب َّنع اي رة‪ُّ ،‬‬
‫كانت تقوم حببس ـ ـ ـ ــت داخل أحد البيوت مع و ـ ـ ـ ــع يديت‪ ،‬ورجليت يف القيد‪ ،‬وتفرض عليت رقابةً‪،‬‬
‫يتمكن من ايرب‪ ،‬وأحياانً يكون احلبس داخل ٍ‬
‫حائا بدون ـ ــقف‪،‬‬ ‫حض ح َّ‬‫وحرا ـ ـةً م ـ ــدَّدةً َّ‬
‫بيت ح ش قف‬ ‫كما فعل مع عيَّاش‪ ،‬وه ام بن العاص ر ي هللا عنهما‪ ،‬حيث كاان حمبو يف ٍ‬
‫شْ‬
‫بيئة جبليَّ ٍة‬
‫لت(‪ ،)2‬وذلك زَيدة يف التَّعذي إذ يضا إىل وح ة احلبس‪ ،‬حرارة ال َّمس‪ ،‬و ا ٍ‬
‫شديدة احلرارة مثل َّ‬
‫مكة‪.‬‬

‫فقيــادة قريش تريــد بــذلــك حتقيق هــدف َّأويمــا منع اَّبو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ من اي رة‪ ،‬وا خر أن‬
‫لكل من اول اي رة من أولئك الَّذين ِ‬ ‫ِ‬
‫يفكرون هبا اَّن بقي‬ ‫يكون هذا احلبس در ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وعظشةً‪ ِ ،‬ش ْ‬
‫مبكة‪ ،‬ولكن مينع هذا األ لوب اَّسلم من اخلروً إىل اَّدينة اَّنَّورة‪ ،‬فقد كان‬ ‫من اَّسلم َّ‬
‫مكة مثل عيَّاش‪ ،‬وه ـ ـ ــام ر ـ ـ ــي هللا عنهما‪ ،‬ولكنَّهما َّ‬
‫َتكنا من‬ ‫بعض اَّس ـ ــلم حمبو ـ ـ ـ يف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)160/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪419‬‬
‫اخلروً‪ ،‬وا تقرا ابَّدينة(‪.)1‬‬

‫عامةً‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بعد ه رتت ي ْقنت‪ ،‬ويدعو للمس ـ ـتض ـ ــعف يف َّ‬
‫مكة َّ‬ ‫كان الن ُّ‬
‫النب هللاــل هللا عليت و ــلم كان إذا‬
‫أن َّ‬‫هللاـةً‪ ،‬فعن أيب هريرة ر ــي هللا عنت َّ‬
‫ولبعضــهم أبمسائهم خا َّ‬
‫الركعة األخرية يقول «اللَّهم أشنْ ِت عيَّاش بن أيب ربيعة‪ ،‬اللَّ َّ‬
‫هم أنت ش لش شمةش بن ه ام‪،‬‬ ‫رفع رأ ت من َّ‬
‫ليد بن الوليد‪ ،‬اللهم أنت اَّستضعف من اَّؤمن ‪ ،‬اللَّهم ا ْشد ْد وطأتك عل م ش‬
‫ضر‪،‬‬ ‫اللَّهم أنت الو ش‬
‫ِ‬
‫[البخاري (‪ )1006‬وأمحد (‪. ])418/2‬‬ ‫اللهم اجعلها ن ش كس ِ يو ش‬
‫ف»‬

‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أحد‬


‫و ي ك اَّس ـ ـ ــلمون أمر اختطا عيَّاش فقد ندب َّ‬
‫كل‬ ‫للمهمة‪ ،‬ورتَّ يا ما ِقق ُاحها‪ ،‬وذه إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬وا ـ ــتطاي ب ِ‬ ‫ـتعد َّ‬ ‫أهللا ـ ــلابت‪ ،‬وفعالً ا ـ ـ َّ‬
‫وفك قيدلا‪ ،‬ورجع هبما إىل اَّدينة‬ ‫اقتدا ٍر‪ٍ ،‬‬
‫وذكاء‪ ،‬أن يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إىل البيت الَّذأ حبسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فيت‪َّ ،‬‬
‫اَّنورة(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫‪ - 4‬أ لوب التَّ ريد من اَّال‬

‫الروم‪ ،‬فسب وهو هللا ري‪،‬‬


‫كان هللاهي بن نان الن شَّمرأ من النَّمر بن قا ا‪ ،‬أ ارت عليهم ُّ‬
‫حض ابتاعت عبد هللا بن جدعان مثَّ أعتقت‪،‬‬ ‫وأخذ لس ـ ــان أولئك الَّذين ش ـ ـ ـبشـ ْوه‪ ،‬مثَّ تقلَّ يف ِ‬
‫الرق‪َّ ،‬‬
‫احد(‪.)3‬‬ ‫وعمار بن َي ر ر ي هللا عنهما يف ٍ‬
‫يوم و ٍ‬ ‫ودخل ال الم هو‪َّ ،‬‬
‫وكانت ه رة هللا ـ ـ ــهي ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬عمالً تت لَّ فيت روعة الميان‪ ،‬وعظمة التَّ ُّرد هلل‬
‫بكل ما ميلك يف ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـولت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬واللُّلوق بكتيبة‬
‫ـل ِ‬‫حيث ـ ـ ـ َّ‬
‫َّ‬
‫أن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــهيباً ح أراد‬ ‫التَّوحيد‪ ،‬والميان(‪ ،)4‬فعن أيب عثمان النـ َّْه ِ‬
‫دأ ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬قال بل‬
‫اي رة إىل اَّدينة‪ ،‬قال لت أهل َّ‬
‫مكة أتيتنا هاهنا هللا ْعلوكاً(‪ ،)5‬حقرياً‪ ،‬فكثر مالك عندان‪ ،‬وبل ت‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.135‬‬‫(‪ )2‬انظر يف ِ‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫(‪ )5‬الصعلوك الفقري‪.‬‬
‫‪420‬‬
‫ت‪ ،‬مثَّ تنطلق بنفس ـ ـ ـ ــك ومالك؟ وهللا ح يكون ذلك‪ .‬فقال أرأيتم إن تركت ماس هلون‬
‫ما بل ش‬
‫النب هللال هللا عليت و لم فقال «رب‬
‫أنتم بيلي؟ قالوا نعم‪ ،‬ف عل يم مالت أ ع‪ ،‬فبل ذلك َّ‬
‫هللاهي ! رب هللاهي !» [املطالب العالية (‪ )4063‬وابن هشام (‪. ])121/2‬‬

‫مكة‪ ،‬فنثل(‪ )1‬كنانتت‪،‬‬ ‫وعن عكرمة ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬قال ل َّـما خرً هللاهي مهاجراً تبعت أهل َّ‬
‫كل ٍ‬
‫رجل منكم ــهماً‪ ،‬مثَّ أهللاــري‬ ‫إس حض أ ــع يف ِ‬ ‫فأخرً منها أربع ــهماً‪ ،‬فقال ح تش ِ‬
‫ص ـلون َّ‬
‫مبكة قينت ‪ ،‬فهما لكم» [احلاكم (‪ ،])398/3‬وقال‬ ‫بعد إىل ال َّس ـيف‪ ،‬فتعلمون ِأين رجل‪ ،‬وقد خلَّفت َّ‬
‫َّاس من ي ْ ـ ِرأ نـش ْفس ـت ابتِ شاء مر ـاةِ‬ ‫ِ‬
‫ش ْ ش شْ ش‬ ‫﴿وم شن الن ِ ش ْ ش‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ش‬
‫عكرمة ونايلت عل الن ِ‬
‫اد ﴾ [البقرة‪.]207 :‬‬‫اَّلل ريو ِابلْعِب ِ‬ ‫َِّ‬
‫ش‬ ‫اَّلل شو َّ ش‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم قال «أاب ىي! رب البيع!» قال وتال عليت ا ية‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه الن ُّ‬
‫لكأين(‪ )2‬بصـ ـ ـ ــهي ٍ ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت ِ‬
‫يقدم الدَّليل القاطع عل فسـ ـ ـ ــاد عقل أولئك‬ ‫[احلاكم (‪ِ ])398/3‬‬
‫اَّادة الَّيت ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬ ‫الَّذين يشِاينون حركات التَّاري ‪ ،‬وأحداثشت كلَّها مبيايان َّ‬
‫اَّادة‪ ،‬فأين هي َّ‬ ‫اَّادي‬
‫يكسبها هللاهي يف ه رتت‪ ،‬والَّيت َّل من أجلها ِ‬
‫بكل ما ميلك؟!‬

‫عما فقده ؟! أو هل‬ ‫حممد هللال هللا عليت و لم منصباً ِ‬


‫يعو ت َّ‬ ‫هل تراه ينتظر أن يعطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت َّ‬
‫حممداً هللال هللا عليت و لم مينِيت ابلعيش الفاخر يف جوار أهل يثرب؟‬ ‫تر َّ‬
‫َّ‬
‫إن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــهيباً ما فعل ذلك‪ ،‬وما احناز إىل الفئة اَّؤمنة‪ ،‬إح ابت اء مر ـ ـ ـ ـ ـ ــاة هللا‪ ،‬ابل اً ما بل‬
‫الثَّمن ليضــرب ل ــباب ال ــالم مثالً يف التَّضــلية عايياية اَّنال‪ ،‬عســاهم يســريون عل الدَّرب‪،‬‬
‫ويقتفون األثر(‪.)3‬‬

‫كل مواقف العظمة وال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمو يف اي رة اَّباركة‪ ،‬بل‬ ‫َّ‬


‫إن هذه اَّواقف الرائعة‪ ،‬تكن هي َّ‬
‫امت هذا احلدث العظيم‪ ،‬بكث ٍري من م اهد العظمة والتَّ ُّرد والتَّضلية‪ ،‬الَّيت تعطي األ َّمة درو اً‬

‫(‪ )1‬نثل ا تهرً ما فيها من النَّبل و ِ‬


‫السهام‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحن الرب ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪421‬‬
‫العاية(‪.)1‬‬
‫بلي ةً يف بناء ااد‪ ،‬وحتصيل َّ‬
‫خامساً‪ :‬البيواتت احلاضنة‪ ،‬وأثرها يف النيفوس‪:‬‬

‫وتعهدهم ابلنُّص ــرة أن دعا ر ــول هللا هللا ــل‬


‫لقد كان من نتائت إميان األنص ــار‪ ،‬ومبايعتهم‪ُّ ،‬‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم إىل اي رة إىل اَّدينة‪ ،‬كما كان من نتائت ذلك أن ظهرت ظاهرة‬
‫عظيمة من التَّكافل ب اَّسـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ففتلت بيوت األنصـ ـ ـ ـ ــار أبواهبا‪ ،‬وقلوب أهللاـ ـ ـ ـ ــلاهبا لوفود‬
‫اَّهاجرين‪ ،‬وا ـ ــتعدَّت ححتضـ ــا‪،‬م رجاحً‪ ،‬ونسـ ــاءً إذ أهللاـ ــب اَّسـ ــكن الواحد يضـ ـ ُّـم اَّهاجر‪،‬‬
‫األنصارأ‪ ،‬واَّهاجرة‪ ،‬واألنصاريَّة‪ ،‬يتقامسون اَّال‪ ،‬واَّكان‪ ،‬والطَّعام واَّسؤوليَّة ال الميَّة فمن‬
‫َّ‬ ‫و‬
‫هذه البيواتت احلا نة‬

‫‪ - 1‬دار مب ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر بن عبد اَّنذر بن شزنْشرب بقباء ونايل هبا جمموعة من اَّهاجرين‪ ،‬نسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً‪،‬‬
‫ورجاحً‪ ،‬وقد َّمت هذه الدُّور‪ ،‬عمر بن اخلطاب‪ ،‬ومن حلق بت من أهلت وقومت‪ ،‬وابنتت حفصة‪،‬‬
‫وزوجها‪ ،‬وعيَّاش بن أيب ربيعة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نايل هبا طللة بن عبيد‬ ‫‪ - 2‬دار خبشي بن إ ـ ــا أخي بشـ ْللارث بن اخلايرً ابل ُّسـ ـ ـْن‬
‫هللا بن عثمان‪ ،‬و ُّأمت‪ ،‬وهللاهي بن نان‪.‬‬

‫‪ - 3‬دار أ عد بن زرارشة من ب النَّ ار‪ ،‬قيل نايل هبا حاية بن عبد اَّطَّل ‪.‬‬

‫بيت العاياب‪ ،‬ونايل هبا العَّاياب‬ ‫‪ - 4‬دار ـ ـ ــعد بن خيثمة أخي ب النَّ ار‪ ،‬وكان يسـ ـ ـ َّـم‬
‫من اَّهاجرين‪.‬‬

‫‪ - 5‬دار عبــد هللا بن ـ ـ ـ ـ ـ ــلمــة أخي بشـ ْلع الن بقبــاء‪ ،‬ونايل هبــا عبيــدة بن احلــارث‪ ،‬وأ ُّم ـت‬
‫وم ْسـ ـ ـ ـطش بن أاثثة بن عبَّاد بن اَّطل ‪ ،‬والطُّفيل بن احلارث‪ ،‬وطلي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن عمري‪،‬‬‫ـ ـ ـ ـهيلة‪ِ ،‬‬
‫ص ْ بـن احلارث نايلوا يعاً عل عبد هللا بـن لمة بقبـاء‪.‬‬
‫واحل ش‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.119‬‬


‫َّبوأ ‪ ،‬ص ‪.116‬‬‫(‪ )2‬اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫‪422‬‬
‫الايبري بن‬ ‫‪ - 6‬دار ب جل ىب‪ ،‬والْملتش ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن هو منــذر بن حم َّم ـد بن عقبــة‪ ،‬نايل عنــده ُّ‬ ‫ش ْ شش‬
‫العوام‪ ،‬وزوجت أمساء بنت أيب بكر‪ ،‬وأبو ش ْربة بن أيب رْهم‪ ،‬وزوجتت ُّأم كلثوم بنت هيل(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫‪ - 7‬دار ب عبد األشهل‪ ،‬واَّلتش ِ‬
‫ضن هو عد بن معاذ بن النُّعمان من ب عبد األشهل‪،‬‬ ‫ْ‬
‫نايل هبا مصع بن عمري‪ ،‬وزوجتت حشْنة بنت جلش‪.‬‬

‫‪ - 8‬دار ب النَّ ار‪ ،‬واَّلتضـ ـ ـ ـ ـ ــن هو أوس بن اثبت بن اَّنذر‪ ،‬نايل هبا عثمان بن عفان‪،‬‬
‫وزوجتت رقيَّة بنت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم (‪. )2‬‬

‫أهم العناهللاـ ـ ــر الَّيت َّ‬


‫مهدت لقامة ر ـ ـ ــول‬ ‫احجتماعي كان من ِ‬
‫ُّ‬ ‫فهذه اَّقامسة‪ ،‬وهذا التَّكافل‬
‫هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وهللا ـ ـ ـ ــلابتت اَّهاجرين معت‪ ،‬وبعده‪ ،‬إقامةً طيِبةً‪ ،‬تنبض ابليثار عل‬
‫الصادقة اَّؤمنة(‪.)3‬‬ ‫األخوة َّ‬
‫وبود َّ‬ ‫النَّفس‪ِ ،‬‬

‫هبــذه الرو العــاليــة‪ ،‬والميــان الوثيق‪ ،‬وال ِ‬


‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدق يف اَّعــاملــة َتـَّت اَّؤاخــاة‪ ،‬وذَّ الوفـاق ب‬
‫اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار‪ ،‬وقد دث تسايل‪ ،‬فيقال َّاذا نسمع‪ ،‬و تس ِ ل اَّصادر‪ ،‬و تكت‬
‫ٍ‬
‫خالفات وقعت يف هذه البيوت؟ وأين النِساء وما اشتهرن بت من م اكسات؟‬ ‫اَّراجع َّ‬
‫أن‬

‫نفس‪ ،‬واألخالق ال َّس ـ ـامية الَّيت‬


‫كل ٍ‬ ‫احلق الَّذأ جعل تقو هللا أ ـ ـا ـ ـاً لتص ـ ُّـر ِ‬ ‫إنَّت ِ‬
‫الدين ُّ‬
‫فر ـ ـ ــت األخوة ب اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬ونص ـ ـ ــرة الدَّعوة‪َّ ،‬إ‪،‬ا اَّبايعة‪ ،‬وأثرها يف النُّفوس‪ ،‬إنَّت ال ِ‬
‫صـ ـ ـ ـدق‪،‬‬
‫والعمل من أجل اجلماعة‪ ،‬خوفاً من العقاب‪ ،‬ورهبةً من اليوم ا خر‪ ،‬ور بةً يف الثواب‪ ،‬وطمعاً‬
‫السلوك‪ ،‬وهللادق الطَّويَّة‪ُّ ،‬‬
‫فكل شم ْن أ لم‪،‬‬ ‫يف اجلنة‪ ،‬إنَّت د ء حضانة الميان‪ ،‬وا تقامة النَّفس و ُّ‬
‫كل من أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمت‪ ،‬وابيعت‪ ،‬يعملون يعهم ما يؤمرون بت‪ ،‬وخيلص ـ ـ ـ ـ ـ ــون فيما‬
‫كل من ابيع‪ ،‬و ُّ‬
‫و ُّ‬
‫فالكل يعمل‬
‫ُّ‬ ‫السر‪ ،‬والعلن‪ ،‬آمنت نفو هم فاحتضنت اَّناهللارة اَّهاجرةش‪،‬‬‫يقولون‪ ،‬خيافون هللا يف ِ‬
‫الكل‪ ،‬فهذا هو التَّكافل احجتماعي يف أجل هللاـ ـ ـ ــورةٍ‪ ،‬وأقدس و ٍ‬
‫اقعة‪ ،‬ر‬ ‫من أجل مصـ ـ ـ ــللة ِ‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫السنَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)469 ، 468/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة يف وء القران و ُّ‬
‫َّبوأ ‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫(‪ )3‬انظر اَّرأة يف العهد الن ِ‬
‫‪423‬‬
‫إن الواحد منهم خيا ذهاب اَّناهللار ابألجر كلِت(‪.)1‬‬
‫حض َّ‬
‫الكل يف الثَّواب َّ‬
‫ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫وقت إنَّنا يف عاَّنا‬ ‫إن جان البذل‪ ،‬والعطاء ظاهرة‪ ،‬حنن حباجة إىل الش ـ ــارة إليها يف ِ‬ ‫َّ‬
‫ـالمي‪ ،‬ويف ٍ‬
‫رحلة لبض ــعة أَيم تتك َّ ـ ـف النُّفوس والعيوب‪ ،‬واحلايازات‬ ‫ف ال ـ ِ‬ ‫صـ ـ ِ‬
‫اَّعاهللا ــر‪ ،‬ويف ال َّ‬
‫يصل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بعد‪ ،‬ومع ذل ـ ـ ـ ــك تفت‬ ‫ُّ‬
‫والظنون‪ ،‬وهذا جمتمع يبىن ول ـ ـ ـ ـ َّـما ْ‬
‫اعي كذلك‪ ،‬ويقيم‬ ‫ٍ‬ ‫ـرد فقا بل عل مستو‬ ‫البيوت للوافديـ ـ ـ ــن اجلدد‪ ،‬ليس عل مستو فـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫اَّهاجرون يف بيوت األنصـ ــار شـ ــهوراً َّ‬
‫عد ًة‪ ،‬واَّعاي ـ ــة اليوميَّة مسـ ــتمرة‪ ،‬واألنصـ ــار يبذلون اَّال‪،‬‬
‫ـالمي‪ ،‬بل ِ‬
‫الذروة يف حلْ شمتِ ِت‪،‬‬ ‫واحل َّ ‪ ،‬واخلدمات لخوا‪،‬م القادم إليهم‪ ،‬حنن أمام جمتم ٍع إ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫وانصــهاره‪ ،‬و يكن اَّهاجرون إح القدوة ل نصــار ابلبذل‪ ،‬والعطاء‪ ،‬فلم يكونوا أهللاـالً فقراء بل‬
‫كانوا ميلكون اَّال‪ ،‬وميلكون الدَّار‪ ،‬وتركوا ذلك كلَّت ابت اء مر ـ ـ ـ ـ ــاة هللا‪ ،‬وبذلوه كلَّت لطاعتت َّ‬
‫جل‬
‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم‬ ‫اج ِر َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين الذ ش‬ ‫وعال‪ ،‬فكانوا كما وهللافهم القرآن الكر ﴿ل ْلف شقشراء الْم شه ش‬
‫َّ ِ‬ ‫اَّلل ور ـ ـولشت أولشئِك هم ال َّ ِ‬ ‫ضـ ـالً ِمن َِّ‬
‫ين تشـبشـ َّوءوا‬ ‫صـ ـادقو شن ۝ شوالذ ش‬ ‫ش‬ ‫اَّلل شوِر ْ ـ ـ شواانً شويشـْنصـ ـرو شن َّش ش ش‬ ‫يشـْبـتشـ و شن فش ْ ش‬
‫اجةً ِاَّا أوتوا شويـ ْؤثِرو شن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدَّار وا ِلميشا شن ِمن قشـْبلِ ِهم ِ بُّو شن من شه ِ‬
‫اجشر إلشْي ِه ْم شوحش شجيدو شن ِيف هللا ـ ـ ـدوِره ْم شح ش‬‫شْ ش‬ ‫ْ ْ‬ ‫شش‬
‫ن ﴾ [احلشــر‪- 8 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬ ‫وق ش ـ َّ نشـ ْف ِس ـ ِت فشأولشئِ ش‬‫هللا ـة شوشم ْن ي ش‬
‫ص ـا ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫شعلش أشنْـفس ـ ِه ْم شولش ْو شكا شن هب ْم شخ ش‬
‫َّب (ﷺ) بعد‪،‬‬
‫‪. ]9‬كان هذا ااتمع اَّدينُّ اجلديد ي َّىب عل معاين الميان‪ ،‬والتَّقو ‪ ،‬و يصل الن ُّ‬
‫ولكن حتت إش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا النُّقباء احثىن ع ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬الَّذين كانوا يف كفالتهم لقومهم‪ ،‬ككفالة احلواريِ‬

‫لعيس ابن مر ‪ ،‬ونشرا قيادات اَّهاجرين الكرب ‪ ،‬الَّيت وهللالت اَّدينة‪ ،‬والذين ا تقوا يعاً‬
‫َّبوأ الثـ َِّر(‪ ،)2‬واقتبسوا من هديت(‪.)3‬‬
‫من النَّبع الن ِ‬

‫ومن معا هذا ااتمع اجلديد ذوابن العص ـ ـ ـ ــبية فقد كان إمام اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ـ ـ ـ ــا موىل أيب‬
‫حذيفة ر ي هللا عنت ألنت كان أكثرهم قرآانً‪ ،‬فهذا ااتمع الَّذأ يوجد فيت ِع ْليشة أهللالاب َّ‬
‫حممد‬

‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫اَّصدر َّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬الـثَّـر ال ايير الكثري‪.‬‬


‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)172 ، 171/2‬‬
‫‪424‬‬
‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم من اَّهاجرين‪ ،‬واألنصـ ــار‪ ،‬و ـ ــادة العرب من قريش‪ ،‬واألوس واخلايرً‪،‬‬
‫يقوده ويؤُّم ـت حــامــل القرآن‪ ،‬فــالكرامــة العلي ـا فيــت لقــارئ كتــاب هللا وحــاملــت‪ ،‬وحــامــل القرآن يف‬
‫ـالمي هو نفســت حامل اللِواء يف احلرب‪ ،‬فليس بينهما ذلك احنفصــام الَّذأ ن ــهده‬ ‫ااتمع ال ـ ِ‬
‫اليوم‪ ،‬ب حلـة القرآن من َّ‬
‫احلفـا ‪ ،‬وب اااهدين يف بيل هللا‪ ،‬فقد كان حامل لواء اَّهاجرين‬
‫إن فررت‬ ‫يف معركة اليمامة ـ ــا موىل أيب حذيفة‪ ،‬وكان ش ـ ــعاره (بئس حامل القرآن) ‪ -‬يع‬
‫‪ ،-‬فقطعت ميينت‪ ،‬فأخذ اللواء بيس ـ ــاره‪ ،‬فقطعت‪ ،‬فاعتنقت إىل أن هللا ـ ـري‪ ،‬وا ـ ــت ـ ــهد يف ـ ــبيل‬
‫هللا(‪.)1‬‬
‫ـالمي اجلديد ِ‬
‫حريَّة الدَّعوة إىل هللا عالنيةً‪ ،‬فقد أهللاـ ــب وا ـ ــلاً عند‬ ‫ومن معا ااتمع ال ـ ـ ِ‬
‫الرجال يف‬ ‫أن معظم قيادات يثرب دخلت يف هذا ِ‬
‫الدين‪ ،‬ون ـ ــا ال َّ ـ ـباب‪ ،‬والنِسـ ــاء‪ ،‬و ِ‬ ‫اجلميع َّ‬
‫قدم و ـ ـ ٍ‬
‫ـاق‪َّ .‬‬
‫وحبد من‬ ‫الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬والتب ـ ــري بقدوم ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل ٍ‬
‫اَّقارنة ب ااتمع الَّذأ قام ابحلب ـ ـ ـ ــة من اَّسـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وب ااتمع ال ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـالمي يف يثرب فلقد‬
‫كانت احلب ة حتمل طابع اللُّ وء ِ‬
‫السيا ِي‪ ،‬واجلالية األجنبيَّة أكثر اَّا كانت حتمل طابع ااتمع‬
‫المي الكامل هللالي أن اَّسلم ملكوا ِ‬
‫حريَّة العبادة هناك لكنَّهم معايولون عن ااتمع‬ ‫ِ‬ ‫ال‬
‫اين‪ ،‬يستطيعوا أن يؤثِروا فيت التَّأثري اَّن ود‪ ،‬وإن كانت ه رة احلب ة خطوةً ِ‬
‫متقدمةً عل‬ ‫النَّصر ِ‬
‫ـالمي يف اَّدينة‬ ‫حريَّة الدَّعوة‪ِ ،‬‬
‫وحريَّة العبادة‪ ،‬ولكنَّت دون ااتمع ال ـ ـ ـ ِ‬ ‫جو َّ‬
‫مكة حيث ح تتوفر ِ‬
‫ابلتوج ـ ـ ـ ـ ــت حنوها مباشرة‪ ،‬أو‬
‫بكثري‪ ،‬ولذلك شري مهاجرو احلب ة مب َّرد مساي خرب ه رة اَّدينة‪ُّ ،‬‬
‫عن طريق َّ‬
‫مكة إح من طلبت منت القيادة العليا البقاء هناك‪ ،‬لقد أهللا ــبلت اَّدينة مس ــلمةً بعد‬
‫أن عاشت قروانً وثنيَّـةً م ركةً‪.‬‬

‫الفعلي بعد عودة احث ع ر هللالابياً‬ ‫ُّ‬ ‫جوه‪ ،‬وتكوينت‬


‫لقد أهللاب ااتمع اَّدينُّ مسلماً‪ ،‬وبدأ ُّ‬
‫ـلايب اجلليل أ ــعد بن زشرارةش والَّيت حلت اَّســؤوليَّة‬
‫من البيعة األوىل‪ ،‬والَّيت كان عل رأ ــها‪ ،‬الصـ ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)175 ، 174/2‬‬


‫‪425‬‬
‫الدَّعويَّة فقا‪ ،‬دون الوجود ِ‬
‫السيا ِي‪ ،‬وبل أوً تو ُّ عت‪ ،‬وبنائت بعد عودة ال َّسبع ‪ ،‬الَّذين ملكوا‬
‫وقرروا أن تكون بلدهم عاهللامة اَّسلم األوىل يف األرض‪ ،‬وهم‬ ‫احجتماعي‪َّ ،‬‬ ‫ال َّاري ِ‬
‫السيا َّي و‬
‫َّ‬
‫حض قبل قدوم‬ ‫خارجي‪ ،‬ميكن أن ينال من هذه ال ِسـ ـ ـ ـيادة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫كل ع ٍ‬
‫دو‬ ‫عل ا ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـتعداد أن يواجهوا َّ‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إليهم يف اَّدينة‪.‬‬

‫الصلبة‪ ،‬الَّيت بذل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم وقتاً وجهداً يف تربيتها‪ ،‬بدأت‬ ‫َّ‬
‫إن القاعدة ُّ‬
‫تعطي شارها أكثر‪ ،‬بعد أن التلمت اباتمع ِ‬
‫اَّدين اجلديد‪ ،‬وانص ـ ـ ـ ــهر كاللا يف معاين العقيدة‪،‬‬
‫أخوة الدين‪.‬‬
‫و َّ‬
‫كون هبم‬ ‫لقد َّ‬
‫أعد ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم األفراد‪ ،‬وهللاـ ـ ــقلهم يف بوتقة اجلماعة‪ ،‬و َّ‬
‫ـالمي الَّذأ تقوم عليت َّ‬
‫الدولة إح بعد بيعة احلرب وبذلك‬ ‫ص ـ ـ ـلبة‪ ،‬و يقم ااتمع ال ـ ـ ـ ُّ‬
‫القاعدة ال ُّ‬
‫القوة اَّنا بة حلمايتت يف األرض(‪.)1‬‬
‫المي قام بعدما هتيَّأت َّ‬ ‫نقول َّ‬
‫إن ااتمع ال َّ‬
‫وهكذا انتقلت اجلماعة اَّس ــلمة اَّنظَّمة القويَّة إىل اَّدينة‪ ،‬والتلمت مع إخوا‪،‬ا األنص ــار‪،‬‬
‫وت ـ َّـكل ااتمع اَّس ــلم الَّذأ أهللا ــب ينتظر قائده األعل هللا ــل هللا عليت و ــلم ليعلن وحدة‬
‫دولة ال الم‪ ،‬الَّيت هللانعت ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬حضارًة يعر ِ التَّاري مثلها َّ‬
‫حض يومنا هذا‪.‬‬

‫للدولة اإلسالميَّة؟‬ ‫ٍ‬


‫كعاصمة َّ‬ ‫سادساً‪ :‬ملاذا اختريت املدينة‬

‫كان من حكمة هللا تعاىل يف اختيار اَّدينة داراً لله رة‪ ،‬ومركاياً للدَّعوة ‪ -‬عدا ما أراده هللا‬
‫طبيعي ٍ‬
‫حريب‪ ،‬ح تاياحها يف‬ ‫ٍ‬ ‫من إكرام أهلها ‪ -‬أ ـ ـ ـ ـرار ح يعلمها إح هللا َّإ‪،‬ا امتازت بتل ُّ‬
‫صـ ـ ـ ـن‬
‫وحَّرة‬
‫الوبْـشرة‪ ،‬مطبقةً عل اَّدينة من النَّاحية ال ربية‪ ،‬ش‬ ‫ذلك مدينة قريبة يف اجلاييرة‪ ،‬فكانت شحَّرة ش‬
‫واقِم مطبقةً عل اَّدينة من النَّاحية ال َّ ـ ـ ـ ـ ـرقيَّة‪ ،‬وكانت اَّنطقة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـمالية من اَّدينة هي الناحية‬
‫الوحيدة اَّك ــوفة ‪ -‬وهي الَّيت ح َّ‬
‫ص ـنها ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ابخلندق ــنة طس يف‬
‫الايروي‬
‫ايوة األحاياب ‪ -‬وكـانـت اجلهـة األخر من أطرا اَّـدينـة‪ ،‬حمـاطـة أبش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـار النَّهيـل و ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)147 ، 146/1‬‬


‫‪426‬‬
‫طرق ـ ـ ـ ـ ـ ــيِقـ ٍـة‪ ،‬ح يتَّفق فيهــا النِظــام العس ـ ـ ـ ـ ـ ــكر ُّ‬
‫أ‪ ،‬وترتيـ‬ ‫مير منهــا اجليش إح يف ٍ‬
‫الكثيفــة‪ ،‬ح ُّ‬
‫الصفو ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وكانت خفارات عســكريَّة هللاـ رية‪ ،‬كافية لفســاد النِظام العسـ ِ‬
‫ـكرأ‪ ،‬ومنعت من التقدُّم‪ ،‬يقول‬
‫ابن إ ـ ــلاق «كان أحد جانب اَّدينة عورًة‪ ،‬و ـ ــائر جوانبها م ـ ـ ـ َّـككةً ابلبنيان‪ ،‬والنَّهيل‪ ،‬ح‬
‫العدو منها»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫يتمكن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬قد أشــار إىل هذه احلكمة الييَّة يف اختيار اَّدينة بقولت‬ ‫لعل الن َّ‬
‫و َّ‬
‫احلراتن» [سبق خترجيه]‪،‬‬
‫َنيل ب حبت ‪ ،‬ولا َّ‬ ‫ألهللالابت قبل اي رة «إين أ ِريت دار ه رتكم‪ ،‬ذات ٍ‬
‫هاجر أبرض احلب ة إىل اَّدينة‪.‬‬ ‫عامة من كان ش‬ ‫فهاجر شم ْن هاجر قِبش شل اَّدينة‪ ،‬ورجع َّ‬
‫وقوةٍ‪ ،‬وش ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـكيمة‪،‬‬ ‫وكان أهل اَّدينة من األوس‪ ،‬واخلايرً أهللا ـ ـ ــلاب َنوةٍ‪ٍ ،‬‬
‫وإابء‪ ،‬وفرو ـ ـ ـ ـيَّ ٍة‪َّ ،‬‬
‫احلريـَّة‪ ،‬و خيض ـ ـ ـ ـ ـ ــعوا ألحـ ٍـد‪ ،‬و يــدفعوا إىل قبيلـ ٍـة‪ ،‬أو حكومـ ٍـة إاتوةً‪ ،‬أو جبــايـةً‪ .‬يقول ابن‬
‫ألفوا ِ‬
‫خلــدون و يايل هــذان احليَّـان قــد لبوا عل يثرب‪ ،‬وكــان احعتاياز واَّنعــة تعر يم يف ذلـك‪،‬‬
‫ويدخل يف ملَّتهم شم ْن جاورهم من قبائل م ش‬
‫ضر‪.‬‬

‫فأم عبد اَّطل بن هاشـ ـ ــم بن‬ ‫وكان بنو ِ‬


‫عدأ بن النَّ ار أخوالت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫عدأ بن‬ ‫تايوً هاش ـ ـ ـ ـ ــم بس ـ ـ ـ ـ ــلم بنت عمرو أحد ب‬ ‫ِ‬
‫عدأ بن النَّ ار إحد نس ـ ـ ـ ـ ــائهم‪ ،‬فقد َّ‬
‫حض هللا ـ ـ ــار الماً دون اَّراهقة‪ ،‬مثَّ‬
‫النَّ ار‪ ،‬وولدت ياش ـ ـ ــم عبد اَّطل ‪ ،‬وتركت هاش ـ ـ ــم عندها‪َّ ،‬‬
‫عمت اَّطَّل ‪ ،‬ف اء بت إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬وكانت األرحام سـ ـ ـ ـ ـ ـ يا حس ـ ـ ـ ـ ــاب كبري‪ ،‬يف حياة‬ ‫احتملت ُّ‬
‫ـارأ الَّذأ نايل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يف‬ ‫العرب احجتماعيَّة‪ ،‬ومنهم أبو ٍ‬
‫أيوب األنص ـ ُّ‬
‫داره يف اَّدينة‪.‬‬

‫مكة‪ ،‬وما حويا‬ ‫وكان األوس‪ ،‬واخلايرً من قلطان‪ ،‬واَّهاجرون وشم ْن ــبق إىل ال ــالم يف َّ‬
‫ش‬
‫من عدانن‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما هاجر ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم إىل اَّدينة‪ ،‬وقام األنص ــار بنص ــره‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّدوأ ‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪427‬‬
‫اجتمعت بذلك عدانن‪ ،‬وقلطان حتت لواء ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وكانوا ك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد و ٍ‬
‫احد‪ ،‬وكانت بينهما‬
‫مفا ـلة‪ ،‬ومسـابقة يف اجلاهليَّة‪ ،‬وبذلك جيد ال َّ ـيطان ـبيالً إىل قلوهبم لاثرة الفتنة‪ ،‬والت ِ‬
‫َّعايأ‬

‫لكل ذلك مدينة يثرب أهللاـ ـ ـ ـ ــل ش‬ ‫بعاياء اجلاهليَّة‪ ،‬اب ـ ـ ـ ـ ــم احلميَّة القلطانيَّة‪ ،‬أو العداننيَّة‪ ،‬فكانت ِ‬
‫حض يقو‬ ‫الر ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وأهللاـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬و ِاهاذهم يا داراً‪ ،‬وقراراً‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫مكان ي رة َّ‬
‫ِ‬
‫اَّتمدن(‪.)1‬‬ ‫ال الم‪ ،‬وي َّق طريقت إىل األمام‪ ،‬ويفت اجلاييرة‪ ،‬مثَّ يفت العا‬

‫سابعاً‪ :‬من فضائل املدينة‪:‬‬

‫حض فضــلت‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم إليها‪َّ ،‬‬
‫اَّنورة اَّباركة‪ ،‬هب رة الن ِ‬
‫لقد عظم شــر اَّدينة َّ‬
‫اَّكرمة ‪ -‬وفضائلها كثرية منها‬
‫مكة َّ‬‫ائر بقاي األرض ‪ -‬حاشا َّ‬ ‫عل‬

‫‪ - 1‬كثرة أمسائها‬
‫إن كثرة األمساء ُّ‬
‫تدل عل ش ــر اَّس ـ َّـم ‪ ،‬وح توجد بلدة يف الدُّنيا يا من األمساء‪ ،‬مثل ما‬ ‫َّ‬
‫حض ربعت‪ ،‬وقد بل العلماء أبمسائها حواس مئة ا ـ ـ ٍم(‪ ،)1‬وقد ذكر‬‫اَّنورة‪ ،‬أو نصـ ــفت‪ ،‬أو َّ‬
‫للمدينة َّ‬
‫الايرك ــي يف (إعالم ال َّس ـ ـاجد أبحكام اَّس ــاجد)(‪ ،)2‬وااد الفريوز اابدأ هللا ــاح‬
‫هذه األمساء َّ‬
‫وحممد بن‬
‫الدين ال َّس ـ ـمهودأ يف (وفاء الوفا أبخبار دار اَّصـ ــطف )‪َّ ،‬‬ ‫(القاموس اَّيا)(‪ ،)3‬ونور ِ‬

‫الرشاد يف رية خري العباد)‪.‬‬


‫الصاحلي يف ( بل ايد و َّ‬
‫يو ف َّ‬
‫وأشور هذه األمساء‪:‬‬

‫ب حش م شق شام لشك ْم فش ْارِجعوا شويش ْستشأْ ِذن‬ ‫ِ ِ‬


‫﴿وإِ ْذ قشالش ْ‬
‫ت طشائ شفة مْنـه ْم شَيأ ْشه شل يشـثْ ِر ش‬ ‫(أ) يثرب قال تعاىل ش‬
‫ن إِحَّ فِرارا ﴾ [األحزاب‪. ]13 :‬‬ ‫ِ ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب يشـقولو شن إ َّن بـيوتشـنشا شع ْوشرة شوشما ه شي ب شع ْوشرة إ ْن ي ِريدو ش ش ً‬
‫فش ِريق مْنـهم النِ َّ‬

‫السنَّة (‪.)333/1‬‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪ ، 155‬وهذا الكتاب هو اَّرجع األ ا ي يف فضائل اَّدينة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السهاوأ لت يف الضَّوء الالمع (‪ )86 79/1‬مؤلفات منها اَّ امن‪.‬‬
‫ذكر َّ‬
‫‪428‬‬
‫وقد ورد النَّهي عن تسـ ــميتها هبذا اح ـ ــم‪ ،‬و َّأما تسـ ــميتها يف القرآن «يثرب» فذلك حكاية‬
‫عن قول اَّنافق ‪.‬‬
‫(ب) طابة فعن الرباء بن ٍ‬
‫عازب ر ي هللا عنت قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫اية «هي طابة‪ ،‬هي طابة‪ ،‬هي‬ ‫فَجا هي طابة» ويف رو ٍ‬
‫«من مسَّ اَّدينة يثرب فليسـ ـ ـ ــت فر هللا َّ‬
‫طابة»(‪.)1‬‬

‫اَّنورة دون ريها‬ ‫(ً) اَّدينة وهذا أشهر أمسائها‪ ،‬وهذا اح م إذا أطلق أريدت بت اَّدينة َّ‬
‫﴿وِاش ْن شح ْولشك ْم ِم شن‬ ‫من مــدن الــدُّنيــا‪ ،‬وقــد جــاءت ا َيت الكثرية هبــذا اح ـ ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬كقولــت تعــاىل ش‬
‫اق حش تشـ ْعلشمه ْم شْحنن نشـ ْعلشمه ْم ش نـ شع ِذهب ْم شمَّرتش ْ ِ مثَّ‬ ‫اب منشافِقو شن وِمن أ ْشه ِل الْم ِدينش ِة مردوا علش النِ شف ِ‬
‫ش شش ش‬ ‫ش ْ‬
‫األ ْشعر ِ‬
‫ش‬
‫اب شع ِظي ٍم ﴾ [التوبــة ‪ ،]101‬وقولــت تعــاىل ﴿ شم ـا شك ـا شن ِأل ْه ـ ِل الْ شم ـ ِدينشـ ِة شوشم ْن شح ْوشي ْم ِم شن‬ ‫يـرُّدو شن إِ شىل شع ـ شذ ٍ‬
‫ش‬
‫ك ِأب َّش‪،‬م حش ي ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ول َِّ‬ ‫اب أش ْن يـتشهلَّفوا شعن ر ـ ِ‬
‫ص ـيبـه ْم ظش شمأ‬ ‫اَّلل شوحش يشـ ْر شبوا أبشنْـفسـ ـه ْم شع ْن نشـ ْفسـ ـت شذل ش ْ‬ ‫ْش‬ ‫األ ْشعشر ِ ش ش‬
‫َّار شوحش يشـنشالو شن ِم ْن شعد ٍو نشـْيالً إِحَّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وحش نشصـ وحش ملشْمصـة ِيف ـبِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل شوحش يشطشؤو شن شم ْوطئًا يش يم الْكف ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش ش ش‬
‫شجشر الْم ْل ِسـ ـ ـنِ ش ﴾ [التوبة‪ ]120 :‬وقد وهللا ـ ــفت اَّدينة‬ ‫ِ‬ ‫هللاـ ـ ـالِ إِ َّن َّ‬
‫اَّللش حش يضـ ـ ـيع أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كت ش شي ْم بِت شع شمل ش‬
‫اَّنورة‪ ،‬واَّ َّرفة‪ ،‬و ري ذلك من األوهللاا الفا لة(‪.)2‬‬ ‫ابَّباركة‪ ،‬و َّ‬
‫‪ - 2‬حمبتت هللال هللا عليت و لم يا‪ ،‬ودعايه برفع الوابء عنها‬
‫حب إلينا اَّدينة كلبِنا َّ‬
‫مكة‪ ،‬أو‬ ‫هم ِ‬‫دعا النَّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ربَّت قائالً «اللَّ َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم إذا قدم من ف ٍر‪ ،‬فنظر إىل‬ ‫أنس ر ي هللا عنت « َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫أشدَّ!(‪ »)3‬وعن ٍ‬

‫جـدرات اَّـدينـة ْأو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شع راحلتـت ‪ ،‬وإن كـان عل داب ٍـة َّ‬


‫كهـا من حبِهـا» [البخاري (‪،1802‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حر‬
‫‪. ])1886‬‬

‫(‪ )1‬أخرجت أحد (‪ ، )285/4‬و َّعفت ال َّوكاينُّ يف فت القدير (‪.)268/4‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ص ‪.157‬‬
‫(‪ )4‬جدرات ع جدار ‪ ،‬وهو احلائا‪.‬‬
‫(‪ْ )5‬أو ش شع راحلتت حثَّها عل السرعة‪.‬‬
‫‪429‬‬
‫وعن عائ ة ر ي هللا عنها قالت لـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم اَّدينة و ِع ش‬
‫ك‬
‫احلم يقول‬
‫أبو بكر‪ ،‬وبالل‪ ،‬فكان أبو بكر إذا أخذتت َّ‬
‫واَّـ ْـوت أ ْشد شَّن ِمـ ْن ِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر ِاك نشـ ْعـلِـ ـ ـ ـ ِت‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبَّ ـ يف أ ْه ـلِـ ـ ـ ـ ِت‬
‫كـ ـ ـ ـ ُّل ا ْم ـ ِرئ م ش‬
‫هم العن ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيبة بن‬ ‫احلم يرفع عقريتت‪ ،‬يقول ‪ ....‬وقال «اللَّ َّ‬ ‫وكان بالل إذا أقلعت عنت َّ‬
‫ربيعــة‪ ،‬وعتبــة بن ربيعــة‪ ،‬وأميَّـة بن خلف‪ ،‬كمــا أخرجوان من أر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــا إىل أرض الوابء!» مثَّ قــال‬
‫هم ابرك لنا‬ ‫هم حبِ ْ إلينا اَّدينة كلبنا َّ‬
‫مكة‪ ،‬أو أشــدَّ! اللَّ َّ‬ ‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «اللَّ َّ‬
‫ل شف ِة!» [البخاري (‪ )1889‬ومسلم (‪. ])1376‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف هللااعنا‪ ،‬ويف مدان‪ ،‬وهللال ْلها لنا‪ ،‬وانق ْل حَّاها إىل اجل ْ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يا بضعفي مايف َّ‬
‫مكة من الربكة‬ ‫‪ - 3‬دعاء الن ِ‬

‫هم اجعل ابَّدينة ِ ـ ْعفي‬


‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قال «اللَّ َّ‬
‫فعن أنس ر ــي هللا عنت عن الن ِ‬
‫[البخاري (‪ )1885‬ومسلم (‪. ])1369‬‬ ‫ما جعلت َّ‬
‫مبكة من الربكة!»‬

‫النب هللال‬
‫وعن أيب هريرة ر ي هللا عنت قال «كان النَّاس إذا رأوا َّأول الثَّمر جايوا بت إىل ِ‬
‫هم ابرك لنا يف شران!‪،‬‬ ‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فَذا أخذه ر ـ ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ـ ــلم قال «اللَّ َّ‬
‫إن إبراهيم عبدك‪ ،‬وخليلك‬ ‫هم َّ‬‫ِ َّ‬
‫وابرك لنا يف مدينتنا! وابرك لنا يف هللا ــاعنا! وابرك لنا يف مدان! الل ش‬
‫َّكة‪ِ ،‬‬
‫ومثلت‬ ‫وإين أدعوك للمدينة مبثل ما دعاك َّ‬ ‫ونبيك‪ ،‬وإ نَّت دعاك َّ‬
‫َّكة‪ِ ،‬‬ ‫وإين عبدك‪ُّ ،‬‬ ‫ونبيك ِ‬ ‫ُّ‬
‫معت» قال مثَّ يدعو أهللا ـ ـ شر و ٍ‬
‫ليد لت‪ ،‬فيعطيت ذلك الثَّمر‪[ .‬مس ــلم (‪ )1373‬والرتمذي (‪ )3454‬والنس ــائي يف عمل‬
‫ْ ش‬
‫اليوم والليلة (‪ )302‬وابن ماجه (‪ )3329‬وابن السين (‪. ])279‬‬

‫‪ - 4‬عصمتها من الدَّجال والطَّاعون بربكتت هللال هللا عليت و لم‬

‫َّ‬
‫إن هللا تعاىل قيَّض يا مالئكةً ر ـ ــو‪،‬ا‪ ،‬فال يسـ ــتطيع الدَّجال إليها ـ ــبيالً بل يلقي إليها‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ابل ِ‬
‫ص ـ َّلة ورفع‬ ‫نخوانت من الكفَّار‪ ،‬واَّنافق ‪ ،‬كما َّ‬
‫أن من لوازم دعاء الن ِ‬
‫[البخاري (‪ )1880‬ومســلم‬ ‫الوابء أحَّ ينايل هبا الطَّاعون‪ ،‬كما أخرب بذلك اَّعصــوم هللاــل هللا عليت و ــلم ‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫(‪. )1(])1379‬‬

‫الصرب عل شدَّهتا‬
‫‪ - 5‬فضيلة َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم من هللاــرب عل شــدَّة اَّدينة‪ ،‬و ــيق عي ـها‪ ،‬ابل َّ ـفاعة‬
‫فقد وعد الن ُّ‬
‫يوم القيامة(‪ ،)2‬فعن عد بن أيب وقَّاص ر ي هللا عنت قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫«اَّدينة خري يم لو كانوا يعلمون‪ ،‬ح يدعها أحد ر بةً عنها إح أبدل هللا فيها شم ْن هو خري‬
‫وج ْه ِدها‪ ،‬إح كنت لت ش ـ ــفيعاً ‪ -‬أو ش ـ ــهيداً ‪ -‬يوم القيامة»‬ ‫ِ (‪)3‬‬
‫منت‪ ،‬وح يثبت أحد عل أل شْوائ شها ش‬
‫[مسلم (‪. ])1361‬‬

‫‪ - 6‬فض ــيلة اَّوت فيها فعن ابن عمر ر ــي هللا عنت قال قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت‬
‫[الرتمذي (‪)3917‬‬ ‫و ـ ــلم «من ا ـ ــتطاي أن ميوت ابَّدينة فليشمت هبا‪ِ ،‬‬
‫فَين أش ـ ــفع َّن ميوت هبا»‬
‫وابن ماجه (‪ )3112‬وابن حبان (‪ )3733‬والبيوقي يف الشـــعب (‪ ،])4184‬وكان عمر بن اخلطَّاب ر ـ ــي هللا عنت يدعو‬
‫هبذا الدُّعاء «اللَّهم ارزق ش ـ ـ ــهادةً يف ـ ـ ــبيلك‪ ،‬واجعل مول يف بلد ر ـ ـ ـولك هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫[البخاري (‪. ])1890‬‬ ‫و لم»‬

‫وقد ا ــت اب هللا للفاروق ر ــي هللا عنت‪ ،‬فا ــت ــهد يف حمراب ر ــول هللا هللاـ ـل هللا عليت‬
‫يؤم اَّسلم يف هللاالة الف ر‪.‬‬
‫و لم ‪ ،‬وهو ُّ‬
‫‪ - 7‬هي كهف الميان‪ ،‬وتنفي اخلبث عنها‬

‫الميان يل أ إليها مهما ـ ـ ـ ـ ـ ــاقت بت البالد‪ ،‬واألخباث‪ ،‬واألش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار ح مقام يم فيها‪ ،‬وح‬
‫ا تقرار‪ ،‬وح خيرً منها أحد ر بةً عنها إح أبديا هللا خرياً منت من اَّؤمن الصادق (‪.)4‬‬

‫إن الميان ليأْ ِرز‬


‫فعن أيب هريرة ر ــي هللا عنت قال قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.158‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫(‪ )3‬ال واء ال ِ دَّة ‪ ،‬و يق العيش‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اي رة النبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪431‬‬
‫(‪)1‬إىل اَّدينة كما شأتْ ِرز احلية إىل جلرها» [البخاري (‪ )1876‬ومســلم (‪ ،])147‬وقال هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫«‪ ...‬والَّذأ نفس ـ ـ ــي بيده! ح خيرً منها أحد ر بةً عنها إح أخلف هللا فيها خرياً منت‪ ،‬أح َّ‬
‫إن‬
‫ث‬
‫اَّدينة كالكري‪ ،‬هرًِ اخلبث‪ ،‬ح تقوم ال َّسـ ـ ـاعة حض تنفي اَّدينة شـ ـ ـرارها‪ ،‬كما ينفي الكري خبش ش‬
‫احلديد» [مسلم (‪ )1381‬وأمحد (‪. ])439/2‬‬

‫‪ - 8‬تنفي ُّ‬
‫الذنوب واألوزار‬

‫عن زيد بن اثبت ر ي هللا عنهما قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم « َّإ‪،‬ا ‪ -‬أأ‬
‫[البخاري (‪ )4589‬ومسلم (‪. ])1384‬‬ ‫اَّدينة ‪ -‬طشْيـبشة تنفي ُّ‬
‫الذنوب(‪ ،)2‬كما تنفي النَّار خبث الفضَّة»‬

‫‪ - 9‬حفم هللا َّإَيها اَّن يريدها بسوء‬

‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم شم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قد تكفَّل هللا حبفظها من ِ‬
‫كل قاهللاـ ـ ــد َّإَيها بسـ ـ ــوء‪ ،‬وتوعَّد الن ُّ‬
‫أح ــدث فيه ــا ح ــداثً‪ ،‬أو آو فيه ــا حمـ ـ ِداثً‪ ،‬أو أخ ــا أهله ــا‪ ،‬بلعن ــة هللا‪ ،‬وع ــذاب ــت‪ ،‬وابيالك‬
‫العاجل(‪ ،)3‬فعن ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا عنت قال قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫أهل اَّدينة أحد إح اجاي(‪ ،)4‬كما ينماي اَّل يف اَّاء» [البخاري (‪ )1822‬ومســ ـ ـ ــلم (‪،])1387‬‬
‫«ح يكيد ش‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫فعليت‬ ‫وقال هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «اَّدينة شحشرم‪ ،‬فمن أحدث فيها شح شداثً أو آو حمداثً‬
‫ع ْدل‪ ،‬وح هللار » [مسلم (‪.])1371‬‬ ‫ِ‬
‫شْ‬ ‫يوم القيامة ش‬
‫لعنة هللا‪ ،‬واَّالئكة‪ ،‬والنَّاس أ ع ‪ ،‬ح يـ ْقبشل منت ش‬
‫‪ - 10‬حترميها‬

‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم بوح ٍي من هللا‪ ،‬فال يراق فيها دم‪ ،‬وح ْمل فيها‬
‫حرمها الن ُّ‬
‫قد َّ‬
‫يروي فيها أحد‪ ،‬وح يقطع فيها ش ـ ـ ـ ر‪ ،‬وح شِحت ُّل لقطتها إح َّن ـ ـ ٍـد‪ ،‬و ري ذلك اَّا‬ ‫ـ ــال ‪ ،‬وح َّ‬

‫ينضم ‪ ،‬وجيتمع‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬ررز‬


‫(‪ )2‬يف رواية (تنفي اخلبث) ويف رواية (تنفي الدَّجال)‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫(‪ )4‬اجاي ذاب ‪ ،‬و ال‪.‬‬
‫(‪ )5‬احلدث المث ‪ ،‬أو األمر اَّنكر الذأ ليس مبعرو ٍ يف السنة‪.‬‬
‫(‪ )6‬اَّدث هو شم ْن أت احلشدث‪.‬‬
‫‪432‬‬
‫وحرمت اَّدينة‬ ‫مكةش ودعا يا‪َّ ،‬‬‫حرم َّ‬
‫إن إبراهيم َّ‬ ‫يدخل يف حترميها‪ ،‬قال هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم « َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـاعها ِمثْ شل ما شدعا إبراهيم ‪ -‬عليت ال َّس ـ ـ ـالم ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫حرم إبراهيم َّ‬
‫مكةش‪ ،‬ودعوت يا يف مدها‪ ،‬و ش‬ ‫كما َّ‬
‫َّ‬
‫َّكة» [البخاري (‪ )2129‬ومسلم (‪.])1360‬‬

‫حرم مكة‪ ،‬وإين‬


‫إن إبراهيم َّ‬ ‫وقال هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم «هذا جبل بُّنا وحنبُّت‪ ،‬اللَّ َّ‬
‫هم! َّ‬
‫اَّدينة‪ ،‬وقال هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫حرمت ما ب حبتيها» [البخاري (‪ )4084‬ومس ــلم (‪ ])1362‬يع‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫لرجل‬ ‫حتل ل شقطشتها إح َّن أش ــادها(‪ ،)3‬وح يص ــل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫«ح خيْتل خالها ‪ ،‬وح ينفَّر هللا ــيدها ‪ ،‬وح ُّ‬
‫لقتال‪ ،‬وح يص ــل أن يقطع منها شـ ـ ر‪ ،‬إح أن يعلف رجل بعريه» [أمحد‬
‫ش‬
‫ٍ‬ ‫أن مل فيها ال ِس ـال‬
‫(‪. ])119/1‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة يتعلَّقون هبا‪ ،‬و رهللا ـ ـ ـ ــون عل اي رة إليها‪،‬‬


‫إن هذه الفض ـ ـ ـ ــائل العظيمة جعلت ال َّ‬
‫توجهت حنو القضـ ـ ــاء عل ال ِ ـ ـ ـرك أبنواعت‪،‬‬
‫األمة فيها‪ ،‬مثَّ َّ‬ ‫دمعت طاقات َّ‬ ‫واَّقام فيها‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫والكفر أبشكالت‪ ،‬وفتلوا م ارق األرض‪ ،‬وم ارشهبا‪.‬‬

‫***‬

‫الرط فيها‪.‬‬
‫ح خيْتشل شخالشها ح جيُّاي ‪ ،‬وح يقطع احل يش َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الرعي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ح َّ‬


‫ينفر هللايدها ح يايجر ‪ ،‬ومينع من َّ‬
‫الصوت ‪ ،‬واَّراد تعريف اللقطة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أشادها أشاعها ‪ ،‬والشادة رفع َّ‬
‫‪433‬‬
‫السادس‬
‫الفصل َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الص ِّديق رضي هللا عنه‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم وصاحبه ِّ‬
‫هجرة الن ِّ‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫الرفيع للوجرة‬
‫ي َّ‬ ‫فشل خطَّة املشركني‪َّ ،‬‬
‫والرتتيب النَّبو ي‬
‫أوالً‪ :‬فشل خطَّة املشركني الغتيال الن ِّ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم من اي رة إىل اَّدينة عل‬ ‫بعد أن منيت قريش ابلف ـ ــل يف منع ال َّ‬
‫الر م من أ اليبها ال َّنيعة‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬فقد أدركت قريش خطورة اَّوقف‪ ،‬وخافوا عل مصاحلهم‬ ‫َّ‬
‫احجتماعي القائم ب قبائل العرب لذلك اجتمعت قيادة قريش يف دار‬ ‫ِ‬ ‫احقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاديَّة‪ ،‬وكيا‪،‬م‬
‫النَّدوة للت ـ ـ ــاور يف أمر القض ـ ـ ــاء عل قائد الدَّعوة‪ ،‬وقد حتدَّث ابن عباس يف تفس ـ ـ ــريه لقول هللا‬
‫اَّلل شخ ْري‬
‫اَّلل شو َّ‬ ‫وك أ ْشو خيْ ِرج ش‬
‫وك شوميشْكرو شن شوميشْكر َّ‬ ‫ين شك شفروا لِيـثْبِت ش‬
‫وك أ ْشو يشـ ْقتـل ش‬ ‫تعاىل ﴿وإِ ْذ ميشْكر بِ َّ ِ‬
‫ك ا لذ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫الْماكِ ِرين ﴾ [اآلنفال‪. ]30 :‬‬
‫ش ش‬
‫مبكة‪ ،‬فقال بعض ـ ـ ـهم إذا أهللاـ ـ ــب فأثبتوه ابلوثق خرب اجتماي‬ ‫فقال ت ـ ـ ــاورت قريش ليلةً َّ‬
‫قريش ذكره ابن ه ـ ـ ـ ـ ـ ــام (‪ )126 - 124/2‬وابن ـ ـ ـ ـ ـ ــعد (‪ )228 - 227/1‬والبيهقي يف‬
‫دحئ ـ ــل النبوة (‪ )468 - 466/2‬وأبو نعيم يف دحئل ـ ــت (‪ )64 - 63‬والطربأ يف اترخي ـ ــت‬
‫(‪)2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬
‫(‪ )372/2‬واييثمي يف جممع الايوائد (‪ ، ])53 - 52/6‬يريدون الن َّ‬
‫وقال بعض ـ ـ ـ ـ ــهم بل اقتلوه‪ ،‬وقال بعض ـ ـ ـ ـ ــهم بل أخرجوه‪ ،‬فأطلع هللا نبيَّت عل ذلك‪ ،‬فبات علي‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ -‬تلك اللَّيلة أحد (‪ )348/10‬وعبد الرزاق يف اَّصنف‬ ‫عل فراش الن ِ‬
‫(‪) 3‬‬
‫َّب‬
‫(‪ )389/5‬والطربأ يف اترخي ــت (‪ )372/2‬وجممع الايوائ ــد (‪ . ])53 - 52/6‬وخرً الن ُّ‬
‫رد هللا مكرهم‪ ،‬فقالوا أين‬ ‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أهللابلوا اثروا إليت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأوا علياً َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )11‬يف الصفلة (‪.)747‬‬


‫(‪ )2‬الوثق احلبال ‪ ،‬واَّفرد واثق‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪434‬‬
‫فاقتصوا أثره‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل وا اجلبل اختلا عليهم األمر‪ ،‬فصعدوا‬
‫هللااحبك هذا؟ قال ح أدرأ! ُّ‬
‫فمروا ابل ار‪ ،‬فرأوا عل اببت نس ـ ـ ـ ـ ـ ــت العنكبوت‪ ،‬فقالوا لو دخل هاهنا يكن ينس ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫اجلبل‪ُّ ،‬‬
‫العنكبوت عل اببت‪ ،‬فمكث فيت ثالاثً(‪.)1‬‬
‫قال ـ ــيِد قط ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬يف تفس ـ ــريه لآلَيت الَّيت تتلدَّث عن مكر اَّ ـ ــرك ابلن ِ‬
‫َّب‬
‫مكة قبل ت ُّري احلال‪ُّ ،‬‬
‫وتبدل اَّوقف‪ ،‬وإنَّت ليوحي‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم «إنَّت التَّذكري مبا كان يف َّ‬
‫ابلثِقة واليق يف اَّس ـ ـ ــتقبل‪ ،‬كما ينبِت إىل تدبري قدر هللا‪ ،‬وحكمتت فيما يقض ـ ـ ــي بت ورمر‪ .‬ولقد‬
‫مرةٍ يعرفون احلال معرفة الَّذأ عاش‪ ،‬ورأ ‪،‬‬ ‫كان اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون الَّذين خياطشبون هبذا القرآن َّأول َّ‬
‫وقلق يف مواجهة‬ ‫يذكروا هبذا اَّا ـ ـ ـ ـ ـ ــي القري ‪ ،‬وما كان فيت من خو ٍ ‪ٍ ،‬‬
‫وذاق‪ ،‬وكان يكفي أن َّ‬
‫احلا ـ ـ ــر الواقع‪ ،‬وما فيت من أم ٍن‪ ،‬وطمأنينة‪ ،‬وما كان من تدبري اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬ومكرهم بر ـ ـ ــول هللا‬
‫جمرد النَّ اة منهم‪.‬‬
‫لبة عليهم‪ ،‬ح َّ‬‫هللال هللا عليت و لم يف مواجهة ما هللاار إليت من ٍ‬

‫لقد كانوا ميكرون ليوثقوا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬و بسوه ح َّض ميوت أو ليقتلوه‪،‬‬
‫مكة منفياً مطروداً‪ ،‬ولقد ائتمروا هبذا كلِت‪ ،‬مثَّ اختاروا قتلت‪ ،‬عل‬
‫ويتهلَّصوا منت‪ ،‬أو ليهرجوه من َّ‬
‫ليتفرق دمت يف القبائل‪ ،‬ويع اي بنو هاش ــم عن قتال‬ ‫أن َّ‬
‫يتوىل ذلك اَّنكر فتية من القبائل يعاً َّ‬ ‫َّ‬
‫العرب يعاً‪ ،‬فري وا ِ‬
‫ابلدية‪ ،‬وينتهي األمر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين ﴾‪ ،‬وهي يف الوقت ذاتت هللاـ ــورة مفايعة‬‫اَّلل شخ ْري الْ شماك ِر ش‬
‫اَّلل شو َّ‬
‫﴿وميشْكرو شن شوميشْكر َّ‬
‫إ‪،‬ا هللاـ ــورة ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعا اَّهازيل‪ ،‬من تلك القدرة القادرة‪ ،‬قدرة هللا اجلبَّار‪ ،‬القاهر فوق‬ ‫فأين هؤحء الب ـ ـ ـ ـ ـ ــر ال ِ‬
‫شيء حميا؟!(‪.)2‬‬ ‫بكل ٍ‬ ‫عباده‪ ،‬ال ال عل أمره‪ ،‬وهو ِ‬

‫ي للوجرة‪:‬‬ ‫اثنياً‪َّ :‬‬


‫الرتتيب النَّبو ي‬
‫عن عائ ـة ِأم اَّؤمن ر ـي هللا عنها قالت كان ح خيطئ ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم‬
‫حض إذا كان اليوم الَّذأ أ ِذن‬ ‫أن رل بيت أيب بك ٍر أحد طريف النَّهار‪َّ ،‬إما بكرًة‪َّ ،‬‬
‫وإما ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّةً‪َّ ،‬‬
‫مكة من ب ظهرأ قومت أاتان‬ ‫فيت لر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يف اي رة‪ ،‬واخلروً من َّ‬

‫انظر البداية والنِهاية (‪ ، )181/3‬وابن ح ر يف الفت ‪َّ ،‬‬


‫وحسن إ ناده ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3905‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر يف ظالل القران (‪.)1501/3‬‬


‫‪435‬‬
‫اعة كان ح رل فيها‪ ،‬قالت فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه أبو‬ ‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ابياجرة(‪ ،)1‬يف ٍ‬
‫الساعة إح ألم ٍر شح شدث‪.‬‬
‫بكر‪ ،‬قال ما جاء ر ول هللا هللال هللا عليت و لم هذه َّ‬
‫أتخر لت أبو بكر عن ريره‪ ،‬ف لس ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪،‬‬ ‫قالت فلـ ـ ـ ـ َّـما دخل َّ‬
‫وليس عند أيب بكر إح أان‪ ،‬وأخيت أمساء بنت أيب بكر‪ ،‬فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫أخر ًِْ ع ِ شم ْن عنــدك» فقــال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! إَّجـا لــا ابنتــاأ‪ ،‬ومــا ذاك؟ فــداك أيب‪ ،‬و ِأمي!‬
‫« ْ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلبة َي‬
‫فقال «إنَّت قد أذن س يف اخلروً واي رة»‪ .‬قالت فقال أبو بكر ر ـ ـ ــي هللا عنت ال ُّ‬
‫أن أحداً يبكي من‬ ‫قا قبل ذلك اليوم َّ‬ ‫صـ ـلبة»‪ .‬قالت فوهللا ما ش ــعرت ُّ‬ ‫ر ــول هللا! قال «ال ُّ‬
‫إن ه ــات راحلت ــان‪ ،‬ق ــد كن ــت‬ ‫نب هللا! َّ‬ ‫ٍ‬
‫حض رأي ــت أاب بكر يبكي يومئ ــذ‪ ،‬مثَّ ق ــال َي َّ‬ ‫الفر ‪َّ ،‬‬
‫أعددهتما يذا‪ .‬فا ـ ـ ـ ـ ـ ــتأْ شجشرا عبد هللا بن أريقا ‪ -‬رجالً من ب الدَّيْل بن بكر‪ ،‬وكانت ُّأمت امرأ ًة‬
‫يديما عل الطَّريق‪ ،‬فدفعا إليت راحلتيهما‪ ،‬فكانتا عنده‬ ‫من ب ــهم بن عمرو‪ ،‬وكان م ــركاً ‪ُّ -‬‬
‫يرعالا َّيعادلا‪[ .‬ابن هشام (‪. )2(])129 - 128/2‬‬
‫حديث طويل‪ ،‬وفيت «‪ ...‬قالت عائ ـ ـ ــة‬ ‫ٍ‬ ‫البهارأ عن عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها يف‬
‫ُّ‬ ‫ورو‬
‫فبينما حنن يوماً جلوس يف بيت أيب بكر‪ ،‬يف حنر الظَّهرية قال قائل أليب بكر هذا ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا‬
‫ـاعة يكن رتينا فيها‪ ،‬فقال أبو بكر فداءً لت أيب و ِأمي!‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم متقنِعاً(‪ )3‬يف ـ ٍ‬
‫وهللا ما جاء بت يف هذه ال َّس ـاعة إح أمر! قالت فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أليب بك ٍر‬
‫فَين قد أ ِذ شن س يف‬ ‫أخر ًِْ من عندك»‪ ،‬فقال أبو بكر َّإجا هم أهلك‪ .‬قال « ِ‬ ‫ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت « ْ‬
‫الصلبةش أبيب أنت َي ر ول هللا! قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫اخلروً»‪ ،‬فقال أبو بكر ُّ‬
‫احليت هات ‪ ،‬قال‬ ‫«نعم»‪ ،‬قال أبو بكر ر ـ ـ ــي هللا عنت فهذ أبيب أنت َي ر ـ ـ ــول هللا! إحد ر َّ‬
‫ث‬ ‫ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ابلثَّمن»‪ ،‬قالت عائ ـ ــة ر ـ ــي هللا عنها ف َّهايانلا أح َّ‬
‫اب‪ ،‬فقطعت أمساء بنت أيب بكر‬ ‫احلث وهو ال ـ ـ ـ ـراي)‪ ،‬وهللا ـ ـ ــنعنا يم ـ ـ ـ ـفرةً يف ِجر ٍ‬
‫اجلهاز (من ِ‬
‫ر ي هللا عنهما قطعةً من نطاقها‪ ،‬فربطت بت عل فم اجلراب‪ ،‬فبذلك ِمسيت ذات النطاق ‪ ،‬مثَّ‬
‫ليال‪،‬‬‫حلق ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وأبو بكر ب ا ٍر يف جبل ثور‪ ،‬فكمنا(‪ )4‬فيت ثالث ٍ‬

‫(‪ )1‬اياجرة هي نصف النَّهار عند اشتداد ِ‬


‫احلر‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة حبن كثري (‪ 233/2‬ـ ‪.)234‬‬
‫(‪ )3‬متقنعاً م ِطياً رأ ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬كمنا فيت أأ ا ت ا ‪ ،‬وا تهفيا ‪ ،‬ومنت الكم يف احلرب ‪ ،‬النِهاية (‪.)201/4‬‬
‫‪436‬‬
‫يبيت عندلا عبد هللا بن أيب بك ٍر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهما‪ ،‬وهو الم‪ ،‬شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‪ ،‬ثشِقف(‪ ،)1‬لشِقن(‪،)2‬‬
‫كتادان(‪ )4‬بت إح‬‫كبائت‪ ،‬فال يسـ ــمع أمراً ي ِ‬ ‫مبكة ٍ‬ ‫يش َّ‬
‫فيدجل(‪ )3‬من عندلا ب شس ـ ـ شل ٍر‪ ،‬فيصـ ــب مع قر ٍ‬
‫حض رتيهما رب ذلك‪ ،‬ح خيتلا الظَّالم‪ ،‬ويرع عليهما عامر بن فهرية موىل أيب بكر‬ ‫شو شعاه‪َّ ،‬‬
‫ر ي هللا عنت منلةً من شنشم‪ ،‬فري ها عليهما ح تذه اعة من العِ اء‪ ،‬فيبتان يف ر ْ ٍل ‪-‬‬
‫لس(‪)7‬يفعل ذلك يف ِ‬
‫كل‬ ‫وهو لششب ِمْنلتِ ِهما شور ِ ـ ـ ـ ـ ـيفهما(‪ - )5‬حض ينعق(‪ )6‬هبا عامر بن فهرية بشـ ش ٍ‬
‫ليلة من تلك اللَّياس الثَّالث‪ ،‬وا تأجر ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وأبو بكر رجالً من ب‬ ‫ٍ‬
‫اخلريــت اَّــاهر ابيــدايــة‪ ،‬قــد مس‬ ‫ـدأ ‪ -‬هــادَيً ِخ ِريت ـاً ‪ -‬و ِ‬ ‫الـ َّـديْ ـل‪ ،‬وهو من ب عبــد بن عـ ِ‬
‫حلف ـاً(‪ )8‬يف ال العــاص بن وائــل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهمي‪ ،‬وهو عل دين كفــار قريش‪ ،‬فـ ِ‬
‫ـأمنــاه‪ ،‬فــدفعــا إليــت‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬وانطلق معهما عامر بن‬ ‫راحلتيهما‪ ،‬وواعداه ار ثوٍر بعد ثالث ليال براحلتيهما هللاـ ـ ـ ـ ـ ـْب ش‬
‫سـ ـ ـ ـ ـ ـواحل» [البخاري (‪ ،)3905‬وأمحد (‪ ،)199 - 198/6‬والبيوقي يف دالئل النبوة‬ ‫فهرية‪ ،‬والدَّليل‪ ،‬فأخذ هبم طريق ال َّ‬
‫(‪ ،)475 - 473/2‬وعبد الرزاق يف املصنف (‪ ،)388/5‬والطربي يف اترخيه (‪. ])378 - 375/2‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ووصوله إىل ال ار‪:‬‬
‫اثلثاً‪ :‬خروج َّ‬
‫علي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬وأبو‬
‫يعلم روً ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أحد ح خرً إح ُّ‬
‫الص ِديق‪ ،‬وآل أيب بك ٍر‪.‬‬
‫بكر ِ‬

‫حض يؤدأ‬ ‫فَن ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم أمره أن يتهلَّف َّ‬
‫َّأما علي ر ــي هللا عنت‪َّ ،‬‬
‫عن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم الودائع الَّيت كانت عنده للنَّاس‪ ،‬وكان ر ــول هللا هللاــل هللا‬
‫مبكة أحد عنده شـ ــيء خي ـ ـ عليت إح و ـ ــعت عنده َّا يعلم من هللاـ ــدقت‪،‬‬ ‫عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وليس َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأيب بك ٍر ر ــي هللا عنت‪ ،‬فهرجا من‬ ‫(‪)9‬‬
‫وأمانتت ‪ ،‬وكان اَّيعاد ب َّ‬

‫فطنة ‪ ،‬وذكاء ‪ ،‬واَّراد اثبت اَّعرفة مبا تاً إليت ‪ ،‬النِهاية (‪.)216/1‬‬‫(‪ )1‬ثقف ذو ٍ‬
‫(‪ )2‬لقن فش ِهم ‪ ،‬حسن الت ِ‬
‫َّلقي َّا يسمعت ‪ ،‬النِهاية (‪.)266/4‬‬
‫(‪ )3‬يدجل أدجل إذا ار َّأول الليل ‪ ،‬وادَّجل ـ ابلت ديد ـ إذا ار اخره‪.‬‬
‫(‪ )4‬يكتادان أأ يطل يما فيت اَّكروه ‪ ،‬وهو من الكيد‪.‬‬
‫الر يف اللَّب اَّر و ‪ ،‬وهو الذأ طر فيت احل ارة َّ‬
‫اَّماة ابل َّمس ‪ ،‬أو النَّار ‪ ،‬لينعقد وتايول رخاوتت‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬ينعق نعق ب نمت ‪ ،‬أأ هللاا هبا ‪ ،‬وزجرها ‪ ،‬القاموس اَّيا (‪.)295/3‬‬
‫الصبا ‪ ،‬النِهاية (‪.)377/3‬‬‫(‪ )7‬ال لس ظلمة اخر الليل إذا اختلطت بضوء َّ‬
‫(‪ )8‬مس حلقاً أأ أخذ بنصي من عقدهم ‪ ،‬وحلفهم رمن بت‪.‬‬
‫(‪ِ )9‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)234/2‬‬
‫‪437‬‬
‫حض ح تتبعهمــا قريش‪،‬‬ ‫خوخــة(‪ ،)1‬أليب بكر يف ظش ْه ِر بيتــت‪ ،‬وذلــك لإلمعــان يف اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتهفــاء َّ‬
‫الرحلــة اَّبــاركــة‪ ،‬وقــد اتَّـ شعـدا مع اللَّيــل عل أن يلقــالــا عبــد هللا بن أريقا‪ ،‬يف‬
‫وَتنعهمــا من تلــك ِ‬
‫ار ثور‪ ،‬بعد ثالث ٍ‬
‫ليال(‪.)2‬‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم عند خروجه من َّ‬
‫مكة‪:‬‬ ‫رابعاً‪ :‬دعاء الن ِّ‬
‫وقد دعا النَّب هللال هللا عليت و لم عند خروجت من َّ‬
‫مكة إىل اَّدينة قائالً‬
‫هم أع ِ عل هول الدُّنيا‪ ،‬وبوائق الدَّهر‪ ،‬ومصائ‬ ‫«احلمد هلل الَّذأ خلق و أشك شيئاً! اللَّ َّ‬
‫هم اهللالب يف فرأ‪ ،‬واخلف يف أهلي‪ ،‬وابرك س فيما رزقت ‪ ،‬ولك ف شذلِل ‪،‬‬ ‫اللَّياس واألَيم! اللَّ َّ‬
‫رب اَّســتضــعف ! وأنت ريب‪،‬‬ ‫فقوم ‪ ،‬وإليك رب فلبِب ‪ ،‬وإىل النَّاس فال تك ْل ! َّ‬ ‫وعل خلقي ِ‬
‫أعوذ بوجهك الكر الَّذأ أشـرقت لت ال َّسـموات‪ ،‬واألرض‪ ،‬وك ِ ـفت بت الظُّلمات‪ ،‬وهللاــل عليت‬
‫علي ضبك‪ ،‬أو تنايل يب هطك! أعوذ بك من زوال نعمتك‪،‬‬ ‫حتل َّ‬
‫األول ‪ ،‬وا خرين أن َّ‬ ‫أمر َّ‬
‫وحتول عافيتك‪ ،‬و يع ـ ـ ـ ـ ـ ـهطك‪ ،‬لك العْت شىب عندأ خري ما ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتطعت‪ ،‬ح‬ ‫شوف ش اءشة نقمتك‪ُّ ،‬‬
‫حول‪ ،‬وح َّقوة إح بك» [عبد الرزاق يف املصنف (‪. )3(])9234‬‬
‫مكة‪ ،‬وقال «وهللا إن ِ‬
‫َّك‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم عند خروجت ابحلشْايورة يف وق َّ‬ ‫ووقف َّ‬
‫شش‬
‫ِ‬
‫جت» [الرتمذي (‪ )3925‬وأمحد‬‫خلري أرض هللا‪ ،‬وأح ُّ أرض هللا إىل هللا‪ ،‬ولوح ِأين أ ْخ ِرجت منك ما شخشر ْ‬
‫(‪ )305/4‬وابن ماجه (‪. ])3108‬‬

‫مثَّ انطلق ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهللااحبت‪ ،‬وقد حفظهما هللا من بطش اَّ رك ‪،‬‬
‫وهللارفهم عنهما‪.‬‬
‫اقتصوا أثر ر ول هللا هللال‬ ‫ُّ‬ ‫أن اَّ رك‬ ‫رو المام أحد عن ابن ٍ‬
‫عباس ر ي هللا عنهما « َّ‬
‫هللا عليت و لم ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل وا اجلبل ‪ -‬جبل ثور ‪ -‬اختلا عليهم‪ ،‬فصعدوا اجلبل‪ ،‬فمُّروا ابل ار‪،‬‬
‫فرأوا عل اببت نسـ ـ ـ ــيت العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا‪ ،‬يكن نس ـ ـ ـ ــت العنكبوت عل اببت»‬
‫اليت خيذل هبا الباطل‪ ،‬وينصـ ـ ـ ـ ـ ــر هبا احلق أل َّن‬
‫وجل ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫[أمحد (‪ ،])348/1‬وهذه من جنود هللا ‪َّ -‬‬

‫(‪ )1‬اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.334‬‬


‫(‪ )2‬خاذ النَّبيِ ‪ ،‬أليب زهرة (‪ ، )659/1‬و ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)234/2‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪ 230/2‬ـ ‪.)234‬‬
‫‪438‬‬
‫فَن خطرها‬ ‫ماديَّةً‪ ،‬أو معنويةً‪ ،‬وإذا كانت ِ‬
‫ماديَّة َّ‬ ‫أعم من أن تكون ِ‬ ‫جنود هللا ‪ -‬جلَّت قدرتت ‪ُّ -‬‬
‫قيش ذأ شجلش ٍ (‪ .)1‬قال هللا تعاىل‬ ‫ٍ‬ ‫ح يتمثَّل يف ـ ـ ـ ـ ـ ــهامتها‪ ،‬فقد تفتك جرثومة ح تراها الع‬
‫ك إِحَّ ه شو شوشما ِه شي إِحَّ ِذ ْكشر لِْلبش ش ِر ﴾ [املدثر‪ . ]31 :‬أأ وما يعلم جنود ربك‬
‫ود شربِ ش‬
‫﴿وشما يشـ ْعلشم جن ش‬
‫ش‬
‫ٍ (‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫متناهية‪َّ ،‬‬
‫ألن مقدوراتت ري متناهية ‪ ،‬كما أنَّت ح ـ ـ ـ ـ ـ ــبيل‬ ‫لفرط كثرهتا إح هو‪ ،‬ف نود هللا ري‬
‫احطالي‬ ‫ألحد إىل حصــر اَّمكنات‪ ،‬والوقو عل حقائقها‪ ،‬وهللاــفاهتا‪ ،‬ولو إ احً‪ ،‬فضـالً عن ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف‪ٍ ،‬‬
‫ونسبة(‪.)3‬‬ ‫كم‪ ،‬وشكْي ٍ‬
‫عل تفاهللايل أحوايا من ٍ‬

‫خامساً‪ :‬عناية هللا سبحانه وتعاىل ورعايته لرسوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫كل األ ـ ــباب الَّيت اهذها ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فَنَّت يركن إليها‬ ‫ابلر م من ِ‬
‫َّ‬
‫الرجاء يف نص ــره‪ ،‬وأتييده‪ ،‬دائم الدُّعاء ابل ِ‬
‫صـ ـي ة الَّيت‬ ‫كامل الثِقة يف هللا‪ ،‬عظيم َّ‬ ‫َّ‬
‫مطلقاً وإجا كان ش‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫علَّمت هللا َّإَيها(‪ .)4‬قال تعاىل ﴿وقل ر ِ ِ‬
‫شخ ِر ْج ِ ملْشر شً هللاـ ـ ـ ْدق شو ْ‬
‫اج شع ْل‬ ‫ب أ ْشدخ ْل ِ م ْد شخ شل هللاـ ـ ـ ْدق شوأ ْ‬ ‫ش ْش‬
‫ِ‬
‫صريا ﴾ [اإلسراء‪. ]80 :‬‬ ‫ِس ِم ْن لشدنْ ش‬
‫ك ْلطشاانً نش ً‬
‫ويف هــذه ا يــة الكرميــة‪« ،‬دعــاء يعلِمــت هللا لنبيِـت ليــدعوه بــت‪ ،‬ولتتعلَّم َّأمتــت كيف تــدعو هللا‪،‬‬
‫الرحلة كلِها بدئها‪،‬‬
‫وكيف تتَّ ت إليت؟ دعاء بصــدق اَّ ْد شخل‪ ،‬وهللاــدق اَّ ْهرً‪ ،‬كنايةً عن هللاــدق ِ‬
‫ش‬
‫صـدق هنا قيمتت مبنا ــبة ما حاولت اَّ ــركون‬ ‫األول وا خر‪ ،‬ولل ِ‬ ‫َّ‬ ‫وختامها‪َّ ،‬أويا‪ ،‬وآخرها‪ ،‬وما ب‬
‫من فتنتت عما أنايلت هللا عليت ليف أ عل هللا ريه‪ ،‬وللص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق كذلك ظاللت ظالل الثَّبات‪،‬‬
‫واحطمئنان والنَّظافة‪ ،‬والخالص‪.‬‬
‫وقوة‬
‫صـ ـ ًريا ﴾‪ ،‬وهيبةً أ ــتعلي هبما عل ــلطان األرض‪َّ ،‬‬ ‫ك ـ ـ ْلطشاانً نش ِ‬‫اج شع ْل ِس ِم ْن لشدنْ ش‬
‫﴿و ْ‬
‫ش‬
‫ك﴾‪ ،‬واحتِصــال ابهلل‪ ،‬واح ــتمداد من عونت مباشــرًة‪ ،‬واللُّ وء‬ ‫اَّ ــرك ‪ ،‬وكلمة تصـ ِـور ِ‬
‫﴿م ْن لشدنْ ش‬
‫إىل حاه‪.‬‬
‫السلطان إح من هللا‪ ،‬وح ميكن أن يهاب إح بسلطان‬ ‫َّ‬
‫يستمد ُّ‬ ‫وهللااح الدَّعوة ح ميكن أن‬

‫ال شق ْوم شجلشباً هللااحوا وأجلبوا ‪ ،‬والبلر ا طرب موجت ‪ ،‬فهو شجلِ ‪.‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬
‫شجل ش‬
‫الرازأ (‪.)208/30‬‬ ‫تفسري َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫السعود (‪.)60/9‬‬‫تفسري أيب ُّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪439‬‬
‫ـتظل حباك ٍم‪ ،‬أو ذأ جاهٍ‪ ،‬فينص ـ ــره‪ ،‬ومينعت ما يكن اداهت قبل ذلك إىل‬ ‫هللا‪ ،‬وح ميكن أن يس ـ ـ َّ‬
‫هللا‪ ،‬والدَّعوة قد ت ايو قلوب ذوأ ال ُّس ـ ـ ـ ـلطان‪ ،‬واجلاه‪ ،‬فيص ـ ـ ـ ــبلون يا جنداً‪ ،‬وخدماً‪ ،‬فيفللون‪،‬‬
‫ولكنَّها هي ح تفل إن كانت من جند ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلطان‪ ،‬وخدمت‪ ،‬فهي من أمر هللا‪ ،‬وهي أعل من‬
‫السلطان‪ ،‬واجلاه»(‪.)1‬‬
‫ذوأ ُّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت‬
‫أأ الع طمأن َّ‬ ‫وعندما أحاط اَّ ـ ــركون ابل ار‪ ،‬وأهللا ـ ــب منهم ر ش‬
‫ص ـ ـ ِديق ر ــي هللا عنت قال قلت للن ِ‬
‫َّب هللا ــل هللا‬ ‫ص ـ ـ ِديق مبعيَّة هللا يما‪ ،‬فعن أيب بك ٍر ال ِ‬
‫و ــلم ال ِ‬
‫أن أحدهم نظر حتت قدميت ألبصران‪ ،‬فقال هللال هللا عليت و لم‬ ‫عليت و لم وأان يف ال ار لو َّ‬
‫اية «ا ـ ــكت َي‬ ‫«ما ظنُّك َي أاب بكر! ابثن هللا اثلثهما؟» [البخاري (‪ )3653‬ومسـ ــلم (‪ .])2381‬ويف رو ٍ‬
‫أاب بكر! اثنان هللا اثلثهما» [البخاري (‪. ])3922‬‬

‫شخشر شجت‬ ‫اَّلل إِ ْذ أ ْ‬ ‫وجل ‪ -‬ذلك يف قولت تعاىل ﴿إِحَّ تشـْنص ـ ـ ـروه فشـ شق ْد نش ش‬
‫ص ـ ـ ـشره َّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫احلق ‪َّ -‬‬ ‫و ـ ـ ـ ل ُّ‬
‫اَّلل ش ـ ـ ِكينشـتشت‬ ‫الَّ ِذين شك شفروا شاثِين اثْـنش ِ إِ ْذ لا ِيف الْ شا ِر إِ ْذ يـقول لِص ـ ـ ِ‬
‫احبِ ِت حش شْحتشاي ْن إِ َّن َّ‬
‫اَّللش شم شعنشا فشأشنْـشايشل َّ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ْ‬ ‫ش‬
‫اَّلل شع ِايياي شح ِكيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ه شي الْع ْليشا شو َّ‬‫الس ْفلش شوشكل شمة َّ‬ ‫شعلشْيت شوأشيَّ شده قنود شْ تشـشرْوشها شو شج شع شل شكل شمةش الذ ش‬
‫ين شك شفروا ُّ‬
‫﴾ [التوبة‪. ]40 :‬‬

‫ربأ يف تفسـ ــريه عن هذه ا ية الكرمية‪ ،‬فقال هذا إعالم من هللا ألهللاـ ــلاب‬ ‫وقد حتدَّث الطَّ ُّ‬
‫اَّتكفل بنصــر ر ـولت عل أعداء دينت‪ ،‬وإظهاره عليهم دو‪،‬م‬ ‫ر ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم أنَّت ِ‬
‫ـدو يف كثرةٍ‪،‬‬‫أعــانوه‪ ،‬أو يعينوه‪ ،‬وتــذكري منــت يم بفعــل ذلــك بــت‪ ،‬وهو من العــدد يف قلَّـ ٍة‪ ،‬والعـ ُّ‬
‫ـدو يف قلَّ ـة؟! يقول يم جـ َّـل ثنــايه إح تنفروا ‪ -‬أيُّهــا‬ ‫فكيف بــت وهو من العــدد يف كثرةٍ والعـ ُّ‬
‫اَّؤمنون ‪ -‬مع ر ــوس إذا ا ــتنص ــركم فتنص ــروه فاهلل انهللا ــره‪ ،‬ابهلل من قريش‪ ،‬من وطنت‪ ،‬وداره‬
‫َّ ِ‬
‫ين شك شفروا شاثِينش اثْـنش ْ ِ ﴾‪ ،‬وإَّج ـا عىن ج ـ َّل ثنــايه بقولــت‬ ‫يقول أخرجوه وهو أحــد ﴿إِ ْذ أ ْ‬
‫شخشر شج ـت ال ـذ ش‬
‫أل‪،‬ما كاان اللَّذين خرجا هارب من قريش‬ ‫﴿ شاثِين اثْـنش ْ ِ ﴾ هللا (ﷺ) ‪ ،‬وأاب بك ٍر ر ــي هللا عنت َّ‬
‫ش‬
‫إذ لُّوا بقتل ر ــول هللا (ﷺ) ‪ ،‬واختفيا يف ال ار‪ ،‬وقولت (إذ لا يف ال ار) يقول إذ ر ــول هللا‬
‫احبِ ِت﴾ يقول إذ يقول‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم وأبو بكر ر ــي هللا عنت يف ال ار(‪﴿)2‬إِ ْذ يـقول لِصـ ـ ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫الر ول لصاحبت أيب بكر ح حتاين وذلك أنَّت خا من الطَّل أن يعلموا مبكا‪،‬ما‪ ،‬ف ايي من‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)2247/4‬‬


‫(‪ )2‬ال ار الثق العظيم يكون يف اجلبل ‪ ،‬وقيل شبت البيت يف اجلبل‪.‬‬
‫‪440‬‬
‫ذلك‪ ،‬فقال لت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ح حتاين َّ‬
‫ألن هللا معنا‪ ،‬وهللا انهللاـران‪ ،‬فلن يعلم‬
‫عدوه وهو هبذه احلال من‬ ‫ِ‬ ‫جل ثنايه فقد نص ـ ـ ـ ــره عل‬
‫اَّ ـ ـ ـ ــركون بنا‪ ،‬ولن يص ـ ـ ـ ــلوا إلينا‪ ،‬يقول َّ‬
‫اخلو ‪ ،‬وقلَّة العدد‪ ،‬فكيف خيذلت‪ ،‬و وجت إليكم وقد كثَّر هللا من أنص ـ ــاره وعدد جنوده‪[ .‬الطربي‬
‫يف تفسريه (‪. ])136 - 135/10‬‬

‫وقد حتدَّث الدكتور عبد الكر زيدان‪ ،‬عن اَّعيَّة يف هذه ا ية الكرمية‪ ،‬فقال «وهذه اَّعيَّة‬
‫اَّللش شم شعنشا﴾‪ ،‬أعل من معيَّتت للمتَّق ‪ ،‬واَّسـ ـ ــن يف قولت‬ ‫الرابنية اَّسـ ـ ــتفادة من قولت تعاىل ﴿إِ َّن َّ‬ ‫َّ‬
‫ين ه ْم ْحم ِسـ ـ ـ ـ ـ ـنو شن ﴾ [النحل‪َّ ]128 :‬‬
‫ألن اَّعيَّة هنا هي لذات‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫تعاىل ﴿إِ َّن َّ‬
‫ين اتـَّق ْوا شوالذ ش‬
‫اَّللش شم شع الذ ش‬
‫ـف هو عمل يما‪ ،‬كوهللا ــف التَّقو ‪ ،‬والحس ــان بل‬ ‫الَّر ــول‪ ،‬وذات هللا ــاحبت‪ ،‬ري مقيَّدةٍ بوهللا ـ ٍ‬
‫خاهللاة بر ولت‪ ،‬وهللااحبت‪ ،‬مكفولة هذه اَّعيَّة ابلتأييد اب َيت‪ ،‬وخوارق العادات»(‪.)1‬‬ ‫هي َّ‬
‫ٍ‬
‫مبلمد ذرعاً‪،‬‬ ‫الظالل عن هذه ا َيت‪ ،‬فقال «ذلك ح اقت قريش‬ ‫وحتدَّث هللااح ِ‬
‫احلق‪ ،‬ح َتلك يا دفعاً‪ ،‬وح تطيق عليها هللا ـ ـرباً‪ ،‬فائتمرت‬ ‫القوة ال اطة دائماً بكلمة ِ‬ ‫كما تضـ ــيق َّ‬
‫وقررت أن تتهلَّص منت‪ ،‬فأطلعت هللا عل ما ائتمرت بت‪ ،‬وأوح إليت ابخلروً وحيداً‪ ،‬إح من‬ ‫بت‪َّ ،‬‬
‫وقوهتم إىل قوتت ظاهرة‪ ،‬مثَّ ماذا كانت‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديق‪ ،‬ح جيش‪ ،‬وح عدَّة‪ ،‬وأعدايه كثـر‪َّ ،‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــاحبت ال ِ‬
‫جمرد؟‬ ‫العاقبة‪ ،‬والقوة اَّادية كلُّها من جان ٍ ‪ ،‬و َّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مع هللا ـ ــاحبت منها َّ‬
‫كان النَّص ـ ــر اَّؤزَّر من عند هللا قنود يرها النَّاس‪ ،‬وكانت ايايمية لِلَّذين كفروا و ُّ‬
‫الذ ُّل وال َّ‬
‫صـ ـ ـ ار‪،‬‬
‫الس ْفلش ﴾‪ ،‬وظلَّت كلمة هللا يف مكا‪،‬ا العاس منتصرًة قويَّةً انفذ ًة‪.‬‬ ‫ين شك شفروا ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫﴿و شج شع شل شكل شمةش الذ ش‬ ‫ش‬
‫ذلك مثل عل نص ـ ـ ـ ـ ـ ــرة هللا لر ـ ـ ـ ـ ـ ــولت‪ ،‬ولكلمتت‪ ،‬وهللا قادر عل أن يعيده عل أيدأ ٍ‬
‫قوم‬
‫ٍ‬
‫حاجة بعد قول هللا إىل‬ ‫آخرين ري الَّذين يتثاقلون ويتباطؤون وهو مثل من الواقع إن كانوا يف‬
‫ٍ‬
‫دليل!»(‪.)2‬‬
‫سادساً‪ :‬خيمة أم معبد يف طريق اهلجرة‪:‬‬

‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم يف ال ار خرً ر ــول هللا هللا ــل هللا‬ ‫وبعد ثالث ٍ‬
‫ليال من دخول الن ِ‬
‫عليت و ـ ــلم وهللاـ ــاحبت من ال ار‪ ،‬وقد هدأ الطَّل ‪ ،‬ويئس اَّ ـ ــركون من الوهللاـ ــول إىل ر ـ ــول هللا‬

‫(‪ )1‬اَّستفاد من قصص القران (‪.)100/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر يف ظالل القران (‪.)1656/3‬‬
‫‪441‬‬
‫إن ر ـ ـ ــول هللا (ﷺ) وأاب بكر‪ ،‬قد ا ـ ـ ــتأجرا رجالً من ب‬ ‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وقد قلنا َّ‬
‫فدفعا إليت راحلتيهما‪ ،‬وواعداه ار‬ ‫الدَّيْل‪ ،‬يسـ َّـم عبد هللا ابن أريقا‪ ،‬وكان م ــركاً‪ ،‬وقد ِأمنشاه‪ ،‬ش‬
‫ليال براحلتيهما‪ ،‬وقد جاءلا فعالً يف اَّوعد اَّدَّد‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــلك هبما طريقاً ري‬ ‫ثور بعد ثالث ٍ‬
‫عمن يللق هبم من كفار قريش(‪.)1‬‬ ‫معهودةٍ ليهفي أمرلا َّ‬
‫أبم شم ْعبشد(‪ )2‬يف ق شديْد(‪ )3‬حيث مساكن‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ِ‬
‫مر الن ُّ‬
‫ويف الطريق إىل اَّدينة‪َّ ،‬‬
‫الرواة‪،‬‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـة تناقلها ُّ‬ ‫اعي الَّذأ رو ق َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـتها‪ ،‬وهي ق َّ‬ ‫خاياعة‪ ،‬وهي أخت خنـيس بن ٍ‬
‫خالد اخلاي ِ‬ ‫شْ‬
‫ص ـ ـ ـ ـتها م ـ ـ ــهورة مرويَّة من ٍ‬
‫طرق ي ـ ـ ـ ُّـد بعض ـ ـ ـ ـها‬ ‫وأهللا ـ ـ ــلاب ال ِس ـ ـ ـ ـري‪ ،‬وقال عنها ابن كثري «وق َّ‬
‫اعي ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬هللا ـ ــاح ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫بعض ـ ـاً»(‪ ،)4‬فعن خالد بن خنشـْيس اخلاي ِ‬
‫مكة‪ ،‬وخرً منها مهاجراً إىل اَّدينة‪،‬‬ ‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ح خرً من َّ‬ ‫و لم َّ‬
‫هو وأبو بكر ر ــي هللا عنت‪ ،‬وموىل أيب بك ٍر عامر بن فهرية ر ــي هللا عنت‪ ،‬ودليلهما اللَّيثي عبد‬
‫مروا عل خيمة ِأم معبد اخلاياعيَّة‪ ،‬وكانت بشـ ْرشزة(‪ ،)5‬شج ْل شدة(‪ ،)6‬حتتب(‪ )7‬بفناء القبَّة‪،‬‬ ‫هللا بن أريقا‪ُّ ،‬‬
‫مثَّ تســقي وتطعم‪ ،‬فســألوها حلماً‪ ،‬وَتراً لي ـ وه منها‪ ،‬فلم يصــيبوا عندها شــيئاً من ذلك‪ ،‬وكان‬
‫القوم م ْرِمل (‪ )8‬م ْسـنِت (‪ ،)9‬فنظر ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم إىل شـاةٍ يف شك ْسـر اخليمة (‪،)10‬‬
‫ب؟»‬ ‫فقال «ما هذه ال َّاة َي َّأم معبد؟!» قالت خلَّفها اجلش ْهد عن ال نم‪ ،‬قال «فهل هبا من ل ٍ‬
‫قالت هي أجهد من ذلك‪ .‬قال «أأتذن أن أحلبها؟» قالت بل أبيب أنت و ِأمي! نعم إن‬
‫رأيت هبا شح ْلباً فاحلبها!‬
‫وجل‪ ،‬ودعا يا‬
‫عاي َّ‬
‫فدعا هبا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم فمس بيده رعها‪ ،‬ومسَّ هللا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)101/2‬‬


‫(‪ )2‬هي عاتكة بنت كع اخلاياعيَّة‪.‬‬
‫مكة ‪ ،‬يبعد عن الطَّريق اَّعبَّدة حواس شانية كيلو م ات‪.‬‬‫(‪ )3‬وادأ ق شديْد مو ع قرب َّ‬
‫(‪ )4‬البداية والنهاية (‪.)188/3‬‬
‫(‪ )5‬برزة كهلة ‪ ،‬كبرية السن ‪ ،‬ح حتت احت اب ال َّو ِ‬
‫اب‪.‬‬ ‫ش‬
‫(‪ )6‬شجلْ شدة َّقويةً هللالبة ‪ ،‬وقيل عاقلة‪.‬‬
‫(‪ )7‬حتتب أأ دلس وتضم يديها إحدالا إىل األخر ‪ ،‬عل ركبتيها ‪ ،‬وتلك جلسة األعراب‪.‬‬
‫(‪ )8‬مرمل نفد زادهم‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسنت أأ داخل يف ش نش ٍة ‪ ،‬وهي اجلدب ‪ ،‬واااعة ‪ ،‬والقلا‪.‬‬
‫(‪ )10‬كسر اخليمة ـ بفت الكا وكسرها ‪ ،‬و كون اَّهملة ـ أأ جانبها‪.‬‬
‫‪442‬‬
‫الرها‪ ،‬فلل فيها‬ ‫(‪)4‬‬ ‫فتفاجت(‪)1‬عليت‪ ،‬ود َّرت(‪ ،)2‬واج َّت(‪ )3‬ودعا ٍ‬
‫نانء يـ ْربِض َّ‬ ‫يف شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهتا‪َّ ،‬‬
‫ش‬
‫حض شرشوْوا‪ ،‬وشرب آخرهم‬‫حض شرِويت‪ ،‬و ق أهللالابت َّ‬
‫حض عاله البهاء(‪ ،)6‬مثَّ قاها َّ‬ ‫ث اً(‪َّ )5‬‬
‫حض م الانء‪ ،‬مثَّ ادره‬ ‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬مثَّ أرا ـ ـ ـ ـوا(‪ ،)7‬مثَّ حل فيها اثنياً بعد ٍ‬
‫بدء َّ‬
‫عندها‪ ،‬مثَّ ابيعها‪ ،‬وارحتلوا عنها‪.‬‬
‫ـاوكن هايحً(‪ )9‬ـ ـل ً ‪،‬‬‫ش‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫يت‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫حض جاء زوجها أبو معبد‪ ،‬يس ــوق أعناياً ع افاً‬ ‫فقلَّما لبثت َّ‬
‫ُّهن قليل‪ ،‬فل َّـما رأ أبو معبد اللب ع ‪ ،‬وقال من أين لك هذا اللَّب َي َّأم معبد! وال َّاة‬ ‫مل َّ‬
‫عازب ِح يال ‪ ،‬وح شحلوبة يف البيت؟ قالت ح وهللا! إح أ نَّت َّ‬
‫(‪)10‬‬
‫مر بنا رجل مبارك‪ ،‬من حالت‬
‫كذا‪ ،‬وكذا‪ .‬قال هللافيت س َي أم معبد! قالت رأيت رجالً ظاهر الو اءة(‪ ،)11‬أشبْـلشت الوجت(‪،)12‬‬
‫ِ‬
‫هللا ْعلة(‪ ،)14‬و يم(‪ ،)15‬يف عينيت شد شعت(‪ ،)16‬ويف أشفاره‬ ‫حسن اخلشْل ِق‪ ،‬تشعْبت ْحنلشة ‪ ،‬و تـ ْاير بت ش‬
‫(‪)13‬‬

‫هللا ـ شهل(‪ ،)18‬ويف عنقت ش ـطشع(‪ ،)19‬ويف حليتت كثاثة‪ ،‬أز ًُّ(‪ ،)20‬أقرن(‪ ،)21‬إن‬ ‫(‪)17‬‬
‫شوطشف ‪ ،‬ويف هللاــوتت ش‬
‫هللاــمت فعليت الوقار‪ ،‬وإن تكلَّم مسا(‪ )22‬وعاله البهاء‪ ،‬أ ل النَّاس‪ ،‬وأهباهم من ٍ‬
‫بعيد‪ ،‬وأحالهم‬

‫تفاجت فتلت ما ب رجليها لللل ‪.‬‬ ‫(‪َّ )1‬‬


‫(‪ )2‬شد َّرت أر لت اللَّب‪.‬‬
‫(‪ )3‬واج َّت من اجلَّرة ‪ ،‬وهي ما هرجها البهيمة من كرشها َتض ها‪.‬‬
‫الراحة‪.‬‬
‫حض يثقلوا ‪ ،‬فريبضوا ‪ ،‬أأ يقعوا عل األرض للنَّوم و َّ‬ ‫(‪ )4‬يربض يرويهم َّ‬
‫السيالن ‪ ،‬ومعىن ث َّ اً لبناً كثرياً ائالً‪.‬‬
‫ث َّ اً َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬عاله البهاء أأ عال الانء هباء اللَّب‪.‬‬


‫مرةٍ حض شرشوْوا‪.‬‬‫مرة بعد َّ‬‫ابلرأ ‪ ،‬يريد شربوا َّ‬ ‫أرا وا أأ شرشووا ‪ ،‬فنقعوا َّ‬
‫(‪)7‬‬

‫السمن ‪ ،‬وهو ع ع فاء وهي اَّهايولة‪.‬‬ ‫ع افاً د َّ‬


‫(‪)8‬‬

‫(‪ )9‬يتساوكن هايحً يتمايلن من الضَّعف‪.‬‬


‫(‪ )10‬عازب بعيدة اَّرع ح أتوأ إىل البيت إح يف اللَّيل ‪ ،‬حيال حتمل‪.‬‬
‫(‪ )11‬ظاهر الو اءة ظاهر اجلمال واحلسن‪.‬‬
‫(‪ )12‬أبلت الوجت م رق الوجت مضيئت‪.‬‬
‫(‪ )13‬حنلة من النُّلول ‪ ،‬والدقَّة ‪ ،‬والضُّمور ‪ ،‬أأ أنَّت ليس حنيالً‪.‬‬
‫هللا ْعلة هللا ر الرأس ‪ ،‬وهي تع الدقَّة والنُّلول يف البدن‪.‬‬ ‫ش‬
‫(‪)14‬‬

‫كأن احلسن هللاار لت مسةً‪.‬‬ ‫(‪ )15‬و يم الو يم اَّ هور ابحلسن ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )16‬شد شعت شدَّة واد الع يف شدَّة بيا ها‪.‬‬
‫(‪ )17‬يف أشفاره شوطشف يف شعر أجفانت طول‪.‬‬
‫حاد الصوت‪.‬‬ ‫هللا شهل كالب َّلة وهو أح يكون َّ‬ ‫ش‬
‫(‪)18‬‬

‫(‪ )19‬طع طول العنق‪.‬‬


‫(‪ )20‬أزً دقيق شعر احلاجب مع طويما‪.‬‬
‫(‪ )21‬أقرن متصل ما ب احلاجب من ال َّعر ‪ ،‬أو مقرون احلاجب ‪.‬‬
‫(‪ )22‬مسا عال برأ ت ‪ ،‬أو بيده وارتفع‪.‬‬
‫‪443‬‬
‫كأن منطقت خرزات نظ ٍم يتلدَّرن‪،‬‬ ‫صل‪ ،‬ح هذر‪ ،‬وح ناير(‪َّ )1‬‬ ‫وأحسنهم من قري ٍ ‪ ،‬ح ْلو اَّنطق‪ ،‬فش ْ‬
‫ٍ (‪)3‬‬
‫طول ‪ ،‬وح تقتلمت الع من قص ـ ـ ـ ٍر ‪ْ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ص ـ ـ ـن ب صـ ـ ــن ‪ ،‬فهو أنضـ ـ ــر‬ ‫شربْع(‪ ،)2‬حأبس من‬
‫الثَّالثـة منظراً‪ ،‬وأحسنهم قـدراً‪ ،‬لـت رفقـاء فُّون بت إن قال ا تمعوا لقولت‪ ،‬وإن أمر تبادروا إىل‬
‫أمره‪ْ ،‬حمفود(‪ ،)5‬حم ود(‪ ،)6‬ح عابس‪ ،‬وح مفنَّد(‪.)7‬‬
‫قال أبو معبد هو وهللا هللاـ ــاح قريش الَّذأ ذكر لنا من أمره ما ذكر َّ‬
‫مبكة‪ ،‬ولقد لمت‬
‫وألفعلن إن وجدت إىل ذلك بيالً‪.‬‬‫َّ‬ ‫أن أهللالبت‪،‬‬
‫فأهللاب هللاوت َّ‬
‫مبكة عالياً‪ ،‬يسمعون الصوت‪ ،‬وح يدرون شم ْن هللااحبت‪ ،‬وهو يقول‬
‫شرفِْيـ شق ْ ِ ق ـ ـ ــاح(‪ )8‬شخْي شم ش ْيت ِأم شم ْعبش ـ ـ ـ ِد‬ ‫اس شخ ْ شري جايائ ـ ـ ِـت‬ ‫ب النَّـ ـ ـ ِ‬ ‫شجشاي هللا شر ُّ‬
‫ـاز شم ْن أ ْشم شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شرفِْي شق حمش َّم ـ ِد‬ ‫فشـ شق ـ ْد فـ ش‬ ‫لش ـ ـ ـ ـا نشـ ـ ـ ـ ـشايح ابل ـ ـ ـ ـ ِ ِـرب مثَّ ت ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـروح ـ ـ ـ ــا‬
‫ِ (‪)9‬‬
‫ِبت ِم ْن فِ شع ٍال ح دش شار و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـؤدد‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍي م ـ ــا شزشو هللا شعْنكم‬ ‫في ـ ــا لشق ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِد‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وم ْق شعـ ـ ـ ـد شهـ ـ ـ ـا ل ْل م ْؤم ن ِ مبشْر ش‬
‫ش‬ ‫لِيشـ ْه ِن بشِ شك ْع ـ ـ ـ ٍ شم شكـ ـ ـ ـان فشـتشـ ـ ـ ـاهتِِ ْم‬
‫فَنَّك ْم إِ ْن تش ْس ـ ـ ـ ـأشلوا ال َّ ـ ـ ـ ـ ـا شة تش ْ ـ ـ ـ ـ شهد‬ ‫وإانئِ شها‬‫ـاهتشا ش‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـلوا أختكم عن ش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ش ْ ْ‬ ‫ش‬
‫ِ ِ ِ (‪)11‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)10‬‬ ‫ٍ‬
‫هللاـ ـ ـ ِرْ اً ش ـ ـ ـَّرة ال َّ ـ ـ ـاة م ْايبد‬
‫شعلشْيت ش‬ ‫بت‬ ‫اها بِ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاة شحائ ٍل فشـتش شللَّ ْ‬ ‫شد شه ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِد ٍر مثَّ شم ـ ـ ْوِرِد‬ ‫ِ‬
‫يـ ـ ـشردد شه ـ ـ ـا يف شم ْ‬
‫``‬
‫ف شـ ـ ـ شادرشهـ ـ ـا رْهنـ ـ ـاً لشـ ـ ـ شديْـ شهـ ـ ـا ِحلشـ ـ ـالـ ـ ـ ٍ‬
‫ش ش‬
‫[حديث أم معبد‪ :‬رواه الطرباين يف الكبري (‪ )3605‬ويف األحاديث الطوال (‪ )30‬وذكره اهليثمي يف جممع الزوائد (‪ )57-56/6‬عن حبيش‬

‫بن خالد ](‪.)12‬‬

‫(‪ )1‬ح هذر ‪ ،‬وح ناير ايذر من الكالم ما ح فائدة فيت ‪ ،‬والنَّاير القليل ‪ ،‬واَّعىن و ا ‪ ،‬ح قليل ‪ ،‬وح كثري‪.‬‬
‫(‪ )2‬شربْع ليس ابلقصري ‪ ،‬وح ابلطويل‪.‬‬
‫(‪ )3‬حأبس من طول ح جياوز الناس طوحً‪.‬‬
‫(‪ )4‬ح تقتلمت الع من قصر ح تايدريت ‪ ،‬وح حتتقره‪.‬‬
‫(‪ )5‬حمفود ملدوم‪.‬‬
‫(‪ )6‬حم ود جيتمع الناس حواليت‪.‬‬
‫(‪ )7‬ح عابس وح مفنَّد ليس عابس الوجت ‪ ،‬وح مفنَّد ليس منسوابً إىل اجلهل ‪ ،‬وقلَّة العقل‪.‬‬
‫(‪ )8‬قاح نايح يف وقت القيلولة عل اخليمت ‪.‬‬
‫(‪ )9‬و ؤدد من ِ‬
‫السيادة‪.‬‬
‫(‪ )10‬حائل ري حامل‪.‬‬
‫(‪ )11‬مايبد الصري ومعناها اخلالص ‪ ،‬والضرة حلم الضري‪.‬‬
‫(‪ )12‬انظر اي رة النبوية اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪444‬‬
‫سابعاً‪ :‬سراقة بن مالك يالحق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫َّب (ﷺ) ‪ ،‬حيَّـاً‪ ،‬أو ميت ـاً‪ ،‬فلــت مئــة انقـ ٍـة‪،‬‬ ‫أعلنــت قريش يف نوادأ م َّك ـة أنـَّت من ِ‬
‫رت ابلن ِ‬
‫وانت ـ ـ ـ ــر هذا اخلرب عند قبائل األعراب‪ ،‬الَّذين يف ـ ـ ـ ـ ـواحي َّ‬
‫مكة‪ ،‬وطمع ـ ـ ـ ـ ـراقة بن مالك بن‬
‫ج ْع ـم يف نيل الكسـ ‪ ،‬الَّذأ أعدَّتت قريش َّن رل بر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فأجهد‬
‫نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت لينال ذلك‪ ،‬ولكن هللا بقدرتت الَّيت ح ي لبها ال جعلت يرجع مدافعاً عن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم بعدما كان جاهداً عليت‪.‬‬

‫الرحن بن مالك اَّ ْد ِجل ُّي ‪ -‬وهو ابن أخي ـ ـراقة بن مالك‬
‫قال ابن شـ ــهاب وأخربين عبد َّ‬
‫أن أابه أخربه‪ ،‬أنَّت مسع راقة بن ج ْع م يقول جاءان ر ل كفَّار قريش‪ ،‬جيعلون‬ ‫بن ج ْع ٍم ‪َّ -‬‬
‫كل و ٍ‬
‫احد منهما‪َّ ،‬ن قتلت أو أ ره‪ ،‬فبينما أان‬ ‫يف ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وأيب بك ٍر ديةش ِ‬
‫حض قام علينا وحنن جلوس‪،‬‬ ‫جملس من جمالس قومي ب م ْدلِت إذ أقبل رجل منهم َّ‬ ‫جالس يف ٍ‬
‫فقال َي ـ ـ ـراقة! ِإين قد رأيت آنفاً أش ْ ـ ـ ـ ِود ًة ابل َّس ـ ـ ـاحل‪ ،‬أراها َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حممداً وأهللاـ ـ ــلابت‪ ،‬قال ـ ـ ـراقة‬
‫فعرفت َّأ‪،‬م هم‪ ،‬فقلت لت َّإ‪،‬م ليس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا هبم‪ ،‬ولكنَّك ر ش‬
‫أيت فالانً‪ ،‬وفالانً‪ ،‬انطلشقوا أبعيننا‪ ،‬مثَّ‬
‫لبثت يف االس ـ ـ ـ ــاعةً‪ ،‬مثَّ قمت‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فأمرت جارييت أن شهْر شً بفر ـ ـ ـ ـ ــي ‪ -‬وهو من وراء‬
‫ِ ِ ِ(‪)3‬‬ ‫ٍ (‪)2‬‬
‫علي‪ ،‬وأخـذت رْحمي‪ ،‬فهرجـت بـت من ظش ْهر البيـت‪ ،‬فهططـت بايجـت‬ ‫أكمـة ‪ -‬فتش ْلبِ شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شهـا َّ‬
‫حض أتيت فر ـ ــي فركبتها‪ ،‬فرفعتها (أأ أ ـ ــرعت هبا ال َّس ـ ـري) تـ شق ِرب‬
‫ض ـ ـت عاليت‪َّ ،‬‬ ‫وخ شف ْ‬
‫األرض‪ ،‬ش‬
‫ش‬
‫حض دنوت منهم‪ ،‬فشـ شعثشرت يب فر ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬فهررت عنها‪ ،‬فقمت‪ ،‬فأهويت يدأ إىل كنانيت‪،‬‬
‫يب‪َّ ،‬‬
‫فا تهرجت منها األزحم(‪ ،)4‬فا تقسمت هبا أ ُّرهم‪ ،‬أم ح؟ فهرً الَّذأ أكره‪ ،‬فركبت فر ي‪،‬‬
‫حض إذا مسعت قراءة ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وهو ح‬ ‫وعصـ ـ ــيت األزحم‪ ،‬ت ِ‬
‫قرب يب‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬أ ودة ع قلَّ ٍة لسواد ‪ ،‬وهو ال َّهص ير من بعيد أ ود ‪ ،‬اي رة يف القران ‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫الرابية‪.‬‬
‫األكمة وهي َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الرم ‪.‬‬
‫الايً احلديدة يف أ فل ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬األزحم األقدا اليت كانت يف اجلاهليَّة ‪ ،‬مكتوب عليها األمر ‪ ،‬أو النهي افعل ‪ ،‬أو ح تفعل‪.‬‬
‫‪445‬‬
‫الركبت ‪ ،‬فهررت‬ ‫حض بل تا ُّ‬ ‫ت(‪ )1‬يدا فر ي يف األرض َّ‬ ‫اخ ْ‬
‫يلتفت‪ ،‬وأبو بكر يكثر احلتفات‪ ،‬ش ش‬
‫ـت‪ ،‬فلم تكــد هْرًِ يــديهــا‪ ،‬فل َّم ـا ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتوت قــائم ـةً إذا ألثر يــديهــا‬
‫عنهــا‪ ،‬مثَّ زجرهتــا‪ ،‬فنهض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫عثان(‪ )2‬ـ ـ ــاطع يف ال َّسـ ـ ـ ـماء مثل الدخان‪ ،‬فا ـ ـ ــتقس ـ ـ ــمت ابألزحم‪ ،‬فهرً الَّذأ أكره‪ ،‬فناديتهم‬
‫حض جئتهم‪ ،‬ووقع يف نفس ـ ــي ح لشِقيت ما لشِقيت من احلبس‬ ‫ابألمان‪ ،‬فوقفوا‪ ،‬فركبت فر ـ ــي َّ‬
‫إن قومك قد جعلوا فيك‬ ‫عنهم‪ ،‬أن ش ـ ـيظهر أمر ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقلت لت َّ‬
‫الـ ِـديــة‪ ،‬وأخربهتم أخبــار مــا يريــد النـَّاس هبم‪ ،‬وعر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت عليهم َّ‬
‫الاياد واَّتــاي‪ ،‬فلم يشـ ْرزاين(‪ ،)3‬و‬
‫يسأحين‪ ،‬إح أن قال ْ ِ‬
‫عامر بن فهرية‪ ،‬فكت‬ ‫فأمر ش‬ ‫كتاب أم ٍن‪ ،‬ش‬
‫أخف عنا‪ ،‬فسألتت أن يكت س ش‬
‫رقعة من شأدٍم(‪ ،)4‬مثَّ مض ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪[ .‬البخاري (‪ )3906‬ومسلم (‪. ])91/2009‬‬ ‫يف ٍ‬

‫وكان اَّا اشتهر عند النَّاس من أمر راقة‪ ،‬ما ذكره ابن عبد ِ‬
‫الرب‪ ،‬وابن ح ر‪ ،‬و ريلا‪.‬‬
‫ــفيان بن عيينة عن أيب مو ـ ‪ ،‬عن احلســن َّ‬
‫أن ر ــول هللا هللاــل‬ ‫قال ابن عبد ِ‬
‫الرب رو‬
‫ِ‬
‫لبست وارأ كسر ؟!» قال فل ـ ـ ـ َّـما ألش‬‫هللا عليت و لم قال لسراقة بن مالك «كيف بك إذا ش‬
‫عمر بسـ ـوارأ كس ــر ‪ِ ،‬‬
‫ومْنطششقتت واتجت دعا ـ ـراقة بن ٍ‬
‫مالك‪ ،‬فألبس ــت َّإَيها‪ ،‬وكان ـ ـراقة رجالً‬
‫ب(‪ )5‬كثري شـ ــعر ال َّس ـ ـاعدين‪ ،‬وقال لت ارفع يديك‪ ،‬فقال هللا أكرب‪ ،‬احلمد هللِ الَّذأ ـ ــلبهما‬
‫شأز َّ‬
‫كسر بن ه ْرماي‪ ،‬الَّذأ كان يقول أان ُّ‬
‫رب النَّاس‪ ،‬وألبسهما راقة بن مالك بن ج ْع ٍم أعرابيَّاً‬
‫من ب م ْدلِت‪ ،‬ورفع هبا عمر هللا ـ ــوتت ‪ ،‬مثَّ أرك ـ ـ ـراقة‪َّ ،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وطو بت اَّدينة‪ ،‬والنَّاس حولت‪ ،‬وهو‬
‫يرفع عقريتت مردداً قول الفاروق هللا أكرب‪ ،‬احلمد هللِ الذأ ــلبهما كس ــر بن هرماي‪ ،‬وألبس ــهما‬
‫راقة بن ج ْع ٍم أعرابياً من ب م ْدلِت(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬اخت يدا فر ي أأ اهللات يف األرض‪.‬‬


‫قياس ‪ ،‬النِهاية (‪.)183/3‬‬
‫(‪ )2‬عثان أأ دخان ‪ ،‬و عت عواثن عل ري ٍ‬
‫(‪ )3‬فلم يرزاين أأ رخذا م شيئاً‪.‬‬
‫(‪ )4‬أدم قطعة من جلد‪.‬‬
‫(‪ )5‬التَّايب يف النسان كثرة ال َّعر ‪ ،‬وطولت‪.‬‬
‫الروض األنف (‪ )218/4‬واي رة يف القران ‪ ،‬ص ‪.346‬‬ ‫انظر َّ‬
‫(‪)6‬‬

‫(‪ )7‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)495/1‬‬
‫‪446‬‬
‫اثمناً‪ :‬سبحان مقلِّب القلوب‪:‬‬

‫كان ـ ـ ـراقة يف بداية أمره يريد القبض عل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وتس ـ ــليمت‬
‫يرد الطل عن‬ ‫مكة لينال مئة انقة‪ ،‬وإذا ابألمور تنقل رأ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً عل شع ِق ‪ ،‬ويص ـ ـ ـ ـ ــب ُّ‬
‫لايعماء َّ‬
‫رده‪ ،‬قائالً كفيتم هذا‬ ‫ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ف عل ح يلق أحداً من الطَّل إح َّ‬
‫ص‬
‫اَّنورة‪ ،‬جعل راقة يق ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم وهللال إىل اَّدينة َّ‬ ‫اطمأن إىل َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫َّ‬ ‫الوجت‪ ،‬فل َّـما‬
‫حض امت ت بت نوادأ‬
‫ص ـ ـة فر ـ ــت‪ ،‬واش ـ ــتهر هذا عنت‪ ،‬وتناقلتت األلس ـ ــنة َّ‬
‫ص ـ ـتت‪ ،‬وق َّ‬
‫ما كان من ق َّ‬
‫مكة‪ ،‬فها ري ــاء قريش أن يكون ذلك ــبباً ل ــالم بعض أهل َّ‬
‫مكة‪ ،‬وكان ـراقة أمري ب‬ ‫َّ‬
‫م ْدلِت‪ ،‬ورئيسهم‪ ،‬فكت أبو جهل إليهم‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر حمش َّمـ ِد‬ ‫ِ‬


‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراقـةش مس ـ ـ ـ ـ ـ ــت ٍو لنش ْ‬ ‫ب م ـ ْدل ٍت ِإين أخــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫فيهك ْم‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـبِ ش شش ـ ـ ـ ـ ـ َّض بشـ ْع شد ِع ٍاي و ـ ـ ـ ـ ـ ْؤد ِد‬
‫فشـي ْ‬ ‫شع ـلش ـْي ـك ـ ْم ب ـ ـ ــت أحَّ يـ ـ شف ـ ِر شق شْ ـ شع ـك ـ ْم‬
‫يرد عل أيب ٍ‬
‫جهل‬ ‫فقال راقة ُّ‬
‫ألشم ِر شج شو ِادأ إ ْذ تس ـ ـ ـ ـ ـ ــي قشوائِم ـ ـ ـ ْت‬ ‫ِ‬
‫أاب شح شك ِم الَّالت ْلو ش‬
‫كنت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــاهداً‬
‫ان فش شم ْن ذشا يـ شق ـ ـا ِوم ـ ـ ْت‬ ‫ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول بِربه ـ ـ ٍ‬ ‫أبن حمش َّم ـداً‬ ‫ك َّ‬‫ت شوشْ تش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْش‬ ‫ش‬ ‫شع ْب ـ ش‬
‫أ ششر أ ْشمشره يشـ ْوم ـاً ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـْب ـدو شمع ـالِم ـ ْت‬ ‫ف ال شق ْوشم شعْن ـ ـ ـت ف ـ ـ ــَنَِّ‬ ‫ك فك َّ‬ ‫شعلشْيـ ـ ـ ـ ش‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫أبن شِ ْي شع النـ ِ‬
‫َّاس طراً م شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالمـ ْت‬ ‫َّ‬ ‫أب ْشم ٍر تشـ شوُّد النَّـ ـ ـ ـاس فِْيـ ـ ـ ـ ِت أبش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرِه ْم‬

‫اتسعاً‪ :‬استقبال األنصار لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫مكةش‪ ،‬فكانوا ي دون‬ ‫«ولـ ـ َّـما مسع اَّسلمون ابَّدينة ملشْرً ر ول هللا هللال هللا عليت و لم من َّ‬
‫شش‬
‫حر الظَّهرية‪ ،‬فــانقلبوا يوم ـاً بعــدمــا أطــالوا انتظــارهم‪،‬‬
‫يردهم ُّ‬
‫حض َّ‬‫كـ َّـل ــداةٍ إىل احلشَّرة فينتظرونــت‪َّ ،‬‬
‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ششوْوا إىل بيوهتم أو رجل من يهود عل أط ٍم(‪ )2‬من آطامهم‪ ،‬ألم ٍر ينظر إليت‪ ،‬فبص ـ ـ ـ ـشر‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪ ، )494/1‬وانظر أيضاً فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3906‬‬
‫(‪ )2‬أطم ـ بضم أولت واثنيت ـ احلصن‪.‬‬
‫‪447‬‬
‫اليهودأ‬
‫ُّ‬ ‫السراب(‪ ،)2‬فلم ِ‬
‫ميلك‬ ‫(‪)1‬‬
‫بر ول هللا هللال هللا عليت و لم وأهللالابت مبشـيَّض ‪ ،‬يايول هبم َّ‬
‫أن قال أبعل هللا ـ ـ ـ ـ ــوتت َي معاش ـ ـ ـ ـ ـ شـر العرب! هذا شج ُّدكم(‪ )3‬الَّذأ تنتظرو شن‪ ،‬فثار اَّس ـ ـ ـ ـ ــلمون إىل‬
‫حض نشـشايل‬
‫فتلقوا ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم بظهر احلشَّرة‪ ،‬فعدل هبم ذات اليم ‪َّ ،‬‬ ‫ال ِسـ ـال ‪َّ ،‬‬
‫األول(‪ ،)5‬فقام أبو بكر للنَّاس‪،‬‬ ‫من ش ــهر ربيع َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫هبِِم يف ب عمرو بن عو ‪ ،‬وذلك يوم الثن‬
‫وجلس ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم هللاــامتاً‪ ،‬فطفق من جاء من األنصــار ‪ -‬اَّن يشـشر ر ــول‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫َّمس ر ش‬ ‫هللا هللال هللا عليت و لم ‪ -‬شيِي أاب بك ٍر‪َّ ،‬‬
‫حض أهللاابت ال ْ‬
‫حض ظلَّ شل عليت بردائت‪ ،‬فعر النَّاس ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عند ذلك‪،‬‬ ‫‪ ،‬فأقبل أبو بكر َّ‬
‫س‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فلبث ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف ب عمرو بن عو بضـ ـ ــع ع ْ ـ ـ ـرشة ليلةً(‪ ،)6‬وأ ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش ش‬
‫س عل التَّقو ‪ ،‬وهللالَّ فيت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مثَّ رك راحلتت»‬ ‫اَّس د الذأ أ ِ‬
‫ش‬
‫[البخاري (‪. ])3906‬‬

‫وبعد أن أقام ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم اَّدَّة الَّيت مكثها بقباء‪ ،‬وأراد أن يدخل‬
‫نب هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وأيب بكر‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ـلَّموا‬
‫اَّدينة «بعث إىل األنص ـ ـ ـ ــار» ف ايوا إىل ِ‬
‫ِ‬
‫نب هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأبو بك ٍر‪ ،‬ش‬
‫وح ُّفوا‬ ‫اع ْ ‪ ،‬فرك ُّ‬‫عليهما‪ ،‬وقالوا اركبا آمنش ْ مطش ش‬
‫دو‪،‬ما ِ‬
‫ابلسال »‪.‬‬ ‫ش‬
‫نب هللا‬
‫نب هللا‪ ،‬جاء ُّ‬
‫وعند وهللاـ ـولت هللا ــل هللا عليت و ــلم إىل اَّدينة‪ ،‬قيل يف اَّدينة «جاء ُّ‬
‫[البخاري (‪. ])3911‬‬ ‫نب هللا»‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فأشرفوا ينظرون‪ ،‬ويقولون جاء ُّ‬
‫كأ‪،‬م يف يوم‬ ‫بتهاً‪ ،‬تر اَّدينة يوماً مثلت‪ ،‬ولبس النَّاس أحسن مالبسهم‪َّ ،‬‬
‫فكان يوم فرٍ وا ٍ ش‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـيِق يف‬ ‫عيد‪ ،‬ولقد كان حقاً يوم ٍ‬
‫عيد ألنَّت اليوم الَّذأ انتقل فيت ال ـ ـ ـ ـ ــالم من ذلك احليِاي ال َّ‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )1‬مبيَّض عليهم ثياب بيض‪.‬‬


‫السراب عن النَّظر بسب عرو هم لت‪.‬‬ ‫السراب أأ يايول َّ‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫جدكم حظُّكم وهللااح دولتكم الَّذأ تتوقَّعونت‪.‬‬


‫(‪َّ )3‬‬
‫(‪ )4‬قال احلافم ابن ح ر هذا هو اَّعتمد ‪َّ ،‬‬
‫وشذ من قال يوم اجلمعة ‪( ،‬الفت شر حديث رقم ‪.)3906‬‬
‫(‪ )5‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.351‬‬
‫(‪ )6‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪448‬‬
‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬إىل رحابة احنطالق واحنت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬هبذه البقعة اَّباركة (اَّدينة)‪ ،‬ومنها إىل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر بقاي‬
‫أحس أهل اَّدينة ابلفضل الَّذأ حباهم هللا بت‪ ،‬وابل َّر الَّذأ َّ‬
‫اختصهم بت أيضاً‪،‬‬ ‫األرض‪ ،‬لقد َّ‬
‫فقد هللاارت بلدهتم موطناً ليواء ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهللالابتت اَّهاجرين‪ ،‬مث لنصرة‬
‫بكل ِ‬
‫مقوماتت‪ ،‬ولذلك خرً‬ ‫ـيلي ِ‬‫العام‪ ،‬والتَّفصـ ِ‬ ‫ال ــالم‪ ،‬كما أهللاــبلت موطناً للنِظام ال ـ ِ‬
‫ـالمي ِ‬
‫أهل اَّدينة يهلِلون يف فرٍ و ٍ‬
‫ابتهاً‪ ،‬ويقولون َي ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا! َي حممد! َي ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(‪ !)1‬رو‬
‫المام مسل ٍم بسنده‪ ،‬قال «عندما دخل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم اَّدينة هللاعد ِ‬
‫الرجال‪،‬‬
‫وتفرق ال ِْل شمان‪ ،‬واخلدم يف الطُّرق‪ ،‬ينادون َي حممد! َي ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا! َي‬
‫والنِس ـ ـ ـ ـ ــاء فوق البيوت‪َّ ،‬‬
‫حممد! َي ر ول هللا!!» [مسلم (‪/3014‬م)] ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫اجلماهريأ العظيم الَّذأ يرد مثلت يف اتري النس ــانيَّة ــار ر ــول‬ ‫ِ‬ ‫وبعد هذا اح ــتقبال‬
‫أنس ر ــي‬‫ـارأ ر ــي هللا عنت‪ ،‬فعن ٍ‬ ‫حض نايل يف دار أيب ٍ‬
‫أيوب األنص ـ ِ‬ ‫هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫حض نايل جان دار أيب أيوب‪ ،‬فَنَّت لي شل ِدث‬ ‫هللا عنت يف حديث اي رة الطَّويل «فأقبل يس ـ ـ ـ ــري َّ‬
‫َنل ألهلت شخيْشِ (‪ )3‬يم‪ ،‬فع َّ ل أن يض ــع الَّذأ‬ ‫أهلشت(‪ )2‬إذ مسع بت عبد هللا بن ش ـ ـالشم‪ ،‬وهو يف ٍ‬
‫شخيْشِ يم فيها‪ ،‬ف اء وهي معت‪ ،‬فس ــمع من ِ‬
‫نب هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬مثَّ رجع إىل أهلت‪،‬‬
‫نب هللا!‬ ‫(‪)4‬‬ ‫فقال نب هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ُّ ِ‬
‫أأ بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب أان َي َّ‬ ‫ُّ‬
‫فهىيء لنا مقيالً(‪[ »....)5‬البخاري (‪ ،])3911‬مثَّ نايل ر ــول هللا‬ ‫ِ‬
‫هذه دارأ‪ ،‬وهذا ابيب‪ ،‬قال فانشطشل ْق ْ‬
‫حض بىن مس ده‪ ،‬ومساكنت‪.‬‬ ‫هللال هللا عليت و لم عل أيب ٍ‬
‫أيوب َّ‬
‫وهبذا قد َتَّت ه رتت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وه رة أهللا ـ ـ ــلابت ر ـ ـ ــي هللا عنهم و تنتت‬
‫اي رة أبهدافها‪ ،‬و اَيهتا‪ ،‬بل بدأت بعد وهللاـ ـ ــول ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ـ ـ ــاَّاً إىل‬
‫َّلدَيت‪ ،‬فت لَّ عليها ر ول هللا هللال هللا‬ ‫اَّدينة‪ ،‬وبدأت معها رحلة اَّتاع ‪ ،‬واَّصاع ‪ ،‬والت ِ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.353‬‬


‫َّب هللال هللا عليت و لمفت البارأ (‪.)251/7‬‬ ‫(‪ )2‬الضَّمري هنا للن ِ‬
‫أأ جيت من شارها ‪ ،‬انظر النِهاية (‪.)24/2‬‬ ‫(‪ )3‬خي‬
‫(‪ )4‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫(‪ )5‬مقيالً أأ مكاانً تقع فيت القيلولة‪.‬‬
‫‪449‬‬
‫الدولة ال ـ ــالميَّة الَّيت ا ـ ــتطاعت أن تص ـ ــنع‬
‫عليت و ـ ــلم للوهللا ـ ــول للمس ـ ــتقبل الباهر ل َّمة‪ ،‬و َّ‬
‫حض ـ ــارًة إنس ـ ــانيَّةً رائعةً‪ ،‬عل أ ـ ــس من الميان‪ ،‬والتَّقو ‪ ،‬والحس ـ ــان‪ ،‬والعدل بعد أن ت لَّبت‬
‫الروم(‪.)1‬‬
‫عل أقو دولت كانتا حتكمان العا ‪ ،‬ولا دولة الفرس‪ ،‬ودولة ُّ‬
‫ودروس‪ ،‬وعرب‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫عاشراً‪ :‬فوائد‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلق والباطل هللاراي قد ‪ ،‬واتد‬ ‫‪ِ -1‬‬
‫الصراي ب‬
‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم بِ ش ِْري شح ٍق إِحَّ أش ْن يشـقولوا‬ ‫َّ ِ‬
‫وهـو نَّـة إييَّـة انفـذة‪ ،‬قـال ع َّـاي وج َّـل ﴿الذ ش‬
‫اجد ي ْذ شكر فِ شيها‬ ‫ض شي ِدمت هللاـو ِامع وبِيع وهللاـلشوات ومسـ ِ‬
‫ضـه ْم ببشـ ْع ٍ ش ْ ش ش ش ش ش ش ش ش ش ش‬
‫اَّللِ النَّاس بـ ْع ش ِ‬
‫شربـُّنشا ا ََّّلل شولش ْوحش شدفْع َّ ش ش‬
‫ع ِايياي ﴾ [احلج‪. ]40 :‬‬ ‫اَّللش لششق ِوأ ش‬ ‫اَّللِ شكثِ ًريا شولشيشـْنصشر َّن َّ‬
‫اَّلل شم ْن يشـْنصره إِ َّن َّ‬ ‫ا ْ م َّ‬

‫ب أ ششان شور ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِي إِ َّن َّ‬


‫اَّللش قش ِوأ شع ِايياي﴾‬ ‫اَّلل ألش ْ لِ ش َّ‬ ‫لكن هذا ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراي معلوم العاقبة ﴿ شكشت ش َّ‬ ‫و َّ‬
‫[اجملادلة‪.]21 :‬‬

‫‪ - 2‬مكر خصوم الدَّعوة ابلدَّاعية أمر مستمر ِ‬


‫متكرر‬
‫ـ ـواء عن طريق احلبس‪ ،‬أو القتل‪ ،‬أو النَّفي‪ ،‬والخراً من األرض‪ ،‬وعل الدَّاعية أن يل أ‬
‫أن اَّكر ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيئ ح يق إح أبهلت(‪ ،)2‬كما قال َّ‬
‫عاي‬ ‫إىل ربِت‪ ،‬وأن يثق بت‪ ،‬ويتوَّكل عليت‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫اَّلل شخ ْري‬
‫اَّلل شو َّ‬ ‫وك أ ْشو خيْ ِرج ش‬
‫وك شوميشْكرو شن شوميشْكر َّ‬ ‫ين شك شفروا لِيـثْبِت ش‬
‫وك أ ْشو يشـ ْقتـل ش‬ ‫وجل ﴿وإِ ْذ ميشْكر بِ َّ ِ‬
‫ك ا لذ ش‬‫ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫[اآلنفال‪. ]30 :‬‬
‫الْ شماك ِر ش‬
‫ين ﴾‬

‫ض ـ ـ ـعيفة‪،‬‬
‫ومن مكر أهل الباطل وخصـ ـ ــوم الدَّعوة ا ـ ـ ــتهدام ـ ـ ــال اَّال ل راء النُّفوس ال َّ‬
‫انقة‪َّ ،‬ن رل بر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫للقضاء عل الدَّعوة والدُّعاة‪ ،‬ولذلك رهللادوا مئة ٍ‬
‫فتلرك الطَّامعون‪ ،‬ومنهم راقة الَّذأ عاد بعد هذه اَّ امرة اخلا رة مادَيً‪ ،‬أبوفر‬
‫حياً‪ ،‬أو ميتاً‪َّ ،‬‬
‫رزق‪ ،‬وهو رزق المي ــان‪ ،‬وأخ ــذ ِ‬
‫يعمي الطريق عل الطَّـ ـامع ا خرين‪ ،‬الَّـ ـذين‬ ‫ٍ‬ ‫رب ٍ ‪ ،‬وأطي ـ ـ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.355‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪450‬‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫اجتهــدوا يف الطَّلـ ‪ ،‬وهكــذا ُّ‬
‫يرد هللا عن أوليــائــت والـ ُّـدعــاة ‪ .‬قــال هللا تعــاىل ﴿إ َّن الـذ ش‬
‫(‪)1‬‬
‫ين شك شفروا‬
‫ين شك شفروا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ فش شسـيـْن ِفق ش‬
‫يـْن ِفقو شن أ ْشم شوا شي ْم لِيشصـ ُّدوا شع ْن ش ـبِ ِيل َّ‬
‫و‪،‬شا مثَّ تشكون شعلشْيه ْم شح ْسـشرًة مثَّ يـ ْلشبو شن شوالذ ش‬
‫ن ﴾ [اآلنفال‪. ]36 :‬‬ ‫إِ شىل شج شهن شَّم ْ ش رو ش‬
‫‪ - 3‬دقَّة التَّهطيا‪ ،‬واألخذ ابأل باب‬
‫أتمل حادثة اي رة‪ ،‬ورأ دقَّة التَّهطيا فيها‪ ،‬ودقَّة األخذ ابأل ـ ـ ـ ـ ــباب من ابتدائها‬ ‫َّ‬
‫إن شم ْن َّ‬
‫إىل انتهائها‪ ،‬ومن ِ‬
‫مقدماهتا إىل ما جر بعدها يدرك َّ‬
‫أن التَّهطيا اَّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّد ابلوحي يف حياة‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم كان قائماً‪ ،‬و َّ‬
‫أن التَّهطيا جايء من ال ُّس ـنَّة النَّبويَّة‪ ،‬وهو جايء من‬
‫أن الَّذين مييلون إىل العفوية حب ة َّ‬
‫أن التهطيا‪،‬‬ ‫اليي يف كل ما طول بت اَّس ـ ــلم‪ ،‬و َّ‬
‫التَّكليف ِ‬
‫السنَّة أمثال هؤحء ملطئون‪ ،‬وجينون عل أنفسهم‪ ،‬وعل اَّسلم (‪.)2‬‬
‫وإحكام األمور ليسا من ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وشــري الن ُّ‬
‫فعندما حان وقت اي رة للن ِ‬
‫التَّنفيذ‪ ،‬نالحم ا ل‬
‫حض ُلت‪ ،‬بر م ما كان يكتنفها من هللاـ ـ ـ ٍ‬
‫ـعاب‪،‬‬ ‫‪ ‬وجود التَّنظيم الدَّقيق لله رة َّ‬
‫كل أم ٍر من أمور اي رة‪ ،‬كان مدرو اً درا ةً وافيةً فمثالً‬ ‫ٍ‬
‫وعقبات‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن َّ‬
‫‪ - 1‬جاء هللا ــل هللا عليت و ــلم إىل بيت أيب بكر‪ ،‬يف وقت ش ــدَّة ِ‬
‫احلر ‪ -‬الوقت الذأ ح‬
‫حض ح يراه أحد‪.‬‬
‫خيرً فيت أحد ‪ -‬بل من عادتت يكن رل لت يف ذلك الوقت‪َّ ،‬اذا؟ َّ‬
‫الص ِديق‬
‫للص ِديق‪ ،‬وجاء إىل بيت ِ‬
‫‪ - 2‬إخفاء شهصيتت هللال هللا عليت و لم يف أثناء جميئت ِ‬

‫ألن التلثُّم يقلِل من إمكانية ُّ‬


‫التعر عل معا الوجت اَّتلثم(‪.)3‬‬ ‫متلثماً َّ‬

‫‪ - 3‬أمر هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم أاب بكر أن خيْرًِ شمن عنده‪ ،‬وَّا تكلَّم يبِ إح األمر‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.200‬‬


‫حو (‪.)357/1‬‬ ‫السنَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬
‫األ اس يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬يف ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ـ قراءة جلوان احلذر واحلماية ‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪451‬‬
‫ابي رة‪ ،‬دون حتديد احداه‪.‬‬

‫خلفي يف بيت أيب بك ٍر(‪.)1‬‬


‫ابب ٍ‬‫‪ - 4‬كان اخلروً ليالً‪ ،‬ومن ٍ‬
‫طرق ري ٍ‬
‫مألوفة للقوم‪ ،‬واح ـ ـ ـ ـ ـ ــتعانة يف ذلك ب ٍري يعر‬ ‫‪ - 5‬بل اححتياط مداه‪ِ ،‬‬
‫ابهاذ ٍ‬
‫الصلراء‪ ،‬ولو كان ذلك اخلبري م ركاً‪ ،‬ما دام عل خل ٍق ورز ٍ‬
‫انة‪ ،‬وفيت‬ ‫مسالك البادية‪ ،‬ومسارب َّ‬
‫م عن اح ـ ــتعانة ابخلربات مهما يكن‬ ‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم كان ح‬ ‫دليل عل َّ‬
‫أن َّ‬
‫مصدرها(‪.)2‬‬
‫ـيات ٍ‬
‫عاقلة لتقوم ابَّعاونة يف ش ـ ـ ــؤون اي رة‪ ،‬ويالحم َّ‬
‫أن هذه‬ ‫‪ ‬انتقاء ش ـ ـ ــهص ـ ـ ـ ٍ‬
‫ال َّ ـ ـهص ـ ــيات كلَّها ت ابا برابط القرابة‪ ،‬أو برابط العمل الواحد‪ ،‬اَّا جيعل من‬
‫هؤحء األفراد‪ ،‬وحد ًة متعاونةً عل حتقيق ايد الكبري‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫فرد من أفراد هذه األ ـ ـ ــرة يف عملت اَّنا ـ ـ ـ ـ الذأ جييد القيام بت‬ ‫‪ ‬و ـ ـ ــع ِ‬
‫وجت ليكون أقدر عل أدائت‪ ،‬والنُّهوض بتبعاتت‪.‬‬ ‫عل أحسن ٍ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم فكرة انجلة‪،‬‬ ‫علي بن أيب طال مكان َّ‬ ‫‪ ‬فكرة نوم ِ‬
‫قد ـ ـلَّلت القوم‪ ،‬وخدعتهم‪ ،‬وهللاـ ــرفتهم عن َّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬
‫حض خرً يف جن اللَّيل‪ ،‬حتر ــت عناية هللا‪ ،‬وهم انئمون‪ ،‬ولقد ظلَّت أبصــارهم‬
‫َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فما كانوا ي ـ ُّـكون‬
‫معلَّقةً بعد اليقظة‪ ،‬مبض ـ ع َّ‬
‫علي بن أيب‬ ‫يف أنـَّت مــا يايال انئمـاً‪ ،‬مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يف بردتــت‪ ،‬يف ح َّ‬
‫أن النـَّائم هو ُّ‬ ‫ً‬
‫طال ٍ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫عمل أبطال هذه ِّ‬
‫الرحلة على النَّحو التايل‪:‬‬ ‫‪ ‬وقد كان ُ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ليهدي القوم‬
‫‪ - 1‬علي ر ـ ـ ــي هللا عنت ينام يف فراش َّ‬

‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.361‬‬
‫‪452‬‬
‫ويسلِم الودائع‪ ،‬ويللق َّ‬
‫ابلر ول هللال هللا عليت و لم بعد ذلك‪.‬‬
‫حتركات ِ‬
‫العدو‪.‬‬ ‫الصادق‪ ،‬وكاشف ُّ‬
‫‪ - 2‬عبد هللا بن أيب بكر رجل اَّهابرات َّ‬

‫حبثاً‬ ‫حاملة التموين من َّ‬


‫مكة إىل ال ار‪ ،‬و ـ ــا جنون اَّ ـ ــرك‬ ‫‪ - 3‬أمساء ذات النِطاق‬
‫حمم ٍد هللال هللا عليت و لم ليقتلوه‪.‬‬
‫عن َّ‬
‫الراعي البســيا الذأ قدَّم اللَّلم واللَّب إىل هللاــاحب ال ار‪ ،‬وبدَّد آاثر‬
‫‪ - 4‬عامر بن فهرية َّ‬
‫الراعي يقوم بدور المداد‪،‬‬
‫يتفر ـ ــها القوم!! لقد كان هذا َّ‬
‫أقدام اَّس ـ ــرية التَّارخييَّة أب نامت كي ح َّ‬
‫والتَّموين‪ ،‬والتَّعمية‪.‬‬
‫صـلراء البصـري ينتظر يف ٍ‬
‫يقظة إشـارة‬ ‫‪ - 5‬عبد هللا بن أريقا دليل اي رة األم ‪ ،‬وخبري ال َّ‬
‫الرك طريقت من ال ار إىل يثرب‪.‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ليأخذ َّ‬
‫البدء من َّ‬
‫دقيق‪ ،‬واحتياط للظُّرو أب ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـلوب حكي ٍم‪ ،‬شوشو ْ ـ ـ ـ ـع ِ‬
‫لكل‬ ‫فهذا تدبري ل مور عل حن ٍو رائ ٍع ٍ‬
‫شـ ـ ـ ٍ‬
‫ـهص من أش ـ ـ ــهاص اي رة يف مكانت اَّنا ـ ـ ـ ‪ ،‬و ـ ـ ــد جلميع الثَّ رات‪ ،‬وت طية بديعة ِ‬
‫لكل‬
‫الرحلة‪ ،‬واقتصار عل العدد الالزم من األشهاص من ري زَيدةٍ‪ ،‬وح إ را ٍ ‪.‬‬ ‫شمطال ِ‬

‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ابأل ــباب اَّعقولة‪ ،‬أخذاً قوَيً حس ـ ا ــتطاعتت‪،‬‬
‫لقد أخذ َّ‬
‫وقدرتت ومن مثَّ ابتت عناية هللا متوقَّعةً(‪.)1‬‬

‫‪ - 4‬األخذ ابأل باب أمر رورأ‬

‫ولكن ح يع ذلك دائماً حص ــول النتي ة ذلك‬ ‫َّ‬


‫إن اهاذ األ ــباب أمر ــرورأ وواج‬
‫ألن هذا أمر يتعلَّق أبمر هللا وم يئتت‪ ،‬ومن هنا كان التوُّكل أمراً رورَيً‪ ،‬وهو من ابب ا تكمال‬
‫َّ‬
‫ِاهاذ األ باب‪.‬‬

‫كل األ باب‪ ،‬و َّاهذ َّ‬


‫كل الو ائل ولكنَّت يف الوقت‬ ‫َّ‬
‫إن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫أعد َّ‬

‫حممد ‪ ،‬ص ‪ 393‬ـ ‪.397‬‬


‫(‪ )1‬انظر أ واء عل اي رة ‪ ،‬لتوفيق َّ‬
‫‪453‬‬
‫نفس ــت مع هللا‪ ،‬يدعوه‪ ،‬ويس ــتنص ــره أن يكلِل ــعيت ابلنَّ ا ‪ ،‬وهنا يس ــت اب الدُّعاء‪ ،‬وينص ــر‬
‫القوم بعد أن وقفوا عل ابب ال ار‪ ،‬وتسي فرس راقة يف األرض‪ ،‬ويكلَّل العمل ابلنَّ ا (‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬الميان ابَّع ايات ِ‬
‫احلسـيَّة‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وقعت مع ايات ح ِس ـ ـيَّة‪ ،‬وهي دحئل ملمو ـ ــة عل‬
‫ويف ه رة الن ِ‬
‫حفم هللا‪ ،‬ورعايتت لر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومن ذلك ‪ -‬عل ما روأ ‪ -‬نسيت العنكبوت‬
‫عل فم ال ار‪ ،‬ومنها ما جر لر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مع ِأم معبد‪ ،‬وما جر لت مع‬
‫صـ ـ ـلوا من هذه اخلوارق‪ ،‬بل‬
‫ـ ـ ـراقة‪ ،‬ووعده َّإَيه أبن يلبس ـ ـ ـوارأ كس ـ ــر ‪ ،‬فعل الدُّعاة أح يتن َّ‬
‫يذكروها ما دامت اثبتةً ابل ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّة النَّبويَّة‪ ،‬عل أن ينبِهوا الناس عل أن هذه اخلوارق‪ ،‬هي من‬
‫السالم(‪.)2‬‬
‫نبوتت‪ ،‬ور التت عليت َّ‬
‫لة دحئل َّ‬
‫‪ - 6‬جواز اح تعانة ابلكافر اَّأمون‬

‫وجيوز للدُّعاة أن يســتعينوا مبن ح يؤمنون بدعوهتم ما داموا يثقون هبم‪ ،‬ورَتنو‪،‬م فقد رأينا‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وأاب بك ٍر ا ـ ــتأجرا م ـ ــركاً ليديما عل طريق اي رة‪ ،‬ودفعا إليت‬ ‫َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫َّب هللاــل هللا‬ ‫ـك َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫راحلتيهما‪ ،‬وواعداه عند ار ثور‪ ،‬وهذه أمور خطرية أطلعاه عليها‪ ،‬وحشـ َّ‬
‫عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وأاب بكر وثقا بت‪ ،‬و َّأمناه‪ ،‬اَّا ُّ‬
‫يدل عل َّ‬
‫أن الكافر‪ ،‬أو العاهللاـ ــي‪ ،‬أو ري اَّنتس ـ ـ‬
‫إىل الدُّعاة‪ ،‬قد يوجد عند هؤحء ما يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدعي وثوق الدُّعاة هبم‪ ،‬كأن تربطهم رابطة القرابة‪ ،‬أو‬
‫اَّعرفة القدمية‪ ،‬أو اجلوار‪ ،‬أو عمل معرو كان قد قدَّمت الدَّاعية يم‪ ،‬أو ألن هؤحء عندهم نوي‬
‫جيِد من األخالق األ ـ ـ ـ ــا ـ ـ ـ ـيَّة مثل األمانة‪ ،‬وح ِ عمل اخلري‪ ،‬إىل ري ذلك من األ ـ ـ ـ ــباب‪،‬‬
‫واَّسألة تقديريَّة‪ ،‬ي ك تقديرها إىل فطنة الدَّاعي‪ ،‬ومعرفتت ابل َّهص(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)108/2‬‬
‫‪454‬‬
‫‪ - 7‬دور اَّرأة يف اي رة‬

‫وقد َّعت يف مساء اي رة أمساء كثرية‪ ،‬كان يا فضــل كبري‪ ،‬ونصــي وافر من اجلهاد منها‬
‫صـ ـ ـ ـ ِديق الَّيت حفظت لنا الق َّ‬
‫صـ ـ ـ ـة‪ ،‬ووعتها‪ ،‬وبلَّ تها ل َّمة‪ ،‬و ُّأم ـ ـ ــلمة‬ ‫عائ ـ ـ ــة بنت أيب بك ٍر ال ِ‬

‫ص ـبور‪ ،‬وأمساء ذات النِطاق ‪ ،‬الَّيت أ ــهمت يف َتوين َّ‬


‫(‪)1‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫اَّهاجرة ال َّ‬
‫حتملت األذ يف ـ ــبيل هللا‪ ،‬فقد حدَّثتنا عن ذلك‪،‬‬
‫وهللا ـ ــاحبت يف ال ار‪ ،‬ابَّاء‪ ،‬وال ذاء‪ ،‬وكيف َّ‬
‫فقالت «ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأبو بك ٍر ر ــي هللا عنت أاتان نفر من‬
‫يش‪ ،‬فيهم أبو جهل بن ه ـ ـ ــام‪ ،‬فوقفوا عل ابب أيب بك ٍر‪ ،‬فهرجت إليهم‪ ،‬فقالوا أين أبوك‬
‫قر ٍ‬
‫بنت أيب بك ٍر؟ قالت قلت ح أدرأ وهللا أين أيب!‬
‫َي ش‬
‫قالت فرفع أبو جهل يده ‪ -‬وكان فاح ـ ـ ـ ـاً خبيثاً ‪ -‬فلطم شخ ِدأ لطمةً‪ ،‬طر منها قـ ْر ِطي‪،‬‬
‫قالت مثَّ انصرفوا» [الطربي يف اترخيه (‪ )380 - 379/2‬وابن هشام (‪. )2(])132 - 131/2‬‬

‫فهذا درس من أمساء ر ـ ــي هللا عنها تعلِمت لنسـ ــاء اَّسـ ــلم جيالً بعد جيل‪ ،‬كيف هفي‬
‫أ ـرار اَّس ــلم عن األعداء‪ ،‬وكيف تقف هللا ــامد ًة ش ــاملةً أمام قو الب ي والظُّلم! و َّأما در ــها‬
‫الثَّاين البلي ‪ ،‬فعندما دخل عليها جدُّها أبو قلافة‪ ،‬وقد ذه بص ـ ـ ـ ـ ـ ــره‪ ،‬فقال «وهللا ِإين ألراه‬
‫قد ف عكم مبالت مع نفســت»‪ ،‬قالت «كال َي أبت! ــع يدك عل هذا اَّال» قالت «فو ــع‬
‫يده عليت»‪ ،‬فقال «حأبس‪ ،‬إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسـ ــن»‪ ،‬ويف هذا بالغ لكم‪ ،‬قالت‬
‫«وح وهللا ما ترك لنا شيئاً‪ ،‬ولك ِ أردت أن أ ِكن ال َّي بذلك»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫جدها الضـ ـ ـ ـرير‪ ،‬من ري أن‬ ‫وهبذه الفطنة‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ت أمساء أابها‪ ،‬و ـ ـ ـ َّـكنت قل‬
‫كومتها لتطمئن يا نفس ال َّ ـ ـ ـي ! إح أنت‬ ‫فَن أابها قد ترك يم حقاً هذه األح ار الَّيت َّ‬ ‫تكذب َّ‬
‫حتركت العواهللاــف ايوً‪ ،‬وح يتأثر بقلَّ ٍة أو كثرةٍ يف‬
‫قد ترك يم معها إمياانً ابهلل ح تايلايلت اجلبال‪ ،‬وح ِ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.206‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫(‪ )3‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )102/2‬وإ ناده هللالي ‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫وورثهم يقينـاً‪ ،‬وثقـةً بــت ح حـ َّـد يــا‪ ،‬و رس فيهم لَّـةً تتعلَّق مبعــاس األمور‪ ،‬وح تلتفــت إىل‬
‫اَّــال‪َّ ،‬‬
‫وقل أن يوجد نظريه‪.‬‬
‫يتكرر‪َّ ،‬‬ ‫فا فها(‪ ،)1‬فضرب هبم للبيت اَّسلم مثاحً َّ‬
‫عاي أن َّ‬
‫لقد ـ ـربت أمساء ر ــي هللا عنها هبذه اَّواقف لنس ــاء‪ ،‬وبنات اَّس ــلم مثالً ه َّن يف ِ‬
‫أمس‬
‫احلاجة إىل احقتداء بت‪ ،‬والنَّست عل ِمنوالت‪.‬‬

‫َّب هللال‬
‫حض بعث الن ُّ‬ ‫وظلَّت أمساء مع أخواهتا يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬ح ت كو يقاً‪ ،‬وح تظهر حاجةً‪َّ ،‬‬
‫هللا عليت و ــلم زيد بن حارثة‪ ،‬وأاب رافع موحه‪ ،‬وأعطالا بعريين وطســمئة دره ٍم إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬فقدما‬
‫عليت بفاطمة‪ ،‬وأم كلثوم ابنتيت‪ ،‬و ـ ـ ــودة بنت زمعة زوجت‪ ،‬وأ ـ ـ ــامة بن زيد‪ ،‬وأ ُّمت بركة اَّكنَّاة أبم‬
‫أمين‪ ،‬وخرً معهم عبد هللا بن أيب بك ٍر بعيال أيب بك ٍر‪ ،‬فيهم عائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وأمساء‪ ،‬فقدموا اَّدينة‪،‬‬
‫فأناييم يف بيت حارثة بن النُّعمان(‪.)2‬‬

‫‪ - 8‬أماانت اَّ رك عند ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬

‫يف إيداي اَّ رك ودائعهم عند ر ول هللا هللال هللا عليت و لم مع حماربتهم لت‪ ،‬وتصميمهم‬
‫عل قتلت دليل ابهر عل تناقض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم الع ي ‪ ،‬الَّذأ كانوا واقع فيت ففي الوقت الَّذأ كانوا‬
‫كذاب‪ ،‬يكونوا جيدون فيمن حويم شم ْن هو خري‬ ‫يكذبونت‪ ،‬ويايعمون أنَّت احر‪ ،‬أو جمنون‪ ،‬أو َّ‬ ‫ِ‬

‫منت أمانةً وهللا ـ ـ ــدقاً‪ ،‬فكانوا ح يض ـ ـ ــعون حوائ هم‪ ،‬وح أموايم الَّيت خيافون عليها إح عنده! وهذا‬
‫تكربهم‪ ،‬وا تعالئهم‬
‫ُّ‬ ‫وإجا بسب‬ ‫أن كفرا‪،‬م‪ ،‬يكن بسب ال ِ‬
‫َّك لديهم يف هللادقت َّ‬ ‫يدل عل َّ‬ ‫ُّ‬
‫احلق الَّـذأ جـاء بـت‪ ،‬وخوفـاً عل زعـامتهم‪ ،‬وط يـا‪،‬م(‪ ،)3‬وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق هللا العظيم إذ يقول‬ ‫عل ِ‬
‫ك شولش ِك َّن الظَّالِ ِم ش ِرَيت ا ََّّللِ شْجي شلدو شن ﴾‬ ‫ِ‬ ‫﴿قش ْد نشـعلشم إِنَّت لشيلاين ِ‬
‫ك الَّذأ يشـقولو شن فشَِ َّ‪ْ ،‬م حش ي شكذبونش ش‬
‫شْ ش‬ ‫ْ‬
‫[اآلنعام‪. ]33 :‬‬

‫لعلي ر ــي هللا عنت بتأدية هذه األماانت ألهللاــلاهبا‬


‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ٍ‬
‫ويف أمر َّ‬

‫الردأء احلقري من كل شيء ‪ ،‬واجلمع ش شفا ِ ف‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الس ْف شسا‬


‫َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّـة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.128‬‬


‫للدكتور حممد عيد رمضان البوطي ‪ ،‬ص ‪.193‬‬ ‫السرية ‪ُّ ،‬‬ ‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫‪456‬‬
‫يف َّ‬
‫مكة بر م هذه الظُّرو ال َّ ـديدة الَّيت كان من اَّف ض أن يكتنفها اح ــطراب‪ ،‬حبيث ح‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ما‬ ‫يتَّ ت التَّفكري إح إىل إُا خطَّة ه رتت فقا بر م ذلك َّ‬
‫فَن َّ‬
‫كان لينسـ ـ ـ ـ ‪ ،‬أو ين ـ ـ ـ ـ ل عن ِرد األماانت إىل أهلها‪َّ ،‬‬
‫حض ولو كان يف أهللا ـ ـ ــع الظُّرو الَّيت‬
‫تنسي النسان نفست‪ ،‬فضالً عن ريه(‪.)1‬‬

‫الراحلة ابلثَّمن‬
‫‪َّ - 9‬‬
‫حض أخذها بثمنها من أيب بك ٍر‬
‫الراحلة‪َّ ،‬‬
‫يقبل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أن يرك َّ‬
‫َّ‬
‫أبن حلة َّ‬
‫الدعوة ح ينب ي أن يكونوا‬ ‫بذمتت‪ ،‬وهذا درس وا‬
‫تقر الثَّمن شديْناً َّ‬
‫ر ي هللا عنت‪ ،‬وا َّ‬
‫كل ٍ‬
‫شيء‪.‬‬ ‫وقت من األوقات‪ ،‬فهم مصدر العطاء يف ِ‬ ‫ٍ‬
‫أحد يف ٍ‬ ‫عالةً عل‬

‫إن يدهم إن تكن العليا‪ ،‬فلن تكون ال ُّسـ ـ ـ ـفل ‪ ،‬وهكذا يص ـ ـ ـ ُّـر هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أن‬ ‫َّ‬
‫شج ٍر إِ ْن‬ ‫ِِ‬
‫﴿وشما أش ْ ـ ـ ـ ـأشلك ْم شعلشْيت م ْن أ ْ‬
‫رخذها ابلثَّمن‪ ،‬و ـ ـ ـ ــلوكت ذلك هو ال َّ ة احلقَّة لقولت تعاىل ش‬
‫ب الْعالش ِ‬
‫ِ‬
‫م ش ﴾ [الشعراء‪. ]109 :‬‬
‫شج ِرأ إِحَّ شعلش شر ش‬
‫أْ‬
‫َتتد أيديهم إىل ٍ‬
‫أحد إح‬ ‫إن الذين ملون العقيدة‪ ،‬والميان‪ ،‬ويب ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـرون هبما‪ ،‬ما ينب ي أن َّ‬
‫َّ‬
‫تعود النَّاس أن يعوا ل ة احلال َّ‬
‫أل‪،‬ا أبل من ل ة‬ ‫هللا َّ‬
‫ألن هذا يتناقض مع ما يدعون إليت‪ ،‬وقد َّ‬
‫أتخر اَّسـ ــلمون‪ ،‬وأهللاـ ــاهبم ما أهللاـ ــاهبم من ايوان إح يوم أهللاـ ــبلت و ـ ــائل الدَّعوة‪،‬‬
‫اَّقال‪ ،‬وما َّ‬
‫حتول العمل إىل ٍ‬
‫عمل‬ ‫اَّادة إذ ينتظر الواحد منهم مرتَّبت‪ ،‬ويومها َّ‬ ‫والعاملون هبا خا ـ ـ ـ ـ ـ ــع لِل ة َّ‬
‫الرو ‪ ،‬واحليويَّة‪ ،‬والو ـ ـ ـ ـ ــاءة‪ ،‬وأهللاـ ـ ـ ـ ــب ل مر ابَّعرو موظَّفون‪ ،‬وأهللاـ ـ ـ ـ ــب اخلطباء‬ ‫ٍ‬
‫مادأ ف شقد ُّ‬
‫األئمة موظَّف ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫موظَّف ‪ ،‬وأهللاب‬

‫صـوت الَّذأ ينبعث من حن رةٍ وراءها اخلو من هللا‪ ،‬واألمل يف ر ـاه‪ ،‬ري ال َّ‬
‫صـوت‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّ‬
‫الَّذأ ينبعث َّ‬
‫ليتلق دراهم معدودة‪ ،‬فَذا توقَّفت توقف َّ‬
‫الصوت‪ ،‬وقدمياً قالوا «ليست النَّائلة‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.364‬‬


‫‪457‬‬
‫الصواب(‪.)1‬‬
‫جادة َّ‬
‫قل التأثري‪ ،‬وبشـع شد النَّاس عن َّ‬
‫كالثَّكل » ويذا َّ‬
‫عف عن أموال النَّاس‬
‫‪ - 10‬الدَّاعية يش ُّ‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم عن راقة عرض عليت راقة اَّساعدة‪ ،‬فقال «وهذه‬ ‫لـ ـ ـ ـ َّـما عفا الن ُّ‬
‫ـتمر نبلي‪ ،‬و نمي يف مو ـ ـ ـ ـ ـ ــع كذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬فهذ منها‬
‫كنانيت فهذ منها ـ ـ ـ ـ ـ ــهماً وإنَّك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫[أمحد (‪ )3/1‬ومسـ ـ ـ ــلم‬ ‫حاجتك»‪ .‬فقال ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم «ح حاجة س فيها»‬
‫(‪/3014‬م)](‪. )2‬‬

‫فل يايهــد الـ ُّـدعــاة فيمــا عنــد النـَّاس‪ ،‬بُّهم النــاس‪ ،‬وح يطمعون يف أموال النـَّاس‪ ،‬ينفر‬
‫النَّاس منهم‪ ،‬وهذا درس بلي للدُّعاة إىل هللا تعاىل(‪.)3‬‬

‫الرفيعة والبكاء من الفر‬


‫‪ - 11‬اجلندية َّ‬
‫الص ِديق‪ِ ،‬‬
‫وعلي بن أيب طال ر ي هللا عنهما‬ ‫تظهر أثر ال َّ بية النَّبويَّة‪ ،‬يف جندية أيب بك ٍر ِ‬
‫فأبو بك ٍر ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت عندما أراد أن يهاجر إىل اَّدينة‪ ،‬وقال لت ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫لعل هللا جيعل لك هللا ـ ـ ـ ـ ــاحباً» بدأ يف العداد والتَّهطيا لله رة فابتاي‬
‫و ـ ـ ـ ـ ــلم «ح تع ل َّ‬
‫ِ‬
‫البهارأ «وعلف راحلت كانتا‬ ‫راحلت ‪ ،‬واحتبســهما يف داره يعلفهما إعداداً لذلك‪ ،‬ويف رواية‬
‫ورق ال َّس ـ ـ ـمر ‪ -‬وهو اخلشبشا ‪ -‬أربعة أش ـ ــهر» [البخاري (‪ )3905‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ])473/2‬لقد كان‬
‫عنده ش‬
‫يدرك بثاق بص ـ ــره ر ـ ــي هللا عنت ‪ -‬وهو الَّذأ َّ‬
‫ترىب ليكون قائداً ‪َّ -‬‬
‫أن حلظة اي رة هللا ـ ــعبة‪،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا‬ ‫قد أتل ف أ ًة‪ ،‬ولذلك هيأ و ـ ــيلة اي رة‪ ،‬ورتَّ َتوينها‪ ،‬و ـ ـ َّ‬
‫ـهر أ ـ ـ ـرتت خلدمة الن ِ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وعندما جاء ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأخربه َّ‬
‫أن هللا قد أذن لت يف‬
‫اخلروً‪ ،‬واي رة بك من ش ــدَّة الفر ‪ ،‬وتقول عائ ــة ر ــي هللا عنها يف هذا ال ــأن «فوهللا!‬
‫حض رأيت أاب بك ٍر يبكي ٍ‬
‫يومئذ»‪،‬‬ ‫أن أحداً يبكي من الفر َّ‬ ‫قا قبل ذلك اليوم َّ‬‫ما ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعرت ُّ‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪.149 ، 148‬‬ ‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬


‫ِ‬
‫البهارأ «وعر ت عليهم الاياد واَّتاي ‪ ،‬فلم يشـ ْرزاين» رقم (‪.)3906‬‬ ‫(‪ )2‬يف‬
‫(‪ )3‬انظر يف ظالل اي رة النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪458‬‬
‫يتلول الفر إىل ٍ‬
‫بكاء‪ ،‬كما قال ال َّاعر عن هذا‬ ‫َّإ‪،‬ا َّ‬
‫قمة الفر الب ِ‬
‫رأ أن َّ‬
‫شج شف ـ ـ ِاين‬ ‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيشـايورِين فـ ــا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫ـتعربت أ ْ‬ ‫الكتشـ ـ ـ ـاب ِم شن احلشبِْيـ ـ ـ ـ ِ أبنـَّ ـ ـ ـت‬ ‫ورد ِ‬
‫ششش‬
‫ِم ْن ْفر ِط مـ ــا قش ـ ـ ْد ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرين أشبْ شك ـ ـ ِاين‬ ‫حض إنَّ‬ ‫علي َّ‬ ‫ش لشـ ـ ـ ـ ش ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرور َّ‬
‫تشـ ـ ـْب ـ ـ ِك ـ ـ ْ ش ِم ـ ـ ْن فشـ ـ ـشرٍ شوِم ـ ـ ْن أش ْح ـ ـشاي ِان‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شار الد َّْمع ِعْن شد ِك شع شاد ًة‬
‫َي شع ْ ش‬

‫وحده برفقة ر ول ِ‬
‫رب‬ ‫الصلبة أنَّت يكون ش‬ ‫فالص ِديق ر ي هللا عنت‪ ،‬يعلم َّ‬
‫أن معىن هذه ُّ‬ ‫ِ‬
‫األقل‪ ،‬وهو الَّذأ ـ ـ ِ‬
‫ـيقدم حياتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لس ـ ــيِده‪ ،‬وقائده‪ ،‬وحبيبت‬ ‫ِ‬ ‫العاَّ ‪ ،‬بض ـ ــعة ع ـ ــر يوماً عل‬
‫صـ ـ ِديق‬
‫يتفرد ال ِ‬
‫فأأ فوٍز يف هذا الوجود يفوق هذا الفوز أن َّ‬
‫اَّص ــطف هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ُّ ،‬‬
‫يعاً برفقة ــيِد اخللق هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫صـ ـل‬
‫وحده من دون أهل األرض‪ ،‬ومن دون ال َّ‬ ‫ش‬
‫كل هذه اَّدَّة(‪ .)1‬وتظهر معاين احل ِ يف هللا يف خو أيب بك ٍر‪ ،‬وهو يف ال ار من أن‬ ‫وهللاـ ــلبتت َّ‬
‫ص ـادق مع قائده‬ ‫جندأ الدَّعوة ال َّ‬
‫ُّ‬ ‫ص ـ ِديق مثالً َّا ينب ي أن يكون عليت‬
‫يرالا اَّ ــركون ليكون ال ِ‬
‫ـفاق عل حياتت فما كان أبو بكر ـ ٍ‬
‫ـاعتئذ ابلَّذأ‬ ‫دق بت اخلطر من خو ٍ ‪ ،‬وإشـ ٍ‬ ‫األم ح‬
‫ـول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف هذه‬
‫خي ـ ـ ـ عل نفس ـ ــت اَّوت‪ ،‬ولو كان كذلك َّا رافق ر ـ ـ ش‬
‫أقل جايائت القتل إن أمسـ ــكت اَّ ـ ــركون مع ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا‬ ‫اي رة اخلطرية‪ ،‬وهو يعلم َّ‬
‫أن َّ‬
‫الر ول الكر هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وعل مستقبل‬
‫عل حياة َّ‬ ‫عليت و لم ولكنَّت كان خي‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم يف قبضة اَّ رك (‪.)2‬‬
‫ال الم إن وقع َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬يف مواقف‬ ‫ص ـ ـ ِديق يف ه رتت مع الن ِ‬
‫الرفيع لل ِ‬ ‫احلس األم ُّ َّ‬
‫ويظهر ُّ‬
‫هاد يهدي‬‫الرجل الَّذأ ب يديك؟ فقال هذا ٍ‬ ‫كثريةٍ منها ح أجاب ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائل شم ْن هذا َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ِديق يقص ـ ـ ــد الطريق‪َّ ،‬‬
‫وإجا كان يقص ـ ـ ــد ـ ـ ــبيل اخلري‪[ .‬البخاري‬ ‫أبن ال ِ‬ ‫فظن الس ـ ـ ــائل َّ‬
‫ال َّسـ ـ ـ ـبيل‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر ال بية القياديَّة (‪.)192 ، 191/2‬‬


‫السرية النَّبويَّة دروس وعرب ‪ِ ،‬‬
‫للسباعي ‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫‪459‬‬
‫(‪ ،)1(])391‬وهذا ُّ‬
‫يدل عل حســن ا ــتهدام أيب بك ٍر للمعاريض فراراً من الكذب(‪ ،)2‬ويف إجابتت‬
‫لل َّسـ ـ ـ ـائل تورية‪ ،‬وتنفيذ لل َّ بية األمنيَّة الَّيت تلقَّاها من ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أل َّن‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم عل ذلك(‪.)3‬‬
‫أقره َّ‬
‫اي رة كانت راً‪ ،‬وقد َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـادق اَّهلص لدعوة ال ـ ـ ـ ـ ــالم حيث‬ ‫علي بن أيب طال ٍ مثال لل ِ‬
‫ندأ ال َّ‬ ‫ويف موقف ِ‬
‫فد قائده حبياتت‪ ،‬ففي ـ ـ ـ ــالمة القائد ـ ـ ـ ــالمة للدَّعوة‪ ،‬ويف هالكت خذح‪،‬ا‪ ،‬ووهنها‪ ،‬وهذا ما‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم إذ كان‬
‫فعلت علي ر ي هللا عنت ليلة اي رة من بياتت عل فراش َّ‬
‫لكن علياً ر ـ ــي هللا‬
‫علي ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬و َّ‬
‫من اَّتمل أن هتوأ ـ ــيو فتيان قريش عل رأس ٍ‬
‫األمة‪ ،‬وقائد الدَّعوة(‪.)4‬‬
‫نب َّ‬ ‫عنت ِ‬
‫يبال بذلك‪ ،‬فلسبت أن يش ْسلشم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ُّ‬
‫وفن التَّعامل مع النُّفوس‬
‫فن قيادة األروا ‪ُّ ،‬‬
‫‪ُّ - 12‬‬
‫يظهر احل ُّ العميق الَّذأ ــيطر عل قل أيب بك ٍر لر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يف‬
‫صـلابة أ ع يف ـرية احلبي اَّصـطف هللاـل هللا عليت و ـلم‬‫اي رة‪ ،‬كما يظهر ح ُّ ـائر ال َّ‬
‫ونخالص‪ ،‬يكن ح َّ ٍ‬
‫نفاق‪ ،‬أو انبعاً من مصـللة‬ ‫ٍ‬ ‫الرَّابينُّ كان انبعاً من القل‬
‫‪ ،‬وهذا احل ُّ َّ‬
‫منفعة‪ ،‬أو ٍ‬
‫رهبة َّكروه قد يقع‪ ،‬ومن أ ـباب هذا احل ِ لر ـول هللا هللاـل هللا‬ ‫دنيويٍَّة‪ ،‬أو ر ٍبة يف ٍ‬
‫ليس ـ وا‪ ،‬وجيوي لي ــبعوا‪،‬‬ ‫الرش ــيدة‪ ،‬فهو يس ــهر ليناموا‪ ،‬ويتع‬
‫عليت و ــلم هللا ــفاتت القياديَّة َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم مع هللاــلابتت‪،‬‬
‫كان يفر لفرحهم‪ ،‬و اين حلاي‪،‬م‪ ،‬فمن ــلك ــنن َّ‬
‫العامة‪ ،‬وش ـ ــارك النَّاس يف أفراحهم‪ ،‬وأتراحهم‪ ،‬وكان عملت لوجت هللا‪ ،‬أهللا ـ ــابت‬
‫هللا ـ ـ ـة و َّ‬
‫يف حياتت اخلا َّ‬
‫شـ ــيء من هذا احل ِ إ ْن كان من ُّ‬
‫الايعماء أو القادة أو اَّسـ ــؤول يف َّأمة ال ـ ــالم(‪ .)5‬وهللاـ ــدق‬
‫يب عندما قال‬ ‫ِ‬
‫ال َّاعر الل ُّ‬

‫البهارأ ‪ ،‬رقم (‪.)3911‬‬ ‫ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.204‬‬


‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ِ ،‬‬
‫للسباعي ‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫(‪ )5‬انظر اي رة النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪460‬‬
‫ت شعلشْي ِت شم شو ِاه ال شفتَّا ِ‬ ‫ظش شهشر ْ‬
‫فش ـ ـ ـ ـ ـَِذشا أشح ـ ـ ـ ـ ـ َّ هللا اب ِط ـ ـ ـ ـ ــن عب ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهِ‬
‫ش ش‬ ‫ش‬
‫(‪)1‬‬
‫شم شال العِبشاد شعلشْي ِت ابأل ْشرشوا ِ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِ ٍ‬ ‫وإِ شذا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شف ِ ِ‬
‫ت هلل نيَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة م ْ‬
‫ش ْ‬

‫ـيء‪ ،‬وتسـ ـ ـ ــتطيع أن‬ ‫كل شـ ـ ـ ـ ٍ‬‫ص ـ ـ ـ ـليلة هي الَّيت تسـ ـ ـ ــتطيع أن تقود األروا قبل ِ‬ ‫َّ‬
‫إن القيادة ال َّ‬
‫تتعامل مع النُّفوس قبل ريها‪ ،‬وعل قدر إحسـ ـ ـ ــان القيادة‪ ،‬يكون إحسـ ـ ـ ــان اجلنود‪ ،‬وعل قدر‬
‫البذل من القيادة يكون احل ُّ من اجلنود‪ ،‬فقد كان هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم رحيماً‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ــفيقاً‬
‫يبق إح اَّسـ ـ ـ ــتضـ ـ ـ ــعفون‪،‬‬ ‫قنوده‪ ،‬وأتباعت‪ ،‬فهو يهاجر إح بعد أن هاجر معظم أهللاـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬و ش‬
‫خاهللاة ابي رة(‪.)2‬‬
‫مهمات َّ‬ ‫واَّفتونون‪ ،‬ومن كانت لت َّ‬
‫‪ - 13‬ويف الطَّريق أ لم بريدة األ ْ لش ِم ُّي ر ي هللا عنت يف رك ٍ من قومت‬

‫إن اَّس ــلم الَّذأ ت ل لت الدَّعوة يف شـ ـ ا قلبت‪ ،‬ح يف حلظة واحدةً عن دعوة النَّاس إىل‬ ‫َّ‬
‫دين هللا تعاىل‪ ،‬مهما كانت الظُّرو قا ـ ــيةً‪ ،‬واألحوال مض ـ ــطربةً‪ ،‬واألمن مفقوداً بل ينتهاي َّ‬
‫كل‬
‫نب هللا تعاىل يو ف عليت السالم حينما ز ًَّ بت يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فرهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة منا بة لتبلي دعوة هللا تعاىل‪ ،‬فهذا ُّ‬
‫ب حظَّت‪ ،‬و ت ـ لت هذه احلياة اَّظلمة عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السـ ن ظ ْلماً‪ ،‬واجتمع ابل ُّسـ ناء يف السـ ن يند ْ‬
‫مللوق‪.‬‬‫ألأ ٍ‬ ‫دعوة التَّوحيد‪ ،‬وتبلي ها للنَّاس‪ ،‬وحماربة ال ِ رك‪ ،‬وعبادة ري هللا‪ ،‬واخلضوي ِ‬
‫قال تعاىل ﴿ شق شال حش شرْتِيك شما طش شعام تـ ْرشزشقانِ ِت إِحَّ نشـَّبأْتك شما بِشتأْ ِو ِيل ِت قشـْب شل أش ْن شرْتِيشك شما ذشلِك شما ِاَّا‬
‫آابئِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫شعلَّ شم ِ شرِيب إِين تشـشرْكت مَّلةش قشـ ْوم حش يـ ْؤمنو شن ِاب ََّّلل شوه ْم ِاب خرةِ ه ْم شكافرو شن ۝ شواتَّـبشـ ْعت مَّلةش ش‬
‫اَّللِ شعلشْيـنشا شو شعلش‬ ‫ك ِم ْن فش ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ـ ِل َّ‬ ‫وب شما شكا شن لشنشا أش ْن ن ْ ـ ِرشك ِاب ََّّلل ِم ْن شش ـ ْيء شذل ش‬ ‫اق شويشـ ْعق ش‬ ‫إبراهيم شوإِ ْ ـ شل ش‬
‫اَّلل الْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس حش ي ْ كرو شن ۝ َي ِ ِ‬ ‫الن ِ ِ‬
‫احد‬ ‫هللااح شِب الس ْ ِن أشأ ْشرشابب متشـ شفرقو شن شخ ْري أشم َّ ش‬ ‫ش ش‬ ‫َّاس شولشك َّن أش ْكثشـشر الن ِ ش‬
‫ان إِ ِن‬‫اَّلل ِهبا ِمن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل طش ٍ‬ ‫*ما تشـ ْع بدو شن ِم ْن دونِ ِت إِحَّ أ ْ‬
‫آابيك ْم شما أشنْـشايشل َّ ش ْ‬ ‫وها أشنْـت ْم شو ش‬ ‫شمسشاءً شمسَّْيـتم ش‬ ‫الْ شق َّهار ش‬
‫اس حش‬ ‫ك ال ـ ـ ـ ِـدي ــن الْ ـ شق ـيِ ـم شولش ـ ِك ـ َّن أش ْك ـثشـ ـشر ال ـنَّ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ا ْحل ـ ْك ـم إِحَّ ََّّلل أششم ـشر أشحَّ تشـ ـ ْع ـب ـ ـ ـدوا إِحَّ إِ ََّيه ذشلـ ـ ـ ـ ش‬
‫[يوسف‪. ]40- 37 :‬‬ ‫يشـ ْعلشمو شن﴾‬

‫للصاليب (‪ ، )7/2‬وال َّاعر هو أحد رفيق اَّهدوأ‪.‬‬


‫السنو يَّة يف ليبيا‪َّ ،‬‬
‫انظر احلركة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.205‬‬


‫‪461‬‬
‫حممداً هللال هللا عليت و لم أن‬ ‫و ورة يو ف عليت السالم ِ‬
‫مكيَّة‪ ،‬وقد أمر هللا تعاىل ر ولت َّ‬
‫يقتدأ ابألنبياء واَّر ـ ــل يف دعوتت إىل هللا ولذلك ُده هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف ه رتت من‬
‫َّ‬
‫مكة إىل اَّدينة ‪ -‬وقد كان مطارداً من اَّ ـ ــرك ‪ ،‬قد أهدروا دمت‪ ،‬وأ روا اارم منهم ابألموال‬
‫مهمتت‪ ،‬ور ــالتت‪ ،‬فقد لقي هللاــل هللا عليت و ــلم يف‬
‫الوفرية‪ ،‬ليأتوا برأ ــت حياً أو ميتاً ‪ -‬ح ينسـ َّ‬
‫ـلمي ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬يف شرْك ٍ من قومت‪ ،‬فدعاهم‬
‫ص ـ ـي األ ـ ـ ُّ‬
‫طريقت رجالً يقال لت بـ ْريشدة بن احل ش‬
‫إىل ال الم‪ ،‬فآمنوا‪ ،‬وأ لموا(‪.)1‬‬

‫وذكر ابن ح ٍر العسـقالينُّ ‪ -‬رحت هللا ‪َّ « -‬‬


‫أن النب هللاـل هللا عليت و ـلم يف طريق ه رتت‬
‫ـلمي‪ ،‬فدعاه إىل ال ـ ــالم‪ ،‬وقد‬
‫ص ـ ـْي بن عبد هللا بن احلارث األ ـ ـ َّ‬ ‫إىل اَّدينة لقي بريدة بن احل ش‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ــت شع ْ ـشرة ش ْايوة(‪ ،)2‬وأهللاــب بـشريْ شدة بعد ذلك من الدُّعاة‬
‫ايا مع َّ‬
‫اب ايداية‪ ،‬واندفعوا إىل ال ـ ـ ــالم‪ ،‬وفازوا‬ ‫إىل ال ـ ـ ــالم‪ ،‬وفت هللا لقومت «أ ْ ـ ـ ـلشم» عل يديت أبو ش‬
‫َّبوأ الَّذأ نتعلَّم منت منه اً فريداً يف فقت النُّفوس(‪ .)3‬قال هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫ابلو ـ ـ ــام الن ِ‬
‫إين أشقـ ْلها‪ ،‬ولكن قايا هللا» [البخاري (‪ )3514‬ومسـ ـ ــلم‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫«أ ْ ـ ـ ـ ـلشم ـ ـ ـ ــاَّها هللا‪ ،‬و ِ شفار ش شفر هللا يا‪ ،‬أشما ِ‬
‫ش‬
‫(‪. ])2516‬‬

‫لصان عل يدأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬


‫‪ - 14‬ويف طريق اي رة أ لم َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـان من أش ْ ـ ـ ـ ـ ـلم‪ ،‬يقال يما‬
‫كان يف طريقت هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ابلقرب من اَّدينة ل َّ‬
‫اان ِن‪ ،‬فقصـ ــدلا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وعرض عليهما ال ـ ــالم‪ ،‬فأ ـ ــلما‪ ،‬مثَّ ـ ــأيما عن‬ ‫اَّ شه ش‬
‫امسيهمــا‪ ،‬فقــاح حنن اَّهــاانن‪ ،‬فقــال بــل أنتمــا اَّكْرمــان‪ ،‬وأمرلــا أن يقــدمــا عليــت اَّــدينــة [أمحــد‬

‫(‪ ])74/4‬ويف هذا اخلرب يظهر اهتمامت هللال هللا عليت و لم ابلدَّعوة إىل هللا حيث ا تنم فرهللاةً يف‬
‫ص إىل ال الم‪ ،‬فأ لما‪ ،‬ويف إ الم هذين اللِص مع ما ألفاه من حياة‬ ‫طريق ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬ودعـ ـ ـ ـ ـ ـا اللِ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪ ، 59‬وشر اَّواه (‪.)405/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر الهللاابة (‪.)146/1‬‬
‫الصليل (‪ )92/4‬رقم ‪ 6981‬هللالي ال ناد‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر اَّستدرك عل َّ‬
‫‪462‬‬
‫احلق إذا وجد شم ْن ميثِلت‬
‫ـ ـ ــرعة إقبال النُّفوس عل اتِباي ِ‬ ‫البطش‪ ،‬وال َّسـ ـ ـ ـل ‪ ،‬والنَّه دليل عل‬
‫الر ول هللال هللا عليت‬ ‫السامع من ايو اَّنلر ‪ ،‬ويف اهتمام َّ‬ ‫ودردت نفس َّ‬ ‫ٍ‬
‫وإخالص‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بصدق‬
‫و ـ ــلم بت يري امسي هذين اللِص ـ ـ ـ ‪ ،‬من اَّ شهانشْ إىل اَّكشْرشم ْ دليل عل اهتمامت هللا ـ ــل هللا عليت‬
‫و لم بسمعة اَّسلم ‪ ،‬ومراعاتت م اعرهم‪ ،‬إكراماً يم‪ ،‬ورفعاً َّعنوَيهتم‪.‬‬

‫َّ‬
‫وإن يف رفع معنوية النس ـ ـ ــان تقويةً ل ـ ـ ــهص ـ ـ ــيتت‪ ،‬ودفعاً لت إىل األمام ليبذل كل طاقتت يف‬
‫بيل اخلري‪ ،‬والفال (‪.)1‬‬

‫الايبري‪ ،‬وطللة ر ي هللا عنهما‪ ،‬والتقايلا بر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف طريق‬
‫‪ُّ - 15‬‬
‫اي رة‬

‫العوام يف رك ٍ من‬ ‫واَّا وقع يف الطَّريق إىل اَّدينة أنَّت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم لقي ُّ‬
‫الايبري بن َّ‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم وأاب بكر ثياابً‬ ‫الايبري ر ش‬
‫اَّسلم كانوا داراً قافل من ال َّ ام‪ ،‬فكسا ُّ‬
‫أن طللة بن عبيد‬ ‫بيض ــاء‪[ .‬البخاري (‪ )3906‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)2(])498/2‬وكذا رو أهللا ــلاب ال ِس ـ شري َّ‬
‫هللا لقيهما أيضاً وهو عائد من ال َّام‪ ،‬وكسالا بعض الثِياب [البيوقي يف الدالئل (‪. )3(])498/2‬‬

‫الض ائن‬
‫الدين يف إزالة العداوة و َّ‬ ‫‪ِ - 16‬‬
‫أليَّة العقيدة و ِ‬

‫الدين ال ــالمي العظيم يما ِ‬


‫أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة كرب يف إزالة‬ ‫صـ ـليلة ال َّسـ ـليمة‪ ،‬و ِ‬ ‫َّ‬
‫إن العقيدة ال َّ‬
‫َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائن‪ ،‬ويف التَّ ـأليف ب القلوب واألروا ‪ ،‬وهو دور ح ميكن ل ري العقي ــدة‬
‫الع ــداوات‪ ،‬وال َّ‬
‫الصليلة أن تقوم بت‪ ،‬وهاقد رأينا كيف عت العقيدة ال الميَّة ب األوس‪ ،‬واخلايرً‪ ،‬وأزالت‬ ‫َّ‬
‫ات كثريةٍ يف مــدَّةٍ قص ـ ـ ـ ـ ـ ــريةٍ‪ ،‬مب َّرد‬
‫الايمن‪ ،‬وأ لقــت ملف اثر ٍ‬
‫ـتمرت عقوداً من َّ‬
‫آاثر معــارك ا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫التَّم ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـك هبا‪ ،‬واَّبايعة عليها‪ ،‬وقد رأينا ما فعلتت العقيدة يف نفوس األنص ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬فقد ا ـ ـ ـ ـ ــتقبلوا‬
‫ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مثار الدَّه ــة‪ ،‬ومضــرب اَّثل‪،‬‬ ‫اَّهاجرين بصــدوٍر مفتوحة‪ ،‬وآتخوا معهم يف مثاليَّة اندرة‪ ،‬ح تايال ش‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)178/3‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)495/1‬‬
‫السابق نفست (‪ ، )495/1‬وهللالي ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.181‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪463‬‬
‫الصافية يف النُّفوس‪.‬‬
‫وح توجد يف الدُّنيا فكرة‪ ،‬أو شعار آخر فعل مثلما فعلت عقيدة ال الم َّ‬
‫السَّر يف عي األعداء الدَّائ إىل إ عا هذه العقيدة‪ ،‬وتقليل أتثريها يف‬ ‫ومن هنا ندرك ِ‬
‫نفوس اَّسـ ـ ــلم ‪ ،‬واندفاعهم اَّسـ ـ ـ ِ‬
‫ـتمر حنو تايكية النَّعرات العصـ ـ ــبيَّة‪ ،‬والوطنيَّة‪ ،‬والقوميَّة‪ ،‬و ريها‪،‬‬
‫الصليلة(‪.)1‬‬ ‫وتقدميها ٍ‬
‫كبديل للعقيدة َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬
‫‪ - 17‬فرحة اَّهاجرين واألنصار بوهللاول الن ِ‬

‫كانت فرحة اَّؤمن من ــكان يثرب من أنص ــا ٍر‪ ،‬ومهاجرين بقدوم ر ــول هللا هللا ــل هللا‬
‫الرجال عل‬ ‫عليت و ـلم ووهللاـولت إليهم ـاَّاً فرحةً أخرجت النِسـاء من َّ‬
‫بيوهتن‪ ،‬والوحئد‪ ،‬وحلت ِ‬
‫ترك أعمايم‪ ،‬وكان موقف يهود اَّدينة‪ ،‬موقف اَّ ـ ـ ــارك لس ـ ـ ـ َّـكا‪،‬ا يف الفرحة ظاهراً‪ ،‬واَّتأِ من‬
‫الايعامة اجلديدة ابطناً‪َّ ،‬أما فرحة اَّؤمن بلقاء ر ـ ـ ـ ـ ــويم فال ع فيها‪ ،‬فهو الَّذأ‬ ‫منافس ـ ـ ـ ـ ــة َّ‬
‫أخرجهم من الظُّلمات إىل النُّور نذن رهبم إىل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراط العايياي احلميد‪ ،‬وأما موقف اليهود‪ ،‬فال‬
‫رابـة فيـت فهم الـذين ع ِرفوا ابَّلق‪ ،‬والنِفـاق للم تمع الَّـذأ فقـدوا ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطرة عليـت‪ ،‬وابل يم‪،‬‬
‫واحلقد األ ـ ـ ــود اَّن يسـ ـ ــلبهم زعامتهم عل ال ُّ ـ ـ ـعوب‪ ،‬وش ول بينهم وب ـ ـ ــل أموايم اب ـ ـ ــم‬
‫كل من خيلِص‬ ‫القروض‪ ،‬و ــفك دمائها اب ــم النُّصـ ـ ‪ ،‬واَّ ــورة‪ ،‬وما زال اليهود قدون عل ِ‬
‫ال ـُّعوب من ـيطرهتم‪ ،‬وينتهون من احلقد إىل الد ِ‬
‫َّس‪ ،‬واَّؤامرات‪ ،‬مثَّ إىل اح تيال إن ا ـتطاعوا‪،‬‬
‫ذلك دينهم‪ ،‬وتلك ِجبِلَّتهم(‪.)2‬‬

‫ويسـ ــتفاد من ا ـ ــتقبال اَّهاجرين واألنصـ ــار لر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬م ـ ــروعية‬
‫ا تقبال األمراء والعلماء عند مقدمهم‪ ،‬ابحلفاوة والكرام‪ ،‬فقد حدث ذلك لر ول هللا هللال هللا‬
‫عليت و ـلم ‪ ،‬وكان هذا الكرام‪ ،‬وهذه احلفاوة‪ ،‬انبع من ح ٍ للر ـول هللاـل هللا عليت و ـلم‬
‫ال ما نراه من ا ـ ـ ــتقبال الايعماء واحلكام يف عاَّنا اَّعاهللا ـ ـ ــر‪ ،‬ويس ـ ـ ــتفاد كذلك التنافس يف‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبوية اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.405‬‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ِ ،‬‬
‫للسباعي ‪ ،‬ص ‪ ، 43‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪367‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫‪464‬‬
‫ـول هللا هللا ــل‬
‫اخلري‪ ،‬وإكرام ذوأ العلم وال ــر ‪ ،‬فقد كانت كل قبيلة حترص أن تس ــتض ــيف ر ـ ش‬
‫هللا عليت و لم ‪ ،‬وتعرض أن يكون رجايا حرا اً لت‪ ،‬ويؤخذ من هذا‪ ،‬إكرام العلماء والصاحل ‪،‬‬
‫واح امهم وخدمتهم(‪.)1‬‬

‫‪ - 18‬مقارنة ب اي رة‪ ،‬وال راء واَّعراً‬

‫كانت اي رة النَّبويَّة ال َّ ـ ـ ـريفة عل النَّلو الَّذأ كانت عليت‪ ،‬و ـ ـ ــارت عل الو ـ ـ ــع الَّذأ‬
‫حض توجد القدوة‪ ،‬وتتلقَّق األ ـ ــوة‪ ،‬ويس ــري اَّسـ ــلمون عل ‪ٍ ،‬ت مألو ٍ ‪،‬‬ ‫كل مهاج ٍر َّ‬ ‫يس ــلكت ُّ‬
‫وجل ‪ -‬لت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم الرباق ليهاجر‬
‫عاي َّ‬‫ـبيل معرو ٍ ‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فلم ير ـ ـ ِـل هللا ‪َّ -‬‬ ‫و ــ ٍ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم يف يوم ه رتت أحوً‬ ‫عليت ‪ -‬كما حدث يف ليلة ال ـراء ‪ -‬مع َّ‬
‫أن َّ‬
‫ـت آخر َّ‬
‫ألن القوم ي بَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــون بــت هنــا‪ ،‬و يكن هنــاك تربُّص يف ليلــة‬ ‫أأ وقـ ٍ‬
‫إىل الرباق منــت يف ِ‬
‫ال راء‪ ،‬ولو ظفروا بت يف ه رتت ل فوا نفو هم منت بقتلت‪.‬‬

‫تطور الدَّعوة‪،‬‬ ‫واحلكمة يف ذلك ‪ -‬وهللا أعلم ‪َّ -‬‬


‫أن اي رة كانت مرحلةً طبيعيَّةً من مراحل ُّ‬
‫وو يلةً من ِ‬
‫أهم و ائل ن رها‪ ،‬وتبلي ها‪ ،‬و تكن خاهللاةً بر ول هللا هللال هللا عليت و لم بل‬
‫كان ريه من اَّؤمن مكلَّف هبا‪ ،‬ح قطع ال ـ ـ ـ ــالم الوحية(‪ )2‬ب اَّهاجرين و ري اَّهاجرين‬
‫القادرين عل اي رة‪.‬‬

‫ين شآوْوا‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ َّن الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِأبشموايِِم وأشنْـف ِسـ ـ ِهم ِيف ـ ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل شوالذ ش‬ ‫ْ ش‬ ‫ْش ْ ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش‬
‫اجروا شما لشك ْم ِم ْن شوحشيشتِ ِه ْم ِم ْن شش ْي ٍء شح َّض‬ ‫ض والَّ ِذين آمنوا وش يـه ِ‬
‫شْ ش‬
‫ِ‬
‫ك بشـ ْع ضه ْم أ ْشوليشاء بشـ ْع ٍ ش ش‬ ‫صروا أولشئِ ش‬‫شونش ش‬
‫صـ ـ ـ ـر إِحَّ شعلش قشـ ْوٍم بشـْيـنشك ْم شوبشـْيـنشـه ْم ِميثشاق شو َّ‬
‫اَّلل ِمبشا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يـ شهاجروا شوإِن ا ْ ـ ـ ـتشـْن ش‬
‫ص ـ ـ ـروك ْم ِيف الدي ِن فشـ شعلشْيكم النَّ ْ‬
‫صري ﴾ [اآلنفال‪. ]72 -‬‬ ‫تشـعملو شن ب ِ‬
‫ْش ش‬
‫يف‪ ،‬وتقدي ٍر‪ ،‬كما كانت إكراماً من هللا ‪-‬‬ ‫َّأما رحلة ال ـ ـ ـ ـراء‪ ،‬واَّعراً‪ ،‬فكانت رحلةش ت ـ ـ ـ ـر ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.359 ، 358‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.365‬‬
‫‪465‬‬
‫وجل ‪ -‬لنبيِت هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ليطلعت عل عا ال ي ‪ ،‬ويريت من آَيتت الكرب ‪،‬‬
‫عاي َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫فالرحلة من أويا إىل آخرها خوارق‪ ،‬ومع ايات‪ ،‬وم ــاهد لل يبيَّات‪ ،‬فنا ـ أن تكون و ــيلتها‬
‫م اهبةً ل ايتها‪.‬‬
‫أن رحلة ال راء خصوهللايَّة للر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وليس ٍ‬
‫ألحد من‬ ‫ِزْد عل ذلك َّ‬
‫فَن حص ـ ــويا عل النَّلو الَّذأ‬
‫النَّاس أن يتطلَّع َّثلها‪ ،‬ولس ـ ــنا مطالب ابحقتداء بت فيها‪ ،‬ولذا َّ‬
‫كانت عليت‪ ،‬هو أنس األو اي حلدوثها(‪.)1‬‬

‫َّدرً‬
‫نَّة الت ُّ‬ ‫‪ - 19‬و و‬

‫حيث نالحم َّ‬


‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عندما تقابل مع طالئع األنصار األوىل‪،‬‬
‫يفعل ــو تر يبهم يف ال ــالم‪ ،‬وتالوة القرآن عليهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جايوا يف العام التاس‪ ،‬ابيعهم‬
‫بيعة النِساء عل العبادات‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والفضائل‪ ،‬فل َّـما جايوا يف العام التاس كانت بيعة العقبة‬
‫الثَّانية عل اجلهاد‪ ،‬والنَّصر‪ ،‬واليواء(‪.)2‬‬
‫تتم إح بعــد عــام كــامل ‪ ،‬أأ بعــد أتهيـ ٍـل‪ ،‬وإعـ ٍ‬
‫ـداد‬ ‫وجــدير ابَّالحظــة َّ‬
‫أن بيعــة احلرب َّ‬
‫بوأ الَّذأ ‪ ،‬ت عليت‬
‫تدرًٍ ينس ـ م مع اَّنهت ال َّ ِ‬
‫ـتمر عام كامل ‪ ،‬وهكذا ذَّ األمر عل ُّ‬‫ا ـ َّ‬
‫الدَّعوة من َّأول ٍ‬
‫يوم(‪.)3‬‬

‫إنَّت اَّنهت الَّذأ هد هللا نبيَّت هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم إىل التايامت‪ ،‬ففي البيعة األوىل‪ ،‬ابيعت‬
‫هؤحء األنص ــار اجلدد عل ال ــالم عقيد ًة‪ ،‬ومنهاجاً‪ ،‬وتربية‪ ،‬ويف البيعة الثانية‪ ،‬ابيعت األنص ـار‬
‫ـالمي الذأ نضـ ـ ـ ت شاره‪ ،‬واش ـ ــتدَّت قواعده َّقوًة‬
‫عل حاية الدَّعوة‪ ،‬واحتض ـ ــان ااتمع ال ـ ـ ِ‬
‫وهللاالبةً‪.‬‬

‫َّمد يِد الوكيل ‪ ،‬ص ‪ُّ ، 104 ، 103‬‬


‫بتصر ‪.‬‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫أتمالت يف رية َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر ُّ‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫(‪ )3‬انظر بناء ااتمع ال المي يف عصر النبوة ‪َّ ،‬مد توفيق ‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪466‬‬
‫وإن األمر‬ ‫إن هات البيعت أمران متكامالن ـ ـ ـ ـ ـ ــمن اَّنهت ال َّ ِ‬
‫بوأ للدَّعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫السياً الَّذأ مي ذلك اَّضمون‪،‬‬ ‫األول هو اَّضمون‪ ،‬واألمر الثاين ‪ -‬وهو بيعة احلرب ‪ -‬هو ِ‬
‫نعم كانت بيعة احلرب بعد عام من إعالن القوم ال الم‪ ،‬وليس فور إعال‪،‬م‪.‬‬

‫ثقة‪ ،‬وأهالً يذه البيعة‪ ،‬ويالحم َّ‬


‫أن بيعة‬ ‫حض دوا مو ـ ـ ـ ـ ـ ــع ٍ‬‫بعد عام إذ ذَّ إعدادهم َّ‬
‫أأ مس ـ ــلم َّإجا حص ـ ــلت عندما وجدت الدَّعوة يف‬ ‫احلرب يس ـ ــبق أن َتَّت قبل ذلك اليوم مع ِ‬
‫هؤحء األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬ويف األرض الَّيت يقيمون فيها اَّعقل اَّالئم الَّذأ ينطلق منت اَّاربون َّ‬
‫ألن‬
‫عندئذ تكن تصل لللرب(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكة لو عها‬ ‫َّ‬

‫وقد اقتضت رحة هللا بعباده «أحَّ ش ِملشهم واج ش القتال إىل أن توجد يم دار إ الم‪ ،‬تكون‬
‫اَّنورة َّأول دار إ ٍ‬
‫الم»(‪.)2‬‬ ‫يم مبثابة ٍ‬
‫معقل روون إليت‪ ،‬ويلوذون بت‪ ،‬وقد كانت اَّدينة َّ‬
‫لقد كانت البيعة األوىل قائمةً عل الميان ابهلل‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـولت هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬والبيعة‬
‫الثـَّانيـة عل اي رة‪ ،‬واجلهـاد‪ ،‬وهبـذه العنـاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــر الثالثـة الميـان ابهلل‪ ،‬واي رة‪ ،‬واجلهـاد‪ ،‬يتلقَّق‬
‫لتتم لوح وجود الفئة اَّسـ ـ ـ ـ ــتعدَّة لإليواء‬ ‫اعي اك ٍن‪ ،‬واي رة تكن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وجود ال ـ ـ ـ ـ ــالم يف واقع‬
‫ين شآوْوا‬ ‫ويذا قال تعاىل ﴿إِ َّن الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِأبشموايِِم وأشنْـف ِسـ ِهم ِيف ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل شوالذ ش‬ ‫ْ ش‬ ‫ْش ْ ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش‬
‫اجروا شما لشك ْم ِم ْن شوحشيشتِ ِه ْم ِم ْن شش ْي ٍء شح َّض‬ ‫ض والَّ ِذين آمنوا وش يـه ِ‬
‫شْ ش‬
‫ِ‬
‫ك بشـ ْع ضه ْم أ ْشوليشاء بشـ ْع ٍ ش ش‬ ‫صروا أولشئِ ش‬‫شونش ش‬
‫صـ ـ ـ ـر إِحَّ شعلش قشـ ْوٍم بشـْيـنشك ْم شوبشـْيـنشـه ْم ِميثشاق شو َّ‬
‫اَّلل ِمبشا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يـ شهاجروا شوإِن ا ْ ـ ـ ـتشـْن ش‬
‫ص ـ ـ ـروك ْم ِيف الدي ِن فشـ شعلشْيكم النَّ ْ‬
‫صري ﴾ [اآلنفال‪. ]72 :‬‬ ‫تشـعملو شن ب ِ‬
‫ْش ش‬
‫ك ِمْنك ْم شوأولو األ ْشر شح ِام‬ ‫وقال تعاىل َّ ِ‬
‫اهدوا شم شعك ْم شفأولشِئ ش‬
‫اجروا شو شج ش‬
‫ِ‬
‫ين آمنوا م ْن بشـ ْعد شوشه ش‬ ‫﴿وا لذ ش‬‫ش‬
‫علِيم ﴾ [اآلنفال‪. ]75 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫اَّللِ إِ َّن َّ‬ ‫ض ِيف كِتش ِ‬
‫اَّللش بِك ِل شش ْيء ش‬ ‫اب َّ‬ ‫بشـ ْعضه ْم أ ْشوشىل بِبشـ ْع ٍ‬

‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم وأهللا ــلابت إىل‬


‫وقد كانت بيعة احلرب هي التَّمهيد األخري ي رة الن ِ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.123 ، 122‬‬


‫(‪ )2‬انظر فقت السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪467‬‬
‫اَّدينة‪ ،‬وبذلك و شج شد ال ـ ــالم موطنشت الَّذأ ينطلق منت دعاةً ِ‬
‫احلق ابحلكمة‪ ،‬واَّوعظة احلس ـ ــنة‪،‬‬ ‫ش‬
‫الدولة ال الميَّة ِ‬
‫اَّكمة ل ري هللا(‪.)1‬‬ ‫مرةٍ‪ ،‬وقامت َّ‬ ‫وتنطلق منت جلافل ِ‬
‫احلق اااهدة َّأول َّ‬
‫‪ - 20‬اي رة تضلية عظيمة يف بيل هللا‬

‫عرب‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وأهللا ـ ــلابت من البلد األم تض ـ ــليةً عظيمةً‪َّ ،‬‬
‫كانت ه رة الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم بقولت «وهللا! إنك خلري أرض هللا‪ ،‬وأح ُّ أرض هللا إىل هللا‪،‬‬
‫عنها الن ُّ‬
‫أين أخ ِرجت منك ما خرجت» [أمحد (‪ )305/4‬والرتمذي (‪ )3925‬وابن ماجه (‪. ])3108‬‬ ‫ولوح ِ‬

‫وعن عائ ة ر ي هللا عنها قالت ل ـ َّـما قدم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم اَّدينة قدمها‪،‬‬
‫احلم ‪ ،‬وكان واديها جيرأ ُالً ‪ -‬يع ماءً آجناً ‪ -‬فأهللا ـ ـ ــاب أهللاـ ـ ـ ـلابشت‬
‫وهي أوأب أرض هللا من َّ‬
‫منها بالء‪ ،‬و ــقم‪ ،‬وهللا ــر هللا ذلك عن نبيِت‪ ،‬قالت فكان أبو بكر‪ ،‬وعامر بن فهرية‪ ،‬وبالل‪،‬‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم يف عيادهتم‪ ،‬فأذن‪،‬‬ ‫احلم ‪ ،‬فا تأذنت ر ش‬ ‫بيت و ٍ‬
‫احد‪ ،‬فأهللاابتهم َّ‬ ‫يف ٍ‬
‫فدخلت إليهم أعودهم‪ ،‬وذلك قبل أن يضرب علينا احل اب‪ ،‬وهبم ما ح يعلمت إح هللا من شدَّة‬
‫أبت كيف ددك؟ فقال‬ ‫الوعك(‪ ،)2‬فدنوت من أيب بك ٍر‪ ،‬فقلت َي ِ‬

‫واَّـ ْوت أ ْشد شَّن ِمـ ْن ِشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر ِاك نشـ ْعـلِـ ـ ـ ـ ِت‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبَّ ـ ِيف أش ْه ـلِـ ـ ـ ـ ِت‬
‫ش‬ ‫ك ـ ـ ـ ُّـل ا ْم ـ ِرئ م‬
‫ش‬
‫قــالــت فقلــت وهللا! مــا يــدرأ أيب مــا يقول‪ ،‬مث دنوت من عــامر بن فهرية‪ ،‬فقلــت كيف‬
‫ددك َي عامر؟! فقال‬

‫إن اجلشـ ـبش ـ ـ ـا شن شحـ ـْت ـ ـف ـ ـ ـت م ـ ْـن فش ـ ـ ْوقِ ـ ـ ـ ِت‬


‫َّ‬ ‫ت قشـْب ـ ـ ـ شل ذش ْوقِـ ـ ـ ِت‬‫لششق ـ ـ ـ ْد شو شج ـ ـ ـ ْدت اَّشْو ش‬
‫ِ ِ ِ ( ‪)4‬‬
‫ك ـ ـ ــالث ـ َّْوِر شْ ِمي ِج ْل ـ ـ ـ شده بشرْوقـ ـ ـ ـت‬ ‫ِ ِ (‪) 3‬‬
‫كـ ـ ـ ـ ُّل ا ْم ـ ِرئ جمشـ ـ ـ ـا ِهـ ـ ـ ـد بِ ـطش ـ ْوقـ ـ ـ ـت‬
‫احلم ‪،‬‬ ‫قــالــت فقلــت وهللا! مــا يــدرأ عــامر مــا يقول‪ .‬قــالــت وكــان بالل إذا أقلع عنــت َّ‬

‫األولون ‪ ،‬ص ‪.199 ، 198‬‬


‫(‪ )1‬انظر ال رابء َّ‬
‫احلم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الوعك َّ‬
‫(‪ )3‬بطوقت بطاقتت‪.‬‬
‫(‪ )4‬بروقت بقرنت‪.‬‬
‫‪468‬‬
‫ا ط ع بفناء البيت‪ ،‬مثَّ يرفع عقريتت(‪ ،)1‬ويقول‬

‫بِ ـ ـ شو ٍاد شو شح ـ ـ ْوِس إِ ْذ ِخ ـ ـر(‪ )2‬و شج ـ ـلِ ـ ـْي ـ ـ ـل‬ ‫نت لشْيـلش ـةً‬ ‫ت ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْع ِرأ شه ـ ْل أشبِْي ش َّ‬ ‫أح لشْي ـ ش‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫ـامة شوطشفْيل‬ ‫شوشه ْل يشـْبد شو ْن ِس شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫وشه ـ ـ ـ ْل أش ِرشد ْن يش ـ ـ ْومـ ـ ـ ـاً ِم ـ ـيش ـ ـ ـ شاه شجمشـ ـنَّـ ـ ـ ـ ٍة‬
‫اللهم! حبِ ْ إلينا اَّدينة‪،‬‬ ‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم بذلك‪ ،‬فقال « َّ‬ ‫قالت فأخربت ر ـ ش‬
‫ابرك لنا يف م ِدان‪ ،‬وهللا ـ ــاعنا»‬ ‫هم! ْ‬ ‫مكة‪ ،‬أو أش ـ ــدَّ‪ ،‬وانقل حَّاها إىل اجل ْل شف ِة‪ .‬اللَّ َّ‬ ‫كما حببت إلينا َّ‬
‫[البخاري (‪ )1889‬ومسلم (‪])1376‬‬

‫وقد ا ـ ـ ـ ــت اب هللا دعاء نبيِت هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وعويف اَّس ـ ـ ـ ــلمون بعدها من هذه‬
‫تنوي‬ ‫احلم ‪ ،‬و دت اَّدينة موطناً اتازاً ِ‬
‫لكل الوافدين‪ ،‬واَّهاجرين إليها‪ ،‬من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عل ُّ‬ ‫َّ‬
‫بيئاهتم‪ ،‬ومواطنهم(‪.)4‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ِ‬
‫ألم معبد‬ ‫‪ - 21‬مكافأة الن ِ‬

‫فمر أبو بكر‪ ،‬فرآه‬ ‫وقد روأ َّأ‪،‬ا كثرت نمها‪ ،‬وجت َّ‬
‫حض جلبت منها شجلشباً إىل اَّدينة‪َّ ،‬‬
‫الرجل الَّذأ كان مع اَّبارك‪.‬‬
‫ابنها فعرفت‪ ،‬فقال َي أ َّمت! هذا هو َّ‬
‫الرجل الَّذأ كان معك؟ قال أو ما تدرين من هو؟!‬
‫فقامت إليت فقالت َي عبد هللا! شم ِن َّ‬
‫نب هللا‪ ،‬فأدخلها عليت‪ ،‬فأطعمها ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪،‬‬
‫قالت ح! قال هو ُّ‬
‫اية فانطلقت معي‪ ،‬وأهدت لر ـ ـول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ش ــيئاً من ٍ‬
‫أقا‪،‬‬ ‫وأعطاها‪ ،‬ويف رو ٍ‬
‫ومتاي األعراب‪ ،‬فكس ـ ـ ـ ـ ـ ــاها‪ ،‬وأعطاها‪ ،‬قال وح أعلمت إح قال وأ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمت‪ ،‬وذكر هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــاح‬
‫(الوفاء) َّأ‪،‬ا هاجرت هي وزوجها‪ ،‬وأ لم أخوها خنشـْيس‪ ،‬وا ت هد يوم الفت (‪.)5‬‬

‫ألهللامعي َّ‬
‫إن رجالً عقرت رجلت ‪ ،‬فرفعها عل األخر وجعل يصي ‪ ،‬فصار كل من رفع هللاوتت يقال لت رفع عقريتت وإن يرفع‬ ‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬عقريتت هللاوتت ‪ ،‬قال ا‬
‫رجلت‪ .‬ـ ‪]304‬الذخر نبات طيِ َّ‬
‫الرائلة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬شامة وطفيل جبالن م رفان عل ِجمشنَّة عل بريد مكة‪.‬‬


‫(‪ )4‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)310/2‬‬
‫(‪ )5‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)490 ، 489/1‬‬
‫‪469‬‬
‫األنصارأ ر ي هللا عنت ومواقف خالدة‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 22‬أبو أيُّ ٍ‬
‫وب‬

‫علي ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف‬


‫األنصارأ ر ي هللا عنت «ل ـ ـ ـ َّـما نايل َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال أبو أيوب‬
‫نب هللا ‪ -‬أبيب أنت‪ ،‬وأمي! ِإين‬‫أيوب يف الع ْلو‪ ،‬فقلت لت َي َّ‬ ‫بييت نايل يف ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْفل‪ ،‬وأان و ُّأم ٍ‬
‫ألكره وأ ْع ِظم أن أكون فوقك‪ ،‬وتكون حتيت‪ ،‬فاظْ شه ْر أنت‪ ،‬فكن يف ِ‬
‫العلو‪ ،‬وننايل حنن فنكون يف‬
‫إن أرفق بنا‪ ،‬ومبن ي اان أن نكون يف ْفل البيت‪.‬‬ ‫السفل‪ ،‬فقال َي أاب أيوب! َّ‬ ‫ُّ‬
‫قال فلقد انكس ـ ـ ـ ـ ـ ــر ح (‪ )1‬لنا فيت ماء‪ ،‬فقمت أان‪ ،‬و ُّأم أيوب بقطيفة لنا‪ ،‬مالنا حلا‬
‫ريها‪ ،‬نن ِ ف هبا اَّاء هوفاً أن يقطر عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم منت شيء‪ ،‬فيؤذيت»‬
‫[ابن هشام (‪. )2(])144/2‬‬

‫علي ر ي هللا عنت وأمره ابَّعرو ‪ ،‬و‪،‬يت عن اَّنكر يف ااتمع اجلديد‬


‫‪ - 23‬ه رة ٍ‬

‫بعد أن َّأد عن ر ول هللا (ﷺ) األماانت الَّيت كانت عن ــده للنَّ ــاس حل ــق بر ول هللا هللال‬
‫ث‪ ،‬فكانت إقامتت بقباء ليلت ‪ ،‬مثَّ خرً‬ ‫هللا عليت و لم‪ ،‬وأدركت بقباء بعد وهللاولت بليلت ‪ ،‬أو ثال ٍ‬
‫َّب (ﷺ) إىل اَّدينة يوم اجلمعة(‪ ،)3‬وقد ححم ــيِدان علي مدَّة إقامتت بقباء امرأةً مســلمة‬
‫مع الن ِ‬
‫ح زوً يا‪ ،‬ورأ إنساانً رتيها من جو اللَّيل‪ ،‬فيضرب عليها ابهبا‪ ،‬فتهرً إليت‪ ،‬فيعطيها شيئاً‬
‫معت‪ ،‬فتأخذه‪ ،‬قال فا بت ب أنت‪ ،‬فقلت يا َي أمةش هللا! شم ْن هذا الرجل الذأ يضرب عليك‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة فتهرج إليت‪ ،‬فيعطيك شـ ـ ــيئاً ح أدرأ ما هو! وأنت امرأة مسـ ـ ــلمة ح زوً لك؟‬ ‫اببك َّ‬
‫قالت هذا ــهل بن حنيف‪ ،‬قد عر أين امرأة ح أحد س‪ ،‬فَذا أمس ـ عدا عل أواثن قومت‪،‬‬
‫فكســرها‪ ،‬مثَّ جاءين هبا‪ ،‬فقال احتطب هبذا‪ ،‬فكان علي ر ــي هللا عنت رثر ذلك من أمر ــهل‬
‫بن حنيف‪ ،‬ح هلك عنده ابلعراق(‪.)4‬‬

‫اجلرة الضَّهمة‪.‬‬‫َّ‬ ‫احل ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)220/1‬‬‫السرية النَّبويَّة َّ‬‫ِ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)497/1‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫الصادق عرجون (‪ ، )421/2‬ورثر ذلك أأ يرويت و كيت‪.‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬مد َّ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪470‬‬
‫حتوٍل يف اتري احلياة‬
‫‪ - 24‬اي رة النَّبويَّة نقطة ُّ‬
‫حول جمر التَّاري ‪،‬‬
‫حدث َّ‬ ‫اَّنورة أعظم ٍ‬ ‫«كانت اي رة النَّبويَّة من َّ‬
‫مكة اَّ ـ ـ ـ َّـرفة إىل اَّدينة َّ‬
‫و َّري مس ـ ــرية احلياة‪ ،‬ومناه ها اليت كانت حتياها‪ ،‬وتعيش حمكومةً هبا يف هللا ـ ــورة قوان ‪ ،‬ونظ ٍم‪،‬‬
‫ـلوك ل فراد واجلماعات‪ ،‬وعقائد‪ ،‬وتعبُّ ٍ‬
‫دات‪ ،‬وعل ٍم‪ ،‬ومعر ٍفة‪،‬‬ ‫أخالق‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعادات‪ ،‬و ٍ‬ ‫وأعرا ٍ ‪،‬‬
‫وهد ‪ٍ ،‬‬
‫وعدل‪ ،‬وظل ٍم»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫وجهالة‪ ،‬و فت‪ ،‬و ٍ‬
‫الل‪ً ،‬‬
‫الر ل الكرام‬
‫‪ - 25‬اي رة من نن ُّ‬
‫حمم ٍد هللاـل هللا عليت و ـلم بدعاً يف‬
‫إن اي رة يف ـبيل هللا ـنَّة قدمية‪ ،‬و تكن ه رة نبيِنا َّ‬
‫َّ‬
‫الر ـ ــل لنص ـ ــرة عقائدهم‪ ،‬فلئن كان قد هاجر من وطنت‪ ،‬ومس ـ ــقا رأ ـ ــت من أجل الدَّعوة‬
‫حياة ُّ‬
‫ـبة تتقبلها‪ ،‬وتس ـ ـ ــت ي يا‪ ،‬وتذود عنها فقد هاجر عدد من‬‫لبيئة خص ـ ـ ـ ٍ‬
‫حفاظاً عليها‪ ،‬وإجياداً ٍ‬
‫باب نفسها‪ ،‬اليت دعت نبيَّنا لله رة‪.‬‬ ‫إخوانت من األنبياء قبلت من أوطا‪،‬م ل‬
‫أرض ٍ‬
‫قاحلة ح خيدمها بل يعوق مســارها‪ ،‬وي ـ ُّـل حركتها‪ ،‬وقد‬ ‫أن بقاء الدَّعوة يف ٍ‬
‫وذلك َّ‬
‫قص علينا القرآن الكر جاذً من ه رات‬
‫يعر ـ ـ ـ ـ ـ ــها لالنكماش داخل أ ـ ـ ـ ـ ـ ــيق الدوائر‪ ،‬وقد َّ‬
‫الُّر ــل‪ ،‬وأتباعهم من األمم اَّا ــية لتبدو لنا يف و ــو ٍ ـنَّة من ــنن هللا يف ش ــأن الدَّعوات‪،‬‬
‫هف بكيانت‪ ،‬ووجوده‪،‬‬
‫وعايتت‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ــت َّ‬
‫كل مؤمن من بعدهم إذا حيل بينت وب إميانت‪َّ ،‬‬ ‫رخذ هبا ُّ‬
‫أ عل مروءتت وكرامتت(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫واعتد ش‬
‫هذه بعض الفوائد‪ ،‬والعرب‪ ،‬والدروس‪ ،‬وأترك للقارئ الكر أن يس ـ ـ ــتهرً ريها‪ ،‬ويس ـ ـ ــتنبا‬
‫واها من الدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد الكثرية النَّافعة من هذا احلدث العظيم‪.‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)423/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫‪471‬‬
‫املبحث الثَّاين‬
‫ٍ‬
‫محيدة‪ ،‬والوعد ملن هاجر منوم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خ وصاف‬ ‫الثَّناء على املواجرين‬

‫والوعيد ملن ختلَّف‬


‫أهم ٍ‬
‫حدث يف اتري الدَّعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة إذ‬ ‫تـ شع ُّد اي رة النَّبويَّة اَّباركة من م َّكة إىل اَّدينة َّ‬
‫حتول يف اتري اَّسـ ـ ــلم فقد كان اَّسـ ـ ــلمون قبل اي رة َّأمة دعوةٍ‪ ،‬يبل ون دعوة‬ ‫كانت نقطة ُّ‬
‫هللا للنَّاس‪ ،‬دون أن يكون يم كيان يا ي‪ ،‬مي الدَّعاة‪ ،‬أو يدفع عنهم األذ من أعدائهم‪.‬‬

‫الدولة الَّيت أخذت عل عاتقها ن ـ ــر ال ـ ــالم‪ ،‬يف‬


‫وبعد اي رة تك َّونت دولة الدَّعوة‪ ،‬هذه َّ‬
‫ابلدفاي عنهم‪ ،‬وحايتهم من‬ ‫داخل اجلاييرة العربيَّة وخارجها‪ ،‬تر ــل الدُّعاة إىل األمصــار‪ ،‬وتتكفَّل ِ‬
‫ٍ‬
‫حروب(‪.)1‬‬ ‫حرب‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫اعتداء قد يقع عليهم‪ ،‬ولو َّأد ذلك إىل قيام ٍ‬ ‫ِ‬
‫أأ‬

‫وقان هذا‪َّ ،‬‬


‫فَن اي رة النَّبويَّة يا مكانتها يف فهم القرآن وعلومت حيث َّفرق العلماء ب‬
‫فاَّك ِي ما نايل قبل اي رة ‪ -‬وإن كان ب ري َّ‬
‫مكة ‪ -‬واَّدين ما نايل بعد اي رة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّك ِي‪ ،‬و ِ‬
‫اَّدين‬
‫‪ -‬وإن كان ب ري اَّدينة ‪ -‬وترتَّ عل ذلك فوائد من ِ‬
‫ألها‬

‫تذوق أ الي القرآن الكر ‪ ،‬واح تفادة منها يف أ لوب الدَّعوة إىل هللا‪.‬‬
‫‪ُّ - 1‬‬
‫‪ - 2‬الوقو عل ِ‬
‫السرية النَّبويَّة من خالل ا َيت القرآنيَّة(‪.)2‬‬

‫ـث اَّؤمن عل اي رة يف ـ ـ ـ ـ ـ ــبي ــل هللا‬ ‫وأللي ــة اي رة النَّبويـَّ ـة نر َّ‬


‫أن القرآن الكر ح ـ َّ‬
‫مرةً ابلثَّناء عل اَّهاجرين أبوهللاــا ٍ حيدةٍ‪ ،‬وأخر ابلوعد للمهاجرين‪ ،‬واترةً‬ ‫ٍ‬
‫متنوعة‪َّ ،‬‬ ‫أب ــالي‬
‫ابلوعيد للمتهلِف عن اي رة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبوية ‪َّ ،‬مد أبو فارس ‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫(‪ )2‬انظر مباحث يف علوم القران ‪ ،‬للقطَّان ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪472‬‬
‫ٍ‬
‫خ وصاف محيدةٍ‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الثناء على املواجرين‬
‫أثىن هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬عل اَّهاجرين يف القرآن الكر ‪ ،‬ووهللاـ ــفهم أبوهللاـ ــا ٍ حيدةٍ‬
‫متميِايةٍ وذل ــك َّ‬
‫أل‪،‬م أخ ِرجوا من دَيرهم وأموايم‪ ،‬أكرههم عل اخلروً األذ واح ـ ـ ـ ـ ـ ــطه ــاد‬
‫التنكر يم من قرابتهم‪ ،‬وع ـ ـ ـ ـ ـ ــريهتم يف م َّكـ ـة‪ ،‬وم ــا أخ ِرجوا إح أن يقولوا ربُّن ــا هللا‪ ،‬فمن ِ‬
‫أهم‬ ‫و ُّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫الصفات اَّميِاية للمهاجرين‬

‫‪ - 1‬الخالص‬
‫ِ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً ِمن َِّ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ين الذ ش‬
‫ِ‬
‫قال تعاىل ﴿ل ْلف شقشراء الْم شه ش‬
‫يدل عل َّأ‪،‬م‬ ‫صـ ـ ِادقو شن ﴾ [احلشــر‪ ]8 :‬قولت تعاىل ُّ‬ ‫ك هم ال َّ‬ ‫اَّللش شوشر ـ ـولشت أولشئِ ش‬
‫شوِر ْ ـ ـ شواانً شويشـْنصـ ـرو شن َّ‬
‫اَّللِ شوِر ْ ـ ـ ـ ـ ـ شواانً﴾‪ ،‬وأموايم إح أن يكونوا مللص ـ ـ ـ ـ ـ هلل‪ ،‬مبت‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـالً ِم شن َّ‬
‫خيرجوا من ﴿يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬
‫مر اتت‪ ،‬ور وانت(‪.)2‬‬

‫الصرب‬
‫‪َّ - 2‬‬

‫ومن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفات اَّهاجرين‪ ،‬وأخالقهم اَّتميِاية الَّيت أثىن هللا عليهم هبا ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرب‪ .‬قال تعاىل‬
‫شجر ا خرةِ أش ْك شرب لش ْو شكانوا‬ ‫اَّللِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما ظلِموا لشنـبشـ ِوئشـنـَّه ْم ِيف ُّ‬
‫الدنْـيشا شح شسنشةً شوأل ْ‬ ‫اجروا ِيف َّ‬‫ين شه ش‬
‫َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬ ‫ش‬
‫هللا ـ ـ ـ شربوا شو شعلش شرهبِِ ْم يشـتشـ شوَّكلو شن ﴾ [النحل‪ ،]42 ،41 :‬وقال َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك‬‫وجل ﴿مثَّ إِ َّن شربَّ ش‬‫عاي َّ‬ ‫ين ش‬‫يشـ ْعلشمو شن ۝ الذ ش‬
‫ك ِمن بـع ِدها لش شفور رِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫حيم ﴾ [النحل‪]110 :‬‬
‫ش‬ ‫هللا شربوا إِ َّن شربَّ ش ْ ش ْ ش‬ ‫اهدوا شو ش‬ ‫اجروا م ْن بشـ ْعد شما فتنوا مثَّ شج ش‬ ‫للَّذ ش‬
‫ين شه ش‬
‫الصدق‬ ‫‪ِ -3‬‬

‫لصدق‪ .‬ق ــال‬ ‫ومن الصفات احلميدة الَّيت أثىن هللا ‪ -‬بلان ــت وتعاىل ‪ -‬هبا عل اَّهاجري ــن ا ِ‬
‫ِ ِ‬
‫اَّللِ شوِر ْ ـ ـ ـ ـ شواانً‬ ‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـالً ِم شن َّ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ين الذ ش‬
‫ِ‬
‫تعاىل ﴿ل ْلف شقشراء الْم شه ش‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]8 :‬‬ ‫الص ِادقو ش‬
‫ك هم َّ‬ ‫اَّللش شوشر ولشت أولشئِ ش‬
‫شويشـْنصرو شن َّ‬

‫التصر اليسري‪.‬‬
‫اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪ ، 85‬وهذا اَّبلث أخذتت من هذا الكتاب مع ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪473‬‬
‫الص ِادقو شن ﴾ أأ يف‬ ‫ك هم َّ‬ ‫اَّللش شوشر ولشت أولشئِ ش‬
‫﴿ويشـْنصرو شن َّ‬
‫ـوأ يف تفسيـ ـ ـ ـ ــره قولـ ـ ـ ـ ــت ش‬
‫قال الب ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫الدَير‪ ،‬واألموال‪ ،‬والع ائر‪ ،‬وخرجوا حبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً هلل‪،‬‬ ‫إميا‪،‬م‪ .‬قال قتادة هؤحء اَّهاجرون الَّذين تركوا ِ‬
‫حض ذكِر لن ــا َّ‬
‫أن‬ ‫ولر ولت هللال هللا عليت و لم‪ ،‬واختاروا ال الم عل ما كانوا في ــت من ش ــدَّةٍ‪َّ ،‬‬
‫الرجل يتَّهذ احلصرية يف‬
‫الرجل كان يعص احل ـر عل بطن ـت ليقي ـم ب ـت هللالب ـت من اجلوي‪ ،‬وكان َّ‬ ‫َّ‬
‫ال ِ تـاء‪ ،‬ما لت من داث ٍر ريها(‪.)1‬‬

‫‪ - 4‬اجلهاد والتَّضلية‬

‫اَّلل ِأب ْشم شوايِِ ْم شوأشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم أ ْشعظشم شد شر شجةً‬


‫قال تعاىل ﴿الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِيف ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل َِّ‬
‫ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش‬
‫ك هم الْ شفائِايو ش‬ ‫ِعْن شد َِّ‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]20 :‬‬ ‫اَّلل شوأولشئِ ش‬
‫َّ‬ ‫ترَّكايت دعوة ُّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل عل التَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــليــة‪ ،‬والفــداء إذ إ‪ ،‬ـا تواجــت عنــاداً‪ ،‬وتكــذيب ـاً وعــداءً‬
‫إميان‪ ،‬ور ـ ـ ــو عقيدةٍ‪ ،‬وعظيم بذل‪،‬‬ ‫وقوة ٍ‬ ‫حبد من مواجهتت بص ـ ـ ــالبة ٍ‬
‫عود‪َّ ،‬‬ ‫مس ـ ـ ــتلكماً‪ ،‬وهذا َّ‬
‫جهاد وكفا ٍ ‪ ،‬ومنذ مطلع الدَّعوة كان نايول جربيل ابلوحي إيذاانً‬ ‫ظل العقيدة حياة ٍ‬ ‫واحلياة يف ِ‬
‫لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم نيذاء قومت حيث قال لت ورقة بن نوفل «هذا النَّاموس الَّذأ‬
‫أنايل عل مو ـ ـ ‪َ .‬ي ليت فيها شج شذعاً(‪َ !)2‬ي ليت أكون حياً ح خيرجك قومك! فقال ر ــول‬
‫ئت بت إح‬ ‫رت رجل ُّ‬‫هللا هللال هللا عليت و لم «أوملرجي هم؟» فقال ورقة «نعم‪ِ ،‬‬
‫قا مبا ج ش‬ ‫َّ‬
‫مؤزراً» [البخاري (‪ )3‬ومسلم (‪. ])160‬‬
‫عودأ‪ ،‬وإن يدرْك يومك أنصرك نصراً َّ‬

‫وقد اشــتمل حدث اي رة عل أنو ٍاي من التَّضــلية‪ ،‬والفداء‪ ،‬وبذل النَّفس‪ ،‬واَّال يف ــبيل‬
‫هللا(‪.)3‬‬

‫ابلتأمل يف هذا ااال َّ‬


‫أن التَّضلية مالزمة لل هاد يف بيل هللا إذ‬ ‫لعل اَّالحظة اجلديرة ُّ‬
‫و َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري الب وأ (‪.)318/4‬‬


‫(‪ )2‬شجذعاً شاابً قوَيً‪ .‬انظر شر هللالي مسلم ‪ ،‬للن ِ‬
‫َّووأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪474‬‬
‫ٍ‬
‫تضلية(‪.)1‬‬ ‫ح جهاد دون‬

‫‪ - 5‬نصرهم هلل ور ولت هللال هللا عليت و لم‬


‫ِ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً ِمن َِّ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ين الذ ش‬
‫ِ‬
‫قال تعاىل ﴿ل ْلف شقشراء الْم شه ش‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]8 :‬‬ ‫الص ِادقو ش‬
‫ك هم َّ‬ ‫اَّللش شوشر ولشت أولشئِ ش‬
‫شوِر ْ شواانً شويشـْنصرو شن َّ‬
‫امتد هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬يف هذه ا ية الكرمية اَّهاجرين‪ ،‬أب‪،‬م ينصــرون هللا ور ـولت‬
‫ذلك َّ‬
‫أل‪،‬م ما خرجوا من ب الكفار مرا م يم‪ ،‬مهاجرين إىل اَّدينة إح لنص ـ ـ ـ ـ ـ ــرة هللا تعاىل‪،‬‬
‫﴿َيأشيـُّ شها‬
‫ص ـ ـر هللا شـ ــرط لتلقيق النَّص ــر‪ ،‬والتثبيت‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫ور ـ ـولت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ونش ْ‬
‫ين آمنوا إِ ْن تشـْنصروا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت أشقْ ش ش ْ‬
‫دامكم ﴾ [حممد‪. ]7 :‬‬ ‫اَّللش يشـْنص ْرك ْم شويـثشـبِ ْ‬ ‫الذ ش‬
‫حض يقوموا ابل َّ ـ ـرط‪ ،‬وينالوا ما ش ــرط يم من‬
‫وكيف يشـْنصـ ـر اَّؤمنون هللا َّ‬ ‫قال ــيِد قط‬
‫النَّصر‪ ،‬والتثبيت؟‬

‫إن هللِ يف نفو ــهم أن تت َّرد لت‪ ،‬وأح ت ــرك بت ش ــيئاً ش ــركاً ظاهراً‪ ،‬أو خفياً‪ ،‬وأح تس ــتبقي‬
‫َّ‬
‫كل ما حت ُّ وهتو ‪ ،‬وأن‬‫فيها معت أحداً‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪ ،‬وأن يكون هللا أح َّ إليها من ذاهتا‪ ،‬ومن ِ‬
‫حتك شمت يف ر باهتا‪ ،‬ونايواهتا‪ ،‬وحركاهتا‪ ،‬و ــكناهتا‪ ،‬و ـ ِـرها وعالنيتها‪ ،‬ون ــاطها كلِت‪ ،‬وخل اهتا‪،‬‬
‫ِ‬
‫وإن هللِ شـ ـ ـريعةً‪ ،‬ومنهاجاً لللياة‪ ،‬تقوم عل قواعد‪ ،‬وموازين‪،‬‬
‫فهذا نص ـ ــر هللا يف ذوات النُّفوس‪َّ .‬‬
‫خاص للوجود كلِت‪ ،‬ولللياة‪ ،‬ونصــر هللا يتلقَّق بنصــرة ش ـريعتت‪ ،‬ومنهاجت‪ ،‬وحماولة‬ ‫وقي ٍم‪ ،‬وتصـ ُّـور ٍ‬
‫حتكيمها يف احلياة كلِها بدون ا ٍ‬
‫تثناء‪ ،‬فهنا نصر هللا يف واقع احلياة(‪.)2‬‬

‫وجل‬ ‫‪ - 6‬التوُّكل عل هللا َّ‬


‫عاي َّ‬
‫شجر‬ ‫اَّللِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما ظلِموا لشنـبشـ ِوئشـنـَّه ْم ِيف ُّ‬
‫الدنْـشيا شح شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشنةً شوأل ْ‬ ‫اجروا ِيف َّ‬
‫ين شه ش‬
‫قال تعاىل َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬ ‫ش‬
‫هللا ـ شربوا شو شعلش شرهبِِ ْم يشـتشـ شوَّكلو شن ﴾ [النحل‪ ]42 - 41 :‬ميتد هللا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ش‬ ‫ا خرة أش ْك شرب لش ْو شكانوا يشـ ْعلشمو شن ۝ الذ ش‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.106‬‬


‫(‪ )2‬يف ظالل القران (‪.)3288/6‬‬
‫‪475‬‬
‫أب‪،‬م يتوَّكلون عل هللا ح عل ريه‪ ،‬والتوُّكل عل هللا خا ِهللا ـ ـيَّة‬ ‫‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬اَّهاجرين‪َّ ،‬‬
‫ين شخيشافو شن‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫الميان‪ ،‬وعالمتت‪ ،‬وهو منطق الميان‪ ،‬ومقتضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه‪ .‬قال تعاىل ﴿قش شال شرجالشن م شن الذ ش‬
‫اب فشـَِ شذا شد شخ ْلتموه فشـَِنَّك ْم ش ـالِبو شن شو شعلش َّ‬
‫اَّللِ فشـتشـ شوَّكلوا إِ ْن كْنـت ْم‬ ‫اَّلل شعلشْي ِه شم ـا ْادخلوا شعلشْي ِهم الْبش ـ ش‬ ‫أشنْـ شع شم َّ‬
‫م ْؤِمنِ ش ﴾[املائدة‪. ]23 :‬‬

‫﴿وقش شال مو ش ـ َيقشـ ْوِم إِ ْن كْنـت ْم شآمْنـت ْم ِاب ََّّللِ فشـ شعلشْي ِت تشـ شوَّكلوا إِ ْن كْنـت ْم م ْس ـلِ ِم ش ﴾‬ ‫ش‬ ‫وقال تعال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫[يونس‪. ]84 :‬‬

‫ت شي ْم ر ـ ـله ْم إِ ْن شْحنن إِحَّ بش ش ـ ـر ِمثْـلك ْم شولش ِك َّن َّ‬


‫اَّللش شمي ُّن شعلش شم ْن يش ش ـ ـاء‬ ‫وقال هللا تعاىل ﴿قشالش ْ‬
‫ن ﴾[إبراهيم‪]11 :‬‬ ‫اَّللِ فشـ ْليشـتشـ شوَّك ِل الْم ْؤِمنو ش‬
‫اَّللِ شو شعلش َّ‬ ‫ِمن ِعب ِادهِ وما شكا شن لشنشا أش ْن شأنشتِيكم بِس ْلطش ٍ‬
‫ان إِحَّ نِِ ْذ ِن َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ْ ش شش‬
‫وقد ــرب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهللاــلابتت الكرام مثاحً يقتد بت عل ِ‬
‫مر الدُّهور‬
‫يف تر ة التَّوُّكل يف واقع احلياة يف حادثة اي رة‪ ،‬وحلس ـ ــن توكِلهم عل هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪-‬‬
‫أثىن عليهم‪ ،‬وجاياهم أحسن اجلاياء(‪.)1‬‬

‫الرجاء‬
‫‪َّ - 7‬‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ومن هللاــفات اَّهاجرين احلميدة الَّيت مدحهم هللا هبا َّ‬
‫الرجاء‪ .‬قال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫ين آمنوا‬
‫اَّللِ شو َّ‬
‫اَّلل شفور رِ‬ ‫والَّ ِذين هاجروا وجاهدوا ِيف بِ ِيل َِّ‬
‫حيم ﴾ [البقرة‪. ]218 :‬‬
‫ش‬ ‫اَّلل أولشئِ ش‬
‫ك يشـ ْرجو شن شر ْحشةش َّ‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش ش شش ش‬
‫َّ‬
‫وإجا قال وقد مدحهم ألنَّت ﴿يشـ ْرجو شن﴾ يعلم أحد يف هذه الدُّنيا أنَّت هللاائر إىل اجلنَّة‪ ،‬ولو‬
‫بل يف طـاعـة هللا ك َّـل مبل ٍ ألمرين أحـدلـا أنـَّت ح يـدرأ مبـا خيتم لـت‪ ،‬والثـَّاين لئال يتَّكـل عل‬
‫عملت‪ ،‬فهؤحء قد فر هللا يم‪ ،‬ومع ذلك يرجون رحة هللا‪ ،‬وذلك زَيدة ٍ‬
‫إميان منهم(‪.)2‬‬

‫‪ - 8‬اتِباي َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬
‫أن اي رة يا مكانة عظيمة يف القرآن الكر َّ‬
‫أن هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪-‬‬ ‫واَّا ُّ‬
‫يدل عل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪ 114‬إىل ‪.117‬‬


‫السعود (‪.)218/1‬‬
‫اجلامع ألحكام القران (‪ ، )50/3‬وتفسري أيب ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪476‬‬
‫ب‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ .‬قال تعاىل ﴿لششق ْد شات ش‬ ‫وهللاف اَّهاجرين‪ ،‬وأنصارهم َّ‬
‫أب‪،‬م يتَّبعون َّ‬
‫اع ِة الْع ْس ـ ـشرةِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما شك شاد يشِايي قـلوب‬
‫ين اتَّـبشـعوه ِيف ش ـ ـ ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب شوالْم شهاج ِر ش‬
‫ين شواألنص ــار الذ ش‬ ‫اَّلل شعلش النِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ب شعلشْي ِه ْم إِنَّت هبِِ ْم شريو شرِحيم ﴾ [التوبة‪ ]117 :‬فاَّهاجرون‪ ،‬واألنصـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬هم الذين‬ ‫ِ‬
‫فش ِر ٍيق مْنـه ْم مثَّ شات ش‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يف أقوالت‪ ،‬وأعمالت بل يف ــاعة العس ــرة‪ ،‬اَّا ُّ‬
‫يدل عل‬ ‫يتَّبعون َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫َّأ‪،‬م يستلقُّون بذلك الدَّرجة العظم ‪ ،‬والتَّوبة من هللا َّ‬
‫عاي َّ‬
‫وقد نايلت هذه ا ية يف ايوة تبوك‪ ،‬وذلك َّأ‪،‬م خرجوا إليها يف ش ـ ـ ـ ــدَّةٍ من األمر‪ ،‬يف ش ـ ـ ـ ـنش ٍة‬
‫وحر ٍ‬
‫شديد‪ ،‬وع ْس ٍر يف َّ‬
‫الاياد‪ ،‬واَّاء‪.‬‬ ‫ْجم ٍ‬
‫دبة‪ٍ ،‬‬

‫احلر‪ ،‬عل ما يعلم هللا من اجلهد‪ ،‬أهللااهبم‬‫قال قتادة «خرجوا إىل ال َّام عام تبوك يف يبان ِ‬
‫أن الرجل كاان ي قَّان التَّمرة بينهما‪ ،‬وكان النَّفر يتداولون‬ ‫حض لقد ذكِشر لنا َّ‬
‫فيها جهد شديد‪َّ ،‬‬
‫ص ـها هذا‪ ،‬مث ي ــرب عليها‪ ،‬فتاب هللا عليهم‪،‬‬ ‫ص ـها هذا‪ ،‬مثَّ ي ــرب عليها‪ ،‬مث مي ُّ‬
‫التَّمرة بينهم مي ُّ‬
‫وأقفلهم(‪ )1‬من ايوهتم»(‪.)2‬‬
‫الدين‪ِ ،‬‬
‫ويفرق‬ ‫يدل عل حقيقة الميان‪ ،‬وحقيقة ِ‬ ‫إن اتِباي َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ُّ‬ ‫َّ‬
‫جالء‪ ،‬كما أنَّت دليل عل ح ِ هللا‪ ،‬وح ُّ هللا ليس دعو‬ ‫تفريقاً حامساً ب الميان‪ ،‬والكفر يف ٍ‬

‫ابللِسـان‪ ،‬وح هياماً ابلوجدان‪ ،‬إح أ ْن يصـاحبت احتِباي لر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم ‪ ،‬وال َّسـري‬
‫ٍ‬
‫كلمات ت قال‪ ،‬وح م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعر شديش‪ ،‬وح‬ ‫عل هداه‪ ،‬وحتقيق منه ت يف احلياة‪َّ .‬‬
‫إن الميان ليس‬
‫الر ــول‪ ،‬وعمل مبنهت هللا الَّذأ ملت َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت‬ ‫ش ــعائر تقام‪ ،‬ولكنَّت طاعة هللا‪ ،‬و َّ‬
‫اَّلل شويشـ ْ ِف ْر لشك ْم ذنوبشك ْم شو َّ‬
‫اَّلل شفور‬ ‫و ـ ــلم ‪ .‬قال تعاىل ﴿ق ْل إِ ْن كْنـت ْم ِحتبُّو شن َّ‬
‫اَّللش فشاتَّبِع ِوين ْبِْبكم َّ‬
‫كافِ ِرين ﴾ [آل عمران‪. ]32 - 31 :‬‬ ‫ول فشَِ ْن تشـولَّوا فشَِ َّن َّ ِ‬ ‫رِحيم *قل أ ِ‬
‫اَّللش حش ُّ الْ ش ش‬ ‫شْ‬ ‫الر ش‬ ‫اَّللش شو َّ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫قال ابن كث ٍري يف تفس ـ ـ ـ ـ ـ ــريه لآلية اَّذكورة «هذه ا ية الكرمية‪ ،‬حاكمة عل ِ‬
‫كل شم ِن ا َّدع‬

‫(‪ )1‬أقفلهم مبعىن أرجعهم اَّ ‪.‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري (‪.)397/2‬‬
‫‪477‬‬
‫دأ‪،‬‬
‫اَّم َّ‬
‫حض يتَّبع ال َّري َّ‬ ‫حمبَّة هللا وليس هو عل الطَّريقة َّ‬
‫اَّمدية فَنَّت كاذب يف نفس األمر‪َّ ،‬‬
‫صـلي عن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬ ‫َّبوأ‪ ،‬يف يع أقوالت‪ ،‬وأعمالت(‪ ،)1‬كما ثبت يف ال َّ‬ ‫وِ‬
‫الدين الن َّ‬
‫[البخاري (‪ )2697‬ومسلم (‪. ])1718‬‬ ‫و لم أنَّت قال « شم ْن عمل عمالً ليس عليت أمران فهو رد»‬

‫السبق يف الميان والعمل‬


‫حق َّ‬
‫‪ُّ - 9‬‬
‫اج ِرين واألنص ــار والَّ ِذين اتَّـبـعوهم نِِحس ـ ٍ‬
‫ان شر ِ ـ شي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ش ش ْ ْش‬ ‫﴿وال َّس ـابقو شن األ َّشولو شن م شن الْم شه ش ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫ك الْ شف ْوز الْ شع ِظيم﴾‬ ‫ِ‬ ‫َّات شد ِرأ شحتتـها ا ‪،‬شار خالِ ِد ِ‬
‫ٍ‬
‫ين ف شيها أشبش ًدا شذل ش‬
‫ش ش‬ ‫شع َّد شي ْم شجن ْ ْش ش‬ ‫اَّلل شعْنـه ْم شوشر وا شعْنت شوأ ش‬
‫َّ‬
‫[التوبة‪. ]100 :‬‬

‫الرازأ وال َّس ـ ـ ـ ـ ـبق موج للفضـ ـ ـ ـ ــيلة فَقدامهم عل هذه األفعال ي ِ‬
‫وج اقتداء ريهم‬ ‫قال َّ‬
‫هبم‪ .‬قال هللاـل هللا عليت و ـلم «من َّـن يف ال ـالم ـنَّةً حسـنةً‪ ،‬فلت أجرها‪ ،‬وأجر من عمل‬
‫[أمحد (‪ )358 - 357/4‬ومسـ ـ ـ ـ ــلم (‪ )1017‬والرتمذي (‪ )2675‬والنسـ ـ ـ ـ ــائي (‪ )77 - 75/5‬وابن ماجه‬ ‫هبـا‪ ،‬إىل يوم القيـامـة»‬
‫(‪ .])203‬فــدواعي النـَّاس تشقو مبــا يرون من أمثــايم‪ ،‬يف أحوال الـ ِـدين‪ ،‬والــدُّنيــا‪ ،‬وثبــت هبــذا َّ‬
‫أن‬
‫اَّهاجرين هم ري اء اَّسلم و ادهتم(‪.)2‬‬

‫وهكذا اختار هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬ال َّسـ ـابق من اَّهاجرين‪ ،‬من تلك العناهللا ــر الفريدة‬
‫النَّادرة‪ ،‬الَّيت حتتمل الض ـ ـ ـ ـ ـ ـ وط‪ ،‬والفتنة‪ ،‬واألذ ‪ ،‬واجلوي‪ ،‬وال ربة‪ ،‬والعذاب‪ ،‬واَّوت يف أب ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬
‫مكة‪ ،‬مثَّ ليكونوا هم القاعدة‬ ‫الصلبة يذا ِ‬
‫الدين يف َّ‬ ‫الصور يف بعض األحيان ليكونوا هم القاعدة ُّ‬ ‫ُّ‬
‫السابق من األنصار الذين وإن كانوا يصطلوا هبا‬ ‫الدين بعد ذلك يف اَّدينة‪ ،‬مع َّ‬ ‫الصلبة يذا ِ‬ ‫ُّ‬
‫أن بيعتهم لر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم (بيعة‬‫يف َّأول األمر كما اهللا ـ ــطالها اَّهاجرون‪ ،‬إح َّ‬
‫مكافئة لطبيعة هذا ِ‬
‫الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعة ٍ‬
‫أهللايلة‬ ‫أن عنصرهم ذو ٍ‬ ‫العقبة)‪ ،‬قد دلَّت عل َّ‬

‫تكونت لإل ــالم قاعدة هللاــلبة من أهللاــل العناهللاــر عوداً يف ااتمع‬


‫وابَّهاجرين‪ ،‬واألنصــار َّ‬
‫العريب‪ ،‬فأما العناهللا ـ ـ ــر الَّيت حتتمل هذه ال ُّ‬
‫ضـ ـ ـ ـ وط فقد فتنت عن دينها‪ ،‬وارتدَّت إىل اجلاهليَّة‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪.)466/3( ،‬‬


‫الرازأ (‪.)208/15‬‬
‫انظر تفسري َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪478‬‬
‫مرةً أخر ‪ ،‬وكان هذا النَّوي قليالً‪ ،‬فقد كان األمر كلُّت معروفاً مك ـ ـ ــوفاً من قبل‪ ،‬فلم يكن يقدم‬
‫َّ‬
‫ابتداء عل احنتقال من اجلاهليَّة إىل ال الم‪ ،‬وقطع الطريق ال َّائك اخلطر اَّرهوب إح العناهللار‬
‫(‪)1‬‬
‫وعلو طبقتهم يف‬
‫اَّهتارة اَّمتازة الفريدة التَّكوين ‪ .‬وبذلك أيضـ ـ ـ ـاً تتَّضـ ـ ـ ـ لنا منايلة اَّهاجرين‪ُّ ،‬‬
‫ظل ٍ‬
‫منفعة‪ ،‬وح‬ ‫الفضــل حيث أنفقوا‪ ،‬وقاتلوا والعقيدة مطاردة‪ ،‬واألنصــار قلَّة‪ ،‬وليس يف األفق ُّ‬
‫يدل عل َّأ‪،‬م ح يس ـ ـ ــتوون مع ريهم من الَّذين أنفقوا وقاتلوا بعد تلك‬ ‫رخاء‪ ،‬اا ُّ‬ ‫ـلطان‪ ،‬وح ٍ‬ ‫ـــ ٍ‬
‫اَّللِ وََِّّللِ ِمرياث ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الظُّرو ال َّ‬
‫﴿وشما لشك ْم أشحَّ تـْنفقوا يف ش ـ ـ ـ ـ ـب ِيل َّ ش ش‬
‫(‪)2‬‬
‫ت‬ ‫شش‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـعبة ‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ين أشنْـ شفقوا‬
‫ك أ ْشعظشم شد شر شجةً م شن الذ ش‬ ‫ض حش يش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ِوأ ِمْنك ْم شم ْن أشنْـ شف شق ِم ْن قشـْب ِل الْ شفْت ِ شوقشاتش شل أولشئِ ش‬‫شواأل ْشر ِ‬
‫خبِري ﴾ [احلديد‪.]10 :‬‬ ‫احلسىن و َّ ِ‬
‫اَّلل مبشا تشـ ْع شملو شن ش‬ ‫اَّلل ْ ْ ش ش‬ ‫ِم ْن بشـ ْعد شوقشاتشـلوا شوكالًّ شو شع شد َّ‬
‫وقد حتدَّث ابن كث ٍري عن آية ـ ـ ـ ـ ـ ــورة التَّوبة الَّيت بيَّنت فض ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابق من اَّهاجرين‪،‬‬
‫األول من اَّهاجرين‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫واألنصـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬فقال فقد أخرب هللا العظيم أنَّت قد ر ـ ـ ـ ـ ــي عن ال َّس ـ ـ ـ ـ ـابق‬
‫ـان‪ ،‬فيا ويل من أب ض ـ ـ ــهم‪ ،‬أو ـ ـ ـ ـبَّهم أو أب ض‪ ،‬أو ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫واألنص ـ ـ ــار‪ ،‬والذين اتَّبعوهم نحس ـ ـ ـ ٍ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم وخريهم‪ ،‬وأفضلهم‪ ،‬أع‬ ‫بعضهم‪ ،‬وح يما يِد َّ‬
‫الصلابة بعد َّ‬
‫فَن الطَّائفة اَّهذولة من َّ‬
‫الرافضـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـديق األكرب‪ ،‬واخلليفة األعظم‪ ،‬أاب بك ٍر بن أيب قلافة َّ‬
‫أن عقويم‬ ‫الصلابة‪ ،‬ويب ضو‪،‬م‪ ،‬ويسبُّو‪،‬م‪ ،‬عياذاً ابهلل من ذلك! وهذا ُّ‬
‫يدل عل َّ‬ ‫يعادون أفضل َّ‬
‫معكو ـ ــة‪ ،‬وقلوهبم منكو ــة‪ ،‬فأين هؤحء من الميان ابلقرآن إذ يس ـ ـبُّون من ر ــي هللا عنهم؟!‬
‫عمن ر ــي هللا عنهم‪ ،‬ويس ـبُّون من ـبَّت هللا ور ـولت‪ ،‬ويوالون من‬ ‫و َّأما أهل ال ُّس ـنَّة َّ‬
‫فَ‪،‬م ي َّ ـون َّ‬
‫يواس هللا‪ ،‬ويعادون من يعادأ هللا‪ ،‬وهم متَّبعون‪ ،‬ح مبتدعون‪ ،‬ويقتدون‪ ،‬وح يبتدعون ويذا هم‬
‫حايب هللا اَّفللون‪ ،‬وعباده اَّؤمنون(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)1703/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري (‪.)332/2‬‬
‫‪479‬‬
‫‪ - 10‬الفوز‬

‫اَّلل ِأب ْشم شوايِِ ْم شوأشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم أ ْشعظشم شد شر شجةً‬


‫قال تعاىل ﴿الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِيف ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل َِّ‬
‫ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش‬
‫ك هم الْ شفائِايو ش‬ ‫ِعْن شد َِّ‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]20 :‬‬ ‫اَّلل شوأولشئِ ش‬
‫هتصون ابلفوز ﴿هم الْ شفائِايو شن ﴾‪ ،‬أو ابلفوز‬
‫السعود يف تفسريه قولت تعاىل أأ اَّ ُّ‬ ‫قال أبو ُّ‬
‫كأن فوز من عداهم ليس بفوٍز ابلنِسبة إىل فوزهم(‪.)1‬‬
‫اَّطلق‪َّ ،‬‬
‫العلي العظيم‪ ،‬عل اَّهــاجرين‪َّ ،‬‬
‫أب‪،‬م يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتلقُّون الفوز العظيم‪ ،‬والفوز‬ ‫فهــذا ثنــاء من هللا ِ‬
‫أب‪،‬م من‬ ‫أأ فوٍز أعظم من هذا الفوز! خيربهم رُّهبم َّ‬ ‫يكون عظيماً ألنَّت رل من مصدر العظمة‪ ،‬و ُّ‬
‫س شذائِشقـة‬ ‫الفــائايين يف ا خرة‪ ،‬وذلــك بــدخويم اجلنـَّة‪ ،‬وبـ ْعـدهم عن النـَّار‪ .‬قــال تعــاىل ﴿كـ ُّل نشـ ْف ٍ‬
‫احلشيشـاة‬ ‫ت شوإَِّجـشا تـ شوفَّـ ْو شن أج شورك ْم يشـ ْوشم الْ ِقيشـا شمـ ِة فش شم ْن ز ْح ِاي ش شع ِن النـَّا ِر شوأ ْد ِخـ شل ْ‬
‫اجلشنَّـةش فشـ شقـ ْد فشـ شاز شوشمـا ْ‬ ‫الْمو ِ‬
‫شْ‬
‫الدنْـيشا إِحَّ شمتشاي الْ روِر ﴾ [آل عمران‪. ]185 :‬‬
‫ُّ‬

‫احلقيقي‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 11‬الميان‬

‫ص ـ ـ ـفات احلميدة الَّيت أثىن هللا عل اَّهاجرين هبا يف كتابت الكر هللا ـ ــفة الميان‬ ‫ومن هذه ال ِ‬
‫احلق‪ .‬قال تعاىل ﴿والَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِيف ـ ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫ك هم‬‫صـ ـروا أولشئِ ش‬
‫ين شآوْوا شونش ش‬
‫اَّلل شوالذ ش‬ ‫ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش ش‬
‫ِ‬

‫الْم ْؤِمنو شن شحقًّا شي ْم شم ْ ِفشرة شوِرْزق ش‬


‫ك ِر ﴾ [اآلنفال‪. ]74 :‬‬

‫فهذه ش ـ ـ ـ ـ ــهادة من هللا العليم اخلبري للمهاجرين َّ‬


‫أب‪،‬م اَّؤمنون حقاً‪ ،‬فاَّهاجرون ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا‬
‫احلقيقي الَّذأ يتمثَّل فيت الميان ‪ -‬بعد ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا (ﷺ) ‪ -‬كما َّأ‪،‬م قدوة‬ ‫ُّ‬ ‫عنهم هم النَّموذً‬
‫حسـ ـ ـ ـ ـ ــنة َّن جاء بعدهم وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــورة حقيقيَّة يف تر ة ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـفات احلميدة يف واقع احلياة‪ ،‬فلذلك‬
‫ين إِ شذا ذكِشر اَّلل‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫َّ‬ ‫ا ـ ُّ‬
‫الرابينَّ أب‪،‬م اَّؤمنون حقاً‪ .‬قال تعاىل ﴿إجشا الْم ْؤمنو شن الذ ش‬ ‫ـتلقوا هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا الثناء َّ‬
‫ين ي ِقيمو شن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اان شو شعلش شرهب ْم يشـتشـ شوَّكلو شن ۝ ال ـ ـذ ش‬ ‫ت شعلشْي ِه ْم آَيت ــت شز شاد ْهت ْم إِميشـ ـ ً‬ ‫ِ‬
‫ت قـلوهب ْم شوإِ شذا تليشـ ـ ْ‬
‫ِ‬
‫شوجلشـ ـ ْ‬
‫ند شرهبِِ ْم شوشم ْ ِفشرة شوِرْزق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك هم الْم ْؤِمنو شن شحقًّا َّي ْم شد شر شجات ِع ش‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـالشةش شواَّا شرشزقْـنشاه ْم ينفقو شن ۝ أ ْولشئِ ش‬ ‫ال َّ‬

‫السعود (‪.)53/4‬‬
‫تفسري أيب ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪480‬‬
‫شك ِر ﴾ [اآلنفال‪ .]4 - 2 :‬وهذه ِ‬
‫الصفات احلميدة تتمثَّل يف حياة اَّهاجرين‪ ،‬كما َّ‬
‫أن اَّتَّصف هبذه‬
‫حق الميان(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الصفات هم اَّؤمنون َّ‬
‫اثنياً‪ :‬الوعد للمواجرين‪:‬‬

‫ذكر هللا تعاىل بعض النِعم الَّيت وعد هبا اَّهاجرين يف الدُّنيا‪ ،‬وا خرة ومن هذه النِعم‬

‫‪ - 1‬عة رزق هللا يم يف الدُّنيا‬


‫اَّللِ شِجي ْد ِيف األ ْشر ِ‬
‫ض مشرا ش ًما شكثِ ًريا شو ش ـ ـ ـ ـ شعةً شوشم ْن شخيْر ًْ ِم ْن‬ ‫قال تعاىل ﴿ومن يـه ِ‬
‫اج ْر ِيف ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬ ‫شش ْ ش‬
‫ِ‬ ‫اَّللِ شوشكا شن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اجرا إِ شىل َِّ‬
‫يما ﴾‬ ‫اَّلل شف ًورا شرح ً‬ ‫شجره شعلش َّ‬ ‫اَّلل شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـولت مثَّ ي ْد ِرْكت الْ شم ْوت فشـ شق ْد شوقش شع أ ْ‬ ‫بشـْيتت م شه ً‬
‫[النساء‪. ]100 :‬‬

‫ومن ـ ـ ـ ــعة رزق هللا يم يف الدُّنيا هص ـ ـ ـ ــيص ـ ـ ـ ــهم مبال الفيء‪ ،‬وال نائم‪ .‬قال تعاىل ﴿لِْلف شقشر ِاء‬
‫اَّللِ شوِر ْ ـ ـ ـ ـ ـ شواانً شويشـْنص ـ ـ ـ ـ ـرو شن َّ‬
‫اَّللش‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـالً ِم شن َّ‬‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ين الذ ش‬
‫ِ‬
‫الْم شه ش‬
‫أحق النَّاس‬ ‫أل‪،‬م أخرجوا من دَيرهم‪ ،‬فهم ُّ‬ ‫ص ـ ِادقو شن﴾ [احلشــر‪ ]8 :‬فاَّال يؤحء َّ‬ ‫ك هم ال َّ‬ ‫شوشر ـولشت أولشئِ ش‬
‫بت(‪.)2‬‬

‫وجل ‪ -‬األنص ــار من شـ ـ ِ النفس‪ ،‬وو َّ ـ ـع‬ ‫عاي َّ‬ ‫الرزق أن خلَّص هللا ‪َّ -‬‬ ‫ومن ــعة هللا يم يف ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدورهم للمهاجرين‪ .‬قال تعاىل َّ ِ‬
‫َّار شوا ِل ميشا شن م ْن قشـْبل ِه ْم بُّو شن شم ْن شه ش‬
‫اجشر‬ ‫ين تشـبشـ َّوءوا الد ش‬
‫﴿وا لذ ش‬
‫ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِلشي ِهم وحش شِجيدو شن ِيف هللاـدوِرِهم ح ِ‬
‫هللاـة شوشم ْن‬ ‫اجةً اَّا أوتوا شويـ ْؤثرو شن شعلش أشنْـفسـ ِه ْم شولش ْو شكا شن هب ْم شخ ش‬
‫ص ـا ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫ْ ْش‬
‫ن﴾[احلشر‪.]9 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬
‫وق ش َّ نشـ ْف ِس ِت فشأولشئِ ش‬
‫ي ش‬
‫وجل ‪ -‬وعد اَّهاجرين ـ ـ ـ ـ ـ ــعة ِ‬
‫الرزق يف الدُّنيا‪ ،‬وحتقَّق ذلك الوعد الكر‬ ‫عاي َّ‬ ‫َّ‬
‫إن هللا ‪َّ -‬‬
‫ابين القرآين يعاجل هذه النَّفس يف و ـ ــو ٍ وفص ـ ـ ٍ‬
‫ـاحة‪،‬‬ ‫الر ِ‬
‫وجل ‪ -‬يف منه ت َّ‬
‫عاي َّ‬ ‫وذلك َّ‬
‫ألن هللا ‪َّ -‬‬
‫فال يكتم عنها ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً من اَّهاو ‪ ،‬وح يدارأ عنها ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً من األخطار ‪ -‬مبا يف ذلك خطر‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.129‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري ابن كثري (‪ ، )295/4‬وتفسري أيب السعود (‪ ، )228/8‬وتفسري فت القدير (‪ ، )200/5‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪481‬‬
‫اَّوت ‪ -‬ولكنَّت يسـ ــك فيها الطُّمأنينة حبقائق أخر ‪ ،‬وبضـ ــمانة هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬فهو‬
‫ِدد اي رة َّ‬
‫أب‪،‬ا «يف ــبيل هللا»‪ ،‬وهذه هي اي رة اَّعتربة يف ال ــالم‪ ،‬فليسـ ـت ه رًة للثَّراء‪،‬‬
‫ألأ ٍ‬
‫عرض من أعراض‬ ‫أو ه رًة للنَّ اة من اَّتاع ‪ ،‬أو ه رًة للذائذ وال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهوات‪ ،‬أو ه رًة ِ‬
‫وم ْن يهاجر هذه اي رة يف ـ ـ ــبيل هللا جيد يف األرض فس ـ ـ ــلةً‪ ،‬ومنطلقاً‪ ،‬فال تض ـ ـ ــيق بت‬
‫احلياة‪ ،‬ش‬
‫األرض‪،‬‬

‫ألن هللا ـ ــيكون يف عونت‪ ،‬ويسـ ـ ِـدد‬


‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وح يعدم احليلة‪ ،‬والو ـ ــيلة للنَّ اة‪ ،‬و ِ‬
‫للرزق‪ ،‬واحلياة‬
‫خطاه‪.‬‬

‫‪ - 2‬تكفري يئاهتم‪ ،‬وم فرة ذنوهبم‬

‫ومن النِعم الَّيت وعد هبا هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬اَّهاجرين تكفري ــيِئاهتم‪ ،‬وم فرة ذنوهبم‪.‬‬
‫اب شي ْم شرُّهب ْم أِشين حش أ ِ ـيع شع شم شل شع ِام ٍل ِمْنك ْم ِم ْن ذش شك ٍر أ ْشو أنْـثش بشـ ْعض ـك ْم ِم ْن‬ ‫قال تعاىل ﴿فشا ْ ـتش ش ش‬
‫اجروا شوأ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأوذوا ِيف ش ـبِيلِي شوقشاتشـلوا شوقتِلوا أل شك ِفشر َّن شعْنـه ْم ش ـيِئشاهتِِ ْم‬ ‫ين شه ش‬
‫بـع ٍ َّ ِ‬
‫ض فشالذ ش‬ ‫شْ‬
‫اب﴾‬ ‫اَّلل ِعْنـ ـ شده حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن الثـَّو ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ات شْد ِرأ ِم ْن شْحتتِ شهـ ـا األ‪،‬ـش ـار ثشـ شو ًااب ِم ْن ِعْنـ ـ ِد َّ‬
‫اَّللِ شو َّ‬ ‫ألد ِخلشنـَّهم جنَّـ ـ ٍ‬
‫شو ْ ْ ش‬
‫[آل عمران‪. ]195 :‬‬

‫وقد ورد عن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬أحاديث كثرية تبِ َّ‬
‫أن اي رة من أعظم‬
‫الو ـ ـ ـ ـ ــائل ِ‬
‫اَّكفرة لل َّس ـ ـ ـ ـ ـيِئات‪ ،‬و َّأ‪،‬ا ـ ـ ـ ـ ــب َّ فرة ذنوب أهلها‪ ،‬ومن هذه األحاديث عن ابن‬
‫وحول وجهت‬ ‫(‪)2‬‬
‫حضران عمرو بن العاص وهو يف ياقة اَّوت‪ ،‬فبك طويالً‪َّ ،‬‬ ‫طا ة ِ‬
‫اَّهرأ قال ش‬
‫إىل اجلدار‪ ،‬ف عل ابنت يقول َي أبتاه! أما ب َّ ـ ـ ـرك ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم بكذا؟ شأما‬
‫إن أفضـ ـ ــل ما نعِ ُّد‬
‫ب َّ ـ ـ ـرك ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم بكذا؟ قال فأقبل بوجهت‪ ،‬فقال َّ‬
‫ٍ‬
‫أطباق(‪ )3‬ثالث‪ ،‬لقد رأيت وما‬ ‫حممداً ر ــول هللا‪ِ .‬إين كنت عل‬ ‫ش ــهادة أن ح إلت إح هللا‪ ،‬و َّ‬
‫أن َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)745/2‬‬


‫(‪ )2‬ياقة اَّوت أأ النَّايي ‪َّ ،‬‬
‫كأن روحت تساق لتهرً من بدنت‪.‬‬
‫(‪ )3‬أطباق ثالث أحوال ثالث ‪ ،‬واحدها طبق‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫أحد أش ـ َّـد ب ض ـاً لر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم م ِ ‪ ،‬وح أح َّ َّ‬
‫إس أن أكون قد ا ــتمكنت‬
‫الم يف قلب‪،‬‬
‫ت عل تلك احلال لكنت من أهل النَّار‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جعل هللا ال ش‬
‫منت‪ ،‬فقت ْلتت‪ ،‬فلو م ُّ‬
‫ا ميينشت‪ ،‬قال فقبضت‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقلت ابس ْا ميينك ف ابيعنَّك‪ ،‬فشـبش شس ش‬
‫أتيت الن َّ‬
‫يدأ‪ ،‬قال «مالك َي عمرو؟» قال قلت أردت أن أشـ ط‪ ،‬قال «ت ـ ط مباذا؟» قلت أن‬
‫أن اي رة هتدم ما كان قبلها‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫أن ال ــالم يهدم ما كان قبلت‪ ،‬و َّ‬
‫يـ ْ شفشر س‪ .‬قال «أما علمت َّ‬
‫إس من ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وح‬ ‫احلت يهدم ما كان قبلت!» وما كان أحد أح َّ َّ‬
‫أجل يف عي منت‪ ،‬وما كنت أطيق أن أم عي َّ منت إجالحً لت‪ ،‬ولو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئِْلت أن أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفت ما‬
‫َّ‬
‫ت عل تلك احلال لرجوت أن أكون من أهل اجلنَّة‪،‬‬ ‫أطشْقت ِ‬
‫ألين أكن أم عي َّ منت‪ ،‬ولو م ُّ‬
‫مت فال تصــلب انئلة‪ ،‬وح انر‪ ،‬فَذا دفنتموين‬ ‫مث ولينا أشــياءش ما أدرأ ما حاس فيها‪ ،‬فَذا أان ُّ‬
‫اب شـ ـ ـ ـ ــناً‪ ،‬مثَّ أقِيموا حول قربأ قش ْد شر ما تـْن شلر شجايور‪ ،‬ويـ ْق شس ـ ـ ـ ـ ـم حلمها حض‬
‫علي ال ُّ ش‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـنُّوا‬
‫ريب‪[ .‬مسلم (‪. ])121‬‬‫أ تأنس بكم‪ ،‬وأنظر ماذا أراجع بت ر شل ِ‬
‫ش‬
‫كل و ٍ‬
‫احد منها يهدم ما كان‬ ‫أن َّ‬‫احلت‪ ،‬و َّ‬
‫َّووأ فيت عظم موقع ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬واي رة‪ ،‬و ِ‬
‫قال الن ُّ‬
‫قبلت من اَّعاهللاــي‪ .‬وفيت ا ــتلباب تنبيت اَّتضــر عل إحســان ظنِت ابهلل ــبلانت وتعاىل‪ ،‬وذكر‬
‫الرجاء‪ ،‬وأحاديث العفو عنده‪ ،‬وتب ريه مبا أعدَّه هللا تعاىل للمسلم ‪ ،‬وذكر حسن أعمالت‬
‫آَيت َّ‬
‫عنده ليلسن ظنَّت ابهلل تعاىل‪ ،‬وميوت عليت‪ ،‬وهذا األدب مستل ابحتفاق(‪.)2‬‬

‫‪ - 3‬ارتفاي منايلتهم‪ ،‬وعظمة درجتهم عند رِهبم‬

‫وعد هللا ‪ -‬بلان ـ ـ ـ ـ ــت وتعاىل ‪ -‬الَّذين انلوا أفضل الميان‪ ،‬واي ـ ـ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬واجلهاد يف بيل هللا‬
‫اهدوا ِيف‬ ‫َّ ِ‬
‫اجروا شو شج ش‬
‫ين آمنوا شوشه ش‬ ‫أبموايم‪ ،‬وأنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم أعظم الدَّرجات عند هللا‪ .‬قال تعاىل ﴿ا لذ ش‬
‫ك هم الْ شفائِايو ش‬ ‫اَّللِ ِأبشموايِِم وأشنْـف ِس ِهم أشعظشم درجةً ِعْن شد َِّ‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]20 :‬‬ ‫اَّلل شوأولشئِ ش‬ ‫ْ ْ شش ش‬ ‫ش ب ِيل َّ ْ ش ْ ش‬
‫ِ‬

‫ف نُّوا َّ‬
‫علي ال ُّ اب أأ هللابُّوه متفرقاً ‪ ،‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر شر النَّووأ لصلي مسل ٍم لللديث اَّذكور ‪ ،‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪483‬‬
‫ألن‬ ‫إن اَّوهللاـ ـ ـ ـ ـ ــوف هبذه ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـفات األربعة‪ ،‬يف اية اجلاللة و ِ‬
‫الرفعة َّ‬ ‫الرازأ َّ‬
‫يقول الفهر َّ‬
‫الرو فل َّـما زال عنها الكفر‪،‬‬
‫الرو ‪ ،‬والبدن‪ ،‬واَّال‪َّ ،‬أما ُّ‬ ‫النسان ليس لت إح جمموي أموٍر ثالثة ُّ‬
‫وحصـ ــل فيها الميان فقد وهللاـ ــلت إىل مرات العادات الالَّئقة هبا‪ ،‬و َّأما البدن‪ ،‬واَّال فبسـ ــب‬
‫عر ش ـ ـ ـ ْ ِ للهالك‪ ،‬والبطالن‪ ،‬وح‬
‫اي رة وقعا يف النُّقص ـ ــان‪ ،‬وبس ـ ــب احشـ ـ ــت ال ابجلهاد هللاـ ـ ــارا م َّ‬
‫أن كالً من النَّفس‪ ،‬واَّال حمبوب لإلنسـ ــان‪ ،‬والنسـ ــان ح يعرض عن جمموعت إح للفوز‬ ‫ـك َّ‬‫شـ ـ َّ‬
‫رجلوا‬ ‫أن طل ِ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوان أذُّ عندهم من النَّفس‪ ،‬واَّال َّا َّ‬ ‫األول‪ ،‬فلوح َّ‬ ‫ٍ‬
‫مبلبوب أكمل من َّ‬
‫جان ا خرة عل جان النَّفس‪ ،‬واَّال‪ ،‬وَّا شر ـ ـ ـ ـوا نهدار النَّفس‪ ،‬واَّال لطل مر ـ ـ ـ ــاة هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫أن عند حصــول ال ِ‬
‫ص ـفات األربعة هللاــار النســان واهللا ـالً إىل أعل درجات الب ـريَّة‪،‬‬ ‫فثبت َّ‬
‫و َّأول مرات درجات اَّالئكة‪ ،‬وهم بذلك يكونون أفضـ ـ ــل من ِ‬
‫كل شم ْن ـ ـ ـواهم من الب ـ ـ ــر عل‬
‫الصفات(‪.)1‬‬ ‫وفضيلة لإلنسان أعل وأكمل من هذه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الطالق ألنَّت ح يعقل حصول عادةٍ‪،‬‬

‫فالذين آمنوا‪ ،‬وهاجروا‪ ،‬وجاهدوا يف ـ ـ ــبيل هللا أبموايم‪ ،‬وأنفسـ ـ ــهم أعظم‪ ،‬وأعل مقاماً يف‬
‫احلاً وعمارة اَّس ـ ـ ـ ـ ـ د‬
‫مرات الفضـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬والكمال يف حكم هللا‪ ،‬وأكرب مثوبةً من أهل ـ ـ ـ ـ ــقاية ِ‬
‫َّ‬
‫أن عملهم َّإَيلا من أفضل القرابت بعد ال الم‪.‬‬ ‫احلرام الَّذين رأ بعض اَّسلم‬

‫فالَّذين انلوا فضــل اي رة‪ ،‬واجلهاد بنوعيت النَّفسـ ِـي‪ ،‬و ِ‬


‫اَّاس أعل مرتبةً‪ ،‬وأعظم كرامةً اَّن‬
‫يتَّصف هبما كائناً من كان‪ ،‬ويدخل يف ذلك أهل ِ‬
‫السقاية‪ ،‬والعمارة(‪.)2‬‬ ‫شْ‬
‫ابلسقاية‪ ،‬والعمارة ألنَّت لو ع ذكرهم ألوهم‬ ‫ِ‬ ‫وأنَّت تعاىل يقل أعظم درجةً من اَّ ت ل‬
‫دل ذلك عل َّأ‪،‬م أفضل من‬ ‫أن فضيلتهم َّإجا حصلت ابلنسبة إليهم‪ ،‬ول ـ ـ ـ َّـما ترك ذكر اَّرجو َّ‬
‫َّ‬
‫كل من ـواهم عل الطالق ألنَّت ح يعقل حصــول ــعادةٍ‪ ،‬وفضـ ٍ‬
‫ـيلة لإلنســان أعل ‪ ،‬وأكمل‬ ‫شْ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري الرازأ (‪ )13/16‬وما بعدها بتصر ‪.‬‬


‫(‪ )2‬تفسري اَّرا ي (‪.)78/10‬‬
‫‪484‬‬
‫اَّللِ﴾‪ ،‬فهو ح يع‬
‫الصفات(‪ .)1‬والتَّفضيل هنا يف قولت ليس عل ﴿أ ْشعظشم شد شر شجةً ِعْن شد َّ‬
‫من هذه ِ‬
‫النا ِر ه ْم‬ ‫﴿حبِطش ْ‬
‫ت أ ْشع شماي ْم شوِيف َّ‬ ‫أقل إجا هو التَّفض ـ ـ ـ ـ ـ ــيل اَّطلق‪ ،‬فا خرون ش‬ ‫َّ‬
‫أن لآلخرين درجةً َّ‬
‫درجة‪ ،‬وح يف‬ ‫خالِدو شن ﴾ [التوبة‪ ]17 :‬فال مفا ـ ـ ـ ـ ـ ــلة بينهم وب اَّؤمن اَّهاجرين اااهدين يف ٍ‬
‫ش‬
‫نعي ٍم(‪.)2‬‬

‫‪ - 4‬ا تلقاقهم اجلنَّة‪ ،‬واخللود فيها‬

‫ومن النِعم الَّيت أعدَّها هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬للمهاجرين اجلنَّة‪ ،‬واخللود فيها‪ .‬قال تعاىل‬
‫ِ‬ ‫﴿الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِيف بِ ِيل َِّ ِِ‬
‫ك هم‬ ‫اَّلل ِأب ْشم شواي ْم شوأشنْـف ِس ِه ْم أ ْشعظشم شد شر شجةً ِعْن شد ا ََّّلل شوأولشئِ ش‬ ‫ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬ ‫ش‬
‫ين فِ شيها أشبش ًدا‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫الْ شفائايو شن ۝ يـبش ره ْم شرُّهب ْم بشر ْحشة مْنت شور ْ شوان شو شجنَّات شي ْم ف شيها نشعيم مقيم ۝ شخالد ش‬
‫ِ‬
‫الرحــة‪،‬‬ ‫شجر شع ِظيم ﴾ [التوبــة‪ ]22 - 20 :‬قــال ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوكــاين يف تفس ـ ـ ـ ـ ـ ــريه والتنكري يف َّ‬ ‫إِ َّن َّ ِ‬
‫اَّللش عْن ـ شده أ ْ‬
‫الر ـ ـوان‪ ،‬واجلنَّات للتَّعظيم‪ ،‬واَّعىن َّأ‪،‬ا فوق وهللا ـ ــف الواهللا ـ ــف ‪ ،‬وتص ـ ـ ُّـور اَّتص ـ ـ ِـورين‪ .‬والنَّعيم‬ ‫وِ‬
‫ـتمر الَّذأ ح يفارق هللاــاحبت‪ ،‬شوِذ ْكر األبد بعد اخللود أتكيد لت(‪ .)3‬هذه ب ــر‬ ‫اَّقيم الدَّائم اَّسـ ُّ‬
‫ما بعدها ب ـ ــر ‪ ،‬وقد وعد هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬هبا اَّؤمن واَّؤمنات‪ .‬قال تعاىل ﴿ شو شع شد‬
‫َّات شْد ِرأ ِمن شْحتتِها ا ‪،‬شار خالِ ِدين فِيها ومس ـ ـ ـ ـ ـ ـاكِن طشيِبةً ِيف جن ِ‬
‫َّات‬ ‫ات جن ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش ش ش شش ش‬ ‫ْ ش‬ ‫اَّلل الْم ْؤمن ش شوالْم ْؤمنش ش‬
‫ك هو الْ شفوز الْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع ْد ٍن وِر ْ وان ِمن َِّ‬
‫ظيم ﴾ [التوبة‪. ]72 :‬‬
‫اَّلل أش ْك شرب شذل ش ش ْ ش‬ ‫ش ش ش ش‬
‫‪ - 5‬الفوز العظيم ور وان هللا عليهم‬

‫ومن النِعم الَّيت وعد هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬هبا اَّهاجرين َّأ‪،‬م ـ ـ ـ ــينالون الفوز العظيم‪.‬‬
‫اَّللِ ِأب ْشم شوايِِ ْم شوأشنْـف ِسـ ِه ْم أ ْشعظشم شد شر شجةً ِعْن شد َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫اهدوا ِيف ش ـبِ ِيل َّ‬
‫اجروا شو شج ش‬
‫ين آمنوا شوشه ش‬
‫َّ ِ‬
‫قال تعاىل ﴿الذ ش‬
‫ك هم الْ شفائِايو ش‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]20 :‬‬ ‫شوأولشئِ ش‬
‫أجل‪ ،‬وأعظم اَّا هم فيت من النَّعيم‪ ،‬وهو ‪،‬اية الحسـ ــان‪،‬‬
‫ور ـ ـوان هللا تعاىل عليهم أكرب‪ ،‬و ُّ‬

‫الرازأ (‪.)14/16‬‬
‫تفسري َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬يف ظالل القران (‪ ، )1614/3‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.141‬‬


‫(‪ )3‬تفسري فت القدير (‪ ، )345/2‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪485‬‬
‫ـدل عل ذل ــك قول ــت تع ــاىل ﴿وعـ ـ شد َّ ِ ِ‬ ‫وهو أعل النِعم‪ ،‬وأكم ــل اجلاياء(‪ ،)1‬كم ــا ي ـ ُّ‬
‫اَّلل الْم ْؤمن ش‬ ‫شش‬
‫َّات شْد ِرأ ِمن شْحتتِها األ‪،‬شار خالِ ِدين فِيها ومسـ ـاكِن طشيِبةً ِيف جن ِ‬
‫َّات شع ْد ٍن شوِر ْ ـ ـ شوان‬ ‫ات جن ٍ‬
‫ِ ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش ش شش ش ش ش‬ ‫ْ ش‬ ‫شوالْم ْؤمنش ش‬
‫ك هو الْ شفوز الْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َِّ‬
‫ظيم ﴾ [التوبة‪. ]72 :‬‬
‫اَّلل أش ْك شرب شذل ش ش ْ ش‬ ‫ش‬
‫الر ا الَّذأ تتبعت اَّثوبة‪ ،‬وهو يف ذاتت أعل ‪ ،‬وأكرم مثوبةً‪ ،‬ور اهم عن‬
‫ور ا هللا عنهم هو ِ‬
‫صـرب عل ابتالئت‪ ،‬ولكن التَّعبري ِ‬
‫ابلر ـا هنا‪ ،‬وهناك ي ـيع‬ ‫هللا هو احطمئنان إليت عل نعمائت‪ ،‬وال َّ‬
‫الصفوة‬
‫الصادر ب هللا بلانت وتعاىل وهذه َّ‬ ‫جو ِ‬
‫الر ا ال َّ امل‪ ،‬ال امر‪ ،‬اَّتبادل‪ ،‬الوافر‪ ،‬الوارد‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫حض َّإ‪،‬م ليبادلون رهبم ِ‬
‫الر ــا‪ ،‬وهو‬ ‫صـفوة من الب ــر َّ‬
‫اَّهتارة من عباده‪ ،‬ويرفع من شــأن هذه ال َّ‬
‫رُّهبم األعل ‪ ،‬وهم عبيده اَّهلوقون‪ ،‬وهو حال‪ ،‬وش ـ ـ ــأن وجو ح َتلك األلفا الب ـ ـ ـ ـرية أن ِ‬
‫تعرب‬
‫ابلرو اَّتطلِع‪ ،‬والقل‬ ‫َّص ِ‬
‫القرآين‪ُّ ،‬‬ ‫عنت‪ ،‬ولكن يتَّسـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬ويت ـ ـ ـ ـ ـ َّـر ‪ ،‬ويسـ ـ ـ ـ ــت لي من خالل الن ِ‬
‫احلس اَّوهللاول(‪.)2‬‬ ‫اَّتفتِ ‪ ،‬و ِ‬

‫إن اَّهاجرين‬ ‫هذا بعض ما وعد هللا بت اَّهاجرين من اجلاياء‪ ،‬والثَّواب بسب جهادهم اَّرير‪َّ .‬‬
‫مكة من وأد الدَّعوة وهي يف مسـ ـ ـ ـ ــت ِ‬
‫هل‬ ‫الرا ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬ويقينهم اخلالص ِ‬
‫ميكنوا اجلاهليَّة يف َّ‬ ‫نميا‪،‬م َّ‬
‫حياهتا لقد ا ــتمســكوا مبا أوحي إىل نبيِهم‪ ،‬و تايدهم حاقة قريش إح اعتصــاماً مبا اهتدوا إليت‪،‬‬
‫صـابرين‬
‫وآمنوا بت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ــرفت اجلاهليَّة يف عســفها‪ ،‬وا ــطهادها‪ ،‬وأذن هللا يؤحء اَّؤمن ال َّ‬
‫مكة خرجوا من دَيرهم‪ ،‬وأموايم‪ ،‬وميَّموا هللاـ ـ ــوب اَّدينة ليس رهبة من الكفر‪ ،‬وح‬ ‫ابي رة من َّ‬
‫ر بة يف الدنيا ولكنهم كانوا بذلك يرجون رحة هللا‪ ،‬ويبت ون فضالً منت ور واانً ولذلك هللااروا‬
‫ض ٍل يف الدُّنيا‪ ،‬وما أعدَّه يم يوم القيامة من ثو ٍ‬
‫اب عظيم(‪.)3‬‬ ‫أهالً َّا أ ب ت هللا عليهم من فش ْ‬
‫اثلثاً‪ :‬الوعيد للمتخلِّفني عن اهلجرة‪:‬‬

‫الرجاء يف النُّفوس رجاء‬ ‫َّ‬


‫إن األ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب القرآينَّ يف الوعد‪ ،‬والوعيد يهد إىل اخل ـ ـ ـ ـ ـ ــية‪ ،‬و َّ‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪ ، )320/2‬وتفسري اَّرا ي (‪ ، )79/10‬واي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫(‪ )2‬يف ظالل القران (‪.)1705/3‬‬
‫السنَّة ‪ ،‬لل مل ‪ ،‬ص ‪.333 ، 332‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لموهللالابتت يف القران و ُّ‬
‫انظر ه رة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪486‬‬
‫يدفعها إىل الطَّاعة‪ ،‬واح تقامة‪ ،‬وخ ٍية َتنعها من اَّعصية‪ ،‬وتسري هبا إىل اح ت فـ ــار‪ ،‬والتَّوبـ ــة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍِ‬
‫يقع فريسـ ـةً لليأس‪ ،‬والقنوط‪ ،‬وح يندفع إىل اجلرأة عل‬ ‫واَّؤمن بينهما يف معادلة ج ُّد دقيقة لئال ش‬
‫حمارم هللا‪ ،‬أو التهاون فيما أمر هللا‪ ،‬ولقد ا تطاي القرآن الكر بسالحي ــت هذين أن فم للف ــرد‬
‫الدين(‪ ،)1‬وهي كلِيات‬ ‫مقوماتت يف احلياة‪ ،‬واَّال‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعِرض‪ ،‬و ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ـ ـ ـ ــهص ـ ـ ـ ــيتت‪ ،‬وللم تمع ِ‬
‫أجيال عديدةٍ‪ ،‬أانرها القرآن‬ ‫الرش ـ ـ ـ ـ ـ ــيدة الفا ـ ـ ـ ـ ـ ــلة‪ .‬ولقد رأت احلياة النُّور يف ٍ‬
‫تقوم عليها احلياة َّ‬
‫ت ذلك النور بِبعد النَّاس عن القرآن اهللاطدم‬
‫ابلوعد‪ ،‬والرجاء‪ ،‬وابلوعيد‪ ،‬واخل ية‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شخ شف ش‬
‫الفرد بفطرتت‪ ،‬وااتمع بواقعت فا ـ ـ ـ ـ ـ ــطربت القيم‪ ،‬وا‪،‬ارت األخالق‪ ،‬وفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت اَّ عامالت‪،‬‬
‫األمة إح مبا هللاــل بت َّأويا‪ ،‬وأن ه ـ هللا ح ه ـ‬
‫واَّناهت والتَّصـ ُّـورات‪ ،‬ولن يصــل اخر هذه َّ‬
‫وجل ‪ -‬هبا اَّتهلِف‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـواه‪ ،‬وأن ترجوه ح ترجو إح َّإَيه(‪ )2‬ومن العقوابت الَّيت توعَّد هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة ظشالِ ِمي أشنْـف ِس ِه ْم قشالوا فِ شيم كْنـت ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫عن اي رة وء اَّصري‪ .‬قال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫ِ ِ‬ ‫ض قشالوا أشش تشكن أشرض َِّ‬ ‫ض ـ ـ ـ شع ِف ش ِيف األ ْشر ِ‬
‫ك شمأْ شواه ْم‬ ‫اَّلل شوا ِ ـ ـ ـ شعةً فشـتـ شهاجروا ف شيها فشأولشئِ ش‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫قشالوا كنَّا م ْس ـ ـ ـتش ْ‬
‫صريا ﴾ [النساء‪. ]97 :‬‬ ‫جهنَّم و اء ْ ِ‬
‫ت شم ً‬ ‫شش ش ش ش‬
‫أن ان ـ ـاً من اَّس ــلم كانوا مع اَّ ــرك ‪،‬‬ ‫البهارأ عن ابن ٍ‬
‫عباس ر ــي هللا عنهما َّ‬ ‫ُّ‬ ‫رو‬
‫يكثرون ـ ـو شاد اَّ ــرك عل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬رل ال َّسـ ـهم يـ ْرشم بت‪ ،‬فيص ــي‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة ظشالِ ِمي أشنْـف ِس ـ ـ ـ ِه ْم﴾‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ض ـ ـ ـشرب‪ ،‬فيقتل‪ ،‬فأنايل هللا ﴿إ َّن الذ ش‬
‫أحدهم فيقتلت‪ ،‬أو ي ْ‬
‫ش‬
‫(‪ 4596‬و‪.)7085‬‬

‫تهفون‬ ‫عباس ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهما قال كان قوم من أهل َّ‬
‫مكة أ ـ ـ ـ ــلموا‪ ،‬وكانوا يش ْس ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫ابل ـالم‪ ،‬فأخرجهم اَّ ـركون يوم بد ٍر معهم‪ ،‬فأهللاـي بعضـهم‪ ،‬فقال اَّسـلمون كان أهللاـلابنا‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة ظشالِ ِمي أشنْـف ِسـ ـ ـ ـ ِه ْم﴾‪،‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫مس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأكرهوا‪ ،‬فا ـ ـ ــت فروا يم‪ ،‬فنايلت ﴿إ َّن الذ ش‬
‫مبكة من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم هبذه ا ية‪ ،‬ح عذر يم‪ ،‬قال فهرجوا‪ ،‬فللقهم‬ ‫قال فكت إىل من بقي َّ‬

‫(‪ )1‬وح شك َّ‬


‫أن لطان َّ‬
‫الدولة اَّسلمة افم عل مقاهللاد ال َّ ريعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسري ورة فصلت ‪ ،‬د‪ .‬حممد هللااأ علي ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬ص ‪ ، 98‬نقالً عن اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪487‬‬
‫اَّللِ‬
‫أ ِيف َّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫﴿وِم شن الن ِ‬
‫َّاس شم ْن يشـقول شآمنَّا اب ََّّلل فشَذشا أوذ ش‬ ‫َّقية‪ ،‬فنايلت فيهم ش‬ ‫اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــركون‪ ،‬فأعطوهم الت َّ‬
‫اب َِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ِأب ْشعلش شم ِمبشا‬
‫س َّ‬ ‫ِ‬ ‫صـ ـر ِم ْن شربِ ش‬
‫ك لشيشـقول َّن إ َّان كنَّا شم شعك ْم أ ششولشْي ش‬ ‫اَّلل شولشئ ْن شجاءش نش ْ‬ ‫َّاس شكع شذ ِ‬
‫شج شع شل فْتـنشةش الن ِ ش‬
‫م ش ﴾ [العنكبوت‪. ]10 :‬‬ ‫ِيف هللادوِر الْعالش ِ‬
‫ش‬
‫كل خري‪ ،‬مثَّ نايلت فيهم ﴿مثَّ إِ َّن شربَّ ش‬
‫ك‬ ‫فكت اَّس ــلمون إليهم بذلك‪ ،‬فهرجوا‪ ،‬وأيس ـوا من ِ‬
‫ك ِم ْن بشـ ْع ـ ِد شه ـا لش شفور شرِحيم ﴾‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شربوا إِ َّن شربَّ ـ ش‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجروا م ْن بشـ ْع ـد شم ـا فتنوا مثَّ شج ـا شه ـدوا شو ش‬
‫ِ ِ‬
‫للَّ ـذ ش‬
‫ين شه ـ ش‬
‫[النحل‪. )1(]110 :‬‬
‫لقد وهللا ــف هللا ‪ -‬ــبلانت ‪ -‬اَّتهلِف عن اي رة َّ‬
‫أب‪،‬م ظلموا أنفس ــهم‪ ،‬واَّراد ابلظُّلم يف‬
‫هذه ا ية َّ‬
‫أن الذين أ ـ ــلموا يف دار الكفر‪ ،‬وبقوا هناك‪ ،‬و يهاجروا إىل اَّدينة ظلموا أنفس ـ ــهم‬
‫ب كهم اي رة ‪ .‬ومبا َّأ‪،‬م حرموها من دار ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬تلك احلياة َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫احلرة‬
‫الرفيعة النَّظيفة الكرمية َّ‬
‫وعدهم‬ ‫الطَّليقة‪ ،‬وألايموها احلياة يف دار الكفر‪ ،‬تلك احلياة َّ‬
‫الذليلة اخلا ــئة الضـَّعيفة اَّضــطهدة ت َّ‬
‫تمِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّا ُّ‬
‫ص ًريا ﴾ هناك(‪.)3‬‬ ‫يدل عل َّأ‪،‬ا تع الَّذين فتنوا عن دينهم ش‬
‫﴿ج شهنَّم شو ش اءش ْ ش‬
‫ويف هذه ا ية الكرمية وعيد للمتهلِف عن اي رة‪ ،‬هبذا اَّصـ ـ ـ ــري ‪ ،‬وابلتَّاس التايم ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة‬
‫انضموا إىل ااتمع ال المي يف اَّدينة تنفيذاً ألمر هللا‪ ،‬وخوفاً من عقابت‪ ،‬وكان يذا‬
‫أبمر هللا‪ ،‬و ُّ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬فهذا ْمشرة بن جْندب ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل ت قولت تعاىل‬ ‫الوعيد أثره يف نفوس َّ‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة ظشالِ ِمي أشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم﴾‪ ،‬قال لبنيت احلوين ف َِين لسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت من‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫وهو ﴿إ َّن الذ ش‬
‫مبكة‪ ،‬فلملوه عل ـري ٍر‪ ،‬متوجهاً إىل‬ ‫وإين ح أبيت اللَّيلة َّ‬ ‫وإين ألهتدأ الطريق‪ِ ،‬‬ ‫اَّســتضــعف ‪ِ ،‬‬
‫اَّدينة‪ ،‬وكان شــيهاً كبرياً‪ ،‬فمات ابلتَّنعيم‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أدركت اَّوت‪ ،‬أخذ يصـ ِـفق بيمينت عل طالت‪،‬‬
‫ويقول اللَّ َّ‬
‫هم هذه لك‪ ،‬وهذه لر ـ ـ ـ ـ ـ ـولك هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬أابيعك عل ما ابيع عليت‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬قالوا ليتت مات ابَّدينة! فنايل(‪ )4‬قولت‬
‫ر ولك‪ ،‬ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل خرب موتت َّ‬

‫(‪ )1‬زاد اَّسري ‪ ،‬حبن اجلوزأ (‪ ، )97/2‬وتفسري القامسي (‪.)399/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫(‪ )3‬يف ظالل القران (‪.)473/2‬‬
‫(‪ )4‬رو اَّعاين ‪ ،‬لاللو ي (‪ ، )129 ، 128/5‬وأ باب النايول ‪ ،‬للواحدأ ‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪488‬‬
‫ض مرا شما شكثِريا و عةً ومن شخيْرً ِمن بـيتِ ِت مه ِ‬ ‫اجر ِيف بِ ِيل َِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجًرا‬ ‫اَّلل شجي ْد ِيف األ ْشر ِ ش ً ً ش ش ش ش ش ْ ْ ْ شْ ش‬ ‫﴿وشم ْن يـ شه ْ ش‬ ‫تعاىل ش‬
‫ِ‬ ‫اَّللِ شوشكا شن َّ‬ ‫إِ شىل َِّ ِِ‬
‫حيما ﴾ [النساء‪. ]100 :‬‬
‫اَّلل شف ًورا شر ً‬ ‫اَّلل شوشر ولت مثَّ ي ْد ِرْكت الْ شم ْوت فشـ شق ْد شوقش شع أ ْ‬
‫شجره شعلش َّ‬
‫ـرعة يف امتثال األمر‪ ،‬وتنفيذه يف‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬من ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫وهذا اَّوقف يرينا ما كان عليت جيل ال َّ‬
‫النَّ ـ ـ ـ ـ ــاط‪ ،‬وال ِ ـ ـ ـ ـ ـدَّة‪ ،‬كائنةً ما كانت ظروفهم‪ ،‬فال يلتمسـ ـ ـ ـ ــون ألنفسـ ـ ـ ـ ــهم اَّعاذير‪ ،‬وح يطلبون‬
‫الرخص(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫ـلايب تفيد بعض ِ‬
‫الرواَيت أنَّت كان مريض ـ ـ ـ ـ ـ ـاً(‪ ،)2‬إح أنَّت رأ أنَّت ما دام لت مال‬ ‫فهذا الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫يس ـ ـ ـ ـ ــتع بت‪ ،‬و مل بت إىل اَّدينة فقد انتف عذره‪ ،‬وهذا فقت أماله الميان‪ ،‬وزَّكاه الخالص‪،‬‬
‫واليق (‪.)3‬‬

‫وجل ‪ -‬وعيده للمتهلِف عن اي رة بس ـ ــوء مص ـ ــريهم ا ـ ــتثىن من‬ ‫عاي َّ‬ ‫وبعد أن ذكر هللا ‪َّ -‬‬
‫الدين‪ ،‬واحلرمان من احلياة يف‬ ‫َّعرض للفتنة يف ِ‬ ‫ذلك شم ْن ح حيلة يم يف البقاء يف دار الكفر‪ ،‬والت ُّ‬
‫ابلرجاء يف عفو هللا‪،‬‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـعا ‪ ،‬والنِسـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬فيعلقهم َّ‬ ‫دار ال ـ ـ ـ ـ ــالم من ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـيو ‪ ،‬وال ِ‬
‫وم فرتت‪ ،‬ورحتت بس ـ ــب عذرهم البِ ‪ ،‬وع ايهم عن الفرار(‪ .)4‬قال تعاىل ﴿إِحَّ الْمسـ ـ ـت ْ ِ‬
‫ضـ ـ ـ شعف ش‬‫ْش‬
‫ِ‬
‫اَّلل أش ْن‬
‫ك شع شس ـ َّ‬‫الر شج ِال شوالنِ شس ـاء شوالْ ِولْ شد ِان حش يش ْس ـتش ِطيعو شن ِحيلشةً شوحش يشـ ْهتشدو شن ش ـبِيالً ۝ فشأ ْولشئِ ش‬
‫ِم شن ِ‬
‫[النساء‪. ]99 - 98 :‬‬ ‫اَّلل شعف ًّوا شف ًورا ﴾‬
‫يشـ ْعف شو شعْنـه ْم شوشكا شن َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.124‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.167‬‬


‫‪489‬‬
‫السابع‬
‫الفصل َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫دعائم دولة اإلسالم يف املدينة‬
‫شـ ـ ـ ــري ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم منذ دخولت اَّدينة يسـ ـ ـ ــع لتثبيت دعائم َّ‬
‫الدولة‬
‫ـهة‪ ،‬فكانت أوىل خطواتت اَّباركة‪ ،‬احهتمام ببناء دعائم‬ ‫ـس را ـ ٍ‬
‫متينة‪ ،‬وأ ـ ٍ‬ ‫اجلديدة‪ ،‬عل قواعد ٍ‬
‫األمة كبناء اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ د األعظم ابَّدينة‪ ،‬واَّؤاخاة ب اَّهاجرين واألنص ـ ـ ـ ـ ـ ــار عل احل ِ يف هللا‪،‬‬
‫َّ‬
‫ينظم العالقات ب اَّسلم ‪ ،‬واليهود‪،‬‬ ‫المي يف اَّدينة‪ ،‬الَّذأ ِ‬
‫ِ‬ ‫وإهللادار الوثيقة‪ ،‬أو ُّ‬
‫الد تور ال‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــركي اَّدينة‪ ،‬وإعداد جيش حلماية الدولة‪ ،‬وال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعي لتلقيق أهدافها‪ ،‬والعمل عل ِ‬
‫حل‬
‫م ـ ـ ـ ــاكل ااتمع اجلديد‪ ،‬وتربيتت عل اَّنهت الرَّاب ِين يف ش ـ ـ ـ ــؤون احلياة كافَّةً‪ ،‬فقد ا ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتمر البناء‬
‫ـتمر القرآن الكر يتلدَّث يف اَّدينة عن عظمة هللا‪ ،‬وحقي قة الكون‪،‬‬ ‫َّعليمي‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫بوأ والت ُّ‬
‫ال َّ ُّ‬
‫وال َّ ي يف اجلنَّة‪ ،‬وال َّ هي من النَّار‪ ،‬وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـري األحكام ل بية َّ‬
‫األمة‪ ،‬ودعم ِ‬
‫مقومات الدَّولة‪،‬‬
‫الَّيت تلمل ن ر دعوة هللا ب النَّاس قاطبةً‪ ،‬وداهد يف بيل هللا‪.‬‬

‫تطور مراحــل الــدَّعوة‪ ،‬وبنــاء ااتمع‪،‬‬


‫تتطور مع ُّ‬
‫وكــانــت مس ـ ـ ـ ـ ـ ــرية األ َّمـة العلميَّـة‪ ،‬وال َّ بويَّـة‪َّ ،‬‬
‫الدولة‪ .‬وعاجل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم األزمة احقتص ــاديَّة ابَّدينة‪ ،‬من خالل‬ ‫وأت ــيس َّ‬
‫الايكاة‪ ،‬وأخذ ااتمع يايدهر‪،‬‬ ‫ص ـ ـ ـ ـيام‪ ،‬وفر ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـت َّ‬ ‫بوأ‪ ،‬فف ِرض ال ِ‬ ‫اَّنهت الرَّاب ِين‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتمر البناء ال ُّ‬
‫س ٍ‬
‫اثبتة‪ ،‬وقويَّـة‪.‬‬ ‫تتقو عل أ ٍ‬ ‫و َّ‬
‫الدولة َّ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كالن (‪ 12‬و‪ )13‬يف الصفلت (‪ 748‬و‪.)749‬‬


‫‪490‬‬
‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫ِّ‬
‫الدعامة األوىل بناء املسجد األعظم ابملدينة‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ابَّدينة بناء اَّس ـ ـ د وذلك لتظهر فيت‬
‫كان َّأوشل ما قام بت َّ‬
‫برب العاَّ ‪ِ ،‬‬
‫وتنقي‬ ‫ص ـ ـلوات الَّيت تربا اَّرء ِ‬ ‫ش ـ ــعائر ال ـ ــالم‪ ،‬الَّيت طاَّا حوربت‪ ،‬ولتقام فيت ال َّ‬
‫القل من أدران األرض‪ ،‬وأدانس احلياة الدُّنيا(‪.)1‬‬

‫أن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم دخل اَّدينة راكباً راحلتشت‪ ،‬فســار‬ ‫البهارأ بســنده َّ‬
‫ُّ‬ ‫رو‬
‫ت عند مسـ د ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ابَّدينة‪ ،‬وهو يصــلِي‬ ‫حض بشـشرشك ْ‬
‫مي ــي معت النَّاس َّ‬
‫ـهل‪ ،‬و ـ ـ شهْي ٍل الم يتيم يف ِح ْ ر‬ ‫فيت ٍ‬
‫يومئذ رجال من اَّسـ ــلم ‪ ،‬وكان ِم ْربشداً(‪ )2‬للتَّمر‪ ،‬لسـ ـ ٍ‬
‫أ ــعد بن زشر شارة‪ ،‬فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ح بركت بت راحلتت «هذا إن شــاء هللا‬
‫اَّنايل»‪ ،‬مثَّ دعا ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ال الم ‪ ،‬فس ــاومهما ابَِّْربشد ليتَّه شذه مسـ ـ داً‪،‬‬
‫ـول هللا! فأىب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم أن يقبلت منهما ِهبشةً‬ ‫فقاح ح‪ ،‬بل ‪،‬بت لك َي ر ـ ش‬
‫[البخاري (‪. ])3906‬‬ ‫حض ابتاعت منهما‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويف رواية أنس بن ٍ‬
‫مالك فكان فيت ما أقول كان فيت شَنْل‪ ،‬وقبور اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬وخرب‪ ،‬فأمر‬
‫ت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وابخلرب‪ ،‬فسـ ِويش ْ‬ ‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ابلنَّهل‪ ،‬فقطع‪ ،‬وبقبور اَّ ــرك ‪ ،‬فنبِ ش ـ ْ‬
‫ت‪،‬‬
‫ض ـ شادتشـْي ِت ح ارًة‪ .‬قال فكانوا يردايون‪ ،‬ور ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ُّفوا الن ش‬
‫َّهل قبلةً‪ ،‬وجعلوا ع ش‬ ‫قال فش ش‬
‫عليت و لم معهم وهم يقولون‬
‫فشانْص ِر األنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار واَّه ِ‬
‫اجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـرْه‬ ‫ال ـلَّ ـه ـ َّم! ح شخ ـ ْ شري إح شخ ـ ْري ا خـ ْـره‬
‫ش‬
‫[البخاري (‪ )428‬ومسلم (‪. ])524‬‬

‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف العمل مع أهللا ـ ــلابت‪ ،‬و ـ ــرب َّأول ٍ‬
‫معول يف حفر‬ ‫ش ـ ــري َّ‬

‫السرية ‪ ،‬لل اياس ‪ ،‬ص ‪ ، 191‬وفقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬
‫(‪ )2‬مربد اَّو ع الذأ جيفَّف فيت التَّمر‪ .‬القاموس اَّيا (‪.)304/1‬‬
‫‪491‬‬
‫األ ـ ـ ـ ـ ــاس الَّذأ كان عمقت ثالثة أذري‪ ،‬مثَّ اندفع اَّسـ ـ ـ ـ ــلمون يف بناء هذا األ ـ ـ ـ ـ ــاس ابحل ارة‪،‬‬
‫الرجل إح قليالً ‪ -‬ابللَّب الَّذأ يع ن ابل ُّ اب‪ ،‬ويس ـ ـ ـ ـ ـ َّـو عل‬
‫واجلدران ‪ -‬الَّيت تايد عن قامة َّ‬
‫ٍ‬
‫هللااحلة للبناء(‪ .)1‬ويف النَّاحية ال َّمالية منت‪ ،‬أقيمت ظلَّة من اجلريد عل قوائم من‬ ‫شكل أح ا ٍر‬
‫صـ ـ ـ ـفة»‪ ،‬أما ابقي أجاياء اَّسـ ـ ـ ـ د‪ ،‬فقد ت ِركت مك ـ ـ ــوفةً بال‬
‫جذوي النَّهل‪ ،‬كانت تس ـ ـ ـ َّـم «ال ُّ‬
‫ٍ‬
‫طاء(‪.)2‬‬

‫اجلنوبية‪ ،‬وابب يف اجلهة‬


‫َّ‬ ‫َّأما أبواب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د فكانت ثالثة ابب يف مؤخرتت من اجلهة‬
‫ال َّ ـ ـ ـرقيَّة‪ ،‬كان يدخل منت ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم نزاء ابب بيت عائ ـ ــة‪ ،‬وابب من‬
‫الرحة‪ ،‬أو ابب عاتكة(‪.)3‬‬
‫اجلهة ال ربية‪ ،‬يقال لت ابب َّ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم التَّابعة للمسجد‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بيواتت الن ِّ‬

‫وب لر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ح ش ر حول مسـ ـ ده ال َّ ـ ـريف لتكون مس ــاكن لت‪،‬‬
‫يوت شم ْن تشـشرفَّ شع عن‬
‫وألهلت‪ ،‬و تكن احل ر كبيوت اَّلوك‪ ،‬واألكا ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬والقياهللا ـ ـ ـ ــرة بل كانت ب ش‬
‫الدَّار ا خرة‪ ،‬فقد كانت كمسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ده مبينةً من اللَّب‪ ،‬والط ‪ ،‬وبعض‬ ‫الدُّنيا‪ ،‬وزخارفها‪ ،‬وابت‬
‫احل ارة‪ ،‬وكانت ــقوفها من جذوي النَّهل‪ ،‬واجلريد‪ ،‬وكانت هللا ـ رية الفناء‪ ،‬قصــرية البناء‪ ،‬ينايا‬
‫ـرأ ‪ -‬وكان الماً مع ِأمت خرية موحة ِأم ـ ــلمة ‪« -‬قد‬ ‫ال الم الفاري بيده‪ .‬قال احلس ـ ــن البص ـ ـ ُّ‬
‫كنت أانل أول ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـقف يف ح ش ِر الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم بيدأ»(‪ .)4‬وهكذا كانت بيوت‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم يف اية البس ــاطة‪ ،‬بينما كانت اَّدينة ت ــتهر ابحلص ــون العالية‪ ،‬الَّيت‬ ‫الن ِ‬
‫كان يتَّهذها ِع ْلشية القوم تباهياً هبا يف ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلم‪ ،‬واتقاءً هبا يف احلرب‪ ،‬وكانوا من تفاخرهم هبا‬
‫يضــعون يا أمساء‪ ،‬كما كان حصــن عبد هللا بن أ ِيب ابن ــلول امست (ماياحم)‪ ،‬وكما كان حصــن‬

‫(‪ )1‬انظر نور اليق ‪ ،‬للهضرأ ‪ ،‬ص (‪ ، )88 ، 87‬واتري خليفة بن خياط ‪ ،‬ص ‪ ، 56‬نقالً عن اتري دولة ال الم األوىل ‪ ،‬د‪ .‬فايد حَّاد عاشور ‪،‬‬
‫و ليمان أبو عايب ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫للسمهودأ (‪.)321/1‬‬ ‫انظر وفاء الوفا ‪َّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫الصليلة (‪.)258/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبوية َّ‬
‫احلي الكتاين (‪.)474/1‬‬
‫اَّسم ال اتي الداريَّة ‪ ،‬لعبد ِ‬
‫(‪ )4‬انظر نظام احلكومة النَّبوية َّ‬
‫‪492‬‬
‫حسان بن اثبت ر ي هللا عنت امست (فاري)‪.‬‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫إن النب هللا ــل هللا عليت و ــلم بىن بيوتت بذلك ال َّ ـكل اَّتوا ــع‪ ،‬وكان اب ــتطاعتت أن يب‬
‫جمرد إشــارةٍ‪ ،‬لس ـاري األنصــار يف بنائها لت‪،‬‬
‫لنفســت قصــوراً شــاهقةً‪ ،‬ولو أنَّت أشــار إىل ر بتت بذلك َّ‬
‫العامة كالفيء‪ ،‬وحنوه‪ ،‬ولكنت هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫الدولة َّ‬‫كما كان نمكانت أن ي ـ ـ ـ ــيدها من أموال َّ‬
‫الايهد يف الدُّنيا‪ ،‬و ع‬ ‫و ــلم يفعل ذلك ليض ــرب ألمتِت مثالً رفيعاً‪ ،‬وقدرًة عاليةً يف التَّوا ــع و ُّ‬
‫ايمة‪ ،‬والعايمية للعمل َّا بعد اَّوت(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫اثنياً‪ :‬األذان يف املدينة(‪:)2‬‬

‫عمل ينبِت النَّائم‪ ،‬ويدرك َّ‬


‫الساهي‪،‬‬ ‫ت اور ر ول هللا هللال هللا عليت و لم مع أهللالابت لجياد ٍ‬
‫صـالة لرياها‬ ‫ويعلِم النَّاس بدخول الوقت ألداء ال َّ‬
‫صـالة‪ ،‬فقال بعضـهم نرفع راية إذا حان وقت ال َّ‬
‫أل‪،‬ا ح تفيد النَّائم‪ ،‬وح ال افل‪ ،‬وقال آخرون ن ـ ـ ـ ـ ــعل انراً‬ ‫النَّاس‪ ،‬فاع ـ ـ ـ ـ ـوا عل هذا الرأأ َّ‬
‫ببوق ‪ -‬وهو ما كانت‬ ‫عل مرتفع من ايض ـ ـ ـ ــاب‪ ،‬فلم يقبل هذا الرأأ أيضـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ــار آخرون ٍ‬
‫ُّ ملالفة أهل‬ ‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ألنت‬
‫اليهود تس ـ ـ ــتعملت لص ـ ـ ــلواهتم ‪ -‬فكرهت َّ‬
‫صـلابة اب ــتعمال النَّاقوس ‪ -‬وهو ما يســتعملت النَّصــار ‪-‬‬ ‫الكتاب يف أعمايم‪ ،‬وأشــار بعض ال َّ‬
‫داء‪ ،‬فيقوم بعض الناس إذا حانت‬ ‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم أيضـ ـاً‪ ،‬وأش ــار فريق ابلنِ ِ‬
‫فكرهت َّ‬
‫ـارأ‪ ،‬فبينما هو‬
‫يد األنص ـ َّ‬‫عبد هللا بن ز ٍ‬
‫الرأأ‪ ،‬وكان أحد اَّنادين ش‬
‫الص ــالة وينادأ هبا‪ ،‬فقبل هذا َّ‬
‫صـالة؟‬ ‫ٍ‬
‫كلمات تقويا عند النِداء ابل َّ‬ ‫ب النَّائم واليقظان إذ عرض لت شــهص وقال أح أعلمك‬
‫مرت ‪ ،‬مثَّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـالة َّ‬
‫حي عل ال َّ‬
‫مرت ‪ ،‬مثَّ قل َّ‬
‫مرت ‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ َّـهد َّ‬‫قال بل ! فقال لت قل هللا أكرب َّ‬
‫توجت إىل‬
‫مرت ‪ ،‬مثَّ قل ح إلت إح هللا‪ .‬فلما ا ـ ـ ــتيقم َّ‬ ‫مرت ‪ ،‬مثَّ ِ‬
‫كرب ربَّك َّ‬ ‫حي عل الفال َّ‬
‫قل َّ‬
‫حق‪ ،‬مثَّ قال لت لشِق ْن بالحً‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأخربه خرب ريَيه‪ ،‬فقال َّإ‪،‬ا لريَي ٍ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬الفتاو (‪.)38/11‬‬


‫(‪ )2‬انظر فت البارأ ‪ ،‬يف شر حديث رقم (‪.)3581‬‬
‫‪493‬‬
‫فَنَّت أند هللاواتً منك‪.‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـالة هبذا األذان جاء عمر بن اخلطَّاب ُّ‬


‫جير رداءه‪ ،‬فقال وهللا لقد‬ ‫وبينما بالل ِ‬
‫يؤذن لل َّ‬
‫رأيــت مثلــت َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! وكــان بالل بن راب أحــد ِ‬
‫مؤذنيــت ابَّــدينــة‪ ،‬وا خر عبــد هللا بن ِأم‬
‫مرت ‪،‬‬ ‫الصالة خري من النَّوم َّ‬
‫(حي عل الفال ) َّ‬ ‫ٍ‬
‫الصب بعد َّ‬ ‫مكتوم‪ ،‬وكان بالل يقول يف أذان ُّ‬
‫مكان مرتف ٍع‪ ،‬مثَّ‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم عل ذلك‪ ،‬وكان ي ِ‬
‫ؤذن يف البداءة من ٍ‬ ‫أقره َّ‬
‫و َّ‬
‫[أمح ــد (‪ )43/4‬وأبو داود (‪ )499‬والرتم ــذي (‪ )189‬وابن م ــاج ــه (‪ )706‬وابن حب ــان‬ ‫ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتلـ ــدثـ ــت اَّنـ ــارة (الْمئ ـ ـ شذنـ ــة)‬
‫(‪. ])362([])1679‬‬

‫اثلثاً‪َّ :‬أول ٍ‬
‫خطبة خطبوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابملدينة‪:‬‬
‫كانت َّأول ٍ‬
‫خطبة خطبها ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ابَّدينة أنت قام فيهم‪ِ ،‬‬
‫فلم شد‬
‫هللا‪ ،‬وأثىن عليت مبا هو أهلت‪ ،‬مثَّ قال « َّأما بعد أيُّها النَّاس! فقدموا ألنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــكم‪ .‬تعلم َّن وهللا‬
‫لن لت ربُّت وليس لت تر ان‪ ،‬وح حاج‬ ‫ص ـ ـ ـ شع شق َّن أحدكم‪ ،‬مثَّ لشيش شد شع َّن شنش شمت ليس يا ر ٍاي‪ ،‬مثَّ ليقو َّ‬
‫لي ْ‬
‫بت دونت أ رتك ر ـ ــوس‪ ،‬فبلَّ ك؟! وآتيتك ماحً‪ ،‬وأفض ـ ــلت عليك‪ ،‬فما قدَّمت لنفسـ ـ ـك؟‬
‫َّ‬
‫لينظرن قدَّامت‪ ،‬فال ير ري جهنَّم فمن ا ـ ـ ــتطاي أن‬ ‫فشـلشيشـْنظشر َّن مييناً‪ ،‬وطاحً‪ ،‬فال ير ش ـ ـ ــيئاً‪ ،‬مثَّ‬
‫فبكلمة طيِ ٍبة َّ‬
‫فَن هبا داي احلس ـنة‬ ‫ٍ‬ ‫يقي وجهت من النَّار ولو ب ـ ٍـق من َترةٍ فليفعل‪ ،‬ومن جيد‬
‫[البيوقي يف الدالئل (‪ )524/2‬وابن‬ ‫ع ــر أمثايا‪ ،‬إىل ــبعمئة ـ ٍ‬
‫ـعف‪ .‬وال َّس ـالم عليكم ورحة هللا وبركاتت»‬
‫هشام (‪. ])146/2‬‬

‫إن احلمد هلل‪ ،‬أحده‪،‬‬‫مرًة أخر ‪ ،‬فقال « َّ‬ ‫مثَّ خط ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫ضلِ ْل‬ ‫وأ تعينت‪ ،‬نعوذ ابهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬و يِئات أعمالنا‪ ،‬شم ْن يهده هللا فال َّ‬
‫مضل لت‪ ،‬ومن ي ْ‬
‫أحسن احلديث كتاب هللا تبارك‬
‫ش‬ ‫فال هادأ لت‪ ،‬وأشهد أن ح إلت إح هللا‪ ،‬وحده ح شريك لت‪َّ .‬‬
‫إن‬
‫وتعاىل‪ .‬قد أفل من شزيـَّنشت هللا يف قلبت‪ ،‬وأدخلت يف ال ـالم بعد الكفر‪ ،‬واختاره عل ما ـواه من‬
‫أحبُّوا من أح َّ هللا‪ِ ،‬‬
‫أحبُّوا هللا من ِ‬
‫كل قلوبكم‪،‬‬ ‫أحاديث النَّاس‪ ،‬إنَّت أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن احلديث‪ ،‬وأبل ت‪ِ ،‬‬
‫وذكره‪ ،‬وح تشـ ْقس عنت قلوبكم فَنَّت من ِ‬
‫كل ما خيلق هللا خيتار‪ ،‬ويص ـ ـ ــطفي‪ ،‬قد‬ ‫ُّ‬
‫وح شَتلوا كالم هللا ش‬
‫‪494‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاأ من احلديث‪ ،‬ومن ِ‬
‫كل ما أول‬ ‫مسَّاه هللا خريتشت من األعمال‪ ،‬ومص ـ ـ ـ ـ ـ ــطفاه من العباد‪ ،‬وال َّ‬
‫هللاـدقوا هللا هللاــاأ ما‬
‫حق تقاتت‪ ،‬وا ْ‬
‫النَّاس احلالل واحلرام‪ ،‬فاعبدوا هللا‪ ،‬وح ت ــركوا بت شــيئاً‪ ،‬واتَّقوه َّ‬
‫ث عهده‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـالم عليكم»‬ ‫تقولون أبفواهكم‪ ،‬وحتابُّوا برو هللا بينكم‪َّ ،‬‬
‫إن هللا ي ض ـ ـ ـ أن يـْن شك ش‬
‫[البيوقي يف الدالئل (‪ )525 - 524/2‬وابن هشام (‪. ])147 - 146/2‬‬

‫ص َّفة التَّابعة للمسجد الن ِّ‬


‫َّبوي‪:‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ال ي‬

‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ذَّ حتويل القبلة من بيت اَّقدس إىل الكعبة اَّ ـ َّـرفة أبمر هللا تعاىل‪ ،‬وذلك بعد ــتة‬
‫ع ر شهراً من ه رتت هللال هللا عليت و لم إىل اَّدينة [البخاري (‪ )40‬ومسلم (‪ ،])545‬بقي حائا القبلة‬
‫األوىل يف مؤخرة اَّس ـ د النبوأ‪ ،‬فأمر النب هللاــل هللا عليت و ــلم بت‪ ،‬فظلِل‪ ،‬أو ــقف‪ ،‬وأطلق‬
‫(الصفَّة) أو (الظُّلَّة)[(‪ ،])363‬و يكن لت ما يس جوانبت[(‪.])364‬‬
‫عليت ا م ُّ‬
‫الصفَّة ظلَّة يف مؤخرة مس د ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬روأ‬
‫قال القا ي عياض ُّ‬
‫الصفَّة[(‪.])365‬‬
‫إليها اَّساك ‪ ،‬وإليها ينس أهل ُّ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬يف طاس‬
‫ص ـ ـ ـفَّة كانت يف مؤخرة مس ـ ـ ـ د الن ِ‬
‫وقال ابن تيميَّة ال ُّ‬
‫اَّنورة[(‪.])366‬‬
‫اَّس د ابَّدينة َّ‬
‫َّبوأ مظلَّل‪ ،‬أ َّ‬
‫عد لنايول ال رابء فيت‪ ،‬اَّن‬ ‫مؤخر اَّس ـ د الن ِ‬
‫ص ـفَّة مكان يف َّ‬ ‫وقال ابن شح ش ٍر ال ُّ‬
‫ح مأو ً لت‪ ،‬وح أهل‪[ .‬فتح الباري (‪. ])367([])738/6‬‬

‫الصفَّة‬
‫‪ - 1‬أهل ُّ‬
‫أهل‪ ،‬وح ٍ‬
‫مال‪،‬‬ ‫الصفَّة أ يا ال الم‪ ،‬ح روون إىل ٍ‬
‫قال أبو هريرة ر ي هللا عنت «وأهل ُّ‬
‫ٍ‬
‫أحد» [البخاري (‪. ])6452‬‬ ‫وح عل‬

‫إن اَّهاجرين األوائل‪ ،‬الَّذين هاجروا قبل الن ِ‬


‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬أو معت‪ ،‬أو بعده‬ ‫َّ‬
‫حض ‪،‬ايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الف ة األوىل قبل ايوة بد ٍر‪ ،‬ا ـ ــتطاي األنص ـ ــار أن يس ـ ــتض ـ ــيفوهم يف بيوهتم‪ ،‬وأن‬
‫َّ‬
‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ــاركوهم النَّفقة‪ ،‬ولكن فيما بعد كرب ح م اَّهاجرين‪ ،‬فلم يعد هناك قدرة ل نص ـ ـ ـ ـ ـ ــار عل‬
‫‪495‬‬
‫فَن ال ـ ــالم هللا ـ ـار‬ ‫فقد «هللا ـ ــار اَّهاجرون يكثرون بعد ذلك ش ـ ــيئاً بعد ش ـ ـ ٍ‬
‫ـيء َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ا ـ ــتيعاهبم‬
‫ينت ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬والنـَّاس يــدخلون فيــت‪ ،‬ويكثر اَّهــاجرون إىل اَّــدينــة من الفقراء‪ ،‬واأل نيــاء‪ ،‬وا هل ‪،‬‬
‫الصفُّة يف اَّس د»(‪.)2‬‬
‫يتيسر لت مكان روأ إليت‪ ،‬روأ إىل تلك ُّ‬
‫َّ‬ ‫والعَّاياب‪ ،‬فكان شم ْن‬

‫أن اَّهاجر الَّذأ يقدم إىل اَّدينة كان يلتقي َّ‬


‫ابلر ـ ـ ـ ـ ــول هللا ـ ـ ـ ـ ـل هللا‬ ‫والَّذأ يظهر للباحث َّ‬
‫ص ـفَّة مؤقتاً‪ ،‬ريثما‬
‫ـتقر يف ال ُّ‬
‫عليت و ــلم ‪ ،‬مثَّ يوجهت بعد ذلك إىل شم ْن يكفلت‪ ،‬فَن جيد فَنَّت يس ـ ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الصامت ر ي هللا عنت قال «كان ر ول هللا‬
‫فقد جاء يف اَّسند عن عبادة بن َّ‬ ‫السبيل‬
‫جيد َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم ي ل‪ ،‬فَذا قدم رجل مهاجر عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬دفعت‬
‫رجل منَّا يعلِمت القرآن‪ ،‬فدفع َّ‬
‫إس ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم رجالً‪ ،‬وكان معي يف‬ ‫إىل ٍ‬
‫البيت‪ ،‬أع ِ ـ ـ ـ ـيت ع ـ ـ ـ ــاء أهل البيت‪ ،‬فكنت أقرئت القرآن» [أمحد (‪ . ])324/5‬وقد كان أول شم ْن نايل‬
‫لذلك نسـ ـ ــبت إليهم‪ ،‬فقيل (هللا ـ ـ ـفَّة اَّهاجرين)(‪ ،)5‬وكذلك كان ينايل هبا‬ ‫(‪)4‬‬
‫ص ـ ـ ـفة اَّهاجرون‬
‫ال ُّ‬
‫المها‪ ،‬وطاعتها(‪،)6‬‬ ‫ال رابء من الوفود‪ ،‬الَّيت كانت تقدم عل الن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم معلنةً إ ش‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وكان لت عريف نايل عليت‪ ،‬وإذا يكن لت‬
‫الرجل إذا قدم عل الن ِ‬
‫وكان َّ‬
‫ص ـفَّة ‪ ،‬وكان أبو هريرة ر ــي هللا عنت شع ِر ش‬
‫(‪)7‬‬
‫ص ـفَّة من‬
‫يف شم ْن ش ـ شك شن ال ُّ‬ ‫عريف نايل مع أهللاــلاب ال ُّ‬
‫وم ْن ناييا من الطَّارق ‪ ،‬فكان الن ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إذا أراد دعوهتم‪ ،‬عهد إىل‬ ‫القاطن ‪ ،‬ش‬
‫أيب هريرة‪ ،‬فدعاهم َّعرفتت هبم‪ ،‬ومبنازيم‪ ،‬ومراتبهم يف العبادة‪ ،‬واااهدة(‪ .)8‬ونايل بعض األنصار‬
‫الايهد‪ ،‬واااهدة‪ ،‬والفقر‪ ،‬بر م ا ـ ـ ـ ــت نائهم عن ذلك‪ ،‬ووجود دا ٍر يم يف‬
‫ص ـ ـ ـ ـفَّة حباً حلياة ُّ‬
‫يف ال ُّ‬
‫األنصارأ‪ ،‬وحنظلة بن أيب عام ٍر األنصارأ ( سيل اَّالئكة)‪ ،‬وحارثة‬
‫ِ‬ ‫اَّدينة ككع بن مالك‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة تربية َّأمة وبناء دولة ‪ ،‬لل َّامي ‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫(‪ )2‬الفتاو (‪.)41 ، 40/11‬‬
‫السرية النَّبويَّة تربية َّأمة وبناء دولة ‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫للسمهودأ (‪.)323/1‬‬ ‫انظر وفاء الوفا ‪َّ ،‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬نن أيب داود (‪.)361/2‬‬


‫الصليلة (‪.)258/1‬‬ ‫السرية النَّبوية َّ‬ ‫(‪ )6‬انظر ِ‬
‫(‪ )7‬اَّصدر السابق نفست (‪.)259/1‬‬
‫الصليلة (‪.)259/1‬‬ ‫(‪ )8‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪496‬‬
‫ِ‬
‫األنصارأ‪ ،‬و ريهم(‪.)1‬‬ ‫بن النُّعمان‬

‫الصلابة يم‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم و َّ‬
‫الصفَّة‪ ،‬ورعاية الن ِ‬
‫‪ - 2‬نفقة أهل ُّ‬
‫صـفَّة بنفســت‪ ،‬فيايورهم‪ ،‬ويتفقَّد أحوا شيم‪ ،‬ويعود‬ ‫يتعهد أهل ال ُّ‬‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬ ‫كان الن ُّ‬
‫ويوجههم إىل‬ ‫مر ـ ــاهم‪ ،‬كما كان يكثر جمالسـ ــتهم‪ ،‬ويرشـ ــدهم‪ ،‬ويوا ـ ــيهم‪ ،‬ويذكِرهم‪ ،‬ويعلِمهم‪ِ ،‬‬
‫قراءة القرآن الكر ‪ ،‬ومدار ـ ـ ــتت‪ِ ،‬‬
‫وذ ْك ِر هللا‪ ،‬والتَّطلُّع إىل ا خرة(‪ ،)2‬وكان هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫ٍ‬
‫ومتنوعة منها‬ ‫يـؤِمن نفقتهم بو ائل ِ‬
‫متعددةٍ‪،‬‬ ‫ش‬
‫‪« - 1‬إذا أتتت هللال هللا عليت و لم هللادقة بعث هبا إليهم‪ ،‬و يتناول منها شيئاً‪ ،‬وإذا أتتت‬
‫[البخاري (‪. ])6452‬‬ ‫هديَّة‪ ،‬أر ل إليهم‪ ،‬وأهللااب منها‪ ،‬وأشركهم فيها»‬

‫‪ - 2‬كثرياً ما كان يدعوهم إىل تناول الطَّعام يف إحد ح رات َّأمهات اَّؤمن ر ـ ــي هللا‬
‫الرحن بن أيب بك ٍر‬
‫عنهن‪ ،‬و يكن ي فل عنهم مطلقاً بل كانت حالتهم ماثلةً أمامت فعن عبد َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قال‬ ‫الصفَّة كانوا أان اً فقراء‪َّ ،‬‬
‫وإن الن َّ‬ ‫ر ي هللا عنهما قال َّ‬
‫إن أهللالاب ُّ‬
‫مرةً «من كــان عنــده طعــام اثن فليــذه ـ بثــالــث‪ ،‬ومن كــان عنــده طعــام أربعــة فليــذه ـ‬
‫َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬ ‫ٍ‬ ‫ادس ‪ -‬أو كما قال ‪َّ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وإن أاب بكر جاء بثالثة‪ ،‬وانطلق الن ُّ‬ ‫امس‪ ،‬أو‬
‫فارأ‪ ،‬قال «كان أيب‬ ‫بع ـ ـ ــرةٍ» [البخاري (‪ )3581‬ومسـ ــلم (‪ .])2057‬وعن يعيش بن طهفة بن قيس ال ِ‬
‫ابلرجل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الرجل ينقل‬
‫ص ـفَّة‪ ،‬فأمر ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم هبم‪ ،‬ف عل َّ‬
‫من أهللا ــلاب ال ُّ‬
‫حض بقيت خامس طسة‪ ،‬فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «انطلقوا»‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ابلرجل‬
‫الرجل َّ‬
‫و َّ‬
‫[أمحد (‪ )430 - 429/4‬والطيالسي (‪. ])1339‬‬ ‫فانطلقنا معت إىل بيت عائ ة»‪.‬‬
‫‪ - 3‬وكان هللاــل هللا عليت و ــلم يطل من النَّاس أن ِ‬
‫يوجهوا هللاــدقاهتم إليهم فقد جاء يف‬
‫اَّسند َّ‬
‫أن فاطمة ل َّـما ولدت احلسن طل منها هللال هللا عليت و لم أن حتلق رأ ت‪ ،‬وتتصدَّق‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)259/1‬‬


‫الصليلة (‪.)266/1‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪497‬‬
‫[أمحد (‪. ])391 - 390/6‬‬ ‫الصفَّة‪.‬‬
‫بوزن شعره من فضَّة‪ ،‬عل أهل ُّ‬
‫ريها اَّا يطل منت فقد أل‬ ‫‪ - 4‬وقد كان هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ِ‬
‫يقدم حاجتهم عل‬
‫مرةً‪ ،‬فأتتت فاطمة ر ــي هللا عنها تســألت خادماً‪ ،‬فكان جوابت ‪ -‬كما يف اَّســند عند المام‬
‫ب شسـ ٍْب َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فَّة تطْو بطو‪،‬م من اجلوي‪ ،‬ح أجد ما أنفق‬
‫أحد ‪« -‬وهللا! ح أعطيكما‪ ،‬و شأدي أهل ال ُّ‬
‫[البخاري (‪. ])3113‬‬ ‫أشا‪،‬م»‬
‫عليهم ولكن أبيعهم‪ ،‬وأنفق عليهم ش‬
‫الصفَّة(‪ ،)1‬ف علوا‬
‫الصلابة ابلتَّصدُّق عل أهل ُّ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫‪ - 5‬وقد أوهللا الن ُّ‬
‫يشصــلو‪،‬م مبا ا ــتطاعوا ِم ْن خ ٍري [احللية (‪ ،])340/1‬فكان أ نياء ال َّ‬
‫ص ـلابة يبعثون ابلطَّعام إليهم [احللية‬

‫(‪.])378/1‬‬

‫‪ - 3‬انقطاعهم للعلم‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واجلهاد‬

‫الايهد‪ ،‬فكانوا يف خلواهتم‬


‫ص ـ ـفَّة يعتكفون يف اَّس ـ ـ د للعبادة‪ ،‬ورلفون الفقر‪ ،‬و ُّ‬
‫كان أهل ال ُّ‬
‫يصـ ـ ـ ـلُّون ويقريون القرآن‪ ،‬ويتدار ـ ـ ــون آَيتت‪ ،‬ويذكرون هللا تعاىل‪ ،‬ويتعلَّم بعض ـ ـ ــهم الكتابة‪ ،‬ح َّض‬
‫صـ ـامت ر ــي هللا عنت ألنَّت كان يعلمهم القرآن‪ ،‬والكتابة(‪.)2‬‬
‫أهد أحدهم قو ش ـ ـت لعبادة بن ال َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم مثل أيب هريرة ر ي هللا‬
‫واشتهر بعضهم ابلعلم‪ ،‬وحفم احلديث عن الن ِ‬
‫عنت‪ ،‬الَّذأ ع ِر بكثرة حتديثت‪ ،‬وح شذيفة بن اليمان‪ ،‬الذأ اهتم أبحاديث الفنت‪.‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـفة ي ـ ـ ـ ــاركون يف اجلهاد بل كان منهم ال ُّ ـ ـ ـ ـهداء ببد ٍر مثل هللاـ ـ ـ ــفوان ابن‬
‫وكان أهل ال ُّ‬
‫بيضـ ـ ــاء‪ ،‬وخر بن فاتك األ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـدأ‪ ،‬وخبي بن يسـ ـ ــا ‪ ،‬و ـ ـ ــا بن عمري‪ ،‬وحارثة بن النُّعمان‬
‫ـارأ(‪ ،)3‬ومنهم من ا ــت ــهد ٍ‬
‫أبحد مثل حنظلة ال ســيل [احللية (‪ ،])357/1‬ومنهم من شــهد‬ ‫األنصـ ِ‬
‫احلديبية مثل جرهد بن خويلد [احللية (‪ ،])353/1‬وأبو ـ ـ ـ ـ ـ ــر ة ال فارأ [احللية (‪ ،])355/1‬ومنهم من‬

‫الصليلة (‪.)267/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬نن أيب داود (‪ ، )237/2‬وابن ماجت (‪.)730/2‬‬
‫الصليلة (‪.)264/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪498‬‬
‫ا ـ ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ـ ــهد يرب مثل ثقيف بن عمرو(‪ ،)1‬ومنهم من ا ـ ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ـ ــهد بتبوك مثل عبد هللا (ذو‬
‫البِ شادين)(‪ ،)2‬ومنهم من ا ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ــهد ابليمامة مثل ـ ـ ـ ــا موىل أيب حذيفة‪ ،‬وزيد بن اخلطاب‪،‬‬
‫فكانوا رهباانً ابللَّيل‪ ،‬فـ ْر اانً يف النَّهار(‪.)3‬‬

‫الصفَّة ر بةً منهم ح ا طراراً كأيب هريرة ر ي‬


‫الصلابة قد اختاروا اَّكوث يف ُّ‬
‫وكان بعض َّ‬
‫ض ما فاتت من العلم‪ ،‬واخلري‬ ‫هللا عنت‪ ،‬فقد أح َّ أن يالزم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ِ ،‬‬
‫ويعو ش‬
‫‪ -‬فقد جاء إىل اَّدينة بعد فت خيرب يف العام ال َّس ـابع ‪ -‬وحرص عل مساي أكرب قد ٍر اك ٍن من‬
‫حديثت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬ومعرفة أحوالت‪ ،‬وتربُّكاً دمتت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وهذا ح‬
‫صـ ـ ـ ـ ـفة هي اَّكان‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فكانت ال ُّ‬
‫يتوافر لت إح إذا كان قريباً من بيت الن ِ‬
‫يؤمن لت ذلك‪ ،‬ولنستمع إليت يو ِ لنا ذلك‪ ،‬قال أبو هريرة ر ي هللا عنت «إنَّكم‬ ‫الوحيد الَّذأ ِ‬
‫إن أاب هريرة يكْثِر احلديث عن ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وتقولون ما ابل‬‫تقولون َّ‬
‫اَّهاجرين‪ ،‬واألنصـ ــار ح ش ِدثون عن ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مبثل حديث أيب هريرة؟!‬
‫ص ـ ْفق ابأل ـواق‪ ،‬وكنت ألايم ر ــول هللا هللاــل هللا عليت‬ ‫و َّ‬
‫إن إخول من اَّهاجرين كان يش ـ شلهم ال َّ‬
‫و ـ ــلم عل ملء بط ‪ ،‬فأشـ ــهد إذا ابوا‪ ،‬وأحفم إذا نشس ـ ـوا‪ ،‬وكان يش ْ ـ ـ شل إخول من األنصـ ــار‬
‫[البخاري (‪ )2047‬ومســلم‬ ‫عمل أموايم‪ ،‬وكنت امرأً مســكيناً من مســاك ال ُّ‬
‫ص ـفَّة‪ ،‬أعي ح يشـْن شس ـون»‬
‫(‪. ])2492‬‬

‫وهكذا يو ِ ر ي هللا عنت أنت فعل ذلك ر بةً منت يف مالزمة الن ِ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‪،‬‬
‫إن أاب هريرة كان لت ـ ـ ـ ــكن يف اَّدينة‪ ،‬وهو اَّكان الَّذأ تس ـ ـ ـ ــكنت ُّأمت‪ ،‬والَّيت طل من الن ِ‬
‫َّب‬ ‫مثَّ َّ‬
‫[مسلم (‪ )2491‬وأمحد (‪. ])320/2‬‬ ‫هللال هللا عليت و لم أن يدعو يا ابيداية‪.‬‬

‫َّب هللا ـ ـ ــل‬ ‫إن أاب هريرة ر ـ ـ ــي هللا عنت يكن فقرياً معدماً‪ ،‬ففي َّأول ٍ‬
‫يوم قدم فيت عل الن ِ‬ ‫مثَّ َّ‬
‫ْ‬

‫الصليلة (‪.)264/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫السابق نفست‪.‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪499‬‬
‫هللا عليت و لم يف خيرب أ هم لت هللال هللا عليت و لم من ال نيمة‪ ،‬كما أنَّت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدم كان معت‬
‫وإذاً فالَّذأ أفقره هو إيثاره مالزمة الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا‬ ‫(‪)1‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـلي ‪-‬‬
‫عبد خيدمت ‪ -‬كما ورد يف ال َّ‬
‫الصفَّة لو أراد(‪.)2‬‬
‫عليت و لم ‪ ،‬وا تماي أحاديثت‪ ،‬وكان يستطيع اح ت ناء عن ُّ‬

‫صـفَّة يكثرون‪ ،‬ويقلُّون حبسـ تبدُّل األحوال الَّيت حتيا أبهل ال ُّ‬
‫صـفَّة من عودة‬ ‫كان أهل ال ُّ‬
‫األهل‪ ،‬أو زو ٍاً‪ ،‬أو يس ٍر بعد ع ْسر‪ ،‬أو شهادةٍ يف بيل هللا‪.‬‬

‫ـرأ أ‪،‬م كــانوا‬


‫الايمل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫و يكن فقرهم لقعودهم عن العمــل‪ ،‬وكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫الرزق‪ ،‬فقــد ذكر َّ‬
‫ير ــهون النَّو ابلنَّهار‪ ،‬ويظهر َّأ‪،‬م كانوا ير ــهون النَّو ‪ -‬يكســرونت ‪ -‬لعلف اَّاشــية‪ ،‬وهم‬
‫ليسوا أهل ماشية‪ ،‬فهم إذاً يعملون لكس ِ‬
‫الرزق(‪.)3‬‬

‫‪ - 4‬عددهم وأمسايهم‬

‫كان عددهم خيتلف ابختال األوقات‪ ،‬فهم ياييدون إذا قدمت الوفود إىل اَّدينة‪ ،‬ويقلُّون‬
‫إذا قـ َّـل الطَّـارقون من ال رابء‪ ،‬عل َّ‬
‫أن عــدد اَّقيم منهم يف الظرو العــاديَّـة‪ ،‬كــان يف حــدود‬
‫حض َّ‬
‫إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعــد بن عبــادة كــان‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبع رجالً [احلليــة (‪ ،])341 ،339/1‬وقــد ياييــد عــددهم كثرياً َّ‬
‫الصلابة [احللية (‪. ])341/1‬‬ ‫يستضيف وحده شان منهم‪ ،‬فضالً عن ا خرين الَّذين يتوزَّعهم َّ‬
‫ص َّفة‪:‬‬
‫ومن أهل ال ي‬

‫‪ - 1‬أبو هريرة ر ي هللا عنت حيث نس نفست إليهم‪.‬‬


‫‪ - 2‬أبو ٍ‬
‫ذر ال فارأ ر ي هللا عنت حيث نس نفست إليهم‪.‬‬

‫‪ - 3‬واثلة بن األ قع ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫فارأ ر ي هللا عنت حيث نس نفست إليهم‪.‬‬


‫‪ - 4‬قيس بن طهفة ال ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة تربية َّأمة وبناء دولة ‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫اشدأ ‪ ،‬ل َّراب (‪.)222/1‬‬
‫الر َّ‬
‫انظر اَّدينة النَّبوية ف ر ال الم والعصر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪500‬‬
‫األنصارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 5‬كع بن ٍ‬
‫مالك‬

‫اجلملي ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ - 6‬عيد بن عامر بن حذ‬

‫‪ - 7‬لمان الفار ُّي ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫لمي ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 8‬أمساء بن حارثة بن عيد األ ُّ‬
‫األنصارأ « سيل اَّالئكة» ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 9‬حنظلة بن أيب عامر‬
‫‪ - 10‬حازم بن حرملة ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫األنصارأ النَّ ُّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 11‬حارثة بن النُّعمان‬
‫األنصارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 12‬ح شذيفة بن أش ِ يد أبو ر ة‬
‫‪ - 13‬ح شذيفة بن اليمان ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 14‬جارية بن حشيل بن ن ش بشة بن قـ ْر ٍط ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫رأ ر ي هللا عنت‪.‬‬ ‫َّم ُّ‬
‫‪ - 15‬ج شعْيل بن راقة الض َّ‬
‫دأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 16‬شج ْرشهد بن خويلد األ ُّ‬
‫األنصارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 17‬رفاعة أبو لبابة‬
‫‪ - 18‬عبد هللا ذو البِ ش شادين ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫اخلثعمي ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 19‬دك بن عيد اَّايينُّ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ - 20‬خبشـْي بن يسا بن ِعنشبة ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫الطائي ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 21‬خر بن أوس‬
‫دأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 22‬خر بن فاتك األ ُّ‬
‫همي ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫الس ُّ‬
‫‪ - 23‬خنيس بن حذافة َّ‬
‫‪ - 24‬خبَّاب بن ِ‬
‫األرت ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّماس ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 25‬احلكم بن عمري الث ُّ‬

‫‪501‬‬
‫العنربأ ر ي هللا عنت(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 26‬حرملة بن أَيس‪ ،‬وقيل حرملة بن عبد هللا‬
‫‪ - 27‬زيد بن اخلطَّاب ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسعود ر ي هللا عنت‪.‬‬ ‫‪ - 28‬عبد هللا بن‬
‫‪ - 29‬الطَّ ُّ‬
‫فاوأ الدَّو ُّي ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫َّضرأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫‪ - 30‬طللة بن عمرو الن ُّ‬
‫الفهرأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 31‬هللافوان بن بيضاء‬

‫ومي ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫الر ُّ‬
‫‪ - 32‬هللاهي بن نان ُّ‬
‫‪ - 33‬شدَّاد بن أ يد ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬


‫‪ - 34‬شقرآن ر ي هللا عنت موىل الن ِ‬

‫السائ بن خالَّد ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫‪َّ - 35‬‬
‫‪ - 36‬ا بن عمري من األوس من ب ثعلبة بن عمرو بن عو ٍ ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫عي ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫‪ - 37‬ا بن عبيد األش ُّ‬
‫‪ - 38‬ا موىل أيب حذيفة ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬


‫‪ - 39‬فينة ر ي هللا عنت موىل الن ِ‬

‫‪ - 40‬أبو رزين ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫‪ - 41‬األ ُّر اَّايينُّ ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫‪ - 42‬بالل بن راب ٍ ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫األنصارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ - 43‬الرباء بن ٍ‬
‫مالك‬

‫الصليلة (‪.)262/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪502‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫‪ - 44‬ثوابن ر ي هللا عنت موىل الن ِ‬

‫األنصارأ ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ - 45‬اثبت بن وديعة‬

‫دأ ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫‪ - 46‬ثـش ْقف بن عمرو بن مسيا األ ُّ‬
‫اخلدرأ ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مالك أبو ٍ‬
‫عيد‬ ‫‪ - 47‬عد بن ٍ‬

‫‪ - 48‬العِرابض بن ارية ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫األزدأ ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫‪ - 49‬ششرفشة‬

‫الرحن بن قـ ْر ٍط ر ي هللا عنت‪.‬‬


‫‪ - 50‬عبد َّ‬
‫فارأ(‪ )1‬ر ي هللا عنهم أ ع ‪ ،‬و ريهم من َّ‬
‫الصلابة الكرام‪.‬‬ ‫‪ - 51‬عبادة بن خالد ال ُّ‬
‫وقد وقع بعض الباحث يف خطأ فاد ٍ ح ا ـ َّ‬
‫ـتدل بعض ــهم عل م ــروعيَّة مس ــلك بعض‬
‫اَّنلرف من اَّتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـوفة‪ ،‬من حيث ترك العمل‪ ،‬والخالد إىل َّ‬
‫الراحة‪ ،‬والكسـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬واَّكوث يف‬
‫(‪)2‬‬
‫ص ـ ـفَّة‬
‫فَن أاب هريرة ‪ -‬وهو أكثر ارتباطاً ابل ُّ‬ ‫ص ـ ـفَّة‬
‫الايواَي‪ ،‬والتكاَي حب َّ ة احقتداء حبال أهل ال ُّ‬
‫َّ‬
‫ـتمر فيها‪ ،‬وخرً إىل احلياة بل أهللا ـ ـ ــب أمرياً يف بعض َّأَيمت عل البلرين‪ ،‬يف‬
‫من ريه ‪ -‬يس ـ ـ ـ َّ‬
‫صـ ـفَّة كانوا من اااهدين‬ ‫بل َّ‬
‫إن أهل ال ُّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫عهد عمر بن اخلطَّاب‪ ،‬و يكن مل ــوش ــناً يف حياتت‬
‫يف بيل هللا يف احات القتال‪ ،‬وقد ا ت هد بعضهم كما ذكرت‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬فوائد ودروس وعرب‪:‬‬


‫‪ - 1‬اَّس د من ِ‬
‫أهم الركائاي يف بناء ااتمع‬

‫أن ااتمع اَّس ـ ـ ــلم َّإجا‬


‫ـالمي ذلك َّ‬
‫الركائاي يف بناء ااتمع ال ـ ـ ـ ِ‬ ‫إن إقامة اَّس ـ ـ ــاجد من ِ‬
‫أهم َّ‬ ‫َّ‬

‫الصليلة (‪.)263/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫السرية النَّبويَّة تربية َّأم ٍة وبناء دو ٍلة ‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪503‬‬
‫الر ــو ‪ ،‬والتَّما ــك ابلتايام نظام ال ــالم‪ ،‬وعقيدتت‪ ،‬وآدابت‪َّ ،‬‬
‫وإجا ينبع ذلك من‬ ‫يكتس ـ هللاــفة ُّ‬
‫رو اَّس د‪ ،‬ووحيت(‪.)1‬‬

‫وم فِ ِيت‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫قال تعاىل ﴿حش تشـقم فِ ِيت أشب ًدا لشمس ـ ـ ـ ِ د أ ِ‬
‫شح ُّق أش ْن تشـق ش‬
‫س شعلش التَّـ ْق شو م ْن أ َّشول يشـ ْوم أ ش‬
‫ش‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ْ ش شْ‬
‫وت أ ِشذ شن‬
‫﴿يف بـي ٍ‬ ‫اَّلل ِ ـ ُّ الْمطَّ ِه ِرين ﴾ [التوبة‪ ،]108 :‬وقــال تعــاىل ِ‬
‫ش‬ ‫فِيـ ِـت ِر شجـال ِ بُّو شن أش ْن يشـتشطش َّهروا شو َّ‬
‫هللاـ ِال ۝ ِر شجال حش تـ ْل ِهي ِه ْم ِدش شارة شوحش بشـْيع‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أش ْن تـ ْرفش شع شوي ْذ شكشر فِ شيها ْ‬
‫امست ي شسـبِ لشت ف شيها ِابلْ د ِو شوا ش‬ ‫َّ‬
‫ص ـار ۝ لِيش ْ ِاييشـهم‬ ‫ِِ‬ ‫ص ـالشةِ وإِيت ِاء َّ ِ‬ ‫عن ِذ ْك ِر َِّ‬
‫الايشكاة شخيشافو شن يشـ ْوًما تشـتشـ شقلَّ فيت الْقلوب شواألشبْ ش‬ ‫اَّلل شوإِقش ِام ال َّ ش ش‬ ‫شْ‬
‫اَّلل يـرزق من ي ش اء بِ ش ِْري ِحس ٍ‬ ‫يدهم ِمن فش ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ﴾ [النور‪. ]38 - 36 :‬‬ ‫ش‬ ‫ضلت شو َّ ش ْ ش ْ ش‬ ‫شح شس شن شما شعملوا شويشِاي ش ْ ْ‬ ‫اَّلل أ ْ‬
‫َّ‬
‫‪ - 2‬اَّس د رماي ل موليَّة ال الم‬

‫‪ - 1‬حيث «أن ـ ـ ـ ـ ــئ ليكون متعبَّداً لصـ ـ ـ ـ ــالة اَّؤمن ‪ ،‬وذكرهم هلل تعاىل‪ ،‬وتسـ ـ ـ ـ ــبيلهم لت‪،‬‬
‫كل مسل ٍم‪ ،‬ويقيم فيت هللاالتت‪ ،‬وعبادتت‪،‬‬
‫وتقديسهم َّإَيه حبمده‪ ،‬وشكره عل نعمت عليهم‪ ،‬يدخلت ُّ‬
‫حق حرمتت»(‪.)2‬‬ ‫يضاره أحد ما دام حافظاً لقدا تت‪ِ ،‬‬
‫ومؤدَيً َّ‬ ‫وح ُّ‬
‫‪ - 2‬كما «أن ـ ـ ــئ اَّس ـ ـ ـ د ليكون ملتق ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أبهللاـ ـ ــلابت‪،‬‬
‫والوافدين عليت طلباً للهداية‪ ،‬ور بةً يف الميان بدعوتت وتصديق ر التت»(‪.)1‬‬

‫العقلية‪ ،‬والتَّناي َّلية‪ ،‬الَّيت‬


‫الكونية‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬ ‫‪« - 3‬وهو قد أن ـ ـ ـ ـ ـ ــئ ليكون جامعةً للعلوم‪ ،‬واَّعار‬
‫حث القرآن الكر عل النَّظر فيها‪ ،‬وليكون مدر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً يتدارس فيها اَّؤمنون أفكارهم‪ ،‬وشرات‬ ‫َّ‬
‫ـوب ليتفقهوا يف الـ ِـدين‪ ،‬ويرجعوا إىل قومهم‬
‫عقويم‪ ،‬ومعهــداً يـؤُّم ـت طالب العلم من كـ ِـل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ش‬
‫جيل»(‪.)1‬‬ ‫مب ِ رين‪ ،‬ومنذرين‪ ،‬داع إىل هللا هادين‪ ،‬يتوارثو‪،‬ا جيالً بعد ٍ‬
‫تكدره منَّة ٍ‬
‫أحد‬ ‫‪ - 4‬وهو «قد أن ــئ لي د فيت ال ري مأو ‪ ،‬وابن ال َّس ـ ـبيل مس ــتقراً‪ ،‬ح ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫عليت‪ ،‬فينهل من ِرفْده‪ ،‬ويع ُّ من هدايتت ما أطاق ا ــتعداده النَّفس ـ ُّـي‪ ،‬و ُّ‬
‫العقلي‪ ،‬ح يص ــدُّه أحد‬

‫(‪ )1‬انظر فقت السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.203‬‬


‫َّمد الصادق عرجون (‪.)33/3‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫‪504‬‬
‫هرً في ــت‪ ،‬وبرزت بطولت ـت ب‬ ‫عن عل ٍم‪ ،‬أو معرف ـ ٍـة‪ ،‬أو ٍ‬
‫لون من ألوان اي ــداي ــة‪ ،‬فكم من ق ــائ ــد َّ‬
‫جدرانت! وكم من عاٍ ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتبلر علمت يف رحابت‪ ،‬مثَّ خرً بت عل النَّاس يروأ ظمأهم للمعرفة!‬
‫داي إىل هللا َّ‬
‫تلق يف ــاحاتت دروس الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬فكان أ ــوة الدُّعاة‪ ،‬وقدوة ايداة‪،‬‬ ‫وكم من ٍ‬
‫القلوب شش شذاها‪ ،‬فاُفلت إليها أتخذ عنها ايداية لتستضيء أبنوارها!‬
‫ش‬ ‫ب‬
‫ور انةً شج شذ ش‬
‫ـلاب‬ ‫جلف ح ِ‬ ‫ايب ٍ‬ ‫وكم من أعر ٍ‬
‫يفرق ب األحر‪ ،‬واألهللاـ ـ ـ ـ ــفر وفد عليت‪ ،‬فدخلت‪ ،‬ورأ أهللاـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫كأن عل ريو ــهم الطَّري‪،‬‬‫حتف بت‪ ،‬يس ــمعون منت و َّ‬ ‫ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم حولت هالةً ُّ‬
‫فس ـ ـ ــمع معهم‪ ،‬وكانت عنده نعمة العقل ملبَّأةً حتت ـ ـ ــتار اجلهالة‪ ،‬فانك ـ ـ ــف لت طاء عقلت‪،‬‬
‫فعقل‪ ،‬وفشِقتش‪ ،‬واهتد ‪ ،‬وا تضاء‪ ،‬مثَّ عاد إىل قومـ ـ ـ ـ ــت إماماً يدعوهم إىل هللا‪ ،‬ويربِيهم بعلمت الَّذأ‬
‫علم‪ ،‬و لوكـ ــت الَّذأ لك‪ ،‬فآمنوا بدعوتت‪ ،‬واهتدوا هبديـ ــت‪ ،‬فكانوا طراً منرياً يف كتـ ــاب التَّاري‬
‫المي!»(‪.)1‬‬
‫ال ِ‬

‫‪ - 5‬وهو «قد أن ئ ليكون قلع ـةً حجتماي اااهدين إذا ا تنفروا‪ ،‬تعقد في ــت ألوي ــة اجلهاد‪،‬‬
‫للتوجـ ــت إىل مواقع األحداث‪ ،‬ويف ظلِها‬‫الرآَيت‪ُّ ،‬‬‫والدَّعوة إىل هللا‪ ،‬وهفق فيـ ــت فوق ريوس القادة َّ‬
‫يقف جند هللا يف ن وة ترقُّ النَّصر‪ ،‬أو ال َّهادة»(‪.)1‬‬

‫‪ - 6‬وهو «قد أن ـ ـ ـ ـ ــئ لي د فيت ااتمع اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم اجلديد ركناً يف زواَيه‪ ،‬ليكون م ـ ـ ـ ـ ــف ً‬
‫نب هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم من عيادهتم‪ ،‬والنَّظر‬ ‫يس ــت ــفي فيت جرح كتائ اجلهاد ليتمكن ُّ‬
‫ص ٍ تقديراً لفضلهم»(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫يف أحوايم‪ ،‬واح تطباب يم‪ ،‬ومداواهتم يف ري م قَّة‪ ،‬وح نش ش‬
‫‪« - 7‬وهو قد أن ئ ليكون مركاياً لربيد ال الم منت تصدر األخبار‪ ،‬وي ْ شربد الربيد‪ ،‬وتصدر‬
‫تلق ا نب ـاء ِ‬
‫السيا يَّـة لماً‪ ،‬أو حرب ـاً‪ ،‬وفيت تتلق وتقرأ ر ائل الب ائر ابلنَّصر‪،‬‬ ‫الر ائ ـل‪ ،‬وفيت ت َّ‬
‫َّ‬
‫ور ائل طل اَّ ــدد‪ ،‬وفي ــت ينع اَّست هدون يف معارك اجلهاد ليتأ َّ هبم اَّتأ ُّ ون‪ ،‬وليتنافس‬
‫يف احقتداء هبم اَّتنافسون»(‪.)1‬‬

‫الصادق عرجون (‪.)35 ، 34/3‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫‪505‬‬
‫يتعر منت عل حركات العدو اَّريبة‪،‬‬ ‫‪« - 8‬وهو قد أن ئ ليكون مرقباً للم تمع اَّسلم َّ‬
‫ويراقبها‪ ،‬وح ـ ـ ـيَّما األعداء الَّذين معت يس ـ ــاكنونت‪ ،‬وخيالطونت يف بلده من شـ ـ ـراذم اليهود‪ ،‬وزشمر‬
‫اَّنافق ‪ ،‬ونفاَيت الوثنيَّة‪ ،‬الذين ان مسـ ـوا يف ال ِ ـ ـرك‪ ،‬فلم ي كوه‪ ،‬ليت نَّ ااتمع اَّس ــلم عاقبة‬
‫درهم‪ ،‬وخياانهتم»(‪.)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كيدهم‪ ،‬و وء مكرهم‪ ،‬وتدبريهم‪ ،‬ورمن م شبَّةش‬
‫َّبوأ «بدأ بتأ يست وبنائت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّأول ما بدأ من ٍ‬
‫عمل‬ ‫فاَّس د الن ُّ‬
‫يف مسـ ـ ـ ِ‬
‫ـتقره‪ ،‬ودار ه رتت يف مطلع مقدمت ليكون جوذجاً ت شذ بت يف بسـ ـ ــاطة اَّظهر‪ ،‬وعمق‬
‫أعمها ِ‬
‫أبقل النفقات‪ ،‬وأيسر اَّ قَّات»(‪.)3‬‬ ‫اَّهرب ِ‬
‫ليلقق بت أعظم األهدا ‪ ،‬و َّ‬
‫‪ - 3‬ال َّ بية ابلقدوة العمليَّة‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ش ـ ــارك أهللا ـ ــلابت العمل‪ ،‬والبناء‪ ،‬فكان‬ ‫من احلقائق الثَّابتة َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫كأأ و ٍ‬
‫احد منهم‪ ،‬فكان‬ ‫مل احل ارة‪ ،‬وينقل اللَّب عل هللا ـ ـ ـ ـ ــدره‪ ،‬وكتفيت‪ ،‬و فر األرض بيديت ِ‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيِـد‬ ‫ٍ‬
‫ومقود‪ ،‬أو ب‬ ‫ومريوس‪ ،‬أو ب قــائـ ٍـد‬
‫ٍ‬ ‫يفرق ب ر ٍ‬
‫ئيس‬ ‫مثــال احلــاكم العــادل‪ ،‬الَّـذأ ح ِ‬
‫فالكل ـ ـ ـوا ـ ــية أمام هللا‪ ،‬ح فرق ب مس ـ ــل ٍم وآخر إح ابلتَّقو ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ـود‪ ،‬أو ب ٍ ‪ ،‬وفق ٍري‬ ‫ومس ـ ـ ٍ‬

‫شيء‪ ،‬والفضل فيت يكون لصاح العطاء يف العمل‬ ‫كل ٍ‬ ‫ذلك هو ال الم عدالة‪ ،‬ومساواة يف ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ك ريه من‬
‫العامة‪ ،‬وهب ــذا الفضل ثواب من هللا‪ ،‬و َّ‬
‫اجلماعي للمصللة َّ‬
‫ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف عملية‬
‫فقد كانت م اركة الن ِ‬ ‫اَّسلم ‪ ،‬ح يطل إح ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـواب هللا‬
‫ض ـربة األوىل‬‫يرأ فقا‪ ،‬وليس ابل َّ‬ ‫ككل العمال الَّذين شــاركوا فيت‪ ،‬وليس بِشقطْ ِع ال َّ ـريا احلر ِ‬ ‫البناء ِ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫ش اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون من الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ابلفأس فقا بل اص بعملية البناء كاملةً‪ ،‬وقد ده ش‬
‫ض ـري ر ــي هللا عنت ليلمل عن ر ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫و ــلم وقد شعلشْتت ش شربة‪ ،‬فتقدَّم أ ش ـيد بن ح ش‬
‫قر إىل‬
‫عليت و لم ‪ ،‬فقال َي ر ول هللا! أعطنيت! فقال «اذه فاحتمل ريه فَنَّك لست أبف ش‬

‫شيء عاقبتت ‪ ،‬واخره‪.‬‬ ‫كل ٍ‬‫(‪ )1‬اَّ شبَّة من ِ‬


‫الصادق عرجون (‪.)36/3‬‬
‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫الصادق عرجون (‪.)33/3‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬مد َّ‬
‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫العسكرأ ‪ ،‬د‪ .‬علي معطي ‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫ُّ‬ ‫السيا ُّي و‬‫(‪ )4‬انظر التَّاري ِ‬
‫‪506‬‬
‫هللا م ِ » ‪ ،‬وقد مسع اَّســلمون ما يقول الن ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم لصــاحبت‪ ،‬فازدادوا ن ــاطاً‪،‬‬
‫واندفاعاً يف العمل(‪.)2‬‬

‫الايعمــاء‪ ،‬واحل َّكـام قــد‬


‫إنـَّت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــد فريــد من نوعــت‪ ،‬وح مثيــل لــت يف دنيــا النـَّاس‪ ،‬وإذا كــان ُّ‬
‫يقدمون عل اَّ ـ ـ ـ ــاركة أحياانً ابلعمل لتكون شـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ــات التِلفاييون جاهايًة لنقل أعمايم‪ ،‬وَت‬
‫َّب هللال هللا‬ ‫ِ‬
‫الصلف‪ ،‬وو ائل العالم كلها‪ ،‬ابحلديث عن أخالقهم‪ ،‬وتوا عهم فالن ُّ‬ ‫الدُّنيا يف ُّ‬
‫أحد أفراد اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ويبِ لت أنَّت أفقر إىل هللا تعاىل‪ ،‬وأحرص عل‬
‫عليت و ـ ـ ـ ــلم ينازي احل شر ش‬
‫ثوابت منت‪.‬‬

‫الصلابة الكرام تفاعالً عظيماً يف البناء‪ ،‬وأن دوا هذا البيت‬


‫وقد تفاعل َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّـ ـل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لشـ ـئ ـ ـ ْن قشـ ـ ـ شعـ ـ ـ ـ ْد شان وال ـ ـنَّ ـ ـِ ُّ‬
‫( ‪)3‬‬
‫الع شم ـ ـل اَّ ش‬
‫فشـ ـ شذ شاك منَّـ ـا ش‬ ‫ب يشـ ـ ـ ْع ـ ـ شمـ ـ ـ ـل‬
‫اَّنمق‪َّ ،‬إجا ُّ‬
‫تتم من‬ ‫إن هذه ال َّ بية العمليَّة ح تشتِ ُّم من خالل اَّوعظة‪ ،‬وح من خالل الكالم َّ‬ ‫َّ‬
‫رب العاَّ ‪ ،‬والَّيت ما كان ميكن أن َّ‬
‫تتم يف‬ ‫احلي الدَّيوب‪ ،‬والقدوةِ اَّصـ ـ ـ ـ ـ ـطفاة من ِ‬ ‫خالل العمل ِ‬
‫مكة‪ ،‬واَّالحقة‪ ،‬واح ـطهاد‪ ،‬واَّطاردة فيها‪َّ ،‬إجا تشتِ ُّم يف هذا ااتمع اجلديد‪ ،‬و َّ‬
‫الدولة الَّيت‬ ‫أجواء َّ‬
‫الصلابة الكرام كلُّت هللاواتً واحداً‪ ،‬وقلباً واحداً‪ ،‬فمض يهتف‬ ‫كأجا دا هذا اجلمع من َّ‬‫تبىن‪ ،‬و َّ‬
‫ف ـ ــانْص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر األنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار واَّهـ ـ ـ ِ‬
‫اجشرْه‬ ‫ش شع ـْي ـش ا خـ ْـره‬ ‫ال ـلَّ ـه ـ َّم َّ‬
‫ش ش‬ ‫إن ال ـ شع ـْي ـ ش‬
‫ويهتف بلل ٍن و ٍ‬
‫احد‬

‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّ ـ ـ ـل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فشـ ـ ـ ـ شذ شاك م ـنَّ ـ ـ ـا ال ـ شع ـ شمـ ـ ـ ـل اَّ ش‬ ‫لشـ ـ ـئـ ـ ـ ْن قش ـ ـ ـ شعـ ـ ـ ـ ْد شان والـ ـ ـنَّـ ـ ـِ ُّ‬
‫ب يشـ ـ ـ ْعـ ـ ـ شمـ ـ ـ ـل‬
‫وكان ايتا الثَّالث‬

‫شبر لِشربِنشا وأطْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـه ْر‬


‫شهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شذا أ ُّ‬ ‫شهـ ـ ـ ـ ِذأ احلِـ شمـ ـ ـ ـال حش ِحشـ ـ ـ ـال شخـْيـ شْرب‬
‫[البخاري (‪. )4(])3906‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬ألم دويدار ‪ ،‬ص ‪.261‬‬


‫هللاور من حياة َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫العسكرأ ‪ ،‬د‪ .‬علي معطي ‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫ُّ‬ ‫التَّاري ِ‬
‫السيا ُّي و‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )496/1‬وفت البارأ ‪ ،‬وشر حديث رقم (‪.)3906‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫البهارأ ‪ ،‬حديث رقم (‪ )3906‬وشرحت يف فت البارأ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ال َّ بية القياديَّة (‪ ، )249/2‬و‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪507‬‬
‫الايبيـ من خيرب إىل اَّـدينـة كـان لـت مكـانـةً عظيمـةً يف ااتمع اَّ ِ‬
‫ـدين لكنـَّت‬ ‫فل ْمـل التَّمر‪ ،‬و َّ‬
‫ش‬
‫﴿ما‬ ‫أهللا ـ ـ ـ ـ ــب ح ي ْذ شكر أمام حل الطُّوب لبناء اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ د الن ِ‬
‫َّبوأ العظيم‪ ،‬فقد أيقنوا بقولت تعاىل ش‬
‫ق﴾ [النحل‪. ]96 :‬‬‫اَّللِ اب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عْن شدك ْم يشـْنـ شفد شوشما عْن شد َّ ش‬
‫الرابع‬
‫و َّأما ايتا َّ‬
‫يـش ـ ـ ـ ْدأشب ِفْيـ شهـ ـ ـ ـا قش ـ ـ ـائِم ـ ـ ـاً وقش ـ ـ ـا ِعـ ـ ـ ـدا‬ ‫حش يس ـ ـ ـ ـ ـ ـتوأ من يـعمر اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫اج شدا‬ ‫ش ْ ش ش ْ شْ ش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوشم ْن يـشر شع ِن ال بشـ ـ ـ ـار شحـ ـ ـ ـائـ ـ ـ ـ شدا‬
‫[فتح الباري (‪ )314/7‬وابن هشام (‪. )1(])142/2‬‬

‫‪ - 4‬احهتمام ابخلربة واحختصاص‬

‫احلنفي‪ ،‬قـال بنيـت‬


‫ِ‬ ‫ـامي‬
‫علي اليم ِ‬
‫أخرً المـام أحـد جممع الايوائـد (‪ ])9/2‬عن طشْلق بن ٍ‬
‫قربوا اليمامي من ِ‬
‫الط فَنَّت‬ ‫اَّسـ ـ ـ ـ د مع ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬فكان يقول « ِ‬
‫َّ‬
‫أحسنكم لت مسيساً»‪ ،‬وأخرً المام أحد عن ٍ‬
‫طلق أيضاً الطرباين يف الكبري (‪ )8254‬وجممع‬
‫الايوائد (‪ ])9/2‬قال جئت إىل النَّب هللاــل هللا عليت و ــلم وأهللاــلابت يبنون اَّس ـ د‪ ،‬وكأنَّت‬
‫الط ‪ ،‬فكأنَّت أع بت‪ ،‬فقال «دعوا احلنفي و ِ‬
‫الط‬ ‫يع بت عملهم‪ ،‬فأخذت اَّسلاة‪ ،‬فهلطت ِ‬
‫َّ‬
‫ـول هللا! أأنقل كما‬ ‫للط »‪ ،‬وأخرً ابن حبَّان عن ٍ‬
‫طلق‪ ،‬قال فقلت َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫فَنَّت أ ـ ـ ـ ـ ـ ــبطكم ِ‬
‫الط فأنت أعلم بت» [ابن حبان (‪. )2(])1122‬‬ ‫ينقلون؟ قال «ح‪ ،‬ولكن اخل ْا يم ِ‬

‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم هبذا الوافد اجلديد عل اَّدينة‪ ،‬والَّذأ يكن من‬
‫اهتم الن ُّ‬
‫فقد َّ‬
‫اَّسلم األوائل‪ ،‬ووظَّف خربتت يف خلا ِ‬
‫الط ‪ ،‬ويف َّقوة العمل‪ ،‬وهو درس للمسلم يف الثَّناء‬
‫أحوجنشا إىل‬
‫عل الكفاءات‪ ،‬واح ـ ـ ــتفادة منها‪ ،‬وإرش ـ ـ ــاد نبوأ كر يف كيفيَّة التعامل معها‪ ،‬وما ش‬
‫هذا الفهم العميق!(‪.)3‬‬

‫َّمد الصادق عرجون (‪.)15/3‬‬


‫(‪ )1‬انظر حم َّمد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫َّمد الصادق عرجون (‪.)15/3‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)252/2‬‬
‫‪508‬‬
‫‪ - 5‬شعار َّ‬
‫الدولة اَّسلمة‬

‫َّ‬
‫أن هللا‬ ‫ألول دو ٍلة إ ــالميَّة عاَّيَّ ٍة «هللا أكرب‪ ،‬هللا أكرب» إ َّ‪،‬ا تع‬
‫ص ـالة شــعار َّ‬ ‫َّ‬
‫إن أذان ال َّ‬
‫أكرب من أولئك الطُّ اة‪ ،‬وأكرب من هللاانعي العقبات‪ ،‬وهو ال ال عل أمره‪.‬‬
‫«أش ـ ــهد أن ح إلت إح هللا» أأ ح حاكمية‪ ،‬وح ـ ــيادة‪ ،‬وح ـ ــلطة‪ ،‬إح هلل ِ‬
‫رب العاَّ ‪،‬‬
‫احلكْم إِحَّ ََِّّللِ﴾‪ ،‬فمعىن ح إلت إح هللا ح حاكم‪ ،‬وح آمر‪ ،‬وح م ش ِري‪ ،‬إح هللا‪.‬‬
‫﴿إِ ِن ْ‬
‫أن حممداً ر ــول هللا» أ ـ ـلشمت هللا تعاىل القيادة‪ ،‬فليس ٍ‬
‫ألحد أن ينايعها منت‪ ،‬فهو‬ ‫«أش ــهد َّ‬
‫ْ ش‬
‫ماض هبا إىل أن يكمل هللا دينت مبا ينايلت عل ر ولت من قرآن‪ ،‬ومبا يلهمت َّإَيه من نَّة(‪ ،)1‬ويع‬‫ٍ‬
‫السمع والطَّاعة لت(‪.)2‬‬ ‫الايعامة ِ‬
‫الدينيَّة والدُّنيويَّة‪ ،‬و َّ‬ ‫احع ا لر ول هللا ِ‬
‫ابلر الة‪ ،‬و َّ‬
‫حي علـ ـ ـ ـ الفال » أقبل َي أيها النسان لالنضواء حتت لواء هذه‬
‫الصالة‪َّ ..‬‬
‫« شح َّي علـ ـ ـ ـ َّ‬
‫الدولة الَّيت أخلص ـ ـ ــت هلل‪ ،‬وجعلت من أهدافها َتت العالقة ب اَّس ـ ـ ــلم وخالقت‪ ،‬وَتت العالقة‬
‫َّ‬
‫صـالة من ب‬
‫صـالة» وقد اختريت ال َّ‬ ‫ب اَّؤمن عل أ ـ ٍ‬
‫ـاس من القيم ال َّسـامية‪« .‬قد قامت ال َّ‬
‫الس ود‪ ،‬والقيام‬
‫كالركوي‪ ،‬و ُّ‬ ‫الدين كلِت‪َّ ،‬‬
‫وأل‪،‬ا مبا فيها من ال َّعائر ُّ‬
‫أل‪،‬ا عماد ِ‬
‫ـ ـ ـ ـ ــائر العبادات َّ‬
‫اخلض ــوي‪ ،‬والتذلُّل‪ ،‬واح ــتكانة‪ ،‬فهي‬ ‫أعظم مظه ٍر َّظاهر «العبادة» مبعناها الوا ــع الَّيت تع‬
‫فكل طاع ـ ـ ـ ـ ٍـة هلل عل وج ـ ـ ـ ــت اخلضوي‪ ،‬والتذلُّل عبادة‪ ،‬فهي طاع ـ ـ ـ ــة‬
‫خضوي ليس بعده خضوي‪ُّ ،‬‬
‫العبد لسيِده‪ ،‬فيقف ب يديـت قـد أ لم نفست طاعةً وتذلُّـالً‪.‬‬

‫اَّللِ ل ـ َّـما شجاءشِينش الْبشـيِنشات ِم ْن شرِيب‬


‫ون َّ‬‫قال تعاىل ﴿قل إِِين ‪ِ،‬يت أش ْن أ ْشعب شد الَّ ِذين تش ْدعو شن ِمن د ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫ب الْعالش ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫م ش ﴾ [غافر‪. ]66 :‬‬
‫شوأم ْرت أش ْن أ ْ ل شم لشر ش‬
‫مسي حباكمية هللا‪ ،‬و ــيادة ال َّ ـري‪ ،‬و ــقوط الطَّوا يت‪،‬‬
‫الر ِ‬ ‫وهذا احرتباط ب ش ــعار َّ‬
‫الدولة َّ‬
‫الصالة» ي ري إىل أنَّت ح‬
‫حي عل الفال ‪ ...‬قد قامت َّ‬
‫وقوانينهم‪ ،‬وأنظمتهم‪ ،‬وشرائعهم‪ ،‬ب ـ ـ ـ ـ « َّ‬

‫(‪ )1‬انظر قراءة يا يَّة للسرية النَّبويَّة ‪َّ ،‬مد قلع ي ‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬لكامل المة الدَّقس ‪ ،‬ص ‪.438‬‬ ‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪509‬‬
‫ظل ٍ‬
‫دولة تقوم عليها‪ ،‬وتقوم هبا‪ ،‬ويا‪ ،‬فقد كان‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وح إقامة يا كما ينب ي إح يف ِ‬ ‫قيام لل َّ‬
‫مكة قبل قيام دولتهم‪ ،‬أما وقد قامت حتت حاية ـ ــيو‬‫اَّس ـ ــلمون يصـ ـ ـلُّون ِخ ْفيشةً يف ِشـ ـ ـعاب َّ‬
‫األنصار‪ ،‬فلي هروا ابألذان‪ ،‬والقامة‪ ،‬ولريكعوا ويس دوا هلل ر ِ‬
‫ب العاَّ ‪.‬‬

‫ظل دو ٍلة‬
‫حق عبادتت‪ ،‬إح يف ِ‬ ‫إن الواقع التَّارخيي خري شـ ـ ٍ‬
‫ـاهد عل َّ‬
‫أن هللا ح يـ ْعبشد يف األرض َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫قويٍَّة‪ ،‬حتمي رعاَيها من أعداء ِ‬
‫الدين‪.‬‬

‫السابقة(‪.)1‬‬
‫تتكرر كلمات األذان «هللا أكرب‪ ...‬هللا أكرب» للتأكيد عل اَّعاين َّ‬
‫مثَّ َّ‬
‫حباجة ما َّ ـ ـ ٍة لفهم األذان‪ ،‬وإدراك معانيت‪ ،‬والعمل عل تر تت تر ةً عمليَّةً لن اهد يف‬
‫إنَّنا ٍ‬
‫حض ِ‬
‫ندمر شـ ـ ــعارات الكفر‪ ،‬ونرفع شـ ـ ــعارات الميان‪ ،‬ونقيم دولة التَّوحيد‪ ،‬الَّيت‬ ‫حق جهاده‪َّ ،‬‬
‫هللا َّ‬
‫حتكم ب ري هللا‪ ،‬ومنه ت القو ‪.‬‬

‫‪ - 6‬حكم ت ييد اَّساجد‪ ،‬ونق ها‪ ،‬وزخرفتها‬

‫والتَّ ـ ـ ــييد أن تقام عمارة اَّس ـ ـ ـ د ابحل ارة‪ ،‬اَّا ياييد يف َّقوة بنائت‪ ،‬ومتانة ـ ـ ــقفت وأركانت‪.‬‬
‫شض أنواي ِ‬
‫الايينة‪.‬‬ ‫الايخرفة ما جاوز أهللال البناء من َّ‬
‫والنَّقش‪ ،‬و َّ‬
‫عامةً بدليل ما فعلت عمر‪ ،‬وعثمان ر ي هللا‬ ‫فأما الت ييد فقد أجازه‪ ،‬وا تلسنت العلماء َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن يف ذلك عنايةً‪ ،‬واهتماماً ب ــعائر هللا‬ ‫عنهما من إعادة بناء مسـ ده هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫س شعلش التَّـ ْق شو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬
‫تعاىل‪ ،‬وا ـ ــتدل العلماء عل ذلك بقولت تعاىل ﴿حش تشـق ْم فيت أشبش ًدا لش شم ْس ـ ـ د أ ـ ـ ش‬
‫َّلل ِ ُّ الْمطَّ ِه ِرين ﴾ [التوبة‪. ]108 :‬‬ ‫وم فِ ِيت فِ ِيت ِر شجال ِ بُّو شن أش ْن يشـتشطش َّهروا شوا َّ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ش‬ ‫شح ُّق أش ْن تشـق ش‬
‫م ْن أ َّشول يشـ ْوم أ ش‬
‫ومكرهٍ‬
‫حمرٍم‪ِ ،‬‬
‫الايخرفـة فقـد أ ع العلمـاء عل كراهتهمـا‪ ،‬مثَّ هم يف ذلـك ب ِ‬
‫وأ َّمـا النَّقش‪ ،‬و َّ‬
‫أن الذين قالوا ابحلرمة‪ ،‬والَّذين قالوا ابلكراهة اتَّفقوا عل أنَّت رم هللا ـ ـ ــر اَّال‬ ‫كراهةش تناييت ري َّ‬
‫الايخرفة‪ ،‬والنَّقش(‪ .)2‬وكان َّأوشل شم ْن زخر اَّس ـ ـ ــاجد‬
‫ـيء من َّ‬ ‫اَّوقو لعمارة اَّس ـ ـ ــاجد عل ش ـ ـ ـ ٍ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.439‬‬


‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النبوية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪510‬‬
‫الوليد بن عبد اَّلك بن شم ْروان‪ ،‬ومن يومها والنَّاس ش ـ ـ ــرعوا ي الون يف بناء اَّس ـ ـ ــاجد‪ ،‬وزخرفتها‪،‬‬
‫ُّبوة(‪ ،)1‬فعندما ز ِ‬
‫خرفت‬ ‫كل ذلك خارً عن شهدأ الن َّ‬ ‫حض أهللاـ ـ ـ ـ ــب بعضـ ـ ـ ـ ــها من قبيل اَّتاحف‪ ،‬و ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم شع األ ــف‬‫اَّســاجد‪ ،‬وخرجت عن جا البســاطة الَّذأ أرشــد إليت الن ُّ‬
‫نفوس اَّستضعف ‪ ،‬وتنافس يف شهوات التَّايخر الفار ون من عواهللام الميان(‪.)2‬‬
‫ش‬
‫يهتمون بتعمري اَّسـ ـ ـ ــاجد‪ ،‬وت ـ ـ ـ ــييدها‪ ،‬وينص ـ ـ ـ ـرفون ِ‬
‫بكل جهودهم إىل التَّفنُّن يف‬ ‫َّ‬
‫إن الذين ُّ‬
‫إن الداخل‬ ‫األهبة عليها قد وقعوا يف خطأ عظي ٍم َّ‬
‫حض َّ‬ ‫تاييينها‪ ،‬ونق ــها‪ ،‬وإ ــفاء ملتلف مظاهر َّ‬
‫وجل ‪َّ -‬‬
‫وإجا يس ــت ــعر ما ينطق بت‬ ‫عاي َّ‬ ‫أأ معىن من ِ‬
‫ذل العبودية هلل ‪َّ -‬‬ ‫إليها ح يكاد يس ــت ــعر َّ ً‬
‫الايخرفة العربيَّة‪.‬‬
‫فن ايند ة اَّعماريَّة‪ ،‬وفنون َّ‬
‫لسان حايا من احفتهار مبا ارتق إليت ُّ‬
‫أأ ٍ‬
‫جهة‪ ،‬لقد‬ ‫ُّنيوأ إىل ِ‬
‫يتهربوا من مظاهر ال راء الد ِ‬ ‫َّ‬
‫إن الفقراء يعودوا يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيعون أن َّ‬
‫كان يف اَّس ـ ــاجد ما ِ‬
‫يعايأ الفقري بفقره‪ ،‬وخيرجت من ِ‬
‫جو الدُّنيا‪ ،‬وزخرفها إىل ا خرة‪ ،‬وفض ـ ــلها‪،‬‬
‫حض يف مظهر هذه اَّساجد ما يذكِرهم بايخار الدُّنيا الَّيت حرموها‪ ،‬وي عرهم‬ ‫فأهللابلوا جيدون َّ‬
‫بنكد الفقر‪ ،‬وأو ــاره‪ ،‬فما أ ـ ـوأ ما وقع فيت اَّس ــلمون من ه ران حلقائق إ ــالمهم‪ ،‬وان ـ ـ ٍال‬
‫ات‪ ،‬وأهو ٍاء!(‪.)3‬‬
‫بكل ما فيها من شهو ٍ‬
‫الدين‪ ،‬وابطنها الدُّنيا ِ‬‫كاذبة‪ ،‬ظاهرها ِ‬
‫مبظاهر ٍ‬

‫‪ - 7‬فضائل اَّس د الن ِ‬


‫َّبوأ‬

‫َّبوأ ولذلك تعلَّق ال َّ‬


‫ص ـلابة بت‪.‬‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم عن فض ــائل اَّس ـ د الن ِ‬ ‫َّ‬
‫حتدث الن ُّ‬
‫وميكننا تلهيص هذه الفضائل يف احل‬
‫أ ‪ -‬أت يس اَّس د الن ِ‬
‫َّبوأ عل التَّقو‬
‫ِ‬
‫اخلدرأ ر ي هللا عنت‪ ،‬قال دخلت عل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف‬ ‫عن أيب ٍ‬
‫عيد‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)33/2‬‬
‫الصادق عرجون (‪.)39/3‬‬
‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪511‬‬
‫س عل التَّقو ؟ قال فأخذ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫أأ اَّس ـ دين الذأ أ ـ ش‬
‫بيت بعض نســائت‪ ،‬فقلت َي ر ــول هللا! ُّ‬
‫ص ـباء‪ ،‬فض ــرب بت األرض‪ ،‬مثَّ قال «هو مس ـ دكم هذا» [مســلم (‪ )1398‬والرتمذي (‪)3099‬‬
‫كفاً من شح ْ ش‬
‫والنسائي (‪ )36/2‬وأمحد (‪َّ ])8/3‬س د اَّدينة‪.‬‬

‫َّبوأ هو الَّذأ أ ِ س‬ ‫أن اَّس د الن َّ‬ ‫وقد تكلَّم بعض العلماء‪ ،‬يف األحاديث الَّيت أشارت إىل َّ‬
‫س شعلش التَّـ ْق شو ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬
‫عل التَّقو حب َّ ة أ‪،‬ا معار ة لقولت تعاىل ﴿حش تشـق ْم فيت أشبش ًدا لش شم ْس د أ ش‬
‫اَّلل ِ ُّ الْمطَّ ِه ِرين ﴾ [التوبة‪. ]108 :‬‬
‫َّ‬ ‫و‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ر‬‫ه‬‫َّ‬ ‫ط‬
‫ش‬ ‫ت‬
‫ش‬ ‫ـ‬‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫أ‬ ‫ن‬
‫ش‬ ‫و‬ ‫ب‬
‫ُّ‬ ‫أ َّشوِل يـوٍم أشح ُّق أش ْن تشـقوم فِ ِيت فِ ِيت ِرجال ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫شْ ش‬
‫وقد اختلف العلماء يف اَّراد ابَّس ـ ـ ـ د الَّذأ أ ـ ـ ــس عل التَّقو يف ا ية ال َّس ـ ـ ـابقة‪ ،‬فقال‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وقال آخرون هو مسـ ـ ـ د قباء‪ ،‬وقد ذكر‬
‫بعض ـ ــهم هو مس ـ ـ د الن ِ‬
‫صـواب‪،‬‬ ‫حممد بن جري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍر الطَّ ُّ‬
‫ربأ يف تفســريه‪ ،‬مثَّ قال «وأوىل القول يف ذلك عندأ ابل َّ‬ ‫أقوايم َّ‬
‫ـلة اخلرب بذلك عن ر ــول هللا‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم لصـ َّ‬
‫قول شم ْن قال ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو مسـ د َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم »(‪.)1‬‬

‫أبن اَّراد ابَّس ـ ـ د الَّذأ أ ِ ـ ـس عل‬


‫وح معار ـ ــة ب احلديث وا ية ال َّس ـ ـابقة عل القول َّ‬
‫ألن كالً من اَّس ـ ـ دين أ ِ ـ ـس عل التَّقو (‪ .)2‬وقد ذكر ش ـ ــي‬ ‫التَّقو فيها هو مس ـ ـ د قباء َّ‬
‫ال ــالم ابن تيميَّة َّ‬
‫أن ا ية ال َّس ـابقة نايلت بســب مس ـ د قباء‪ ،‬مثَّ قال «لكن احلكم يتناولت‪،‬‬
‫َّب‬
‫ص ـلي عن الن ِ‬ ‫أحق منت بذلك‪ ،‬وهو مسـ ـ د اَّدينة‪ ،‬وهذا ِ‬
‫يوجت ما ثبت يف ال َّ‬ ‫ويتناول ما هو ُّ‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم أنَّت ــئل عن اَّس ـ د الذأ أ ِ ـس عل التَّقو ‪ ،‬فقال «هو مس ـ دأ‬
‫هذا» [سبق خترجيه](‪.)3‬‬

‫أن كال اَّسـ ـ ـ دين أ ِ ـ ـ ـس عل التَّقو ‪ ،‬لكن مسـ ـ ـ د‬


‫وقال يف مو ـ ــع آخر «‪ ...‬فتب َّ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري الطَّربأ (‪ 476/14‬ـ ‪.)479‬‬


‫(‪ )2‬انظر األحاديث الواردة يف فضائل اَّدينة ‪ ،‬د‪ .‬هللااأ ِ‬
‫الرفاعي ‪ ،‬ص ‪.372‬‬
‫السنَّة النَّبويَّة (‪.)74/7‬‬
‫انظر منهاً ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪512‬‬
‫أحق هبذا اح م‪ ،‬ومس د قباء كان ب نايول ا ية»(‪.)1‬‬
‫اَّدينة أكمل يف هذا النَّعت‪ ،‬فهو ُّ‬
‫أبن اَّسـ د الَّذأ أ ِ ـس‬
‫أن ال ِسـَّر يف جوابت هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫وذكر احلافم ابن ح ٍر َّ‬
‫عل التَّقو مس ده رفع توهم َّ‬
‫أن ذلك خاص مبس د قباء(‪.)2‬‬
‫الصالة يف اَّس د الن ِ‬
‫َّبوأ‬ ‫ب ‪ -‬فضل َّ‬
‫عن أيب هريرة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال قال ر ـ ـ ـ ـول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم «هللا ـ ـ ـ ـالة يف‬
‫ألف هللا ـ ـ ـ ــالةٍ فيما ـ ـ ـ ـ ـواه‪ ،‬إح اَّسـ ـ ـ ـ ـ د احلرام» [البخاري (‪ )1190‬ومسـ ـ ــلم‬
‫مسـ ـ ـ ـ ـ دأ هذا‪ ،‬خري من ِ‬
‫ش‬
‫(‪ 506/1394‬و‪. ])507‬‬

‫ً ‪ -‬أحد اَّساجد الثَّالثة الَّيت ح ت ش ُّد ِ‬


‫الرحال إح إليها‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم أنَّت قال «ح ت ش ُّد ِ‬
‫الرحال إح‬ ‫عن أيب هريرة ر ي هللا عنت‪ ،‬عن الن ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومس د األقص »‬
‫إىل ثالثة مساجد «اَّس د احلرام‪ ،‬ومس د َّ‬
‫[البخاري (‪ )1189‬ومسلم (‪. ])511/1397‬‬

‫الرو ة يف اَّس د الن ِ‬


‫َّبوأ‬ ‫د ‪َّ -‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قال «ما ب بييت ِ‬
‫ومْنربأ رو ة‬ ‫عن أيب هريرة ر ي هللا عنت عن الن ِ‬
‫[البخاري (‪ )1196‬ومسلم (‪. ])1391‬‬ ‫من رَيض اجلنَّة‪ ،‬ومنربأ عل حو ي»‬
‫هـ فضل التَّعلُّم والتَّعليم يف اَّس د الن ِ‬
‫َّبوأ‬

‫ـول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يقول « شم ْن دخل‬


‫عن أيب هريرة ر ـ ــي هللا عنت أنَّت مسع ر ـ ـ ش‬
‫ِ‬
‫وم ْن دخلت ل ري ذلك كان‬ ‫مسـ ـ ـ ـ دان هذا يتعلَّم خرياً‪ ،‬أو شيعلمت كان كاااهد يف ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬ش‬
‫كالنَّاظر إىل ما ليس لت» [أمحد (‪ )350/2‬وابن ماجه (‪ )227‬واحلاكم (‪. ])91/1‬‬

‫(‪ )1‬انظر جمموي الفتاو (‪.)406/27‬‬


‫(‪ )2‬فت البارأ (‪.)245/7‬‬
‫‪513‬‬
‫الصفَّة وفقراء اَّهاجرين‬
‫‪ - 8‬آية نايلت يف أهل ُّ‬
‫ض شْ شس ـبـهم‬ ‫قال تعاىل ﴿لِْلف شقر ِاء الَّ ِذين أح ِ‬
‫صـ ـروا ِيف ش ـبِ ِيل ا ََّّللِ حش يش ْس ـتش ِطيعو شن ش ـ ْرًاب ِيف األ ْشر ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ش‬
‫َّاس إِ ْحلشافًا شوشما تـْن ِفقوا ِم ْن شخ ٍْري فشَِ َّن َّ‬
‫اَّللش‬ ‫يماه ْم حش يش ْسـأشلو شن الن ش‬
‫ِِ‬ ‫اهل أش ْ نِياء ِمن التـ ِ‬
‫َّعفُّف تشـ ْع ِرفـه ْم بسـ ش‬
‫شش ش ش‬
‫اجل ِ‬
‫ْش‬
‫علِيم ﴾ [البقرة‪.]273 :‬‬ ‫ِ‬
‫بِت ش‬
‫صـ ـفَّة ‪ .‬وذكر الطَّ ُّ‬
‫ربأ‬ ‫(‪)1‬‬
‫القرظي‪ ،‬قال ه ْم أهللا ــلاب ال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ـعد بس ــنده إىل ابن كع ٍ‬ ‫ذكر ابن ـ ٍ‬

‫الس ِد ِأ َّأ‪،‬ا يف فقراء اَّهاجرين(‪.)2‬‬ ‫أب انيده عن ٍ‬


‫جماهد و ُّ‬
‫ابلدعامة األوىل يف ااتمع كثرية‪ ،‬وكذلك ما يتعلَّق هبا من أحكام‬ ‫إن األحداث الَّيت تتعلَّق ِ‬
‫َّ‬
‫كض ـ ـ ــمان حقوق األيتام‪ ،‬وجواز نبش القبور الدَّار ـ ـ ـ ــة‪ ،‬و ِاهاذ مو ـ ـ ـ ــعها مس ـ ـ ـ ـ داً إذا نظفت‪،‬‬
‫وطابت أر ـ ـها‪ ،‬إحَّ أن أكتفي هبذه الدُّروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد فيما يتعلَّق ابَّس ـ ـ د خوفاً من‬
‫الطالة‪.‬‬

‫***‬

‫عد (‪.)255/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر الطَّبقات الكرب ‪ ،‬حبن ٍ‬


‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)269/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر تفسري الطَّربأ (‪ ، )591/5‬و ِ‬
‫السرية النَّبوية َّ‬
‫‪514‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫املؤاخاة بني املواجرين واألنصار‬


‫حي‬ ‫كان ِم ْن أوىل الدَّعائم الَّيت اعتمدها َّ‬
‫الر ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف برانجمت الهللا ـ ــال ِ‬
‫َّنظيمي ل َّمة‪ ،‬وللدَّولة‪ ،‬واحلكم‪ ،‬اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار يف الدَّعوة إىل التَّوحيد‪ ،‬واَّنهت ِ‬
‫القرآين‪ ،‬وبناء‬ ‫والت ِ‬
‫اَّس ـ ـ ـ د‪ ،‬وتقرير اَّؤاخاة ب اَّهاجرين واألنص ـ ـ ــار‪ ،‬وهي خطوة ح تقل ِ‬
‫أليَّةً عن اخلطوة األوىل‬ ‫ُّ‬
‫يف بناء اَّس د لكي يتالحم ااتمع اَّسلم‪ ،‬ويتآلف‪ ،‬وتتَّض معا تكوينت اجلديد(‪.)1‬‬
‫كان مبدأ التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآخي العام ب اَّس ـ ــلم قائماً‪ ،‬منذ بداية الدَّعوة يف عهدها ِ‬
‫اَّك ِي‪ ،‬و‪،‬‬
‫يؤدأ إىل التَّبا ض ب اَّسـلم ‪ ،‬فقال هللاـل هللا عليت‬ ‫كل ما ِ‬ ‫الر ـول هللاـل هللا عليت و ـلم عن ِ‬ ‫َّ‬
‫و لم «ح تبا ضوا‪ ،‬وح حتا دوا‪ ،‬وح تش شدابروا‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخواانً‪ ،‬وح ُّل َّسل ٍم أن يه ر‬
‫أخاه فوق ثالثة َّأَيٍم» [البخاري (‪ 6065‬و‪ )6076‬ومســلم (‪ ،])2559‬وقال هللا ــل هللا عليت و ــلم «اَّس ــلم‬
‫أخو اَّســلم‪ ،‬ح يظلِمت‪ ،‬وح ي ْس ـلِمت(‪ ،)2‬ومن كان يف حاجة أخيت‪ ،‬كان هللا يف حاجتت‪ ،‬ومن َّفرً‬
‫وجل ‪ -‬عنت كربةً من كرابت يوم القيامة‪ ،‬ومن ـ ـ مس ــلماً‪،‬‬ ‫عن مس ــل ٍم كربة(‪َّ ،)3‬فرً هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫[البخاري (‪ )2442‬ومسلم (‪. ])2580‬‬ ‫ه هللا يوم القيامة»‬
‫اَّللِ‬
‫صـ ـ ـموا ِحبشْب ِل َّ‬ ‫األمة‪ ،‬يف قولت تعاىل ﴿و ْاعتش ِ‬ ‫العامة ب أبناء َّ‬ ‫خوة َّ‬ ‫أكد القرآن الكر األ َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ْلت ْم بِنِ ْع شمِت ِت‬ ‫شِ يعا وحش تشـ شفَّرقوا واذْكروا نِع مةش َِّ‬
‫ف بشْ ش قـلوبِك ْم شفأش ْ‬‫اَّلل شعلشْيك ْم إِ ْذ كْنـت ْم أ ْشع شداءً شفأشلَّ ش‬ ‫ْش‬ ‫ش‬ ‫ً ش‬
‫آَيتت لش شعلَّك ْم شهتْتشدو شن﴾‬ ‫اَّلل لشكم ِ‬ ‫إِ ْخواانً وكْنـتم شعلش شش شفا ح ْفرةٍ ِمن النَّا ِر فشأشنْـ شق شذكم ِمْنـ شها شك شذلِ ش ِ‬
‫ك يـبش َّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬ ‫ش ش ْ‬
‫[آل عمران‪ ،]103 :‬وقول ـ ـ ــت تعالـ ـ ـ ـ ﴿وأشلَّف ب قـلوهبِِم لشو أشنْـ شف ْقت ما ِيف األشر ِ ِ‬
‫ت بشْ ش‬ ‫ض ش ًيعا شما أشلَّْف ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ْ‬ ‫ش ش شْ ش‬
‫كيم ﴾ [اآلنفال‪. ]63 :‬‬ ‫اَّلل أشلَّف بـيـنشـهم إِنَّت ع ِايياي ح ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫قـلوهب ْم شولشك َّن َّش ش شْ ْ ش ش‬

‫(‪ )1‬انظر الدارة ال الميَّة يف عصر عمر بن اخلطَّاب ‪ ،‬د‪ .‬جمدحوأ ‪ ،‬ص ‪53 ، 52‬‬
‫(‪ )2‬أأ ح ي كت مع شم ْن يؤذيت ‪ ،‬وح فيما يؤذيت بل ينصره ‪ ،‬ويدفع عنت‪.‬‬
‫(‪ )3‬كربة أأ مة‪.‬‬
‫‪515‬‬
‫اخلاهللا ـ ـ ـ ـ ــة الَّيت شـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرعت‪ ،‬وترتبت عليه ـ ـ ـ ـ ــا حقوق‪،‬‬
‫َّأما مو وي هذا البلث‪ ،‬فهو اَّؤاخاة َّ‬
‫العامـة ب اَّؤمن كافَّةً(‪.)1‬‬
‫أخص من احلقوق‪ ،‬والواجبات َّ‬
‫وواجبـات ُّ‬
‫وقــد حتــدَّث بعض العلمــاء عن وجود مؤاخــاةٍ كــانــت يف م َّكـة ب اَّهــاجرين‪ ،‬فقــد أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬
‫مكة قبل اي رة عل ِ‬
‫احلق‪،‬‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم آخ ب اَّس ــلم يف َّ‬ ‫البالذرأ إىل َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫واَّوا ـ ـ ــاة‪ ،‬فآخ ب حاية‪ ،‬وزيد بن حارثة‪ ،‬وب أيب بك ٍر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وب عثمان بن عفَّان وعبد‬
‫العوام‪ ،‬وعبد هللا بن مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـعود‪ ،‬وب عبيدة بن احلارث‪ٍ ،‬‬
‫وبالل‬ ‫الايبري بن َّ‬
‫الرحن بن عو ‪ ،‬وب ُّ‬ ‫َّ‬
‫اجلرا ‪ ،‬و ـاٍ موىل‬ ‫احلب ِـي‪ ،‬وب مصـع بن عم ٍري‪ ،‬و ـعد ابن أيب وقَّ ٍ‬
‫اص‪ ،‬وب أيب عبيدة بن َّ‬
‫علي بن‬
‫ِ‬ ‫أيب حذيفة‪ ،‬وب ـ ـ ـ ـ ـ ــعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وطللة بن عبيد هللا‪ ،‬وبينت وب‬
‫البالذرأ (ت ‪ 276‬ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ) أقدم من أشــار إىل اَّؤاخاة ِ‬
‫اَّكيَّة‪ ،‬وقد اتبعت يف‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫د‬ ‫ع‬‫ـ‬‫ي‬‫و‬ ‫(‪)2‬‬
‫أيب طال‬
‫شْ‬ ‫شش‬
‫يصر ابلنَّقل عنت‪ ،‬كما اتبعهما ابن يِد النَّاس دون‬
‫الرب (ت ‪463‬هـ ـ ـ ــ) دون أن ِ‬ ‫ذلك ابن عبد ِ‬
‫التَّصري ابلنَّقل عن أحدلا(‪.)3‬‬

‫وقد أخرً احلاكم يف اَّسـ ــتدرك‪ ،‬من طريق يع بن عمري‪ ،‬عن ابن عمر ر ـ ــي هللا عنهما‬
‫«آخ ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ب أيب بك ٍر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وب طللة‪ ،‬والايبري‪ ،‬وب عبد‬
‫الايبري‪،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ب ُّ‬ ‫الرحن بن عو ‪ ،‬وعثمان»(‪ ،)4‬وعن ابن ٍ‬
‫عباس «آخ الن ُّ‬
‫ـعود» [احلاكم (‪ )5(])314/3‬وذه كل ِم ْن ابن القيِم‪ ،‬وابن كثري إىل عدم وقوي اَّؤاخاة‬ ‫وابن مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ -‬آخ ب اَّهاجرين‬‫مبكة‪ ،‬فقال ابن القيِم «وقد قيل إنَّت ‪ -‬أأ الن َّ‬ ‫َّ‬
‫األول(‪ )6‬فاَّهاجرون‬ ‫بعض ـ ـ ـ ـ ــهم مع بعض‪ ،‬مؤاخا ًة اثنيةً‪ ،‬و َّاهذ فيها علياً أخاً لنفس ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬والثَّابت َّ‬
‫أخوة الـ ـ ـ ـ ـ ــدَّار‪ ،‬وقرابـ ـ ـ ـ ـ ــة النَّس عن عقـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد مؤاخـ ـ ـ ـ ـ ــاةٍ‪ ،‬ال‬
‫أبخوة ال الم‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬ ‫كانوا مست ن‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)240/1‬‬
‫(‪ )2‬أنساب األشرا ‪ ،‬للبالذرأ (‪ ، )270/1‬وابن ه ام يف السرية النبوية (‪ 150/2‬ـ ‪.)152‬‬
‫الصليلة (‪.)240/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست (‪.)240/1‬‬
‫(‪ )5‬فت البارأ (‪.)471/7‬‬
‫(‪ )6‬يع اَّؤاخاة يف اَّدينة‪.‬‬
‫‪516‬‬
‫اَّهاجرين مع األنصار»(‪َّ ،)1‬أما ابن كث ٍري فقد ذكر َّ‬
‫أن من العلماء من ينكر هذه اَّؤاخاة للعلَّـة‬
‫نفسها‪ ،‬الَّيت ذكرها ابن القيِم(‪.)2‬‬

‫البالذرأ ــاق اخلرب بلفم‬


‫ُّ‬ ‫مبكة‪ ،‬و‬ ‫ت ِ ـ ـ ْر كت ال ِسـ ـرية األوىل اَّهت َّ‬
‫صـ ـة‪ ،‬إىل وقوي اَّؤاخاة َّ‬
‫البالذرأ نفسـ ـ ــت ـ ـ ـ َّـعفت النُّقاد‪ ،‬وعل فرض‬
‫َّ‬ ‫الرواية‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫«قالوا» دون إ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـناد اَّا يضـ ـ ــعِف ِ‬
‫دون أن ت ت‬ ‫ـلة هذه اَّؤاخاة َّ‬
‫مبكة‪ ،‬فَ‪،‬ا تقتص ـ ـ ــر عل اَّؤازرة‪ ،‬والنَّص ـ ـ ــيلة ب اَّتاخ‬ ‫هللا ـ ـ ـ َّ‬
‫عليها حقوق التَّوارث(‪.)3‬‬

‫أوالً‪ :‬املؤاخاة يف املدينة‪:‬‬

‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم‬


‫األمة بعض ــها ببعض‪ ،‬فقد أقام َّ‬
‫أ ــهم نظام اَّؤاخاة يف ربا َّ‬
‫صـلة عل أ ــاس الخاء الكامل بينهم‪ ،‬هذا الخاء الَّذأ تذوب فيت عصــبيَّات اجلاهليَّة‪،‬‬ ‫هذه ال ِ‬

‫فال شحيَّة إح لإل ــالم‪ ،‬وتس ــقا بت فوارق النَّسـ ـ ‪ ،‬واللَّون‪ ،‬والوطن‪ ،‬فال َّ‬
‫يتأخر أحد‪ ،‬أو يتقدَّم‪،‬‬
‫إح مبروءتت‪ ،‬وتقواه‪.‬‬

‫األخوة عقداً انفذاً‪ ،‬ح لفظاً فار اً‪ ،‬وعمالً‬


‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم هذه َّ‬
‫وقد جعل َّ‬
‫ابلدماء‪ ،‬واألموال‪ ،‬ح حتية تثرثر هبا األلسنة‪ ،‬وح يقوم يا أثر‪.‬‬ ‫يرتبا ِ‬

‫خوة‪ ،‬وَت ااتمع اجلديد‬


‫وكانت عواطف اليثار‪ ،‬واَّوا ـ ـ ـ ـ ــاة‪ ،‬واَّؤانس ـ ـ ـ ـ ــة َتتايً يف هذه األ َّ‬
‫أبروي األمثال(‪.)4‬‬

‫أن أهل هذا ااتمع‪،‬‬ ‫خوة ب اَّهاجرين واألنصار هو َّ‬ ‫السب الَّذأ َّأد إىل تقوية هذه األ َّ‬
‫و َّ‬
‫اَّن التقوا عل دين هللا وحده‪ ،‬ن َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـأهم دينهم الَّذأ اعتنقوه‪ ،‬عل أن يقولوا‪ ،‬ويفعلوا‪ ،‬وعلَّمهم‬
‫العمل يعاً‪ ،‬فهم أبعد ما يكونون عن ال ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـعارات الَّيت ح تت اوز أطرا األلس ـ ـ ـ ـ ــنة‪،‬‬
‫الميا شن‪ ،‬و ش‬

‫(‪ )1‬زاد اَّعاد (‪.)79/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري‪.‬‬
‫الصليلة (‪.)241/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫اس ‪ ،‬ص ‪.194 ، 193‬‬ ‫السرية ‪ ،‬لل اي ِ‬‫(‪ )4‬انظر فقت ِ‬
‫‪517‬‬
‫وكــانوا عل النَّلو الَّـذأ حكــاه هللا عنهم يف قولــت تعــاىل ﴿إَِّجـشا شكـا شن قشـ ْوشل الْم ْؤِمنِ ش إِذشا دعوا إِ شىل‬
‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬ ‫َِّ ِ ِ‬
‫ن ﴾[النور‪. ]51 :‬‬ ‫اَّلل شوشر ول ِت ليش ْلك شم بشـْيـنشـه ْم أش ْن يشـقولوا شِمس ْعنشا شوأشطش ْعنشا شوأولشئِ ش‬
‫األخوة الَّيت َّ‬
‫شد هللا هبا أ ْشزشر‬ ‫وبذلك الَّذأ درً عليت اَّسلمون كفل البقاء‪ ،‬واح تمرار يذه َّ‬
‫شارها يف ِ‬
‫كل أطوار الدَّعوة‪ ،‬طوال حياتت هللاــل‬ ‫حض آتت ش‬ ‫دينت‪ ،‬ور ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ِديق ر ــي‬ ‫امتد أثرها‪ ،‬ف مع كلمة اَّهاجرين واألنصــار عند ا ــتهال ال ِ‬
‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬و َّ‬
‫األمة‪ ،‬مســت يب‬ ‫هللا عنت دون أن ِ‬
‫تطوي يم أنفســهم (أأ ل نصــار) أن دثوا هللاــدعاً يف طل َّ‬
‫فَن يا ة اَّؤاخاة ب اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار‬ ‫السيطرة‪ ،‬لذلك َّ‬ ‫السلطة‪ ،‬و رياية َّ‬ ‫يف ذلك ل هوات ُّ‬
‫نوي من ال َّس ـ ـ ـبق ال ِس ـ ـ ـيا ـ ـ ِـي الَّذأ اتَّبعت ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‪ ،‬يف أتهللا ـ ــيل اَّودة‪،‬‬
‫وَتكينها يف م ـ ـ ــاعر اَّهاجرين‪ ،‬واألنص ـ ـ ــار‪ ،‬الَّذين ـ ـ ــهروا يعاً عل رعاية هذه َّ‬
‫اَّودة‪ ،‬وذلك‬
‫الخاء بل كانوا يتسـ ـ ـ ـ ـ ــابقون يف تنفيذ بنوده(‪،)1‬وح ـ ـ ـ ـ ـ ــيما األنصـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬الَّذين ح جيد الكتَّاب‪،‬‬
‫والباحثون مهما تساموا إىل ذروة البيان‪ ،‬خرياً من حديث هللا عنهم(‪.)2‬‬

‫اجشر إِلشْي ِه ْم شوحش شِجيدو شن ِيف‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫َّار شوا ِل ميشا شن م ْن قشـْبل ِه ْم بُّو شن شم ْن شه ش‬ ‫ين تشـبشـ َّوءوا الد ش‬
‫﴿والذ ش‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫وق ش ـ ـ َّ نـش ْف ِس ـ ـ ِت‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللا ـ ـدوِرِهم ح ِ‬
‫هللا ـ ـة شوشم ْن ي ش‬ ‫اجةً اَّا أوتوا شويـ ْؤثرو شن شعلش أشنْـفس ـ ـ ِه ْم شولش ْو شكا شن هب ْم شخ ش‬
‫ص ـ ـا ش‬ ‫ْ ش ش‬
‫ن﴾ [احلشر‪. ]9 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬
‫فشأولشئِ ش‬
‫السابقة‪َّ :‬‬
‫أن هللا تعاىل شود هلم خبمس شوادات‪:‬‬ ‫ونلحظ يف اآلية َّ‬
‫تبويوا الدَّار‪ ،‬والميان من قبلهم‪.‬‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫‪ - 2‬بُّون من هاجر إليهم‪.‬‬

‫‪ - 3‬ح جيدون يف هللادورهم حاجةً اَّا أوتوا‪.‬‬

‫‪ - 4‬ويؤثرون عل أنفسهم ولو كان هبم خصاهللاة‪.‬‬

‫السيِد ‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫(‪ )1‬انظر فصول يف ِ‬


‫السرية النَّبوية ‪ ،‬د‪ .‬عبد اَّنعم َّ‬
‫السنَّة ‪ ،‬لل مل ‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لموهللالابتت يف القران و ُّ‬
‫انظر ه رة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪518‬‬
‫‪ - 5‬ومن يوق ش َّ نفست فأولئك هم اَّفللون(‪.)1‬‬

‫السابقة فوائد عظيمة‪ ،‬وحكم جليلة منها‬


‫ويف ا ية َّ‬
‫تبوئ يا‪،‬‬ ‫لكل ِ‬
‫متوط ٍن هبا‪ ،‬م ِ‬ ‫هللاـ ـ ـة ِ‬ ‫(أ) التَّعبري عن اَّدينة بلفم «الدَّار» إش ـ ــعار َّ‬
‫أب‪،‬ا دار خا َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ٍة للفرد‪ ،‬يهنأ ابألمن‪ ،‬واح ـ ـ ــتقرار‪ ،‬وهو يف داخلها‪ ،‬ويف هذا‬
‫فهي ابلنِس ـ ـ ــبة ألهلها كدا ٍر خا َّ‬
‫رأ يف النَّفس‪ ،‬ياييدها رْوحاً‪ ،‬وطمأْنِينشةً‪ ،‬فاألنصار يف دارهم‪ ،‬وإميا‪،‬م‬
‫الس ِ‬
‫الشعار نوي من األنس َّ‬
‫تتنايل عليهم ال َّسـكينة‪ ،‬فتلفُّهم بنورها‪َّ ،‬‬
‫كأ‪،‬ا ـياً من‬ ‫متمكنون من األمن‪ ،‬واح ـتقرار ِ‬
‫اَّاد ِأ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الرحة مضروب عليهم‪ ،‬ح يللقهم فايي‪ ،‬وح يدخل عليهم قلق‪.‬‬
‫َّ‬
‫تبويوا‬ ‫﴿م ْن قشـْبلِ ِه ْم﴾‪ ،‬ومعناه َّ‬
‫أن األنصــار هم الذين َّ‬ ‫ض ـمري فيت ِ‬
‫(ب) َّأما قولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تعاىل فال َّ‬
‫وتبويوا معهــا الميـان من قبــل ه رة اَّهــاجرين إليهم َّ‬
‫ألن اَّهــاجرين وإن‬ ‫اَّنورة داراً يم‪َّ ،‬‬
‫اَّــدينــة َّ‬
‫َتك ٍن‪ ،‬و َّ‬
‫َتكن هو منه ــم أبل‬ ‫َتكن ـوا من ــت أعظم ُّ‬
‫أل‪،‬م بقوهم إلي ــت‪ ،‬و َّ‬
‫تبويوا الميان قبل األنصار َّ‬
‫َّ‬
‫يتمكنون فيها من اح ــتقرار احل ِس ـ ِي ِ‬
‫اَّاد ِأ‪ ،‬واألمن عل‬ ‫يتبويوا مع الميان داراً َّ‬ ‫ُّ‬
‫َتك ٍن لكنَّهم َّ‬
‫أنفس ـ ــهم‪ ،‬وإميا‪،‬م من فايعات األعداء‪ ،‬و ـ ــطواهتم‪ ،‬فكان للمهاجرين يف تشـبشـ ُّوي الميان دون تشـبشوي‬
‫قرن و ٍ‬
‫احد‪.‬‬ ‫الدَّار‪ ،‬وكان ل نصار تشـبـ ُّويلا معاً يف ٍ‬
‫ش‬
‫(ً) ومن لطائف القرآن احلكيم أنَّت ـ ــاق م ْد شحةش اَّهاجرين قبل ِم ْد شحة األنص ـ ــار‪ ،‬مفتتلاً‬
‫ِ ِ‬
‫اَّللِ شوِر ْ ـ شواانً‬ ‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم شوأ ْشم شوايِِ ْم يشـْبـتشـ و شن فش ْ‬
‫ض ـالً ِم شن َّ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬
‫ين الذ ش‬
‫ِ‬
‫يا بقولت ﴿ل ْلف شقشراء الْم شه ش‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]8 :‬‬ ‫الص ِادقو ش‬
‫ك هم َّ‬ ‫اَّللش شوشر ولشت أولشئِ ش‬
‫شويشـْنصرو شن َّ‬
‫الدار‪ ،‬والميان مدحةً للمهاجرين أل َّ‪،‬م‬
‫ف عل فشـ ْقد بعض ما كان مدحةً ل نصار من تشـبشـ ُّوي َّ‬
‫فقدوه ابت اء فض ــل هللا ور ـ ـوانت‪ ،‬ونص ــرهم هللا بنص ــر دينت‪ ،‬ونص ــر ر ـ ـولت هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫أن الناس تشـبشع يم يف ذلك‪ ،‬فقال ي ِرفهم‬ ‫الصادقون‪ ،‬و َّ‬
‫أب‪،‬م هم َّ‬ ‫بنصر ر التت‪ ،‬ودعوتت‪ ،‬ووهللافهم َّ‬
‫َّ ِ‬ ‫صـا ِدقو شن ﴾ وقال َّ‬
‫اَّللش‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين آمنوا اتـَّقوا َّ‬ ‫ش‬ ‫لعامة اَّؤمن‬ ‫هبذا احختصــاص ﴿أولشئِ ش‬
‫ك هم ال َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)284/2‬‬


‫‪519‬‬
‫﴿م ْن قشـْبلِ ِه ْم﴾ ‪ -‬هبذا اَّعىن‬
‫فال شقبلِيَّة ‪ -‬أأ قولت تعاىل ِ‬
‫ْ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِادقِ ش ﴾‬
‫[التوبة‪]119 :‬‬ ‫شوكونوا شم شع ال َّ‬
‫مدحة ل نص ـ ـ ــار جاءت لت ـ ـ ــعرهم بواجباهتم حنو إخوا‪،‬م الَّذين هاجروا إليهم‪ ،‬اترك دَيرهم‪،‬‬
‫َّفرغ لنص ـ ـ ــرة دينت‪ ،‬ونص ـ ـ ــرة ر ـ ـ ـ ـولت‪ ،‬فالدَّار الَّيت فقدها‬
‫وأموايم ابت اء فض ـ ـ ــل هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـوانت‪ ،‬والت ُّ‬
‫تقرابً بفقدها إىل هللا‪ ،‬فأووا إىل األنصار‬ ‫اَّهاجرون مبا فيها من أمو ٍال‪ ،‬وفلذات ٍ‬
‫أكباد َّإجا فقدوها ُّ‬
‫يتبويون معهم دارهم‪ ،‬دار األمن‪ ،‬واح ــتقرار‪ ،‬مع ــبق تش ُّبوئهم الميان قبل األنص ــار‪ ،‬فكمل يم‬ ‫َّ‬
‫تبوء الدَّار والميان‪ ،‬وانفردوا بس ـ ــبق تشـبشـ ُّوئِهم الميان‪ .‬فض ـ ــيلة ح ي ـ ــاركهم فيها ريهم‬ ‫هبذه اي رة ُّ‬
‫من ـ ــائر اَّؤمن ‪ ،‬ويف طليعتهم األنص ـ ــار‪ ،‬الَّذين جعلوا من اليواء والنُّص ـ ــرة دعامت للمؤاخاة‬
‫اجشر إِلشْي ِه ْم﴾‪ ،‬وهللا‬ ‫ِ‬ ‫القائمة عل احل ِ ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـادق‪ ،‬فقيل يف وهللا ـ ـ ـ ــفهم وهذا ح ﴿ بُّو شن شم ْن شه ش‬
‫أب‪،‬م أخرجوا من دَيرهم‪ ،‬وأموايم‬ ‫جعلت فض ـ ـ ـ ـ ـ ــيلةً يم‪ ،‬ميَّايهم هبا يف مقابلة وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف اَّهاجرين َّ‬
‫وتعر ـاً لفضــلت اَّنهمر عليهم يثت دمية ح ينقطع‪ ،‬وح يف ‪ ،‬وهم ملون ب‬ ‫ابت اء مر ــاة هللا‪ُّ ،‬‬
‫في‪ ،‬الَّذأ كان‬ ‫جواحنهم قلوابً عامرًة ابحل ِ لخوا‪،‬م األنص ـ ــار‪ ،‬الَّذين وهللا ـ ــفوا ابلخالص ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ِ‬
‫﴿وحش شِجيـدو شن ِيف هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدوِرِه ْم شحـا شجـةً ِاـَّا أوتوا﴾‬ ‫َّ‬
‫شرة احلـ يف هللا‪ ،‬وهلل‪ ،‬فقيــل عنهم أأ أ‪،‬م ش‬
‫تس ــت ــر نفو ــهم إىل فض ـ ٍـل انلت إخوا‪،‬م اَّهاجرون من ــبقهم ابلميان‪ ،‬وتض ــليتهم مبفارقة‬
‫دَيرهم‪ ،‬وأموايم‪ ،‬وانتها هم لنصرة دين هللا‪ ،‬ور احتت‪ ،‬وح يتطلَّعون إىل ٍ‬
‫شيء منت تطلباً لت‪ ،‬أو‬
‫م اركةً فيت(‪.)1‬‬

‫اجشر إِلشْي ِه ْم﴾ تبارك وتعاىل ‪-‬‬ ‫رب َّ ِ‬


‫العاية ﴿ بُّو شن شم ْن شه ش‬ ‫(د) ويف قولت واحل ُّ الَّذأ يسـ ِ لت ُّ‬
‫يف حمكم كتابت آَيت بيِنات تتل ‪ ،‬وي ـ ـ ـ ــتعبَّد هبا يف روعة إع ازها‪ ،‬وبراعة أ لوهبا‪ِ ،‬‬
‫ومسو منه ها‬
‫يف ايداية‪ ،‬ح ميكن أن يبق معت يف حناَي النَّفس اَّؤمنة آاثر حايازةٍ حتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اَّهاجرين عل ما‬
‫ااتهم هللا من مكارم الميان‪ ،‬والتَّضلية يف بيلت ِ‬
‫ابلدَير‪ ،‬واألموال‪ ،‬بلت متعةً م ِاديَّةً زائلةً اتفهةً‪.‬‬

‫وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفات اَّدحة ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلبيَّة ح تذكر يف مقامها إح إذا كانت اكنة الوقوي‪ ،‬فيكون نفيها‬

‫الصادق عرجون (‪.)94/3‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫‪520‬‬
‫ٍ‬
‫هللافات إجيابيَّ ٍة يف بناء اَّدحة اَّ ِرفة(‪.)1‬‬ ‫عنصراً من عناهللار اَّد اَّقتضية إحالل ما يقابلها من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وحش شجيدو شن ِيف هللادوِره ْم شح ش‬
‫اجةً‬ ‫فَذا قيل يف وهللاف األنصار بعد وهللافهم حببهم اَّهاجرين ش‬
‫أن هؤحء األنص ــار شمسشوا يف حبِهم لخوا‪،‬م اَّهاجرين إىل ِذروة ال َّ‬
‫صـ ـفاء‪،‬‬ ‫ِاَّا أوتوا﴾‪ ،‬معىن ذلك َّ‬
‫والخالص‪ ،‬ووحدة ال ُّ ـ ـعور‪ ،‬وامت ت هللا ـ ــدورهم هبذا احل ِ القد ـ ـ ِـي‪ ،‬فلم تعد تتَّس ـ ــع ل ـ ـ ٍ‬
‫ـيء‬
‫معت‪ ،‬إح أن يكون ذلك ال َّيء أثراً من آاثر احل ِ ‪ ،‬وليس ذلك إح ِذروة الفضائل‪ ،‬وهو إيثارهم‬
‫بكل مكرمة‪ ،‬ولو كانوا هم يف ِ‬
‫أشد احلاجة إليها(‪.)2‬‬ ‫عل أنفسهم ِ‬

‫عاي شــأنت ﴿ ِ بُّو شن شم ْن‬


‫﴿ويـ ْؤثِرو شن شعلش أشنف ِس ـ ِه ْم ﴾ عق قولت َّ‬
‫(هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ) وجميء قولت تعاىل ش‬
‫افاق تصل إليها الب ريَّة‬ ‫هاجر إِلشي ِهم ﴾ بيـ ـ ـ ــان لثمرة هذا احل ‪ ،‬وهي شرة مسا هبا األنصار إىل ٍ‬
‫ش شش ْ ْ‬
‫يف اترخيها البعيد ال َّسـليق‪ ،‬وح يف اترخيها الدَّاين القري ‪ ،‬تلك هي شرة اليثار عل النَّفس‪ ،‬الَّيت‬
‫أشرها احل ُّ المياينُّ(‪.)3‬‬
‫(و) مثَّ و ِهللا ـفوا ابلفال عل جهة احختصــاص بت يف مقابلة اختصــاص اَّهاجرين ابل ِ‬
‫ص ـدق‬
‫ت نفو ـ ـهم من‬ ‫يف عايائمهم‪ ،‬والخالص يف إميا‪،‬م‪ ،‬فقيل فيهم بعد تقرير َّأ‪،‬م هبذا اليثار هللا ـ ـ شف ْ‬
‫كدورات التَّطلُّعات‪ ،‬واحلايازات‪ ،‬وأخلصـ ـوا احل َّ لخوا‪،‬م اَّهاجرين‪ ،‬وط ِهروا من رشـ ـ ال ُّ ـ ـ ‪،‬‬
‫ك هم الْم ْفلِلو شن ﴾‬ ‫وق ش َّ نشـ ْف ِس ِت فشأولشئِ ش‬
‫﴿وشم ْن ي ش‬ ‫فتوقَّوه بفضيلة الكرم و َّ‬
‫السهاء اَّؤثر ش‬
‫األخوأ ب اَّهاجرين واألنص ـ ــار‪ ،‬هو األ ـ ــاس الَّذأ قامت عل دعائمت‬ ‫ُّ‬ ‫كان هذا احل ُّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ب أهللا ـ ـ ــلابت بعد شم ْق ِد ِمت اَّدينة‪،‬‬
‫اَّؤاخاة احجتماعيَّة الَّيت عقدها الن ُّ‬
‫فقد كانت هذه اَّؤاخاة‪ ،‬من أ بق األعمال الَّيت قام هبا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّأول ما‬
‫تقر يف مقامت‪ ،‬وأخذ يف بناء مس ده األعظم(‪.)4‬‬
‫ا َّ‬

‫الصادق عرجون (‪.)95/3‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫السابق نفست ‪.)96/3( ،‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫الصادق عرجون (‪.)98/3‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر َّ‬
‫‪521‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم م ول يف‬ ‫والظاهر َّ‬
‫أن ابتداءها كان يف اَّس د وهو ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـبىن‪ ،‬والن ُّ‬
‫بنائت مع أهللالابت من اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار‪ ،‬وكان ذلك اَّكان الطَّاهر‪ ،‬والعمل ال َّ ريف اخلالص‬
‫لوجـت هللا ‪ -‬تبـارك وتعـاىل ‪ -‬أنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ األمكنـة لبـدء اَّؤاخـاة‪َّ ،‬ـا فيهمـا من اقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال َّ افق‪،‬‬
‫األخوة الميانيَّة‪ ،‬فآخ ر ــول‬
‫والتَّعاون‪ ،‬والتَّعا ــد‪ ،‬والتَّوا ــي‪ ،‬والتَّناهللاــر‪ ،‬والتوادد‪ ،‬وتقوية اهللاــرة َّ‬
‫هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ب العامل معت يف بناء اَّس ـ د َّأوحً‪ ،‬مثَّ آخ ب ٍ‬
‫قوم آخرين يف دار‬
‫حض ا ــتوعبت اَّؤاخاة عدد طالئع اَّهاجرين‪،‬‬
‫وتكرر ذلك منت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫أنس‪َّ ،‬‬
‫واألنصار‪ ،‬وكانوا حنو اَّئة‪ ،‬نصفهم من اَّهاجرين‪ ،‬ونصفهم من األنصار(‪.)1‬‬

‫بعض أمساء املواجرين واألنصار ممَّن أتخوا يف هللا‪:‬‬


‫ص ـ ـديق ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وخارجة بن زه ٍري‪ .‬وعمر بن اخلطَّاب‪ ،‬وعتبان بن ٍ‬
‫مالك‪.‬‬ ‫أبو بك ٍر ال ِ‬
‫الايبري بن‬ ‫الرحن بن عو ٍ ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــعد بن َّ‬
‫الربيع‪ .‬و ُّ‬ ‫اجلرا ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــعد بن معاذ‪ .‬وعبد َّ‬
‫وأبو عبيدة بن َّ‬
‫مالك‪ .‬و ــعيد بن ز ٍ‬
‫يد‪،‬‬ ‫ش‪ .‬وطللة ابن عبيد هللا‪ ،‬وكع بن ٍ‬ ‫العوام‪ ،‬و ــالمة بن ــالمة بن شوقْ ٍ‬
‫أيوب خالد بن زيد‪ .‬وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة‪،‬‬ ‫يب بن كع ٍ ‪ .‬ومص ـ ـ ـ ـ ـ ــع بن عم ٍري‪ ،‬وأبو ٍ‬‫وأ ُّ‬
‫فارأ‪ ،‬واَّنذر بن‬
‫ذر ال ُّ‬ ‫وعمار بن َي ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪ .‬وأبو ٍ‬ ‫وعبَّاد بن ب ـ ـ ـ ــر بن شوقْش‪َّ .‬‬
‫عمرو‪ .‬وحاط بن أيب بلتعة(‪ ،)2‬وع شو بن ـ ـ ــاعدة‪ .‬و ـ ـ ــلمان الفار ـ ـ ــي‪ ،‬وأبو الدَّرداء‪ .‬وبالل‬
‫عمي(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الرحن اخلشثْ ُّ‬ ‫مؤذن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وأبو رشوْ ة عبد هللا بن عبد َّ‬
‫اثنياً‪ :‬ال يدروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد‪:‬‬

‫‪ - 1‬آهللارة العقيدة هي أ اس احرتباط‬

‫إن ااتمع اَّدينَّ الَّذأ أقامت ال ـالم كان جمتمعاً عقدَيً يرتبا ابل ــالم‪ ،‬وح يعر اَّواحة‬
‫َّ‬
‫إح هلل‪ ،‬ولر ـ ـ ـ ـ ـ ــولت‪ ،‬وللمؤمن ‪ ،‬وهو أعل أنواي احرتباط‪ ،‬وأرقاه إذ يتَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بوحدة العقيدة‪،‬‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪.)100/3( ،‬‬


‫تظر ‪.‬‬
‫الرجل إذا َّ‬
‫بلتعة تبلتع َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر ابن ه ام (‪ 109/2‬ـ ‪ ، )111‬و ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن كثري (‪.)324/2‬‬
‫‪522‬‬
‫الرو (‪.)1‬‬
‫والفكر‪ ،‬و ُّ‬
‫أهم ا اثر‪ ،‬والنَّتائت اَّ تِبة‬
‫إن الوحء هلل‪ ،‬ولر ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وللمؤمن من ِ‬
‫َّ‬
‫احلق ‪-‬‬
‫الرفيعــة‪ ،‬فقــد ب َّ ُّ‬ ‫عل اي رة‪ ،‬وكــان القرآن الكر ِ‬
‫يريب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عل هــذه اَّعــاين َّ‬
‫أن ابن نو ٍ وإن كان من أهلت ابعتبار القرابة لكنَّت يشـع ْد من أهلت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫ـ ــبلانت وتعاىل ‪َّ -‬‬
‫ب إِ َّن ابِْ ِم ْن‬ ‫نب هللا‪ .‬قــال تعــاىل ﴿و شان شد نو ربَّـت فشـ شق ـ شال ر ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫احلق‪ ،‬وكفر ابهلل‪ ،‬و يتَّبع َّ‬ ‫فــارق َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك إِنَّت شع شمل ش ْري‬ ‫س ِم ْن أ ْشهل ش‬ ‫ِ‬ ‫احل ُّق وأشنْت أشح شكم ْ ِ ِ‬
‫احلشاكم ش ۝ قشال َينو إنَّت لشْي ش‬ ‫أ ْشهلي شوإِ َّن شو ْع شد شك ْش ش ش ْ‬
‫اهلِ ش ﴾ [هود‪. ]46 ،45 :‬‬ ‫اجل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِِت ِع ْلم إِِين أ ِ‬ ‫هللاالِ ٍ فشالش تش ْسأشلْ ِ‬
‫ك أش ْن تشكو شن م شن ْش‬
‫شعظ ش‬ ‫س لش ش‬ ‫ش‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫ش‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ش‬ ‫ن‬ ‫ش‬
‫خوة واَّواحة ب اَّؤمن فقا‪ .‬قال تعاىل ﴿إَِّجشا الْم ْؤِمنو شن إِ ْخ شوة‬ ‫وقد حص ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ــالم األ َّ‬
‫اَّللش لش شعلَّك ْم تـ ْر شحو شن ﴾ [احلجرات‪ ]10 :‬وقطع الوحيــة ب اَّؤمن ‪،‬‬ ‫شخ شويْك ْم شواتـَّقوا َّ‬ ‫فشـأش ِ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـللوا بشْ ش أ ش‬
‫ْ‬
‫حض لو كانوا اابءهم‪ ،‬أو إخوا‪،‬م‪ ،‬أو أبناءهم‪،‬‬
‫والكافرين من اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنَّص ـ ـ ـ ـ ــار ‪َّ ،‬‬
‫ووهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــف شم ْن يفعــل ذلــك من اَّؤمن ابلظُّلم‪ ،‬اـَّا يـ ُّ‬
‫ـدل عل َّ‬
‫أن مواحة اَّؤمن للكــافرين‪ ،‬من‬
‫أعظم ُّ‬
‫الذنوب‪.‬‬

‫آابءشك ْم شوإِ ْخ شوانشك ْم أ ْشولِيشاءش إِ ِن ا ْ ـتش شلبُّوا الْك ْفشر شعلش‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين آمنوا حش تشـتَّهذوا ش‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]23 :‬‬ ‫ك هم الظَّالِمو ش‬‫ان شوشم ْن يشـتشـ شوَّي ْم ِمْنك ْم فشأولشئِ ش‬
‫ا ِلميش ِ‬

‫َّهذوا شعد ِوأ شو شعد َّوك ْم أ ْشولِيشاءش تـ ْلقو شن إِلشْي ِه ْم ِابلْ شم شوَّدةِ شوقش ْد‬ ‫وقال تعاىل ﴿َيأشيـُّها الَّ ِذين آمنوا حش تشـت ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬
‫ول شوإِ ََّيك ْم أش ْن تـ ْؤِمنوا ِاب ََّّللِ شربِك ْم إِ ْن كْنـت ْم شخشر ْجت ْم ِج شه ًادا‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ش‬‫احلشِق خيْ ِرجو شن َّ‬ ‫شك شفروا ِمبشا شجاءشك ْم ِم شن ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِيف ش ـ ـ ـ ـ ـبِيلي شوابْت شاءش شم ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ ِال تسـ ـ ـ ـ ـُّرو شن إِلشْي ِه ْم ِابلْ شم شوَّدة شوأ ششان أ ْشعلشم مبشا أ ْ‬
‫شخ شفْيـت ْم شوشما أ ْشعلشْنـت ْم شوشم ْن يشـ ْف شع ْلت‬
‫ِمْنك ْم فشـ شق ْد ش ـ ـ ـ ـ َّل ش ـ ـ ـ ـ شواءش ال َّس ـ ـ ـ ـبِ ِيل ۝ إِ ْن يشـثْـ شقفوك ْم يشكونوا لشك ْم أ ْشع شداءً شويشـْبس ـ ـ ـ ـطوا إِلشْيك ْم أشيْ ِديشـه ْم‬
‫وء ووُّدوا لشو تشكْفرو شن ۝ لشن تشـْنـ شفعكم أشرحامكم وحش أشوحشدكم يـوم الْ ِقيام ِة يـ ْف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـل‬ ‫ْ ش ْ ْ ش ْ ش ْ ْ شْ ش ش ش ش‬ ‫شوأشلْس ـ ـنشـتشـه ْم ابل ُّس ـ ـ ش ش ْ‬
‫صري ﴾ [املمتحنة‪. ]3 - 1 :‬‬ ‫اَّلل ِمبشا تشـعملو شن ب ِ‬ ‫بشـْيـنشك ْم شو َّ‬
‫ْش ش‬

‫الصليلة (‪.)252/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪523‬‬
‫فَذا كان هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت ِذر اَّؤمن يف ا َيت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـابقة من مواحة الكفَّار َّ‬
‫عامةً‪ ،‬فهناك‬
‫هللا ـةً‪ ،‬أو اهاذهم أولياء‪،‬‬
‫آَيت كثرية وردت يف حتذير اَّؤمن ‪ ،‬و‪،‬يهم عن طاعة أهل الكتاب خا َّ‬
‫الركون إليهم(‪.)1‬‬
‫أو ُّ‬
‫اَّللِ ه شو‬‫صـ ـ ـ شار شح َّض تشـتَّبِ شع ِملَّتشـه ْم ق ْل إِ َّن ه شد َّ‬
‫ك الْيشـهود شوحش النَّ ش‬ ‫﴿ولش ْن تشـ ْر ش ـ ـ ـ شعْن ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اَّللِ ِمن وٍِس وحش نش ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍري ﴾‬ ‫ْاي شد ولشئِ ِن اتَّـبـعت أشهواءهم بـع شد الَّ ِذأ جاء شك ِمن الْعِْل ِم ما لش ش ِ‬
‫ك م شن َّ ْ ش ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫ش ش ْ ش ْ ش ش ْ شْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب يشـرُّدوك ْم بشـ ْع شد‬ ‫ين أوتوا الْكتش ش‬ ‫ين آمنوا إ ْن تطيعوا فش ِري ًقا م شن الذ ش‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫[البقرة‪ ]120 :‬وقال تعاىل ش‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ـ ـ شار‬
‫ود شوالنَّ ش‬‫ين آمنوا حش تشـتَّهذوا الْيشـه ش‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪ ،]100 :‬وقال تعاىل ش‬ ‫إميشانك ْم شكاف ِر ش‬
‫اَّللش حش يشـ ْه ِدأ الْ شق ْوشم ال ظَّالِ ِم ش ﴾‬‫ض شوشم ْن يشـتشـ شوَّي ْم ِمْنك ْم شفَِ نَّت ِمْنـه ْم إِ َّن َّ‬‫أ ْشولِشياءش بشـ ْعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم أ ْشولِشياء بشـ ْع ٍ‬
‫[املائدة‪. ]51 :‬‬

‫الظالل «هذا النِداء َّ‬


‫موجت إىل اجلماعة اَّسـ ــلمة يف اَّدينة‪ ،‬ولكنَّت يف الوقت‬ ‫قال هللاـ ــاح ِ‬
‫أأ رك ٍن من أركان األرض إىل يوم القيامة‪ ،‬ولقد كانت‬ ‫اعة مسـ ـ ٍ‬
‫ـلمة‪ ،‬تقوم يف ِ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫موجت ِ‬‫ذاتت َّ‬
‫أن اَّفاهللاـ ــلة تكن كاملةً‪ ،‬وح حامسةً‬ ‫اَّنا ـ ــبة احلا ـ ــرة إذ ذاك لتوجيت هذا النداء لِلَّذين آمنوا َّ‬
‫هللا ـ ٍة اليهود‪ ،‬فقد كانت هناك عالقات‬‫ب بعض اَّســلم يف اَّدينة‪ ،‬وبعض أهل الكتاب‪ ،‬و ا َّ‬
‫وتعامل‪ ،‬وعالقات جريةٍ‪ ،‬وهللاـ ـ ٍ‬
‫ـلبة‪ ،‬وكان هذا كلُّت طبيعياً مع‬ ‫ٍ‬ ‫وحلف‪ ،‬وعالقات اقتصـ ـ ٍ‬
‫ـاد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحء‪،‬‬
‫احجتماعي يف اَّدينة قبل ال ــالم ب أهل اَّدينة من العرب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الو ــع التَّارخيي‪ ،‬واحقتصـ ِ‬
‫ـادأ‪ ،‬و‬
‫هللاـ ٍة‪ ،‬وكان هذا الو ـع يتي لليهود أن يقوموا بدورهم يف الكيد يذا ِ‬
‫الدين‬ ‫وب اليهود بص ٍ‬
‫ـفة خا َّ‬
‫َّد ْهتا‪ ،‬وك فتها النُّصوص القرآنيَّة الكثرية‪.‬‬
‫وأهلت بكل هللانو الكيد اليت عد ش‬
‫ليبث الوعي الالَّزم للمس ـ ــلم يف اَّعركة الَّيت خيو ـ ــها بعقيدتت‪ ،‬لتلقيق منه ت‬
‫ونايل القرآن َّ‬
‫اجلديد يف واقع احلياة ولين ـ ــئ يف ـ ــمري اَّس ـ ــلم تلك اَّفاهللا ـ ــلة الكاملة‪ ،‬بينت وب ِ‬
‫كل من ح‬
‫هللا ـ ـ ـة‪ .‬اَّفاهللا ـ ـ ــلة الَّيت ح تنهي ال َّس ـ ـ ـماحة‬
‫ينتمي إىل اجلماعة اَّس ـ ـ ــلمة‪ ،‬وح يقف حتت رايتها اخلا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ألحايمي جايوس ‪ ،‬ص ‪.417‬‬


‫‪524‬‬
‫اخللقيَّة‪ ،‬فهذه هللا ـ ــفة اَّس ـ ــلم دائماً‪ ،‬ولكنَّها تنهي الوحء الَّذأ ح يكون يف قل اَّس ـ ــلم إح هلل‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫جيل‪...‬‬ ‫كل ٍ‬
‫أرض‪ ،‬ويف ِ‬ ‫ور ـ ـ ـ ـ ـ ـولت‪ ،‬والذين آمنوا‪ .‬الوعي‪ ،‬واَّفاهللاـ ـ ـ ـ ـ ــلة اللَّذان حب َّد منهما يف ِ‬
‫ابلايمن َّ‬
‫أل‪،‬ا حقيقة انبعة من‬ ‫ض﴾ [املائدة‪َّ ،]51 :‬إ‪،‬ا حقيقة ح عالقة يا َّ‬ ‫﴿بشـ ْعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم أ ْشولِشياء بشـ ْع ٍ‬
‫أأ ٍ‬
‫أرض‪ ،‬وح يف ِ‬
‫أأ اتري ٍ ‪ ،‬وقد‬ ‫طبيعة األشـ ـ ـ ـ ــياء‪َّ ،‬إ‪،‬م لن يكونوا أولياء لل ماعة اَّسـ ـ ـ ـ ــلمة يف ِ‬
‫مرةً‬
‫هتل هذه القاعدة َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـادقة‪ ،‬و َّ‬
‫مضـ ـ ـ ــت القرون تلو القرون‪ ،‬تر ـ ـ ـ ــم مصـ ـ ـ ــداق هذه اَّقولة ال َّ‬
‫واحد ًة‪ ،‬و يقع يف هذه األرض إح ما َّقرره القرآن الكر يف هللاـ ـ ـي ة الوهللا ـ ــف الدَّائم‪ ،‬ح احلادث‬
‫ض﴾ [املائدة‪ ]51 :‬ليس ــت جمرد‬ ‫اَّفرد‪ ،‬واختيار اجلملة احمسيَّة عل هذا النَّلو‪﴿ ،‬بشـ ْعض ـه ْم أ ْشولِيشاء بشـ ْع ٍ‬
‫تعبري! َّإجا هي اختيار مقصود للدحلة عل الوهللاف الدَّائم األهللايل»(‪.)1‬‬

‫ألن من أبرز هللاـ ـ ـفاهتم‬ ‫وقد ‪ ،‬هللا ‪ -‬ـ ــبلانت ‪ -‬اَّؤمن عن اهاذ اَّنافق أولياء وذلك َّ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مواحة الكفار‪ ،‬وكراهية دين هللا‪ .‬قال تعاىل ﴿بش ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر الْمنشافِ ِق ش ِأب َّ‬
‫يما ۝ الذ ش‬ ‫شن شي ْم شع شذ ًااب أشل ً‬
‫يـتَّ ِه ـ ـذو شن الْ شك ـ ـافِ ِرين أشولِي ـ ـاء ِمن د ِ‬
‫ون الْم ْؤِمنِ ش أشيشـْبـتشـ و شن ِعْن ـ ـ شدهم الْعَِّايةش فش ـ ـَِ َّن الْعَِّايةش ََِّّللِ شِ ي ًع ـ ـا ﴾‬ ‫ش ش ش ْ‬ ‫ش‬
‫[املنافقني‪. ]139 - 138 :‬‬

‫﴿َيأشيـُّ شها‬
‫اَّدين‪ ،‬ومنها قولت تعاىل ش‬ ‫هللا ــور هذه اَّفاهللا ــلة يف القرآن ِ‬ ‫وقد جاءت آَيت تو ِ ـ‬
‫وا ْ ل ْم علشي ِهم ومأْواهم جهنَّم وبِْئس الْم ِ‬
‫صري ﴾ [التوبة‪. ]73 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫النِ ِ ِ‬
‫ش ْ ْ شش ش ْ ش ش ش ش ش‬ ‫ش‬ ‫َّار شوالْمنشافق ش‬
‫َّب شجاهد الْكف ش‬
‫ُّ‬
‫﴿وحش‬‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة عليهم‪ ،‬أو القيام عل قبورهم‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫عاي وجل ‪ -‬عن ال َّ‬ ‫و‪ ،‬اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ات أشبش ًدا شوحش تشـق ْم شعلش قشِْربهِ إِ َّ‪ْ ،‬م شك شفروا ِاب ََّّللِ شوشر ـ ـولِِت شوشماتوا شوه ْم فشا ِ ـ ـقو شن‬ ‫تص ـ ـ ِل علش أ ٍ ِ‬
‫شحد مْنـه ْم شم ش‬
‫ش ش ش‬
‫[التوبة‪. ]84 :‬‬ ‫﴾‬

‫عاي وجل ‪ -‬لِلَّذين آمنوا جهة الوحء الوحيدة‪ ،‬الَّيت تتَّفق مع هللاـ ـ ـ ـ ـ ــفة الميان‪،‬‬ ‫وحدَّد اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ين ي ِقيمو شن ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـالششة‬ ‫َّ ِ‬
‫ين آمنوا الذ ش‬
‫َّ ِ‬ ‫وب َّ يم من يتولَّون‪ .‬قال تعاىل ﴿إَِّجشا شولِيُّكم َّ‬
‫اَّلل شوشر ـ ـ ـ ـ ـولت شوالذ ش‬
‫اَّللِ هم الْ شالِبو شن﴾‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫ين آمنوا فشَِ َّن ح ْاي ش‬
‫َّ ِ‬
‫اَّللش شوشر ولشت شوالذ ش‬‫الايشكاةش شوه ْم شراكِعو شن ۝ شوشم ْن يشـتشـ شوَّل َّ‬
‫شويـ ْؤتو شن َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)911/2‬‬


‫‪525‬‬
‫[املائدة‪. ]56 - 55 :‬‬

‫فقد فهم الص ـ ــلابة َّ‬


‫أن وحءهم ح يكون إح لقيادهتم‪ ،‬وإخالهللاـ ـ ــهم ح يكون إح لعقيدهتم‪،‬‬
‫فلققوا ذلك كلَّت يف أنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وطبَّقوه عل حياهتم‪،‬‬
‫وجهادهم ح يكون إح لعالء كلمة هللا‪َّ ،‬‬
‫الرائعة‪ ،‬الَّيت‬
‫فملض ـ ـوا وحءهم‪ ،‬وجعلوه هلل‪ ،‬ور ـ ـولت‪ ،‬واَّؤمن ‪ ،‬وأهللا ــب اترخيهم حافالً ابَّواقف َّ‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫تدل عل فهمهم العميق َّعىن الوحء‪ ،‬الذأ منلوه خلالقهم‪ ،‬ولدينهم‪ ،‬وعقيدهتم‪ ،‬وإخوا‪،‬م‪.‬‬

‫إن التَّـ ـ ــآخي الَّذأ ذَّ ب اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار كان مسبوقاً بعقيدةٍ ذَّ اللِقاء عليها‪ ،‬والميان‬ ‫َّ‬
‫ووْهم‪،‬‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هبا فالتآخي ب ش ـ ـ ـ ــهصـ ـ ـ ـ ـ يـ ْؤمن كل منهما بفكرة‪ ،‬أو عقيدة ملالفة ل خر خرافة‪ ،‬ش‬
‫خص ـ ـ ـوهللا ـ ـ ـاً إذا كانت تلك الفكرة‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬اَّا شْحت ِمل هللا ـ ــاحبها عل ـ ـ ٍ‬
‫ـلوك مع َّ ٍ يف احلياة‬
‫العمليَّة‪ ،‬ولذلك كانت العقيدة ال ــالميَّة الَّيت جاء هبا ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم من عند‬
‫ألن تلك العقيدة تض ـ ـ ـ ـ ـ ــع الناس كلَّهم يف‬
‫الفقرأ للمؤاخاة اليت حدثت َّ‬
‫َّ‬ ‫هللا تعاىل هي العمود‬
‫ص ـ ـ ـاأ إذ‬
‫فارق‪ ،‬إح فارق التَّقو ‪ ،‬والعمل ال َّ‬ ‫مص ـ ــا ِ العبودية اخلالص ـ ــة هلل‪ ،‬دون احعتبار ِ‬
‫ألأ ٍ‬
‫ٍ‬
‫أانس شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتَّـتشـْتـهم العقائد‪ ،‬واألفكار‬ ‫ليس من اَّتوقَّع أن يس ـ ـ ـ ـ ـ ــود الخاء‪ ،‬والتَّعاون‪ ،‬واليثار ب‬
‫اَّهتلفة‪ ،‬فأهللاب كل منهم ملكاً ألاننيتت‪ ،‬وأثرتت‪ ،‬وأهوائت(‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬احل ُّ يف هللا أ اس بنية ااتمع ِ‬


‫اَّدين‬

‫ت اتكل‬ ‫إن اَّؤاخاة عل احل ِ يف هللا من أقو الدَّعائم يف بناء َّ‬


‫األمة اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمة‪ ،‬فَذا شوشه ْ‬ ‫َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم عل تعميق معاين احل ِ يف هللا‪ ،‬يف‬
‫حرص الن ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كل بنيا‪،‬ا ولذلك ش‬ ‫ُّ‬
‫إن هللا تعاىل يقول يوم القيامة أين‬ ‫ااتمع اَّسـ ـ ــلم اجلديد‪ ،‬فقد قال هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم « َّ‬
‫ظلِي» [مسلم (‪ )2566‬وأمحد (‪ 237/2‬و‪ )535‬ومالك‬
‫ظل إح ِ‬ ‫اَّتلابُّون قالس؟ اليوم أظلُّهم يف ظلِي يوم ح َّ‬
‫يف املوطأ (‪.] )952/2‬‬

‫يف‪،‬‬ ‫وقال «قال هللا تبارك وتعاىل حقَّت حمبَّيت للمتلابِ َّ‬
‫يف‪ ،‬وحقَّت حمبَّيت للمتواهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل َّ‬

‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫الصادق عرجون (‪.)129/3‬‬
‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫‪526‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِديقون‪،‬‬
‫يف عل منابر من نوٍر‪ ،‬ي بطهم النَّبيُّون‪ ،‬وال ِ‬
‫ش‬ ‫يف‪ .‬اَّتلابُّون َّ‬
‫وحقَّت حمبَّيت للمتباذل َّ‬
‫[أمحد (‪ 229/5‬و‪ )239‬وابن حبان (‪ )577‬ورو الرتمذي (‪ )2390‬طرفه األخري] ‪.‬‬ ‫وال ُّهداء»‬

‫صـ ـلابة عل معاين احل ِ والتَّكافل‪،‬‬


‫حتث ال َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ُّ ،‬‬
‫كانت توجيهات الن ِ‬
‫ٍ‬
‫حمكوم‪ ،‬وح قوأ‬ ‫واح ام اَّســلم بعضــهم بعض ـاً‪ ،‬فال يســتعلي عل فق ٍري‪ ،‬وح حاكم عل‬
‫اَّدين اجلديد‪ ،‬فعن أنس بن ٍ‬
‫مالك ر ـ ــي هللا‬ ‫ــ ٍ‬
‫ـعيف‪ ،‬وكان للل ِ يف هللا أثره يف ااتمع ِ‬ ‫عل‬
‫عنت قال كان أبو طللة أكثر أنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـارأ ابَّدينة َنالً‪ ،‬وكان أح َّ أموالت إليت بشْري شحاء‪ ،‬وكانت‬
‫مســتقبلةش اَّس ـ د‪ ،‬وكان ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يدخلها‪ ،‬وي ــرب من ٍ‬
‫ماء فيها طيِ ٍ ‪،‬‬
‫فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نايلت ﴿لش ْن تشـنشالوا الِْ َّرب شح َّض تـْن ِفقوا ِاَّا ِحتبُّو شن شوشما تـْن ِفقوا ِم ْن شش ـ ـ ـ ـ ْي ٍء فشَِ َّن ا ََّّللش بِِت شعلِيم ﴾‬
‫إن هللا يقول ﴿لش ْن تشـنشالوا الِْ َّرب شح َّض تـْن ِفقوا ِاَّا‬ ‫[آل عمران‪ ]92 :‬قام أبو طللة‪ ،‬فقال َي ر ـ ـول هللا! َّ‬
‫وإ‪،‬ا هللاــدقة هلل‪ ،‬أرجو بَِّرها‪ ،‬وذ ْخرها عند هللا‪ ،‬فضــعها‬ ‫إس (بشْريحاء)‪َّ ،‬‬ ‫وإن أح َّ أمواس َّ‬ ‫ِحتبُّو شن﴾‪َّ ،‬‬
‫َي ر ـ ــول هللا! حيث أراك هللا‪ .‬قال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ذلك مال راب ! ذلك‬
‫وإين أر أن دعلهــا يف األقرب »‪ ،‬فقــال أبو طللــة أفعــل َي‬ ‫ـت‪ِ ،‬‬‫مــال راب ! وقــد مسعــت مــا قلـ ش‬
‫فقسمها أبو طللة يف أقاربت وب ِ‬
‫عمت‪[ .‬البخاري (‪ )1()1461‬ومسلم (‪. ])998‬‬ ‫ر ول هللا! َّ‬

‫وهذا عبد الرحن بن عو ر ي هللا عنت ِدثنا عن هذه اَّعاين َّ‬


‫الرفيعة‪ ،‬حيث قال لـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬
‫الربيع‪ ،‬فقال ــعد بن‬ ‫ـعد بن َّ‬‫قدمنا اَّدينة آخ ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم بي ‪ ،‬وب ـ ٍ‬

‫هويت نشـشايلْت لك‬


‫زوجيت ش‬
‫َّ‬ ‫الربيع ِإين أكثر األنص ـ ــار ماحً‪ ،‬فأشقس ـ ــم لك نص ـ ــف ماس‪ ،‬وانظر َّ‬
‫أأ‬ ‫َّ‬
‫الرحن ح حاجة س يف ذلك‪ ،‬هل من ـ ٍ‬
‫ـوق‬ ‫تايوجتشها‪ .‬قال فقال لت عبد َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ (‪)2‬‬
‫ت‬
‫عنها‪ ،‬فَذا شحل ْ‬
‫فيت دارًة؟ قال وق قينقاي(‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫أبقا‪ ،‬ومس ٍن‪ ،‬قــال مثَّ اتبع ال ـد َّو(‪ ،)4‬فمــا لبــث أن جــاء‬ ‫الرحن فــأت‬
‫قــال ف ــدا إليــت عبــد َّ‬

‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ (‪.)254/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬نايلت لك عنها أأ طلَّقتها ألجلك ‪ ،‬فَذا حلَّت أأ انقضت عدَّهتا‪.‬‬
‫السوق إليهم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )3‬قينقاي قبيلة من اليهود نس‬
‫السوق للت ارة‪.‬‬ ‫(‪ )4‬اتبع ال د َّو أأ داوم َّ‬
‫الذهاب إىل ُّ‬
‫‪527‬‬
‫جت؟» قال نعم‪.‬‬ ‫الرحن عليت أثـشر هللاـ ـ ـفرةٍ‪ ،‬فقال ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «تشـشايَّو ش‬
‫عبد َّ‬
‫ت؟» قال ِزنشةش نواةٍ من ذه ٍ ‪ -‬أو‬ ‫وم ْن؟» قال امرأ ًة من األنص ـ ـ ــار‪ .‬قال «كم ـ ـ ـ ـ ْق ش‬ ‫قال « ش‬
‫ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «أو ولو ب ـ ـ ــاةٍ» [البخاري (‪ 2048‬و‪)3780‬‬
‫ْْ‬ ‫نوا ًة من ذه ‪ -‬فقال لت الن ُّ‬
‫ومسلم (‪.])1426‬‬

‫الرحن بن عو ٍ ر ــي هللا‬ ‫الربيع قابلت عفة وكرم ٍ‬


‫نفس من عبد َّ‬ ‫أن كرم ــعد بن َّ‬ ‫ونالحم َّ‬
‫الرحن بن عو ٍ خاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً بت بل َّ‬
‫إن الكثري من اَّهاجرين كان‬ ‫عنهما‪ ،‬و يكن مس ـ ـ ـ ـ ـ ــلك عبد َّ‬
‫مكوثهم يس ـ ـ ـ ـرياً يف بيوت إخوا‪،‬م من األنص ـ ـ ــار‪ ،‬مثَّ ابش ـ ـ ــروا العمل‪ ،‬والكس ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬واش ـ ـ ـ ـ وا بيواتً‬
‫ألنفس ـ ـ ــهم‪ ،‬وتكفَّلوا بنفقة أنفس ـ ـ ــهم ومن هؤحء أبو بك ٍر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬و ريهم ر ـ ـ ـي هللا‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪ - 3‬النَّصيلة ب اَّتآخ يف هللا‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ب‬‫كان للمؤاخاة أثر يف اَّناهللا ـ ــلة ب اَّس ـ ــلم ‪ ،‬فقد آخ الن ُّ‬
‫ــلمان‪ ،‬وأيب الدَّرداء‪ ،‬فايار ــلمان أاب الدَّرداء‪ ،‬فرأ َّأم الدرداء‪ ،‬متشـب ِذلشةً‪ ،‬فقال يا ما ش ــأن ِ‬
‫ك؟‬ ‫ش‬
‫قالت أخوك أبو الدَّرداء‪ ،‬ليس لت حاجة يف الدُّنيا‪ .‬ف اء أبو الدَّرداء فص ـ ـ ـ ـ ـ ــنع لت طعاماً‪ ،‬فقال‬
‫حض أتكل‪ .‬قال فأكل‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان اللَّيل ذه أبو‬ ‫لت كل‪ِ ،‬‬
‫فَين هللا ــائم‪ ،‬قال ما أان ٍ‬
‫ابكل َّ‬ ‫ْ‬
‫الدَّرداء يقوم‪ ،‬قال شْمن‪ ،‬فنام‪ ،‬مثَّ ذه يقوم‪ ،‬فقال شْمن‪ .‬فلـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان آخر اللَّيل‪ ،‬قال لمان قم‬
‫إن لربِك عليك حقاً‪ ،‬ولنفس ـ ـ ــك عليك حقاً‪ ،‬وألهلك عليك‬
‫ص ـ ـ ـلَّيا‪ .‬فقال لت ـ ـ ــلمان َّ‬
‫ا ن‪ ،‬ف ش‬
‫َّب‬
‫النب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم فذكر ذلك لت‪ ،‬فقال لت الن ُّ‬
‫َّ‬ ‫حق حقَّت‪ .‬فأت‬ ‫كل ذأ ٍ‬
‫حقاً‪ ،‬فأعا َّ‬
‫ق لمان» [البخاري (‪ 1968‬و‪ )6139‬والرتمذي (‪. ])2413‬‬ ‫هللا شد ش‬
‫هللال هللا عليت و لم « ش‬
‫‪ - 4‬ح ما أثنيتم عليهم‪ ،‬ودعوذ هللا يم‬

‫كان األنص ـ ـ ــار قد وا ـ ـ ـ ـوا إخوا‪،‬م اَّهاجرين أبنفس ـ ـ ــهم‪ ،‬وزادوا عل ذلك أبن اثروهم عل‬
‫وقوة إميا‪،‬م‪ ،‬فقد رويت جاذً عالية من‬
‫أنفسـ ــهم ري الدُّنيا‪ ،‬وهذا شـ ــاهد عل هللاـ ــدق حمبَّتهم‪َّ ،‬‬

‫‪528‬‬
‫مواقف األنصــار‪ ،‬الَّيت كان يا أثر عميق يف نفوس اَّهاجرين‪ ،‬فعن أيب هريرة ر ــي هللا عنت قال‬
‫َّهيل‪ .‬قال ح‪ .‬فقالوا تكفوننا اَّؤونة‪،‬‬ ‫« قالت األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار للن ِ ِ‬
‫َّب اقْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْم بيننا وب إخواننا الن ش‬
‫ككم يف الثَّمرة‪ .‬قالوا مسعنا‪ ،‬وأطعنا» [البخاري (‪])2325‬‬ ‫ون ر‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬أن َّ‬
‫يتوىل قســمة‬ ‫فهذا احلديث يفيد َّ‬
‫أن األنصــار عر ـوا عل الن ِ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫أموايم بينهم‪ ،‬وب إخوا‪،‬م اَّهاجرين‪ ،‬وقد كانت أموايم هي النَّهيل‪ ،‬فأىب عليهم الن ُّ‬
‫هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وأراد أمراً تكون فيت اَّوا ـ ــاة من ري إجلا ٍ ابألنص ـ ــار بايوال ملكية أموايم‬
‫عنهم‪ ،‬فقــال األنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار للمهــاجرين تكفوننــا اَّؤونــة ‪ -‬أأ العمــل يف النَّهيــل من ـ ـ ـ ـ ـ ــقيهــا‪،‬‬
‫وإهللاالحها ‪ -‬ون رككم يف الثَّمرة‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قالوا ذلك رأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫أن‬
‫هذا الرأأ ــمن ـ ِـد حاجة اَّهاجرين‪ ،‬مع الرفاق ابألنصــار‪َّ ،‬‬
‫فأقرهم عل ذلك فقالوا يعاً‬
‫مسعنا‪ ،‬وأطعنا(‪.)1‬‬

‫لعل اَّهاجرين كانوا يساعدو‪،‬م يف‬


‫وقد قام األنصار ابَّؤونة‪ ،‬وأشركوا اَّهاجرين يف الثَّمرة‪ ،‬و َّ‬
‫الرفيعة‬
‫لكن أكثر العمل عند األنصار‪ .‬وقد شكر اَّهاجرون ل نصار فعلهم‪ ،‬ومواقفهم َّ‬ ‫العمل‪ ،‬و َّ‬
‫يف اليثار‪ ،‬والكرم‪ ،‬وقالوا َي ر ــول هللا! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحســن موا ــاةً يف ق ٍ‬
‫ليل‪،‬‬
‫وح أحس ـ ــن بذحً يف كث ٍري‪ ،‬ولقد كفوان اَّؤونة وأش ـ ــركوان يف اَّهنأ(‪َّ ،)2‬‬
‫حض لقد حس ـ ــبنا أن يذهبوا‬
‫ابألجر كلِ ـت‪ ،‬قــال «ح‪ ،‬مــا أثنيتم عليهم‪ ،‬ودعوذ هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي وج ــل ‪ -‬يم» [أمحــد (‪)201 - 200/3‬‬

‫والرتمذي (‪ )2487‬وابن أب شيبة (‪. ])68/9‬‬

‫ِ‬
‫األخروأ بيان لعمق تصـ ـ ـ ُّـورهم لللياة ا خرة‪ ،‬وهيمنة هذا‬ ‫ويف إشـ ـ ــارة اَّهاجرين إىل األجر‬
‫التَّصور عل تفكريهم(‪.)3‬‬

‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أن يكافئ األنص ـ ـ ــار عل تلك اَّكارم العظيمة‪ ،‬الَّيت‬
‫وقد أراد الن ُّ‬

‫المي (‪.)30/4‬‬‫انظر التَّاري ال ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬يع كفوان العمل ‪ ،‬وأشركوان يف الثَّمرة‪.‬‬


‫مي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)406/4‬‬ ‫انظر التَّاري ال ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪529‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت‬ ‫قدَّموها لخوا‪،‬م اَّهاجرين‪ ،‬فعن أنس بن ٍ‬
‫مالك ر ــي هللا عنت قال «دعا الن ُّ‬
‫و لم األنصار إىل أن يـ ْق ِط شع يم البلرين‪ ،‬فقالوا ح‪ ،‬إح أن تـ ْق ِطع لخواننا من اَّهاجرين مثلشها‪.‬‬
‫[البخاري (‪. ])3794‬‬ ‫حض ت ْل شقوين فَنَّت يصيبكم بعدأ أشثـششرة»‬
‫قال َّإما ح فاهللاربوا َّ‬
‫َّقت هذه اَّؤاخاة أهدافها‪ ،‬فمنها إذهاب وح ـ ـ ـ ـ ــة ال ربة للمهاجرين‪ ،‬ومؤانس ـ ـ ـ ـ ــتهم‬
‫لقد حق ْ‬
‫أأ دو ٍلة‬ ‫الدولة اجلديدة َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫وشد أزر بعضهم بعضاً‪ ،‬ومنها ‪،‬وض َّ‬ ‫عن مفارقة األهل والع رية‪ِ ،‬‬

‫لكل من‬ ‫األمة‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ـ ــاندها‪ ،‬وح ميكن ٍ‬


‫ح ميكن أن تنهض‪ ،‬وتقوم إح عل أ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس من وحدة َّ‬
‫فكل ٍ‬
‫اعة ح تؤلف بينها اهللارة‬ ‫يتم ب ري ِ‬
‫عامل التَّ ـ ـ ـ ـ ــاخي واَّبَّ ـ ـ ـ ـ ــة اَّتبادلة‪ُّ ،‬‬ ‫الوحدة والتَّساند أن َّ‬
‫اَّودة‪ ،‬والتَّ ـ ـ ـ ـ ــاخي احلقيقية ح ميكن أن تتَّلد حول مبدأ ما‪ ،‬وما يكن ِ‬
‫اححتاد حقيقةً قائمةً يف‬
‫األمة‪ ،‬أو اجلماعة‪ ،‬فال ميكن أن تتألَّف منها دولة(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫‪ - 5‬الرث ابَّؤاخاة‬
‫يعر اتري الب ر كلُّت حاداثً اعياً‪ ،‬كلادث ا تقبال األنصار للمهاجرين‪ ،‬هبذا احل ِ‬
‫الفعالة‪ ،‬وهبذا التَّسـ ـ ـ ـ ـ ــابق إىل اليواء‪ ،‬واحتمال‬
‫هي‪ ،‬وهبذه اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــاركة َّ‬
‫الكر ‪ ،‬وهبذا البذل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪.‬‬
‫العملي حلياة َّ‬
‫ِ‬ ‫األعباء‪ ،‬فقد طبِقت َّ‬
‫األخوة يف الواقع‬

‫جمرد شــعا ٍر‬


‫اترخيي يكن َّ‬
‫ٍ‬ ‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ب أهللاــلابت من مبدأ‬ ‫َّ‬
‫إن ما أقامت َّ‬
‫وبكل أوجت‬‫وإجا كان حقيقةً عمليَّةً‪ ،‬تتَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بواقع احلياة‪ِ ،‬‬ ‫يف ٍ‬
‫كلمة أجرآه ا عل ألس ـ ـ ـ ـ ـ ــنتهم َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم من هذه األخوة‬ ‫العالقات القائمة ب األنصار واَّهاجرين‪ ،‬فقد جعل الن ُّ‬
‫تؤد فيما بينهم عل خري‬
‫مس ـ ــؤوليَّةً حقيقيَّةً‪ ،‬ت ـ ــيع ب هؤحء الخوة‪ ،‬وكانت هذه اَّس ـ ــؤوليَّة َّ‬
‫حق اَّرياث منوطاً هبذا التَّـ ــاخي دون حقوق القرابة‬
‫وجت‪ ،‬ولذلك جعل هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪َّ -‬‬ ‫ٍ‬
‫األخوة ال ـ ــالميَّة حقيقةً حمسـ ــو ـ ـةً يف أذهان‬
‫َّ‬ ‫الرحم‪ ،‬فقد كان من حكمة التَّ ـ ـريع أن تت لَّ‬ ‫و َّ‬
‫جمردين‬
‫أن ما ب اَّس ــلم من التاخي والتَّلاب ‪ ،‬ليس ش ــعاراً‪ ،‬وكالماً َّ‬ ‫اَّس ــلم ‪ ،‬وأن يعلموا َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)3526/6‬‬


‫‪530‬‬
‫أهم أ ـ ـ ـ ـ ـ ــس نظام العدالة‬ ‫وإجا هي حقيقة قائمة‪ ،‬ذات نتائت اجتماعيَّ ٍة حمس ـ ـ ـ ـ ـ ــو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‪ِ ،‬‬
‫تكون َّ‬ ‫َّ‬
‫األخوة فيما بعد‪ ،‬فهي َّ‬
‫أن نظام اَّرياث‬ ‫احجتماعيَّة‪َّ .‬أما حكمة نس ـ التَّوارث عل أ ــاس هذه َّ‬
‫إذ ح توارث ب ذوأ‬ ‫أخوة ال ـ ــالم ب اَّتوارث‬ ‫الَّذأ ا ـ ـ َّ‬
‫ـتقر أخرياً َّإجا هو نفسـ ــت قائم عل َّ‬
‫دين ملتلف إح َّ‬
‫أن الف ة األوىل من اي رة‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــعت كالً من األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار واَّهاجرين‪ ،‬أمام‬
‫هللاـ ـ ـ ٍة من التعاون‪ ،‬والتَّناهللا ـ ــر‪ ،‬واَّؤانس ـ ــة بس ـ ــب مفارقة اَّهاجرين ألهلهم‪ ،‬وتركهم‬
‫مس ـ ــؤوليَّ ٍة خا َّ‬
‫دَيرهم‪ ،‬وأموايم يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬ونايويم ـ ـ ـ ـ ـ ــيوفاً عل إخوا‪،‬م األنص ـ ـ ـ ـ ـ ــار يف اَّدينة‪ ،‬فكان من إقامة‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم من التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخي ب أفراد اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار مانة لتلقيق هذه‬
‫َّ‬
‫اَّسـ ــؤوليَّة‪ ،‬ولقد كان من مقتض ـ ـ هذه اَّسـ ــؤوليَّة أن يكون هذا التاخي أقو يف حقيقتت‪ ،‬وأثره‬
‫تقر أمر اَّهاجرين يف اَّدينة‪ ،‬و َّ‬
‫َتكن ال الم فيها دت الُّرو‬ ‫ااردة‪ ،‬فلـ ـ َّـما ا َّ‬
‫الرحم َّ‬
‫خوة َّ‬
‫من أ َّ‬
‫ال الميَّة هي وحدها العص الطَّ ُّ‬
‫بيعي للم تمع اجلديد يف اَّدينة(‪.)1‬‬

‫الرزق فيها‪ ،‬وأهللا ـ ـ ــابوا من نائم بد ٍر‬


‫جو اَّدينة‪ ،‬وعرفوا مس ـ ـ ــالك ِ‬
‫ف اَّهاجرون َّ‬ ‫ِ‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أل ش‬
‫بيعي‪ ،‬اَّنسـ ـ م مع الفطرة الب ـريَّة‪ ،‬عل أ ــاس‬ ‫الكرب ما كفاهم رجع التَّوارث إىل و ــعت الطَّ ِ‬
‫ين آمنوا‬ ‫بنص القرآن الكر ‪ .‬قال تعاىل َّ ِ‬ ‫الرحم‪ ،‬وأبطل التَّوارث ب اَّتاخ ‪ ،‬وذلك ِ‬
‫﴿والذ ش‬ ‫ش‬ ‫هللاــلة َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ض ِيف كِتش ِ‬
‫ك ِمْنك ْم شوأولو األ ْشر شح ِام بشـ ْعض ـه ْم أ ْشوشىل بِبشـ ْع ٍ‬
‫اب َّ‬ ‫اهدوا شم شعك ْم فشأولشئِ ش‬
‫اجروا شو شج ش‬
‫ِ‬
‫م ْن بشـ ْعد شوشه ش‬
‫علِيم ﴾ [اآلنفال‪.]75 :‬‬ ‫ٍ‬
‫اَّللش بِك ِل شش ْيء ش‬
‫إِ َّن َّ‬
‫الرفادة‪ ،‬والنَّص ــيلة‬ ‫فهذه ا ية نس ــهت التَّوارث مبوج نظام اَّؤاخاة(‪ ،)2‬وبقيت النُّص ــرة‪ ،‬و ِ‬
‫اس ِاَّا‬ ‫ِ‬
‫﴿ول ك ٍل شج شع ْلشنا شم شو ش‬
‫عباس ذلك عند قولت تعاىل ِ‬
‫ش‬ ‫األمة ابن ٍ‬ ‫ب اَّتاخ (‪ ،)3‬فقد ب َّ شح ْرب َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيبشـه ْم إِ َّن ا ََّّللش شكا شن شعلش ك ِل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ٍء‬
‫ت أْشميشانكم فشآتوهم نش ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ين شع شق شد ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تشـشرشك الْ شوال شدان شواألشقْـشربو شن شوالذ ش‬
‫يدا ﴾ [النساء‪. ]33 :‬‬ ‫شش ِه ً‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص (‪.)212 ، 211‬‬
‫الصليلة (‪.)246/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية َّ‬
‫(‪ )3‬انظر التَّاري ال المي (‪.)25/4‬‬
‫‪531‬‬
‫ت أْشميشانك ْم﴾ كان اَّهاجرون لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫ين شع شق شد ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اس﴾ قال ورثةً ﴿ شوالذ ش‬ ‫﴿ولِك ٍل شج شع ْلنشا شم شوِ‬
‫قال ش‬
‫ش‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫ـارأ دون ذوأ رحت ل خوة الَّيت آخ الن ُّ‬ ‫قدموا اَّدينة يرث اَّهاجر األنص ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ت أْشميشانك ْم‬ ‫و لم بينهم‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نايلت ﴿ولِك ٍل جع ْلنا موِاس﴾ نسهت‪ ،‬مثَّ قال َّ ِ‬
‫ين شع شق شد ْ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬ ‫ش ش ش شش ش‬ ‫ش‬
‫فشآتوهم نش ِ‬
‫صيبشـه ْم﴾(‪ )1‬من النصر‪ ،‬و ِ‬
‫الرفادة والنَّصيلة‪ ،‬وقد ذه اَّرياث‪ ،‬ويوهللاي لت‬
‫[البخاري (‪2292‬‬
‫ْ‬
‫و‪ 4580‬و‪ )6747‬وأبو داود (‪ )2922‬والنسائي يف السنن الكرب (‪. ])11037‬‬

‫‪ - 6‬قيم إنسانيَّة ومبادئ مثاليَّة‬


‫ِ‬
‫ت قيم إنسـ ـ ــانيَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪،‬‬ ‫الروابا الوثيقة الَّيت ألَّشف ْ‬
‫ت ب اَّهاجرين‪ ،‬واألنصـ ـ ــار أ ْر ـ ـ ـيش ْ‬ ‫من خالل َّ‬
‫ِ‬
‫اَّتلضرة‬ ‫وإجا هي من شأن ااتمعات‬ ‫القبلي هبا َّ‬
‫واجتماعيَّـة‪ ،‬ومبادئ مثاليَّـة ح عهد للم تمع ِ‬
‫الرزق‪ ،‬فلقد قشبِ شل‬ ‫الفا ـ ـ ـ ـ ــلة‪ ،‬ويف مقدمة تلك القيم قيمة العمل ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـريف كو ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيلة لكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫اَّهاجرون يف َّأول األمر ما أظهره إخوا‪،‬م األنص ـ ــار من كرم الض ـ ــيافة‪ ،‬ولكنَّهم أبوا بعد ذلك إح‬
‫عولوا عل رابطة اَّؤاخاة الَّيت ــعد هبا األنصــار‪ ،‬فكان منهم‬ ‫أن يبلثوا عن موارد ٍ‬
‫رزق يم‪ ،‬وح ي ِ‬

‫ابلايراعة‪ ،‬مسـ ـ ــتعذب متاع العمل عل أن يكونوا عالةً‬ ‫من اشـ ـ ــت ل ابلتِ ارة‪ ،‬ومنهم من عمل ِ‬
‫ٍ‬
‫أحد‪ ،‬بل تطل‬ ‫عاية الميان ح تر ـ ـ ـ ـ لص ـ ـ ــاحبها أن يكون عالةً عل‬ ‫عل إخوا‪،‬م ذلك َّ‬
‫ألن َّ‬
‫منــت أن يعطي أكثر اـَّا رخــذ‪ ،‬فــاليــد العليــا خري‪ ،‬وأحـ ُّ إىل هللا من اليــد ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفل ‪ ،‬وقــد فهم‬
‫أن العمل عبادة‪ ،‬وهي منايلة تصــل إليها النُّظم اَّعاهللاــرة‪،‬‬ ‫ص ـلابة الكرام من تعاليم ال ــالم َّ‬ ‫ال َّ‬
‫المي‬
‫اَّاديَّة واَّعنويَّة‪ ،‬ويف وء هذا اَّفهوم ال ِ‬ ‫الَّيت قصرت فائدهتا عل ِد حاجات النسان ِ‬

‫الاياوية يف بناء جمتمع دار اَّه ر‪ ،‬وابلتَّاس يف‬


‫إن الخاء‪ ،‬والعمل كاان شح ش شر َّ‬ ‫نس ـ ـ ــتطيع أن نقول َّ‬
‫أت يس احلضارة ال المية الَّيت بنيت أهللاويا يف اَّدينة بعد إقامة َّأول دو ٍلة يف ال الم‪ ،‬برائ ة‬
‫حض أهللابلت ش رًة يتفيَّأ ظال شيا العا كلُّت(‪.)2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬مثَّ ترعرعت َّ‬
‫الن ِ‬

‫‪ - 7‬تذوي الفوارق القليمية والقبلية‬

‫ِ‬
‫البهارأ (فت البارأ ‪.)249/8‬‬ ‫(‪ )1‬هذه اجلملة من رواية الطَّربأ بنفس إ ناد‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫‪532‬‬
‫إن القضاء عل الفوارق القليميَّة‪ ،‬والقبليَّة‪ ،‬ليس ابألمر ايِ يف ااتمعات اجلاهليَّة حيث‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫منطلقة‬ ‫العصـبية هي ِ‬
‫الدين عندهم‪ ،‬وعملية اَّؤاخاة هتد إىل إذابة هذه الفوارق بصـورةٍ واقعيَّ ٍة‪،‬‬
‫من قل البيئة اجلاهليَّة‪.‬‬

‫الرو القليميَّة‪ ،‬والعصـبيَّة يف نفوس‬ ‫ـالمي اَّعاهللاـر‪ ،‬ـيطرشة ُّ‬


‫ِ‬ ‫صـ ِ‬
‫ف ال‬ ‫َّ‬
‫إن من األمراض يف ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـفو بل ت ـ ـ ـ ـ ــتِتها‪،‬‬
‫بعض الدُّعاة‪ ،‬وهذه األمراض حتول بينهم وب التَّمك ‪ ،‬وتضـ ـ ـ ـ ــعف ال ُّ‬
‫ف بنفست عن أهدافت الكبار‪ .‬وقد أهللايبت بعض احلركات ال الميَّة بداء العصبية‬
‫الص ُّ‬
‫وين ل َّ‬
‫حض عل مســتو اَّدينة‪ ،‬والقرية‬ ‫القليميَّة‪ ،‬والعصــبيَّة ال َّ ـهص ـيَّة‪ ،‬والعصــبية القطريَّة‪ ،‬والعصــبية َّ‬
‫اض يف نفوس بعض األفراد‪ ،‬بسب بـ ْع ِدهم عن القرآن الكر ‪،‬‬ ‫الص رية(‪ ،)1‬وقد تولَّد هذا عن أمر ٍ‬ ‫َّ‬
‫و نَّة يِد اَّر ل هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فلم ي بَّوا عليها ولذلك كثر التَّناحر‪ ،‬والتَّبا ض‪.‬‬

‫إن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم اليوم يف أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد احلاجة إىل مثل هذه اَّؤاخاة الَّيت حدثت ب اَّهاجرين‪،‬‬
‫َّ‬
‫واألنص ـ ـ ـ ـ ــار ألنَّت يس ـ ـ ـ ـ ــتليل أن ت ْس ـ ـ ـ ـ ـتشأْنف حياة إ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة عايياية قويَّة إذا تتهلَّق ااتمعات‬
‫الرفيع‪ ،‬وإىل هذه التَّضـليات‬ ‫ِ‬
‫المياين َّ‬ ‫ال ـالميَّة هبذه األخالق الكرمية‪ ،‬وترتقي إىل هذا اَّسـتو‬
‫الايائفة من األخوة (ابللِسان) فال ددأ فتيالً‪.‬‬
‫الكبرية‪ ،‬و َّأما اَّظاهر َّ‬
‫هللا ـةً إذا‬ ‫إن الفرد اَّســلم ح ي ــعر َّ‬
‫أن لت إخوةً بُّهم‪ ،‬و بُّونت‪ ،‬وينصــرهم‪ ،‬وينصــرونت‪ ،‬خا َّ‬ ‫َّ‬
‫فَن هذا اَّا يرفع من روحت اَّعنويَّة بل‬ ‫ت‪َّ ،‬‬‫تفاقمت األزمات‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقت عليت األرض مبا شرحشب ْ‬
‫ويرفع قدراتت َّ‬
‫الذاتية‪ ،‬وجيعلت أقو مض ـ ـ ـ ـ ــاءً‪ ،‬وعايميةً‪َّ ،‬‬
‫وإن فقدان مثل هذه اَّؤاخاة‪ ،‬اَّا يض ـ ـ ـ ـ ــعف‬
‫كل حق ٍد‪،‬‬ ‫ـالمي‪ ،‬وجيعل الفرد اَّســلم ي ــعر أحياانً أنَّت وحيد أمام أعداء يكنُّون لت َّ‬ ‫ـف ال ـ َّ‬ ‫الصـ َّ‬
‫الض وط النَّفسيَّة و ِ‬
‫اَّاديَّة؟!(‪.)2‬‬ ‫كل هذه ُّ‬‫كل جان ٍ ‪ ،‬فكيف يستطيع حل ِ‬ ‫و يطون بت من ِ‬

‫وقد حفم لنا التَّاري جهاد ااتمع اَّس ــلم مع أعدائت‪ ،‬بعد حتقيق وحدتت احجتماعيَّة‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬انظر ال بية القياديَّة (‪.)286/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر الطَّريق إىل اَّدينة ‪َّ ،‬مد العبده ‪ ،‬ص ‪.101 ، 10‬‬
‫‪533‬‬
‫ح يايال يف شد ْوِر ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأتت‪ ،‬وتكوينت‪ ،‬وكثرياً من اَّاوحت الفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديَّة‪ ،‬الَّيت كان األعداء يدبِرون‬
‫ليفرقوا عت‪ِ ،‬‬
‫ويفككوا وحدتت‪،‬‬ ‫مكايدها لي ـ ــعلوا هبا نريان الفنت ب هللاـ ــفو ااتمع اَّسـ ــلم‪ِ ،‬‬
‫بقوة َتا ــك ااتمع‬
‫أل‪،‬ا كانت تصــطدم َّ‬ ‫لكن هذه اَّاوحت الفســادية كانت تبوء ابخلس ـران َّ‬ ‫و َّ‬
‫احجتماعي‬
‫ِ‬ ‫القوة‪ ،‬الَّيت جعلت من تركيبت‬
‫احجتماعي‪ ،‬فيذيبها يف تلك َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المياين و‬ ‫اَّسلم‪ ،‬يف تركيبت‬
‫وحدةً َّ‬
‫مدجمة العناهللار دجماً ح يقبل التَّفريق‪ ،‬وح تنفصم عرآه ‪ ،‬وح حتش ُّل روابطت(‪.)1‬‬

‫‪ - 8‬اَّؤاخاة ب اَّسلم من أ باب التَّمك اَّعنويَّة‬

‫الرَّابنيَّة‪،‬‬
‫العمل عل تربية األفراد تربيةً رابنيَّةً‪ ،‬وإعداد القيادة َّ‬
‫إن من أ باب التَّمك اَّعنويَّة ش‬ ‫َّ‬
‫وحماربة أ باب الفرقة‪ ،‬واألخذ أبهللاول الوحدة‪ ،‬و ِ‬
‫اححتاد(‪.)2‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫احلق‪،‬‬ ‫اححتاد وحدة العقيدة‪ ،‬وهللا ــدق ا نتماء إىل ال ــالم‪ ،‬وطل‬ ‫وأهم أهللا ــول الوحدة‪ ،‬و ِ‬
‫ُّ‬
‫األخوة ب أفراد اَّسلم ‪.‬‬
‫والتَّلرأ يف ذلك‪ ،‬وحتقيق َّ‬
‫وقوة التَّالحم‪ ،‬ومتانة التَّما ـ ـ ــك ب‬
‫صـ ـ ـ ـف‪َّ ،‬‬ ‫إن من األهللا ـ ـ ــول العظيمة اليت ِ‬
‫حتقق وحدة ال َّ‬ ‫َّ‬
‫األخوة يف أو اطهم‪.‬‬
‫أفراد اَّسلم حتقيق َّ‬
‫وجل ‪ -‬يعطيها هللا للمهلص ـ ـ ـ ـ ـ ـ من عباده‪ ،‬واألهللاـ ـ ـ ـ ـ ــفياء‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫خوة منلة من هللا ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬
‫إن األ َّ‬
‫ك ا ََّّلل ه شو الَّ ِذأ‬ ‫وك فشَِ َّن شح ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ش‬
‫﴿وإِ ْن ي ِريدوا أش ْن شخيْ شدع ش‬
‫واألتقياء من أوليائت‪ ،‬وجنده‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫أشيَّ شد شك بِنشص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرهِ وِابلْم ْؤِمنِ ۝ وأشلَّف ب قـلوهبِِم لشو أشنْـ شف ْقت ما ِيف األشر ِ ِ‬
‫ت بشْ ش‬ ‫ض ش ًيعا شما أشلَّْف ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ْ‬ ‫ش ش شْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫كيم﴾ [اآلنفال‪.]63 - 62 :‬‬ ‫اَّلل أشلَّف بـيـنشـهم إِنَّت ع ِايياي ح ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫قـلوهب ْم شولشك َّن َّش ش شْ ْ ش ش‬
‫ٍ‬
‫متبادلة مع‬ ‫وود‪ ،‬واح ٍام‪ٍ ،‬‬
‫وثقة‬ ‫ـادقة‪ ،‬وحمبَّ ٍة ٍ‬
‫بعاطفة هللاـ ـ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وهي َّقوة إميانيَّة‪ ،‬تورث شـ ــعوراً عميقاً‬
‫ِ‬
‫كل شم ْن تربطنا هبم عقيدة التَّوحيد‪ ،‬ومنهت ال ـ ـ ــالم اخلالد‪ ،‬يتبعها‪ ،‬ويس ـ ـ ــتلايمها تعاون‪ ،‬وإيثار‪،‬‬
‫ورحة‪ ،‬وعفو‪ ،‬وتســام ‪ ،‬وتكافل‪ ،‬واتزر‪ ،‬وهي مالزمة لإلميان‪ .‬قال تعاىل ﴿إَِّجشا الْم ْؤِمنو شن إِ ْخ شوة‬

‫الصادق عرجون (‪.)152/3‬‬


‫َّمد َّ‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫للصاليب ‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫(‪ )2‬انظر فقت التَّمك يف القران الكر َّ‬
‫‪534‬‬
‫اَّللش لش شعلَّك ْم تـ ْر شحو شن ﴾‬
‫شخ شويْك ْم شواتـَّقوا َّ‬ ‫فشأ ِ‬
‫[احلجرات‪. ]10 :‬‬ ‫شهللاللوا بشْ ش أ ش‬
‫ْ‬
‫خوة‪ .‬قال هللاــل هللا عليت و ــلم «ثالث‬
‫وح يذوق حالوة الميان‪ ،‬إح من أشــرب هذه األ َّ‬
‫َّ اَّرءش ح‬ ‫شم ْن ك َّن فيت وجد حالوةش الميان أن يكون هللا‪ ،‬ور ـ ـولت أح َّ إليت اَّا ـ ـوالا‪ ،‬وأن‬
‫[البخاري (‪ )16‬ومسلم (‪. ])43‬‬ ‫بُّت إح هلل‪ ،‬وأن يكره أن يعود يف الكفر كما يكره أن يـ ْق شذ ش يف النَّار»‬

‫إن القرآن الكر ير ــم لنا هللا ــورًة يلةً ألهللا ــلاب ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ .‬قال‬ ‫َّ‬
‫ين شم شعت أ ِششدَّاء شعلش الْكفَّا ِر ر شحشاء بشـْيـنشـه ْم تشرآه ْم رَّك ًعا َّ ًدا يشـْبـتشـ و شن‬ ‫﴿حم َّمد َّر ول َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل شوالذ ش‬ ‫تعاىل ُّش‬
‫ك شمثشـله ْم ِيف التـ َّْوشراةِ شوشمثشـله ْم ِيف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضـ ـالً ِمن َِّ ِ‬
‫يماه ْم ِيف وجوه ِه ْم ِم ْن أشثشِر ال ُّسـ ـ ود شذل ش‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شور ْ ـ ـ شواانً ـ ـ ش‬ ‫فش ْ ش‬
‫الايَّراي لِي ِي ش ِِ‬ ‫م فشا ـتـو علش ـوقِ ِت يـع ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‬
‫م هبم الْكف ش‬ ‫ُّ ش ش‬ ‫ْ‬ ‫آزشره فشا ْ ـتشـ ْلش ش ْ ش ش ش‬ ‫شخشر شً شش ـطْأشه فش ش‬ ‫ا ُ ِيل شكشايْرٍي أ ْ‬
‫ظيما ﴾ [الفتح‪. ]29 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنوا وع ِملوا َّ ِ ِ ِ‬
‫شجًرا شع ً‬ ‫الصاحلشات مْنـه ْم شم ْفشرةً شوأ ْ‬ ‫شش‬ ‫شو شع شد َّ ش‬
‫وجل ‪-‬‬‫عاي َّ‬‫صـ ـ ـ ـ ـورة َّإجا خيربان بتكر هللا ‪َّ -‬‬ ‫إن القرآن الكر ح و ـ ـ ـ ــع ب دفتيت هذه ال ُّ‬ ‫َّ‬
‫فشـه ْم أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّاء عل الكفـَّار ولو كـان فيهم ﴿أش ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَّاء شعلش الْكفـَّا ِر ر شحشـاء بشـْيـنشـه ْم﴾‪ ،‬والقرابـة‪،‬‬
‫األخوة يف هللا من أهم األ باب‬ ‫الدين‪ .‬إن َّ‬ ‫أخوة يف ِ‬ ‫األخوة يف ِ‬
‫احلق َّ‬ ‫واألبناء‪ ،‬رحاء بينهم‪ ،‬وهذه َّ‬
‫الصمود يف وجت أعض اَّن الَّيت تنايل ابَّسلم ‪ ،‬كما َّ‬
‫أن الفهم اَّتبادل‪ ،‬والكامل‬ ‫اليت تعمل عل ُّ‬
‫وقوهتم‪ ،‬ومن أ ــباب طوخهم‪ ،‬والتَّمك‬
‫خوة يف هللا من أ ــباب َتا ــك هللاــفو اَّســلم ‪َّ ،‬‬
‫ل َّ‬
‫يم(‪.)1‬‬

‫‪ - 9‬من فضائل األنصار‬

‫تســميتهم ابألنصــار مسَّاهم هللا‪ ،‬ور ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم هبذا اح ــم ح ابيعوا عل‬
‫ال ــالم‪ ،‬وقاموا نيواء اَّؤمن ‪ ،‬ونص ــرة دين هللا‪ ،‬ور ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬و يكونوا‬
‫معروف بذلك ِم ْن قبل(‪ ،)2‬فعن شْيالن بن جرير ‪ -‬رحت هللا! ‪ -‬قال قلت ٍ‬
‫ألنس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا‬

‫حممد عبد هللا اخلطي ‪ ،‬ص (‪.)296‬‬


‫(‪ )1‬انظر شر ر الة التَّعاليم ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبوية اَّباركة ‪ ،‬لعبد الرحن الرب ‪( ،‬ص ‪ 131‬ـ ‪.)135‬‬
‫‪535‬‬
‫[البخاري (‪. ])3776‬‬ ‫أيت ا م (األنصار) كنتم ت شس َّم ْو شن بت‪ ،‬أم مسَّاكم هللا؟ قال بل مسَّاان هللا‬
‫عنت أر ش‬
‫عامة جلميع األنصـ ـ ــار‪ ،‬ومناق‬
‫َّ‬ ‫َّأما مناقبهم‪ ،‬وفضـ ـ ــائلهم‪ ،‬فكثرية‪ ،‬ح حتص ـ ـ ـ ‪ ،‬منها مناق‬
‫العامة الواردة يف القرآن الكر مايلي‬
‫َّ‬ ‫خاهللاة أبفراد من األنصار‪َّ .‬أما اَّناق‬
‫َّ‬
‫ين آمنوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫﴿والـذ ش‬ ‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬أب‪،‬م من اَّؤمن حقـاً‪ ،‬فقــال تعــاىل ش‬ ‫فقــد وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفهم اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ك هم الْم ْؤِمنو شن شحقًّا شي ْم شم ْ ِفشرة شوِرْزق‬
‫ص ـ ـ ـ ـروا أولشئِ ش‬
‫ين شآوْوا شونش ش‬
‫وهاجروا وجاهدوا ِيف ـ ـ ـ ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل شوالذ ش‬ ‫ش‬ ‫شش ش ش ش ش‬
‫ك ِر ﴾ [اآلنفال‪. ]74 :‬‬
‫ش‬
‫﴿وال َّس ـ ـ ـابِقو شن األ َّشولو شن ِم شن‬
‫وب َّ ـ ـ ـرهم رُّهبم بر ـ ـ ــاه عنهم‪ ،‬وامتد ر ـ ـ ــاهم عنت‪ ،‬فقال تعاىل ش‬
‫َّات شْد ِرأ‬ ‫اَّلل عْنـهم ور وا عْنت وأشع َّد شيم جن ٍ‬ ‫ِِ ٍ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين اتَّـبشـعوه ْم ن ْح شسان شر شي َّ ش ْ ش ش ش ش ش ْ ش‬ ‫ين شواألنصار شوالذ ش‬ ‫الْم شهاج ِر ش‬
‫ظيم ﴾ [التوبة‪. ]100 :‬‬‫ك الْ شفوز الْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫شحتتـها ا ‪،‬شار خالِ ِد ِ‬
‫ين ف شيها أشبش ًدا شذل ش ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْش ش‬
‫َّار شوا ِلميـشا شن ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ين تشـبشـ َّوءوا الــد ش‬
‫﴿والـذ ش‬‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬ابلفال ‪ .‬قــال تعــاىل ش‬ ‫ووهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفهم اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫اجةً ِاَّا أوتوا شويـ ْؤثِرو شن شعلش أشنْـف ِس ـ ِه ْم شولش ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قشـْبلِ ِهم ِ بُّو شن من شه ِ‬
‫اجشر إلشْي ِه ْم شوحش شجيدو شن ِيف هللا ـدوِره ْم شح ش‬
‫شْ ش‬ ‫ْ‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]9 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬
‫وق ش َّ نشـ ْف ِس ِت فشأولشئِ ش‬‫اهللاة شوشم ْن ي ش‬
‫ص ش‬
‫ِِ‬
‫شكا شن هب ْم شخ ش‬
‫و َّأما األحاديث الَّيت حتدَّثت عن ماثر األنصار فمنها‬

‫َّب هللال هللا‬ ‫أنس ر ي هللا عنت قال رأ الن ُّ‬‫َّب هللال هللا عليت و لم ل نصار عن ٍ‬ ‫ح ُّ الن ِ‬
‫َّب هللا ــل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليت و ــلم النس ــاءش‪ ،‬والصـ ـبيان مقبل ‪ -‬قال شحسـ ـْبت أنَّت قال م ْن عرس ‪ -‬فقام الن ُّ‬
‫إس» قايا ثالث ِمرا ٍر [البخاري (‪)3785‬‬ ‫هم أنتم ِم ْن أح ِ النَّاس َّ‬
‫هللا عليت و ـ ـ ــلم اْتشناً ‪ ،‬فقال «اللَّ َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومسلم (‪. ])2508‬‬

‫الرباء بن ٍ‬
‫عازب ر ـ ــي هللا عنت‬ ‫ِ‬
‫ح ُّ األنص ـ ــار عالمة الميان‪ ،‬وب ض ـ ــهم عالمة النفاق عن شش‬
‫قال مسعت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يقول «األنصــار ح بُّهم إح مؤمن‪ ،‬وح يـْب ِض ـهم‬
‫إح منافق‪ ،‬فشمن أحبَّهم أحبَّت هللا‪ ،‬ومن أب ضهم أب ضت هللا» [البخاري (‪ )3783‬ومسلم (‪. ])75‬‬
‫شْ‬ ‫شْ‬

‫ِ‬
‫متفضالً عليهم بذلك‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اْتشناً يع‬
‫‪536‬‬
‫شم ْن أحبَّهم فاز حب ِ هللا َّإَيه‪ ،‬ومن أب ضــهم شــقي بب ض هللا َّإَيه‪ ،‬فعن أيب هريرة ر ــي هللا‬
‫أح َّ األنصـ ـ ــار أحبَّت هللا‪ ،‬ومن أب ض‬
‫عنت قال قال ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «من ش‬
‫األنصار أب ضت هللا» [أمحد (‪ 501/2‬و‪ )527‬وأبو يعلى (‪ )7367‬والبزار (‪ 2792‬و‪ )2793‬وجممع الزوائد (‪. ])39/10‬‬

‫صـ ـرب ش ــيمتان كرميتان‪ ،‬تدحَّن عل أهللا ــالة معدن‬ ‫صـ ـرب العفة وال َّ‬
‫ال َّ ـ ـهادة يم ابلعفا ‪ ،‬وال َّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫ِ‬
‫اَّتهلق هبما‪ ،‬وَتام مروءتت‪ ،‬وكمال رجولتت‪ ،‬وفتوتت‪ ،‬وقد شـ ـ ـ ـ ـ ــهد الن ُّ‬
‫ـاهد!(‪ ،)1‬فعن عائ ـة ر ـي هللا عنها‬ ‫ل نصـار هبما‪ ،‬وما أعظمها من شـهادةٍ! وما أعظمت من ش ٍ‬

‫قالت قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «ما يض ـ ُّـر امرأةً نايلت ب بيت من األنص ــار‪ ،‬أو‬
‫[أمحد (‪ )257/6‬وابن حبان (‪ )7267‬واحلاكم (‪ )83/4‬والبزار (‪ )2806‬وجممع الزوائد (‪. ])40/10‬‬ ‫نايلت ب أبويها»‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف ا نتس ـ ــاب إليهم لوح اي رة عن أيب هريرة ر ـ ــي هللا‬
‫ر بة الن ِ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قال «لو َّ‬
‫أن األنصــار ــلكوا وادَيً‪ ،‬أو شــعباً‪ ،‬لســلكت يف‬ ‫عنت‪ ،‬عن الن ِ‬
‫[البخاري (‪ 3779‬و‪ )7344‬وأمحد (‪ )410/2‬والنســائي يف‬ ‫وادأ األنصــار‪ ،‬ولوح اي رة لكنت امرأً من األنصــار»‬
‫السنن الكرب (‪. ])8261‬‬

‫ـك َّ‬
‫أن‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ابَّ فرة يم‪ ،‬وألبنائهم‪ ،‬وألزواجهم‪ ،‬ولذراريهم حش ـ َّ‬
‫دعاء الن ِ‬
‫لبهارأ‬
‫ُّ‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم مست اب‪ ،‬وقد فاز األنصار هبذا الفضل‪ ،‬فقد رو ا‬ ‫دعاء َّ‬
‫عن عبد هللا بن الفض ـ ـ ـ ـ ــل أنَّت مسع أنس بن ٍ‬
‫مالك يقول « شح ِاينْت عل من أهللا ـ ـ ـ ـ ــي ش ابحلشَّرةِ(‪،)2‬‬
‫إس زيد بن أرقم ‪ -‬وبشـلش شت ِشـ ـدَّة حايين ‪ -‬يذكر أنَّت مسع ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫فكت َّ‬
‫ـك ابن الفضــل يف أبناء أبناء األنصـار(‪،)3‬‬
‫يقول «الله َّم ا فر ل نصــار! وألبناء األنصــار»‪ .‬وشـ َّ‬
‫فســأل أنسـاً بعض شم ْن كان عنده‪ ،‬فقال هو الذأ يقول ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬هذا‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.142‬‬


‫يتعمده من الفساد ‪ ،‬فأر ل إليهم ياييد بن‬ ‫احلرة يف نة ثالث و ت ‪ ،‬و ببها َّ‬
‫أن أهل اَّدينة خلعوا بيعة ياييد بن معاوية ل َّـما بل هم ما َّ‬ ‫كانت وقعة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫جيش كثري ‪ ،‬فهايمهم ‪ ،‬وا تباحوا اَّدينة ‪ ،‬وقتِ شل من األنصار شيء كثري ‪ ،‬وكان أنس يومئذ ابلبصرة ‪ ،‬فبل ت ذلك ‪،‬‬
‫اَّرأ يف ٍ‬ ‫معاوية مسلم بن عقبة ِ‬
‫ش‬
‫يومئذ ابلكوفة ـ يسلِيت ‪َّ ،‬‬
‫وحمصل ذلك َّ‬
‫أن الذأ يصري إىل م فرة هللا ‪ ،‬ح ي ُّ‬
‫تد‬ ‫فلاين عل من أهللاي من األنصار ‪ ،‬فكت إليت زيد بن أرقم ـ وكان ٍ‬
‫احلاين عليت ‪ ،‬فكان ذلك تعاييةً ألنس فيهم‪.‬‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم ‪ ،‬ابب من فضائل األنصار ر ي هللا عنهم ‪ ،‬رقم (‪.)2507 ، 2506‬‬ ‫(‪ )3‬هذه الايَيدة اثبتة عند مسل ٍم ‪ ،‬يف كتاب فضائل َّ‬
‫‪537‬‬
‫[البخاري (‪ )4906‬ومسلم (‪. ])2506‬‬ ‫الَّذأ أو هللا لت أبذنِِت(‪»)1‬‬

‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ابلحســان إليهم‪ ،‬وعدم إفاياعهم كان جهاد األنص ـار يف‬
‫وهللاــية الن ِ‬
‫الدين عظيماً‪ ،‬وكان فضلهم يف ن ره‪ ،‬و ِ‬
‫الدفاي عنت بلي اً إذ مينعهم من اخلفَّة إىل اخلروً‬ ‫بيل ِ‬

‫اَّلل شعلش النِ ِ‬


‫َّب‬ ‫ب َّ‬ ‫يف ـ ـ ــبيل هللا عس ـ ـ ــر‪ ،‬وح يس ـ ـ ــر‪ ،‬وحفم هللا يم ذلك يف قولت تعاىل ﴿لششق ْد شات ش‬
‫اع ِة الْع ْس ـ ـشرةِ ِم ْن بشـ ْع ِد شما شك شاد يشِايي قـلوب فش ِر ٍيق ِمْنـه ْم مثَّ‬
‫ين اتَّـبشـعوه ِيف ش ـ ـ ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫شوالْم شهاج ِر ش‬
‫ين شواألنصـ ــار الذ ش‬
‫ب شعلشْي ِه ْم إِنَّت هبِِ ْم شريو شرِحيم ﴾ [التوبة‪ ]117 :‬شوِم ْن شمثَّ كانت وهللا ـ ـ ـيَّة ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫شات ش‬
‫و ــلم ابألنص ــار‪ ،‬والحس ــان إىل حمس ــنهم‪ ،‬والتَّ اوز عن مس ــيئهم‪ ،‬وكان ترهيبت هللا ــل هللا عليت‬
‫و ـ ــلم من ترويعهم‪ ،‬وتفاييعهم وكانت توهللا ـ ــيتت ابألنص ـ ــار خرياً(‪ ،)2‬فعن ٍ‬
‫أنس ر ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫أن‬
‫ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قال «األنص ـ ــار شك ِرش ـ ــي‪ ،‬ش‬
‫وعْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبشيت(‪ ،)3‬والنَّاس ـ ــيكثرون‪،‬‬
‫ويشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقلُّون(‪ ،)4‬فاقبلوا من حمسنهم‪ ،‬وداوزوا عن مسيئهم» [البخاري (‪ )3801‬ومسلم (‪ ])2510‬وعنت أيضاً‪،‬‬
‫حمم ٍد‬
‫نب هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬فتلقَّتت األنص ـ ـ ــار بينهم‪ ،‬فقال «والذأ نفس َّ‬ ‫قال خرً ُّ‬
‫فأح ِسنوا إىل حمسنهم‪،‬‬ ‫وإن األنصار قد قضوا ما عليهم‪ ،‬وبقي الَّذأ يم ‪ْ ،‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫ألحبُّكم‪َّ ،‬‬ ‫بيده! ِإين ِ‬
‫وداوزوا عن مســيئهم» [أمحد (‪ )187/3‬والنســائي يف الســنن الكرب (‪ )8270‬وابن حبان (‪ 7266‬و‪ )7271‬وأبو يعلى (‪])3770‬‬

‫وعن أيب قتادة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال مسعت ر ـ ـ ـ ــول هللاِ هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يقول عل اَّنرب‬
‫وم ْن أفايعهم‬
‫ل نصــار «‪....‬فمن وس األنصــار فليلســن إىل حمســنهم‪ ،‬وليت اوز عن مسـيئهم‪ ،‬ش‬
‫فقد أفايي هذا الَّذأ ب هات ‪ ،‬وأشار إىل نشـ ْف ِست هللال هللا عليت و لم »(‪.)6‬‬

‫الذال ‪ ،‬وجيوز فتلهما ‪ ،‬أأ أظهر هللادقت فيما أعلم بت‪.‬‬ ‫بضم ايماية و َّ‬
‫(‪ )1‬أو هللا لت أبذنت أأ بسمعت ‪ ،‬وهو ِ‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫وخاهللايت ‪ ،‬يريد َّأ‪،‬م مو ع ِره ‪ ،‬وأمانتت‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )3‬كرشي ‪ ،‬وعيبيت أأ بطانيت ‪،‬‬
‫أن األنصار يقلُّون ‪ ،‬وفيت إشارة إىل دخول قبائل العرب والع م يف ال الم‪ ،‬وهم أ عا أ عا قبيلة األنصار ‪ ،‬فمهما فرض‬ ‫(‪ )4‬قال ابن ح ر «أأ َّ‬
‫كل طائفة من أولئك ‪ ،‬فهم أبداً ابلنِسبة إىل ريهم قليل‪ .‬و تمل أن يكون هللال هللا عليت و لماطَّلع عل‬ ‫يف األنصار من الكثرة كالتنا ل فرض يف ِ‬
‫علي بن أيب طال ٍ اَّن يتلقَّق نسبت إليت أ عا من يوجد من قبيليت‬ ‫ذرية ِ‬‫ألن اَّوجودين احن من ِ‬ ‫َّأ‪،‬م يقلُّون مطلقاً ‪ ،‬فأخرب بذلك ‪ ،‬فكان كما أخرب َّ‬
‫برهان» فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)3801‬‬ ‫األوس واخلايرً اَّن يتلقق نسبت ‪ ،‬وقس عل ذلك ‪ ،‬وح التفات إىل كثرة من يدَّعي أنَّت منهم ب ري ٍ‬
‫شْ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‪ ،‬وينصروه عل َّ‬
‫أن يم اجلنَّة ‪ ،‬فوفوا‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫يؤو‬ ‫أن‬ ‫عل‬ ‫(‪ )5‬قضوا الَّذأ عليهم ي ري إىل ما وقع يم ليلة العقبة من اَّبايعة ‪ ،‬فَ‪،‬م ابيعوا‬
‫ِ‬
‫البهارأ ‪ ،‬رقم (‪.)3799‬‬ ‫بذلك‪ .‬فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪ ، )3799‬وهذا احلديث موجود بنلوه يف‬
‫البهارأ ‪ ،‬كتاب مناق األنصار حديث رقم (‪ )3948 ، 3776‬ومسلم‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )6‬انظر اي رة النَّبويَّة اَّباركة ‪ ،‬ص ‪ 151‬ومن أراد اَّاييد فلريجع إىل هللالي‬
‫‪538‬‬
‫املبحث الثَّالث‬

‫الصحيفة‬
‫الوثيقة أو َّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم العالقات ب ـ ــكان اَّدينة‪ ،‬وكت يف ذلك كتاابً أوردتت‬ ‫نظَّم الن ُّ‬
‫صـليفة تو ــي التايامات يع األطرا داخل‬ ‫اَّصــادر التَّارخيية‪ ،‬وا ــتهد هذا الكتاب‪ ،‬أو ال َّ‬
‫اَّدينة‪ ،‬وحتديد احلقوق‪ ،‬والواجبات‪ ،‬وقد ِمسيت يف اَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــادر القدمية ابلكتاب‪ ،‬وال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة‪،‬‬
‫وأطلقت األحباث احلديثة عليها لفظة ُّ‬
‫(الد تور)‪.‬‬
‫صـليلة» لدرا ــة طرق‬ ‫الدكتور أكرم ــياء العمرأ يف كتابت «ال ِسـرية النَّبويَّة ال َّ‬ ‫تعرض ُّ‬
‫ولقد َّ‬
‫أن أ ـ ـ ــلوب‬ ‫صـ ـ ـ ـليلة»(‪ ،)1‬وب َّ َّ‬ ‫ورود الوثيقة‪ ،‬وقال «ترق مب موعها إىل مرتبة األحاديث ال َّ‬
‫الر ول‬ ‫كلمات‪ ،‬وتعابري كانت مألوفةً يف عصر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫مكونة من‬
‫ينم عن أهللاالتها «فنصوهللاها َّ‬ ‫الوثيقة ُّ‬
‫اَّتعمق يف‬ ‫حض أهللا ــبلت م لقةً عل ري ِ‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬مث قش َّل ا ــتعمايا فيما بعد‪َّ ،‬‬
‫هص‬
‫درا ـ ـ ـ ـ ــة تلك الف ة‪ .‬وليس يف هذه الوثيقة نص ـ ـ ـ ـ ــوص َتد ‪ ،‬أو تقد فرداً‪ ،‬أو اعةً‪ ،‬أو ُّ‬
‫مايورةٍ»(‪ ،)2‬مثَّ َّ‬
‫إن التَّ ـ ـ ــابت‬ ‫الذِم لذلك ميكن القول َّ‬
‫أب‪،‬ا وثيقة أهللا ـ ـ ــلية‪ ،‬و ري َّ‬ ‫أحداً ابلطراء‪ ،‬أو َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يعطيها توثيقاً آخر‪.‬‬ ‫الكبري ب أ لوب الوثيقة‪ ،‬وأ الي كت ِ الن ِ‬
‫أوالً‪ :‬كتابه صلى هللا عليه وسلم بني املواجرين واألنصار واليوود‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نص الوثيقة‬
‫ُّ‬
‫َّب «ر ـ ــول هللا» ب اَّؤمن ‪ ،‬واَّس ـ ــلم من قر ٍ‬
‫يش‪« ،‬وأهل‬ ‫حممد الن ِ‬
‫‪ - 1‬هذا كتاب من َّ‬
‫يثرب»‪ ،‬شوشم ْن تبعهم‪ ،‬فللق هبم‪ ،‬وجاهد معهم‪.‬‬
‫‪َّ - 2‬إ‪،‬م َّأمة واحدة من دون النَّاس‪.‬‬

‫الصلابة ر ي هللا عنهم ‪ ،‬حديث رقم (‪.)2513 ، 2505‬‬ ‫‪ ،‬كتاب فضائل َّ‬
‫الصليلة ‪ ،‬للعمرأ ‪.)275/1( ،‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لمالدارية يف اَّدينة ‪ ،‬لصاأ العلي ‪ ،‬ص ‪ 4‬ـ ‪.5‬‬ ‫تنظيمات َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السيا ية‪َّ َّ ،‬مد حيد هللا ‪ ،‬ص ‪ 41‬ـ ‪ ، 47‬وابن ه ام (‪ 147/2‬ـ ‪.)150‬‬ ‫(‪ )3‬جمموعة الواثئق ِ‬
‫‪539‬‬
‫يش عل ِربْعتهم(‪ ،)1‬يتعاقلون بينهم‪ ،‬وهم يشـ ْفدون عانِيشهم(‪ )2‬ابَّعرو‬
‫‪ - 3‬اَّهاجرون من قر ٍ‬
‫والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وبنو شع ْو عل ِربْعتهم‪ ،‬يتع ــاقلون مع ــاقلهم(‪)3‬األوىل‪ ،‬وك ـ ُّـل ط ــائف ـ ٍـة تشـ ْفـ ـدأ ع ــانِيشه ــا‬
‫ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫طائفة تشـ ْفدأ‬ ‫‪ - 5‬وبنو احلارث «بنو اخلايرً» عل ِربْعتهم‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األوىل‪ ،‬و ُّ‬
‫عانِيشها ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 6‬وبنو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعــدة عل ِربْعتهم‪ ،‬يتعــاقلون معــاقلهم األوىل‪ ،‬وكـ ُّـل طــائفـ ٍـة تشـ ْف ـدأ عــانيهــا‬
‫ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫طائفة تشـ ْفدأ عانيها ابَّعرو‬ ‫‪ - 7‬وبنو ج ش م عل ِربْعتهم‪ ،‬يتعاقلون معاقلهم األوىل‪ ،‬و ُّ‬
‫والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 8‬وبنو النَّ ــار عل ِربْعتهم‪ ،‬يتع ــاقلون مع ــاقلهم األوىل‪ ،‬وك ـ ُّـل ط ــائف ـ ٍـة تشـ ْفـ ـدأ ع ــانيه ــا‬
‫ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 9‬وبنو عمرو بن عو عل ِربْعتهم‪ ،‬يتع ــاقلون مع ــاقلهم األوىل‪ ،‬وك ـ ُّـل ط ــائف ـ ٍـة تشـ ْف ـدأ‬
‫عانيها ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 10‬وبنو النَّبيــت عل ِربْعتهم‪ ،‬يتعــاقلون معــاقلهم األوىل‪ ،‬وكـ ُّـل طــائفــة تشـ ْف ـدأ عــانيهــا‬
‫ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫‪ - 11‬وبنو األوس عل ِربْعتهم‪ ،‬يتعــاقلون معــاقلهم األوىل‪ ،‬وكـ ُّـل طــائفــة تشـ ْف ـدأ ع ـانيهــا‬
‫ابَّعرو والقسا ب اَّؤمن ‪.‬‬
‫من فِ ـ ٍ‬
‫داء‪ ،‬أو شع ْق ـل‪،‬‬ ‫وإن اَّؤمن ح ي كون م ْفشرح ـاً(‪ )4‬بينهم أن يـ ْعطوه ابَّعرو‬ ‫‪َّ - 12‬‬
‫وأح الف مؤمن موىل مؤم ٍن دونشت‪.‬‬

‫(‪ )1‬الربعة احلال الَّيت جاء ال الم‪ ،‬وهم عليها‪.‬‬


‫(‪ )2‬العاين األ ري‪.‬‬
‫الدَيت ‪ ،‬الواحدة معقلة‪.‬‬‫(‪ )3‬معاقلهم اَّعاقل أأ ِ‬
‫(‪ )4‬م ْفشرحاً أأ اَّثقل ابلدَّين ‪ ،‬والكثري العيال‪.‬‬
‫‪540‬‬
‫كل» شم ْن ب منهم‪ ،‬أو ابت شد ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيعةش‬
‫وإن اَّؤمن اَّتَّق «أيديهم» عل « ِ‬ ‫‪َّ - 13‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وإن أيديهم عليت يعاً‪ ،‬ولو كان ولش شد ِ‬


‫أحدهم‪.‬‬ ‫ظ ْل ٍم‪ ،‬أو إشاً‪ ،‬أو عدواانً‪ ،‬أو فساداً ب اَّؤمن ‪َّ ،‬‬
‫ش‬
‫‪ - 14‬وح يشـ ْقتل مؤمن مؤمناً يف كاف ٍر‪ ،‬وح يشـْنصر كافراً عل مؤم ٍن‪.‬‬
‫وإن اَّؤمن بعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم مواس ٍ‬
‫بعض دون‬ ‫وإن ذمـة هللا واحـدة‪ ،‬جيري عليهم أدانهم‪َّ ،‬‬
‫‪َّ - 15‬‬
‫النَّاس‪.‬‬
‫َّصر‪ ،‬واأل وة ري مظلوميـن‪ ،‬وح متناهللا ٍر عليهم‪.‬‬ ‫‪ - 16‬وإنَّـت شم ْن تبعنا من يهود‪َّ ،‬‬
‫فَن لـت الن ش‬
‫وإن ِ ـ ْلم اَّؤمن واحدة‪ ،‬ح يســا مؤمن دون مؤم ٍن يف ٍ‬
‫قتال يف ــبيل هللا إح عل‬ ‫‪ َّ - 17‬ش‬
‫وعدل بينهم‪.‬‬ ‫و ٍاء‪ٍ ،‬‬

‫كل از ٍية ايت معنا يـ ْعق بعضها بعضاً‪.‬‬ ‫‪َّ - 18‬‬


‫وإن َّ‬
‫ٍ‬
‫بعض مبا انل دماءهم يف بيل هللا‪.‬‬ ‫وإن اَّؤمن يبِئ(‪)2‬بعضهم عل‬
‫‪َّ - 19‬‬
‫وإن اَّؤمن اَّتَّق عل أحسـ ـ ــن هد ً ‪ ،‬وأقومت‪ ،‬وإنَّت ح جيري م ـ ـ ــرك ماحً لقر ٍ‬
‫يش‪،‬‬ ‫‪َّ - 20‬‬
‫وح نفساً‪ ،‬وح ول دونت عل مؤم ٍن‪.‬‬

‫‪ - 21‬وإنَّت من اعتبا مؤمناً قتالً عن بيِ ٍنة فَنَّت قشـ شود بت‪ ،‬إح أن ير ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وس اَّقتول بـ‬
‫وإن اَّؤمن عليت كافَّةً‪ ،‬وح ُّل يم إح قيام عليت‪.‬‬ ‫(الع ْقل)‪َّ ،‬‬
‫ش‬
‫أقر ِمبا يف هذه ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـليفة‪ ،‬وامن ابهلل واليوم ا خر‪ ،‬أن ينص ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫‪ - 22‬وإنَّت ح ُّل َّؤمن َّ‬
‫فَن عليت لعنةش هللا‪ ،‬و ضـ ـ ــبت يوم القيامة‪ ،‬وح يـ ْؤخذ‬ ‫ْحم ِداثً(‪ ،)5‬أو يـ ْؤِويت‪ ،‬و َّ‬
‫إن شم ْن نصـ ـ ــره‪ ،‬أو اواه‪َّ ،‬‬
‫منت هللار ‪ ،‬وح عدل‪.‬‬
‫حمم ٍد ﷺ ‪.‬‬
‫مرده إىل هللا‪ ،‬وإىل َّ‬ ‫‪ - 23‬وإنَّت مهما اختلفتم فيت من ٍ‬
‫شيء‪َّ ،‬‬
‫فَن َّ‬

‫(‪ )1‬د يعة عظيمة‪.‬‬


‫(‪ )2‬يبِئ من «البشـ شواء» وهو اَّساواة‪.‬‬
‫جناية ‪ ،‬أو ب ٍ يوج قتلت‪.‬‬‫(‪ )3‬أأ قتلت دون ٍ‬
‫(‪ )4‬القود القصاص‪.‬‬
‫قتص منت‬
‫(‪ )5‬اَّدث يرو بكسر الدال وفتلها عل الفاعل واَّفعول ‪ ،‬فمعىن الكسر من نصر جانياً ‪ ،‬واواه ‪ ،‬وأجاره من خصمت ‪ ،‬وحال بينت وب أن ي َّ‬
‫أقر فاعلها ‪ ،‬و ينكرها عليت فقد‬
‫الصرب عليت ‪ ،‬فَنَّت إذا ر ي ابلبدعة ‪ ،‬و َّ‬ ‫‪ ،‬وابلفت هو األمر اَّبتدي نفست ‪ ،‬ويكون معىن اليواء فيت ِ‬
‫الر ا بت ‪ ،‬و َّ‬
‫اواه‪.‬‬
‫‪541‬‬
‫‪َّ - 24‬‬
‫وإن اليهود ينفقون مع اَّؤمن ما داموا حمارب ‪.‬‬
‫‪ - 25‬وإن يهود ب عو َّأمة مع اَّؤمن لليهود دينهم‪ ،‬وللمس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم دينهم‪ ،‬مواليهم‬
‫أهل بيتت‪.‬‬‫و‬ ‫ت‪،‬‬ ‫نفس‬ ‫إح‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫وت‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫َّ‬
‫ـت‬‫ن‬ ‫فَ‬ ‫‪،‬‬ ‫وأنفسهم‪ ،‬إح ظلم نفست‪ ،‬وأِ‬
‫شمث‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫وإن ليهود ب النَّ ار مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪.‬‬
‫‪َّ - 26‬‬
‫وإن ليهود ب احلارث مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪.‬‬
‫‪َّ - 27‬‬
‫اعدة مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪.‬‬ ‫‪َّ - 28‬‬
‫وإن ليهود ب‬
‫‪ - 29‬وإن ليهود ب ج ش م مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪.‬‬
‫وإن ليهود ب األوس مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪.‬‬
‫‪َّ - 30‬‬
‫وإن ليهود ب ثعلبـة مثـل مـا ليهود ب عو ٍ ‪ ،‬إح من ظشلش شم‪ ،‬وأِشمثش‪ ،‬فـَنـَّت ح يوتِ إح‬
‫‪َّ - 31‬‬
‫أهل بيتت‪.‬‬
‫نفست‪ ،‬و ش‬
‫ش‬
‫وإن شج ْفنشةش بط ٍن ِمن ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬
‫‪َّ - 32‬‬
‫وإن لب ال ُّ طشيبة مثل ما ليهود ب عو ٍ ‪َّ ،‬‬
‫وإن الرب دون المث‪.‬‬ ‫‪َّ - 33‬‬
‫‪َّ - 34‬‬
‫وإن مواس ثعلبة كأنفسهم‪.‬‬
‫خاهللاتت‪ ،‬وأهل بيتت)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الرجل أأ‬ ‫‪َّ - 35‬‬
‫وإن بطانة يهود كأنفسهم‪( .‬بطانة َّ‬
‫حممد هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫‪ - 36‬وإنَّت ح خيرً منهم أحد إح نذن َّ‬
‫َّصر عل من حارب‬ ‫وإن عل اليهود نفقتهم‪ ،‬وعل اَّسلم نفقتهم‪َّ ،‬‬
‫وإن بينهم الن ش‬ ‫‪َّ - 37‬‬
‫الرب دون المث‪.‬‬ ‫الصليفة‪َّ ،‬‬
‫وإن بينهم النُّص ‪ ،‬والنَّصيلة‪ ،‬و ُّ‬ ‫أهل هذه َّ‬
‫‪ - 38‬وإنَّت ح رمث امري حبليفت‪َّ ،‬‬
‫وإن النَّصر للمظلوم‪.‬‬
‫‪َّ - 39‬‬
‫وإن اليهود ينفقون مع اَّؤمن ما داموا حمارب ‪.‬‬
‫الصليفة‪.‬‬ ‫‪َّ - 40‬‬
‫وإن يثرب حرام شج ْوفها ألهل هذه َّ‬

‫(‪ )1‬يوت يهلك ‪ ،‬والوت ـ ابلتَّلريك ـ ايالك‪ .‬واَّعىن فسد ‪ ،‬وهلك ‪ ،‬وأمث‪.‬‬
‫‪542‬‬
‫وإن اجلار كالنَّفس ري م ٍ‬
‫ضار‪ ،‬وح امث‪.‬‬ ‫‪َّ - 41‬‬
‫‪ - 42‬وإنَّت ح دار حرمة إح نذن أهلها‪.‬‬
‫فَن‬ ‫صـ ـ ـليفة من ٍ‬
‫حدث‪ ،‬أو اش ـ ــت ار خيا فس ـ ــاده‪َّ ،‬‬ ‫‪ - 43‬وإنَّت ما كان ب أهل هذه ال َّ‬
‫حمم ٍد ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪َّ ،‬‬
‫وإن هللا عل أتق ما‬ ‫جل ‪ -‬وإىل َّ‬
‫عاي و َّ‬
‫شمشرَّده إىل هللا ‪َّ -‬‬
‫إن هللا‪ ،‬وحايبت اَّؤمن عل ِ‬
‫الر ا بت)‪.‬‬ ‫الصليفة و ِ‬
‫أبره (أأ َّ‬ ‫يف هذه َّ‬
‫يثرب‪.‬‬
‫َّصر عل من شد شه شم ش‬ ‫‪ - 44‬وإنَّت ح دار قريش‪ ،‬وح شم ْن نصرها‪َّ ،‬‬
‫وإن بينهم الن ش‬
‫وإ‪،‬م إذا‬ ‫فَ‪،‬م يصـ ــاحلونت‪ ،‬ويلبسـ ــونت‪َّ ،‬‬
‫‪ - 45‬وإذا دعوا إىل هللاـ ــل ٍ يصـ ــاحلونت‪ ،‬ويشـ ْلبشسـ ــونت َّ‬
‫أانس ِح َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـتهم‬ ‫كل ٍ‬ ‫الدين‪ .‬وعل ِ‬ ‫دعوا إىل مثل ذلك فَنَّت يم عل اَّؤمن ‪ ،‬إح من حارب يف ِ‬
‫شْ‬
‫من جانبهم الَّذأ قِبشـلشهم‪.‬‬
‫ص ـ ـ ـليفة‪ ،‬مع‬ ‫‪َّ - 46‬‬
‫وإن يهود األوس ‪ -‬مواليهم‪ ،‬وأنفس ـ ـ ــهم ‪ -‬عل مثل ما ألهل هذه ال َّ‬
‫الرب دون المث‪ ،‬ح يكس كا إح عل نفست‪َّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫وإن َّ‬‫الصليفة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الرب اَّض من أهل هذه َّ‬
‫الصليفة و ِ‬
‫أبره‪.‬‬ ‫هللا عل أهللادق ما يف هذه َّ‬
‫‪ - 47‬وإنـَّت ح ول هــذا الكتــاب دون ظــاٍ ‪ ،‬أو ٍامث‪ ،‬وإنـَّت شم ْن خرً امن‪ ،‬ومن قعــد امن‬
‫وحممد ر ول هللا (ﷺ)(‪. )1‬‬ ‫ابَّدينة‪ ،‬إح من ظشلم‪ ،‬شوأِشمثش‪َّ ،‬‬
‫وإن هللا جار َّن َّبر‪ ،‬واتق ‪َّ ،‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد من الوثيقة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫اثنياً‪:‬‬

‫األمة‬
‫‪ - 1‬حتديد مفهوم َّ‬
‫عامةً‪ ،‬درجت د ـ ـ ــاتري الدُّول احلديثة عل و ـ ـ ــعها فيها‪ ،‬ويف‬ ‫ص ـ ـ ـليفة مبادئ َّ‬‫تضـ ـ ـ َّـمنت ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة تض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـم اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يعهم‪،‬‬
‫فاألمة يف ال َّ‬
‫َّ‬ ‫األمة‬
‫طليعة هذه اَّ بادئ‪ ،‬حتديد مفهوم َّ‬
‫مهاجريهم‪ ،‬وأنص ـ ـ ـ ــارهم‪ ،‬شوشم ْن تبعهم اَّن حلق هبم‪ ،‬وجاهد معهم‪َّ ،‬أمة واحدة من دون النَّاس(‪،)2‬‬
‫كل اجلدَّة يف اتري احلياة ال ِسـ ـيا ـ ـيَّة يف جاييرة العرب إذ نقل َّ‬
‫الر ــول هللا ـل‬ ‫وهذا ش ــيء جديد َّ‬
‫كل من اعتنق‬ ‫األمة‪ ،‬الَّيت تض ـ ـ ُّـم َّ‬ ‫هللا عليت و ـ ــلم قومت من ش ـ ــعار القبليَّة‪ ،‬والتَّبعيَّة يا‪ ،‬إىل ش ـ ــعار َّ‬

‫(‪ )1‬انظر جمموعة الواثئق ِ‬


‫السيا يَّة ‪ ،‬ص ‪ 41‬ـ ‪.47‬‬
‫(‪ )2‬انظر التَّاري ِ‬
‫السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬د‪ .‬علي معطي ‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪543‬‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة عنهم « َّإ‪،‬م َّأمة واحدة» (الفقرة ‪ .)2 ،1‬وقد جاء بت‬ ‫الدين اجلديد‪ ،‬فلقد قالت ال َّ‬ ‫ِ‬
‫ون ﴾ [األنبياء‪ ،]92 :‬وب َّ‬ ‫اعبد ِ‬ ‫القرآن الكر ‪ .‬قال تعاىل ﴿إِ َّن ه ِذهِ أ َّمتكم أ َّمةً و ِ‬
‫اح شد ًة شوأ ششان شربُّك ْم فش ْ‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك شج شع ْلنشاك ْم أ َّمةً شو ش ـطًا لتشكونوا شـ شه شداءش‬ ‫﴿وشك شذل ش‬
‫األمة يف قولت تعاىل ش‬ ‫ــبلانت وتعاىل و ــطية هذه َّ‬
‫يدا﴾ [البقرة‪ ،]143 :‬وو َّ ـ ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪َّ -‬أ‪،‬ا َّأمة‬ ‫الر ـول شعلشْيك ْم شش ـ ِه ً‬ ‫َّاس شويشكو شن َّ‬ ‫شعلش الن ِ‬
‫اَّتفرً من قضـ ــاَي عصـ ــرها بل أتمر ابَّعرو ‪ ،‬وتنه عن اَّنكر‪،‬‬ ‫إجيابيَّة فهي ح تقف موقف ِ‬
‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس شأتْمرو شن‬ ‫ٍ‬
‫الرذائل ‪ .‬قال تعاىل ﴿كْنـت ْم شخ ْ شري أ شمة أ ْخ ِر شج ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫وحتذر من َّ‬ ‫وتدعو إىل الفضـ ــائل‪ِ ،‬‬
‫ِابلْم ْعرو ِ وتشـْنـهو شن شع ِن الْمْن شك ِر وتـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّللِ ولشو آمن أش ْهـ ـ ـل الْ ِكتشـ ـ ـ ِ‬
‫اب لش شكـ ـ ـا شن شخ ْ ًريا شي ْم ِمْنـهم‬ ‫ش ْ شش‬ ‫ش‬ ‫ش شْ‬ ‫ش‬
‫ن ﴾ [آل عمران‪. ]110 :‬‬ ‫الْم ْؤِمنو شن شوأش ْكثشـرهم الْ شفا ِ قو ش‬
‫ٍ‬
‫وم ْن تبعهم من أهل يثرب‬ ‫وهبذا اح ـ ـ ـ ــم الَّذأ أطلق عل اعة من اَّسـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬واَّؤمن ‪ ،‬ش‬
‫اندمت اَّس ــلمون عل اختال قبائلهم يف هذه اجلماعة الَّيت ترتبا فيما بينها برابطة ال ــالم‬
‫فهم يتكافلون فيما بينهم‪ ،‬وهم ينص ـ ـ ـ ــرون اَّظلوم عل الظَّا ‪ ،‬وهم يرعون حقوق القرابة‪ ،‬واَّبَّة‪،‬‬
‫واجلوار(‪ .)2‬لقد انصـ ـ ـ ـ ــهرت طائفتا األوس‪ ،‬واخلايرً يف اعة األنصـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬مثَّ انص ـ ـ ـ ـ ـهر األنصـ ـ ـ ـ ــار‬
‫واَّهاجرون يف اعة اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ــبلوا َّأمةً واحد ًة(‪ ،)3‬تربا أفرادها رابطة العقيدة‪ ،‬وليس‬
‫الدَّم‪ ،‬فيتَّلد ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعورهم‪ ،‬وتتَّلد أفكارهم‪ ،‬وتتَّلد قبلتهم‪ ،‬ووجهتهم‪ ،‬ووحيهم هلل وليس للقبيلة‪،‬‬
‫واحتكامهم لل َّ ـ ـري وليس للع ْر ‪ ،‬وهم يتمايايون بذلك كلِت عل بقيَّة النَّاس «من دون النَّاس»‪،‬‬
‫أن َتيياي‬ ‫ـك َّ‬‫الروابا تقتصــر عل اَّســلم ‪ ،‬وح ت ــمل ريهم من اليهود‪ ،‬واحللفاء‪ ،‬وح شـ َّ‬ ‫فهذه َّ‬
‫الدينية كان أمراً مقصــوداً‪ ،‬يســتهد زَيدة َتا ــكها‪ ،‬واعتايازها بذاهتا(‪ ،)4‬ويتَّض ـ ذلك‬ ‫اجلماعة ِ‬
‫يف َتييايها ابلقبلة‪ ،‬واداهها إىل الكعبة‪ ،‬بعد أن َّادهت تة ع ر‪ ،‬أو بعة ع ر شهراً إىل بيت‬
‫اَّقدس(‪.)5‬‬
‫عمن ـواهم يف أموٍر كثريةٍ‪ ،‬ويو ِ ـ يم‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم مييِاي أتباعت َّ‬
‫وقد مض ـ الن ُّ‬
‫ِ‬
‫أن اليهود ح ي صلُّون ابخلفا ‪ ،‬فأذن الن ُّ‬
‫َّب هللال هللا‬ ‫أنَّت يقصد بذلك ملالفة اليهود‪ ،‬ومن ذلك َّ‬

‫د تور ل َّمة ‪ ،‬د‪ .‬عبد النَّاهللار العطَّار ‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫السيِد عبد العايياي ا ‪ ،‬ص ‪.100‬‬ ‫احلضارأ ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫ُّ‬ ‫التَّاري ِ‬
‫السيا ُّي و‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ِ‬
‫لمالسيا يَّة والعسكريَّة ‪ ،‬ألحد رات ‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و‬ ‫قيادة َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫الصليلة (‪.)293/1‬‬ ‫ِ‬
‫السرية النَّبوية َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫خليفة بن خياط ‪ ،‬ص ‪ 23‬ـ ‪ ، 24‬و رية ابن ه ام (‪.)550/1‬‬ ‫(‪ )5‬اتري‬
‫‪544‬‬
‫ف‪ ،‬واليهود ح تصـ ــب ال َّ ـ ـي ‪ ،‬فصـ ــب اَّسـ ــلمون شـ ــي‬ ‫عليت و ـ ــلم ألهللاـ ــلابت أن يص ـ ـلُّوا ابخل ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫النب هللاــل هللا عليت و ــلم يصــومت أيضـاً‪،‬‬ ‫ريو ــهم ابحلنَّاء‪ ،‬وال شكتشم ‪ ،‬واليهود تصــوم عاشــوراء‪ ،‬و ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم‬ ‫مثَّ اعتايم يف أواخر حياتت أن يصوم ات وعاء معت ملالفةً يم(‪ .)2‬مثَّ َّ‬
‫إن الن َّ‬
‫بقوم فهو منهم» [أمحد‬ ‫و ـ ــع للمسـ ـ ــلم مبدأ ملالفة ريهم‪ ،‬والتميُّاي عليهم‪ ،‬فقال «من ت ـ ـ ـبَّت ٍ‬
‫شْ‬
‫(‪ 50/2‬و‪ )92‬وأبو داود (‪ )4031‬وعبد بن محيد (‪ ،])848‬وقال أيضـ ـاً «ح ت ـ ـبَّهوا ابليهود» [أمحد (‪ )165/1‬والنســائي‬

‫(‪ )137/8‬وأبو يعلى (‪ . ])681‬واألحاديث يف ذلك كثرية‪ ،‬وهي تفيد معىن َتيُّاي اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وا ـ ـ ــتعالئهم‬
‫ابلذات‪ ،‬واح ـ ـ ــتعالء‬ ‫أن الت ـ ـ ـبُّت‪ ،‬واَّاكاة لآلخرين يتنا مع احعتاياز َّ‬ ‫عل ريهم‪ ،‬وح ش ـ ــك َّ‬
‫ـكل حاجاياً ب اَّس ــلم ‪ ،‬و ريهم‪ ،‬فكيان‬ ‫عل الكفار‪ ،‬ولكن هذا التَّميُّاي‪ ،‬واح ــتعالء‪ ،‬ح ي ـ ِ‬
‫احنضمام إليت شم ْن يؤمن بعقيدتت(‪.)3‬‬
‫ش‬ ‫اجلماعة ال الميَّة مفتو ‪ ،‬وقابل للتو ُّ ع‪ ،‬ويستطيع‬
‫الدولة ال الميَّة‪ ،‬وعنصراً من عناهللارها ولذلك‬ ‫الصليفة اليهود جايءاً من مواط َّ‬ ‫واعتربت َّ‬
‫صـليفة «وإنَّت من تبعنا من يهود‪َّ ،‬‬
‫فَن لت النَّصــر واأل ــوة‪ ،‬ري مظلوم ‪ ،‬وح متناهللاـر‬ ‫قيل يف ال َّ‬
‫نص فيها‬ ‫عليهم» (الفقرة ‪ ،)16‬مثَّ زاد هذا احلكم إيض ـ ـ ــاحاً‪ ،‬يف الفقرة (‪ )25‬وما يليها حيث َّ‬
‫وإن يهود ب عو َّأمة مع اَّؤمن ‪.»...‬‬ ‫هللاراحةً بقولت « َّ‬
‫أن ال ـ ـ ـ ــالم قد اعترب أهل الكتاب الَّذين يعي ـ ـ ـ ــون يف أرجائت مواطن ‪ ،‬و َّأ‪،‬م‬
‫وهبذا تر َّ‬
‫َّأمة مع اَّؤمن ‪ ،‬ما داموا قائم ابلواجبات اَّ تِبة عليهم فاختال ِ‬
‫الدين ليس ‪ -‬مبقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫الصليفة ‪ -‬بباً لللرمان من مبدأ اَّواطنة(‪.)4‬‬
‫أحكام َّ‬
‫‪ - 2‬اَّرجعيَّة العليا هلل ور ولت هللال هللا عليت و لم‬
‫الصليفة الفصل يف كل األمور ابَّدينة يعود إىل هللا‪ ،‬ور ولت هللال هللا عليت و لم‪،‬‬ ‫جعلت َّ‬
‫فض اخلال يف الفقرة (‪ ،)23‬وقد جاء فيها «وإنَّت مهما اختلفتم فيت‬ ‫ص ـ ـ ـت عل مرجع ِ‬ ‫فقد ن َّ‬
‫حممد هللاــل هللا عليت و ــلم » واَّ اي من ذلك وا ـ ‪ ،‬وهو‬ ‫مرده إىل هللا‪ ،‬وإىل َّ‬
‫فَن َّ‬ ‫من شـ ٍ‬
‫ـيء‪َّ ،‬‬
‫ـلطة عليا دينيَّ ٍة‪ ،‬هتيمن عل اَّدينة‪ ،‬وتفص ـ ــل يف اخلالفات منعاً لقيام ا ـ ـ ــطر ٍ‬
‫اابت يف‬ ‫أتكيد ـ ـ ٍ‬

‫ضاب ‪ ،‬شوهللانْ ِع اَِّداد‪.‬‬


‫جْنـبة من الفصيلة اَّر ينية ‪ ،‬قريبة من احس ‪ ،‬تنبت يف اَّناطق اجلبلية ‪ ،‬وكانت تستعمل قدمياً يف اخلِ ِ‬
‫شش‬ ‫(‪ )1‬ال شكتشم‬
‫الصليلة (‪.)293/1‬‬ ‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫الصليلة ‪.)293/1( ،‬‬ ‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫نظام احلكم ‪ ،‬لظافر القامسي (‪.)37/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪545‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت‬ ‫السلطات‪ ،‬ويف الوقت نفست أتكيد م برائ ة َّ‬ ‫جراء تعدُّد ُّ‬‫الدَّاخل من َّ‬
‫ص ـليفة مصــدر ال ُّس ـلطات الثالثة التَّ ـريعية‪ ،‬والقضــائية‪،‬‬ ‫الدولة(‪ ،)1‬فقد حدَّدت ال َّ‬ ‫و ــلم عل َّ‬
‫والتَّنفيذية‪ ،‬فكان ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬حريص ـ ـ ـاً عل تنفيذ أوامر هللا‪ ،‬من خالل‬
‫ألن حتقيق احلــاكميــة هلل عل األ َّم ـة هو حمض العبوديَّـة هلل تعــاىل ألنـَّت بــذلــك‬ ‫دولتــت اجلــديــدة َّ‬
‫احلكْم إِحَّ ََِّّللِ أشمر أشحَّ تشـعبدوا إِحَّ إِ ََّيه ذشلِك ِ‬
‫الدين‬ ‫الدين‪ .‬قال تعاىل ﴿إِ ِن ْ‬ ‫يتلقَّق التَّوحيد‪ ،‬ويقوم ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫شش‬
‫ن ﴾ [يوسف‪. ]40 :‬‬ ‫الْ شقيِم شولش ِك َّن أش ْكثشـشر الن ِ‬
‫َّاس حش يشـ ْعلشمو ش‬
‫الربوبي ــة‪ ،‬والعقائـ ــد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬واَّعامالت إح هلل وحده‪ ،‬يوحيت‬ ‫يع «ما احلكم احل ـ ُّـق يف ُّ‬
‫َّن اهللا ـ ـ ـ ــطفاه من ر ـ ـ ـ ــلت‪ ،‬ح ميكن لب ـ ـ ـ ـ ٍر أن كم فيت برأيت وهواه‪ ،‬وح بعقلت وا ـ ـ ـ ــتدحلت‪ ،‬وح‬
‫ابجتهاده وا ـ ــتلس ـ ــانت‪ ،‬فهذه القاعدة هي أ ـ ـ ــاس دين هللا تعاىل عل ألس ـ ــنة يع ر ـ ــلت‪ ،‬ح‬
‫هتلف ابختال األزمنة‪ ،‬واألمكنة»(‪.)2‬‬
‫لقد نايل القرآن الكر من أجل حتقيق العبوديَّة‪ ،‬واحلاكميَّة هلل تعاىل‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ َّان أشنْـشايلْنشا‬
‫ين َّاهشذوا ِم ْن‬ ‫الدين ْ ِ َّ ِ‬ ‫الدين ۝ أشحش ََِّّللِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِلشيك الْ ِكتاب ِاب ْحل ِق فشاعب ِد َّ ِ‬
‫اخلشالص شوالذ ش‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا لشت ش‬
‫اَّللش ملْل ً‬ ‫ْش ش ش ش ْ‬
‫اَّللش شْكم بشـْيـنشـه ْم ِيف شمـا ه ْم فِيـ ِـت شخيْتشلِفو شن إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫اَّللِ زلْ شف إِ َّن َّ‬
‫وان إِ شىل َّ‬‫دونِـ ِت أ ْشوليشـاءش شمـا نشـ ْعبـده ْم إِحَّ لِيـ شق ِرب ش‬
‫كفَّار ﴾ [الزمر‪. ]3 - 2 :‬‬ ‫اَّللش حش يشـ ْه ِدأ شم ْن ه شو شك ِاذب ش‬ ‫َّ‬
‫اَّلل شوحش تشك ْن‬ ‫اب ِاب ْحلشِق لِتش ْلك شم بشْ ش الن ِ‬
‫َّاس ِمبشا أ ششر شاك َّ‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تعال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﴿إِ َّان أشنْـايلْنشا إِلشي ش ِ‬
‫ك الْكتش ش‬ ‫ش ْ‬
‫أن حتقيق العبودية اية من إنايال الكتاب فكذلك تطبيق‬ ‫يما﴾ [النساء‪ ]105 :‬فكما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ل ْل شهائن ش شخص ً‬
‫أن العبــادة ح تكون إح عن وحي منشـَّايل فكــذلــك ح ينب ي أن‬ ‫احلــاكميَّـة ــايــة من إنايالــت‪ ،‬وكمــا َّ‬
‫منايٍل‪ ،‬أو مبا لت أهللال يف شرٍي م َّنايٍل(‪.)3‬‬ ‫كم إح ب ري َّ‬
‫إن حتقيق احلاكميَّة َتك للعبوديَّة‪ ،‬وقيام ابل اية الَّيت من أجلها خلق النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬واجلان‪،‬‬
‫َّ‬
‫اجلِ َّن والنس إِحَّ لِيـعبد ِ‬
‫ون ﴾ [الذارايت‪. ]56 :‬‬ ‫﴿وشما شخلش ْقت ْ ش ش ش ْ‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫ص ـليفة بوجود ــلطة قضــائيَّة عليا‪ ،‬يرجع إليها ـ َّـكان اَّدينة‬
‫وقد اع اليهود يف هذه ال َّ‬
‫لكن اليهود ي شلايموا ابلُّرجوي إىل القضاء ال الم ِي‬‫‪ -‬مبا فيهم اليهود ‪ -‬مبوج بند رقم (‪َّ ،)43‬‬

‫احلضارأ ‪ ،‬للسيد عبد العايياي ‪ ،‬ص ‪.102‬‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ِ‬
‫السيا ُّي و‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري اَّنار (‪.)309/12‬‬
‫(‪ )3‬انظر احلكم والتَّلاكم يف خطاب الوحي (‪.)433/1‬‬
‫‪546‬‬
‫دائماً بل فقا عندما يكون احلدث‪ ،‬أو احش ـ ـ ـ ــت ار بينهم وب اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪َّ ،‬أما يف قض ـ ـ ـ ــاَيهم‬
‫هللاـ ـ ـ ـة‪ ،‬وأحوايم ال َّ ـ ـ ـ ـهصـ ـ ـ ـيَّة‪ ،‬فهم تكمون إىل التَّوراة‪ ،‬ويقض ـ ـ ــي بينهم أحبارها‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫اخلا َّ‬
‫َّب هللاــل‬ ‫خري القرآن الكر الن َّ‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫شــايوا فبو ــعهم اححتكام إىل الن ِ‬
‫ب‬‫﴿مسَّاعو شن لِْل شك ِذ ِ‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ب قبول احلكم فيهم‪ ،‬أو ِردهم إىل أحبارهم‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫شكالو شن لِل ُّس ـ ـ ـ ـ ـل ِ‬
‫وك‬ ‫ض شعْنـه ْم شوإِ ْن تـ ْع ِر ْ‬
‫ض شعْنـه ْم فشـلش ْن يشض ـ ـ ـ ـ ـُّر ش‬ ‫احك ْم بشـْيـنشـه ْم أ ْشو أ ْشع ِر ْ‬ ‫ت فشَِ ْن شجاء ش‬
‫وك فش ْ‬ ‫ْ‬ ‫أ َّ‬
‫اَّلل ِ ُّ الْم ْق ِس ِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫ششْيـئًا شوإِ ْن شح شك ْم ش‬
‫ط ش ﴾ [املائدة‪. ]42 :‬‬
‫احك ْم بشـْيـنشـه ْم ابلْق ْسا إ َّن َّش‬
‫ت فش ْ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم فيها اختال ب النَّضري‪،‬‬ ‫ومن القضاَي اليت أراد اليهود حتكيم َّ‬
‫أعاي من ب قريظة‪ ،‬ف كانت تفرض‬ ‫وب قريظة يف ِد يشة القتل بينهما‪ ،‬فقد كانت بنو النَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــري َّ‬
‫عليهم ِديشةً مض ـ ـ ـ ــاعفةً لقتالها‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ظهر ال ـ ـ ـ ــالم يف اَّدينة امتنعت بنو قريظة عن دفع‬
‫س‬ ‫شن النَّـ ْفس ِابلنَّـ ْف ِ‬‫َّ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫يه‬ ‫الدية(‪ ،)1‬فنايلت ا ية ﴿وشكتـبـنا علشي ِهم فِ‬ ‫ض ـ ـ ـعف‪ ،‬وطالبت ابَّسـ ـ ــاواة يف ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫َّق بِِت‬ ‫نف واألذ شن ِابألذ ِن وال ِسـ ـ ـ َّن ِابل ِسـ ـ ـ ِن و ْ ِ‬ ‫نف ِاب ِ‬
‫صـ ـ ـد ش‬ ‫صـ ـ ـاص فش شم ْن تش ش‬ ‫اجلرو ش ق ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫شوالْ شع ْ ش ِابلْ شع ْ ِ شوا ش‬
‫ن ﴾ [املائدة‪. ]45 :‬‬ ‫ك هم الظَّالِمو ش‬ ‫اَّلل فشأولشئِ ش‬
‫َّارة لشت شوشم ْن شْ شْك ْم ِمبشا أشنْـشايشل َّ‬
‫فشـه شو شكف ش‬
‫ص ـ ـليفة ‪ -‬الَّيت أقَّرت اَّادة (‪ )43‬عل «أنَّت ما كان ب أهل هذه ال َّ‬
‫ص ـ ـليفة من‬ ‫وهبذه ال َّ‬
‫حمم ٍد ر ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم »‬
‫مرده إىل هللا‪ ،‬وإىل َّ‬ ‫ٍ‬
‫حدث‪ ،‬أو اشــت ا ٍر خيا فســاده‪َّ .‬‬
‫فَن َّ‬
‫للر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ــلطة قضــائيَّة مركاييَّة عليا‪ ،‬يرجع إليها اجلميع‪ ،‬وجعلها‬
‫‪ -‬أهللاــب َّ‬
‫ألن أوامر هللا واجبة الطَّاعة‪،‬‬
‫الر ـول هللاـل هللا عليت و ـلم ‪ ،‬ويا َّقوة تنفيذيَّة َّ‬
‫ترجع إىل هللا وإىل َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم هي من هللا‪ ،‬وطاعتها واجبة(‪.)2‬‬ ‫أن أوامر َّ‬‫وملايمة التَّنفيذ‪ ،‬كما َّ‬
‫السلطة‬
‫الدولة‪ ،‬ويف الوقت نفست رئيس ُّ‬ ‫ئيس َّ‬
‫وبذلك أهللاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ر ش‬
‫القضــائيَّة‪ ،‬والتَّنفيذيَّة‪ ،‬والتَّ ـريعية فقد َّ‬
‫توىل ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ال ُّس ـلطات الثالث‪،‬‬
‫بصــفتت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬اَّكلَّف بتبلي شــري هللا‪ ،‬واَّف ِسـر لكالم هللا‪ ،‬وال ُّسـلطة‬
‫صـليفة‪،‬‬ ‫الدولة شوفْ شق نصــوص ال َّ‬ ‫الدولة‪ ،‬فقد َّ‬
‫توىل رائ ــة َّ‬ ‫الر ــول احلاكم‪ ،‬ورئيس َّ‬ ‫التَّنفيذيَّة بصــفتت َّ‬
‫صـ ـ ـليفة يف اَّادة (‪،)36‬‬ ‫وابتفاق الطَّوائف اَّهتلفة اَّوجودة يف اَّدينة‪ ،‬اَّن طلتهم نص ـ ــوص ال َّ‬
‫حمم ٍد هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم » ويذا أتثري كبري يف‬
‫تقرر أنَّت «ح خيرً منهم أحد إح نذن َّ‬ ‫الَّيت ِ‬

‫الصليلة (‪.)291/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التَّكوين إىل التَّمك ‪ ،‬ص ‪.418‬‬ ‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪547‬‬
‫اَّادة (‪ )44‬الَّيت ذهبت‬ ‫عدم ال َّس ـ ـ ـ ـما يم مبلالفة قريش‪ ،‬أو ريها من القبائل اَّعادية‪ .‬وهناك َّ‬
‫ص ـشرها»‪ ،‬و يشِرْد يف‬
‫إىل ما هو أبعد‪ ،‬وأهللاــر من ذلك إذ َّقررت أنَّت «ح دار قريش‪ ،‬وح شم ْن نش ش‬
‫شهص ما عدا ر ِ‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم (‪. )1‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصليفة ا م ِ‬
‫ألأ‬ ‫َّ‬
‫‪ - 3‬إقليم َّ‬
‫الدولة‬
‫ص ـ ـ ـليفة» مادة (‪ ،)40‬وأهللاـ ـ ــل‬ ‫إن يثرب حرام جوفها ألهل هذه ال َّ‬ ‫ص ـ ـ ـليفة « َّ‬
‫وجاء يف ال َّ‬
‫التَّلر أح يقطع شـ ـ ـ ـ ـ ـ رها‪ ،‬وح يقتل طريها‪ ،‬فَذا كان هذا هو احلكم يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ر والطَّري‪ ،‬فما‬
‫الدولة َّأمة واحدة‪ ،‬وإقليم هو‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة حدَّدت معا َّ‬
‫ابلك يف األموال‪ ،‬واألنفس؟!(‪ )2‬فهذه ال َّ‬
‫وحتكم مبا أنايل هللا‪.‬‬ ‫اَّدينة‪ ،‬و لطة حاكمة يـ ْر شجع إليها‪ ،‬شْ‬
‫إن اَّدينة كانت بداية إقليم الدَّولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬ونقطة ا نطالق‪ ،‬ومركاي الدَّائرة الَّيت كان‬
‫َّ‬
‫حداً للقالقل واح طراابت‪ ،‬ويسوده السلم‪ ،‬واألمن العام‪.‬‬ ‫حض يضع َّ‬ ‫القليم يتَّسع منها‪َّ ،‬‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أهللا ـ ــلابت ليثبِتوا أعالماً عل حدود حرم اَّدينة من‬
‫وقد أر ـ ــل الن ُّ‬
‫يع اجلهات‪ ،‬وحدود اَّدينة ب حبشـتشـْيها شرقاً و رابً‪ ،‬وب جبل ثـش ْور يف ال مال‪ ،‬وجبل شع ْري يف‬
‫اجلنوب(‪.)3‬‬

‫مثَّ اتس ـ ــع «القليم» ابتِس ـ ــاي الفت ‪ ،‬ودخول ش ـ ــعوب البالد اَّفتوحة يف ال ـ ــالم‪ ،‬ح َّض َّ‬
‫عم‬
‫مســاحةً وا ــعةً يف األرض‪ ،‬والبلر‪ ،‬وما يعلولا من فضــاء‪ ،‬فمن اَّيا األطلســي رابً‪ ،‬ومناطق‬
‫ـيلة من رب ا ــية وجنوهبا‪ ،‬إىل أكثر أهل ال ِ‬
‫صـ‬ ‫ـعة من رب أوربة‪ ،‬وجنوهبا‪ ،‬ومناطق فسـ ٍ‬ ‫وا ـ ٍ‬
‫الدولة مفتو و ري ٍ‬
‫حمدود حبدود‬ ‫ورو ـ ـ ـ ـ ـ ــية ش ـ ـ ـ ـ ـ ـرقاً‪ ،‬و ِ‬
‫كل طال إفريقية وأوا ـ ـ ـ ـ ـ ــطها(‪َّ .)4‬‬
‫إن إقليم َّ‬
‫حض ي مل الكرة األر يَّة‬ ‫ج رافيَّ ٍة‪ ،‬أو يا يَّ ٍة فهو يبدأ من عاهللامة َّ‬
‫الدولة «اَّدينة»‪ ،‬ويتَّسع َّ‬
‫أب رها‪.‬‬
‫ض ََِّّللِ يوِرثـ شها شم ْن يش ش ـ ـاء ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫هللا ـ ـِربوا إِ َّن األ ْشر ش‬
‫قال تعاىل ﴿قش شال مو ش ـ ـ ل شق ْومت ا ْ ـ ـتشعينوا ِاب ََّّلل شوا ْ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.420‬‬


‫(‪ )2‬انظر نظام احلكم ‪ ،‬لظافر القامسي (‪.)38/1‬‬
‫(‪ )3‬قال هللال هللا عليت و لم «اَّدينة شحشرم ما ب شع ْري إىل ثشـ ْور ‪ ،‬فمن أحدث فيها حداثً ‪ ،‬أو او حمْ ِداثً ‪ ،‬فعليت لعنة هللا‪ »...‬البهارأ (‪ ، )6755‬ومسلم‬
‫احلت ‪ ،‬ابب فضل اَّدينة‪ ...‬وبيان حدود حرمها ‪ ،‬رقم (‪.)1370‬‬ ‫‪ ،‬كتاب ِ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.411‬‬ ‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪548‬‬
‫أن مفهوم األ َّمـة مفتو و ري من ٍلق عل فئـ ٍـة دون‬ ‫ِعبشـ ِادهِ شوالْ شعـاقِبشـة لِْلمت َِّق ش ﴾ [األعراف‪ ]128 :‬كمــا َّ‬
‫فئة بل هي اتدَّة لت ـ ـ ــمل النس ـ ـ ــانيَّة كلَّها‪ ،‬إذا ما ا ـ ـ ــت ابت لدين هللا تعاىل الذأ ارتض ـ ـ ــاه‬ ‫ٍ‬
‫لكل ٍ‬
‫فرد من أبناء اَّعمورة‬ ‫خللقت‪ ،‬ولب ادم أينما كانوا‪ ،‬فا َّلدولة ال ــالميَّة دولة ِ‬
‫الر ــالة العاَّية‪ِ ،‬‬
‫نصي فيها‪ ،‬وهي تتو َّ ع بو يلة اجلهاد(‪.)1‬‬
‫‪ِ -4‬‬
‫احلرََّيت وحقوق النسان‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يف هللا ــيا ة‬
‫وجالء عل عبقرية َّ‬ ‫ٍ‬ ‫تدل بو ــو ٍ ‪،‬‬‫ص ـ ـليفة ُّ‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّ‬
‫ببعض فقد كانت مو ُّادها م ابطةً‪ ،‬وشــاملةً‪ ،‬وتصــل‬ ‫مو ِادها‪ ،‬وحتديد عالقات األطرا بعضــها ٍ‬
‫لعالً األو ــاي يف اَّدينة آنذاك‪ ،‬وفيها من القواعد واَّبادئ ما ِقق العدالة اَّطلقة‪ ،‬واَّس ــاواة‬
‫َّامة ب الب ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وأن يتمتَّع بنو النس ـ ـ ـ ـ ــان عل اختال ألوا‪،‬م‪ ،‬ول اهتم‪ ،‬وأدَي‪،‬م‪ ،‬ابحلقوق‬ ‫الت َّ‬
‫واحل ِرََّيت أبنواعها ‪ .‬يقول األ ــتاذ حممد ــليم َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫العوا «وح تايال اَّبادئ اليت تضـ َّـمنها الد ــتور‬
‫‪ -‬يف لتهــا ‪ -‬معموحً هبــا‪ ،‬واأل لـ أ َّ‪،‬ـا ـ ـ ـ ـ ـ ــتظــل كــذلــك يف ملتلف نظم احلكم اَّعروفــة إىل‬
‫الر ــول هللاــل هللا‬
‫دو‪،‬ا َّ‬
‫اليوم‪ ...‬وهللاــل إليها الناس بعد قرون من تقريرها‪ ،‬يف َّأول وثيقة ــيا ـيَّة َّ‬
‫عليت و لم »(‪.)3‬‬
‫وحق األمن‪ ...‬إخل‪،‬‬ ‫احلرَيت مص ــونة كلرية العقيدة‪ ،‬والعبادة‪ِ ،‬‬ ‫أن ِ‬ ‫ص ـ ـليفة َّ‬ ‫فقد أعلنت ال َّ‬
‫الدين مكفولة «للمس ـ ـ ـ ـ ــلم دينهم‪ ،‬ولليهود دينهم»‪ .‬قال تعاىل ﴿حش إِ ْكرآه ِيف ِ‬
‫الدي ِن‬ ‫فلرية ِ‬
‫ك ِابلْع ْرشوةِ الْوثْـ شق حش‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ْش ـ ـ ـد ِمن الْ ش ِي فشمن يكْفر ِابلطَّا ِ‬
‫وت شويـ ْؤِم ْن ِاب ََّّلل فشـ شقد ا ْ ـ ـ ـتش ْم شس ـ ـ ـ ش‬ ‫شْ ش ْ‬ ‫ش‬ ‫قش ْد تشـبش َّ ش ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـليفة ننايال الوعيد‪ ،‬وإهالك من‬ ‫اَّلل شِمسيع شعلِيم ﴾ [البقرة‪ ]256 :‬وقد أنذرت ال َّ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شام شيشا شو َّ‬ ‫ِ‬
‫انْف ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـت الوثيقة عل حتقيق العدالة ب النَّاس‪،‬‬ ‫خيالف هذا اَّبدأ‪ ،‬أو يكس ـ ـ ــر هذه القاعدة‪ ،‬وقد ن َّ‬
‫وعل حتقيق مبدأ اَّساواة‪.‬‬
‫الدولة ال ــالميَّة واج عليها أن تقيم العدل ب الناس‪ ،‬وتفس ـ ااال وتي ِس ـر ال ُّس ـبل‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬
‫حقت أبيس ــر ال ُّسـ ـبل‪ ،‬وأ ــرعها‪ ،‬دون أن يكلِفت‬
‫ـان ‪ -‬يطل حقَّت ‪ -‬أن يص ــل إىل ِ‬
‫كل إنس ـ ٍ‬
‫أمام ِ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫انظر دولة َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.420‬‬


‫السيا ُّي يف ال الم ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫(‪ )3‬انظر النظام ِ‬
‫‪549‬‬
‫أأ و ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيلة من الو ـ ـ ـ ـ ــائل‪ ،‬اليت من ش ـ ـ ـ ـ ــأ‪،‬ا أن تعوق‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذلك جهداً‪ ،‬أو ماحً ‪ ،‬وعليها أن َتنع َّ‬
‫احلق من الوهللاول إىل ِ‬
‫حقت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هللااح‬
‫العدل ب النَّاس دون النظر إىل ل اهتم‪ ،‬أو‬ ‫احلكام أن يقيموا ش‬ ‫َّ‬ ‫لقد أوج ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم عل‬
‫همت أن يكون‬ ‫حلق‪ ،‬وح ي ُّ‬ ‫أوطا‪،‬م‪ ،‬أو أحوايم احجتماعيَّة‪ ،‬فهو يعدل ب اَّتهاهللام ‪ ،‬و كم اب ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها‬
‫اَّكوم يم أهللادقاء‪ ،‬أو أعداء‪ ،‬أ نياء‪ ،‬أو فقراء‪ ،‬عماحً أو أهللالاب عمل‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ين آمنوا كونوا قشـ َّو ِام ش ََِّّللِ ش ـ شه شداءش ِابلْ ِق ْس ـ ِا شوحش شْجي ِرشمنَّك ْم شش ـنشآن قشـ ْوٍم شعلش أشحَّ تشـ ْع ِدلوا ْاع ِدلوا ه شو‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ ش‬
‫اَّلل خبِري ِمبا تـعملو شن﴾ [املائدة‪ ]8 :‬واَّعىن ح ملنَّكم ب ض ٍ‬ ‫أشقْـرب لِلتَّـ ْقو واتـَّقوا َّ ِ‬
‫قوم عل‬ ‫اَّللش إ َّن َّش ش ش ش ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬
‫ظلمهم‪ ،‬ومقتض هذا أنَّت ح ملنَّكم ح ُّ قوم عل حماابهتم‪ ،‬واَّيل إليهم(‪.)2‬‬
‫ك فش ْادي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يقول األ ـ ـ ـ ـ ـ ــتاذ أبو األعل اَّودودأ ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬معقباً عل قولت تعاىل ﴿فشل شذل ش‬
‫اب شوأ ِم ْرت ِأل شِ ْع ِد شل بشـْيـنشك ْم‬
‫اَّلل ِمن كِتش ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت شوحش تشـتَّبِ ْع أ ْشه شواءشه ْم شوق ْل شآمْنت مبشا أشنْـشايشل َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوا ْ ـ ـ ـ ـتشق ْم شك شما أم ْر ش‬
‫ص ـري ﴾‬ ‫اَّلل ربـُّنشا وربُّكم لشنشا أ ْشعمالنشا ولشكم أ ْشعمالكم حش ح َّ ةش بـيـنشـنشا وبـيـنشكم ا ََّّلل شجيمع بـيـنشـنشا وإِلشي ِت الْم ِ‬
‫ْ ش شْ ش ْ ش‬ ‫شْ ش شْ ْ‬ ‫ش ش ْ ش ْ‬ ‫َّ ش ش ش ْ‬
‫ص ـ ـت «يع أنَّ مأمور اب نص ـ ــا دون عداوةٍ‪ ،‬فليس من ش ـ ــأين أن أتع َّ‬
‫ص ــ‬ ‫[الش ــور ‪ ]15 :‬ما ن ُّ‬
‫أحد‪ ،‬وعالقيت ابلنَّاس كلِهم ـ ـواء‪ ،‬وهي عالقة العدل‪ ،‬وا نص ــا ‪ ،‬فأان نص ــري‬ ‫ألحد‪ ،‬أو ـ َّـد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ألأ ٍ‬
‫فرد‬ ‫أأ امتيازات ِ‬ ‫احلق يف جانبت‪ ،‬وخص ـ ـ ـ ـ ــيم من كان احلق ـ ـ ـ ـ ــدَّه‪ ،‬وليس يف دي ُّ‬ ‫شم ْن كان ُّ‬
‫كــائن ـاً شم ْن كــان‪ ،‬وليس ألقــاريب حقوق‪ ،‬ولل رابء حقوق أخر ‪ ،‬وح ل كــابر عنــدأ ايِايات ح‬
‫فاحلق حق لل ميع‪ ،‬و َّ‬
‫الذن واجل ْرم‬ ‫ص ــل عليها األهللا ــا ر‪ ،‬وال ُّ ـ ـرفاء والو ــعاء عندأ ـ ـواء‪ُّ ،‬‬
‫حض‬ ‫ِ‬
‫الكل‪َّ ،‬‬ ‫الكل‪ ،‬واحلالل حالل للك ِل‪ ،‬والفرض فرض عل‬
‫ِ‬ ‫ذن لل ميع‪ ،‬واحلرام حرام عل‬
‫اليي(‪.)3‬‬
‫مستثىن من لطة القانون ِ‬ ‫ً‬ ‫أان نفسي لست‬
‫بوأ‬
‫إن تربية ااتمع اَّس ـ ــلم وإعداده لقيادة النس ـ ــانيَّة ص ـ ــائص ـ ــت اليت احتواها منه ت ال ُّ‬ ‫َّ‬
‫حفيَّة أش ـ ـ ـ َّـد احلفاوة بِ ِ ـ ـ ـ ـ ْر شع ِة العدل‪ ،‬وإقامتت ب األفراد‪ ،‬واجلماعات‪ ،‬واألمم‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـ ـعوب َّ‬
‫ألن‬
‫العدل يف طول مواطنت هو دعامة القيادة اَّوفَّقة‪.‬‬
‫ين آمنوا كونوا قشـ َّو ِام ش ِابلْ ِق ْس ـ ـ ـ ـ ِا ش ـ ـ ـ ـ شه شداءش ََِّّللِ شولش ْو شعلش أشنْـف ِس ـ ـ ـ ـك ْم أش ِو‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫قال تعاىل ش‬

‫(‪ )1‬انظر النِظام ِ‬


‫السيا ُّي يف ال الم ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )3‬انظر احلكومة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪550‬‬
‫اَّلل أ ْشوشىل هبِِ شما فشالش تشـتَّبِعوا ا ْيششو أش ْن تشـ ْع ِدلوا شوإِ ْن تشـ ْلووا أ ْشو‬
‫الْ شوالِ شديْ ِن شواألشقْـشربِ ش إِ ْن يشك ْن شنًِّيا أ ْشو فشِق ًريا فش َّ‬
‫خبِريا ﴾ [النساء‪. ]135 :‬‬ ‫ِ‬ ‫تـ ْع ِر وا فشَِ َّن َّ‬
‫اَّللش شكا شن مبشا تشـ ْع شملو شن ش ً‬
‫القيادأ اَّسـ ــلم بتلقيق العدل عل ِأذ هللاـ ــوره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وهذا نص قرآين هللا ـ ـري يف تكليف ااتمع‬
‫وأكمــل أحوالــت‪ ،‬فــالعــدل عل النفس‪ ،‬وعل أقرب ذوأ القرىب كــالعــدل مع ري النفس‪ ،‬وأبعــد‬
‫البـ شع شداء‪ ،‬ويف قولت تعاىل ﴿كونوا﴾‪ ،‬أمر للم تمع اَّسلم‪ ،‬يف يع أفراده‪ ،‬و اعاتت‪ ،‬أينما حلُّوا‬
‫ـادتـت‬
‫من أرض هللا‪ ،‬وحيثمــا كــانوا يف أوطــا‪،‬م اَّتقــاربــة‪ ،‬أو اَّتبــاعــدة‪ ،‬وهو أمر كينونــة ي ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعر مبـ َّ‬
‫ابللايام‪ ،‬واحلتايام‪ ،‬والتَّهيُّؤ وا نبعاث للقيام نقامة منهت العدل يف احلياة‪ ،‬ويف قولت تعاىل بصي ة‬
‫﴿قشـ َّو ِام ش ﴾‪ ،‬إمياء إىل ما جي أن يكون عليت ااتمع اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم من النهوض نقامة معا العدل‬
‫مادية‪ ،‬وروحية‪ ،‬م ـ ـ ـ ِـمراً علىسـ ـ ــاق العايم يف بذل اجلهد‪ ،‬والتلفُّاي للعمل يف‬ ‫بكل ما أول من قوة ِ‬ ‫ِ‬
‫احجتماعي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بيل توطيد دعائم العدل‬
‫ض بت عل‬‫إن القرآن الكر ‪ -‬وهو د ـ ــتور ااتمع اَّسـ ــلم ‪ -‬ح يقف يف أ ـ ــلوبت الَّذأ ُّ‬ ‫َّ‬
‫ض ـمري النسـ ِ‬
‫ـاين‪ ،‬ورىب عليت‬ ‫اح ــتمســاك ابلعدل عند ــف احلياة‪ ،‬ولكنَّت يشلِت(‪ )1‬إىل مداخل ال َّ‬
‫أن خيض ـ ـ ـ ـ ــع يف إقامة العدل لعاطفة تتملَّق ال َّ ل ناه‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــعة ثروتت من اَّال‪ ،‬أو يتملَّق عاطفة‬
‫ف‬‫الرحــة‪ ،‬فريحم الفقري لفقره‪ ،‬فيلوأ عنــت عنق العــدل حض ح ير مــا يقع منــت من ظل ٍم‪ ،‬وحْي ٍ‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫عل احلق‪.‬‬
‫تعايز ال بثرائت‪ ،‬و ناه عل أح يقام‬
‫والقرآن بذلك ح ير ـ ـ للم تمع اَّس ـ ــلم‪ ،‬أن ملت ُّ‬
‫الرحة للفقري‪ ،‬فيلايب بظلم‬
‫معت العدل‪ ،‬ويظلم لت الفقري‪ ،‬وح ير يذا ااتمع اَّسلم أن حتملت َّ‬
‫ال ِ ألجلت‪.‬‬
‫وح ير ـ القرآن احلكيم اتمعت اَّســلم‪ ،‬أن مييل مع ايو ‪ ،‬وخيضــع للعواطف‪ ،‬فيليد عن‬
‫العدل لياً ابحلق‪ ،‬وإعرا اً عنت‪.‬‬
‫لتكمل هللاــورة إقامة العدل عل‬ ‫وقد جاءت أخت هذه ا ية‪ ،‬يف نســق أ ــلوهبا‪ ،‬وألفاظها ِ‬
‫أن موازين العدل جي أن يتسـ ـ ـ ـ ــاو فيها اَّ ُّ واَّْب ض‪ ،‬والقري والبعيد‪،‬‬ ‫ِأذ وجوهت‪ ،‬و ِ‬
‫لتقرر َّ‬
‫ين آمنوا كونوا قشـ َّو ِام ش ََِّّللِ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ شه شداءش ِابلْ ِق ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِا شوحش‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫لعدو‪ ،‬فقال تعاىل ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـديق وا ُّ‬
‫وال َّ‬

‫(‪ )1‬يلت يدخل‪.‬‬


‫‪551‬‬
‫اَّللش شخبِري ِمبشا تشـ ْع شملو شن﴾‬ ‫شْجي ِرشمنَّك ْم ششنشآن قشـ ْوٍم شعلش أشحَّ تشـ ْع ِدلوا ْاع ِدلوا ه شو أشقْـشرب لِلتَّـ ْق شو شواتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش إِ َّن َّ‬
‫[املائدة‪. ]8 :‬‬

‫فص ـ ـ ـ ـ ـ ــورة اخلطــاب الكينوين هنــا ﴿كونوا﴾ الَّـذأ جيعــل من العــدل طبيعــة خالئق ااتمع‬
‫ألن العدل أمانة هذا ااتمع اَّس ـلم‬ ‫ا بت قيادة النســانيَّة ‪ -‬هي هللاــورتت هناك َّ‬ ‫اَّســلم الَّذأ ني ش‬
‫أن األمر ق ــد اختلف يف احيت‬ ‫العظم الَّيت حلوه ــا ُّ‬
‫ليؤدوه ــا إىل النَّ ـاس يف حي ــاهتم(‪ )1‬بي ــد َّ‬
‫الر ـ ــالة اخلالدة اخلاَتة الَّذأ ُّ‬
‫يعم‬ ‫اختالفاً شش شع متشـ شف ِر شق مواط ِن العدل ابعتباره أهللاـ ـ ـالً من أهللا ـ ــول ِ‬
‫وجت األمر للم تمع اَّسـ ــلم أبشـ ــر أوهللاـ ــافت ‪ -‬قال‬ ‫احلياة من يع جوانبها ففي ا ية األوىل َّ‬
‫َّ ِ‬
‫ين آمنوا﴾ ‪ -‬إىل أن يكون َّقوامـاً ابلعــدل‪ ،‬ولو كــان يف ذلــك مرا مــة منــازي‬ ‫﴿َيأشيـُّ شهـا الـذ ش‬
‫تعــاىل ش‬
‫وجت األمر للم تمع بعنوانت اَّ ـ ـ ِـر ‪ ،‬إىل أن يكون‬ ‫الود‪ ،‬والقرىب‪ ،‬ويف هذه ا ية الثانية َّ‬ ‫احل ِ ‪ ،‬و ِ‬
‫َّقواماً ابلعدل‪ ،‬ولو كان يف ذلك مرا مة يع عواطف الب ض‪ ،‬والعداوة(‪.)2‬‬
‫وملتق ا يت الكرميت يف توجيت ااتمع اَّس ــلم توجيهاً هللا ــارماً ح هوادة فيت إىل أن يكون‬
‫التوجت إىل هللا تعاىل يف‬
‫‪َّ،‬ا ـ ـ ـ ـاً ابلعدل‪ ،‬قائماً بت ب النَّاس‪ ،‬لت قيادتت لإلنس ـ ـ ـ ــانيَّة‪ ،‬وليهلص لت ُّ‬
‫ـتد عل العراض‬ ‫إخالص العبوديَّة لت وحده‪ ،‬ح حتملت حمبَّة مهما عظمت‪ ،‬أو ب ض مهما اش ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫عن إقامـة العدل إحقاقـاً ِ‬
‫لللق‪ ،‬وإنصافاً للمظلوم‪ ،‬ونصراً للضَّعيف(‪.)3‬‬
‫ص ـ ـ ـليفة حويا‪ ،‬منها «أن ذ َّمة هللا‬ ‫َّأما مبدأ اَّسـ ـ ــاواة فقد جاءت نصـ ـ ــوص هللاـ ـ ــر ة يف ال َّ‬
‫بعض دون النَّاس»‪،‬‬ ‫أن «اَّؤمن بعضـهم مواس ٍ‬ ‫واحدة»‪ ،‬وأن اَّسـلم «جيري عليهم أدانهم»‪ ،‬و َّ‬
‫ضـَّراء (الفقرة ‪ .)15‬وتضـ َّـمنت الفقرة (‪)19‬‬ ‫ومعىن الفقرة األخرية أ َّ‪،‬م يتناهللاــرون يف ال َّسـراء وال َّ‬
‫بعض‪ ،‬مبا انل دماءهم يف ــبيل هللا»‪ ،‬قال ال ُّسـ ـهيلي ‪ -‬ش ــار‬ ‫ٍ‬ ‫أن «اَّؤمن يبء بعض ــهم عل‬ ‫َّ‬
‫(الروض ا نف) «ومعىن قولت يبء هو من البشـ شواء‪ ،‬أأ اَّساواة»(‪.)4‬‬ ‫السرية ‪ -‬يف كتابت َّ‬
‫أقرها ال ــالم‪ ،‬وهو من اَّبادئ الَّيت تســاهم يف‬ ‫العامة الَّيت َّ‬
‫ويعد مبدأ اَّســاواة أحد اَّبادئ َّ‬ ‫ُّ‬
‫أقر هذا اَّبدأ‪ ،‬و ــبق بت ت ـريعات‪ ،‬وقوان العصــر احلديث‪ ،‬واَّا ورد‬ ‫بناء ااتمع اَّســلم‪ ،‬ولقد َّ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها النَّاس إِ َّان شخلش ْقشناك ْم ِم ْن ذش شك ٍر شوأنْـثش‬
‫يف القرآن الكر أتكيداً َّبدأ اَّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاواة قولت تعاىل ش‬
‫(‪ )1‬انظر حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم(‪.)144 ، 143 ، 142/3‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر نفست (‪.)145 ، 144/3‬‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪.)145/3( ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫الروض األنف (‪ ، )17/2‬نقالً عن نظام احلكم ‪ ،‬للقامسي (‪.)38/1‬‬ ‫انظر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪552‬‬
‫[احلجرات‪. ]13 :‬‬ ‫اَّللش شعلِيم شخبِري ﴾‬ ‫واب شوقشـبشائِ شل لِتشـ شع شارفوا إِ َّن أش ْكشرشمك ْم ِعْن شد َّ‬
‫اَّللِ أشتْـ شقاك ْم إِ َّن َّ‬ ‫شو شج شع ْلنشاك ْم شع ً‬
‫إن ربَّكم واحد‪َّ ،‬‬
‫وإن أابكم‬ ‫وقال ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «َي أيها النَّاس! أح َّ‬
‫ـود‪ ،‬وح‬
‫ألحر عل أ ـ ـ ـ ش‬
‫عريب‪ ،‬وح ش‬‫ٍ‬ ‫مي عل‬‫مي‪ ،‬وح ألع ٍ‬ ‫لعريب عل أع ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬أح ح فض ـ ـ ــل ٍ‬
‫ود عل أحر‪ ،‬إح ابلتَّقو ‪ .‬أشبـلَّ ْت؟» [أمحد (‪. ])411/5‬‬ ‫أل ش‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫إن هـ ـ ــذا اَّبدأ كان من أهم اَّبادئ الَّيت جذبت الكثيـ ـ ــر من ال ُّ عـ ـ ــوب قدمياً حنو ال الم‪،‬‬
‫َّ‬
‫األول (‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫القوة للمسلم‬
‫فكان هذا اَّبدأ مصدراً من مصادر َّ‬
‫العامة) ب النَّاس يعاً يف أمور احلياة كافَّةً‪ ،‬كما‬ ‫وليس اَّقص ـ ــود ابَّس ـ ــاواة هنا‪( ،‬اَّس ـ ــاواة َّ‬
‫ينادأ بعض اَّهدوع ‪ ،‬ويرون ذلك عدحً(‪ )2‬فاحختال يف اَّواه ‪ ،‬والقدرات‪ ،‬والتَّفاوت‬
‫لكن اَّقص ـ ـ ـ ـ ــود اَّس ـ ـ ـ ـ ــاواة الَّيت دعت إليها ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة‬ ‫(‪)3‬‬
‫يف الدَّرجات اية من اَيت اخللق و َّ‬
‫ال الميَّة‪ ،‬مساواة مقيَّدة أبحو ٍال فيها التَّساوأ‪ ،‬وليست مطلقةً يف يع األحوال(‪ ،)4‬فاَّساواة‬
‫عامة دون‬ ‫أتل يف معاملة النَّاس أمام ال َّ ـ ـ ـري‪ ،‬والقضـ ـ ــاء‪ ،‬واألحكام ال ـ ـ ــالميَّة كافَّةً‪ ،‬واحلقوق ال َّ‬
‫تفريق بسب األهللال أو اجلنس‪ ،‬أو اللَّون‪ ،‬أو الثروة‪ ،‬أو اجلاه‪ ،‬أو ري ذلك(‪.)5‬‬
‫إن النَّاس يعاً يف نظر ال ـ ـ ـ ــالم ـ ـ ـ ـوا ـ ـ ـ ــية‪ ،‬احلاكم‪ ،‬واَّكوم‪ِ ،‬‬
‫الرجال والنس ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬العرب‬ ‫َّ‬
‫والع م‪ ،‬األبيض واأل ـ ـ ــود‪ ،‬لقد أل ال ـ ـ ــالم الفوارق ب النَّاس بس ـ ـ ــب اجلنس‪ ،‬واللون‪ ،‬أو‬
‫احلكام واَّكومون كلُّهم يف نظر ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـري ـ ـ ـ ـ ـ ـواء ولذلك كانت َّ‬
‫الدولة‬ ‫النَّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬أو الطَّبقة‪ ،‬و َّ‬
‫ال الميَّة األوىل‪ ،‬تعمل عل تطبيق هذا اَّبدأ ب النَّاس وكانت تراعي احل‬
‫ـ َّ‬
‫إن مبدأ اَّساواة أمر تعبُّدأ‪ ،‬تؤجر عليت من خالق اخللق بلانت وتعاىل‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ إ قاط احعتبارات الطَّبقية‪ ،‬والع ْرفية‪ ،‬والقبليَّة‪ ،‬والعنصريَّة‪ ،‬والقوميَّة‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والقليمية‪،‬‬
‫و ري ذلك من ال ِ ـ ـ ـ ـ ـعارات اَّاحقة َّبدأ اَّس ـ ـ ـ ــاواة النس ـ ـ ـ ــانيَّة‪ ،‬وإحالل اَّعيار ِ‬
‫اليي بدحً عنها‬
‫للتَّفا ل‪ ،‬أح وهو التَّقو ‪.‬‬

‫مبادئ نظام احلكم يف ال الم ‪ ،‬لعبد احلميد ِ‬


‫متوس ‪ ،‬ص ‪.385‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫األخالق ال الميَّة وأ سها ‪ ،‬للميداين (‪.)624/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫فلسفة ال َّ بية ال الميَّة ‪َّ ،‬اجد الكيالين ‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫َّمد نور ِ‬
‫الدين ‪ ،‬ص ‪.116‬‬ ‫مبادئ علم الدارة ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫الصاليب ‪ ،‬ص ‪.463‬‬
‫فقت التمك ‪ ،‬د‪ .‬علي َّ‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪553‬‬
‫ـ ـ ـ ـ رورة مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص لل ميع‪ ،‬وح يراع أحد جلاهت‪ ،‬أو لطانت‪ ،‬أو حسبت‬
‫ونسبت َّ‬
‫وإجا الفرص لل ميع‪ ،‬وكل عل حس قدراتت‪ ،‬وكفاءاتت‪ ،‬ومواهبت‪ ،‬وطاقتت‪ ،‬وإنتاجت‪.‬‬
‫يقوأ هللافَّها‪ِ ،‬‬
‫ويوحد كلمتها‪ ،‬وينتت‬ ‫الدولة ال الميَّة‪ِ ،‬‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫إن تطبيق مبدأ اَّساواة ب رعاَي َّ‬
‫ومنهت‪ ،‬ومبدأ(‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫عنت جمتمع متما ك م احم يعيش لعقيدةٍ‪،‬‬
‫كانت الوثيقة قد اش ـ ـ ـ ـ ـ ــتملت عل ِأذ ما قد حتتاجت الدَّولة‪ ،‬من ِ‬
‫مقوماهتا ُّ‬
‫الد ـ ـ ـ ـ ـ ــتوريَّة‪،‬‬
‫يتنايل يف اَّدينة ع ـ ــر ـ ــن ‪ ،‬ير ـ ــم للمس ـ ــلم‬ ‫والداريَّة‪ ،‬وعالقة األفراد َّ‬
‫ابلدولة‪ ،‬وظش َّل القرآن َّ‬
‫خاليا مناهت احلياة‪ ،‬وير ــي مبادئ احلكم‪ ،‬وأهللاــول ال ِس ـيا ــة‪ ،‬وشــؤون ااتمع‪ ،‬وأحكام احلرام‬
‫الدولة اَّســلمة يف الدَّاخل‪ ،‬واخلارً‪ ،‬وال ُّس ـنَّة‬ ‫واحلالل‪ ،‬وأ ــس التَّقا ــي‪ ،‬وقواعد العدل‪ ،‬وقوان َّ‬
‫ص ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت يف تنوير وتبصــرةٍ‪ ،‬فالوثيقة خطَّت خطوطاً عريضــة يف‬‫ال ـريفة تدعم هذا‪ ،‬وت ــيده‪ ،‬وتف ِ‬
‫قمة اَّعاهدات الَّيت ِ‬
‫حتدد هللا ـ ـ ـ ـ ــلة اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم ابألجان الكفَّار‬ ‫الد ـ ـ ـ ـ ــتورية‪ ،‬وتـ شع ُّد يف َّ‬
‫ال َّ تيبات ُّ‬
‫م َّأ‪،‬ا‬ ‫شيء كث ٍري من التَّسام ‪ ،‬والعدل‪ ،‬واَّساواة‪ ،‬وعل التَّهصيص إذا ل ِ‬
‫وح ش‬ ‫اَّقيم معهم‪ ،‬يف ٍ‬
‫وثيقة إ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬ت شس ـ ـ ـ ـ َّ ل‪ ،‬وتنفَّذ يف أقوٍام كانوا ‪ -‬منذ قري ‪ -‬وقبل ال ـ ـ ــالم ‪ -‬أ ـ ـ ـ ـر‬ ‫َّأول ٍ‬
‫العصـ ـ ـ ــبية ال شقبشلِيَّة‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ــعرون بوجودهم إح من وراء ال لبة‪ ،‬والتس ـ ـ ـ ـلُّا‪ ،‬وابلتَّهوض يف حقوق‬
‫ا خرين‪ ،‬وأشيائهم(‪.)2‬‬
‫كانت هذه الوثيقة‪ ،‬فيها من اَّعاين احلضاريَّة ال يء الكثري‪ ،‬وما توافق النَّاس عل تسميتت‬
‫بد عل اجلانب اَّتعاقدين أن يلتايموا ببنودها‪ ،‬فهل حدث هذا‬ ‫اليوم حبقوق النس ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬وأنَّت ح َّ‬
‫احلتايام(‪.)3‬‬
‫اثلثاً‪ :‬موقف اليوود يف املدينة‪:‬‬

‫الر ول هللال هللا‬


‫الساطعة لليهود عل هللادق ر الة َّ‬ ‫لقد قامت احل ت القاطعة‪ ،‬والربآه ين َّ‬
‫يايدهم إح عناداً‪ ،‬وعداوًة‪ ،‬وا ــتكباراً‪ ،‬وحقداً‪ ،‬وحســداً عل الَّر ــول‬
‫لكن ذلك ْ‬ ‫عليت و ــلم ‪ ،‬و َّ‬
‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم والَّذين آمنوا معت‪ ،‬فعن هللا ـ ـ ــفية بنت حيش ِي بن أخط َّأ‪،‬ا قالت كنت‬

‫(‪ )1‬انظر فقت التَّمك ‪ ،‬ص ‪.466‬‬


‫(‪ )2‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬
‫َّبوأ يف اَّدينة‪ ،‬د‪ .‬حممد فوزأ فيض هللا‪ ،‬ص (‪.)30 ،29‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم وهللالابتت ‪ ،‬لل مل ‪ ،‬ص ‪.261‬‬‫انظر ه رة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪554‬‬
‫لد يما إح أخذاين دونت‪ ،‬قالت‬ ‫قا مع و ٍ‬ ‫أح َّ و ِ‬
‫لد أيب إليت‪ ،‬وإىل ِ‬
‫عمي أيب َي ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬أل شقهما ُّ‬ ‫ش‬
‫فلـ ـ ـ ـ َّـما قدم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم اَّدينة‪ ،‬ونايل قباء‪ ،‬يف ب عمرو بن عو ‪ ،‬دا عليت‬
‫وعمي أبو َي ـ ـ ــر بن أخط ‪ ،‬م شلِ شسـ ـ ـ ـ ْ ‪ .‬قالت فلم يرجعا حض كاان مع‬ ‫أيب حيي بن أخط ‪ِ ،‬‬
‫ش ُّ‬
‫روب ال ــمس‪ ،‬قالت فأتيا كالَّْ ِ ‪ ،‬كس ــالن ِ ‪ ،‬ــاقط ِ ‪ ،‬مي ـ ــيان اي شويْ شىن‪ .‬قالت فشـ شه ِ ـ ـ ْ ـ ـت‬
‫إس واحد منهما‪ ،‬مع ما هبما من ال شِم‪ .‬قالت ومسعت‬ ‫إليهما‪ ،‬كما كنت أهللانع‪ ،‬فوهللا ما التفت َّ‬
‫عمي أاب َي ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وهو يقول أليب حيش ِي بن أخط ـ أهو هو؟ قــال نعم وهللا! قــال أتعرفــت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتـثْبتت؟ قال نعم‪ ،‬قال فما يف نفسك منت؟ قال عداوتت وهللا! ما بشِقيت(‪.)1‬‬

‫حالت إعالميَّةً‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ش ـ ـ َّـن اليهود عل ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم والذين آمنوا معت‪،‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وتنفري النَّاس منت‪ ،‬ونشـ ْايي الثِقة بينت‪ ،‬وب النَّاس‪ .‬لقد‬ ‫لت ويت هللاورة َّ‬
‫الدين عل مص ـ ـ ـ ـ ــاحلهم‪ ،‬وعل عقيدهتم اَّنلرفة اَّاييَّفة‪ ،‬القائمة عل‬ ‫ش ـ ـ ـ ـ ــعر اليهود طورة هذا ِ‬
‫اليهودأ لقد جاء ينادأ بعقيدة التَّوحيد‪ ،‬وهم يقولون‬ ‫َّ‬ ‫نس‬
‫اح تعالء‪ ،‬واحتقار النَّاس‪ ،‬عدا اجل ش‬
‫ـرأ‪ ،‬وأنَّت ح يعلو ش ـ ـ ـ ــع عل‬ ‫«عايير ابن هللا»‪ ،‬وجاء ينادأ ابَّس ـ ـ ـ ــاواة ب أفراد اجلنس الب ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫اعة‪ ،‬وهم يرون َّأ‪،‬م ش ــع هللا اَّهتار‪ ،‬ي فَّعون عن بقيَّة األجناس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ش ــع ٍ ‪ ،‬وح اعة عل‬
‫وينظرون إليهم عل َّأ‪،‬م دو‪،‬م‪ ،‬وأقـ ُّـل منهم(‪ )2‬ولــذلــك يلتايموا ببنود الوثيقــة‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ــرعوا يف‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ور ــالتت‪ ،‬وأكثروا من األ ــئلة لحراً ر ــول هللا‬
‫نبوة َّ‬
‫التَّ ــكيك يف َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وخدعوا اَّؤمن ‪ ،‬ودلَّسوا عليهم(‪ ،)3‬و ري ذلك من األعمال اخلبيثة‪.‬‬
‫‪ - 1‬حماولة اليهود تصديع اجلبهة الدَّاخلية‬
‫ف اَّس ــلم‪ ،‬وهريبت‬ ‫صـ ـ ِ‬
‫ـتمرة لتماييق ال َّ‬
‫ومن و ــائلهم اخلبيثة يف حرب ال ــالم حماوحهتم اَّس ـ َّ‬
‫بتقطيع أواهللا ــر اَّبَّة ب اَّس ــلم ‪ ،‬وذلك راثرة الفنت الدَّاخلية‪ ،‬وال ِ ـعارات اجلاهليَّة‪ ،‬والنَّعرات‬
‫ابلد ــيســة والوقيعة ب الخوة اَّتالف اَّتو ِادين‬ ‫القليميَّة‪ ،‬والدَّعوات القوميَّة‪ ،‬وال شقبشلِيَّة‪ ،‬وال َّسـعي َّ‬
‫اَّتلابِ ‪ ،‬فهم يف تو ِادهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ ،‬وتراحهم كاجلسـد الواحد‪ ،‬إذا اشـتك منت عضـو تداع‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)519 ، 518/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪َّ ،‬مد أبو فارس (‪.)31/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪ 31/1‬ـ ‪.)46‬‬
‫‪555‬‬
‫السهر(‪.)1‬‬
‫لت ائر األعضاء ابحل َّم و َّ‬
‫حيلة هد هبا إىل تفريق وحدة‬ ‫فقد تفتَّق ذهن أحد ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيوخهم الكبار يف الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن‪ ،‬عن ٍ‬
‫األنص ـ ـ ــار‪ ،‬وذلك راثرة العص ـ ـ ــبيَّة القبليَّة بينهم ليعودوا إىل جاهليتهم‪ ،‬فتعود احلروب بينهم كما‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم بذلك أقو أنصـ ـ ــاره(‪ ،)2‬ويف بيان هذا اخلرب يقول‬ ‫كانت‪ ،‬وخيسـ ـ ــر الن ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫عظيم‬
‫ش‬ ‫‪،‬‬ ‫ومَّر شــأس بن قيس ‪ -‬وكان شــيهاً قد شع شسـا‬ ‫حممد بن إ ــلاق ‪ -‬رحت هللا تعاىل! ‪ -‬ش‬ ‫َّ‬
‫ـديد احلس ــد يم ‪ -‬عل نف ٍر من أهللا ــلاب ر ــول هللا‬ ‫ضـ ـ ْن عل اَّس ــلم ‪ ،‬ش ـ ش‬ ‫ـديد ال ِ‬
‫الكفر‪ ،‬ش ـ ش‬
‫جملس قد عهم يتلدَّثون فيت‪ ،‬ف اظت ما رأ من‬ ‫هللال هللا عليت و لم من األوس‪ ،‬واخلايرً‪ ،‬يف ٍ‬
‫ألْ شفتِهم‪ ،‬و اعتهم‪ ،‬وهللاـ ــال ذات بينهم عل ال ـ ــالم بعد الَّذأ كان بينهم يف اجلاهليَّة‪ ،‬فقال‬
‫قــد اجتمع م ب قشـْيـلشـة(‪ )4‬هبــذه البالد‪ ،‬ح وهللا! مــا لنــا معهم ‪ -‬إذا اجتمع شملشؤهم هبــا ‪ -‬من‬
‫فض ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاابً من يهود كــان معهم‪ ،‬فقــال ْاع ِمـ ْد إليهم‪ ،‬فــاجلس معهم‪ ،‬مثَّ اذكر يوم‬ ‫ٍ‬
‫قرار‪ ،‬فــأمر ً‬
‫بعاث‪ ،‬وما كان قشـْبـلشت‪ ،‬وأن دهم بعض ما كانوا يتقاولون فيت من األشعار‪.‬‬
‫ـت في ــت األوس واخلايرً‪ ،‬وك ــان الظَّشفر في ــت يومئ ـ ٍـذ ل وس عل‬
‫وك ــان يوم بع ــاث يوم ـاً اقتتل ـ ْ‬
‫ض ـري‪ ،‬وعل اخلايرً‬ ‫ٍ‬
‫ـهلي أبو أ ــيد بن ح ش‬ ‫ض ـ ْري بن مساك األشـ ُّ‬
‫اخلايرً‪ ،‬وكان عل األوس يومئذ ح ش‬
‫عمرو بن النُّعمان البشـيشا ي‪ ،‬فشـقتِال يعاً‪.‬‬
‫ِ‬
‫رجالن‬ ‫حض تواث‬‫قال ابن إ ـ ـ ـ ـ ــلاق ففعل‪ ،‬فتكلَّم القوم عند ذلك‪ ،‬وتنازعوا‪ ،‬وتفاخروا‪َّ ،‬‬
‫وجبار بن‬‫ظي ‪ -‬أحد ب حارثة بن احلارث‪ ،‬من األوس ‪َّ -‬‬ ‫الرك أوس بن قشـْي ٍ‬ ‫احلشيَّ ْ ِ عل ُّ‬‫من ْ‬
‫هللاــهر ‪ -‬أحد ب ــلمة من اخلايرً ‪ -‬فتقاوح‪ ،‬مثَّ قال أحدلا لصــاحبت إن شــئتم رددانها ا ن‬
‫شج شذ شعة(‪ ،)5‬ف ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الفريقان يعاً‪ ،‬وقالوا قد فعلنا‪ ،‬موعدكم ال ظَّاهرة ‪ -‬وال ظَّاهرة احلشَّرة ‪-‬‬
‫السال ش ‪ ،‬فهرجوا إليها‪.‬‬ ‫السال ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‬
‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فهرً إليهم فيمن معت من أهللاــلابت اَّهاجرين‬ ‫فبل ذلك ر ـ ش‬
‫حض جاءهم‪ ،‬فقال َي مع ـ ـ ـ ـ ـ شـر اَّسـ ـ ـ ـ ــلم ! هللاش هللاش! أشبِ شد ْع شو اجلاهلية‪ ،‬وأان ب أظهركم بعد أن‬
‫َّ‬

‫الصراي مع اليهود (‪.)44/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)37/4‬‬ ‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫ت ِ نُّت‪.‬‬
‫شع شسا شك شرب ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬قيلة ُّأم األوس واخلايرً‬


‫(‪ )5‬شج شذ شعة أأ رددان احلرب فتيةً قويَّةً ‪ ،‬أو رددان احخر إىل أولت‪.‬‬
‫‪556‬‬
‫هداكم هللا لإل ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وأكرمكم بت‪ ،‬وقطع بت عنكم أمر اجلاهلية‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ــتنقذكم بت من الكفر‪،‬‬
‫وألَّف بت ب قلوبكم؟!‬
‫الرجال من األوس‬ ‫عدوهم‪ ،‬فبكوا‪ ،‬وعانق ِ‬ ‫فعر القوم َّأ‪،‬ا ناي ة من ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان‪ ،‬وكيد من ِ‬
‫واخلايرً بعضهم بعضاً‪ ،‬مثَّ انصرفوا مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم امع مطيع ‪ ،‬قد أطفأ‬
‫عدو هللا ش ـ ـ ــأس بن قيس‪ ،‬فأنايل هللا تعاىل يف ش ـ ـ ــأس بن قيس‪ ،‬وما هللا ـ ـ ــنع ﴿ق ْل‬ ‫هللا عنهم كيد ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ِش تشكْفرو شن ِرَيت َّ‬
‫اَّللِ شو َّ‬ ‫َيأش ْهـل الْ ِكتشـ ِ‬
‫اَّلل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهيـد شعلش شمـا تشـ ْع شملو شن ۝ قـ ْل شَيأش ْهـ شل الْكتشـاب ش‬ ‫ش ش‬
‫ن ﴾ [آل‬ ‫اَّلل بِ شافِ ٍل شع َّما تشـ ْع شملو ش‬ ‫و‪،‬شا ِع شو ًجا شوأشنْـت ْم شـ ـ ـ شه شداء شوشما َّ‬ ‫اَّللِ شم ْن شآم شن تشـْبـ ش‬‫تشصـ ـ ـدُّو شن شع ْن ش ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫وجبار بن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــهر‪ ،‬ومن كان معهما من قومهما‬ ‫ظي‪َّ ،‬‬ ‫عمران‪ ]99 - 98 :‬وأنايل هللا يف أوس بن قشـْي ٍ‬
‫ين آمنوا إِ ْن ت ِطيعوا فش ِري ًقا‬ ‫الَّذين هللا ـ ـ ــنعوا ما أدخل عليهم ش ـ ـ ــأس من أمر اجلاهلية(‪َ﴿ )1‬يأشيـُّها الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ف تشكْفرو شن شوأشنْـت ْم تـْتـلش شعلشْيك ْم‬ ‫ين ۝ شوشكْي ش‬ ‫اب يشـرُّدوك ْم بشـ ْع ـ شد إميشـانك ْم شك ـاف ِر ش‬ ‫ين أوتوا الْكتش ـ ش‬ ‫م شن ال ـذ ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫صـم ِاب ََّّللِ فشـ شق ْد ه ِد ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫آَيت َِّ ِ‬
‫ين آمنوا‬ ‫أ إ شىل هللاـشراط م ْسـتشقيم ۝ شَيأشيـُّ شها الذ ش‬ ‫ش‬ ‫اَّلل شوفيك ْم شر ـولت شوشم ْن يشـ ْعتش ْ‬
‫اَّللِ شِ ًيعا شوحش تشـ شفَّرقوا‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـموا ِحبشْب ِل َّ‬ ‫اَّلل ح َّق تـ شقاتِ ِت وحش شَتوت َّن إِحَّ وأشنْـتم مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِمو شن ۝ و ْاعتش ِ‬
‫ش‬ ‫ش ْ ْ‬ ‫ش‬ ‫اتـَّقوا َّش ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ْلت ْم بِنِ ْع شمتِ ِت إِ ْخ شواانً شوكْنـت ْم شعلش‬ ‫واذْكروا نِعمةش َِّ‬
‫ف بشْ ش قـلوبِك ْم فشأش ْ‬ ‫اَّلل شعلشْيك ْم إِ ْذ كْنـت ْم أ ْشع شداءً فشأشلَّ ش‬ ‫ْش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك يـبشِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل لشك ْم آَيتت لش شعلَّك ْم شهتْتشدو شن ۝ شولْتشك ْن مْنك ْم‬ ‫شش ـ ـ ـ ـ شفا ح ْفشرةٍ م شن النَّا ِر فشأشنْـ شق شذك ْم مْنـ شها شك شذل ش‬
‫ك هم الْم ْفلِلو شن ۝ شوحش‬ ‫ِ‬
‫اخلشِْري شو شرْمرو شن ِابلْ شم ْعرو شويشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شك ِر شوأولشئِ ـ ش‬ ‫أ شم ـة يشـ ْدعو شن إِ شىل ْ‬
‫ك شي ْم شعـ ـ شذاب شع ِظيم ﴾‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اختشـلشفوا ِم ْن بشـ ْعـ ـد شمـ ـا شجـ ـاءشهم الْبشـيِنشـ ـات شوأولشئِـ ـ ش‬ ‫ين تشـ شفَّرقوا شو ْ‬ ‫تشكونوا شكـ ـالـ ـذ ش‬
‫[آل عمران‪. ]105 - 100 :‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‪ ،‬قدرة القيادة النَّبويَّة عل إحباط ملطَّا اليهود اياد لتفتيت‬


‫ونر من خالل الق َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم أبمور اَّس ــلم ‪ ،‬وإش ــفاقت عليهم‪ ،‬وفايعت اَّا‬
‫ـف‪ ،‬واهتمام الن ِ‬ ‫وحدة الص ـ ِ‬
‫أن ما أقدموا‬‫وذكرهم ابهلل‪ ،‬وب َّ يم َّ‬ ‫يص ـ ــيبهم من الفنت واَّص ـ ــائ ‪ ،‬فقد أ ـ ــري إىل األنص ـ ــار‪َّ ،‬‬
‫وذكرهم ابل ـ ــالم‪ ،‬وما أكرمهم هللا بت من القضـ ــاء عل احلروب والفنت‪،‬‬ ‫عليت من أمر اجلاهليَّة‪َّ ،‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫ضـ ـ ـ ـ ائن‪ ،‬وأتليف القلوب ابلميان‪ ،‬وكانت لكلمات الن ِ‬ ‫وتطهري النُّفوس من ال َّ‬
‫و لم أثر يف نفو هم‪ ،‬و رت يف كيا‪،‬م رو جديدة‪ ،‬مسلت كل أث ٍر ألمر اجلاهليَّة بفضل هللا‬
‫اَّعربة‪ ،‬وروحت القويَّة اَّؤثِرة‪ ،‬وهيئتت َّ‬
‫الواثبة اَّنذرة‪،‬‬ ‫تعاىل‪ ،‬مثَّ بكلمات نبيِت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪ 211/2‬ـ ‪.)214‬‬


‫‪557‬‬
‫وأدركوا أن ما وقعوا فيت ك ــان من و اوس ال َّيطان‪ ،‬وكيد ِ‬
‫عدوهم من اليه ــود‪ ،‬فبكوا ندم ـاً عل‬
‫ما وقعوا فيت من ُّ‬
‫الذنوب‪ ،‬وتعانق رجال ال الم تعبرياً عن حمبَّتهم الميانيَّة لبعضهم(‪.)1‬‬
‫أن أاب بك ٍر‬ ‫اَّفسرين َّ‬ ‫السري‪ ،‬و ِ‬ ‫احد من كتَّاب ِ‬ ‫الذات الييَّـ ـ ــة ذكر ري و ٍ‬ ‫‪ - 2‬التَّه م عل َّ‬
‫ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬قد دخل بيت الْ ِم ْد شراس(‪ )2‬عل يهود‪ ،‬فوجد منهم ان ـ ـ ـاً كثرياً‪ ،‬قد اجتمعوا إىل‬
‫رجل منهم‪ ،‬يقال لت (فِْنلاص)‪ ،‬وكان من علمائهم‪ ،‬وأحبارهم‪ ،‬ومعت شح ْرب من أحبارهم‪ ،‬يقال‬ ‫ٍ‬
‫إن حممداً‬ ‫لت (أش ـ ـ ـ ـ ــيع)‪ ،‬فقال أبو بكر ِلفْنلاص و شك! اتَّق هللا‪ ،‬وأش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِم‪ ،‬فوهللا! إنَّك تعلم َّ‬
‫ابحلق من عنــده‪ ،‬دــدونــت مكتوابً عنــدكم يف التَّوراة‪ ،‬والُيــل‪ .‬فقــال‬ ‫لشر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللاِ‪ ،‬قــد جــاءكم ِ‬
‫فِْنلاص أليب بك ٍر وهللا! َي أاب بكر! ما بنا إىل هللا من فشـ ْق ٍر‪ ،‬وإنَّت إلينا لفقري‪ ،‬وما نتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـري إليت‬
‫وإان عنت أل نياء‪ ،‬وما هو عنَّا ب ٍ ‪ ،‬ولو كان عنَّ ـ ـ ــا نياً ما ا تقر نا أموالن ـ ـ ــا‪،‬‬ ‫يتضري إلينا‪َّ ،‬‬ ‫كما َّ‬
‫الرب ــا‪ .‬ف ض أبو‬ ‫الراب ويـ ْع ِطين ــاه‪ ،‬ولو كان عنا نياً ما أعطاان ِ‬ ‫كما يايعم هللااحبكم‪ ،‬ينهاكم عن ِ‬
‫بكر‪ ،‬فضـ ـ ــرب وجت فِْنلاص ـ ـ ـرابً شـ ـ ــديداً‪ ،‬وقال والذأ نفسـ ـ ــي بيده! لوح العهد الذأ بيننا‬
‫عدو هللا! فذه فِْنلاص إىل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫أأ َّ‬ ‫وبينكم لض ـ ـربت رأ ش ـ ـك ْ‬
‫فقال َي حممد! انظر ما هللانع يب هللااحبك ! فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم أليب بك ٍر «‬
‫عدو هللا قال قوحً عظيماً إنَّت‬ ‫إن َّ‬ ‫ما حلك عل ما هللاـ ـ ـ ــنعت؟» فقال أبو بكر َي ر ـ ـ ـ ــول هللا! َّ‬
‫أن هللا فقري‪ ،‬و َّأ‪،‬م أ نياء‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قال ذلك ضبت هلل اَّا قال‪ ،‬و ربت وجهت! ف لد‬ ‫يايعم َّ‬
‫رداً عليت‪ ،‬وتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديقاً‬ ‫ذلك فِْنلاص‪ ،‬وقال ما قلت ذلك فأنايل هللا تعاىل فيما قال فنلاص َّ‬
‫اَّللش فشِقري شوشْحنن أش ْ نِشياء ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنش ْكت شما قشالوا شوقشـْتـلشهم‬
‫ين قشالوا إِ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أليب بكر ﴿لششق ْد شِمس شع َّ‬
‫اَّلل قشـ ْوشل الذ ش‬
‫ِ‬
‫يق ﴾ [آل عمران‪. ]181 :‬‬ ‫احلشِر ِ‬
‫اب ْ‬‫األنبياء ب ش ِْري شح ٍق شونـشقول ذوقوا شع شذ ش‬
‫صـ ـ ـديق ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وما بل ت يف ذلك من ال ضـ ـ ـ (‪﴿ )3‬لشتـْبـلشو َّن ِيف‬ ‫ونايل يف أيب بك ٍر ال ِ‬
‫ين أش ْش ـ ـ ـشركوا أشذ ً شكثِ ًريا‬ ‫أشموالِكم وأشنْـف ِس ـ ـ ـكم ولشتس ـ ـ ـمع َّن ِمن الَّ ِذين أوتوا الْ ِكت ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫اب م ْن قشـْبلك ْم شوم شن الذ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش ش‬ ‫ْ ششْ ش‬ ‫ْش ْ ش‬
‫ك ِم ْن شع ْايِم األموِر ﴾ [آل عمران‪. )4(]186 :‬‬ ‫ِ‬
‫صِربوا شوتشـتـَّقوا فشَِ َّن شذل ش‬‫شوإِ ْن تش ْ‬

‫المي (‪ 41/4‬ـ ‪.)42‬‬ ‫انظر التَّاري ال ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَِّْدراس مكان يـتل فيت التَّوراة‪.‬‬


‫القرطب (‪.)295/4‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر تفسري‬
‫الرشـاد (‪ 583/3‬ـ ‪ ، )585‬وتفسري جماهد ‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫(‪ِ )4‬‬
‫السيـرة النَّبويَّـة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ 558/1‬ـ ‪ ، )559‬و بـل ايـد و َّ‬
‫‪558‬‬
‫وذكر القرآن الكر يف أكثر من مو ـ ٍع‪ ،‬ــوءش أدهبم مع هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم‬
‫هللا شف ـ ــت مبا ح يليق بت بلانت‪ ،‬وهذا ع الوقاحة‪ ،‬وانعدام األدب ومن‬ ‫تناييه ـ ــت عن النَّقائص‪ ،‬شوشو ْ‬
‫ت أشيْ ِدي ِه ْم شولعِنوا ِمبشا قشالوا بش ْل يش شداه‬ ‫اَّلل شم ْلولشة لَّ ْ‬
‫ت الْيـهود يد َِّ‬
‫﴿وقشالش ش ش‬
‫ِ‬
‫هذه ا َيت قول هللا تعاىل ش‬
‫ِ ِ‬
‫ك ِم ْن شربِ ش‬
‫ك ط ْيشاانً شوك ْفًرا شوأشلْ شقْيـنشا‬ ‫ف يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـاء شولشيش ِايي شد َّن شكثِ ًريا ِمْنـه ْم شما أنْ ِايشل إِلشْي ش‬‫شمْبس ـ ـ ـ ـ ـ ـوطشتشان يـْنفق شكْي ش‬
‫ض‬‫اَّلل شويش ْس ـ شع ْو شن ِيف األ ْشر ِ‬
‫ب أشطْ شفأ ششها َّ‬‫ض ـاء إِ شىل يـوِم الْ ِقيام ِة كلَّما أشوقشدوا شانرا لِْللر ِ‬
‫ً شْ‬ ‫بشـْيـنشـهم الْ شع شد شاوةش شوالْبشـ ْ ش ش ش ْ ش ش ش ْ‬
‫دين ﴾ [املائدة‪. ]64 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫فشسادا و َّ ِ‬
‫اَّلل حش ُّ الْم ْفس ش‬ ‫شً ش‬
‫أن هذا اَّوقف الَّذأ وقفوه ‪ ،‬كان منبعثاً اَّا كان مي هللا ــدورهم‬ ‫ويبدو من مض ــمون ا ية َّ‬
‫لعل اَّا يص ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم وانت ار دعوتت‪ ،‬و َّ‬ ‫السها من ر و قدم الن ِ‬ ‫من ال يم ‪ ،‬و ُّ‬
‫أن يضـ ـ ــا إىل هذا اححتمال كون اَّسـ ـ ــلم قد انصـ ـ ــرفوا عنهم‪ ،‬أو قاطعوهم بسـ ـ ــب مواقف‬
‫الكيد‪ ،‬واجللود الَّيت ما فتئوا يقفو‪،‬ا‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ابةً ألمر القرآن‪ ،‬و‪،‬يت‪ ،‬وحتذيره‪ ،‬فأثَّر ذلك يف‬
‫حالتهم احقتصــاديَّة أتثرياً ــيئاً‪ ،‬فاياد ــهطهم‪ ،‬و يظهم‪ ،‬وتششُّربمهم‪ ،‬ودفعهم إىل ما كان منهم من‬
‫حق هللا‪ ،‬ومن ٍرد ري ٍيل لر ول هللا(ﷺ)(‪. )1‬‬ ‫وء األدب يف ِ‬
‫شن أ ْشه شل‬‫﴿ولش ْو أ َّ‬ ‫وقد جاء بعد هذه ا ية ما ُّ‬
‫ـلة ما ذهبت إليت‪ ،‬قال تعاىل ش‬ ‫يدل عل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫اب آمنوا واتَّـ شقوا لش شكفَّرشان عْنـهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيِئ ـاهتِِم وألشِ ْدخ ْلنشـاهم جن ـ ِ‬
‫َّات النَّعِي ِم ۝ شولش ْو أ َّش‪ْ ،‬م أشقشـاموا‬ ‫الْ ِكتشـ ِ‬
‫ْ ْ ش ْ ش ش ْش ش ش ْ ش‬
‫ت أشرجلِ ِهم ِمْنـهم أ َّمة م ْقتش ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ شدة‬ ‫يل شوشما أنْ ِايشل إلشْيه ْم م ْن شرهب ْم ألش شكلوا م ْن فشـ ْوقه ْم شوم ْن شْحت ْ ْ ْ‬ ‫التـ َّْوشرا شة شوا ُ ش‬
‫شوشكثِري ِمْنـه ْم ش اءش شما يشـ ْع شملو شن ﴾ [املائدة‪.]66- 65 :‬‬
‫الر ل الكرام والقرآن الكر‬ ‫‪ - 3‬وء أدهبم مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم والنَّيل من ُّ‬
‫وكان اليهود يسيئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون األدب مع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬يف حضرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وأثناء‬
‫يدل عل وء أخالقهم‪ ،‬فعن‬ ‫خطاب ـ ـ ـ ـ ـ ــت إذ يلمايونت‪ ،‬و يِونت بتليَّ ٍة فيها من األذ والته ُّ م ما ُّ‬
‫عائ ــة ر ــي هللا عنها قالت جاء انس من اليهود إىل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم فقالوا‬
‫ال َّس ـام(‪ )2‬عليك َي أاب القا ــم! فقلت ال َّس ـام عليكم! وفعل هللا بكم! فقال ر ــول هللا هللاــل هللا‬
‫التفلش»‪ ،‬فقلت َي ر ـ ــول هللا!‬ ‫فَن هللا ح ُّ الفلش‪ ،‬وح ُّ‬ ‫عليت و ـ ــلم « شم ْت َي عائ ـ ــة! َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)51/1‬‬
‫السام اَّوت‪ .‬انظر زاد اَّسري (‪.)189/8‬‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪559‬‬
‫أرد عليهم ما يقولون؟ وأقول وعليكم»‪ ،‬قالت فنايلت‬ ‫ـت تري ُّ‬ ‫تر ما يقولون؟ فقال «ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ين ‪،‬وا شع ِن‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫هذه ا ية يف ذلك [البخاري (‪ )2935‬ومسلم (‪ ])11/2165‬وهي قولت تعاىل ﴿أششْ تشـشر إ شىل الذ ش‬
‫(‪)1‬‬

‫ول شوإِ شذا شجاء ش‬


‫وك شحيَّـ ْو شك‬ ‫الر ـ ـ ِ‬ ‫النَّ و مثَّ يـعودو شن لِما ‪،‬وا عْنت ويـتشـنشاجو شن ِاب ِل ِْمث والْع ْدو ِان ومع ِ‬
‫ص ـ ـيش ِة َّ‬ ‫ش ش شش ْ‬ ‫ش ش شْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ْش‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ويـقولو شن ِيف أشنْـف ِس ـ ـ ِهم لشوحش يـع ِذبـنشا َّ ِ‬ ‫ِمبشا ش يِ ش ِِ‬
‫ص ـ ـلش ْوش‪،‬شا فشبْئ ش‬
‫اَّلل مبشا نشـقول شح ْس ـ ـبـه ْم شج شهنَّم يش ْ‬ ‫ْ ْ ش‬ ‫ك بت َّ ش ش‬ ‫ْ ش‬
‫الْم ِ‬
‫صري ﴾ [اجملادلة‪. ]8 :‬‬
‫ش‬
‫كل الو ائل‪،‬‬ ‫وهذه ا ية تظْ ِهر احلقد الَّذأ هيمن عل نفوس اليهود‪ ،‬ودفعهم إىل ا تهدام ِ‬
‫والطُّرق يدم ال ــالم‪ ،‬والتهلُّص من هللا ــاح ِ‬
‫الر ــالة هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وال َّسـ ـيطرة عل‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ابَّوت ‪ -‬مع‬ ‫اَّســلم ‪ ،‬ولكن يظهر من دعاء بعض اليهود عل َّ‬
‫ضـ ـ ـ ـعف الَّذأ كانوا عليت عند الت ائهم إىل هذا النَّوي من ال َّسـ ـ ـ ـالم‪،‬‬
‫التَّظاهر ابل َّسـ ـ ـ ـالم عليت ‪ -‬ال َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم بقولت «ال َّس ـام‬ ‫اليهودأ الَّذأ ـلَّم عل َّ‬
‫ُّ‬ ‫فاَّمارس َّثل ما قام بت‬
‫عليــك» يعيش أزمـةً نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّـةً متولِـدة عن فقــدان ٍ‬
‫يظن أنــت ينعم فيــت‪ ،‬لقـد ت لَّبــت قو ً‬‫عاي كــان ُّ‬
‫جديدة عل ما ـ ـ ــيت وحا ـ ـ ــره ‪ ،‬و يس ـ ـ ــتطع أن يتفاعل مع شم ْن ت لَّ عليت ‪ ،‬ومنعهم احلس ـ ـ ــد‬
‫جربوا حماربة ال ـ ـ ــالم بو ـ ــائلهم‬‫للدين اجلديد‪ ،‬واَّا زاد يف أتزُّم اليهود أ‪،‬م َّ‬ ‫وال رية من ا نقياد ِ‬
‫الَّيت كانوا يظنُّون َّأ‪،‬ا ح تقهر‪ ،‬فكان الف ــل حليفهم‪ ،‬لذلك جلؤوا إىل الطُّرق ال َّسـلبيَّة‪ ،‬والو ــائل‬
‫اَّلتوية‪ ،‬فالدُّعاء عل اخلص ـ ـ ــم مع التَّظاهر ابل َّسـ ـ ـ ـالم‪ ،‬هو ـ ـ ــال العاجايين‪ ،‬وو ـ ـ ــيلة اخلائب ‪،‬‬
‫وتِْرشَيق احلاقدين(‪.)2‬‬
‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ما هللادر عن عائ ة ر ي هللا عنها‪ ،‬دعاها إىل‬
‫فالرفق يف ال ــالم‬ ‫َّ‬
‫يتلكم فيت‪ِ ،‬‬ ‫الرفق‪ ،‬واللِ ‪ ،‬وب َّ يا َّ‬
‫أن اَّس ــلم ح جيوز لت أن ي ك ال ض ـ ـ ش‬ ‫ِ‬
‫الرفق‪ ،‬ويعطي عليت ما ح يعطي عل العنف(‪.)3‬‬ ‫شرة ح يثمرها إح حسن اخللق‪ ،‬فاهلل رفيق ُّ ِ‬
‫ـول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم نفر من يهود‪ ،‬فيهم أبو‬
‫و َّأما نشـْيـلهم من اَّر ــل فقد أت ر ـ ش‬
‫ول هللا هللال هللا‬
‫َي ر ابن أخط ‪ ،‬وانفع بن أيب انفع‪ ،‬وعازر بن أيب عازر‪ ،‬و ريهم‪ ،‬و ألوا ر ش‬
‫الر ــل‪ ،‬فقال هللاــل هللا عليت و ــلم «نؤمن ابهلل‪ ،‬وما أنايل إلينا‪،‬‬
‫عمن يؤمن بت من ُّ‬
‫عليت و ــلم َّ‬

‫ٍ‬
‫مسروق ‪ ،‬عن عائ ة ‪ ،‬وإ ناده هللالي ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬زاد اَّسري يف علم التفسري (‪ ، )189/8‬رواه ابن أيب حاذ من حديث األعمش عن‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لممع اليهود ‪ ،‬د‪ .‬حمسن النَّاظر ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫انظر حوار َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لممع اليهود ‪ ،‬د‪ .‬حمسن النَّاظر ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫انظر حوار َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪560‬‬
‫وما أنايل إىل إبراهيم‪ ،‬وإمساعيل‪ ،‬وإ ــلاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬واأل ــباط‪ ،‬وما أول مو ـ وعيس ـ ‪ ،‬وما‬
‫نفرق ب أحد منهم‪ ،‬وحنن لت مس ـ ــلمون»‪ ،‬فلما ذكر عيس ـ ـ ـ ابن مر‬ ‫أول النبيون من رهبم‪ ،‬ح ِ‬
‫نبوتت‪ ،‬وقالوا ح نؤمن بعيس ابن مر ‪ ،‬وح مبن امن بت(‪ ،)1‬فأنايل هللا فيهم‬ ‫عليت السالم جلدوا َّ‬
‫اب شه ـ ْل تشـْن ِقمو شن ِمنَّـا إِحَّ أش ْن شآمنـَّا ِاب ََّّللِ شوشم ـا أنْ ِايشل إِلشْيـنش ـا شوشم ـا أنْ ِايشل ِم ْن قشـْب ـل شوأ َّ‬
‫شن‬ ‫﴿ق ـل َيأش ْه ـل الْ ِكتش ـ ِ‬
‫ْ ش ش‬
‫ن ﴾ [املائدة‪. ]59 :‬‬ ‫أش ْكثشـشرك ْم فشا ِ قو ش‬
‫و َّأما عن حماوحهتم للنَّيل من القرآن الكر يف أ ــئلتهم‪ ،‬ونقاشــهم‪ ،‬الَّذأ ح ينتهي فعن ابن‬
‫عباس ر ي هللا عنت قال لـ ـ ـ َّـما قدم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم اَّدينة قالت أحبار اليهود‬ ‫ٍ‬
‫﴿وشما أوتِيت ْم ِم شن الْعِْل ِم إِحَّ قشلِيالً ﴾ [اإلسـ ـراء‪َّ ]85 :‬إَيان تريد أم قومك؟ قال‬ ‫أيت قولك ش‬ ‫َي حممد! أر ش‬
‫ـيء‪ ،‬فقال ر ــول هللا‬ ‫«كالًّ»‪ ،‬قالوا فَنَّك تتلو فيما جاءك أان قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شـ ٍ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم « َّإ‪،‬ا يف ِع ْلم هللا قليل‪ ،‬وعندكم يف ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه»(‪.)2‬‬
‫ض ِم ْن شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش شرةٍ أشقْالشم‬
‫﴿ولش ْو أَّشجشا ِيف األ ْشر ِ‬
‫قال فأنايل هللا تعاىل عليت فيما ـ ـ ـ ـ ـ ــألوه عنت من ذلك ش‬
‫اَّلل ع ِايياي ح ِ‬ ‫ت شكلِمات َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫كيم ﴾ [لقمان‪. ]27 :‬‬
‫اَّلل إ َّن َّش ش ش‬ ‫شوالْبش ْلر شميدُّه م ْن بشـ ْعده ش ْبـ شعة أ ْشحب ٍر شما نشف شد ْ ش‬
‫‪ - 4‬دعم حايب اَّنافق ‪ ،‬وآتمرهم معهم‬
‫حــدَّثنــا القرآن الكر ‪ ،‬عن قيــادة اليهود الفكريـَّة حلايب اَّنــافق ‪ ،‬فهم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــاط اَّنــافق‬
‫ويوجهو‪،‬م‪ ،‬ويدر ـ ـ ـ ـ ـ ــون يم أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالي الكيد‪ ،‬واَّكر‪ ،‬واخلداي‪ ،‬والدَّهاء‪ ،‬وآاثرة‬ ‫خيططون يم‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الفنت‪ .‬قال تعاىل ﴿وإِ شذا لشقوا الَّ ِذين آمنوا قشالوا آمنَّا وإِ شذا خلشوا إِ شىل شش ـ ـ ـ ـي ِ‬
‫اطينِ ِه ْم قشالوا إِ َّان شم شعك ْم إَِّجشا‬‫ش‬ ‫ش ش شْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫شْحنن م ْستشـ ْه ِايئو ش‬
‫ن ﴾ [البقرة‪. ]14 :‬‬

‫قال النَّسفي يف تفسريه «وشياطينهم الَّذين ماثلوا ال َّياط يف ُّ‬


‫َتردهم‪ ،‬هم اليهود»(‪.)3‬‬
‫وكان اليهود يف اَّدينة يتآمرون مع اَّنافق ـ ـ ـ ـ ـ َّـد اَّسـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ويف هذا التآمر يقول تعاىل‬
‫َّهذو شن الْ شكافِ ِر ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫شن شيم ع شذااب أشلِيما ۝ الَّ ِذين يـت ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين أشولشياءش م ْن دون الْم ْؤمن ش‬
‫ش‬ ‫شش‬ ‫﴿بش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر الْمشنافق ش أب َّ ْ ش ً ً‬
‫َّللِ شِ يعا ﴾ [النساء‪. ]139 - 138 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشيشـْبـتشـ و شن عْن شدهم الْعَّايةش فشَِ َّن الْعَّايةش َّ ً‬

‫اَّطهرة ‪ ،‬لعبد هللا ال َّقارأ (‪ 242/1‬ـ ‪.)243‬‬


‫السنَّة َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر ابن ه ام يف ِ‬
‫السرية (‪ ، )567/1‬وتفسري ابن جرير (‪ ، )442/1‬وانظر اليهود يف ُّ‬
‫السنَّة اَّطهرة (‪ ، )241/1‬وتفسري ابن كثري ورة ال راء احية (‪.)85‬‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر تفسري النَّسفي (‪.)21/1‬‬


‫‪561‬‬
‫أن الكافرين هنا هم اليهود‪ ،‬ويف ا ية‬ ‫قال األ ـ ـ ـ ــتاذ حممد شد ْرشوشزة «و هور اَّفس ـ ـ ـ ـرين عل َّ‬
‫أن ِاهـ ــاذ اَّنافق اليهـ ــود‬ ‫هللالة ذلك‪ ،‬كما َّ‬
‫أن فيما بعدها قرينةً اثنيةً أيضاً‪ ،‬ووا‬ ‫َّ‬ ‫قرينة عل‬
‫أولياء‪ ،‬وتواث ـ ــقهم معهم‪َّ ،‬إج ـ ــا لا أثران من آاثر التآمر اَّوطَّد ب اليهود‪ ،‬واَّنافق د ـ ــاه الدَّعوة‬
‫القوة ال الميَّة»(‪.)1‬‬‫و َّ‬
‫ين ْارتش ُّدوا شعلش أ ْشد شاب ِرِه ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شما تشـبش َّ ش شيم ا ْي شد ال َّ ـْيطشان ش ـ َّوشل شي ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫وقال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫اَّلل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ِطيعك ْم ِيف بشـ ْع ِ‬
‫ض األ ْشم ِر شو َّ‬ ‫ين شك ِرهوا شما نشـَّايشل َّ‬ ‫ِِ‬ ‫وأ ْشملش شي ْم ۝ ذشلِ ش ِ َّ‬
‫اَّلل يشـ ْعلشم‬ ‫ك أبش‪ْ ،‬م شقالوا لَّلذ ش‬ ‫ش‬
‫إِ ْ رارهم ﴾ [حممد‪. ]26 - 25 :‬‬
‫شش ْ‬
‫أن الَّ ـذين كرهوا م ــا َّنايل هللا هم اليهود‪،‬‬ ‫أن ا ي ــة األوىل عنش ـ ِ‬
‫ت اَّن ــافق ‪ ،‬و َّ‬ ‫واجلمهور عل َّ‬
‫ش‬
‫وهكذا تبدو يف ا ية الثَّانية هللاـ ـ ــورة من هللاـ ـ ــور التآمر ب الفريق ـ ـ ـ َّـد ال ـ ـ ــالم‪ ،‬واَّسـ ـ ــلم ‪،‬‬
‫ونلفت النَّظر إىل ما شح شكْتت ا ية الثَّانية‪ ،‬من شو ْعد اَّنافق لليهود بطاعتهم‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـ ـري عل اخلطَّة‬
‫الَّيت يضعو‪،‬ا‪ ،‬ففي ه ــذا كما هو ظاهر هللاورة لبعض ما كان لليهود من التَّوجيت والتَّأثري والنُّفوذ‬
‫يف اَّنافق ‪ ،‬وحركتهم‪ ،‬وأعمايم(‪.)2‬‬
‫اَّلل شعلشْي ِه ْم شما ه ْم ِمْنك ْم شوحش ِمْنـه ْم شوشْلِفو شن‬
‫ين تشـ شولَّْوا قشـ ْوًما ش ِض ش َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫وقال تعاىل ﴿أششْ تشـشر إ شىل الذ ش‬
‫يدا إِ َّ‪ْ ،‬م ش اءش شما شكانوا يشـ ْع شملو شن ۝ َّاهشذوا‬ ‫اَّلل شي ْم شع شذ ًااب شش ِد ً‬
‫شع َّد َّ‬
‫ب شوه ْم يشـ ْعلشمو شن ۝ أ ش‬ ‫شعلش الْ شك ِذ ِ‬
‫ذاب م ِه ﴾ [اجملادلة‪. ]16 - 14 :‬‬ ‫اَّللِ فشـلشه ْم شع ش‬
‫ص ُّدوا شع ْن ش بِ ِيل َّ‬
‫أْشميش شا‪ْ ،‬م جنَّةً فش ش‬
‫اَّاوردأ يف تفسـ ـ ـ ـ ـ ــريه يذه ا ية «يع اَّنافق تولَّوا قوماً ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ هللا عليهم هم‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫الص ُّد عن اجلهاد اايلةً لليهود(‪.)2‬‬ ‫اَّاوردأ َّ‬
‫الصد عن بيل هللا أبنت َّ‬ ‫ُّ‬ ‫اليهود»(‪ ،)3‬وفسر‬
‫حرب ـ َّـد ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ .‬فعن أ ــامة بن‬ ‫ودفع اليهود اَّنافق لشــعال ٍ‬
‫إن ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم رك عل حا ٍر عل قطيف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‬ ‫زٍ‬
‫يد ر ــي هللا عن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت قال َّ‬
‫فش شدكِيَّة ‪ ،‬وأرد أ ــامة بن زيد وراءه‪ ،‬يعود ـ ش‬
‫(‪)4‬‬
‫ـعد بن عبادة يف ب احلارث بن اخلايرً قبل وقعة‬
‫مر مب ٍ‬
‫لس فيت عبد هللا بن أ ِيب بن ش لول‪ ،‬وذلك قبل أن ي ْسلم عبد هللا بن أ ِيب‪،‬‬ ‫حض َّ‬
‫بدر‪ ،‬قال َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬لدروزة (‪.)180 ، 179/2‬‬


‫انظر رية َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)180/2‬‬


‫(‪ )3‬انظر النكت والعيون ‪ ،‬للماوردأ (‪.)203/4‬‬
‫(‪ )4‬قطيفة فدكية كساء ليم منسوب إىل فش شدك ‪ ،‬وهي بلد م هور عل مرحلت من اَّدينة‪.‬‬
‫‪562‬‬
‫فَذا يف االس أخالط من اَّس ــلم ‪ ،‬واَّ ــرك عبدة األواثن‪ ،‬واليهود‪ ،‬ويف االس عبد هللا بن‬
‫االس شع ش اجة الدَّابة‪ ،‬شطَّر عبد هللا بن أ ٍيب أن شفت بردائت‪ ،‬مثَّ قال ح ت ِربوا‬ ‫ت‬‫رواحة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ َّـما ش ِ ي ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫علينا‪ ،‬فسـلَّم ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم عليهم‪ ،‬مث وقف‪ ،‬فنايل فدعاهم إىل هللا‪ ،‬وقرأ عليهم‬
‫حقاً ‪-‬‬‫القرآن‪ ،‬فقال عبد هللا بن أ ِيب بن ش ـ ـ ـ ـلول أيها اَّرء! إنَّت ح أحس ـ ـ ـ شـن اَّا تقول ‪ -‬إن كان َّ‬
‫فال تـ ْؤِذ شان بت يف جملس ــنا‪ ،‬ارجع إىل شر ْحلك فمن جاءك فاقصـ ــص عليت‪ ،‬فقال عبد هللا بن رواحة‬
‫فَان حن ُّ ذلك‪ ،‬فا ـ ــت َّ اَّس ـ ــلمون‪ ،‬واَّ ـ ــركون‪،‬‬ ‫بل َي ر ـ ــول هللا! فشا ْ ش ـ ـ ـنشا بت يف جمالس ـ ــنا‪َّ ،‬‬
‫حض ـ ــكنوا‪ ،‬مثَّ‬‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم خيشِفض ـ ـهم َّ‬ ‫حض كادوا يتثاورون(‪ ،)1‬فلم ِ‬
‫يايل الن ُّ‬ ‫واليهود‪َّ ،‬‬
‫َّب‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم دابتت‪ ،‬فس ـ ــار حض دخل عل ـ ــعد بن عبادة‪ ،‬فقال لت الن ُّ‬ ‫رك الن ُّ‬
‫هللا ــل هللا عليت و ــلم «َي ــعد! أ تس ــمع ما قال أبو حبشاب ‪ -‬يريد عبد هللا بن أ ٍيب ‪ -‬قال‬
‫كذا‪ ،‬وكذا»‪ .‬قال ـ ــعد بن عبادة ر ـ ــي هللا عنت َي ر ـ ــول هللا! ا ْعف عنت‪ ،‬واهللا ـ ــف ْ ‪ ،‬فوالَّذأ‬
‫(‪)2‬‬
‫ابحلق الذأ أشنايل عليك‪ ،‬ولقد اهللا ـ ـ ـ ــطل أهل هذه البلرية‬ ‫أنايل عليك الكتاب! لقد جاء هللا ِ‬
‫ابحلق الذأ أعطاك هللا شش ِر شق بذلك‪،‬‬ ‫فيعصبونت ابلعصابة(‪ ،)3‬فل َّـما أىب هللا ذلك ِ‬ ‫عل أن يـتشـ ِوجوه‪ِ ،‬‬
‫أيت‪ .‬فعفا عنت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪[ .‬البخاري (‪. ])4566‬‬ ‫فذلك فعل بت ما ر ش‬
‫‪ - 5‬طعن اليهود يف شم ْن آمن من األحبار (عبد هللا بن ش الم) ر ي هللا عنت‬
‫عبد هللا بن ش ـ ـ ـالم شم ْق شدم ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم اَّدينةش‪ ،‬فأاته‪ ،‬فقال ِإين‬
‫«بل ش ش‬
‫طعام ركلت أهل‬ ‫يعلمهن إح نب‪ ،‬قال ما َّأول أشـ ـراط ال َّسـ ـاعة؟ وما َّأول ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ــائلك عن ثالث ح‬
‫أأ شيء يشـْن ِايي إىل أخوالت؟ فقال ر ول هللا هللال‬ ‫شيء يشـْن ِايي الولد إىل أبيت؟ ومن ِ‬ ‫أأ ٍ‬ ‫اجلنة؟ ومن ِ‬
‫عدو اليهود من اَّالئكة‪،‬‬ ‫هبن انفاً جربيل»‪ ،‬قال فقال عبد هللا ذاك ُّ‬ ‫هللا عليت و ـ ــلم « شخ َّشربين َّ‬
‫الناس من اَّ ـرق‬ ‫فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم « َّأما َّأول أشـراط ال َّسـاعة‪ ،‬فنار حت ــر ش‬
‫الرجل‬ ‫طعام ركلت أهل اجلنة‪ ،‬ف ِايَيدة شكبِ ِد ح ٍ‬
‫وت‪ ،‬وأما ال َّبت يف الولد‪َّ ،‬‬
‫فَن َّ‬ ‫إىل اَّ رب‪ ،‬و َّأما أول ٍ‬
‫شش‬
‫إذا ش شي اَّرأ شة‪ ،‬فسبقها مايه كان ال َّبت لت‪ ،‬وإذا بق مايها كان ال َّبت يا»‪.‬‬
‫قال أش ـ ـ ـ ـ ـ ــهد أنَّك ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا‪ ،‬مثَّ قال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! َّ‬
‫إن اليهود قوم هبْت‪ ،‬وإن علموا‬

‫انايعاً‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بسرعة و ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعض فيقتتلوا ‪ ،‬ويقال اثر ‪ ،‬إذا قام‬ ‫(‪ )1‬يتثاورون أأ يتواثبون ‪ ،‬واَّعىن كادوا أن يشثِ ش بعضهم عل‬
‫(‪ )2‬البلرية لفم يطلق عل القرية والبلد ‪ ،‬واَّراد بت هنا اَّدينة النَّبويَّة‪.‬‬
‫(‪ )3‬يع يرئِسونت عليهم ‪ ،‬ويسودونت‪.‬‬
‫‪563‬‬
‫ن ــالمي قبل أن تســأيم هبتوين عندك‪ ،‬ف اءت اليهود‪ ،‬ودخل عبد هللا البيت‪ ،‬فقال ر ــول هللا‬
‫أأ رجل فيكم عبد هللا بن ــالم!» قالوا أعلمنا وابن ِ‬
‫أعلمنا‪ ،‬وأخربان‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم « ُّ‬
‫وابن أخ ِربان‪ ،‬فقال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «أفرأيتم إن أ ــلم عبد هللا!» قالوا أعاذه‬
‫حممداً ر ول هللا‪،‬‬
‫هللا من ذلك‪ .‬فهرً عبد هللا إليهم‪ ،‬فقال أشهد أن ح إلت إح هللا‪ ،‬وأشهد أن َّ‬
‫فقالوا ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـُّران‪ ،‬وابن ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِران‪ ،‬ووقعوا فيت» [البخاري (‪ . ])3329‬فكانوا يؤذون من آمن من أحبارهم‪،‬‬
‫ويثريون حويم ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكوك‪ ،‬ويقــذفو‪،‬م بته ٍم ابطلـ ٍـة قبيلـ ٍـة‪ ،‬وقــد حــدَّثنــا القرآن الكر عن هــذه‬
‫وجت اليهود دَّهم تلك احلمالت الظَّاَّة(‪.)1‬‬ ‫الو يلة‪ ،‬ودافع عن هؤحء اَّؤمن ‪ ،‬الَّذين َّ‬
‫اَّللِ ش‬
‫آانءش اللَّْي ِل شوه ْم‬ ‫اب أ شمة قشائِ شمة يشـْتـلو شن آَيت َّ‬ ‫قال هللا تعاىل ﴿لشْيسـ ـ ـ ـوا ـ ـ ـ ـواء ِمن أ ْشه ِل الْ ِكتش ِ‬
‫ش شً ْ‬
‫يش ْسـ دو شن ۝ يـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّللِ شوالْيشـ ْوِم ا خر شو شرْمرو شن ِابلْ شم ْعرو ِ شويشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شك ِر شوي شسـا ِرعو شن ِيف‬
‫اَّلل شعلِيم ِابلْمتَّ ِق ش ﴾‬‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاحلِِ ش ۝ شوشم ـا يشـ ْف شعلوا ِم ْن شخ ٍْري فشـلش ْن ي ْك شفروه شو َّ‬ ‫ك ِم شن ال َّ‬ ‫اخلري ِ‬
‫ات شوأولشئِـ ش‬‫ْشْ ش‬
‫[آل عمران‪. ]115 - 113 :‬‬

‫ٍ‬
‫ومقاتل ل َّـما أ لم عبد هللا بن الم‪،‬‬ ‫احدأ يف (أ باب النُّايول) «قال ابن ٍ‬
‫عباس‪،‬‬ ‫قال الو ُّ‬
‫وثعلبة بن ـعيد‪ ،‬وأ ـيد بن ـعية‪ ،‬وأ ـد بن عبيد‪ ،‬ومن أ ـلم من اليهود‪ ،‬قالت أحبار اليهود‬
‫َّمد إح ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراران‪ ،‬ولو كانوا من خياران َّا تركوا دين اابئهم‪ ،‬وقالوا يم لقد خنتم ح‬
‫ما آمن َّ‬
‫ا تبدلتم بدينكم ديناً ريه‪ ،‬فأنايل هللا تعاىل ﴿لشْيسوا ش شواءً﴾ ا ية»(‪.)2‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم واَّسلم‬
‫بث الشاعات وال َّماتة ابلن ِ‬
‫‪ُّ - 6‬‬
‫عما يف ِرق كلمتهم‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫كان اليهود يتليَّنون الفرص للنَّيل من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬والبلث َّ‬
‫ول هللا هللال هللا‬ ‫ا ت اليم ‪ -‬يف األشهر األوىل من ال َّهر ‪ -‬لوفاة أحد النُّقباء‪ ،‬الَّذين ابيعوا ر ش‬
‫اخلايرجي ر ي هللا عنت‪ ،‬فعندما‬ ‫ُّ‬ ‫األنصارأ‬
‫ُّ‬ ‫عليت و لم بيعة العقبة‪ ،‬وهو أبو أمامة أ عد بن زشرارشة‬
‫أخذتت ال َّ ـ ـ ـ ْوكة(‪ ،)3‬ف اءه ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يعوده‪ ،‬فقال بئس اَّيِت ليهود ‪-‬‬
‫مرت ‪ -‬ــيقولون لوح دفع عنت هللا ــاحبت‪ ،‬وح أملك لت ــراً‪ ،‬وح نفعاً‪ ،‬وألشَتش َّللش َّن(‪ )4‬لت»‪ ،‬فأمر‬ ‫َّ‬
‫أ طَّ فوق رأ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فمــات‪[ ،‬أمحد (‪ )138/4‬واحلاكم (‪ )214/4‬وجممع الزوائد (‪ . ])98/5‬ويف روايـ ٍـة‬
‫بــت‪ ،‬فك ِو ش‬
‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)59/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر أ باب النايول ‪ ،‬للو ِ‬
‫احدأ ‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪ )3‬ال وكة حرة تعلو الوجت واجلسد‪.‬‬
‫لن لت يف ٍ‬
‫حيلة ي ف بوا طتها ‪ ،‬انظر النهاية (‪.)303/4‬‬ ‫لن أأ ألحاو َّ‬‫أَتشش َّل َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪564‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «بئس اَّيت لليهود‪،‬‬ ‫فكواه شح ْوران ‪ ،‬عل عنقت‪ ،‬فمات‪ ،‬فقال الن ُّ‬
‫يقولون قد داواه هللا ـ ـ ـ ــاحبت‪ ،‬أفال نفعت!» [الطرباين يف املعجم الكبري (‪ )5584‬وعبد الرزاق يف املصـ ـ ــنف (‪ )19515‬وجممع‬
‫الزوائد (‪. ])98/5‬‬

‫اليهودأ عل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫و تكن حادثة أيب أمامة هي احلدث الوحيد الَّذأ أابن احلقد‬
‫فقد أشاعوا يف َّأول اي رة َّأ‪،‬م لروا اَّسلم ‪ ،‬فال يولد يم ولد‪ ،‬أشاعوا ذلك ليضيِقوا عل‬
‫اَّس ــلم اخلناق‪ ،‬ويفس ــدوا عليهم حياهتم اجلديدة‪ ،‬اليت عاش ــوها يف مدينة ر ــول هللا هللا ــل هللا‬
‫الصايف الَّذأ ميلؤه احل ُّ ‪ ،‬والتآلف ب اَّسلم ‪.‬‬
‫اجلو َّ‬
‫ليعكروا ذلك َّ‬‫عليت و لم ‪ ،‬و ِ‬

‫يدل عل مقدار ما فعلتت تلك الشــاعة ب اَّســلم ‪ ،‬شــدَّة الفرحة اليت اع هتم حيث‬ ‫واَّا ُّ‬
‫الايبري ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت(‪ ،)2‬فعن أمساء‬
‫لود ذكر من اَّهاجرين‪ ،‬وهو عبد هللا بن ُّ‬ ‫ولد بينهم َّأول مو ٍ‬
‫مكة‪ ،‬قالت فهرجت وأان‬ ‫الايبري يف َّ‬ ‫بنت أيب بكر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها «أ َّ‪،‬ا شحششل ْ‬
‫ت بعبد هللا بن ُّ‬
‫متِم‪ ،‬فأتيت اَّدينة‪ ،‬فنايلت قباءً‪ ،‬فولدت بقباء‪ ،‬مث أتيت بت ر ـ ـ ش‬
‫ـول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬
‫ـيء دخل جوفت ريق‬ ‫فو ـ ــعتت يف ح ره‪ ،‬مثَّ دعا بتمرةٍ‪ ،‬فمضـ ـ ـ ها‪ ،‬مثَّ تفل يف فيت‪ ،‬فكان َّأول ش ـ ـ ٍ‬
‫أول مولود ولِ شد‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬مثَّ شحنَّ شكت ابلتَّمرة‪ ،‬مثَّ دعا لت‪ ،‬فششَّربك عليت‪ ،‬وكان ش‬
‫إن اليهود قد ـ ـ ــلرتكم‪ ،‬فال يولد لكم»‬ ‫أل‪،‬م قيل يم َّ‬‫يف ال ـ ـ ــالم‪ ،‬ففرحوا بت فرحاً شـ ـ ــديداً َّ‬
‫اية مسـ ــلم [(‪« ])25/2146‬ومسَّاه عبد هللا‪ ،‬مثَّ جاء بعد وهو‬ ‫[البخاري (‪ )5469‬ومس ــلم (‪ ،])26/2146‬ويف رو ٍ‬
‫الايبري ر ي هللا عنت بذلك‪،‬‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬أمره ُّ‬ ‫ابن ب ٍع‪ ،‬أو ابن شاين ن ‪ ،‬يبايع الن َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ح رآه مقبالً‪ ،‬وابيعت»‪ ،‬وكان َّأول من ولِ شد يف ال ـ ـ ــالم‬ ‫فتبس ـ ـ ــم الن ُّ‬
‫ابَّدينة بعد شم ْق شدِم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وكانت اليهود تقول قد أخذانهم‪ ،‬فال يولد‬
‫فكرب أهللاـ ــلاب ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ح ولد عبد هللا [احلاكم‬
‫يم ابَّدينة ولد ذكر‪َّ ،‬ش‬
‫(‪. ])548/3‬‬

‫‪ - 7‬موقفهم من حتويل القبلة‬


‫تكاد تكون حادثة حتويل القبلة‪ ،‬من بيت اَّقدس إىل الكعبة اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرفة هي الفاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل ب‬
‫الفعلي من جــان ـ اليهود‪ ،‬لايعايعــة الـ َّـدولــة‬ ‫َّ‬ ‫احلرب الكالميَّ ـة‪ ،‬وحرب اَّنــاوش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‪ ،‬والتــد ُّخ ـل‬

‫(‪ )1‬شح ْوران هي كية م شد َّورة ‪ ،‬من حار ور إذا رجع ‪ ،‬وحوره إذا كواه هذه الكية ‪ ،‬وتسم حوراء أيضاً ‪ ،‬انظر النِهاية (‪.)459/1‬‬
‫اَّطهرة (‪.)265/1‬‬
‫السنَّة َّ‬‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪565‬‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم كان‬ ‫أن الن َّ‬ ‫الرباء بن ٍ‬
‫عازب ر ــي هللا عنت َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫ال ــالميَّة الناش ــئة ‪ ،‬فعن شش‬
‫أول ما قش ِد شم اَّدينة نايل عل أجداده ‪ -‬أو قال أخوالت ‪ -‬من األنص ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬وأنَّت هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫ش‬
‫و ــلم هللا ـلَّ قِبش شل بيت اَّقدس ــتةش شع ش ـشر ش ــهراً‪ ،‬أو ــبعةش شع ش ـشر ش ــهراً‪ ،‬وكان يع بت أن تكون‬
‫قبلتت قِبش شل البيت‪ ،‬وأنَّت هللال هللا عليت و لم هللالَّ َّأول هللاالةٍ هللاالها‪ ،‬هللاال شة العصر‪ ،‬وهللالَّ معت‬
‫فمر عل أهل مس ـ ٍد وهم راكعون‪ ،‬فقال أشــهد ابهلل! لقد‬ ‫قوم‪ ،‬فهرً رجل اَّن هللا ـلَّ معت‪َّ ،‬‬
‫مكة‪ ،‬فداروا كما هم قِبش شل البيت‪ ،‬وكانت اليهود‬ ‫هللاــليت مع ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم قِبشل َّ‬
‫ش‬
‫وىل وجهت قِبش شل البيت‬ ‫قد أع بهم أنَّت كان يصـ ــلِي قِبشل بيت اَّقدس‪ ،‬وأهل الكتاب‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما َّ‬
‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬
‫ش‬
‫أنكروا ذلك [البخاري (‪ )40‬ومس ــلم (‪ ،])525‬وقد نايلت يف هذه احلادثة آَيت عظيمة‪ ،‬فيها ِع شرب‪ ،‬وحكم‬
‫ِ‬
‫للصف اَّسلم‪.‬‬ ‫ودروس‬
‫ك‬ ‫ك ششـ ـ ـطْشر الْ شم ْسـ ـ ـ ِ ِد ْ‬
‫احلششرِام شوإِنَّت لشْل شل ُّق ِم ْن شربِ ش‬ ‫ت فشـ شوِل شو ْج شه ش‬
‫﴿وم ْن شحْيث شخشر ْج ش‬
‫قال تعاىل ِ‬
‫ش‬
‫احلششرِام شو شحْيث‬‫ك شش ـطْشر الْ شم ْس ـ ِ ِد ْ‬ ‫ت فشـ شوِل شو ْج شه ش‬ ‫ِ‬ ‫وما َّ ِ‬
‫اَّلل بِ شاف ٍل شع َّما تشـ ْع شملو شن ۝ شوم ْن شحْيث شخشر ْج ش‬ ‫شش‬
‫ين ظشلشموا ِمْنـه ْم فشالش شهْ ش ْوه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫وهك ْم ششطْشره لِئشالَّ يشكو شن لِلن ِ‬
‫َّاس شعلشْيك ْم ح َّ ة إحَّ الذ ش‬ ‫شما كْنـت ْم فشـ شولُّوا وج ش‬
‫اخ ـ ـ ـ ْوِين شوألِذَّ نِ ْع شم ِيت شعلشْيك ْم شولش شعلَّك ْم شهتْتشدو شن ۝ شك شما أ ْشر ش ـ ـ ـ ْلنشا فِيك ْم شر ـ ـ ـوحً ِمْنك ْم يشـْتـلو شعلشْيك ْم‬
‫شو ْ‬
‫احلِ ْك شمةش شويـ شعلِمك ْم شما شْ تشكونوا تشـ ْعلشمو شن ۝ فشاذْكر ِوين أشذْك ْرك ْم‬ ‫اب شو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش ِ‬
‫آَيتنا شويـشايكيك ْم شويـ شعلمكم الْكشت ش‬
‫ون ﴾ [البقرة‪. ]152 - 149 :‬‬ ‫وا ْشكروا ِس وحش تشكْفر ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫َّاس شما وحَّه ْم شع ْن قِْبـلشتِ ِهم الَِّيت شكانوا شعلشْيـ شها﴾ [البقرة‪ ]142 :‬أخرب‬
‫* ﴿ ش ـ ـيشـقول ال ُّس ـ ـ شف شهاء ِم شن الن ِ‬
‫حتول القبلة من بيت اَّقدس إىل الكعبة من آاثرة‬ ‫هللا ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬مبا ـ ـ ـ ــيقولت اليهود عند ُّ‬
‫حمم ٍد هللا ــل هللا عليت‬ ‫نبوة َّ‬
‫يدل عل َّ‬ ‫ال ُّ ـ ـكوك‪ ،‬والتَّس ــايحت قبل وقوي األمر‪ ،‬ويذا دحلتت فهو ُّ‬
‫أن حممداً هللا ـ ـ ــل هللا‬ ‫فدل ذلك عل َّ‬ ‫و ـ ـ ــلم إذ هو أمر يب‪ ،‬فأخرب عنت قبل وقوعت‪ ،‬مثَّ وقع‪َّ ،‬‬
‫الر ــول هللاــل‬ ‫عليت و ــلم ر ــول‪ ،‬ونب خيربه الوحي مبا ــيقع إذ من األدلَّة عل هللاــدق ر ــالة َّ‬
‫هللا عليت و لم ‪ ،‬أن خيرب أبمور يبية مثَّ تقع بعد ذلك‪.‬‬
‫يستعد اَّسلمون‪ ،‬ويهيِئوا أنفسهم‬
‫َّ‬ ‫حض‬
‫عالً للم اكل قبل حدوثها‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫وهو ُّ‬
‫يدل أيضاً عل‬
‫ألن األمر ح يكون مفاجئاً يم‪ ،‬يكون‬ ‫يذه اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاكل للت لُّ عليها‪ ،‬و ِ‬
‫الرد عليها‪ ،‬ودفعها َّ‬

‫اَّطهرة (‪.)258/1‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬هو ابلرفع عطفاً عل اليهود‪.‬‬


‫‪566‬‬
‫وقعت عل النفس أش ـ ـ ـ ـ ــدَّ‪ ،‬ويربك اَّفاجأ‪َّ ،‬أما ح دَّثون عنت قبل وقوعت‪ ،‬فاحلديث يطمئنهم‪،‬‬
‫ويوطن نفو ــهم‪ ،‬ويعدُّها َّواجهة ال َّ ـ ـدائد(‪ .)1‬قال أبو الس ــعود يف تفس ــريه «وأخرب ابألمر قبل‬ ‫ِ‬
‫وقوعـت لتوط النُّفوس‪ ،‬وإعـدادهـا عل مـا يبكتهم‪ ،‬ف َّ‬
‫ـَن مفـاجـأة اَّكروه عل النَّفس أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـق‪،‬‬
‫أرد»(‪ ،)2‬وقد وهللاـ ـ ــف هللا تعاىل اليهود ابل َّس ـ ـ ـفت‬
‫وأشـ ـ ــدُّ‪ ،‬واجلواب العتيد ل ـ ـ ـ اخلصـ ـ ــم األلد ُّ‬
‫حع ا ــهم عل حتويل القبلة‪ ،‬وللكيد ـ َّـد ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ .‬قال أبو الســعود‬
‫«والسفهاء الذين خفَّت أحالمهم‪ ،‬وا تمهنوها ابلتَّقليد‪ ،‬والعراض عن التدبُّر‪ ،‬والنَّظر‪ .‬وقويم‬
‫اَّتعمد خال ما يعلم‪،‬‬ ‫الكذاب‪ِ ،‬‬ ‫البهات َّ‬ ‫السفيت َّ‬‫ثوب فيت‪ ،‬إذا كان خفيف النَّسيت‪ ،‬وقيل َّ‬
‫السفهاء هم اليهود»(‪.)3‬‬ ‫وقيل الظَّلوم اجلهول‪ ،‬و ُّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول شعلشْيك ْم‬ ‫ك شج شع ْلنشاك ْم أ َّمةً شو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطًا لِتشكونوا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شه شداءش شعلش الن ِ‬
‫َّاس شويشكو شن َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿وشك شذل ش‬
‫* ش‬
‫شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِهيـ ً‬
‫(‪)4‬‬
‫حولنــاكم إىل قبلــة إبراهيم عليــت‬ ‫يقول ابن كثري «يقول تعــاىل إجــا َّ‬ ‫ـدا﴾ [البقرة ‪]143‬‬

‫ألن اجلميع‬ ‫خيار األمم لتكونوا يوم القيامة شـ ـ ــهداءش األمم َّ‬ ‫السـ ـ ــالم‪ ،‬واخ انها لكم‪ ،‬لن علكم ش‬
‫مع فون لكم ابلفض ــل‪ .‬والو ــا هاهنا اخليار‪ ،‬واألجود‪ ،‬كما يقال قريش أو ــا العرب نس ــباً‬
‫وداراً‪ ،‬أأ خريها‪ ،‬وكان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم و طاً يف قومت‪ ،‬أأ أشرفهم نسباً‪ ،‬ومنت‬
‫الصلوات وهي العصر»(‪.)5‬‬ ‫الصالة الو ط الَّيت هي أفضل َّ‬ ‫َّ‬
‫َّصور واحعتقاد‪ ،‬يف التَّفكيـ ـ ـ ـ ـ ــر وال ُّ عـ ـ ـ ـ ـ ــور‪ ،‬يف التَّنظيم والتَّنسيق‪ ،‬يف‬ ‫فهي َّأمـ ـ ـ ـ ـ ــة و ا يف الت ُّ‬
‫احرتباطات والعالقـات‪ ،‬يف اَّكان يف َّـرة األرض وأو ـا بقاعها(‪.)6‬‬
‫ول ِاش ْن يشـْنـ شقلِ شعلش شع ِقبشـْي ِت‬ ‫ت شعلشْيـ شها إِحَّ لِنشـ ْعلش شم شم ْن يشـتَّبِع َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫ِ‬
‫﴿وشما شج شع ْلنشا الْقْبـلشةش الَِّيت كْن ش‬
‫* ش‬
‫َّ ِ‬ ‫وإِ ْن شكانش ْ ِ ِ‬
‫اَّلل﴾ [البقرة‪. ]143 :‬‬ ‫ين شه شد َّ‬ ‫ت لش شكب شريةً إحَّ شعلش الذ ش‬ ‫ش‬
‫َّلول من بيــت‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة حنو بيــت اَّقــدس كــانــت فتنـةً أأ اختبــاراً‪ ،‬والت ُّ‬ ‫أن ال َّ‬ ‫فــا يــة تــذكِر َّ‬
‫ـاوأ يف تفس ــريه «وما جعلنا قبلتك‬ ‫اَّقدس إىل الكعبة كان أيضـ ـاً اختباراً‪ ،‬وامتلاانً‪ .‬قال البيض ـ ُّ‬

‫الصراي مع اليهود (‪.)102/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السعود (‪.)171/1‬‬ ‫انظر تفسري أيب ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪.)170/1‬‬


‫(‪ )4‬كانت ر الة اَّاجستري للمؤلف حول هذه احية (الو طية يف القران الكر ) وحتدَّث عنها يف حواس ‪ 700‬هللافلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسري ابن كثري يف تفسريه لتلك احية‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر تفسري ابن كثري يف تفسريه لتلك احية ‪.)430/2( ،‬‬
‫‪567‬‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‪ ،‬اَّن ينقل عل عقبيت‪ ،‬إح لنمتلن بت النَّاس‪ ،‬ونعلم‬
‫بيت اَّقدس إح لنعلم شم ْن يتَّبع َّ‬
‫الر ـ ــول اَّن‬ ‫صـ ـ ـالة إليها‪ ،‬اَّن ير ُّ‬
‫تد عن دينك إلفاً لقبلة اابئت‪ ،‬أو لنعلم من يتَّبع َّ‬ ‫من يتَّبعك يف ال َّ‬
‫ح يتَّبعت‪ ،‬وما كان لعارض يايول بايوالت‪ ،‬وعل األول معناه ما رددانك إىل الَّيت كنت عليها‪ ،‬إح‬
‫لنعلم الثَّابت عل ال الم‪ ،‬اَّن ينكص عل عقبيت لقلقت‪ ،‬و عف إميانت»(‪.)1‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة إىل بيت اَّقدس‪ ،‬مثَّ العودة إىل الكعبة‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة إىل الكعبة يف بداية األمر‪ ،‬مثَّ ال َّ‬
‫فال َّ‬
‫كل ٍ‬
‫حالة هو‬ ‫وا تمرار ذلك ح شيء فيت ما دام البارأ بلانت أمر بذلك‪ ،‬ومن شمثَّ فالتَّوجت يف ِ‬
‫عبــادة‪ ،‬ومــا عل النــاس إح أن ينقــادوا ألمر هللا ‪ -‬تبــارك وتعــاىل ‪ ،-‬ويلتايموا أبمره‪ ،‬فــالــذأ يتَّبع‬
‫الر ـ ــول وينقاد ألوامره يف القبلة يـ شع ُّد فائاياً يف احختبار‪ ،‬واحمتلان‪ ،‬والَّذأ جيد يف نفس ـ ــت ملالفة‬
‫احلق هو الَّذأ يلايم هللااحبت ابحتِباي‪،‬‬‫حك ٍم من األحكام ال َّرعيَّة كان اقطاً‪ ،‬وهالكاً‪ ،‬والميان ُّ‬
‫ص ـلابة الكرام‪ ،‬وا ــت ابوا ألوامر هللا تعاىل‪ ،‬فعن ابن عمر ر ــي‬ ‫وملالفة ايو (‪ )2‬ويذا ثبت ال َّ‬
‫َّب‬
‫ص ـب يف مس ـ د قباء إذ جاء رجل فقال قد أنايل عل الن ِ‬ ‫هللا عنت قال بينا النَّاس يص ـلُّون ال ُّ‬
‫فتوجهوا إىل الكعبة(‪.)3‬‬‫هللال هللا عليت و لم قرآن‪ ،‬وقد أمر أن يستقبل الكعبة‪ ،‬فا ْ تقبِلوها‪َّ .‬‬
‫َّاس لششريو شرِحيم ﴾‬ ‫يع إِميشانشك ْم إِ ْن َّ‬
‫اَّللش ِابلن ِ‬ ‫* ﴿وما شكا شن َّ ِ ِ‬
‫[البقرة‪. ]143 :‬‬
‫اَّلل ليض ش‬ ‫شش‬
‫تبِ ا ية الكرمية حرص اَّؤمن عل إخوا‪،‬م‪ ،‬وح َّ اخلري يم‪ ،‬فلينما نايلت ا َيت الَّيت‬
‫أتمر اَّؤمن بتلويل القب ـ ـ ـ ـ ــلة إىل الكعب ـ ـ ـ ـ ــة تساءل اَّؤمنون م فق عن مصري عبادة إخوا‪،‬م‪،‬‬
‫وجل ‪َّ -‬‬
‫أن هللا ـ ـ ــالهتم مقبولة‪ ،‬فعن‬ ‫عاي َّ‬ ‫الَّذين ماتوا وقد هللا ـ ـ ــلوا حنو بيت اَّقدس‪ ،‬فأخرب هللا ‪َّ -‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم إىل الكعبة قالوا َي ر ــول‬ ‫ِ‬ ‫ابن ٍ‬
‫عباس ر ــي هللا عنهما قال َّا وجت الن ُّ‬
‫َّ‬
‫اَّلل‬ ‫هللا! كيف نخواننا الذين ماتوا وهم يص ـ ـ ـ ـلُّون إىل بيت اَّقدس؟‪ ،‬فأنايل هللا تعاىل ش‬
‫﴿وشما شكا شن َّ‬
‫َّاس لشريو رِ‬ ‫يع إِميشانشكم إِ ْن َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حيم ﴾ [البقرة‪[ ]143 :‬أبو داود (‪ )4680‬والرتمذي (‪ )2964‬وأمحد (‪295/1‬‬
‫ش‬ ‫اَّللش ابلن ِ ش‬ ‫ْ‬ ‫لي ض ش‬
‫و‪ 304‬و‪ 322‬و‪ ،])347‬وب َّ يم أنَّت ريو رحيم‪« ،‬وهبذا يسـ ـ ـ ــك يف قلوب اَّسـ ـ ـ ــلم الطُّمأنينة‪،‬‬
‫الر ا‪ ،‬والثِقة‪ ،‬واليق »(‪.)4‬‬ ‫ويذه عنها القـلق‪ ،‬ويفيض عليها ِ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري البيضاوأ ‪ ،‬نقالً عن ِ‬


‫الصراي مع اليهود (‪.)101/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)101/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)337/1‬‬
‫(‪ )4‬يف ظالل القرآن ً ‪ 131/2‬ـ ‪.133‬‬
‫‪568‬‬
‫ك ششـطْشر الْ شم ْسـ ِ ِد‬ ‫* ﴿قش ْد نشـر تشـ شقلُّ وج ِهك ِيف ال َّسـم ِاء فشـلشنـولِيـن ِ‬
‫اها فشـ شوِل شو ْج شه ش‬ ‫َّك قْبـلشةً تشـ ْر ش ـ ش‬‫شش ش‬ ‫ش‬ ‫ش شْ ش‬ ‫ش‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلش ُّق م ْن شرهب ْم‬ ‫اب لشيشـ ْعلشمو شن أشنَّت ْ‬ ‫ين أوتوا الْكتش ش‬ ‫ِ َّ‬
‫وهك ْم شش ـ ـ ـطْشره شوإ َّن الذ ش‬ ‫احلششرِام شو شحْيث شما كْنـت ْم فشـ شولُّوا وج ش‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل بِ ش ِاف ٍل ع َّما يـعملو شن ۝ ولشئِن أشتشـ ي َّ ِ‬
‫ك شوشما‬ ‫اب بِك ِل آيش ٍة شما تشبِعوا قْبـلششت ش‬ ‫ِ‬
‫ين أوتوا الْكشت ش‬ ‫ت الذ ش‬ ‫ش ْ ْ ش‬ ‫ش شْ ش‬ ‫شوشما َّ‬
‫ت أ ْشه شواءشه ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شما شجاءش شك ِم شن‬ ‫أشْنت بِشتابِ ٍع قِبـلشتشـهم وما بـعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهم بِشتابِ ٍع قِبـشلةش بـع ٍ ِ‬
‫ض شولشئ ِن اتَّـبشـ ْع ش‬ ‫ْ شْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ شش شْ‬ ‫ش‬
‫اب يشـ ْع ِرفونشت شك شما يشـ ْع ِرفو شن أشبْـنشاءشه ْم شوإِ َّن فش ِري ًقا‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الْعِْل ِم إِن ش ِ ِ‬
‫ين آتشـْيـنشاهم الْكتش ش‬ ‫َّك إذًا لشم شن الظَّالم ش ۝ الذ ش‬
‫ين ۝ شولِك ٍل ِو ْج شهة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك فشالش تشكونش َّن م شن الْم ْم ش ش‬ ‫احلش ُّق ِم ْن شربِ ش‬
‫احلش َّق شوه ْم يشـ ْعلشمو شن ۝ ْ‬ ‫ِمْنـه ْم لشيشكْتمو شن ْ‬
‫اَّللش شعلش ك ِل شش ـ ـ ـ ْي ٍء قش ِدير ﴾‬ ‫اَّلل شِ ًيعا إِ َّن َّ‬ ‫ت بِكم َّ‬ ‫ات أشين ما تشكونوا رْ ِ‬
‫ش‬
‫هو مولِيها فشا ـ ـ ـتشبِقوا ْ ِ‬
‫اخلشْ شري ْ ش ش‬ ‫ش ش ش ْ‬
‫[البقرة‪. ]148 - 144 :‬‬

‫يتوجت يف هللاـ ـ ــالتت إىل قبلة أبيت‬


‫كان ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬حريص ـ ـ ـاً عل أن َّ‬
‫إبراهيم عليت الس ـ ـ ــالم‪ ،‬فهو أوىل النَّاس بت ألنَّت من شرة دعوة أبيت إبراهيم عليت الس ـ ـ ـ ـالم‪ ،‬وحامل‬
‫حبق كما حلها إبراهيم عليت السالم‪ ،‬وهو هللال هللا عليت و لم كان رص عل أن‬ ‫لواء التَّوحيد ٍ‬
‫حرفوا‪ ،‬وبدَّلوا‪ ،‬و َّريوا كاليهود‪،‬‬ ‫يكون مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالً‪ ،‬ومتميِاياً عن أهل ِ‬
‫الدَيانت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـابقة الَّذين َّ‬
‫والنَّص ـ ـ ـ ــار ويذا كان ينه عن تقليدهم والتَّ ـ ـ ـ ـ ـبُّت هبم بل رمر مبهالفتهم‪ ،‬و ِذر من الوقوي‬
‫يتوجت يف هللا ـ ــالتت‬
‫الايلل‪ ،‬واخلطل[(‪ ،]575‬وا حنرا ‪ ،‬ومقتضـ ـ ـ هذا احلرص أن َّ‬ ‫فيما وقعوا فيت من َّ‬
‫ب كل دائم إىل قيلة أيب األنبياء‪ ،‬وهو أول بيت و ع للناس[(‪.])576‬‬
‫ِ‬ ‫إن حلادثة حتويل القبلة أبعاداً كثرية منها ال ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي‪ ،‬ومنها العس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـكرأ‪ ،‬ومنها الدي ُّ‬
‫التارخيي فبعدها الس ـ ـ ــيا ـ ـ ـ ُّـي أ‪،‬ا جعلت اجلايية العربية حمور األحداث‪ ،‬وبعدها‬ ‫ُّ‬ ‫البلت‪ ،‬ومنها‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالة وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالم ‪ -‬وبعدها‬
‫العريب لبراهيم ‪ -‬عليت ال َّ‬ ‫َّارخيي أ‪،‬ا ربطت هذا العا ابلرث ِ‬ ‫الت ُّ‬
‫مهدت لفت مكة ‪ ،‬وإ‪،‬اء الو ــع ال َّ ـ ِاذ يف اَّس ـ د احلرام‪ ،‬حيث أهللاــب مركاي‬ ‫ـكرأ َّأ‪،‬ا َّ‬
‫العسـ ُّ‬
‫التَّوحيــد مركاياً لعبــادة األهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنــام‪ ،‬وبعــدهــا الــدي ُّ أ‪،‬ــا ربطــت القل ـ ابحلنفيَّـة‪ ،‬وميَّايت األمــة‬
‫ال المية عن ريها‪ ،‬والعبادة يف ال الم يف بقية األدَين[(‪.])577‬‬
‫ك شوشما اَّلل‬ ‫ك ششـ ـ ـ ـ ـ ـطْشر الْ شم ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ِد ْ‬
‫احلششرِام شوإِنَّت لشْل شل ُّق ِمن َّربِ ش‬ ‫ت فشـ شوِل شو ْج شه ش‬
‫*﴿وم ْن شحْيث شخشر ْج ش‬
‫ِ‬
‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلششرِام شو شحْيث شما كنت ْم‬ ‫ك شش ـطْشر الْ شم ْس ـ د ْ‬ ‫ت فشـ شوِل شو ْج شه ش‬ ‫بِ شاف ٍل شع َّما تشـ ْع شملو شن ۝ شوم ْن شحْيث شخشر ْج ش‬
‫ين ظشلشمواْ ِمْنـه ْم فشالش شهْ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫وهك ْم شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطْشره لِئشالَّ يشكو شن لِلنـ ِ‬
‫َّاس شعلشْيك ْم ح َّ ـة إحَّ الـذ ش‬ ‫فشـ شولُّواْ وج ش‬
‫اخ ش ـ ـ ـ ْوِين شوألِذَّ نِ ْع شم ِيت شعلشْيك ْم شولش شعلَّك ْم شهتْتشدو شن ۝ شك شما أ ْشر ش ـ ـ ـ ْلنشا فِيك ْم شر ـ ـ ـوحً ِمنك ْم يشـْتـلو شعلشْيك ْم‬ ‫شو ْ‬
‫‪569‬‬
‫احلِ ْك شمةش شويـ شعلِمكم َّما شْ تشكونواْ تشـ ْعلشمو شن ۝ فشاذْكر ِوين أشذْك ْرك ْم‬
‫اب شو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش ِ‬
‫آَيتنا شويـشايكيك ْم شويـ شعلمكم الْكشت ش‬
‫ون﴾ [البقرة‪.]152 - 149 :‬‬ ‫وا ْشكرواْ ِس وحش تشكْفر ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫َّ‬
‫إن نعمة توجيهكم إىل قبلتكم‪ ،‬وَتييايكم ب ــهص ـيَّتكم من نعم هللا عليكم‪ ،‬وقد ــبقتها آحء‬
‫من هللا كثرية عليكم منها‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﴿ شك شما أ ْشر ش ْلنشا فِيك ْم شر وحً ِمنك ْم﴾ فوجود شهص ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪-‬‬
‫إمام اَّربيِ والدُّعاة ‪ -‬هو من خصـ ــيصـ ــة هذه النهبة القيَّاديَّة‪ ،‬الَّيت شـ ـ َّـرفها هللا تعاىل أبن يكون‬
‫هو اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــؤول عن تربيتها فقيت النُّفوس‪ ،‬وطب ي القلوب‪ ،‬ونور األفئدة‪ ،‬فهو النُّور‪ ،‬والربهان‪،‬‬
‫واحل َّ ة‪.‬‬
‫ـ ﴿ يشـْتـلو شعلشْيك ْم آَيتنشا﴾ فاَّادة األ ا يَّة للبناء وال َّ بية كالم هللا تعاىل‪ ،‬وكان يرافقت شلنة‬
‫ضاً طرََّيً‪ ،‬فكان جيالً متميِاياً يف اتري النسانيَّة‪.‬‬
‫عظيمة لنايولت َّأول األمر َّ‬
‫اَّريب ر ول هللا (ﷺ)‪ ،‬فهو اَّسؤول عن عمليَّة ال بيَّة‪ ،‬وهو الَّذأ‬ ‫ـ ـ ـ ﴿ شويـشايكِيك ْم﴾ فاَّعلِم ِ‬
‫بشـلش ش من اخللق‪ ،‬والتَّطبيق ألحكام القرآن الكر ما وهللاـ ـ ــفت هللا تعاىل بت من هذا الوهللاـ ـ ــف اجلامع‬
‫َّك لش شعل خل ٍق‬ ‫﴿وإِن ش‬ ‫تفرد بت هللال هللا عليت و لم من دون الب ريَّة كافَّةً‪ ،‬قال تعاىل ش‬ ‫اَّانع‪ ،‬الذأ َّ‬
‫شع ِظي ٍم﴾ [القلم‪ ،]4 :‬وهو الَّذأ وهللاــفتت عائ ــة ر ــي هللا عنها‪ ،‬أبعظم ما ميلك ب ــر أن يصــف بت‬
‫نب هللا القرآن» [البخاري يف األدب املفرد (‪ )308‬وأمحد (‪ )91/6‬والنسـ ــائي يف السـ ــنن الكرب‬
‫نبيَّاً‪ ،‬فقالت «كان خلق ِ‬
‫ص ـلابة يس ــمعون القرآن الَّذأ يتل من فم ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫(‪ ])11287‬فكان ال َّ‬
‫ويرون القرآن الَّذأ مي ي عل األرض‪ ،‬مت ِسداً يف خلقت الكر هللال هللا عليت و لم ‪.‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة الكرام الكتاب‪،‬‬ ‫ْمةش﴾‪ ،‬تعليم ال َّ‬ ‫اَّهمة ﴿ويـعلِمكم الْ ِكتشاب و ِْ‬
‫احلك ش‬ ‫ش ش‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فهذه هي َّ ش ش‬
‫الرَّاب ِين الَّذأ يايكِي النُّفوس‪،‬‬ ‫بد من ِ‬
‫اَّريب َّ‬ ‫األمة ح َّ‬‫واحلكمة‪ ،‬فالقرآن الكر لكي يكون مؤثراً يف َّ‬
‫ويطهر القلوب‪ ،‬ويعلِمها شــري هللا تعاىل من خالل القرآن الكر ‪ ،‬و ـنَّة ــيِد اَّر ــل هللاــل هللا‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـل جمملت‪ ،‬ويس ـ ـأل عن تطبيقت‪،‬‬ ‫ض ـ ـت‪ ،‬ويبِ ْحم شكمت‪ ،‬ويف ِ‬ ‫عليت و ــلم في ــر للمس ــلم ام ش‬
‫ش‬
‫ويريب أهللاــلابت‬ ‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬يعلِم‪ِ ،‬‬
‫ويصـ ِـل خطأ الفهم يم إن وجد‪ .‬كان َّ‬
‫الصلابة من ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫لكي يعلِموا‪ ،‬ويربُّوا النَّاس عل اَّنهت َّ‬
‫الرَّاب ِين‪ ،‬فتعلَّم َّ‬
‫منهت التَّعليم‪ ،‬ومنهت ال َّ بية‪ ،‬ومنهت الدَّعوة‪ ،‬ومنهت القيادة ل َّمة من خالل ما تس ـ ـ ـ ـ ـ ــمع‪ ،‬وما‬

‫‪570‬‬
‫يعد اجليل إعداداً كامالً‪،‬‬ ‫تبصر‪ ،‬ومن خالل ما تعاين وداهد‪ ،‬فا تطاي هللال هللا عليت و لم أن َّ‬
‫ِ‬
‫ومؤهالً لقيادة الب ـ ـريَّة‪ ،‬وانطلق أهللا ــلابت من بعده ملون ال َّ بية القرآنيَّة‪ ،‬وال َّ بية النَّبويَّة إىل كل‬
‫هللا ْق ٍع(‪ ،)1‬وأهللابلوا شهداء عل النَّاس‪.‬‬
‫الر ـ ـ ــالة؟ وماذا أهللاـ ـ ــبلوا‬‫﴿ويـ شعلِمك ْم شما شْ تشكونوا تشـ ْعلشمو شن ﴾ ماذا كانوا قبل الوحي و ِ‬ ‫ــــــــــ ش‬
‫ومنِ ِت‪ ،‬وكرمت أمةً عظيمةً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ذلك؟ كانوا يف حروب‪ ،‬وهللار ٍاي‪ ،‬وجاهليَّة عمياء‪ ،‬وأهللابلوا بفضل هللا‪ ،‬ش‬
‫هم يا إح العمل ابت اء مر اتت بلانت وتعاىل‪ ،‬وحقَّقوا العبوديَّة‬ ‫يا ر الة‪ ،‬وهد يف احلياة‪ ،‬ح َّ‬
‫هلل وحده‪ ،‬والطاعة هللِ وحده‪ ،‬ولر ولت هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وانتقلوا من نايعة الفردية‪ ،‬وا اننيَّة‪،‬‬
‫الدول ــة‪ ،‬وهللاناعة احلضارة‪ ،‬وا تلقَّت بفضل هللا‪،‬‬ ‫األمة‪ ،‬وبن ــاء َّ‬
‫وايو إىل البناء اجلماعي‪ ،‬بن ــاء َّ‬
‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس شأتْمرو شن‬ ‫ٍ‬
‫أعظم و ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شام ْ ِ يف الوجود ‪ ،‬قال تعاىل ﴿كْنـت ْم شخ ْ شري أ شمة أ ْخ ِر شج ْ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫ومن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ش‬
‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ابلْ شم ْعرو شوتشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شكر شوتـ ْؤمنو شن اب ََّّلل﴾ [آل عمران‪ ،]110 :‬وقــال ‪ -‬أيضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ‪ -‬ش‬
‫﴿وشكـ شذلـ ش‬
‫يدا﴾ [البقرة‪.]143 :‬‬ ‫الر ول شعلشْيك ْم شش ِه ً‬ ‫شج شع ْلنشاك ْم أ َّمةً شو ش طًا لِتشكونوا ش شه شداءش شعلش الن ِ‬
‫َّاس شويشكو شن َّ‬
‫ون ﴾ فهذه اَّنن‪ ،‬وهذه العطاَي‪ ،‬وهذه اخلريات‬ ‫ـ ـ ﴿فشاذْكر ِوين أشذْكركم وا ْشكروا ِس وحش تشكْفر ِ‬
‫ش‬ ‫ْْش‬
‫وجل ‪ -‬عل ذكره‪،‬‬ ‫عاي َّ‬ ‫حتتاً لذكر هللا يف ال ِ‬
‫دو‪ ،‬واحهللا ـ ـ ـ ــال‪ ،‬وش ـ ـ ـ ــكره عليها‪ ،‬وحثَّهم اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـلارأ‪ ،‬ـ ـ ـ ــائع يف الفيايف‪ ،‬وح َّق‬
‫وبكرمت يذكرون يف اَّ األعل ‪ ،‬بعدما كانوا اتئه يف ال َّ‬
‫يذه النعم يعاً أن ت ْ شكر(‪.!)3‬‬
‫صـ ـ ـلابة من خالل األحداث العظيمة‪ ،‬وتص ـ ــوغ ال َّ ـ ـ ـهصـ ـ ـيَّة‬ ‫وهكذا ا َيت الكرمية ِ‬
‫تريب ال َّ‬
‫تعرفت عل طبيعة اليهود من خالل‬ ‫اليت َّ‬ ‫اَّسـ ـ ـ ــلمة القويَّة‪ ،‬الَّيت ح تر ـ ـ ـ ـ إح ابل ـ ـ ـ ــالم ديناً‪ ،‬و َّ‬
‫الصورة الكلِيَّة النِهائيَّة‪ ،‬الَّيت‬ ‫تتعمق يف ثناَي طبيعتهم احلقيقيَّة‪ ،‬وانتهت إىل ُّ‬ ‫القرآن الكر ‪ ،‬وبدأت َّ‬
‫ك الْيشـهود شوحش‬ ‫﴿ولش ْن تشـ ْر ش ـ ـ ـ ـ ـ شعْن ش‬
‫تربوا عليها من خالل القرآن الكر ‪ ،‬وال َّ بيشة النَّبويَّة‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫ت أ ْشه شواءهم بشـ ْع شد الَّ ِذأ شج ش‬
‫اءك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ شار شح َّض تشـتَّبِ شع ملَّتشـه ْم ق ْل إِ َّن ه شد اَّلل ه شو ا ْي شد شولشئ ِن اتَّـبشـ ْع ش‬
‫النَّ ش‬
‫ري﴾ [البقرة‪. ]120 :‬‬ ‫ك ِمن اَّللِ ِمن وٍِس وحش نش ِ‬
‫صٍ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ش ش‬ ‫م شن الْع ْلم شما لش ش ش‬

‫هللا شقاي‪.‬‬
‫الص ْقع الناحية ‪ ،‬واجلمع أش ْ‬
‫(‪ُّ )1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪ 438/2‬ـ ‪.)442‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)442/2( ،‬‬
‫‪571‬‬
‫‪ - 8‬من هللافات اليهود يف القرآن الكر‬
‫إن اَّتتبِع لتاري اليهود‪ ،‬ومواقفهم مع اَّصــطف هللاــل هللا عليت و ــلم ي ــاهد تلك األفعال‬
‫َّ‬
‫الرذيلة‪ ،‬الَّيت يتَّص ـ ـ ــف هبا هؤحء الب ـ ـ ــر‪ ،‬وح رابة يف ذلك‪ ،‬فهي طبيعة ِ‬
‫كل‬ ‫القبيلة‪ ،‬واألخالق َّ‬
‫السليمة‪.‬‬
‫صلي ‪ ،‬وعقيدتت َّ‬ ‫ادمي ينسل من دينت ال َّ‬
‫ٍ‬
‫كانت معاانة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم واَّسلم من اليهود شديدةً‪ ،‬وأليمةً‪ ،‬فالقرآن‬
‫السري حافلة ابألحداث اجلسيمة مع اليهود‪،‬‬ ‫السنَّة‪ ،‬والتَّاري ‪ ،‬و ِ‬
‫ُّ‬ ‫الكر حتدَّث عن بعضها‪ ،‬وكت‬
‫السنَّة النَّبويَّة هللافاهتم القبيلة كالنِفاق‪ ،‬و وء األدب مع هللا‪،‬‬ ‫وقد حتدَّث القرآن الكر ‪ ،‬وبيَّنت ُّ‬
‫ور ـ ـ ـ ـ ـولت هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬واَّكر‪ ،‬واخلداي‪ ،‬واَّداهنة‪ ،‬وعدم ا نتفاي ابلعلم‪ ،‬واحلقد‪،‬‬
‫التكرب‪ ،‬وح ُّ‬ ‫والكراهية‪ ،‬واحلس ـ ــد‪ ،‬واجل ـ ــع‪ ،‬والبهل‪ ،‬ونكران اجلميل‪ ،‬وعدم احلياء‪ ،‬وال رور‪ ،‬و ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـاحل ‪ ،‬والتَّقليد األعم ‪ ،‬وكتمان العلم‪،‬‬ ‫الظهور‪ ،‬والش ـ ـ ـ ـ ـ ـراك يف العبادة‪ ،‬وحماربة األنبياء‪ ،‬وال َّ‬
‫بقية يف تنفيذ األحكام‪ ،‬و ِ‬
‫الرش ـ ـ ـ ـ ـ ــوة‪،‬‬ ‫َّفرق‪ ،‬والطَّ َّ‬
‫وحتريف اَّعلومات‪ ،‬والتَّلايل عل اَّرمات‪ ،‬والت ُّ‬
‫الذميمة اليت جاءت يف القرآن‬ ‫والكذب‪ ،‬والقذارة(‪ ،)1‬و ـ ــو ن ـ ــري إىل بعض هذه ال ِ‬
‫صـ ـ ـفات َّ‬
‫الكر ‪.‬‬
‫‪ - 1‬الشراك يف العبادة‬
‫أن هلل ولداً‪ ،‬وي ـ ـ ـ ــركون معت يف ِعبادتت ريه‪،‬‬ ‫فعبادة اليهود ش ـ ـ ـ ــركيَّة ابطلة حيث يعتقدون َّ‬
‫ت الْيشـهود عشاييْـر‬ ‫عاي وجل ‪ -‬عليهم بعض مظاهر الش ـ ـراك‪ .‬قال تعاىل ﴿وقشالش ِ‬ ‫وقد ـ ـ َّ ل هللا ‪َّ -‬‬
‫ش‬
‫ين شك شفروا ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫اَّللِ شذلِك قشـويم ِأبشفْـو ِاه ِهم ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابن َِّ ِ‬
‫ض ـ ـاهئو شن قشـ ْوشل الذ ش‬
‫ص ـ ـ شار الْ شمس ـ ـي ابْن َّ ش ْ ْ ش ْ ش‬ ‫اَّلل شوقشالشت النَّ ش‬ ‫ْ‬
‫ون َِّ ِ‬ ‫شَّن يـ ْؤفشكو شن ۝ َّاهشذوا أشحبارهم ورْهب شا‪،‬م أشراباب ِمن د ِ‬
‫اَّلل شوالْ شمس ـ ـ ـي ش ابْ شن شم ْرشش‬ ‫ْش ش ْ ش ش ْ ْش ً ْ‬ ‫اَّلل أ َّ‬
‫قشـْبل قشاتشـلشهم َّ‬
‫ن ﴾ [التوبة‪. ]31 - 30 :‬‬ ‫وما أ ِمروا إِحَّ لِيـعبدوا إِ شيا و ِ‬
‫اح ًدا حش إِلشتش إِحَّ ه شو ْب شلانشت شع َّما ي ْ ِركو ش‬ ‫ًش‬ ‫شْ‬ ‫شش‬
‫فهم يكتفوا يف الش ـ ـ ـ ـ ـراك ابلقول ِ‬
‫اَّتقدم بل عبدوا أنبياءهم‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ـ ــاحليهم‪ ،‬واهذواقبورهم‬
‫اليهود َّاهذوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫مس ــاجد‪ ،‬وأواثانً يعبدو‪،‬ا من دون هللا ‪ .‬قال هللا ــل هللا عليت و ــلم «قاتش شل هللا ش‬
‫قبور أنبيائهم مساجد» [البخاري (‪ )437‬ومسلم (‪. ])530‬‬
‫ش‬

‫اَّطهرة» ‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا ال قارأ‪.‬‬


‫السنَّة َّ‬ ‫(‪ )1‬راجع ِ‬
‫الر الة القيمة «اليهود يف ُّ‬
‫اَّطهرة (‪.)507/2‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪572‬‬
‫الصاحل‬
‫‪ - 2‬حماربة األنبياء و َّ‬
‫يقد ـ ـ ـ ـ ـ ــون فيت أحبارهم‪ ،‬ورهبا‪،‬م إىل درجة العبادة ُدهم يف اَّقابل ح‬ ‫يف الوقت الَّذأ ِ‬
‫يتورعون عن حماربة أنبيائهم‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ــاحليهم‪ ،‬وي ـ ـ ـ ـ ـنُّون عليهم احلمالت اَّ ر ـ ـ ـ ــة ب ـ ـ ـ ـ َّـض الطُّرق‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حض عن قتلهم كما فعلوا بايكرَي‪ ،‬و ىي عليهما ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـالم(‪ ،)1‬وقد‬ ‫والو ـ ـ ـ ـ ــائل كافَّةً‪ ،‬وح ميتنعون َّ‬
‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬ألواانً من العــذاب أوقعــت‬ ‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬عنهم بــذلــك‪ ،‬فبعــد أن ب َّ ‪َّ -‬‬ ‫أخربان هللا ‪َّ -‬‬
‫ك ِأبش َّ‪ْ ،‬م شكانوا يشكْفرو شن‬ ‫الذلَّة والْمس ـ شكنة وابءوا بِ شض ـ ٍ ِمن َِّ ِ‬ ‫عليهم قال ﴿و ـ ِربت علشي ِهم ِ‬
‫اَّلل ذشل ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ْ ش شش‬ ‫ش ش ْ شْ‬
‫احل ِق ذشلِ ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِرَيت َِّ‬
‫ن ﴾ [البقرة‪. ]61 :‬‬ ‫ص ْوا شوشكانوا يشـ ْعتشدو ش‬
‫ك مبشا شع ش‬ ‫اَّلل شويشـ ْقتـلو شن الْنَّبِيِ ش ب ش ِْري ْش‬
‫‪ - 3‬كتما‪،‬م العلم‪ ،‬وحتريفهم لللقائق‬
‫الايمن‪ ،‬فعن أيب هريرة‬ ‫إن كتمان العلم‪ ،‬وحتريف احلقائق هللاـ ـ ـ ـ ـ ــفتان مالزمتان لليهود من قد َّ‬ ‫َّ‬
‫اب‬
‫﴿و ْادخلوا الْبش ش‬‫ر ي هللا عنت‪ ،‬قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «قيل لب إ رائيل ش‬
‫ـ ـ ـ َّ ًدا شوقولوا ِحطَّة﴾‪ ،‬فبدَّلوا‪ ،‬ودخلوا يايحفون عل أش ْ ـ ـ ـتشاههم‪ ،‬وقالوا شحبَّة يف ش‬
‫ش ـ ـ ـعرةٍ» [البخاري‬
‫(‪ )3403‬ومسلم (‪. ])3015‬‬

‫حمم ٍد هللا ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ومن أعظم العلوم الَّيت كتمها أحبار اليهود‪ ،‬وحاولوا إخفاء حقيقتها علم َّ‬
‫نبوة َّ‬
‫عباس ر ي هللا عنهما قال جاء ر ول هللا هللال هللا عليت و لم رافع‬ ‫هللا عليت و لم ‪ ،‬فعن ابن ٍ‬
‫ـت‬‫ص ـ ـيف‪ ،‬ورافع بن حرميلة‪ ،‬فقالوا َي حممد! ألس ـ ش‬ ‫بن حارثة‪ ،‬و ــالم بن ِم ْ ـ ـكم‪ ،‬ومالك بن ال َّ‬
‫تايعم أنَّك عل ملَّة إبراهيم‪ ،‬ودينت‪ ،‬وتؤمن مبا عندان من التَّوراة‪ ،‬وت ـ ـ ــهد َّأ‪،‬ا من هللا حق؟ فقال‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «بل ولكنَّكم أحدثتم‪ ،‬وجلدذ ما فيها‪ ،‬اَّا أخذ هللا عليكم‬
‫فَان أنخذ‬ ‫من اَّيثاق فيها‪ ،‬وكتمتم منها ما أمرذ أن تبيِنوه للنَّاس‪ ،‬فششِربْئت من إحداثكم»‪ .‬قالوا َّ‬
‫وجل ‪ -‬فيهم‬ ‫عاي َّ‬ ‫احلق‪ ،‬وح نؤمن بك‪ ،‬وح نتبعك‪ ،‬فأنايل هللا ‪َّ -‬‬ ‫فَان عل ايد و ِ‬ ‫مبا يف أيدينا‪َّ ،‬‬
‫اب لش ْست ْم شعلش شش ْي ٍء شح َّض ت ِقيموا التـ َّْوشرا شة‬ ‫[ابن هشام (‪ )217/2‬وابن جرير يف تفسريه (‪﴿ ])310/6‬قل َيأ ْشهل الْ ِكتش ِ‬
‫ْش ش‬
‫ك ط ْيشـاانً شوك ْفًرا فشالش‬ ‫ك ِم ْن شربِـ ش‬
‫شوا ُِيـ شـل شوشمـا أنْ ِايشل إِلشْيك ْم ِم ْن شربِك ْم شولشيش ِاييـ شـد َّن شكثِ ًريا ِمْنـه ْم شمـا أنْ ِايشل إِلشْيـ ش‬
‫كافِ ِرين ﴾ [املائدة‪. ]68 :‬‬ ‫ِ‬
‫س شعلش الْ شق ْوم الْ ش ش‬ ‫شأتْ ش‬

‫اَّطهرة (‪.)509/2‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪573‬‬
‫‪ - 4‬التَّف ُّـرق‬
‫إن اليهود دائماً‪ ،‬وأبداً ملتلفون يف األفكار‪ ،‬مف قون يف األحكام‪ ،‬حتسـ ـ ـ ــبهم يعاً وقلوهبم‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عاي وجل ‪ -‬يف قولت تعاىل ﴿حش يـ شقاتلونشك ْم ش ًيعا إحَّ يف قر ً‬ ‫ش ـ َّـض‪َ ،‬تاماً كما وهللا ــفهم البارأ ‪َّ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـنش ٍة أ ْشو ِم شن شوشراء جد ٍر شأبْ ـ ـه ْم بشـْيـنشـه ْم شش ـ ـديد شْحت شس ـ ـبـه ْم شِ ًيعا شوقـلوهب ْم شش ـ ـ َّض شذل ش‬
‫ك ِأب َّش‪ْ ،‬م قشـ ْوم حش‬ ‫حمش َّ‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]14 :‬‬ ‫يشـ ْع ِقلو ش‬
‫‪ِ -5‬‬
‫الرشوة‬
‫السبل‪،‬‬ ‫إن من مسات اليهود يف معا جمتمعاهتم حبثشهم عن حتقيق ال اية اليت ين دو‪،‬ا‪ ،‬ب َّض ُّ‬ ‫َّ‬
‫الرش ــوة‪ ،‬واَّال احلرام‪ ،‬فأكل ال ُّسـ ـلت من رش ــوةٍ‪،‬‬ ‫والو ــائل ولو كانت ملالفةً ل ــرعهم كدفع ِ‬
‫ب‬‫﴿مسَّاعو شن لِْل شك ِذ ِ‬ ‫احلق ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬بذلك ش‬ ‫ومال حرٍام من طباعهم‪ ،‬وقد وهللاـ ـ ـ ـ ــفهم ُّ‬
‫شكالو شن لِل ُّس ـ ـ ـ ـ ـل ِ‬
‫وك‬ ‫ض شعْنـه ْم شوإِ ْن تـ ْع ِر ْ‬
‫ض شعْنـه ْم فشـلش ْن يشض ـ ـ ـ ـ ـُّر ش‬ ‫احك ْم بشـْيـنشـه ْم أ ْشو أ ْشع ِر ْ‬ ‫ت فشَِ ْن شجاء ش‬
‫وك فش ْ‬ ‫ْ‬ ‫أ َّ‬
‫اَّلل ِ ُّ الْم ْق ِس ِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫ششْيـئًا شوإِ ْن شح شك ْم ش‬
‫ط ش ﴾ [املائدة‪. ]42 :‬‬
‫احك ْم بشـْيـنشـه ْم ابلْق ْسا إ َّن َّش‬
‫ت فش ْ‬
‫‪ - 6‬النِفاق‬
‫وقد أظهر بعض زعماء اليهود ال ـ ـ ـ ــالم ح قويت ش ـ ـ ـ ــوكة اَّس ـ ـ ـ ــلم ابَّدينة‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ َّ وا‬
‫يل شي ْم آمنوا شك شما شآم شن النَّاس قشالوا‬ ‫ابلنِفاق‪ ،‬وقد ل هللا عليهم ذلك يف قولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تعاىل ﴿وإِذشا قِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ين آمنوا قشالوا‬ ‫أشنـ ْؤمن شك شما شآم شن ال ُّس ـ شف شهاء أشحش إ‪ْ ،‬م هم ال ُّس ـ شف شهاء شولشك ْن حش يشـ ْعلشمو شن ۝ شوإ شذا لشقوا الذ ش‬
‫ن ﴾ [البقرة‪. ]14 - 13 :‬‬ ‫اطينِ ِه ْم قشالوا إِ َّان شم شعك ْم إَِّجشا شْحنن م ْستشـ ْه ِايئو ش‬
‫آمنَّا وإِ شذا خلشوا إِ شىل ششي ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش شْ‬
‫‪ - 7‬اَّداهنة‬
‫عاي وجـ َّـل ‪-‬‬ ‫فكــانوا يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايرون الواقع وااتمع‪ ،‬وح ينكرون اَّنكر ولــذلــك لعنهم هللا ‪َّ -‬‬
‫و َّ ل لعنتت عليهم يف كتاب ــت العايياي‪ .‬قال تع ــاىل ﴿لعِن الَّ ِذين شك شفروا ِمن ب ِ إِ رائِيل علش لِس ِ‬
‫ان‬ ‫ْ ش ْش ش ش ش‬ ‫ش ش‬
‫اه ْو شن شع ْن مْن شك ٍر فشـ شعلوه‬ ‫داوود و ِعيسـ ـ ـ ـ ـ اب ِن مرش شذلِ ش ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ْوا شوشكانوا يشـ ْعتشدو شن ۝ شكانوا حش يشـتشـنش ش‬
‫ك مبشا شع ش‬ ‫ش ش ش ش ْ شْ ش‬
‫ن ﴾ [املائدة‪. ]79 - 78 :‬‬ ‫س شما شكانوا يشـ ْف شعلو ش‬ ‫ِ‬
‫لشبْئ ش‬

‫‪574‬‬
‫‪ - 8‬عدم احنتفاي ابلعلم‬
‫ين‬ ‫صـ ـفة تص ــويراً دقيقاً(‪ .)1‬قال تعاىل ﴿مثل الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫وقد أخربان هللا تعاىل بذلك‪ ،‬وهللا ـ َّـور هذه ال ِ‬
‫ش‬ ‫شش‬
‫احلِما ِر ش ِمل أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شفارا بِْئس مثل الْ شقوِم الَّ ِذين شك َّذبوا ِرَيت َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫ْ ً ش شش ْ‬ ‫وها شك شمثش ِل ْ ش ْ‬ ‫حلوا التـ َّْوشراةش مثَّ شْ شْمل ش‬
‫م ش ﴾ [اجلمعة‪. ]5 :‬‬ ‫اَّلل حش يـه ِدأ الْ شقوم الظَّالِ ِ‬
‫ْش‬ ‫شو َّ ش ْ‬
‫‪ - 9‬احلقد‪ ،‬والكراهية‬
‫ـيء ليس منهم‪ ،‬والكراهية‬ ‫كل شـ ٍ‬ ‫ـتقرة يف أعماق نفو ــهم احلقد عل ِ‬ ‫من هللاــفات ِ‬
‫اليهود اَّسـ َّ‬
‫ميت إىل ر ــول هللا هللا ــل‬ ‫هللاـ ـةً إذا كان ُّ‬
‫يهودأ مهما كان نوعت ومص ــدره‪ ،‬وخا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ما هو ري‬ ‫ِ‬
‫ـلة‪ ،‬كما حصـ ــل يف أمر القبلة‪ ،‬وما حصـ ــل يف حتر اخلمر‪ ،‬فعن عبد هللا بن‬ ‫هللا عليت و ـ ــلم بصـ ـ ٍ‬
‫ـعود ر ـ ــي هللا عنت قال َّا نايلت آية حتر اخلمر‪ ،‬قالت اليهود أليس إخوانكم الذين ماتوا‬ ‫مس ـ ـ ٍ‬
‫ين آمنوا شو شع ِملوا‬ ‫َّ ِ‬
‫س شعلش الذ ش‬ ‫وجل ‪﴿ -‬لشْي ش‬
‫عاي َّ‬ ‫كانوا ي ـربو‪،‬ا؟! [احلاكم (‪ ])144 - 143/4‬فأنايل هللا ‪َّ -‬‬
‫ات جنا فِيما طشعِموا إِ شذا ما اتَّـ شقوا وآمنوا وع ِملوا ال َّ ِ‬
‫احل ِ‬
‫ات مثَّ اتَّـ شق ْوا شوآمنوا مثَّ اتَّـ شق ْوا‬ ‫احل ِ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫صـــــــ ش‬ ‫ش ْ ش شش‬ ‫ش ش‬ ‫صـــــــ ش‬
‫سنِ ش ﴾ [املائدة‪. ]93 :‬‬ ‫اَّلل ِ ُّ الْمل ِ‬
‫ْ‬ ‫شح شسنوا شو َّ‬‫شوأ ْ‬
‫‪ - 10‬احلسد‬
‫الر ـ ـ ـول‬ ‫الر ـ ــالة إذ كانوا يظنُّون َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل ِ‬ ‫فقد حس ـ ــد اليهود الن َّ‬
‫الر ول هللال‬ ‫الَّذأ يبعث‪ ،‬يكون منهم‪ ،‬يت َّمعون حولت‪ ،‬ويقاتلون بت أعداءهم‪ ،‬فل ـ َّـما بعِث َّ‬
‫هللا عليت و ـ ـ ــلم من ريهم ج َّن جنو‪،‬م‪ ،‬وطار هللاـ ـ ـ ـواهبم‪ ،‬ووقفوا يعادونت عداوًة ش ـ ـ ــديد ًة‪ ،‬ولقد‬
‫حس ــدوا أهللا ــلابت عل الميان‪ ،‬ونعمة ايد الَّيت ش ــر هللا هللا ــدورهم يا(‪ ،)2‬وقد قال تعاىل يف‬
‫ت ِيف الْع شق ِد ۝ شوِم ْن شش ـ ِر شحا ِ ـ ٍد إِذشا شح شس ـ شد ﴾ [الفلق‪ ،]5 - 4 :‬و ــورات‬ ‫ذلك ﴿وِمن شش ـ ِر النشـفَّا شاث ِ‬
‫ش ْ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم حينما ــلرتت اليهود‪ .‬وقال تعاىل‬ ‫تعوذ هبما َّ‬ ‫«الفلق» و«النَّاس» َّ‬
‫ند أشنف ِس ـ ِهم ِمن بشـ ْع ِد‬
‫اب لشو يـرُّدونشكم ِمن بـع ِد إِميانِكم كفَّاراً حس ـ ًدا ِمن ِع ِ‬
‫شش ْ‬ ‫شْ ش ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿وَّد شكثري م ْن أ ْشه ِل الْكتش ْ ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫شيء قشدير﴾ [البقرة‪. ]109 :‬‬
‫اهللا شفلواْ شح َّض شرْلش اَّلل أب ْشمره إ َّن اَّللش شعلش كل ش ْ‬
‫اعفواْ شو ْ‬ ‫احلش ُّق فش ْ‬
‫شما تشـبش َّ ش شيم ْ‬

‫اَّطهرة (‪ 463/2‬ـ ‪.)482‬‬


‫السنَّة َّ‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)70/1‬‬
‫‪575‬‬
‫َّكرب‬
‫‪ - 11‬ال رور والت ُّ‬
‫الايمان‪ ،‬فهم يرون َّأ‪،‬م أرق من النَّاس‪،‬‬ ‫َّكرب عل اخللق من قد َّ‬ ‫اتَّصــف اليهود ابل رور‪ ،‬والت ُّ‬
‫أن طريق‬ ‫أن اجلنَّة لليهود‪ ،‬و َّ‬ ‫وأفض ـ ـ ـ ـ ـ ــل من النَّاس‪ ،‬ويايعمون َّأ‪،‬م ش ـ ـ ـ ـ ـ ــع هللا اَّهتار‪ ،‬ويعتقدون َّ‬
‫وجل ‪ -‬يف كتابت عن هذه‬ ‫عاي َّ‬ ‫اليهودية هو طريق ايداية‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـواها ـ ـ ـ ــالل‪ ،‬وقد أخرب اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ص ـ شار تِْل ش‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫اخلصــلة َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ك‬ ‫ن‬
‫ش‬
‫ْ ش‬ ‫شو‬
‫أ‬ ‫ا‬‫ود‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ش‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫ش‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫شْ‬ ‫ح‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫ش‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫اجل‬
‫ْ‬
‫ْش ش ش‬‫ل‬‫خ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ل‬
‫ش‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ال‬‫ش‬‫ق‬‫﴿و‬
‫ش‬ ‫تعاىل‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫الذميمة فيهم‬
‫هللا ـ ِادقِ ش ﴾[البقرة‪ ]111 :‬وقد مار ـوا ذلك ال رور والتَّعاس عل‬ ‫ِ‬
‫أ ششمانيُّـه ْم ق ْل شهاتوا بـ ْرشهانشك ْم إِ ْن كْنـت ْم ش‬
‫(‪)2‬‬
‫الصورة‬‫الصور‪ ،‬ومن ذلك هذه ُّ‬ ‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ب َّض الو ائل و ُّ‬
‫ول هللا هللال هللا عليت و لم نعمان بن أ اء‪،‬‬ ‫عباس ر ي هللا عنهما قال أت ر ش‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫عدأ‪ ،‬فكلَّموه‪ ،‬وكلَّمهم ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ودعاهم‬ ‫رأ بن عمرو‪ ،‬وشأس بن ٍ‬ ‫وحب ُّ‬
‫شْ‬
‫وحذرهم نِقمتت‪ ،‬فقالوا ما هش ِوفنا َي حممد! حنن أبناء هللا‪ ،‬وأحبَّايه ‪ -‬كقول النَّص ــار ‪-‬‬ ‫إىل هللا‪َّ ،‬‬
‫اَّللِ شوأش ِحبَّايه ق ْل فشلِ شم يـ شع ِذبك ْم بِذنوبِك ْم‬
‫َّص شار شْحنن أشبْـنشاء َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿وقشالشت الْيشـهود شوالن ش‬
‫فأنايل هللا تعاىل فيهم ش‬
‫ض شوشما‬ ‫بل أشنْـتم ب ش ـ ـر ِاشن خلشق يـ ْ ِفر لِمن ي ش ـ ـاء ويـع ِذب من ي ش ـ ـاء وََِّّللِ م ْلك ال َّس ـ ـماو ِ‬
‫ات شواألشْر ِ‬ ‫شش‬ ‫ش‬ ‫ش ش شْ ش‬ ‫ْ ش ش ش شْ ش‬ ‫شْ ْ ش‬
‫بـيـنشـهما وإِلشي ِت الْم ِ‬
‫صري ﴾ [املائدة‪. ]18 :‬‬
‫شْ ش ش ْ ش‬
‫‪ - 12‬البهل‬
‫من هللا ـ ـ ــفات اليهود القدمية لهم ابَّال‪ ،‬وعدم إنفاقت يف ـ ـ ــبيل اخلري‪ ،‬فكانوا رتون رجاحً‬
‫فَان َن عليكم الفقر يف ذهاهبا‪ ،‬وح تسارعوا يف‬ ‫من األنصار ويقولون يم ح تنفقوا أموالكم َّ‬
‫َّ ِ‬
‫ين يشـْب شهلو شن شو شرْمرو شن النَّـ ـ ش‬
‫(‪) 3‬‬
‫اس‬ ‫عالم يكون ‪ ،‬ف ــأنايل هللا فيهم ﴿الـ ـذ ش‬ ‫النَّفق ــة ف ــَنَّكم ح ت ــدرون ش‬
‫ين شع شذ ًااب م ِهيناً ﴾ [النس ـ ـ ــاء‪ ]37 :‬أأ من‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَّلل ِمن فش ْ ِ ِ‬ ‫ِابلْب ْه ِل شويشكْتمو شن شما ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـلت شوأ ْشعتش ْد شان ل ْل شكاف ِر ش‬ ‫آاتهم َّ ْ‬
‫حممد هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ﴿وماذشا علشي ِهم لشو آمنوا ِاب ََّّللِ‬ ‫التَّوراة الَّيت فيها تصـ ـ ــديق ما جاء بت َّ‬
‫شش ش ْ ْ ْ‬
‫اَّلل وشكا شن َّ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ﴾ [النساء ‪. ]39‬‬ ‫اَّلل هب ْم شعل ً‬ ‫شوالْيشـ ْوم ا خر شوأشنْـ شفقوا اَّا شرشزقشـهم َّ ش‬

‫اَّطهرة (‪ 495/2‬ـ ‪.)496‬‬


‫(‪ )1‬انظر اليهود يف السنَّة َّ‬
‫ربأ (‪.)105/6‬‬‫(‪ )2‬انظر تفسري الطَّ ِ‬
‫اَّطهرة (‪ 487/2‬ـ ‪.)488‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪576‬‬
‫‪ - 13‬العناد‬
‫حمم ٍد هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬إح َّ‬
‫أن‬ ‫نبوة ور ـ ــالة َّ‬ ‫بر م قيام األدلَّة‪ ،‬والربآه ين عل هللاـ ــدق َّ‬
‫ألن العناد يقفل‬ ‫َّ‬ ‫اليهود بسـ ـ ـ ــب عنادهم‪ ،‬امتنعوا عن الميان‪ ،‬وان مس ـ ـ ـ ـوا يف الكفر‪ ،‬والتكذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫وجل ‪ -‬هذه الص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفة يف قولت تعاىل ﴿ شولشئ ْن أشتشـْي ش‬ ‫عاي َّ‬ ‫العقول أبقفال ايو ‪ ،‬وقد ب َّ اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ض‬‫ت بِتشابِ ٍع قِْبـلشتشـه ْم شوشما بشـ ْعضه ْم بِتشابِ ٍع قِْبـلشةش بشـ ْع ٍ‬‫ك شوشما أشنْ ش‬
‫ِ‬
‫اب بِك ِل آيشٍة شما تشبِعوا قْبـلشتش ش‬ ‫ِ‬
‫ين أوتوا الْكتش ش‬
‫َّ ِ‬
‫الذ ش‬
‫َّك إِذًا لش ِم شن الظَّالِ ِم ش ﴾ [البقرة‪ ]145 :‬نعم! لو‬ ‫ِ‬
‫ت أ ْشه شواءشه ْم ِم ْن بشـ ْعد شما شجاءش شك ِم شن الْعِْل ِم إِن ش‬ ‫ِ‬
‫شولشئ ِن اتَّـبشـ ْع ش‬
‫قدَّمت يم َي حممد! ألف دليل ودليل ما اقتنعوا‪ ،‬وما َّريوا‪ ،‬وما بدَّلوا‪ ،‬ويص ـ ـ ــدق فيهم قول هللا‬
‫ض شوشما تـ ْ ِ ا َيت شوالنُّذر شع ْن قشـ ْوٍم حش يـ ْؤِمنو شن﴾‬ ‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫تعاىل(‪﴿ )1‬ق ِل انْظروا ما شذا ِيف ال َّس ـماو ِ‬
‫شش‬ ‫ش‬
‫[يونس‪. ]101 :‬‬

‫هذه بعض ال ِ‬
‫ص ـفات الَّيت د َّس ـدت يف ال َّ ـهصــية اليهوديَّة‪ ،‬والَّيت أشــار القرآن الكر إليها‬
‫أأ‬ ‫أأ ٍ‬
‫زمان‪ ،‬أو ِ‬ ‫وقت‪ ،‬أو ِ‬ ‫أأ ٍ‬ ‫حض ح ي َّ(‪ )2‬اَّس ـ ـ ـ ــلمون هبم يف ِ‬ ‫لنعر اليهود عل حقيقتهم‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مكان‪.‬‬
‫رابعاً‪َّ :‬‬
‫(إن هللا ال يصلح عمل املفسدين)‪:‬‬

‫إن هذه الوثيقة و َّ ـ ـ ـ ـلت مد العدالة الَّيت َتيَّايت هبا معاملة الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم‬ ‫َّ‬
‫ص ــ ‪،‬‬ ‫ض(‪ )3‬احلائا مببدأ التَّع ُّ‬ ‫ِ‬ ‫لليهود‪ ،‬وأعطت َّواط َّ‬
‫الدولة مفهوم احلرية الدينيَّة‪ ،‬و ـ ـربت ع ْر ش‬
‫للر ـ ــول‬ ‫مرحلي‪ ،‬ريثما يتس ـ ـ َّـىن َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تكتيك‬ ‫ومص ـ ــادرة األفكار واَّعتقدات‪ ،‬و تكن اَّس ـ ــألة مس ـ ــألةش‬
‫هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم تص ـ ـ ـ ــفية أعدائت يف اخلارً‪ ،‬لكي يبدأ تص ـ ـ ـ ــفيةً أخر إزاء أولئك الَّذين‬
‫يعة رَّابنيَّة(‪.)4‬‬ ‫منبثقة من شر ٍ‬
‫وإجا هللادر هذا اَّوقف وفْق يا ٍة إ الميَّ ٍة ٍ‬ ‫عاهدهم‪ ..‬وحاشاه َّ‬
‫ش ش‬
‫تؤمن يم احلياة الكرمية يف‬ ‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم مع اليهود اَّعاهدات الَّيت ِ‬ ‫لقد عقد َّ‬
‫الذ َّمة)‪ ،‬ولكن طبيعة اليهود ال در واخليانة‪،‬‬ ‫الدولة ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬حبكم َّأ‪،‬م أهل كتاب (أهل ِ‬ ‫ِ‬
‫ظل َّ‬
‫وعدم الوفاء‪ ،‬و يس ـ ـ ـ ــتطيعوا ‪ -‬ولن يس ـ ـ ـ ــتطيعوا لؤماً وخ َّسـ ـ ـ ـ ـةً ‪ -‬أن يتهلَّوا عن تلك ال ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـفات‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫(‪ )1‬انظر درا ات يف ِ‬


‫ي بت‬ ‫ِ‬
‫ا ْ شَّ فالن بكذا خد ش‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬عرض ال َّيء جانبت ‪ ،‬وانحيتت‪ .‬ويقال رب ابألمر عرض احلائا أللت ‪ ،‬و ي ِ‬
‫بال بت‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫(‪ )4‬انظر العهد واَّيثاق يف القران الكر ‪ ،‬د‪ .‬انهللار العمر ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪577‬‬
‫الذميمة‪ ،‬فنقض ـ ـوا عهودهم مع ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬وكانت ‪،‬ايتهم مبا يتالءم مع‬ ‫َّ‬
‫رجال‬
‫تلك األفعال حيث أجل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ب قينقاي‪ ،‬وب النَّضري‪ ،‬شوقشـتشل ش‬
‫ب قريظة(‪ ،)1‬وهذا ما ـ ـ ـ ـ ــو نرآه ‪ -‬نذن هللا تعاىل ‪ -‬يف هذا الكتاب‪ ،‬ولقد أش ـ ـ ـ ـ ــار القرآن‬
‫ت ِمْنـه ْم مثَّ يشـْنـقض ـو شن شع ْه شده ْم ِيف‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ْد ش‬
‫ين شع ش‬
‫الكر إىل طبيعة اليهود مع العهود‪ ،‬فقال تعاىل ﴿الذ ش‬
‫ك ِل شمَّرةٍ شوه ْم حش يشـتـَّقو ش‬
‫ن ﴾ [اآلنفال‪. ]56 :‬‬

‫والعهد هنا ما عقده ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مع اليهود‪ ،‬من ٍ‬
‫عهود‪ ،‬ومواثيق‪ ،‬أبح‬
‫اربوه‪ ،‬وح يعاونوا عليت‪ ،‬كما ب َّ ذلك ِ‬
‫اَّفسرون(‪.)1‬‬
‫عدةً‪ ،‬ومت ايرةً‪ِ ،‬‬
‫ومتنوعةً للكيد لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬ ‫لقد ــلك اليهود و ــائل َّ‬
‫اَّرجوة منها‪ ،‬وهي‬
‫تؤت شارها َّ‬ ‫أن هذه الو ـ ـ ــائل تفل ‪ ،‬و ِ‬‫والَّذين آمنوا معت‪ ،‬ومقاومتهم‪ ،‬إح َّ‬
‫السيا ِي‪ ،‬فما أ باب ذلك؟‬ ‫القضاء عل اعة اَّسلم ‪ ،‬ودولتهم‪ ،‬وكيا‪،‬م ِ‬

‫الرش ـ ـ ـ ـ ـ ــيدة‪ ،‬الَّيت ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت معاين الميان يف القلوب‪،‬‬


‫إن ذلك يرجع إىل تلك ال َّ بية النَّبويَّة َّ‬ ‫َّ‬
‫وحقَّقت العبوديَّة اخلالص ـ ـ ـ ــة هلل‪ ،‬وحاربت ال ِ ـ ـ ـ ـ ـرك قميع أش ـ ـ ـ ــكالت‪ ،‬وعلَّمت ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة األخذ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم أهللاــلابت عل‬ ‫أب ــباب النُّهوض‪ ،‬والتَّمك اَّعنويَّة‪ ،‬و ِ‬
‫رىب الن ُّ‬
‫اَّاديَّة‪ ،‬فقد َّ‬
‫الذل‪ ،‬ومقاومة الظُّلم‪ ،‬وعدم اح ــتس ـالم َّؤامرات‬ ‫الرجولة‪ ،‬وال َّ ـ اعة‪ ،‬ورفض ِ‬ ‫العاية‪ ،‬والنَّهوة‪ ،‬و ُّ‬
‫َّ‬
‫حض انتص ـ ـ ــروا‬
‫اليهود‪ ،‬و ريهم بل مقاومتها‪ ،‬والقض ـ ـ ــاء عليها‪ ،‬وعل أهلها‪ ،‬فثابروا‪ ،‬وهللا ـ ـ ــابروا‪َّ ،‬‬
‫عل أعدائهم(‪.)2‬‬
‫األول‪،‬‬
‫الرعيل َّ‬‫كان مكر اليهود يف اية الدَّهاء‪ ،‬تكاد تايول منت اجلبال ولكنَّت يفل مع َّ‬
‫ابين الَّذأ ار عليت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم (‪. )3‬‬
‫الر ِ‬
‫بسب القيادة النَّبوية‪ ،‬واَّنهت َّ‬
‫إن اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم اليوم يتس ـ ـ ـ ـ ــاقطون أمام اَّهطَّطات اليهوديَّة‪ ،‬ومؤامراهتا لبـ ْعدهم عن اَّنهاً‬ ‫َّ‬
‫َّبوأ يف تربيــة األ َّم ـة‪ ،‬وكيفيَّـة التَّعــامــل مع اليهود‪ ،‬فــاأل َّم ـة يف أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد احلــاجــة للقيــادة َّ‬
‫الرابنيَّـة‪،‬‬ ‫الن ِ‬
‫احلكيمة‪ ،‬الواعية‪ ،‬اَّوفَّقة من عند هللا‪ ،‬اخلبرية أبخالق اليهود‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ــفاهتم‪ ،‬فتتعامل معهم معاملةً‬
‫ص ـنف اَّنلر من‬ ‫الراشــدة‪ ،‬يف التَّعامل مع هذا ال ِ‬ ‫ـتمد ًة أهللاــويا من ال ِس ـيا ــة النَّبوية َّ‬
‫واعيةً‪ ،‬مسـ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري الطَّربأ (‪ ، )30/8‬والتَّلرير والتَّنوير(‪.)48/10‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)80/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)79/1( ،‬‬
‫‪578‬‬
‫الب ر‪.‬‬
‫جماحت عديدةٍ من حياة ال ُّعوب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لقد ت ل لت يف عصران هذا األهللاابع اليهوديَّة القذرة يف‬
‫اية حمدَّدةٍ‪ ،‬هي (الفس ـ ــاد يف األرض)‪ ،‬وهذا هو التَّعبري‬
‫والدُّول‪ ،‬تلك األهللا ـ ــابع الَّيت هتد إىل ٍ‬
‫ادا﴾ [املائدة‪. ]64 :‬‬ ‫﴿ويش ْس شع ْو شن ِيف األ ْشر ِ‬
‫ض فش شس ً‬ ‫القرآينُّ ش‬
‫إن ا تعمال الفعل اَّضاري يف ا ية‪ ،‬يدل عل التَّ دُّد‪ ،‬واح تمرار‪ ،‬فليس عيهم للفساد‬ ‫َّ‬
‫مرحلةً اترخييَّةً انتهت لكنَّت قدرهم الكوينُّ إىل يوم يبعثون‪ ،‬وقد ا ـ ـ ــتطاي اليهود أن يهيمنوا عل‬
‫ـالمي القادر عل‬
‫مقدرات األمم من خالل كيدهم اَّدروس‪ ،‬ويف يبة الوجود ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫كثري من َّ‬
‫إحباط مؤامراهتم‪ ،‬وفض أحعيبهم‪.‬‬
‫إن العبقريَّة اليهوديَّة يف ايدم‪ ،‬والتهري ‪ ،‬ليس ــت مو ـ ــع ٍ‬
‫جدل‪ ،‬تلك العبقرية الَّيت تس ــت ُّل‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫إن لليهود وجوداً مؤثِراً يف الدُّول الكرب ‪ ،‬اقتصادَيً‪ ،‬و يا ياً‪،‬‬
‫األحداث‪ ،‬وتستثمرها َّصللتها‪َّ .‬‬
‫الرأمسالية‪ ،‬وال يوعية‪ ،‬وح عن الثَّورات الكرب‬‫وإعالمياً‪ ،‬و يكونوا ائب يف النِظام العاَّي َّ‬
‫يف العا ‪ ،‬وهناك عدد من اَّنظَّمات العاَّية‪ ،‬تبذل جهداً ـ ـ ـ ـ ـ ــهماً يف حتقيق أهدا اليهود‪،‬‬
‫و(الرواترأ)‪ ،‬و(شهود يهوه)‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫أبرزها (اَّا ونية)‪ ،‬و(الليوناي)‪ُّ ،‬‬
‫أن يف األمر نوعاً من اَّبال ة اَّقصــودة‪ ،‬أو ري اَّقصــودة؟! هذه‬ ‫س الباحث الواعي َّ‬‫أح ُّ‬
‫أن اليهود هم الذين ِركون العا ‪ ،‬وهم زعمايه ال ِس ـ ـيا ـ ـيُّون‪،‬‬ ‫ص ـ ـورة اجلاشة يف عقول الكثريين َّ‬
‫ال ُّ‬
‫اَّهمة من ري اليهود‪ ،‬ما هي إح «أح ار‬ ‫ومفكروه‪ ،‬ومبدعوه و‪ ...‬و‪ ...‬و َّ‬
‫أن ال َّ ـ ـ ـ ـ ـهص ـ ـ ـ ــيات َّ‬
‫حد تعبري «وليام اأ كار»(‪.)1‬‬ ‫عل رقعة ال َّطرنت» عل ِ‬

‫الكم ايائل من الكت الَّيت تتلدَّث عن اليهود‪ ،‬ودورهم العاَّي اخلطري تسـ ـ ــاهم يف‬ ‫إن هذا َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ت(‪ )2‬هبا َّ‬
‫األمة‪ ،‬ايايائم‬ ‫اجلو للتسليم ابألمر الواقع‪ ،‬وَتن تفسرياً جاهاياً جلميع ايايائم الَّيت منيش ْ‬
‫هتيئة ِ‬
‫حد و ٍاء‪.‬‬
‫احلضاريَّة‪ ،‬والعسكرية عل ٍ‬
‫أبن كل ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء مدبـَّر‪ ،‬ومبشـيَّت‪ ،‬ومدروس من قِبش ِل اليهود‪ ،‬أو حمافلهم‬ ‫إن إحس ـ ـ ـ ــاس النَّاس َّ َّ‬
‫َّ‬
‫أأ عـ ٍ‬
‫ـدو‬ ‫يقعــد هبم عن اَّقــاومــة‪ ،‬واَّواجهــة‪ ،‬واجلهــاد‪ .‬ومــا يقــال عن اليهود ميكن أن يقــال عن ِ‬

‫(‪ )1‬انظر قضاَي يف اَّنهت ‪ ،‬لسلمان العودة ‪ ،‬ص ‪ 84‬ـ ‪.85‬‬


‫(‪ )2‬م ِ ش بكذا ابْـتلِ شي بت‪.‬‬
‫‪579‬‬
‫ِ‬
‫العسكرأ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفكرأ‪ ،‬و‬ ‫آخر‪ ،‬ينتهت يا ة الرهاب‬

‫هذه اجلماعات دد ‪ -‬أحياانً ‪ -‬من يـ شه ِول من ش ـ ـ ـ ـ ـ ــأ‪،‬ا‪ ،‬ويعطيها أكرب من ح مها‪ ،‬ف ُّ‬
‫كل‬
‫من يتلدَّث ‪ -‬مثالً ‪ -‬عن هذه الفئة ال الية اَّنلرفة‪ ،‬أو يكت ‪ ،‬أو ا ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬فهو مهدَّد يف‬
‫رزقت‪ ،‬وحياتت‪ ،‬إذاً فليس ـ ـ ـ ـ ـ ــكت اجلميع حفاظاً عل أرزاقهم‪ ،‬وأرواحهم(‪َّ .)1‬‬
‫إن هذا التَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــهيم‬
‫ألن أولياء ال َّ ـ ـيطان كيدهم مهما عظم‪ ،‬وكرب ــعيف‪.‬‬ ‫الرهي ألعدائنا اليهود ليس لت حقيقة َّ‬ ‫َّ‬
‫وت فشـ شقاتِلوا‬ ‫اَّللِ والَّ ِذين شك شفروا يـ شقاتِلو شن ِيف ـبِ ِيل الطَّا ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ش‬ ‫ين آمنوا يـ شقاتلو شن يف ش ـب ِيل َّ ش ش‬ ‫قال تعاىل ﴿الذ ش‬
‫ــعف إمياننا‪،‬‬ ‫ان شكا شن ش ـ ـعِي ًفا ﴾ [النســاء‪َّ ،]76 :‬‬
‫فَن َّقوهتم بس ــب‬ ‫ان إِ َّن شكي شد ال َّ ـ ـيطش ِ‬‫أشولِياء ال َّ ـ ـيطش ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْش ش ْ‬
‫صـ ـ ـلي تنهار أمامت يع اَّؤامرات‪ ،‬وتف ـ ــل بس ـ ــببت يع‬ ‫ألن الميان ال َّ‬ ‫وبـ ْعدان عن منهت ربِنا َّ‬
‫بد من نايي عنصر اخلو الَّذأ قتل كثرياً من ايِ شمم‪ ،‬وأحبا كثرياً من األعمال‪.‬‬ ‫اخلطا‪ ،‬لكن ح َّ‬
‫أن (الوهم) قد يقتل‪.‬‬ ‫واألحداث تؤكِد َّ‬
‫يهودأ أمام عوامل‬ ‫ٍ‬ ‫صـابرة يتلطَّم الكيد كلُّت يهودَيًكان أم ري‬ ‫وح توجد الفئة اَّؤمنة ال َّ‬
‫التصدأ والنُّهوض‪ .‬قال تعاىل ﴿إِ ْن َتشْ شس ْسك ْم شح شسنشة تشس ْؤه ْم شوإِ ْن ت ِصْبك ْم ش يِئشة يشـ ْفشرحوا ِهبشا شوإِ ْن‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ِمبشا يـعملو شن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تش ْ ِ‬
‫حميا ﴾ [آل عمران‪. ]120 :‬‬
‫صربوا شوتشـتـَّقوا حش يشضُّرك ْم شكْيده ْم ششْيـئًا إ َّن َّش ش ْ ش‬
‫حض لو كان‬ ‫حبال من األحوال ‪ -‬داهل َّقوة ِ‬
‫العدو‪ ،‬أو التَّقليل من ش ـ ــأنت‪َّ ،‬‬ ‫وهذا ح يع ‪ٍ -‬‬
‫عدواً حقرياً‪ ،‬فضالً عن عدو م شد َّج ٍت‪ ،‬وقد (الْم شد َّجت من عليت الحت)‪.‬‬
‫واَّطلوب أن نس ـ ـ ـ ـ ـ ــلك طريق احعتدال يف تقدير ح م ِ‬
‫العدو‪ ،‬فال نبال يف هتويل َّقوتت مبا‬
‫يوهن قواان‪ ،‬ويفتِت عايميتنا‪ ،‬ويسـ ِـوغ لنا ايايمية‪ ،‬ويف اَّقابل ح نســته بت‪ ،‬أو نت اهل وجوده(‪.)2‬‬
‫ِِ‬ ‫اَّلل حش ي ِ‬
‫دين ﴾ [يونس‪. ]81 :‬‬ ‫و تمضي يف اليهود و ريهم نَّة هللا تعاىل ﴿إِ َّن َّش ْ‬
‫صل شع شم شل الْم ْفس ش‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر قضاَي يف اَّنهت ‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫(‪ )2‬انظر قضاَي يف اَّنهت ‪ ،‬ص ‪ 86‬ـ ‪.87‬‬
‫‪580‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫السرااي‬
‫سنَّة التَّدافع وحركة َّ‬
‫أوالً‪ :‬سنَّة التَّدافع‪:‬‬

‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ـ ـنَّةش التَّدافع‪ ،‬وتظهر جلياً يف‬ ‫إن من ال ُّسـ ـنن الَّيت تعامل معها الن ُّ‬ ‫َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ـ َّـد‬ ‫الف ة اَّدنيَّة مع حركة ال َّسـراَي‪ ،‬والبعوث‪ ،‬وال ايوات الَّيت خا ــها الن ُّ‬
‫الدين‪ ،‬وقد أشـ ـ ــار هللا تعاىل إليها يف‬ ‫اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬وهذه الس ـ ـ ـنَّة متعلقة تعلُّقاً وطيداً ابلتَّمك يذا ِ‬
‫ض‬‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم بِبشـ ْع ٍ‬ ‫كتابت العايياي‪ ،‬وجاء التَّنص ـ ـ ـ ـ ـ ــيص عليها يف قولت تعاىل ﴿ولشوحش دفْع َِّ‬
‫َّاس بشـ ْع ش‬
‫اَّلل الن ش‬ ‫شْ ش‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت األ ْشرض شولش ِك َّن َّ‬ ‫لششفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شد ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍل شعلش الْ شعالشم ش ﴾ [البقرة‪ ،]251 :‬ويف قولت تعاىل ﴿الذ ش‬
‫ين‬ ‫اَّللش ذو فش ْ‬ ‫ش‬
‫ت‬ ‫اَّللِ النَّاس بـعض ـ ـ ـ ـهم بِبـع ٍ ِ‬ ‫أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم بِ ش ِْري شح ٍق إِحَّ أش ْن يشـقولوا شربـُّنشا َّ‬
‫ض شيد شم ْ‬ ‫اَّلل شولش ْوحش شدفْع َّ ش ش ْ ش ْ ش ْ‬
‫اَّلل شم ْن يشـْنص ـره إِ َّن َّ‬
‫اَّللش لششق ِوأ‬ ‫اجد ي ْذ شكر فِ شيها ا ْ ـم َّ‬
‫اَّللِ شكثِ ًريا شولشيشـْنص ـشر َّن َّ‬ ‫هللا ـو ِامع وبِيع وهللا ـلشوات ومس ـ ِ‬
‫ش ش ش ش ش ش ش شش ش‬
‫ع ِايياي ﴾ [احلج‪.]40 :‬‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫احلق والباطل‪،‬‬ ‫ونالحم يف اية البقرة َّأ‪،‬ا جاءت بعد ذكر جوذً من جاذً ال ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراي ب‬
‫﴿ولش ِك َّن‬ ‫ِ‬
‫وجالوت وأتباعت‪ ،‬ويذيل هللا تعاىل ا ية بقولت ش‬ ‫ش‬ ‫طالوت وجنوده اَّؤمن ‪،‬‬ ‫ش‬ ‫اَّتمثِل هنا يف‬
‫أن دفع الفس ـ ـ ــاد هبذا الطَّريق‪ ،‬إنعام ُّ‬
‫يعم‬ ‫ضـ ـ ـ ـ ٍل شعلش الْ شعالش ِم ش ﴾ [البقرة‪« ]251 :‬اَّا يفيد َّ‬
‫اَّللش ذو فش ْ‬
‫َّ‬
‫َّاس كلَّهم»(‪.)1‬‬ ‫الن ش‬
‫وأتل ايــة احلت بعــد إعالن هللا تعــاىل أنـَّت يــدافع عن أوليــائــت اَّؤمن ‪ ،‬وبعــد إذن ـت يم ‪-‬‬
‫اَّلل شم ْن يشـْن صره إِ َّن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اَّللش‬ ‫عدوهم‪ ،‬وخيتتم ا ية بتقري ٍر لقاعدة أ ا يَّة ش‬
‫﴿ولشيشـْن صشر َّن َّ‬ ‫بلانت ‪ -‬بقتال ِ‬
‫لششق ِوأ شع ِايياي ﴾‬
‫حبد لت من َّأم ٍة‬
‫أن القض ــاء عل الباطل وتدمريه‪َّ ،‬‬ ‫ص ـلابة هذه ال ُّسـ ـنَّة‪ ،‬وعلموا َّ‬ ‫لقد أدرك ال َّ‬
‫ائم تنهض ب ــت‪،‬‬ ‫احلق ت ــاً إىل عاي ش‬ ‫أن َّ‬‫وقوة ت ــدم الب ــاط ــل‪ ،‬وتايهق ــت‪ ،‬وأيقنوا َّ‬
‫ي ــا قي ــادة ومنهت‪َّ ،‬‬
‫اعد َتضـ ـ ــي بت‪ ،‬وقلوب حتنو عليت‪ ،‬وأعصـ ـ ــاب ترتبا بت‪ .‬لقد علَّمهم الن ُّ‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت‬ ‫و ـ ـ ـو ش‬

‫الرازأ (‪.)514/3‬‬
‫انظر مفاتي ال ي ‪ ،‬للفهر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪581‬‬
‫و ــلم كيف يتعاملون مع هذه ال ُّسـنَّة‪ ،‬فا ــت ابوا ألمر هللا تعاىل عندما أمرهم ابجلهاد يف ــبيلت‪،‬‬
‫األمة‪ ،‬وجعلت فريضـ ـةً ما ــيةً إىل يوم القيامة‪ ،‬ح يبطلت‬
‫وجل ‪ -‬اجلهاد يذه َّ‬ ‫عاي َّ‬
‫فقد ش ــري هللا ‪َّ -‬‬
‫أذيم هللا‪ ،‬و ـلَّا عليهم َّ‬
‫عدوهم‪ .‬وقد شــري هللا ‪-‬‬ ‫جور جائ ٍر‪ ،‬وح عدل عادل‪ ،‬وما تركت قوم إح َّ‬
‫أروض للنَّفس‪ ،‬وأكثر مالءمةً للطَّبع الب ــرأ‪ ،‬وأحسـ ــن‬
‫وجل ‪ -‬اجلهاد عل مراحل ليكون ش‬ ‫عاي َّ‬ ‫َّ‬
‫موافقةً لِ شس ِْري الدَّعوة‪ ،‬وطريقة هطيطها(‪ )1‬فكان ت ريع القتال عل مراحل‬
‫َّب هللا ــل هللا‬
‫مكة‪ ،‬وكانوا يطالبون الن َّ‬ ‫اَّرحلة األوىل احلظر‪ ،‬وذلك عندما كان اَّس ــلمون يف َّ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ــلم ابلذن يم يف القتال‪ ،‬في يبهم هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم «اهللا ـ ـ ـ ــربوا ف َِين أيمر‬
‫ابلقتال» [الكشاف (‪.)2(])199/4‬‬
‫ين يـ شقاتشـلو شن ِأب َّش‪ْ ،‬م ظلِموا شوإِ َّن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ٍ‬
‫اَّرحلة الثانية الذن بت من ري إجياب‪ .‬قال تعاىل ﴿أذ شن للَّذ ش‬
‫اَّلل علش نشص ِرِهم لششق ِ‬
‫دير ﴾ [احلج‪. ]39 :‬‬
‫َّش ش ْ ْ‬
‫ين‬ ‫اَّرحلة الثالثة وجوب قتال من قاتل اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪ .‬قال تعاىل ﴿وقشاتِلوا ِيف ـ ـ ـ ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫دين ﴾ [البقرة‪. ]190 :‬‬ ‫ِ‬ ‫يـ شقاتِلونشكم وحش تشـعتشدوا إِ َّن َّ ِ‬
‫اَّللش حش ُّ الْم ْعتش ش‬ ‫ْش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وقشاتلوا الْم ْ ـ ـ ـ ـ ـ ِرك ش‬
‫اَّرحلة الرابعة فرض قتال عموم الكفَّار عل اَّسـ ـ ـ ـ ــلم ‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫َّق ش ﴾ [التوبة‪. ]36 :‬‬‫اَّلل مع الْمت ِ‬ ‫شكافَّةً شك شما يـ شقاتِلونشك ْم شكافَّةً شو ْاعلشموا أ َّ‬
‫شن َّش ش ش‬
‫الدولة ال الميَّة الناشئة‪ ،‬وحالة اجليش‬ ‫التدرً يف حكم القتال‪ ،‬كان يقتضيت و ع َّ‬ ‫إن هذا ُّ‬ ‫َّ‬
‫العدد‪ ،‬والعدد والتَّدري ‪ ،‬وما إىل ذلك‪،‬‬ ‫ـالمي الَّذأ كان اخذاً يف التَّكوين‪ ،‬من حيث ش‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫فكان حب َّد من مضـ ـ ـ ِـي ف ةٍ من الوقت‪ ،‬يكون ُّ‬
‫التعرض فيها ألعداء الدَّعوة ال ـ ـ ــالميَّة من كفَّار‬
‫التعرض‬‫قريش ‪ -‬الَّذين اذوا اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وا ـ ـ ــطروهم إىل اخلروً من دَيرهم ‪ ..‬يكون فيها ذلك ُّ‬
‫صل عود‬ ‫ألعداء الدَّعوة‪َّ ،‬إجا هو عل بيل احختيار‪ ،‬ح عل بيل الجبار‪ ،‬وذلك إىل أن يش ْ‬
‫ص ـ ـمود أمام قو الكفر يف اجلاييرة العربيَّة‪،‬‬ ‫ـتد أب ـ ـها‪ ،‬حبيث تسـ ــتطيع ال ُّ‬ ‫الدولة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬وي ـ ـ َّ‬ ‫َّ‬
‫وحينئذ رل وجوب‬ ‫ٍ‬ ‫حض لو عملت قريش عل أتليبها ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬كما وقع فيما بعد!‬ ‫َّ‬
‫الدولة ال ــالميَّة‪ ،‬واجليش ال ــالمي‪ ،‬عل أ ْهبش ِة اح ــتعداد‬ ‫حالة تكون فيها أو ــاي َّ‬ ‫القتال‪ ،‬يف ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.438‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري احلو ي (‪.)108/6‬‬
‫‪582‬‬
‫يتعرض فيت اَّسـ ـ ــلمون لكفَّار قريش‪،‬‬ ‫َّواجهة اححتماحت كافَّةً‪ ،‬هذا فيما يتَّصـ ـ ــل ابلقتال الَّذأ َّ‬
‫تعرض اَّسـ ـ ـ ــلمون ‪ -‬وهم يف‬ ‫َّص ابلذن‪ ،‬أأ ابلابحة‪ ،‬ح ابلوجوب‪َّ ،‬أما يف حالة ما لو َّ‬ ‫جاء الن ُّ‬
‫جمرد‬
‫دولتهم يف اَّدينة ‪ -‬ي وم األعداء عليهم فالقتال هنا فرض‪ ،‬ح جمال فيت للهيار‪ ،‬وليس َّ‬
‫أم ٍر مأذون فيت‪ ،‬وذلك تطبيقاً لبيعة احلرب‪ ،‬بيعة العقبة الثَّانية‪ ،‬الَّيت أوجبت عل األنص ــار حرب‬
‫األحر‪ ،‬واأل ــود من النَّاس‪ ،‬يف ــبيل َّ‬
‫الذود عن الدَّعوة ال ــالميَّة‪ ،‬وهللا ــاحبها هللا ــل هللا عليت‬
‫و لم ‪ ،‬وأتباعها(‪.)1‬‬
‫ومع نايول الذن ابلقتال شري ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يف تدري أهللالابت عل فنون‬
‫وع َّد ال َّس ـعي يف هذه اَّيادين‬ ‫القتال‪ ،‬واحلروب‪ ،‬واش ـ ك معهم يف التَّمارين‪ ،‬واَّناورات‪ ،‬واَّعارك‪ ،‬ش‬
‫َّب‬
‫أجل القرابت‪ ،‬وأقدس العبادات اليت يـتشـ شقَّرب هبا إىل هللا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬وقد قام الن ُّ‬ ‫من ِ‬
‫شع ُّدوا شي ْم شما ا ْ ـتشطش ْعت ْم ِم ْن قـ َّوةٍ شوِم ْن ِرشاب ِط ْ‬
‫اخلشْي ِل‬ ‫هللا ــل هللا عليت و ــلم بتطبيق قول هللا تعاىل ﴿وأ ِ‬
‫ش‬
‫اَّلل يشـ ْعلشمه ْم شوشما تـْن ِفقوا ِم ْن شش ـ ـ ْي ٍء ِيف‬
‫و‪،‬م َّ‬ ‫اَّللِ شو شعد َّوك ْم شوآخرين ِم ْن دو‪ْ ِِ،‬م حش تشـ ْعلشم ش‬
‫تـ ْرِهبو شن بِِت شعد َّو َّ‬
‫اَّللِ يـ شو َّ إِلشْيك ْم شوأشنْـت ْم حش تظْلشمو شن ﴾ [اآلنفال‪ ،]60 :‬وكان منه ت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف‬ ‫ش ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫العملي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّعنوأ‪ ،‬والتَّدري‬ ‫تكوين اااهد اَّسلم‪ ،‬يعتمد عل ‪ ،‬متوازن التَّوجيت‬
‫اَّعنوأ‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 1‬التَّوجيت‬
‫كان هللال هللا عليت و لم يسع إىل رفع معنوَيت اااهدين فيمنلهم أمالً يقينياً ابلنَّصر‪،‬‬
‫اجلندأ اَّس ـ ــلم يف ـ ــاحات‬ ‫َّ‬ ‫ظل هذا (األمل) دو‬ ‫أو اجلنَّة‪ ،‬ومنذ تلك اللَّلظات وفيما بعد‪َّ ،‬‬
‫كل طاقاتت النَّفسـ ـ ـ ـيَّة‪ ،‬واجلس ـ ـ ــدية‪ ،‬والفنِيَّة من أجل كسـ ـ ـ ـ اَّعارك‪ ،‬أو‬ ‫القتال‪ ،‬ويدفعت إىل بذل ِ‬
‫حث أهللاــلابت عل اجلهاد‬ ‫اَّوت حتت ظالل ال ُّسـيو (‪ ،)2‬فمن أقوالت هللاــل هللا عليت و ــلم يف ِ‬
‫أن رجاحً من اَّؤمن ح تشطي أنفسهم أن يتهلَّفوا ع ِ ‪ ،‬وح أجد ما‬ ‫«والَّذأ نفسي بيده! لوح َّ‬
‫أحلهم عليت ما هلَّفت عن ـريٍَّة ت دو يف ــبيل هللا‪ ،‬والذأ نفســي بيده! لوددت ِأين أقتل يف‬
‫ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬مثَّ أحيا‪ ،‬مث أقتل‪ ،‬مثَّ أ ْحيا‪ ،‬مثَّ أقتل‪ ،‬مثَّ أحيا‪ ،‬مثَّ أقتل» [البخاري (‪ )2797‬والنس ـ ـ ــائي (‪،])8/6‬‬
‫أن يرجع إىل الدنيا ولت ما عل‬ ‫وقولت هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم «ما أحد يدخل اجلنةش‪،‬‬
‫ات َّا ير من‬ ‫األرض من شـ ـ ـ ـ ـ ــيء‪ ،‬إح ال ـ ـ ـ ـ ـ ــهيد يتمىن أن يرجع إىل الدنيا فيقتل ع ـ ـ ـ ـ ـ ــر مر ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر القتال واجلهاد ‪َّ ،‬مد خري هيكل (‪.)464 ، 463/1‬‬
‫السرية ص ‪.161‬‬‫(‪ )2‬انظر درا ات يف ِ‬
‫‪583‬‬
‫[البخاري (‪ )2817‬ومسلم (‪. ])109/1877‬‬ ‫الكرامة»‬
‫العملي‬
‫ُّ‬ ‫‪ - 2‬التَّدري‬
‫األمة القادرة عل البذل‪ ،‬والعطاء‪،‬‬ ‫كل طاقات َّ‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم إىل اعتماد ِ‬‫ــع الن ُّ‬
‫ابلرم ‪،‬‬‫كل مهارةٍ يف القتال‪ ،‬طعناً ُّ‬ ‫َّمرس عل ِ‬ ‫رجاحً‪ ،‬ونساءً‪ ،‬وهللابياانً‪ ،‬وشباابً‪ ،‬وشيوخاً‪ ،‬وإىل الت ُّ‬
‫و ـرابً ابل َّسـيف‪ ،‬ورمياً ابلنَّبل‪ ،‬ومناورةً عل ظهور اخليل‪ ،‬وكان هللاــل هللا عليت و ــلم ميايً شخطَّي‬
‫ال َّ بية العس ـ ـ ـ ـ ــكريَّة اَّتوازن التَّوجيت‪ ،‬والتدري ‪ ،‬واألمل يف النَّص ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬أو اجلنة‪ ،‬وتقد اجلهد يف‬
‫ض اَّس ــلم عل إتقان ما تعلَّموا من فنون ِ‬
‫الرماية‪ .‬قال ر ــول هللا هللا ــل‬ ‫ــاحات القتال‪ ،‬و ُّ‬
‫عص ـ ـ » [مس ــلم (‪ )1919‬وأمحد (‪)148/4‬‬
‫الرمي مثَّ تركت فليس منَّا‪ ،‬أو ق ْد ش ش‬‫هللا عليت و ـ ــلم «من شعلِ شم َّ‬
‫وحض شم ْن دخلوا يف ِن ال يهوخة‪ ،‬للتَّدري عل‬ ‫األمة‪َّ ،‬‬
‫وابن ماجه (‪ ،])2814‬فهي دعوة إىل عموم َّ‬
‫ويوجهها‬ ‫األمة يعها‪ِ ،‬‬ ‫يهتم بطاقات َّ‬ ‫إن ال ـ ــالم ُّ‬ ‫إهللا ـ ــابة ايد ‪ ،‬ومهارة اليد ون ـ ــاط احلركة‪َّ .‬‬
‫ايمة‪.‬‬ ‫حنو اَّعاس‪ِ ،‬‬
‫وعلو َّ‬
‫ث عل ِ‬
‫كل‬ ‫وحال‪ ،‬و ُّ‬ ‫كل ظر ٍ ٍ‬ ‫يهتم ابألعداء عل حس ـ ـ ِ‬ ‫وكان هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ُّ‬
‫ـيلة يس ـ ــتطيعها اَّس ـ ــلمون‪ ،‬وقد ثبت عنت هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أنَّت قال «و ِ‬
‫أعدوا يم ما‬ ‫و ــ ٍ‬
‫الرمي!» [مس ــلم (‪ )1917‬وأبو‬
‫القوة َّ‬
‫إن َّ‬‫الرمي! أح َّ‬
‫القوة َّ‬
‫إن َّ‬ ‫الرمي! أح َّ‬
‫القوة َّ‬ ‫ا ـ ــتطعتم من قوة أح َّ‬
‫إن َّ‬
‫داود (‪ )1514‬والرتمذي (‪ )3083‬وابن ماجه (‪. ])2883‬‬

‫اَّطهرة يعلمان اَّسـ ــلم العداد عل األهللاـ ــعدة اَّعنويَّة‪،‬‬ ‫َّ‬


‫إن القرآن الكر ‪ ،‬وال ُّس ـ ـنَّة النَّبويَّة َّ‬
‫اَّاديَّة كافَّةً‪ ،‬وأن رخذوا حذرهم‪ .‬قال تعاىل ﴿َيأشيـُّها الَّ ِذين آمنوا خذوا ِح ْذركم فشانْ ِفروا ثـب ٍ‬
‫ات‬ ‫و ِ‬
‫ش‬ ‫شْ‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬
‫يدل عل وجوب العناية ابأل ـ ـ ـ ـ ـ ــباب‪ ،‬واحلذر من مكائد‬ ‫أش ِو انْ ِفروا شِ ًيعا ﴾ [النسـ ـ ـ ـ ــاء ‪ ]71 :‬وهذا ُّ‬
‫األعداء‪ ،‬ويدخل يف ذلك يع أنواي العداد اَّتعلِقة ابأل ـ ــللة‪ ،‬واألبدان‪ ،‬وتدري اااهدين‬
‫عل أنواي األ ــللة‪ ،‬وكيفيَّة ا ــتعمايا‪ ،‬وتوجيههم إىل ما يعينهم عل جهاد عدوهم‪ ،‬وال َّس ـالمة‬
‫أخ ِذ احلذر‪ ،‬و يذكر نوعاً دون نوٍي‪،‬‬ ‫وجل ‪ -‬أطلق األمر ابلعداد‪ ،‬و ْ‬ ‫عاي َّ‬ ‫من مكائده‪ ،‬وهللا ‪َّ -‬‬
‫يقل ويكثر‪،‬‬ ‫العدو ُّ‬
‫تتنوي‪ ،‬و َّ‬ ‫ألن األوقات هتلف‪ ،‬واأل ـ ـ ـ ــللة َّ‬ ‫حال‪ ،‬وما ذلك إح َّ‬ ‫وح حاحً دون ٍ‬
‫ويضعف ويقو ‪.‬‬
‫الصلابة مدر ةً عظيمةً يف تايكية النَّفس‪ ،‬وأيقنوا أنَّت لكي يثمر اجلهاد‬ ‫كان اجلهاد يف فهم َّ‬
‫اَّرجوة‪ ،‬فعليهم أن خيلص ـ ـوا هلل ـ ــبلانت يف جهادهم‪ ،‬وأن يعملوا مبا آمنوا بت‪ ،‬ودعوا النَّاس‬
‫شراتت َّ‬
‫‪584‬‬
‫الرَيء يف األعمال‪ .‬فقد قال هللاـ ــل هللا‬ ‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم خطورة ِ‬ ‫إليت‪ ،‬فقد ب َّ يم َّ‬
‫فعرفت نِ شع شمت‪،‬‬
‫ـهد‪ ،‬فأل بت‪َّ ،‬‬ ‫إن َّأول النَّاس يـ ْقض ـ ـ ـ يوم القيامة عليت رجل ا ـ ـ ــت ـ ـ ـ ش‬ ‫عليت و ـ ـ ــلم « َّ‬
‫حض ا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِهدت‪ ،‬قال شكذبت! ولكنَّك‬
‫عملت فيها؟ قال قاتلت فيك َّ‬ ‫ش‬ ‫فعشرفشها‪ ،‬قال فما‬
‫ش‬
‫حض ألقي يف النَّار‪ ،‬ورجل‬ ‫قاتلت ألن يقال شج ِرأء‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬مثَّ أ ِمشر بت فسـ ِل ش عل وجهت َّ‬
‫ت فيهــا؟ قــال‬ ‫ِ‬ ‫تعلَّم العلم‪ ،‬وعلَّمــت‪ ،‬وقرأ القرآن‪ ،‬فــأل بــت‪ِ َّ ،‬‬
‫فعرفــت ن شع شمـت‪ ،‬فشـ شعشرفهــا‪ ،‬قــال فمــا شعم ْلـ ش‬ ‫شش ش‬
‫العلم ليقال عا ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫العلم‪ ،‬وعلَّمتت‪ ،‬وقرأت فيك القرآن‪ ،‬قال‬ ‫َّ‬
‫كذبت! ولكنَّك تعل مت ش‬ ‫ش‬ ‫تعل مت ش‬
‫حض ألقي يف‬ ‫أت القرآن ليقال هو قار ء‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬مثَّ أمر بت‪ ،‬فس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ل عل وجهت‪َّ ،‬‬ ‫وقر ش‬
‫النَّار‪ ،‬ورجل و َّ ـ ـع هللا عليت‪ ،‬وأعطاه من أهللا ــنا اَّال كلِت‪ ،‬فأل بت‪َّ ،‬‬
‫فعرفت نِ شع شمت‪ ،‬فشـ شعشرفشها‪ ،‬قال‬
‫فمــا عملــت فيهــا؟ قــال مــا تركــت من ـ ـ ـ ـ ـ ــبيـ ٍـل حتـ ُّ أن يـْنـ شف شق فيــت إح أنفقــت فيهــا لــك‪ .‬قــال‬
‫كذبت! ولكنَّك فعلت ليقال هو شج شواد‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬مثَّ أمر بت‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ـل عل وجهت‪ ،‬مثَّ ألقي‬ ‫ش‬
‫يف النَّار» [مسلم (‪ )1905‬وأمحد (‪ )322/2‬والنسائي (‪. ])23/6‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة يف جهادهم هلل تعاىل طمعاً يف ثوابت‪ ،‬وخوفاً من عقابت‪ ،‬فكان‬ ‫ولذلك أخلص ال َّ‬
‫كالمهم هلل‪ ،‬وأنفقوا أموايم ابت اء مر ـ ـ ـ ــاة هللا‪ ،‬وقدَّموا أنفس ـ ـ ـ ــهم دفاعاً عن دين هللا‪ ،‬ومن أجل‬
‫الصلابة يف بيل هللا تعاىل آاثره العظيمة يف تايكية نفو هم‪،‬‬ ‫إعالء كلمة هللا تعاىل‪ ،‬وكان جلهاد َّ‬
‫والَّيت تت لَّ يف اجلوان التَّالية‬
‫(أ) حترير النَّفس من ح ِ احلياة‪ ،‬والتَّعلُّق هبا‬
‫الايهد يف الدُّنيا‪ ،‬والتَّطلُّع إىل ا خرة‪ ،‬والتَّ ـ ـ ـ ُّـوق َّا‬
‫اجلهاد يف ـ ـ ــبيل هللا تدري عملي عل ُّ‬
‫ـالمي يف تايكية النَّفس‬ ‫أعدَّه هللا لعباده يف اجلنَّة‪ ،‬وهذا من أعظم ما يهد إليت اَّنهت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫فاااهد يبيع نفس ــت هلل تعاىل ابت اء مر ــاتت‪ ،‬وهللا ــبلانت واه ا نفس‪ ،‬واألموال‪ ،‬ومالكها‪،‬‬
‫يكرم عباده اااهدين أبن ي أ منهم ما وهبهم إذا بذلوها يف بيلت(‪.)1‬‬
‫اجلشنَّةش يـ شقاتِلو شن ِيف ش ـ ـبِ ِيل‬ ‫اَّللش ا ْشـ ـ شش ِم شن الْم ْؤِمنِ ش أشنْـف شسـ ـه ْم شوأ ْشم شوا شي ْم ِأب َّ‬
‫شن شيم ْ‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ َّن َّ‬
‫اَّللِ فشـيـ ْقتـلو شن ويـ ْقتـلو شن وع ـ ـ ًدا علشي ـ ـ ِت ح ًّق ـ ـا ِيف التـَّوراةِ وا ُِي ـ ِـل والْقرآن ومن أشو ش بِعه ـ ـ ِدهِ ِمن َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫شش ْ ْ شْ‬ ‫ش‬ ‫ْش ش‬ ‫ش ش شْ شْ ش‬ ‫َّ ش‬
‫احلش ِامدو شن‬
‫ك ه شو الْ شف ْوز الْ شع ِظيم ۝ التَّائِبو شن الْ شعابِدو شن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فشا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـْب ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـروا بِبشـْيعِكم الَّذأ شابيشـ ْعت ْم بِِت شوذشل ش‬

‫(‪ )1‬منهت ال الم يف تايكية النَّفس ‪ ،‬د‪ .‬أنس أحد كرزون (‪.)293/1‬‬
‫‪585‬‬
‫اَّللِ‬ ‫احلافِظو شن ِحلد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّس ـ ـ ـائِلو شن َّ ِ‬
‫ود َّ‬ ‫الراكعو شن ال َّس ـ ـ ـاجدو شن ا مرو شن ِابلْ شم ْعرو شوالنَّاهو شن شع ِن الْمْن شك ِر شو ْش‬
‫وب ِ ِر الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [التوبة‪. ]112 - 111 :‬‬
‫شش‬
‫الصرب‪ ،‬والفداء‬
‫(ب) َتليص النَّفس‪ ،‬وتدريبها عل َّ‬
‫َّب هللاـل هللا عليت و ـلم يم َّ‬
‫أن اجلنَّة حمفوفة ابَّكاره‪ ،‬وح‬ ‫صـلابة الكرام من تربية الن ِ‬
‫أيقن ال َّ‬
‫ص ـ ـعاب ليقو بنيا‪،‬ا‪ ،‬وتص ــمد يف‬ ‫ـاق‪ ،‬وال ِ‬
‫وحبد من تعويد النَّفس عل اَّ ـ ِ‬ ‫تنال براحة البدن‪َّ ،‬‬
‫وجت ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدائد‪ ،‬واألهوال‪ ،‬وتدي اخلمول‪ ،‬والكسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬والتَّواين‪ ،‬وتعلَّموا من القرآن الكر َّ‬
‫أن‬
‫تتعرض النُّفوس للتَّمليص ليظهر ثباهتا‪ ،‬ويس ــتقيم حايا‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫حكمة هللا ــبلانت اقتض ــت أن َّ‬
‫ميدان اجلهاد من أكرب اَّيادين يذا التمليص(‪.)1‬‬
‫ك األ َّشَيم ن شدا ِويشا بشْ ش الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫س الْ شق ْوشم قشـ ْر ِمثْـلت شوتِْل ش‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْن ميشْ شسـ ـ ـ ـ ـ ْسـ ـ ـ ـ ـك ْم قشـ ْر فشـ شق ْد شم َّ‬
‫ين‬ ‫اَّلل حش ِ ُّ الظَّالِ ِم ۝ ولِيم ِلص َّ َّ ِ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنوا ويـت ِ‬
‫َّه شذ ِمْنك ْم ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شه شداءش شو َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫ش‬ ‫شش‬ ‫شوليشـ ْعلش شم َّ ش‬
‫اهدوا ِمْنك ْم شويشـ ْعلش شم‬ ‫اجلنَّةش ول َّـما يـعلشِم َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين شج ش‬ ‫اَّلل الذ ش‬ ‫ين ۝ أ ْشم شحسْبـت ْم أش ْن تش ْدخلوا ْش ش ش ْ‬ ‫آمنوا شوميشْ شل شق الْ شكاف ِر ش‬
‫ت ِم ْن قشـْبـ ـ ِل أش ْن تشـ ْل شق ْوه فشـ شقـ ـ ْد شرأشيْـتموه شوأشنْـت ْم تشـْنظرو شن ﴾‬ ‫ين ۝ شولششقـ ـ ْد كْنـت ْم شَتشنـ َّْو شن الْ شم ْو ش‬ ‫ال َّ ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب ِر ش‬
‫[آل عمران‪. ]143 - 140 :‬‬

‫وقوة يا‬
‫عاية للنَّفس‪َّ ،‬‬
‫(ً) اجلهاد َّ‬
‫أن اجلهاد يف ـ ـ ــبيل هللا تعاىل‬ ‫َّبوأ الكر َّ‬‫ص ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ــي هللا عنهم من ايدأ الن ِ‬ ‫وتعلَّم ال َّ‬
‫العاية يف نفس اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‪ ،‬وتقويـة كيـا‪،‬ـا‪ ،‬وتطهريهـا من ال ِـذلَّـة‪ ،‬واَّهـانـة‪،‬‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ــيلـة عظيمـة لتنميـة َّ‬
‫الصفات اَّهلكة للفرد‪ ،‬وااتمع‪ ،‬فقد ب َّ يم بلانت وتعاىل يف كتابت‬ ‫واخلمول‪ ،‬و ري ذلك من ِ‬
‫العاية من إميانت بربت‪ ،‬وَت ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكت بدينت قال تعاىل‬ ‫أن اَّؤمن عايياي اجلان ألنَّت يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـتمد َّ‬ ‫العايياي َّ‬
‫ن﴾ [املنافقون‪. ]8 :‬‬‫﴿وََِّّللِ الْعَِّاية شولِشر ولِِت شولِْلم ْؤِمنِ ش شولش ِك َّن الْمنشافِ ِق ش حش يشـ ْعلشمو ش‬
‫ش‬
‫تعودت نفس ـ ـ ـ ــت ِ‬
‫الذلَّة‪ ،‬وايوان‪،‬‬ ‫فَذا هلَّ اَّس ـ ـ ـ ــلم عن اجلهاد‪ ،‬وشـ ـ ـ ـ ـ ل ابلدُّنيا عن ا خرة َّ‬
‫الذ َّل‪ ،‬واخلضوي) قال هللال هللا عليت و لم «إذا تبايعتم ابلعينة(‪،)2‬‬ ‫واح تكانة‪ ،‬واخلنوي (أأ ُّ‬
‫ابلايري‪ ،‬وتركتم اجلهاد‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّا هللا عليكم ذحً‪ ،‬ح ينايعت َّ‬
‫حض‬ ‫وأخذذ أذانب البقر(‪ ،)3‬ور ـ ـ ـ ـ ــيتم َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)294/1‬‬


‫الرجل ل ريه لعةً ‪ ،‬مث ي يها منت بثم ٍن َّ‬
‫أقل‪.‬‬ ‫أأ أن يبيع َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الرأ ‪ ،‬وعكفتم عل ذلك ‪ ،‬فلم تن لوا إح بت‪.‬‬ ‫معناه اهذذ اَّاشية لللرث و َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪586‬‬
‫[أبو داود (‪ )3462‬وأمحد (‪ 42/2‬و‪. ])84‬‬ ‫ترجعوا إىل دينكم»‬
‫من جعل الدُّنيا أكرب ِلت‪ ،‬ومبل علمت‪ ،‬وح يعمل إح يا‪ ،‬وح يفكر إح من‬ ‫وخي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عل ْ‬
‫ين حش يشـ ْرجو شن لِشقـاءش شان شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا ِاب ْحلشيشـاةِ الـ ُّـدنْـيشـا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫أجلهــا أن يكون اَّن قــال هللا تعــاىل فيهم ﴿إ َّن الـذ ش‬
‫ك شم ـأْ شواهم النـَّار ِمبشـا شك ـانوا يش ْك ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبو شن ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين ه ْم شع ْن آَيتنشـا ش ـافلو شن ۝ أولشئِـ ش‬
‫شواطْ شم ـأشنُّوا هبشـا شوال ـذ ش‬
‫[يونس‪. ]8- 7 :‬‬

‫وقد قال هللال هللا عليت و لم «من مات و يـ ْاي‪ ،‬و ِدث بت نشـ ْفست مات عل ش ٍ‬
‫عبة‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫شْ‬
‫من ٍ‬
‫نفاق» [مسلم (‪ )1910‬وأمحد (‪ )374/2‬وأبو داود (‪ )2502‬والنسائي (‪. ])8/6‬‬
‫ص ـ ـلابة الكرام ر ــي هللا عنهم‪ ،‬ــلكوا طريق اجلهاد أبنواعت‪ ،‬وبذلك حظوا ابلب ــارة‬ ‫َّ‬
‫إن ال َّ‬
‫اهدوا فِينشا لشنشـ ْه ِديشـنـَّه ْم ـ ـ ـبـلشنشا شوإِ َّن َّ‬
‫اَّللش لش شم شع الْم ْل ِس ـ ـ ـنِ ش ﴾‬ ‫ين شج ش‬
‫العظم ‪ ،‬وهي قولت تعاىل َّ ِ‬
‫﴿والذ ش‬‫ش‬
‫[العنكبوت‪. ]69 :‬‬

‫اثنياً‪ :‬من أهداف اجلواد يف سبيل هللا تعاىل‪:‬‬

‫‪ - 1‬حاية حرية العقيدة‬


‫﴿وقشـاتِلوه ْم شح َّض حش تشكو شن فِْتـنشـة شويشكو شن الـ ِـدين كلُّـت ََِّّللِ فشـَِ ِن انْـتشـ شه ْوا فشـَِ َّن َّ‬
‫اَّللش ِمبشـا‬ ‫قــال تعــاىل ش‬
‫َّصري ﴾ [اآلنفال‪]40 - 39 :‬‬ ‫اَّلل موحشكم نِعم الْموشىل ونِعم الن ِ‬ ‫يشـ ْع شملو شن بش ِصري ۝ شوإِ ْن تشـ شولَّْوا فش ْ‬
‫اعلشموا أ َّ‬
‫شن َّش ش ْ ْ ْ ش ش ْ ش ْ ش‬
‫‪.‬‬

‫كل َّقوةٍ‬
‫الظالل «هناك واج آخر عل اجلماعة اَّسـ ـ ـ ــلمة‪ ،‬وهو أن حتش ِطم َّ‬ ‫قال هللاـ ـ ـ ــاح ِ‬
‫حريَّـ ٍة‪ ،‬أو هتـ ِـدد حريــة اعتنــاق العقيــدة‪ ،‬وتفنت النـَّاس‬
‫تع ض طريق الــدَّعوة‪ ،‬وإبال هــا للنـَّاس يف ِ‬
‫لقوةٍ يف األرض‪ ،‬ويكون‬ ‫حض تصب الفتن ـ ـ ـ ــة للمؤمن ابهلل ري اكن ٍة َّ‬ ‫ـظل داهد َّ‬ ‫عنه ـ ـ ـ ــا‪ ،‬وأن ت ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫الدين هلل ح مبعىن إكرآه الناس عل الميان‪ ،‬ولكن مبعىن ا ـ ـ ـ ـ ــتعالء دين هللا يف األرض‪ ،‬حبيث‬ ‫ِ‬
‫ح خي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أن يدخل فيت من يريد الدُّخول‪ ،‬وح خيا َّقوةً يف األرض تص ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّه عن دين هللا أن‬
‫يبل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وأن يست ي لت‪ ،‬وأن يبق عليت‪ ،‬وحبيث ح يكون يف األرض و ع‪ ،‬أو نظام‬
‫ـيلة‪ ،‬وأبيَّة أداةٍ‪ ،‬ويف حدود هذه اَّبادئ‬ ‫نور هللا وهداه عن أهلت‪ ،‬ويضـلَّهم عن ــبيل هللا أبيَّة و ـ ٍ‬
‫العامة كان اجلهاد يف ال ـ ـ ــالم‪ .‬إنَّت اجلهاد للعقيدة‪ ،‬حلمايتها من احلصـ ـ ــار‪ ،‬وحايتها من الفتنة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫يهم ابحعتـ ــداء‬
‫وحاية منه ها‪ ،‬وشريعتها يف احلياة‪ ،‬وإقرار رايتهـ ــا يف األرض حبيث يشـ ـ ْـرشهبها من ُّ‬
‫تتعرض لـت‪ ،‬أو َتنعت‪،‬‬‫كل را ٍ فيهـا‪ ،‬ح خي ق َّـوًة أخر يف األرض َّ‬ ‫عليهـا‪ ،‬وحبيث يل ـأ إليها ُّ‬
‫‪587‬‬
‫أو تفتنت‪.‬‬
‫ويقره‪ ،‬ويثبت عليت‪ ،‬ويشـ ْعتشِرب الَّذين يقاتلون‬
‫وهذا هو اجلهاد الوحيد الَّذأ رمر بت ال ـ ـ ـ ــالم‪ُّ ،‬‬
‫فيت شهداء‪ ،‬والَّذين شْتش ِملون أعباءه أولياء»(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬حاية ال َّعائر‪ ،‬والعبادات‬
‫ِ ِِ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫اَّلل ي شدافِع ع ِن الَّ ِذين آمنوا إِ َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللش حش ُّ ك َّل شخ َّوان شكفور ۝ أذ شن للَّذ ش‬
‫ين‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫قال تعاىل ﴿إ َّن َّش‬
‫ين أ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم بِ ش ِْري شح ٍق إِحَّ أش ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫اَّلل علش نش ِ ِ‬
‫ص ـ ِره ْم لششقدير ۝ الذ ش‬
‫ِ‬
‫يـ شقاتشـلو شن ِأب َّش‪ْ ،‬م ظلموا شوإِ َّن َّش ش ْ‬
‫ض شي ِدمت هللا ـ ـ ـو ِامع وبِيع وهللا ـ ـ ـلشوات ومس ـ ـ ـ ِ‬ ‫اَّللِ النَّاس بـ ْع ش ِ‬
‫اجد‬ ‫ض ـ ـ ـه ْم ببشـ ْع ٍ ش ْ ش ش ش ش ش ش ش ش ش ش‬ ‫اَّلل شولش ْوحش شدفْع َّ ش ش‬ ‫يشـقولوا شربـُّنشا َّ‬
‫ين إِ ْن شم َّكنَّاه ْم ِيف‬ ‫َّ ِ‬ ‫ي ْذ شكر فِ شيها ا ْ ـ ـم َّ‬
‫اَّللِ شكثِ ًريا شولشيشـْنص ـ ـشر َّن َّ‬
‫اَّلل شم ْن يشـْنص ـ ـره إِ َّن َّ‬
‫اَّللش لششق ِوأ شع ِايياي ۝ الذ ش‬
‫الايشك ـا شة شوأ ششمروا ِابلْ شم ْعرو ِ شوش‪،‬شْوا شع ِن الْمْن شك ِر شوََِّّللِ شع ـاقِبش ـة األموِر ﴾‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالششة شوآتشـوا َّ‬
‫ض أشقش ـاموا ال َّ‬ ‫األ ْشر ِ‬
‫[احلج‪. ]41 - 38 :‬‬

‫قال النَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــفي ‪ -‬رحت هللا! ‪« -‬أأ لوح إظهاره‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ـ ـ ــليطت اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عل الكافرين‬
‫ابااهدة ح توىل اَّ ركون عل أهل اَّلل اَّهتلفة يف أزمنتهم‪ ،‬وعل متعبَّداهتم‪ ،‬فهدموها‪ ،‬و‬
‫ات أأ كنائس‪ ،‬وح للمسـ ـ ــلم‬ ‫ي كوا للنَّصـ ـ ــار بيعاً‪ ،‬وح لرهبا‪،‬م هللا ـ ـ ـوامع‪ ،‬وح لليهود هللاـ ـ ــلو ٍ‬
‫حمم ٍد هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عل اَّسـ ـ ــلم ‪ ،‬وعل أهل‬‫مس ـ ــاجد‪ ،‬أو ل ل اَّ ـ ــركون يف َّأمة َّ‬
‫ذمتهم‪ ،‬وهــدموا متعبَّـدات الفريق ‪ ،‬وقــدَّم ري اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاجــد عليهــا لتقــدُّمهــا‬‫الكتــاب الَّـذين يف َّ‬
‫وجوداً‪ ،‬أو لقرهبا من التَّهد »(‪.)2‬‬
‫‪ - 3‬دفع الفساد عن األرض‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت أشقْ شد شامنشا شوانْص ْرشان‬ ‫هللا ْ ًربا شوثـشبِ ْ‬
‫وت شوجنوده قشالوا شربـَّنشا أشفْ ِر ْغ شعلشْيـنشا ش‬ ‫﴿ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بشـشرزوا جلشال ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫احلِ ْك شم ـةش‬
‫ك شو ْ‬ ‫علش الْ شقوِم الْ شكـ ـافِ ِرين ۝ فشـهايموهم نِِ ْذ ِن َِّ‬
‫اَّلل الْم ْلـ ـ ش‬
‫آاته َّ‬ ‫وت شو ش‬‫اَّلل شوقشـتش ـ شل شداوود شجـ ـال ش‬ ‫شش ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ت األ ْشرض شولش ِك َّن َّ‬ ‫ض لششفس ـ شد ِ‬ ‫اَّللِ النَّاس بـ ْع ش ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ـ ٍل شعلش‬
‫اَّللش ذو فش ْ‬ ‫ض ـه ْم ببشـ ْع ٍ ش‬ ‫شو شعلَّ شمت اَّا يش ش ـاء شولش ْوحش شدفْع َّ ش ش‬
‫من الْمر لِ ش ﴾ [البقرة‪. ]252 - 250 :‬‬ ‫ك ِاب ْحل ِق وإِن ش ِ‬ ‫الْعالش ِم ۝ تِْلك آَيت َِّ‬
‫َّك لش ش ْ ش‬ ‫وها شعلشْي ش ش ش‬ ‫اَّلل نشـْتـل ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬
‫ض لششف شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شد ِت‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم بِبشـ ْع ٍ‬ ‫قال ابن كث ٍري يف تفس ـ ـ ـ ـ ـ ــري قولت تعاىل ﴿ولشوحش دفْع َِّ‬
‫َّاس بشـ ْع ش‬
‫اَّلل الن ش‬ ‫شْ ش‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)187/1‬‬


‫(‪ )2‬تفسري النَّسفي (‪ ، )106/3‬والك َّا (‪ ، )16/3‬وتفسري اَّرا ي (‪.)119/6‬‬
‫‪588‬‬
‫األشرض﴾ «أأ لوح هللا يــدفع عن ٍ‬
‫قوم رخرين‪ ،‬كمــا دفع عن ب إ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرائيــل مبقــاتلــة طــالوت‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وش اعة داود يلكوا»(‪.)1‬‬
‫وقال هللا ـ ـ ــاح الك َّ ـ ـ ـ ـا يف تفس ـ ـ ــري هذه ا ية «ولوح َّ‬
‫أن هللا يدفع بعض النَّاس ببعض‪،‬‬
‫ويكف هبم فسادهم ل ل اَّفسدون‪ ،‬وفسدت األرض‪ ،‬وبطلت منافعها‪ ،‬وتعطَّلت مصاحلها‬ ‫َّ‬
‫من احلرث‪ ،‬والنَّسل‪ ،‬و ائر ما يعمر األرض»(‪.)2‬‬
‫الرحن ال َّس ـ ـ ـعدأ يف تفس ـ ــريه « َّ‬
‫إن يف هذه ا ية عرباً كثريًة ل َّمة منها‬ ‫وقال ال َّ ـ ـ ـي عبد َّ‬
‫الدين‪ ،‬وحفم األوطان‪،‬‬ ‫السب الوحيد يف حفم ِ‬ ‫فضيلة اجلهاد يف بيلت‪ ،‬وفوائده‪ ،‬وشراتت‪ ،‬وأنَّت َّ‬
‫فَن عواقبهم حيدة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫أن اااهدين ولو شــقَّت عليهم األمور َّ‬ ‫وحفم األبدان‪ ،‬واألموال‪ ،‬و َّ‬
‫فَ‪،‬م يتعبون طويالً»(‪.)3‬‬ ‫النَّاكل ولو ا احوا قليالً َّ‬
‫‪ - 4‬احبتالء‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬والهللاال‬
‫اب شح َّض إِ شذا أشثْ شهْنـتموه ْم فش ـ ُّدوا الْ شو شاث شق فشَِ َّما‬ ‫الرقش ِ‬‫ب ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ضـ ْر ش‬
‫ين شك شفروا فش ش‬‫قال تعاىل ﴿فشَ شذا لشقْيـتم الذ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـشر ِمْنـه ْم شولش ِك ْن لِيشـْبـل شو‬
‫اَّلل حشنْـتش ش‬
‫ك شولش ْو يش ش ـ ـ ـ ـ ـاء َّ‬ ‫ِ‬
‫احلشْرب أ ْشوشز شارشها ذشل ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ شع ْ‬ ‫ِ‬
‫شمنًّا بشـ ْعد شوإِ َّما ف شداءً شح َّض تش ش‬
‫صـلِ شاب شي ْم ۝‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل فشـلش ْن يضـ َّل أ ْشع شما شي ْم ۝ ش ـيشـ ْهدي ِه ْم شوي ْ‬
‫ض والَّ ِذين قتِلوا ِيف ـبِ ِيل َِّ‬
‫ش‬ ‫ضـك ْم ببشـ ْع ٍ ش ش‬
‫بـ ْع ش ِ‬
‫ش‬
‫ع َّرفشـها شيم ﴾ [حممد‪. ]6 - 4 :‬‬
‫اجلشنَّةش ش ش ْ‬ ‫شوي ْد ِخلهم ْ‬
‫ض﴾‪،‬‬ ‫ضك ْم بِبشـ ْع ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫﴿ولشك ْن ليشـْبـل شو بشـ ْع ش‬
‫قال ابن كثري يف تفسري قولت تعاىل أأ ولكن شري لكم ش‬
‫وقتال األعداء‪ ،‬ليهتربكم‪ ،‬وليبلو أخباركم‪ ،‬كما ذكر حكمتت يف شـ ـ ـ ـ ـ ــرعية اجلهاد يف ـ ـ ـ ـ ـ ــورل ال‬
‫اهدوا ِمْنك ْم‬ ‫اجلنَّةش ول ـ َّـما يـعلشِم َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين شج ش‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫عمران‪ ،‬وبراءة‪ ،‬يف قولت تعاىل ﴿أ ْشم شحسْبـت ْم أش ْن تش ْدخلوا ْش ش ش ْ‬
‫ويـ ْعلشم َّ ِ‬
‫الصاب ِر ش‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪. )4(]142 :‬‬ ‫شش ش‬
‫الظالل « َّإجا يتَّهذ هللا اَّؤمن ‪ -‬ح رمرهم بض ــرب رقاب الكفار‪ ،‬وش ـ ِد‬ ‫قال هللا ــاح ِ‬
‫واثقهم بعد إثها‪،‬م َّإجا يتَّهذهم بلانت ‪ -‬تاراً لقدرتت‪ ،‬ولو شاء حنتصر من الكافرين جهرةً‪،‬‬
‫كما انتصر منهم من ري ه ــذه األ باب كلِه ــا ولكنَّت َّإجا يريد لعباده اَّؤمن اخلري‪ .‬قال تعاىل‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)262/1‬‬


‫السعود (‪.)245/1‬‬
‫تفسري الك َّا (‪ ، )382/1‬وتفسري أيب ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السعدأ (‪.)309/1‬‬
‫تفسري َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري (‪.)154/4‬‬


‫‪589‬‬
‫﴿كتِ ش شعلشْيكم الْ ِقتشال شوه شو ك ْره لشك ْم شو شع شسـ ـ ـ ـ أش ْن تشكشْرهوا ششـ ـ ـ ـْيـئًا شوه شو شخ ْري لشك ْم شو شع شسـ ـ ـ ـ أش ْن ِحتبُّوا‬
‫اَّلل يشـ ْعلشم شوأشنْـت ْم حش تشـ ْعلشمو شن ﴾ [البقرة‪ ،]216 :‬وهو يبتليهم‪ ،‬ويربِيهم‪ ،‬ويصللهم‪،‬‬ ‫ششْيـئًا شوه شو ششر لشك ْم شو َّ‬
‫وييسر يم أ باب احلسنات الكبار‬
‫أ ‪ -‬يريد ليبتليهم ويف هذا احبتالء يســت يش يف نفوس اَّؤمن أكرم ما يف النَّفس الب ـرية‬
‫احلق الَّـذأ تؤمن بــت‪َّ ،‬‬
‫حض‬ ‫يعاي عليهــا ُّ‬ ‫من طــاقـ ٍ‬
‫ـات‪ ،‬واِد ـاهــات‪ ،‬فليس أكرم يف النفس من أن َّ‬
‫داهد يف بيلت‪ ،‬فتقتل‪ ،‬وتقتل‪ ،‬وح تسلِم يف هذا احلق الذأ تعيش لت‪ ،‬وبت‪ ،‬وح تستطيع احلياة‬
‫بدونت‪ ،‬وح حت ُّ هذه احلياة يف ري ظلِت‪.‬‬
‫كل ر ٍبة يف أعراض هذه األرض‬ ‫كل هو ً ‪ ،‬و َّ‬
‫فيظل خيرً من نفو ـ ـ ــهم َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ب ‪ -‬ويريد لريبيهم‬
‫كل ٍ‬
‫نقص‪،‬‬ ‫ـعف‪ ،‬ويكمل َّ‬ ‫كل ـ ـ ٍ‬ ‫يقوأ يف نفو ـ ــهم َّ‬ ‫يعاي عليهم أن يتهلَّوا عنت‪ُّ ،‬‬
‫ويظل ِ‬ ‫الفانية اَّا ُّ‬
‫حض تصب ر ائبهم كلُّها يف كف ٍَّة‪ ،‬ويف الكفة األخر تلبية دعوة‬ ‫ودخل‪َّ ،‬‬ ‫وينفي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـل شز ٍل ‪ ،‬ش‬
‫(‪)1‬‬

‫هللا لل هاد‪ ،‬والتَّطلُّع إىل وجت هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ــاه‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ ــيل تلك(‪ ،)2‬ويعلم هللا من هذه النُّفوس َّأ‪،‬ا‬
‫خِريت‪ ،‬فاختارت‪ ،‬و َّأ‪،‬ا تربَّت‪ ،‬فعرفت‪ ،‬و َّأ‪،‬ا ح تندفع بال وع ٍي ولكنَّها ِ‬
‫تقدر‪ ،‬وهتار‪.‬‬
‫كل جو ٍلة ما‬
‫َّعرض للموت يف ِ‬ ‫ً ‪ -‬ويريد ليص ــللهم ففي معاانة اجلهاد يف ــبيل هللا‪ ،‬والت ُّ‬
‫هو ‪ ،‬الَّذأ يكلف النَّاس الكثري من نفو ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وأخالقهم‪،‬‬ ‫يعود النَّفس اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتهانة طر اَّ ِ‬
‫ِ‬
‫وموازينهم‪ ،‬وقيمهم‪ ،‬ليتَّقوه‪ ،‬وهو هِ ‪ ،‬هِ عند من يعتاد مالقاتت‪ ،‬ـ ـ ـ ـواء ش ـ ـ ـ ـلِ شم منت‪ ،‬أو حقاه‪،‬‬
‫مرةٍ‪ ،‬يفعل يف النفس يف حلظات اخلطر شـ ـ ــيئاً ِ‬
‫يقربت للتَّصـ ـ ـ ُّـور فعل الكهرابء‬ ‫َّوجت بت هلل يف ِ‬
‫كل َّ‬ ‫والت ُّ‬
‫ونقاء‪ ،‬وهللاال ‪.‬‬ ‫هللافاء‪ٍ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ابألجسام‪ ،‬وكأنَّت هللايا ة جديدة للقلوب واألروا ‪ ،‬عل‬
‫ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم هي األ ــباب الظَّاهرة لهللا ــال اجلماعة الب ـ ـريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة كلِها عن طريق قياداهتا أبيدأ‬
‫كل زخارفها‪ ،‬وهانت عليهم احلياة‬ ‫كل أعراض الدُّنيا‪ ،‬و ِ‬ ‫اااهدين الَّذين فر ت نفو ـ ـ ـ ـ ـ ــهم من ِ‬
‫وهم خيو ـ ـ ـ ــون ِمار اَّوت يف ـ ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬و يعد يف قلوهبم ما ي ـ ـ ـ ـ لهم عن هللا‪ ،‬والتَّطلُّع إىل‬
‫ر اه‪ .‬وح تكون القيادة يف مثل هذه األيدأ تصل األرض كلُّه ـ ـ ــا‪ ،‬ويصل العب ـ ـ ــاد‪ ،‬ويصب‬
‫ضـ ـالل‪ ،‬والفس ــاد‪ ،‬وهي قد اشـ ـ هتا‬ ‫عايياياً عل هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه األيدأ أن تس ــلِم راية القيادة للكفر‪ ،‬وال َّ‬

‫الاي ل ال ِ ُّ‬
‫ش‪.‬‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬شال اَّيايان ارتفعت إحد كفَّتيت ‪ ،‬انظر لسان العرب (‪.)375/11‬‬
‫‪590‬‬
‫كل عايي ٍاي‪ ،‬و ٍال أرخصتت لتتسلَّم هذه الراية‪ ،‬ح لنفسها‪ ،‬ولكن هلل»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ابلدماء‪ ،‬واألروا ‪ ،‬و ُّ‬
‫‪ - 5‬إرهاب الكفَّار‪ ،‬وإخايايهم‪ ،‬وإذحيم‪ ،‬وتوه كيدهم‬
‫اخلشْي ِل تـ ْرِهبو شن بِِت شعد َّو ا ََّّللِ شو شعد َّوك ْم‬ ‫شع ُّدوا شي ْم شما ا ْ ـ ـتشطش ْعت ْم ِم ْن قـ َّوةٍ شوِم ْن ِرشاب ِط ْ‬
‫قال تعاىل ﴿وأ ِ‬
‫ش‬
‫اَّللِ يـ شو َّ إِلشْيك ْم شوأشنْـت ْم‬ ‫اَّلل يشـ ْعلشمه ْم شوشما تـْن ِفقوا ِم ْن ششـ ـ ْي ٍء ِيف ش ـ ـبِ ِيل َّ‬‫و‪،‬م َّ‬ ‫شوآخرين ِم ْن دو‪ْ ِِ،‬م حش تشـ ْعلشم ش‬
‫حش تظْلشمو شن ﴾ [اآلنفال‪ ،]60 :‬وقال تعاىل ﴿قشاتِلوه ْم يـ شع ِذ ْهبم اَّلل ِأبشيْ ِديك ْم شوخيْ ِايِه ْم شويشنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرك ْم شعلشْي ِه ْم‬
‫اَّلل شعلِيم‬ ‫اَّلل شعلش شم ْن يش ش ـ ـ ـ ـ ـاء شو َّ‬ ‫م قـلوهبِِ ْم شويشـتوب َّ‬ ‫ف هللاـ ـ ـ ـ ـد شور قشـ ْوٍم م ْؤِمنِ ش ۝ شوي ْذ ِه ْ شْي ش‬ ‫وي ْ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫شش‬
‫ت‬ ‫ت إِ ْذ شرشمْي ـ ش‬ ‫شح ِكيم ﴾ [التوبــة‪ ،]15 - 14 :‬وقــال تعــاىل ﴿فشـلش ْم تشـ ْقتـلوه ْم شولش ِك َّن َّ‬
‫اَّللش قشـتشـلشه ْم شوشم ـا شرشمْي ـ ش‬
‫وهن شكْي ِد‬ ‫اَّلل م ِ‬
‫شن َّش‬ ‫اَّللش شِمسيع شعلِيم ۝ ذشلِك ْم شوأ َّ‬ ‫اَّللش شرشم شولِيـْبلِ شي الْم ْؤِمنِ ش ِمْنت بشالشءً شح شسناً إِ َّن َّ‬
‫شولش ِك َّن َّ‬
‫ِ‬
‫ين ﴾ [اآلنفال‪. ]18 - 17 :‬‬ ‫الْ شكاف ِر ش‬
‫‪ - 6‬ك ف اَّنافق‬
‫يث ِم شن الطَّيِ ِ شوشما‬ ‫اخلشبِ ش‬ ‫اَّلل لِيش شذ شر الْم ْؤِمنِ ش شعلش شما أشنْـت ْم شعلشْي ِت شح َّض شميِ شياي ْ‬
‫﴿ما شكا شن َّ‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اَّللش شْجيتشِب ِم ْن ر ـلِ ِت شم ْن يش ش ـاء فشآمنوا ِاب ََّّللِ شور ـلِ ِت شوإِ ْن تـ ْؤِمنوا‬
‫اَّلل لِيطْلِ شعك ْم شعلش الْ شْي ِ شولش ِك َّن َّ‬
‫شكا شن َّ‬
‫ظيم ﴾ [آل عمران‪. ]179 :‬‬ ‫وتشـتَّـقوا فشـلشكم أشجر ع ِ‬
‫ْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫عدوه‪،‬‬ ‫قال ابن كثري «أأ َّ‬
‫حبد أن يعقد ـ ـ ـ ـ ـ ــبباً من اَّنة يظهر فيت وليُّت‪ ،‬ويفتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ فيت ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابر‪ ،‬واَّنافق الفاجر‪ ،‬يع بذلك يوم أحد‪ ،‬الذأ امتلن هللا بت اَّؤمن ‪،‬‬ ‫يعر بت اَّؤمن ال َّ‬
‫فظهر بت إميا‪،‬م‪ ،‬وهللا ـ ـ ــربهم‪ ،‬وجلشدهم‪ ،‬وثباهتم‪ ،‬وطاعتهم هلل‪ ،‬ور ـ ـ ـولِت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـلم ‪،‬‬
‫وهتك بت ِ ـ ـ ْ ش اَّنافق ‪ ،‬فظهر ملالفتهم‪ ،‬ونكويم عن اجلهاد‪ ،‬وخيانتهم هللِ‪ ،‬ولر ـ ـولت هللا ــل هللا‬
‫عليت و لم »(‪.)2‬‬
‫‪ - 7‬إقامة حكم هللا‪ ،‬ونظام ال الم يف األرض‬

‫إن إقامة حكم هللا يف األرض هد من أهدا اجلهاد‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿إِ َّان أشنْـشايلْشنا إِلشْي ش‬
‫ك‬ ‫َّ‬
‫صيما ﴾ [النساء‪. ]105 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫اب ِاب ْحلشِق لِتش ْلك شم بشْ ش الن ِ‬
‫َّاس ِمبشا أ ششر شاك َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شوحش تشك ْن ل ْل شهائن ش شخ ً‬ ‫الْكتش ش‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)3286/6‬‬


‫(‪ )2‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)371/1‬‬
‫‪591‬‬
‫‪ - 8‬دفع عدوان الكافرين‬
‫دفع عدوان الكافرين‪ ،‬وهذا العدوان أنواي منها‬ ‫َّ‬
‫إن من أهدا اجلهاد يف ال الم ش‬
‫عفة يف أرض الكفار‪ ،‬ح ــيما إذا تســتطع‬ ‫ضـ ٍ‬ ‫فئة ٍ‬
‫مؤمنة م ْس ـتش ْ‬ ‫أ ‪ -‬أن يعتدأ الكفَّار عل ٍ‬
‫تعد العدة‬ ‫فَن الواج عل الدَّولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬أن َّ‬ ‫بالد أتمن فيها عل دينها َّ‬ ‫أن تنتقل إىل ٍ‬
‫حض خيلِص ـ ـ ـ ـ ـ ــوها من الظُّلم‪ ،‬واحعتداء الواقع‬ ‫ااهدة الكفار الَّذين اعتدوا عل تلك الطَّائفة‪َّ ،‬‬
‫الدنْـيشا ِاب خرةِ شوشم ْن يـ شقاتِ ْل ِيف‬
‫احلشيشا شة ُّ‬
‫ين يش ْ ـ ـرو شن ْ‬ ‫عليها(‪ .)1‬قال تعاىل ﴿فشـ ْليـ شقاتِل ِيف ـ ـبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ْ ش‬
‫اَّللِ فشـيـ ْقتل أشو يـ ْلِ فشسـ ـ ـ ـو ش نـؤتِ ِيت أشجرا ع ِظيما ۝ وما لشكم حش تـ شقاتِلو شن ِيف ـ ـ ـ ـبِ ِيل َِّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ش‬ ‫شش ْ‬ ‫ش ـ ـ ـ ـب ِيل َّ ش ْ ْ ش ْ ش ْ ْ ْ ً ش ً‬
‫الرج ِال والنِس ـ ـ ـ ـ ِاء والْ ِولْد ِان الَّ ِذين يـقولو شن ربـَّنا أشخ ِرجنا ِمن ه ِذهِ الْقري ِة الظَّاِ‬
‫ش ش ْ ْ ش ْ ش ش ْش‬ ‫شش‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ شع ِف ش ِم شن ِ ش ش ش ش ش‬ ‫شوالْم ْس ـ ـ ـ ـتش ْ‬
‫صريا ﴾ [النساء‪. ]75 - 74 :‬‬ ‫ك ولِيًّا واجعل لشنشا ِمن لشدنْ ش ِ‬ ‫ِ‬
‫ك نش ً‬ ‫ْ‬ ‫اج شع ْل لشنشا م ْن لشدنْ ش ش ش ْ ش ْ‬
‫أ ْشهل شها شو ْ‬
‫القرطب ‪ -‬رحت هللا ‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫«حض عل اجلهاد‪ ،‬وهو يتض ـ َّـمن هليص اَّس ــتض ــعف من أيدأ الكفرة اَّ ــرك الذين‬
‫الدين فأوج تعاىل اجلهاد لعالء كلمتت‪ ،‬وإظهار‬ ‫يسـ ـ ـ ـ ـ ــومو‪،‬م ـ ـ ـ ـ ـ ــوء العذاب‪ ،‬ويفتنو‪،‬م عن ِ‬
‫ض ـعفاء من ِ‬
‫عباده‪ ،‬وإن كان يف ذلك تلف النُّفوس‪ .‬وهليص األ ــار‬ ‫دينت‪ ،‬وا ــتنقاذ اَّؤمن ال ُّ‬
‫وإما ابألموال‪ ،‬وذلك أوج لكو‪،‬ا دون النُّفوس إذ‬ ‫واج عل اعة اَّسلم َّإما ابلقتال‪َّ ،‬‬
‫هي أهون منها»(‪.)2‬‬
‫ين‬ ‫ب ‪ -‬أن يعتدأ الكفَّار عل دَير اَّسـ ـ ـ ـ ـ ــلم قال تعاىل ﴿وقشاتِلوا ِيف ـ ـ ـ ـ ـ ـبِي ِل َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫شخ ِرجوه ْم ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يـ شقـاتِلونشكم وحش تشـعتشـدوا إِ َّن َّ ِ‬
‫ين ۝ شواقْـتـلوه ْم شحْيـث ثشق ْفتموه ْم شوأ ْ‬ ‫اَّللش حش ـ ُّ الْم ْعتشـد ش‬ ‫ْش ْ‬
‫شخشرجوك ْم شوالْ ِفْتـنشة أش ششـ ـ ُّد ِم شن الْ شقْت ِل شوحش تـ شقاتِلوه ْم ِعْن شد الْ شم ْسـ ـ ِ ِد ا ْحلششرِام شح َّض يـ شقاتِلوك ْم فِ ِيت فشَِ ْن‬‫شحْيث أ ْ‬
‫اَّلل شفور رِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم ﴾ [البقرة‪]192 - 190 :‬‬
‫ش‬ ‫ين ۝ فشَن انْـتشـ شه ْوا فشَ َّن َّش‬ ‫ك شجشاياء الْ شكاف ِر ش‬ ‫قشاتشـلوك ْم فشاقْـتـلوه ْم شك شذل ش‬
‫الدَير‬ ‫نص الفقهاء عل أنَّت إذا اعتد الكفار عل دَير اَّسـ ـ ــلم يتع َّ اجلهاد لل ِدفاي عن ِ‬ ‫‪َّ .‬‬
‫العدو إذا احتلَّها ام اَّسلم عذاابً‪ ،‬ونفَّذ فيها أحكام الكفر‪ ،‬وأجرب أهلها عل اخلضوي‬ ‫ألن َّ‬ ‫َّ‬
‫لت‪ ،‬فتصب دار كف ٍر بعد أن كانت دار إ الم‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر اجلهاد يف بيل هللا ‪ ،‬د‪ .‬عبد هللا القادرأ (‪.)162/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري القرطب (‪.)279/5‬‬
‫‪592‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬ويتع َّ اجلهاد يف ثالثة موا ـ ـ ــع ‪...‬الثاين إذا نايل الكفار‬
‫ٍ‬
‫ببلد مع َّ ٍ عل أهلت قتايم‪ ،‬ودفعهم»(‪.)1‬‬
‫العدو منت‪ ،‬ف ِرض عل‬
‫خيف ه وم ِ‬‫كل مو ـ ـ ٍع ش‬ ‫وقال بعض علماء احلنفيَّة «وحاهللا ــلت َّ‬
‫أن َّ‬
‫المام‪ ،‬أو عل أهل ذلك اَّو ـ ـ ــع‪ ،‬حفظت‪ ،‬وإن يقدروا ف ِرض عل األقرب إليهم إعانتهم إىل‬
‫حصول الكفاية مبقاومة ِ‬
‫العدو»(‪.)2‬‬
‫حرم عل‬ ‫إن هللا ـ ـ ـ ـ ــبلانت َّ‬ ‫عدو الظُّلم ب رعاَيه ‪ -‬ولو كانوا كفاراً ‪َّ -‬‬ ‫ً ‪ -‬أن ين ـ ـ ـ ـ ــر ال ُّ‬
‫لكل النَّاس‪ ،‬وإذا يدفع اَّسلمون الظُّلم عن اَّظلوم‬ ‫ِ‬ ‫عباده الظلم‪ ،‬والعدل يف األرض واج‬
‫احلق‪ ،‬وإبطال الباطل‪ ،‬ون ــر العدل‪ ،‬والقض ـاء‬ ‫ِأشوا أل‪،‬م مأمورون ابجلهاد يف األرض لحقاق ِ‬
‫عل الظُّلم‪ ،‬وح فال يم إح بــذلــك‪ ،‬وهو األمر ابَّعرو ‪ ،‬والنَّهي عن اَّنكر‪ ،‬ومــا كــانوا خري‬
‫ت لِلنَّ ـ ِ‬
‫اس شأتْمرو شن‬ ‫ٍ‬
‫أ َّم ـة أخرج ــت للنَّ ـاس إح ب ــذل ــك‪ ،‬كم ــا ق ــال تع ــاىل ﴿كْنـت ْم شخ ْ شري أ شم ـة أ ْخ ِر شج ـ ْ‬
‫ٍ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين آمنوا‬ ‫ِابلْ شم ْعرو شوتشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شك ِر شوتـ ْؤمنو شن ِاب ََّّلل﴾ [آل عمران‪ ،]110 :‬وقال تعاىل ش‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫كونوا قشـ َّو ِام ش ََِّّللِ ش ـ ـ ـ ـ ـ شه شداءش ِابلْ ِق ْس ـ ـ ـ ـ ـ ِا شوحش شْجي ِرشمنَّك ْم شش ـ ـ ـ ـ ـنشآن قشـ ْوٍم شعلش أشحَّ تشـ ْع ِدلوا ْاع ِدلوا ه شو أشقْـشرب‬
‫ن ﴾ [املائدة‪. ]8 :‬‬ ‫اَّللش شخبِري ِمبشا تشـ ْع شملو ش‬ ‫اَّللش إِ َّن َّ‬‫لِلتَّـ ْق شو شواتـَّقوا َّ‬
‫كف الظُّلم عن اَّظلوم الكافر‪ ،‬الَّذأ يب ضــت اَّســلم لكفره‪ .‬قال ال َّس ـرخسـ ُّـي ‪-‬‬
‫ومن العدل ُّ‬
‫الذ َّمة عل أن ي ْ شك كم يف‬ ‫رحت هللا! ‪« -‬وإن كان ‪ -‬يقصد أحد ملوك أهل احلرب ‪ -‬طل ِ‬
‫هللاـ ـ ـ ْل ٍ ‪ ،‬أو ريه مبا ح يص ـ ــل يف دار ال ـ ــالم جيش ْ إىل‬ ‫أهل الكتت مبا ش ـ ــاء من ٍ‬
‫قتل‪ ،‬أو ش‬
‫ألن التقرير عل الظُّلم مع إمكان اَّنع منت حرام»(‪.)3‬‬
‫ذلك َّ‬
‫إن اَّســلم مفروض عليهم‬ ‫د ‪ -‬الوقو ـ َّـد الدُّعاة إىل هللا‪ ،‬ومنعهم من تبلي دعوة هللا َّ‬
‫﴿ولْتشك ْن ِمْنك ْم أ شمة‬ ‫ِ‬ ‫من قِبشل اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫وجل ‪ -‬أن يبل وا ر ــاحت هللا للنَّاس كافَّةً‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫عاي َّ‬
‫ن ﴾ [آل عمران‪]104 :‬‬ ‫ك هم الْم ْفلِلو ش‬ ‫ِ‬
‫اخلشِْري شو شرْمرو شن ِابلْ شم ْعرو شويشـْنـ شه ْو شن شع ِن الْمْن شك ِر شوأولشئِ ش‬
‫يش ْدعو شن إِ شىل ْ‬
‫وأعداء هللا يصدُّون أولياءه عن تبلي عباده دعوتت‪ ،‬وح ي كون يم بيالً إىل النَّاس‪ ،‬كما ح‬
‫رذنون للدُّعاة أن ي ْسـ ـ ِمعوا النَّاس دعوة هللا‪ ،‬ويض ــعون العراقيل‪ ،‬والعوائق‪ ،‬واحلواجاي‪ ،‬ب الدَّعوة‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر اَّ (‪.)279/9‬‬


‫(‪ )2‬انظر حاشية ابن عابدين (‪.)124/4‬‬
‫للسرخسي (‪.)85/10‬‬
‫انظر اَّبسوط ‪َّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪593‬‬
‫وجل ‪ -‬عل عباده اَّؤمن ‪ ،‬قتال ِ‬
‫كل شم ْن يشص ـ ُّد عن‬ ‫عاي َّ‬
‫ودعاهتا‪ ،‬والناس‪ ،‬ولذلك أوج هللا ‪َّ -‬‬
‫بيل هللا تعاىل(‪.)1‬‬
‫ين آمنوا شو شع ِملوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿الَّ ِذين شك شفروا وهللا ـ ـ ـ ُّدوا عن ـ ـ ـبِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل أش ش ـ ـ ـ َّل أ ْشع شما شي ْم ۝ شوالذ ش‬ ‫شْ ش‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫ِِ‬ ‫ات وآمنوا ِمبشا نـ ِايشل علش حم َّم ٍد وهو ْ ِ ِِ‬ ‫ال َّ ِ ِ‬
‫هللاـ ـ ـلش ش شاب شي ْم ۝‬ ‫احلش ُّق م ْن شرهب ْم شكفشَّر شعْنـه ْم ش ـ ـ ـيِئشاهت ْم شوأش ْ‬ ‫ش ش ش ش‬ ‫صـ ـ ـاحلش ش‬
‫ِ‬ ‫اطل وأ َّ َّ ِ‬ ‫شذلِك ِأب َّ َّ ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرب َّ‬
‫اَّلل‬ ‫ك يش ْ‬‫احلش َّق ِم ْن شرهبِِ ْم شك شذ ل ش‬‫ين آمنوا اتَّـبشـعوا ْ‬ ‫شن الذ ش‬
‫ِ‬
‫ين شك شفروا اتَّـبشـعوا الْشب ش ش‬ ‫شن الذ ش‬ ‫ش‬
‫اب شح َّض إِذشا أشثْ شهْنـتموه ْم فش ُّدوا الْ شو شاث شق فشَِ َّما‬ ‫الرقش ِ‬‫ب ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫لِلن ِ‬
‫ض ْر ش‬ ‫ين شك شفروا فش ش‬
‫َّاس أ ْشمثشا شي ْم ۝ فشَذشا لشقْيـتم الذ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـشر ِمْنـه ْم شولش ِك ْن لِيشـْبـل شو‬
‫اَّلل حشنْـتش ش‬
‫ك شولش ْو يش ش ـ ـ ـ ـ ـاء َّ‬ ‫ِ‬
‫احلشْرب أ ْشوشز شارشها ذشل ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ شع ْ‬ ‫ِ‬
‫شمنًّا بشـ ْعد شوإِ َّما ف شداءً شح َّض تش ش‬
‫اَّللِ فشـلش ْن ي ِض َّل أ ْشع شما شي ْم ﴾ [حممد‪ ]4 - 1 :‬واَّا تقدَّم يتَّض لنا‬ ‫ين قتِلوا ِيف ش بِ ِيل َّ‬ ‫بـعضكم بِبـع ٍ َّ ِ‬
‫ض شوالذ ش‬ ‫شْ ش ْ ش ْ‬
‫أن اجلهاد‬ ‫ائد عظيمةً تتلقَّق للمســلم و ريهم‪ ،‬و َّ‬ ‫أن لل هاد أهدافاً ــاميةً‪ ،‬ومصــاأ كرميةً‪ ،‬وفو ش‬ ‫َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬ ‫اَّهمة‪ ،‬وأنَّت من الدَّعائم الَّيت أقامها َّ‬ ‫من آاثر اي رة‪ ،‬ونتائ ها َّ‬
‫قوأ عر ـ ـ ــة‬ ‫األمة ب ري ٍ‬
‫جيش ٍ‬ ‫الدولة ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬وتوطيد أركان ال ـ ـ ــالم(‪ )2‬وذلك « َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫لبناء َّ‬
‫العدو إرادهتا‪،‬‬
‫للضَّياي إذ يطمع فيها أعدايها‪ ،‬وح يهابون َّقوهتا‪ ،‬فَذا كان يا جيش قوأ اح م ُّ‬
‫السالم»(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫ابعتداء عليها فيسود عند ذلك َّ‬ ‫فال ِ‬
‫حتدثت نفست‬

‫السرااي‪ ،‬والبعوث الَّيت سبقت غزوة بد ٍر الكرب ‪:‬‬


‫اثلثاً‪ :‬أهم َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يف اَّدينة‪،‬‬ ‫مب َّرد اح ــتقرار الَّذأ حص ــل للمس ــلم بقيادة َّ‬
‫وقيام اجلماعة اَّؤمنة يف ااتمع اجلديد كان َّ‬
‫حبد أن يتنبَّت اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلمون ‪ ،‬وقيادهتم إىل الو ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬
‫حويم‪ ،‬وما ينتظرهم من جهة أعدائهم أعداء الدَّعوة‪ ،‬وكان َّ‬
‫حبد أن تنطلق الدَّعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‬
‫وحتمل هو وأهللالابت يف بيلها اَّ َّ‬
‫اق‬ ‫إىل ايتها الَّيت أر ل هللا َّ‬
‫حممداً هللال هللا عليت و لم هبا‪َّ ،‬‬
‫الكثرية‪.‬‬
‫ألن أهل مكة‬ ‫يش يف َّ‬
‫مكة من أهم األمور الَّيت جي أن تعاجلها قيادة اَّدينة َّ‬ ‫إن موقف قر ٍ‬
‫َّ‬

‫للصاليب ‪ ،‬ص ‪.488‬‬ ‫(‪ )1‬انظر فقت التمك يف القران الكر ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر اي رة يف القران الكر ‪ ،‬ص ‪.453‬‬
‫للر ول األعظم هللال هللا عليت و لمفي كفيت اَّيايان ‪ ،‬لسيف ِ‬
‫الدين ‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫احلركات العسكريَّة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪594‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ألن ذلك ِ‬
‫يهدد كيا‪،‬م‪ ،‬ويـ شق ِوض‬ ‫لن ير ـ ـ ـوا أبن يقوم لإل ـ ــالم كيان ‪ -‬ولو كان يف اَّدينة ‪َّ -‬‬
‫بنيا‪،‬م‪ ،‬فهم يعلمون َّ‬
‫أن قيام ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم معناه انتهاء اجلاهليَّة‪ ،‬وعادات احابء‪ ،‬واألجداد‪َّ ،‬‬
‫فالبد‬
‫من الوقو يف وجهت‪.‬‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم إىل‬
‫وقد بذلت مكة‪ ،‬وأهلها اَّاوحت الكثرية لعدم وهللاـ ـ ـ ــول الن ِ‬
‫اَّدينة‪ ،‬و َّاهذت مواقف عدائيَّةً لضرب ال الم‪ ،‬والقضاء عل اَّسلم ‪ ،‬وا َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫تمر هذا العداء‬
‫أن عبد هللا بن‬ ‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ومن أهم اَّواقف الدَّالة عل ذلك َّ‬
‫بعد ه رة الن ِ‬
‫َّث عن عد بن مع ـاذ أنَّـت قال ك ـان هللاديق ـاً ألمي ـة بن شخلف‪ ،‬وك ـان‬ ‫ٍ‬
‫مسعود ر ي هللا عنت ح ـد ش‬
‫مبكة نايل عل أميَّةش‪ ،‬فل ـ ـ ـ َّـما قدم ر ول هللا‬ ‫مر َّ‬ ‫ٍ‬
‫عد‪ ،‬وكان عد إذا َّ‬ ‫مر ابَّدينة نايل عل‬ ‫أ شمية إذا َّ‬
‫مبكةش‪ ،‬فقال ألميةش انظر س‬ ‫هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم اَّدينةش‪ ،‬انطلق ـ ـ ــعد معتمراً‪ ،‬فنايل عل أميةش َّ‬
‫ـ ـ ـ ـ ــاعةش شخلوةٍ‪ ،‬لعلِي أن أطو ابلبيت‪ ،‬فهرً بت قريباً من نص ـ ـ ـ ـ ــف النَّهار‪ ،‬فلقيهما أبو جهل‪،‬‬
‫فقال َي أاب هللا ـ ـ ـ ـ ــفوان! من هذا معك؟ فقال هذا ـ ـ ـ ـ ــعد‪ .‬فقال لت أبو جهل أح أراك تطو‬
‫الصبشأة(‪ ،)3‬وزعمتم أنَّــكم تنصرو‪،‬م‪ ،‬وتعينو‪،‬م‪ ،‬أما وهللا! لوح أنك مع أيب‬ ‫مبكة آمناً‪ ،‬وقد أويتم ُّ‬ ‫َّ‬
‫ت إىل أهلك اَّاً‪ .‬فقال لت عد ‪ -‬ورفع هللاوتت عليت ‪ -‬أما وهللا! لئن منعت‬ ‫رج ْع ش‬
‫هللافوان ما ش‬
‫البيوقي‬
‫ِّ‬ ‫رواية عند‬ ‫هذا‪ ،‬ألمنعنَّك ما هو أش ـ ـ ُّ‬
‫ـد عليك منت‪ ،‬طريقك عل اَّدينة ‪[ »...‬البخاري (‪ ])3950‬ويف ٍ‬
‫ش‬
‫ألقطعن عليك مت شرك إىل ال َّام»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫«وهللا! لئن منعت أن أطو ابلبيت‪،‬‬ ‫[دالئل النبوة (‪])25/3‬‬

‫جهل)‪ ،‬يشـ ْعتشِرب ( ـ ــعد بن معاذ) من أهل احلرب ابلنَّس ـ ــبة إىل‬ ‫أن (أاب ٍ‬ ‫تدل هذه الواقعة عل َّ‬‫ُّ‬
‫جديد من‬ ‫ٍ‬ ‫قريش‪ ،‬ولوح أنَّت دخل مكة يف أمان زعي ٍم من زعمائها ألهدر دمت‪ ،‬وهذا تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـر‬
‫الدولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة فيها فلم يكن أحد من أهل‬ ‫مكة حيال أهل اَّدينة‪ ،‬يكن قبل َّ‬ ‫ري ـ ـ ـ ـ ـ ــاء َّ‬
‫مكة! بل إن قري ـ ـ ـ ـاً كانت تكره أن‬ ‫أمان لكي يس ـ ـ ـ ـم لت ابلدُّخول إىل َّ‬ ‫اَّدينة تاً إىل عقد ٍ‬
‫ْ شش‬
‫تفكر يف حدوث حالة حرب بينها وب أهل اَّدينة قبل هذا الو ـ ـ ـ ـ ـ ــع اجلديد‪ ،‬وقالوا يف هذا‬ ‫ِ‬
‫ض إلينا أن تن ـ ـ ـ ـ‬ ‫ِ‬
‫صـ ـ ـ ـت «وهللا! ما م ْن ح ٍي من العرب أب ش‬
‫صـ ـ ـ ـدد‪ ،‬خياطبون أهل اَّدينة ما ن ُّ‬ ‫ال َّ‬
‫أن قوافل دارة قريش يف طريقها إىل‬ ‫صـ ـ ـ ـة‪ ،‬عل َّ‬ ‫احلرب بيننا وبينهم منكم»(‪ ،)4‬كما ُّ‬
‫تدل هذه الق َّ‬

‫تفرقت‪.‬‬
‫الصفو وااالس َّ‬ ‫(‪ )1‬قشـ َّوض البناء شه شد شمت ‪ ،‬وتشـ شق َّو ت ُّ‬
‫(‪ )2‬انظر مروَيت ايوة بدر ‪ ،‬ألحد ابوزير ‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫يسمون من أ لم هللاابئاً‪.‬‬
‫(‪ ] )3‬ع هللاابئ أأ اخلارً عن دينت‪ .‬وكان اَّ ركون ُّ‬
‫(‪ )4‬انظر رية ابن ه ام (الروض األنف ‪.)192/2‬‬
‫‪595‬‬
‫الدولة ال ــالميَّة مبكروهٍ أأ َّ‬
‫أن‬ ‫تتعرض يا َّ‬ ‫حض حدوث هذه الواقعة‪َّ ،‬‬ ‫ال َّ ـام كانت يف ٍ‬
‫أمان َّ‬
‫مكة معاملة أهل احلرب‪ ،‬فلم تض ـ ـ ـ ــرب عليهم‬ ‫حض هذا الوقت تعامل أهل َّ‬ ‫َّ‬
‫الدولة ال ـ ـ ـ ــالميَّة َّ‬
‫أن األيدأ‬ ‫ـوء! ومعىن هذا َّ‬ ‫قافلة‪ ،‬أو تقص ـ ـ ــدها بس ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـادأ‪ ،‬و تص ـ ـ ــادر يم أيَّة ٍ‬
‫احلص ـ ـ ــار احقتص ـ ـ ـ َّ‬
‫مكة هي الَّيت ابدرت‪ ،‬وأعلنت احلرب عل الدَّولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة يف‬ ‫اَّمس ـ ـ ـ ـ ـ ــكة بايمام األمور يف َّ‬
‫تأمن (‪.)1‬‬ ‫مكة إح بصفة م ْس ش‬ ‫اَّدينة‪ ،‬واعتربت اَّسلم أهل حرب‪ ،‬ح يسم يم بدخول َّ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫الدولة ال ــالميَّة يف اَّدينة ما‬ ‫مكة إىل إعالن احلرب‪ ،‬عل َّ‬ ‫ودليل آخر عل مبادرة ري ــاء َّ‬
‫َّب هللاــل‬ ‫جاء يف ــنن أيب داود عن عبد الرحن بن كع بن مالك‪ ،‬عن ٍ‬
‫رجل من أهللاــلاب الن ِ‬
‫أن كفــار قريش كتبوا إىل (ابن أ ٍيب) ومن كــان يعبــد معــت األواثن من األوس‬ ‫هللا عليــت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫يومئذ ابَّدينة قبل وقعة بدر إنكم اويتم هللااحبنا‪َّ ،‬‬
‫وإان‬ ‫واخلايرً ور ول هللا هللال هللا عليت و لم ٍ‬
‫حض نقتل مقاتلتكم‪ ،‬ونس ـ ـ ـ ـ ــتبي‬ ‫نقس ـ ـ ـ ـ ــم ابهلل! لتقاتِلنَّت‪ ،‬ولتهرجنَّت‪ ،‬أو لشنشس ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـرين إليكم أب عنا‪َّ ،‬‬
‫نسـ ـ ــاءكم‪ .‬فلما بل عبد هللا بن أ ٍيب ومن كان معت من عبدة األواثن‪ ،‬اجتمعوا لقتال ِ‬
‫النب هللاـ ـ ــل‬
‫النب (ﷺ) لشِقيشهم‪ ،‬فقال «لقد بل وعيد قريش منكم اَّبال ‪،‬‬ ‫هللا عليت و لم ‪ ،‬فلـ ـ َّـما بل ذلك َّ‬
‫مــا كــانــت تكيــدكم أبكثر اـَّا تريــدون أن تكيــدوا بــت أنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــكم‪ ،‬تريــدون أن تقــاتلوا أبن ـاءكم‪،‬‬
‫تفرقوا‪[ .‬أبو داود (‪ )3004‬وعبد الرزاق يف‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫وإخوانكم!» فلـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسعوا ذلك من الن ِ‬
‫املصنف (‪ )9733‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪. ])180 - 179/3‬‬

‫اَّريب هللال هللا عليت و لم حيث قض عل هذه‬ ‫ُّبوة‪ ،‬وعظمة القائد ِ‬ ‫وهنا تظهر عظمة الن َّ‬
‫العاية القبليَّة فقد كان هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم يدرك أ وار‬
‫الفتنة يف مهدها‪ ،‬و ـ ـ ـ ــرب عل وتر َّ‬
‫النَّفس الب ريَّة الَّيت يتعامل معها ولذلك كان خطابت مؤثِراً يف نفوس م ركي يثرب‪ ،‬وحنن حباجة‬
‫المي‪ ،‬وزعايعة‬
‫ـف ال ـ ـ ـ ِ‬ ‫إىل هذا الفقت العظيم‪ ،‬يف تفتيت حماوحت اَّ ـ ــرك للقض ـ ــاء عل الص ـ ـ ِ‬
‫بنيانت الدَّاخلي‪ ،‬وبعد أن بدأت قريش نعالن حالة احلرب بينها وب دولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ابَّدينة‪،‬‬
‫يش حس ما‬ ‫ونايل الذن من هللا تعاىل ابلقتال هللاار من الطبيعي أن تتعامل دولة اَّدينة مع قر ٍ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم من أجل توطيد مكانة‬ ‫تقتضــيت حالة احلرب هذه‪ ،‬فقد َّادت ن ــاط َّ‬
‫فادت ن ـ ــاطت هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫الرد عل قريش يف إعال‪،‬ا حالة احلرب عل اَّدينة‪َّ ،‬‬ ‫الدولة‪ ،‬و ِ‬
‫هذه َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اجلهاد والقتال (‪.)476/1‬‬


‫‪596‬‬
‫و ــلم حنو إر ــال ال َّس ـراَي‪ ،‬واخلروً يف ال ايوات(‪ ،)1‬فكانت تلك ال َّس ـراَي‪ ،‬وال ايوات الَّيت ــبقت‬
‫بدر الكرب ومن ألها‬
‫‪ - 1‬ايوة األبْـ شواء‬

‫أوىل ال ايوات الَّيت اياها الن ُّ‬


‫(‪)3‬‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ايوة األبواء(‪ ،)2‬وتـ ْعشر ب ايوة شوَّدان‬
‫أيضاً‪ ،‬ولا موقعان مت اوران بينهما تة أميال‪ ،‬أو شانية‪ ،‬و يقع قتال يف هذه ال ايوة بل َتَّت‬
‫موادعة ب ــمرة (من كنانة)‪ ،‬وكانت هذه ال ايوة يف (هللاــفر ــنة اثنت من اي رة)‪ ،‬وكان عدد‬
‫اجل(‪.)4‬‬ ‫اَّسلم مئت ب راك ٍ ‪ ،‬ور ٍ‬
‫‪ - 2‬رية عبشـْيدة بن احلارث‬
‫اية عقدها ر ــول هللا (ﷺ)(‪ ،)5‬وكان عدد ال َّس ـ ِريَّة ــتِ من اَّهاجرين‪ ،‬وكانت‬
‫وهي َّأول ر ٍ‬
‫قائد اَّ ــرك أبو ــفيان بن حرب‪،‬‬ ‫اجل‪ ،‬وكان ش‬ ‫َّقوة األعداء من قريش أكثر من مئيت راك ٍ ‪ ،‬ور ٍ‬
‫ماء بوادأ راب ‪ ،‬رم فيها ـ ــعد بن أيب وقاص بسـ ــه ٍم‪،‬‬‫وحصـ ــلت مناوشـ ــات ب الطَّرف عل ٍ‬
‫فكان َّأول ه ٍم رِم شي بت يف ال الم‪ ،‬وكانت بعد رجوعت من األبواء(‪.)6‬‬
‫‪ - 3‬ريَّة حاية بن عبد اَّطل‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف مقامت ذلك ‪ -‬أأ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّما وهللال إىل‬
‫قال ابن إ لاق وبعث الن ُّ‬
‫اَّدينة بعد ايوة األبواء ‪ -‬حاية بن عبد اَّطل إىل ـ ــيف(‪ )7‬البلر(‪ )8‬من انحية العيص(‪ ،)9‬يف‬
‫الساحل‪ ،‬يف ثالشئة راك ٍ من أهل‬ ‫ثالث راكباً من اَّهاجرين‪ ،‬فلقي أاب جهل بن ه ام بذلك َّ‬
‫جمدأ بن عمرو اجل شه ُّ‪ ،‬وكان موادعاً للفريق يعاً‪ ،‬فانصر بعض‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬فل اي ب الفريق‬

‫(‪ )1‬انظر اجلهاد والقتال (‪.)477/1‬‬


‫(‪ )2‬قيل ِمسيت بذلك َّا فيها من الوابء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ودَّان قرية قريبة من األبواء‪.‬‬
‫الراجل ِخال الفارس‪ ،‬واجلمع شر َّجالة‪.‬‬
‫انظر جيش النَّب هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬مود شيت خطاب‪ ،‬ص ‪ ، 54‬و َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬انظر طبقات ابن عد (‪.)7/2‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬د‪ .‬حممد بكر ال عباد (‪.)40/1‬‬
‫انظر حديث القران عن ايوات َّ‬
‫(‪)6‬‬

‫الساحل ‪ ،‬واجلمع أ يا ‪.‬‬ ‫السيف ـ ابلكسر ـ ال اطئ و َّ‬ ‫(‪ ] )7‬يف ِ‬


‫(‪ )8‬يف البلر احلت من انحية العيص‪.‬‬
‫(‪ )9‬العيص ـ ابلكسر ـ مكان ب ينبع واَّروة انحية البلر األحر‪.‬‬
‫‪597‬‬
‫القوم عن بعض‪ ،‬و يكن بينهم قتال(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ - 4‬ايوة بـ شواط‬
‫السنة الثَّانية من‬
‫األول‪ ،‬يف َّ‬
‫وكانت ايوة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بواط يف شهر ربيع َّ‬
‫م شهاجره‪ ،‬وخرً يف مئت من أهللاــلابت‪ ،‬وكان مقصــده أن يع ض عرياً لقريش‪ ،‬كان فيها أميَّة بن‬
‫رجل‪ ،‬وألف وطســمئة بع ٍري‪ ،‬فلم يلق الن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم كيداً فرجع إىل‬ ‫خلف‪ ،‬يف مئة ٍ‬
‫اَّدينة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ - 5‬ايوة الع ش رية‬
‫وفيها ايا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قري ـ ـاً‪ ،‬وا ـ ــتعمل عل اَّدينة أاب ش ـ ـلشمة بن عبد األ ـ ــد‪،‬‬
‫ومسيت هذه ال ايوة ب ايوة الع ش ـ ـرية‪ ،‬فأقام هبا ش شاد األوىل‪ ،‬ولياس من اد ا خرة‪ ،‬وادي فيها‬ ‫ِ‬
‫أن العري الَّيت‬
‫يلق كيداً وذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫ب م ْدلت‪ ،‬وحلفاءهم من ب ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْمرة‪ ،‬مثَّ رجع إىل اَّدينة‪ ،‬و ش‬
‫(‪)4‬‬ ‫خرً يا قد مضـ ـ ــت قبل ذلك ٍ‬
‫أبَيم‪ ،‬ذاهبةً إىل ال َّ ـ ـ ـام ‪ ،‬فسـ ـ ــاحلت عل البلر‪ ،‬وبل قري ـ ـ ـاً‬
‫خربها‪ ،‬فهرجوا مينعو‪،‬ا‪ ،‬فلقوا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ووقعت ايوة بدر الكرب (‪.)5‬‬
‫‪ - 6‬رية عد بن أيب ٍ‬
‫وقاص‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ــعد بن أيب وقَّاص‪ ،‬يف ـر ٍية قوامها‬
‫وبعد ايوة الع ــرية‪ ،‬بعث الن ُّ‬
‫يلق كيداً(‪.)7‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫حض بل اخلشَّرار من أرض احل از‪ ،‬مثَّ رجع‪ ،‬و ش‬ ‫شانية رها من اَّهاجرين‪ ،‬فهرً َّ‬
‫‪ - 7‬ايوة بدر األوىل‬
‫هرأ‪ ،‬قد أ ار عل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْرِ (‪ )8‬اَّدينة‪ ،‬و‪ ،‬بعض البل‪،‬‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ــببها أن كرز بن جابر ِ‬
‫الف َّ‬ ‫ْش ش‬
‫حض بل وادَيً يقال لت ش ـ ْفوان‪ ،‬من‬
‫واَّواشــي‪ ،‬فهرً ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يف طلبت‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪.)595/1‬‬


‫(‪ )2‬بواط ـ بفت اَّوحدة و ِمها ـ جبل من جبال جهينة ‪ ،‬بناحية ر و بقرب ينبع‪.‬‬
‫(‪ )3‬الع رية مو ع ب َّ‬
‫مكة واَّدينة من انحية ينبع عل احل البلر األحر‪( .‬مراهللاد احطالي ‪ .)943/2‬ـ ‪]641‬انظر طبقات ابن عد (‪.)10/2‬‬
‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬اَّصدر السابق نفست (‪.)11/2‬‬


‫(‪ )6‬علم َّو ع ابحل از قرب اجللفة ‪ ،‬انظر (مراهللاد احطالي ‪.)455/1‬‬
‫(‪ )7‬انظر رية ابن ه ام (‪.)600/2‬‬
‫السر البل واَّواشي اليت تسر للرعي ابل داة‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)8‬‬

‫‪598‬‬
‫انحية بد ٍر‪ ،‬وفاتشت ك ْرز بن جاب ٍر‪ ،‬فلم يدركت‪ ،‬فرجع ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إىل اَّدينة(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫‪ - 8‬رية عبد هللا بن جلش األ ِ‬
‫دأ إىل شَنْلة‬
‫ها من اَّهاجرين إىل َنلة‬ ‫وأر ــل النب هللاــل هللا عليت و ــلم عبد هللا بن جلش يف شانية ر ٍ‬
‫ش‬ ‫ُّ‬
‫يوم من رج لال ـ ـ ــتطالي‪ ،‬والتَّعر عل أخبار قريش لكنَّهم تعر ـ ـ ـوا‬ ‫جنوب مكة يف آخر ٍ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـرمي‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ــروا اثن من رجايا‪،‬‬ ‫لقافلة داريٍَّة لقريش‪ ،‬فظشِفروا هبا‪ ،‬وقتلوا قائدها عمرو بن احلش ْ‬ ‫ٍ‬
‫َّب هللاــل هللا‬ ‫لا عثمان بن عبد هللا‪ ،‬واحلكم بن شكْيســان‪ ،‬وعادوا هبما إىل اَّدينة‪ ،‬وقد توقَّف الن ُّ‬
‫احلششرِام قِتش ٍال فِ ِيت‬
‫ك شع ِن ال َّ ـ ـ ـ ْه ِر ْ‬‫حض نايل عليت قولت تعاىل ﴿يش ْسـ ـ ـأشلونش ش‬ ‫عليت و ـ ــلم يف هذه ال نائم‪َّ ،‬‬
‫احلششرِام شوإِ ْخشراً أ ْشهلِ ِت ِمْنت أش ْك شرب ِعْن شد َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫اَّللِ شوك ْفر بِِت شوالْ شم ْسـ ـ ِ ِد ْ‬
‫هللاـ ـد شع ْن ش ـ ـبِ ِيل َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ق ْل قتشال فيت شكبِري شو ش‬
‫ك شرب ِمن الْ شقْت ِل﴾ [البقرة‪.]217 :‬‬ ‫ِ‬
‫شوالْفْتـنشة أش ْ ش‬
‫فل َّـما ن ـايل القرآن الكر قب ـض ر ول هللا هللال هللا عليت و لم العي ـر‪ ،‬واأل ريي ـن‪ ،‬ويف ري ـة‬
‫ضشرمي َّأول ٍ‬
‫قتيل قتلت اَّسلمون‪ ،‬وعثمان‬ ‫عبد هللا ه ــذه نم اَّسلمون َّأول نيم ــة‪ ،‬وعمرو ب ــن احلش ْ‬
‫بن عبد هللا‪ ،‬واحلكم بن كيسان َّأول من أ ر اَّسلمون(‪.)3‬‬
‫ودروس‪ ،‬وعربٌ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫رابعاً‪ :‬فوائد‪،‬‬

‫‪ - 1‬مض ش ِري اجلهاد؟‬


‫حممد أبو ش ـ ـ ــهبة إىل َّ‬
‫أن ت ـ ـ ـ ـريع اجلهاد كان يف أوائل ال َّسـ ـ ـ ـنة الثَّانية‬ ‫ذه ال َّ ـ ـ ـ ـي ُّ‬
‫الدكتور َّ‬
‫الدينيَّة‪ ،‬والدُّنيويَّة‬ ‫السنة األوىل بتنظيم أحوايم ِ‬ ‫لله رة‪ ،‬وعلَّل ذلك بسب ان ال اَّسلم يف َّ‬
‫َّبوأ‪ ،‬وأمور معاي ــهم‪ ،‬وطرق اكتس ــاهبم‪ ،‬وتنظيم أحوايم ال ِسـ ـيا ـ ـيَّة كعقد‬ ‫كبنائهم اَّسـ ـ د الن ِ‬
‫التاخي بينهم‪ ،‬وموادعتهم اليهود اَّساكن يم يف اَّدينة كي رمنوا شرورهم(‪ .)4‬وذه األ تاذ‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪.)601/2‬‬


‫(‪َ )2‬نلة اليمانية و ٍاد عسكرت بت هوازن يوم حن ‪.‬‬
‫السريَّة يف شهر رج ‪ ،‬وهو أحد األشهر احلرم ‪ ،‬فل َّـما‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪ ، )43/1‬وقد كانت هذه َّ‬ ‫انظر حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫يوم من رج وتعر وا يذه القافلة ‪ ،‬ت اوروا ‪ ،‬وقالوا حنن يف اخر ٍ‬


‫يوم من رج ‪ ،‬فَن قاتلناهم انتهكنا ال َّهر احلرام ‪ ،‬وإن تركناهم‬ ‫كانوا يف اخر ٍ‬
‫الليلة دخلوا احلرم ‪ ،‬مثَّ اجتمعوا عل اللقاء ‪ ،‬فقتلوا ‪ ،‬وأ روا ‪ ،‬وأنكر ر ول هللا هللال هللا عليت و لمما فعلوه ‪ ،‬وقال «ما أمرتكم ٍ‬
‫بقتال يف ال َّهر‬
‫احلرام» فنايلت احية‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)76 ، 75/1‬‬
‫‪599‬‬
‫السنة األوىل لله رة(‪.)1‬‬ ‫هللااأ ال َّامي إىل َّ‬
‫أن الذن ابجلهاد كان يف أواخر َّ‬
‫السرية‪ ،‬وال ايوة‬
‫‪ - 2‬ال شف ْرق ب َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت‬ ‫ٍ‬ ‫يطلق كتَّاب ال ِسـ شري يف ال ال عل ِ‬
‫كل جمموعة من اَّســلم خرً هبا الن ُّ‬
‫عدوه ايوًة‪ ،‬ـ ـ ـ ـواء حدث فيها قتال‪ ،‬أم دث‪ ،‬و ـ ـ ـ ـواء كان عددها كبرياً‪ ،‬أم‬ ‫َّ‬ ‫و ـ ـ ــلم ليلق‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم حع اض‬‫هللاـ ـ رياً‪ .‬ويطلقون عل كل جمموعة من اَّس ــلم ير ـ ـلها الن ُّ‬
‫عدو كلمة ( ش ِريَّة) أو (بعث)‪ ،‬وقد دث فيها قتال‪ ،‬وقد ح دث‪ ،‬وقد تكون لرهللاد أخبار‬ ‫ٍ‬
‫مهمتهم حمدَّدة يف‬
‫ألن َّ‬ ‫عدوه‪ ،‬أو ريه‪ ،‬و الباً ما يكون عدد الَّذين خيرجون يف ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـراَي قليالً َّ‬ ‫ِ‬
‫العدو‪ ،‬وإخافت ـت‪ ،‬وإرابكت‪ ،‬وقد قاد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم بعاً وع رين ايوةً‪،‬‬ ‫مناوش ـة ِ‬
‫بثمان وثالث ريَّةً‪ ،‬وبعثـ ـ ـاً‪ ،‬وقد خطَّا يا يف ف ةٍ وجيايةٍ يف ع ْم ِر األمم‪ ،‬بل ت‬ ‫وأر ل ما يقدَّر ٍ‬
‫الايمن(‪.)2‬‬ ‫ع ْ ر نـو ٍ‬
‫ات من َّ‬ ‫ش ش‬
‫‪ - 3‬تعداد َّكان اَّدينة‪ ،‬وعالقتت َّ‬
‫ابلسراَي‬
‫أمر النَّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم نجراء ٍ‬
‫تعداد ـ ـ ـ َّـك ٍ‬
‫اين يف ال َّسـ ـ ـ ـنة األوىل من اي رة‪ ،‬وبعد‬ ‫ُّ‬
‫نص أمر ر ـول هللا هللاـل هللا عليت‬ ‫ِ‬ ‫اَّؤاخاة مباشـرًة‪ ،‬وكان الحصـاء للمسـلم فقا‪ ،‬أو حسـ‬
‫و ـ ـ ـ ــلم حينما قال «اكتبوا س من تلفَّم ابل ـ ـ ـ ــالم من الناس» فبل تعداد اَّارب منهم فقا‬
‫رجل(‪ ،)3‬فأطلق اَّس ــلمون بعد إجراء هذا الحص ــاء تس ــايل تع ٍ ‪،‬‬ ‫(‪ )1500‬ألفاً وطس ــمئة ٍ‬
‫اب «َنا وحنن ألف وطسـ ـ ــمئة؟!» أل‪،‬م كانوا قبل ح ينامون إح ومعهم ال ِس ـ ـ ـال‬ ‫وا ـ ـ ــت ر ٍ‬
‫خوفاً عل أنفس ــهم‪ ،‬وكان ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم مينع خروجهم ليالً فراد حايةً يم‬
‫(‪)4‬‬
‫ـائي‬
‫من ال در ‪ ،‬وبعد هذا التَّعداد مباش ـ ـ ــرًة‪ ،‬بدأت ال َّسـ ـ ـ ـراَي‪ ،‬وال ايوات‪ ،‬وهذا الجراء الحص ـ ـ ـ ُّ‬
‫يدخل من الجراءات التَّنظيميَّة يف تطوير َّ‬
‫الدولة النَّاشئة(‪.)5‬‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬


‫(‪ )2‬يف ظالل السرية ـ ايوة بدر ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )3‬انظر الواثئق ِ‬
‫السيا يَّة ‪ ،‬حلميد هللا ‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫الروض األنف (‪.)43/5‬‬ ‫انظر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫ُّبوة ‪ ،‬لل ُّ اي ‪ ،‬ص ‪.163‬‬


‫انظر درا ات يف عهد الن َّ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪600‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ال َّهصيَّة‬
‫الصلابة للن ِ‬
‫‪ - 4‬حرا ة َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم حرا ةً شهصيَّةً‪ ،‬فعن ِأم‬ ‫الصلابة ر ي هللا عنهم ر ون الن َّ‬ ‫كان َّ‬
‫ٍ‬
‫ليت‬
‫ذات ليلة‪ ،‬فقال « ش‬ ‫اَّؤمن عائ ــة ر ــي هللا عنها قالت «أش ِر شق الن ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ش‬
‫ـوت ال ِس ـ ـال ‪ ،‬قال « شم ْن هذا؟» قال‬
‫رجالً هللا ــاحلاً من أهللا ــلايب شْر ـ ـ اللَّيلة» إذ مسعنا هللا ـ ش‬
‫حض مسعنـا شطيطت» [البخاري‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫أحر ك‪ ،‬فنـام الن ُّ‬
‫ول هللا! جئت ْ‬ ‫عـد َي ر ش‬
‫(‪ 2885‬و‪ )7231‬ومســلم (‪ ،])2410‬وكان ذلك قبل ايوة بد ٍر الكرب (‪ .)1‬ويف حديث عائ ــة ر ــي هللا‬
‫العدو‪ ،‬واألخذ ابحلايم‪ ،‬وترك اللال يف مو ـ ـ ـ ـ ـ ــع احلاجة إىل‬ ‫عنها م ـ ـ ـ ـ ـ ــروعية احح اس من ِ‬
‫اححتياط‪ ،‬وأ َّن عل النَّاس أن ر ـ ـوا ـ ــلطا‪،‬م خ ـ ــية القتل‪ ،‬وفيت الثَّناء عل شم ْن َّ‬
‫تربي ابخلري‪،‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ذلك مع َّقوة توُّكلت لال تنان بت يف ذلك(‪.)2‬‬ ‫عىن الن ُّ‬ ‫وتسميتت‪َّ ،‬‬
‫وإجا ش‬
‫ش ْمشرة والتعليق عليها‬ ‫‪ - 5‬نص وثيقة اَّعاهدة مع ب‬
‫حمم ٍد ر ــول هللا‪ ،‬لب ش ـ ْمشرة بن بكر بن عبد مناة‬ ‫الرحيم‪ ،‬هذا كتاب من َّ‬ ‫الرحن َّ‬
‫«بســم هللا َّ‬
‫أن يم النَّصـ ـ ـ ـ ــر عل شم ْن رامهم إح أن ا ِربوا‬ ‫بن كنانة‪َّ ،‬‬
‫أب‪،‬م آمنون عل أموايم‪ ،‬وأنفسـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬و َّ‬
‫وذمة‬
‫ذمة هللا‪َّ ،‬‬
‫ص ـرة أجابوه‪ ،‬عليهم بذلك َّ‬
‫َّب إذا دعاهم لن ْ‬ ‫دين هللا‪ ،‬ما بش َّل حبر هللا ـوفشةً(‪ ،)3‬و َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫ر ولت‪ ،‬ويم النَّصر عل شم ْن َّبر منهم‪ ،‬واتَّق »(‪.)4‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف ايوة األبْواء فرهللاةً ذهبيَّةً‪ ،‬فعقد حلفاً عسكرَيً مع شي‬ ‫انتهاي الن ُّ‬
‫الصراي ب الدَّولة ال الميَّة‬ ‫قيمة عسكريٍَّة ح تقدَّر بثم ٍن يف ِ‬ ‫ب مرة‪ ،‬فقد كان موقع بالده ذا ٍ‬
‫النَّاش ــئة‪ ،‬وقريش ولذلك عمل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم عل ــمان حيدهتم‪ ،‬يف حالة‬
‫حض وقعة بدر‬ ‫مكة‪ ،‬وكانت خطَّتت هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬ ‫وقوي هللاـ ٍ‬
‫ـدام مس ـلَّ ٍ ب اَّدينة‪ ،‬وأهل َّ‬
‫أن هذه القوافل كانت‬ ‫جمموعات هللا ـ ـ ريةٍ من اَّهاجرين‪ ،‬وخا َّ‬
‫هللا ـ ـةً َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أن يايعت قوافل قريش نر ـ ــال‬
‫حض تلك اللَّلظة(‪.)5‬‬ ‫تفكر فيت قريش َّ‬ ‫ِ‬ ‫قيش ميها‪ ،‬وهو أمر‬ ‫مصلوبة ٍ‬‫ٍ‬ ‫ري‬

‫القرطب (‪.)230/6‬‬
‫ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر تفسري‬
‫(‪ )2‬انظر وحية ال رطة يف ال الم ‪ ،‬د‪ .‬عمر حممد احلميداين ‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫(‪ )3‬كناية عن التأبيد واح تمرار‪.‬‬
‫السيا يَّة ‪َّ ،‬مد حيد هللا ‪ ،‬ص ‪ 220‬رقم (‪.)159‬‬ ‫(‪ )4‬الواثئق ِ‬
‫(‪ )5‬انظر ن أة َّ‬
‫الدولة ال الميَّة ‪ ،‬د‪ .‬عون ال ريف ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪601‬‬
‫ومصدر رزقهم قد و عهم‬
‫ش‬ ‫كان قـ ْرب ب ش ْمشرة‪ ،‬وحلفائهم من اَّدينة الَّيت كانت وقشهم‪،‬‬
‫أبأ مس ـ ـ ٍ‬
‫ـلك ري موادعة َّ‬
‫الدولة ال ـ ــالميَّة النَّاش ـ ــئة‪ ،‬وهو حلف عدم‬ ‫يف ٍ‬
‫موقف ح يس ـ ــم يم ِ‬
‫ٍ‬
‫اعتداء وفق اَّصطل احلديث(‪.)1‬‬
‫أن مقتض ـ ـ ــيات ال ِسـ ـ ـ ـيا ـ ـ ــة ال َّ ـ ـ ـ ـرعيَّة‪ ،‬قد تدفع اَّس ـ ـ ــلم إىل‬
‫وقد دلَّت هذه اَّوادعة عل َّ‬
‫أن التَّلالف‬ ‫أأ من الكتل القائمة‪ ،‬و َّ‬ ‫ارأ‪ ،‬مع ٍ‬ ‫ـادأ‪ ،‬أو التِ ِ‬ ‫ـكرأ‪ ،‬أو احقتصـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫التَّلالف العسـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ض ـرر احلاهللاــل‪ ،‬أو اَّرتق (‪،)2‬‬ ‫ال ِس ـيا ـ َّـي لت أهللاــل يف ال َّ ـريعة‪ ،‬و ــرورة يوجبها ا ــتهدا رفع ال َّ‬
‫أن التَّلالف مب عل قاعـ ـ ــدة رفع الضَّرر‪ ،‬واَّصللة اَّ كة‪ ،‬وأن تكون ألهللال احللف ايـ ـ ــة‬ ‫و َّ‬
‫شرعيَّ ـ ـ ــة معلوم ـ ـ ــة‪ ،‬وأن يكون للمسلم يف احللف قرار‪ ،‬ورأأ‪ ،‬أما إذا كانوا أتباعاً‪ ،‬ومنفذين ‪-‬‬
‫األمة أن‬ ‫رعي‪ ،‬وعل قيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة َّ‬
‫كما يف األحال احلديثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪ -‬فهذا ح ينطبق عليت األهللاــل ال َّ ـ ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم يف حركتت السيا ية‪ ،‬وأن تفهم القاعدة ال َّرعيَّة الَّيت‬ ‫تست ــوع هدأ الن ِ‬
‫تقول «ح رر وح رار» [ابن ماجه (‪ )2341‬وأمحد (‪ )313/1‬والطرباين يف املعجم األوسط (‪. )3(])3789‬‬
‫نصت‬
‫الايرقا يف معرض احلديث عن هذه القاعدة‪ ،‬ما ُّ‬
‫يقول ال َّي مصطف َّ‬
‫«وهذه القاعدة من أركان ال َّ ريعة‪ ،‬وت هد يا نصوص من الكتاب والسنَّة‪ ،‬وي مل الضرر‬
‫اَّنهي عنت ما كان ــرراً عاماً‪ ،‬أو خاهللاـاً‪ ،‬وي ــمل ذلك دفعت قبل الوقوي بطرق الوقاية اَّمكنة‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ـدل عل وجوب‬ ‫ودفعــت بعــد الوقوي مبــا ميكن من التـَّدابري الَّيت تاييــل آاثره‪ ،‬وَتنع تكْراره‪ ،‬كمــا يـ ُّ‬
‫ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرر عنــدمــا ح ميكن منعــت‬ ‫اختيــار أهون ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـَّرين لــدفع أعظمهمــا َّ‬
‫ألن يف ذلــك هفيفـاً لل َّ‬
‫بتااتً»(‪.)4‬‬
‫الدولة ال الميَّة معاهد ًة دفاعيَّةً بينها وب دو ٍلة أخر ‪،‬‬ ‫إن هذه اَّوادعة تو ِ جواز عقد َّ‬ ‫َّ‬
‫أأ ــرٍر عل مثل هذه اَّعاهدة‪ ،‬وجي عل‬ ‫إذا اقتض ــت ذلك مص ــللة اَّس ــلم ‪ ،‬و ي تَّ ُّ‬
‫الدولة احلليفة إذا دعيت إىل هذه النُّص ـ ــرة ـ ـ َّـد الكفار‬
‫الدولة ال ـ ــالميَّة يف هذه احلال‪ ،‬نص ـ ــرة َّ‬
‫َّ‬
‫الدولة احلليفة إمدادها ابل ِسـ ـال ‪ ،‬و ِ‬
‫الرجال‬ ‫للدولة ال ــالميَّة أن تطل من َّ‬ ‫اَّعتدين‪ ،‬كما جيوز َّ‬

‫(‪ )1‬انظر الفقت ِ‬


‫السيا ي ‪ ،‬خلالد ليمان الفهداوأ ‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ )3‬هذه القاعدة أهللالها حديث نبوأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اَّدخل الفقهي ‪ ،‬لل َّي الايرقا ‪ ،‬ص ‪.972‬‬
‫‪602‬‬
‫الدولة ال الميَّة‪َّ ،‬د األعداء من الكفَّار(‪.)1‬‬
‫ليقاتلوا حتت راية َّ‬
‫حض يكون يم‬
‫ـ ــمرة أح اربوا دين هللا َّ‬ ‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل ب‬
‫وقد شـ ــرط الن ُّ‬
‫النَّصر عل من اعتد عليهم‪ ،‬أو حاول احعتداء‪.‬‬
‫ويف هـذا إبعـاد للعقبـات الَّيت ميكن أن تقف يف طريق الـدَّعوة‪ ،‬فقـد أوجبـت هـذه اَّعـاهـدة‬
‫(‪)2‬‬ ‫عل ب ـمرة أح اربوا هذا ِ‬
‫الدين‪ ،‬أو يقفوا يف طريقت ‪ ،‬وتعترب هذه اَّعاهدة كســباً ــيا ـيَّاً‬ ‫ش‬
‫وعسكرََّيً للمسلم ‪ ،‬ح يستهان بت(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫رجل شرم بسه ٍم يف بيل هللا)‬ ‫ألول ٍ‬ ‫‪ِ -6‬‬
‫(وإين َّ‬
‫كانت ـ ـ ـ ـرية عبشيدة بن احلارث ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت َّأوشل ـ ـ ـ ـريٍَّة يف اتري ال َّس ـ ـ ـ ـراَي‪ ،‬يلتقي فيها‬
‫اجهة عسـ ـ ـ ـ ــكريٍَّة‪ ،‬وقد َّاهذ القتال ب الطَّرف طابع اَّناوشـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫اَّسـ ـ ـ ـ ــلمون مع اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك يف مو ٍ‬
‫ابل ِسـهام‪ ،‬وكان ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا عنت « َّأول العرب رم بســهم يف ــبيل هللا»(‪ )5‬يف‬
‫ـتمر طويالً إذ َّقرر الفريقان احنســلاب من أر ــها‪ ،‬وقد كان انســلاب‬ ‫تلك اَّعركة الَّيت تسـ َّ‬
‫اَّس ـ ــلم قوَيً‪ ،‬ومنظَّماً‪ ،‬وكان بطل هذا احنس ـ ــلاب ـ ــعد بن أيب وقَّاص ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬فقد‬
‫ـاد‪ ،‬وذلك‬ ‫أأ ه ٍوم مضـ ـ ـ ٍ‬ ‫كان لت الدَّور األكرب يف تثبيت‪ ،‬وإحباط ا ـ ـ ــتعدادات ِ‬
‫العدو‪ ،‬ل ـ ـ ـ ِـن ِ‬
‫حنسلاب لي ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫بوابل من ِ‬
‫السهام اَّايع ـ ـ ــة الَّيت قذفه ـ ـ ــا حن ـ ـ ــوه‪ ،‬واليت كونت اتراً دفاعياً‪َّ ،‬‬
‫مهد‬
‫منظٍَّم ابلنِسـ ــبة للمسـ ــلم ‪ ،‬وقد َّفر عْتبة بن شايوان‪ ،‬واَّقداد بن األ ـ ــود ر ـ ــي هللا عنهما يومئذ‬
‫إىل اَّس ــلم ‪ ،‬وكاان قد أ ــلما قبل ذلك‪ ،‬ويف هذه ال َّس ـريَّة حقَّق ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا‬
‫عنت ــبقاً عســكرَيً إ ــالمياً‪ ،‬يس ـ َّ ل يف ـ لِت احلافل ابألعمال العظيمة لنصــرة دين هللا تعاىل‪،‬‬
‫هللاـ ـة‬
‫أكدت هذه ال َّسـ ـريَّة‪ ،‬ا ــتمرار ــيا ــة ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم التَّعبويَّة‪ ،‬اخلا َّ‬ ‫كما َّ‬
‫حض بدر تنفيذاً حتفاقية العقبة الثَّانية(‪.)6‬‬ ‫السراَي األوىل َّ‬ ‫حب د اَّهاجرين فقا يف ال ايوات و َّ‬

‫اجلهاد والقتال يف ِ‬
‫السيا ة ال َّرعية ‪ ،‬د‪ .‬حممد خري هيكل (‪.)479/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.530‬‬‫دولة َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫الدَّعوة ال المية ‪ ،‬د‪ .‬عبد ال فار عايياي ‪ ،‬ص ‪.296‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫مذأ (‪.)277/2‬‬ ‫هللالي نن الِ ِ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬د‪ .‬بريكك العمرأ ‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )6‬انظر‬
‫‪603‬‬
‫نص وثيقة اَّوادعة مع ج شهْينة‪ ،‬والتَّعليق عليها‬
‫‪ُّ - 7‬‬
‫« َّإ‪،‬م امنون عل أنفس ـ ـ ــهم‪ ،‬وأموايم‪َّ ،‬‬
‫وإن يم النَّص ـ ـ ــر عل من ظلمهم‪ ،‬أو حارهبم‪ ،‬إح يف‬
‫الدين‪ ،‬واألهل‪ ،‬وألهل ابديتهم من َّبر منهم‪ ،‬واتَّق ما حلا رهتم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬

‫أ بن عمرو اجل شه ُّ يف التَّو ُّ ا ب ريَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة حاية‬ ‫تدخل شْجم ِد ُّ‬


‫ويظهر أثر هذه اَّوادعة عندما َّ‬
‫بن عبـ ــد اَّطل ‪ ،‬والقافلة القرشيَّة الَّيت كان يقودها أبو جهل بـ ــن ه ام‪ ،‬و ر ها ثالشئة راك ٍ‬
‫ـطفوا للقتال(‪،)3‬‬ ‫يش(‪ ،)2‬فقد التقوا انحية العيص‪ ،‬يف منطقة نفوذ جهينة‪ ،‬واهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫من فـ ْر ـ ـ ـ ـ ـ ــان قر ٍ‬
‫دأ بن عمرو ‪ -‬زعيم من زعمــاء جهينــة ‪ -‬يف‬ ‫وقبــل أن ينــدلع القتــال ب الفريق ‪ ،‬تــد َّخ ـل ْجم ـ ُّ‬
‫ـالم بينهم‪ ،‬وا ـ ــتطاي أن ين يف مس ـ ــاعيت ال ِس ـ ـلمية ب الطَّرف ‪ ،‬فقد كان ُّ‬
‫جمدأ‪،‬‬ ‫و ـ ــاطة ـ ـ ٍ‬
‫وقومت حلفاء للفريق يعاً‪ ،‬فلم يعص ـ ـ ـ ـ ـ ــوه‪ ،‬فرجع الفريقان كاللا إىل بالدلا‪ ،‬فلم يكن بينهما‬
‫قتال(‪.)4‬‬
‫الدولة ال ـ ـ ـ ـ ــالمية والقبائل اااورة‪ ،‬كان‬ ‫أن عقد اَّعاهدات ب َّ‬ ‫ويظهر من هذه اَّعاهدة َّ‬
‫اَّوجهة ـ ـ ـ َّـد‬ ‫ـ ـ ــابقاً عل األعمال العس ـ ـ ــكريَّة الَّيت قامت هبا بدليل َّ‬
‫أن حركة ال َّس ـ ـ ـراَي األوىل َّ‬
‫الم ب دولة ال الم‪ ،‬وقبيلة جهينة اَّقيمة عل احل البلر‬ ‫يش‪ ،‬كان قد بقها معاهدة ٍ‬ ‫قر ٍ‬
‫األحر‪ ،‬وقد تو َّ طت َّنع القتال ب اَّسلم ‪ ،‬وكفَّار َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫ـالم ب دولة ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬ودو ٍلة أخر ‪ ،‬هي‬ ‫ومن فقت هذه اَّعاهدة جواز عقد معاهدة ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫الدولة ال ـ ـ ـ ــالميَّة ب ـ ـ ـ ــرط أحَّ تت اوز تلك اَّعاهدة‬ ‫بدورها مرتبطة مبعاهدة ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـالم مع أعداء َّ‬
‫العدو إذا ما اشــتبكت مع اَّســلم يف ٍ‬
‫قتال‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫احتفاق عل أن تنصــر َّ‬
‫الدولة اَّعاهدة للمســلم‬
‫ـتعد لذلك ا ـ ــت ابةً لو ـ ــاطة دو ٍلة‬
‫للدولة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬أن ت ك قتال أعدائها بعد أن تسـ ـ َّ‬ ‫وجيوز َّ‬
‫أخر إذا ي ت عل ذلك رر للمسلم (‪.)5‬‬
‫هايت كيان‬
‫كانت نتائت ـريَّة حاية ر ــي هللا عنت عل اَّعســكر الوث ِ ــيئةً لل اية حيث َّ‬

‫جمموعة الواثئق ِ‬
‫السيا يَّة ‪َّ ،‬مد حيد هللا ‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫اَّواه اللَّدنيَّة (‪.)75/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫السراَي والبعوث ‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫طبقات ابن عد (‪ ، )6/2‬وانظر َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫ِ‬
‫اجلهاد والقتال يف السيا ة ال َّرعية (‪.)479 ، 478/1‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪604‬‬
‫الرع يف نفوس رجايا‪ ،‬وفتلت أعينهم عل اخلطر اَّ ْلدق هبم‪ ،‬والَّذأ أهللاـ ـ ـ ــب‬ ‫قريش‪ ،‬وبثَّت ُّ‬
‫مكة منصـرفاً عن حاية‬ ‫وقوهتم احقتصــاديَّة(‪ ،)1‬فقد قال أبو جهل ح قدم َّ‬ ‫يهدد طريق دارهتم‪َّ ،‬‬‫ِ‬
‫وإجا يريد أن يص ــي منكم ش ــيئاً‪،‬‬ ‫يثرب‪ ،‬وأر ــل طالئعت َّ‬ ‫إن حممداً قد نايل ش‬ ‫«َي مع ــر قريش! َّ‬
‫َتروا يف طريقت‪ ،‬وأن تقاربـ ــوه فَنـَّ ــت كاأل د الضَّارأ‪ ،‬إنـ ــت شحنِـ ــق(‪ )2‬عليكم نفيتموه‬ ‫فاحذروا أن ُّ‬
‫قا وح أحداً من أهللا ـ ــلابت‪ ،‬إح‬ ‫إن لت لس ـ ــلرةً‪ ،‬ما رأيتت ُّ‬
‫نـش ْفي القردان(‪ )3‬عل اَّنا ـ ــم(‪ ،)4‬وهللا! َّ‬
‫ش‬
‫ٍ (‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رأيت معهم ال َّياط ‪ ،‬وإنَّكم عرفتم عداوة اب قشـْيـلشة ‪ ،‬فهو عدو ا تعان بعدو» ‪.‬‬
‫‪ - 8‬ريَّة عبد هللا بن جلش وما فيها من ٍ‬
‫دروس‪ ،‬وعرب‬
‫مهمةً‪ ،‬وفيها دروس‪ ،‬وعرب‪ ،‬وفوائد عظيمة‬ ‫ٍ‬
‫جلش‪ ،‬حقَّقت نتائت َّ‬ ‫َّ‬
‫إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرية عبد هللا بن‬
‫منها‬
‫السريَّة كتاابً‪ ،‬وأمره‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم كت ألمري َّ‬ ‫السريَّة َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫أ ‪ -‬جاء يف خرب هذه َّ‬
‫حض يس ـ ـ ـ ـ ـ ــري يوم ‪ ،‬وهــذا مثــل لتطبيق مبــدأ ٍ‬
‫مهم من مبــادئ احلرب‪ ،‬وهو إخفــاء‬ ‫أحَّ ش‬
‫ينظر فيــت َّ‬
‫أمان من كيد األعداء فاَّدينة كانت‬ ‫حض يكون اجليش يف ٍ‬ ‫اخلطا احلربيَّة‪ ،‬ومنها خا ال َّس ـ ـ ـ ـري‪َّ ،‬‬
‫مكة‪ِ ،‬ا ري تلك‬ ‫تضم اليهود‪ ،‬والوثني ‪ ،‬ومن اَّتوقع أن يساري هؤحء إىل إخبار أهل َّ‬ ‫آنذاك ُّ‬
‫َّب‬ ‫ِ‬
‫السريَّة وهم أبنفسهم ح يعلمون اداههم أهللاب الن ُّ‬
‫اَّوجهة دَّهم‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ار أفراد َّ‬
‫السريَّة َّ‬
‫َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم آمناً من انك ا ايد اَّقصود(‪.)7‬‬
‫َّ‬
‫وإن الباحث لري أثر ال َّ بية النَّبويَّة يف هذه ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة اَّباركة حيث مسعوا‪ ،‬وأطاعوا يعاً‪،‬‬
‫حض أهللاـ ـ ـ ــبلوا من ورائهم‪ ،‬وهذا شـ ـ ـ ــاهد عل َّقوة إميان‬
‫و ـ ـ ـ ــاروا إىل منطقة أعدائهم‪ ،‬وداوزوها َّ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬وا تهانتهم أبنفسهم يف بيل هللا تعاىل(‪.)8‬‬ ‫َّ‬

‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫انظر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬شحنق عليت حنقاً اشتد يظت ‪ ،‬فهو حنق ‪ ،‬وحنيق‪.‬‬


‫(‪ )3‬القردان ع قراد وهي دويبة تعض البل‬
‫ف البعري ‪ ،‬وقيل هو للنَّاقة كالظُّفر لإلنسان‪.‬‬ ‫(‪ )4‬اَّنا م ع منسم ‪ ،‬وهو طر خ ِ‬
‫(‪ )5‬كناية عن األوس واخلايرً ‪ ،‬فقيلة ُّأمهم وكانوا ينسبون إليها‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر رية ابن ه ام (‪.)219 ، 218/1‬‬
‫المي مواقف وعرب (‪.)71/4‬‬ ‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)7‬‬

‫(‪ )8‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫‪605‬‬
‫بل أفراد ال َّس ـ ـ ـ ـريَّة‪،‬‬‫ب ‪ -‬حاولت قريش أن تس ـ ـ ــت َّل ما وقع من قشـْت ٍل يف ال َّ ـ ـ ـ ـهر احلرام ِمن قِ‬
‫ْ ش‬
‫ف ـ ـنُّوا حرابً إعالميَّة‪ ،‬وه وميَّة مرَّكايًة‪ ،‬تتهلَّلها دعآَيت م ر ــة ـ َّـد اَّس ــلم ‪ ،‬ا ــت لت فيها‬
‫حض ذلـك الوقـت من‬ ‫ـاهلي َّ‬ ‫التعـاليم البراهيميَّـة الَّيت ح زالـت بعض آاثرهـا ابقيـةً يف ااتمع اجل ِ‬
‫مبلم ٍد‬
‫حتر القتال يف األش ـ ـ ــهر احلرم‪ ،‬و ري ذلك‪ ،‬فقد «انتهايت قريش هذه الفرهللا ـ ـ ــة للتَّ ـ ـ ــهري َّ‬
‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وابَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وإظهارهم مبظهر اَّعتدأ الَّذأ ح يراعي احلرمات»(‪.)1‬‬
‫حممد‪ ،‬وأهللالابـ ـ ـ ـ ـ ــت ال َّهر احلرام‪ ،‬و فكوا فيـ ـ ـ ـ ـ ــت الدَّم‪ ،‬وأخذوا فيـ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫تلل َّ‬
‫«قالت قريش قد ا َّ‬
‫الرجال» [البيوقي يف السنن الكرب (‪ )59/9‬ويف الدالئل (‪ )19/3‬وابن هشام (‪. )2(])254/2‬‬ ‫األموال‪ ،‬وأ روا فيت ِ‬
‫وُلــت قريش يف خطَّتهــا تلــك ابدئ األمر حيــث «كــان لـدعــايتهــا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ً كبري‪ ،‬وأثر‬
‫حض يف اَّدينة نفسـ ــها‪ ،‬فقد كثر اجلدل‪ ،‬والنقاش ب اَّسـ ــلم أنفسـ ــهم‪ ،‬وأنكروا عل‬ ‫ملموس َّ‬
‫السريَّــة حماربتهم يف ال َّ ه ــر احلرام‪ ،‬واشت ـ َّـد اَّوقف‪ ،‬ودخلت اليهود تريد إشعال الفتنة»(‪،)3‬‬ ‫رجال َّ‬
‫إن احلرب واقعة ح حمالة ب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم وقريش بل بينهم وب العرب يعاً جاياء ما‬ ‫وقالوا َّ‬
‫يرددون «عمرو بن احلشض ـ ـ ــرمي قتلت واقد بن عبد هللا‪،‬‬ ‫انتهكوا من حرمة ال َّ ـ ـ ـ ـهر احلرام‪ ،‬وأخذوا ِ‬
‫عمرو عمرت احلرب‪ ،‬واحلضرمي حضرت احلرب‪ ،‬وواقد وقدت احلرب»(‪ ،)4‬وهذا الكالم من‬
‫حقد دف ٍ يف نفو هم عل ال الم واَّسلم (‪.)5‬‬ ‫يعرب عن ٍ‬ ‫اليهود ِ‬

‫الرابينُّ اَّفلم‬ ‫ظن أهل ال َّس ـ ـ ـ ـريَّة َّأ‪،‬م قد هلكوا‪ ،‬و ـ ـ ـ ـقا يف أيديهم(‪ )6‬جاء ُّ‬
‫الرد َّ‬ ‫وعندما َّ‬
‫قطعاً أللس ـ ــنة اَّ ـ ــرك الَّذين يت َّ ـ ــون ابحلرمات‪ ،‬ويتَّهذو‪،‬ا ـ ــتاراً جلرائمهم‪ ،‬ففض ـ ـ ـ القرآن‬
‫ُّ‬
‫فالصد عن‬ ‫هؤحء اارم ‪ ،‬وأبطل احت اجهم‪ ،‬وأجاب عل ا تنكارهم القتال يف ال َّهر احلرام‪،‬‬
‫ــبيل هللا‪ ،‬والكفر بت أكرب من القتال يف ال َّ ـ ـهر احلرام‪ ،‬واَّسـ ـ د احلرام‪ ،‬وإخراً أهلت منت أكرب‬
‫الرجل يف دينت أكرب من القتل يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـهر احلرام‪ .‬لقد فعلت‬
‫من القتال يف ال َّ ـ ـ ـ ـ ـهر احلرام‪ ،‬وفتنة َّ‬
‫كل هذه اجلرائم‪ ،‬وارتكبت هذه الكبائر ولكنَّها تنا ــتها‪ ،‬أو ا ــتهانت هبا‪ ،‬و تذكر إح‬ ‫قريش َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬ل تاذ أحد ال ريف ‪ ،‬ص ‪.445‬‬ ‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫مكة واَّدينة يف اجلاهلية وعهد َّ‬
‫(‪ )2‬انظر السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬ل تاذ أحد ال ريف ‪ ،‬ص‪.445‬‬ ‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫مكة واَّدينة يف اجلاهلية وعهد َّ‬
‫(‪ )4‬انظر رية ابن ه ام (‪.)604 ، 603/1‬‬
‫المي (‪.)72/4‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬قا يف أيديهم أأ ندموا عل ما فعلوا ‪ ،‬وهو تعبري قراين يف ورة األعرا ‪ ،‬احية (‪.)149‬‬
‫‪606‬‬
‫حرب شــعواء عل ال ــالم‪ ،‬ودولتت لتألي القبائل الوثنيَّة‬ ‫حرمة ال َّ ـهر‪ ،‬و َّاهذهتا و ــيلةً اثرة ٍ‬
‫اَّقد ـات‬‫َّ‬ ‫ـتلل احلرمات‪ ،‬ويس ــتبي‬ ‫عليها‪ ،‬وتنفري النَّاس من الدُّخول يف هذا ِ‬
‫الدين الَّذأ يس ـ ُّ‬
‫حض َّ‬
‫إن ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم قد حلقت ال ُّم‪ ،‬وحم قائد ال َّسـ ـ ـريَّة‪ ،‬وأهللا ـ ــلابت عل ما‬ ‫َّ‬
‫يش اَّ ر ــة‪ ،‬مو ــلةً أنَّت وإن كان‬ ‫وبقوةٍ عل دعآَيت قر ٍ‬‫ترد َّ‬ ‫فعلوا(‪ ،)1‬فنايلت ا َيت البيِنات ُّ‬
‫هللاد عن بيلت(‪.)2‬‬‫ال َّهر احلرام ح ُّل فيت القتال‪ ،‬ولكن ح حرمة عند هللا َّن هتك احلرمات‪ ،‬و َّ‬
‫ً ‪ِ -‬ح ْرص القائد عل المة اجلنود عندما هلَّف ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بن أيب وقَّ ٍ‬
‫اص‪ ،‬وعْتب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بن‬
‫ش ْايوان بس ـ ـ ــب حبثهما عن بع ٍري يما قد ـ ـ ـ َّـل‪ ،‬وجاءت قريش تريد أن تفدأ األ ـ ـ ـ ـريين‪ ،‬فأىب‬
‫ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم وقال «أخا أن تكونوا قد أهللاــبتم ــعد بن مالك‪ ،‬وعتبة بن‬
‫حض قدم ـ ـ ــعد‪ ،‬وعتبة‪ ،‬ففودَي‪ ،‬فأ ـ ـ ــلم احلكم بن شكيس ـ ـ ــان(‪ ،)3‬وأقام عند‬ ‫شايوان» فلم يفادلا َّ‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ورجع عثمان بن عبد هللا بن اَّ رية كافراً(‪.)4‬‬
‫أل‪،‬م هم الَّذين ِ‬
‫يقدمون‬ ‫يهتم القائد بسـ ـ ــالمة جنده َّ‬ ‫ونفهم من اَّنهاً الن ِ‬
‫َّبوأ‪ ،‬ـ ـ ــرورة أن َّ‬
‫أنفسهم يف بيل نصرة دين هللا‪ ،‬وإقامة دولة ال الم‪.‬‬
‫س ابهتمام القيادة بت‪ ،‬وبس ــالمتت‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫اجلندأ ح‬
‫َّ‬ ‫إن اَّدارس العس ــكريَّة احلديثة تقول َّ‬
‫إن‬ ‫َّ‬
‫وأبمنت ح ي َّدد يف أن يبذل اية البذل‪ ،‬ويعطي أقص العطاء(‪.)5‬‬
‫جلش قد حقَّقت أهدافها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫د ‪ -‬ظهور ال َّ بيَّة األمنيَّة يف اَّيدان كانت ـ ـ ـريَّة عبد هللا بن‬
‫وظهرت قدرهتا عل التو ُّل يف اَّناطق اخلا ــعة لنفوذ قريش‪ ،‬اَّا أذهلها‪ ،‬وزاد ده ــتها وذهويا‬
‫إن جوا يس قريش تستطع‬ ‫حض َّ‬ ‫َّامة‪ ،‬و ِ‬
‫الدقَّة اَّتناهية الَّيت َتَّت هبا العمليَّة َّ‬ ‫تلك ِ‬
‫الس ِريَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الت َّ‬
‫رهللاــدها‪ ،‬وح معرفة الوجهة الَّيت قصــدهتا‪ ،‬وكان ذلك ما أراده ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪،‬‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اَّكتوبة للملافظة عل الكتمان‪ ،‬وحرمان ِ‬
‫العدو من‬ ‫وخطَّا لت اببتكاره أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب َّ‬
‫أهم ٍ‬
‫عامل من عوامل‬ ‫احلص ـ ـ ـ ــول عل اَّعلومات الَّيت تفيده عن حركات اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪« ،‬والكتمان ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر دولة الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.533‬‬
‫(‪ )2‬انظر السراَي والبعوث النبوية ‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ايوة بدر الكرب ‪َّ ،‬مد أبو فارس ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪607‬‬
‫أهم مبدأ من مبادئ احلرب»(‪.)1‬‬
‫مبدأ (اَّبا تة)‪ ،‬وهي ُّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم قويَّة‪،‬‬ ‫وقد أثبتت هذه ال َّس ـ ِريَّة مبا ح يدي جماحً لل ــك َّ‬
‫أن ـراَي الن ِ‬
‫اَّهمات‪ ،‬وتتللَّ مباياَي القتال‪ ،‬وقدرهتا عل إُاز الواجبات‬ ‫تندفع للقيام أبهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــع األعباء و َّ‬
‫بكل كفاءة‪ ،‬واقتدا ٍر‪ ،‬اَّا ُّ‬
‫يدل عل روحها اَّعنويَّة العالية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرفيع‪ ،‬الَّذأ َتيَّاي بت قائد ال َّسـ ـ ـريَّة‪ ،‬وطاعتت‬ ‫ضـ ـ ـبا العس ـ ـ ِ‬
‫ـكرأ َّ‬ ‫وتظهر آاثر ال َّ بية النَّبويَّة يف ال َّ‬
‫حض امتثل فوراً ل مر حبذافريه‪،‬‬ ‫هاذل‪ ،‬فما إن قرأ الكتاب‪َّ ،‬‬ ‫ترد ٍد‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ل وامر النَّبويَّة العليا دون ُّ‬
‫معطياً من نفست القدوة احلسنة‪ ،‬واباثً يف نفوس جنوده احلماس‪ ،‬وهو يقول يم «من كان منكم‬
‫فماض ألمر ر ـ ــول هللا‬ ‫ٍ‬ ‫فأما أان‬‫يريد ال َّ ـ ـهادة‪ ،‬وير فيها فلينطلق‪ ،‬ومن كره ذلك فلريجع‪َّ ،‬‬
‫هللال هللا عليت و لم »(‪.)2‬‬
‫السراَي‬
‫َّ‬ ‫‪ - 9‬من أهدا‬
‫عندما ندرس حركة ال َّس ـ ـراَي‪ ،‬وال ايوات الَّيت قادها ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم بدقٍَّة‪،‬‬
‫نتلمس كثرياً من األهدا ‪ ،‬وندرك بعض ما توحي بت من ٍ‬
‫دروس‬ ‫وعمق‪ٍ ،‬‬
‫وحتليل‪ ،‬نس ـ ـ ـ ـ ـ ــتطيع أن َّ‬ ‫ٍ‬
‫أن أفرادها كلَّهم من‬ ‫أتملنا يف حركة ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراَي الَّيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِريت قبل بد ٍر ُد َّ‬
‫وع ٍرب‪ ،‬وفوائد فَذا َّ‬
‫ـعد ‪ -‬رحت هللا! ‪« -‬وااتمع عليت َّأ‪،‬م‬ ‫اَّهاجرين‪ ،‬ليس فيهم واحد من األنصــار‪ .‬يقول ابن ـ ٍ‬
‫كانوا يعاً من اَّهاجرين‪ ،‬و يبعث ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم أحداً من األنصـ ــار شمْبعثاً‬
‫حض ايا هبم بدراً»(‪ .)3‬وهذا كان أمراً مدرو ـ ـاً لت أهدافت ومنها إحيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء قض ــية اَّهاجرين يف‬ ‫َّ‬
‫اخلارجي‪ ،‬وإ‪،‬اك احقتصــاد القرشـ ِـي‪ ،‬وحماهللاـرتت‪ ،‬وا ــتعادة‬ ‫ِ‬ ‫أنفســهم َّأوحً‪ ،‬وإحيايها عل اَّســتو‬
‫صـ ـلابة عل إتقان فنون القتال‪،‬‬ ‫يش عس ــكرَيً‪ ،‬وتدري ال َّ‬ ‫بعض احلقوق اَّس ــلوبة‪ ،‬وإ ــعا قر ٍ‬
‫َّاخلي يف اَّدينة‪ ،‬وما حويا‪ ،‬واختبار قوة العد ِو(‪ ،)4‬وقد‬ ‫العدو الد ِ‬ ‫حتركات قريش‪ ،‬وإرهاب ِ‬ ‫ورهللاد ُّ‬
‫السراَي أهدافها‪ ،‬والَّيت من ألها‬ ‫حقَّقت تلك َّ‬
‫السراَي وال ايوات‪ ،‬أن‬ ‫أ ‪ -‬بسا هيب ـ ــة َّ‬
‫الدول ـ ــة يف الدَّاخ ـ ــل‪ ،‬واخل ـ ــارً فقد ا تطاعت تلك َّ‬

‫الر ول القائد هللال هللا عليت و لم‪ ،‬خلطاب ‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫رية ابن ه ام (‪ )602/2‬من رواية ابن إ لاق عن عروة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫عد (‪.)6/2‬‬‫الطَّبقات الكرب ‪ ،‬حبن ٍ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ايوة بدر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪( ،‬ص ‪ 14‬ـ ‪.)24‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪608‬‬
‫الدولة ال ــالميَّة إىل َّقوة اَّس ــلم ‪ ،‬وقدرهتم عل ـرب أيَّة حر ٍ‬
‫كة‬ ‫تلفت أنظار أعداء الدَّعوة‪ ،‬و َّ‬
‫الدولة ال ــالميَّة‪ ،‬الَّيت‬‫حض ح ش ِدث أحد نف شس ـت مبها ة َّ‬ ‫مناوئة‪ ،‬ـواء يف الدَّاخل‪ ،‬أو اخلارً َّ‬ ‫ٍ‬
‫‪،‬ار‪ ،‬اَّا أره األفاعي اليهوديَّة‪ ،‬والقبائل الوثنيَّة اَّيطة ابَّدينة‪ ،‬وجعل‬ ‫ليل ش‬ ‫ح يتوقَّف جي ـ ــها ش‬
‫أحد من األعداء‬ ‫ـاب قبل أن حت ِدثت نفس ـ ـ ـ ـ ـت ب ايو اَّدينة‪ ،‬أو مناهللا ـ ـ ـ ـ ــرة ٍ‬ ‫اجلميع يعمل ألف حس ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـتمرة يف أعداد َّقوة تلك ال ايوات‪ ،‬وال َّس ـ ـراَي‪،‬‬ ‫الايَيدة اَّسـ ـ َّ‬ ‫عليها‪ .‬والَّذأ نالحظت يف حركة ال َّس ـ ـراَي ِ‬
‫حض‬
‫وجميئها متتابعةً ليس بينها فاهللاـ ـ ـ ــل زم عل الطالق‪ ،‬فال تكاد ال َّس ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬أو ال ايوة تعود َّ‬
‫تكون الَّيت بعدها قد خرجت لتلقيق ايد نفس ـ ــت‪ ،‬وهو ـ ــرب مص ـ ــاأ قريش احقتص ـ ــاديَّة‪،‬‬
‫حراس قوافلها‪ ،‬وارتفاي قيمة‬ ‫وقطع طرق دارهتا‪ ،‬وخصوهللااً إىل بالد ال َّام اَّا كلَّفها زَيدة عدد َّ‬
‫الرع ‪ ،‬واخلو الَّذأ شعر بت رجال القوافل القرشيَّة‪ ،‬وأهللالاب األموال يف‬ ‫بضائعها‪ ،‬هذا ري ُّ‬
‫حد و ٍاء(‪.)1‬‬‫مكة عل ٍ‬ ‫َّ‬
‫ب ‪ -‬كس ـ ـ ـ ـ بعض القبائل‪ ،‬وحت يم شدور األعراب لقد وادي ر ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫ض ـ ـ ـاربة يف تلك اَّنطقة من أجل حتييدها‬ ‫و ـ ـ ــلم قبيلة ج شهْينة‪ ،‬وحالفها‪ ،‬وكذلك بعض القبائل ال َّ‬
‫صـراي وذلك « َّ‬
‫ألن األهللاــل‬ ‫مكة‪ ،‬واَّدينة‪ ،‬والعمل عل كســبها يف هذا ال ِ‬
‫صـراي الدَّائر ب َّ‬‫يف ال ِ‬
‫يش‪ ،‬وتتعاون معها إذ بينهما حمالفات اترخييَّة‪ ،‬مسَّاها القرآن الكر‬ ‫أن هذه القبائل َتيل إىل قر ٍ‬ ‫َّ‬
‫ابليال (‪ ،)2‬ش شعت قريش من خاليا لتأم دارهتا مع ال َّام‪ ،‬واليمن»(‪.)3‬‬
‫وبعد أن اتَّفقت بعض القبائل مع ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وعقدت معت‬
‫السادة يف اَّنطقة(‪.)4‬‬
‫ـكل خطراً عل دارة قريش‪ ،‬وهللاار اَّسلمون هم َّ‬ ‫ٍ‬
‫معاهدات‪ ،‬أهللابلت ت ِ‬

‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم بتل يم دور األعراب كي ح يكون يم وجود يف طرق‬ ‫وقام الن ُّ‬
‫اَّار يف مناطق نفوذهم‪،‬‬ ‫هتديد للقوافل التِ ارية‪ ،‬وكان ُّ‬ ‫التِ ارة‪ ،‬فقد كان األعراب ي ـ ـ ِكلون َّقوة ٍ‬
‫ش‬
‫ـالمية جيدوا ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً منها ف َّربوا‬
‫مير إح ناتوة ت ْدفع إليهم‪ ،‬وحينما قامت الدَّولة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫ح ُّ‬
‫الفهرأ ولكنَّت وجد ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم يطارده إىل‬
‫ُّ‬ ‫مها تها‪َّ ،‬‬
‫وتوىل هذا ك ْرز‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لممن التكوين إىل التمك ‪ ،‬ص ‪.532‬‬
‫دولة َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫ورة قريش (‪ 1‬ـ ‪.)4‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ااتمع اَّدين ‪ ،‬د‪ .‬أكرم ياء العمرأ ‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السرية ‪َّ ،‬ؤنس ‪ ،‬ص ‪.19‬‬‫درا ات يف ِ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪609‬‬
‫السري‬ ‫فوان «ابلقرب من بد ٍر مسافةً تبعد عن اَّدينة حواس ‪ 150‬كيلو م اً»‪ ،‬وقد مسَّ أهل ِ‬
‫لكل األعراب‪ ،‬فلم صـل َّ‬
‫أن أعرابيَّاً‬ ‫عد هذه ال ايوة در ـاً ِ‬ ‫صـ ر ‪ ،‬وت ُّ‬ ‫هذه اَّطاردة ايوة بدر ال ُّ‬
‫األمة ال ـ ــالميَّة إاتو ٍ‬
‫ات‬ ‫وم ْن مثَّ تدفع َّ‬ ‫ـ ـ َّـولت لت نفس ـ ــت أن يهاجم اَّدينة بعد هذه اَّطاردة‪ِ ،‬‬
‫لقطَّـاي الطُّرق بــل أجربهتم عل احنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــاب‪ ،‬والــدُّخول يف اتِفــاقـ ٍ‬
‫ـات مع اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم فــأمنوا‬
‫شرهم(‪.)1‬‬‫َّ‬
‫ـتمرت حركة ال َّس ـ ـراَي‪ ،‬والبعوث‪،‬‬
‫ً ‪ -‬عالقة هذه ال َّس ـ ـراَي حبركة الفتو ال ـ ــالميَّة وقد ا ـ ـ َّ‬
‫ات حيَّ ٍة جلند ال ــالم‪ ،‬وكان هذا النَّ ــاط اَّتدفِق‬ ‫ينات عس ــكريٍَّة تعبويٍَّة‪ ،‬ومناور ٍ‬
‫وكانت مبثابة َتر ٍ‬
‫أن دولة ال ـ ــالم يف‬ ‫متعاقبة من جند ال ـ ــالم األوائل‪ ،‬دحلةً قاطعةً عل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫موجات‬ ‫عل ش ـ ــكل‬
‫َّب القائد هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ -‬كانت مثل خلية النَّلل‪ ،‬ح هتدأ‪ ،‬وح‬‫اَّدينة ‪ -‬وبقيادة الن ِ‬
‫َّب هللاــل هللا‬
‫وإن الباحث ليللم يف حركة ال َّسـراَي‪ ،‬والبعوث‪ ،‬وال ايوات الكرب يف زمن الن ِ‬ ‫تش ِك ُّل‪َّ ،‬‬
‫ص ـلابة عل اَّ ــاركة كقادة‪ ،‬وجنود‪ ،‬فكان هللاــل هللا عليت و ــلم يعدُّهم‬ ‫عليت و ــلم ‪ ،‬حرص ال َّ‬
‫الدولة‪ ،‬واح تعداد للفتوحات اَّرتقبة‪ ،‬والَّيت ما فتئ هللال هللا عليت و لم يب ِ ر هبا‬ ‫لتثبيت دعائم َّ‬
‫السلم‪ ،‬واخلو ‪ ،‬واألمن‪.‬‬ ‫أهللالابت ب ال شفيـنشة واألخر يف أوقات احلرب‪ ،‬و ِ‬
‫ْ‬
‫إنَّت بنظرةٍ فاحصـ ٍـة يف َّقواد وجنود تلك ال َّس ـراَي‪ ،‬والبعوث‪ ،‬تطالعنا أمساء َّعت كثرياً يف اتري‬
‫األمة ‪ -‬أيب عبيدة بن اجلرا ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ـالمي فيما بعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مثل قائد فتوحات ال َّ ـام ‪ -‬أم‬
‫الفت ال ـ ِ‬
‫و عد بن أيب وقاص هللااح القاد يَّ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وفاتـ ـ ـ ـ ـ ـ اَّدائن‪ ،‬وخالد بن الوليد يف هللا اَّسلول‬
‫الروم يف الريموك‪ ،‬وعمرو بن الع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص فات مص ـ ــر‪ ،‬وليبيا‪ ،‬و ريهم ر ـ ــي هللا عنهم‪ .‬لقد‬
‫هازم ُّ‬
‫التلق خالد‪ ،‬وعمرو فيما بعد حبركة ال َّسـ ـ ـراَي‪ ،‬وقادا بعض ـ ــها بعد إ ـ ــالمهم‪ .‬لقد كانت ال َّس ـ ـراَي‬
‫وال ايوات الَّيت أ شر عليها احلبي اَّصطف هللال هللا عليت و لم يف حياتت‪ ،‬مبثابة تدري ٍ ٍ‬
‫حي‬
‫ـان للقادة الَّذين فتلوا م ارق األرض‪ ،‬وم ارهبا فيما بعد‪.‬‬ ‫انبض بل ميكن اعتبارها دورات أرك ٍ‬
‫ٍ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬خالل األربع والع رين اعةً اليوميَّة‪ ،‬عبارة عن تدري ٍ‬ ‫إن حياة َّ‬ ‫َّ‬
‫مبكراً من هللاالة الف ر‪ ،‬الَّيت تـؤَّد يف ٍ‬
‫اعة مع قائدهم‬ ‫تمر فالربانمت اليومي اَّنتظم‪ ،‬يبدأ ِ‬ ‫مس ٍ‬
‫ش‬ ‫ُّ‬
‫األعل هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم الَّذأ كان ثُّهم عل أداء هذه ال َّ‬
‫ص ـ ـالة اع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ويف وقتها‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر درا ات يف عهد النُّبوة ‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحن ال ُّ اي ‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪610‬‬
‫مليء ابلنَّ اط واحليويَّة‪ .‬قال هللال هللا عليت و لم‬ ‫وألمتـت َّأ‪،‬ـا اَِّْفتا الع ي ليوم ٍ‬‫مو لاً يم‪َّ ،‬‬
‫كل عقدةٍ‬‫ثالث ع شق ٍد‪ ،‬يضرب مكان ِ‬ ‫ِ‬
‫«يشـ ْعقد ال يطان عل قافيـ ـ ـ ــة رأس أحدكم إذا هو نـ ـ ـ ــام ش‬
‫عليك ليل طويل‪ ،‬فارق ْد‪ ،‬فـ ــَن ا تيقم‪ ،‬فذكر هللا احنلَّت عقدة‪ ،‬فَن تو َّأ احنلَّت ع ْق شدة‪ ،‬فَن‬
‫ِ‬
‫خبيث النَّفس كس ــالن »‬
‫ش‬ ‫هللاـ ـلَّ احنلت ع شقده كلُّها‪ ،‬فأهللاـ ـب ن ــيطاً طي ش النَّفس‪ ،‬وإح أهللا ــب ش‬
‫[البخاري (‪ )1142‬ومسلم (‪. ])776‬‬

‫حض إذا ما هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّوا‬ ‫مثَّ ينطلق كل منهم إىل عملت الَّذأ تتهلَّلت ف ات ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلوات الباقية َّ‬
‫ص ـالة ا خرة (هللاــالة الع ــاء) انموا‪ ،‬حض إذا ما أخذوا قس ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً وافراً من النَّوم َّأول الليل إىل‬ ‫ال َّ‬
‫الثلث األخري منت قام معظمهم ألداء هللا ـ ــالة التَّه ُّ د الَّيت َت قلوهبم روحانيَّةً‪ ،‬وتكس ـ ــبهم ماييداً‬
‫من النَّ اط ألدائها يف ٍ‬
‫وقت يكون اجلسم فيت مراتحاً‪.‬‬
‫التامة َّتطلبات دولة ال ــالم‪ ،‬فكانوا يقومون‬ ‫هذا ابل ــافة إىل اح ــتعداد الدَّائم‪ ،‬واليقظة َّ‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫بن ـ ـ ٍ‬
‫ـاطات تدريبيَّ ٍة مرَّكايةٍ‪ ،‬تتمثَّل يف ركوب اخليل‪ ،‬وال َّس ـ ـ ـبق‪ ،‬و ِ‬
‫الرماية‪ ،‬وكان الن ُّ‬
‫و ــلم ثُّهم عل فعل ذلك بل وي ــاركهم فيت‪ ،‬معطياً من نفس ــت القدوة‪ ،‬وكان هللا ــل هللا عليت‬
‫يعد من َّقوةٍ ا تعداداً للكفَّار‪.‬‬‫الرماية كثرياً‪ ،‬مو ِ لاً َّأ‪،‬ا خري ما ُّ‬ ‫و لم يركِاي عل تعلُّم ِ‬
‫صـ ـ ـ ـناعة احلربيَّة‪ ،‬اَّتمثِلة يف ذلك الوقت يف‬ ‫وكان هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ي ـ ـ ـ ـ ِ عهم عل ال ِ‬
‫أن األجر الذأ ايتت اجلنَّة ينس ـ ـ ــل عل هللا ـ ـ ــانعها‪ ،‬واَّتنبِل هبا‪،‬‬ ‫هللا ـ ـ ــناعة األ ـ ـ ــهم‪ ،‬وخيربهم َّ‬
‫إن هللا يدخل ابل َّس ـ ـهم‬ ‫الرامي هبا‪ ،‬فريوأ لنا عقبة عن ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم قولت « َّ‬ ‫و َّ‬
‫الواحد ثالثة نف ٍر اجلنَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هللاــانعت الَّذأ احتس ـ يف هللاــنعتت اخلري‪ ،‬ومتنبِلت ‪ ،‬و َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الرامي‪ ،‬ارموا‪،‬‬
‫إس من أن تركبوا‪ ،‬وليس من اللَّهو إحَّ ثالثــة أتدي ـ َّ‬
‫الرجــل فر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت‪،‬‬ ‫واركبوا‪ ،‬وأ ْن ترموا أح ـ ُّ َّ‬
‫كـت‪ ،‬فهي نعمـة كفرهـا» [أبو داود‬ ‫ومالعبتـت زوجتشـت‪ ،‬ورميـت بنبلـت عن قو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬ومن علِم َّ‬
‫الرمي مثَّ تر‬
‫(‪ )2513‬والرتمذي (‪ )1637‬والنسائي (‪ )223 - 222/6‬واحلاكم (‪ )95/2‬والبيوقي يف الشعب (‪.] )4301‬‬

‫عضوا عليها‬
‫الرَّابنيَّة‪ ،‬و ُّ‬
‫الصلابة ر ي هللا عنهم ابلتعاليم القرآنيَّة َّ‬ ‫فيا لشت من عص ٍر َّ‬
‫َتسك فيت َّ‬
‫ابلنَّواجذ‪ ،‬وقاموا بتطبيقها حرفياً يف شـ َّـض شــؤون حياهتم‪ ،‬ف ايوا‪ ،‬وا ــتعلوا عل أمم األرض شـرقاً‪،‬‬
‫و رابً ر م قلَّتهم‪ ،‬وبس ــاطتهم! وح ابتعد اَّس ــلمون عن تلك التَّعاليم‪ ،‬وألقوا هبا وراء ظهورهم‬

‫للرامي‪.‬‬ ‫اَّتشـنشـبِل هو الذأ يناول َّ‬


‫السهم َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪611‬‬
‫السيل‪.‬‬ ‫الذ ُّل‪ ،‬و َّ‬
‫الص ار‪ ،‬وتداعت عليهم األمم من أقطارها بعد أن أهللابلوا ثاءً ك ثاء َّ‬ ‫ركبهم ُّ‬

‫إن اَّه َّمـات‪ ،‬واألهـدا الَّيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـت لتلقيقهـا ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراَي‪ ،‬والبعوث كـانـت تتفـاوت تشبعـاً‬
‫َّ‬
‫حختال الظُّرو اَّيطــة واحلــادثــة‪ ،‬فكــانــت ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراَي األوىل يف معظمهــا عبــارةً عن دور ٍ‬
‫َيت‬
‫تطورت إىل راَي اع ا يَّ ٍة‪ ،‬توقع ا ُّلرع ‪ ،‬والفايي يف‬ ‫نبض‪ ،‬مثَّ َّ‬ ‫وجس ٍ‬ ‫ا تطالعيَّة‪ ،‬وا تك افيَّة‪ِ ،‬‬
‫القوافل القرشيَّة‪ ،‬وذلك قبل ايوة بد ٍر الفاهللالة‪ ،‬وعندما قويت شوكة اَّسلم بعدها أهللابلت‬
‫الدولة ال ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬الَّذين‬
‫مهمة بعض ال َّس ـ ـ ـراَي‪ ،‬والبعوث تنص ـ ـ ـ ُّ يف تص ـ ـ ــفية األفراد من أعداء َّ‬ ‫َّ‬
‫اولون النَّيل من مس ــريهتا مثل كع بن األش ــر ‪ ،‬والعص ــماء بنت شم ْرشوان‪ ،‬وأيب عفك‪ ،‬فكان‬
‫صماء‪ ،‬وأيب عفك ردي للم رك ‪ ،‬واَّنافق يف اَّدينة‪.‬‬ ‫الع ْ‬
‫يف قشـْتل كع ردي لليهود‪ ،‬وقتل ش‬
‫وعندما انقلبت األمـ ــور ل ري هللاـ ــاأ اَّسلم بعد أحـ ـ ٍـد طمع األعراب يف خريات اَّدينـ ــة‪،‬‬
‫وا تهانوا ابَّسلم لدرجة َّأ‪،‬م ـ ــدروا ببعض البعوث التَّعليميَّـ ــة ‪ -‬كما يف الَّرجيع‪ ،‬وبئر معونـ ــة‬
‫ابلسراَي من‬‫‪َّ -‬ري تبعاً لذلك ر ول هللا هللال هللا عليت و لم (ا اتي يَّتـ ــت) العسكريـَّ ــة‪ ،‬فانتقل َّ‬
‫أهم ما ميِياي تلك الس ـراَي‪،‬‬
‫يعة‪ ،‬ومبا ٍتة‪ ،‬وكان َّ‬ ‫ـارمة‪ ،‬و ـر ٍ‬
‫يقة هللا ـ ٍ‬
‫يش إىل األعراب لتأديبهم بطر ٍ‬ ‫قر ٍ‬
‫ه ومها التَّعر ُّي ل عراب قبل حت ُّدهم‪ ،‬و ع أمرهم ابي وم عل اَّسلم ‪.‬‬
‫اخلاهللاة خلدمة أهدا الدَّعوة‪،‬‬ ‫مبهامها َّ‬ ‫تؤدأ دورها‪ ،‬وتقوم ِ‬ ‫السراَي‪ ،‬والبعوث النَّبويَّة ِ‬ ‫وظلَّت َّ‬
‫َيت قتاليَّ ٍة‪ ،‬إىل ـ ـ ـراَي تعقُّبيَّ ٍة‪ ،‬وأخر َتويهيَّ ٍة‪ ،‬ح َّض إذا ما توطَّد األمر للمسـ ـ ــلم بعد‬ ‫فمن دور ٍ‬
‫ميت للوثنيَّة بصـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـلة‪ ،‬فبعث ال َّس ـ ـ ـ ـراَي‪،‬‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم نزالة ِ‬
‫كل ما ُّ‬ ‫فت َّ‬
‫اهتم الن ُّ‬
‫مكة‪َّ ،‬‬
‫مكة لتلطيم بقيَّة رموز ال ِ ـ ـرك‪ ،‬والوثنيَّة‪ ،‬فانطلقت ال َّس ـ ـراَي لتلطيم العَّاي ‪ ،‬ومناة‪،‬‬ ‫والبعوث من َّ‬
‫والالَّت‪ ،‬و واي‪ ،‬وذأ اخلشلصة(‪ ،)1‬و ريها من األهللانام‪ ،‬والطَّوا يت الوثنيَّة(‪.)2‬‬
‫وبعد ذلك انطلقت دعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم يف أرجاء اجلاييرة‪ ،‬ودخل النَّاس يف دين هللا أفواجاً‪ ،‬مثَّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم لن ـ ــر دين هللا يف اَّعمورة‪،‬‬
‫الراشـ ــديَّة بعد وفاة َّ‬
‫حتركت اجليوش َّ‬
‫َّ‬
‫كل العوائق‪ ،‬والقو الَّيت تقف يف وجت الدَّعوة‪.‬‬ ‫وإزالة ِ‬
‫لقد أده ــت النتائت ال َّسـ ـريعة الجيابيَّة حلركة الفتو ال ــالميَّة يع اَّلِل عل اختال‬

‫(‪ )1‬اخللصة بفت اخلاء اَّع مة والالَّم ‪ ،‬بعدها مهملة ‪ ،‬وحك ابن دريد فت أولت ‪ ،‬وإ كان اثنيت ‪ ،‬وحك ابن ه ام َّمهما ‪ ،‬وقيل بفت أولت و ِم‬
‫األول أشهر ‪ ،‬وانظر فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)4355‬‬ ‫اثنيت ‪ ،‬و َّ‬
‫السراَي والبعوث النَّبوية ‪( ،‬ص ‪ 61‬ـ ‪.)65‬‬
‫انظر َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪612‬‬
‫دَيانهتم‪ ،‬وأفكارهم‪ ،‬وم ـ ـ ــارهبم ولكن ـ ـ ــتايول ده ـ ـ ــة اَّلِل اَّنص ـ ـ ــف ‪ ،‬عندما يقريون تلك‬
‫السراَي‪ ،‬والبعوث‪ ،‬والَّيت هي نواة حركة الفتو ال الميَّة‪،‬‬ ‫لقواد‪ ،‬وجنود َّ‬
‫التَّعاليم‪ ،‬والوهللااَي النَّبويَّة َّ‬
‫تتكرر عل ألسنة اخللفاء‪ ،‬وقادة جيوش الفتو ‪ ،‬وتظهر يف أعمايم فيما بعد(‪.)1‬‬ ‫والَّيت هللاارت َّ‬
‫عن أنس ر ــي هللا عنت قال كان ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم إذا بعث جي ـ ـاً قال‬
‫«انطلقوا اب ـ ـ ـ ـ ــم هللا‪ ،‬ح تقتلوا ش ـ ـ ـ ـ ــيهاً فانياً‪ ،‬وح طفالً هللا ـ ـ ـ ـ ـ رياً‪ ،‬وح امرأ ًة‪ ،‬وح ت لُّوا‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ُّـموا‬
‫ُّ اَّسـ ــن » [أبو داود (‪ )2614‬والبيوقي يف الس ــنن الكرب (‪)90/9‬‬ ‫نائمكم‪ ،‬وأهللاـ ــللوا‪ ،‬وأحسـ ــنوا‪َّ ،‬‬
‫إن هللا‬
‫وعبد الرزاق يف املصنف (‪. ])9430‬‬

‫وعن أيب مو ر ي هللا عنت قال كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إذا بعث أحداً من‬
‫أهللا ـ ــلابت يف بعض أمره قال «ب ِ ـ ـ ـروا‪ ،‬وح تـنشـ ِفروا‪ ،‬وي ِسـ ـ ـروا‪ ،‬وح تـع ِ‬
‫سـ ـ ـروا» [مسـ ــلم (‪ )1732‬وأبو داود‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫(‪ )4835‬وأمحد (‪.])399/4‬‬

‫***‬

‫السراَي والبعوث النَّبوية ‪( ،‬ص ‪ 65‬ـ ‪.)66‬‬


‫انظر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪613‬‬
‫املبحث اخلامس‬

‫والعلمي‬
‫ِّ‬ ‫الرت ِّ‬
‫بوي‬ ‫استمرارية البناء َّ‬
‫مقدمات ــورة البقرة‪ ،‬الَّيت حتدَّثت‬ ‫اَّدين ِ‬
‫كان من أوائل ما نايل من القرآن الكر يف العهد ِ‬
‫عن هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفــات أهــل الميــان‪ ،‬وأهــل الكفر‪ ،‬وأهــل النِفــاق‪ ،‬مثَّ إش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة ألهــل الكتــاب ‪ -‬اليهود‬
‫أل‪،‬م الذين تص ـ ـ َّـدوا للدَّعوة ال ـ ــالميَّة من‬ ‫والنَّص ـ ــار ‪ -‬وكان ال َّكياي عل بيان حقيقة اليهود َّ‬
‫َّأول ٍ‬
‫يوم دخلت فيت اَّدينة‪ ،‬وتتضـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـمن ـ ـ ـ ـ ـ ــورة البقرة جانباً طويالً منها ل ـ ـ ـ ـ ـ ــر هللاـ ـ ـ ـ ـ ــفة يهود‪،‬‬
‫وطباعهم(‪.)1‬‬
‫توجت الدَّعوة‬ ‫اَّدين ‪ -‬كانت ِ‬ ‫أن ـ ـ ــورة البقرة ‪ -‬وهي من أوائل ما نايل يف العهد ِ‬ ‫واَّالحم َّ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها النَّاس ْاعبدوا‬ ‫يتوجهوا لت ابلعبادة‪ .‬قال تعاىل ش‬ ‫للنَّاس أ ع أن يدخلوا يف دين هللا‪ ،‬وأن َّ‬
‫ض فِشرا ًش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫ِ‬ ‫ربَّكم الَّـ ِذأ خلش شقكم والَّـ ِذ ِ ِ‬
‫ين م ْن قشـْبلك ْم لش شعلَّك ْم تشـتـَّقو شن ۝ الَّـذأ شج شع ـ شل لشكم األ ْشر ش‬ ‫ش ْ ش ش‬ ‫ش‬
‫وال َّس ـ ـ ـماء بِنشاء وأشنْـايشل ِمن ال َّس ـ ـ ـم ِاء ماء فشأشخرً بِِت ِمن الثَّمر ِ‬
‫ات ِرْزقًا لشك ْم فشالش شْد شعلوا ََِّّللِ أشنْ شد ًادا شوأشنْـت ْم‬‫ش ش ً ْ ش ش ش شش‬ ‫ش ش ش ًش ش ش‬
‫ن ﴾ [البقرة‪. ]22 - 21 :‬‬ ‫تشـ ْعلشمو ش‬
‫حتذر اَّسـ ـ ــلم من احتِصـ ـ ــا بصـ ـ ــفات اَّنافق ‪،‬‬ ‫اَّدين ِ‬ ‫وكانت ا َيت القرآنيَّة يف العهد ِ‬
‫الدولة اجلديدة‪ ،‬و تظهر حركة النِفاق ـ ـ ـ ـ ـ َّـد‬ ‫وتو ِ ـ ـ ـ ـ ـ خطورة اَّنافق عل ااتمع النَّاشـ ـ ـ ـ ــئ و َّ‬
‫القوة‪ ،‬والنُّفوذ‬ ‫مكة « يكونوا من َّ‬ ‫ألن اَّسلم يف َّ‬
‫اَّدين َّ‬ ‫الدولة اَّسلمة إح يف العهد ِ‬ ‫ااتمع‪ ،‬و َّ‬
‫فئة من النَّاس ترهبهم‪ ،‬أو ترجو خريهم‪ ،‬فتتملَّقهم‪ ،‬وتشـتشـشايلَّف إليهم يف‬ ‫حالة تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتدعي وجود ٍ‬
‫يف ٍ‬
‫وجت عام‪..‬‬ ‫الظَّاهر‪ ،‬وتتآمر عليهم‪ ،‬وتكيد يم‪ ،‬وَتكر هبم يف اخلفاء‪ ،‬كما كان ش ـ ـ ـ ـ ـ ــأن اَّنافق ب ٍ‬
‫حض ح‬ ‫وا َيت تتضـ ـ ـ ـ ـ َّـمن أوهللاـ ـ ـ ـ ــا ‪ ،‬وأخبار‪ ،‬ومواقف اَّنافق ‪ .‬واحلمالت عليهم كثرية جداً‪َّ ،‬‬
‫أن هذه احلركة ظلَّت ِطيلشةش‬ ‫وخاهللاةً الطَّويلة‪ ،‬واَّتو طة‪ ،‬وهذا يع َّ‬ ‫َّ‬ ‫تكاد هلو ورة مدنيَّة منها‪،‬‬
‫األول»(‪.)2‬‬ ‫اَّدين تقريباً‪ ،‬وإن كانت أخذت تضعف من بعد نصفت َّ‬ ‫العهد ِ‬
‫تمر القرآن اَّدينُّ يتلدَّث عن عظمة هللا‪ ،‬وحقيقة الكون‪ ،‬وال َّ ي يف اجلنة‪ ،‬وال َّ هي‬
‫وا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر الظالل (‪ )27/1‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬لدروزة (‪ 73/2‬ـ ‪ )76‬نقالً عن درا ات يف عهد النُّبوة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحن ال ُّ اي ‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪614‬‬
‫الدولة‪ ،‬الَّيت ــتلمل ن ــر دعوة هللا ب‬ ‫من النَّار‪ ،‬وي ـ ِـري األحكام ل بية َّ‬
‫األمة‪ ،‬ودعم مقومات َّ‬
‫النَّاس قاطبةً(‪ ،)1‬وداهد يف بيل هللا‪.‬‬
‫تتطور مع تطور مراحل الدَّعوة‪ ،‬وبناء ااتمع وأت ــيس الدولة‪،‬‬
‫األمة العلميَّة َّ‬
‫وكانت مس ــرية َّ‬
‫وقد أش ــاد القرآن الكر ابلعلم‪ ،‬والَّذين يتعلَّمون‪ ،‬ورويت أحاديث عن تقدير َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا‬
‫وتضمنت كت احلديث أبواابً عن العلم‪.‬‬ ‫عليت و لم للعلم‪َّ ،‬‬
‫ميكن هللا‬ ‫مقومات التَّمك أل نَّت من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــتليل أن ِ‬ ‫أن العلم من أهم ِ‬ ‫األمة َّ‬
‫لقد أيقنت َّ‬
‫وإن النَّاظر للقرآن الكر لي اء لت يف و ـ ـ ـ ـ ــو ٍ‬ ‫فة عن ركاب العلم‪َّ .‬‬ ‫جاهلة‪ ،‬متهلِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ألم ٍة‬
‫تعاىل َّ‬
‫وحتث عل طلبت وحتصــيلت‪ ،‬فقد جعل القرآن الكر‬ ‫أنَّت زاخر اب َيت الَّيت ترفع من شــأن العلم‪ُّ ،‬‬
‫آانءش اللَّْيـ ِل‬‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالل‪ .‬قـال تعـاىل ﴿أ َّشم ْن ه شو قشـانـِت ش‬ ‫العلم مقـابالً للكفر(‪ )2‬الـذأ هو اجلهـل‪ ،‬وال َّ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين حش يشـ ْعلشمو شن‬ ‫ش ـ ـ ـ ـاج ًدا شوقشائ ًما شْ شذر ا خرشة شويشـ ْرجو شر ْحشةش شربت ق ْل شه ْل يش ْس ـ ـ ـ ـتش ِوأ الذ ش‬
‫ين يشـ ْعلشمو شن شوالذ ش‬
‫اب ﴾ [الزمر‪.]9 :‬‬ ‫إَِّجشا يـتش شذ َّكر أولو األشلْب ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫وإن ال َّ ـيء الوحيد الَّذأ أمر هللا تعاىل ر ـولت هللاــل هللا عليت و ــلم أن يطل منت ِ‬
‫الايَيدة‬ ‫َّ‬
‫أن َّأول خا ِهللا ـ ـ ـيَّ ٍة ميَّاي هللا تعاىل هبا‬
‫ب ِزْدِين ِع ْل ًما ﴾ [طه‪ ]114 :‬كما َّ‬ ‫هو العلم‪ .‬قال تعاىل ﴿وقل ر ِ‬
‫ش ْش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شمسشاءش كلَّ شها مثَّ شعشر ش ه ْم شعلش الْ شمالشئ شكة فشـ شق شال‬ ‫﴿و شعلَّ شم ش‬
‫آد شم األ ْ‬ ‫ادم عليت السالم هي العلم‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫أشنْبِئ ِوين ِأب ْشمس ِاء هؤحشِء إِ ْن كْنـتم هللا ِ‬
‫ادقِ ش ﴾ [البقرة‪. ]31 :‬‬
‫ْ ش‬ ‫ش ش‬
‫بوأ يعلِم أهللا ـ ـلابت‪ ،‬ويذكِرهم ابهلل ‪َّ -‬‬
‫عاي‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم يف منه ت ال َّ ِ‬‫ـتمر الن ُّ‬
‫وا ـ َّ‬
‫وجل ‪ -‬و ثُّهم عل مكارم األخالق‪ ،‬ويو ِ ـ ـ ـ ـ ـ يم دقائق ال َّ ـ ـ ـ ـ ـريعة‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬وكان توجيهت‬ ‫َّ‬
‫ومرًة اعياً‪ ،‬وترك لنا احلبي اَّصــطف هللاــل هللا‬ ‫هللاــل هللا عليت و ــلم ألهللاــلابت أحياانً فردَيً‪َّ ،‬‬
‫عليت و ــلم ‪ ،‬ثروةً هائلةً يف و ــائلت ال َّ بويَّة يف التَّعليم‪ ،‬وإلقاء الدُّروس‪ ،‬فقد راع هللاــل هللا عليت‬
‫التلقي‪ِ ،‬‬
‫وتؤدأ إىل ا ــتقرار احلديث يف‬ ‫و ــلم الو ــائل ال َّ بويَّة الَّيت تع عل احلفم‪ ،‬وحس ــن ِ‬
‫الصلابة الكرام ر ي هللا عنهم فمن هذه الو ائل واَّبادئ العظيمة النَّافعة(‪ )3‬يف‬ ‫نفوس وأفئدة َّ‬
‫اَّكي‪ ،‬و ِ‬
‫اَّدين‬ ‫العهد ِ‬

‫(‪ )1‬يقال جاء القوم قاطبةً أأ يعاً‪.‬‬


‫(‪ )2‬التمك ل َّمة ال الميَّة ‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫الصلابة يف التَّعلُّم والتَّعليم ‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحن الرب ‪ ،‬ص ‪.60 ، 59‬‬
‫(‪ )3‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫‪615‬‬
‫أوالً‪ :‬أهم هذه الوسائل واملبادئ َّ‬
‫الرتبوية‪:‬‬

‫‪ - 1‬تكرار احلديث‪ ،‬وإعادتت‬


‫فذلك أ ـ ـ ـ ـ ـ ــهل يف حفظت‪ ،‬وأعون عل فهمت‪ ،‬وأدع ح ـ ـ ـ ـ ـ ــتيعابت‪ ،‬ووعي معانيت ولذلك‬
‫حرص النب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم عل تكرير احلديث يف ال أحيانت‪ ،‬فعن أنس بن ٍ‬
‫مالك‬ ‫شش‬
‫ٍ‬
‫حض‬ ‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أنَّت كان إذا تكلَّم بكلمة ش‬
‫أع شادها ثالاثً َّ‬ ‫ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬عن الن ِ‬
‫لَّم عليهم ثشالاثً [البخاري (‪. ])95‬‬ ‫قوم‪َّ ،‬‬ ‫تـ ْفهم عنت‪ ،‬وإذا أت عل ٍ‬
‫فسل شم عليهم ش ش‬
‫ش‬ ‫شش‬
‫‪ِ -2‬‬
‫التأين يف الكالم والفصل ب الكلمات‬
‫ٍ‬
‫كلمة‪ ،‬وأخر ‪،‬‬ ‫يتأَّن وح يس ـ ــتع ل يف كالمت‪ ،‬بل يفص ـ ــل ب‬
‫كان هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت‬
‫حض يسـ ــهل احلفم‪ ،‬وح يقع التَّلريف والتَّ يري عند النَّقل‪ ،‬وبل من حرص الن ِ‬ ‫َّ‬
‫و ـ ـ ــلم عل ذلك أنَّت كان يش ْسـ ـ ـ ـهل عل ال َّسـ ـ ـ ـامع أن يشـع َّد كلماتت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم لو‬
‫أن عائ ة ر ي هللا عنها قالت «أح يع بك‬ ‫الايبري ‪ -‬رحت هللا! ‪َّ -‬‬ ‫شاء(‪ ،)1‬فقد رو عروة بن ُّ‬
‫أبو فالن «أبو هريرة»؟ جاء‪ ،‬ف لس إىل جان ح رل ش ِدث عن ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت‬
‫و لم ‪ ،‬ي ْس ِمع ذلك‪ ،‬وكنت أ بِ (‪ ،)2‬فقام قبل أن أقضي ْبليت‪ ،‬ولو أدركتت لرددت عليت‪،‬‬
‫إن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يكن يسرد احلديث كسرِدكم» [البخاري (‪. ])3568‬‬ ‫َّ‬
‫شْ‬ ‫شْ‬
‫‪ - 3‬احعتدال‪ ،‬وعدم المالل‪ ،‬واختيار الوقت اَّنا‬
‫كان هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يقتص ـ ـ ــد يف تعليمت يف مقدار ما يلقيت‪ ،‬ويف نوعت‪ ،‬ويف زمانت‬
‫وحض ين ـ ــطوا حلفظت‪ ،‬ويس ـ ــهل عليهم ع ْقلت‪ ،‬وفهمت‪ ،‬فعن ابن مس ـ ـ ٍ‬
‫ـعود‬ ‫صـ ـ ـلابة‪َّ ،‬‬
‫ميل ال َّ‬
‫حض ح َّ‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫تهولنا(‪)3‬ابَّوعظة يف األَيم كرآه شة ال َّس ـ ِ‬
‫امة‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يش َّ‬
‫ر ــي هللا عنت قال كان الن ُّ‬
‫علينا [البخاري (‪. ])68‬‬

‫‪ - 4‬رب األمثال‬
‫اَّعنوأ يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ‬
‫َّ‬ ‫ذلك أنَّت ِ‬
‫يقدم‬ ‫للمثل أثر ابل يف إيص ـ ـ ـ ـ ـ ــال اَّعىن إىل العقل‪ ،‬والقل‬

‫ِ‬
‫البهارأ رقم (‪.)3567‬‬ ‫النب هللال هللا عليت و لم كان ش ِدث حديثاً لو عدَّه ُّ‬
‫العاد ألحصاه ‪ ،‬انظر‬ ‫أن َّ‬‫(‪ )1‬عن عائ ة ر ي هللا عنها َّ‬
‫أ بِ أهللالي النَّافلة ‪ ،‬وهي ُّ‬
‫السبلة ‪ ،‬وقيل هللاالة الضُّل ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫يتهولنا يتعهدان‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪616‬‬
‫أن للمثل مبهتلف هللا ـ ـ ـ ــوره بال ةً أتخذ‬ ‫الذهن فضـ ـ ـ ـ ـالً عن َّ‬ ‫ويقربت إىل ِ‬ ‫ح ِس ـ ـ ـ ـيَّ ٍة‪ ،‬فريبطت ابلواقع‪ِ ،‬‬
‫هللا ـ ـ ٍة عقول البل اء ولذلك ا ــتكثر القرآن من ــرب‬ ‫مب امع القلوب‪ ،‬وتس ــتهوأ العقول‪ ،‬و ا َّ‬
‫َّاس شوشما‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرهبشا لِلن ِ‬
‫ك األ ْشمثشال نش ْ‬ ‫﴿وتِْل ش‬‫األمثال‪ ،‬وذكر حكمة ذلك يف آَيت كثرية‪ ،‬فقال تعاىل ش‬
‫يشـ ْع ِقل شه ـا إِحَّ الْ شع ـالِمو شن ﴾ [العنكبوت‪ ،]43 :‬وق ــال تع ــاىل ﴿لش ْو أشنْـشايلْنش ـا شه ـ شذا الْقرآن شعلش شجبش ـ ٍل لششرأشيْـتش ـت‬
‫ن ﴾ [احلشر‪. ]21 :‬‬ ‫ض ِرهبشا لِلن ِ‬
‫َّاس لش شعلَّه ْم يشـتشـ شف َّكرو ش‬ ‫ك األ ْشمثشال نش ْ‬ ‫اشعا متص ِدعا ِمن خ ْ ي ِة َِّ‬
‫اَّلل شوتِْل ش‬ ‫شخ ً ش ش ً ْ ش ش‬
‫ِ‬

‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪،‬‬


‫إىل ري ذلك من ا َيت‪ ،‬وعل هذا اَّنهت الكر ـ ـ ـ ـ ــار الن ُّ‬
‫فا ــتكثر من ــرب األمثال‪ ،‬فقد قال عبد هللا بن عمر ر ــي هللا عنهما «حفظت عن ر ــول‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم ألف ٍ‬
‫مثل»(‪.)1‬‬
‫وق ــد ألِف ــت كت ـ متع ـ ِـددة يف األمث ــال يف احل ـدي ــث الن ِ‬
‫َّبوأ من أق ــدمه ــا كت ــاب (أمث ــال‬
‫الر شامه ْرم ِاي ِأ‪( ،‬ت ‪360‬هـ)(‪.)2‬‬
‫الرحن بن خالَّد َّ‬ ‫حممد احلسن بن عبد َّ‬ ‫احلديث)‪ ،‬للقا ي أيب َّ‬
‫‪ - 5‬طر اَّسائل‬
‫القوأ ب ال َّس ـائل واَّســؤول‪،‬‬ ‫اَّهمة يف ربا التَّواهللاــل ِ‬ ‫إن طر ال ُّس ـؤال من الو ــائل ال بويَّة َّ‬ ‫َّ‬
‫الذه ِ الكامل‬ ‫وفت ذهن اَّس ــؤول‪ ،‬وتركياي اهتمامت عل الجابة‪ ،‬وإحداث حالة من النَّ ــاط ِ‬
‫الصلابة اَّا كان لت‬ ‫متعددةٍ لتعليم َّ‬ ‫السؤال يف هللاوٍر ِ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ُّ‬ ‫ولذلك ا تهدم الن ُّ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ال ُّس ـ ـؤال‬ ‫ِ‬
‫كبري األثر يف حسـ ــن فهمهم‪ ،‬وَتام حفظهم‪ ،‬فأحياانً يوجت الن ُّ‬
‫عندئذ بصي ة التَّنبيت (أح) الباً‪ ،‬فعن أيب‬ ‫ٍ‬ ‫السؤال‬
‫ارد ا اثرة‪ ،‬والتَّ ويق‪ ،‬ولفت ا نتباه‪ ،‬ويكون ُّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم قال «أح أدلُّكم عل ما ميلو هللا بت‬ ‫هريرة ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬عن الن ِ‬
‫اخلطاَي‪ ،‬ويرفع بت الدَّرجات؟» قالوا بل َي ر ـ ـ ــوشل هللا! قال «إ ـ ـ ـ ــباغ الو ـ ـ ــوء عل اَّكاره‪،‬‬
‫ص ـ ـالة‪ ،‬فذلكم ِ‬
‫الرابط» [مس ــلم (‪ )251‬ومالك يف املوطأ‬ ‫ص ـ ـالة بعد ال َّ‬
‫وشكثْـشرة اخلطشا إىل اَّس ــاجد‪ ،‬وانتظار ال َّ‬
‫(‪ )161/1‬والرتمذي (‪ )51‬والنسائي (‪ )89/1‬وابن ماجه (‪. ])428‬‬

‫عما يعلم َّأ‪،‬م ح علم يم بت‪ ،‬و َّأ‪،‬م ـ ــيكلون‬


‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم َّ‬
‫وأحياانً يس ـ ــأيم الن ُّ‬
‫وإجا يقص ـ ــد آاثرة انتباههم للمو ـ ــوي‪ ،‬ولفت أنظارهم إليت(‪ ،)3‬فعن أيب‬ ‫علمت إىل هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـولت َّ‬

‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫(‪ )1‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫كل و ائل التَّعليم النبويَّة اختصرهتا من هذا الكتاب القيِم‪.‬‬
‫اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪ ، 65‬و ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.67‬‬


‫(‪ )3‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫‪617‬‬
‫هريرة ر ـ ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫أن ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم قال «أتدرون ما اَّفلس؟» قالوا‬
‫إن اَّفلس من َّأميت‪ ،‬من رل يوم القيامة بصالةٍ‪،‬‬ ‫ي‪ .‬فقال « َّ‬ ‫اَّفلس فينا من ح درهم لت‪ ،‬وح متا ش‬
‫هللايام‪ ،‬وزكاةٍ‪ ،‬ورل قد شتم هذا‪ ،‬وقذ هذا‪ ،‬وأكل مال هذا‪ ،‬و فك شد شم هذا‪ ،‬و رب هذا‪،‬‬ ‫و ٍ‬
‫فيعطش هذا من حس ــناتت‪ ،‬وهذا من حس ــناتت‪ ،‬فَن فنيت حس ــناتت قبل أن يقض ـ ما عليت أ ِخ شذ‬
‫ت عليت‪ ،‬مثَّ ط ِر يف النار» [مسلم (‪ )2581‬والرتمذي (‪.])2418‬‬ ‫من خطاَيهم‪ ،‬فط ِر شح ْ‬
‫ص ـ ـلابة الجابة‪ ،‬فيث عليت‪ ،‬وميدحت ت ـ ـ يعاً لت‪ ،‬وحتفياياً‬ ‫وأحياانً يسـ ــأل‪ ،‬فيلسـ ــن أحد ال َّ‬
‫ل ريه‪ ،‬كما فعل مع أ شِيب بن كع ٍ ر ي هللا عنت قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «َي‬
‫أأ اية من كتاب هللا معك أعظم؟» قال قلت هللا ور ـ ـولت أعلم! قال «َي‬ ‫أاب الْمْن ِذ ِر! أتدرأ ُّ‬
‫﴿اَّلل حش إِشلتش إِحَّ ه شو ْ‬
‫احلش ُّي‬ ‫اية من كتاب هللا معك أعظم؟» قال قلت َّ‬ ‫أأ ٍ‬
‫أاب الْمْنذر! أتدرأ ُّ‬
‫ذ ِر!» [مســلم‬‫الْ شقيُّوم﴾ [البقرة‪ ،]255 :‬قال فضــرب يف هللاــدرأ‪ ،‬وقال «وهللا! ليـهنِك العِْلم(‪ )1‬أاب اَّْن ِ‬
‫شْ‬
‫(‪ )810‬وأبو داود (‪ )1460‬وأمحد (‪.])142/5‬‬

‫فهذا اح ــتلســان‪ ،‬والتَّ ـ يع يبعث اَّتعلِم عل ال ُّ ـعور ابحرتيا ‪ ،‬والثِقة ابلنَّفس‪ ،‬ويدعوه‬
‫إىل طل ‪ ،‬وحفم اَّاييد من العلم‪ ،‬وحتصيلت(‪.)2‬‬
‫السؤال‬
‫‪ - 6‬إلقاء اَّعاين ال ريبة اَّثرية لالهتمام‪ ،‬والدَّاعية إىل اح تفسار‪ ،‬و ُّ‬
‫أن ر ـ ــول هللا هللاـ ــل‬ ‫ومن ألطف ذلك‪ ،‬وأ لت ما رواه جابر بن عبد هللا ر ـ ــي هللا عنهما َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك‬ ‫فمر قش ْد ٍأ أ ش ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫العالية‪ ،‬والنَّاس كنشـ شفتشت ‪َّ ،‬‬
‫مر ابل ُّس ـ ـ ـ ـوق‪ ،‬داخالً من بعض ش‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم َّ‬
‫أن هذا لت بدرهم؟»‪ ،‬فقالوا ما حن ُّ أنَّت لنا‬ ‫ميت‪ ،‬فتناولت‪ ،‬فأخذ أبذنت‪ ،‬مثَّ قال «أيكم ُّ َّ‬ ‫ٍ‬
‫ـيء‪ ،‬وما نصـ ـ ـ ــنع بت؟ قال «أحتبُّون أنَّت لكم؟» قالوا وهللا لو كان حياً كان عيباً فيت ألنت‬ ‫ب ــــ ٍ‬
‫ك‪ ،‬فكيف‪ ،‬وهو ميت؟! فقال «فو هللا! للدُّنيا أهون عل هللا من هذا عليكم» [مسـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫أ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫(‪. ])2957‬‬

‫(‪ )1‬أأ ليكن العلم هنيئاً لك‪.‬‬


‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫(‪ )2‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫(‪ )3‬كنفتت يع عن جانبت ‪ ،‬والكنف ـ ابلتَّلريك ـ النَّاحية ‪ ،‬واجلان ‪.‬‬
‫ك أأ هللا ري األذن ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬جدأ أ َّ‬
‫‪618‬‬
‫‪ - 7‬ا تهدام الو ائل التو يليَّة‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يسـ ــتهدم ما يسـ ـ َّـم اليوم ابلو ـ ــائل التَّو ـ ــيلية لتقرير‪،‬‬
‫كان الن ُّ‬
‫كل حوا ِ ـهم ابَّو ــوي‪ ،‬وتركياي انتباههم فيت‪،‬‬ ‫وأتكيد اَّعىن يف نفوس وعقول ال َّس ـامع ‪ ،‬وش ـ ل ِ‬
‫بكل مالبساتت ومن هذه الو ائل‬ ‫اَّا يساعد عل َتام وعيت‪ ،‬وحسن حفظت ِ‬
‫أ ‪ -‬التعبري حبركة اليد كت ــبيكت هللاــل هللا عليت و ــلم ب أهللاــابعت‪ ،‬وهو يبِ طبيعة العالقة‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم قال‬ ‫ب اَّؤمن وأخيت‪ ،‬فعن أيب مو األشعرأ ر ي هللا عنت‪ ،‬عن الن ِ‬
‫«اَّؤمن للمؤمن كالبنيان ي ُّد بعضت بعضاً»‪ ،‬وشبَّك ب أهللاابعت [البخاري (‪ )2446‬ومسلم (‪. ])2585‬‬
‫خيا عل األرض خطوطاً تو ـ ــيليَّة‪،‬‬ ‫ابلر ـ ــم فكان هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ُّ‬ ‫ب ‪ -‬التعبري َّ‬
‫صـ ـ ـلابة‪ ،‬مثَّ رخذ يف ش ـ ــر مفردات ذلك التَّهطيا‪ ،‬وبيان اَّقص ـ ــود منت‪ ،‬فعن‬ ‫تسـ ـ ـ عي نظر ال َّ‬
‫خا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم خطاً بيده‪ ،‬مثَّ قال‬ ‫مسعود ر ي هللا عنت قال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عبد هللا بن‬
‫خا خطوطاً عن ميينت‪ ،‬وعن طالت‪ ،‬مثَّ قال «وهذه بل ‪ -‬قال‬ ‫«هذا بيل هللا مستقيماً»‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫يما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿وأ َّ‬ ‫كل ـ ٍ‬ ‫متفرقة ‪ -‬عل ِ‬ ‫ياييد ِ‬
‫شن شه شذا هللاـ ـشراطي م ْسـ ـتشق ً‬ ‫ـبيل منها ش ــيطان يدعو إليت»‪ ،‬مثَّ قرأ ش‬
‫ن ﴾ [اآلنعام‪]153 :‬‬ ‫فشاتَّبِعوه شوحش تشـتَّبِعوا ال ُّس ـ ـب شل فشـتشـ شفَّر شق بِك ْم شع ْن ش ـ ـبِيلِ ِت شذلِك ْم شو َّ‬
‫هللا ـ ـاك ْم بِِت لش شعلَّك ْم تشـتـَّقو ش‬
‫[أمحد (‪ )435/1‬والطيالسي (‪ )244‬والدارمي (‪ )208‬وابن حبان (‪ 6‬و‪. ])7‬‬

‫ً ‪ -‬التَّعبري برفع‪ ،‬وإظهار ال َّ ـ ـ ـيء مو ـ ــع احلديث‪ ،‬كما فعل هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عند‬
‫نب‬ ‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال َّ‬
‫إن َّ‬ ‫الذه ‪ ،‬فعن ِ‬ ‫احلديث عن حكم لبس احلرير‪ ،‬و َّ‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم أخذ حريراً‪ ،‬ف علت يف ميينت‪ ،‬وأخذ ذهباً‪ ،‬ف علت يف طالت‪ ،‬مثَّ قال « َّ‬
‫إن‬
‫هــذين حرام عل ذكور َّأميت» [أبو داود (‪ )4057‬والنس ـ ـ ـ ـ ــائي (‪ ،])160/8‬وزاد يف روايــة «حــل لانثهم»‬
‫الذه ‪ ،‬واحلرير‪،‬‬‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ب القول‪ ،‬وب رفع َّ‬ ‫اَّصــدران الســابقان]‪ ،‬ف مع الن ُّ‬
‫السماي‪ ،‬واَّ اهدة‪ ،‬فيكون ذلك أو ش ‪ ،‬وأعو شن عل احلفم‪.‬‬ ‫حض جيمع يم َّ‬‫وإظهارلا‪َّ ،‬‬
‫هللاـ ـعِ شد هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫العملي بفعل ال َّ ـ ـيء أمام النَّاس‪ ،‬كما فعل عندما ش‬
‫ُّ‬ ‫د ‪ -‬التَّعليم‬
‫اَّنرب‪ ،‬فصـ ـ ـلَّ حبيث يراه النَّاس أ عون‪ ،‬فعن ـ ــهل بن ـ ـ ٍ‬
‫ـعد ال َّسـ ـ ـ ِ‬
‫اعدأ ر ـ ــي هللا عنت قال‬ ‫ش‬
‫كرب‪ ،‬وقام النَّاس خلفت‪،‬‬ ‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم قام عل اَّنرب‪ ،‬فا ــتقبل القبلة‪ ،‬و َّ‬
‫رأيت ر ـ ش‬

‫‪619‬‬
‫فقرأ وركع‪ ،‬وركع النَّاس خلفت‪ ،‬مثَّ رفع رأ ـ ــت‪ ،‬مثَّ رجع ال شق ْه شقر (‪ ،)1‬فسـ ـ ـ د عل األرض‪ ،‬مثَّ عاد‬
‫إىل اَّنرب‪ ،‬مثَّ قرأ‪ ،‬مثَّ ركع‪ ،‬مثَّ رفع رأ ت‪ ،‬مثَّ رجع ال شق ْه شقر ‪ ،‬فس د عل األرض‪ ،‬مثَّ عاد إىل اَّنرب‪،‬‬
‫حض ـ ـ ـ د ابألرض‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما فرغ أقبل عل‬‫مثَّ قرأ‪ ،‬مثَّ ركع‪ ،‬مثَّ رفع رأ ـ ــت‪ ،‬مثَّ رجع ال شق ْه شقشر ‪َّ ،‬‬
‫هللاالل» [البخاري (‪. ])377‬‬ ‫الناس‪ ،‬فقال «أيُّها النَّاس! َّإجا هللانعت هذا لِتشأْشَتُّوا يب‪ ،‬ولشتشعلموا‬
‫َّ (‪)2‬‬

‫‪ - 8‬ا تعمال العبارات اللَّطيفة‪ ،‬و َّ‬


‫الرقيقة‬
‫احلق‪ ،‬ويدفع‬‫إن ا ـ ــتعمال لطيف اخلطاب‪ ،‬ورقيق العبارات يؤلِف القلوب‪ ،‬ويسـ ــتميلها إىل ِ‬ ‫َّ‬
‫ميهد لكالمت وتوجيهت بعبارةٍ‬ ‫اَّس ـ ـ ـ ــتمع إىل الوعي‪ ،‬واحلفم‪ ،‬فقد كان هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ِ‬
‫هللاـ ـ ٍة إذا كان بص ــدد تعليمهم ما قد ي ْسـ ـتشليا من ذكره‪ ،‬كما فعل عند تعليمهم‬ ‫لطيفة ٍ‬
‫رقيقة‪ ،‬و ا َّ‬ ‫ٍ‬
‫آداب اجللوس لقض ـ ــاء احلاجة إذ قدَّم لذلك أبنت مثل الوالد للمؤمن ‪ ،‬يعلِمهم ش ـ ــفقةً هبم(‪،)3‬‬
‫فقد قال هللال هللا عليت و لم « َّإجا أان لكم مبنايلة الوالد أ شعلِمكم‪ ،‬فَذا أت أحدكم ال ائا فال‬
‫بيمينت» [أبو داود (‪. ])8‬‬ ‫ِ‬
‫يستقبل القبلة‪ ،‬وح يستدبرها‪ ،‬وح يش ْستشط ْ‬
‫األول هللال هللا عليت و لم لةً من اَّبادئ ال َّ بويَّة الكرمية كانت ايةً يف‬ ‫لقد راع اَّعلِم َّ‬
‫ص ـ ـلابة‪ ،‬جعلت‬ ‫العقلي‪ ،‬وذلك يف تعليقت عل ما هللاـ ــدر من بعض ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫قي‪ ،‬والكمال‬ ‫ال ُّس ـ ـ ِ‬
‫مو اخلل ِ‬
‫ـان تربوي ـ ـ ٍـة كر ٍ‬
‫مية(‪،)4‬‬ ‫التوجي ـ ــت يستق ـ ـ ُّـر يف قلوهبم‪ ،‬وبقي ماثـ ـ ـالً أمام بصائرهم َّا ارتبا بت من مع ـ ـ ٍ‬

‫الرفيعة الَّيت ا تعملها الن ُّ‬


‫َّب هللال هللا عليت و لم‬ ‫وهذه بعض اَّبادئ َّ‬
‫يع اَّسن‪ ،‬والثناء عليت‬ ‫أ‪-‬ت‬
‫ليايداد ن ــاطاً وإقباحً عل العلم‪ ،‬والعمل مثلما فعل مع أيب مو ـ األشـ ِ‬
‫ـعرأ ‪ -‬ر ــي هللا‬
‫عنت ‪ -‬ح أثىن عل قراءتت‪ ،‬وحســن هللاــوتت ابلقرآن الكر ‪ .‬فعن أيب مو ـ ‪ -‬ر ــي هللا عنت ‪-‬‬
‫أن النب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم قال لت «لو شرأشيْـتش وأان أ ـ ـ ـ ــتمع لقراءتك البارحة! لقد أ ش‬
‫وتيت‬
‫ري ال داود» [البخاري (‪ )5048‬ومسلم (‪. ])793‬‬ ‫ِم ْايماراً من شمشايام ِ‬

‫(‪ )1‬القه شقر اَّ ي إىل خلف ‪ ،‬من ري أن يعيد وجهت إىل جهة م يت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ولتعلَّموا أأ لتتعلموا ‪ ،‬فلذ إحد التاءين‪.‬‬
‫الصلابة يف التعلُّم والتَّعليم ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ )3‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪620‬‬
‫ب ‪ -‬الشفاق عل اَّهطئ‪ ،‬وعدم تعنيفت‬
‫يقدر ظرو النَّاس‪ ،‬ويراعي أحوايم‪ ،‬ويعذرهم قهلهم‪،‬‬ ‫كان هللاـ ـ ـ ـ ــلوات هللا و ـ ـ ـ ـ ــالمت عليت ِ‬
‫أن ذلك مي قل‬ ‫ـك َّ‬ ‫ويتلطَّف يف تصـ ـ ـ ـ ــلي أخطائهم‪ ،‬وي فَّق يف تعليمهم ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـواب‪ ،‬وح شـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫للر ــالة‪ ،‬وهللا ــاحبها‪ ،‬وحرهللا ـ ـاً عل حفم الواقعة‪ ،‬والتَّوجيت‪ ،‬وتبلي هما‪ ،‬كما جيعل‬ ‫اَّنص ــو حباً ِ‬
‫َّ (‪)1‬‬
‫الرقيق مهيَّأ ًة حلفم الواقعة مبالبس ــاهتا كافةً‬ ‫قلوب احلا ـ ـرين اَّع بة هبذا التَّص ـ ُّـر ‪ ،‬والتَّوجيت َّ‬
‫لمي ر ي هللا عن ــت قال «بشـ ْـي ــنش ــا أان أهللالي مع ر ول هللا‬ ‫الس ُّ‬
‫ومن ذلك ما رواه معاوية بن احلكم ُّ‬
‫هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم إذ شعطشس رجل من القوم‪ ،‬فقلت يرحك هللا! فرماين القوم أببصـ ــارهم‪،‬‬
‫ْل أ ِميش ْاه! ما شأنكم تنظرون َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫إس؟ ف علوا يضربون أبيديهم عل أفهاذهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫فقلت واثك ش‬
‫ـكت‪ ،‬فلما هللاـلَّ ر ـول هللا هللاـل هللا عليت و ـلم ‪ ،‬فبأيب هو‪ ،‬و ِأمي!‬ ‫ُّ‬ ‫صـ ِمتونش ‪ ،‬لك ِ‬ ‫رأيتهم ي ش‬
‫أحسن تعليمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً منت‪ ،‬فو هللا! ما شك شهشرن ـ ـ ـ ـ ـ ــي(‪ ،)3‬وح رب ‪ ،‬وح‬ ‫ش‬ ‫ما رأيت معلِماً قبل ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وح بعده‬
‫صل فيها شيء من كالم النَّاس َّإجا هو التَّسبي ‪ ،‬والتَّكبري‪،‬‬ ‫الصالة ح يش ْ‬ ‫شتم ‪ ،‬قال «إن هذه َّ‬
‫وقراءة القرآن» [مسلم (‪ )537‬وأبو داود (‪ 930‬و‪ )931‬والنسائي (‪ )18 - 14/3‬وأمحد (‪. ])447/5‬‬

‫الرفق البال ف ـ ـ ــي التَّعليم! وانظر أث ـ ـ ــر هذا ِ‬


‫الرف ـ ـ ــق يف نفس‬ ‫فانظر ‪ -‬رحك هللا! ‪ -‬إىل ه ـ ـ ــذا ِ‬
‫السلشمي ر ي هللا عنت‪ ،‬وأتثُّره حبسن تعليمت هللال هللا عليت و لم !‪.‬‬ ‫معاويـة بن احلكم ُّ‬
‫ذم‬
‫ً ‪ -‬عدم التَّصري ‪ ،‬واحكتفاء ابلتَّعريض فيما ي ُّ‬
‫ث‬
‫َّا يف ذلك من مراعاة شـ ـ ـ ـ ــعور اَّهطئ‪ ،‬والتَّأكيد عل عموم التَّوجيت ومن ذلك ما شح شد ش‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم عل هللاــدقات ب‬ ‫مع عبد هللا بن اللُّْتبيَّة ر ــي هللا عنت ح ا ــتعملت الن ُّ‬
‫اعدأ ر ـي هللا عنت قال ا ـتعمل ر ـول‬ ‫ـلشْيم‪ ،‬فقبل ايداَي من اَّتص ِـدق ‪ ،‬فعن أيب حشْيد ال َّسـ ِ‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم رجالً عل هللادقات ب لشْيم‪ ،‬يدع ابن اللُّْتبِيَّة‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاء حا بت‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فقال هذا مالكم‪ ،‬وهذا هدي ـ ـ ـ ــة‪ .‬فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫حض أتتيك هديـَّتك إن كنت هللاادقاً؟» مثَّ خطبنا‪ ،‬فلمد‬ ‫جلست يف بيت أبيك و ِأمك َّ‬ ‫ش‬ ‫«فشـ شهالَّ‬
‫الرجل منكم عل العمل اَّا وحَّين هللا‪ ،‬فيأل‪،‬‬ ‫هللا‪ ،‬وأثىن عليت‪ ،‬مثَّ قال « َّأما بعد‪ِ ،‬‬
‫فَين أ ـ ــتعمل َّ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ .‬ص ‪.86‬‬


‫(‪ )2‬وا حر للنُّدبة واحلسرة ‪ ،‬والثكل فقدان اَّرأة ولدها ‪ ،‬و ِأميِاه ـ هو بكسر اَّيم ـ أأ َي َّأماه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ما شكهرين أأ ما انتهرين‪.‬‬
‫‪621‬‬
‫حض أتتيت هديـَّتت؟‬‫فيقول هذا مالكم‪ ،‬وهذا هديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أهديت س‪ ،‬أفال جلس يف بيت أبيت و ِأمت َّ‬
‫عرفن أحداً منكم‬ ‫حقت إح لقي هللا ملت يوم القيامة‪ ،‬ف َّ‬ ‫وهللا! ح رخذ أحد منكم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً ب ري ِ‬
‫حض رئِ شي بياض‬ ‫لقي هللا مل بعرياً لت ر شاء‪ ،‬أو بقرًة يا خوار‪ ،‬أو ش ـ ـ ـ ـ ــا ًة تشـْيـ شعر»(‪ )1‬مثَّ رفع يديت َّ‬
‫شْع أذين» [البخاري (‪ )6979‬ومسلم (‪. ])27/1832‬‬ ‫هم! هل بلَّ ت؟ بش ْ‬
‫صشر عي ‪ ،‬ومس ش‬ ‫إبطيت يقول «اللَّ َّ‬
‫مهمة‬
‫د ‪ -‬ال ض ‪ ،‬والتَّعنيف مض كان لذلك دو ٍاي َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـة‪ ،‬أو شدش شاوشز اخلطأ حدود‬ ‫وذلك كأن دث خطأ شـ ـ ـ ــرعي من أشـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـهاص يم حيثيَّة خا َّ‬
‫أن هذا ال ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يكون‬ ‫فتنة‪ ،‬أو احنرا ٍ عن اَّنهت عل َّ‬ ‫ميثل بداية ٍ‬ ‫ال شفرد يَّة‪ ،‬واجلاي َّئية‪ ،‬وأخذ ِ‬
‫ضباً توجيهياً‪ ،‬من ري إ فا ٍ ‪ ،‬وح إ را ٍ بل عل قدر احلاجة ومن ذلك ضبت هللال هللا‬
‫عليت و ــلم ح أاته عمر ومعت نسـ ــهة من التَّوراة ليقرآه ا عليت هللاـ ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فعن‬
‫أن عمر بن اخلطَّاب ر ــي هللا عنت أت ر ــول هللا هللاــل هللا‬ ‫جابر بن عبد هللا ر ــي هللا عنهما َّ‬
‫ـول هللا! هذه نس ــهة من التَّوراة‪ .‬فس ــكت‪ ،‬ف عل‬ ‫ـهة من التَّوراة‪ ،‬فقال َي ر ـ ش‬ ‫عليت و ــلم بنس ـ ٍ‬
‫يقرأ ووجت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يت َّري‪ ،‬فقال أبو بكر ر ــي هللا عنت ثكلتك الثَّواكل!‬
‫ما تر بوجت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ؟ فنظر عمر إىل وجت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت‬
‫و ـ ــلم ‪ ،‬فقال أعوذ ابهلل من ض ـ ـ هللا‪ ،‬و ض ـ ـ ر ـ ـولت‪ ،‬ر ـ ــينا ابهلل رابً‪ ،‬وابل ـ ــالم ديناً‪،‬‬
‫حمم ٍد بيده! لو بدا لكم‬ ‫مبلم ٍد نبياً‪ .‬فقال ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «والذأ نفس َّ‬
‫و َّ‬
‫نبول حتَّبع »‬
‫ض ـلشْلتم عن ـواء ال َّس ـبيل‪ ،‬ولو كان حياً‪ ،‬وأدرك َّ‬
‫مو ـ ‪ ،‬فاتبعتموه‪ ،‬وتركتموين ل ش‬
‫[أمحد (‪ 338/3‬و‪ )387‬والبزار (‪. ])124‬‬

‫أئمة بعد أن‬ ‫الصالة‪ ،‬وهم َّ‬ ‫ومن ذلك ضبت هللال هللا عليت و لم من تطويل بعض أهللالابت َّ‬
‫يؤدأ إليت من ٍ‬
‫فتنة‬ ‫كان هللال هللا عليت و لم قد ‪ ،‬عن ذلك َّا فيت من تعس ٍري‪ ،‬وم ق ٍَّة‪ ،‬وَّا ِ‬
‫ـارأ ر ــي هللا عنت‪ ،‬قال‬ ‫ض ـعفاء‪ ،‬واَّعذورين‪ ،‬وذوأ األش ـ ال‪ ،‬فعن أيب مسـ ٍ‬
‫ـعود األنصـ ِ‬ ‫لبعض ال ُّ‬
‫ب هللا ـ ـ ــل هللا‬
‫ص ـ ـ ـال شة اَّا يطول بنا فالن‪ .‬فما رأيت النَّ َّ‬
‫ـول هللا! ح أكاد أدرك ال َّ‬
‫قال رجل َي ر ـ ـ ـ ش‬
‫يومئذ‪ ،‬فقال «أيُّها النَّاس! إنَّكم منشـ ِفرون‪ ،‬فمن هللا ـ ـلَّ‬
‫موعظة أش ـ ـ َّـد ض ـ ــباً من ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عليت و ـ ــلم يف‬
‫َّعيف‪ ،‬وذا احلاجة» [البخاري (‪ )90‬ومسلم (‪. ])466‬‬ ‫هفف َّ‬ ‫ابلنَّاس ف ْلي ِ‬
‫فَن فيهم اَّريض‪ ،‬والض ش‬

‫تصي ‪.‬‬ ‫الر اء هللاوت البل عند رفع األحال عليهـا ‪ ،‬واخلوار هللاوت البقر ‪ ،‬وتيعر يع‬
‫ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫‪622‬‬
‫صـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬وداديم يف ال شقد ِر‪ ،‬فعن عبد هللا بن عمرو بن‬ ‫ومن ذلك ض ـ ـ ــبت من اختص ـ ـ ــام ال َّ‬
‫العاص ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهما قال خرً ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم عل أهللا ـ ـ ـ ــلابت وهم‬
‫الرَّمان من ال ض ‪ ،‬فقال «هبذا أمرذ؟ أو يذا‬ ‫خيتصمون يف القدر‪ ،‬فكأجا يفقأ يف وجهت ح ُّ ُّ‬
‫ببعض؟ هبذا هلكت األمم قبلكم» [ابن ماجه (‪. ])85‬‬ ‫خلقتم؟ تضربون القرآن بعضت ٍ‬
‫صرون عل اَّ احة يف‬‫أمره‪ ،‬وي ُّ‬
‫الصلابة ش‬ ‫ومن ذلك ضبت هللال هللا عليت و لم ح خيالف َّ‬
‫أن ذلك أفضـ ـ ــل اَّا أمروا بت‪ ،‬وأقرب إىل هللا‪ ،‬فعن‬ ‫الدين‪ ،‬والتَّ ـ ـ ــديد عل أنفسـ ـ ــهم‪ ،‬ظناً منهم َّ‬ ‫ِ‬
‫عائ ة ر ي هللا عنها قالت كان ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إذا أمرهم أمرهم من األعمال‬
‫إن هللا قد فر لك ما تقدَّم من ذنبك‪ ،‬وما‬ ‫ـول هللا! َّ‬‫مبا ي ِطيقون‪ ،‬قالوا َّإان لس ـ ــنا كهيئتك َي ر ـ ـ ش‬
‫حض يـ ْعر ش يف وجهت ال ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬مثَّ يقول « َّ‬
‫إن أتقاكم وأعلمكم ابهلل أان»‬ ‫أتخر‪ ،‬في ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫[البخاري (‪. ])20‬‬

‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف تلك اَّواقف إح عمالً توجيهياً‪ ،‬وتعليمياً‬
‫و يكن ضـ ـ ـ الن ِ‬
‫للصلاب ــة عل التَّيقُّم‪ ،‬وحتذيراً يم من الوقوي يف هذه األخطاء‪ ،‬فالواعم «من شأنت أن‬ ‫حتريض ـاً َّ‬
‫ألن مقامت يقتضي تكلُّف ا نايعاً ألنَّت يف هللاورة اَّْن ِذر‪ ،‬وكذا اَّعلِم‬
‫يكون يف هللاورة ال ضبان َّ‬
‫إذا أنكر عل شم ْن يتعلَّم منت وءش فه ٍم وحنوه ألنَّت قد يكون أدع للقبول منت‪ ،‬وليس ذلك حزماً‬
‫أحد بل خيتلف ابختال أحوال اَّتعلِم »(‪.)1‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫يف ِ‬
‫حق ِ‬
‫هـ انتهاز بعض الوقائع لبيان وتعليم ٍ‬
‫معان منا بة‬
‫كان هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم حتدث أمامت أحداث معيَّنة‪ ،‬فينتهاي م ـ ــاهبة ما ير َّع ًىن مع ٍ‬
‫وعندئذ يكون هذا اَّعىن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لتوجيت منا ـ ٍ يريد بثَّت ألهللاــلابت‪،‬‬ ‫صـلابة‪ ،‬وم ــاكلتت‬ ‫يريد تعليمت لل َّ‬
‫وذلك التَّوجيت أو ما يكون يف نفو هم ر ي هللا عنهم ومن ذلك ما رواه عمر بن اخلطَّاب‬
‫ر ـ ــي هللا عنت قال قش ِد شم عل الن ِ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ش ـ ـ ْب(‪ ،)2‬فَذا امرأة من ال َّس ـ ـب شْحتل‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫َّب‬
‫ثش ْديشها تس ــقي ‪ ،‬إذا وجدت هللا ــبياً يف ال َّس ـب أخذتت فألص ــقتت ببطنها‪ ،‬وأر ــعتت‪ ،‬فقال الن ُّ‬

‫(‪ )1‬فت البارأ (‪.)187/1‬‬


‫الس ْب األ ر ‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫لفم اخر شحتشلَّ ش ثديها ‪ ،‬أو ثدَيها أأ هتيأ ألن ْلش ش ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬شحتْل ثديها ‪ ،‬ويف ٍ‬
‫ش‬
‫السعي ‪ ،‬وهو اَّ ي بسرعة ‪ ،‬أأ تسع‬ ‫وتضررت ابجتماي اللب فيت ‪ ،‬ويف رو ٍ‬
‫اية (تسع ) وهو من َّ‬ ‫ألن ثديها قد امت ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )4‬تسقي تبت ي ولداً تر عت َّ‬
‫للبلث عن ولدها الَّذأ ف ِق شد منها‪ .‬ـ ‪]734‬أتـشرْو شن ـ بضم اَّثناة ـ أأ أتظنُّون‪.‬‬
‫‪623‬‬
‫هللال هللا عليت و لم «أشت ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـرْون(‪ )1‬هذه طارحةً ولدها يف النَّار؟» قلنا ح وهي تقدر عل أح‬
‫(‪)2‬‬
‫تشطرحت ‪ ،‬فقال «هلل أرحم بعباده من هذه بولدها!» [البخاري (‪ )5999‬ومسلم (‪. ])2754‬‬
‫شش‬
‫«فانتهاي هللاــل هللا عليت و ــلم اَّنا ــبة القائمة ب يديت مع أهللاــلابت‪ ،‬واَّ ــهود فيها حنان‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األم الفاقدة ر ــيعها إذ وجدتت‪ ،‬و ــرب هبا اَّ ــاكلةش واَّ ــاهبةش برحة هللا تعاىل ليعر الن ش‬
‫رب النَّاس بعباده»(‪.)3‬‬ ‫رحةش ِ‬

‫َّب صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬


‫الصحابة رضي هللا عنوم عند مساعوم للن ِّ‬
‫اثنياً‪ :‬من أخالق َّ‬

‫مهمة‪ ،‬كان يا عظيم األثر يف‬


‫صـلابة ر ــي هللا عنهم عل احلتايام رداب ومبادئ َّ‬ ‫ص ال َّ‬
‫شحشر ش‬
‫حسن احلفم وَتام الضَّبا‪ ،‬وقدرهتم يف تبلي دعوة هللا للنَّاس ومن هذه ا داب‪ ،‬واألخالق‬
‫َّام‪ ،‬وحسن اح تماي‬
‫‪ - 1‬النصات الت ُّ‬
‫صـلابة‪ ،‬وأعظم من أن يشـ ْل ش ْوا إذا‬
‫أجل يف نفوس ال َّ‬ ‫فقد كان ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫وإجا كانوا يلقون إليت أمساعهم‪،‬‬ ‫حتدَّث‪ ،‬أو ين ـ ـ ـ لوا عنت إذا تكلَّم‪ ،‬أو يرفعوا أهللا ـ ـ ـواهتم حبض ـ ـ ـرتت َّ‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ي هللا عنت يف احلديث‬ ‫وي هدون عقويم‪ ،‬وقلوهبم‪ ،‬و فايون ذاكرهتم‪ ،‬فعن ِ‬
‫عن ــريتت هللاــل هللا عليت و ــلم يف جلســائت‪ ،‬قال «‪ ...‬وإذا تكلَّم أطْشر شق جلســايه‪ ،‬كأَّجا عل‬
‫ريو هم الطَّري‪ ،‬فَذا كت تكلَّموا‪[ »....‬الشمائل للرتمذي (‪. ])352‬‬

‫قال ال َّ ـ ـي عبد الفتا أبو دَّة ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬أهللا ـ ــلت َّ‬
‫أن ال راب يقع عل رأس البعري‪،‬‬
‫يتلرك البعري حينئـ ٍـذ لئال ينفر عنــت ال راب ويبق القراد يف رأس البعري‬
‫فيلقا منــت القراد‪ ،‬فال َّ‬
‫فيؤَّت‪ ،‬فقيل منت كأن عل ريو هم الطري»(‪.)4‬‬
‫يدل عل ال ُّسـكون الت ِ‬
‫َّام‪ ،‬وا نصـات الكامل‪ ،‬هيبةً لر ـول هللا‬ ‫و َّأَيً ما كان أهللاـل اَّثل‪ ،‬فهو ُّ‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وتعظيماً لت‪ ،‬وإجالحً حلديثت(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬أأ ح تطرحت ما دامت تقدر عل حفظت معها ووقايتت وعدم طرحت يف النَّار‪.‬‬
‫للدكتور‬ ‫الر ول اَّعلِم هللال هللا عليت و لم‪ ،‬لعبد الفتا أبو دة ‪ ،‬ص ‪ ، 160‬وهذا اَّبلث اختصرتت من مناهت واداب َّ‬
‫الصلابة يف التعلم والتعليم ‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫عبد الرحن الرب‪.‬‬


‫الر ول اَّعلم هللال هللا عليت و لموأ اليبت يف التَّعليم ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫انظر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪ )5‬انظر مناهت واداب َّ‬


‫‪624‬‬
‫حض يفرغ‬ ‫ِ‬
‫اَّتلدث َّ‬ ‫‪ - 2‬ترك التَّنازي وعدم مقاطعة‬
‫ٍ‬
‫بعض‪،‬‬ ‫وهذا من َتام األدب‪ ،‬اَّفض ـ ـ ـ ــي إىل ارتيا يع اجلالس ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وإقبال بعض ـ ـ ـ ــهم عل‬
‫علي بن أيب طال ر ـ ــي هللا عنت ال َّس ـ ـابق يف‬ ‫واَّع عل ـ ــهولة الفهم‪ ،‬والتَّعلم ففي حديث ِ‬
‫ـ ـ ــريتت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يف جلسـ ـ ــائت‪ ،‬قال «ح يتنازعون عنده احلديث‪ ،‬من تكلَّم عنده‬
‫أن من بدأ منهم احلديث‬ ‫حض يفرغ‪ ،‬حديثهم عنده حديث َّأويم‪[ »...‬سبق خترجيه]‪ ،‬أأ َّ‬ ‫أنصتوا لت َّ‬
‫حض يفرغ َّأوحً من حديثت‪ ،‬و يقاطعوه‪ ،‬أو ينازعوه‪ ،‬وبذلك يبق االس عل‬ ‫والكالم‪ ،‬ـ ـ ــكتوا َّ‬
‫وقاره‪ ،‬وهيبتت‪ ،‬وح هتلا فيت األهللاوات‪ ،‬وح صل أدَّن ت ويش(‪.)1‬‬
‫حض يتب َّ يم‬
‫‪ - 3‬مراجعتت هللال هللا عليت و لم فيما أشكل عليهم َّ‬
‫فمع كمال هيبتهم لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وشدَّة تعظيمهم لت‪ ،‬يكونوا ي َّددون‬
‫حض يســهل حفظت بعد‬ ‫يف مراجعتت هللاــل هللا عليت و ــلم ح ــتيضــا ما أشــكل عليهم فهمت‪َّ ،‬‬
‫أن هذه اَّراجعة تع عل َتام الفهم‪ ،‬وحض ـ ـ ـ ـ ـ ــور الوعي فمن ذلك حديث‬ ‫ذلك‪ ،‬وحش ـ ـ ـ ـ ـ ــك َّ‬
‫يدخل النَّار أحد‬
‫ش‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم « ِإين ألرجو أح‬ ‫حفصة ر ي هللا عنها قالت قال الن ُّ‬
‫﴿وإِ ْن‬
‫إن شــاء هللا ‪ -‬اَّن شــهد بدراً‪ ،‬واحلديبية»‪ ،‬قالت قلت َي ر ــول هللا! أليس قد قال هللا ش‬
‫ك شحْت ًما شم ْق ِضيًّا ﴾ [مرمي‪ ،]71 :‬قال «أ تسمعيت يقول ﴿مثَّ نـنش ِ ي‬ ‫ِمْنك ْم إِحَّ شوا ِرد شها شكا شن شعلش شربِ ش‬
‫الَّ ِذين اتَّـقوا ونش شذر الظَّالِ ِم فِيها ِ‬
‫جثِيًّا ﴾ [مرمي‪[ »]72 :‬أمحد (‪ )285/6‬وابن ماجه (‪. ])281‬‬
‫ش ش‬ ‫ش ْ ش‬
‫س ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهم الَّذأ رحل‬ ‫ومن ذلك حديث جابر بن عبد هللا‪ ،‬عن عبد هللا بن أنـشْي ش‬
‫جابر إليت فيت‪ ،‬قال ابن أنيس مسعت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يقول « ــر هللا العباد‬
‫‪ -‬أو قال النَّاس ‪ -‬عرا ًة ْرحً(‪ )2‬هبْماً» قال قلنا ما هبماً؟ قال «ليس معهم شيء‪ ،‬مثَّ يناديهم‬
‫ألحد من أهل‬ ‫ََّين‪ ،‬ح ينب ي ٍ‬ ‫بصـ ٍ‬
‫ـوت يســمعت شم ْن بشـعد‪ ،‬كما يســمعت شم ْن قشـرب أان اَّلك‪ ،‬أان الد َّ‬
‫اجلنـَّة أن يــدخــل اجلنـَّة‪ ،‬وح ينب ي ألحـ ٍـد من أهــل النــار أن يــدخــل النـَّار‪ ،‬وعنــده مظلمــة‪َّ ،‬‬
‫حض‬
‫وإجا أنل هللا ْرحً هبماً؟ قال «ابحلس ـ ـ ــنات‬ ‫صـ ـ ـ ـت(‪ )3‬منت‪ ،‬حض اللَّطمة»‪ ،‬قال قلنا كيف ذا‪َّ ،‬‬ ‫أقِ َّ‬
‫ت حش‬ ‫س ِمبشا شك شس ـبش ْ‬
‫وال َّس ـيِئات» قال وتال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ﴿الْيشـ ْوشم ْدشاي ك ُّل نشـ ْف ٍ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.87‬‬


‫(‪ )2‬رحً ع أ رل ‪ ،‬وهو األقلف ‪ ،‬وال رلشة القلفة‪ ،‬والقلفة هي القطعة اليت تقطع من َّ‬
‫الذكر عند اخلتان‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫أمكنشت من أخذ القصاص اَّن ظلمت‪.‬‬‫صت ِ‬‫(‪ )3‬أقِ َّ‬
‫‪625‬‬
‫احلِسـ ـ ِ‬
‫اب ﴾‬ ‫ظ ْلم الْيشـ ْوشم إِ َّن َّ ِ‬
‫[غافر‪[ ]17 :‬البخاري يف األدب املفرد (‪ )970‬وأمحد (‪ )495/3‬واحلاكم (‪- 437/2‬‬
‫اَّللش ش ـ ـريع ْ ش‬ ‫ش‬
‫‪ )438‬وجممع الزوائد (‪. ])133/1‬‬

‫عما خفي عليهم‪ ،‬وا ـ ــتو ـ ــلوا ما أشـ ــكل عليهم فهمت‪ ،‬وهذه‬
‫ص ـ ـلابة َّ‬
‫وهكذا ا ـ ــتفهم ال َّ‬
‫اَّناق ة واَّراجعة كان يا أثر كبري يف الفهم‪ ،‬والوعي‪ ،‬واحلفم(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬مذاكرة احلديث‬
‫َّب هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـلابة ‪ -‬ر ـ ـ ـوان هللا عليهم ‪ -‬إذا مسعوا ش ـ ــيئاً من الن ِ‬
‫كان ال َّ‬
‫وحلوا عنت علماً جلسـ ـوا‪ ،‬فتذاكروه فيما بينهم‪ ،‬وتراجعوه عل ألس ــنتهم أتكيداً حلفظت‪ ،‬وتقويةً‬
‫مالك ر ــي هللا عنت قال «كنَّا نكون عند النَّب‬ ‫ح ــتيعابت‪ ،‬و ــبطت‪ ،‬والعمل بت‪ ،‬فعن أنس بن ٍ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فنس ـ ــمع منت احلديث‪ ،‬فَذا قمنا تذاكرانه فيما بيننا‪ ،‬حض حنفظت»(‪.)2‬‬
‫حض بعد وفاتت هللاــل هللا عليت و ــلم فعن أيب نضــرة‬ ‫صـلابة َّ‬ ‫وقد بقي مبدأ اَّذاكرة قائماً ب ال َّ‬
‫اَّنذر بن مالك بن قطعة ‪ -‬رحت هللا ‪ !-‬قال «كان أهللاــلاب ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬
‫إذا اجتمعوا تذاكروا العلم‪ ،‬وقريوا شوشره»(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫السؤال بقصد العلم‪ ،‬والعمل‬
‫‪ُّ - 5‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة بقصـ ـ ـ ـ ــد العلم‪ ،‬والعمل‪ ،‬ح للعبث‪ ،‬واللع ‪ ،‬فكانت أ ـ ـ ـ ـ ــئلتهم‬
‫كانت أ ـ ـ ـ ـ ــئلة ال َّ‬
‫م ــفوعةً هبذا القصــد لِ شما علموا من كرآه ة الن ِ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم للمســائل العبثيَّة الَّيت ح‬
‫تاً إليها‪ ،‬ولِما مسعوا من حتذيره هللا ــل هللا عليت و ــلم من كثرة ال ُّس ـؤال‪ ،‬فعن ــهل بن ـ ٍ‬
‫ـعد‬ ‫ش‬
‫وعاهبا»(‪.)5‬‬
‫اَّسائل‪ ،‬ش‬
‫ش‬ ‫اعدأ ر ي هللا عنت قال « شك ِره ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫َّووأ «اَّراد كرآه ة اَّس ـ ـ ــائل الَّيت ح ْتاً إليها‪ ،‬ح ـ ـ ـ ـيَّما ما كان فيت هتك ـ ـ ـ ـ‬
‫قال الن ُّ‬
‫ـلمة‪ ،‬قال العلماء َّأما إذا كانت‬ ‫ـناعة عل مس ـ ــل ٍم‪ ،‬أو مس ـ ـ ٍ‬
‫مس ـ ــل ٍم‪ ،‬أو إش ـ ــاعة فاح ـ ـ ٍـة‪ ،‬أو ش ـ ـ ٍ‬
‫الدين‪ ،‬وقد وقع‪ ،‬فال كرآه ة فيها»(‪.)6‬‬ ‫اَّسائل اَّا تاً إليت يف أمور ِ‬

‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.80‬‬


‫(‪ )1‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫(‪ )2‬أخرجت اخلطي يف اجلامع (‪ 363/1‬ـ ‪ )364‬وفيت ياييد الرقاشي وهو عيف‪.‬‬
‫السمعاين يف أدب المالء واح تمالء‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫أخرجت اخلطي يف اجلامع (‪ )86/2‬رقم (‪ ، )1229‬و َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫الصلابة ‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫(‪ )4‬انظر مناهت واداب َّ‬
‫(‪ )5‬أخرجت أبو خيثمة زهري بن حرب ن ٍ‬
‫ناد هللالي ٍ يف كتاب العلم ‪ ،‬ص ‪ ، 20‬رقم (‪.)77‬‬
‫(‪ )6‬شر الن ِ‬
‫َّووأ عل مسلم (‪ )741/3‬طبعة ال َّع ‪.‬‬
‫‪626‬‬
‫‪ - 6‬ترك التنطُّع‪ ،‬وعدم ُّ‬
‫السؤال عن اَّت ابت‬
‫اَّتنطع ‪ ،‬و‪،‬يت‬ ‫ِ‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم من ذلك‪ ،‬وت ــديده عل‬ ‫وذلك تطبيقاً لتلذير الن ِ‬
‫عن جمالستهم فعن عائ ة ر ي هللا عنها قالت تال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم هذه ا ية‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك الْ ِكتش ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫اب مْنت آَيت ْحم شك شمات ه َّن أ ُّم الْكتشاب شوأ شخر متش ش اهبشات فشأ َّشما الذ ش‬ ‫ش‬ ‫﴿ه شو الَّذأ أشنْـشايشل شعلشْي ش‬
‫ِيف قـلوهبِِ ْم شزيْ فشـيشـتَّبِعو شن شم ـا تش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابشـتش ِمْن ـت ابْتِ ش ـاءش الْ ِفْتـنش ـ ِة شوابْتِ ش ـاءش شأتْ ِويلِ ـ ِت شوشم ـا يشـ ْعلشم شأتْ ِويلش ـت إِحَّ َّ‬
‫اَّلل‬
‫اب ﴾ [آل عمران‪،]7 :‬‬ ‫الرا ِ ـ ـهو شن ِيف الْعِْل ِم يـقولو شن آمنَّا بِِت كل ِمن ِعْن ِد ربِنشا وما ي َّذ َّكر إِحَّ أولو األشلْب ِ‬ ‫شو َّ‬
‫ش‬ ‫ش شش ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫قالت قال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «فَذا رأيت الَّذين يشـتَّبِعون ما ت ــابت منت فأولئك‬
‫مسَّ هللا فاحذروهم!» [البخاري (‪ )4547‬ومسلم (‪. ])2665‬‬ ‫الَّذين ش‬
‫عما كت عنت ال َّاري‬
‫السؤال َّ‬
‫‪ - 7‬ترك ُّ‬
‫عما ـ ـ ـ ـ ــكت عنت‬ ‫فقد التايموا ‪ -‬ر ـ ـ ـ ـ ـوان هللا عليهم ‪ -‬هبذا األدب‪ ،‬فلم يتكلَّفوا ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـؤال َّ‬
‫يؤدأ ال ُّس ـ ـ ـؤال عن ذلك إىل إجياب ما يوجبت ال َّ ـ ـ ـري‪ ،‬أو حتر ما ِرمت‬ ‫حض ح ِ‬ ‫ال َّ ـ ـ ـاري َّ‬
‫َّ ِ‬
‫ين آمنوا حش‬ ‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫فيكون ال ُّسـ ـؤال قد أفضـ ـ إىل التَّض ــييق عل اَّس ــلم ‪ ،‬كما قال تعاىل ش‬
‫ششيشاءش إِ ْن تـْب شد لشك ْم تشس ْؤك ْم شوإِ ْن تش ْسأشلوا شعْنـ شها ِح ش يـنشـَّايل الْقرآن تـْب شد لشك ْم شع شفا َّ‬
‫اَّلل شعْنـ شها‬ ‫تش ْسأشلوا شع ْن أ ْ‬
‫كافِ ِرين ﴾ [املائدة‪. ]102 - 101 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل شفور شحليم ۝ قش ْد ش أش شيشا قشـ ْوم م ْن قشـْبلك ْم مثَّ أش ْ‬
‫هللابشلوا هبشا ش ش‬ ‫شو َّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم من مثل ذلك فعن ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا عنت‬ ‫َّ‬
‫وحذر َّ‬
‫إن أعظم اَّس ــلم جرماً من ــأل عن ش ـ ٍ‬
‫ـيء‬ ‫قال قال ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم « َّ‬
‫ْ‬
‫شَّرْم‪ ،‬فل ِرشم من أجل مسألتت» [البخاري (‪ )7289‬ومسلم (‪. ])2358‬‬
‫‪ - 8‬ا تنام خلوة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ومراعاة وقت ؤالت‬
‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم يراعون الوقت اَّنا ـ ـ لل ُّس ـ ـؤال ومن ذلك ا تنام ـ ــاعة‬‫كان ال َّ‬
‫حض ح يكون يف السـؤال إثقال‪ ،‬أو إرهاق أو حنو ذلك فعن أيب‬ ‫خلوتت هللاــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم إذا هللا ـلَّ الف ر احنرفنا‬ ‫مو ـ األشـ ِ‬
‫ـعرأ ر ــي هللا عنت قال «كان الن ُّ‬
‫الريَي» [جممع‬
‫إليت‪ ،‬فمنَّا من يس ــألت عن القرآن‪ ،‬ومنَّا من يس ــألت عن الفرائض‪ ،‬ومنَّا من يس ــألت عن ُّ‬
‫الزوائد‪. ])159/1( :‬‬

‫‪627‬‬
‫ابلسؤال‬
‫‪ - 9‬مراعاة أحوالت هللال هللا عليت و لم وعدم الحلا عليت ُّ‬
‫هللاـ ـ ـ ٍة‪ ،‬بعد أن ‪،‬وا عن ال ُّسـ ـ ـؤال ولذلك كانوا يدفعون األعراب لسـ ـ ـؤالت هللا ـ ــل هللا عليت‬
‫و ا َّ‬
‫و لم ‪ ،‬ويتليَّنون‪ ،‬وينتظرون جمأأ العقالء منهم ليسألوا ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وهم‬
‫مالك ر ي هللا عنت قال ‪ِ،‬ينا أن نسأل ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫يسمعون فعن أنس بن ٍ‬
‫الرجل من أهل البادية العاقل‪ ،‬فيسـ ــألت‪ ،‬وحنن نسـ ــمع‪ ،‬ف اء‬ ‫ـيء‪ ،‬فكان يع ِ بنا أن جييء َّ‬ ‫عن شـ ـ ٍ‬
‫أن هللا أر ــلك‪ .‬قال‬ ‫رجل من أهل البادية‪ ،‬فقال َي حممد! أاتان ر ـولك‪ ،‬فايعم لنا أنَّك تايعم َّ‬
‫« هللادق»‪ ....‬احلديث [مسلم (‪ )92‬وأبو داود (‪ )486‬والرتمذي (‪ )619‬والنسائي (‪ )122 - 121/4‬وأمحد (‪ 143/3‬و‪])193‬‬
‫‪.‬‬

‫بوأ يف ااتمع اجلــديــد من خالل اَّواقف العمليَّـة الوا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــة‪،‬‬


‫ـتمر البنــاء ال َّ ُّ‬
‫وهكــذا ا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫منسـ ـ ـ ـ ماً مع رس فريض ـ ـ ــة التعلُّم‪ ،‬والتَّعليم ب أفراد ااتمع اَّس ـ ـ ــلم‪ ،‬فكانت تلك التَّوجيهات‬
‫الدولة اَّسلمة الَّيت أ َّ سها ر ول هللا هللال هللا‬ ‫األمة اَّسلمة‪ ،‬و َّ‬
‫تساهم يف إعداد الفرد اَّسلم‪ ،‬و َّ‬
‫أللية ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتمرار البناء‬
‫ض‪ ،‬وتذكري‪ ،‬وتنبيت َّ‬‫كل‪ ،‬و شْيض من فشـْي ٍ‬ ‫عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وهذا جايء من ٍ‬
‫حض بعد قيام َّ‬
‫الدولة‪.‬‬ ‫األمة‪َّ ،‬‬ ‫العلمي يف َّ‬ ‫بوأ‪ ،‬و ِ‬ ‫ال َّ ِ‬

‫***‬

‫‪628‬‬
‫السادس‬
‫املبحث َّ‬
‫أحداث وتشريعات‬
‫ٌ‬
‫أوالً‪ :‬معاجلة األزمة االقتصاديَّة‪:‬‬

‫َّأدت ه رة اَّسـ ـ ـ ـ ـ ــلم إىل اَّدينة‪ ،‬إىل زَيدة األعباء احقتصـ ـ ـ ـ ـ ــاديَّة اَّلقاة عل عاتق َّ‬
‫الدولة‬
‫بطرق عديدةٍ‪ ،‬وأ ـ ــالي‬
‫النَّاشـ ــئة‪ ،‬وش ـ ــري القائد األعل هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ش ُّل هذه األزمة ٍ‬
‫ص ـ ـ ـ ـفَّة التَّابعة للمس ـ ـ ـ ـ د الن ِ‬
‫َّبوأ‬ ‫ٍ‬
‫متنوعة‪ ،‬فكان نظام اَّؤاخاة ب اَّهاجرين واألنص ـ ـ ــار‪ ،‬وبناء ال ُّ‬
‫اهتم هللا ــل هللا عليت و ــلم بدرا ــة األو ــاي‬ ‫عدد اك ٍن من فقراء اَّهاجرين‪ ،‬و َّ‬ ‫ح ــتيعاب أكرب ٍ‬
‫أن القَّوة احقتص ــاديَّة بيد اليهود‪ ،‬و َّأ‪،‬م ميلكون ال ُّس ـوق التِ اريَّة يف‬ ‫احقتص ــاديَّة يف اَّدينة فرأ َّ‬
‫ويتلكمون يف األ ـ ــعار وال ِسـ ـ ـلع‪ ،‬و تكرو‪،‬ا‪ ،‬ويس ـ ــت لُّون حاجة النَّاس‪ ،‬فكان‬ ‫َّ‬ ‫اَّدينة‪ ،‬وأموايا‪،‬‬
‫وق للمسلم لينافسوا اليهود عل مصادر الثَّروة‪ ،‬واحقتصاد يف اَّدينة‪ ،‬وتظهر‬ ‫حبد من بناء ٍ‬ ‫َّ‬
‫للسوق‬‫الرفيعة يف عا التِ ارة‪ ،‬فلدَّد هللال هللا عليت و لم مكاانً ُّ‬ ‫فيها آداب ال الم‪ ،‬وأخالقت َّ‬
‫وخطَّت برجلت‪ ،‬وقال «هذا ـ ــوقكم‪ ،‬فال ينتقصـ ـ َّـن‪ ،‬وح يض ـ ـرب َّن عليت‬
‫يف رب اَّس ـ ـ د النَّبوأ‪ ،‬ش‬
‫خراً» [ابن ماجه (‪. ])2233‬‬

‫وقد قامت ال ُّسـوق يف عهده هللاــل هللا عليت و ــلم شر ْحبةً وا ــعةً‪ ،‬وقد حظي ال ُّسـوق ابهتمام‬
‫ا‪ ،‬و ـ َّـن لت‬
‫فتعهده ابلش ـرا ‪ ،‬واَّراقبة‪ ،‬وو ــع لت ـواب ش‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬ورعايتت‪َّ ،‬‬ ‫الن ِ‬
‫ش‪ ،‬واخلداي‪ ،‬كما‬ ‫وطهره من كث ٍري من بـيوي اجلاهليَّة اَّ ــتملة عل ال ش ْ ِ‬
‫ب‪ ،‬وال ششرِر(‪ ،)1‬وال ِ‬ ‫آداابً‪َّ ،‬‬
‫حبريتت‪ ،‬وإاتحة الفرص اَّتكافئة فيها للبيع وال ِ ـ ـراء‪ ،‬ب اجلميع عل‬ ‫ع ِ هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ِ‬
‫السواء(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وحرمات عديد ًة لسوق اَّدينة لكي تصان وح‬ ‫وقد أر هللال هللا عليت و لم آداابً كثرية‪،‬‬
‫األمة عل شم ِر الدُّهور‪،‬‬
‫تنتهك‪ ،‬وحتفم فال هدش‪ ،‬وح يسـتهان هبا‪ ،‬ولكي يصـب قدوًة أل ـواق َّ‬
‫وشك ِر العصــور‪ ،‬وتواس األزمان‪ ،‬فمن ــريتت ميكننا أن نســتنبا لةً من ا داب الَّيت كان رمر هبا‪،‬‬

‫أأ بيع ما جيهلت اَّتبايعان ‪ ،‬أو ما ح يوثشق بتسلُّمت ‪ ،‬كبيع َّ‬


‫السمك يف اَّاء‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫السوق يف ال الم ‪ ،‬ألحد الدرويش ‪ ،‬ص ‪.36 ، 35‬‬ ‫انظر أحكام ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪629‬‬
‫أو ينه عنها أثناء دخولت إىل ال ُّس ـ ـ ـوق‪ ،‬وإش ـ ـ ـرافت عليت‪ ،‬ومتابعتت ـ ـ ــري اَّعامالت فيت‪ ،‬فقد كان‬
‫أقره‪ ،‬ور يف اَّواظبة عليت‪،‬‬
‫هللاـل هللا عليت و ـلم ح ير منكراً إح َّريه‪ ،‬وأزالت‪ ،‬وح معروفاً إح َّ‬
‫﴿وشما‬ ‫ِ‬
‫كل ذلك من توجيهات‪ ،‬وتعليمات ربت ـ ــبلانت وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل ش‬ ‫واحلتايام بت‪ ،‬مسـ ــتمداً َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشـْنطق شع ِن ا ْيششو ۝ إ ْن ه شو إحَّ شو ْ ش‬
‫حي يوح ﴾ [النجم‪.]4 - 3 :‬‬

‫ومن هذه ا داب‬


‫السوق أن يذكر هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ابتداءً‪ ،‬و مده‪ ،‬ويث عليت‬ ‫حق الدَّاخل إىل ُّ‬ ‫‪ - 1‬يس ُّن يف ِ‬
‫ش‬
‫وذلك َّا ورد عنت هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم أنَّت قال « شم ْن دخل ال ُّس ـ ـ ـ ـوق‪ ،‬فقال ح إلت إح هللا‬
‫وحده ح شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريك لت‪ ،‬لت اَّلك‪ ،‬ولت احلمد‪ ،‬يي‪ ،‬ومييت‪ ،‬وهو حي ح ميوت‪ ،‬بيده اخلري‪ ،‬وهو‬
‫ـيئة‪ ،‬ورفع لت ألف ٍ‬
‫درجة‪ ،‬وبىن‬ ‫ـنة‪ ،‬وحما عنت ألف ـ ٍ‬ ‫ـيء قدير كت هللا لت ألف حس ـ ٍ‬ ‫كل ش ـ ٍ‬
‫عل ِ‬
‫لت بيتاً يف اجلنة» [الرتمذي (‪ )3428‬وابن ماجه (‪ )2235‬واحلاكم (‪. ])538/1‬‬

‫خص ال ُّس ـ ـوق ِ‬


‫ابلذكر ألنَّت مكان ال فلة عن ذكر هللا‪ ،‬واحشـ ــت ال ابلتِ ارة‪ ،‬فهو يف‬ ‫« َّ‬
‫وإجا َّ‬
‫فالذكر هنا ارب ال َّ ـيطان‪ ،‬ويهايم جنوده فمن قال‬ ‫مو ــع ــلطنة ال َّ ـيطان‪ ،‬وجممع جنوده‪ِ ،‬‬
‫ذلك فهو خليق مبا ذكر من الثَّواب»(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬يكره َّن دخل ال ُّسـوق أن يرفع هللاــوتت ابخلصــام واللَّ اً فقد ورد يف هللاــفتت هللاــل هللا‬
‫لسيئةش‪،‬‬ ‫ابلس ِ‬
‫يئة ا َّ‬ ‫اب يف األ واق‪ ،‬وح يدفع َّ‬
‫ٍ (‪)2‬‬
‫ليم‪ ،‬وح ش َّه‬ ‫بفم‪ ،‬وح ٍ‬ ‫عليت و لم أنَّت «ليس ٍ‬
‫فالص شه مذموم بذاتت‪ ،‬فكيف إذا كان يف األ واق الَّيت‬ ‫ولكن يعفو‪ ،‬وي فر» [البخاري (‪َّ . ])2125‬‬
‫كل ٍ‬
‫جنس؟!(‪.)3‬‬ ‫هي جممع النَّاس من ِ‬
‫‪ - 3‬ينب ي اَّافظة عل نظافة األ ـ ـواق‪ ،‬واحبتعاد عن تلويثها ابألقذار‪ ،‬واألو ـ ــا لكي‬
‫حث هللاــل هللا عليت و ــلم عل‬ ‫ابلروائ الكريهة‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ح يـ ْؤ شذ اَّســلمون يف حركة ــريهم‪ ،‬وح َّ‬
‫وخاهللاةً يف طرقات النَّاس‪ ،‬وأ واقهم وذلك َّا فيها من الضَّرر‪ ،‬قال‬ ‫َّ‬ ‫النَّظافة‪ ،‬و‪ ،‬عن عدمها‬
‫اان ِن َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ـول هللا؟! قال «الَّذأ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم «اتَّقوا اللَّعَّانشْ ِ » قالوا وما اللَّعَّ ش‬
‫(‪)4‬‬

‫مذأ (‪.)386/9‬‬‫(‪ )1‬حتفة األحوذأ ‪ ،‬ب ر جامع الِ ِ‬


‫الصوت ابخلصام‪.‬‬
‫الص شه رفع َّ‬ ‫الس شه ‪ ،‬ويقال َّ‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السوق يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫انظر أحكام ُّ‬


‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬اللَّ َّعان ْ اَّراد هبا األمرين اجلالب لِلَّعن ‪ ،‬احلامل النَّاس عليت ‪ ،‬وقد يكون الالَّعن مبعىن اَّلعون ‪ ،‬والتَّقدير اتقوا األمرين اَّلعون فاعلهما‪.‬‬
‫‪630‬‬
‫يشـتش شهلَّ يف طريق النَّاس‪ ،‬أو يف ِظلِهم» [مسلم (‪ )269‬وأبو داود (‪. ])25‬‬
‫‪ - 4‬احح از يف حل ال ِس ـ ـال َّن دخل ال ُّس ـ ـوق‪ ،‬ومعت ـ ــال فقد ثبت عنت هللاـ ــل هللا‬
‫مر أحدكم يف مس ـ دان‪ ،‬أو يف ــوقنا‪ ،‬ومعت نشـْبل فشـ ْلي ْم ِس ـ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ك عل‬ ‫عليت و ــلم أنَّت قال «إذا َّ‬
‫يء» [البخاري (‪)7075‬‬ ‫بكفت ‪ -‬أن يصي أحداً من اَّسلم منها ب ٍ‬ ‫نِصايا (‪ )2‬ـ ـ ـ أو قال فليقبض ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫ٍ (‪)3‬‬ ‫ومسلم (‪ ])2615‬ويقاس عليت األ للة‪ ،‬مع ما فيها من خط ٍر حمق ٍ‬
‫َّق عند أدَّن مالمسة يا ‪.‬‬
‫‪ - 5‬األمر ابلوفاء ابلعقود‪ ،‬والعهود‪ ،‬و ــائر احلتايامات‪ ،‬والتَّلذير من نقض ــهما‪ ،‬أو ال در‬
‫اَّللِ إِ شذا عاه ْد ُّذ وحش تشـْنـقض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا األْشميا شن بـع شد تشـوكِ ِ‬
‫يد شها شوقش ْد شج شع ْلتم‬ ‫ِ ِ‬
‫ش شْ ْ‬ ‫﴿وأ ْشوفوا ب شع ْهد َّ ش ش ْ ش‬ ‫فيهما‪ ،‬قال تعاىل ش‬
‫اَّللش شعلشْيك ْم شك ِفيالً إِ َّن َّ‬
‫اَّللش يشـ ْعلشم شما تشـ ْف شعلو شن ﴾ [النحل‪. ]91 :‬‬ ‫َّ‬
‫السهولة‪ ،‬واليسر‪ ،‬واَّساحمة يف البيع‪ ،‬وال ِ راء‪ ،‬وحنولا من هللانو التِ ارة‪ ،‬قال هللال‬ ‫‪ُّ - 6‬‬
‫‪ ،‬مسلاً إذا اقتض ـ ـ ـ » [البخاري‬ ‫هللا عليت و ـ ـ ــلم « شرِح شم هللا عبداً مسشْلاً إذا ابي‪ ،‬مسلاً إذا اش ـ ـ ـ‬
‫(‪ )2076‬والرتمذي (‪ )1320‬وابن ماجه (‪. ])2203‬‬

‫أهم ا داب الَّيت جي أن تسـ ــرأ ب النَّاس يف‬ ‫ِ‬


‫الكتمان من ِ‬ ‫ص ـ ـدق‪ ،‬والبيان‪ ،‬وعدم‬ ‫‪ - 7‬ال ِ‬
‫صـ ـ ـادق يف معاملتت‪ ،‬األم يف أخذه‪،‬‬ ‫معامالهتم فقد أثىن هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عل التَّاجر ال َّ‬
‫ِ‬
‫وحس ـ شن أولئك رفيقاً‪،‬‬‫وعطائت‪ ،‬وب َّ أنَّت ْ ــر يوم القيامة مع النَّبيِ ‪ ،‬والص ـديق ‪ ،‬وال ُّ ـهداء‪ ،‬ش‬
‫صـ ـ ـ ِديق ‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـهداء»‬
‫صـ ـ ـدوق األم ‪ ،‬مع النَّبيِ ‪ ،‬وال ِ‬ ‫قال هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «التَّاجر ال َّ‬
‫لفم «يوم القيامة» [ابن ماجه (‪. ])2139‬‬ ‫[الرتمذي (‪ ])1209‬ويف ٍ‬

‫احلشلِف‬
‫‪ - 8‬وجوب احبتعاد عن األْشميان الكاذبة‪ ،‬فقد قال هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم « ْ‬
‫شمْنـ شف شقة(‪ )4‬لل ِس ـ ـ ـ ـ ْل شع ِة‪ ،‬اشْ شل شقة ِ‬
‫للربْ ِ » [البخاري (‪ )2087‬ومسـ ـ ــلم (‪ ،])1606‬وقال هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم‬
‫ف يف البيع! فَنَّت يـْن ِفق‪ ،‬مثَّ ميشْ شلق» [مس ــلم (‪ )1607‬والنس ــائي (‪ )246/7‬وابن ماجه (‪. ])2209‬‬ ‫احللِ ِ‬
‫« َّإَيكم وشكثرةش ْ‬
‫الرواً‪ ،‬وذلك ا نفاق مو ع لنقصان الربكة‪ ،‬ومظنَّة‬ ‫يروً لعتت‪ ،‬وينفقها‪ ،‬لكن هذا َّ‬ ‫«فاحلالف ِ‬
‫لت يف اَّال‪ ،‬أبن يس ــلا هللا عليت وجوهاً يتلف فيها َّإما ــرقاً‪ ،‬أو حرقاً‪ ،‬أو رقاً‪ ،‬أو ص ــباً‪ ،‬أو‬

‫السهام العربيَّة ‪ ،‬وح واحد يا من لفظها‪.‬‬ ‫(‪ )1‬النَّبل ِ‬


‫السيف ما يكن لت مقبض‪.‬‬ ‫الرم ‪ ،‬و َّ‬
‫السهم ‪ ،‬و ُّ‬
‫َّصل حديدة َّ‬ ‫الن ْ‬
‫(‪)2‬‬

‫السوق ‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫انظر أحكام ُّ‬


‫(‪)3‬‬

‫وينضم إليت ترويت ِ‬


‫السلعة ‪ ،‬ورمبا ا َّ اَّ أ ابليم ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫حاجة مكروه ‪،‬‬ ‫(‪ )4‬شمنْـ شف شقة ‪ ،‬واشْ شلقة فيت النَّهي عن احلشلِف يف البيع َّ‬
‫فَن احللف من ري‬
‫‪631‬‬
‫‪،‬باً‪ ،‬أو عوارض ين شفق فيها من أمر ٍ‬
‫اض و ريها»(‪.)1‬‬
‫هذه بعض ا داب والتَّوجيهات النَّبويَّة‪ ،‬تتعلَّق رداب التَّعامل يف ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـوق ال ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـالمي اَّا‬
‫كان يا األثر يف تعمري أ ـواق اَّســلم ‪ ،‬و ــعف أ ـواق اليهود وبذلك ا ــتطاي اَّســلمون أن‬
‫ويتلكموا فيت‪ ،‬وهكذا قهروا اليهود يف ِ‬
‫أدق اختصاهللااهتم(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫يسيطروا عل احقتصاد يف اَّدينة‬
‫الدولة‪ ،‬ونايول التَّ ـريعات‪ ،‬وأهللاــب للتِ ارة‬
‫تطورت تلك التعاليم‪ ،‬وا داب مع تو ُّ ـع َّ‬ ‫ولقد َّ‬
‫علم‪ ،‬وفقت‪ ،‬ومبادئ‪ ،‬ولذلك قال عمر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت «ح يبيع يف ـ ـ ـ ـ ـ ــوقنا إح شم ْن َّ‬
‫تفقت يف‬
‫ِ‬
‫الدين»(‪.)3‬‬
‫إن ل واق يف ال الم مكانةً عاليةً‪ ،‬ومنايلةً اميةً وذلك نظراً ِ‬
‫ألليتها اَّاليَّة واحقتصاديَّة‬ ‫َّ‬
‫كل ٍ‬
‫فرد‬ ‫يف حياة النَّاس حيث َّإ‪،‬ا مو ـ ـ ــع التَّعامل‪ ،‬واَّبادحت فيما بينهم‪ ،‬وعن طريقت ص ـ ـ ــل ُّ‬
‫العامة‪ ،‬ولذلك حظي ال ُّس ـ ـ ـوق‬
‫هللا ـ ـ ـة و َّ‬
‫ض ـ ـ ـروريَّة‪ ،‬ومس ـ ــتلايماتت اخلا َّ‬
‫عل أموره اَّعي ـ ــية‪ ،‬وحاجتت ال َّ‬
‫المي ابلتَّوجيهات النَّبويَّة(‪.)4‬‬
‫ال ُّ‬
‫ـادية‪ ،‬واجتماعيَّ ٍة خطريةٍ‪ ،‬أثَّرت عل دين النَّاس‪،‬‬ ‫افة اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ولقد حتدَّث القرآن الكر عن ٍ‬
‫ودنيــاهم‪ ،‬أح وهي نقص اَّيايان‪ ،‬واَّكيــال‪ ،‬فقــد كــان هــذا العمــل خيــالف‪ ،‬وينــاقض النَّهت الَّـذأ‬
‫ـيء‪ .‬قال تعاىل‬ ‫كل ش ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫أنايلت هللا من عنده ليتعامل الناس مبقتض ـ ـ ـ ــاه‪ ،‬ذلك النَّهت هو العدل يف ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اعةش قش ِري ﴾ [الش ـ ــور ‪ ]17 :‬واَّيايان‬ ‫اب ِاب ْحلشِق شوالْ ِم شيايا شن شوشما ي ْد ِر ش‬
‫يك لش شع َّل ال َّسـ ـ ـ ـ ش‬ ‫﴿اَّلل الَّذأ أشنْـشايشل الْكتش ش‬
‫هو العدل(‪ ،)5‬واَّوازين‪ ،‬واَّكاييل احت لقامة العدل ولذا أمر هللا نيفائها‪ ،‬و‪ ،‬عن نقصها‪.‬‬
‫﴿وحش تشـ ْقشربوا شم شال الْيشتِي ِم إِحَّ ِابلَِّيت ِه شي أْ ْح شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن شح َّض يشـْبـل ش أشش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَّه شوأ ْشوفوا الْ شكْي شل‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اع ِدلوا شولش ْو شكا شن ذشا قـ ْرشىب شوبِ شع ْه ِد َّ‬
‫اَّللِ أ ْشوفوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوالْ ِم شيايا شن ِابلْق ْسـ ِا حش ن شكلف نـش ْف ًسـا إِحَّ و ْ ـ شع شها شوإِذشا قـ ْلت ْم فش ْ‬
‫﴿وأ ْشوفوا الْ شكْيـ شل إِ شذا كِْلت ْم شوِزنوا‬ ‫ِِ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاك ْم بـت لش شعلَّك ْم تشـ شذ َّكرو شن ﴾ [اآلنعام‪ ،]152 :‬وقــال تعــاىل ش‬ ‫شذلِك ْم شو َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِابلْ ِق ْسطش ِ‬
‫شح شسن شأتْ ِويالً ﴾ [اإلسراء‪. ]35 :‬‬ ‫ك شخ ْري شوأ ْ‬ ‫اس الْم ْستشقي ِم شذل ش‬

‫السيوطي عل نن النَّسائي (‪.)246/7‬‬ ‫شر ُّ‬


‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬يف ظالل ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ـ اي رة النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫السوق يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫انظر أحكام ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫السوق يف ال الم ‪ ،‬ص ‪.586 ، 585‬‬ ‫انظر أحكام ُّ‬


‫(‪)4‬‬

‫(‪ )5‬انظر زاد اَّسري ‪ ،‬حبن اجلوزأ (‪.)77/7‬‬


‫‪632‬‬
‫ين إِذشا ا ْكتش ـالوا شعلش‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ويْ ـل ل ْلمطشفف ش ۝ ال ـذ ش‬ ‫وتو َّع ـد هللا اَّطفف ابلويــل‪ ،‬فقــال تعــاىل ش‬
‫ك أ َّش‪ْ ،‬م شمْبـعوثو شن ۝‬ ‫َّاس يش ْس ـ ـ ـ ـتشـ ْوفو شن ۝ شوإِ شذا شكالوه ْم أ ْشو شوشزنوه ْم خيْ ِس ـ ـ ـ ـرو شن ۝ أشحش يشظ ُّن أولشئِ ش‬
‫الن ِ‬
‫ظي ٍم ﴾ [املطففني‪. ]5 - 1 :‬‬ ‫لِي ٍوم ع ِ‬
‫ش ش‬
‫قصة شعي ٍ َّ‬
‫أن نقص اَّيايان‪ ،‬واَّكيال تعطيل للمنهت‬ ‫الصلابة ر ي هللا عنهم من َّ‬ ‫فتعلَّم َّ‬
‫وتعرض لسها اجلبَّار‪ ،‬وعذابت يف الدُّنيا‪ ،‬وا خرة‪.‬‬
‫الرَّابنيَّة‪ُّ ،‬‬
‫اليي‪ ،‬وملالفة ل وامر َّ‬
‫ِ‬
‫الرخاء‪ ،‬و الء األ ـ ــعار‬‫إن هذا العمل لت ش ـ ـ ـشرره عل دنيا النَّاس ألنَّت جيل ال ِ ـ ـ ـدَّة بدل َّ‬
‫َّ‬
‫ويؤدأ إىل إ را ٍر مبعايش النَّاس ولذلك حاربتت َّ‬
‫الدولة ال الميَّة يف اَّدينة(‪.)1‬‬ ‫بدل رخصها‪ِ ،‬‬

‫إن نقص اَّكيال‪ ،‬واَّيايان‪ ،‬كان من األ ــباب اليت َّأدت إىل هالك قوم شــعي ٍ ‪ ،‬قال تعاىل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ شكأش ْن شْ يشـ ْنشـ ْوا ف شيها أشحش بـ ْع ًدا ل شم ْديش شن شك شما بشعِ شد ْ‬
‫ت ششود ﴾ [هود‪. ]95 :‬‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫ص ـة شــعي ٍ مع قومت من ــمن اَّنهاً الن ِ‬
‫َّبوأ يف تربية الن ِ‬ ‫كانت ق َّ‬
‫ابين معناه الدَّمار‪ ،‬وايالك‪ ،‬و َّ‬
‫أن طو َّلية‬ ‫الر ِ‬
‫أن ا حنرا عن اَّنهت َّ‬ ‫ألهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت ولذلك فهموا َّ‬
‫هذا ِ‬
‫الدين تدخل يف شؤون حياهتم كافَّةً‪.‬‬
‫الرابينَّ‪ ،‬عاجل اَّ ــكلة احقتصــاديَّة عن طريق القصــص ِ‬
‫القرآين‪ ،‬لكي يتَّعم النَّاس‪،‬‬ ‫إن اَّنهت َّ‬ ‫َّ‬
‫َّعبدأ‪ ،‬الَّذأ لت أثر يف البناء‬
‫يعي الت َّ‬ ‫ِ‬
‫ويعتربوا مبش ْن مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ من األقوام‪ ،‬و ي ك اجلان التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َّ‬
‫األمة‪ ،‬وينقل خطاها لكي تكون‬ ‫وجل ‪ -‬يرع هذه َّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫بوأ‪ ،‬فقد كان اَّوىل ‪َّ -‬‬ ‫َّنظيمي ال َّ ِ‬
‫الت ِ‬
‫صـ رية‪ ،‬واألمور‬ ‫الر ــالة‪ ،‬وح فرق يف و ــا هذه َّ‬
‫الدولة ب األمور ال َّ‬ ‫مؤهلةً حلمل األمانة‪ ،‬وتبلي ِ‬ ‫َّ‬
‫أل‪،‬ا كلَّها تعمل لرفع بنائها‪ ،‬ووقوفها شــاملةً أمام األعاهللاــري الَّيت حتتمل مواجهتها ومن‬ ‫الكبرية َّ‬
‫الايكاة‪ ،‬وزكاة الفطر‪ ،‬و ِ‬
‫الصيام‪،‬‬ ‫السنت األولي من اي رة َّ‬ ‫هذه ال عائر التعبُّديَّة اليت ف ِر ت يف َّ‬
‫َّدرً يف بناء ااتمع اَّس ــلم‪ ،‬ومراعاتت لواقع النَّاس‪ ،‬واحنتقال هبم حنو األفض ــل‬ ‫ونالحم ـ ـنَّة الت ُّ‬
‫دون اعتسا ٍ ‪ ،‬أو تع ٍيل‪ ،‬بل كل ٍ‬
‫شيء يف وقتت(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬

‫حممد ‪ ،‬ص ‪.446‬‬


‫السالفة ‪ ،‬لسعيد َّ‬
‫انظر أ باب هالك األمم َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ُّبوة ‪ ،‬لل ُّ اي ‪( ،‬ص ‪ 166‬ـ ‪.)168‬‬


‫انظر درا ات يف عصر الن َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪633‬‬
‫اثنياً‪ :‬بعض التَّشريعات‪:‬‬
‫‪ - 1‬ت ريع فريضة ِ‬
‫الصيام‬
‫يام‪ ،‬وجعلت ركناً من أركان‬ ‫ِ‬
‫يف شـ ـ ــهر شـ ـ ــعبان من السـ ـ ــنة الثانية لله رة فرض هللا تعاىل الص ـ ـ ـ ش‬
‫أليَّة هذه العبادة اجلليلة‪،‬‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬كما فر ـ ـ ـ ـ ــت عل األمم ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـابقة‪ ،‬ويف ذلك أتكيد عل ِ‬
‫ين ِم ْن قشـْبلِك ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين آمنوا كت ش شعلشْيكم الصيشام شك شما كت ش شعلش الذ ش‬ ‫ومكانتها‪ .‬قال تعاىل ش‬
‫لش شعلَّك ْم تشـتـَّقو شن ﴾ [البقرة‪. ]183 :‬‬
‫ص ـت من ب ــائر ال ُّ ـهور لنايال القرآن العظيم‪،‬‬ ‫ص ـيام‪ ،‬واخت َّ‬ ‫وامتد هللا ــبلانت شــهر ال ِ‬
‫ات ِم شن ا ْي شد‬‫َّاس وبـيِنش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـا شن الَّذأ أنْ ِايشل فيت الْقرآن هد ً للن ِ ش ش‬ ‫عاي وجل ‪ ﴿ -‬ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ْهر شرشم ش‬ ‫فقال ‪َّ -‬‬
‫يضا أ ْشو شعلش ش شف ٍر فشعِدَّة ِم ْن أ َّشَيٍم أ شخشر ي ِريد‬ ‫َّهشر فشـ ْليشص ْمت شوشم ْن شكا شن شم ِر ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوالْف ْرقشان فش شم ْن شش ِه شد مْنكم ال ْ‬
‫ْملوا الْعِـ َّد شة شولِت شكِربوا َّ‬
‫اَّللش شعلش شم ـا شه ـ شداك ْم شولش شعلَّك ْم‬ ‫اَّلل بِكم الْيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر وحش ي ِريــد بِكم الْعس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ولِتك ِ‬
‫ْ ش ش‬ ‫ْ ش ش‬ ‫َّ‬
‫تش ْ كرو شن﴾ [البقرة‪. ]185 :‬‬
‫ص ـ ـائمون اَّهلصـ ــون أحش‬ ‫وقد و َّ ـ ـلت ا ية الكرمية األوىل الثَّمرة العظم الَّيت ظ هبا ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـيام ابلنِسـ ـ ـ ـ ــبة ل َّمة ﴿لش شعلَّك ْم تشـتـَّقو شن ﴾‪ ،‬مدر ـ ـ ـ ـ ــة فريدة‪ ،‬ودورة‬
‫وهي بلوغ درجة التَّقو فال ِ‬
‫تــدريبيَّـة عل طهــارة النُّفوس لكي تنهلع من افــاهتــا‪ ،‬وتتللَّ ابلفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائــل‪ ،‬وترتقي يف مــدارً‬
‫الصال (‪.)1‬‬ ‫التَّقو ‪ ،‬و َّ‬
‫الصيام يف تربية ااتمع اَّسلم‪ ،‬فقد ر َّ النَّب هللال هللا عليت و لم يف َّأَيٍم ِ‬
‫للصيام‪،‬‬ ‫وأللية ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫وحث عل هللاــيامها‪ ،‬ور َّ يف األجر‪ ،‬واَّثوبة من هللا تعاىل وبذلك أهللاــبلت مدر ــة الصــيام‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وحاجة ل ويض‬ ‫أحس بقســوةٍ يف قلبت‪،‬‬
‫مفتوحةً أبواهبا ِطيلشةش ال َّسـنة لكي يبادر اَّســلم إليها كلَّما َّ‬
‫نفس ـ ـ ـ ــت‪ ،‬ور ٍبة يف اَّاييد من األجر‪ ،‬والفض ـ ـ ـ ــل عند هللا ـ ـ ـ ــبلانت‪ ،‬وقد جاء يف احلديث عن أيب‬
‫هللا شام يوماً يف‬
‫اخلدرأ ر ي هللا عنت أنَّت قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «من ش‬ ‫ِ‬ ‫عيد‬
‫بيل هللا بشـعَّ شد هللا شو ْج شهت عن النَّا ِر بع خريفاً» [البخاري (‪ )2840‬ومسلم (‪. ])1153‬‬
‫‪ - 2‬ت ريع زكاة الفطر‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬أليب شهبة (‪ ، )106/2‬ومنهت ال الم يف تايكية النَّفس (‪.)252 ، 251/1‬‬
‫‪634‬‬
‫ويف رمضــان من العام نفســت‪ ،‬شــري هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬زكاة الفطر‪ ،‬وهي عل ك ِل ح ٍر‬
‫أو ٍ‬
‫عبد‪ ،‬ذك ٍر أو أنث ‪ ،‬هللاـ ـ ـ ـ ـ ٍري أو كب ٍري من اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬واحلكمة من فر ـ ـ ـ ــية هذه َّ‬
‫الايكاة‪ ،‬وإلايام‬
‫اَّسلم هبا ظاهرة وجليَّة‪ ،‬قال عبد هللا بن عباس ر ي هللا عنهما «فرض ر ول هللا هللال هللا‬
‫الصالة‬
‫الرفث‪ ،‬وط ْعمةً للمساك ‪ ،‬من َّأداها قبل َّ‬ ‫للصائم من اللَّ و و َّ‬‫عليت و لم زكاة الفطر ط ْهشرًة َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـدقات» [أبو داود (‪ )1609‬وابن ماجه‬
‫صـ ـ ـ ـالة فهي هللا ـ ـ ــدقة من ال َّ‬
‫فهي زكاة مقبولة‪ ،‬ومن أداها بعد ال َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن احلكمة مرَّكبة من أمرين‬ ‫َّص عل َّ‬ ‫(‪ )1827‬واحلاكم (‪ ،])409/1‬ففي هذا احلديث الن ُّ‬
‫أ ‪ -‬يتعلَّــق َّ‬
‫ابلصوم يف شهر رمض ــان‪َّ ،‬‬
‫فَن النُّفوس جمبول ــة عل اخلطأ‪ ،‬والتَّقصري‪ ،‬والوقوي يف‬
‫ل و القول الَّذأ ح فائدة فيت‪ ،‬أو فيت رر من الكالم الباطل‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬اَّا ح يسلم النسان‬
‫هللاومت من ذلك‪.‬‬
‫للصائم اَّا خالا ش‬ ‫منت الباً‪ ،‬ف اءت هذه َّ‬
‫الايكاة يف ختام ال َّهر تطهرياً َّ‬
‫ب ‪ -‬إ ناء اَّتاً يف يوم العيد الذأ يعق الفطر من رمض ـ ـ ـ ـ ـ ــان‪ ،‬فهذا يوم يس ـ ـ ـ ـ ـ ــعد فيت‬
‫كف هؤحء‬ ‫الايكاة ل ِ‬ ‫يعم هذا ال ُّس ـرور عل اجلميع‪ ،‬ف ـ ِرعت هذه َّ‬ ‫ااتمع اَّســلم كلُّت‪ ،‬فينب ي أن َّ‬
‫هللاـةً ابلفقراء‪ ،‬واَّســاك ‪ ،‬ح تـ ْعطش ل ريهم‪،‬‬ ‫عن ذ ِل ال ُّسـؤال‪ ،‬وا ــت داء النَّاس‪ ،‬لذلك كانت خا َّ‬
‫اَّتقدم «طعمةً للمس ـ ـ ـ ـ ـ ــاك » ولذلك نر أ َّن‬ ‫كما يف حديث ابن عباس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهما ِ‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم جيعلها شيئاً كثرياً يع اي كثري من النَّاس عنت بل جعل الواج‬
‫يتمكن من‬‫حض َّ‬ ‫شـ ـ ـ ــيئاً قليالً‪ ،‬اَّا يسـ ـ ـ ــهل عل النَّاس‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ـ ُّـق عليهم من ال قوت البلد‪َّ ،‬‬
‫الدين!(‪ )2‬ويذه‬ ‫أدائها كثري من اَّسلم ‪ ،‬فيلصل ال شناء بذلك يؤحء اَّتاج ‪ ،‬فما أعظم هذا ِ‬
‫ش‬
‫الايكاة أحكام وتفصيالت تطْلش من كت الفقت(‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫‪ - 3‬هللاالة العيد‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم هللاــالة العيد‪ ،‬فكانت َّأول هللاــالةٍ هللا ـالَّها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويف هذه ال َّس ـنشة هللا ـلَّ الن ُّ‬
‫ويعظمونت شكراً عل ما أفاء عليهم من النِعم‬ ‫ويكربونت‪ِ ،‬‬‫صلَّ يهلِلون هللا‪ِ ،‬‬ ‫وخرً ابلنَّاس إىل اَّ ش‬
‫اَّتتالية‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن العيد مو ــم من موا ــم اخلري‪ ،‬والتَّعاطف‪ ،‬والتَّلاب ‪ ،‬وكان من دأب ر ــول هللا هللا ــل‬

‫(‪ )1‬انظر منهت ال الم يف تايكية النَّفس (‪.)269 ، 268/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّال يف القران الكر ‪ ،‬لسليمان احلص ‪ ،‬ص ‪.334‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)109/2‬‬
‫‪635‬‬
‫وره ‪ ،‬فيتســابق يف ِم ْ‬
‫ض ـ شمار البذل‪،‬‬ ‫هللا عليت و ــلم أنَّت إذا هللا ـلَّ العيد‪َّ ،‬‬
‫ذكر‪ ،‬وأنذر‪ ،‬ور َّ ‪َّ ،‬‬
‫الرجال‪ ،‬والنِساء‪ ،‬و ِ‬
‫الص ار‪ ،‬والكبار(‪.)1‬‬ ‫والعطاء ِ‬
‫‪ - 4‬ت ريع َّ‬
‫الايكاة‬
‫الايكاة الَّيت هي ركن من أركان ال ــالم‪ ،‬وكان ذلك بعد‬ ‫ويف ال َّس ـنة الثانية لله رة شــري هللا َّ‬
‫العامة كان بعد زكاة الفطر‪ ،‬وزكاة الفطر كانت بعد فرض هللايام‬ ‫الايكاة َّ‬ ‫ألن ت ريع َّ‬
‫شهر رمضان َّ‬
‫ـائي‪ ،‬وابن ماجت‪ ،‬واحلاكم‬ ‫األئمة أحد‪ ،‬وابن خايمية‪ ،‬والنَّس ُّ‬ ‫يدل عل هذا ما رواه َّ‬ ‫رمضـان قطعاً ُّ‬
‫من حديث قشـْيس بن ـ ـ ــعد بن عبادة ر ـ ـ ــي هللا عنهما قال « شأمشران ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت‬
‫الايكاة‪ ،‬فلم رمران‪ ،‬و ينهنا وحنن نفعلت»(‪،)2‬‬ ‫و ـ ـ ــلم بصـ ـ ــدقة الفطر قبل أن تشـْن ِايل َّ‬
‫الايكاة‪ ،‬مثَّ نايلت َّ‬
‫أن م روعية‬‫قال احلافم ابن ح ر «إ ناده هللالي »(‪« ،)3‬و هور العلماء لفاً‪ ،‬وخلفاً عل َّ‬
‫السنة الثَّانية»(‪.)4‬‬ ‫الايكاة إجا كانت ابَّدينة يف َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّكي كانت مطلقةً من القيود‪ ،‬واحلدود‪ ،‬وكانت موكولةً إىل إميان األفراد‪،‬‬
‫فالايكاة يف العهد ِ‬ ‫َّ‬
‫األخوة حنو إخوا‪،‬م من اَّؤمن ‪ ،‬فقد يكفي يف ذلك القليل من‬ ‫َّ‬ ‫و ْأرشِ يَّتِ ِهم‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ــعورهم بواج‬
‫بذل الكث ِري‪ ،‬أو األكثر(‪.)5‬‬
‫اَّال‪ ،‬وقد تقتضي احلاجة ش‬
‫وحتث عل رعاية الفقراء واَّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك‬ ‫هتتم قان ال َّ بية‪ ،‬والتَّوجيت‪ُّ ،‬‬ ‫فكانت ا َيت ِ‬
‫اَّكيَّة ُّ‬
‫أن إطعام اَّساك من لوازم الميان‪ ،‬ففي ورة اَّدَّثر ‪ -‬وهي من أوائل‬ ‫ٍ‬
‫متنوعة‪ ،‬منها َّ‬ ‫أب الي‬
‫ما نايل من القرآن ‪ -‬يعرض القرآن الكر م ــهداً من م ــاهد ا خرة‪ ،‬م ــهد أهللا ــلاب اليم‬
‫من اَّؤمن ‪ ،‬يف جنَّاهتم يتساءلون عن اارم من الكفرة‪ ،‬وقد أطبقت عليهم النِريان‪ ،‬فيسألو‪،‬م‬
‫حق اَّس ـ ـ ـ ــك ‪ ،‬وتركت ألنياب‬ ‫أحل هبم هذا العذاب‪ ،‬فكان من أ ـ ـ ـ ــبابت‪ ،‬وموجباتت إلال ِ‬ ‫عما َّ‬‫َّ‬
‫ت شرِهينشة ۝ إِحَّ‬ ‫س ِمبشا شك شس ـبش ْ‬‫اجلوي والعرأ تنه ــت‪ ،‬وهم عنت معر ــون(‪ ،)6‬قال تعاىل ﴿ك ُّل نشـ ْف ٍ‬
‫َّات يشـتش شس ـاءشلو شن ۝ شع ِن الْم ْ ِرِم ش ۝ شما ش ـلش شكك ْم ِيف ش ـ شقشر ۝‬ ‫أشهللا ـلاب الْي ِم ِ ۝ ِيف جن ٍ‬
‫ش‬ ‫ْ ش ش ش‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)110/2‬‬


‫الايكاة ‪ ،‬ابب فرض هللادقة الفطر قبل نايول َّ‬
‫الايكاة ‪ ،‬ورقمت (‪ )2506‬وهللاللت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هللالي نن النَّسائي ‪ ،‬ل لباين ‪ ،‬كتاب َّ‬
‫ش‬
‫(‪ )3‬فت البارأ (‪.)207/3‬‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)111/2‬‬‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫الايكاة ‪ ،‬للقر اوأ (‪.)77/1‬‬‫(‪ )5‬انظر فقت َّ‬
‫(‪ )6‬اَّصدر السابق نفست ‪.)70/1( ،‬‬
‫‪636‬‬
‫صلِ ش ۝ شوشْ نشك نطْعِم الْ ِم ْس ِك ش ۝ شوكنَّا شَنوض شم شع ْ‬
‫اخلشائِ ِض ش ۝ شوكنَّا‬ ‫ِ‬
‫قشالوا شْ نشك م شن الْم ش‬
‫ن شك ِذب بِيـوِم ِ‬
‫الدي ِن ﴾ [املدثر‪. ]46 - 38 :‬‬ ‫شْ‬
‫ص ـ ـ ـة أهللا ـ ــلاب اجلنَّة‪ ،‬الَّذين تواعدوا أن يقطفوا شارها بِلشْي ٍل ليلرموا‬ ‫وقص هللا عل عباده ق َّ‬ ‫َّ‬
‫منها اَّساك ‪ -‬الَّذين اعتادوا أن يصيبوا شيئ ـ ـ ـاً من خريها يوم احلصاد ‪ -‬فللَّت هبم عقوبة هللا‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ِرِ ۝ فشـتشـنش شاد ْوا‬ ‫ِ‬ ‫العاجلة ﴿فشطشا ش شعلشْيـ شها طشائِف ِم ْن شربِ ش‬
‫ت شكال َّ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـبش شل ْ‬‫ك شوه ْم شانئمو شن ۝ فشأش ْ‬
‫هللاا ِرِم ش ۝ فشانْطشلشقوا شوه ْم يشـتش شهافشـتو شن ۝ أش ْن حش‬ ‫ِ‬
‫صبِل ش ۝ أشن ا ْ دوا شعلش شح ْرثك ْم إِ ْن كْنـت ْم ش‬
‫ِ‬ ‫م ِ‬
‫ْ‬
‫ضآلُّو شن‬ ‫ين ۝ فشلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شرأ ْشوشها قشالوا إِ َّان لش ش‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّها الْيشـ ْوشم شعلشْيك ْم م ْسك ۝ شو ش شد ْوا شعلش شح ْرد قشادر ش‬ ‫يش ْدخلشنـ ش‬
‫۝ بش ْل شْحنن شْحمرومو شن ۝ قش شال أ ْشو ش ـ ـطه ْم أششْ أشق ْل لشك ْم لش ْوحش ت شس ـ ـبِلو شن ۝ قشالوا ـ ـْب شلا شن شربِنشا إِ َّان‬
‫ض يشـتشالششومو شن ۝ شقالوا شَي شويْـلششنا إِ َّان كنَّا طشا ِ ش ۝‬ ‫كنَّا ظشالِ ِم ش ۝ شفأشقْـشبل بشـ ْعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ْم شعلش بشـ ْع ٍ‬
‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الْ شع شذاب شولش شع شذاب ا خرةِ أش ْك شرب لش ْو‬ ‫شع شس ـ ـ شربـُّنشا أش ْن يـْبدلشنشا شخ ْ ًريا ِمْنـ شها إِ َّان إِ شىل شربِنشا شرا ِبو شن ۝ شك شذل ش‬
‫شكانوا يشـ ْعلشمو شن ﴾ [القلم‪. ]33 - 19 :‬‬
‫الرحــة ابَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــك ‪ ،‬وال َّ يـ ‪ ،‬يف إطعــامــت‪،‬‬
‫اَّك ِي عنــد الــدَّعوة إىل َّ‬ ‫و تقف عنــايــة القرآن ِ‬
‫كل مؤم ٍن حقاً‬ ‫ورعايتـ ـ ــت‪ ،‬وال َّ هي من إلالـ ـ ــت والقسوة عليـ ـ ــت بل داوز ذلـ ـ ــك‪ ،‬ف عل يف عنق ِ‬
‫ين الكفر ابهلل‬ ‫ض ريه عل إطعامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬ورعايتت‪ ،‬وجعل تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـرشك هذا ِ‬
‫احلض قر ش‬ ‫للمســك ‪ ،‬أن َّ‬
‫العظيم‪ ،‬وموجبـاً لس ْهطت ‪ -‬بلانت ‪ -‬وعذابت يف ا خرة‪.‬‬
‫هللاـ ـلُّوه ۝ مثَّ ِيف‬ ‫قال تعاىل يف ش ــأن أهللا ــلاب (ال ِ ـ ـمال) ﴿خذوه فشـ لُّوه ۝ مثَّ ْ ِ‬
‫اجلشل شيم ش‬
‫اعا فشا ْ لكوه ﴾ [احلاقة‪. ]32 - 30 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ْلسلشة ذش ْرع شها ش ْبـعو شن ذ شر ً‬
‫وِ كـ ُّـل هــذا العــذاب‪ ،‬وايوان‪ ،‬واخلايأ عل ريوس األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــاد؟ ﴿إِنـَّت شك ـا شن حش يـؤِمن ِاب ََّّللِ‬
‫ْ‬ ‫شش‬
‫ض شعلش طش شع ِام الْ ِم ْس ِك ِ ﴾ [احلاقة‪. ]34 - 33 :‬‬ ‫الْ شع ِظي ِم ۝ شوحش ش ُّ‬
‫مثل أيب الدَّرداء ‪ -‬ر ــي‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وهذه ا َيت اَّايلايلة للقلوب ‪ ،‬اَّنذرة ابلعذاب ‪ ،‬هي اليت جعلت ش‬
‫لق‬ ‫إن هلل لسلة و تايل ت لي هبا ِ‬ ‫هللا عنـ ــت ‪ -‬يقول حمرأت ــت «َي َّأم الدرداء! َّ‬
‫مراجل النَّار منذ شخ ش‬ ‫ش‬
‫ض ـي‬ ‫هللا جهنَّم‪ ،‬إىل يوم تلق يف أعناق الناس‪ ،‬وقد َُّاان هللا من نصــفها نمياننا ابهلل العظيم‪ ،‬فل ِ‬
‫ش‬
‫عل طعام اَّسك َي َّأم الدَّرداء»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬األموال ‪ ،‬ص ‪ 35‬نقالً عن فقت َّ‬


‫الايكاة (‪.)70/1‬‬
‫‪637‬‬
‫َّأما القرآن اَّدين‪ ،‬فقد نايل بعد أن أهللاـ ـ ــب للمسـ ـ ــلم اعة‪ ،‬يا أرض‪ ،‬وكيان و ـ ـ ــلطان‬
‫فلهذا َّاهذت التَّكاليف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫ـالمية هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورًة جديد ًة مالئمةً يذا الطَّور هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــورة التلديد‪،‬‬
‫والتَّهصـ ـ ـ ـ ـ ــيص‪ ،‬بعد الطالق والتَّعميم‪ ،‬هللاـ ـ ـ ـ ـ ــورة قوان إلاياميَّة‪ ،‬بعد أن كانت وهللاـ ـ ـ ـ ـ ــاَي توجيهيةً‬
‫ض ـ ـ ـ ـمري‪،‬‬‫القوة وال ُّس ـ ـ ـ ـلطان‪ ،‬مع اعتمادها عل ال َّ‬
‫فلس ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وأهللاـ ـ ـ ــبلت تعتمد يف تنفيذها عل َّ‬
‫الايكاة فلدَّد ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـاري األموال اليت د فيها‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ــروط‬ ‫احداه اَّدينُّ يف َّ‬ ‫والميان‪ ،‬وظهر هذا ِ‬
‫وجوهبا‪ ،‬واَّقادير الواجبة‪ ،‬واجلهات اليت تص ـ ـ ـ ـ ـ ــر يا‪ ،‬وفيها‪ ،‬واجلهاز الذأ يقوم عل تنظيمها‬
‫الايكاة‪ ،‬وب َّ مكانتها يف دين هللا‪،‬‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يف اَّدينة فريضــة َّ‬ ‫أكد الن ُّ‬‫وإدارهتا(‪ ،)1‬و َّ‬
‫وره من منعها أبحاديث شـ ـ ـ َّـض‪،‬‬ ‫الدين‪ ،‬ور َّ يف أدائها‪َّ ،‬‬ ‫و َّأ‪،‬ا أحد األركان األ ـ ـ ــا ـ ـ ــية يذا ِ‬
‫ٍ‬
‫متنوعة‪.‬‬ ‫وأ الي‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم يف أحاديثت َّ‬
‫أن أركان ال ـ ـ ـ ـ ــالم طسـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬بدأها‬ ‫وأعلن َّ‬
‫فالايكاة يف ال ُّس ـ ـ ـ ـنَّة ‪ -‬كما هي يف القرآن ‪ -‬اثلثة‬ ‫ص ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬وثلَّثها َّ‬
‫ابلايكاة‪َّ ،‬‬ ‫ابل َّ ـ ـ ـ ـهادت ‪ ،‬وثنَّاها ابل َّ‬
‫دعائم ال ـ ــالم الَّيت ح يقوم بنايه إح هبا‪ ،‬وح يرتكاي إح عليها(‪ ،)2‬وعندما طبَّق اَّس ـ ــلمون هذا‬
‫الركن كما أمر هللا تعاىل‪ ،‬وكما ش ــري ر ـ ـولت هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬حتقَّقت أهدا عظيمة يف‬ ‫ُّ‬
‫ااتمع‪ ،‬وبرزت آاثرها يف حياة الفرد‪ ،‬وااتمع‪.‬‬
‫فمن آاثر َّ‬
‫الزكاة على الفرد‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوقاية من ال ُّ ِ‬
‫اجشر إِلشْي ِه ْم شوحش شِجيدو شن ِيف‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّار شوا ِل ميشا شن م ْن قشـْبل ِه ْم بُّو شن شم ْن شه ش‬ ‫ين تشـبشـ َّوءوا الد ش‬
‫﴿والذ ش‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫وق ش ـ ـ َّ نشـ ْف ِس ـ ـ ِت‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللا ـ ـدوِرِهم ح ِ‬
‫هللا ـ ـة شوشم ْن ي ش‬ ‫اجةً اَّا أوتوا شويـ ْؤثرو شن شعلش أشنْـفس ـ ـ ِه ْم شولش ْو شكا شن هب ْم شخ ش‬
‫ص ـ ـا ش‬ ‫ْ ش ش‬
‫ك هم الْم ْفلِلو شن﴾ [احلشر‪. ]9 :‬‬ ‫فشأولشئِ ش‬
‫ب ‪ -‬تنمية اَّال وزَيدتت‬
‫الرْز شق لِ شم ْن يش ش ـاء ِم ْن ِعبش ِادهِ شويشـ ْق ِدر لشت شوشما أشنْـ شف ْقت ْم ِم ْن ششـ ْي ٍء‬
‫قال تعاىل ﴿قل إِ َّن شرِيب يشـْبسـا ِ‬
‫ْ‬
‫﴿وإِ ْذ شأتشذَّ شن شربُّك ْم لشئِن شش ـ ـ ـ ـ شك ْر ْذ ألش ِزي شدنَّك ْم‬ ‫فشـهو خيْلِفت وهو خري َّ ِِ‬
‫الرازق ش ﴾ [ســ ــبأ‪ ،]39 :‬وقال تعاىل ش‬ ‫ش ش شْ‬ ‫ش‬

‫(‪ )1‬انظر فقت َّ‬


‫الايكاة (‪.)78/1‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)89/1‬‬
‫‪638‬‬
‫اَّلل‬ ‫ص ـ ـ شدقش ِ‬
‫ات شو َّ‬ ‫الرشاب شويـ ْرِيب ال َّ‬ ‫شولشئِ ْن شك شف ْر ْذ إِ َّن شع شذ ِايب لش ش ـ ـ ِديد ﴾ [إبراهيم‪ ،]7 :‬وقال تعاىل ﴿ميشْ شلق َّ‬
‫اَّلل ِ‬
‫كفَّا ٍر أشثِي ٍم﴾ [البقرة‪. ]276 :‬‬
‫حش ِ ُّ ك َّل ش‬
‫ت هللا شدقشة من ٍ‬
‫مال»‬
‫[مسلم (‪ )2588‬والرتمذي (‪ )2029‬ومالك يف‬
‫صْ ش‬ ‫وقال هللال هللا عليت و لم «ما نشـ شق ش‬
‫املوطأ (‪.])1000/2‬‬

‫كان يشنايحن‪ ،‬فيقول‬ ‫يوم يص ـ ـ ـ ـ ــب العباد فيت إح ملش ِ‬ ‫وقال هللا ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم «ما من ٍ‬
‫ش‬
‫أعا اْ ِ‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـكاً تشـلشفاً» [البخاري (‪ )1442‬ومس ـ ـ ــلم‬ ‫أعا منفقاً خلشفاً‪ ،‬ويقول ا خر اللَّه َّم ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫أحدلا اللَّ َّ‬
‫ش‬
‫(‪.])1010‬‬

‫يتم تطهري نفس اَّســلم من افة ال ُّ ـ ِ ‪ ،‬والبهل‪ ،‬ويســاري إىل ا نفاق‪ ،‬موقناً بفضــل‬
‫وهكذا ُّ‬
‫هللا‪ ،‬ووعده الذأ ح يتهلَّف ِ‬
‫ابلرزق الوا ع(‪.)1‬‬
‫ً ‪ -‬حصول األمن يف الدُّنيا وا خرة‬
‫شجره ْم ِعْن شد شرهبِِ ْم شوحش‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿الَّ ِذين يـْن ِفقو شن أشموا شيم ِابللَّي ِل والنـ ِ‬
‫َّها ِر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـًّرا شو شعالشنيشةً فشـلشه ْم أ ْ‬
‫ْش ْ ْ ش ش‬ ‫ش‬
‫شخ ْو شعلشْي ِه ْم شوحش ه ْم شْشاينو شن ﴾ [البقرة‪. ]274 :‬‬
‫عما ‪،‬اهم هللا‬ ‫أل‪،‬م َّأدوا ما أمرهم هللا تعاىل بت‪ ،‬وانتهوا َّ‬ ‫ابل َّ‬ ‫احة ٍ‬ ‫فهم يف أم ٍن‪ ،‬و ـ ـ ــعادةٍ‪ ،‬ور ِ‬
‫عنت‪.‬‬
‫الايكاة عل ااتمع حص ــول اَّبَّة ب األ نياء والفقراء‪ ،‬وش ــيوي األمن والطُّ شمأْنِينشة‬ ‫ومن آاثر َّ‬
‫يف أو ـاطت‪ ،‬وشـعور األفراد فيما بينهم َّأ‪،‬م كاجلسـد الواحد‪ ،‬قال هللاـل هللا عليت و ـلم « شمثشل‬
‫اَّؤمن يف تو ِادهم‪ ،‬وتراحهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ ،‬مثشل اجلسـد الواحد إذا اشـتك منت عضـو‪ ،‬تداع لت‬
‫احلم » [مسـ ـ ــلم (‪ )2586‬وأمحد (‪ ،])270/4‬ومن ا اثر أيض ـ ـ ـ ـاً حفم التوازن‬
‫ـ ـ ـ ــائر اجلسـ ـ ـ ــد ابل َّس ـ ـ ـ ـهر و َّ‬
‫احجتماعي(‪.)2‬‬
‫كل من د عليت‪ ،‬وتن شفق يف ـ ـ ـ ـ ــبلها اَّ ـ ـ ـ ـ ــروعة يف هللا ـ ـ ـ ـ ــدر‬ ‫الايكاة ْد شمع من ِ‬ ‫عندما كانت َّ‬
‫واتلف‪ ،‬وات ٍ ‪،‬‬ ‫ـاء‪ ،‬ور ـ ٍـد‪ ،‬وَتتُّ ٍع ابلطَّيبــات‪ٍ ،‬‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم كــان ااتمع ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالمي يعيش يف رخـ ٍ‬
‫ُّ‬
‫الراش ـ ــدين‪ ،‬عمر بن عبد العايياي ر ـ ــي هللا‬ ‫الرواة أنَّت يف عهد خامس اخللفاء َّ‬ ‫وحتاب ٍ فقد رو ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر منهت ال الم يف تايكية النفس (‪.)249/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّال يف القران الكر ‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫‪639‬‬
‫للصدقة‪ ،‬فلم جيدوا‪ ،‬فما كان منهم إح‬ ‫ٍ‬
‫مستلق َّ‬ ‫حض َّإ‪،‬م حبثوا عن‬
‫عنت أخص النَّاس‪ ،‬وا تنوا‪َّ ،‬‬
‫أن اش ـ شوا هبا عبيداً‪ ،‬وأعتقوهم لوجت هللا‪ ،‬وهكذا بل ال ــالم يف عصــوره األوىل‪ ،‬مبســتو حياة‬
‫اَّسلم ومعي تهم حداً تبل ت إح أمم قليلـة اليـوم‪ ،‬وذلك بفضل ت ريع َّ‬
‫الايكاة(‪.)1‬‬
‫‪ - 5‬زواجت هللال هللا عليت و لم بعائ ة ر ي هللا عنها‬
‫مكة قبل اي رة‪ ،‬وهي ابنة ـ ـ ِ‬
‫ـت‬ ‫عقد ر ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم عل عائ ـ ــة يف َّ‬
‫ن ‪ ،‬بعد وفاة خدجية ر ي هللا عنها‪ ،‬وبىن هبا يف اَّدينة وهي ابنة تسع ن ‪ ،‬وذلك يف شهر‬
‫السنة األوىل لله رة(‪.)2‬‬ ‫شوال من َّ‬
‫َّ‬
‫الدولة مس ـ ـ ـ ـ ــتمرًة‪ ،‬و تتعطَّل حاحت َّ‬
‫الايواً يف‬ ‫وكانت حركة الدَّعوة واجلهاد‪ ،‬وال َّ بية‪ ،‬وبناء َّ‬
‫الايواً‪ ،‬والكثار منت كان عادَيً جداً‪ ،‬يف‬ ‫الر ـ ـ ــول هللاـ ـ ـ ـل هللا عليت و ـ ـ ــلم وأهللا ـ ـ ــلابت بل َّ‬
‫حياة َّ‬
‫الايواً‬
‫إن َّ‬‫أن ال ــالم دين الفطرة‪ ،‬والواقع بل َّ‬ ‫حياهتم‪ ،‬كالطَّعام‪ ،‬وال َّ ـراب‪ ،‬وذلك من مظاهر َّ‬
‫جايء مهم يف بناء ااتمع اَّسلم(‪.)3‬‬
‫الرابعة‬
‫كان ر ـ ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم قد بىن بعائ ـ ـ ـ ــة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنها وهو يف َّ‬
‫ٍ‬
‫ونفسية أهللاابتها‬ ‫للذهن ال َّي ‪ ،‬والضَّعف‪،‬‬ ‫الرقم يتبادر َّ‬ ‫واخلمس من عمره‪ ،‬وحيثما يذكر هذا َّ‬
‫لكن اَّقياس‬‫عام ٍة و َّ‬‫أن مرور األعوام هو مقياس أعمار النَّاس كقاعدةٍ َّ‬ ‫ـك َّ‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـيهوخة‪ ،‬وحش ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫احلقيقي هو حيوية النســان‪ ،‬ون ــاطت‪ ،‬وقدرتت عل اَّبادرة والعمل فقد ُد إنســاانً يف الثَّالث‬
‫مل يف جس ــمت‪ ،‬ونفس ــيتت أعباء اخلمسـ ـ ‪ ،‬وقد ُد يف بعض األحيان إنس ــان اخلمسـ ـ ‪ ،‬فال‬
‫فذة يف هذا اَّيدان‪،‬‬ ‫حنكم عليت أبكثر من الثَّالث ‪ ،‬وش ــهص ــية ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم َّ‬
‫ض ـ ـاءً وفلولةً إنَّت يف‬‫وم ش‬
‫فهو ‪ -‬وهو يف اخلمس ـ ـ ‪ -‬كان رجالً يف عنفوان شـ ــبابت لَّةً‪ ،‬وعايماً‪ ،‬ش‬
‫أأ إنسان‪ ،‬واألدلة تؤيِد ما ذهبت إليت ومنها‬ ‫هذا ح يساويت ُّ‬
‫مر عل ب عامر بن‬ ‫أ ‪َّ -‬ا عرض ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم نف شسـ ـ ـت عل القبائل‪َّ ،‬‬
‫هللاعصعة‪ ،‬وعرض عليهم أمره‪ ،‬فقال بشـْي شلرة بن فِشراس «وهللا! لو ِأين أخذت هذا الفض من قريش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)115/2‬‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫(‪ )2‬انظر من مع ِ‬
‫السنَّة (‪.)420/1‬‬
‫انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪640‬‬
‫ألكلت بت العرب»(‪ ،)1‬ونللم يف قول بشـْي شلشرة‬
‫َّاب يف م ْقتشـبش ِل العمر‪ ،‬اَّمتلئ حيويةً‪ ،‬ون اطاً‪.‬‬
‫عرب عنت بـ (الفض)‪ ،‬والفض هو ال ُّ‬‫ـ َّ‬
‫الر ــول الكر هللاــل هللا‬
‫عما ححظت يف شــهصــية َّ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويف قولت «ألكلت بت العرب» ِ‬
‫يعرب َّ‬
‫عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم من حيويٍَّة‪ ،‬ولٍَّة ح تقف يف وجهها وي العرب قاطبةً‪ ،‬كانت هذه نظرة بشـْي شلشرة‪،‬‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم يف اخلمسـ ـ من العمر ٍ‬
‫يومئذ إنَّت ال ــباب ش ــكالً‪ ،‬ومض ــموانً‪،‬‬ ‫و َّ‬
‫مظهراً ونفسيَّةً‪ ،‬لَّةً‪ ،‬وروحاً(‪.)2‬‬
‫نب هللا هللال هللا‬‫أنس ر ي هللا عنـت قال «أقبل ُّ‬ ‫البهارأ عن ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ب ‪ -‬ويف خبـر اي رة‪ ،‬رو‬
‫ِ‬
‫عليت و ـ ـ ــلم إىل اَّدينة‪ ،‬وهو م ْرد أاب بك ٍر‪ ،‬وأبو بك ٍر ش ـ ـ ــي يـ ْعشر ‪ُّ ،‬‬
‫ونب هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫الرجل الذأ‬ ‫الرجل أاب بك ٍر‪ ،‬فيقول َي أاب بكر! من هذا َّ‬ ‫و ـ ـ ــلم ش ـ ـ ــاب ح يـ ْعشر ‪ ،‬قال فيلق َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرجل يهدي الس ــبيل‪ ،‬قال فيلسـ ـ احلا ـ ـ أنَّت َّإجا يع الطَّر ش‬
‫يق‪،‬‬ ‫ب يديك؟ فيقول هذا َّ‬
‫ـبيل اخلري» [البخاري (‪ )3911‬وأمحد (‪ ،])211/2‬وكان هللا ــل هللا عليت و ــلم يش ِ ـ ْ ‪ ،‬وكان‬ ‫وإجا يع ـ ش‬
‫َّ‬
‫أ َّن من أيب بك ٍر(‪.)3‬‬
‫أن أاب بك ٍر كان يبدو يف ـ ــنِ ِت احلقيقي ش ـ ــيهاً(‪ )4‬بينما كان‬ ‫ويالحم من الن ِ‬
‫َّص بو ـ ــو ٍ َّ‬
‫هللاــل هللا عليت و ــلم يبدو شــاابً لعدم ظهور ال َّ ـي فيت‪ ،‬كما أو ـ ذلك القســطالَّينُّ بقولت‬
‫وكان هللال هللا عليت و لم يش ْ ‪ ،‬وكان أ َّن من أيب بك ٍر(‪.)5‬‬
‫إن الفارق يف العمر بينت هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم وب عائ ـ ــة‪،‬‬ ‫وبذلك نسـ ــتطيع أن نقول َّ‬
‫الفارق الكبري من وجهة النَّظر العمليَّة‪ ،‬فها هو هللاــل هللا عليت و ــلم يســابق ال َّس ـيدة‬
‫يكن ذلك ش‬
‫مرةً‪ ،‬ويس ــبقها أخر ‪ ،‬فيقول «هذه بتلك» [أمحد (‪ )264/6‬وأبو داود (‪ )2578‬وابن ماجه‬ ‫عائ ــة‪ ،‬فتس ــبقت َّ‬
‫(‪ )1979‬وابن حبان (‪ ،])4691‬واألمثلة يف حياتت هللال هللا عليت و لم كثرية(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪.)424/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫الايرقاين عل اَّواه (‪ )355/1‬نقالً عن (من مع السرية)‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر شر ُّ‬
‫(‪ )4‬انظر من مع السرية ‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫(‪ )5‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪641‬‬
‫كل ذأ نظ ٍر أن يدرك احلكمة اجلليلة الَّيت كانت وراء زواً ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا‬ ‫ويسـ ــتطيع ُّ‬
‫الايواً اَّيمون يف شمطْلِع احلياة يف اَّدينة‪،‬‬ ‫عليت و ـ ـ ــلم من عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها‪ ،‬فقد ذَّ هذا َّ‬
‫أن النسـ ـ ــان‬‫ومع بداية اَّرحلة الت ـ ـ ـريعية من حياتت هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬واَّا حش ـ ــك فيت َّ‬
‫الر ول الكر هللال‬ ‫حبد من نقل لوك َّ‬ ‫يقضي جايءاً كبرياً من حياتت يف بيتت‪ ،‬ومع أ رتت‪ ،‬وكان َّ‬
‫حض يس ــتطيعوا التأ ِ ـ ـ شي بت‪ ،‬وكانت تلك‬ ‫هللا عليت و ــلم ‪ ،‬يف هذا اجلان من حياتت إىل النَّاس َّ‬
‫مهمة ال ِس ـ ـ ـيِدة عائ ـ ـ ــة ر ـ ـ ــي هللا عنها ‪ -‬عل اخلصـ ـ ــوص ‪ -‬وبقيَّة َّأمهات اَّؤمن ر ـ ـ ــي هللا‬ ‫َّ‬
‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫عنه َّن فقد ا ــتطاعت ال َّس ـيدة عائ ــة ر ــي هللا عنها‪ ،‬مبا وهبها هللا من ذكاء وفهم‪ ،‬أن تؤد ش‬
‫كتاب من كت ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرية تبِ ‪ ،‬وتؤِكد ما ذهبت‬‫ألأ ٍ‬ ‫وإن نظرةً عابرةً ِ‬ ‫دورها عل خري ما يرام‪َّ ،‬‬
‫أن هللا تعاىل كت يا احلياة ما يقرب من طس ـ عاماً بعد وفاة‬ ‫إليت وقد ــاعدها عل ذلك َّ‬
‫ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬و ـ ــاعدهتا تلك اَّدَّة عل أن تـبشـلِ ش ما شو شعْتت عن ر ـ ــول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فر ي هللا عنها!(‪.)1‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.173‬‬


‫‪642‬‬
‫الفصل الثَّامن‬
‫(‪)1‬‬
‫غزوة بد ٍر الكرب‬

‫األول مرحلة ما قبل املعركة‬


‫املبحث َّ‬
‫قافلة داريٍَّة كبريةٍ من ال َّ ـ ـام‪ ،‬حتمل أمواحً عظيمة(‪)2‬لقريش‪ ،‬يقودها أبو‬ ‫حترك ٍ‬
‫بل اَّسـ ــلم ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‬ ‫فيان‪ ،‬ويقوم عل حرا تها ب ثالث ‪ ،‬وأربع رجالً ‪ ،‬فأر ل َّ‬
‫بن عمرو(‪ )4‬جلمع اَّعلومات عن القافلة(‪ ،)5‬فلَّما عاد بش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبشس ابخلرب اليق ‪ ،‬ندب‬
‫س ش‬ ‫بش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش ش‬
‫ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم أهللاـ ـ ــلابت للهروً‪ ،‬وقال يم «هذه ِعري قريش فيها أموايم‪،‬‬
‫لعل هللا يـْن ِفلكموها»(‪ ،)6‬وكان خروجت من اَّدينة يف اليوم الثاين ع ر‪ ،‬من شهر‬ ‫فاخرجوا إليها َّ‬
‫السنة الثانية لله رة‪ ،‬ومن اَّؤَّكد أنَّت ح خروجت هللال هللا عليت و لم من‬ ‫رمضان اَّبارك‪ ،‬من َّ‬
‫وإجا كان قصـ ـ ـ ـ ــده ِع شري قريش‪ ،‬وكانت احلالة ب اَّسـ ـ ـ ـ ــلم وكفار‬
‫اَّدينة‪ ،‬يكن يف نيَّتت قتال َّ‬
‫العدو‪ ،‬ودمايهم مباحةً‪ ،‬فكيف إذا علمنا َّ‬
‫أن‬ ‫مكة حالة حرب‪ ،‬ويف حالة احلرب تكون أموال ِ‬ ‫َّ‬
‫جايءاً من هذه األموال اَّوجودة يف القوافل القرش ـ ـيَّة‪ ،‬كانت للمهاجرين اَّس ــلم من أهل َّ‬
‫مكة‪،‬‬
‫قد ا توىل عليها اَّ ركون ظلماً‪ ،‬وعدواانً(‪.)7‬‬
‫ابلصالة ابلنَّاس يف اَّدين(‪.)8‬‬ ‫كلَّف ر ول هللا هللال هللا عليت و لم عبد هللا بن ِأم ٍ‬
‫مكتوم َّ‬ ‫ش‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم اثن من أهللاــلابت إىل بد ٍر طليعةً‪ ،‬للت ُّ‬
‫(‪)9‬‬
‫َّعر عل أخبار‬ ‫أر ــل الن ُّ‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كالن (‪ 14‬و‪ )15‬يف الصفلت (‪ 750‬و‪.)751‬‬


‫رت قيمة البضائع اليت حتملها القافلة حبواس ‪ 50‬ألف دينار ‪ ،‬انظر مو وعة نضرة النعيم يف مكارم أخالق الر ول الكر هللال هللا عليت و لم(‪.)286/1‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫قد ْ‬
‫السرية ‪ ،‬حبن حايم ص ‪.107‬‬ ‫(‪ )3‬جوامع ِ‬
‫(‪ )4‬ورد هذا اح م يف مسل ٍم هكذا «ب شسْي شسة» يف كتاب المارة ‪ ،‬ابب ثبوت اجلنة لل َّهيد ‪ ،‬رقم (‪ ، )1901‬قال النَّووأ يف شرحت عل احلديث «هكذا‬
‫يف يع النس ‪ ،‬واَّعرو يف كت السرية (بش ْسبشس)‪ ...‬قلت جيوز أن يكون أحد اللفظ امساً لت ‪ ،‬واحخر لقباً»‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم ‪ ،‬رقم (‪.)1901‬‬
‫(‪ )6‬رية ابن ه ام (‪ٍ )61/2‬‬
‫بسند هللالي إىل ابن عبَّ ٍ‬
‫اس ر ي هللا عنهما‪.‬‬
‫حممد ال عابد (‪.)43/1‬‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫انظر حديث القران عن ايوات َّ‬
‫(‪)7‬‬

‫(‪ )8‬البداية والنِهاية (‪ ، )260/3‬واَّستدرك لللاكم (‪.)632/3‬‬


‫الاي ْ باء ‪ ،‬وبسبس بن عمرو ‪ ،‬انظر الطَّبقات ‪ ،‬حبن عد (‪.)24/2‬‬ ‫عدأ بن أيب َّ‬
‫لا ُّ‬
‫(‪)9‬‬

‫‪643‬‬
‫صـ ـلابة‪،‬‬ ‫القافلة فرجعا إليت ربها(‪ )1‬وقد حص ــل خال ب اَّص ــادر ال َّ‬
‫صـ ـليلة حول عدد ال َّ‬
‫َّب هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم يف ايوتت هذه إىل بد ٍر‪ ،‬ففي ح جعلهم البهارأ‬
‫الذين رافقوا الن َّ‬
‫وثالشئة» [البخاري (‪ )3957‬و(‪ ])3958‬يذكر مس ــلم َّأ‪،‬م كانوا « ٍ‬
‫ثالشئة وتس ــعة شع ش ـ ـشر‬ ‫ٍ‬ ‫«بض ــعة ع ــر‬
‫الصلابة البدري (‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫ثالشئة وأربع من َّ‬ ‫رجالً» [مسلم (‪ ،])1763‬يف ح ذكرت اَّصادر أمساء‬
‫للدولة ال الميَّة ذلك‬ ‫كانت َّقوات اَّسلم يف بد ٍر‪ ،‬ح َتثِل القدرة العسكريَّة القصو َّ‬
‫َّأ‪،‬م إَّج ـا خرجوا حع اض قــافلـ ٍـة‪ ،‬واحتوائهــا‪ ،‬و يكونوا يعلمون َّأ‪،‬م ـ ـ ـ ـ ـ ــو يواجهون َّقوات‬
‫يش‪ ،‬وأحالفه ــا جمتمعـ ـةً لللرب‪ ،‬والَّيت بل تع ــداده ــا ألفـ ـاً [مســ ـ ـ ــلم (‪ ،])1763‬معهم مئت ــا ٍ‬
‫فرس‪،‬‬ ‫قر ٍ‬
‫القيان(‪ )3‬يض ـ ـ ـ ـ ـربن ابلدُّفو ‪ ،‬وي نِ هب اء الن ِ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ــل هللا‬ ‫ايم‪ ،‬ومعهم ِ‬ ‫يقودو‪،‬ا إىل جان‬
‫ان‪ ،‬وكان‬ ‫عليت و ـ ــلم وأهللا ـ ــلابت(‪ ،)4‬يف ح يكن مع القوات ال ـ ـ ــالميَّة من اخليل إح فشـر ـ ـ ـ ِ‬
‫شش‬
‫كوهبا‪[ .‬الطرباين يف املعجم الكبري (‪ )12105‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪. ])69/6‬‬
‫معهم بعون بعرياً يتعاقبون ر ش‬
‫أوالً‪ :‬بعض احلوادث يف أثناء املسري إىل بد ٍر‪:‬‬

‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم وأهللا ــلابت فيها من‬
‫وقد حدثت بعض احلوادث يف أثناء مس ــري الن ِ‬
‫العِشِرب واَّواعم ال َّيء الكثري‬
‫َّب هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫عازب وابن عمر لص ـ ـ ـ رلا وبعد خروً الن ِ‬ ‫الرباء بن ٍ‬
‫‪ - 1‬إرجاي شش‬
‫وأهللا ـ ــلابت من اَّدينة يف طريقهم إىل مالقاة ِعري أيب ـ ـ ــفيان وهللاـ ـ ــلوا إىل (بيوت ال ُّس ـ ـ ـقيا) خارً‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وا تعرض هللال هللا عليت و لم شم ْن خرً معت‪،‬‬ ‫اَّدينة‪ ،‬فعسكر فيها الن ُّ‬
‫قتال معهم‪،‬‬ ‫ض ـ ـ ِي مع جيش اَّسـ ــلم ‪ ،‬ومالقاة من تشمل ن ـ ــوب ٍ‬ ‫فرد من ليس لت قدرة عل اَّ ِ‬
‫شْ ش‬ ‫َّ ش ْ‬
‫الرباء بن عازب‪ ،‬وعبد هللا بن عمر لصـ ـ ـ ـ رلا‪ ،‬وكاان قد خرجا مع النب‬ ‫فرد عل هذا األ ـ ـ ــاس شش‬‫َّ‬
‫هللال هللا عليت و لم را ب ‪ ،‬وعازم ْ ِ عل احش اك يف اجلهاد‪[ .‬البخاري (‪ )3955‬و(‪. ])3956‬‬
‫ش‬
‫رك) عن عائ ةش ر ي هللا عنها قالت خرً ر ول هللا هللال‬ ‫‪( - 2‬فارجع فلن أ تع مب ٍ‬
‫ش‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وُدة‬‫الوبشـشرةِ‪ ،‬أ ْشدركت شرجل‪ ،‬قد كان يذْكر منت ج ْرأشة‪ ،‬شْ‬ ‫ٍ‬
‫هللا عليت و ــلم قبش شل بدر‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان حبشَّرة ش‬

‫(‪ )1‬الطَّبقات ‪ ،‬حبن عد (‪ )42/2‬ن ناد هللالي ‪.‬‬


‫(‪ )2‬البداية والنِهاية (‪ )314/3‬وكذلك الطَّبقات ‪ ،‬وخليفة بن خيَّاط‪.‬‬
‫(‪ )3‬ال شقْيـنشة اَّ نِية ‪ ،‬واجلمع قِيشان‪.‬‬
‫(‪ )4‬البداية والنَّهاية (‪.)260/3‬‬
‫‪644‬‬
‫فف ِر ش أهللالاب ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ح شر ْأوه‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما ْأد شرشكت‪ ،‬قال لر ول هللا هللال هللا‬
‫ك‪ ،‬قال لت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «تؤمن‬ ‫مع ش‬
‫ك‪ ،‬وأهللا ــي ش ش‬‫عليت و ــلم جئت ألتَّبِ شع ش‬
‫ـرك»‪ .‬قالت مثَّ مض ـ ـ ‪ ،‬حض إذا كنا‬ ‫ابهلل ور ـ ـولِِت؟» قال ح‪ ،‬قال «فارجع فلن أ ــتع مب ـ ٍ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم كما قال‬‫ابل ـ ـ رة أدركت الرجل‪ ،‬فقال لت كما قال أول مرة‪ ،‬فقال لت الن ُّ‬
‫مرة «تؤمن ابهلل ور ولت؟» قال نعم‪،‬‬ ‫مرةٍ‪ ،‬مثَّ رجع‪ ،‬فأدركت ابلبشـْي شد ِاء‪ ،‬فقال لت كما قال َّأول َّ‬ ‫َّأول َّ‬
‫ق» [مس ــلم (‪ )1817‬وأبو داود (‪ )2732‬والرتمذي (‪)1558‬‬ ‫ِ‬
‫فقال لت ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «فانْطشل ْ‬
‫وأمحد (‪ 148/3‬و‪.])149‬‬

‫ص ـعاب فعن ابن مســعود ر ــي هللا‬ ‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم أهللاــلابت يف ال ِ‬
‫‪ - 3‬م ــاركة الن ِ‬
‫وعلي بن أيب طال ٍ زميلش ْي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫كل ثالثة عل بع ٍري‪ ،‬وكان أبو لبشابشةش‪ُّ ،‬‬ ‫عنت قال كنَّا يوم بد ٍر ُّ‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم ‪ .‬قال وكانت عقبشة ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ .‬قال فقاح حنن‬
‫ج ــي عنك‪ ،‬فقال «ما أنتما أبقو م ِ ‪ ،‬وح أان أب ىن عن األجر منكما» [أمحد (‪ )411/1‬وابن حبان‬
‫(‪ )4733‬وأبو يعلى (‪ )5359‬والبزار (‪ )1759‬وجممع الزوائد (‪.])69/6‬‬

‫اثنياً‪ :‬العزم على مالقاة املسلمني ببدر‪:‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬أبهللالابت من اَّدينة‪ ،‬بقصد اع اض‬ ‫بل أاب فيان خرب مسري الن ِ‬
‫ضـ شم‬
‫قافلتت‪ ،‬واحتوائها‪ ،‬فبادر إىل حتويل مســارها إىل طريق ال َّس ـاحل‪ ،‬يف الوقت نفس ـت أر ــل ش ـ ْم ش‬
‫يش يس ـ ـ ـ ــتنفرها لنقاذ قافلتها‪ ،‬وأموايا ‪ ،‬فقد كان أبو ـ ـ ـ ــفيان يشِقظاً‬ ‫بن عمرو ال ِ شف َّ‬
‫ارأ إىل قر ٍ‬
‫(‪)1‬‬

‫حتركاهتم بل يتل َّس ـ ـس أخبارهم بنفسـ ــت‪ ،‬فقد تقدَّم‬ ‫شحذراً‪ ،‬يتلقَّا أخبار اَّس ــلم ‪ ،‬ويس ــأل عن ُّ‬
‫أحد؟ قالوا ح‪ ،‬إح رجل ‪ ،‬قال أروين‬ ‫إىل بد ٍر بنفس ـ ـ ـ ــت‪ ،‬و ـ ـ ـ ــأل من كان هناك هل رأيتم من ٍ‬
‫شْ‬
‫يثرب(‪،)2‬‬
‫مشنا ش ركاهبما‪ ،‬فأروه‪ ،‬فأخذ البعر فشـ شفتَّت‪ ،‬فَذا هو فيت النَّو ‪ ،‬فقال هذه وهللا! عالئف ش‬
‫حض خرب ال َّس ـ ـ ـريَّة اح ـ ـ ــتطالعيَّة عن طريق ذاء دو ِاهبا‪،‬‬ ‫حتركات عدوه‪َّ ،‬‬ ‫فقد ا ـ ــتطاي أن يعر ُّ‬
‫الرجل من اَّدينة أأ من اَّسـ ــلم ‪ ،‬وابلتَّاس‬ ‫أن َّ‬‫بفلصـ ــت البعر الَّذأ خلَّفتت البل إذ عر َّ‬
‫يش‪ ،‬و َّري طريق القافلة‪ ،‬و َّادت حنو ــاحل‬ ‫بن عم ٍرو‪ ،‬إىل قر ٍ‬ ‫فقافلتت يف خط ٍر‪ ،‬فأر ــل ش ـ ـ ْم ش‬
‫ض ـ ـ شم ش‬

‫(‪ )1‬انظر مو وعة نضرة النعيم (‪.)287/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)230/2‬‬
‫‪645‬‬
‫البلر(‪.)1‬‬
‫يش اليت اشــتاط زعمايها ضــباً َّا يـرونت من ا ٍ‬
‫متهان‬ ‫كان وقع خرب القافلة شــديداً عل قر ٍ‬
‫شش ْ‬
‫ٍ‬
‫احنطاط‬ ‫يض للمص ـ ـ ـ ــاأ احقتص ـ ـ ـ ــاديَّة ل خطار إىل جان ما ين م عن ذلك من‬ ‫للكرامة‪ ،‬وتعر ٍ‬
‫يش ب القبائل العربيَّة األخر ولذلك فقد ـ ـ ـ ـ ـ ــعوا إىل اخلروً ااهبة األمر أبقص ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫َّكانة قر ٍ‬
‫طاقاهتم القتالية(‪.)2‬‬
‫كل من رآه ا‪ ،‬أو مسع‬ ‫ارأ بصـ ــورةٍ مثريةٍ جداً‪ ،‬يتأثَّر هبا ُّ‬
‫ض ـ ـم بن عمرو ال ِ شف ُّ‬ ‫لقد جاءهم ش ـ ـ ْم ش‬
‫وشق قميصت من قـب ـ ـ ـ ـ ٍـل‪ ،‬ومن دبـ ـ ـ ـ ـ ٍر‪ ،‬ودخل‬
‫أنف بعريه‪َّ ،‬‬ ‫ي ش‬ ‫وج شد ش‬
‫حوشل شر ْحلشت‪ ،‬ش‬
‫هبا إذ جاءهم وقد َّ‬
‫مكة وهو ينادأ أبعل هللاوتت َي مع شر قريش! اللَّطيمةش اللَّطيمةش(‪ !)3‬أموالكم مع أيب فيان‪ ،‬قد‬ ‫َّ‬
‫وث!(‪.)4‬‬
‫وث‪ ،‬ال ش‬
‫عرض يا حممد مع أهللالابت‪ ،‬ح أر أن ت ْدركوها‪ ،‬ال ش‬
‫وعندما أمن أبو ــفيان عل ــالمة القافلة‪ ،‬أر ــل إىل زعماء قريش وهو ابجلل شفة‪ ،‬بر ـ ٍ‬
‫ـالة‬ ‫ْ‬
‫مكة‪ ،‬وذلك َّأد إىل حص ـ ـ ـ ــول انقس ـ ـ ـ ـ ٍـام‬ ‫أخربهم فيها بن اتت‪ ،‬والقافلة‪ ،‬وطل منهم العودة إىل َّ‬
‫حاد يف اراء زعماء قريش‪ ،‬فقد أهللا ـ ـ َّـر أ لبهم عل التَّقدُّم حنو بد ٍر من أجل أتدي اَّس ـ ــلم ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يش‪،‬‬ ‫وأتم ـ ـ ـ ـ ـ ــالمة طريق التِ ارة القرش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة‪ ،‬وإش ـ ـ ـ ـ ـ ــعار القبائل العربيَّة األخر مبد َّقوة قر ٍ‬
‫مكة‪َّ ،‬أما‬ ‫عدأ‪ ،‬فعاد بنو زْهرةش إىل َّ‬ ‫و ـ ـ ــلطا‪،‬ا‪ ،‬وقد ان ـ ـ ــق بنو زْهشرة(‪ ،)5‬وهلَّف يف األهللاـ ـ ــل بنو ٍ‬
‫ش‬
‫حض وهللالت بدراً(‪.)6‬‬
‫يش‪ ،‬وأحالفهم فقد تقدَّمت َّ‬ ‫البية َّقوات قر ٍ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم ألصحابه‪:‬‬
‫اثلثاً‪ :‬مشاورة الن ِّ‬

‫َّب هللال‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ُاة القافلة‪ ،‬وإهللارار زعماء َّ‬
‫مكة عل قتال الن ِ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل الن َّ‬
‫هللا عليت و ــلم ا ــت ــار ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم أهللا ــلابت يف األمر(‪ ،)7‬وأبد بعض‬
‫يش حيث َّإ‪،‬م يتوقَّعوا اَّواجهة‪ ،‬و‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة عدم ارتياحهم َّسـ ـ ـ ـ ــألة اَّواجهة احلربيَّة مع قر ٍ‬ ‫ال َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة بد ٍر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.34 ، 33‬‬


‫(‪ )2‬انظر مو وعة نضرة النعيم (‪.)287/1‬‬
‫اَّملة ب َّض أنواي البضاعة ري الطعام‪.‬‬ ‫(‪ )3‬اللَّ ِطيمة القافلة َّ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)221/2‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫األخنشس بن شريق بذلك ‪ ،‬انظر ابن ه ام (‪.)231/2‬‬ ‫نصلهم ْ‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )6‬انظر مو وعة نضرة النعيم (‪.)287/1‬‬


‫اب لشك ْم} ‪ ،‬رقم (‪ ، )3952‬وانظر شر هذا احلديث يف فت البارأ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البهارأ ‪ ،‬كتاب اَّ ازأ ‪ ،‬ابب {إ ْذ تش ْستش يثو شن شربَّك ْم فشا ْ تش ش ش‬
‫(‪)7‬‬
‫ُّ‬
‫‪646‬‬
‫هللاور القرآن الكر‬ ‫الر ول هللال هللا عليت و لم بوجهة نظرهم‪ ،‬وقد َّ‬ ‫يستعدوا يا‪ ،‬وحاولوا إقناي َّ‬ ‫ُّ‬
‫ك ِاب ْحلشِق شوإِ َّن‬ ‫ك ِم ْن بشـْيتِ ش‬ ‫ك شربُّ ش‬ ‫شخشر شج ش‬
‫موق شفهم‪ ،‬وأحوال الفئة اَّؤمنة عموماً‪ ،‬يف قولت تعاىل ﴿ شك شما أ ْ‬
‫احل ِق بـع شدما تشـب َّ شكأَّشجشا يس ـ ـ ـ ـ ـاقو شن إِ شىل الْمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ت شوه ْم‬ ‫شْ‬ ‫ش‬ ‫ك ِيف ْش ش ْ ش ش ش‬ ‫فش ِري ًقا ِم شن الْم ْؤِمنِ ش لش شكا ِرهو شن ۝ جيشادلونش ش‬
‫ات ال َّ ـ ْوشك ِة تشكون لشك ْم‬ ‫شن شري ذش ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫يـْنظرو شن ۝ وإِ ْذ يعِدكم َّ ِ‬
‫اَّلل إ ْح شد الطَّائ شفتش ْ أش‪،‬شا لشك ْم شوتشـ شوُّدو شن أ َّ ْ ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬
‫احلش َّق شويـْب ِطـ شل الْبشـا ِطـل شولش ْو شك ِرشه‬ ‫ين ۝ لِي ِل َّق ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أش ْن ِ َّق ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫احلش َّق ب شكل شمـاتـت شويشـ ْقطش شع شدابشر الْ شكـاف ِر ش‬ ‫شوي ِريــد َّ‬
‫الْم ْ ِرمو شن ﴾ [اآلنفال‪. ]8 - 5‬‬
‫ـدو(‪ ،)1‬وكــان للمقــداد بن‬ ‫وقــد أ ع قــادة اَّهــاجرين‪ ،‬عل أتييــد فكرة التَّـ ُّق ـدم َّالقــاة العـ ِ‬
‫ـعود ر ـ ـ ــي هللا عنت شـ ـ ــهدت من الْ ِم ْق شداد بن‬ ‫األ ـ ـ ــود موقف متميِاي‪ ،‬فقد قال عبد هللا بن مسـ ـ ـ ٍ‬
‫ب هللا ــل هللا عليت و ــلم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫األ ــود م ــهداً‪ ،‬ألن أكو شن هللا ـ ِ‬
‫إس اَّا عد شل بت أت النَّ َّ‬ ‫ـاحبشت أح ُّ َّ‬
‫ك فشـ شقاتِالش﴾‪،‬‬ ‫ت شوشربُّ ش‬ ‫وهو يدعو عل اَّ رك ‪ ،‬فقال ح نقول كما قال قوم مو ﴿فشا ْذ شه ْ أشنْ ش‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬ ‫وخ ْلفك‪ ،‬فرأيت الن َّ‬ ‫ولكنَّا نقاتل عن ميينك‪ ،‬وعن طالك‪ ،‬وب يديك‪ ،‬ش‬
‫قولت‪[ .‬البخاري (‪.])3952‬‬ ‫أشرق شو ْجهت و ش َّره يع‬
‫ـول هللا! َّإان ح نقول لك كما قالت بنو إ ـ ـ ـ ـ ـرائيل َّو ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اية قال اَّقداد َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫ويف رو ٍ‬
‫اعدو شن ﴾‪ ،‬فكأنت ـ ـ ِرأ عن ر ــول‬ ‫ك فشـ شقاتِالش إِ َّان هاهنشا قش ِ‬ ‫ولكن ِ‬
‫ش‬ ‫ت شوشربُّ ش‬ ‫امض وحنن ﴿فشا ْذ شه ْ أشنْ ش‬
‫هللا هللال هللا عليت و لم ‪[ .‬البخاري (‪. ])4609‬‬

‫علي أيها النَّاس!» وكان َّإجا‬


‫وبعد ذلك عاد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم فقال «أشريوا َّ‬
‫أل‪،‬م البية جنده‪َّ ،‬‬
‫وألن بيعة العقبة الثَّانية‪ ،‬تكن يف ظاهرها ملايمةً يم‬ ‫يقص ـ ـ ـ ـ ـ ــد األنص ـ ـ ـ ـ ـ ــار َّ‬
‫لايب ــعد بن معاذ‪ - ،‬وهو‬ ‫ص ـ ُّ‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم خارً اَّدينة‪ ،‬وقد أدرك ال َّ‬ ‫حبماية َّ‬
‫َّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم من ذلك فنهض قائالً (وهللا!‬‫حامل لواء األنص ـ ـ ــار ‪ -‬مقص ـ ـ ــد الن ِ‬
‫لكأنَّك تريدان َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا؟ قال هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم «أجل»‪ ،‬فقال لقد آمنا بك‪،‬‬
‫احلق‪ ،‬وأعطيناك عل ذلك عهودان‪ ،‬ومواثيقنا عل‬ ‫جئت بت هو ُّ‬ ‫أن ما ش‬ ‫وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّقناك‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ــهدان َّ‬
‫فامض َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! َّا أردت‪ ،‬فنلن معك‪ ،‬فوالَّذأ بعثك ِ‬
‫ابحلق! لو‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمع‪ ،‬وال طَّاعة‪ِ ،‬‬
‫ضـنشاه معك‪ ،‬ما هلَّف منا رجل واحد‪ ،‬وما نكره أن تلق‬ ‫ضـتشت خل ْ‬ ‫ا ــتعر ــت بنا هذا البلر‪ ،‬فه ْ‬

‫(‪ )1‬انظر مو وعة نضرة النَّعيم (‪.)288/1‬‬


‫(‪ )2‬اَّقصود اَّبال ة يف عظمة ذلك اَّ هد ‪ ،‬وأنَّت كان لو خِري ب أن يكون هللااحبت وب أن صل لت ما يقابل ذلك ‪ ،‬لكان حصولت أح َّ إليت‪.‬‬
‫‪647‬‬
‫عدوان داً‪َّ ،‬إان لص ـ ـ ـ ـرب يف احلرب‪ ،‬هللا ـ ـ ـ ـدق عند اللِقاء‪ ،‬و َّ‬
‫لعل هللاش يريك منا ما تشـ شقُّر بت عينك‪،‬‬ ‫بنا َّ‬
‫كة هللا‪[ .‬ابن هشام (‪ )267/2‬وبنحوه مسلم (‪.])1179‬‬ ‫فش ِس ْر عل بر‬
‫و ـ ـَّر النَّب هللا ــل هللا عليت و ــلم من مقالة ــعد بن ٍ‬
‫معاذ‪ ،‬ون َّ ـ ـطت ذلك‪ ،‬فقال هللا ــل هللا‬ ‫ُّ‬
‫فَن هللا تعاىل قد وعدين إحد الطَّائفت ‪ ،‬وهللا! ِ‬
‫لكأين ا ن‬ ‫عليت و ـ ـ ــلم « ِ ـ ـ ـ ـريوا وأب ـ ـ ــروا َّ‬
‫أنظر إىل مصاري القوم» [البيوقي يف دالئل النبوة (‪ )34/3‬وابن هشام (‪. ])267/2‬‬

‫ص ـلابة‬ ‫ـعد م ـ ِ عةً لر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم وملهبةً َّ ــاعر ال َّ‬
‫كانت كلمات ـ ٍ‬
‫َّب هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم‬
‫إن حرص الن ِ‬ ‫ص ـ ـلابة‪ ،‬وش ـ ـ َّ عتهم عل القتال‪َّ ،‬‬‫فقد رفعت معنوَيت ال َّ‬
‫ابلذات ذلك‬ ‫ألية ال ُّ ـ ـور يف احلروب َّ‬ ‫يدل عل أتكيد ِ‬ ‫عل ا ــت ــارة أهللا ــلابت يف ال ايوات‪ُّ ،‬‬
‫وإما حتت ال رباء(‪.)1‬‬
‫فَما إىل العلياء‪َّ ،‬‬ ‫تقرر مصري األمم‪َّ ،‬‬ ‫ألن احلروب ِ‬ ‫َّ‬

‫رابعاً‪ :‬املسري إىل لقاء ِّ‬


‫العدو‪ ،‬ومجع املعلومات عنه‪:‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ اعتهم‪،‬‬ ‫نظَّم الن ُّ‬


‫َّب هللاـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم جنده‪ ،‬بعد أن رأ طاعة ال َّ‬
‫واجتماعهم عل القتال‪ ،‬وعقد اللواء األبيض‪ ،‬و ش ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّمت إىل مص ـ ـ ـ ـ ــع بن عمري‪ ،‬وأعط رايت‬
‫ص شعة(‪.)2‬‬ ‫وعلي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬وجعل عل َّ‬ ‫وداوين إىل عد بن ٍ‬
‫هللا ْع ش‬
‫الساقة قيس بن أيب ش‬ ‫معاذ‪ِ ،‬‬ ‫ش ْ ش شْ‬
‫وقام هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ومعت أبو بك ٍر يس ـ ــتك ـ ــف أحوال جيش اَّ ـ ــرك ‪ ،‬وبينما لا‬
‫يت َّوحن يف تلك اَّنطقة‪ ،‬لقيا شـ ــيهاً من العرب‪ ،‬فسـ ــألت ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم عن‬
‫حمم ٍد وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬وما بل ت من أخبارهم فقال ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ح أخربكما حض‬ ‫جيش قريش‪ ،‬وعن َّ‬
‫هرباين ِاَّن أنتما؟ فقال لت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم «إذا أخربتنا أخربانك» فقال أو‬
‫حممداً وأهللاـ ـ ــلابت خرجوا يوم كذا وكذا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ذاك بذاك؟ قال «نعم»‪ ،‬فقال ال َّ ـ ـ ـي فَنَّت بل‬
‫فَن كان هللاـ ـ ــدق الَّذأ أخربين فهم اليوم مبكان كذا وكذا ‪ -‬للمكان الذأ بت جيش اَّسـ ـ ــلم‬
‫أن قري ـ ـ ـاً خرجوا يوم كذا وكذا‪ ،‬فَن كان هللاـ ـ ــدق الذأ أخربين فهم اليوم مبكان كذا‬ ‫‪ -‬وبل َّ‬
‫عما أردَتا‪،‬‬ ‫وكذا ‪ -‬للمكان الذأ فيت جيش اَّ ـ ـ ـ ــرك فعالً ‪ -‬مثَّ قال ال ـ ـ ـ ــي لقد أخربتكما َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة بدر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)172/3‬‬
‫‪648‬‬
‫َّب‬ ‫ٍ‬
‫فأخرباين اَّن أنتما؟ فقال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «حنن من ماء»‪ ،‬مثَّ انصـ ــر الن ُّ‬
‫هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم وأبو بكر عن ال َّ ـ ـ ـ ـي ‪ ،‬وبقي هذا ال َّ ـ ـ ـ ـي يقول ما من ماء؟ أمن ماء‬
‫العراق؟ [ابن هشام (‪. ])268 - 267/2‬‬

‫ويف مس ــاء ذلك اليوم الَّذأ خرً فيت ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وأبو بك ٍر‪ ،‬أر ــل‬
‫اص‪ ،‬يف نف ٍر من‬ ‫عد بن أيب وقَّ ٍ‬ ‫العوام‪ ،‬و ش‬ ‫علي بن أيب طال ٍ ‪ ،‬و ُّ‬
‫الايبيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـر بن َّ‬ ‫هللال هللا عليت و لم َّ‬
‫يش‪ ،‬فوجدوا الم يس ــتقيان جليش‬ ‫أهللا ــلابت إىل ماء بد ٍر يتس ــقَّطون لت األخبار عن جيش قر ٍ‬
‫اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬فأتوا هبما إىل ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقال يما «أخرباين عن جيش‬
‫يش» فقاح هم ‪ -‬وهللا! ‪ -‬وراء هذا الكثي الَّذأ تر ابلعدوة القص ـ ــو ‪ ،‬فقال يما «كم‬ ‫قر ٍ‬
‫القوم؟» قاح كثري‪ ،‬قال «ما عدَّهتم؟» قاح ح ن ْد ِرأ‪ ،‬قال َّ‬
‫الر ـ ـ ــول هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫يوم؟» قاح يوماً تســعاً‪ ،‬ويوماً ع ـراً‪ ،‬فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم‬ ‫«كم ينلرون كل ٍ‬
‫َّ‬
‫«القوم ما ب التِس ـ ـ ــعمئة واأللف» مثَّ قال يما «فمن فيهم من أشـ ـ ـ ـرا قريش؟» فذكرا عتبة‪،‬‬
‫خلف‪ ،‬يف آخرين من هللاـ ــناديد قريش‪ ،‬فأقبل ر ـ ــول هللا‬ ‫وشـ ــيبة اب ربيعة‪ ،‬وأاب جهل‪ ،‬وأميَّة بن ٍ‬
‫مكة قد ألقت إليكم أفالذ كبدها» [ابن هش ـ ــام‬ ‫هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم إىل أهللا ـ ـ ــلابت قائالً «هذه َّ‬
‫(‪])269/2‬‬

‫العدو‪ ،‬والوقو عل‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬حرهللات عل معرفة جيش ِ‬ ‫كان من هدأ الن ِ‬
‫هللاد عدوانت‪ ،‬فقد‬ ‫ألن ذلك يعينت عل ر م اخلطا احلربيَّة اَّنا بة ااهبتت‪ ،‬و ِ‬ ‫أهدافت‪ ،‬ومقاهللاده َّ‬
‫كانت أ ــاليبت يف ايوة بد ٍر يف ع اَّعلومات اترةً بنفســت‪ ،‬وأخر ب ريه‪ ،‬وكان هللاــل هللا عليت‬
‫و ـ ــلم يطبِق مبدأ الكتمان يف حروبت‪ ،‬فقد أرش ـ ــد القرآن الكر اَّس ـ ــلم إىل ألية هذا اَّبدأ‪.‬‬
‫ول شوإِ شىل أ ْوِس‬ ‫اخلشْو ِ أش شذاعواْ بِ ِت شولش ْو شرُّدوه إِ شىل َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫﴿وإِ شذا شجاءه ْم أ ْشمر ِم شن األ ْشم ِن أش ِو ْ‬ ‫قال تعاىل ش‬
‫ضـ ـ ـ ـل اَّللِ شعلشْيك ْم شوشر ْحشتت حشتَّـبشـ ْعتم ال َّ ـ ـ ـ ـْيطشا شن إِحَّ‬ ‫ين يش ْس ـ ـ ـتشنبِطونشت ِمْنـه ْم شولش ْوحش فش ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫األ ْشم ِر مْنـه ْم لش شعل شمت الذ ش‬
‫قشلِيالً﴾ [النساء‪.]83 :‬‬

‫عامةً‪ ،‬فعن كع بن مالك‬‫وقد حتلَّ ر ول هللال هللا عليت و لم بصفة الكتمان يف ايواتت َّ‬
‫ور ب ريها»‬
‫ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬قال «و يكن ر ـ ـ ــول هللا هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يريد ايوةً إح َّ‬
‫[البخاري (‪ ،])2947‬ويف ايوة بد ٍر ظهر هذا اخللق الكر يف ا ل‬
‫حمم ٍد وجي ــت‪ ،‬وعن قريش‬
‫‪ - 1‬ـؤالت هللاــل هللا عليت و ــلم ال َّ ـي الَّذأ لقيت يف بد ٍر عن َّ‬
‫‪649‬‬
‫وجي ها‪.‬‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف إجابتت عل ـ ـؤال ال َّ ـ ـي اَّن أنتما؟ بقولت‬
‫‪ - 2‬تورية َّ‬
‫الر ـ ـ ــول (ﷺ) كتما شن أخبار‬‫(ﷺ) «حنن من م ٍاء»‪ ،‬وهو جواب يقتضـ ـ ــيت اَّقام‪ ،‬فقد أراد بت َّ‬
‫يش‪.‬‬‫جيش اَّسلم عن قر ٍ‬
‫‪ - 3‬ويف انصـ ـرافت فور ا ــت وابت كتمان ‪ -‬أيضـ ـاً ‪ -‬وهو دليل عل ما يتمتَّع بت ر ــول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم من احلكمة’ فلو أنَّت أجاب هذا ال َّي مثَّ وقف عنده‪ ،‬لكان هذا بباً يف‬
‫طل ال َّي بيان اَّقصود من قولت (ﷺ) «من ٍ‬
‫ماء»(‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬أمره هللا ــل هللا عليت و ــلم بقطع األجراس من البل يوم بد ٍر‪ ،‬فعن عائ ــة ر ــي هللا‬
‫أن ر ول هللا هللال هللا عليت و لم أمر ابألجراس أن تقطع من أعناق البل يوم بد ٍر‪[ .‬أمحد‬ ‫عنها َّ‬
‫(‪ )150/6‬وابن حبان (‪ )4699‬و(‪ )4702‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪.])174/5‬‬

‫‪ - 5‬كتمانت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم خرب اجلهة الَّيت يقص ـ ـ ــدها عندما أراد اخلروً إىل بدر‪،‬‬
‫معنا» [مس ــلم‬ ‫حيث قال هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم) « َّ‬
‫إن لنا طشلبةً فمن كان ظش ْهره حا ـ ـراً فريك ْ‬
‫(‪.])1901‬‬

‫َّووأ «يف هذا ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتلباب التَّورية يف احلرب‪ ،‬وأحَّ يب المام جهة إ ارتت‪،‬‬
‫قال المام الن ُّ‬
‫العدو»(‪.)2‬‬
‫وإ ارة راَيه لئال ي يع ذلك فيلذرهم ُّ‬
‫َّبوأ مسـ ـ ـ ــتمرة منذ الف ة ال ِس ـ ـ ـ ـ ِريَّة واجلهريَّة َّ‬
‫مبكة‪ ،‬و‬ ‫أن ال َّ بية األمنيَّة يف اَّنهاً الن ِ‬
‫ونللم َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت‬ ‫تطورها‪ ،‬وخصوهللااً يف ايوات َّ‬ ‫الدولة‪ ،‬وأهللابلت تنمو مع ِ‬ ‫تنقطع مع بناء َّ‬
‫و لم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬مشورة احلُباب بن املُْن ِّذر يف بد ٍر‪:‬‬

‫يش‪ ،‬ـ ـ ــار مس ـ ـ ــرعاً ومعت‬ ‫ٍ‬


‫معلومات دقيقةًعن َّقوات قر ٍ‬ ‫بعد أن ع هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‬
‫أهللالابت إىل بد ٍر ليسبقوا اَّ رك إىل ماء بد ٍر‪ ،‬وليلولوا بينهم وب اح تيالء عليت‪ ،‬فنايل عند‬
‫ماء من مياه بد ٍر‪ ،‬وهنا قام احلشباب بن اَّ نذر‪ ،‬وقال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! أرأيت هذا اَّنايل‪،‬‬ ‫أدَّن ٍ‬

‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)110/4‬‬


‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)21/3‬‬


‫‪650‬‬
‫الرأأ‪ ،‬واحلرب واَّكيــدة؟ قــال‬ ‫ـأخر عنــت؟ أم هو َّ‬ ‫أمنايحً أنايلكــت هللا‪ ،‬ليس لنــا أن نتقـ َّـدمــت‪ ،‬وح نتـ َّ‬
‫فا‪،‬ض َي ر ـ ــول‬
‫ْ‬ ‫ـول هللا! فَن هذا ليس ٍ‬
‫مبنايل‪،‬‬ ‫الرأأ‪ ،‬واحلرب‪ ،‬واَّكيدة» قال َي ر ـ ـ ش‬ ‫«بل هو َّ‬
‫َنرب ‪-‬‬ ‫ماء من القوم ‪ -‬أأ جيش اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك ‪ -‬فننايلت‪ ،‬ون ِور ‪ِ -‬‬ ‫حض أتل أدَّن ٍ‬ ‫هللا ابلنَّاس ! َّ‬
‫ما وراءه من احابر‪ ،‬مثَّ نب عليت حو ـ ـ ـ ـاً فنملؤه ماءً‪ ،‬مثَّ نقاتل القوم‪ ،‬فن ـ ـ ـ ــرب‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ـربون‪.‬‬
‫ماء من ِ‬
‫العدو‪ ،‬فنايل عليت‪ ،‬مثَّ‬ ‫حض أقرب ٍ‬ ‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم برأيت‪ ،‬و‪،‬ض ابجليش َّ‬ ‫فأخذ الن ُّ‬
‫اض‪ ،‬و َّوروا ما عداها من احابر [ابن هشام (‪ ،)272/2‬والبيوقي يف دالئل النبوة (‪.])35/3‬‬ ‫ِ‬
‫هللانعوا احليش ش‬
‫أأ فرد‬ ‫وهذا يص ـ ِـور مثالً من حياة َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم مع أهللا ــلابت‪ ،‬حيث كان ُّ‬
‫حض يف أخطر القضــاَي‪ ،‬وح يكون يف شــعوره احتمال ض ـ‬ ‫من أفراد ذلك ااتمع ي ْدس برأيت‪َّ ،‬‬
‫القائد األعل هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬مثَّ حصـ ــول ما ي تَّ عل ذلك ال ض ـ ـ من ِ‬
‫تدين مسعة‬
‫وتضرره يف نفست أو مالت‪.‬‬
‫وأتخره يف الرتبة‪ُّ ،‬‬ ‫ذلك اَّ ري ال رأأ القائد‪ُّ ،‬‬
‫مكنت جمتمعهم‬‫رىب عليها ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم أهللا ــلابت‪َّ ،‬‬ ‫احلريَّة الَّيت َّ‬
‫إن هذه ِ‬ ‫َّ‬
‫الرشـ ــيد‪ ،‬فالقائد فيهم ين ُاحاً‬ ‫الرأأ ال َّس ـ ـديد‪ ،‬واَّنطق َّ‬ ‫من اح ـ ــتفادة من عقول يع أهل َّ‬
‫ٍ‬
‫مهيمنة عليت‪ ،‬قد‬ ‫اارد‪ ،‬أو اراء عص ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـبة‬ ‫يفكر برأيت َّ‬ ‫حديث ال ِسـ ـ ـ ـ ِن ألنَّت يكن ِ‬ ‫ش‬ ‫ابهراً‪ ،‬وإن كان‬
‫وإجا ِ‬
‫يفكر ابراء يع أفراد‬ ‫العامة َّ‬
‫َّ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـة‪ ،‬قبل أن تنظر َّص ـ ـ ــللة اَّس ـ ـ ــلم‬
‫تنظر َّص ـ ـ ــاحلها اخلا َّ‬
‫الرأأ ال َّس ـ ـديد من أقلِهم مسعةً‪ ،‬وأبعدهم منايلةً من ذلك القائد ألنَّت ليس‬ ‫جنده‪ ،‬وقد ص ــل لت َّ‬
‫[(‪.])816‬‬ ‫أأ ٍ‬
‫فرد منهم‪ ،‬والوهللاول برأيت إىل قائد جي ت‬ ‫هناك ما ول ب ِ‬
‫يتأدب أمام‬
‫ت يف شــهص احلبشاب بن اَّنذر‪ ،‬ف علتت َّ‬ ‫ونللم عظمة ال َّ بية النَّبويَّة الَّيت ـ شـر ْ‬
‫ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬فتقدَّم دون أن يطل رأيت ليعرض اخلطة الَّيت لديت لكن هذا‬
‫ـول هللا!‬ ‫ذَّ بعد ال ُّس ـ ـؤال العظيم‪ ،‬الَّذأ قدَّمت ب يدأ َّ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «َي ر ـ ـ ش‬
‫الرأأ‪ ،‬واحلرب‪،‬‬ ‫أرأيت هذا اَّنايل‪ ،‬أمنايحً أنايلكت هللا‪ ،‬ليس لنا أن نتقدَّمت‪ ،‬وح نتأخر عنت؟ أم هو َّ‬
‫واَّكيدة؟»‪.‬‬
‫الفذ الَّذأ يعر أين يتكلَّم‪ ،‬ومض‬
‫القيادأ َّ‬ ‫َّ‬ ‫إن هذا ال ُّسـ ـ ـ ـ ـ ـؤال يو ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عظمة هذا اجلوهر‬
‫َّ‬
‫يتكلَّم ب يـدأ قـائـده‪ ،‬فـَن كـان الوحي هو الَّـذأ اختـار هـذا اَّنايل‪ ،‬ف ن يقـدم‪ ،‬فتقطع عنقـت‬
‫بكلمة واحدةٍ‪ ،‬وإن كان الرأأ الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـرأ فلديت خ طَّة جديدة كاملة‬ ‫ٍ‬ ‫أح ُّ إليت من أن يلفم‬

‫‪651‬‬
‫اب اتي يَّ ٍة جديدةٍ‪.‬‬
‫السمع‬
‫الرأأ‪ ،‬وأدركت مفهوم َّ‬ ‫الرفيعة‪ ،‬عرفت أهللاول اَّ ورة‪ ،‬وأهللاول إبداء َّ‬ ‫َّ‬
‫إن هذه النَّفسيَّة َّ‬
‫الرأأ اَّعارض لرأأ ـ ـ ــيِد ولد آدم هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫والطَّاعة‪ ،‬ومفهوم اَّناق ـ ـ ــة‪ ،‬ومفهوم عرض َّ‬
‫و لم ‪.‬‬
‫وتبدو عظمة القيادة النَّبويَّة يف ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتماعها للهطَّة اجلديدة‪ ،‬وتب ِ اخلطَّة اجلديدة اَّطروحة‬
‫قوادها[(‪.])817‬‬ ‫جندأ من جنودها‪ ،‬أو ٍ‬
‫قائد من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫سادساً‪ :‬الوصف القرآيني خلروج املشركني‪:‬‬
‫ين شخشرجوا ِم ْن ِد شَي ِرِه ْم بشطشًرا شوِرشائءش الن ِ‬
‫َّاس شويشصـ ـ ـ ـدُّو شن شع ْن ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿وحش تشكونوا شكالذ ش‬
‫قال تعاىل ش‬
‫اَّللِ شو َّ‬
‫اَّلل ِمبشا يشـ ْع شملو شن ِحميا ﴾ [اآلنفال‪. ]47 :‬‬ ‫َّ‬
‫وجل ‪ -‬اَّؤمن عن الت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبُّت ابلكافرين الَّذين خرجوا من دَيرهم بطراً‪،‬‬
‫عاي َّ‬
‫ينه اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ورائء النَّاس‪ ،‬وتفسري ا ية الكرمية‬
‫وجل ‪ -‬وما‬
‫عاي َّ‬
‫القرطب «والبطر يف الل ة ‪ ،‬أأ التَّقوية بنعم هللا ‪َّ -‬‬
‫ُّ‬ ‫‪﴿ - 1‬بشطشًرا﴾ قال‬
‫ألبست من العافية عل اَّعاهللاي»(‪.)1‬‬
‫﴿وِرشائء﴾ ومعناه ‪ ،‬أو الفعل الَّذأ ح يقصد معت الخالص َّ‬
‫وإجا يقصد بت التَّظاهر‪،‬‬ ‫‪ -2‬ش ش‬
‫وح ُّ الثناء‪.‬‬
‫اَّللِ﴾ معطوفاً عل ﴿ بشطشًرا ﴾‪ ،‬وال َّس ـ ـبيل الطَّريق الَّذأ فيت‬‫‪ ﴿ - 3‬شويشص ـ ـدُّو شن شع ْن ش ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫الصال ‪.‬‬
‫هولة‪ ،‬واَّراد بسبيل هللا دينت ألنَّت يوهللال النَّاس إىل اخلري‪ ،‬و َّ‬
‫فقد وهللاف ‪ -‬بلانت ‪ -‬الكافرين يف هذه ا ية بثالثة أشياء‬
‫الص ُّد عن بيل هللا‪.‬‬ ‫األول البطر‪ ،‬والثَّاين ِ‬
‫الرَيء‪ ،‬والثالث َّ‬
‫عرب عن بطرهم‪ ،‬بص ـ ــي ة اح ـ ــم الد ِ‬
‫َّال عل التَّمك ‪ ،‬والثُّبوت‪ ،‬وعن‬ ‫ونللم َّ‬
‫أن هللا تعاىل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري القرطب (‪.)25/8‬‬


‫‪652‬‬
‫ِ‬
‫هللادهم بصي ة الفعل الدَّال عل الت دُّد واحلدوث(‪.)1‬‬
‫ـيعتت‪ ،‬كانوا جمبول عل البطر‪ ،‬واَّفاخرة‪،‬‬ ‫إن أاب ٍ‬
‫جهل شورْه طشت‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫الرازأ « َّ‬ ‫قال المام َّ‬
‫الايمان الَّذأ أكرم فيت الن َّ‬
‫َّب هللا ــل هللا‬ ‫فَجا حص ــل يف َّ‬ ‫والع ْ (‪ ،)2‬و َّأما هللا ــدُّهم عن ــبيل هللا‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ُّد عن ــبيل هللا‬ ‫ُّبوة‪ ،‬ويذا ال َّس ـب ذكِر البطر‪ ،‬والرائء بصــي ة اح ــم‪ ،‬وذكِر ال َّ‬ ‫عليت و ــلم ابلن َّ‬
‫بصي ة الفعل‪ ،‬وهللا أعلم»(‪.)3‬‬
‫أن اَّقصــود اب ية «يع أاب ٍ‬
‫جهل وأهللاــلابت‬ ‫القرطب َّ‬
‫ِ‬ ‫وقد جاء يف تفســري هذه ا ية عند‬
‫اخلارج يوم بد ٍر لنصرة العِري‪ ،‬خرجوا ِ‬
‫ابلقيشان‪ ،‬واَّ نِيات واَّعاز ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وردوا اجللفة‪ ،‬بعث‬
‫ـئت أمددتك‬ ‫جهل ‪ -‬هبداَي إليت مع اب ٍن لت‪ ،‬وقال إن شـ ش‬ ‫خفا الكناينُّ ‪ -‬وكان هللاــديقاً أليب ٍ‬
‫خف من قومي‪ ،‬فقال أبو جهل إن كنا نقاتل‬ ‫ـئت أمددتك بنفس ـ ــي مع شم ْن َّ‬ ‫ِ‬
‫ابلرجال‪ ،‬وإن ش ـ ـ ش‬
‫إن بنا عل النَّاس‬‫طاقة‪ ،‬وإن كنَّا نقاتل النَّاس فوهللا َّ‬ ‫حممد فوهللا ما لنا ابهلل من ٍ‬ ‫هللاش كما يايعم َّ‬
‫حض نرد بدراً‪ ،‬فن ـ ـ ـ ــرب فيها اخلمور‪ ،‬وتعاي علينا ِ‬
‫القيان‪،‬‬ ‫حممد َّ‬
‫لقوًة‪ ،‬وهللا! ح نرجع عن قتال َّ‬
‫ش‬
‫حض تس ــمع العرب مبهرجنا‪ ،‬فتهابنا‬ ‫فَن بدراً مو ــم من موا ــم العرب‪ ،‬و ـ ــوق من أ ـ ـواقهم‪َّ ،‬‬
‫اخر األبد‪ ،‬فوردوا بدراً‪ ،‬ولكن جر ما جر من هالكهم»(‪.)4‬‬
‫سابعاً‪ :‬موقف املشركني ل َّـما قدموا إىل بد ٍر‪:‬‬

‫بِ بلانت وتعاىل موقف اَّ رك ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدموا إىل بد ٍر‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ ْن تش ْستشـ ْفتِلوا فشـ شق ْد‬
‫ِ‬
‫ت‬‫شجاءشكم الْ شفْت شوإِ ْن تشـْنـتشـهوا فشـه شو شخ ْري لشك ْم شوإِ ْن تشـعودوا نشـع ْد شولش ْن تـ ْ ِ ش شعْنك ْم فئشـتك ْم ششـْيـئًا شولش ْو شكثـشر ْ‬
‫اَّلل مع الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [اآلنفال‪. ]19 :‬‬ ‫شوأ َّ‬
‫شن َّش ش ش‬
‫أن أاب جهــل قــال ح التق القوم ‪ -‬يف بــد ٍر ‪-‬‬
‫رو المــام أحــد عن عبــد هللا بن ثعلبــة َّ‬
‫للرحم‪ ،‬وااتان اَّا ح يعر ‪ ،‬فأ ِ‬
‫شحْنت ‪ -‬أأ أهلكت ‪ -‬ال دا شة‪.‬‬ ‫اللَّهم! أقطعنا َّ‬
‫[أمحد (‪ )431/5‬وابن هشام (‪ )280/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])74/3‬‬ ‫فكان اَّ ْستشـ ْفتِ ‪.‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)66 ، 65/1‬‬


‫حديث القران عن ايوات َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫الايْهو‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الك ْرب ‪ ،‬و َّ‬ ‫الع ْ‬
‫(‪)2‬‬

‫الرازأ (‪ )173/15‬بتصر يسري‪.‬‬ ‫تفسري َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬


‫تفسري القرطب (‪.)25/8‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪653‬‬
‫حممد‪ ،‬فقد جاءكم النَّصر‪ ،‬وقد كانوا عند خروجهم من‬ ‫ومعىن ا ية إن تستنصروا هللاش عل َّ‬
‫حل هبم من ايالك‬ ‫فتهكم هللا هبم‪ ،‬ومسَّ ما َّ‬ ‫أحق الطَّائفت ابلنَّصـ ــر‪َّ ،‬‬ ‫مكة ـ ــألوا هللا أن ينصـ ــر َّ‬ ‫َّ‬
‫عما كنتم عليت من الكفر‪ ،‬والعداوة‬ ‫﴿وإِ ْن تشـْنـتشـهوا﴾ َّ‬‫بقية ا ية عل هذا القول ش‬ ‫نص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراً‪ ،‬ومعىن َّ‬
‫لر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬أأ ا نتهاء إىل ﴿فشـه شو شخ ْري لشك ْم شوإِ ْن تشـعودوا﴾ كنتم عليت من‬
‫الكفر والعداوة بتس ــليا اَّؤمن ﴿نـشع ْد﴾‪ ،‬ونص ــرهم كما ـلَّطناهم‪ ،‬ونص ــرانهم يف يوم بد ٍر أأ‬
‫ت﴾ ت عنكم يف ٍ‬ ‫ِ‬
‫حال من األحوال‪ ،‬ولو يف‬ ‫﴿ولش ْن تـ ْ ِ ش شعْنك ْم فئشـتك ْم ششْيـئًا﴾‪ ،‬أأ ش‬
‫﴿ولش ْو شكثـشر ْ‬ ‫ش‬
‫اَّللش شم شع الْم ْؤِمنِ ش ﴾‪ ،‬ومن كــان هللا عليــت فهو‬
‫شن َّ‬‫﴿وأ َّ‬
‫حــال كثرهتــا‪ ،‬مثَّ قــال ومن كــان معــت فهو ش‬
‫اَّهذول(‪.)1‬‬
‫مكة إىل بد ٍر‪َّ ،‬‬
‫دب فيهم اخلال ‪ ،‬وتايعايعت هللاــفوفهم الدَّاخلية‪ ،‬فعن ابن‬ ‫وَّا وهللاــل جيش َّ‬
‫عباس ر ي هللا عنهما قال ل ـ ـ ـ َّـما نايل اَّسلمون‪ ،‬وأقبل اَّ ركون نظر ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫أحد من القوم خري‪ ،‬فهو‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ــلم إىل عْتـبةش ب ِن ربيعةش وهو عل ٍل أحر‪ ،‬فقال «إن يكن عند ٍ‬
‫ش‬
‫عند هللااح اجلمل األحر‪ ،‬إن يطيعوه يشـ ْرشدوا»‪ ،‬وهو يقول َي قوم! أطيعوين يف هؤحء القوم‪،‬‬
‫رجل إىل قاتل أخيت‪ ،‬وقاتل أبيت‪ ،‬فاجعلوا‬ ‫كل ٍ‬
‫فَنَّكم إن فعلتم لن يايال ذلك يف قلوبكم‪ ،‬ينظر ُّ‬
‫حممداً وأهللا ــلابت‪َّ ،‬إجا‬ ‫(‪)2‬‬
‫حقَّها برأ ــي‪ ،‬وارجعوا‪ ،‬فقال أبو جهل انتف وهللا! ش ـ ـ ْلره ح رأ َّ‬
‫حممد وأهللالابت أكلة جايوٍر لو قد التقينا‪.‬‬
‫فقال عتبة ــتعلم من اجلبان اَّفســد لقومت‪ ،‬أما وهللا! ِإين ألر قوماً يضـربونكم ـرابً‪ ،‬أما‬
‫السيو ‪[ .‬البزار (‪ )1762‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪. ])76/6‬‬
‫ترون كأن ريو هم األفاعي‪ ،‬وكأن وجههم ُّ‬
‫وهذا حكيم بن حايام‪ِ ،‬دثنا عن يوم بد ٍر ‪ -‬وكان يف هللا ـ ـ ــفو اَّ ـ ـ ــرك قبل إ ـ ـ ــالمت ‪-‬‬
‫وجل ‪ -‬ف ئت عتبةش بن ربيعة‪ ،‬فقلت َي‬ ‫حض نايلنا الع ْدوة الَّيت ذكرها هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬ ‫قال خرجنا َّ‬
‫أاب الوليد! هل لك أن تذه ب ـ ـ ـ ـ ـ ــر هذا اليوم ما بقيت؟ قال أفعل ماذا؟ قلت إنَّكم ح‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرِمي(‪ )3‬وهو حليفك‪ ،‬فتلمل ديتت‪ ،‬وترجع ابلنَّاس‪ ،‬فقال‬‫حممد إح دم ابن احلش ْ‬ ‫تطلبون من َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)68/1‬‬‫انظر حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الس ْلر كناية عن اجلب‪.‬‬


‫الرئة ‪ ،‬وانتفا َّ‬‫الس ْلر ِ‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ضرمي الَّذأ قتلت وافد بن عبد هللا يف ريَّة عبد هللا بن جلش يف ال َّهر احلرام‪.‬‬
‫هو عمرو بن احلش ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪654‬‬
‫أحتمل ديتت‪ ،‬وا ْذه ْ إىل ابن احلشْنظشليَّـة(‪ - )1‬يع أاب جهل ‪ -‬فقل لـت هل لـك‬ ‫أنت وذاك‪ ،‬وأان َّ‬
‫اعة من ب يديت‪ ،‬ومن ورائت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عمك؟ ف ئتت‪ ،‬فَذا هو يف‬ ‫أن ترجع اليوم مبن معك عن ابن ِ‬
‫مي(‪ )2‬واقف عل رأ ــت وهو يقول قد فســهت عقدأ من عبد طس‪ ،‬وعقدأ‬ ‫ض ـشر ِ‬
‫وإذا ابن احلش ْ‬
‫عمك مبن‬ ‫ملايوم‪ ،‬فقلت لت يقول لك عْت بة بن ربيعة هل لك أن ترجع اليوم عن ابن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل ب‬
‫معك؟ قال أما وجد ر ـ ـ ـ ـ ـ ــوحً ش ْ شريك؟ قلت ح‪ ،‬و أكن ألكون ر ـ ـ ـ ـ ـ ــوحً ل ريه! قال حكيم‬
‫فهرجت مبادراً إىل عتبة لئال يفوت من اخلرب ش ـ ـ ـ ـ ــيء‪[ .‬ابن هشـ ـ ـ ــام (‪ )275 - 274/2‬والبيوقي يف الدالئل‬
‫(‪. ])66 - 65/3‬‬

‫فهـذا عتبـة بن ربيعـة وهو يف القيـادة من قر ٍ‬


‫يش ح ير داعيـاً لقتـال حم َّمـد هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليـت‬
‫حمم ٍد فَن كان هللا ــادقاً فيما يدعو إليت فعُِّايه ِعُّاي قريش‪ ،‬وم ْلكت‬
‫و ــلم ‪ ،‬وقد دعا قري ـ ـاً إىل ترك َّ‬
‫م ْلك شها‪ ،‬و تكون أ عد النَّاس بت‪ ،‬وإن كان كاذابً فسيذوب يف العرب‪ ،‬وينتهي‪.‬‬
‫يتلرك َّ‬
‫أل‪،‬ا تعلم‬ ‫احلق َّ‬ ‫ٍ‬
‫ومكان ح ميكن أن ي ك َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫زمان‪،‬‬ ‫لكن كربَيء اجلاهليَّة دائماً يف ِ‬
‫و َّ‬
‫انتصاره معناه زوايا من الوجود‪ ،‬وبقايه مكا‪،‬ا(‪.)3‬‬
‫ش‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫وهذا ع شم ْري بن شوْه اجل شم ِلي‪ ،‬تر ـ ـ ــلت قريش‪ ،‬ليلاير يم أهللا ـ ـ ــلاب َّ‬
‫حممد هللا ـ ـ ــل هللا عليت‬
‫رجل ‪ ،‬ياييدون قليالً ‪ ،‬أو‬ ‫و ـ ــلم ‪ ،‬فشا ْ ـ ـتش ش ال حول العسـ ــكر ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـم رجع إليهم ‪ ،‬فقال ثالشئة ٍ‬
‫حض أشبْعد‪ ،‬فلم شير‬ ‫ينقص ــون‪ ،‬ولكن أمهلوين أنظ ـ ْـر أشلِْل شق ْوِم كم ‪ ،‬أو مدد؟ قال فضرب يف الوادأ َّ‬
‫ش ـ ـ ــيئاً‪ ،‬فرجع إليهم‪ ،‬فقال ما وجدت ش ـ ـ ــيئاً‪ ،‬ولك ِ قد رأيت َي مع ـ ـ ـ شـر قريش‪ ،‬البالَي(‪)4‬حتمل‬
‫اَّناَي(‪ ،)5‬نوا ـ ـ ـ (‪ )6‬يثرب حتمل اَّوت النَّاقع(‪ ،)7‬قوم ليس معهم منعة‪ ،‬وح مل أ إح ـ ـ ــيوفهم‪،‬‬
‫حض يشقتل رجالً منكم‪ ،‬فَذا أهللاـ ـ ـ ـ ــابوا منكم أعدادهم فما خري‬ ‫وهللا! ما أر أن يقتل رجل منهم َّ‬
‫العيش بعد ذلك؟ فشـشرْوا رأيشكم!(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬ابن احلشْنظشلِيَّة هو أبو جهل ‪ ،‬وهي أمساء بنت ملَّربة من ب َتيم‪.‬‬
‫(‪ )2‬اَّقصود هنا عامر أخو عمرو ِ‬
‫اَّتقدم‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر مروَيت ايوة بدر ‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫حض َتوت‪.‬‬
‫(‪ )4‬البالَي ع بلية ‪ ،‬وهي النَّاقة أو الدَّابة تربا عل قرب اَّيت فال تعلف ‪ ،‬وح تسق َّ‬
‫(‪ )5‬شمنش شاَي ع شمنِيَّة ‪ ،‬وهي اَّوت‪.‬‬
‫البل الَّيت يستق عليها اَّاء‪.‬‬ ‫(‪ )6‬نوا‬
‫(‪ )7‬النَّاقع الثَّابت البال يف الفناء ‪ ،‬يقال موت انقع ‪ ،‬أأ دائم‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر البداية والنِهاية (‪.)269/3‬‬
‫‪655‬‬
‫مكة ابتداءً خوفاً من اَّوت‪« ،‬فأاته أبو ج ٍ‬
‫هل‪،‬‬ ‫وهذا أميَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة بن خلف‪ ،‬رفض اخلروً من َّ‬
‫فت وأنت ـ ـ ــيد أهل الوادأ هلفوا معك‪،‬‬ ‫فقال َي أاب هللاـ ـ ــفوان! إنَّك مض يراك النَّاس قد هلَّ ش‬
‫ين أجود بع ٍري َّ‬
‫مبكة‪ ،‬مثَّ قال أميَّة َي‬ ‫حض قال أما إ ْذ لبت ‪ ،‬فوهللا! ألش ـ ـ َّ‬ ‫فلم يايل بت أبو جهل َّ‬
‫اليثريب؟ تقصـ ــد‬
‫ـيت ما قال لك أخوك ُّ‬ ‫َّأم هللاـ ــفوان! شج ِهايي ‪ .‬فقالت لت َي أاب هللاـ ــفوان! وقد نسـ ـ ش‬
‫ــعد بن معاذ عندما قال لت مسعت ر ـ ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم يقول « َّإ‪،‬م قاتلوك» ؟‬
‫بعريه‪،‬‬
‫أجوز معهم إح قريباً‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما خرً أميَّ ـ ـ ـ ــة أخذ ح ي ك منايحً إح شع شق شل ش‬
‫قال ح‪ ،‬ما أريد أن ش‬
‫وجل ‪ -‬ببد ٍر» [البخاري (‪ )3950‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])27- 25/3‬‬ ‫عاي َّ‬‫حض قتلت هللا ‪َّ -‬‬
‫فلم يايل بذلك َّ‬
‫ومن دهاء أيب جهل ‪ -‬لعنت هللا ‪ -‬أن لَّا عقبةش بن أيب م شعْيا‪ ،‬عل أميَّةش بن خلف‪ ،‬فأاته‬
‫حض و ـ ـ ـ ـ ـ ــعهــا ب يــديــت‪ ،‬مثَّ قــال‬
‫يتبهر بــت)‪َّ ،‬‬ ‫عقبــة مبش ْ شمرةٍ ملهــا‪ ،‬فيهــا انر شْ‬
‫وجم شمر (العود َّ‬
‫دهاي‪ ،‬وخرً من‬ ‫فَجا أنت من النِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬قال قبَّلك هللا‪ ،‬وقبَّ ما جئت بت! مثَّ َّ‬
‫مر َّ‬‫ا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ْ‬
‫النَّاس(‪.)1‬‬
‫القوة اَّعنويـَّة جليش م َّكـة‪ ،‬متايعايعـةً يف النُّفوس‪ ،‬وإن كــان مظهره َّ‬
‫القوة‪ ،‬والعايم‪،‬‬ ‫لقــد كــانــت َّ‬
‫أن يف ملربه اخلو ‪ ،‬واجلب‪ ،‬وال ُّدد(‪.)2‬‬ ‫والثبات‪ ،‬إح َّ‬
‫مكة فقد رأت يف اَّنام َّ‬
‫أن‬ ‫وكان لريَي عاتكة بنت عبد اَّطل أثر عل معنوَيت أهل َّ‬
‫مبكة‪ ،‬فتفتَّتت‪ ،‬ودخلت ائر دوِر‬ ‫رجالً ا تنفر قري اً‪ ،‬وألق بصهرةٍ من رأس جبل أيب قـبشـْيس َّ‬
‫ض ـ ـ ـم‪ ،‬وأعلمهم رب‬ ‫حض قدم ش ـ ـ ـ ْم ش‬‫جهل‪َّ ،‬‬‫الريَي خصـ ـ ــومةً ب العبَّاس‪ ،‬وأيب ٍ‬
‫قريش‪ ،‬وقد آاثرت ُّ‬
‫ص ـ ْلت بن اَّطل بن عبد منا‬ ‫الريَي(‪ ،)3‬كما أن ج شهيم بن ال َّ‬ ‫وأتولت ُّ‬ ‫القافلة‪ ،‬فســكنت َّ‬
‫مكة‪َّ ،‬‬
‫حض وقف‪ ،‬ومعت بعري لت‪،‬‬ ‫رأ ريَي عندما نايلت قريش اجل ْلفة‪ ،‬فقد رأ رجالً أقبل عل ٍ‬
‫فرس َّ‬
‫مثَّ قال قتل عتبة بن ربيعة‪ ،‬وش ـ ـ ــيبة بن ربيعة‪ ،‬وأبو احلكم بن ه ـ ـ ــام‪ ،‬وأميَّة بن خلف‪ ،‬وفالن‪،‬‬
‫وفالن‪ ،‬فعدَّد رجاحً اَّن قتِ شل يوم بدر من أش ـ ـرا قريش‪ ،‬مثَّ رأيتت ــرب يف لشبَّة بعريه‪ ،‬مثَّ أر ــلت‬
‫ض ـ (‪ )4‬من دمت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل ت أشاب‬ ‫يف العســكر‪ ،‬فما بقي خباء من أخبية العســكر إح أهللاــابت نش ْ‬

‫(‪ )1‬رية ابن ه ام (عقبة يتهكم أبمية لقعوده فيهرً)‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر مروَيت ايوة بدر ‪( ،‬ص ‪.)138‬‬
‫(‪ )3‬انظر ااتمع اَّدين يف عصر النبوة ‪ ،‬للعمرأ ‪( ،‬ص ‪ )138‬وهذه القصة مروية يف رية ابن ه ام يف ابب (ذكر ريَي عاتكة بنت عبد اَّطل )‪.‬‬
‫ض أهللاابت رشاش من دمت‪.‬‬ ‫نش ْ‬
‫(‪)4‬‬

‫‪656‬‬
‫الريَي‪ ،‬قال وهذا أيض ـ ـ ـ ـ ـاً نب اخر من ب اَّطل ‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ــيعلم داً من اَّقتول إن حنن‬
‫جهل هذه ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الرشي قد الت بتوفيق هللا تعاىل‪ ،‬يف إ عا النَّفسيَّة القرشيَّة اَّ ركة‪.‬‬ ‫التقينا ‪ .‬كانت تلك ُّ‬
‫اثمناً‪ :‬الوصف القرآيني ملواقع املسلمني واملشركني يف أرض املعركة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْذ أشنْـت ْم ِابلْع ْد شوةِ ُّ‬
‫اع ْد ُّْذ‬
‫الرْك أش ْ ـ شف شل مْنك ْم شولش ْو تشـ شو ش‬ ‫الدنْـيشا شوه ْم ِابلْع ْد شوة الْق ْ‬
‫صـ شو شو َّ‬
‫ك شع ْن بشـيِنش ٍة شوشْيشا شم ْن شح َّي‬ ‫ِ ِ‬ ‫حشختشـلش ْفتم ِيف الْ ِميع ِاد ولش ِكن لِيـ ْق ِ‬
‫ك شم ْن شهلش ش‬
‫اَّلل أ ْشمًرا شكا شن شم ْفعوحً ليشـ ْهل ش‬
‫ض شي َّ‬ ‫ش ش ْ ش‬ ‫ْ ْ‬
‫علِيم ﴾ [اآلنفال‪. ]42 :‬‬ ‫عن بـيِنش ٍة وإِ َّن َّ ِ‬
‫اَّللش لش شسميع ش‬ ‫شْ ش ش‬
‫هذه ا ية الكرمية تو ِ ـ األماكن يف ايوة بد ٍر‪ ،‬وهللاـ َّـور لنا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬احلالة اليت‬
‫كان عليها اجلي ـ ـ ــان يوم اللقاء‪ ،‬فقد كان اَّس ـ ـ ــلمون قان الوادأ وحافتت األقرب إىل اَّدينة‪،‬‬
‫وكانت أر ـ ـ ـ ــت رخوًة‪ ،‬ت وص فيها األقدام‪ ،‬و يكن هناك ماء‪ ،‬وكان الكفَّار ابجلان ا خر من‬
‫الوادأ ‪ -‬األبعد من اَّدينة ‪ -‬وكانت أر ــت اثبتةً‪ ،‬وكان فيها ماء‪ ،‬وكان رك العري الَّذأ يقوده‬
‫أبو فيان ابلقرب من احل البلر‬
‫الدنْـيشا﴾ أأ‬ ‫وجل ‪ -‬اَّؤمن بنعمتت عليهم‪ ،‬قال ﴿إِ ْذ أشنْـت ْم ِابلْع ْد شوةِ ُّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫ذكر اَّوىل ‪َّ -‬‬ ‫فقد َّ‬
‫حض كنتم أأ قــان ـ ﴿ ِابلْع ـ ْدوةِ‬ ‫اذكروا أيهــا اَّؤمنون وقــت أن خرجتم من اَّــدينــة‪ ،‬فس ـ ـ ـ ـ ـ ــرذ َّ‬
‫ش‬
‫اَّنورة أأ والكفار ابجلان األبعد األقص ـ ـ ﴿وهم ِابلْع ْدوةِ‬ ‫الدنْـيشا﴾‪ ،‬وحافَّتت األقرب إىل اَّدينة َّ‬
‫ُّ‬
‫ش‬ ‫ش ْ‬
‫الرْك أش ْ ـ شف شل ِمْنك ْم﴾ ــفيان ومن‬ ‫﴿و َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ شو ﴾ الذأ هو بعيد ابلنس ــبة للمدينة ‪ -‬أأ وعري ش‬
‫َّ‬ ‫الْق ْ‬
‫ميال منكم‪.‬‬ ‫فيها كانت أ فل منكم من انحية احل البلر األحر عل بـ ْع ِد ثالثة أ ٍ‬

‫ويف ا ية تص ـ ـ ــوير ما دبَّر ‪ -‬ـ ـ ــبلانت ‪ -‬من أمر ايوة بد ٍر ليقض ـ ـ ــي أمراً كان مفعوحً من‬
‫إعاياز دينــت‪ ،‬وإعالء كلمتــت‪ ،‬ح وعــد اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم إحــد الطَّـائفت مبهم ـةً ري مبينـ ٍـة‪َّ ،‬‬
‫حض‬
‫تعرض اَّس ـ ـ ــلم ألموايم‪،‬‬ ‫خرجوا ليأخذوا العري را ب يف اخلروً‪ ،‬وأقلق قري ـ ـ ـ ـاً ما بل هم من ُّ‬
‫حض أان هؤحء ابلعــدوة الــدُّنيــا‪ ،‬وهؤحء ابلعــدوة‬ ‫فنفروا ليمنعوا ِع شريهم‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبَّـ األ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــاب َّ‬
‫اق‪ ،‬وكان ما كان(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫القصو ‪ ،‬وراءهم العري امون عليها‪ ،‬حض قامت احلرب عل‬
‫اَّلل أ ْشمًرا شكا شن‬ ‫وقولت تعاىل بيان لتدبري هللا ﴿ولشو تشـواع ْد ُّْذ حشختشـلش ْفتم ِيف الْ ِميع ِاد ولش ِكن لِيـ ْق ِ‬
‫ضـ شي َّ‬ ‫ش ش ْ ش‬ ‫ْ ْ‬ ‫شْ شش‬

‫الصلْت يف مصاري قريش)‪.‬‬


‫(‪ )1‬رية ابن ه ام (ريَي ج شهْيم بن َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪.‬‬
‫حديث القران عن ايوات َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪657‬‬
‫شم ْفعوحً﴾‪ ،‬وإرادتــت النــافــذة أأ ولو تواعــدذ أنتم وهم عل التالقي للقتــال هنــاك حختلفتم يف‬
‫اَّيعاد لكرآه تكم لللرب عل قلَّتكم‪ ،‬وعدم إعدادكم ش ـ ــيئاً من العدَّة يا‪ ،‬واحنص ـ ــار ِلكم يف‬
‫أل‪،‬م كانوا يهابون‬ ‫وألن رض األكثرين منهم كان إنقاذ العري دون القتال أيض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً َّ‬ ‫أخذ العري‪َّ ،‬‬
‫ألن كفر أكثرهم بت كان عناداً‪،‬‬ ‫قتال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وح رمنون نصــر هللا لت َّ‬
‫اَّلل أ ْشمًرا شكا شن‬ ‫أو ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتكباراً‪ ،‬ح اعتقاداً أأ ولكن تالقيتم هنالك عل ري ﴿ولش ِكن لِيـ ْق ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شي َّ‬ ‫ش ْ ش‬
‫حبد منت‪،‬‬ ‫شم ْفعوحً﴾‪ ،‬وح ر بة يف القتال ليقض ــي هللا أمراً كان اثبتاً يف علمت‪ ،‬وحكمتت أنَّت واقع َّ‬
‫وهو القتال اَّفضــي إىل خاييهم‪ ،‬ونصــركم عليهم‪ ،‬وإظهار دينت‪ ،‬وهللاــدق وعده لر ـولت هللاــل هللا‬
‫عليت و لم كما تقدَّم(‪.)1‬‬
‫اَّللش لش شس ِميع شعلِيم ﴾‬
‫ك شع ْن بشـيِنش ٍة شوشْيشا شم ْن شح َّي شع ْن بشـيِنش ٍة شوإِ َّن َّ‬
‫ك شم ْن شهلش ش‬
‫ِ ِ‬
‫وقولت تعاىل ﴿ليشـ ْهل ش‬
‫قــال احلو ـ ـ ـ ـ ـ ــي أأ ليموت من ميوت عن ح َّ ـ ٍة عــاينهــا‪ ،‬ويعيش من يعيش عن ح َّ ـ ٍة‬
‫فَن وقعة بد ٍر من ا َيت الوا ـ ـ ـ ـ ــلة‪ ،‬واحل ت ال ِر‬ ‫ش ـ ـ ـ ــاهدها‪ ،‬فال يبق حمل ٍ‬
‫لتعليل ابألعداد َّ‬
‫اَّ َّ لة(‪.)2‬‬
‫اَّللش لش شس ِميع شعلِيم ﴾‪ ،‬وال َّ هي من الكفر‪ ،‬أأ ح‬
‫﴿وإِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫وقولت تذييل قص شد بت ال َّ ي يف ش‬
‫خيف عليت ش ــيء من أقوال أهل الميان‪ ،‬عليم مبا تنطوأ عليت قلوهبم‪ ،‬و ــمائرهم ‪ -‬و ــي ازأ‬
‫اب‪ ،‬أو ٍ‬
‫عقاب عل حس ـ ـ ما يعلم‪ ،‬وما يس ــمع‬ ‫ـان مبا يس ــتلقُّت ِمن ثو ٍ‬
‫كل إنس ـ ٍ‬
‫‪ -‬ــبلانت ‪َّ -‬‬
‫ْ‬
‫عنت(‪.)3‬‬

‫***‬

‫للايمل ِ‬
‫رأ (‪.)160/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر تفسري الك َّا َّ‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري الطَّربأ (‪.)11/10‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري احلو ي (‪ )7/10‬بتصر ‪.‬‬
‫‪658‬‬
‫املبحث الثَّاين‬

‫َّب صلى هللا عليه وسلم واملسلمون يف ساحة املعركة‬


‫الن ي‬
‫أوالً‪ :‬بناء عريش القيادة‪:‬‬

‫َّب هللال هللا عليت و لم واَّسلم معت‪ ،‬عل أدَّن ماء بد ٍر من اَّ رك اق‬ ‫بعد نايول الن ِ‬
‫يش لت يكون مقراً لقيادتت‪ ،‬ورمن‬ ‫ــعد بن معاذ عل ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم بناء عر ٍ‬
‫نب هللا! أح نب لك عري ـاً تكون فيت‪ ،‬ونعِ ُّد‬ ‫العدو‪ ،‬وكان اَّا قالت ــعد يف اق احت «َي َّ‬ ‫فيت من ِ‬
‫عدوان كان ذلك ما أحببنا‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫أعايان هللا‪ ،‬وأظهران عل‬
‫عدوان‪ ،‬فَن َّ‬
‫َّ‬ ‫عندك ركائبك‪ ،‬مث نشـ ْل شق‬
‫ِ‬
‫نب هللا!‬ ‫ت مبن وراءان‪ ،‬فقد هلَّف عنك أقوام‪َ ،‬ي َّ‬ ‫ـت عل ركائبك‪ ،‬فلل ْق ش‬ ‫كانت األخر جلس ـ ـ ش‬
‫مــا حنن أبش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد لــك حب ـاً منهم‪ ،‬ولو ظنُّوا أنـَّك تلق حرابً‪ ،‬مــا هلَّفوا عنــك‪ ،‬مينعــك هللا هبم‪،‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم خرياً‪ ،‬ودعا لت ٍري‪ ،‬مثَّ بىن‬ ‫يناهللالونك‪ ،‬وجياهدون معك» فأثىن عليت الن ُّ‬
‫اَّســلمون العريش لر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬عل ٍتل م ــر ٍ عل ــاحة القتال‪ ،‬وكان‬
‫معاذ‪ ،‬ر ون‬ ‫معت فيت أبو بكر ر ي هللا عنت‪ ،‬وكانت ثـلَّة من شباب األنصار‪ ،‬بقيادة عد بن ٍ‬
‫عريش ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ‪[ .‬ابن هشام (‪ )273 - 272/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])44/3‬‬

‫ويستفاد من بناء العريش أمور منها‬


‫حبد أن يكون مكان القادة م ـ ـ ـ ـ ـ ــرفاً عل أرض اَّعركة‪َّ ،‬‬
‫يتمكن القائد فيت من متابعة‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫اَّعركة‪ ،‬وإدارهتا‪.‬‬
‫مقر القيادة آمناً بتوافر احلرا ة الكافية لت‪.‬‬
‫‪ - 2‬ينب ي أن يكون ُّ‬
‫ألأ خط ٍر‪.‬‬
‫التعرض ِ‬
‫‪ - 3‬ينب ي احهتمام حبياة القائد‪ ،‬وهللاو‪،‬ا من ُّ‬
‫تعوض اخلس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائر الَّيت قــد حتــدث يف‬
‫‪ - 4‬ينب ي أن يكون للقــائــد َّقوة احتيــاطيَّـة أخر ‪ِ ،‬‬
‫اَّعركة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري احلو ي (‪ )7/10‬بتصر ‪.‬‬


‫‪659‬‬
‫اثنياً‪ :‬من نعم هللا على املسلمني قبل القتال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫من اَِّنش ِن الَّيت َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اس‪ ،‬واَّطر‪،‬‬ ‫من هللا هبــا عل عبــاده اَّؤمن يوم بــدر أنـَّت أنايل عليهم النُّـ شعـ ش‬
‫اس أ ششمنشةً ِمْنت شويـنشـ ِايل شعلشْيك ْم‬ ‫ِ‬
‫وذلك قبل أن يلتلموا مع أعدائهم‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ ْذ يـ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيكم النـ ش‬
‫ُّع ش‬
‫ت بِ ِت‬
‫ا شعلش قـلوبِك ْم شويـثشـِب ش‬ ‫ان شولِشْريبِ ش‬
‫ِمن ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ م ِاء ماء لِيطش ِهركم بِ ِت وي ْذ ِه عْنكم ِرجاي ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي طش ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ش ً ش ْ ش ش ش ْ ْش‬ ‫ش‬
‫دام﴾ [اآلنفال‪. ]11 :‬‬
‫األشقْ ش ش‬
‫القرطب «وكـان هـذا النُّعـاس يف الليلـة الَّيت كـان القتـال من ـدهـا‪ ،‬فكـان النَّوم ع يبـاً‬
‫ُّ‬ ‫قـال‬
‫لكن هللا ربا جأشهم‪.‬‬ ‫مع ما كان ب أيديهم من األمر ِ‬
‫اَّهم‪ ،‬و َّ‬
‫علي ر ي هللا عنت قال ما كان فينا فارس يوم بد ٍر ري اَِّْق شداد عل فر ٍس أشبْـلش شق‪ ،‬ولقد‬ ‫وعن ٍ‬
‫رأيتنا وما فينا إح انئم‪ ،‬إح ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم حتت ش ـ ـ رةٍ يص ـ ــلِي‪ ،‬ويبكي َّ‬
‫حض‬
‫ِ‬
‫وجهان‬ ‫أهللاب ‪ .‬ويف امتنان هللا عليهم ابلنَّوم يف هذه الليلة‬
‫أحدلا أ ْن َّقواهم ابح احة عل القتال من ال د‪.‬‬
‫الرع من قلوهبم‪ ،‬كما يقال األمن منِيم‪ ،‬واخلو م ْس ِهر»(‪.)2‬‬ ‫الثَّاين أ ْن َّأمنهم بايوال ُّ‬
‫وقت يكن اَّعتاد‬ ‫وب َّ ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬أنَّت أكرم اَّؤمن ننايال اَّطر عليهم‪ ،‬يف ٍ‬
‫فيت نايول األمطار‪ ،‬وذلك فض ـالً منت‪ ،‬وكرماً‪ ،‬وإ ــناد هذا ا نايال إىل هللا للتَّنبيت عل أنَّت أكرمهم‬
‫بت‪.‬‬
‫الرازأ «وقد علِم ابلعادة َّ‬
‫أن اَّؤمن يكاد يس ــتقذر نفس ــت إذا كان جنباً‪ ،‬وي ُّتم‬ ‫قال المام َّ‬
‫عد ‪ -‬تعاىل وتقدَّس‬ ‫َّ‬
‫يتمكن من اح تس ــال‪ ،‬ويض ــطرب قلبت ألجل هذا ال َّسـ ـب ‪ ،‬فال شجشرشم َّ‬ ‫إذا‬
‫‪َ -‬تكينهم من الطَّهارة من لة نعمت»(‪.)3‬‬
‫ان﴾ جري ٍر عن ابن عباس قال «نايل‬ ‫وقولت تعاىل فقد رو ﴿وي ْذ ِه عْنكم ِرجاي ال َّ ـ ـ ـ ـ ـيطش ِ‬
‫ْ‬ ‫ش ش ش ْ ْش‬
‫ِ‬
‫النَّب هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ -‬يع ح ــار إىل بد ٍر ‪ -‬واَّســلمون بينهم وب اَّاء رملة د ْع ش‬
‫ص ـة‬
‫‪ -‬أأ كثرية جمتمعة ‪ -‬فأهللاـ ـ ــاب اَّسـ ـ ــلم ـ ـ ــعف شـ ـ ــديد‪ ،‬وألق ال َّ ـ ـ ـيطان يف قلوهبم ال يم‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة بد ٍر الكرب ‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫(‪] )2‬الْمنَّة الحسان والنعام ‪ ،‬واجلمع ِمنشن‪.‬‬
‫القرطب (‪.)327/7‬‬
‫ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر تفسري‬
‫‪660‬‬
‫فو وس بينهم (تايعمون أنَّكم أولياء هللا‪ ،‬وفيكم ر ولت‪ ،‬وقد لبكم اَّ ركون عل اَّاء‪ ،‬وأنتم‬
‫وتطهروا‪ ،‬وأذه هللا عنهم‬ ‫تصــلون ْجمنِب ش )‪ ،‬فأمطر هللا عليهم مطراً شــديداً‪ ،‬ف ــرب اَّســلمون‪َّ ،‬‬
‫الرمل ح أهللا ـ ـ ـ ــابت اَّطر‪ ،‬وم ـ ـ ـ ـ ـ النَّاس عليت‪ ،‬و َّ‬
‫الدواب‪ ،‬فس ـ ـ ـ ــاروا إىل‬ ‫رجاي ال َّ ـ ـ ـ ـ ـيطان‪ ،‬وثبت َّ‬
‫القوم»(‪.)1‬‬
‫فتطهروا بت ح ِسـ ـ ـياً‪،‬‬
‫فقد ب َّ ‪ -‬ـ ــبلانت ‪ -‬أنَّت أنايل عل عباده اَّؤمن اَّطر قبل اَّعركة‪َّ ،‬‬
‫أن النَّاظر يف منطقة بدر جيد يف‬ ‫ومعنوَيً إذ ربا هللا بت عل قلوهبم‪ ،‬وثبَّت بت أقدامهم وذلك َّ‬
‫حض اليوم‪ ،‬ومن العسري اَّ ي عليها‪ ،‬ويا بار كبري‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما نايلت‬ ‫اَّنطقة رماحً ِ‬
‫متلركةً ح زالت َّ‬
‫كل ذلك كان نعمةً من‬ ‫األمطار َتا ـ ــكت تلك ِ‬
‫الرمال‪ ،‬و ش ـ ـ ـهل ال َّسـ ـ ـري عليها‪ ،‬وانطفأ بارها‪ ،‬و ُّ‬
‫(‪)3( )2‬‬
‫هللا عل عباده ‪.‬‬
‫الر ــول هللاــل هللا عليت و ــلم يف قتالت مع اَّ ــرك يوم بد ٍر أ ــلوابً جديداً يف مقاتلة‬ ‫ابتكر َّ‬
‫صـ ـفو (‪،)4‬‬ ‫أعداء هللا تعاىل‪ ،‬يكن معروفاً من قبل حيث قاتل هللا ــل هللا عليت و ــلم بنظام ال ُّ‬
‫ين يـ شقاتِلو شن ِيف ش ـ ـبِيلِ ِت‬ ‫وهذا األ ـ ــلوب أشـ ــار إليت القرآن الكر يف قولت تعاىل ﴿إِ َّن َّ ِ َّ ِ‬
‫اَّللش ُّ الذ ش‬
‫هللافًّا شكأ َّش‪ْ ،‬م بـْنـيشان شم ْرهللاوص ﴾ [الصف‪. ]4 :‬‬
‫ش‬
‫الصفو ‪،‬‬ ‫وتقل هذه ُّ‬
‫الصالة‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهللافة هذا األ لوب أن يكون اَّقاتلون عل هيئة هللافو‬
‫الرما لص ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ص ـ ـ ـ ـفو األوىل من أهللا ـ ـ ـ ــلاب ِ‬
‫أو تكثر تشـبشعاً لقلة اَّقاتل ‪ ،‬أو كثرهتم‪ ،‬وتكون ال ُّ‬
‫ص ـفو الَّيت خلفها من أهللاــلاب النِبال لتســديدها من اَّها‬ ‫ه مات الف ْر ــان‪ ،‬وتكون ال ُّ‬
‫عل األعداء‪ ،‬وكان من فوائد هذا األ لوب يف ايوة بد ٍر‬
‫‪ - 1‬رهاب األعداء‪ ،‬ودحلة عل حسن وترتي النِظام عند اَّسلم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬جعل يف يد القائد األعل هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم َّقوة احتياطيَّة‪ ،‬عاجل هبا اَّواقف‬
‫اَّفاجئة يف هللا ـ ـ ِـد ه ٍوم معاكس‪ ،‬أو ـ ــرب كم ٍ ري متوقَّ ٍع‪ ،‬وا ـ ــتفاد منت يف حاية األجنلة‬
‫مرةٍ يف ايوة بد ٍر ــبقاً عســكرَيً‪،‬‬
‫ألول َّ‬ ‫من خطر اَّ ــاة‪ ،‬والف ْر ــان‪ ،‬ويعد تطبيق هذا األ ــلوب َّ‬

‫الرازأ (‪.)133/15‬‬
‫انظر تفسري الفهر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر تفسري الطَّربأ (‪.)195/9‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)91/1‬‬
‫انظر حديث القران عن ايوات َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬ينظر ال كل (‪ )16‬يف الصفلة (‪.)752‬‬


‫‪661‬‬
‫الايمان(‪.)1‬‬
‫ريها منذ أربعةش شع ش شر قرانً من َّ‬ ‫َتيَّايت بت اَّدر ة العسكريَّة ال الميَّة عل‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم كان يبا ت خص ـ ـ ــومت‬ ‫ويظهر للباحث يف ال ِس ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫وخاهللاةً تلك الَّيت يعه ْدها العرب من قبل‪ ،‬عل حنو ما قام‬ ‫َّ‬ ‫ببعض األ الي القتالية اجلديدة‪،‬‬
‫حد‪ ،‬و ريلا‪.‬‬ ‫بت النَّب هللال هللا عليت و لم يف يوم بد ٍر‪ ،‬وأ ٍ‬
‫ُّ‬
‫فقد كانت العرب تقاتل أب ـ ـ ــلوب ال شك ِر وال شف ِر‪ ،‬وقد علَّق اللواء حممود ش ـ ـ ــيت خطَّاب عل‬
‫الفر‪ ،‬هو أن يه م اَّقاتلون ِ‬
‫بكل‬ ‫الكر‪ ،‬و ِ‬
‫إن القتال أب ـ ــلوب ِ‬ ‫كال األ ـ ــلوب القتالي بقولت « َّ‬
‫العدو النَّ ــابة منهم‪ ،‬والَّذين يقاتلون ابل ُّسـيو ‪ ،‬ويطعنون ِ‬
‫ابلرما ‪ ،‬م ــا ًة‪ ،‬وفـ ْر ــاانً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّقوهتم عل‬
‫جديد‪ ،‬وهكذا‬ ‫أحسوا ابلضَّعف نكصوا‪ ،‬مثَّ أعادوا تنظيمهم‪ ،‬وشكُّروا من ٍ‬ ‫العدو‪ ،‬أو ُّ‬
‫فَن ثبت يم ُّ‬
‫حض يكت يم النَّصر‪ ،‬أو ا ندحار‪.‬‬
‫ويفرون َّ‬
‫يكرون‪ُّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫ف يكون ب تي اَّقاتل هللا ـ َّـف ‪ ،‬أو ثالثة هللا ــفو ٍ ‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬عل‬ ‫صـ ـ ِ‬
‫والقتال أب ــلوب ال َّ‬
‫ابلرما لصـ ـ ـ ِـد ه مات‬
‫ص ـ ـ ـفو األماميَّة من اَّسـ ـ ــلم مسـ ـ ــللةً ِ‬
‫حس ـ ـ ـ عددهم‪ ،‬وتكون ال ُّ‬
‫مايود ًة ابلنِبال لرمي اَّها من األعداء‪.‬‬ ‫الصفو اَّتعاقبة األخر َّ‬ ‫الف ْر ان‪ ،‬وتكون ُّ‬
‫الكر‪ ،‬و ِ‬
‫الفر زطت‬ ‫ص ـ ـفو بقيادة قائدها‪ ،‬و ـ ــيطرتت إىل أن يفتقد ه وم أهللا ــلاب ِ‬ ‫وتبق ال ُّ‬
‫ِ‬
‫العدو‪ ،‬ومطاردتت عند هايميتت‪.‬‬ ‫للايحف عل‬‫الصفو متعاقبةً متساند ًة َّ‬ ‫وشدَّتت‪ ،‬عند ذاك تتقدَّم ُّ‬
‫الكر‪ ،‬و ِ‬
‫الفر‪ ،‬أبنَّت يؤمن‬ ‫ف يتميَّاي عن أ ـ ـ ـ ـ ــلوب ِ‬‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وير اللِواء (خطاب) َّ‬
‫أن أ ـ ـ ـ ـ ــلوب ال َّ‬
‫ال َّ تي (ابلعمق)‪ ،‬فتبق دائماً بيد القائد َّقوة احتياطيَّة يعاجل هبا اَّواقف اليت ليســت ابحلســبان‬
‫كأن يص ـ ـ ـ ـ َّـد ه وماً مقابالً للعدو‪ ،‬أو يض ـ ـ ـ ــرب كميناً يتوقعت‪ ،‬أو مي األجنلة الَّيت يهددها‬
‫العدو بف ْر انت‪ ،‬أو م اتت‪ ،‬مثَّ يستثمر الفوز هبذا اححتياط عند احلاجة»(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬
‫وقد حتدَّث ابن خلدون عن األ الي القتاليَّة اجلديدة الَّيت ا تلدثها الن ُّ‬
‫َّب هللال هللا عليت‬
‫و ـ ــلم يف معاركت‪ ،‬والَّيت يكن للعرب عهد هبا‪ ،‬فقال م ـ ـرياً إىل ذلك «وكان أ ـ ـلوب احلرب‬
‫الفر‪.)3(»...‬‬ ‫َّأول ال الم كلُّت زحفاً‪ ،‬وكان العرب إجا يعرفون َّ‬
‫الكر‪ ،‬و َّ‬

‫الرشيد ‪ ،‬ص ‪.401‬‬ ‫حممد َّ‬


‫(‪ )1‬انظر القيادة العسكريَّة ‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫الر ول القائد هللال هللا عليت و لم‪ ،‬خلطَّاب ‪ ،‬ص ‪.117 ، 116 ، 111‬‬
‫انظر َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر ايوة بد ٍر الكرب احلامسة ‪َّ ،‬مود خطَّاب ‪ ،‬ص ‪.24 ، 23‬‬
‫‪662‬‬
‫الايحف‬ ‫وب َّ أفض ــلية األ ــالي الَّيت ا ــتلدثها الن ُّ‬
‫َّب هللا ــل هللا عليت و ــلم بقولت «وقتال َّ‬
‫ص ـ ـ ـفو ‪ ،‬وتس ـ ـ َّـو كما‬
‫الايحف ترت فيت ال ُّ‬ ‫الفر وذلك َّ‬
‫ألن قتال َّ‬ ‫الكر‪ ،‬و ِ‬
‫أوثق وأشـ ـ ـ ُّـد من قتال ِ‬
‫العدو قدماً فلذلك تكون أثبت عند‬ ‫الصالة‪ ،‬ومي ون بصفوفهم إىل ِ‬ ‫َّ‬ ‫تسو القدا ‪ ،‬أو هللافو‬
‫اَّمتد‪ ،‬والقص ــر اَّ ــيد ح يطمع يف‬‫للعدو ألنَّت كاحلائا ِ‬
‫ِ‬ ‫اَّص ــاري‪ ،‬وأهللا ــدق يف القتال‪ ،‬وأره‬
‫إزالتت»(‪.)1‬‬
‫َّب هللاــل‬
‫فَن هذه األ ــالي تدعو إىل الع اب ب ــهص ـيَّة الن ِ‬ ‫ومن جهة النَّظرة العســكرية َّ‬
‫ألن التَّعليمات العسـ ــكريَّة الَّيت كان يصـ ــدرها خالل تطبيقت‬
‫هللا عليت و ـ ــلم‪ ،‬وبراعتت العسـ ــكريَّة َّ‬
‫يا‪ ،‬تطابق َتاماً األهللاول احلديثة يف ا تهدام األ للة(‪.)2‬‬
‫يش‪ ،‬وكانت‬ ‫الدفاي و يهاجم َّقوة قر ٍ‬ ‫وتفصيل ذلك فقد اتَّبع هللال هللا عليت و لم أ لوب ِ‬
‫العدو‪ ،‬وإ ــعا نفس ـيتت‬ ‫بكل دقٍَّة ــبباً يف زعايعة مركاي ِ‬ ‫توجيهاتت التَّكتيكيَّة الَّيت نفَّذها جنوده ِ‬
‫تفوقـ ــت(‪( )3‬بنسبة ‪ 3‬إىل ‪ ،)1‬فقد‬ ‫العدو بر م ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وبذلـ ــك حتقَّق النَّصر احلا م ‪ -‬بتوفيق هللا ‪ -‬عل‬
‫كل موقف حس ـ ـ ـ ـ ما تدعو إليت اَّصـ ـ ـ ــللة وذلك‬ ‫كان هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم يتص ـ ـ ـ َّـر يف ِ‬
‫الر ـ ــول هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف اجلان‬
‫حختال مقتضـ ــيات األحوال‪ ،‬والظرو ‪ ،‬وقد طبَّق َّ‬
‫القناعي يف ايوة‬
‫ِ‬ ‫الصلي ‪َّ ،‬أما أخذه ابأل لوب‬ ‫العسكرأ أ لوب القيادة التَّوجيهيَّة يف مكا‪،‬ا َّ‬‫ِ‬
‫متعددةٍ ألنَّت هللال هللا عليت و لم ح يقود‬ ‫بد ٍر فقد دلَّ يف اار ة فقت اح ت ارة يف موا ع ِ‬
‫ش‬
‫جنده مبقتض ـ ال ُّس ـلطة بل ابلكفاءة‪ ،‬والثِقة‪ ،‬وهو هللاــل هللا عليت و ــلم أيض ـاً ح يسـ ُّ‬
‫ـتبد برأيت‪،‬‬
‫الرأأ الَّذأ يبدو هللاـ ـ ـوابت‪ ،‬ومارس هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يف‬
‫بل يتَّبع مبدأ ال ُّ ـ ـ ـور ‪ ،‬وينايل عل َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ايوة بد ٍر أ لوب القيادة التَّوجيهيَّة‪ ،‬فقد دلَّ يف أموٍر منها‬
‫الرمي‬ ‫الصلابة برمي األعداء إذا اق بوا منهم َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫األول أمره هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫األمر َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫َّبل» [ابن هشـ ــام‬
‫أقرب إىل الهللا ـ ــابة يف هذه احلالة «إن دان القوم منكم فانض ـ ــلوهم ابلنـْ‬
‫يكون ش‬
‫(‪ )278/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])81/3‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫اَّقدمة ‪ ،‬حبن خلدون ‪ ،‬ص ‪.273‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َّمد حمفو ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫اَّدخل إىل العقيدة واح اتي يَّة العسكريَّة ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر مقومات النَّصر ‪ ،‬د‪ .‬أحد أبو ال باب (‪.)154/2‬‬
‫اق بوا منكم ـ فارموهم ‪ ،‬وا ْ تشـْبـقوا نبلكم ‪ ،‬وح تسلُّوا‬ ‫هذه األمور الثالثة موجودة يف حديث رواه أبو داود ‪ ،‬قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «إذا أكثبوكم ـ يع‬ ‫(‪)5‬‬

‫حض ي وكم»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫السيو‬
‫ُّ‬
‫‪663‬‬
‫«وح‬ ‫(‪)1‬‬
‫األمر الثاين ‪،‬يت هللال هللا عليت و لم عن ِل السيو إىل أن تتداخل ُّ‬
‫الصفو‬
‫حض ي وكم» [أبو داود (‪. ])2664‬‬
‫َّ‬ ‫تسلُّوا ُّ‬
‫السيو‬
‫(‪)2‬‬
‫«وا ْ ـ ـ ـتشـْبـقوا‬ ‫الرمي‬‫ص ـ ـ ـلابة ابحقتص ـ ـ ــاد يف َّ‬
‫األمر الثالث أمره هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ال َّ‬
‫نشـْبـلشكم» [البخاري (‪ )3984/2‬و‪ )3985‬وأبو داود (‪.])2663‬‬

‫أن ر ـ ـ ـ ــول هللا (ﷺ)‬ ‫الدفاي دد َّ‬ ‫وعندما تقارن هذه التَّعليمات احلربيَّة ابَّبادئ احلديثة يف ِ‬
‫َّب (ﷺ)‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كان ـ ـ ـ ـ ـ ــباقاً إليها‪ ،‬من ري عكو عل الدَّرس‪ ،‬وح التلاق ابلكليات احلر َّبية‪ ،‬فالن ُّ‬
‫يرمي ِم ْن وراء تعليماتت الَّيت ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتعر ـ ـ ـ ـ ـ ــناها انفاً إىل حتقيق ما يعر حديثاً بكبت النِريان إىل‬
‫العدو يف اَّد اَّؤثِر يذه األ ـ ــللة‪ ،‬وهذا ما قص ـ ــده هللا ـ ــل هللا عليت‬ ‫الللظة الَّيت يص ـ ــب فيها ُّ‬
‫و لم يف قولت «وا ْ تشـْبقوا نـشْبلكم» [سبق خترجيه] ‪.‬‬

‫فرصة االستفادة من الظيروف الطَّبيعية أثناء قتال األعداء‪:‬‬


‫يهمل هللال هللا عليت و لم فرهللاةش اح تفادة من الظرو الطَّبيعية أثناء قتال ِ‬
‫العدو‪ ،‬فقد‬ ‫ْ‬ ‫و‬
‫كل الظُّرو يف ميدان اَّعركة َّصــللة جي ــت‪ ،‬ومن األمثلة عل ذلك ما فعلت‬ ‫كان يســتفيد من ِ‬
‫هللا ــل هللا عليت و ــلم قبل بدء القتال يوم بد ٍر‪ ،‬يقول اَّقريايأ «وأهللا ــب هللا ــل هللا عليت و ــلم‬
‫ببد ٍر قبل أن تنايل قريش‪ ،‬فطلعت ال َّ ـ ـ ـمس وهو يص ـ ـ ــفُّهم‪ ،‬فا ـ ـ ــتقبل اَّ رب‪ ،‬وجعل ال َّ ـ ـ ـمس‬
‫خلفت‪ ،‬فا تقبلوا ال َّمس»(‪.)3‬‬
‫حض من الظُّرو‬‫يدل عل حســن تدبريه هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وا ــتفادتت َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وهذا التَّصـ ُّـر‬
‫ألن ال َّ ـ ـ ـ ـمس إذا كانت يف وجت اَّقاتل‪،‬‬‫وإجا فعل ذلك َّ‬ ‫الطَّبيعية‪َّ ،‬ا ِقق اَّص ـ ـ ـ ـللة جلي ـ ـ ـ ــت َّ‬
‫لعدوه(‪ .)5‬وفيما فعلت ر ول هللا هللال هللا عليت‬ ‫فتقل مقاومتت‪ ،‬وجماهبتت ِ‬ ‫تسبِ لت شع ش ا البصر ُّ‬
‫(‪)4‬‬

‫أن الظرو الطَّبيعيَّة كال َّ ـمس‪ ،‬و ِ‬


‫الري ‪ ،‬والتَّضــاريس اجل رافيَّة‪ ،‬و ريها‬ ‫و ــلم يوم بد ٍر إشــارة إىل َّ‬
‫يا أتثري عظيم عل موازين القو يف اَّعارك‪ ،‬وهي من األ ـ ـ ـ ــباب الَّيت طل هللا منَّا األخذ هبا‬

‫ض شلت ابلنَّبل إذا رماه بت‪.‬‬


‫نش ش‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر ايوة بد ٍر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.64 ، 63‬‬


‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر القيادة العسكرية ‪ ،‬ص ‪.453‬‬
‫ف بصره ليالً ‪ ،‬فهو أع ‪.‬‬ ‫(‪ِ )5‬‬
‫وع ش اوةً ع ش‬‫شع شي شع اً ‪ ،‬ش‬
‫‪664‬‬
‫الصعود إىل اَّعاس(‪.)1‬‬
‫لتلقيق النَّصر‪ ،‬و ُّ‬
‫ش َّواد بن ش ِاييَّة يف الصفو‬
‫الصفو ‪ ،‬ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمةً‪،‬‬ ‫يعدل ُّ‬ ‫كان هللال هللا عليت و لم يف بد ٍر ِ‬
‫م اهللاةً وبيده ش ْهم ح ريش لت‪ ،‬يـ شع ِدل بت َّ‬
‫الصف‪ ،‬فرأ رجالً امست ش َّواد بن ش ِاييَّة وقد خرً من‬
‫ف‪ ،‬فطعن ــت هللال هللا عليت و لم يف بطن ــت‪ ،‬وقال ل ــت «ا ت ِو َي ش َّواد!» فقال َي ر ش‬
‫ول هللا!‬ ‫الص ِ‬‫َّ‬
‫أ ْشو شج ْعتشنِ ــي! وق ــد بعثك هللا ابحل ـ ِـق‪ ،‬والع ــدل‪ ،‬فأشقِ ْدن ــي(‪ ،)2‬فك ف ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫عن بطنت‪ ،‬وقال «ا ــتش ِق ْد»‪ ،‬فاعتنقت‪ ،‬فقبَّل بطنت‪ ،‬فقال «ما حلك عل هذا َي ش ـ َّواد!» قال‬
‫ميس جلدأ ج ْل شدك‪ .‬فدعا لت‬ ‫ول هللا! حضر ما تر فأردت أن يكون اخر العهد بك أن َّ‬ ‫َي ر ش‬
‫ر ول هللا ري‪[ .‬ابن هشام (‪.])279 - 278/2‬‬

‫قصة ش َّواد ر ي هللا عنت أمور منها‬


‫ويستفاد من َّ‬
‫‪ - 1‬حرص ال الم عل النِظام‪.‬‬
‫‪ - 2‬العدل اَّطلق فقد أعط ر ول هللا هللال هللا عليت و لم ال شق شود من نفست‪.‬‬
‫‪ - 3‬ح اجلندأ لقائده‪.‬‬
‫‪ُّ - 4‬‬
‫تذكر اَّوت‪ ،‬وال َّهادة‪.‬‬
‫‪ - 5‬جس ـ ــد ر ـ ــول هللا هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم مبارك‪ ،‬وم ُّس ـ ـت فيت بركة ويذا حرص عليها‬
‫ش َّواد‪.‬‬
‫الرجل ليس بعورةٍ بدليل َّ‬
‫أن النب هللاـ ــل هللا عليت و ــلم ك ــف عنت‪ ،‬ولو كان‬ ‫‪ - 6‬بطن َّ‬
‫عورةً َّا ك ف عنت(‪.)3‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم أهللالابت عل القتال‬
‫حتريض الن ِ‬
‫يريب أهللاــلابت عل أن يكونوا أهللاــلاب إر ٍ‬
‫ادات قويٍَّة‪،‬‬ ‫كان ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ِ‬
‫ش‬

‫(‪ )1‬انظر حتفة األحوذأ ب ر جامع الِ ِ‬


‫مذأ (‪.)175/7‬‬
‫اقتص س من نفسك‪.‬‬‫َّ‬ ‫(‪ )2‬أقِ ْدين‬
‫(‪ )3‬انظر ايوة بد ٍر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪665‬‬
‫ـهة‪ٍ ،‬‬
‫اثبتة‪ ،‬ثبات ال ُّ ـ ـ ـ ِم َّ‬
‫الروا ـ ــي‪ ،‬فيم قلوهبم شـ ـ ـ اعةً‪ ،‬وجرأةً‪ ،‬وأمالً يف النَّص ـ ــر عل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫را ـ ـ ٍ‬
‫األعداء‪ ،‬وكان يســلك يف ــبيل تكوين هذه الرادة القويَّة أ ــلوب ال َّ ي وال َّ هي ال َّ ي‬
‫الو ش (‪ ،)2‬كما‬ ‫الايحف‪ ،‬والفرار من ــاحات ش‬ ‫يف أجر اااهدين الثَّابت ‪ ،‬وال َّ هي من ِ‬
‫التوس يوم َّ‬
‫كان ِدثهم عن عوامل النَّص ــر‪ ،‬وأ ــبابت ليأخذوا هبا‪ ،‬ويلتايموها‪ ،‬و ِذرهم من أ ـ ــباب ايايمية‬
‫ليقلعوا عنها‪ ،‬وينأوا أبنفسهم عن احق اب منها(‪.)3‬‬
‫ث أهللاــلابت عل القتال‪ ،‬و ِر ــهم عليت امتثاحً لقولت تعاىل‬ ‫وكان هللاــل هللا عليت و ــلم ُّ‬
‫ض الْم ْؤِمنِ ش شعلش الْ ِقتش ِال﴾ [اآلنفال‪ ،]65 :‬وقولت تعاىل ﴿فشـ شقاتِ ْل ِيف ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫اَّللِ حش‬ ‫َّب شح ِر ِ‬
‫﴿َيأشيـُّ شها النِ ُّ‬
‫ش‬
‫ف أبْ َّ ِ‬ ‫ض الْم ْؤِمنِ ش شع شس َّ‬
‫شش ُّد شأبْ ً ا شوأ ش‬
‫شش ُّد‬ ‫اَّلل أ ش‬
‫ين شك شفروا شو َّ‬
‫س الذ ش‬‫اَّلل أش ْن يشك َّ ش ش‬ ‫ك شو شح ِر ِ‬‫ت شكلَّف إِحَّ نشـ ْف شس ش‬
‫كيالً ﴾ [النساء‪. ]84 :‬‬ ‫تشـْن ِ‬

‫ويف ايوة بد ٍر الكرب ‪ ،‬قال ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ألهللاـ ـ ــلابت «قوموا إىل جن ٍَّة‬
‫ـول هللا!‬‫ـارأ ر ــي هللا عنت َي ر ـ ش‬ ‫عر ــها ال َّسـ ـموات‪ ،‬واألرض»‪ ،‬فقال ع شم ْري بن احل شم ِام األنص ـ ُّ‬
‫السموات واألشرض؟! قال «نعم» قال بش ٍ ‪ ،‬ب ٍ ! (كلمة تع )‪ ،‬فقال ر ول هللا‬ ‫شجنَّة عر ها َّ‬
‫ـول هللا! إح‬ ‫هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «ما ملك عل قولك بش ٍ بش ٍ ؟!» قال ح وهللا! َي ر ـ ـ ـ ش‬
‫(جعبشة النُّ َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب)‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫رجاءش أن أكون من أهلها‪ .‬قال «فَنَّك من أهلها» فأخرً َترات من قشـشرنت ْ‬
‫حض آكل َترال هذه‪َّ ،‬إ‪،‬ا حلياة طويلة‪ ،‬قال فرم‬ ‫منهن‪ ،‬مث قال لئن أان شحيِيت َّ‬ ‫ف عل ركل َّ‬
‫[مسلم (‪. ])1901‬‬ ‫حض قتل‪.‬‬
‫مبا كان معت من التَّمر‪ ،‬مثَّ قاتلهم َّ‬
‫ويف رو ٍ‬
‫اية قال قال أنس ر ي هللا عنت فرم ما كان معت من التَّمر‪ ،‬وقاتل وهو يقول‬
‫إح الـ ـ ـ ـتُّ ـ ـ ـ ـ شقـ ـ ـ ـ شو شعـ ـ ـ ـ شمـ ـ ـ ـ شل اَّـ ـ ـ ـ شعـ ـ ـ ـ ِاد‬ ‫شرْكضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً إىل هللاِ بِـ ـ ـ ـ ـ شـ ـ ـ ـ ـ ِْري شز ٍاد‬
‫ش‬
‫وكـ ـ ـ ـ ُّل ز ٍاد عـ ـ ـ ـر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة الـ ـ ـ ـنَّ ـ ـ ـ ـ شفـ ـ ـ ـادِ‬ ‫والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ شرب يف هللا عـ ـلـ ـ اجلِـ ـ شهـ ـ ـ ـ ِاد‬
‫ْش‬
‫الر شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِاد‬ ‫ش ْري التُّـ شق و ِ ِ‬
‫الرب و َّ‬ ‫ش‬
‫حض ا ت ْ ِهد(‪.)4‬‬ ‫فقاتل ‪ -‬رحت هللا! ‪َّ -‬‬

‫شش ُّم ‪ ،‬واجلمع شم‪.‬‬


‫األش ُّم اَّرتفع ‪ ،‬وهي شطَّاء ‪ ،‬ويقال جبل أ ش‬
‫ش‬
‫(‪)1‬‬

‫الصوت ‪ ،‬واجلشلشبة‪.‬‬
‫الو ش احلشْرب َّا فيها من َّ‬ ‫ش‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬انظر اَّدر ة النَّبويَّة العسكريَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.140‬‬


‫الصفوة (‪ )488/1‬وزاد اَّعاد (‪.)182/3‬‬ ‫(‪ )4‬انظر هللافة َّ‬
‫‪666‬‬
‫ومن هللاور التَّعبئة اَّعنويَّة أنَّت هللال هللا عليت و لم كان يب ِ رهم بقتل شهللانش ِاديد(‪ )1‬اَّ رك ‪،‬‬
‫وزَيد ًة يم يف الطُّمـأْنينــة‪ ،‬كــان ـ ِـدد مكــان قتــل كـ ِـل واحـ ٍـد منهم(‪ ،)2‬كمــا كــان يب ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر اَّؤمن‬
‫ابلنَّصــر قبل بدء القتال‪ ،‬فيقول «أب ـ ْـر أاب بكر» ووقف ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم يقول‬
‫اليوم رجل‪ ،‬فشـيـ ْقتشل‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة ‪ -‬ر ـ ـ ـ ـ ـ ـوان هللا عليهم ‪« -‬والذأ نفس حممد بيده! ح يقاتلهم ش‬ ‫لل َّ‬
‫هللاابراً حمتسباً‪ ،‬مقبالً ري م ْدب ٍر‪ ،‬إح أدخلت هللا اجلنَّة» [ابن هشام (‪. ])279/2‬‬
‫ش‬
‫وقد أثَّرت هذه التَّعبئة اَّعنويَّة يف نفوس أهللا ــلابت ‪ -‬ر ـ ـوان هللا عليهم ‪ -‬والَّذين جايوا من‬
‫ٍ‬
‫نحسان(‪.)3‬‬ ‫بعدهم‬
‫حض يكون دونت‪ ،‬فعن ٍ‬
‫أنس‬ ‫وكان (ﷺ) يطل من اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم أحَّ يتقدم أحد إىل ش ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء َّ‬ ‫ش‬
‫حض ـ ـ ــبقوا‬
‫ر ـ ـ ــي هللا عنت قال ‪ ....‬فانطلق ر ـ ـ ــول هللا هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأهللاـ ـ ــلابت َّ‬
‫اَّ ـ ــرك إىل بد ٍر‪ ،‬وجاء اَّ ـ ــركون‪ ،‬فقال ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم «ح يشـ ْقد شم َّن أحد‬
‫شيء حض أكون أان دونشت»(‪ ،)4‬فدان اَّ ركون‪ ،‬فقال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬ ‫منكم إىل ٍ‬
‫عر ها السموات واألرض» [سبق‪-‬خترجيه] ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫«قوموا إىل جنَّة ش ْ‬
‫دعاؤه صلى هللا عليه وسلم واست اثته‪:‬‬
‫ف ِم شن الْ شمالشئِ شك ِة م ْرِدفِ ش ﴾‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْذ تشس ـ ـتش ِيثو شن ربَّكم فشا ْ ـ ـتش اب لشكم أِشين اِ ُّدكم ِأبشلْ ٍ‬
‫ْ‬ ‫ش ش ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ْ‬
‫وحر ــهم عل‬ ‫[اآلنفال‪ ،]9 :‬ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نظم هللاــل هللا عليت و ــلم هللاــفو جي ــت‪ ،‬وأهللاــدر أوامره يم‪َّ ،‬‬
‫القتال رجع إىل العريش الَّذأ ب لت‪ ،‬ومعت هللاـ ـ ــاحبت أبو بك ٍر ر ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬و ـ ـ ــعد بن ٍ‬
‫معاذ‬ ‫ِ‬
‫عل ابب العريش حلرا ـتت وهو شــاهر ش ـْيـ شفت‪ ،‬و َّادت ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم إىل ربِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫ات ما‬ ‫شُاي س ما وعدت ! اللَّه َّم ِ‬ ‫يدعوه‪ ،‬ويناشــده النَّصــر الَّذأ وعده‪ ،‬ويقول يف دعائت «اللَّ َّ ِ‬
‫هم أ ْ ْ‬
‫ك هذه العص ـ ـ ــابةش من أهل ال ـ ـ ــالم ح تـ ْعب ْد يف األرض!» فما زال يهتف‬ ‫وعدت ! اللَّه َّم إن هتْلِ ْ‬
‫حض ـ ـ ـ ـ ــقا ردايه عن شمْن شكبيت‪ ،‬فأاته أبو بك ٍر‪ ،‬فأخذ شرداءشه‪،‬‬ ‫ـتقبل القبلة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بربت‪ ،‬ماداً يديت‪ ،‬مس ـ ـ ـ ـ ـ ش‬

‫هللانش ِاديد‪.‬‬ ‫(‪ِ ِ )1‬‬


‫الصْنديد ال َّ ريف ال ُّ اي ‪ ،‬واجلمع ش‬
‫صشري فالن داً إن شاء هللا‬ ‫إن ر ول هللا هللال هللا عليت و لمكان يرينا مصاري أهل بدر ابألمس ‪ ،‬يقول هذا شم ْ‬ ‫(‪ )2‬قال عمر بن اخلطَّاب ر ي هللا عنت « َّ‬
‫احلدود الَّيت َّ‬
‫حد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم»‪ .‬رواه مسلم ‪ ،‬كتاب اجلنَّة وهللافة نعيمها‬ ‫ش‬ ‫‪ ،‬قال عمر ر ي هللا عنت فوالذأ بعثت ابحلق! ما أخطؤوا‬
‫وأهلها ‪ ،‬رقم (‪.)2873‬‬
‫(‪ )3‬اَّدر ة العسكريَّة ال الميَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫متقدماً يف ذلك ال َّيء لئال يفوت شيء من اَّصاأ اليت ح تعلمو‪،‬ا‪.‬‬‫حض أكون أان دونت) أأ قدَّامت ِ‬ ‫يتقدمن أحد منكم إىل شيء َّ‬
‫َّ‬ ‫(‪( )4‬ح‬
‫‪667‬‬
‫نب هللا! كفاك مناش ـ ـ ــدتك ربَّك‪ ،‬فَنَّت ـ ـ ــين اي‬
‫فألقاه عل شمْنكبيت‪ ،‬مثَّ التايمت من ورائت‪ ،‬وقال َي َّ‬
‫وجل ‪-‬‬
‫عاي َّ‬ ‫ـك ما وعدك! [مسلم (‪ )1763‬وأبو داود (‪ )2690‬والرتمذي (‪ )3081‬وأمحد (‪ .])30/1‬فأنايل هللا ‪َّ -‬‬ ‫ل ـــــــ ش‬
‫ِ‬
‫اب لشك ْم﴾‬ ‫﴿إِ ْذ تش ْستش يثو شن شربَّك ْم فشا ْ تش ش ش‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم يوم بد ٍر «اللَّ َّ‬
‫هم أن ـد شك شع ْه شد شك‪،‬‬ ‫عباس قال قال الن ُّ‬ ‫ويف رواية ابن ٍ‬
‫ـئت تـ ْعبش ْد» فأخذ أبو بكر بيده‪ ،‬فقال حسـ ــبك‪ ،‬فهرً هللاـ ــل هللا عليت‬ ‫ووعدك! اللَّه َّم إن شـ ـ ش‬
‫ُّ‬
‫اجلش ْمع شويـ شولو شن ُّ ش‬
‫الدبـر ﴾ [(‪ )2915‬وأمحد (‪ )329/1‬والبيوقي يف الدالئل (‪.])50/3‬‬ ‫و لم وهو يقول ﴿ ش يـ ْهشايم ْ‬
‫ورو ابن إ ـ ـ ـ ـ ـ ــلاق أ نَّت هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ـ ــلم قال «اللَّه َّم هذه قريش‪ ،‬قد أقبلت‬
‫(‪)3‬‬ ‫يالئها(‪ ،)1‬وفشهرها‪ ،‬حت ُّادك(‪ِ )2‬‬
‫وتكذب ر ـ ـولشك‪ ،‬اللَّه َّم فنصـ ـ شـرك الَّذأ وعدت ! اللَّهم أحنهم‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ال داة!» [ابن هشام (‪ )273/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪. ])110/3‬‬

‫فرد يف التَّ ُّرد من النَّفس‪.‬‬‫وه ــذا درس رَّابين مهم لك ـ ِـل ق ــائ ـ ٍـد‪ ،‬أو ح ــاك ٍم‪ ،‬أو زعي ٍم‪ ،‬أو ٍ‬
‫وحظها‪ ،‬واخللوص‪ ،‬واللُّ وء هلل ش‬
‫وحده‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ود‪ ،‬واجلثـ ِو ب يدأ هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت لكي ينايل‬ ‫ِ‬
‫نص ــره‪ ،‬ويبق م ــهد نبيِت وقد ــقا ردايه عن كتفت وهو ماد يديت يس ــت يث ابهلل‪ ،‬يبق هذا‬
‫اَّ ـ ـ ـ ـ ــهد حمفوراً بقلبت‪ ،‬ووجدانت‪ ،‬اول تنفيذه يف مثل هذه ال َّس ـ ـ ـ ـ ـاعات‪ ،‬ويف مثل هذه اَّواطن‪،‬‬
‫حيث تناط بت اَّسؤوليَّة‪ ،‬وتلق عليت أعباء القيادة(‪.)4‬‬
‫اَّللش شرشم ﴾‬ ‫ت شولش ِك َّن َّ‬‫ت إِ ْذ شرشمْي ش‬
‫﴿وشما شرشمْي ش‬
‫ش‬
‫بعد أن دعا هللال هللا عليت و لم ربَّت يف العريش‪ ،‬وا ت اث ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬خرً من العريش‪ ،‬فأخذ‬
‫اهت الوجوه»‬ ‫قبضـ ـ ـ ـ ـةً من ال ُّ اب‪ ،‬وحص هبا وجوه اَّ رك ‪ ،‬وقال هللال هللا عليت و لم «ش ِ‬
‫ش‬
‫ص ـدقوا احلملة إثرها‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فأوهللاــل‬‫[ابن هشــام (‪ ])280/2‬مثَّ أمر هللاــل هللا عليت و ــلم أهللاــلابت أن يش ْ‬
‫يبق أحد منهم إح انلت منها ما شـ لت عن حالت‪،‬‬ ‫هللا تعاىل تلك احلصــباء إىل أع اَّ ــرك ‪ ،‬فلم ش‬
‫ت شولش ِك َّن ا ََّّللش شرشم ﴾ [اآلنفال‪ ،]17 :‬ومعىن ا يــة َّ‬
‫أن هللا‬ ‫ت إِ ْذ شرشمْيـ ش‬‫﴿وشمـا شرشمْيـ ش‬
‫ويــذا قــال هللا تعــاىل ش‬

‫‪.‬‬ ‫التكرب ‪ ،‬والع‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬اخليشالء‬
‫(‪ )2‬حتشادُّك تعاديك‪.‬‬
‫(‪ )3‬أحنهم أهلكهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)36/3‬‬
‫‪668‬‬
‫صل برميتت(‪.)1‬‬ ‫الرمي‪ ،‬ونف عنت اليصال الَّذأ‬
‫بلانت أثبت لر ولت ابتداء َّ‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم أخذ ابأل باب ِ‬
‫اَّاديَّة‪ ،‬واَّعنويَّة‪ ،‬وتوَّكل عل هللا‪،‬‬ ‫ونللم َّ‬
‫أن َّ‬
‫فكان النَّص ـ ـ ــر والتَّأييد من هللا تعاىل فقد اجتمع يف بد ٍر األخذ ابأل ـ ـ ــباب ابل شق ْد ِر اَّمكن‪ ،‬مع‬
‫الرَّاب ِين يف هتيئة يع أ ـ ـ ـ ـ ـ ــباب النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر متعاونةً‪ ،‬متكافئةً مع التأييدات َّ‬
‫الرَّابنيَّة اخلارقة‪،‬‬ ‫التَّوفيق َّ‬
‫ـكل درا ــة األرض‪ ،‬والطَّقس‪ ،‬ووجود القيادة والثِقة هبا‪ ،‬و ُّ‬
‫الرو‬ ‫وال يبيَّة ففي عا األ ــباب ت ـ ِ‬
‫ـكرأ‪ ،‬ولقد كانت األرض َّصــللة اَّســلم ‪ ،‬وكان‬ ‫ـلة القرار العسـ ِ‬ ‫اَّعنويَّة ٍ‬
‫لبنات أ ــا ــيةً يف هللاـ َّ‬
‫الرو اَّعنويَّة مرتفعة‪ ،‬وبعض‬ ‫الرفيعة موجودةً‪ ،‬والثِقة هبا كبرية‪ ،‬و ُّ‬ ‫الطَّقس منا باً للمعركة‪ ،‬والقيادة َّ‬
‫كل مباش ٍر‪ ،‬وتوفيقت‪ ،‬وبعضها كان من فِ ْع ِل ر ول هللا هللال هللا عليت‬ ‫هذه اَّعاين كان من هللا ب ٍ‬
‫يد عل ذلك‬ ‫و ـ ـ ـ ــلم أخذاً ابأل ـ ـ ـ ــباب اَّطلوبة‪ ،‬فتض ـ ـ ـ ــافر األخذ ابأل ـ ـ ـ ــباب مع توفيق هللا‪ ،‬وز ش‬
‫التأييدات ال يبيَّة‪ ،‬واخلارقة فكان ما كان‪ ،‬وذلك جوذً عل ما يعطاه اَّسلمون بفضل هللا‪ ،‬إذا‬
‫ما هللا ــللت النِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّات عند اجلند‪ ،‬والقادة‪ ،‬ووجدت اح ــتقامة عل أمر هللا‪ ،‬وأخذ اَّس ــلمون‬
‫ابأل باب(‪.)2‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)125/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر األ اس يف السنة وفقهها ‪ِ ،‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لسعيد حو (‪.)474/1‬‬
‫‪669‬‬
‫املبحث الثَّالث‬

‫نشوب القتال وهزمية املشركني‬


‫اندلع القتال ب اَّســلم واَّ ــرك ابَّبارزات الفرديَّة‪ ،‬فهرً من جيش اَّ ــرك عتبة بن‬
‫لكن‬
‫ربيعة‪ ،‬وأخوه شــيبة بن ربيعة‪ ،‬وابنت الوليد‪ ،‬وطلبوا اَّبارزة‪ ،‬فهرً إليهم ثالثة من األنصــار و َّ‬
‫الر ــول هللا ــل هللا عليت و ــلم أرجعهم ألنَّت أح َّ أن يبارزهم بعض أهلت‪ ،‬وذوأ قرابه ولذلك‬ ‫َّ‬
‫قال هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم «قم َي عبيدة بن احلارث! وقم َي حاية! وقم َي علي!» وابرز حاية‬
‫كل و ٍ‬
‫احد منهما‬ ‫ليد‪ ،‬وقتلت‪ ،‬وابرز عبيدة بن احلارث عتبةش‪ ،‬فض ـ ــرب ُّ‬‫ش ـ ــيبةش‪ ،‬فقتلت‪ ،‬وابرز علي الو ش‬
‫فكر حاية‪ ،‬وعلي عل عتبة فقتاله‪ ،‬وحال عبيدة‪ ،‬وأتيا بت إىل ر ـ ــول هللا‬ ‫ٍ‬
‫موجعة‪َّ ،‬‬ ‫ا خر بضـ ـ ـر ٍبة‬
‫هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬ولكن ما لبث أن ا ْ ت هد متأثراً قراحت‪[ .‬أبو داود (‪. )1(])2665‬‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ َّ ِ‬ ‫ويف هؤحء ال ِس ـتَّة نايل قولت تعاىل ﴿ه شذ ِان خ ِ‬
‫ين شك شفروا قط شع ْ‬ ‫ص ـموا يف شرهب ْم فشالذ ش‬ ‫اختش ش‬‫ص ـ شمان ْ‬
‫ش ْ‬ ‫ش‬
‫اجللود ۝ شوشي ْم‬ ‫ص شهر بِِت شما ِيف بطو‪ْ ِِ،‬م شو ْ‬‫احلشميم ۝ ي ْ‬
‫شيم ثِياب ِمن شان ٍر يص ُّ ِمن فشـو ِق ريو ِ ِهم ْ ِ‬
‫ش ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ش‬
‫احلشِر ِيق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب ْ‬ ‫شم شق ـامع م ْن شح ـديــد ۝ كلَّ شم ـا أ ششرادوا أش ْن شخيْرجوا مْنـ شه ـا م ْن ش ٍم أعيــدوا في شه ـا شوذوقوا شع ـ شذ ش‬
‫َّات شْد ِرأ ِم ْن شْحتتِ شها األ‪،‬شار شلَّ ْو شن فِ شيها ِم ْن‬
‫ات جن ٍ‬ ‫اَّلل ي ْد ِخل الَّ ِذين آمنوا وع ِملوا ال َّ ِ ِ‬
‫صـ ـاحلش ش‬ ‫شش‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫۝ إ َّن َّش‬
‫اط‬‫أش ـ ـا ِور ِمن ذشه ٍ ول ْؤلؤا ولِبا ـ ـهم فِيها ح ِرير ۝ وهدوا إِ شىل الطَّيِ ِ ِمن الْ شقوِل وهدوا إِ شىل ِهللا ـر ِ‬
‫ش‬ ‫ش ْ ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ْ ش ش ً شش ْ ش ش‬
‫يد ﴾ [احلج‪.]24 - 19 :‬‬ ‫احل ِم ِ‬
‫ْش‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شاهد اَّ ركون قشـْت شل الثالثة الَّذين خرجوا للمبارزة ا ت اطوا ضباً‪ ،‬وه موا عل‬
‫الدفاي‪ ،‬ويرمو‪،‬م ابلنَّبل‪،‬‬ ‫اَّسـلم ه وماً عاماً‪ ،‬هللاـمد‪ ،‬وثبت لت اَّسـلمون‪ ،‬وهم واقفون موقف ِ‬
‫َّب هللال‬
‫أحد‪ ،‬مثَّ أمرهم الن ُّ‬
‫شحد‪ ،‬ش‬‫َّب هللال هللا عليت و لم ‪ ،‬وكان شعار اَّسلم أ ش‬ ‫كما أمرهم الن ُّ‬
‫حمر ـاً يم عل القتال‪ ،‬وقائالً يم «ش ـ ُّدوا»‪ ،‬وواعداً شم ْن يقتل‬ ‫ـاد‪ِ ،‬‬ ‫هللا عليت و ــلم ابي وم اَّض ـ ِ‬
‫َّب‬
‫قول الن ِ‬
‫أبن لت اجلنَّة‪ ،‬واَّا زاد يف ن اط اَّسلم ‪ ،‬واندفاعهم يف القتال‪ ،‬مساعهم ش‬ ‫هللاابراً حمتسباً َّ‬
‫الدبـر ﴾ [القمر‪ِ ،]45 :‬‬ ‫ُّ‬
‫وع ْلمهم‪ ،‬وإحسـ ـ ــا ـ ـ ـهم‬ ‫اجلش ْمع شويـ شولو شن ُّ ش‬
‫هللاـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم ﴿ ش ـ ـ ـيـ ْهشايم ْ‬
‫ـول هللا هللاــل هللا عليت‬‫نمداد هللا يم ابَّالئكة‪ ،‬وبتقليل اَّ ــرك يف أع اَّســلم ‪ ،‬ورييتهم ر ـ ش‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)126/2‬‬


‫‪670‬‬
‫و ــلم يث يف ِ‬
‫الدري وقد تقدَّمهم‪ ،‬فلم يكن أحد أقرب من اَّ ــرك منت‪ ،‬وهو يقول ﴿ ش ـيـ ْهشايم‬ ‫ش‬
‫اجلش ْمع شويـ شولُّو شن ُّ‬
‫الدبـشر ﴾(‪.)1‬‬ ‫ْ‬
‫كان هللاــل هللا عليت و ــلم قد رأ يف منامت ‪ -‬ليلة اليوم الَّذأ التق فيت اجلي ــان‪ ،‬رأ ‪-‬‬
‫قص ريَيه عل أهللاــلابت فا ــتب ــروا خرياً‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ ْذ ي ِري شكهم َّ‬
‫اَّلل ِيف‬ ‫اَّ ـرك قليالً‪ ،‬وقد َّ‬
‫اَّلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّم إِنَّـت علِيم بِـ شذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫منـا ِمـ ِ‬
‫ات‬ ‫ك قشليالً شولش ْو أ ششرا شكه ْم شكث ًريا لششف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلت ْم شولشتشـنشـ شاز ْعت ْم ِيف األ ْشم ِر شولشك َّن َّش ش ش ش‬
‫شش ش‬
‫الصدوِر﴾ [اآلنفال‪. ]43 :‬‬ ‫ُّ‬
‫فقص‬
‫َّب هللاــل هللا عليت و ــلم رآه م ‪ -‬أأ رأ اَّ ــرك ‪ -‬يف منامت قليالً‪َّ ،‬‬ ‫أن الن َّ‬ ‫واَّعىن َّ‬
‫ذلك عل أهللا ـ ــلابت فكان ذلك ـ ــبباً لثباهتم‪ ،‬قال جماهد ولو رآه م يف منامت كثرياً لف ـ ــلوا‪،‬‬
‫وجبنوا عل قتايم‪ ،‬ولتنازعوا يف األمر هل يالقو‪،‬م أم ح؟ واَّضــاري يف ا ية مبعىن اَّا ــي َّ‬
‫ألن‬
‫نايول ا ية كان بعد الراءة يف اَّنام‪ ،‬أأ عص ـ ـ ـ ـ ـ ــمهم من الف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬والتنازي‪ ،‬فقلَّلهم يف ع‬
‫فقص ريَيه عل أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــابــت‪ ،‬فكــان يف ذلــك تثبيــت يم‪،‬‬ ‫﴿ولش ِك َّن َّ‬
‫اَّللش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّ شم﴾ هللا (ﷺ)(‪َّ ،)2‬‬ ‫ش‬
‫عدوهم‪ ،‬وعند لقاء جيش اَّسلم مع جيش اَّ رك رأ كل منهم‬ ‫ِ‬ ‫وت يعهم‪ ،‬وجرأهتم عل‬
‫عدد ا خر قليالً‪.‬‬
‫اَّلل أ ْشمًرا‬ ‫قال تعاىل ﴿وإِ ْذ ي ِريكموهم إِ ِذ الْتشـ شقيـتم ِيف أ ْشعينِكم قشلِيالً ويـ شقلِلكم ِيف أ ْشعينِ ِهم لِيـ ْق ِ‬
‫ضـ شي َّ‬ ‫ْ ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫اَّللِ تـرجع األمور ﴾ [اآلنفال‪. ]44 :‬‬ ‫ِ‬
‫شكا شن شم ْفعوحً شوإ شىل َّ ْ ش‬
‫وإجا قلَّلهم يف أع اَّسـ ـ ـ ــلم تصـ ـ ـ ــديقاً لريَي النَّب هللاـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وليعاينوا ما‬
‫وجيدوا يف قتايم ويثبتوا‪ ،‬قال عبد هللا بن مس ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـعود ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‬ ‫أخربهم بت‪ ،‬فيايدادوا يقيناً‪ُّ ،‬‬
‫قلت لرجل إىل جنب أترآه م ـ ـ ــبع ؟ قال أرآه م مئة‪ ،‬فأ ـ ـ ـران رجالً منهم فقلنا لت كم كنتم؟‬
‫﴾حض قال قائل من اَّ رك َّإجا هم أكلة جايور‪.‬‬ ‫﴿ويـ شقلِلك ْم ِيف أ ْشعينِ ِه ْم َّ‬ ‫قال ألفاً‪ ،‬وقولت تعاىل ش‬
‫ووجت احلكمة‪ ،‬واللُّطف ابَّس ـ ـ ـ ــلم يف هذا التَّقليل‪ ،‬هو َّ‬
‫أن إراءة اَّس ـ ـ ـ ــلم عدد الكافرين‬
‫قليالً ثبَّتهم‪ ،‬ون َّ ـ ـ ـ ـ ـطهم‪ ،‬وجرآه م عل قتال اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،‬ونايي اخلو من قلوب اَّسـ ـ ـ ـ ــلم من‬
‫أعدائهم‪ ،‬ووجت احلكمة يف تقليل اَّس ـ ــلم يف أع اَّ ـ ــرك ‪ ،‬هو َّأ‪،‬م إذا رأوهم قليالً أقدموا‬

‫البهارأ ‪ ،‬رقم (‪.)4875‬‬


‫ُّ‬ ‫الرحيق اَّهتوم ‪ ،‬ص ‪ 116‬ـ ‪ ، 118‬واحلديث رواه‬
‫انظر َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)125/2‬‬


‫‪671‬‬
‫قد‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـتعداد‪،‬‬ ‫عل قتايم ري خائف ‪ ،‬وح مبال هبم‪ ،‬وح اخذين احلذر منهم‪ ،‬فال يقاتلون ٍ‬
‫ش‬
‫ويقظـ ٍـة‪ُّ ،‬‬
‫وحترٍز‪ ،‬مثَّ إذا مــا التلموا ابلقتــال فعالً تف ؤهم الكثرة‪ ،‬فشـيـْبـ شهتوا‪ ،‬ويشـ شه ـابوا‪ ،‬وتكس ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫شـ ـ ـ ـ ــوكتهم ح يرون ما يكن يف حسـ ـ ـ ـ ــاهبم‪ ،‬وتقديرهم‪ ،‬فيكون ذلك من أ ـ ـ ـ ـ ــباب خذح‪،‬م‪،‬‬
‫وانتصار اَّسلم عليهم(‪.)1‬‬

‫أوالً‪ :‬إمداد هللا للمسلمني ابملالئكة‪:‬‬


‫اَّطهرة‪ ،‬ومروَيت ٍ‬
‫عدد من الصـ ـ ـ ـ ـ ــلابة‬ ‫ثبت من نصـ ـ ـ ـ ـ ــوص القرآن الكر ‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّة النَّبويَّة َّ‬
‫الرع ‪.‬‬
‫أن هللا تعاىل ألق يف قلوب الذين كفروا ُّ‬ ‫البدري َّ‬
‫وب‬‫ك إِ شىل الْمالشئِ شك ِة أِشين معكم فشـثشـبِتوا الَّ ِذين آمنوا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـألْ ِقي ِيف قـل ِ‬ ‫وحي شربُّ ش‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْذ ي ِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫شش ْ‬ ‫ش‬
‫اق وا ْ ـ ـ ـ ِربوا ِمْنـهم ك َّل بـنش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ان ﴾ [اآلنفال‪ ، ]12 :‬وقال تعاىل‬ ‫ْ ش‬ ‫الر ْع ش فشا ْ ـ ـ ـ ِربوا فشـ ْو شق األ ْشعنش ش‬ ‫ين شك شفروا ُّ‬ ‫الذ ش‬
‫اَّللش لش شعلَّك ْم تش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكرو شن ۝ إِ ْذ تشـقول لِْلم ْؤِمنِ ش أشلش ْن‬ ‫اَّلل بِشب ْد ٍر شوأشنْـت ْم أ ِشذلَّة شفاتـَّقوا َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشركم َّ‬
‫﴿ولششق ْد نش ش‬
‫ش‬
‫صـ ـ ـ ـ ـِربوا شوتشـتـَّقوا شورْتوك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشكْفيشك ْم أش ْن مي َّدك ْم شربُّك ْم بِثشالشثشة آحش م شن الْ شمالشئ شكة مْنـشايل ش ۝ بشـلش إِ ْن تش ْ‬
‫ِم ْن فشـ ْوِرِه ْم شه شذا ميْ ِد ْدك ْم شربُّك ْم ِ ش ْم شسـ ِة آحش ٍ ِم شن الْ شمالشئِ شك ِة م شسـ ِوِم ش ۝ شوشما شج شعلشت َّ‬
‫اَّلل إِحَّ ب ْ ـشر‬
‫كي ِم ﴾ [آل عمران‪.]126 - 123-:‬‬ ‫احل ِ‬ ‫لشكم ولِتطْمئِ َّن قـلوبكم بِِت وما النَّصر إِحَّ ِمن ِعْن ِد َِّ‬
‫اَّلل الْ شع ِايي ِاي ْش‬ ‫ْ‬ ‫ْ شش ْ‬ ‫ْ شش ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـليلة الَّيت‬
‫البهارأ‪ ،‬ومسـ ـ ـ ـ ـ ــلم‪ ،‬وأحد بن حنبل‪ ،‬و ريهم عدداً من األحاديث ال َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وأورد‬
‫ت ري إىل م اركة اَّالئكة يف معركة بد ٍر‪ ،‬وقيامهم بضرب اَّ رك ‪ ،‬وقتلهم(‪.)2‬‬
‫رجل من‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬يش ْ تش ُّد يف أشثشـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر ٍ‬ ‫عباس ر ي هللا عنت قال بينما رجل من اَّسلم‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫ـوت الفارس يقول أشقْ ِد ْم شحْيـايوم(‪ !)3‬فنظر إىل‬ ‫اَّ ــرك أمامت إذ مسع ـ ـربةً ابل َّسـ ـ ْوط فوقت‪ ،‬وهللا ـ ش‬
‫فهر مســتلقياً‪ ،‬فنظر إلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فَذا هو خ ِط شم أنفت(‪ ،)4‬وش ـ َّق شو ْجهت كض ـربة ال َّس ـوط‪،‬‬
‫اَّ ــرك أمامت َّ‬
‫ـدقت‪ ،‬ذلك من‬ ‫ـول هللا‪ ،‬فقال «هللاـ ـ ش‬ ‫َّث بذلك ر ـ ـ ش‬ ‫ـارأ‪ ،‬فلد ش‬ ‫ض ـ ـَّر ذلك أش ْ شع‪ ،‬ف اء األنصـ ـ ُّ‬
‫فاخ ش‬
‫ْ‬
‫عباس ر ـ ــي هللا عنهما ‪ -‬أيض ـ ـاً ‪ -‬قال َّ‬
‫إن‬ ‫شم شد ِد ال َّس ـ ـماء الثالثة»‪[ ،‬س ــبق خترجيه] ومن حديث ابن ٍ‬

‫الايمل رأ (‪ ، )225/2‬وتفسري ابن كثري (‪.)315/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر تفسري َّ‬


‫الر ول الكر هللال هللا عليت و لم(‪.)291/1‬‬
‫انظر مو وعة نضرة النَّعيم يف مكارم أخالق َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪ )3‬شحْيـايوم ا م الفرس الَّذأ يركبت اَّلشك‪.‬‬


‫ش‬
‫(‪ )4‬خ ِطم اخلطم األثر عل األنف‪.‬‬
‫‪672‬‬
‫اخذ برأس فر ـ ـ ـ ــت‪ ،‬عليت أداة احلرب»‬ ‫النب هللا ـ ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ـ ــلم قال يوم بد ٍر «هذا جربيل ِ‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال ف اء رجل من األنص ـ ـ ــار‬‫[البخاري (‪ ،])3995‬ومن حديث ِ‬
‫إن هذا وهللا! ما أ رين‪ ،‬لقد‬ ‫قصري ابلعباس بن عبد اَّطَّل أ رياً‪ ،‬فقال العباس َي ر ش‬
‫ول هللا! َّ‬
‫شجلش (‪ ،)1‬من أحس ـ ـ ـ ـن النَّاس وجهاً‪ ،‬عل ٍ‬
‫فرس أشبْـلش شق(‪ ،)2‬وما أرآه يف القوم‪ ،‬فقال‬ ‫أ ـ ـ ـ ــرين رجل أ ْ‬
‫مبلك كرٍ »‪[ ،‬أمحد (‪،])117/1‬‬‫ـول هللا! فقال «ا ــكت‪ ،‬فقد أيَّدك هللا ٍ‬ ‫ـارأ أان أ ـرتت َي ر ـ ش‬
‫األنصـ ُّ‬
‫اَّازين قال « ِإين ألتبع رجالً من اَّ ــرك أل ـربت إذ وقع رأ ــت قبل أن‬ ‫ومن حديث أيب داود ِ‬
‫يصل إليت يفي‪ ،‬فعرفت أنَّت قتلت ريأ» [أمحد (‪ )450/5‬وابن هشام (‪. ])286/2‬‬

‫وإن احلكمة من هذا‬ ‫حشك فيت‪َّ ،‬‬


‫َّ‬ ‫إن إمداد هللا تعاىل للمؤمن ابَّالئكة أمر قطعي اثبت‪،‬‬ ‫« َّ‬
‫المداد حتص ــيل ما يكون ــبباً حنتص ــار اَّسـ ــلم ‪ ،‬وهذا ما حصـ ــل بنايول اَّالئكة‪ ،‬فقد قاموا‬
‫بكل ما ميكن أن يكون ــبباً لنص ــر اَّس ــلم ‪ ،‬من تب ــريهم ابلنَّص ــر‪ ،‬ومن تثبيتهم مبا ألقوه يف‬ ‫ِ‬
‫قلوهبم من بواعث األمل يف نصــرهم ‪ ،‬والنَّ ــاط يف قتايم‪ ،‬ومبا أظهروه يم من َّأ‪،‬م معانون من‬
‫أن هذا احش ـ اك‬ ‫ـك َّ‬
‫الفعلي يف القتال‪ ،‬وحشـ َّ‬
‫ِ‬ ‫هللا تعاىل‪ ،‬وأيض ـاً مبا قام بت بعضــهم من احش ـ اك‬
‫قلوهبم‪ ،‬وثبَّتهم يف القتــال‪ ،‬وهــذا مــا دلَّـت عليــت ا َيت‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرحــت بــت‬
‫ش‬ ‫الفعلي يف القتــال َّقو‬
‫َّ‬
‫األحاديث النَّبوية»(‪.)3‬‬
‫وقد يس ـ ـ ـ ــأل ـ ـ ـ ــائل ما احلكمة يف إمداد اَّس ـ ـ ـ ــلم ابَّالئكة‪ ،‬مع َّ‬
‫أن واحداً من اَّالئكة‬
‫السالم‪ ،‬قادر ‪ -‬بتوفيق هللا ‪ -‬عل إابدة الكفَّار؟‬ ‫ك ربيل عليت َّ‬
‫وقد أجاب األ ــتاذ عبد الكر زيدان عل ذلك‪ ،‬فقال لقد مضــت ـنَّة هللا بتدافع ِ‬
‫احلق‪،‬‬
‫أن ال لبة تكون شوفْقاً لسنن هللا يف ال لبة‪ ،‬وا نتصار‪ ،‬و َّ‬
‫أن هذا التَّدافع‬ ‫وأهلت مع الباطل‪ ،‬وأهلت‪ ،‬و َّ‬
‫التمسك ِ‬
‫ابحلق‪ ،‬والقيام مبتطلَّباتت أن‬ ‫احلق والباطل‪ ،‬ومن شرات ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يقع يف األهللال ب أهل اجلانب‬
‫متعددة من التأييد‪ ،‬والعون‪ ،‬ولكن‬‫ـكال‪ ،‬وأنو ٍاي ِ‬ ‫ٍ‬
‫عون‪ ،‬وأتييد من هللا تعاىل أبش ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ــلوا عل‬
‫تبق اَّدافعة‪ ،‬والتدافع جيرَين شوفْقاً لس ـ ـ ـ ـ ـ ــنن هللا فيهما‪ ،‬ويف نتي ة هذا التَّدافع‪ ،‬فاجلهة األقو‬
‫القوة الالزمة لل لبة هي الَّيت ت ل ‪ ،‬فالمداد ابَّالئكة هو بعض شرات إميان ت لك‬ ‫بكل معاين َّ‬‫ِ‬

‫شجلش الَّذأ احنسر شعره من جانب رأ ت ‪ ،‬فهو ْ‬


‫أجل ‪ ،‬وهي شجلْ شلاء ‪ ،‬واجلمع جلْ ‪.‬‬ ‫األ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬األبلق الَّذأ ارتفع التل يل إىل فهذيت‪.‬‬


‫(‪ )3‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)132 ، 131/2‬‬
‫‪673‬‬
‫العدو‪ ،‬ولكن بقيت ال لبة‬ ‫ِ‬ ‫العص ـ ــبة اااهدة‪ ،‬ذلك المداد الَّذأ حتقَّق بت ما يس ـ ــتلايم ال لبة عل‬
‫وتعر ـ ـ ـ ـ ـ ــهم للقتل‪،‬‬
‫قتال‪ ،‬ومباش ـ ـ ـ ـ ـ ــرة ألعمال القتال‪ُّ ،‬‬ ‫موقوفةً عل ما قدَّمت أولئك اَّؤمنون يف ٍ‬
‫وهللا ـ ـ ــمودهم‪ ،‬وثباهتم يف احلرب‪ ،‬وا ـ ـ ــتدامة توُّكلهم عل هللا‪ ،‬واعتمادهم عليت‪ ،‬وثقتهم بت‪ ،‬وهذه‬
‫معان جعلها هللا حس ننت يف احلياة أ باابً لل لبة‪ ،‬والنَّصر مع األ باب األخر ِ‬
‫اَّادية مثل‬ ‫ٍ‬
‫فَن ال الم يدعو اَّسلم إىل‬ ‫العدد‪ ،‬واح تعداد لللرب‪ ،‬وتعلُّم فنو‪،‬ا ‪ ...‬إخل‪ ،‬ويذا َّ‬ ‫العدَّة‪ ،‬و ش‬
‫أن يباشــروا أبنفســهم إزهاق الباطل‪ ،‬وقتال اَّبطل ‪ ،‬وأن يهيئوا األ ــباب ِ‬
‫اَّاديَّة‪ ،‬والميانية لل لبة‬
‫وا نتص ـ ــار‪ ،‬وأبيديهم ‪ -‬إن ش ـ ــاء هللا تعاىل ‪ -‬ينال اَّبطلون ما يس ـ ــتلقُّونت من العقاب(‪ ،)1‬قال‬
‫ف هللا ـ ـد شور قشـ ْوٍم م ْؤِمنِ ش ۝‬‫اَّلل ِأبشيْ ِديكم وخيْ ِايِهم ويـْنص ـ ـركم شعلشْي ِهم وي ْ ـ ـ ِ‬
‫ْ شش‬ ‫ْ ش ْ شش ْ ْ‬ ‫تعاىل ﴿قشاتِلوه ْم يـ شع ِذ ْهبم َّ‬
‫كيم ﴾ [التوبة‪.]15 - 14 :‬‬ ‫اَّلل علِيم ح ِ‬ ‫م قـلوهبِِ ْم شويشـتوب َّ‬ ‫شوي ْذ ِه ْ شْي ش‬
‫اَّلل شعلش شم ْن يش ش اء شو َّ ش ش‬
‫السموات العال إىل األرض لنصر اَّؤمن حدث‬ ‫السالم ‪ -‬من َّ‬‫إن نايول اَّالئكة ‪ -‬عليهم َّ‬ ‫َّ‬
‫عظيم إنَّت َّقوة عظم ‪ ،‬وثبات را ـ ـ ـ للمؤمن حينما يوقنون أب‪،‬م ليس ـ ـ ـوا وحدهم يف اَّيدان‪،‬‬
‫و َّأ‪،‬م إذا حققوا أ ــباب النَّصــر‪ ،‬واجتنبوا موانعت‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬م أهل َّدد ال َّس ـماء‪ ،‬وهذا ال ُّ ـعور يعطيهم‬
‫اَّاد ِأ ب جيش‬‫جرأ ًة يف مقابلة األعداء‪ ،‬وإن كان ذلك عل ـ ـ ـ ـ ـ ــبيل اَّ امرة‪ ،‬لبعد التكافؤ ِ‬
‫ِ‬
‫الضعيف إعداداً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القليل عدداً‪،‬‬ ‫الكفار الكب ِري عدداً‪ِ ،‬‬
‫القوأ إعداداً‪ ،‬وجيش اَّؤمن‬
‫وهو يف الوقت نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت عامل قوأ يف حتطيم معنوية الكفَّا ِر‪ ،‬وزعايعة يقينهم‪ ،‬وذلك حينما‬
‫ي ـيع يف هللاـفوفهم احتمال تشكشْرار نايول اَّالئكة الَّذين شـاهدهم بعض الكفَّار شعيشاانً‪َّ ،‬إ‪،‬م مهما‬
‫قدَّروا َّقوة اَّسـ ــلم ‪ ،‬وعددهم فَنَّت ـ ــيبق يف وجدا‪،‬م رع مايل ِايل من احتمال م ـ ــاركة قو ً‬
‫يقدرون مد َّقوهتا‪ ،‬وقد رافق هذا ال ُّ ـ ـ ـعور اَّؤمن يف ِ‬
‫كل‬ ‫ري منظورةٍ‪ ،‬ح يعلمون عددها‪ ،‬وح ِ‬
‫الراشـ ــدين‪،‬‬
‫َّبوأ‪ ،‬ويف عهد اخللفاء َّ‬ ‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم يف العهد الن ِ‬‫حروهبم الَّيت خا ـ ــها ال َّ‬
‫كمــا رافق بعض اَّؤمن بعــد ذلــك‪ ،‬فكــان عــامالً قوَيً يف انتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاراهتم ِ‬
‫اَّتكررة احلــامســة مع‬
‫أعدائهم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)132 ، 131/2‬‬


‫المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)145/4‬‬
‫انظر التاري ال ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪674‬‬
‫اثنياً‪ :‬انتصــار املســلمني على املشــركني‪ ،‬وحديث رســول هللا صــلى هللا عليه وســلم ألهل‬
‫ال َقليب(‪:)1‬‬

‫انتهت معركة بد ٍر ابنتص ـ ــار اَّس ـ ــلم عل اَّ ـ ــرك ‪ ،‬وكان قتل اَّ ـ ــرك ش ـ ــبع رجالً‪،‬‬
‫وأ ِ ـ ـر منهم ـ ــبعون‪ ،‬وكان أكثرهم من قادة قريش‪ ،‬وزعمائهم‪ ،‬وا ْ ـ ـت ـ ــهد من اَّس ـ ــلم أربعةش‬
‫شع ش شر رجالً‪ ،‬منهم تَّة من اَّهاجرين‪ ،‬وشانية من األنصار‪ ،‬وَّا ذَّ الفت ‪ ،‬وا‪،‬ايم اَّ ركون أر ل‬
‫يد بن حارثة‪ ،‬ليب ِ ـ ـرا اَّس ــلم يف اَّدينة بنص ــر هللا‬
‫عبد هللا بن شرشواحة‪ ،‬وز ش‬
‫هللا ــل هللا عليت و ــلم ش‬
‫للمسلم ‪ ،‬وهايمية اَّ رك (‪.)2‬‬
‫ـك عن أيب طللة‬ ‫ومكث هللال هللا عليت و لم ثالث ــة َّأَيم يف بد ٍر‪ ،‬فق ــد ذكر أنس ب ــن مال ـ ٍ‬
‫ثالث ٍ‬
‫ليال» [البخاري‬ ‫ٍ‬ ‫« َّ‬
‫هللاة ش‬ ‫ابلع ْر ش‬
‫نب هللا هللال هللا عليت و لم ‪ ...‬وكان إذا ظش شهشر عل قوم أقام ش‬ ‫أن َّ‬
‫لعل احلكمة يف ذلك‬ ‫(‪ ])3976‬و َّ‬
‫‪ - 1‬تص ـ ــفية اَّوقف ابلقض ـ ــاء عل أيَّة حر ٍ‬
‫كة من اَّقاومة اليائس ـ ــة الَّيت تمل أن يقوم هبا‬
‫ِ‬
‫الفارين‪.‬‬ ‫فلول اَّنهايم‬
‫‪ - 2‬دفن من ا ـ ـ ـ ـ ـ ــت ـ ـ ـ ـ ـ ــهد من جند هللا‪ ،‬اا ح تكاد هلو منت معركة‪ ،‬فقد دفن شـ ـ ـ ـ ـ ــهداء‬
‫الصالة عليهم‪ ،‬و يدفن أحد منهم خارً بد ٍر(‪.)3‬‬ ‫اَّسلم يف أرض اَّعركة‪ ،‬و يشِرْد ما ي ري إىل َّ‬
‫‪ - 3‬ع ال نائم‪ ،‬وحفظها‪ ،‬وإ ـ ــناد أمرها إىل من يقوم هبذا احلفم حض تـ شؤَّد كاملةً إىل‬
‫مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـتلقيها‪ ،‬وقد أ ـ ـ ـ ـ ـ ــندت أنفال‪ ،‬و نائم بدر‪ ،‬إىل عبد هللا بن كع ٍ األنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـارأ أحد ب‬
‫مازن(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬

‫ض ـ ِ الَّذأ‬ ‫‪ - 4‬إعطاء اجليش الظَّافر فرهللا ـةً يس ـ ي فيها‪ ،‬بعد اجلهد النَّفسـ ِـي‪ ،‬و ِ‬
‫البدين الْم ْ‬
‫ويضمد فيها جرا جمروحيت‪ ،‬ويذكر نعم هللا عليت فيما أفاء هللا عليت‬ ‫بذلت أفراده يف ميدان اَّعركة‪ِ ،‬‬
‫ـهل اَّنال‪ ،‬ويتذاكر أفراده‪ ،‬و اعاتت ما كان‬ ‫َّ‬
‫من النَّص ـ ـ ــر اَّؤزَّر‪ ،‬الذأ يكن داينش القطو ‪ ،‬ـ ـ ـ ش‬

‫البئر ‪ ،‬واجلمع قـل ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ال شقلِي‬


‫اَّستفاد من قصص القرآن (‪.)133/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫مو وعة نضرة النعيم (‪.)291/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‪ ،‬لصادق عرجون (‪.)453/3‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪675‬‬
‫أحداث ومفاجات يف اَّوقعة‪ ،‬اَّا كان لت أثر فعَّال يف ا ــت الب النَّصــر‪ ،‬وما كان من ٍ‬
‫فالن‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫يف شـ ـ اعتت وفدائيتت‪ ،‬وجرأتت عل اقتلام اَّض ــائق‪ ،‬وتفريت األزمات‪ ،‬وما تك َّ ـ ـفت عنت اَّعركة‬
‫الفر‪ ،‬والتـَّدبري اَّكم الَّـذأ أخـذ بـت العـدو‪ ،‬ومـا يف ذلـك من ش‬
‫عرب‪،‬‬ ‫الكر‪ ،‬و ِ‬
‫دروس عمليَّـة يف ِ‬ ‫من ٍ‬
‫وا ــتذكار أوامر القيادة العليا‪ ،‬وموقفها يف ر ــم اخلطا‪ ،‬وم ــاركتها الفعليَّة يف تنفيذها ليكون‬
‫من كل ذلك ــياء مي ــون يف نوره يف وقائعهم اَّســتقبلية‪ ،‬وجيعلون منت دعائم حلياهتم يف اجلهاد‬
‫الصبور‪ ،‬اَّظفَّر ابلنَّصر اَّب ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫التعر عليهم‪،‬‬ ‫ف قتل األعداء‪ ،‬الَّذيـ ـ ـ ـ ــن انفرجت اَّعركـ ـ ـ ـ ــة عن قتلهم‪ ،‬و ُّ‬ ‫‪ - 5‬مواراة جيش‬
‫وعل مكانتهم يف ح ـ ـ ـ ــودهم‪ ،‬وعل من بقي منهم مصـ ـ ـ ــروعاً قراحت يدركت اَّوت لإلجهاز‬
‫شره يف اَّستقبل كالذأ‬ ‫عل من تر قيادة جيش ال الم اَّصللة يف القضاء عليـ ـ ـ ــت اتقـ ـ ـ ــاءش ِ‬
‫األمة‪ ،‬والذأ كان من شأن رأس الكفر أميَّة بن‬ ‫كـ ـ ـ ـ ــان من أمر الفـ ـ ـ ـ ــا ق أيب جهل فرعون هذه َّ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫خلف‪ ،‬وأ راهبما‪ ،‬وقد أمر ر ول هللا هللال هللا عليت و لم نلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء هؤحء األخباث يف شرك ٍي‬
‫الركي(‪ ،)3‬وقد ورد أنـَّ ــت هللال‬
‫ث [البخاري (‪ ،])3976‬مثَّ وقف عل شفـ ــة َّ‬ ‫خبيث ملْبِ ٍ‬
‫من قـل ِ بـ ــد ٍر‪ٍ ،‬‬
‫كذبتموين‪ ،‬وهللادَّق‬ ‫َّب كنتم لنبيِكم َّ‬ ‫هللا عليت و لم وقف عل القتل ‪ ،‬فق ـال « بئس ع رية الن ِ‬
‫النَّاس‪ ،‬وخذلتموين‪ ،‬ونص ـ ـ ــرين النَّاس‪ ،‬وأخرجتموين‪ ،‬واواين النَّاس» [ابن هش ـ ــام (‪ ])293 - 292/2‬مث أمر‬
‫هبم‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ـ ـ ِلبوا إىل قشلِي ٍ من قـل ِ بدر‪ ،‬فط ِرحوا فيت‪ ،‬مث وقف عليهم فقال «َي عتبة بن ربيعةش!‬
‫وَي شيبة بن ربيعةش! وَي أميَّة بن خلف! وَي أاب جهل بن ه ام! وَي فالن! وَي فالن! هل وجدذ‬
‫فَين وجدت ما وعدين ريب حقاً»‪ ،‬فقال عمر بن اخلطَّاب َي ر ش‬
‫ول هللا!‬ ‫ما وعدكم ربُّكم حقاً‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ما هاط من أقوام قد جيَّفوا؟ فقال «والَّذأ نفس حممد بيده! ما أنتم ش‬
‫أبمسع َّا أقول منهم‪،‬‬
‫علي شيئاً» [البخاري (‪ )3976‬ومسلم (‪ )2873‬و(‪. ])2874‬‬ ‫شري َّأ‪،‬م ح يستطيعون أن ُّ‬
‫يردوا َّ‬
‫[البخاري‬ ‫قال قتادة أحياهم هللا حض أمسعهم قولشت‪ ،‬توبيهاً‪ ،‬وتص رياً‪ ،‬ونقمةً‪ ،‬وحسرةً‪ ،‬وندماً‪.‬‬
‫يف هناية حديث (‪. ])3976‬‬

‫إن مناداة الر ول هللال هللا عليت و لم لقتل قريش بيَّنت أمراً عظيماً‪ ،‬وهو َّأ‪،‬م بديوا حيا ًة‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬اجلِي شفة جثَّة اَّيت إذا أنْـتشـنشت ‪ ،‬واجلمع ِجيشف‪.‬‬


‫الركِيَّة البئر تطْشو ‪ ،‬واجلمع شرشك شاَي ‪ ،‬وركِي‪.‬‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الركِ ِي طر البئر‬
‫شفة َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪676‬‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـة‪ ،‬وهم فيها يس ـ ـ ـ ــمعون كالم األحياء‪ ،‬ري َّأ‪،‬م ح جييبون‪ ،‬وح‬ ‫جديدةً‪ ،‬هي حياة الربز اخلا َّ‬
‫يتكلمون‪ ،‬والميان هبذه احلياة من عقائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬ونعيم القرب وعذابت اثبتان يف هللا ـ ـ ــلا‬
‫مر بقربين‪ ،‬وقال «إ‪،‬ما لشيـ شع َّذبشـ ـ ـ ــان‪ ،‬وما يـ شع َّذبشـ ـ ـ ــان يف‬ ‫حض إنَّت هللال هللا عليت و لم َّ‬ ‫األحاديث‪َّ ،‬‬
‫أن ـب تعذيبهما الن َُّّم ب النَّاس‪ ،‬وعدم اح ـتناياه من‬ ‫كب ٍري» [البخاري (‪ )218‬ومسلم (‪ . ])292‬وذكر َّ‬
‫وحبد من التَّســليم هبذه احلقائق ال يبيَّة‪ ،‬بعد أن حتدَّث عنها الصــادق اَّصــدوق هللاــل‬ ‫البشـ ْوِل(‪َّ .)1‬‬
‫هللا عليت و ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وقطع هبا القرآن الكر يف تعذي ال فرعون‪ ،‬قال تعاىل ﴿النَّار يـ ْعشر ـ ـ ـ ـ ـ ـو شن‬
‫الساعة أشد ِخلوا ش ِ‬
‫اب ﴾ [غافر‪]46 :‬‬ ‫شش َّد الْع شذ ِ‬
‫آل ف ْر شع ْو شن أ ش ش‬ ‫شعلشْيـ شها د ًّوا شو شع ِ يًّا شويشـ ْوشم تشـقوم َّ ش ْ‬
‫اَّللِ أشْم شو ًاات بش ْل‬
‫ين قتِلوا ِيف ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬ ‫و َّأما ال ُّ ـ ـ ـ ـهداء فقد قال هللا تعاىل فيهم ﴿وحش شحتس ـ ـ ـ ـ َّ َّ ِ‬
‫ب الذ ش‬ ‫ش ْش ش‬
‫شحيشاء ِعْن شد شرهبِِ ْم يـ ْرشزقو ش‬
‫ن ﴾ [آل عمران‪.]169 :‬‬ ‫أْ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬


‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فوزأ فيض هللا ‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪677‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫مشاهد وأحداث من املعركة‬
‫أوالً‪ :‬مصارع الطي اة‪:‬‬

‫اَّهايومي‬
‫ِ‬ ‫أ ‪ -‬مصري أيب جهل بن ه ٍام‬
‫ف يوم بد ٍر‪ ،‬فنظرت عن‬ ‫الرحن بن عو ٍ ر ـ ـ ــي هللا عنت بشـْيـنشا أان واقف يف ال َّ‬
‫ص ـــ ِ‬ ‫قال عبد َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وطاس‪ ،‬فَذا أان ب الششم ْ ِ من األنصـ ـ ـ ــار حديثة أش ْ ـ ـ ـ ـنشا‪،‬ما‪ ،‬شَتشنـَّْيت أش ْن أشكو شن ب أ ـ ـ ـ ـلش شع‬ ‫ميي ‪ِ ،‬‬
‫جهل؟ قلت نعم‪ ،‬وما حاجتك إليت‬ ‫عم ! هل تعر أاب ٍ‬ ‫منهما‪ ،‬ف مايين أحد لا‪ ،‬فقال َي ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ـول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬والَّذأ نفســي بيده! لئن‬ ‫َيبن أخي؟! قال أ ْخِ ْربت أنَّت يشسـ ُّ ر ـ ش‬
‫ميوت األع ل منا(‪ ،)3‬فتع بت لذلك‪ ،‬ف مايين ا خر‪،‬‬ ‫حض ش‬ ‫رأيتت ح يفارق ـ ـ ـ ـ ـ ـوادأ ـ ـ ـ ـ ـ ـو شاده َّ‬
‫إن هــذا‬ ‫فقــال س ِمثْـلش شهـا‪ ،‬فلم أشنْ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ (‪ )4‬أش ْن نظرت إىل أيب جهـ ٍـل شجيول يف النـَّاس‪ ،‬فقلــت أح َّ‬
‫حض قتاله‪ ،‬مثَّ انص ــرفا إىل ر ــول هللا‬ ‫احبكما الَّذأ ــألت شماين‪ ،‬فابتدرآه بس ــيفيهما‪ ،‬فض ـرابه َّ‬ ‫هللا ـ ِ‬
‫ش‬
‫احد منهما أان قتلتت! فقال‬ ‫كل و ٍ‬ ‫هللال هللا عليت و لم فأخربآه ‪ ،‬فقال «أيُّكما قش ـ ـ ــتشـ ـ ـ ـلشت؟» قال ُّ‬
‫«هل شم شسـ ْلت شما ش ـْيـ شفْيكما؟»‪ ،‬قاح ح‪ .‬فنظر يف ال َّسـيف ‪ ،‬فقال «كِالكما قتلت‪ ،‬ش ـلشبت َّعاذ بن‬
‫ذ بن عمرِو بن اجلمو » [البخـاري (‪ )3141‬ومسـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫عمرو بن اجلشمو » وكــاان معــا شذ بن شع ْفشراء‪ ،‬وم شعـا ش‬
‫(‪. )5(])1752‬‬
‫أنس قال قال ر ول هللا هللال هللا عليت و لم يوم بد ٍر « شم ْن ينظر ما فعل أبو‬ ‫ويف حديث ٍ‬
‫حض بشـشرشد(‪ ،)6‬فأخذ بلليتت‪ ،‬فقال‬
‫جهل؟» فانطلق ابن مسـ ـ ـ ـ ــعود‪ ،‬فوجده قد ـ ـ ـ ـ ـ شـربشت ابنا عفراء َّ‬

‫(‪ )1‬أ لع أقو ‪ ،‬وأعظم ‪ ،‬وأشدُّ‪.‬‬


‫(‪ )2‬مايين قرهللا ‪.‬‬
‫ميوت األع ل منا أأ األقرب أجالً‪.‬‬ ‫حض ش‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫ألبث‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أن‬
‫ُّ‬
‫يستلقـت من أثهن فـي القتل ‪ ،‬ولو شاركت ريه يف الضَّرب ‪ ،‬أو الطعن‪،‬‬ ‫السلش‬
‫لمبالسلش لعمرو بـن اجلشمو وحده ألن َّ‬ ‫َّ‬ ‫وإجا قض هللال هللا عليت و‬ ‫(‪َّ )5‬‬
‫إن لت م اركةً يف قتلت ‪ ،‬ومن ذلك علِ شم َّ‬
‫أن ابن اجلمو هو الَّذأ‬ ‫َّب هللال هللا عليت و لم «كالكما قتلت» تطييباً لقل احخر من حيث َّ‬ ‫َّ‬
‫وإجا قال الن ُّ‬
‫أثهنت ‪ ،‬وأيضاً فَن معاذش بن عفراء قتِ شل يف اَّعركة نفسها ‪ ،‬وأما احخر فقد عاش إىل زمان عثمان ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫(‪ )6‬بششـرشد قارب عل اَّوت ‪ ،‬وكان يف النَّايي األخري ‪ ،‬أو فششش و ش شك شن ‪ ،‬واَّعنيان متقارابن‪.‬‬
‫‪678‬‬
‫[البخــاري (‪ )3962‬ومسـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫فوق رج ـ ٍـل قتل ــت قومـ ـت؟ أو ق ــال قشـتشلتموه‪.‬‬
‫أن ــت أاب جه ــل؟! ق ــال وه ــل ش‬
‫(‪. ])118/1800‬‬

‫ويف حديث عبد هللا بن مس ـ ـ ــعود ر ـ ـ ــي هللا عنت قال «أدركت أاب جهل يوم بد ٍر هللا ـ ـ ـريعاً‪،‬‬
‫رجل قتلت قومت(‪ ،)1‬ومعي‬ ‫عدو هللا‪ ،‬قد أخاياك هللا! قال و أخاياين؟ هل أ ْشعمد من ٍ‬ ‫أأ َّ‬
‫فقلت ْ‬
‫ـ ـ ــيف س‪ ،‬ف علت أ ـ ـ ـربت‪ ،‬وح تك فيت شـ ـ ــيء‪ ،‬ومعت ـ ـ ــيف لت جيِد‪ ،‬فض ـ ـ ـربت يده‪ ،‬فوقع‬
‫النب هللاــل هللا‬ ‫ِ‬
‫ال َّس ـيف من يده‪ ،‬فأخذتت‪ ،‬مثَّ ك ــفت اَّ ْ شفشر عن رأ ــت‪ ،‬فض ـربت عن شقت‪ ،‬مثَّ أتيت َّ‬
‫عليت و لم ‪ ،‬فأخربتت‪ ،‬فقال «هللا الَّذأ ح إلت إح هو؟!» قلت هللا الَّذأ ح إلت إح هو!‬
‫مثل الطَّائر‪ ،‬مث جئت‪ ،‬وأان أ ـ ـ ـ ــع مثل‬
‫قال فانطلق فا ـ ـ ـ ــتثبت‪ ،‬فانطلقت وأان أ ـ ـ ـ ــع ش‬
‫الطائر أ لك‪ ،‬فأخربتت‪.‬‬
‫فقال ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم «انطلق» فانطلقت معت فأريتت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وقف عليت‬
‫األمة» [أمحد (‪ 403/1‬و‪ )444‬وأبو داود (‪ )2709‬خمتصراً] ‪.‬‬
‫هللال هللا عليت و لم قال «هذا فرعون هذه َّ‬
‫جهل ما مسعاه من أنَّت كان يس ُّ‬ ‫كان الدَّافع من حرص األنصاريَّْ ِ ال َّابَّْ ِ عل قتل أيب ٍ‬
‫ـول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬وهكذا تبل حمبَّة ش ــباب األنص ــار لر ــول هللا هللا ــل هللا عليت‬
‫رـ ش‬
‫تعرض لت ابألذ ‪.‬‬
‫و لم ‪ ،‬إىل بذل النَّفس يف بيل ا نتقام اَّن َّ‬
‫الرمق األخري من‬
‫جهل ‪ -‬وهو يف َّ‬ ‫وما جر ب عبد هللا بن مس ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـعود ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت وأيب ٍ‬
‫حياتت ‪ -‬فيت عربة بلي ة‪ ،‬فهذا الطَّا ية الذأ كان ش ـ ـ ـ ـ ــديد األذ للمس ـ ـ ـ ـ ــلم يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬قد وقع‬
‫هللاريعاً ب أيدأ من كان يؤذيهم‪.‬‬
‫وي ــاء هللا تعاىل أن يكون الذأ يقض ــي عل اخر ٍ‬
‫رمق من حياتت‪ ،‬هو أحد اَّس ــتض ــعف ‪،‬‬
‫ولقد كان أبو جهل مســتكرباً جباراً حض وهو هللا ـريع ويف اخر حلظات حياتت (‪ ،)2‬فقد جاء يف‬
‫ٍ‬
‫قيت مرتق ً‬
‫رواية حبن إ لاق أنَّت قال لعبد هللا بن مسعود ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أراد أن َّتاي رأ ت «لقد ارت ش‬
‫هللاعباً َي رويْعِي ال نم!» [ابن هشام (‪. ])289/2‬‬
‫ش‬
‫«فاهلل تعاىل يع ِ ْل يذا اخلبيث أيب ٍ‬
‫جهل بضرابت األبطال من أشبال األنصار فلس ‪،‬‬

‫علي عار فلن أبعد أن أكون رجالً قتلت قومت‪.‬‬


‫](أ ْشع شمد من رجل قتلت قومت) أو (هل فوق رجل قتلت قومت) أأ ليس َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪ 158/4‬ـ ‪.)160‬‬


‫‪679‬‬
‫ت بت عل‬ ‫ٍ‬
‫ولكنَّت أبقاه مص ـ ــروعاً يف حالة من الدراك‪ ،‬والوعي‪ ،‬بعد أن أهللا ـ ــابتت ـ ـ ـرابت أش ـ ـ ـ شف ْ‬
‫ـدأ‪ ،‬لرييــت بع بص ـ ـ ـ ـ ـ ــره مــا بل ــت من اَّهــانــة‪ ،‬والـ ُّـذ ِل‪ ،‬واخلــذحن عل يــد من كــان‬
‫ايالك األبـ ِ‬
‫األول ‪ -‬ال َّس ـ ـ ـابق إىل مظلَّة الميان‪،‬‬ ‫الرعيل َّ‬ ‫يس ـ ـ ــتض ـ ـ ــعفت‪ ،‬ويؤذيت‪ ،‬ويض ـ ـ ــطهده َّ‬
‫مبكة من رجال َّ‬
‫وط ْهر العقيدة‪ ،‬والتعبُّد هلل ب ـرائعت الَّيت أناييا رحةً للعاَّ ‪ -‬عبد هللا بن مســعود ر ــي هللا عنت‪،‬‬
‫ويقرعت تقريعاً يبل من نفس ــت‬ ‫فيعلو عل هللا ــدره‪ ،‬ويدو ــت بقدميت‪ ،‬ويقبض عل حليتت حتقرياً لت‪ِ ،‬‬
‫ـتل منت ــيفت إمعاانً يف البطش بت‪ ،‬فيقتلت بت‪ ،‬وميعن يف‬ ‫جممع روره‪ ،‬وا ــتكباره يف األرض‪ ،‬ويسـ ُّ‬
‫أن النَّص ــر عقد بناهللا ــية جند هللا‪ ،‬وكتيبة ال ــالم‪ ،‬و َّ‬
‫أن ششـ ـنش شار(‪ )1‬ايايمية النَّكراء‪،‬‬ ‫إ اظتت نخباره َّ‬
‫ت(‪ )2‬بت كتائ ال رور األجو ‪ ،‬يف ح ـ ــود النَّفري الَّذأ قاده‬ ‫وعارها‪ ،‬وخاييها‪ ،‬وخذح‪،‬ا قد رِزئش ْ‬
‫هذا الكفور اخلبيث‪.)3(»...‬‬
‫ب ‪ -‬مصري أميَّةش بن خلف‬
‫بن خلف كتاابً‪ ،‬أبن فظ يف‬ ‫ٍ‬
‫الرحن بن عو ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت « شكاتبت أميةش ش‬ ‫قال عبد َّ‬
‫حن‪،‬‬
‫الر ش‬ ‫هللاا ِيشتِـ ـ ِـت ابَّدينـ ــة‪ ،‬فلـ ـ َّـما ذكـ ــرت َّ‬
‫(الرحن) قال ح أعر َّ‬ ‫هللاا ِيشيت(‪َّ )4‬‬
‫مبكـ ــة‪ ،‬وأحفظت يف ش‬ ‫ش‬
‫شكاتِْب ابمسك الَّذأ كان يف اجلاهليَّة‪ ،‬فكاتبتت (عبد عم ٍرو)‪.‬‬
‫خرجت إىل شجبش ٍل أل ْح ِرشزه(‪ )5‬ح انم النَّاس‪ ،‬فأبصره بالل‪ ،‬فهرً‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان يف يوم بد ٍر ْ‬
‫جملس من األنص ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬فقال أمية بن خلف! ح ُوت إن ُا أميَّة‪ ،‬فهرً معت‬ ‫ٍ‬ ‫حض وقف عل‬
‫فريق من األنصار يف آاثران‪ ،‬فل ـ ـ ـ َّـما شخ ِ يت أن يللقوان خلَّفت يم ابنشت أل ْش ِلشهم‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬مثَّ أشبشوا‬
‫حض يشـْتـبشـعوان ‪ -‬وكان رجالً ثقيالً(‪ - )6‬فلما أدركوان قلت لت ابْـرْك‪ ،‬فشششرب شك‪ ،‬فألقيت عليت نفسـ ـ ــي‬ ‫َّ‬
‫ألمنعت‪ ،‬فتش ش لَّلوه(‪ )7‬ابل ُّس ـ ـ ـيو من حتيت حض قتلوه‪ ،‬وأهللا ـ ـ ــاب أحدهم رجلي بس ـ ـ ــيفت‪ ،‬وكان عبد‬
‫د ِم ِت» [البخاري (‪ 2301‬و‪. ])3971‬‬
‫الرحن بن عو ي ِرينا ذلك األشثشـشر يف ظش ْه ِر قش ش‬ ‫َّ‬

‫ُّنع ِة والقْب ‪ ،‬ويقال عار ش‬


‫وشنشار‪.‬‬ ‫ال َّنشار األمر اَّ هور ابل ش‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬شرشزأه رْزءاً أهللاابت مبصيبة‪.‬‬


‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لملصادق عرجون (‪.)432 ، 431/3‬‬ ‫(‪ )3‬انظر َّ‬
‫الرجل ما مييل إليت ‪ ،‬ويطلق عل األهل واَّال‪.‬‬ ‫الصا ية هللاا ية َّ‬‫(‪َّ )4‬‬
‫(‪ )5‬أ ْح ِرشزه أحيت‪.‬‬
‫(‪ )6‬وكان رجالً ثقيالً أأ هم اجلثَّة‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلَّلوه طعنوه ‪ ،‬وأهللاابوه ‪ ،‬ويف رواية (فتهلَّلوه) أأ أدخلوا أ يافشهم خاللت‪.‬‬
‫‪680‬‬
‫اية أخر لعبد الرحن بن عو ر ـ ـ ــي هللا عنت قال كان أميَّة بن ٍ‬
‫خلف س هللاـ ـ ــديقاً‬ ‫ويف رو ٍ‬
‫ش‬
‫مبكة‪ ،‬فكان يلقاين إذ‬ ‫الرحن‪ ،‬وحنن َّ‬‫عبد َّ‬
‫فتسميت ح أ لمت ش‬ ‫عبد عم ٍرو‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫مبكة‪ ،‬وكان امسي ش‬
‫بت عن ا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍم مسَّاكت أبواك؟ فأقول نعم‪ ،‬فيقول ِ‬
‫فَين ح‬ ‫عبد عمرو! أر ش‬ ‫مبكة‪ ،‬فيقول َي ش‬‫حنن َّ‬
‫األول‪ ،‬وأما أان‬ ‫الرحن فاجعل بي وبينك ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً أدعوك بت‪َّ ،‬أما أنت فال ديب ابمسك َّ‬ ‫أعر َّ‬
‫فال أدعوك مبا ح أعر !‬
‫علي! اجعـ ْـل مــا‬
‫قــال فكــان إذا دعــاين َي عبـ شـد عمرو! أجْب ـت‪ ،‬قــال فقلــت لــت َي أاب ٍ‬
‫عبد اللت!‬ ‫ـئت!‪ ،‬قال فأنت عبد اللت‪ ،‬قال فقلت نعم‪ ،‬قال فكنت إذا مررت بت قال َي ش‬ ‫ش ش‬
‫علي بن‬ ‫علي‪ِ ،‬‬ ‫يوم ب ـد ٍر مررت بــت وهو واقف مع ابنــت ٍ‬ ‫حض إذا كــان ش‬‫فــأجيبــت‪ ،‬فــأحتــدث معــت‪َّ ،‬‬
‫أميَّة‪ ،‬اخذ بيده‪ ،‬ومعي أدراي قد ا تلبتها‪ ،‬فأان أحلها‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما راين قال س َي عب شد عمرو‪ ،‬فلم‬
‫يف فأان خري لك من هذه األدراي الَّيت‬ ‫عبد اللت! فقلت نعم‪ ،‬قال هل لك َّ‬ ‫أجبت‪ ،‬فقال َي ش‬ ‫ْ‬
‫معك؟ قال قلت نعم ها هللا ذا(‪ !)1‬قال فطرحت األدراي من يدأ‪ ،‬وأخذت بيده‪ ،‬ويد ابنت‪،‬‬
‫قا‪ ،‬أما لكم حاجة يف اللَّب؟ (قال) مثَّ خرجت أم ـ ــي هبما‪ ،‬قال‬ ‫وهو يقول ما رأيت كاليوم ُّ‬
‫نبل كثرية اللَّب‪[ .‬ابن هشام (‪. ])284 - 283/2‬‬
‫أن من أ رين افتديت منت ٍ‬ ‫ابن ه ام يريد ابللَّب َّ‬
‫السابقة‬ ‫ونللم من ِ‬
‫الرواَيت َّ‬
‫خلف الَّذأ كان‬ ‫عدوه اللَّدود أميَّةش بن ٍ‬
‫َّ‬ ‫‪ - 1‬ما جر من ٍ‬
‫بالل ر ي هللا عنت‪ ،‬حينما رأ‬
‫الرحن بن عو ر ــي هللا عنت أ ـرياً‬ ‫يســومت أقس ـ ‪ ،‬وأعنف أنواي العذاب يف َّ‬
‫مكة يف يد عبد َّ‬
‫هللار أبعل هللاوتت (ح ُوت إن ُا!)‪.‬‬
‫إنَّت موقف من مواقف التَّ ـ ـ ـ ِـفي من أعداء هللا‪ ،‬والتَّ ـ ـ ـ ِـفي من كبار الكفرة الف َّ ار يف احلياة‬
‫يفرً هللا هبــا عن اَّكروب من اَّؤمن ‪ ،‬الَّ ـذين ذاقوا الـ ُّـذ َّل‪ ،‬وايوان عل أيــدأ‬ ‫الــدُّنيــا‪ ،‬نعمــة ِ‬
‫ف‬‫اَّلل ِأبشيْ ِديكم وخيْ ِايِهم ويـْنصركم شعلشْي ِهم وي ْ ِ‬
‫أولئك الف رة الطُّ اة‪ ،‬قال تعاىل ﴿قشاتِلوه ْم يـ شع ِذ ْهبم َّ‬
‫ْ شش‬ ‫ْ ش ْ شش ْ ْ‬
‫اَّلل شعلِيم شح ِكيم ﴾‬ ‫م قـلوهبِِ ْم شويشـتوب َّ‬
‫اَّلل شعلش شم ْن يش ش ـ ـ ـ ـاء شو َّ‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـد شور قشـ ْوٍم م ْؤِمنِ ش ۝ شوي ْذ ِه ْ شْي ش‬
‫[التوبة‪. ]15 - 14 :‬‬

‫السهيلي « ها تنبيت ‪ ،‬وذا إشارة إىل نفست ‪ ،‬وقال بعضهم إىل القسم ‪ ،‬أأ هذا قسمي ‪ ،‬وأراها إشارة إىل اَّقسم‬ ‫الروض ‪ ،‬قال ُّ‬ ‫(‪ )1‬كذا يف شر ِ‬
‫السرية و َّ‬
‫مقسم ‪ ،‬وفصل ابح م اَّقسم بت ب‬‫‪ ،‬وخفض ا م هللا حبر القسم أ مره ‪ ،‬وقام التَّنبيت مقامت ‪ ،‬كما يقوم اح تفهام مقامت ‪ ،‬فكأنَّت قال ها أنذا ِ‬
‫(ها) و(ذا) ‪ ،‬فعلم أنَّت هو اَّقسم ‪ ،‬فا ت ىن عن أان ‪ ،‬ومثلت قول أيب بك ٍر ح ها هللاِ! يف هللالي مسل ٍم (‪.»)1751‬‬
‫‪681‬‬
‫خلف من قتـ ٍـل مفايٍي در ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً بلي ـاً للطُّ ــاة اَّت ِربين‪ ،‬وعربةً‬ ‫إن فيمــا جر ألميَّـةش بن ٍ‬ ‫‪َّ - 2‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعفــاء‪،‬‬
‫بقوهتم‪ ،‬وينهــدعون قــاههم‪ ،‬ومكــانتهم‪ ،‬فيعتــدون عل ال ُّ‬ ‫للمعتربين الَّـذين ي ُّون َّ‬
‫ميكن هللا للضُّعفاء منهم يف‬ ‫ووخيمة يف ا خرة‪ ،‬وقد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عاقبة يِ ٍئة‪،‬‬
‫ويسلبو‪،‬م حقوقهم‪ ،‬فمايم إىل ٍ‬
‫﴿ون ِريد‬
‫ش‬ ‫تعاىل‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الدُّنيا قبل ا خرة كما حدث أل شميةش بن خلف‪ ،‬وأ رابت من ط اة الكفر‬
‫ض شوشُْ شعلشه ْم أشئِ َّمةً شوشُْ شعلشهم الْ شوا ِرثِ ش ﴾ [القصص‪. ]5 :‬‬ ‫ضعِفوا ِيف األ ْشر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫أش ْن شج َّن شعلش الذ ش‬
‫ين ا ْ ت ْ‬
‫ـت ْأدراعي‪ ،‬وف ع‬ ‫الرحن بن عو « يرحم هللا بالحً! ذهب ـ ـ ـ ْ‬ ‫‪ - 3‬ويف قول عب ـ ـ ــد َّ‬
‫بالل من معار ـ ٍـة وانتاياي األ ــريين من يده َّ‬
‫بقوة األنص ــار الَّذين‬ ‫أ»(‪ ،)2‬مع ما جر من ٍ‬ ‫ـري َّ‬
‫أب ـ ش‬
‫الصلابة الكرام(‪.)3‬‬
‫َّ‬ ‫ا تن د هبم‪ ،‬دليل عل َّقوة ِ‬
‫الرابط األخوأ ب‬
‫ألم هللا ـ ـ ـ ـ ــفوان بن أميَّة (زوجة أميَّةش بن شخلف) قيل ِ‬
‫ألم هللا ـ ـ ـ ـ ــفوان بن أميَّة بعد‬ ‫‪ - 4‬موقف ِ‬
‫علي بن أميَّة يوم بد ٍر‪،‬‬
‫مبكة هذا الذأ قشطش شع ِر ْج شل ِ‬‫إ ـ ـ ــالمها‪ ،‬وقد نظرت إىل احلبشاب بن اَّنذر َّ‬
‫قالت شدعوان من ذ ْك ِر شم ْن قتِل عل ال ِ ـ ـرك! قد أهان هللا علياً بض ـ ـربة احلبشاب بن اَّنذر‪ ،‬وأكرم‬
‫اب بض ـ ـ ـربت علياً‪ ،‬قد كان عل ال ـ ـ ــالم ح خرً من هاهنا‪ ،‬فقتِ شل عل ري ذلك(‪،)4‬‬ ‫هللا احلبش ش‬
‫يدل عل َّقوة إميا‪،‬ا‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـ ــو يقينها حيث اتَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــلت يا عقيدة الوحء والرباء‪،‬‬ ‫وهذا اَّوقف ُّ‬
‫فأهللابلت حت ُّ اَّسلم وإن كانوا من ري قبيلتها‪ ،‬وتكره الكافرين وإن كانوا من أبنائها(‪.)1‬‬
‫علي «قد كان عل ال ــالم ح خرً من هاهنا‪ ،‬فقتل عل ري ذلك»‬ ‫وقويا عن ابنها ٍ‬
‫مبكة‪ ،‬وخرجوا مع قومهم يوم بد ٍر مكشْره فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما التق‬ ‫تع أنَّت كان اَّن عر عنهم ال الم َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفَّان فتِنوا حينما رأوا قلَّة اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فقالوا قد شَّر هؤحء دينهم(‪ ،)5‬فنايل فيهم قول هللا‬ ‫ال َّ‬
‫ين ِيف قـلوهبِِ ْم شمشرض شَّر شهؤحشِء ِدينـه ْم شوشم ْن يشـتشـ شوَّك ْل شعلش َّ‬
‫اَّللِ شفَِ َّن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل ﴿إ ْذ يشـقول الْمشنافقو شن شوا لذ ش‬
‫اَّلل ع ِايياي ح ِ‬
‫كيم ﴾ [اآلنفال‪. ]49 :‬‬
‫َّش ش ش‬

‫المي لللميدأ (‪.)153 ، 152/4‬‬


‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر رية ابن ه ام (‪.)244/2‬‬


‫(‪ )3‬انظر التَّاري ال المي لللميدأ (‪.)153/4‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست (‪.)154/4‬‬
‫(‪ )5‬انظر تفسري الطَّربأ (‪.)21/10‬‬
‫‪682‬‬
‫الايبري ر ي هللا عنت‬ ‫ً ‪ -‬مصري عبشـْي شدة بن عيد بن العاص عل يد ُّ‬
‫العوام ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت لقيت يوم بد ٍر عْب ش‬
‫يد شة بن ـ ـ ـ ـ ـ ــعيد بن العاص‪ ،‬وهو‬ ‫الايبري بن َّ‬ ‫«قال ُّ‬
‫ْىن أاب ذات ال شك ِرش‪ ،‬فق ــال أان أبو ذات ال شك ِرش‪،‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫مـ ـ شد َّجت ح ير من ــت إح عين ــاه‪ ،‬وهو يك ش‬
‫بري قال لقد‬‫الاي ش‬ ‫فلملت عليت ابلْ شعنشـشايةِ(‪ ،)2‬فطعنتت يف عينت‪ ،‬فمات‪ ،‬قال ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام فأ ْخِ ْربت َّ‬
‫أن ُّ‬
‫و عت رجلي عليت‪ ،‬مثَّ َتطَّأت‪ ،‬فكان اجلهد أن نايعتها وقد انثىن طرفاها(‪.)3‬‬
‫قال ع ْروة فســألت َّإَيها ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قبض ر ــول هللا‬
‫هللال هللا عليت و لم أخذها‪ ،‬مثَّ طلبها أبو بكر‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬فل َّـما قبض أبو بكر‪ ،‬ألت َّإَيها عمر‪،‬‬
‫فأعطاه َّإَيها‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّما قبض عمر أخذها‪ ،‬مثَّ طلبها عثمان منت‪ ،‬فأعطاه َّإَيها‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ َّـما قتل عثمان‬
‫حض قتل» [البخاري (‪. ])3998‬‬ ‫علي‪ ،‬فطلبها عبد هللا بن الايبري‪ ،‬فكانت عنده َّ‬ ‫وقعت عند ال ٍ‬
‫العوام ر ــي هللا عنت يف إهللا ــابة ايد حيث ا ــتطاي‬ ‫«هذا اخلرب يص ـ ِـور لنا دقَّة ُّ‬
‫الايبري بن َّ‬
‫الرجل‪ ،‬مع ـ ـ ـ ــيق ذلك اَّكان‪ ،‬وكونت قد وزَّي طاقتت ب اي وم‬ ‫أن يض ـ ـ ـ ــع احلربة يف ع ذلك َّ‬
‫الرجل بعيد ًة جداً لكونت قد ح جس ـ ـ ـ ــمت ابحلديد الواقي‬‫الدفاي‪ ،‬فلقد كانت إهللا ـ ـ ـ ــابة ذلك َّ‬‫وِ‬
‫الايبري ا تطاي إهللاابة إحد عينيت‪ ،‬فكانت هبا ‪،‬ايتت‪ ،‬ولقد كانت الهللاابة شديدة العمق‬ ‫لكن ُّ‬
‫َّ‬
‫الايبري اجلسديَّة‪ ،‬إ افةً إىل دقَّتت‪ ،‬ومهارتت يف إهللاابة ايد »(‪.)4‬‬ ‫اَّا ُّ‬
‫يدل عل َّقوة ُّ‬
‫ومي‬
‫د ‪ -‬مصري األ ْ ود اَّ ْهاي ِ‬
‫ش‬
‫ومي‪ ،‬وكان رجالً ش ـ ــر ـ ـ ـاً ش ـ ـ ـِىيءش اخللق‪ ،‬فقال‬
‫قال ابن إ ـ ــلاق وقد خرً األش ْ ـ ـ ـود اَّش ْهاي ُّ‬
‫ألموتن دونت! فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً‪ ،‬خرً إليت حاية بن‬
‫َّ‬ ‫بن من حو هم‪ ،‬أو ألهدمنَّت‪ ،‬أو‬ ‫أعاهد هللا ألشر َّ‬
‫شطن قش شد شمت بِ ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫نصف اقت‪ ،‬وهو دون احلوض‪ ،‬فوقع عل‬ ‫عبد اَّطل ‪ ،‬فل ـ ـ َّـما التقيا ربت حاية فأ َّ‬
‫حض اقتلم فيت‪ ،‬يريد أن يِ َّرب ميينت‪،‬‬ ‫ظهره تش ْ ـه (‪ )6‬رجلت دماً حنو أهللاــلابت‪ ،‬مثَّ حبا إىل احلوض َّ‬

‫وح يظهر منت شيء‪.‬‬ ‫(‪ )1‬م شد َّجت قيم األوىل ثقيلة ومفتوحة ـ وقد تكسر ـ أأ م طَّ ِ‬
‫ابلسال‬
‫العنشاية شبيت العكازة يا زً من أ فلها يطْ شعن بت‪.‬‬
‫ش‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)154/4‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫انظر التَّاري ال ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪.)163/4( ،‬‬


‫(‪ )5‬أطش َّن أطار‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت‪.‬‬ ‫(‪ )6‬تش ْ ه تسيل‬
‫‪683‬‬
‫حض قتلت يف احلوض(‪.)1‬‬
‫وأتبعت حاية فضربت َّ‬
‫الرجل اَّعلم بري ـ ــة ٍ‬
‫نعامة يف هللاـ ــدره؟‬ ‫وقد ـ ــأل أميَّة بن خلف عبد الرحن بن عو ‪ ،‬عن َّ‬
‫الرحن ذاك حاية بن عبد اَّطل ‪ ،‬قال أميَّة ذاك الذأ فعل بنا األفاعيل(‪ ،)2‬وهذه‬‫فأجابت عبد َّ‬
‫شـ ــهادة من أحد زعماء الكفر‪ ،‬وهذا يع أنَّت ر ـ ــي هللا عنت قد أثهن يف جيش األعداء قتالً‪،‬‬
‫وت ريداً(‪.)3‬‬
‫وكان هذا َّأول من قتل من اَّ رك بيد أ د هللا تعاىل حاية بن عبد اَّطل ر ي هللا عنت‪،‬‬
‫فقد جاء هذا اللَّئيم ال َّ ـ ـ ِرس َّ‬
‫يتلد اَّس ــلم ‪ ،‬فتص ـ َّـد لت بطل ال ــالم حاية‪ ،‬فقضـ ـ عليت‪،‬‬
‫الصميم(‪.)4‬‬ ‫ولقَّن أمثالت من احلاقدين ِ‬
‫اَّتكربين در اً يف َّ‬
‫اثنياً‪ :‬من مشاهد العظمة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ا ت هاد حارثة بن راقة ر ي هللا عنت‬


‫يوم بد ٍر‪ ،‬وهو الم‪ ،‬ف اءت ُّأمت إىل الن ِ‬
‫َّب‬ ‫أنس ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال أهللا ـ ـ ـ ـ ــي حارثة ٍ‬
‫عن ٍ‬
‫هللا ـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ‪ ،‬فقالت َي ر ـ ــول هللا! قد عرفت منايلةش حارثةش م ِ ‪ ،‬فَن يكن يف اجلنَّة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شوجنَّة واحدة‬ ‫أهللا ـ ـ ـ ْـرب‪ ،‬وأحتس ـ ـ ـ ـ ْ ‪ ،‬وإن تكن األخر ‪ ،‬شتر ما أهللا ـ ـ ــنع؟ فقال «و ك! أ ششوشهبِْلت! أ ش‬
‫هي؟ إ َّ‪ ،‬ـا جنــان كثرية‪ ،‬وإنـَّت يف جنــة الفردوس» [البخــاري (‪ ])3982‬ويف روايـ ٍـة «َي َّأم حــارث ـةش! إ َّ‪ ،‬ـا‬
‫جنان يف اجلنَّة‪َّ ،‬‬
‫وإن ابنك أهللااب الفردوس األعل »(‪.)5‬‬
‫ب ‪ -‬ا ت هاد عو بن احلارث ر ي هللا عنت‬
‫أن عو بن احلارث‪ ،‬وهو ابن‬ ‫قال ابن إ ـ ـ ـ ـ ـ ــلاق حدَّث عاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــم بن عمرو بن قتادة َّ‬
‫ب من عبده؟ قال « م ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة يده يف ِ‬ ‫عفراء ‪ ،‬قال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! ما يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـلك َّ‬
‫(‪)6‬‬
‫العدو‬ ‫الر َّ‬

‫(‪ )1‬انظر رية ابن ه ام (‪.)237/2‬‬


‫لللميدأ (‪ ، )151/4‬و رية ابن ه ام (مقتل أميَّة بن خلف)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪.)152/4( ،‬‬
‫السابق نفست ‪.)121/4( ،‬‬ ‫اَّصدر َّ‬
‫(‪)4‬‬

‫حو (‪.)475/1‬‬ ‫السنَّة وفقهها ‪ِ ،‬‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬ ‫األ اس يف ُّ‬
‫(‪)5‬‬

‫السبعة يف ايوة بد ٍر‪.‬‬


‫عفراء بنت عبيد بن ثعلبة النَّ َّ ا ِريَّة ‪ ،‬شارك أوحدها َّ‬
‫(‪)6‬‬

‫‪684‬‬
‫حض قتل(‪.)2‬‬
‫حا راً(‪ »)1‬فنايي درعاً كانت عليت‪ ،‬فقذفها‪ ،‬مثَّ أخذ يفت‪ ،‬فقاتل القوم َّ‬
‫الصلابة الكرام اب خرة‪ ،‬وحرهللاهم عل ر وان هللا تعاىل‪،‬‬ ‫يدل عل َّقوة ارتباط َّ‬ ‫وهذا اخلرب ُّ‬
‫ولذلك انطلق عو بن احلارث ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت كال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـهم‪ ،‬وهو حا ـ ـ ـ ـ ــر ري ِ‬
‫متدرٍي يثهن يف‬
‫حض أكرمت هللا ابل ـ ـ ـ ـ ـ ــهادة‪ ،‬لقد ت َّريت مفاهيم ااتمع اجلديد‪ ،‬وتعلَّق أفراده اب خرة‪،‬‬ ‫األعداء‪َّ ،‬‬
‫وأهللا ـ ـ ــبلوا حريص ـ ـ ـ عل مر ـ ـ ــاتت‪ ،‬بعد أن كان ج َّل ِلهم أن تتلدث النس ـ ـ ــاء عن بطوحهتم‪،‬‬
‫يد القبيلة عنهم‪ ،‬وتن د األشعار يف ش اعتهم(‪.)3‬‬ ‫وير‬
‫ً ‪ -‬ا ت هاد عد بن خيثمة‪ ،‬مثَّ أبيت ر ي هللا عنهما‬
‫قال احلافم بن ح ر قال مو ـ ـ ـ بن عقبة‪ ،‬عن ابن ش ـ ــهاب ا ـ ــتهم يوم بدر ـ ــعد بن‬
‫عد‪ ،‬فقال لت أبوه َي ب ! اثرين اليوم‪ ،‬فقال عد َي ِ‬
‫أبت! لو كان‬ ‫خيثمة‪ ،‬وأبوه‪ ،‬فهرً هم ٍ‬
‫َّ‬
‫ري اجلنَّة فعلت‪ ،‬فهرً عد إىل بد ٍر‪ ،‬فقتل هبا‪ ،‬وقتل أبوه خيثمة يوم أح ٍد(‪.)4‬‬
‫ص ـلابة يف تنافس ــهم‪ ،‬وتس ــابقهم عل اجلهاد‬ ‫وهذا اخلرب يعطي هللا ــورًة م ــرقةً عن بيواتت ال َّ‬
‫يف ــبيل هللا تعاىل فهذا ــعد بن خيثمة‪ ،‬ووالده ح يس ــتطيعان اخلروً معاً ححتياً أ ـ ـرهتما‬
‫حض ا ـ ـ ـ ــطروا إىل احق اي‬
‫لبقاء أحدلا‪ ،‬فلم يتنازل أحدلا عن اخلروً ر بةً يف نيل ال َّ ـ ـ ـ ـهادة‪َّ ،‬‬
‫ـعد ر ـي هللا عنهما ‪ ،‬وكان احبن يف اية األدب مع والده‬ ‫بينهما‪ ،‬فكان اخلروً من نصــي ـ ٍ‬
‫ـت! لو كــان ري اجلنـَّة‬‫ولكنـَّت كــان م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتــاقـاً إىل اجلنـَّة ‪ ،‬فــأجــاب هبــذا اجلواب البلي «َي أبـ ِ‬
‫فعلت»(‪.)5‬‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم أليب حذيفة بن عتبة بن ربيعة‬
‫د ‪ -‬دعاء الن ِ‬
‫عن عائ ـ ـ ـ ـ ــة ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها يف حديثها عن طر قتل قريش يف ال شقلِي بعد معركة بد ٍر‪،‬‬
‫قالت فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أمر هبم‪ ،‬فسلبوا ع ِر ش يف وجت أيب حذيفة بن عتبة الكراهية‪ ،‬وأبوه يسل إىل‬
‫ال شقلي ‪ ،‬فقال لت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم «َي أاب حذيفة! وهللا لكأنَّت اءك ما كان يف‬

‫الدري‪.‬‬ ‫(‪ )1‬حا راً ري حبس ِ‬


‫(‪ )2‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 245‬وانظر الهللاابة حبن ح ر ‪ ،‬تر ة عو بن احلارث ‪ ،‬برقم (‪.)6107‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)31/2‬‬
‫(‪ )4‬الهللاابة (‪ )24 ، 23/2‬رقم (‪.)3118‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)87/4‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫‪685‬‬
‫أبيك؟» فقال وهللا َي ر ـ ــول هللا! ما شـ ـ ــككت يف هللا‪ ،‬ويف ر ـ ـ ــول هللا‪ ،‬ولكن إن كان حليماً‬
‫وجل ‪ -‬إىل ال الم‪ ،‬فلـ ـ َّـما رأيت‬
‫عاي َّ‬
‫حض يهديت هللا ‪َّ -‬‬
‫ميوت َّ‬ ‫ديداً ذا رأ ٍأ‪ ،‬فكنت أرجو أح ش‬
‫أنَّت قد فات ذلك‪ ،‬ووقع حيث وقع أحاين ذلك! قال فدعا لت ر ول هللا هللال هللا عليت و لم‬
‫ري‪[ .‬احلاكم (‪. ])224/3‬‬

‫قمة‬ ‫إن هذا اَّوقف يبِ قوة التَّ اذب ب الميان يف ِذ ْرشوشة اليق ‪ ،‬والعاطفة الب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرية يف َّ‬ ‫َّ‬
‫عصبية جاهليَّ ٍة‪ ،‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫فيلويا من‬ ‫َّبوأ فالميان ح مييت اَّ اعر الب ريَّة ولكنَّت ِ‬
‫يهذهبا‪ِ ،‬‬ ‫الوفاء الن ِ‬
‫هتايه‬
‫لي فَميان أيب حذيفة ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت إميان ح ُّ‬ ‫الرَّابينُّ يف تطبيقت العم ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفاء ح ينكره اَّنهت َّ‬
‫يش كافراً‪ ،‬ويلق معهم يف قشلِي بد ٍر‬ ‫زحزل األحداث‪ ،‬فهو إذ ير أابه يقتل يف أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا قر ٍ‬
‫الرا ـ ـ ـ ر ـ ــو‬ ‫ويظل أبو حذيفة مشايَّمالً نميانت َّ‬
‫رخذه أ ـ ــف العاطفة الب ـ ـ ـريَّة وفاءً يذا األب‪ُّ ،‬‬
‫األشطْ شواد(‪ )1‬ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاملات‪ ،‬فال ياييد عل أن يع يت احكتئاب عل ما فات أابه من خ ٍري يرجوه لت‬
‫ابيداية إىل ال الم(‪ )2‬ويذا اَّقصد النَّبيل الَّذأ آاثر حاين أيب حذيفة‪ ،‬دعا لت ر ول هللا هللال‬
‫هللا عليت و لم ٍري(‪.)3‬‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ع شم ْري بن أيب وقَّاص لـ ـ ـ ـ َّـما ار ر ول هللا هللال هللا عليت و لم إىل بد ٍر‪ ،‬وعرض عليت‬
‫رد ع شم ْري ابن أيب وقَّاص‪ ،‬فبك عمري‪ ،‬فأجازه‪ ،‬فعقد عليت حائل ـ ـ ــيفت‪ ،‬ولقد كان‬ ‫جيش بد ٍر َّ‬
‫حض ح يراه ر ــول هللا هللا ــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فقال ــعد رأيت أخي ع شم ْري بن‬ ‫ع شم ْري يتوار َّ‬
‫أيب وقَّاص قبل أن يعر ـ ــنا ر ـ ــول هللا هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم يوم بدر يتوار ‪ ،‬فقلت ما لك َي‬
‫أخي؟ ! قال ِإين أخا أن يراين ر ــول هللا هللاــل هللا عليت و ــلم ‪ ،‬فيســتص ـ شرين‪َّ ،‬‬
‫ويردين‪ ،‬وأان‬
‫لعل هللا أن يرزق ال َّهادة(‪ .)4‬وقد ا ت هد ابلفعل‪.‬‬ ‫أح ُّ اخلروً َّ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬األطْشواد ع طشْود ‪ ،‬وهو اجلبل العظيم‪.‬‬


‫حممد ر ول هللا هللال هللا عليت و لم(‪.)446/3‬‬ ‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)174/4‬‬ ‫(‪ )3‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫(‪ِ )4‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪ ، 317‬نقالً عن هللافة الصفوة (‪ ، )294/1‬واَّستدرك (‪ )188/3‬والهللاابة (‪.)35/3‬‬
‫‪686‬‬
‫املبحث اخلامس‬

‫اخلالف يف األنفال واألسر‬

‫أوالً‪ :‬اخلالف يف األنفال‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬ف ـ ـ ــهدت معت بدراً‪،‬‬ ‫ص ـ ـ ـامت ر ـ ـ ــي هللا عنت قال خرجنا مع الن ِ‬
‫عن عباد شة بن ال َّ‬
‫ت طائفة يف آاثرهم يشـ ْه ِايمون ويقتلون‪،‬‬ ‫العدو‪ ،‬فانطشلش شق ْ‬
‫فالتق النَّاس‪ ،‬فهايم هللا ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪َّ -‬‬
‫وأكبَّت طائفة عل العسـ ــكر شْوونت‪ ،‬وجيمعونت‪ ،‬وأحدقت طائفة بر ـ ــول هللا(ﷺ) ح يصـ ــي‬
‫حض إذا كان اللَّيل‪ ،‬وفشاءش(‪ )1‬النَّاس بعضهم إىل ٍ‬
‫بعض‪.‬‬ ‫العدو منت َِّرًة َّ‬
‫ُّ‬
‫قال الَّذين عوا ال نائم حنن حويـْناها‪ ،‬و عناها فليس ٍ‬
‫ألحد فيها نصـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ ،‬وقال الَّذين‬ ‫ش شش‬
‫العدو‪ ،‬وهايمناهم‪ ،‬وقال الَّذين‬ ‫أبحق هبا منَّا حنن نشـ شفْي نا عنها َّ‬ ‫ِ‬
‫العدو لس ـ ـ ـ ـ ـ ــتم َّ‬ ‫خرجوا يف طل‬
‫وخفنا أن يصي‬ ‫أبحق هبا ِمنَّا حنن أحدقنا بر ول هللا(ﷺ) ‪ِ ،‬‬ ‫أحدقوا بر ول هللا(ﷺ) لستم َّ‬
‫اَّللش‬
‫ول فشاتـَّقوا َّ‬ ‫ك شع ِن األشنْـ شف ِال ق ِل األشنْـ شفال ََِّّللِ شو َّ‬
‫الر ـ ِ‬ ‫العدو منت َّرةً‪ ،‬واشـت لنا بت فنايلت ﴿يش ْسـأشلونش ش‬
‫ُّ‬
‫اَّللش شوشر ـ ـ ـ ـولشت إِ ْن كْنـت ْم م ْؤِمنِ ش ﴾ [األنفال‪ ]1 :‬فقس ـ ـ ــمها ر ـ ـ ــول‬ ‫وأشهللاـ ـ ـ ـلِلوا شذات بـينِكم وأ ِ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ش شْ ْ ش‬ ‫ش ْ‬
‫هللا(ﷺ) عل فـ شو ٍاق ب اَّسلم [أمحد (‪.])324/5‬‬

‫ص ـ ـامت عن األنفال ح ـ ـئِ شل عن ـ ــورة األنفال فينا مع ـ ــر‬ ‫اية قال عبادة بن ال َّ‬ ‫ويف رو ٍ‬
‫أهللالـ ـ ـ ــاب بد ٍر نايلت ح اختلفنـ ـ ـ ــا يف النَّفل(‪ ،)2‬و اءت فيـ ـ ـ ــت أخالقنا‪ ،‬فانتايعت هللا ‪ -‬تبـ ـ ـ ــارك‬
‫وتعاىل ‪ -‬من أيدينا‪ ،‬ف علـت إىل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقسم ـت ر ول هللا(ﷺ) فينا عن بو ٍاء‪ .‬يقول‬
‫[أمحد (‪.])322/5‬‬ ‫السواء‪.‬‬
‫عل َّ‬

‫(‪ )1‬فشاءش فشـْيئاً شر شج شع‪.‬‬


‫(‪ )2‬النَّـ شفل ال نيمة ‪ ،‬واجلمع أنفال‪.‬‬
‫‪687‬‬
‫ايوة بد ٍر يف ــورة األنفال‪ ،‬وجاءت مفصــلةً عن‬ ‫لقد خلَّد هللا ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬ذكر‬
‫وتعر ـ ـ ـ ــت ا َيت الكرمية لعالً النَّفس الب ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬وتربيتها عل‬
‫أحداثها وأ ـ ـ ـ ــباهبا‪ ،‬ونتائ ها‪َّ ،‬‬
‫السورة بتبيان حكم أث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍر من آاثر القتال‪ ،‬وهو‬
‫معاين الميان العميق‪ ،‬والتَّكوين الدَّقيق‪ ،‬فبدأت ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫شيء‪ ،‬ور ولت(ﷺ) هو‬ ‫الر ول فاهلل هو مالـ ـ ـ ــك ِ‬ ‫ال نائـ ـ ـ ــم‪ ،‬فبيَّنت َّ‬
‫أن هـ ـ ـ ــذه ال نائـ ـ ـ ــم هلل‪ ،‬و َّ‬
‫خليفتت‪ ،‬مثَّ أمر هللا اَّؤمن ثالثة أوامر‬

‫مهمة جداً يف‬ ‫ابلتَّقو ‪ ،‬وإهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــال ذات الب ‪ ،‬والطَّاعة هلل و َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬وهي أوامر َّ‬
‫مو ـ ــوي اجلهاد فاجلهاد إذا ين ـ ــأ عن تقو فليس جهاداً‪ ،‬واجلهاد تاً إىل وحدة هللا ـ ـ ٍ‬
‫ـف‪،‬‬
‫ومن شمثَّ ف َّ‬
‫البد من إهللا ـ ـ ـ ــال ذات الب ‪ ،‬واحنض ـ ـ ـ ــباط هو األ ـ ـ ـ ــاس يف اجلهاد إذ ح جهاد بال‬
‫أن الطَّاعة هلل ولر ولت(ﷺ) عالمة الميان‪.‬‬
‫وجل ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫انضباط‪ ،‬مثَّ ب َّ هللا ‪َّ -‬‬
‫مهمان يف‬
‫وجل ‪ -‬هللا ـ ــفات اَّؤمن احلقيقي ‪ ،‬وهذا الوهللا ـ ــف‪ ،‬والتَّلديد َّ‬
‫عاي َّ‬
‫وحدَّد هللا ‪َّ -‬‬
‫ألن الميان احلقيقي هو الَّذأ يقوم بت اجلهاد ال ـ ُّ‬
‫ـالمي‪ .‬لقد حدَّد‬ ‫ـالمي َّ‬
‫مو ــوي اجلهاد ال ـ ِ‬
‫َّ‬
‫أب‪،‬م إذا ذكر هللا فايعت قلوهبم‪ ،‬وخافت‪ ،‬وفرقت‪ ،‬وإذا‬ ‫وجل ‪ -‬هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفات اَّؤمن‬
‫عاي َّ‬
‫هللا ‪َّ -‬‬
‫قرئ عليهم القرآن ازداد إميا‪،‬م‪ ،‬وجا‪.‬‬
‫وال ِ‬
‫ص ـ ـفة الثَّالثة هي التوُّكل عل هللا‪ ،‬فال يرجون ـ ـواه‪ ،‬وح يقصـ ــدون إح َّإَيه‪ ،‬وح يلوذون‬
‫إح قنابت‪ ،‬وح يطلبون احلوائت إح منت‪ ،‬وح ير بون إح إليت‪ ،‬ويعلمون َّ‬
‫أن (ما شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء هللا كان‪،‬‬
‫معق حلكمت‪ ،‬وهو ريع‬ ‫اَّتصر يف اخللق وحده ح شريك لت‪ ،‬وح ِ‬‫ِ‬ ‫وما ي أ يكن)‪ ،‬وأنَّت‬
‫احلساب‪.‬‬

‫صـ ـ ـالة‪ ،‬واَّافظة عل مواقيتها‪ ،‬وو ـ ــوئها‪ ،‬وركوعها‪ ،‬و ـ ـ ـ ودها‪،‬‬


‫الرابعة إقامة ال َّ‬ ‫وال ِ‬
‫صـ ـ ـفة َّ‬
‫ومن ذلك إ باغ الطَّهور فيها‪ ،‬وَتام ركوعها‪ ،‬و ودها‪ ،‬وتالوة القرآن فيها‪ ،‬والت ُّهد‪ ،‬و َّ‬
‫الصالة‬
‫َّب(ﷺ) ‪.‬‬
‫عل الن ِ‬
‫والصــفة اخلامســة النفاق اَّا رزقهم هللا‪ ،‬وذلك ي ــمل إخراً َّ‬
‫الايكاة‪ ،‬و ــائر احلقوق للعباد‬

‫‪688‬‬
‫من واج ٍ ‪ ،‬ومس ـ ـ ـ ـ ـ ــتل ٍ ‪ ،‬واخللق كلُّهم عباد هللا فأحبُّهم إليت أنفعهم خللقت‪ ،‬مثَّ ب َّ هللا ‪َّ -‬‬
‫عاي‬
‫نازل‪ ،‬ومقامات‪،‬‬‫أن يم عند هللا م ش‬ ‫حق الميان‪ ،‬و َّ‬
‫الصفات هم اَّؤمنون َّ‬ ‫أن اَّتَّصف هبذه ِ‬ ‫وجل ‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫السورة‬ ‫السيِئات‪ ،‬وي كر احلسنات‪ ،‬وهبذا تنتهي ِ‬
‫مقدمة ُّ‬ ‫أن هللا ي فر يم َّ‬ ‫ودرجات يف اجلنَّات‪ ،‬و َّ‬
‫كل عوامل اخلذحن من اختال ٍ عل نائم‪ ،‬أو‬ ‫ت َّ‬ ‫بعد أن رفعت ايمم ِ‬
‫لكل لوازم اجلهاد‪ ،‬ونشـ شف ْ‬
‫شيء‪ ،‬داعيةً إىل الطَّاعة‪ ،‬واحرتفاي إىل منازل الميان الكامل(‪.)1‬‬‫ٍ‬ ‫خال ٍ بسب‬

‫ات‬ ‫اَّلل وأش ِ‬ ‫ك شع ِن األشنْـ شف ِال ق ِل األشنْـ شفال ََِّّللِ شو َّ‬


‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـللوا شذ ش‬ ‫ول فشاتـَّقوا َّش ش ْ‬ ‫قال تعاىل ﴿يش ْسـ ـ ـ ـ ـأشلونش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫بـينِكم وأ ِ‬
‫ت قـلوهب ْم‬ ‫ين إِذشا ذكشر اَّلل شوجلش ْ‬ ‫َِّ‬
‫اَّللش شوشر ـ ـولشت إ ْن كْنـت ْم م ْؤمن ش ۝ إجشا الْم ْؤمنو شن الذ ش‬
‫ِ‬ ‫شطيعوا َّ‬ ‫شْ ْ ش‬
‫صـالششة شوِاَّا شرشزقْـنشاه ْم‬
‫ين ي ِقيمو شن ال َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اان شو شعلش شرهب ْم يشـتشـ شوَّكلو شن ۝ الذ ش‬ ‫آَيتت شز شاد ْهت ْم إِميش ً‬ ‫ت شعلشْي ِه ْم ش‬
‫ِ‬
‫شوإِ شذا تليش ْ‬
‫ك هم الْم ْؤِمنو شن شح ًّق ـ ـ ـا شي ْم شد شر شج ـ ـ ـات ِعْن ـ ـ ـ شد شرهبِِ ْم شوشم ْ ِفشرة شوِرْزق شك ِر ﴾‬ ‫ينفقو شن ۝ أ ْولشئِ ـ ـ ـ ش‬
‫ِ‬
‫[األنفال‪.]4-1 :‬‬

‫حممد أمني املص ـ ـ ــري‪ :‬تذكر ا َيت ش ـ ـ ـ ــيئاً من أعمال اَّؤمن يف بد ٍر‪،‬‬ ‫يقول األس ـ ـ ــتاذ َّ‬
‫الرجوي إىل أنفســهم‪ ،‬واح ـتلياء من رِهبم‪،‬‬ ‫ولكن ذكرت عتاابً أليماً موجعاً‪ ،‬شْ ِمل اَّؤمن عل ُّ‬
‫ض ـ ـعف فيت بياانً جلياً قوَيً بتصـ ــوير‬
‫وهناك نقاط أر ـ ــلت ا َيت النُّقاط عليها‪ ،‬وبيَّنت نواحي ال َّ‬
‫ما يف النفوس وهللافاً دقيقاً رائعاً‪ ،‬ت اهد الع فيت احلركات واخلل ات‪.‬‬

‫كل ذلك من شـ ــأنت أن ينبت ـ ــمري اَّؤمن ليلمس اَّسـ ــافة بينت وب درجات الميان الَّيت‬
‫و ُّ‬
‫يهفو قلبت للوهللا ـ ـ ــول إليها‪ ،‬ولقد كانت ا َيت من تربية احلكيم العليم‪ ،‬وي ـ ـ ــعر َّ‬
‫الذوق ال َّس ـ ـ ـ ـليم‬
‫هاهنا روعة األ ـ ــلوب يف عرض العتاب ب ري عتاب ولكنَّت تصـ ـ ــوير مايف النُّفوس تصـ ـ ــويراً يوقن‬
‫معت العادأ من النَّاس أنَّت ما كان َّؤم ٍن هللاــلي الميان أن يتَّصــف هبا‪ ،‬ولذلك اق نت ا َيت‬
‫الرفيعة‪ ،‬الَّيت تص ـ ـ ِـور الف وة البعيدة ب اَّؤمن وب ِ‬
‫أأ‬ ‫بتقد خص ـ ــائص الميان العالية‪ ،‬وميِاياتت َّ‬
‫آَيتت شز شاد ْهت ْم إِميش ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اان‬ ‫ت قـلوهب ْم شوإِذشا تليش ْ‬
‫ت شعلشْي ِه ْم ش‬ ‫ين إِذشا ذكشر اَّلل شوجلش ْ‬ ‫َِّ‬
‫إ ـ ـ ـ ــفا ﴿ إجشا الْم ْؤمنو شن الذ ش‬

‫(‪ )1‬انظر األ اس يف التَّفسري (‪ 2113/4‬ـ ‪.)2114‬‬


‫‪689‬‬
‫ك هم الْم ْؤِمنو شن‬ ‫ِ‬ ‫وعلش رهبِِم يـتـوَّكلو شن ۝ الَّ ِذين ي ِقيمو شن ال َّ ِ‬
‫صـ ـالشةش شواَّا شرشزقْـنشاه ْم ينفقو شن ۝ أ ْولشئِ ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش ش ْ شش ش‬
‫ك ِر ﴾ [األنفال‪.]4 - 2 :‬‬ ‫شحقًّا شي ْم شد شر شجات ِعْن شد شرهبِِ ْم شوشم ْ ِفشرة شوِرْزق ش‬
‫ما ذكرت ا َيت عتاابً‪ ،‬ولكنَّها ذكرت واقعاً‪ ،‬وكان ذكر الواقع أبل من ِ‬
‫كل عت ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‪ ،‬قال‬
‫ك شع ِن األشنْـ شف ِال﴾ كان يم أن يسألوا هذا ُّ‬
‫السؤال‪ ،‬وقد ب َّ‬ ‫تعاىل وفلو اخلطـ ـ ـ ـ ـ ــاب ﴿يش ْسأشلونش ش‬
‫‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬حقيقة خروجهم من اَّدينة‪ ،‬قال تعاىل وهذا وهللاف ابل ال اية يف تصوير‬
‫مفر منت‪ ،‬وهم يشـشرْون اَّوت‬
‫أانس يســاقون إىل اَّوت ــوقاً ح َّ‬ ‫الرع ‪ ،‬هللاــورة ٍ‬ ‫ك﴾‪ ،‬و ُّ‬
‫شخشر شج ش‬
‫﴿ شك شما أ ْ‬
‫ـعف يف النُّفوس‪ ....‬إىل أن يقول دفعت ا َيت‬ ‫أبم أعينهم وقال تعاىل وهذا تص ـ ـ ـ ـ ـ ــوير لض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫شن شري شذ ِ‬
‫ات ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ْوشك ِة تشكون لشك ْم﴾‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـ ـرفت عن‬ ‫أأ شـ ـ ـ ـ ــعور ﴿ شوتشـ شوُّدو شن أ َّ ْ ش‬
‫الكرمية عن اَّؤمن َّ‬
‫معىن من معاين ال رور‪ ،‬وبســطت أمامهم نفو ــهم‪ ،‬أو نفوس فر ٍيق منهم‪ ،‬وما بينها‬ ‫كل ً‬ ‫أنفســهم َّ‬
‫اَّن والفضــل مبا أنعم هللا‬‫درجات‪ ،‬وإذا جاء ذكر الثَّناء مصـ َّـوراً بصــورة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صـلي من‬
‫وب الميان ال َّ‬
‫ونايل عليهم اَّاء‪،‬‬
‫من عليهم‪ ،‬فا ـ ـ ـ ـ ـ ــت اب دعاءهم‪َّ ،‬‬ ‫ليس ثناءً مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقالً‪ ،‬الثناء عليهم َّ‬
‫أن هللا َّ‬
‫عدوهم ألم ٍر كبري دبَّره هللا‪ ،‬وقدَّره(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليطهرهم‪ ،‬وأنايل اَّالئكة لتثبيتهم‪ ،‬و ع بينهم وب‬

‫بدأت ال ُّسـ ـورة مبو ــوي األنفال‪ ،‬واختالفهم يف قس ــمتها‪ ،‬و ـ ـؤايم عنها‪ ،‬فس ــاقت يف ذلك‬
‫وطهرهتــا من احختال الَّـذأ ين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ عن حـ ِ اَّــال‪،‬‬ ‫أربع آَي ٍ‬
‫ت عــاجلــت هبــا نفوس اَّؤمن ‪َّ ،‬‬
‫والتَّطلُّع إىل اَّادة(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫وألليَّة هذا اَّو ـ ـ ــوي يف حياة اَّؤمن بدأت بت ال ُّسـ ـ ـ ـورة ‪ -‬وإ ْن كان اختالفهم يف قس ـ ـ ــمة‬
‫متأخراً يف الوجود عن اختالفهم يف اخلروً إىل بد ٍر‪ ،‬وقتال األعداء ‪ -‬ومن ـ ـ ـ ـنَّة هللا يف‬ ‫األنفال ِ‬
‫كتابت أنَّت يف ذكر القصص والواقع ح يعرض يا مشرتَّبةً حس وقوعها(‪.)3‬‬

‫اَّللش شوشر ـ ـولشت﴾ و َّأول الطَّاعة هنا طاعتت يف حكمت الَّذأ قض ــاه يف األنفال ‪ ،‬فقد‬ ‫﴿وأ ِ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ش‬

‫(‪ )1‬من هدأ ورة األنفال ‪ ،‬د‪ .‬حممد اَّصرأ ‪ ،‬ص ‪ 95‬ـ ‪.96‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪ 67‬ـ ‪.68‬‬
‫‪690‬‬
‫الر ول(ﷺ)‬ ‫خرجت من أن تكون ٍ‬
‫ألحد من ال اياة عل الطالق‪ ،‬وارتدَّت ملكيتها ابتداءً هلل‪ ،‬و َّ‬
‫حق التَّصـ ُّـر فيها إىل هللا ور ـولت(ﷺ) ‪ ،‬فما عل الذين امنوا إح أن يســتســلموا فيها‬
‫‪ ،‬فانته ُّ‬
‫حلكم هللا‪ ،‬وقش ْس ـ ـ ـم ر ـ ــول هللا(ﷺ) طيبةً قلوهبم‪ ،‬را ـ ــيةً نفو ـ ـ ـهم‪ ،‬وإح أن يص ـ ــللوا عالئقهم‪،‬‬
‫ويصفوا قلوهبم بعضهم ٍ‬
‫لبعض(‪.)1‬‬ ‫وم اعرهم‪ُّ ،‬‬

‫الرَّابينُّ يؤكِد حقيقةً أكرب من النَّصـ ـ ــر عل اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬يؤكِد أ َّن هللاـ ـ ــال ذات‬
‫وهذا العرض َّ‬
‫احلقيقي عل مس ـ ـ ــارب النُّفوس‪ ،‬وم ـ ـ ــارب القلوب هو األكرب يف ميايان هللا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الب ‪ ،‬واحنتص ـ ـ ــار‬
‫ف واختال يف القلوب‪.‬‬ ‫الص ِ‬
‫وهو األعظم يف ميايان هللا‪ ،‬وح جدو من نص ٍر يعقبت هللاراي يف َّ‬
‫وتبِ ا َيت َّ‬
‫أن قض ـ ـ ـيَّة التَّقو ‪ ،‬والميان‪ ،‬تدخل يف شـ ـ ــؤون حياة اَّسـ ـ ــلم كافَّةً‪ ،‬وهبا ينبع‬
‫حتركت يف احلياة‪ ،‬وجهاده لعالء كلمة هللا تعاىل(‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫ابين‪ ،‬ونايلت ا َيت تبِ‬
‫الر ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة الكرام ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهم يذا التَّوجيت َّ‬
‫لقد ا ـ ـ ــت اب ال َّ‬
‫يتصر يف األنفال‪.‬‬
‫لر ول هللا(ﷺ) كيف َّ‬
‫وجل ‪ -‬كيف توزَّي هذه ال نائم‪.‬‬
‫عاي َّ‬
‫بعد أن أهللابلت ال نائم هلل ولر ولت(ﷺ) ب َّ اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ول شولِ ِذأ الْق ْرشىب شوالْيشـتش شام‬
‫شن ََِّّللِ طس ـ ـ ـت ولِ َّلر ـ ـ ـ ِ‬
‫ش ش‬ ‫قال تعاىل ﴿ شو ْاعلشموا أَّشجشا شنِ ْمت ْم ِم ْن شش ـ ـ ـ ْي ٍء فشأ َّ‬
‫اجلمع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شوالْ شم شساكِ ِ شوابْ ِن َّ‬
‫ان‬ ‫السبِ ِيل إِ ْن كْنـت ْم شآمْنـت ْم ِاب ََّّلل شوشما أشنْـشايلْنشا شعلش شعْبد شان يشـ ْوشم الْف ْرقشان يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫شي ٍء قش ِدير ﴾ [األنفال‪.]41 :‬‬ ‫ِ‬
‫شوا ََّّلل شعلش كل ش ْ‬
‫ت قلوهبم من األخالط‪ ،‬وأخلص ـ ـ ـ ـ ــت إىل عالَّم ال يوب يف الطَّاعة‪ ،‬وَتثَّلت‬
‫وهذا بعدما طشهشر ْ‬
‫ا َيت‪ ،‬فتلقَّقت مبعىن العبودية اخلالصـ ــة هلل‪ ،‬وهذا احلكم هللا ـ ـري يف َّ‬
‫أن أربعة أطاس ما نموه‬
‫مقســوم بينهم‪ ،‬واخلمس هلل‪ ،‬ولر ـولت(ﷺ) ‪ ،‬وهذا اخلمس نفســت مردود فيهم أيضـاً‪ ،‬وموزَّي عل‬
‫بوأ يف إرجاء إنايال جواب ال ُّس ـ ـؤال عن‬ ‫اجلهات اَّذكورة ‪ -‬كما ثبت ابل ُّس ـ ـنَّة ‪َّ .-‬‬
‫إن التَّوجيت ال َّ َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران الكر (‪ 1473/3‬ـ ‪.)1474‬‬


‫بوأ ِ‬
‫للسرية النَّبوية ـ ال َّ بية اجلهادية ‪ ،‬لل ضبان (‪.)52/1‬‬ ‫(‪ )2‬اَّنهت ال َّ ُّ‬
‫‪691‬‬
‫لتلتل‬
‫َّ‬ ‫وحي اَّنا ـ‬
‫الر ُّ‬
‫اجلو النَّفسـ ُّـي ُّ‬ ‫ال نائم‪ ،‬ي ــري إىل َّ‬
‫أن األحكام ال َّ ـرعيَّة ينب ي أن يهيَّأ يا ُّ‬
‫َّ‬
‫وتتمكن‪،‬‬ ‫مكا‪،‬ا الالئق يف العقل‪ ،‬والضَّمري‪ ،‬فتثبت‪،‬‬

‫وتؤل أطي النتائت إذ يت لَّ فيها أكمل احللول‪ ،‬وهكذا هللا ـ ـ ــر اَّوىل ‪ -‬ج َّل ش ـ ـ ــأنت ‪-‬‬
‫عباده اَّسلم عن التعلُّق ابل ري َّأوحً‪ ،‬وابل نائم اثنياً ليكونوا لت من اَّهلص اجلديرين بنصره‪،‬‬
‫تفر وا للهالق‪ ،‬وأخلصوا يف اجلهاد أكرمهم ابلنَّصر من لدنت‪ ،‬وأ ب عليهم‬
‫وإَتام نعمتت‪ ،‬فل ـ ـ َّـما َّ‬
‫يودون(‪ ،)1‬فعن عبد هللا بن عمرو ر ـ ــي هللا عنهما قال خرً ر ـ ــول‬
‫من فضـ ــلت أبكثر اَّا كانوا ُّ‬
‫هللا(ﷺ) يوم بدر يف ثالشئة وطسة ع ر رجالً من أهللالابت‪ ،‬فلما انته إليها قال «اللهم إ‪،‬م‬
‫جياي فأش ـ ـ ـ ـ ــبعهم‪ ،‬اللهم إ‪،‬م حفاة فاحلهم‪ ،‬اللهم إ‪،‬م عراة فا ْكس ـ ـ ـ ـ ـ ـهم» ففت هللا لت يوم بدر‪،‬‬
‫[أبو داود‬ ‫فانقلبوا ح انقلبوا‪ ،‬وما منهم رجل إح وقد رجع قمل أو ل ‪ ،‬واكتش شسـ ـ ـ ـ ْوا وش ـ ـ ــبعوا‪.‬‬
‫(‪ ،)2747‬والبيوقي يف السنن الكرب (‪ ،)57/9‬واحلاكم (‪.])145 ،133 - 132/2‬‬

‫َّب(ﷺ) يف تقسـ ـ ـ ـ ــيم ال نائم‪ ،‬إعطايه من هذه ال نيمة شم ْن هلَّف أبمر ر ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫ومن عدل الن ِ‬
‫هللا(ﷺ) َّه ـ ٍـام أ ْشوشكلشه ــا إليهم‪ ،‬فض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب يم بس ـ ـ ـ ـ ـ ــهمهم من ال نيم ــة‪ ،‬وأبجرهم‪ ،‬فك ــانوا كمن‬
‫ألن هللا تعاىل‬ ‫حضــرها(‪ ،)2‬فكان(ﷺ) يراعي ظرو اجلنود الَّيت َتنعهم من اَّ ــاركة يف القتال َّ‬
‫يكلِف عبــاده ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئ ـاً فوق طــاقتهم‪ ،‬قــال تعــاىل ﴿حش ي شكلِف َّ‬
‫اَّلل نشـ ْف ًس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا إِحَّ و ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شع شه ـا﴾‬
‫[البقرة‪.]286 :‬‬

‫ولذلك كان ر ول هللا(ﷺ) ح يكلِف اَّسلم فوق طاقتهم‪ ،‬واء أكان ذلك يف ِ‬
‫السلم‪،‬‬
‫صـ ـ ـلابة ألن ظروفهم األ ـ ـ ـرية تتطلَّ منهم‬ ‫أم احلرب‪ ،‬ويف ايوة بد ٍر أعف الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) بعض ال َّ‬
‫القيام عليها‪ ،‬ورعايتها‪ ،‬فقد أعف عثمان بن عفَّان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت من اخلروً يوم بد ٍر َّ‬
‫ألن‬
‫البهارأ يف هللاليلت َّ‬
‫أن عبد هللا‬ ‫ُّ‬ ‫وحباجة إىل من يرع شؤو‪،‬ا‪ ،‬رو‬ ‫ٍ‬ ‫زوجتت رقيَّة كانت مريضةً‪،‬‬
‫بن عمر ر ي هللا عنهما أخرب عن ب ت يُّ عثمان ر ي هللا عنت يف ايوة بدر‪ ،‬فقال ر ي‬

‫(‪ )1‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬


‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪ 61‬ـ ‪.62‬‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.210‬‬ ‫(‪ )2‬انظر من مع ِ‬
‫‪692‬‬
‫هللا عنت و َّأما تشـ شيُّـبت عن بد ٍر‪ ،‬فَنَّت كانت حتتت بنت ر ـ ـ ـ ِ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وكانت مريض ـ ـ ـةً‪ ،‬فقال لت‬
‫[البخاري (‪.])3699‬‬ ‫أجر ٍ‬
‫رجل اَّن شهد بدراً‪ ،‬و ش ْه شمت»‬ ‫ر ول هللا(ﷺ) « َّ‬
‫إن لك ش‬
‫وأمر(ﷺ) أاب أمامة ابلبقاء عند ِأمت حيث كانت مريض ـةً‪ ،‬وهي حباجة إليت‪ ،‬فعن أيب أمامة‬
‫أن ر ــول هللا(ﷺ) أخربهم ابخلروً إىل بد ٍر‪ ،‬وأ ع اخلروً معت‪ ،‬فقال‬ ‫بن ثعلبة ر ــي هللا عنت َّ‬
‫لــت خــالــت أبو بردة بن نيَّـار أقِ ْم عل أ ِمـك َيبن أخيت! فقــال لــت أبو أمــامــة بــل أنــت فــأقم عل‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬ف ــأمر أاب أم ــام ــة ابَّق ــام عل أ ِمـ ـت‪ ،‬وخرً أبيب بردة‪ ،‬فق ــدم‬ ‫أخت ــك‪ .‬ف ــذكر ذل ــك للن ِ‬
‫َّب(ﷺ) وقد توفِيت فصلَّ عليها‪[ .‬الطرباين يف الكبري (‪ ،)792‬واهليثمي يف جممع الزوائد (‪.])32-31/3‬‬ ‫الن ُّ‬
‫الرفيعة‪ ،‬ومراعـ ـ ـ ـ ــاة شعـ ـ ـ ـ ــور اجلنود‪ ،‬وأحوايم العائليَّة تولِد قـ ـ ـ ـ ـ َّـوة تر ٍ‬
‫ابا ب‬ ‫إن هذه األخالق َّ‬ ‫َّ‬
‫الر ول(ﷺ) يف أعل هللاوره‪.‬‬
‫القيادة واجلنود‪ ،‬وتدخل حتت مفهوم فقت التَّمك ‪ ،‬وقد مار ت َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــابــة الَّـذين كــانــت يم مه َّمـات خــا َّ‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‪ ،‬أو أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــيبوا أثنــاء الطَّريق‪ ،‬فرَّدهم‬ ‫ومن ال َّ‬
‫الر ول(ﷺ)‬
‫َّ‬
‫‪ - 1‬أبو لبابة ا تهلفت(ﷺ) عل اَّدينة‪.‬‬

‫مهمة ألهل العالية يف اَّدينة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عاهللام بن ٍ‬


‫عدأ أر لت(ﷺ) يف َّ‬
‫مهم ٍة إىل ب عمرو بن عو ‪.‬‬
‫أر لت(ﷺ) يف َّ‬ ‫‪ - 3‬احلارث بن حاط‬
‫‪ - 4‬احلارث بن ِ‬
‫الص َّمة وقع أثناء الطَّريق فكسر‪ ،‬فرَّد‪.‬‬

‫خوات بن جبري أهللاابت يف الطَّريق ح ر يف اقت‪َّ ،‬‬


‫فرده من الصفراء(‪.)1‬‬ ‫‪َّ - 5‬‬
‫السبق يف‬
‫وكذلك أعط لورثة ال ُّهداء‪ ،‬وذويهم نصيبهم من ال نائم‪ ،‬وبذلك كان لإل الم َّ‬
‫تكر ال ُّهداء‪ ،‬ورعاية أبنائهم‪ ،‬وأ رهم من قرابة أربعة ع ر قرانً(‪.)2‬‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪.215‬‬‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)176/2‬‬
‫‪693‬‬
‫اثنياً‪ :‬األسر ‪:‬‬

‫قال ابن عباس ر ي هللا عنت فل ـ ـ ـ َّـما أ روا األ ار ‪ ،‬قال ر ول هللا(ﷺ) أليب بك ٍر‪ ،‬وعمر‬
‫نب هللا! هم‬
‫ر ــي هللا عنهما «ما ترون يف هؤحء األ ــار ؟» فقال أبو بكر ر ــي هللا عنت َي َّ‬
‫بنو ِ‬
‫العم‪ ،‬والع ـ ـ ـ ـ ـ ــرية‪ ،‬أر أن أتخذ منهم فديةً‪ ،‬فتكون لنا َّقوةً عل الكفَّار‪ ،‬فعس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هللا أن‬
‫يهديهم إىل ال ــالم‪ ،‬فقال ر ــول هللا(ﷺ) «ما تر َيبن اخلطاب؟» قال ح وهللا َي ر ــول‬
‫هللا! ما أر الَّذأ يراه أبو بكر‪ ،‬ولك ِ أر أن َتش ِكنَّا منهم‪ ،‬فنضـ ـ ــرب أعناقهم‪ ،‬ف ِ‬
‫تمكن علياً من‬
‫أئمة الكفر‪،‬‬
‫فَن هؤحء َّ‬ ‫ع ِق ٍيل‪ ،‬فيض ـ ــرب عنقت‪ ،‬وَتك ِ من ٍ‬
‫فالن (نس ـ ــيباً لعمر) فأ ـ ــرب عنقت َّ‬ ‫ش‬
‫وهللا ـ ــناديدها‪ ،‬فهوأ ر ـ ــول هللا(ﷺ) ما قال أبو بكر‪ ،‬و يشـ ْه شو ما قلت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان من ال د‬
‫جئت فَذا ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأبو بكر قاعدان يبكيان‪ ،‬قلت َي ر ـ ـ ــول هللا! أخربين من ِ‬
‫أأ‬
‫شيء تبكي أنت وهللااحبك‪ ،‬فَن وجدت بكاءً بكيت‪ ،‬وإن أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫علي أهللاـ ـ ـ ـ ــلابك من أخذهم الفداء‪ ،‬لقد ع ِر ش‬
‫ض‬ ‫ض َّ‬ ‫فقال ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «أبكي للَّذأ شعشر ش‬
‫نب هللا(ﷺ) ‪.-‬‬‫يبة من ِ‬ ‫علي عذاهبم أدَّن من هذه ال َّ رةِ» ‪ -‬ش رةٍ قر ٍ‬
‫َّ‬
‫وجل ‪ ﴿ -‬شما شكا شن لِنشِ ٍب أش ْن يشكو شن لشت أش ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر شح َّض يـثْ ِه شن ِيف األ ْشر ِ‬
‫ض﴾ إىل‬ ‫عاي َّ‬
‫وأنايل هللا ‪َّ -‬‬
‫ِ‬
‫فأحل هللا ال نيمة يم‪ ،)31 - 30/1([.‬ومس ـ ـ ـ ـ ــلم (‪،)1763‬‬ ‫قولت ﴿فشكلوا اَّا شنِ ْمت ْم شحالشحً طشيًِبا﴾ َّ‬
‫وأبو داود (‪ ،)2690‬والرتمذي (‪.])3081‬‬
‫ٍ‬
‫مسعود ر ي هللا عنت قال ل َّـما كان يوم بد ٍر قال ر ول هللا(ﷺ)‬ ‫ويف رواية عبد هللا بن‬

‫«ما تقولون يف هؤحء األ ــر ؟» فقال أبو بكر َي ر ــول هللا! قومك‪ ،‬وأهلك‪ ،‬ا ْ ـتشـْب ِق ِهم‪،‬‬
‫كذبوك فا ـ ــرب‬ ‫لعل هللا أن يتوب عليهم‪ ،‬وقال عمر َي ر ـ ــول هللا! أخرجوك‪ ،‬و َّ‬ ‫وا ْ ـ ـتشأْ ِن هبم‪َّ ،‬‬
‫أعنـاقهم‪ ،‬وقـال عبـد هللا بن رواحـة َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! انظر وادَيً كثري احلطـ ‪ ،‬فـأدخلهم فيـت‪ ،‬مثَّ‬
‫يرد عليهم ش ـ ـ ــيئاً‪،‬‬
‫أ ـ ـ ــرم عليهم انراً‪ ،‬فقال العبَّاس قطعت رحك! فدخل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) و َّ‬
‫فقال انس رخذ بقول أيب بك ٍر‪ ،‬وقال انس رخذ بقول عمر‪ ،‬وقال انس رخذ بقول عبد هللا‬

‫‪694‬‬
‫حض تكون أل‬ ‫إن هللا ليلِ قلوب ٍ‬
‫رجال فيت َّ‬ ‫بن رواحة‪ ،‬فهرً عليهم ر ول هللا(ﷺ) فقال « َّ‬
‫وإن هللا لشي ـ ُّد قلوب ٍ‬
‫وإن مثلك َي أاب بكر!‬ ‫حض تكون أش َّـد من احل ارة‪َّ ،‬‬ ‫رجال فيت َّ‬ ‫من اللَّب‪ َّ ،‬ش‬
‫َّك شفور شرِحيم﴾‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـاِين فشَِن ش‬ ‫ِ‬
‫كمثل إبراهيم عليت الس ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬إذ قال ﴿فش شم ْن تشبِ شع ِ فشَِنَّت م ِ شوشم ْن شع ش‬
‫[إبراهيم‪ ،]36 :‬ومثلك َي أاب بكر! كمثل عيس عليت السالم إذ قال ﴿إِ ْن تـ شع ِذ ْهب ْم فشَِ َّ‪ْ ،‬م ِعبشاد شك‬
‫احلش ِكيم ﴾ [األنفــال‪َّ ،]118 :‬‬ ‫ِ‬
‫وإن مثلــك َي عمر كمثــل نو ٍ إذ‬ ‫ت الْ شع ِايياي ْ‬ ‫شوإِ ْن تشـ ْف ْر شي ْم فشـَِنـ ش‬
‫َّك أشنْـ ش‬
‫ِ‬ ‫ب حش تش شذر علش األشر ِ ِ‬ ‫قال ﴿ر ِ‬
‫ين شد ََّي ًرا ﴾ [نوح‪.]26 :‬‬ ‫ض م شن الْ شكاف ِر ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ ش‬ ‫ش‬
‫س شعلش أ ْشم شوايِِ ْم شوا ْش ـد ْد‬ ‫ِ‬
‫وإن مثلك َي عمر! كمثل مو ـ عليت الســالم إذ قال ﴿ شربـَّنشا اطْم ْ‬ ‫َّ‬
‫اب األشلِيم ﴾ [يونس‪.]88 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫شعلش قـلوهب ْم فشالش يـ ْؤمنوا شح َّض يشـشروا الْ شع شذ ش ش‬
‫بفداء‪ ،‬أو ربة ٍ‬
‫عنق»‪.‬‬ ‫نت منهم أحد إح ٍ‬ ‫مثَّ قال(ﷺ) «أنتم عالة‪ ،‬فال يشـْنـ شفلِ ش َّ‬
‫فَين قد‬ ‫مسعود ر ي هللا عنت فقلت َي ر ول هللا! إح هيل بن بيضاء ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قال عبد هللا بن‬
‫علي ح ارة من‬ ‫ٍ‬
‫مسعتت يذكر ال ـ ـ ــالم‪ ،‬قال فس ـ ـ ــكت‪ ،‬قال فما رأيت يف يوم أخو أن تقع َّ‬
‫حض قال «إح هيل بن بيضاء» فأنايل هللا ﴿ شما شكا شن لِنشِ ٍب أش ْن يشكو شن لشت‬
‫السماء يف ذلك اليوم َّ‬ ‫َّ‬
‫ض‪ ﴾...‬إىل آخر ا ية‪ ،)384 - 383/1([ .‬وأبو يعلى (‪ ،)5187‬والرتمذي‬ ‫أش ْ شر شح َّض يـثْ ِه شن ِيف األ ْشر ِ‬
‫(‪ 1714‬و‪ ،)3085‬واحلاكم (‪.])22 - 21/3‬‬

‫هامةً يف بناء الدَّولة حينما تكون يف مرحلة التَّكوين‪ ،‬والعداد‪،‬‬ ‫وهذه ا ية تض ـ ـ ـ ـ ـ ــع قاعد ًة َّ‬
‫حض تـ ْرشه من قِبش ِل أعدائها‪ ،‬ويف ـ ـ ـ ـبيل هذه الكلِيَّة يطر‬
‫َّ‬ ‫وكيف ينب ي أح تظهر مبظهر اللِ‬
‫ش‬
‫حض ولو كانت احلاجة مللةً إليها ‪.)1(-‬‬ ‫احهتمام ابجلايئيَّات ‪َّ -‬‬
‫صـلابة يف أ ـر اَّ ـرك كره ذلك‪ ،‬ورأ‬
‫وكان ـعد بن معاذ ر ـي هللا عنت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما شـري ال َّ‬
‫ـعد َّا يص ـ ـ ــنع النَّاس فقال لت ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «وهللا!‬ ‫ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) الكراهية يف وجت ـ ـ ـ ٍ‬

‫لكأنَّك َي ـعد! تكره ما يصـنع القوم!» قال أجل وهللا! َي ر ـول هللا! كانت أول وقعة أوقعها‬

‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪695‬‬
‫[ابن هشـ ـ ــام (‪- 280/2‬‬ ‫الرجل‪.‬‬ ‫هللا أبهل ال ِ ـ ـ ـ ـرك‪ ،‬فكان الثهان ابلقتل أح َّ َّ‬
‫إس من ا ـ ـ ـ ــتبقاء َّ‬
‫‪.)1(])281‬‬

‫الـ َّـدعويــة‬ ‫الرحــة‪ ،‬والعــدل‪ ،‬واحلايم‪ ،‬واألهــدا‬ ‫َّب(ﷺ) ل ـ ـ ـ ـ ـ ــر ُّ‬


‫حتفهــا َّ‬ ‫كــانــت معــاملــة الن ِ‬
‫وتنوعت طرق تعاملت(ﷺ) ‪ ،‬فهناك من قتلت‪ ،‬وبعض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم قبل فيهم‬
‫ولذلك تعدَّدت أ ـ ـ ـ ـ ـ ــاليبت‪َّ ،‬‬
‫من عليهم‪ ،‬وآخرون اشـ ط عليهم تعليم ع ــرة من أبناء اَّســلم مقابل‬
‫الفداء‪ ،‬والبعض ا خر َّ‬
‫ِ‬
‫اَّن عليهم‪.‬‬

‫أ ‪ -‬حفظ رسول هللا(ﷺ) جلِّوار املُط ِّْعم بن ٍ‬


‫عدي‪:‬‬
‫قال ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يف أ ـ ـ ـ ــار بدر «لو كان مطْعِم بن ٍ‬
‫عدأ حياً‪ ،‬مثَّ كلَّم يف هؤحء‬
‫لت» [البخاري (‪ ،)4024‬وأبو داود (‪.])2689‬‬ ‫النَّـْت شىن ألطلقتهم‬

‫وهذا احلديث تعبري عن الوفاء‪ ،‬واحع ا ابجلميل‪ ،‬فقد كان للمطعم مواقف تذ شكر ٍري‪،‬‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) يف جواره حينما عاد من الطَّائف‪ ،‬كما كان من أشـ ـ ـ ـ ِـد القائم‬
‫فهو الَّذأ دخل َّ‬
‫الصليفة يوم ح ِ‬
‫صر اَّسلمون‪ ،‬وبنو هاشم(‪.)2‬‬ ‫عل نقض َّ‬
‫قمة الوفاء َّواقف ِ‬
‫الرجال ‪ -‬ولو كانوا م رك ‪.)3(-‬‬ ‫وهذا ُّ‬
‫يدل عل َّ‬
‫ب ‪ -‬مقتل عُقبة بن أب ُم َع ْي ٍط والنَّضر بن احلارث‪:‬‬
‫لرجل مثل اَّطعم بن ٍ‬
‫عدأ‪َّ ،‬‬
‫فالبد من احلايم مع جمرمي احلرب‪ ،‬وريوس‬ ‫وإذا كان هذا الوفاء ٍ‬
‫الفتنة من أمثال عقبة بن أيب م شعْيا‪ ،‬والنَّضــر بن احلارث‪ ،‬فقد كاان من أكرب دعاة احلرب ـ َّـد‬
‫ـدر خط ٍر كب ٍري عل ال ــالم‪ ،‬وح ـيَّما‬ ‫الدوائر‪ ،‬فبقايلا يـ شع ُّد مصـ ش‬ ‫ال ــالم‪ ،‬واَّ بِصـ ابَّســلم َّ‬
‫تورعا عن‬‫َتر هبا الدَّعوة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬فلو أطلِق ـ ـ ـ ـ ـ ـراحه شما َّا َّ‬
‫يف تلك الظُّرو احلامسة‪ ،‬الَّيت ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية اجلهاديَّة ‪ ،‬لل ضبان (‪.)141/1‬‬


‫السرية ‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫(‪ )2‬انظر من مع ِ‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)54/3‬‬
‫‪696‬‬
‫أأ طر ٍيق فيت كيد لإل ــالم‪ ،‬وأهلت‪ ،‬فشـ شقْتـله شما يف هذا الظَّر‬
‫ـ ــرورة تقتضـ ــيها اَّص ــللة‬ ‫ـ ــلوك ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫العامة لدعوة ال الم الفتيَّة(‪ )1‬ولذلك أمر ر ول هللا(ﷺ) بِشقْتلِهما عندما وهللال إىل َّ‬
‫الصفراء‬ ‫َّ‬
‫أثناء رجوعت للمدينة‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسع ع ْقبشة بن أيب م شعْي ٍا أبمر قشـْتلِ ِت‪ ،‬قال َي ويلي! عالم أقْتل َي‬
‫مع ر قريش من ب ما هاهنا؟! فقال ر ول هللا(ﷺ) «لعداوتك هللِ ولر ولت» قال َي حممد!‬
‫ت شعلش َّي‪،‬‬
‫ت عليهم شمنشـْن ش‬ ‫ٍ‬
‫كرجل من قومي‪ ،‬إ ْن قتلتشـهم قشـتشـ ْلتش ‪ ،‬وإن شمنشـْن ش‬ ‫شمنُّك أفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬فاجعل‬
‫كأحدهم‪َ ،‬ي حممد! من للصـ ــبيشة؟ قال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «النَّار‪،‬‬ ‫وإن أخذت منهم الفداء كنت ِ‬
‫ش‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ـرب عنـ شقت» [احلاكم (‪ ،)124/2‬وجممع الزوائد (‪ ])89/6‬فقدَّمت عاهللاــم‪ ،‬فضـشـر ش‬ ‫قد ْمت َي عاهللاــم! فا ـ ْ‬
‫عنـ شقت(‪.)3‬‬
‫و َّأما النَّضـ ـ ـ ـ ـ ــر بن احلارث‪ ،‬فقد كان من شـ ـ ـ ـ ـ ــياط قر ٍ‬
‫يش‪ ،‬واَّن يؤذأ ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪،‬‬
‫قدم احلرية‪ ،‬وتعلَّم هبا أحاديث ملوك الفرس‪ ،‬وأحاديث ر ـ ـ ـ ـ ـ ــتم‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لت العداوة‪ ،‬وكان قد ِ‬ ‫وين ِ‬
‫فذكر فيت ابهلل‪َّ ،‬‬
‫وحذر قومت ما أهللاـ ـ ــاب‬ ‫وا ـ ـ ــفندَير‪ ،‬فكان إذا جلس ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) جملس ـ ـ ـاً‪َّ ،‬‬
‫قبلهم من األمم ِم ْن نِْق شم ِة هللا خلفت يف جملست إذا قام‪ ،‬مثَّ قال أان وهللا َي مع ر قريش! أحسن‬
‫أحدثكم أحسـ ـ ـ ــن ِم ْن حديثت‪ ،‬مثَّ ِدثهم عن ملوك فارس‪ ،‬ور ـ ـ ــتم‬ ‫إس‪ ،‬فأان ِ‬
‫حديثاً منت‪ ،‬فهل ُّموا َّ‬
‫حممد أحسن حديثاً م ِ ؟!(‪.)4‬‬
‫وا فندَير‪ ،‬مثَّ يقول مباذا َّ‬
‫اَّتأس عليت‪ ،‬والَّذأ يايعم أنَّت ــينايل أحســن اَّا أنايل هللا‪،‬‬
‫الرجل اَّتعاس عل هللا‪ ،‬و ِ‬
‫إن هذا َّ‬‫َّ‬
‫حبد َّثل شم ْن ميثِل هذا التَّيار ‪ -‬وقد أهللاــب ب يدأ‬ ‫حممد‪َّ ،‬‬ ‫والَّذأ يايعم أنَّت أحســن حديثاً من َّ‬
‫ثأر هلل‪ ،‬ولر ـ ـ ـ ـ ـولت(ﷺ) منت‪ ،‬ومن أجل هذا ي ْد ِخ ْلت ر ـ ـ ـ ـ ـول‬ ‫ر ـ ـ ـ ــول رب العاَّ ‪َّ -‬‬
‫حبد أن ي ش‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ي‬ ‫(‪)5‬‬
‫هللا(ﷺ) من نطاق اح ت ارة ‪ ،‬وأمر ر ول هللا(ﷺ) بقتلت‪ ،‬فقتلت ُّ‬

‫َّمد أحد ابطيل ‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ايوة بدر الكرب ‪َّ ،‬‬
‫الصفراء و ٍاد كثري النَّهل ‪ ،‬و َّ‬
‫الايري ‪ ،‬واخلري‪.‬‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)60/3‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)440 ، 439/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫(‪ )5‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)57/3‬‬
‫‪697‬‬
‫هللا عنت(‪.)1‬‬

‫ومبقتل شه شذيْ ِن اَّ ِرشم ْ ِ تعلَّم اَّسـ ـ ـ ــلمون َّ‬


‫أن بعض الطُّ اة العتاة اَّعادين ح جمال للتَّسـ ـ ـ ــاهل‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالل‪ ،‬فال هوادة(‪ )2‬معهم َّ‬
‫أل‪،‬م دــاوزوا حـ َّـد العفو‪،‬‬ ‫معهم‪ ،‬فهم زعمــاء ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر‪ ،‬وقــادة ال َّ‬
‫الرجالن ِم ْن ش ِـر عباد هللا‪ ،‬وأكثرهم كفراً‪ ،‬وعناداً‪،‬‬
‫صـف أبعمايم ال َّ ـنيعة‪ ،‬فقد كان هذان َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وال َّ‬
‫وب ياً‪ ،‬وحسداً‪ ،‬وه اءً لإل الم وأهلت(‪.)4‬‬

‫جانب من املنوج الن ِّ‬


‫َّبوي الكرمي‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ج ‪ -‬الوصيَّةُ إبكرام األسر‬
‫(‪)5‬‬
‫ولـ ـ ـ َّـما رجع(ﷺ) إىل اَّدينة َّفرق األ ر ب أهللالابت‪ ،‬وقال يم «ا توهللاوا هبم خرياً»‬
‫وهبذه التَّوهللاــيشة النَّبويَّة الكرمية‪ ،‬ظهر حتقيق قولت هللا تعاىل ﴿ شويطْعِمو شن الطَّ شع شام شعلش حبِ ِت ِم ْس ـ ِكيناً‬
‫يما شوأش ِ ًريا ﴾ [اإلنسان‪.]8 :‬‬ ‫ِ‬
‫شويشت ً‬
‫عما رأ ‪ ،‬قال كنت يف األ ـ ـ ــر‬ ‫فهذا أبو عايياي بن ع شم ْري أخو مص ـ ـ ــع بن عمري‪ِ ،‬دثنا َّ‬
‫يوم بد ٍر‪ ،‬فقال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «ا ـ ــتوهللاـ ـ ـوا ابأل ـ ــار خرياً»‪ ،‬وكنت يف نف ٍر من األنصـ ـ ـار‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫لوهللا ـيَّة ر ــول هللا(ﷺ) ‪.‬‬ ‫الرب‬
‫فكانوا إذا قدَّموا داءهم‪ ،‬وع ــاءهم‪ ،‬أكلوا التَّمر‪ ،‬وأطعموين َّ‬
‫[الطرباين يف الص ري (‪ ،)401‬ويف الكبري (‪ ،)393/22‬والطربي يف اترخيه (‪ ،)460/2‬وجممع الزوائد (‪.])86/6‬‬

‫الربيع ِدثنا‪ ،‬قال كنت يف شرْه ٍا من األنصار جاياهم هللا خرياً‪ ،‬كنَّا إذا‬ ‫وهذا أبو العاص بن َّ‬
‫الرجل‬
‫إن َّ‬‫حض َّ‬ ‫تع َّينا‪ ،‬أو ت دَّينا‪ ،‬اثروين ابخلْب ِاي‪ ،‬وأكلوا الت َّْمشر‪ ،‬واخلباي معهم قليل‪ ،‬والت َّْمر زادهم‪َّ ،‬‬
‫مثل ذلك‪ ،‬وياييد «وكانوا‬ ‫إس‪ ،‬وكان الوليد بن الوليد بن اَّ رية يقول ش‬ ‫لتقع يف يده كِ ْسشرة فيدفعها َّ‬
‫ملوننا‪ ،‬ومي ون»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)255/2‬‬
‫(‪ )2‬ايشوادة اللِ و ِ‬
‫الرفق‪.‬‬ ‫ش‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)60/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر البداية والنِهاية (‪.)306/3‬‬
‫(‪ )5‬اَّصدر السابق (‪.)307/3‬‬
‫(‪ )6‬الربُّ شح ُّ القم ‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬
‫اقدأ (‪.)119/1‬‬
‫‪698‬‬
‫الرحيم الَّذأ و ـ ــع أ ـ ــا ـ ــت القرآن الكر يف ثنائت عل اَّؤمن ‪َّ ،‬‬
‫وذكر بت‬ ‫كان هذا اخللق َّ‬
‫فاهذوه خلقاً‪ ،‬وكان يم طبيعةً‪ ،‬قد أثر يف إ ـ ـ ـ ـ ـراي جمموعة ِم ْن أش ـ ـ ـ ـ ـرا‬
‫َّب(ﷺ) أهللا ـ ـ ـ ــلابت َّ‬
‫ش‬ ‫الن ُّ‬
‫األ ر ‪ ،‬وأفا لهم إىل ال الم‪ ،‬فأ لم أبو عايياي ع شقْي ش بد ٍر‪ ،‬ب ْعيد وهللاول األ ر إىل اَّدينة‪،‬‬
‫عبيد(‪ )1‬بعد أن فد نفست‪ ،‬فقد رت‬ ‫السائ بن ٍ‬ ‫وتنفيذ وهللايَّة ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأ لم معت َّ‬
‫بالدهم وأهليهم‪ ،‬يتلدَّثون عن‬ ‫وطهرت نفو ـ ـهم‪ ،‬وعاد األ ــر إىل ِ‬ ‫دعوة ال ــالم إىل قلوهبم‪َّ ،‬‬
‫ش‬
‫حم َّمـ ٍد(ﷺ) ‪ ،‬ومكــارم أخالقــت‪ ،‬وعن حمبَّتــت‪ ،‬ومســاحتــت‪ ،‬وعن دعوتــت‪ ،‬ومــا فيهــا من ِ ِ‬
‫الرب والتَّقو ‪،‬‬
‫والهللاال واخلري(‪.)2‬‬

‫األخالقي‪ ،‬حيث انل‬


‫ِ‬ ‫إن هذه اَّعاملة الكرمية ل ــر ‪ ،‬شــاهد عل ِ‬
‫مسو ال ــالم يف ااال‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـابـة أعل درجـات مكـارم األخالق الَّيت تتمثـَّل يف خلق‬
‫أعـداء ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم من معـاملـة ال َّ‬
‫اليثار(‪.)3‬‬

‫َّب(ﷺ) ‪:‬‬ ‫د ‪ -‬فداء العباس ِّ‬


‫عم الن ِّ‬

‫كل قوم أ ــريهم مبا ر ـ ـوا‪ ،‬وقال‬


‫بعثت قريش إىل ر ــول هللا(ﷺ) يف فداء أ ـ ـراهم‪ ،‬ففد ُّ‬
‫العبَّاس َي ر ول هللا! قد كنت مسلماً‪ ،‬فقال ر ول هللا(ﷺ) «هللا أعلم ن المك‪ ،‬فَن يكن‬
‫كما تقول فَن هللا جياييك‪ ،‬و َّأما ظاهرك‪ ،‬فقد كان علينا‪ِ ،‬‬
‫فافتد نف شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك‪ ،‬واب أخويك نوفل‬
‫وع ِقيــل بن أيب طــالـ بن عبــد اَّطَّلـ ‪ ،‬وحلي شفـك عتبـةش بن عم ٍرو‬
‫بن احلــارث بن عبــد اَّطلـ ‪ ،‬ش‬
‫أخي ابن احلارث بن فه ٍر» قال ما ذاك عندأ َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! قال «فأين اَّال الَّذأ دفنتت‬
‫فقلت يا إن أ ِهللاـ ـ ـْبت يف ـ ــفرأ هذا فهذا اَّال الَّذأ دفنتت لب ال شف ْ‬
‫ضـ ـ ـل‪،‬‬ ‫ضـ ـ ـل‪ ،‬ش‬
‫أنت و ُّأم ال شف ْ‬
‫إن هذا ال َّيءش ما علمت‬ ‫وعبد هللا‪ ،‬وقـثشم؟!» قال وهللا َي ر ول هللا! ِإين ألعلم أنَّك ر ول هللا‪َّ ،‬‬
‫أحد ريأ‪ ،‬و ري ِأم الفض ــل‪ ،‬فاحسـ ـ س َي ر ــول هللا! ما أهللا ــبتم م ِ ع ـ ـرين أوقيَّة من ٍ‬
‫مال‬

‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لعرجون (‪.)474/3‬‬


‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لعرجون (‪.)474/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬انظر التَّاري ال المي (‪ 175/4‬ـ ‪.)176‬‬
‫‪699‬‬
‫كان معي‪ .‬فقال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «ذاك شـ ـ ــيء أعطاان هللا تعاىل منك» ففد نفس ـ ــت‪ ،‬واب‬
‫َّب ق ْل لِ شم ْن ِيف أشيْ ِديك ْم ِم شن األش ْ ـشر إِ ْن‬
‫وجل ‪ -‬فيت ﴿ شَيأشيـُّ شها النِ ُّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫أخويت‪ ،‬وحليفت فأنايل هللا ‪َّ -‬‬
‫اَّلل شفور شرِحيم ۝ شوإِ ْن ي ِريدوا‬ ‫اَّلل ِيف قـلوبِك ْم شخ ْ ًريا يـ ْؤتِك ْم شخ ْ ًريا ِاَّا أ ِخ شذ ِمْنك ْم شويشـ ْ ِف ْر لشك ْم شو َّ‬
‫يشـ ْعلشِم َّ‬
‫كيم ﴾ [األنفال‪.]71 - 70 :‬‬ ‫اَّلل علِيم ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك فشـ شق ْد خانوا َّ ِ‬ ‫ِخيشانشـتش ش‬
‫اَّللش م ْن قشـْبل فشأ ْشم شك شن مْنـه ْم شو َّ ش ش‬ ‫ش‬
‫قال العبَّاس فأعطاين هللا مكان الع رين أوقيَّةً يف ال الم ع رين عبداً‪ ،‬كلُّهم يف يده مال‬
‫وجل ‪[ -‬البيوقي يف الدالئل (‪ ،)143 - 142/3‬وبنحوه‬
‫عاي َّ‬ ‫ضـ ـ ِرب بت‪ ،‬مع ما أرجو من م فرة هللا ‪َّ -‬‬
‫يش ْ‬
‫أمحد (‪.)1(])353/1‬‬

‫هذا‪ ،‬والعربة بعموم اللَّفم ح ص ـ ـ ـ ــوص ال َّس ـ ـ ـ ـب ‪ ،‬فهذه ا ية الكرمية وإن كانت نايلت يف‬
‫عامة يف يع األ ر ‪.‬‬‫العباس إح َّأ‪،‬ا َّ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقالوا ائذن لنا فلن ك حبن أختنا العبَّاس فداءه‪.‬‬
‫ا ــتأذن بعض األنصــار ر ـ ش‬
‫[البخاري (‪ 2537/1‬و‪ 3048‬و‪ ،)4018‬والبيوقي يف دالئل النبوة‬ ‫فقال «وهللا! ح تذرون منت درلاً»‬
‫(‪ ،)2(])142/3‬أأ ح ت كوا للعبَّاس من الفداء شيئاً‪.‬‬

‫ويظهر أدب هللاار مع ر ول هللا(ﷺ) يف قويم لر ول هللا ابن أختنا(‪ ،)3‬لتكون اَّنَّة عليهم‬
‫عمك لكانت اَّنَّة عليت(ﷺ) ‪ ،‬وهذا من َّقوة َّ‬
‫الذكاء وحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬ ‫يف إطالقت‪ ،‬ال لو قالوا َّ‬
‫الدين نوي حماابة(‪.)4‬وهنا‬ ‫وإجا امتنع النَّب(ﷺ) عن إجابتهم لئال يكون يف ِ‬ ‫األدب يف اخلطاب‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫يتعلَّم األ ـ ـ ــر ‪ ،‬واَّس ـ ـ ــلمون أيض ـ ـ ـاً در ـ ـ ـ ـاً بلي اً يف عدم حماابة ذوأ القرىب‪ ،‬بل كان األمر عل‬
‫خال ذلك فقد أ ل ر ول هللا الفداء عل ِ‬
‫عمت العباس(‪.)5‬‬
‫ورجع العبَّاس َّ‬
‫َّكة‪ ،‬وقد دفع فداءه‪ ،‬وفداء اب ْ أخويت‪ ،‬وأخف إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمت‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــب يقود‬

‫(‪ )1‬انظر شر احلديث (‪ )4018‬يف فت البارأ‪.‬‬


‫(‪ )2‬شر العسقالين لصلي البهارأ (‪ )321/7‬نقالً عن اَّستفاد من قصص القران (‪.)135/2‬‬
‫(‪َّ )3‬‬
‫ألن جدَّة العباس َّأم عبد اَّطل من ب النَّ ار من يثرب‪.‬‬
‫الرشاد ‪ ،‬للصاحلي (‪.)135/4‬‬
‫(‪ )4‬انظر ب شل ايد و َّ‬
‫(‪ )5‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)176/2‬‬
‫‪700‬‬
‫مبكة مبهارةٍ ٍ‬
‫فائقة‪ ،‬وقدرةٍ اندرةٍ‪َّ ،‬‬
‫حض انته دوره عند فت‬ ‫الدولة ال ـ ــالميَّة َّ‬
‫جهاز ا ـ ــتهبارات َّ‬
‫ٍ‬
‫بساعات(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬فأعلن إ المت قبلها‬
‫الربيع زوج زينب رضي هللا عنوا ِّ‬
‫بنت رسول هللا(ﷺ) ‪:‬‬ ‫بن َّ‬
‫ُ‬ ‫هـ أبو العاص ُ‬
‫قالت عائ ـ ـ ــة ر ي هللا عنها لـ ـ ـ َّـما بعث أهل َّ‬
‫مكـ ـ ــة يف فـ ـ ــداء أ راهم بعثت زين بـ ـ ــنت‬
‫مبال‪ ،‬وبعثت في ـ ــت بِِقالدةٍ(‪ )2‬يا‪ ،‬كانت خلدجية‬ ‫الربي ـ ــع ٍ‬
‫ر ول هللا(ﷺ) يف ف ـ ــداء أيب العاص ب ـ ــن َّ‬
‫رق يا رقَّةً‬
‫أدخلتها هبا عل أيب العاص ح بىن عليها(‪ ،)3‬قالت فلـ ـ ـ َّـما رآها ر ول هللا(ﷺ) َّ‬
‫وتردوا عليها الَّذأ يا‪ ،‬فافعلوا» فقالوا نعم‪،‬‬
‫ش ـ ـ ــديد ًة‪ ،‬وقال «إن رأيتم أن تطلقوا يا أ ـ ـ ــريها‪ُّ ،‬‬
‫وردوا عليها الَّذأ يا‪[ .‬أبو داود (‪ ،)2692‬وأمحد (‪ ،)276/6‬والبيوقي يف الدالئل (‪،)154/3‬‬‫فأطلقوه‪ُّ ،‬‬
‫والطرباين يف الكبري (‪ ،)428/22‬وجممع الزوائد (‪.)4(])214/9‬‬

‫وكان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أخذ عليت‪ ،‬أو وعده أن خيشلِ شي ـ ـ ـ ـ ـ ــبيل زين إليت‪ ،‬وبعث ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫َتر بكمــا‬ ‫هللا(ﷺ) زيــد بن حــارثــة‪ ،‬ورجالً من األنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬فقــال «كوان ببطن رْ شجت(‪َّ ،)5‬‬
‫حض َّ‬
‫[انظر ختريج احلديث السابق]‪.‬‬ ‫حض أتتيا هبا»‬
‫زين ‪ ،‬فتصلباها‪َّ ،‬‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) يعر عنت ُّ‬
‫قا‬ ‫الربيع زوً زين ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها ِ‬
‫بنت َّ‬ ‫َّ‬
‫إن أاب العاص بن َّ‬
‫ش‬
‫كف يده‪ ،‬ولسـ ـ ـ ـ ــانت عن أهللاـ ـ ـ ـ ــلاب ر ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫لون من ألوا‪،‬ا‪ ،‬وقد َّ‬ ‫أبأ ٍ‬
‫موقف يف مقاومة الدَّعوة ِ‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬وش ـ ـ شلت مالت ودارتت‪ ،‬وحيايه من ر ـ ــول هللا(ﷺ) عن مو ِ‬
‫اقف ال َّ ـ ـرا ـ ــة القرش ـ ـيَّة يف‬
‫مقاومة الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬ويف بد ٍر كان أبو العاص ِهللا ـ ْهر ر ــول هللا(ﷺ) من ب األ ـر الَّذين‬
‫وهدت يم يف ٍ‬
‫قتال جولة‪ ،‬وبعد أن‬ ‫يسـ ـ ــمع يم يف اَّعركة هللا ـ ــوت‪ ،‬و يعر يم رأأ‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ ْ‬
‫بدأت قريش تفدأ أ ـ ـ ـراها أر ـ ــلت ال َّسـ ـ ـيدة زين بنت ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وزوجة أيب العاص‬

‫(‪ )1‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)68/3‬‬


‫حلي وحنوه‪.‬‬
‫القالدة ما جيْ شعل يف العنق من ٍ‬
‫(‪ )2‬ش‬
‫(‪ )3‬بش شـىن بايوجتت وعليها دخل هبا‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫(‪ )5‬ا م مكان عل شانية أميال من َّ‬
‫مكة‪.‬‬
‫‪701‬‬
‫مبال تفديت بت‪ ،‬ومع اَّال قالدة كانت ُّأمها ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيدة خدجية ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنها‪ ،‬أهدهتا إليها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫رق يا رقَّةً شديدةً‪،‬‬ ‫لتتللَّ هبا‪ ،‬فل َّـما رأ ر ول هللا(ﷺ) ق ش‬
‫الد شة ابنتت َّ‬ ‫فأدخلتها هبا عل زوجها ش‬
‫َيت زوجيَّـ ٍة‪ ،‬وذكر ٍ‬
‫َيت‬ ‫َيت أبويَّـ ٍة عنــده(ﷺ) ‪ ،‬وذكر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـث ذكر ش‬ ‫إذ كــانــت هــذه القالدة الكرميــة مبعـ ش‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األبوة أرفع منازيا يف ـ ِل اَّكارم‬ ‫َّب(ﷺ) أب‪ ،‬لت من عواطف َّ‬ ‫أ ـ ِريَّة‪ ،‬وذكرَيت عاطفيَّة فالن ُّ‬
‫اَّكرمة أمس م ـ ــاعر‬
‫النس ـ ــانيَّة‪ ،‬وأش ـ ــرفها يف فض ـ ــائل احلياة‪ ،‬فتواثبت إىل خباَي نفس ـ ــت الكرمية َّ‬
‫فتوجت إىل أهللالابت ر ي هللا عنهم‬ ‫الرحة‪ ،‬وتاياحت عل فؤاده األطهر عواطف احلنان‪ ،‬واحلن ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫متلطفاً‪ ،‬يطل إليهم يف رجاء ِ‬
‫األعاي األكرم‪ ،‬رجاءً يدفعهم إىل العطاء‪ ،‬وح يس ـ ـ ـ ـ ـ ــلبهم حقَّهم يف‬
‫الفداء لو َّأ‪،‬م أرادوا اححتفا هبذا ِ‬
‫احلق وهو يف أيديهم‪ ،‬ميلكون التَّص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـر فيت‪ ،‬فقال يم‬
‫وتردوا عليها الَّذأ هو يا»‪.‬‬
‫«إ ْن رأيتم أن تطلقوا يا أ ريها‪ُّ ،‬‬
‫وهذا أ لوب من أبل ‪ ،‬وألطف ما يسرأ يف حناَي النُّفوس الكرمية‪ِ ،‬‬
‫فيطوعها إىل اح ت ابة‬
‫الرا ية‪ ،‬ر اءً يش ُّنم عن ال ِْبطشة‪ ،‬والبشـ ْه ش ة(‪.)1‬‬
‫الرا بة َّ‬
‫َّ‬
‫الرحة‪ ،‬والعطف منت(ﷺ) عل ابنتت‪ ،‬مل يف‬ ‫إن هذا اَّوقف‪ ،‬وما يظهر منت من مظاهر َّ‬ ‫َّ‬
‫طيَّاتت مقص ـ ــداً آخر‪ ،‬وهو أنَّت كان يتألَّف ِهللاـ ـ ـ ْهشره لإل ـ ــالم بذلك لِ شما شع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـر ش عنت من العقل‬
‫الرشيد‪ ،‬فقد كان(ﷺ) يث عليت‪ ،‬وهو عل ِش ْركِ ِت حبسن اَّعاملة(‪.)2‬‬ ‫الرأأ َّ‬
‫السديد‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬
‫َّبوي‪:‬‬ ‫عمرو بن عبد هللا اجلُ َم ِّح يي بني َّ‬
‫الرمحة‪ ،‬واحلزم الن ِّ‬ ‫عزة ُ‬
‫و ‪ -‬أبو َّ‬
‫ٍ‬
‫حاجة‪،‬‬ ‫مال‪ِ ،‬‬
‫وإين لذو‬ ‫كان حمتاجاً ذا ٍ‬
‫بنات‪ ،‬قال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! لقد عرفت ما س ِمن ٍ‬
‫ْ‬
‫ظاهر عليت أحداً‪ ،‬فقال‬ ‫وذو ٍ‬
‫فمن عليت ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأخذ عليت أح ي ش‬
‫علي! َّ‬
‫عيال‪ ،‬فامن ْن َّ‬
‫عايشة ميد ر ول هللا(ﷺ) عل ذلك‬
‫أبو َّ‬
‫ك حق واَّلِي ـ ـ ـك شِ‬ ‫شم ْن مْبلِ شع ِ َّ‬
‫حْيـ ـ ـ ـد‬ ‫أبنَّ ـ ـ ـ ش ش ش ْ‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوشل حمش َّمـداً‬

‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لعرجون (‪ 480/3‬ـ ‪.)487‬‬


‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)183/4‬‬ ‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫‪702‬‬
‫شيشا شد شر شجات ش ـ ـ ـ ـ ـ ْهلشة شوهللا ـ ـ ـ ـ ـعود‬ ‫(‪)1‬‬
‫مباءشةً‬ ‫وأشْنت امري بـ ِوْئ ِ‬
‫ت فْيـشنا ش‬ ‫ش‬ ‫ش ْ‬
‫وم ْن ـ ـ ـ ــاَّتشت لش شس ـ ـ ـ ـعِيد‬‫ش‬ ‫شش ـ ـ ـ ـ ِقي‬ ‫ك شم ْن شحـ ـ شاربْـتشـ ـت لشم شلـ ـ شارب‬ ‫ف ــَنَّـ ـ ش‬
‫ْ‬
‫ب شم ـا ِيب شح ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرًة شوقـع ْود‬‫أتو ش‬ ‫َّ‬ ‫ولش ِك ْن إِ شذا ذكِْرت بشـ ـ ـ ْدراً وأ ْشهلشـ ـ ـت‬
‫الر ــول(ﷺ) عليت‪ ،‬ولع اَّ ــركون‬ ‫عايشة هذا نقض ما كان عاهد َّ‬ ‫إن أاب َّ‬ ‫قال ابن كثري مثَّ َّ‬
‫َّب(ﷺ) أن شمي َّن عليت أيضاً‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫يوم أحد أ ر أيضاً‪ ،‬فسأل الن َّ‬ ‫بعقلت‪ ،‬فرجع إليهم‪ ،‬فل ـ ـ ـ َّـما كان ش‬
‫مرت » مثَّ أ ششمشر بت‪،‬‬ ‫حممداً َّ‬ ‫مبكةش‪ ،‬وتقول خدعت َّ‬ ‫ك َّ‬
‫َّب(ﷺ) «ح أدعك َتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عا ِر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْي ش‬ ‫الن ُّ‬
‫فشض ِربش ْ‬
‫ت عنقت‪[ .‬البيوقي يف الدالئل (‪ ،)281 - 280/3‬وابن هشام (‪.)2(])110/3‬‬
‫فكان النَّب(ﷺ) بت رحيماً‪ ،‬وعفا عنت‪ ،‬وأطلق راحت بدون ٍ‬
‫فداء ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ذكر أبو عَّاية فقره‪،‬‬
‫السلم‪ ،‬وعدم‬ ‫يف لر ول هللا(ﷺ) مبا عاهده عليت ِمن لايوم ِ‬ ‫يعوين ولكنَّت ِ‬ ‫َّ‬ ‫وما لديت ِمن ٍ‬
‫بنات‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّب(ﷺ) منت احلايم‪ ،‬فأمر بض ـ ْـرب‬ ‫إاثرة احلرب ــدَّه‪ ،‬فوقع أ ـ ـرياً يف معركة أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬فكان موقف الن ِ‬
‫عن ِقت‪.‬‬

‫سويل بن عم ٍرو‪ ،‬ووقوعُه يف األسر‪ ،‬وماذا قالت سودةُ رضي هللا عنوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ز‪-‬‬

‫الرحن بن أ ـ ـ ــعد بن زرارة ر ـ ـ ــي هللا عنت ق ِدم ابأل ـ ـ ــار ح ق ِدم هبم اَّدينة‬ ‫قال عبد َّ‬
‫ومعوذ اب عفراء ‪-‬‬ ‫َّب(ﷺ) عند آل عفراء يف مناحتهم عل شع ْو ٍ ‪ِ ،‬‬ ‫و ـ ـ ـ ــودة بنت زمعة زوً الن ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرب احل اب ‪ ،-‬قالت ـ ـ ـ ـ ـ ــودة فوهللا ِإين لشعِْندهم إذ أتينا فقيل هؤحء‬
‫وذلك قبل أن ي ْ‬
‫األ ــار قد أِلش هبم‪ ،‬فرجعت إىل بييت ور ــول هللا(ﷺ) فيت فَذا أبو ياييد ــهيل بن عم ٍرو يف‬
‫يد كذلك أن‬ ‫حببل‪ ،‬فوهللا ما ملكت ح رأيت أاب ياي ٍ‬ ‫انحية احل ْ شرة‪ ،‬ويداه جمموعتان إىل عنقت ٍ‬
‫ق لت أاب ياييد! أعطيتم أبيديكم؟ أح متُّم كراماً؟! فما انتبهت إح بقول ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) من‬
‫أعلش هللا ور ـولت حتش ِر ـ ؟!» فقلت َي ر ــول هللا! والَّذأ بعثك ِ‬
‫ابحلق‪ ،‬ما‬ ‫البيت «َي ــودة! ش‬
‫[البيوقي يف‬ ‫ملكت نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح رأيت أاب ياييد جمموعةً يداه إىل عنقت ابحلبل أن قلت ما قلت‪.‬‬

‫(‪ )1‬مباءة مكانة رفيعة‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر البداية والنِهاية (‪.)313/3‬‬
‫‪703‬‬
‫الكرب (‪ ،)89/9‬واحلــاكم (‪ ،)22/3‬وابن أب ش ـ ـ ـ ـ ــيبــة يف املص ـ ـ ـ ـ ــنف (‪ ،)370 - 369/14‬والطربي يف اترخيــه‬

‫(‪.)1(])460/2‬‬

‫األخيشف يف فداء ـ ــهيل بن عمرو‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما فاوض اَّسـ ـ ـلم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وقدم مكشْرز بن حفص بن ْ‬
‫هات الَّذأ لنـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬قال يم ِمكشْرز بن حفص اجعلوا رجلي مكان‬ ‫وانته إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ر ائهم‪ ،‬قالوا ِ‬
‫حض يشبعث إليكم بفدائت‪ ،‬فهلُّوا بيل هيل‪ ،‬وحب سوا ِمكْرزاً عندهم‪ ،‬وجاء‬ ‫رجلت‪ ،‬وخلُّوا بيلت َّ‬
‫أن عمر بن اخلطاب ر ـ ــي هللا عنت قال لر ـ ــول هللا(ﷺ) دع أنايي ثشنِيَّة‬ ‫ٍ‬
‫حديث م ْر ش ـ ـ ـ ٍل َّ‬ ‫يف‬
‫هيل بن عم ٍرو‪ ،‬يدلع لسانت‪ ،‬فال ي ـقوم علي ـك خطيباً ف ـي موط ٍن آخر ! فقـال ر ول هللا(ﷺ)‬
‫«ح أمثِل بـت‪ ،‬فيمثِل هللا يب وإن كنت نبيَّاً» [ابن أب شيبة يف املصنف (‪ .)2(])387/14‬مثَّ قال ر ول‬
‫تذمت»(‪.)3‬‬
‫هللا(ﷺ) لعمر «إنَّت عس أن يقوم مقاماً ح ُّ‬
‫مبكة ح مات ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) وار َّ‬
‫تد‬ ‫قال ابن كثري وهذا هو اَّقام الَّذأ قامت ـ ـ ـ ـ ـ ــهيل َّ‬
‫العرب‪ ،‬وُم النِف ــاق ابَّ ــدين ــة و ريه ــا‪ ،‬فق ــام مب َّك ـ ـة‪ ،‬فهط ـ ـ يف النَّـ ـاس‪ ،‬وثبَّتهم عل ال ـ ِـدين‬
‫احلنيف(‪ ،)4‬فقد قال يف ذلك «َي مع ــر قريش! ح تكونوا آخر النَّاس إ ــالماً‪ ،‬و َّأويم َّ‬
‫رد ًة‪ ،‬شم ْن‬
‫شرابنشا ربنا عنـ شقت»(‪.)5‬‬

‫َّ‬
‫أن ذلك من ابب التَّمثيل وت ـ ـ ـ ــويت‬ ‫فقد أىب ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أن ينايي ثنيَّة ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫هيل‪ ،‬ورأ‬
‫خلقة النس ــان‪ ،‬وقال لعمر «ح أمثِل بت‪ ،‬فيمثِل هللا يب! وإن كنت نبياً» وهذا جوذً من منهت‬
‫ألمتت يف انتصاراهتا عل أعدائها(‪.)6‬‬
‫ر التت(ﷺ) ‪ ،‬و عت ليكون نربا اً َّ‬

‫َّمد الصوَيين (‪.)200/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبوية ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر البداية والنِهاية (‪ .)311/3‬وقال ابن كث ٍري مر ل بل معضل‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر البداية والنِهاية (‪.)311/3‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)181/4‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫(‪ )5‬انظر التَّاري ال ُّ‬
‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لعرجون (‪.)474/3‬‬ ‫(‪ )6‬انظر َّ‬
‫‪704‬‬
‫ح ‪ -‬التَّعليم مقابل الفداء‪:‬‬

‫اس ر ي هللا عنت كان انس من األ ار يوم بد ٍر ليس يم فداء‪ ،‬ف عل ر ول‬ ‫قال ابن عبَّ ٍ‬
‫هللا(ﷺ) فداءهم أن يـ شعلِموا أوحد األنصـ ـ ـ ــار الكتابة(‪ ،)1‬وبذلك شـ ـ ـ ــري األ ـ ـ ـ ــر يعلِمون لمان‬
‫َّب(ﷺ)‬ ‫كل شم ْن يـ شعلِم ع ش ـ ـ ـ ـ ـرةً من ال لمان يفدأ نفسـ ـ ـ ـ ــت(‪ ،)2‬وقشبول الن ِ‬
‫اَّدينة القراءة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬و ُّ‬
‫تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء يف ذلك الوقت الَّذأ كانوا فيت يف أش ـ ِـد احلاجة إىل اَّال‪ ،‬يرينا‬
‫مسو ال الم يف نظرتت إىل العلم‪ ،‬واَّعرفة‪ ،‬وإزالة األميَّة‪ ،‬وليس هذا بع ي ٍ ِم ْن دي ٍن كان َّأول ما‬ ‫َّ‬
‫نايل من كتابت الكر ﴿اقْـرأْ ِاب ـ ِم ربِ ِ‬
‫ك‬‫ك الَّذأ شخلش شق ۝ شخلش شق ا ِلنْ شسـا شن ِم ْن شعلش ٍق ۝ اقْـشرأْ شوشربُّ ش‬‫ش ْ ش ش‬
‫األش شكشرم ۝ الَّ ِذأ شعلَّ شم ِابلْ شقلشِم ﴾ [العلق‪ .]4 - 1 :‬وا ـ ــتفا ـ ــت فيت نصـ ــوص القرآن‪ ،‬وال ُّس ـ ـنَّة يف‬
‫َّب(ﷺ) َّأول من و ع ح ر‬ ‫ال َّ ي يف العلم‪ ،‬وبيان منايلة العلماء‪ ،‬وهبذا العمل اجلليل يعترب الن ُّ‬
‫السبق يف هذا لإل الم(‪.)3‬‬ ‫األميَّة‪ ،‬وإشاعة القراءة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬و َّ‬
‫أن َّ‬ ‫األ اس يف إزالة ِ‬

‫ط ‪ -‬حكم األسر ‪:‬‬


‫مفوض إىل رأأ المام ليهتار حكْماً من أر ٍ‬
‫بعة‪ ،‬وعل‬ ‫َّ‬
‫إن حكم األ ـ ـ ـ ـ ـ ــر يف ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم َّ‬
‫العامة واألحكام األربعة هي‬
‫َّ‬ ‫المام أن يراعي مصللة اَّسلم‬

‫‪ - 1‬القتل وقد قتل ر ول هللا(ﷺ) ع ْقبشةش بن أيب م شعْي ٍا‪ ،‬والن ْ‬


‫َّضر بن احلارث‪.‬‬
‫‪ - 2‬اَّ ُّن وهو إطالق األ ـ ـ ـ ـ ــري بدون ٍ‬
‫مقابل‪ ،‬وهذا ما فعلت ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) مع أيب شعَّايةش‬
‫اجل شم ِل ِي‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفداء إطالق ـ ـ ـ ـرا األ ـ ـ ــري مقابل مبل ٍ من اَّال‪ ،‬وهذا ما حدث مع العبَّاس ِ‬
‫عم‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬ونوفل بن احلارث‪ ،‬وعقيل بن أيب طال ٍ ‪ ،‬و ريهم‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫‪ - 4‬اح ـ ـ ـ ـ ـ قاق وقد حكم ـ ـ ـ ـ ـعد بن معاذ ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت يف يهود ب قريظة أن يقتل‬
‫الذرارأ والنِساء(‪.)4‬‬ ‫اَّاربون‪ ،‬وتقسم األموال‪ ،‬وت ْسىب َّ‬
‫ش‬ ‫ش‬

‫هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.261‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)74/3‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪ 164/2‬ـ ‪.)165‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ايوة بدر الكرب ‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪705‬‬
‫السادس‬
‫املبحث َّ‬
‫نتائج غزوة بد ٍر وحماولة اغتيال الن ِّ‬
‫َّب(ﷺ)‬

‫أوالً‪ :‬نتائج غزوة بد ٍر‪:‬‬

‫‪ - 1‬كان من نتائت ايوة بد ٍر أن قويت شوكة اَّسلم ‪ ،‬وأهللابلوا مرهوب يف اَّدينة‪ ،‬وما‬
‫يفكر‪ ،‬و ِ‬
‫يفكر قبل أن‬ ‫جاورها‪ ،‬وأهللا ــب من يريد أن ي ايو اَّدينة‪ ،‬أو ينال من اَّس ــلم عليت أن ِ‬
‫شْ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) يف اَّدينة‪ ،‬وارتفع ُم ال ـ ـ ـ ـ ــالم فيها‪ ،‬و يعد‬
‫وتعايزت مكانة َّ‬
‫قدم عل فشـ ْعلتت‪َّ ،‬‬ ‫ي ِ‬

‫ـككون يف الدَّعوة اجلديدة‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ــركون يف اَّدينة يت َّريون عل إظهار كفرهم‪ ،‬وعداوهتم‬ ‫اَّت ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫لإل ـ ـ ـ ـ ـ ــالم لــذا ظهر النِفــاق‪ ،‬واَّكر‪ ،‬واخلــداي‪ ،‬فــأعلنوا إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمهم ظــاهراً أمــام الن ِ‬
‫َّب(ﷺ) ‪،‬‬
‫وأهللاــلابت‪ ،‬فدخلوا يف عداد اَّســلم ‪ ،‬وأب شقوا عل الكفر ابطناً‪ ،‬فظلُّوا يف عداد الكفار‪ ،‬فال هم‬
‫مس ـ ــلمون مللص ـ ــون يف إ ـ ــالمهم‪ ،‬وح هم كافرون ظاهرون بكفرهم‪ ،‬وعداوهتم للمس ـ ــلم ‪ ،‬قال‬
‫ض ـ ـ ـ ـلِ ِل َّ‬
‫اَّلل فشـلش ْن شِد شد لشت ش ـ ـ ـ ـبِيالً ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل ﴿م شذبْ شذبِ ش بشْ ش شذل ش‬
‫ك حش إِ شىل شهؤحشء شوحش إِ شىل شهؤحشء شوشم ْن ي ْ‬
‫[النساء‪.]143 :‬‬

‫ومن أجل هذا اَّوقف اَّتذبذب ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّع هللا عليهم‪ ،‬ومسَّع هبم يف كث ٍري من آيلتت‪َّ ،‬‬
‫وتوعدهم‬
‫أبشد أنواي العذاب‪ ،‬قال تعاىل ﴿إِ َّن الْمنشافِ ِق ِيف الدَّرِك األش شف ِل ِمن النَّا ِر ولشن شِد شد شيم نش ِ‬
‫ص ًريا﴾‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫شْ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫[النساء‪.]145 :‬‬

‫ومن نتائت موقعة بدر ازدَيد ثقة اَّسلم ابهلل ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ ،-‬وبر ولت الكر (ﷺ)‪،‬‬
‫يش يف ال ــالم‪ ،‬وقد ــاعد ذلك‬ ‫وقوهتم‪ ،‬ودخول ٍ‬
‫عدد كب ٍري من م ــركي قر ٍ‬ ‫واشــتداد ــاعدهم‪َّ ،‬‬
‫عل رفع معنوَيت اَّسـ ـ ــلم اَّسـ ـ ــتضـ ـ ــعف الَّذين كانوا ح يايالون يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬فا تبطت نفو ـ ـ ــهم‬
‫بنص ـ ـ ـ ـ ـ ــر هللا‪ ،‬واطمــأنـَّت قلوهبم إىل أن يوم الفرً قريـ ‪ ،‬فــازدادوا إميــاانً عل إميــا‪،‬م‪ ،‬وثبــااتً عل‬
‫عقيدهتم‪.‬‬
‫‪706‬‬
‫وإىل جان ذلك‪ ،‬فقد كس ـ ـ ـ اَّسـ ـ ــلمون مهارةً عسـ ـ ــكريَّةً‪ ،‬وأ ـ ـ ــالي ش جديدةً يف احلرب‪،‬‬
‫وشـ ـ ــهرًة وا ـ ـ ــعةً داخل اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬وخارجها إذ أهللاـ ـ ــبلوا َّقوًة س ـ ـ ـ يا حسـ ـ ــاهبا يف بالد‬
‫العرب‪ ،‬فال هتـ ِـدد زعــامــة قريش وحـ شـدهــا‪ ،‬بــل زعــام ـةش يع القبــائــل العربيــة اَّنت ـ ـ ـ ـ ـ ــرة يف ملتلف‬
‫للدولة اجلديدة مصـ ـ ـ ــدر للدَّخل من نائم اجلهاد‪ ،‬وبذلك‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ شقاي(‪ )1‬واألماكن‪ ،‬كما أهللاـ ـ ـ ــب َّ‬
‫األش ْ‬
‫ؤس‪ ،‬وفق ٍر‬
‫ـادأ مبا أفاء هللا عليهم من نائم‪ ،‬بعد ب ٍ‬
‫اَّاد ِأ واحقتص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫انتعش حال اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬
‫شديدين‪ ،‬داما تسعةش شع ش شر شهراً(‪.)2‬‬

‫أن مقتل أيب جهل بن ه ــام‪ ،‬وأميَّة‬ ‫‪َّ - 2‬أما قريش‪ ،‬فكانت خســارهتا فادحةً‪ ،‬فَ ــافةً إىل َّ‬
‫بن خلف‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪ ،‬و ِريهم من زعماء الكفر الَّذين كانوا من أش ــد القرش ــيِ شـ ـ اعةً‪،‬‬
‫وقوًة‪ ،‬وأب ـ ـاً يكن خس ــارًة حربيَّةً لقر ٍ‬
‫يش فلس ـ ـ ‪ ،‬بل كان خس ــارًة معنويَّةً أيض ـ ـاً ذلك َّ‬
‫أن‬
‫هتدد أيضاً يادهتا ونفوذها يف احل از كلِت(‪.)3‬‬ ‫اَّدينة تعد هتش ِدد دارشهتا فقا‪ ،‬بل أهللابلت ِ‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاعقة‪ ،‬و يص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدقوا ذلك يف بداية األمر‪ ،‬قال ابن‬ ‫كان خرب ايايمية عل أهل َّ‬
‫مكة كال َّ‬
‫مبصاب قريش احلشْيسمان بن عبد هللا اخلاياعي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قدم َّ‬
‫مكةش‬ ‫إ لاق ‪ -‬رحت هللا ‪« -‬وكان َّأول من ِ‬

‫فقالوا لت ما وراءك؟‬

‫قال قتِل عتبة بن ربيعة‪ ،‬وشـ ـ ــيبة بن ربيعة‪ ،‬وأبو احلكم بن ه ـ ـ ــام‪ ،‬وأميَّة بن خلف‪ ،‬شوزمعة‬
‫بن األ ود‪ ،‬ونبيت‪ ،‬ومنبَّت ابنا احل َّ اً‪ ،‬وأبو البش ْه ِأ بن ه ام‪ ،‬فل ـ َّـما جعل يـ شع ِدد أشرا قريش‪،‬‬
‫قال هللافوان بن أميَّة وهللا إن يعقل هذا! فسلوه ع ِ !‬

‫فقالوا ما فعل هللافوان بن أميَّة؟‬

‫قال هو ذاك جالس يف احلِ ْ ر‪ ،‬قد وهللا! رأيت أابه‪ ،‬وأخاه ح قتِال»(‪.)4‬‬

‫أهللا شقاي‪.‬‬
‫الص ْقع النَّاحية ‪ ،‬واجلمع ْ‬
‫(‪ُّ )1‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬انظر التَّاري السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬د‪ .‬علي معطي ‪ ،‬ص ‪ 274‬ـ ‪.275‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪ 375‬ـ ‪.376‬‬
‫يش إىل َّ‬
‫مكة)‪.‬‬ ‫(‪ )4‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬ص ‪ ،257‬وانظر رية ابن ه ام (بلوغ مصاب قر ٍ‬
‫‪707‬‬
‫يش عل أيب ي ٍ ‪-‬‬
‫ـقص علينا أثر خرب هايميـ ـ ــة قر ٍ‬
‫وهذا أبـ ـ ــو راف ٍع موىل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬يـ ـ ـ ُّ‬
‫للعباس بن عبد اَّطَّل ‪ ،‬وكان ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالم قد دخلنا أهل‬
‫لعنت هللا ‪ ،-‬حيث قال كنت الماً َّ‬
‫قومت‪ ،‬ويكره أن خيال شفهم‪ ،‬وكان‬
‫ـلمت ُّأم الفض ـ ـ ــل‪ ،‬وأ ـ ـ ــلمت‪ ،‬وكان العبَّاس يهاب ش‬
‫البيت‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ْ‬
‫عدو هللا ‪ -‬قد هلَّف عن‬
‫متفرق يف قومت‪ ،‬وكان أبو ي ‪ُّ -‬‬ ‫يكتم إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمت‪ ،‬وكان ذا ٍ‬
‫مال كث ٍري ِ‬
‫بد ٍر‪ ،‬فبعث مكانت العاص بن ه ام بن اَّ رية‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاء اخلرب عن مصاب أهللالاب بد ٍر من‬
‫قريش شكبشـتشت(‪)1‬هللا‪ ،‬وأخاياه‪ ،‬ووج ْدان يف أنفسنا َّقوة وعاياً‪.‬‬

‫قـال كنـت رجالً ـ ـ ـ ـ ـ ــعيفـاً ‪ ،‬وكنـت أعمـل األقـدا ‪ ،‬و ْأحنشتهـا يف ح ْ رة زمايم ‪ ،‬فوهللا! ِإين‬
‫جلالس فيها أحنشت القدا ‪ ،‬وعندأ ُّأم الفض ـ ـ ـ ـ ــل (زوجة العبَّاس بن عبد اَّطل ) جالسـ ـ ـ ـ ـ ـةً‪ ،‬وقد‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫حض جلس عل طن‬ ‫جير رجليت ب ش ـ ـ ٍر‪َّ ،‬‬
‫ـ ـ َّـران ما جاءان من اخلرب إذ أقبل الفا ـ ــق أبو ي ُّ‬
‫احل رة‪ ،‬فكان ظهره إىل ظهرأ‪ ،‬فبينما هو جالس إذ قال النَّاس هذا أبو ـ ـ ـ ــفيان بن احلارث‬
‫إس‪ ،‬فعنــدك لعمرأ اخلرب! قــال ف لس إليــت‪،‬‬
‫هلم َّ‬
‫َّ‬ ‫بن عبــد اَّطَّل ـ قــد قــدم‪ ،‬فقــال أبو ي ـ‬
‫والنــاس قيــام عليــت‪ ،‬فقــال َيبن أخي! أخربين كيف كــان أمر النـَّاس؟ قــال وهللا! مــا هو إح أن‬
‫لقينا القوم فش شمنش ْلناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شايوا‪ ،‬ور روننا كيف شايوا‪ ،‬وا ْ هللا! مع ذلك ما‬
‫خيل بـ ْلق(‪ )3‬ب ال َّسـ ـماء واألرض‪ ،‬وهللا! ما تلِيق(‪ )4‬ش ــيئاً‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لمت النَّاس لقينا رجاحً بيضـ ـاً عل‬
‫وح يقوم يا شيء‪ ،‬قال أبو رافع فرفعت طن احل رة بيدأ‪ ،‬مثَّ قلت تلك وهللا اَّالئكة!‬

‫واثوْرتت(‪ ،)5‬فاحتمل ‪،‬‬


‫قال فرفع أبو ي يده‪ ،‬فض ـ ـ ــرب هبا وجهي ـ ـ ـ ـربةً ش ـ ـ ــديدةً‪ ،‬قال ش‬
‫علي يضرب ‪ -‬وكنت رجالً عيفاً ‪ ،-‬فقامت ُّأم الفضل إىل عمود‬ ‫و رب يب األرض‪ ،‬مثَّ برك َّ‬
‫ت(‪ )6‬يف رأ ــت ششـ َّ ةً منكرًة‪ ،‬وقالت أ ــتشضــع ْفتشت‬ ‫ِ‬
‫من عمد احل رة‪ ،‬فأخذتت فضـربتت بت ـربة فشـلش شع ْ‬

‫(‪ )1‬كبتت أذلت‪.‬‬


‫(‪ )2‬طن احل رة طرفها‪.‬‬
‫(‪ )3‬بشلِ شق بشلقاً وبـلْ شقة كان فيت واد ‪ ،‬وبياض ‪ ،‬فهو أشبْـلشق ‪ ،‬وهي بشـلْ شقاء ‪ ،‬واجلمع بـلْق‪.‬‬
‫(‪ )4‬تلِيق تـْبقي‪.‬‬
‫اثوْرتت وثبت إليت‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ش‬
‫ت شقت‪.‬‬ ‫(‪ )6‬فشـلش شع ْ‬
‫‪708‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أن اب عنت يِده؟ فقام موليشاً ذليالً‪ ،‬مثَّ مات بعد بع ليال ش‬
‫ابلع شد ش ة(‪ ،)1‬فقتلتت(‪.)2‬‬
‫لقد تركت ايوة بدر يف نفوس أهل َّ‬
‫مكة اَّ ــرك ‪ ،‬كمداً‪ ،‬وأحاياانً‪ ،‬وآحماً بس ــب هايميتهم‪،‬‬
‫يلبث أن أهللا ــي بِعِلَّة‪ ،‬ومات‪ ،‬وهذا أبو ــفيان فقد ابناً‬ ‫ومن فقدوا‪ ،‬وأ ــروا‪ ،‬فهذا أبو ي‬
‫مكةش إح وفيت مناحة عل قتل عايياي‪ ،‬أو قري ‪،‬‬ ‫بيت من بيوت َّ‬‫لت‪ ،‬وأ ِ ـ ـ ـر لت ابن آخر‪ ،‬وما من ٍ‬
‫حرم‬
‫حض إن بعضهم َّ‬ ‫أو أش ْ ر أ ٍري‪ ،‬فال ع أن كانوا هللا َّمموا يف أنفسهم عل األخذ ابلثأر‪َّ ،‬‬
‫عل نفس ــت اح تس ــال(‪ ،)3‬حض رخذ ابلثَّأر اَّن أذلُّوهم‪ ،‬وقتلوا أشـ ـرافهم‪ ،‬وهللا ــناديدهم‪ ،‬وانتظروا‬
‫ي قَّبون الفرهللاة للقاء اَّسلم واحنتصا منهم‪ ،‬فكان ذلك يف أ ٍ‬
‫حد(‪.)4‬‬

‫‪َّ - 3‬أما اليهود فقد هايم أن ينتص ــر اَّس ــلمون يف بد ٍر ‪ ،‬وأن تقو ش ــوكتهم فيها ‪ ،‬وأن‬
‫يشعَِّاي ال ـ ــالم‪ ،‬ويظهر عل دينهم‪ ،‬ويكون لر ـ ـولت(ﷺ) دو‪،‬م احلظوة‪ ،‬واَّكانة‪ ،‬فص ـ ـ َّـمموا عل‬
‫قدم اَّدينة‪ ،‬وأظهروا عداوهتم الَّيت كانت كامنةً‬‫نقض العهد الَّذأ عاهدوا عليت النَّب(ﷺ) عندما ِ‬
‫َّ‬
‫يف نفو ـ ــهم‪ ،‬وأخذوا جياهرون هبا القول‪ ،‬ويعلنون‪ ،‬مثَّ راحوا يكيدون لإل ـ ــالم ولر ـ ـ ـولت(ﷺ) ‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) ‪،‬‬
‫يتلرش ـ ـ ـ ـ ـ ــون ابلن ِ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ويعملون للقضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء عليت ِ‬
‫بكل الو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائل اَّتاحة لديهم ‪ ،‬وبديوا َّ‬
‫َّب(ﷺ) ليهف عليت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء من ذلك‪ ،‬فقد كان يراقبهم عن حذ ٍر‪،‬‬ ‫واَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وما كان الن ُّ‬
‫قررات اخللقيَّة‪ ،‬واحلرمات الَّيت ُّ‬
‫يعتاي هبا اَّس ــلمون‪ ،‬وا ــتعلنوا ابلعداوة‪،‬‬ ‫حض ا ـ ُّ‬
‫ـتهفوا ابَّ َّ‬ ‫ويقظة َّ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫نفصل ذلك فيما بعد إن شاء هللا ‪.)6(-‬‬ ‫فلم يكن بد من حرهبم‪ ،‬وإجالئهم عن اَّدينة ‪ -‬كما‬

‫الرجل إذا أهللاابت ذلك ‪ ،‬وهي هرً يف موا ع من اجلسد من جنس الطَّاعون ‪ ،‬وتقتل هللااحبها‬
‫الع شد ش ة قرحة قاتلة كالطَّاعون ‪ ،‬وقد عدس َّ‬ ‫(‪ )1‬ش‬
‫الباً‪.‬‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)258/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫(‪ )3‬هو أبو فيان بن حرب نذر أح ميس رأ ت ماء جنابة حض ي ايو اَّسلم ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)171/2‬‬
‫السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.274‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّاري ِ‬
‫(‪ )6‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)171/2‬‬
‫‪709‬‬
‫َّب(ﷺ) وإسالم عُمري بن وهب (شيطان قريش)‪:‬‬
‫اثنياً‪ :‬حماولة اغتيال الن ِّ‬

‫أمية يف احلِ ْ ر‪ ،‬بعد‬


‫لي مع هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفوان بن َّ‬
‫الايبري جلس عمري بن وه اجل شم ُّ‬
‫قال عروة بن ُّ‬
‫مصـ ـ ــاب أهل بد ٍر بيس ـ ــري‪ ،‬وكان عمري بن وه ش ـ ــيطاانً من شـ ـ ــياط قريش‪ ،‬واَّن كان يؤذأ‬
‫مبكة‪ ،‬وكان ابنت وه بن عمري يف‬ ‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬ويلقون منت عناء(‪ ،)1‬وهو َّ‬
‫ر ــــــ ش‬
‫ً‬
‫أ ار بدر‪ ،‬فذكر أهللالاب ال شقلِي ‪ ،‬ومصاهبم‪ ،‬فقال هللافوان وهللاِ! إِ ْن يف العيش بعدهم خري‪.‬‬

‫عليهم‬ ‫علي ليس عندأ قضايه‪ ،‬وعيال أخ‬ ‫هللادقت! أما وهللا ! لوح دين َّ‬
‫ش‬ ‫قال لت ع شم ْري‬
‫فَن س فيهم ِعلَّة(‪ )3‬اب أ ري يف أيديهم‪.‬‬ ‫حمم ٍد َّ‬
‫حض أقتلشت‪َّ ،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الضَّيعة بعدأ لركبت إىل َّ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ِت عنك‪ ،‬وعيالك مع عياس‬
‫قال فا تنمها هللا ـ ـ ـ ـ ــفوان بن أميَّة‪ ،‬فقال علي دينك‪ ،‬أان أق ِ‬
‫َّ‬
‫أوا يهم(‪ )4‬ما بشـقوا‪ ،‬ح يسع شيء‪ ،‬ويع ِ اي عنهم‪ ،‬فقال لت ع شم ْري فاكتم شأين‪ ،‬وشأنك‪ .‬قال‬
‫شفعل‪.‬‬
‫أش‬
‫قال مثَّ أمر ع شم ْري بس ـ ـ ــيفت‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ ِلذ لت‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ َّم‪ ،‬مثَّ انطلق َّ‬
‫حض قدم اَّدينة‪ ،‬فبينما عمر بن‬
‫اخلطاب يف نف ٍر من اَّس ـ ــلم يتلدَّثون عن يوم بدر‪ ،‬ويذكرون ما أكرمهم هللا بت‪ ،‬وما أراهم يف‬
‫عدوهم إذ نظر عمر إىل ع شم ِْري بن وه ٍ ‪ ،‬وقد أان راحلتشت عل ابب اَّس ـ ـ د متو ِش ـ ـلاً ـ ــيفت‬‫ِ‬
‫حرش(‪)5‬بيننا‪،‬‬ ‫عدو هللا ع شم ْري بن وه ٍ ‪ ،‬وهللا! ما جاء إح ل ـ ـ ـ ـ ٍـر‪ ،‬وهو الَّذأ َّ‬
‫ُّ‬ ‫فقال هذا الكل‬
‫وحايران(‪ )6‬للقوم يوم بد ٍر‪.‬‬
‫ش‬
‫عدو هللا ع شم ْري بن وه ٍ قد جاء‬
‫نب هللا! هذا ُّ‬
‫مث دخل عمر عل ر ــول هللا(ﷺ) فقال َي َّ‬
‫ِ‬
‫متوشلاً يفت‪.‬‬

‫(‪ )1‬عناء تعباً‪.‬‬


‫(‪ )2‬الضَّيعة الضَّياي والت تت‪.‬‬
‫(‪ )3‬العلَّة السب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أوا يهم أقوم عل أمرهم ومؤونتهم‪.‬‬
‫حرش أفسد ‪ ،‬وأ ر بعضهم ٍ‬
‫ببعض‪.‬‬ ‫(‪َّ )5‬‬
‫(‪ )6‬شحشايشر ال يء شح ْايراً قشدَّره ابلتَّهم ‪.‬‬
‫‪710‬‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫حض أخذ ِحب شمالشة‬
‫ـ ـ ـ ـ ـ ــيفت يف عنقت فشـلشبَّـشبت(‪)2‬هبا‪،‬‬ ‫علي»‪ ،‬قال فأقبل عمر َّ‬
‫قال «فأ ْشدخلت َّ‬
‫وقال ٍ‬
‫لرجال اَّن كانوا معت من األنص ــار ْادخلوا عل ر ــول هللا(ﷺ) فاجلسـ ـوا عنده‪ ،‬واحذورا‬
‫عليت من هذا اخلبيث‪ ،‬فَنَّت ري ٍ‬
‫مأمون‪.‬‬

‫مثَّ دخل بت عل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه ر ول هللا(ﷺ) وعمر آخذ ِحب شمالشة يفت يف‬
‫عنقت‪ ،‬قال «أر لت َي عمر! ْادن َي ع شم ْري!»‪.‬‬

‫فدان‪ ،‬مثَّ قال انعموا هللا ــباحاً ‪ -‬وكانت حتيَّة أهل اجلاهلية بينهم ‪ -‬فقال ر ــول هللا(ﷺ)‬
‫«أكرمنا هللا بتليَّ ٍة خ ٍري من حتيَّتك َي عمري! َّ‬
‫ابلسالم حتية أهل اجلنَّة»(‪.)3‬‬
‫فقال أما وهللا َي حممد! إن كنت هبا حلديث ٍ‬
‫عهد‪.‬‬

‫فقال «فما جاء بك َي ع شم ْري؟!» قال جئت يذا األ ري الَّذأ يف أيديكم‪ ،‬فأحسنوا فيت‪.‬‬

‫السيف يف عنقك؟» قال قشـبَّ شلها هللا من يو ! وهل أ نت عنا شيئاً؟!‬


‫قال «فما ابل َّ‬

‫اهللادقْ ‪ ،‬ما الَّذأ ش‬


‫جئت لت؟» قال ما جئت إح لذلك‪.‬‬ ‫قال « ْ‬
‫قال «بل قعدت أنت وهللافوان بن أميَّة يف احلِ ْ ر‪ ،‬فذكرَتا أهللالاب ال شقلِي من قر ٍ‬
‫يش‪ ،‬مث‬
‫فتلمل لك هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفوان بن أميَّة‬
‫حممداً‪َّ ،‬‬
‫حض أقتل َّ‬
‫علي‪ ،‬وعيال عندأ‪ ،‬خلرجت َّ‬
‫ت لوح شديْن َّ‬
‫قـ ْل ش‬
‫بديْنك‪ ،‬وعيالك عل أن تقتل لت‪ ،‬وهللا حائل بينك وب ذلك»‪.‬‬
‫ش‬
‫نكذبك مبا كنت أتتينا بت من‬ ‫قال عمري أش ـ ـ ــهد أنَّك ر ـ ـ ــول هللا‪ ،‬قد كنَّا َي ر ـ ـ ــول هللا! ِ‬
‫شْ‬
‫خرب ال َّسـماء‪ ،‬وما ينايل عليك من الوحي‪ ،‬وهذا أمر ضـ ْـره إح أان وهللاــفوان‪ ،‬فوهللا! ِإين ألعلم‬
‫ما أاتك بت إح هللا‪ ،‬فاحلمد هلل الَّذأ هداين لإل ـ ــالم‪ ،‬و ـ ــاق هذا اَّس ـ ــاق‪ ،‬مثَّ ش ـ ــهد شـ ـ ـهادة‬
‫ِ‬
‫احلق‪.‬‬

‫السيف عل اجلسم‪.‬‬ ‫السيف ما يربا بت َّ‬


‫(‪ )1‬حَّالة َّ‬
‫جره‪.‬‬
‫(‪ )2‬لشـبَّـبشـت أخذ بتالبيبت ‪ ،‬أأ ع ثيابت عند حنره ‪ ،‬وهللادره مثَّ َّ‬
‫(‪ )3‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.259‬‬
‫‪711‬‬
‫فقال ر ول هللا(ﷺ) « ِفقهوا أخاكم يف دينت‪ ،‬وأق ِرئوه القرآن‪ ،‬وأشطْلِقوا لت أ ريه»‪ ،‬ففعلوا‪.‬‬

‫ـديد األذ َّن كان عل‬ ‫ـول هللا! ِإين كنت جاهداً عل إطفاء نور هللا‪ ،‬ش ـ ـ ـ ـ ش‬ ‫مثَّ قال َي ر ـ ـ ـ ـ ش‬
‫عاي وج ـ َّـل ‪ -‬وأان أح ـ ُّ أن أتذن س‪ ،‬ف ــأق ــدم م َّك ـة‪ ،‬ف ــأدعوهم إىل هللا تع ــاىل‪ ،‬وإىل‬
‫دين هللا ‪َّ -‬‬
‫لعل هللا يهديهم‪ ،‬وإح آذيتهم يف دينهم ما كنت أوذأ أهللا ــلابك‬
‫ر ـ ـولت(ﷺ) ‪ ،‬وإىل ال ــالم‪َّ ،‬‬
‫يف دينهم‪ ،‬قال فأذن لت ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فللق َّ‬
‫مبكة‪ ،‬وكان هللا ــفوان بن أميَّة ح خرً عمري‬
‫بن وه ‪ ،‬يقول أب روا ٍ‬
‫بوقعة أتتيكم ا ن يف َّأَيٍم‪ ،‬تـْنسيكم وقعة بد ٍر‪ ،‬وكان هللافوان يسأل عنت‬
‫[الطرباين يف‬ ‫حض قدم راك فأخربه ن ـ ـ ـالمت‪ ،‬فللف أحَّ يكلِمت أبداً‪ ،‬وح ينفعت بنف ٍع أبداً‪.‬‬
‫الركبان‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫الكبري (‪ ،)58/17‬وجممع الزوائد (‪ ،)286/8‬واإلصابة (‪.)1(])37/3‬‬

‫دروس وعرب؛ منوا‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫القصة‬
‫ويف هذه َّ‬

‫‪ِ - 1‬ح ْرص اَّ ـ ـ ــرك عل التَّصـ ـ ــفية اجلسـ ـ ــديَّة للدُّعاة فهذا هللاـ ـ ــفوان بن أميَّة‪ ،‬وع شم ْري بن‬
‫أن أعداء الدَّعوة قد ح يكتفون برفض‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وهذا يرش ـ ـ ـ ـ ـ ــدان إىل َّ‬ ‫وه ‪ ،‬يتَّفقان عل قتل الن ِ‬
‫الدَّعوة‪ ،‬والتَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــويش عليها‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد النَّاس عنها بل اولون ا تيال الدُّعاة‪ ،‬وتدبري اَّؤامرات‬
‫لقتلهم‪ ،‬وقد يسـ ــتأجرون اارم لتنفيذ هذا ال رض اخلسـ ــيس(‪ ،)2‬وقد يسـ ــت ُّل األ نياء اَّ ْ فون‬
‫فيوجهو‪،‬م لقاء مبل من اَّال إىل خدمة مارهبم‪ ،‬وإ ْن‬ ‫من أعداء الدَّعوة حاجة الفقراء‪ ،‬وفقرهم‪ِ ،‬‬

‫َّأد ذلك إىل هالكهم‪ ،‬فهاهو هللافوان قد ا ت ل فقر ع شم ٍْري‪ ،‬وقلَّة ذات يده‪ ،‬ش‬
‫وديْـنشت لري لت إىل‬
‫هالكت(‪.)3‬‬

‫الرفيع الَّذأ َتيَّاي بت ال َّ‬


‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬فقد انتبت عمر بن‬ ‫‪ - 2‬ظهور ِ‬
‫احلس األم ِ َّ‬
‫اخلطَّاب ايء عمري بن وه ٍ ‪َّ ،‬‬
‫وحذر منت‪ ،‬وأعلن أنَّت شــيطان ما جاء إح ل ـ ٍـر‪ ،‬فقد كان اترخيت‬
‫حرض عل قتال اَّســلم يف‬ ‫معروفاً لد عمر‪ ،‬فقد كان يؤذأ اَّســلم يف َّ‬
‫مكة‪ ،‬وهو الذأ َّ‬

‫(‪ )1‬انظر هللالي ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 260‬و رية ابن ه ام (إ الم ع شم ْري بن وه )‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪ ، )159/2‬واخلش ِسيس القليل التَّافِت‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ايوة بدر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪712‬‬
‫ٍ‬
‫معلومات عن عددهم ولذلك ش ـ ـ ـ ـ ـ ــري عمر يف أخذ األ ـ ـ ـ ـ ـ ــباب حلماية‬ ‫بد ٍر‪ ،‬وعمل عل ع‬
‫الر ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬فمن جهتت فقد أمسـ ــك ِحب شمالة ـ ــيف عمري الَّذأ يف عنقت ب ـ ــدَّةٍ‪ ،‬فعطَّلت عن‬
‫َّ‬
‫الصلابة حبرا ة النَّ ِب(ﷺ)‬ ‫الر ول(ﷺ) ‪ ،‬وأمر نفراً من َّ‬ ‫إمكانية ا تهدامت يفت لالعتداء عل َّ‬
‫يرد عل‬
‫اجلاهلية‪ ،‬و َّ‬
‫َّ‬ ‫بتلية‬
‫الدين‪ ،‬فقد رفض(ﷺ) أن يتعامل َّ‬ ‫‪ - 3‬احعتاياز بتعاليم هذا ِ‬
‫حتيَّة ع شم ٍْري ح قال لت انعموا هللا ـ ــباحاً‪ ،‬وأخربه أبنَّت ح يِي بتليَّة أهل اجلاهلية َّ‬
‫ألن هللا تعاىل‬
‫أكرم اَّسلم بتليَّة أهل اجلنَّة‪.‬‬

‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فقد أحسن إىل ع شم ٍْري‪ ،‬وداوز عنت‪ ،‬وعفا عنت مع أنَّت جاء‬ ‫مسو أخالق الن ِ‬‫‪ُّ - 4‬‬
‫ليقتلت(‪ )1‬بل أطلق ولده األ ــري بعد أن أ ــلم ع شم ْري‪ ،‬وقال ألهللا ــلابت « ِفقهوا أخاكم يف دينت‪،‬‬
‫وأقرئوه القرآن‪ ،‬وأشطْلِقوا لت أ ريه»(‪.)2‬‬
‫‪ - 5‬قـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـوة إميان عم ٍْري‪ ،‬فقد قـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـرر أن يواجت َّ‬
‫مكـ ـ ـ ـ ـ ــة كلَّها ابل الم‪ ،‬وقد أذن لـ ـ ـ ـ ـ ــت ر ول‬ ‫ش‬
‫هللا(ﷺ)‪ ،‬وفعل‪ ،‬وواجت‪َّ ،‬‬
‫وحتد ‪ ،‬وعاد أدراجت إىل اَّدينة‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ـ ـ ــلم عل يديت انس كثري‪ ،‬وكان‬
‫رجل‪ ،‬وكان أحد األربعة الَّذين‬ ‫الرجال يطرحت عمر ر ـ ــي هللا عنت اَّن ياين عنده ألف ٍ‬ ‫ح تـ شع ُّد ِ‬
‫عمرو بن العــاص ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهم‪ ،‬الَّـذين كــان كـ ُّـل واح ـ ٍد منهم‬
‫أمـ َّـد هبم أمري اَّؤمن ع شمر ش‬
‫ٍ‬
‫أبلف(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة بدر الكرب ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.83‬‬


‫(‪ )2‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫(‪ )3‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪.)73/3‬‬
‫‪713‬‬
‫السابع‬
‫املبحث َّ‬
‫بعض ال يدروس والعرب والفوائد من غزوة بدر‬

‫أوالً‪ :‬حقيقة النَّصر من هللا تعاىل‪:‬‬

‫إن حقيقة النَّص ـ ــر يف بد ٍر كان من هللا تعاىل‪ ،‬فقد ب َّ ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪َّ -‬‬
‫أن النَّص ـ ــر ح‬ ‫َّ‬
‫اَّلل إِحَّ ب ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر لشك ْم شولِتشطْ شمئِ َّن قـلوبك ْم بِِت شوشما‬
‫يكون إح من عند هللا تعاىل يف قولت ﴿ شوشما شج شعلشت َّ‬
‫كي ِم﴾ [آل عمران‪.]126 :‬‬ ‫احل ِ‬ ‫النَّصر إِحَّ ِمن ِعْن ِد َِّ‬
‫اَّلل الْ شع ِايي ِاي ْش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صـ ـر إِحَّ ِم ْن ِعْن ِد َّ‬
‫اَّللِ إِ َّن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اَّلل إِحَّ ب ْ ـ ـشر شولتشطْ شمئ َّن بِت قـلوبك ْم شوشما النَّ ْ‬
‫وقولت تعاىل ﴿ شوشما شج شعلشت َّ‬
‫كيم﴾ [األنفال‪.]10 :‬‬ ‫اَّلل ع ِايياي ح ِ‬
‫َّش ش ش‬
‫وجل ‪ -‬واَّعىن‬
‫عاي َّ‬ ‫يف هات احيت أتكيد عل َّ‬
‫أن النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر ح يكون إح من عند هللا ‪َّ -‬‬
‫العاية اليت ح ترام(‪ ،)1‬و(احلكيم) أأ‬
‫ليس النَّصــر إح من عند هللا دون ريه‪ ،‬و(العايياي) أأ ذو َّ‬
‫احلكيم فيما شرعت من قتال الكفَّار مع القدرة عل تدمريهم‪ ،‬وإهالكهم حبش ْولِِت‪َّ ،‬‬
‫وقوتت ‪ -‬بلانت‬
‫وتعاىل ‪.)2(-‬‬

‫تعليم اَّؤمن احعتماد عل هللا وحده‪ ،‬وتفويض أمورهم إليت‪،‬‬ ‫ويسـ ـ ـ ــتفاد من هات احيت‬
‫أن النَّصر َّإجا هو من عند هللا وحده‪ ،‬وليس من اَّالئكة‪ ،‬أو ريهم‪ ،‬فاأل باب‬
‫مع التَّأكيد عل َّ‬
‫جي ـ أن رخــذ هبــا اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون لكن جي ـ أحَّ ي ُّوا هبــا‪ ،‬وأن يكون اعتمــادهم عل خــالق‬
‫ـ ـ ــبلانت مظاهر فضـ ـ ــلت عل اَّؤمن ‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫األ ـ ـ ــباب‪ ،‬حض ميدَّهم هللا بنصـ ـ ــره‪ ،‬وتوفيقت‪ ،‬مث ب َّ‬
‫َّب(ﷺ) اَّ رك ابل ُّ اب يوم بد ٍر إجا كان‬
‫النَّصر الَّذأ كان يف بدر‪ ،‬وقتلهم اَّ رك ‪ ،‬ورمي الن ِ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)411/1‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪ 97/1‬ـ ‪.)105‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري ابن كثري (‪ )303/2‬نقالً عن حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫‪714‬‬
‫يف احلقيقة بتوفيق هللا َّأوحً‪ ،‬وبفضلت ومعونتت‪.‬‬

‫يريب القرآن اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ويعلِمهم احعتمــاد عليــت‪ ،‬قــال تعــاىل ﴿فشـلش ْم‬ ‫وهبــذه ا يــة الكرميــة‪ِ ،‬‬
‫اَّللش شرشم شولِيـْبلِ شي الْم ْؤِمنِ ش ِمْنت بشالشءً شح شسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـناً‬
‫ت شولش ِك َّن َّ‬
‫ت إِ ْذ شرشمْي ش‬ ‫تشـ ْقتـلوه ْم شولش ِك َّن َّ‬
‫اَّللش قشـتشـلشه ْم شوشما شرشمْي ش‬
‫مسيع شعلِيم ﴾ [األنفال‪.]17 :‬‬ ‫اَّلل شِ‬
‫إ َّن َّش‬
‫ِ‬

‫أن النَّص ـ ـ ـ ــر كان من عنده و َّ ـ ـ ـ ـ ـ بعض احلِ شكم من ذلك‬ ‫وَّا ب َّ ‪ -‬ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪َّ -‬‬
‫ك‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫س لش ش‬
‫ين شك شفروا أ ْشو يش ْكبتشـه ْم فشـيشـْنـ شقلبوا شخائب ش ۝ لشْي ش‬
‫النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ .‬قال تعاىل ﴿ليشـ ْقطش شع طششرفًا م شن الذ ش‬
‫وب شعلشْي ِه ْم أ ْشو يـ شع ِذ شهب ْم فشَِ َّ‪ْ ،‬م ظشالِمو شن ﴾ [آل عمران‪.]128 - 127 :‬‬ ‫ِ‬
‫م شن األ ْشم ِر ششيء أ ْشو يشـت ش‬
‫يتذكروا دائماً تلك النِعمة العظيمة‪ ،‬نعمةش النَّصــر يف‬ ‫وأمر ‪ -‬ــبلانت وتعاىل ‪ -‬اَّؤمن ‪ ،‬أبن َّ‬
‫بد ٍر‪ ،‬وح ينسوا كيف كانت حالتهم قبل النَّصر‪ ،‬قال تعاىل ﴿ شواذْكروا إِ ْذ أشنْـت ْم قشلِيل م ْستش ْض شعفو شن‬
‫ض شهشـافو شن أش ْن يـتشهطَّشفكم النـَّاس فش ـآواكم وأشيَّـ شدكم بِنشص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرهِ ورزقشكم ِمن الطَّيِب ـ ِ‬
‫ات لش شعلَّك ْم‬ ‫ِيف األ ْشر ِ‬
‫ش شش ْ ش ش‬ ‫ش ْ ش ْ ْ‬ ‫ش ش‬
‫[األنفال‪.]26 :‬‬ ‫تش ْ كرو شن﴾‬

‫اثنياً‪ :‬يوم الفرقان‪:‬‬


‫ِمسي يوم بد ٍر يوم الفرقان‪ ،‬ويذه التَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــمية ِ‬
‫أليَّة عظيمة يف حياة اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وقد حتدَّث‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫األ ــتاذ ــيِد قط ‪ ،‬عن وهللا ــف هللا تعاىل ليوم بد ٍر أبنت يوم الفرقان‪ ،‬يف قولت تعاىل ﴿ شو ْاعلشموا‬
‫ول شولِ ِذأ الْق ْرشىب شوالْيشـتش شام شوالْ شم شس ـاكِ ِ شوابْ ِن ال َّس ـبِ ِيل إِ ْن‬‫شن ََِّّللِ طس ـت ولِ َّلر ـ ِ‬
‫ش ش‬ ‫أَّشجشا شنِ ْمت ْم ِم ْن شش ـ ْي ٍء فشأ َّ‬
‫اَّلل شعلش ك ـ ِل شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ٍء‬ ‫اجلمع ـ ِ‬
‫ان شو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كْنـت ْم شآمْنـت ْم ِاب ََّّلل شوشم ـا أشنْـشايلْنشـا شعلش شعْب ـد شان يشـ ْوشم الْف ْرقشـان يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫قش ِدير﴾ [األنفال‪.]41 :‬‬

‫فقال لقد كانت ايوة بدر ‪ -‬الَّيت بدأت‪ ،‬وانتهت بتدبري هللا‪ ،‬وتوجيهت‪ ،‬وقيادتت‪ ،‬ومدده‬
‫ِ‬
‫احلق والباطل ‪ -‬كما يقول اَّفسـرون إ احً ‪ -‬وفرقاانً مبعىن أطل‪ ،‬وأدق‪،‬‬ ‫‪ -‬فرقاانً ‪ ...‬فرقاانً ب‬
‫وأو ع‪ ،‬وأعمق كثرياً‪.‬‬

‫احلق األهللاـ ـ ـ ــيل‪ ،‬الَّذأ قامت عليت ال َّس ـ ـ ـ ـموات‪،‬‬ ‫ِ‬


‫احلق والباطل فعالً‪ ،‬ولكنَّت ُّ‬ ‫كانت فرقاانً ب‬
‫‪715‬‬
‫تفرد هللاِ بلانت ابأللوهيَّة‪،‬‬
‫احلق الَّذأ يتمثَّل يف ُّ‬
‫واألرض‪ ،‬وقامت عليت فطرة األحياء‪ ،‬واألشياء‪ُّ ،‬‬
‫وال ُّس ـ ـ ـلطان‪ ،‬والتَّدبري‪ ،‬والتَّقدير‪ ،‬ويف عبودية الكون كلِت مسائت‪ ،‬وأر ـ ـ ــت‪ ،‬أش ـ ـ ـيائت‪ ،‬وأحيائت‪ ،‬يذه‬
‫اَّتوحد‪ ،‬ويذا التدبري‪ ،‬وهذا التَّقدير بال ِ‬
‫معق ٍ ‪ ،‬وح شـ ـ ـ ـريك‪،‬‬ ‫اَّتفردة‪ ،‬ويذا ال ُّسـ ـ ـ ـلطان ِ‬
‫األلوهية ِ‬
‫يعم وجت األرض إذ ذاك‪ ،‬ويـ ْ ِ ـي عل ذلك احلق األهللا ـيل‪،‬‬‫الايائف الطَّارئ‪ ،‬الَّذأ كان ُّ‬‫والباطل َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر أمر احلياة‪،‬‬
‫يت تتص ـ ـ ـ ـ ـ َّـر يف حياة عباد هللا مبا ت ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬وأهواءش ت ش‬
‫ويقيم يف األرض طوا ش‬
‫واألحياء‪.‬‬
‫فهــذا الفرقــان الكبري الَّـذأ شذَّ يوم بــد ٍر‪ ،‬حيــث َّفرق ب ذلــك ِ‬
‫احلق الكبري‪ ،‬وهــذا البــاطــل‬
‫ِ‬
‫يلتبسان‪.‬‬ ‫الطَّا ي‪ ،‬شوزيَّل(‪ )1‬بينهما‪ ،‬فلم يعودا‬
‫ٍ‬
‫أبعاد‬ ‫ِ‬
‫احلق والباطل هبذا اَّدلول ال َّ ـامل الوا ــع‪ ،‬الدَّقيق‪ ،‬العميق عل‬ ‫لقد كانت فرقاانً ب‬
‫ااردة‬
‫احلق ‪ ،‬وهذا الباطل يف أعماق الضَّمري ‪ ،‬فرقاانً ب الوحدانيَّة َّ‬ ‫و ٍ‬
‫اماد‪ ،‬كانت فرقاانً ب هذا ِ‬
‫اَّطْلش شق ِة ِ‬
‫بكل شـ ـ ـ شعبِها يف ال َّ‬
‫ضـ ـ ـمري وال ُّ ـ ـ ـعور‪ ،‬ويف اخللق وال ُّسـ ـ ـلوك‪ ،‬ويف العبادة والعبودية‪ ،‬وب‬
‫ض ـ ـمري ل ري هللا من األش ـ ــهاص‪ ،‬واألهواء‪ ،‬و ِ‬
‫القيشم‪،‬‬ ‫كل هللا ـ ــوره الَّيت ت ـ ــمل عبودية ال َّ‬ ‫ال ِ ـ ـرك يف ِ‬
‫واألو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي والتَّقــاليــد والعــادات‪ ،‬وكــانــت فرقــاانً ب هــذا ِ‬
‫احلق‪ ،‬وهــذا البــاطــل يف الواقع الظَّـاهر‬
‫للقيشم واألو اي‪ ،‬ولل َّ رائع والقوان ‪،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فرقاانً ب العبودية الواقعيَّة ل شهاص‪ ،‬واألهواء‪ ،‬و ِ‬
‫الرجوي يف هذا كلت هلل الواحد الَّذأ ح إلت ريه‪ ،‬وح حاكم دونت‪ ،‬وح‬ ‫وللتَّقاليد والعادات‪ ،‬وب ُّ‬
‫م ِري إح َّإَيه‪ ،‬فارتفعت ايامات‪ ،‬ح تنل ل ري هللا‪ ،‬وتساوت الريوس‪ ،‬فال هضع إح حلاكميتت‬
‫وحتررت القطعان الب ريَّة الَّيت كانت مستعبد ًة للطُّ اة‪.‬‬
‫وشرعت‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرب‪ ،‬والتَّ ُّمع‬ ‫ٍ‬
‫عهد يف اتري احلركة ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬عهد اَّصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابرة وال َّ‬ ‫وكانت فرقاانً ب‬
‫القوة‪ ،‬واحلركة واَّبادأة واحندفاي‪ ،‬وال ـ ـ ــالم بوهللا ـ ـ ــفت تص ـ ـ ــويراً جديداً لللياة‪،‬‬
‫واحنتظار‪ ،‬وعهد َّ‬
‫ومنه اً جديداً للوجود النس ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاين‪ ،‬ونظاماً جديداً للم تمع‪ ،‬وش ـ ـ ــكالً جديداً للدَّولة‪ ،‬بوهللا ـ ـ ــفت‬

‫فارقشت‪.‬‬
‫(‪ )1‬شزيَّل َّفرق‪ .‬شزايشلت ش‬
‫‪716‬‬
‫إعالانً عاماً لتلرير النسان يف األرض بتقرير ألوهيَّة هللا وحده وحاكميتت‪ ،‬ومطاردة الطَّوا ي ‪،‬‬
‫الَّيت ت تص ألوهيتت(‪.)1‬‬

‫ـدلول آخر‪ ،‬ذلــك اَّــدلول‬ ‫احلق والبــاطــل مبـ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إىل أن قــال وأخرياً فلقــد كــانــت بــدر فرقــاانً ب‬
‫شن شري شذ ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫الَّذأ يوحي بت قول هللا تعاىل ﴿وإِ ْذ يعِدكم َّ ِ‬
‫ات‬ ‫اَّلل إ ْح شد الطَّائ شفتش ْ أش‪،‬شا لشك ْم شوتشـ شوُّدو شن أ َّ ْ ش‬ ‫ش ش‬
‫ين ۝ لِي ِل َّق ْ‬
‫احلش َّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أش ْن ِ َّق ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫احلش َّق ب شكل شمـاتـت شويشـ ْقطش شع شدابشر الْ شكـاف ِر ش‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوشكـ ِة تشكون لشك ْم شوي ِريــد َّ‬
‫ك ِرشه الْم ْ ِرمو شن ﴾ [األنفال‪.]8 - 7 :‬‬ ‫ويـب ِطل الْب ِ‬
‫اط شل شولش ْو ش‬‫شْ ش ش‬
‫لقد كان الَّذين خرجوا للمعركة من اَّس ـ ـ ــلم َّإجا خرجوا يريدون ِع شري أيب ـ ـ ــفيان‪ ،‬وا تنام‬
‫ت منهم قافلة أيب فيان ( ري ذات ال َّوكة)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القافلة‪ ،‬فأراد هللا يم ري ما أرادوا أراد يم أن تفل ش‬
‫وأن يالقوا نفري أيب جهل (ذات ال َّ ـ ـ ـ ـ ـوكة)‪ ،‬وأن تكون معركةً‪ ،‬وقتاحً‪ ،‬وقتالً‪ ،‬وأ ـ ـ ـ ـراً‪ ،‬وح تكون‬
‫قافلةً‪ ،‬و نيمةً‪ ،‬وِر ْحلةً مر ةً‪ ،‬وقد قال هللا ‪ -‬ـ ـ ــبلانت ‪ -‬إنَّت هللاـ ـ ــنع هذا ﴿لِي ِل َّق ْ‬
‫احلش َّق شويـْب ِط شل‬
‫حقيقة كبريةٍ‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫اط شل﴾‪ ،‬وكانت هذه إشارة لتقرير‬ ‫الْب ِ‬
‫ش‬
‫َّظرأ ِ‬
‫لللق‬ ‫ـاين ‪ -‬مب َّرد البيان الن ِ‬ ‫احلق ح ُّق‪َّ ،‬‬
‫وإن الباطل ح يبطل ‪ -‬يف ااتمع النسـ ـ ِ‬ ‫إن َّ‬‫َّ‬
‫احلق ح ُّق‪َّ ،‬‬
‫وإن الباطل ح‬ ‫إن َّ‬‫أبن هذا حق‪ ،‬وهذا ابطل‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫النظرأ َّ‬ ‫والباطل‪ ،‬وح مب َّرد احعتقاد‬
‫يبطل‪ ،‬وح يذه من دنيا النَّاس‪ ،‬إح أبن يتلطَّم ـ ــلطان الباطل‪ ،‬ويعلو ـ ــلطان احلق‪ ،‬وذلك‬
‫احلق‪ ،‬ويظهروا‪ ،‬ويهايم جنــد البــاطــل‪ ،‬وينــدحروا‪ ..‬فهــذا الـ ِـدين منهت‬
‫يتم إح أبن ي لـ جنــد ِ‬
‫ح ُّ‬
‫لب!‬ ‫جمرد نظر ٍية للمعرفة‪ ،‬واجلدل‪ ،‬أو ارد احعتقاد َّ‬
‫الس ِ‬ ‫حركي واقعي‪ ،‬ح َّ‬
‫ِ‬
‫احلق‬ ‫العملي فرقاانً واقعيـ ـ ـ ـاً ب‬
‫ُّ‬ ‫احلق وبط ـ ـ ــل الباطل ابَّوقع ـ ـ ــة‪ ،‬وكان هذا النَّصر‬
‫حق ُّ‬‫ولق ـ ـ ــد َّ‬
‫والباطل هبذا احعتبار‪ ،‬الَّذأ أش ـ ـ ــار إليت قول هللا تعاىل يف معرض بيان إرادتت ‪ -‬ـ ـ ــبلانت ‪ -‬من‬
‫ابحلق‪ ،‬ومن وراء إفـالت القافلـة ( ري ذات‬
‫الر ول(ﷺ) من بيتـت َّ‬
‫وراء اَّعركـة‪ ،‬ومن وراء إخراً َّ‬
‫ال َّوكـة )‪ ،‬ولقاء الفئـة (ذات ال َّوكة)‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر يف ظالل القران (‪ 1521/3‬ـ ‪.)1522‬‬


‫‪717‬‬
‫ولقد كان هذا كلُّت فرقانـاً ب منهـت هذا ِ‬
‫الدين ذاتـت‪ ،‬تتَّض بت طبيعـة هذا اَّنهت‪ ،‬وحقيقتت‬
‫يف حس اَّسـ ـ ـ ـ ــلم أنفسـ ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬وإنَّت لفرقان ندرك اليوم ـ ـ ـ ـ ــرورتت‪ ،‬حينما ننظر إىل ما أهللاـ ـ ـ ـ ــاب‬
‫الدين من شَتشيُّ ٍع يف نفوس من يسـ ُّـمون أنفســهم مســلم !‪ ،‬حض ليصــل هذا التميُّع‬ ‫مفهومات هذا ِ‬

‫إىل مفهومــات بعض شم ْن يقومون بــدعوة النــاس إىل هــذا الــدين! وهكــذا كــان يوم بــدر ﴿يشـ ْوشم‬
‫اَّنوعة‪ ،‬ال َّاملة‪ ،‬العميقة‪.‬‬
‫ان﴾ [األنفال‪ ]41 :‬هبذه اَّدلوحت َّ‬ ‫اجلمع ِ‬ ‫ِ‬
‫الْف ْرقشان يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫يء قش ِدير ﴾‪ ،‬مثل ح ِ‬
‫جيادل فيت‬ ‫اَّلل علش ك ِل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ويف هذا اليوم شمثشل من قدرتت عل ِ‬
‫ش‬ ‫كل ﴿ شو َّ ش‬
‫جمادل‪ ،‬وح ميارأ فيت اا ٍر(‪ ،)1‬مثل من الواقع اَّ ـهود الَّذأ ح ـبيل إىل تفسـريه إح بقدرة هللا‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫شيء قدير(‪.)2‬‬ ‫أن هللا عل ِ‬‫و َّ‬

‫اثلثاً‪ :‬الوالء والرباء من فقه اإلميان‪:‬‬

‫األمة هللاـ ـ ــوراً م ـ ـ ـرقةً يف الوحء‪ ،‬والرباء‪ ،‬وجعلت خطاً فاهللا ـ ـ ـالً ب‬
‫رمست ايوة بدر ألجيال َّ‬
‫التامة ب ال ــالم‪ ،‬والكفر‪ ،‬وفيها‬ ‫اَّادأ‪ ،‬واَّفاهللاــلة َّ‬
‫احلق‪ ،‬والباطل‪ ،‬فكانت الفرقان النَّفسـ َّـي‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة واقعاً ِ‬
‫مادَيً‪ ،‬وحقيقةً نفس ـ ـ ـ ـ ـيَّةً‪ ،‬وفيها هتاوت القيم‬ ‫د َّس ـ ـ ـ ـ ـدت هذه اَّعاين‪ ،‬فعاشـ ـ ـ ـ ــها ال َّ‬
‫اجلاهليَّة‪ ،‬فالتق احبن أببيت‪ ،‬واأل أبخيت‬
‫‪ - 1‬كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة يف هللاـ ِ‬
‫ـف اَّســلم ‪ ،‬وكان أبوه عتبة‪ ،‬وأخوه الوليد‪،‬‬
‫وعمت شيبة يف ِ‬
‫هللاف اَّ رك ‪ ،‬وقد قتلوا يعاً يف اَّبارزة األوىل‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الرحن يف ِ‬
‫هللاف اَّ رك ‪.‬‬ ‫الص ِديق يف ِ‬
‫هللاف اَّسلم ‪ ،‬وكان ابنت عبد َّ‬ ‫‪ - 2‬كان أبو بكر ِ‬

‫‪ - 3‬كان مص ــع بن عمري حامل لواء اَّس ــلم ‪ ،‬وكان أخوه أبو عايياي بن عمري يف هللاـ ِ‬
‫ـف‬
‫اَّ ــرك ‪ ،‬مثَّ وقع أ ـرياً يف يد أحد األنصــار‪ ،‬فقال مصــع ل نصـ ِ‬
‫ـارأ ش ـ َّد يدك بت َّ‬
‫فَن َّأمت‬
‫إنَّت أخي دونك‪ ،‬تلك‬ ‫ذات متاي‪ ،‬فقال أبو عايياي َي أخي! هذه وهللا ـ ـيَّتك يب؟! فقال مصـ ــع‬

‫وج شادلشت‪.‬‬ ‫ِ‬


‫وم شاراه مشراءً واش شارا ًة انظره ‪ ،‬ش‬
‫شك فيت ‪ ،‬ش‬
‫(‪ْ )1‬ام ش يف ال َّيء َّ‬
‫(‪ )2‬انظر يف ظالل القران (‪ 1523/3‬ـ ‪.)1524‬‬
‫‪718‬‬
‫جمرد كلمات إنَّت أخي دونك(‪َّ .!)1‬إ‪،‬ا القيم اَّطروحة لتقوم النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانيَّة‬
‫كانت حقائق‪ ،‬وليس َّ‬
‫احجتماعي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫عل أ ا ها‪ ،‬فَذا العقيدة هي اهللارة النَّس والقرابة‪ ،‬وهي ِ‬
‫الرابط‬
‫أن القتال يف ــبيل عقيدةٍ‬
‫َّ‬ ‫أحد) وهذا يع‬ ‫‪ - 4‬كان ش ــعار اَّس ــلم يف بد ٍر ش‬
‫(أحد‪ ...‬ش‬
‫ضـ ـ ـ ـ ائن‪ ،‬وح الثأر‪،‬‬
‫تتمثَّل ابلعبوديَّة لإللت الواحد‪ ،‬فال العص ـ ـ ــبيَّة‪ ،‬وح القبلية‪ ،‬وح األحقاد‪ ،‬وح ال َّ‬
‫وحده‪.‬‬ ‫هو الباعث و ِ‬
‫اَّرك ولكنَّت الميان ابهلل ش‬
‫ومن هذا اَّنطلق كانت هللاور الميان ملتلفة اَّظاهر‪ ،‬واحد ًة يف مضمو‪،‬ا(‪.)3‬‬

‫ولإلميان فقت عظيم‪ ،‬ومن هذا الفقت حينما هاجر ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) إىل اَّدينة‪ ،‬هاجر إليها‬
‫مكة‪ ،‬وحبِس من كان مضطهداً‪ ،‬و يستطع ذلك‪ ،‬فلما‬
‫كل من ا تطاي ذلك من اَّسلم يف َّ‬
‫ُّ‬
‫كان يوم بدر كان بعض هؤحء يف ِ‬
‫هللاف اَّ رك منهم عبد هللا بن هيل بن عمرو‪ ،‬واحلارث‬
‫لي بن أميَّة بن‬ ‫ِ‬
‫بن زمعة بن األ ـ ـ ـ ـ ـ ــود‪ ،‬وأبو قيس بن الفاكت‪ ،‬وأبو قيس بن الوليد بن اَّ رية‪ ،‬وع ُّ‬
‫خلف‪ ،‬والعاص بن منبِت‪.‬‬

‫فأما عبد هللا بن ـ ـ ــهيل بن عمرو فقد احناز من هللاـ ـ ــف اَّ ـ ـ ــرك إىل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪،‬‬
‫الصلابة الذين انلوا هذا ال َّر العظيم(‪.)4‬‬
‫أحد َّ‬
‫ف هد اَّعركةش‪ ،‬وكان ش‬
‫ف اَّ ــرك ‪ ،‬وقد أهللا ــيبوا يعاً(‪،)5‬‬ ‫و َّأما ا خرون فلم يفعلوا ذلك‪ ،‬وش ــهدوا اَّعركة يف هللاـ ـ ِ‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة ظشالِ ِمي أشنْـف ِس ِه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫فقتلوا حتت راية الكفر‪ ،‬فنايل يف حقهم قولت تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫اجروا فِ شيها‬ ‫اَّللِ وا ِ ـ ـ ـ ـعةً فشـتـه ِ‬
‫ض قشالوا أششْ تشك ْن أ ْشرض َّ ش ش ش‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ شع ِف ش ِيف األ ْشر ِ‬
‫قشالوا فِ شيم كْنـت ْم قشالوا كنَّا م ْس ـ ـ ـ ـتش ْ‬
‫ريا ﴾ [النساء‪[ ،]97 :‬البخاري (‪.])4596‬‬ ‫ك مأْواهم جهنَّم و اء ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت شمص ً‬ ‫فشأولشئ ش ش ش ْ ش ش ش ش ش‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)307/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر من معِ ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫ش‬
‫(‪ )3‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫(‪ )5‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)253/2‬‬
‫‪719‬‬
‫قال ابن عباس كان قوم من اَّسـ ـ ــلم أقاموا َّ‬
‫مبكة ‪ -‬وكانوا يش ْس ـ ـ ـتش ْهفون ابل ـ ـ ــالم ‪ -‬كان‬
‫أهللاـ ـ ـ ـ ــلابنا هؤحء مسـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأكرهوا عل اخلروً‪ ،‬فنايلت ‪َّ .‬إ‪،‬م يـ ْعذروا إذ كانت إمكاانت‬
‫ين تشـ شوفَّاهم الْ شمالشئِ شكة﴾‪ ،‬و يكن الفاهللاـل كبرياً ب ال َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫صـف ‪،‬‬ ‫احنتقال إىل هللاــف اَّؤمن ﴿إ َّن الذ ش‬
‫ولن يعــدموا ‪ -‬لو أرادوا ‪ -‬الفرهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة يف احنتقــال إىل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) كمــا فعــل عبــد هللا بن‬
‫هيل(‪.)1‬‬
‫وقوتت‪ ،‬ومن مســتلايماتت ا ــتعاليه عل ِ‬
‫كل القيم اَّا‬ ‫إن لإلميان مســتلايمات ِ‬
‫تعرب عن هللاــدقت‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫احلق واخلري الَّذأ‬
‫القوة الفاعلة يف بناء ِ‬
‫ـ ـ ـ ـواه‪ ،‬فَذا كان كذلك‪ ،‬كان لصـ ـ ـ ــاحبت األثر الفعَّال‪ ،‬و َّ‬
‫السلوك‪ ،‬فَذا بت ي ُّع من خالل احلركة واجلهد‪ ،‬ومن خالل الكلمة‪،‬‬ ‫إن الميان يصب ُّ‬ ‫أراده هللا‪َّ ،‬‬
‫واحبتسـ ــامة‪ ،‬ومن خالل ال َّس ـ ـم ِ‬
‫ت(‪ ،)2‬واحنفعال‪ ،‬ولذا يع شذ ِر الَّذين كانوا يف هللاـ ـ ِ‬
‫ـف اَّ ـ ــرك‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫شاره(‪.)3‬‬‫ألن الميان الَّذأ َّادعوه توجد لت مستلايمات‪ ،‬فلم يـؤت ش‬ ‫َّ‬

‫صـ ـ ـلابة الكرام ر ـ ــي هللا عنهم يف بد ٍر مثالً عليا‬


‫وهبذا الفهم العميق لفقت الميان ـ ــرب ال َّ‬
‫لصـ ـ ـ ـ ــدق الميان‪ ،‬الَّيت تدل عل َّأ‪،‬م اثروا ر ـ ـ ـ ـ ــاء هللا ور ـ ـ ـ ـ ـولت(ﷺ) عل ح ِ الوالد‪ ،‬والولد‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـادقة يف قولت‬‫واألهل‪ ،‬والع ـ ـ ـ ــرية‪ ،‬فال يع اَّسـ ـ ـ ــلم من ثناء هللا تعاىل عل هذه اَّواقف ال َّ‬
‫آابءشه ْم‬‫اَّلل شوشر ـ ـ ـ ـ ـ ـولشت شولش ْو شكانوا ش‬
‫آد َّ‬‫آدو شن شم ْن شح َّ‬‫تعاىل ﴿حش شِدد قشـ ْوًما يـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّللِ شوالْيشـ ْوِم ا خر يـ شو ُّ‬
‫ك شكشت ش ِيف قـلوهبِِم ا ِلميشا شن شوأشيَّ شده ْم بِرو ٍ ِمْنت شوي ْد ِخله ْم‬ ‫أ ْشو أشبْـشناءشه ْم أ ْشو إِ ْخ شو شا‪ْ ،‬م أ ْشو شع ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شريشهت ْم أولشِئ ش‬
‫اَّللِ أشحش إِ َّن‬
‫ك ِح ْايب َّ‬ ‫اَّلل شعْنـه ْم شوشر ـوا شعْنت أولشئِ ش‬ ‫ين فِ شيها شر ِ ـ شي َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شجنَّات شْد ِرأ م ْن شْحتت شها األ ْش‪،‬شار شخالد ش‬
‫ٍ‬
‫اَّللِ هم الْم ْفلِلو شن ﴾ [اجملادلة‪.]22 :‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ح ْاي ش‬
‫ِ‬

‫رابعاً‪ :‬املعجزات الَّيت ظورت يف بد ٍر وما حوهلا‪:‬‬

‫من اَّع ايات الَّيت ظهرت عل يش شد ْأ ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يف بد ٍر إخباره عن بعض اَّ يَّبات‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر من مع السرية ‪ ،‬ص ‪.217‬‬


‫الس ْمت اييئة‪.‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫(‪ )3‬انظر من مع السرية ‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪720‬‬
‫أن علم ال ي ملتص ابهلل تعاىل وحده‪ ،‬وقد أ ــافت هللا تعاىل إىل نفس ــت الكرمية يف‬ ‫ومن اَّعلوم َّ‬
‫ض الْ شْي ش إِحَّ َّ‬
‫اَّلل شوشما‬ ‫السماو ِ‬
‫ات شواأل ْشر ِ‬ ‫ِ‬
‫ري آية من كتابت العايياي‪ ،‬قال تعاىل ﴿ق ْل حش يشـ ْعلشم شم ْن يف َّ ش ش‬
‫شَي شن يـْبـ شعثو شن ﴾ [النمل‪.]65 :‬‬
‫يش ْ عرو شن أ َّ‬
‫وقال تعاىل ﴿ شو ِعْن شده شم شفاتِ الْ شْي ِ حش يشـ ْعلشم شها إِحَّ ه شو شويشـ ْعلشم شما ِيف الْشِرب شوالْبش ْل ِر شوشما تش ْس ـ ـ ـ ـ ـقا‬
‫اب مبِ ٍ ﴾‬ ‫س إِحَّ ِيف كِتش ـ ٍ‬ ‫ض شوحش شرطْ ـ ٍ شوحش شَيبِ ٍ‬ ‫ات األ ْشر ِ‬ ‫ِمن ورقش ـ ٍة إِحَّ يـعلشمه ـا وحش حبَّ ـ ٍة ِيف ظلم ـ ِ‬
‫ش‬ ‫شْ ش ش ش‬ ‫ْ شش‬
‫[األنعام‪.]59 :‬‬

‫اطالي يم‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـالة وال َّس ـ ـ ـ ـ ـالم ‪ -‬ح يعلمون ال ي ‪ ،‬وح ِ‬ ‫ومن اَّعلوم َّ‬
‫أن األنبياء ‪ -‬عليهم ال َّ‬
‫اَّللِ شوحش أ ْشعلشم الْ شْي ش شوحش أشقول‬ ‫ـيء منت‪ ،‬فقد قال تعاىل ﴿ق ْل حش أشقول لشك ْم ِعْن ِدأ شخشايائِن َّ‬ ‫عل ش ـ ـ ـ ٍ‬
‫س قل هل يس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ِوأ األ ْشعم والْب ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري أشفشالش تشـتشـ شف َّكرو شن ﴾‬ ‫لشكم إِِين ملشك إِ ْن أشتَّبِع إِحَّ ما ي ِ‬
‫ش شش‬ ‫وح إ شَّ ْ ش ْ ش ْ‬‫ش ش‬ ‫ْ ش‬
‫[األنعام‪.]50 :‬‬

‫اختص نفست مبعرفة علم ال ي ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫أن هللا ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬قد‬ ‫وكما جاءت األدلَّة ُّ‬
‫تدل عل َّ‬
‫وأنَّت ا ـ ـ ــتأثر بت دون خلقت‪ ،‬جاءت أدلَّة تفيد َّ‬
‫أن هللا تعاىل ا ـ ـ ــتثىن من خلقت شم ِن ارتض ـ ـ ــاه من‬
‫الر ـ ـ ــل‪ ،‬فأودعهم ما شـ ـ ــاء هللا من يبت بطريق الوحي إليهم‪ ،‬وجعلت مع ايًة يم‪ ،‬ودحلةً هللا ـ ــادقةً‬
‫ُّ‬
‫نبوهتم‪.‬‬
‫عل َّ‬
‫يث ِم شن الطَّيِ ِ شوشما‬ ‫اخلشبِ ش‬ ‫اَّلل لِيش شذ شر الْم ْؤِمنِ ش شعلش شما أشنْـت ْم شعلشْي ِت شح َّض شميِيشاي ْ‬
‫قال تعاىل ﴿ شما شكا شن َّ‬
‫اَّللش شْجيتشِب ِم ْن ر ـلِ ِت شم ْن يش ش ـاء فش ِآمنوا ِاب ََّّللِ شور ـلِ ِت شوإِ ْن تـ ْؤِمنوا‬
‫اَّلل لِيطْلِ شعك ْم شعلش الْ شْي ِ شولش ِك َّن َّ‬
‫شكا شن َّ‬
‫ظيم﴾ [آل عمران‪.]179 :‬‬ ‫وتشـتـَّقوا فشـلشكم أشجر ع ِ‬
‫ْ ْ ش‬ ‫ش‬
‫ضـ ـ ـ ـ ِمن ر ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ول فشَِنَّت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْش‬ ‫شح ًدا ۝ إِحَّ شم ِن ا ْرتش ش‬
‫﴿ شعا الْ شْي ِ فشالش يظْ ِهر شعلش شْيبِت أ ش‬
‫وقال تعاىل‬
‫أن ما وقع‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ًدا ﴾ [اجلن‪ ]27 - 26 :‬فنهلص من ذلك إىل َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يشس ـ ـ ـ ـلك ِم ْن بشْ ِ‬
‫يش شديْت شوم ْن شخ ْلفت شر ش‬
‫ْ‬
‫عاي‬
‫عل لسـ ــان ر ـ ــول هللا(ﷺ) من الخبار ابَّ يَّبات فبوح ٍي من هللا تعاىل‪ ،‬وهو إعالم هللا ‪َّ -‬‬
‫ـلة ر ــالتت‪ ،‬وقد اش ــتهر وانت ــر أمره(ﷺ)‬
‫نبوتت‪ ،‬وهللا ـ َّ‬
‫وجل ‪ -‬لر ـ ـولت(ﷺ) للدَّحلة عل ثبوت َّ‬
‫َّ‬

‫‪721‬‬
‫نطالي هللا لت عل اَّ يَّبات(‪ ،)1‬وكان ألحداث ايوة بد ٍر نص ـ ـ ـ ـ ـ ــي من تلك اَّع ايات ال يبيَّة‬
‫منها‬

‫أ ‪ -‬قتل أميَّة بن خلف‪:‬‬

‫عن عبد هللا بن مس ــعوٍد ر ــي هللا عنت قال انطلق ــعد بن معاذ معتمراً‪ ،‬قال فنايل عل‬
‫فمر ابَّدينة نايل عل ـ ـ ٍ‬
‫عد‪ ،‬فقال‬ ‫أميَّةش بن خلف أيب هللا ــفوان‪ ،‬وكان أميَّة إذا انطلق إىل ال َّ ـ ـام‪َّ ،‬‬
‫فطفت! فبينا عد يطو‬ ‫لسعد أح تنتظر حض إذا انتصف النَّهار‪ ،‬و فل النَّاس انطلقت‬ ‫أميَّة ٍ‬
‫ش‬
‫إذا أبو جهل‪ ،‬فقال شم ْن هذا الذأ يطو ابلكعبة؟ فقال ـ ـ ـ ــعد أان ـ ـ ـ ــعد‪ ،‬فقال أبو جهل‬
‫حيا(‪ )2‬بينهما‪ ،‬فقال أميَّة‬‫حممداً‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت؟ فقال نعم‪ ،‬فشـتشالش ش‬
‫تطو ابلكعبة امناً‪ ،‬وقد اويتم َّ‬
‫ترفع هللاــوتك عل أيب احلكم‪ ،‬فَنت ــيِد أهل الوادأ‪ ،‬مثَّ قال ــعد وهللا! لئن منعت‬ ‫ٍ‬
‫لســعد ح ْ‬
‫فع هللاـ ـ ـ ــوتك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رك ابل َّ ـ ـ ـ ـام‪ ،‬قال ف عل أميَّة يقول لسـ ـ ـ ــعد ح تر ْ‬‫ألقطعن مت ش‬
‫َّ‬ ‫أن أطو ش ابلبيت‬
‫فَين مسعت حممداً(ﷺ) يايعم أنَّت قاتلك‪،‬‬ ‫وجعل ميسـ ـ ــكت‪ ،‬ف ض ـ ـ ـ ـ ـ ــعد‪ ،‬فقال دعنا عنك ِ‬
‫أ؟ قــال نعم! قــال وهللا! مــا يكــذب حم َّمـد إذا حــدَّث‪ ،‬فرجع إىل امرأتــت‪ ،‬فقــال أمــا‬
‫قــال َّإَي ش‬
‫اليثريب؟ قـالـت ومـا قـال؟ قـال زعم أنـَّت مسع حم َّمـداً يايعم أنـَّت قـاتلي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫تعلم مـا قـال س أخي‬
‫حممد‪.‬‬
‫قالت فوهللا! ما يكذب َّ‬
‫ذكرت ما قال لك أخوك‬ ‫ص ـري قالت لت امرأتت أما ش‬‫قال فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرجوا إىل بد ٍر وجاء ال َّ‬
‫اليثريب؟ قال فأراد أحَّ خيرً‪ ،‬فقال لت أبو جهل إنَّك ِمن أشرا الوادأ‪ِ ،‬‬
‫فس ْر يوماً‪ ،‬أو يوم ‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫فسار معهم‪ ،‬يوم ‪ ،‬فقتلت هللا‪[ .‬البخاري (‪.])3632‬‬

‫ب ‪ -‬مصارع الطي اة‪:‬‬

‫ايالل‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬واَّدينة‪ ،‬ف اءينا ش‬ ‫عن أنس بن ٍ‬
‫مالك ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال كنَّا مع عمر ب َّ‬
‫ش‬

‫(‪ )1‬انظر مو وعة نضرة النَّعيم (‪.)453/1‬‬


‫(‪ )2‬تالحيا تالوما ‪ ،‬وتنازعا‪.‬‬
‫‪722‬‬
‫حديد البص ــر(‪ ،)1‬فرأيتت وليس أحد يايعم أنَّت رآه ريأ‪ ،‬قال ف علت أقول لعمر‬
‫وكنت رجالً ش‬
‫شأما ترآه؟ ف عل يقول ح يراه‪ .‬قال يقول عمر ـ ـ ــأراه‪ ،‬وأان م ْس ـ ـ ـتشـ ْل ٍق عل فراش ـ ـ ــي‪ ،‬مثَّ أن ـ ـ ــأ‬
‫إن ر ــول هللا(ﷺ) كان يرينا مصــاري أهل بد ٍر ابألمس‪ ،‬يقول‬ ‫ِدثنا عن أهل ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ٍر‪ ،‬فقال َّ‬
‫احلدود‬ ‫ابحلق‪ ،‬ما أخطؤوا‬‫فالن داً إن شاء هللا» قال فقال عمر فو الَّذأ بعثت ِ‬ ‫«هذا مصري ٍ‬
‫ش‬
‫اليت شح َّد ر ول هللا(ﷺ) ‪[ .‬مسلم (‪.])2873‬‬

‫جـ ـ ـ إخبار العباس بن عبد املطَّلب ابملال الَّذي دفنه‪ ،‬وإعالم عُمري بن وهب ابحلديث‬
‫الَّذي َح َد َ‬
‫ث بينه وبني صفوان‪:‬‬
‫ومن ذلك ل ـ ـ ـ َّـما طل ر ول هللا(ﷺ) من ِ‬
‫عمت دفع الفداء‪ ،‬وأجابت العبَّاس ما ذاك عندأ‬
‫فقلت يا إن أهللا ـ ـ ـ ـبت يف‬
‫ـول هللا! فقال لت «أين اَّال الذأ دفنتت أنت‪ ،‬و ُّأم الفض ـ ـ ـ ــل‪ ،‬ش‬
‫َي ر ـ ـ ـ ـ ش‬
‫فرأ هذا فهذا اَّال الَّذأ دفنتت لب الفضل‪ ،‬وعبد هللا‪ ،‬وقثم؟» قال وهللا َي ر ول هللا! ِإين‬
‫إن هذا األمر ما علمت أحد ريأ‪ ،‬و ري ِأم الفضل‪.‬‬
‫ألعلم أنَّك ر ول هللا َّ‬
‫َّب(ﷺ) ابتِ ٍ‬
‫فاق‬ ‫وما حدَّث بت عمري بن وه ل َّـما جاء متظاهراً بفداء ابنت‪ ،‬وهو يريد قتل الن ِ‬
‫أمية‪ ،‬فقد أنبأه نبأ اَّؤامرة‪ ،‬فكانت ـ ـ ـ ـ ـ ــبباً يف إ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمت‪ ،‬وهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدق إميانت‪.‬‬
‫مع هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــفوان بن َّ‬
‫[سبق خترجيه](‪.)2‬‬

‫ومن املعجزات أيضاً‪:‬‬


‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ــيف ع َّكاش ـ ـ ـ ـ ـ ــة بن حمص ـ ـ ـ ـ ـ ــن انقطع ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬فأعطاه‬ ‫ما ذكره ابن القيِم يف زاد اَّعاد َّ‬
‫َّب(ﷺ) ِج ْذحً من حط ٍ ‪ ،‬فقال (دونك هذا)‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أخذه ع َّكاش ـ ــة‪َّ ،‬‬
‫وهايه عاد يف يده‬ ‫الن ُّ‬
‫حض قتِل يف حروب َّ‬
‫الردة أَيم أيب بك ٍر(‪.)3‬‬ ‫أبيض‪ ،‬فلم يايل عنده يقاتل بت َّ‬ ‫ـ ـ ــيفاً طويالً شـ ـ ــديداً ش‬
‫وقال رفاعة بن رافع رميت بسه ٍم يوم بد ٍر‪ ،‬فف ِقئت عي ‪ ،‬فبصق فيها ر ول هللا(ﷺ) ودعا س‪،‬‬

‫(‪ )1‬حديد البصر أأ انفذ‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)178/2‬‬
‫أن ابن إ لاق ذكرها من ري ٍ‬
‫ند‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظر زاد اَّعاد (‪ .)186/3‬وذكر ِ‬
‫اَّقق َّ‬
‫‪723‬‬
‫فما اذاين منها شيء(‪.)1‬‬
‫أن اَّع ايات ِ‬
‫احلسيَّة ح رورة إليها بعد‬ ‫الدكتور أبو شهبةش وما ينب ي ٍ‬
‫ألحد أن يايعم َّ‬ ‫قال ُّ‬
‫القرآن‪ ،‬فها هي قد بدت آاثرها وا ـ ـ ــلةً جليَّةً يف إ ـ ـ ــالم البعض‪ ،‬وتقوية يق البعض ا خر‪،‬‬
‫وح إليــت‪ ،‬فقــد أخرب مب يَّبــات انتف يف العلم هبــا كــل احتمــال إح أنـَّت خرب‬‫وإثبــات أنـَّت نب ي ش‬
‫ون(‪ )2‬يف يد هللا ـ ـ ـ ــاحبت ـ ـ ـ ــيفاً بتَّاراً يف‬ ‫خفي ما دثت من انقالب ٍ‬
‫عود‪ ،‬أو عرج ٍ‬ ‫ال َّس ـ ـ ـ ـ ـماء‪ ،‬و ري ٍ‬
‫ْ‬
‫إميانت‪ ،‬وتقوية يقينت‪ ،‬وجهاده بت جهاداً ح يعر ال َّ ُّدد‪ ،‬أو اخلور‪ ،‬وحرهللات البال عل أن خيوض‬
‫األول ‪ ،‬وا خرين(‪.)3‬‬ ‫اَّعارك ٍ‬
‫بسيف خرقت بت العادة‪ ،‬وهللاار مثالً‪ ،‬وذكر يف َّ‬
‫خامساً‪ :‬حكم االستعانة ابملشرك‪:‬‬

‫يف ايوة بد ٍر‪ ،‬ويف األحداث الَّيت ـ ــبقتها‪ ،‬أراد م ـ ــرك أن يللق قيش اَّس ـ ــلم ‪ ،‬وطل‬
‫َّب(ﷺ) اَّوافقة عل قبولت معهم‪ ،‬واحش ـ ـ اك فيما هم ذاهبون إليت‪ ،‬فقال(ﷺ) «ارجع‪،‬‬
‫من الن ِ‬
‫[أمحد (‪ ،)149/6‬ومســلم (‪ ،)1817‬وأبو داود (‪ ،)2732‬والرتمذي (‪ ،)1558‬وابن‬ ‫فلن أ ــتع مب ــرك»‪.‬‬
‫ماجه (‪.])2832‬‬

‫العامة‪ ،‬ويذه‬ ‫فاحلديث يبِ َّ‬


‫أن القاعدة واألهللا ـ ـ ــل عدم اح ـ ـ ــتعانة ب ري اَّس ـ ـ ــلم يف األمور َّ‬
‫ـروط معيَّ ٍنة‪ ،‬وهي حتقُّق اَّص ـ ــللة‪ ،‬أو‬
‫القاعدة ا ـ ــتثناء‪ ،‬وهو جواز اح ـ ــتعانة ب ري اَّس ـ ــلم ب ـ ـ ٍ‬
‫رجلا‪،‬ا هب ـ ـ ــذه اح تعان ـ ـ ــة‪ ،‬وأحَّ يكون ذلك عل حساب الدَّعوة ومعانيها‪ ،‬وأن يتلقَّق الوثوق‬
‫الكايف مبن يســتعان بت‪ ،‬وأن يكون اتبعاً للقيادة ال ــالميَّة‪ ،‬ح متبوعاً‪ ،‬ومقوداً فيها ح قائداً يا‪،‬‬
‫ـبهة ألفراد اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وأن تكون هناك حاجة حقيقيَّة يذه‬‫وأحَّ تكون هذه اح ـ ـ ــتعانة مثار ش ـ ـ ـ ٍ‬
‫ش‬
‫اح تعانة ومبن يستعان بت‪ ،‬فَذا حتقَّقت هذه ال ُّروط جازت اح تعانـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة عل وجت اح تثناء‪،‬‬
‫شد ِاي اح تعانة‪ ،‬ويف وء هذا األهللال رفض ر ول هللا(ﷺ) اش اك اَّ رك مع‬ ‫وإذا تتلقَّق‬

‫(‪ )1‬انظر زاد اَّعاد (‪ .)186/3‬واألثر فيت خال ب التصلي والتضعيف‪.‬‬


‫عراج ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬الع ْرجون الع ْذق ‪ ،‬وهو من النَّهل كالعنقود من العن ‪ ،‬واجلمع ش‬
‫(‪ )3‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)178/2‬‬
‫‪724‬‬
‫اَّسلم يف مسريهم إىل ِع ِري قريش إذ ح حاجة بت أهللاالً‪.‬‬

‫َّب(ﷺ) ابَّ ــرك عبد هللا بن أريقا الَّذأ‬


‫ويف ــوء اح ــتثناء‪ ،‬وحتقُّق ش ــروطت ا ــتعان الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وأبو بكر يف ه رهتما إىل اَّدينة‪َّ ،‬‬
‫ليدي ما عل الطريق إلي ها‪ ..‬وهكذا‬ ‫ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتأجره الن ُّ‬
‫عل هذا اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتثناء‪ ،‬وحتقُّق ش ـ ـ ـ ـ ـ ــروطت قشبِل(ﷺ) حاية ِ‬
‫عمت أيب طال لت‪ ،‬كما قشبِل جوار‪ ،‬أو‬
‫عدأ لت عند رجوعت(ﷺ) من الطَّائف‪ ،‬وكذلك قبول ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـلابة الكرام ر ـ ـ ـي‬ ‫إجارة اَّطْعِم بن ٍ‬
‫عمن أجاروهم(‪ ،)1‬و ـ ـ ـ ْـبا هذه‬ ‫هللا عنهم جوار من أجارهم ِم شن اَّ ـ ـ ــرك ليدفع هؤحء األذ َّ‬
‫وإميان ع ٍ‬
‫ميق‪.‬‬ ‫دقيق‪ٍ ،‬‬ ‫القاعدة مع فهم شروط اح تثناء يف واقع احلياة تاً إىل ٍ‬
‫فقت ٍ‬

‫سادساً‪ :‬حذيفة بن اليمان‪ ،‬وأسيد بن احلضري رضي هللا عنوما‪:‬‬

‫أ ‪ -‬حذيفة بن اليمان ووالده‪:‬‬

‫قال حذيفة ما منعنا أن ن هد بدراً إح ِأين وأيب أقبلنا نريد ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فأخذان كفَّار‬
‫قريش‪ ،‬فقــالوا إنَّكم تريــدون حم َّمـداً‪ ،‬فقلنــا مــا نريــده إَّجـا نريــد اَّــدينــة‪ ،‬فــأخــذوا علينــا عهــد هللا‬
‫حمم ٍد(ﷺ) ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاوزانهم أتينا ر ول هللا(ﷺ) ‪،‬‬ ‫وميثاقت لتصرين إىل اَّدينة‪ ،‬وح تقاتلوا مع َّ‬
‫فذكران لت ما قالوا‪ ،‬وما قلنا يم فما تر ؟ قال «نســتع هللا عليهم‪ ،‬ونفي بعهدهم»‪ ،‬فانطلقنا‬
‫[احلاكم (‪.])202 - 201/3‬‬ ‫إىل اَّدينة‪ ،‬فذاك الَّذأ منعنا أن ن هد بدراً‪.‬‬

‫َّب(ﷺ) حلفم العهود‪ ،‬وتربية أهللاـ ــلابت عل تطبيق مكارم‬


‫هذه هللاـ ــورة م ـ ـرقة يف حرص الن ِ‬
‫ابَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ِ ،‬‬
‫ومفوت يم ج ْهـ ـ شد بعض أفراد‬ ‫الرفيع ــة‪ ،‬وإن ك ــان يف ذل ــك إجل ــا‬
‫األخالق َّ‬
‫اااهدين‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أُسيد بن احلضري‪:‬‬

‫ابلرْوحاء ريوس النَّاس يهنِئونت‬


‫عندما رجع ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) إىل اَّدينة قادماً من بد ٍر لقي َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪ 144/2‬ـ ‪.)145‬‬


‫‪725‬‬
‫مبا فت هللا عليت‪ ،‬فقال أ ش ـ ـ ـْيد بن احلض ـ ــري َي ر ـ ــول هللا! احلمد هلل الَّذأ أظفرك‪ ،‬و َّ‬
‫أقر عينك‪،‬‬
‫أظن أنَّك تلق عدواً‪ ،‬ولكن ظننت َّأ‪،‬ا عري‪،‬‬
‫وهللا َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! ما كان هلُّفي عن بد ٍر‪ ،‬وأان ُّ‬
‫[البيوقي يف الدالئل‬ ‫ت»‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شد ْق ش‬
‫ولو ظننت أ نَّت عدو ما هلفت‪ ،‬فقال ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) « ش‬
‫(‪.)1(])133/3‬‬

‫سابعاً‪ :‬احلرب اإلعالميَّة يف بد ٍر‪:‬‬

‫حسان رضي هللا عنه‪:‬‬


‫قال َّ‬
‫الايحو‬ ‫ت ُّ‬ ‫وإِ ْن شكثـروا وأش ْ عـ ـ ـ ـ ِ‬
‫شش‬ ‫ش‬ ‫فش شم ـا شَنْ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِحبش ْول هللاِ قشـ ْوم ـاً‬
‫اان ح ـ ـ ـ َّـده ـ ـ ْم شرب شريو‬ ‫شك ـ ـ شفـ ـ ـ ـ ش‬ ‫إِ شذا م ــا ألبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا شْعـ ـاً شعلشْيـنشـ ـا‬
‫(‪)2‬‬
‫ض ْع ِضعنا احلتو‬ ‫ِ‬ ‫شمسشـ ـ ـ ْو شان يشـ ـ ـ ْوشم بشـ ـ ـ ـ ْد ٍر ابلـ ـ ـ شعـ ـ ـ شواس‬
‫شراعاً ما ت ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ك ـ ـو‬ ‫عاد ْوا إِذشا لشق شل ْ‬ ‫ل شم ْن ش‬ ‫اس أشنْ شك‬ ‫فشـلش ْم تـشر ع ْصبشة يف النَّ ِ‬
‫م ـ ـ ــاثـِرشان شوشمـ ْعـ ِقـلـنشـ ـ ـ ـا ال ُّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـو‬ ‫ول ـ ـ ِك ـ ـنَّـ ـ ـ ـا تش ـ ـوَّك ـ ـ ْل ـ ـنشـ ـ ـ ـا شوقـ ـ ـ ْل ـ ـنشـ ـ ـ ـا‬
‫(‪)4‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـابشة(‪ )3‬شوهم ألو‬ ‫شْ ِ‬
‫وحنن ع ش‬ ‫لشِقْيـنشـ ـاه ْم ِهبـش ـا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّمـ ـا شمسش ْو شان‬
‫وقال كعب بن مالك رضي هللا عنه‪:‬‬

‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شربوا بِـ ـ ـ ِت ِعْن ـ ـ ـ شد اللِ شق ـ ـ ـ ِاء‬


‫وح ش‬ ‫ت فشـ شوا ِر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم بِبش ْد ٍر‬ ‫وما شح شام ْ‬
‫دج الظَّْلم ـ ـ ـ ِاء عنَّـ ـ ـ ـا وال ِط ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاء‬ ‫شوشرْد شانه بِ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْوِر هللا شْجي ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـو‬
‫ش ش‬ ‫ش‬
‫ِمن اشم ِر هللا أح ِكم ابل شقض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاء‬ ‫شر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول هللا يشـ ْقـ ـ ـ ـدمنشـ ـ ـ ـا أب ْشم ٍر‬
‫ْ ش‬ ‫ْ‬
‫وم ـ ـ ــا شر شجـعـوا إِلشـْيـكـ ْم ابل َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شو ِاء‬ ‫ت فشـ شوا ِر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم بِشب ْد ٍر‬ ‫ِ‬
‫فش شما ظشفشر ْ‬
‫ِجيشـ ـ ـ شاد اخلشْي ـ ـ ـ ِل تشطْلع من شك ـ ـ ـ شد ِاء‬ ‫فال تشـ ْع ش ْل أ ششاب ـ ـ ـ ْفيشا شن و ْارق ْ‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)305/3‬‬


‫ع حتف ‪ ،‬وهو اَّوت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )26/3‬احلتو‬
‫صابشة اجلماعة من الناس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬الع ش‬
‫(‪ )4‬هذا حممول عل اَّبال ة َّ‬
‫ألن جيش قريش ما كان ياييد عل األلف‪.‬‬
‫‪726‬‬
‫ِ (‪)2( )1‬‬
‫شوِمْي شكـال‪ ،‬فشـيشـا ِطْيـ ش اَّالء‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر هللا رْو الق ْد ِس فِْيـ شها‬
‫ْ‬ ‫بِنش‬
‫ش‬
‫الدفاي عن اَّسلم ‪ ،‬وإخافة‬ ‫ث شعراء اَّسلم عل القيام بواجبهم يف ِ‬ ‫َّب(ﷺ) ُّ‬ ‫كان الن ُّ‬
‫هم‪ ،‬فقد كان ال ِ ـ ـعر ميثِل احلمالت العالميَّة اَّؤثِرة يف دنيا العرب‪ ،‬فريفع أقواماً‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫األعداء ب ـ ـ ْع ِر ْ‬
‫وخيفض آخرين‪ ،‬وي ْ عِل احلروب‪ ،‬ويطْ ِفئها(‪.)3‬‬

‫كانت بوادر احلرب العالميَّة قد اندلعت منذ اي رة‪ ،‬ري َّ‬


‫أن ظهورها أكثر بدءاً مع حركة‬
‫العالمي للقبائل‬
‫َّ‬ ‫ال َّس ـ ـراَي قبيل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر‪ ،‬لكنَّها انف رت انف اراً ـ ــهماً بعد بد ٍر َّ‬
‫ألن اجلان‬
‫الركبان‬ ‫(‪)4‬‬
‫أن القصائد ش رعان ما تطيـ ــر هبا ُّ‬ ‫اااورة كان هدفاً م ِهماً من أهدا الفريق ‪ ،‬ويظهر َّ‬
‫ـرد من الطَّر ا خر‪ ،‬فعند النَّصر تكثر أشعار الفريق اَّنتصر‪ ،‬بينما‬ ‫يثرب‪َّ ،‬‬
‫ومك ـ ـةش‪ ،‬فيأل الـ ـ ُّ‬ ‫ش‬ ‫ب‬
‫متهصص أمثال كع‬ ‫ِ‬ ‫يضم شعراء‬
‫المي ُّ‬‫ف ال ُّ‬ ‫الص ُّ‬
‫تكثر اَّراث ــي عند الفريق الثَّان ــي‪ ،‬وكان َّ‬
‫بن مالك‪ ،‬وعبد هللا بن رواحة‪ ،‬وكان أشدَّهم عل الكفَّار حسان(‪.)5‬‬

‫* * *‬

‫(‪ )1‬أأ ما أطي اَّ الذين يقودهم جربيل وميكائيل ـ عليهما السالم ـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة حبن ه ام (‪.)30/3‬‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)199/4‬‬ ‫المي‬
‫(‪ )3‬انظر التَّاري ال ُّ‬
‫السرعة‪.‬‬
‫الس أو فتلها أو كسرها ـ تقويا للتَّع ُّ من ُّ‬‫(‪ )4‬رعان ـ بضم ِ‬
‫(‪ )5‬انظر اَّنهت احلركي ِ‬
‫للسرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪ 354‬ـ ‪.355‬‬
‫‪727‬‬
‫املبحث الثَّامن‬
‫(‪)1‬‬
‫أه يم األحداث الَّيت وقعت بني غزويت بد ٍر‪ ،‬وأحد‬

‫يف أعقاب ايوة بد ٍر أخذت اييبة العسـ ــكريَّة للمسـ ــلم مداها الكبري‪ ،‬يف دائرةٍ وا ـ ـ ٍ‬
‫ـعة يف‬
‫أحس ــعفاء اَّ ــرك ابخلطر‪ ،‬وشــعر أقوَييهم ب لبة ال ــالم‪ ،‬وبدأت النُّفوس‬ ‫اجلاييرة العربيَّة‪ ،‬و َّ‬
‫تتطلَّع إىل الميان فتو َّ ـ ـعت دائرة الدُّخول يف ال ــالم‪ ،‬ورأ الكثريون أن يدخلوا يف ال ـ ــالم‬
‫ـاي جديدةٍ من اَّكر‪ ،‬والتَّألُّ ‪،‬‬ ‫نفاقاً‪ ،‬أو خديعةً وهبذا كلِت أهللا ـ ــبلت َّ‬
‫الدولة اجلديدة أمام أو ـ ـ ٍ‬
‫ـات أعــداء‬ ‫لكن أتييــد هللا تعــاىل‪ ،‬مثَّ جهــاز أمن الـ َّـدولــة ِ‬
‫اَّتيقم أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ملطَّطـ ِ‬ ‫والتَّلــالفــات و َّ‬
‫ال الم(‪.)2‬‬
‫أوالً‪ :‬ال زوات الَّيت قادها رسول هللا(ﷺ) بعد بد ٍر‪ ،‬وقبل أ ٍ‬
‫ُحد‪:‬‬

‫‪ - 1‬ماء ال ُك ْدر(‪ )3‬يف بين ُسليم‪:‬‬


‫َّب(ﷺ) بعد ــبع ٍ‬
‫ليال من عودتت إىل اَّدينة من ايوة بد ٍر‪ ،‬وبل ماء الك ْدر يف دَير‬ ‫ايا الن ُّ‬
‫لشيم‪ ،‬الَّذين قصدهم ب ايوتت هذه‪ ،‬ري أنَّت ش يلق حرابً فأقام ثالث ٍ‬
‫ليال عل اَّاء‪ ،‬مثَّ رجع‬ ‫ب‬
‫ْ ش‬
‫(‪)4‬‬
‫دمع أفراد ب ـلشيم َّقاتلة اَّس ــلم ‪ ،‬واحعتداء عليهم‬ ‫إىل اَّدينة ‪ ،‬وكان ــب تلك ال ايوة‪ُّ ،‬‬
‫لكن ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) فاجأهم هب ٍوم ـ ـ ـ ـري ٍع ري متوقَّ ٍع‪ ،‬فهرب بنو‬
‫بعد معركة بد ٍر مباشـ ـ ـ ــرة‪ ،‬و َّ‬
‫وتفرقوا عل ريوس اجلبال‪ ،‬وبقيت إبلهم مع ر ٍاي يا يدع يس ـ ـ ـ ــاراً‪ ،‬فا ـ ـ ـ ـ ـتاق ر ـ ـ ـ ــول‬
‫ـ ـ ـ ــليم‪َّ ،‬‬
‫َّب(ﷺ) البل‬
‫قسم الن ُّ‬
‫البل مع راعيها‪ ،‬وعند مو ع هللارار عل ثالثة أميال من اَّدينة َّ‬
‫هللا(ﷺ) ش‬
‫‪ -‬الَّيت كان عددها طس ـ ـ ـ ـ ـ ــمئة بعري ‪ -‬عل أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬فأهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الواحد منهم بعريين‪ ،‬وانل‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )1‬يف الصفلة (‪.)745‬‬


‫السنَّة ‪ ،‬وفقهها ‪ِ ،‬‬
‫السرية النَّبوية (‪.)512/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪ )3‬الك ْدر ماء من مياه ب ليم يقع يف ُد‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر مو وعة نضرة النَّعيم (‪.)296/1‬‬
‫‪728‬‬
‫َّب(ﷺ) طْ شسها‪ ،‬وكان يسار من نصيبت‪ ،‬ولكنَّت أعتقت بعد ذلك(‪.)1‬‬
‫الن ُّ‬
‫السويق‪:‬‬
‫‪ - 2‬غزوة َّ‬
‫حي ب النض ـ ـ ــري‬
‫حض نايلوا َّ‬ ‫فارس من َّ‬
‫مكة‪ ،‬و ـ ـ ــلك طريق النَّ ديَّة َّ‬ ‫قدم أبو ـ ـ ــفيان مبئيت ٍ‬
‫ليالً‪ ،‬وا تقبلهم الَّم بن ِم ْ شكم يِد ب النَّضري‪ ،‬فأطعمهم‪ ،‬و قاهم‪ ،‬وك ف يم عن أ رار‬
‫اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وتدارس معهم إحد الطُّرق ليقاي األذ ابَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬مثَّ قام أبو ـ ـ ــفيان مبها ة‬
‫انحيــة العشريْض ‪ -‬و ٍاد ابَّــدينــة يف طر شحَّرةِ شواقِم ‪ -‬فقتــل رجل ‪ ،‬وأحرق َنالً‪َّ ،‬‬
‫وفر عــائــداً إىل‬
‫َّ‬
‫مكة‪ ،‬فتعقَّبت ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يف مئيت ٍ‬
‫رجل من اَّهاجرين‪ ،‬واألنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‪ ،‬ولكنَّت يتمكن من‬
‫إدراكهم َّ‬
‫ألن أاب ـ ـ ـ ـ ـ ــفيــان ورجــالــت قــد جـ ُّـدوا يف ايرب‪ ،‬وجعلوا يتهفَّفون من أثقــايم‪ ،‬ويـ ْلقون‬
‫ال َّسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِويق اليت كانوا ملو‪،‬ا ل دائهم‪ ،‬وكان اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حض‬
‫ميرون هبذه اجلرب‪ ،‬فيأخذو‪،‬ا َّ‬
‫رجعوا ب شس ـ ـ ِو ٍيق كث ٍري‪ ،‬لذا ِمسيت هذه ال ايوة ب ايوة ال َّس ـ ـ ِويق‪ ،‬وعاد ر ــول هللا(ﷺ) إىل اَّدينة بعد‬
‫أن اب عنها طسة أَيم دون أن يلق حرابً(‪.)3‬‬

‫‪ - 3‬غزوة ذي أمر‪:‬‬

‫جاءت األخبار من قِبش ِل رجال اح ـ ـ ـ ـ ـ ــتهبارات ال ـ ـ ـ ـ ـ ــالميَّة‪ ،‬تفيد َّ‬


‫أبن رجال قبيليت ثعلبة‪،‬‬
‫ِ‬
‫اَّاريب‪ ،‬يريدون حرب ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪،‬‬ ‫دمعوا بذأ أمر‪ ،‬بقيادة د ْعثور بن احلارث‬
‫وحمارب َّ‬
‫َّب(ﷺ) عل اَّـدينـة عثمـان بن عفـَّان‪ ،‬وخرً يف أربعمئة‬
‫وال ـارة عل اَّـدينـة‪ ،‬فـا ـ ـ ـ ـ ـ ــتعمـل الن ُّ‬
‫ص ـ ـة يقال لت جبشار من ب‬ ‫وطس ـ ـ من اَّسـ ــلم ب راك ٍ ‪ ،‬ور ٍ‬
‫اجل‪ ،‬فأهللاـ ــابوا رجالً بذأ ال شق َّ‬
‫ثعلبة‪ ،‬كان مل أخباراً عن قومت‪ ،‬أ َّر هبا إىل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وقد دخل يف ال الم‪ ،‬وانض َّم‬
‫إىل بالل ليتفقَّت يف الدين(‪.)4‬‬

‫عسكرأ ‪ ،‬ص ‪.277‬‬ ‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ِ‬


‫السيا ُّي وال‬
‫وتلت ‪ ،‬فَن‬ ‫حتمص احلنطة ‪ ،‬أو ال َّعري ‪ ،‬أو حنو ذلك ‪ ،‬مثَّ تطلن ‪ ،‬مثَّ يسافر هبا ‪ ،‬وقد َتايً ابللَّب ‪ ،‬والعسل ‪ ،‬و َّ‬
‫السمن ‪ُّ ،‬‬ ‫السويق هو أن َّ‬‫(‪َّ )2‬‬
‫ِ‬
‫يكن شيء من ذلك مايجت ابَّاء ‪ ،‬واجلمع أش ْ وقشة‪.‬‬
‫ِ‬
‫السرية النبوية حبن ه ام (‪ ،)51/3‬والتَّاري السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.279 ، 278‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.279‬‬ ‫(‪ )4‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )3/4‬والتَّاري ِ‬
‫‪729‬‬
‫َّأما اَّ ـ ـ ــركون من ب ثعلبة‪ ،‬وحمارب ما لبثوا أن ُّفروا إىل ريوس اجلبال عند مساعهم مبس ـ ـ ــري‬
‫شح ٍد‪ ،‬وعاد‬ ‫اَّســلم ‪ ،‬وبقي ر ــول هللا(ﷺ) يف ُد مد ًة تقارب ال َّ ـهر دون أن يلق كيداً من أ ش‬
‫بعدها إىل اَّدينة(‪.)1‬‬

‫ويف هذه ال ايوة أ ــلم دعثور بن احلارث الَّذأ كان ــيِداً مطاعاً‪ ،‬بعد أن حدثت لت مع اية‬
‫يدأ ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) فقد أهللا ـ ـ ـ ــاب اَّس ـ ـ ـ ــلم يف هذه ال ايوة مطر كثري‪ ،‬فابتلَّت ثياب‬
‫ْ‬ ‫عل‬
‫ف‪ ،‬وا ـ ـ ــتطاي دعثور أن ينفرد بر ـ ـ ــول‬
‫ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فنايل حتت ش ـ ـ ـ رة‪ ،‬ون ـ ـ ــر ثيابت لت َّ‬
‫هللا(ﷺ) بس ـ ــيفت‪ ،‬فقال َي حممد ! من مينعك م ِ اليوم ؟ قال هللا‪ .‬ودفع جربيل هللا ـ ــدره‪ ،‬فوقع‬
‫ال َّسـيف من يده‪ ،‬فأخذه ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال من مينعك م ِ ؟ قال ح أحد! وأان أشــهد أح‬
‫أن حممداً ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا‪ ،‬وهللاِ ح أكثر عليك عاً أبداً ! فأعطاه ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ)‬
‫إلت إح هللا‪ ،‬و َّ‬
‫يفت‪ ،‬فل َّـما رجع إىل أهللالابت قالوا ويلك ! ما لك؟ فقال‬
‫رجل ٍ‬
‫طويل‪ ،‬فدفع هللا ـ ـ ــدرأ‪ ،‬فوقعت لظهرأ‪ ،‬فعرفت أنَّت شملشك‪ ،‬وشـ ـ ـ ــهدت َّ‬
‫أن‬ ‫نظرت إىل ٍ‬
‫حممداً ر ـ ـ ـ ــول هللا‪ ،‬وهللاِ ح أكثر عليت عاً وجعل يدعو قومت إىل ال ـ ـ ـ ــالم‪[ .‬البيوقي يف الدالئل‬
‫َّ‬
‫(‪.)2(])169 - 168/3‬‬

‫اَّللِ شعلشْيك ْم إِ ْذ شه َّم قشـ ْوم أش ْن‬


‫ين شآمنوا اذْكروا نِ ْع شمـةش َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ونايل يف ذلــك قول هللا تعــاىل ﴿ شَيأشيـُّ شهـا الـذ ش‬
‫اَّللِ فشـ ْليشـتشـ شوَّكـ ـ ـ ِل الْم ْؤِمنو شن ﴾‬ ‫ف أشيْـ ـ ـ ِديشـه ْم شعْنك ْم شواتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش شو شعلش َّ‬ ‫يشـْبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطوا إِلشْيك ْم أشيْـ ـ ـ ِديشـه ْم فش شك َّ‬
‫[املائدة‪.]11 :‬‬

‫‪ - 4‬غزوة ََْبران(‪:)3‬‬

‫ب(ﷺ) يف‬‫السنة الثالثة لله رة‪ ،‬وقد خرً النَّ ُّ‬ ‫كانت هذه ال ايوة يف شهر اد األوىل من َّ‬
‫حض بل شْحبرا شن ب َّ‬
‫مكة‪ ،‬واَّدينة‪ ،‬يريد قتال ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلشيم‪ ،‬فوجدهم قد‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫ثالشئة من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬
‫ش‬

‫السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.279‬‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ِ‬


‫(‪ )2‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )3/4‬وانظر تفسري ابن كثري يذه احية و ب ورودها‪.‬‬
‫(حبران)‪.‬‬
‫(حبران) ‪ ،‬وبعضهم بضمها ْ‬
‫(‪ )3‬حبران كتبها بعضهم بفت الباء شْ‬
‫‪730‬‬
‫تفرقوا‪ ،‬فانصر عنهم‪ ،‬وعاد إىل اَّدينة بعد أن أمض خارجها شع ْ شر ليا ٍل(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫حتركات ِ‬
‫العدو‪ ،‬ومعرفة َّقوتت‪،‬‬ ‫ونللم يف هذه ال ايوات قدرة القيادة ال ـ ـ ــالميَّة عل رهللا ـ ـ ــد ُّ‬
‫حتطم هذه التَّ ُّمعات اَّناوئة َّ‬
‫للدولة ال ـ ــالميَّة الفتيَّة قبل أن يس ـ ــتفلل‬ ‫وخططت‪ ،‬ومدده لكي ِ‬
‫أمر هذه القبائل‪ ،‬وتصب خطراً عل اَّدينة‪.‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـلراء اَّ امية األطرا كانت دور ٍ‬


‫ات تدريبيةً تربويَّةً لل َّ‬ ‫وهذه ال ايوات يف هذه ال َّ‬
‫َّب(ﷺ) يا‪ ،‬فقد كانت تلك الدَّورات العمليَّة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة بقيادة الن ِ‬
‫الكرام‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــعدت ـ ـ ـ ـ ـ ـراَي ال َّ‬
‫التَّدريبيَّة القتاليَّة ال َّ بويَّة مستمرًة‪ ،‬و ُّ‬
‫َتتد من طسة أَيم إىل شهر‪ ،‬ت َّتم فيها احلياة اجلماعيَّة‪ ،‬وي َّىب‬
‫ات جديد ًة تســاعدهم‬ ‫جنود ال ــالم‪ ،‬عل ال َّس ـمع‪ ،‬والطَّاعة‪ ،‬والتَّدري اَّتقن‪ ،‬ويكتســبون خرب ٍ‬
‫عل حتطيم الباطل‪ ،‬وتقوية ِ‬
‫احلق‪.‬‬

‫الصلابة يف ميادين النِايال‪ ،‬وح يشـ ْفل عن اَّس د‬


‫يهتم ب بية َّ‬
‫َّبوأ الكر ُّ‬
‫لقد كان اَّنهاً الن ُّ‬
‫الن ِ‬
‫َّبوأ ودوره يف هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـل النُّفوس‪ ،‬وتنوير العقول‪ ،‬وهت ــذيـ ـ األخالق من خالل وجود ِ‬
‫اَّريب‬
‫العظيم(ﷺ) ‪ ،‬الَّذأ أهللا ـ ـ ـ ــبلت تعاليمت ت ـ ـ ـ ـ ـ ُّـع يف أو ـ ـ ـ ـ ــاط ااتمع من خالل القدوة‪ ،‬والعبادة‬
‫النبوأ الكر ع ب الدَّورات اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ د يَّة ال َّ بويَّة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وجل ‪ -‬فاَّنهاً‬
‫عاي َّ‬ ‫اخلاش ـ ـ ـ ـ ـ ــعة هللِ ‪َّ -‬‬
‫ص هللا ـ ـ ـ ــفوفت‪ ،‬ويكس ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫والدَّورات العس ـ ـ ـ ــكريَّة ال َّ بويَّة اَّكثَّفة لكي يشـ ْق شو ااتمع اجلديد‪ ،‬وتـشر ُّ‬
‫اخلربات لكي يقوم بن ر ال الم يف ا فاق(‪.)2‬‬

‫‪ - 5‬سرية زيد بن حارثة إىل ال َق ْر َدة‪:‬‬


‫أهللا ــب م ــركو َّ‬
‫مكة بعد هايميتهم يف بد ٍر يبلثون عن طر ٍيق أخر لت ارهتم لل َّ ـ ـام‪ ،‬فأش ــار‬
‫بعضـ ـ ـ ــهم إىل طريق ٍ‬
‫ُد العراق‪ ،‬وقد ـ ـ ـ ــلكوها ابلفعل‪ ،‬وخرً منهم دَّار‪ ،‬فيهم أبو ـ ـ ـ ــفيان بن‬
‫ضـ ـة‪ ،‬وبض ــائع كثرية‪ ،‬مبا قيمتت مئة‬
‫حرب‪ ،‬وهللا ــفوان بن أميَّة‪ ،‬وحويط بن عبد العَّاي ‪ ،‬ومعهم ف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ااتمع اَّدين ‪ ،‬للعمرأ ‪ ،‬ص ‪ ، 61‬والتَّاري ِ‬


‫السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.280‬‬
‫(‪ )2‬انظر ال َّ بية القياديَّة (‪ 118/3‬ـ ‪.)119‬‬
‫‪731‬‬
‫ليا‬ ‫المي‪ ،‬يدع‬
‫ِ‬ ‫ألف دره ٍم‪ ،‬فبل ذلك ر ول هللا(ﷺ) بوا طة أحد أفراد جهاز األمن ال‬
‫يد بن حارثة يف مئة راك ٍ حع اض القافلة‪ ،‬فلقيها زيد‬ ‫(‪)1‬‬
‫بن النُّعمان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت ‪ ،‬فبعث ز ش‬
‫ففر رجايا مذعورين‪ ،‬وأهللاــاب اَّســلمون العِ شري‬ ‫ماء يقال لت ال شقردة‪ ،‬وهو ماء من مياه ٍ‬
‫ُد‪َّ ،‬‬ ‫عند ٍ‬
‫ْش‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وعادوا إىل اَّدينة‪،‬‬ ‫وما عليها‪ ،‬وأ روا دليلشها فرات بن شحيَّان الَّذأ أ لم ب يدأ الن ِ‬
‫الس ِريَّـة(‪.)2‬‬
‫فه َّم شس شها ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ووزَّي الباقي ب أفراد َّ‬
‫ش‬
‫اثنياً‪ :‬غزوة بين قَـ ْيـنُـ َقـاع (‪:)3‬‬

‫عد أ‪،‬ا وقعت‬ ‫اقدأ‪ ،‬وابن ـ ـ ـ ـ ٍ‬


‫هرأ َّأ‪،‬ا وقعت يف ال َّسـ ـ ـ ـنة الثَّانية لله رة‪ ،‬وذكر الو ُّ‬
‫الاي ُّ‬
‫ذكر ُّ‬
‫يوم ال َّس ـ ـبت للنِص ـ ــف من شـ ـ ـوال من ال َّسـ ـ ـنة الثَّانية(‪ ،)4‬واتَّفق معظم من شكتش ش يف م ازأ ر ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــريتت عل َّأ‪،‬ا وقعت بعد معركة بد ٍر إذ يلتايم يهود ب قينقاي ابَّعاهدة الَّيت‬
‫الر ــول(ﷺ) معهم‪ ،‬و يوفوا ابلتاياماهتم الَّيت حدَّدهتا‪ ،‬ووقفوا من َّ‬
‫الر ــول(ﷺ) واَّســلم‬ ‫أبرمها َّ‬
‫اقف عدائيَّةً‪ ،‬فأظهروا ال ض ـ ـ ‪ ،‬واحلسـ ــد عندما انتصـ ــر اَّسـ ــلمون يف بد ٍر‪ ،‬وجاهروا بعداوهتم‬
‫مو ش‬
‫للمسلم (‪.)5‬‬

‫َّب(ﷺ) يف ـ ــوقهم ابَّدينة‪ ،‬ونص ـ ــلهم‪ ،‬ودعاهم إىل ال ـ ــالم‪ ،‬وح َّذرهم أن‬ ‫وقد عهم الن ُّ‬
‫يصـ ــيبهم ما أهللاـ ــاب قري ـ ـاً يف بد ٍر(‪ )6‬ري َّأ‪،‬م واجهوا النَّب(ﷺ) ابلت ِ‬
‫َّلدأ‪ ،‬والتَّهديد‪ ،‬ر م ما‬ ‫َّ‬
‫يف ض أن يلتايموا بت من الطَّاعة‪ ،‬واَّتابعة لبنود اَّعاهدة الَّيت جعلتهم حتت رائ ـ ــتت‪ ،‬فقد جاهبوه‬
‫بقويم «َي حممـد! ح ي رنـَّك من نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أنـَّك قتلـت نفراً من قريش كـانوا أ مـاراً‪ ،‬ح يعرفون‬

‫القتال‪ ،‬إنَّك لو قاتلتنا لعرفت َّأان حنن النَّاس‪ ،‬وأنَّك ش‬


‫تلق مثلنا»(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست (‪.)132/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر رية ابن ه ام (‪.)56/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر ال كل (‪ )2‬يف الصفلة (‪.)746‬‬
‫الصليلة (‪.)299/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّـة َّ‬
‫(‪ )5‬انظر مو وعة نضرة النَّعيم (‪.)269/1‬‬
‫اَّطهرة (‪.)276/1‬‬
‫السنَّة َّ‬‫(‪ )6‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫السابق نفست‪.‬‬ ‫(‪ )7‬اَّصدر َّ‬
‫‪732‬‬
‫وهكذا بدأت األزمة تتفاعل إذ يكن يف جواهبم ما ي ـ ـ ـ ـ ـ ــري إىل احلتايام ‪ ،‬واحح ام بل‬
‫وحتدَيً‪ ،‬وا ــتعالءً‪ ،‬وا ــتعداداً للقتال‪ ،‬فأنايل هللا ‪-‬‬ ‫فَ‪،‬م قد أظهروا روحاً عدائيَّةً‪ِ ،‬‬ ‫عل العكس َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫س‬ ‫ِ‬
‫ين شك شفروا ش ـ ـ ـ ـ ـتـ ْلشبو شن شو ْحت ش ـ ـ ـ ـ ـرو شن إ شىل شج شهن شَّم شوبْئ ش‬‫ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬فيهم قولت تعاىل ﴿ق ْل للَّذ ش‬
‫اَّللِ شوأ ْخشر شكـافِشرة يشـشرْوش‪ْ ،‬م‬‫الْ ِم شهـاد ۝ قشـ ْد شكـا شن لشك ْم آيشـة ِيف فِئشـتش ْ ِ الْتشـ شقتشـا فِئشـة تـ شقـاتِـل ِيف ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبِيـ ِـل َّ‬
‫اَّلل يـؤيِـ ـد بِنشص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرهِ من ي ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاء إِ َّن ِيف ذشلِـ ـ ش ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِر ﴾‬
‫ك لشع ْ شربةً أل ِوس األشبْ ش‬ ‫شْ ش‬ ‫ْ‬ ‫أ الْ شع ْ ِ شو َّ ش‬‫مثْـلشْيه ْم شرأْ ش‬
‫[آل عمران‪.]13 - 12 :‬‬

‫‪ - 1‬األسباب املباشرة لل زوة‪:‬‬

‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما انتصــر اَّســلمون يف بد ٍر‪ ،‬وقال ر ــول هللا(ﷺ) لليهود ما قال أ ــمرت بنو قينقاي‬
‫نقض العهد الَّذأ بينهم وب اَّسـ ــلم ‪ ،‬وأخذوا يتليَّنون الفرهللاـ ــة ال َّس ـ ـاحنة َّناوشـ ــة اَّسـ ــلم ‪،‬‬
‫حض جاءهتم فرهللاــتهم احلقرية الدَّنيئة عندما جاءت امرأة من العرب ِقشلش ٍ (‪ )1‬يا‪ ،‬فباعتت بســوق‬ ‫َّ‬
‫يهودأ‪ ،‬ف علوا يريدو‪،‬ا عل شك ْ ـ ـ ـ ـف وجهها‪ ،‬فأبت‪ ،‬فعمد‬ ‫ٍ‬ ‫ب قينقاي‪ ،‬وجلس ـ ـ ــت إىل هللا ـ ـ ــائ ٍ‬
‫صـ ـ ـائ إىل طر ثوهبا فعقده إىل ظهرها‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قامت انك ـ ــفت ش ـ ـ ـ ْوءشهتا‪ ،‬فض ـ ــلكوا هبا‪،‬‬
‫ال َّ‬
‫ص ـائ فقتلت ‪ -‬وكان يهودَيً ‪ -‬وشـ َّـدت اليهود عل‬
‫فصــاحت‪ ،‬فوث رجل من اَّســلم عل ال َّ‬
‫اَّس ــلم‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فا ــتص ــر أهل اَّس ــلم اَّس ــلم عل اليهود‪ ،‬ف ضـ ـ اَّس ــلمون‪ ،‬فوقع ال َّ ـ ـُّر‬
‫بينهم‪ ،‬وب ب قينقاي(‪.)2‬‬
‫فل علم ر ــول هللا(ﷺ) بذلك‪ ،‬ــار إليهم عل رأس ٍ‬
‫جيش من اَّهاجرين‪ ،‬واألنص ـ ـار‪،‬‬
‫وذلك يوم ال َّس ـ ـ ـ ـ ـبت للنِصـ ـ ـ ـ ــف من شـ ـ ـ ـ ـ َّـوال من ال َّس ـ ـ ـ ـ ـنة الثَّانية لله رة(‪ ،)3‬وكان الَّذأ حل لواء‬
‫ٍ‬
‫يومئذ حاية بن عبد اَّطل ر ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وا ـ ــتهلف(ﷺ) عل اَّدينة أاب لبشابشةش بن‬ ‫اَّسـ ــلم‬

‫كل ما جيل ل واق ليباي فيها‪.‬‬‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬اجلشلش‬


‫رية ابن ه ام (‪.)54/3‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫اقدأ (‪ ، )176/1‬والطَّبقات ‪ ،‬حبن عد (‪ 28/2‬ـ ‪.)29‬‬
‫اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫‪733‬‬
‫العمرأ(‪ ،)1‬وامست ب ـ ـ ــري(‪ .)2‬وح ـ ـ ــار إليهم ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) نبذ إليهم العهد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫عبد اَّنذر‬
‫كما أمره هللا تعاىل يف قولت ﴿ شوإِ َّما شهشافش َّن ِم ْن قشـ ْوٍم ِخيشانشةً فشانْبِ ْذ إِلشْي ِه ْم شعلش ش ـ ـ ـ شو ٍاء إِ َّن َّ‬
‫اَّللش حش ِ ُّ‬
‫اخلشائِنِ ش ﴾ [األنفال‪.]58 :‬‬
‫ْ‬

‫‪ - 2‬ضرب احلصار عليوم‪:‬‬

‫طس شع ْ ـ ـشرشة‬
‫َّب(ﷺ) ش‬
‫صـ ـنوا يف حص ــو‪،‬م‪ ،‬فلاهللا ــرهم الن ُّ‬
‫مبقدمت(ﷺ) حت َّ‬
‫وح علم اليهود ش‬
‫(‪)3‬‬
‫الرع ‪ ،‬وا ــطروا‬
‫حض قذ هللا يف قلوهبم ُّ‬ ‫ـتمر احلص ــار َّ‬
‫ليلةً ‪ -‬كما ذكر ابن ه ــام ‪ ، -‬وا ـ َّ‬
‫للنُّايول عل حكمت هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‪ ،‬فقد فاجأهم(ﷺ) أب ـ ـ ــلوب احلصـ ـ ـ ــار‪ ،‬فأربكهم‪،‬‬
‫مدد‪ ،‬و َّد حركتهم‪ ،‬فعاش ـوا يف ـ ٍن اَّا‬ ‫كل ٍ‬‫وأوقعهم يف حريةٍ من أمرهم بعد أن قطع عنهم َّ‬
‫الصرب‪ ،‬فبعد أن كانوا ِ‬
‫يهددون ر ول هللا(ﷺ) ‪َّ ،‬‬
‫وأب‪،‬م‬ ‫جعلهم يف النِهاية ييأ ون من اَّقاومة‪ ،‬و َّ‬
‫قوم خيتلفون أب ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وشـ ـ ـ ـ َّـد ًة عن م ـ ـ ـ ــركي قريش‪ ،‬إذا هبم يضـ ـ ـ ــطرون للنُّايول عل حكم ر ـ ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) (‪ ،)4‬فأمر هبم‪ ،‬فربطوا‪ ،‬فكانوا يكتَّفون أكتافاً‪ ،‬وا ـ ــتعمل ر ـ ــول هللا(ﷺ) عل كتافهم‬
‫لمي األو َّي(‪.)5‬‬
‫الس َّ‬
‫اَّنذر بن قدامة َّ‬
‫‪ - 3‬مصري يوود بين قينقاع‪:‬‬

‫حــاول ابن ـ ـ ـ ـ ـ ــلول زعيم اَّنــافق أن ـ َّـل حلفــاءه ِم ْن و شاثقِ ِهم‪ ،‬فعنــدمــا َّ‬
‫مر عليهم قــال‬
‫حلُّوهم‪ ،‬فقال اَّنذر أحتلُّون قوماً ربطهم ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ؟! وهللا ح لُّهم رجل إح ش ـ ـ ـ ـ ـشربْت‬
‫عن شقت(‪ ،)6‬فا ــطر عبد هللا بن أ ِيب بن ــلول أن ي اجع عن أمره‪ ،‬ويل أ إىل ا ــتصــدار األمر من‬
‫اس ‪ -‬وكانوا‬ ‫شح ِس ـ ـ ْن يف مو َّ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال َي حممد! أ ْ‬
‫َّب(ﷺ) ِ‬
‫بفك أ ـ ــرهم(‪ ،)7‬فأت ر ـ ـ ش‬ ‫الن ِ‬

‫ربأ (‪.)481/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر اتري الطَّ ِ‬


‫اَّطهرة (‪.)279/1‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪ )3‬انظر رية ابن ه ام (‪.)55/3‬‬
‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬أليب فارس (‪.)144/1‬‬‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السنَّة اَّطهرة (‪.)280/1‬‬
‫(‪ )5‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪ 32/5‬ـ ‪.)33‬‬ ‫(‪ )6‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫السابق نفست‪.‬‬‫(‪ )7‬اَّصدر َّ‬
‫‪734‬‬
‫اس‪ ،‬قال‬
‫حلفاء اخلايرً ‪ ،-‬قال فأبطأ عليت ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال َي حممد! أحس ـ ـ ــن يف مو َّ‬
‫فأعرض عنت‪ ،‬فأدخل ابن أ ٍيب يده يف جي ِ درِي ر ـ ـ ـ ِ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال لت ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ)‬
‫حض رأوا لوجهت ظلالً(‪ ،)1‬مثَّ قال «و ك! أر ـ ــل »‪،‬‬ ‫«أر ـ ــل » و ضـ ـ ـ ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪َّ ،‬‬
‫حض حت ِسن يف مو َّ‬
‫اس أربعمئـ ـ ــة حا ٍر(‪ ،)2‬وثالشئـ ـ ــة دارٍي‪ ،‬قد منعونـ ـ ــي‬ ‫قال ح وهللا‪ ،‬ح أر لك َّ‬
‫َّ‬
‫الدوائر! فقال ر ول‬ ‫من األحر‪ ،‬واأل ـ ـ ـ ـ ــود‪ ،‬حتصدهم يف ـ ـ ـ ـ ــداة واحدة؟ ِإين وهللا امري أخ‬
‫[الطرباين يف اترخيه (‪ ،)480/2‬والواقدي يف م ازيه (‪ ،)178 - 177/1‬والبيوقي يف‬ ‫هللا(ﷺ) «هم لك»‬
‫الدالئل (‪ ،)174/3‬وابن هشام (‪.)3(])52 - 51/3‬‬

‫فهلَّ ر ــول هللا(ﷺ) ــبيلشهم‪ ،‬مثَّ أمر نجالئهم‪ ،‬و نم ر ــول هللا(ﷺ) واَّســلمون ما كان‬
‫حممد بن مسـ ــلمة ر ـ ــي هللا عنت(‪ ،)4‬وحاول‬
‫توىل ع أموايم‪ ،‬وإحصـ ــاءها َّ‬ ‫لديهم من ٍ‬
‫مال‪ ،‬وقد َّ‬
‫قرهم يف دَيرهم‪ ،‬فوجد‬‫ـول هللا(ﷺ) يف يهود ب قينقاي لكي ي َّ‬ ‫ابن أيب بن ــلول أن ِدث ر ـ ش‬
‫فرده عو ‪ ،‬وقال ح تدخل ح َّض‬
‫األنصارأ األو َّي‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫عل ابب ر ول هللا(ﷺ) عو بن اعدة‬
‫رذن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) لــك‪ ،‬فــدفعــت ابن أ ٍيب‪ ،‬ف لَّم عليــت عو ‪َّ ،‬‬
‫حض شج شلش(‪ )5‬وجــتش ابن أ ٍيب‬
‫اجلدار‪ ،‬فسال الدَّم(‪.)6‬‬

‫َّب(ﷺ) ال ِس ـ ـيا ـ ُّـي يف تعاملت مع ابن ــلول‪ ،‬حيث َّلىب طلبت‪،‬‬


‫ويظهر يف هذا اخلرب‪ ،‬فقت الن ِ‬
‫لعل‬
‫فتتم هدايتت‪ ،‬فقال لت «هم لك»‪ ،‬و َّ‬ ‫فلعل هذا اَّوقف ي س ـ ـ ـ ـ ــل قلبت‪ ،‬وياييل ال ـ ـ ـ ـ ــاوة عنت‪ُّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ف‪ ،‬ويلتلم فال يتأثر ِم ْن‬
‫صـ ُّ‬
‫صـللون بصــالحت‪ ،‬فيتما ــك ال َّ‬ ‫الَّذين يســريون وراء زعامة ابن ٍيب يش ْ‬
‫كيد أعداء ال الم(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬ظلالً ع ظلَّة ‪ ،‬وهي َّ‬


‫السلابة ‪ ،‬وهي كناية عن ت ُّري وجت النَّب هللال هللا عليت و لم‪.‬‬
‫(‪ )2‬حا ر ح دري لت‪.‬‬
‫اَّطهرة (‪.)281/1‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫(‪ )3‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫ش‪.‬‬‫ش شخ شد ش‬
‫(‪ )5‬شج شل ش‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)30/5‬‬ ‫(‪ )6‬انظر التاري ال المي ‪،‬‬
‫للسرية النَّبوية ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.247‬‬‫(‪ )7‬انظر اَّنهت احلركي ِ‬
‫‪735‬‬
‫حيث َّ‬
‫إن‬ ‫وهناك بعد آخر حيث حرص(ﷺ) أن يتفاد حدوث ٍ‬
‫فتنة يف جمتمع اَّؤمن‬
‫بعض األنصـ ـ ـ ـ ــار حديثو ٍ‬
‫عهد ابل ـ ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وخي ـ ـ ـ ـ ـ أن يؤثِر فيهم رأس اَّنافق عبد هللا بن ٍ‬
‫أيب‬
‫الصرب عليت‪ ،‬وعل إ اءاتت‬‫لسمعتت الكبرية فيهم(‪ )1‬ولذلك لك(ﷺ) معت أ لوب اَّداراة‪ ،‬و َّ‬
‫يفر‬ ‫الرجل من خالل تص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـرفاتت‪ ،‬ومواقفت عند من جيهلها‪ِ ،‬‬
‫وم ْن شمثَّ ُّ‬ ‫دنُّباً للفتنة‪ ،‬وإظهاراً حلقيقة َّ‬
‫شْ‬
‫النَّاس ِم ْن حولت‪ ،‬وح يتعاطفون معت‪ ،‬وقد حقَّق هذا األ ـ ـ ــلوب ُاحاً ابهراً‪ ،‬فقد ظهرت حقيقة‬
‫حض أقرب النَّاس إليت‪ ،‬ومنهم ولده عبد هللا‪ ،‬فكانوا بعدها إذا تكلَّم‬ ‫ابن ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـلول جلميع النَّاس َّ‬
‫أ كتوه‪ ،‬وتضايقوا من كالمت(‪ ،)2‬بل أرادوا قتلت ‪ -‬كما يأل نذن هللا تعاىل ‪.-‬‬

‫الصامت منوم‪:‬‬
‫‪ - 4‬تربيؤ عبادة بن َّ‬

‫الصامت أحد ب عو ‪ -‬يم من حلف‬


‫العهد بنو قينقاي‪ ،‬ار عبادة بن َّ‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نقضت ش‬
‫ب قينقاي مثل الَّذأ يم من عبد هللا بن أ ٍيب ‪ -‬لر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وخلعهم إليت‪َّ ،‬‬
‫وتربأ إىل هللا ‪-‬‬
‫وجل ‪ -‬وإىل ر ـ ـ ـ ـ ـ ـولت(ﷺ) من حلفهم‪ ،‬وقال َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! َّ‬
‫أتوىل هللا ور ـ ـ ـ ـ ـ ـولشت(ﷺ) ‪،‬‬ ‫عاي َّ‬
‫َّ‬
‫واَّؤمن ‪ ،‬وأبرأ من حلف هؤحء الكفار‪ ،‬ووحيتهم(‪.)3‬‬

‫الصامت أن جيليشهم‪ ،‬ف علت‬


‫تقرر جالء ب قينقاي‪ ،‬أمر ر ول هللا(ﷺ) عبادة بن َّ‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما َّ‬
‫قينقاي تقول َي أاب الوليد! من ب األوس واخلايرً ‪ -‬وحنن مواليك ‪ -‬فعلت هذا بنا؟ قال يم‬
‫ـول هللا! ِإين أبرأ إليك منهم‪ ،‬ومن‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقلت َي ر ـ ش‬ ‫عبادة لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما حاربتم جئت ر ـ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـامت منهم مبناي ٍلة واحدةٍ يف احللف‪ ،‬فقال عبد هللا بن‬
‫حلفهم‪ ،‬وكان ابن أ ٍيب‪ ،‬وعبادة بن ال َّ‬
‫أت من حلف مواليــك؟! مــا هــذا بيــدهم عنــدك ‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـذكره مواطن قــد أبْـلش ْوا فيهــا ‪ ،‬فقــال‬ ‫أ ٍيب َّ‬
‫ترب ش‬
‫صم أبم ٍر نر‬ ‫عبادة َي أاب احلباب! ت َّريت القلوب ‪ ،‬وحما ال الم العهود ‪ ،‬أما وهللا! إنك َّع ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫َّب(ﷺ) « شتع َّ لوا‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ــعوا»‬ ‫يَّت داً‪ ،‬فقالت قينقاي َي حممد! َّ‬
‫إن لنا شديْناً يف النَّاس‪ ،‬قال الن ُّ‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)32/5‬‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬أليب فارس (‪.)148/1‬‬
‫اَّطهرة (‪ 282/1‬ـ ‪.)283‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫(‪ )3‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫‪736‬‬
‫ابلرحيل‪ ،‬والجالء‪ ،‬وطلبوا التنفُّس‪ ،‬فقال يم وح ـ ـ ـ ـ ــاعةً من ‪،‬ا ٍر‪ ،‬لكم ثالث‬
‫وأخذهم عبادة َّ‬
‫ح أزيد عليها‪ ،‬هذا أمر ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ولو كنت أان ما نفَّستكم‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما مضت ثالث‪ ،‬خرً‬
‫حض ــلكوا إىل ال َّ ـام‪ ،‬وهو يقول ال َّ ـر األبعد‪ ،‬األقصـ ‪ ،‬فاألقصـ ‪ ،‬وبل خلف‬
‫يف آاثرهم َّ‬
‫ٍ‬
‫أبذرعات(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫الذابب مثَّ رجع‪ ،‬وحلقوا‬

‫ـالحهم‪ ،‬وتركوا أموايم نيمةً‬ ‫وهكذا خرً بنو قينقاي من اَّدينة هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رين‪ ،‬قد أل شقوا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫أشدهم أب اً‪ ،‬وأكثرهم عدداً وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد ًة ولذلك‬ ‫للمسلم ‪ ،‬وهم كانوا من أش ع يهود اَّدينة‪ ،‬و ِ‬

‫الرادي‪ ،‬و يط ـ ـ ـ ــر‬


‫الايمن بعد ه ـ ـ ـ ــذا العقاب َّ‬
‫ابلصمت‪ ،‬وايدوء‪ ،‬ف ةً من َّ‬
‫حذت القبائل اليهوديَّـ ـ ـ ــة َّ‬
‫ت شوكتها(‪.)2‬‬ ‫الرع عل قلوهبـا‪ ،‬وخ ِ‬
‫ض شد ْ‬ ‫ُّ‬
‫‪ - 5‬اآلايت الَّيت نزلت يف مواالة ابن سلول لليوود‪ ،‬وبراءة عُبادة بن َّ‬
‫الصامت منوم‪:‬‬

‫ض‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ شار أ ْشولِيشاءش بشـ ْعضـ ـ ـ ـ ـه ْم أشْولِيشاء بشـ ْع ٍ‬


‫ود شوالنَّ ش‬
‫ِ‬
‫ين شآمنوا حش تشـتَّهذوا الْيشـه ش‬
‫َّ ِ‬
‫قال تعاىل ﴿ شَيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين ِيف قـلوهبِِ ْم شمشرض‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫شوشم ْن يشـتشـ شوَّي ْم ِمْنك ْم شفَِ نَّت ِمْنـه ْم إِ َّن َّ‬
‫اَّللش حش يشـ ْهدأ الْ شق ْوشم ال ظَّالم ش ۝ فششش ا لذ ش‬
‫اَّلل أش ْن رِْل ِابلْ شفْت ِ أشو أشم ٍر ِمن ِعْن ِدهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ي شس ـ ـ ـ ـارعو شن فيه ْم يشـقولو شن شَنْ ش ـ ـ ـ ـ أش ْن تص ـ ـ ـ ـيبشـنشا شدائشرة فشـ شع شس ـ ـ ـ ـ َّ ش ش‬
‫فشـيصـ ـبِلوا علش ما أش ـ ـُّروا ِيف أشنْـف ِسـ ـ ِهم شان ِد ِم ۝ ويـقول الَّ ِذين آمنوا أشهؤحشِء الَّ ِذين أشقْسـ ـموا ِاب ََّّللِ‬
‫ش ش‬ ‫ش ش ش‬ ‫شش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش ش‬ ‫ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين شآمنوا شم ْن يشـ ْرتش َّد‬
‫ين ۝ شَيأشيـُّ شها الذ ش‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـبشلوا شخا ـ ـ ـ ـ ِر ش‬
‫ت أ ْشع شماي ْم فشأش ْ‬‫شج ْه شد أْشميشا‪ْ ،‬م إِ َّ‪ْ ،‬م لش شم شعك ْم شحبِطش ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ ٍ‬ ‫ِ َّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِمْنكم عن ِدينِـ ِت فشس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ش رِْل َّ ِ ٍ ِ‬
‫اَّلل ب شق ْوم بُّـه ْم شو بُّونشـت أشذل ـة شعلش الْم ْؤمن ش أشعَّاية شعلش الْ شك ـاف ِر ش‬
‫ين‬ ‫ش ْ ش‬ ‫ْ شْ‬
‫اَّلل شوا ِ ع شعلِيم ۝‬ ‫اَّللِ يـ ْؤتِ ِيت شم ْن يش ش اء شو َّ‬ ‫ضل َّ‬ ‫ك فش ْ‬ ‫ِ‬ ‫اهدو شن ِيف بِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل شوحش شخيشافو شن لش ْوشمةش حشئٍِم شذل ش‬ ‫ش‬
‫جي ِ‬
‫ش‬
‫الايشكا شة شوه ْم شراكِعو شن ۝ شوشم ْن‬ ‫صـ ـ ـالششة شويـ ْؤتو شن َّ‬ ‫ين ي ِقيمو شن ال َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين شآمنوا الذ ش‬
‫َّ ِ‬
‫اَّلل شوشر ـ ـ ـولت شوالذ ش‬ ‫إَِّجشا شولِيُّكم َّ‬
‫اَّللِ هم الْ شالِبو شن﴾ [املائدة‪.]56 - 51 :‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫ين شآمنوا فشَِ َّن ح ْاي ش‬
‫َّ ِ‬
‫اَّللش شوشر ولشت شوالذ ش‬ ‫يشـتشـ شوَّل َّ‬
‫قال ابن عطيَّة يف هذه ا َيت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّما انقضـ ــت بدر‪ ،‬وش ـ ـ ر أمر ب قينقاي أراد ر ـ ــول‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ 284/1( ،‬ـ ‪.)285‬‬


‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬أليب فارس (‪.)149/1‬‬
‫‪737‬‬
‫هللا(ﷺ) قتلهم‪ ،‬فقام دو‪،‬م عبد هللا بن ِ‬
‫أيب بن ـ ـ ـ ـ ـ ــلول ‪ -‬وكان حليفاً يم ‪ -‬وكان لعبادة بن‬
‫صـ ـامت من حلفهم مثل ما لعبد هللا‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ عبادة منايي ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وما ـ ـلكْتت‬
‫ال َّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فقال َي ر ـ ــول هللا! ِإين أبرأ إىل‬
‫اليهود من اَّ ـ ــاقَّة هلل‪ ،‬ولر ـ ـولت(ﷺ) جاء إىل الن ِ‬
‫هللا من حلف يهود‪ ،‬ووحئهم‪ ،‬وح أواس إح هللا‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـولشت‪ ،‬وقال عبد هللا بن أ ٍيب أما أان فال أبرأ‬
‫حبد س منهم‪ِ ،‬إين رجل أخا َّ‬
‫الدوائر(‪.)1‬‬ ‫من وحء يهود‪ِ ،‬‬
‫فَين َّ‬

‫ب ابن لول الَّذأ ان مس يف النِفاق‪ ،‬وب عبادة بن َّ‬


‫الصامت ر ي هللا‬ ‫َّ‬
‫إن الفرق وا‬
‫وتنور عقلت‪،‬‬
‫وتطهر قلبت‪ ،‬وقوأ إميانت‪َّ ،‬‬
‫ت نفس ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شف ْ‬
‫َّبوأ‪ ،‬فش ش‬ ‫عنت الَّذأ َّ‬
‫ترىب عل اَّنهاً الن ِ‬
‫فتهلَّص من آاثر العصــبية اجلاهليَّة‪ ،‬واألهواء‪ ،‬واَّصــاأ َّ‬
‫الذاتية‪ ،‬وقدم مصــللة ال ـالم عل ِ‬
‫كل‬
‫الصادق اَّهلص لعقيدتت(‪.)2‬‬ ‫صللة‪ ،‬فكان مثالً حياً للمسلم َّ‬ ‫م ٍ‬

‫اثلثاً‪ :‬تصفية املُ َح ِّرضني على َّ‬


‫الدولة اإلسالميَّة‪ ،‬ومقتل كعب بن األشرف‪:‬‬

‫يقل عن خطر الَّذين ي ـ شـهرون ال ُّسـ ـيو لقتال اَّس ــلم‬ ‫ـ عل الفتنة ح ُّ‬ ‫إن خطر ِ‬
‫اَّر‬ ‫َّ‬
‫ـ ـ ـ ــون َّا قامت الفتنة لذلك أخذ ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يتتبَّع هؤحء اَّ ِر ـ ـ ـ ـ ـ ‪،‬‬ ‫إذ لوح هؤحء ِ‬
‫اَّر‬
‫لللق‪ ،‬وقد قشتل منهم خلقاً بعد موقعة بد ٍر(‪ ،)3‬ومنهم‬
‫ويقتلهم إطفاء لنار الفتنة‪ ،‬وَتكيناً ِ‬
‫ً‬
‫أ ‪ -‬عصماء بنت َم ْروان‪:‬‬

‫طمي‬
‫دأ اخل ُّ‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وتعي ال الم‪ ،‬فقد أقدم ع شم ْري بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ع ٍ‬ ‫الَّيت كانت ِ‬
‫حترض عل الن ِ‬
‫عما إذا كـ ـ ــان عليـ ـ ــت‬
‫ر ي هللا عنـ ـ ــت عل قتلها‪ ،‬وح أل النَّبيَّصل هللا عليت و لم بعد ذلـ ـ ــك َّ‬
‫َّب(ﷺ) «نصرت هللا ور ول ـ ـ ـ ــت َي عمري!»‪ ،‬مثَّ قال «ح ينتط فيها عنايان»‬
‫شيء ؟ قال لت الن ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّرر الوجياي ‪ ،‬حبن عطيَّة (‪ 477/1‬ـ ‪.)478‬‬


‫الصليلة (‪.)302/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية َّ‬
‫(‪ )3‬انظر قراءة يا يَّة ِ‬
‫للسرية النَّبويَّة ‪َّ ،‬مد قلع ي ‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪738‬‬
‫[اخلطيب الب دادي يف اترخيه (‪ ،)99/13‬وكشف اخلفاء (‪ ،])3137‬وقد أ لم نتي ـ ـ ــة ذلك ع ـ ــدد من ب‬
‫شخطش شمـةش‪ ،‬وجهر ابل الم منهم شم ْن كـان يستهفي(‪.)1‬‬

‫ِّ‬
‫اليوودي‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬مقتل أب ٍ‬
‫عفك‬

‫كان أبو عفك ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيهاً كبرياً من ب عمرو بن عو ‪ ،‬وكان يهودَيً‪ِ ،‬رض عل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫لايب‬
‫ص ـ ـ ـ ُّ‬ ‫هللا(ﷺ) ويقول ال ِ ـ ـ ـعر‪ ،‬فقال ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «من س هبذا اخلبيث؟» فهرً لت ال َّ‬
‫ا بن ع شم ٍْري‪ ،‬فقتلت(‪.)2‬‬
‫اَّر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عل الدَّولة ما ب بد ٍر‪ ،‬وأ ٍ‬
‫حد هو مقتل كع بن‬ ‫ٍ‬
‫حدث يف تص ـ ـ ـ ـ ـ ــفية ِ‬ ‫أهم‬
‫و ُّ‬
‫األشر ‪.‬‬

‫جـ مقتل كعب بن األشرف‪:‬‬

‫ينتس ـ كع بن األشــر إىل ب نشـْبهان من قبيلة ِ‬


‫طىيء‪ ،‬وكان أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوه قد أهللاــاب دماً يف‬
‫اجلاهلية‪ ،‬فقدم اَّدينة‪ ،‬وحالف يهود ب النَّض ـ ـ ـ ـ ـ ــري‪ ،‬وتايوً عقيلة بنت أيب احلقيق‪ ،‬فولدت لت‬
‫َّ‬
‫كعباً(‪ ،)3‬وكان شاعراً‪ ،‬انهللا ال الم العداء‪ ،‬وقد اظت انتصار اَّسلم عل قر ٍ‬
‫يش يف معركة‬
‫َّب هللا ـ ـ ــل هللا عليت و ـ ـ ــلم‪ ،‬و ِرض قري ـ ـ ـ ـاً عل الثأر لقتالهم‪،‬‬ ‫بد ٍر‪ ،‬فس ـ ـ ــافر إىل َّ‬
‫مكةش يه و الن َّ‬
‫الَّـذين كــان ينو عليهم‪ ،‬ويبكيهم يف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعره‪ ،‬ويــدعو إىل القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء عل َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪،‬‬
‫واَّسلم (‪ ،)4‬واَّا قالت من ال ِ عر يف قتل بد ٍر من اَّ رك‬

‫شولِمثْ ـ ـ ـ ِل بشـ ـ ـ ْد ٍر تش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتش ِه ـ ـ ـ ُّل وت ـ ـ ـ ْد شمع‬ ‫ك أ ْشهلِ ـ ِت‬


‫ت رح ب ـ ْد ٍر لِمهلش ـ ِ‬
‫ْ‬ ‫طش شلنش ـ ْ ش ش ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـَّري‬
‫وك ت ش‬ ‫ح تشـ ـْبـ ـ شعـ ـ ـ ـدوا إِ َّن اَّ ـل ـ ش‬ ‫ت ـ ـشراة الناس شح ْوشل ِحيشا ِ ـ ـ ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫قتلش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـَّيع‬‫ِذأ شهب ش ـ ـ ـ ـ ٍة أتْ ِوأ إِلشْي ـ ـ ـ ِت ال ُّ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شك ْم قش ـ ْد أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ هبشـا من ابْـيش ش‬
‫اج ٍد‬
‫مِ‬
‫ش‬
‫الر ول الكر (‪.)295/1‬‬
‫(‪ )1‬انظر نضرة النَّعيم يف مكارم أخالق َّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)296/1‬‬
‫السرية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)58/3‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫الر ول الكر (‪.)298/1‬‬
‫(‪ )4‬انظر نضرة النَّعيم يف مكارم أخالق َّ‬
‫‪739‬‬
‫ابن األ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشر ظشـ َّل شك ْعب ـاً شْجيشايي‬ ‫إن ش‬ ‫َّ‬ ‫ويشـقول أشقْـ شوام أذش ُّل(‪ )1‬بِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه ِط ِه ْم‬
‫ِ‬ ‫اعةش قـتِلوا‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَّي‬ ‫ظشلَّـ ْ‬
‫ت تشس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو أب ْشهل شه ـا وتش ش‬ ‫ض ش ــ ش‬ ‫ت األ ْشر ش‬ ‫هللا ـ ـ شدقوا فشـلشْي ش‬
‫ش‬
‫شخ ش ـ ـعوا لِشق ْوِل أِشيب الولِْي ِد شوجدعوا‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫شن بشـ ِ كِ ـنشـ ـ ـ ـانشـ ـ ـ ـةش ك ـلَّ ـه ـ ْم‬
‫نـ ـبِ ـْئ ـ ـ ـت أ َّ‬
‫ـتمر كع بن األش ـ ـ ـ ــر يف أذيَّة ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ابي اء‪ ،‬وت ـ ـ ـ ـ ـ يع قر ٍ‬
‫يش َّاربة‬ ‫وا ـ ـ ـ ـ َّ‬
‫اَّسلم ‪ ،‬وا ت واهم عل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال لت أبو فيان أانشدك هللا‪ ،‬أديننا أح ُّ إىل‬
‫حمم ٍد‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت؟ قال أنتم أهد منهم ـ ـ ـ ـ ـ ــبيالً(‪ ،)3‬مثَّ خرً مقبالً قد أ ع رأأ‬
‫هللا أم دين َّ‬
‫اَّ رك عل قتال ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬معلناً بعداوتت وه ائت(‪.)4‬‬

‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ــري يف ه ائت‪ ،‬وبل ت بت الوقاحة‬


‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدم اَّدينة أعلن معاداة الن ِ‬
‫ميتد لســانت إىل نســاء اَّســلم ‪ ،‬و ششـبَّ ِ‬
‫أبم الفضــل بنت احلارث ر ــي هللا عنها‬ ‫صـلشف(‪ )5‬أن َّ‬ ‫وال َّ‬
‫عم النَّب(ﷺ) ‪ ،‬فقال فيها‬ ‫زوجة العبَّاس ِ‬

‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِل ابحلششرِم‬
‫ت َّأم ال شف ْ‬ ‫وات ِرك أشنْـ ـ ش‬‫ش‬ ‫ت شْ شْحتل ـ ـ ـ ْل ِمبشْنـ شقبشـ ـ ـ ٍة‬ ‫ِ‬
‫أش شذاه ـ ـ ـ أشنْـ ـ ـ ش‬
‫ِ (‪)6‬‬
‫ِم ْن ِذأ ال شقوا ِريْ ِر واحلِنَّاء وال شكتشم‬ ‫رت‬‫صـ ْ‬ ‫صـر انْـ شع ش‬
‫ِ‬
‫هللاـ ْفشراء شراد شعة لش ْو تـ ْع ش‬
‫ش‬
‫ت شك ْعباً ِم شن ال َّس ـ شق ِم‬ ‫شولش ْو تش ش ـاء شش ـ شف ْ‬ ‫إ ْح ـ شد بشِ شع ـ ِام ٍر شه ـ شام الفؤاد هبــا‬
‫ِ ُّ ِ (‪)7‬‬
‫ت لشـ ــنشا ِيف لشْيـلشة الظلشم‬ ‫شح َّض تشـ ــبش َّد ْ‬ ‫ت‬ ‫شْ أ ششر شطْ شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً بِلشْي ٍل قشـْبـلش شها طشلش شع ْ‬

‫حسان بن اثبت البن األشرف ابملرصاد‪:‬‬ ‫‪َّ - 1‬‬


‫ث ح َّسـاانً للتص ِـدأ لكع بن األشـر ‪ ،‬فكان(ﷺ) يـ ْعلِم ح َّسـاانً‬
‫كان ر ـول هللا(ﷺ) ُّ‬
‫أين نايل ابن األشـ ـ ـ ـ ــر يف َّ‬
‫مكة؟ فعندما نايل عل اَّطَّل بن أيب شوشداعة بن ـ ـ ـ ـ ــبرية ال َّس ـ ـ ـ ـ ـهمي‬

‫للذهب ‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫(‪ )1‬انظر اتري ال الم ‪َّ ،‬‬


‫للذهب ‪ ،‬ص ‪ ، 158‬والسرية النبويَّة حبن ه ام (‪.)57/3‬‬ ‫(‪ )2‬انظر اتري ال الم ‪َّ ،‬‬
‫السابق نفست‪.‬‬‫(‪ )3‬اَّصدر َّ‬
‫السابق نفست‪.‬‬‫(‪ )4‬اَّصدر َّ‬
‫التكرب والتَّفاخر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الصلشف‬
‫(‪َّ )5‬‬
‫فيهض بت ال َّعر ‪ ،‬فيبق لونت‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الايعفران ‪ ،‬والكتم نبت خيلا ابحلنَّاء ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )6‬رادعة أأ يفو منها أثر الطي و َّ‬
‫للذهب ‪ ،‬ص ‪ 159‬ـ ‪ ، 160‬قسم اَّ ازأ‪.‬‬ ‫(‪ )7‬انظر اتري ال الم ‪َّ ،‬‬
‫‪740‬‬
‫حسان بن اثبت بذلك‪ ،‬فه اهم ليوائهم‬ ‫وزوجتت عاتكة بنت أ يد بن أيب العيص‪ ،‬فأبل (ﷺ) َّ‬
‫ِ‬
‫اليهودأ كع بن‬ ‫ابن األش ـ ــر ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما بل عاتكة بنت أ ـ ــيد ِه ش اء حس ـ ــان‪ ،‬نبذت رحل‬
‫(‪)1‬‬
‫حسان؟!‬ ‫ِ‬
‫اليهودأ؟ أح تر ما يصنع بنا َّ‬ ‫األشر ‪ ،‬وقالت لايوجها مالنا ويذا‬
‫حتول إىل ٍ‬
‫قوم‪ ،‬دعا ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) حس ـ ـ ـ ـ ــاانً‪،‬‬ ‫أانس آخرين‪ ،‬وكان كلَّما َّ‬
‫وحتول كع إىل ٍ‬
‫َّ‬
‫كل‬
‫حض لفظت ُّ‬ ‫وظل يالحقت َّ‬‫وأخربه أين نايل ابن األش ـ ـ ـ ـ ــر ‪ ،‬فيه و شم ْن نايل عندهم‪ ،‬فيطردونت‪َّ ،‬‬
‫بيت هناك‪ ،‬فعاد إىل اَّدينة را ماً بعد أن ــاقت يف وجهت ال ُّسـبل ينتظر مصــريه اَّتوم‪ ،‬وجاياءه‬ ‫ٍ‬
‫الَّذأ يستلقُّت(‪.)2‬‬

‫كانت احلرب العالميَّة اليت ششـ ـنَّها ح َّسـ ـان ـ َّـد كع بن األش ــر ‪ ،‬قد حققت أهدافها‬
‫حسان بن اثبت ر ي هللا عنت يف ِ‬
‫الرد عل كع بن األشر‬ ‫وهذه بعض األبيات الَّيت قايا َّ‬
‫َّعاً حش يش ْس ـ ـ ـ ـ شمع؟‬ ‫ِ‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ شك لِ شكع ٍ مثَّ ع َّل(‪ )3‬بِعربةٍ‬
‫اش جمشد ش‬
‫مْنت شو شع ش‬ ‫ش ْش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫قشـْتـلش تشس ـ ـ ـ ُّ شيشا العيون وتش ْد شمع‬ ‫شولششقـ ـ ْد رأشيْـ ـت بِبشطْ ِن بشـ ـ ْد ٍر ِمْنـهم‬
‫ِش ـْبتش الكلشْي ِ إِ شىل الكلشْيب ِة يشـْتـبشع‬ ‫ت شعْب شداً شرا ِ ـعاً‬ ‫ِ‬
‫فشابْك فشـ شق ْد أشبْ شكْي ش‬
‫وأ ششها شن قشـ ْوماً شقاتشـلوه شوهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرعوا‬ ‫الر ْح شن ِمنَّا ش ـ ـ ـ ـيِداً‬
‫شولشقد ششـ ـ ـ ـ شف َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫صـ ـدَّي‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِمْنـهم شم ْن قشـ ْلبـ ـ ـت‬
‫ششـ ـ ف يشظش ُّل خلشْوفت يشـتش ش‬ ‫شوشُـ ـ ـا وأفْـلشـ ـ ـ ش‬

‫‪ - 2‬جزاء ابن األشرف‪:‬‬


‫ـاءات ِ‬
‫متعددةٍ لر ـ ـ ــول‬ ‫وخياانت عديدةٍ‪ ،‬وإ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ائم كثريةٍ‪،‬‬
‫اليهودأ ابن األشـ ـ ــر قر ش‬
‫ُّ‬ ‫لقد قام‬
‫كل جرمية من هذه اجلرائم تـ شع ُّد نقض ـاً‬ ‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬وللمســلم ‪ ،‬واَّســلمات القانتات العابدات‪ ،‬و ُّ‬
‫ِ‬
‫اليهودأ‬ ‫للعهــد‪ ،‬تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتوج ـ عقوبــة القتــل‪ ،‬فكيف إذا اجتمعــت هــذه اجلرائم كلُّهــا يف هــذا‬

‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬أليب فارس (‪.)111/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر َّ‬
‫العلشل ‪ ،‬وهو ال ُّرب بعد ال ُّرب ‪ ،‬يريد البكاء بعد البكاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ع َّل من ش‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)59/3‬‬
‫‪741‬‬
‫ال ِ ِرير؟!(‪.)1‬‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وإظهاره التَّعاطف مع أعداء اَّسلم ‪ ،‬ور ِ‬
‫اثء قتالهم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫إن ابن األشر هب ائت للن ِ‬
‫ش‬
‫مهدور الدَّم ولذلك(‪ )2‬أمر‬ ‫يضهم عل اَّسلم ‪ ،‬يكون قد نقض العهد‪ ،‬وهللاار حمارابً‬ ‫وحتر ِ‬
‫ش‬
‫البهارأ خرب مقتلت‪ ،‬فقد رو يف هللاـ ــليلت ن ـ ـناده إىل جابر بن‬
‫ُّ‬ ‫ص ـ ـ شل‬
‫َّب(ﷺ) بقتلت‪ ،‬وقد فش َّ‬‫الن ُّ‬
‫فَنَّت قد اذ هللا‬ ‫عبد هللا ر ـ ــي هللا عنهما‪ ،‬قال ر ـ ــول هللا(ﷺ) « شم ْن لكع بن األش ـ ــر‬
‫حممد بن مسلمة‪ ،‬فقال َي ر ول هللا! أحت ُّ أن أقتلت؟‬
‫ور ولت؟»‪ ،‬فقام َّ‬
‫قال «نعم»‪.‬‬

‫قال فائذن س أن أقول شيئاً‪.‬‬

‫قال «قل»‪.‬‬
‫الرجل قد ــألنا هللاــدقةً‪ ،‬وإنَّت قد شعنَّاان(‪ِ ،)4‬‬
‫وإين قد‬ ‫حممد بن مســلمة(‪ )3‬فقال َّ‬
‫إن هذا َّ‬ ‫فأاته َّ‬
‫أتيتك أ ــتس ــلفك‪ ،‬قال وأيض ـ ـاً وهللا لشتش شملُّنَّت! قال َّإان قد اتَّبعناه‪ ،‬فال حن ُّ أن ندعت َّ‬
‫حض ننظر‬
‫إىل أأ شيء يصري شأنت‪ ،‬وقد أردان أن تسلفنا شو ْ قاً‪ ،‬أو شو ْ شق ‪.‬‬

‫فقال نعم‪ ،‬أرهنوين‪.‬‬


‫أأ ٍ‬
‫شيء تريد؟‬ ‫قالوا ُّ‬
‫قال أرهنوين نساءكم‪.‬‬

‫قالوا كيف نرهنك نساءان‪ ،‬وأنت أ ل العرب؟‬

‫قال فأرهنوين أبناءكم‪.‬‬

‫الصراي مع اليهود (‪.)111/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫الصليلة (‪.)304/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫أن الَّذأ جاء كع ش بن األشر أبو انئلة ‪ ،‬وامست ِ لْكان بن المة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الَّذأ كتِ يف ِ‬
‫السرية النَّبوية حبن ه ام َّ‬
‫(‪ )4‬شعنَّاان من العناء ‪ ،‬وهو التع ‪.‬‬
‫‪742‬‬
‫قالوا كيف نرهنك أبناءان‪ ،‬في شسـ ـ ـ ـ ـ ُّ أحدهم‪ ،‬فيقال رهن بِشو ْ ـ ـ ـ ـ ـ ٍق‪ ،‬أو شو ْ ـ ـ ـ ـ ـ شق ْ ِ ! هذا عار‬
‫ِ‬
‫السال ‪.‬‬ ‫علينا‪ ،‬ولكن نرهنك الَّ شْمةش‪ ،‬قال فيان يع‬

‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة‪ ،‬فدعاهم إىل‬


‫فواعده أن رتيت‪ ،‬ف اء ليالً‪ ،‬ومعت أبو انئلة‪ ،‬وهو أخو كع من َّ‬
‫الساعة؟‬
‫احلصن‪ ،‬فنايل إليهم‪ ،‬فقالت لت امرأتت أين هرً هذه َّ‬
‫حممد بن مسلمة‪ ،‬وأخي أبو انئلة‪.‬‬
‫فقال إجا هو َّ‬
‫قالت أمسع هللاواتً كأنَّت يقطر منت الدَّم‪.‬‬
‫إن الكر لو دعي إىل ٍ‬
‫طعنة ٍ‬
‫بليل‪،‬‬ ‫قال َّإجا هو أخي َّ‬
‫حممد بن مسلمة‪ ،‬ور يعي أبو انئلة‪َّ ،‬‬
‫ألجاب‪.‬‬

‫فَين قائل (أأ اخذ) بِ ش ـ ـ ـ ـ ْع ِرهِ فأطُّت‪،‬‬


‫حممد بن مس ـ ـ ــلمة برجل (‪ ،)1‬وقال إذا ما جاء ِ‬
‫وجاء َّ‬
‫فَذا رأيتموين ا تمكنت من رأ ــت‪ ،‬فدونكم‪ ،‬فا رب ــوه‪ ،‬فنايل منهم متوشلاً‪ ،‬وهو يشـْنـف منت ري‬
‫الطي ‪.‬‬‫ِ‬

‫أشم رأ ك؟‬
‫قال ما رأيت كاليوم ر اً! ‪ -‬أأ أطي ‪ -‬أأتذن س أن َّ‬
‫أشم أهللالابت‪ ،‬مثَّ قال أأتذن س؟‬
‫قال نعم! ف َّمت‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫[البخاري‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فأخربوه‪.‬‬
‫قال نعم‪ ،‬فل ـ َّـما ا تمكن منت‪ ،‬قال دونكم فقتلوه‪ ،‬مث أتشوا الن َّ‬
‫(‪ ،)4037‬ومسلم (‪.])1801‬‬

‫حممد بن مس ــلمة مكث ثالثة أَيم بعد أن ا ــتعد‬ ‫أن َّ‬ ‫وجاء يف ال ِس ـ ـرية النَّبوية حبن ه ــام َّ‬
‫لقتل كع بن األش ـ ـ ـ ــر ‪ ،‬ح ركل‪ ،‬وح ي ـ ـ ـ ــرب إحَّ ما يـ ْعلِق بت نف شسـ ـ ـ ـ ـت‪ ،‬فذكِشر ذلك لر ـ ـ ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فقال لت «ِش تركت الطَّعام وال َّ راب؟»‪.‬‬

‫حممد بن مسلمة ‪ ،‬و ِ لْ شكان بن المة بن وقش ‪ ،‬وهو أبو انئلة ‪ ،‬أحد ب عبد األشهل‬
‫أن الَّذين قاموا بقتلت طسة نف ٍر ‪ ،‬هم َّ‬ ‫(‪ )1‬ويف كت ِ‬
‫السرية َّ‬
‫الر اعة ‪ ،‬وعبَّـاد بن ب ر بن وقش ‪ ،‬أحد ب عبد األشهل ‪ ،‬وأبو شعْبس بن جرب ‪ ،‬أحد ب حارثة ‪ ،‬هؤحء‬‫‪ ،‬وكان أخا كع بن األشر من َّ‬
‫ليلدث كع بن األشر ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قدَّموا أاب انئلة‬
‫‪743‬‬
‫فقال َي ر ول هللا! قلت لك قوحً ح أدرأ هل أشفِ ش َّ لك بت‪ ،‬أم ح؟!‬

‫فقال ر ول هللا(ﷺ) « َّإجا عليك اجلش ْهد»‪.‬‬

‫لكم» [ابن هشام ‪.])58/3‬‬ ‫فقال َّ‬


‫حبد لنا من أن نقول‪ .‬قال «قولوا ما بدا‬
‫وجاء يف ال ِسـرية النَّبويَّة عن ابن إ ــلاق ن ـ ٍ‬
‫ـناد حسـ ٍن عن ابن عبَّاس ر ــي هللا عنهما َّ‬
‫أن‬
‫وجههم‪ ،‬فقــال «انطلقوا عل ا ـ ـ ـ ـ ـ ــم هللا‪ ،‬اللَّهم‬
‫النب(ﷺ) م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ معهم إىل بقيع ال رقــد‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫شعْنهم!» [ابن هشام (‪.])59/3‬‬ ‫أِ‬

‫دروس وعربٌ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫َّب(ﷺ) يف تعاملت مع‬ ‫‪َّ ‬‬
‫إن يف مقتل كع بن األشــر ‪ ،‬درو ـاً‪ ،‬وعرباً‪ ،‬وفوائد يف فقت الن ِ‬
‫الدولة ال ــالميَّة‪ ،‬فقد اتَّض ـ َّ‬
‫أن عقوبة النَّاقض للعهد القتل‪ ،‬وهذا‬ ‫خصــوم ال ــالم‪ ،‬و َّ‬
‫ـول(ﷺ) ‪ ،‬ويؤذيت هب ٍاء‪ ،‬أو‬ ‫اه ِد الَّذأ يش ْ ـتم َّ‬
‫الر ـ ش‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وعقوبة اَّ شع ش‬‫ما حكم بت الن ُّ‬
‫الر ــول(ﷺ)‬ ‫ريه هي القتل‪ ،‬وهذا ما كان حبن األش ــر ‪ ،‬ويؤخذ من هذا َّ‬
‫أن ش ــاذ َّ‬
‫ض ـ ـ ـرب عنقت عقوبةً لت‪ ،‬وقد أجاد ش ـ ــي ال ـ ــالم ابن‬
‫ـ ـ ـواء أكان معاهداً‪ ،‬أو ريه‪ ،‬ت ْ‬
‫تيميَّة يف تفص ـ ـ ـ ـ ـ ــيل هذه األحكام‪ ،‬يف كتابت القيِم «الص ـ ـ ـ ـ ـ ــارم اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلول عل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاذ‬
‫الر ول(ﷺ) »‪.‬‬
‫َّ‬
‫ْم قد‬ ‫َّ‬
‫أن احلك ش‬ ‫ِ‬
‫ابليهودأ ابن األش ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫‪ ‬يؤخذ من طريقة تنفيذ حكم َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ)‬
‫ويتأكد هذا إن كان ي تَّ عل‬ ‫العامة للمس ـ ــلم أن يـنشـفَّذ ـ ــراً‪َّ ،‬‬
‫تقتض ـ ــي اَّص ـ ــللة َّ‬
‫صـ ـ ـ ـورة ال ِسـ ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬فتنة‪ ،‬أو خطر قد يكلِف اَّس ـ ـ ــلم ابهظاً(‪ .)1‬وقد‬
‫تنفيذه ب ري هذه ال ُّ‬
‫الدولة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬ح‬ ‫ص ـ ـورة َّ‬
‫أن مواجهة الكفَّار أعداء ال ـ ــالم‪ ،‬وحماريب َّ‬ ‫بيَّنت هذه ال ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫عمل حتص ـ ـ ـ ــل بت‬ ‫يتعد ذلك إىل ِ‬
‫وإجا َّ‬ ‫يقتص ـ ـ ـ ــر عل مواجهتهم يف ميدان اَّعارك‪َّ ،‬‬
‫رجل لت دوره البارز يف حرب‬ ‫ٍ‬ ‫النِكاية ابألعداء ما يكن إشاً‪ ،‬وقد يوفِر القض ـ ـ ـ ــاء عل‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود ‪ ،‬أليب فارس (‪.)115/1‬‬
‫‪744‬‬
‫اَّسلم جهوداً كبرية‪ ،‬وخسائر فادحةً يتكبَّدها اَّسلمون‪.‬‬

‫وقوة‪ ،‬ودولة‪ ،‬حبيث ح‬


‫وهذا م روط ابألمن من الفتنة‪ ،‬وذلك أبن يكون للمسلم شوكة‪َّ ،‬‬
‫ي تَّـ عل نوعيَّـة هـذا العمـل فتـك ابَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬واجتثـاث ال ُّـدعـاة من بلـدا‪،‬م‪ ،‬وإفس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد يف‬
‫صـدام اَّسـلَّ ‪ ،‬وا ــتدلُّوا‬ ‫المي‪ ،‬وتع َّ ل ال ِ‬
‫جمتمعاهتم(‪ ،)1‬وقد أخطأ بعض اَّســلم يف العا ال ـ ِ‬
‫عل ما ذهبوا إليت مبثل هذه احلادثة‪ ،‬وح ح َّ ة يم فيها َّ‬
‫ألن ذلك كان ابَّدينة‪ ،‬وللمس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬
‫إن ذلـك كـان إعايازاً لل ِـدين‪ ،‬وإرهـاابً‬ ‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ــوكـة‪ ،‬ودولـة‪ ،‬أ َّمـا هم فليس يم دولـة‪ ،‬وح ش ـ ـ ـ ـ ـ ــوكـة‪ ،‬مثَّ َّ‬
‫للكافرين‪ ،‬وكانت كلُّها مص ـاأ ح مفســدة معها‪َّ ،‬أما ما دث يف ف ات اح ــتضــعا من هذه‬
‫احلوادث‪َّ ،‬‬
‫فَ‪،‬ا يعقبها من ال َّ ـ ِر‪ ،‬والفســاد‪ ،‬وا ــتباحة دماء اَّســلم ‪ ،‬وأعرا ــهم‪ ،‬وأموايم ما ح‬
‫خيف عل بص ٍري(‪.)2‬‬
‫ألأ ٍ‬
‫أحد من اَّ ـ ــرك يف َّ‬ ‫إن النَّب(ﷺ) يقم مبلاولة تص ـ ـ ٍ‬
‫ـفية ِ‬
‫مكة مع القدرة عل قتل‬ ‫َّ َّ‬
‫عمر بذلـ ـ ــك‪ ،‬أو‬ ‫زعماء ال ِ رك كأيب ٍ‬
‫جهل‪ ،‬وأميَّـ ـ ــة بـ ـ ــن خلف‪ ،‬وعتبـ ـ ــة‪ ،‬ولو أشار إىل حايشة‪ ،‬أو ش‬
‫أن فقت قتل‬ ‫َّبوأ الكر ‪ ،‬يعلِمنا َّ‬
‫لكن ايدأ الن َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬لقاموا بتنفيذ ذلك‪ ،‬و َّ‬
‫ريهم من ال َّ‬
‫ـليلة من أهلها‪،‬‬ ‫وقوةٍ‪ ،‬كما َّ‬
‫أن هذا الفقت تاً إىل فتو هللا ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫زعماء الكفر تاً إىل ش ـ ـ ـ ــو ٍ‬
‫كة‪َّ ،‬‬
‫حيث تت ــابك اَّصــاأ يف‬ ‫وا ــتيعاب فقت اَّصــاأ‪ ،‬واَّفا ــد‪ ،‬وهذا تاً إىل علماءش را ــه‬
‫للرأأ العام دوره الكبري يف قرارات الدُّول‪ ،‬وحيث احتماحت تو ُّ ع األ رار(‪.)3‬‬
‫عصران‪ ،‬وحيث َّ‬
‫‪ ‬ونللم قيمة الكلمة عند ال َّ‬
‫ص ـلابة ر ــي هللا عنهم‪ ،‬يف موقف حم َّمد بن مســلمة ر ــي‬
‫هللا عن ــت‪ ،‬بع ــد أن أعط كلم ــة لر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬يتع َّه ـد فيه ــا بقت ــل اليهودأ ابن‬
‫األش ـ ـ ــر ‪ ،‬مثَّ إبطايه يف ذلك أعيتت احليلة بقيام هللا ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـعوابت يف ـ ـ ــبيل حتقيق ما وعد‪،‬‬
‫حيث امتنع عن الطَّعام‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـ ـ ـراب‪ ،‬وأهللا ـ ـ ـ ــابت ال ُّم‪ ،‬واحلاين‪ ،‬ألنَّت قال قوحً خي ـ ـ ـ ـ ـ أحَّ‬

‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي (‪.)54/5‬‬


‫(‪ )2‬انظر وقفات تربوية مع ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫السنة وفقهها ِ‬
‫السرية النَّبوية (‪.)537/2‬‬ ‫(‪ )3‬انظر األ اس يف ُّ‬
‫‪745‬‬
‫يس ـ ــتطيع الوفاء بت‪ .‬ونالحم يف جمتمعاتنا اَّعاهللا ـ ــرة َّ‬
‫أن كثرياً من النَّاس يعطون عهوداً‪،‬‬
‫ذمتهم‪ ،‬وي اجعون عن عهودهم‪ ،‬ومواثيقهم‪،‬‬ ‫ومواثيق‪ ،‬وح يق ـ ِـدرون قيمته ــا‪ِ ،‬‬
‫وخيفرون َّ‬
‫وتبق ِحرباً عل ٍ‬
‫ورق‪ ،‬فهؤحء ليسوا أهللالاب مبادئ‪ ،‬ومواقف يـْبـتشـ ش هبا وجت هللا بل‬ ‫ْ‬
‫عليهم أن يعبدوها من دون هللا‪.‬‬ ‫هم أهللالاب مصاأ‪ ،‬ومنافع‪ ،‬خي‬

‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ شو (‪ )1‬أجسـ ـ ـ ـ ـ ــامهم‪ ،‬وتشـ ْايشهق‬ ‫إن أهللاـ ـ ـ ـ ـ ــلاب الدَّعوات‪ ،‬يؤثِرون أن َّ‬
‫تندق أعناقهم‪ ،‬وأن تش ْ‬ ‫َّ‬
‫أرواحهم عل أن ي اجعوا عن كلمــاهتم وعهودهم ومواثيقهم يس ـ ـ ـ ـ ـ ــتعــذبون اَّوت والعــذاب يف‬
‫بيل عقائدهم وإ المهم(‪.)2‬‬

‫‪ ‬يف قول ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) « َّإجا عليك اجلش ْهد» [س ـ ــبق خترجيه](‪ )3‬توجيت نبوأ كر ‪ ،‬وهو‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـرب عند احبتالء‪ ،‬قال تعاىل ﴿تِْل ش‬ ‫أن النصـ ـ ـ ـ ــر ح رل إح بعد بذل اجلش ْه ِد‪ ،‬وال َّ‬ ‫َّ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِ ْرب إِ َّن‬ ‫ك ما كْنت تشـعلشم ها أشْنت وحش قشـوم ش ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن قشـْب ِل شه شذا شفا ْ‬ ‫أشنْـشباء الْ شْي ِ نوح شيها إلشْي ش ش ش ْ ش ش ش ْ‬
‫َّق ش ﴾ [هود‪.]49 :‬‬ ‫الْعاقِبةش لِْلمت ِ‬
‫ش ش‬
‫وطاقة جس ــميَّ ٍة يف ــبيل حتقيق‬ ‫فكرأ‪ٍ ،‬‬ ‫جهد ٍ‬‫كل ما يف و ـ ـعِ ِت من ٍ‬ ‫وعل اَّس ــلم أن يـ شف ِرغ َّ‬
‫ْ‬
‫ما وعد‪ ،‬مثَّ يتوَّكل عل هللا بعد ذلك يف النتائت(‪.)4‬‬

‫‪ ‬ويف قولت(ﷺ) «قولوا ما بدا لكم» [س ـ ـ ـ ـ ــبق خترجيه] فقت نبوأ كر ‪ ،‬فقد قالوا كالماً‬
‫(‪)5‬‬

‫ومن هنا تعر أنَّت ِمن أجل حتقيق ِ‬


‫اَّهام العس ــكريَّة‪ ،‬فال‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫هو يف األحوال العاديَّة كفر‪ْ ،‬‬
‫حدود للكالم الَّذأ يقال ولكن أتل هنا مس ـ ـ ـ ـ ــألة أخر ‪ ،‬وهي ما إذا كان النَّ ا يف‬
‫ِ‬
‫اَّهام العســكرية يقتضــي أفعاحً ح دوز‪ ،‬أو يقتضــي ترك فرائض فما العمل؟ اَّعرو‬
‫أنَّت ليس هناك من ُّ‬
‫الذنوب أعظم من الكفر‪ ،‬وال رك‪ ،‬فَذا جاز التَّظاهر ابلكفر لذلك‪،‬‬

‫ف ‪ ،‬وهـ ِايشل ‪ ،‬أو شد َّق‪.‬‬


‫أ شو شع ش‬ ‫(‪ )1‬ش ِو ش‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)119/1‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)61/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر الصراي مع اليهود (‪.)120/1‬‬
‫(‪ )5‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)61/3‬‬
‫‪746‬‬
‫يتأكد طريقاً للوهللا ـ ـ ــول إىل ايد ‪ ،‬أو ي ل الظَّ ُّن‬
‫فمن ابب أوىل جواز ريه‪ ،‬عل أن َّ‬
‫حبد منت‪ ،‬ـواء أكانت الو ــيلة أتخري‬ ‫ِ‬
‫احلد الَّذأ َّ‬ ‫عل ذلك‪ ،‬عل أن يقتصــر فيت عل‬
‫فريضـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‪ ،‬أم ارتكاب حمظوٍر عل َّ‬
‫أن هذا‪ ،‬وهذا مقيَّ ِ‬
‫دان ابلفتو ‪ ،‬فهناك حمظورات ح‬
‫كالايَّن‪ ،‬واللِواط(‪.)1‬‬ ‫يص ُّ فعلها ٍ‬
‫حبال‪ِ ،‬‬

‫اَّؤهل ألن يفتوا فيها‪ ،‬خص ـ ـ ـ ـوهللا ـ ـ ـ ـاً يف الظُّرو‬ ‫هناك بعض القض ـ ـ ــاَي حتتاً ألهل الفتو َّ‬
‫أل‪،‬ا حتتاً إىل‬ ‫اح ـ ـ ـ ــتثنائيَّة‪ ،‬واحلاحت اح ـ ـ ـ ــطراريَّة‪ ،‬ويف اَّكات ال ِسـ ـ ـ ـ ـيا ـ ـ ـ ـ ـيَّة‪ ،‬والعس ـ ـ ـ ــكريَّة َّ‬
‫ـان‪ ،‬فاألحكام األهللاـ ـ ـ ـليَّة ليس ـ ـ ــت‬ ‫كل إنس ـ ـ ـ ٍ‬ ‫اَّوازانت‪ ،‬والفتاو اح ـ ـ ــتثنائيَّة الَّيت ح يس ـ ـ ــتطيعها ُّ‬
‫وإجا األحكام اح ـ ــتثنائيَّة الَّيت تقتض ـ ــيها الظُّرو اح ـ ــتثنائيَّة حتتاً إىل علماءش رابنيِ ‪،‬‬
‫جمهولةً‪َّ ،‬‬
‫وفقهاءش را ه ‪ ،‬يم القدرة عل فهم مقاهللاد ال َّ ريعة‪ ،‬وواقعهم الَّذأ يعي ون فيت(‪.)2‬‬

‫‪ ‬ويف قولت(ﷺ) «قولوا ما بدا لكم» فقت عظيم يو ِ ـلت قولت(ﷺ) «احلرب شخ ْد شعة»‬
‫[البخاري (‪ ،)3029‬ومسلم (‪.)3(])1740‬‬
‫‪ ‬قولت(ﷺ) «انطلقوا عل ا ـ ـ ـ ـ ـ ــم هللا‪ ،‬اللهم أ ِ‬
‫شعْنهم!» [سـ ـ ـ ـ ــبق خترجيه] كان يذا التَّذكري‬
‫ابلخالص يف اجلهاد «انطلقوا عل ا ـ ـ ـ ــم هللا» والدُّعاء يم ابلتَّوفيق‪ ،‬والعون «اللَّهم‬
‫قوة ابن‬‫للمعنوَيت‪ ،‬فلم يعبؤوا ب َّ‬
‫َّ‬ ‫أعنهم!» ك ـ ُّـل ذل ــك ك ــان ح ــافاياً عل الثَّب ــات ورافعـ ـاً‬
‫الر ــول(ﷺ) ربَّت‬ ‫وم ْن حولت من النَّاس َّ‬
‫أل‪،‬م ا ــت ــعروا معيَّة هللا يم‪ ،‬ودعاء َّ‬ ‫األشــر ‪ ،‬ش‬
‫نعانتهم‪ ،‬وحتقيق مسعاهم‪.‬‬
‫َّبوأ األخذ قميع األ ـ ـ ــباب ِ‬
‫اَّاديَّة‪ ،‬والتَّهطيا ال َّسـ ـ ـ ـديد‪ ،‬وح ينسـ ـ ـ ـ‬ ‫ونللم يف ايدأ الن ِ‬
‫جان الدُّعاء الن ِ‬
‫َّبوأ الكر ‪ ،‬فَ‪،‬م ي فلوا األ ـ ـ ــباب اَّوهللا ـ ـ ــلة هبم إىل ُا مقص ـ ـ ــودهم َّ‬
‫ألن‬

‫السنَّة وفقهها ِ‬
‫السرية النَّبوية (‪ 537/2‬ـ ‪.)538‬‬ ‫(‪ )1‬انظر األ اس يف ُّ‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫ُّم اخلاء ‪ ،‬وفت‬ ‫م اخلاء ‪ ،‬وإ كان الدَّال ‪ ،‬والثَّالثة‬ ‫دعة فيها ثالث ل ات م هورات ‪ ،‬أفصلهن فت اخلاء ‪ ،‬وإ كان الدَّال ‪ ،‬والثَّانية‬ ‫(‪ )3‬شخ ش‬
‫الدَّال‪.‬‬
‫‪747‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اَّســلم مأمور ابجلمع ب التوُّكل عل هللا تعاىل‪ ،‬واألخذ ابأل ــباب الَّيت شــرعها هللا ــبلانت‬
‫ولذلك كانت خطَّة َّ‬
‫حممد بن مسلمة مع إخوانت حمكمةً‪ ،‬وأتقنوا فقت نَّة األخذ ابأل باب‪ ،‬فقد‬
‫كانت األ باب الَّيت اعدت عل ُا اخلطَّة‪ ،‬كالتاس‬

‫يتوجس منت خيفةً‪.‬‬


‫يطمئن إليت‪ ،‬وح َّ‬
‫ُّ‬ ‫الر اعة‪ ،‬وهو‬ ‫‪َّ -‬‬
‫إن أاب انئلةش كان أخاه من َّ‬
‫‪ -‬ويف بعض ِ‬
‫الرواَيت طمأن أبو انئلة كع ش بن األشر ‪ ،‬وأدخل األنس إىل قلبت مبناشدتت‬
‫يف ال ِ عر قبل أن ِدثت عن حاجتت‪.‬‬

‫َّ‬
‫اطمأن‬ ‫‪ -‬و ِدثت عن حاجتت حض أخرً كعباً من حص ـ ــنت‪ ،‬وظلُّوا يتلدَّثون ـ ــاعةً‪َّ ،‬‬
‫حض‬
‫إليهم‪ ،‬وكان ذلك من ـ ـ ـ ـ ــبل التَّوفيق‪ ،‬ولو بقي أولئك هناك لرمبا ك ـ ـ ـ ـ ــف األمر فلديثهم معت‬
‫عل انفر ٍاد كان يف اية التوفيق‪.‬‬

‫َّربم‪ ،‬والتَّظلُّم من َّ‬


‫الر ول(ﷺ) طمأن كع بن األشر ‪.‬‬ ‫‪ -‬تظاهرهم ابلنَّيل‪ ،‬والت ُّ‬
‫شري مري ٍ ‪،‬‬ ‫حض يكون اهللا ــطلاهبم لل ِس ـال‬
‫‪ -‬فكرة رهن ال ِس ـال كانت يف اية التَّوفيق‪َّ ،‬‬
‫وح يبعث عل‬
‫الريبة ذلك َّ‬
‫أل‪،‬م أحضـ ـ ـ ـ ــروا ما ـ ـ ـ ـ ــريهنونت إىل كع ‪ ،‬ويف الوقت نفسـ ـ ـ ـ ــت يسـ ـ ـ ـ ــتطيعون أن‬ ‫ِ‬
‫السال يف أأ وقت التقوا بت فيت‪.‬‬ ‫يستهدموا هذا ِ‬

‫أأ ٍ‬
‫وقت‬ ‫‪ -‬أخذ اَّوعد من كع بن األشر كان إحكاماً يف اخلطَّة حبيث َّ‬
‫يتسىن يم يف ِ‬
‫من اللَّيل أن رتوه‪ ،‬ويطرقوا عليت الباب دون أن ي َّ‬
‫ك فيهم‪ ،‬ويف نيَّتهم‪.‬‬
‫وحممد بن مسـ ــلمة جعلت خيرً يف ٍ‬
‫وقت ح خيرً فيت‬ ‫‪ -‬اطمئنان ابن األش ــر إىل أيب انئلة‪َّ ،‬‬
‫عدو عل ح َِّرة‪ ،‬و ٍ‬
‫فلة(‪.)2‬‬ ‫حتسباً لقتال ٍ‬
‫النسان من بيتت عاد ًة ُّ‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)56/5‬‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي‬
‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)122/1‬‬
‫‪748‬‬
‫‪ -‬إن خطَّة إبعاد ابن األشر عن بيتت‪ ،‬إىل مك ٍ‬
‫ان خيلو بت فيت دون رقي ٍ ‪ ،‬أو نص ٍري كانت‬
‫موفَّقةً‪.‬‬

‫‪ -‬ا تدراً أيب انئلة حبن األشر ‪ ،‬وطُّت طي رأ ت‪ ،‬وإمساكت ب ش ْع ِرهِ لي َّمت‪ ،‬كان موفقاً‪،‬‬
‫وتشـ ْق ِد شمةً ليمسـ ـ ــك هبذا َّ‬
‫الرأس اخلبيث‪َّ ،‬‬
‫ويتمكن منت‪ ،‬لتكون الفرهللاـ ـ ــة ـ ـ ــاحنةً لتنفيذ حكم هللا يف‬
‫اليهودأ اللَّع (‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫هذا‬

‫ص ـ ـ ـلابة الفائقة يف احلفا عل ال ِس ـ ـ ـ ِريَّة‪ ،‬وذلك يف كتمان هذه اخلطَّة مع‬


‫‪ -‬وتظهر قدرة ال َّ‬
‫َّب(ﷺ) عرض هذا األمر‬ ‫أتخر تنفيذها‪ ،‬وكون الن ِ‬
‫كثرة شم ْن يف اَّدينة من اليهود‪ ،‬واَّنافق ‪ ،‬ومع ُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة‪،‬‬ ‫يف م ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـهد من الصـ ـ ـ ـ ــلابة‪ ،‬وجرت فيت م ـ ـ ـ ـ ــورة‪ ،‬وهذا دليل عل قوة إميان هؤحء ال َّ‬
‫وإخالهللاهم لدينهم(‪.)2‬‬

‫وقام هؤحء اَّ اوير(‪ )3‬بتنفيذ أدوار اخل طَّة اَّكمة‪ ،‬الَّيت اتَّفقوا عليها‪ ،‬وأدركوا مقص ـ ـ ـ ـ ـ ــودهم‬
‫األمس ‪ ،‬ور ــول هللا(ﷺ) معهم نحســا ــت الكبري‪ ،‬وم ــاعره الفيَّا ــة‪ ،‬فقد كانوا يقومون بتنفيذ‬
‫توىل قيادهتا العليا ابحتِصــال ابهلل تعاىل‪ ،‬ودعائت‬
‫العمليَّة بعقويم‪ ،‬وأجســامهم‪ ،‬ور ــول هللا(ﷺ) ي َّ‬
‫يم ابلنَّصر والعانة(‪.)4‬‬

‫‪ - 3‬أثر مقتل اليوودي ابن األشرف على اليوود‪:‬‬

‫انت ر خرب مقتل ابن األشر يف اَّدينة‪ ،‬فأ ري أحبار اليهود إىل ر ول هللا(ﷺ) ي تكون‬
‫أكد مقتلت‪ ،‬الَّذأ كان نتي ةً‬
‫َّب(ﷺ) هبم بل َّ‬
‫و ت ُّ ون عل ما فعلت أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬فلم شْ شف ِل الن ُّ‬
‫الرع يف نفوس اليهود يعهم ‪ ،‬فلم يعد أحد‬
‫حتميَّةً َّوقفت اَّعادأ‪ ،‬وقد أوقعت هذه احلادثة ُّ‬
‫من عظمائهم جيري عل اخلروً من حص ـ ـ ـ ـ ـ ــنت‪ ،‬كما يعد أحد من يهود اَّدينة إح وخيا عل‬

‫الصراي مع اليهود (‪.)122/1‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)56/5‬‬ ‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي‬
‫(‪ )3‬اَِّْوار من ِ‬
‫الرجال اَّقاتل الكثري ال ارات عل أعدائت‪.‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست (‪.)57/5‬‬
‫‪749‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ـطر اليهود لت ديد اَّعاهدة‪ ،‬وكان َّقتل كع بن األش ـ ـ ــر أثر‬ ‫نفس ـ ـ ــت من اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬وا ـ ـ ـ َّ‬
‫عميق يف نفو ـ ـ ـ ــهم‪ ،‬فمض ـ ـ ـ ـوا يكيدون لإل ـ ـ ـ ــالم ‪ -‬كما ـ ـ ـ ــيتب َّ من األحداث ‪ -‬شوِم شن اجلدير‬
‫ِ(‪)2‬‬
‫أن الر ول(ﷺ) يؤاخ ــذ ب النَّضي ــر قش ِر شيرة كع ب ــن األشر ‪ ،‬واكتف بقتلت جاياءش‬ ‫ابل ـ ِـذكر َّ‬
‫دره‪ ،‬وجدَّد اَّعاهدة معهم(‪ .)3‬ومن الفقت الن ِ‬
‫َّبوأ يف معاملة اليهود نس ـ ـ ـ ـ ــتفيد َّ‬
‫أن العالً األمثل‬
‫أل‪،‬م أهل شروٍر‪ ،‬ح يتهلَّصون‬
‫لليهود هو زجرهم‪ ،‬وإرهاهبم‪ ،‬وقتل أهل الفنت فيهم‪ ،‬ومطاردهتم َّ‬
‫منها‪ ،‬وح يتوقَّفون عنها(‪.)4‬‬

‫رابعاً‪ :‬بعض املناسبات االجتماعيَّة‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) َبفصةَ بنت عمر‪:‬‬


‫أ ‪ -‬زواج الن ِّ‬
‫(‪)5‬‬
‫همي ‪-‬‬
‫مر من خنشيس بن حذافة ال َّس ـ ِ‬
‫قال عمر ر ــي هللا عنت ح أتميَّت حفصــة بنت ع ش‬
‫وكان من أهللاــلاب ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فتويف ابَّدينة ‪« -‬أتيت عثما شن بن عفَّان‪ ،‬فعر ــت عليت‬

‫لياس‪ ،‬مثَّ لقي فقال قد بدا س أحَّ أت ش‬


‫ايوً‬ ‫ـ ـ ــأنظر يف أمرأ‪ ،‬فلبثت ش‬ ‫بنت عمر‪ ،‬فقال‬
‫حفصـ ـ ـ ـةش ش‬
‫يومي هذا‪.‬‬

‫عمر‪ ،‬فصــمت‬ ‫ِِ‬


‫ـئت زوجتك حفصـةش بنت ش‬
‫يق‪ ،‬فقلت إن شـ ش‬
‫قال عمر فلقيت أاب بكر الصـد ش‬
‫أوجد عليـت م ِ عل عثمان‪.‬‬ ‫الص ِديـق‪ ،‬فلم يرجع َّ‬
‫إس شيئـاً‪ ،‬وكنت ش‬ ‫أبو بك ٍر ِ‬

‫لياس‪ ،‬مثَّ خطبها ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فأنكلتها َّإَيه‪ ،‬فلقي أبو بك ٍر‪ ،‬فقال لعلَّك‬
‫فلبثت ش‬
‫علي حفصة‪ ،‬فلم أرجع إليك شيئاً؟‬
‫ت َّ‬ ‫علي ح عر ش‬
‫وجدت َّ‬
‫علي‪ ،‬إح‬ ‫ِ‬
‫ـت َّ‬
‫مينع أن أ ْشرج شع إليك فيما عر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫قال عمر قلت نعم‪ ،‬قال أبو بكر فَنَّت ْ‬

‫(‪ )1‬انظر التَّاري السيا ي والعسكرأ ‪ ،‬ص ‪.188‬‬


‫(‪ )2‬اجلشريرة اجلناية ‪ ،‬و َّ‬
‫الذن ‪.‬‬
‫الصليلة (‪.)304/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫الصراي مع اليهود (‪.)126/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫أتميت مات عنها زوجها‪.‬‬ ‫(‪َّ )5‬‬
‫‪750‬‬
‫ـول هللا(ﷺ) قد ذكرها‪ ،‬فلم أكن ألف ـ ــي ـ ـ َّـر ر ـ ِ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ولو‬ ‫ِأين كنت علمت َّ‬
‫أن ر ـ ـ ش‬
‫ش‬
‫تركها ر ول هللا(ﷺ) قبلتها» [البخاري (‪ ،)5122‬والبيوقي يف الدالئل (‪.])158/3‬‬

‫علي رضي هللا عنه بفاطمةَ رضي هللا عنوا‪:‬‬


‫ب ‪ -‬زواج ٍ‬
‫قال علي بن أيب طال ر ـي هللا عنت خ ِطبت فش ِ‬
‫اط شمة إىل ر ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقالت موحة‬ ‫شْ‬ ‫ُّ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س هل علمت َّ‬
‫ت إىل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ؟ قلت ح! قالت فقد خطبش ْ‬
‫أن فاطمة قد خطبش ْ‬
‫أتايوً بت! فقالت إنَّك‬
‫فيايوجك‪ ،‬فقلت وعندأ ش ـ ــيء َّ‬ ‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ش‬ ‫فما مينعك أن أتلش ر ـ ـ ش‬
‫ك‪.‬‬
‫إن جئت ر ول هللا(ﷺ) شزَّو شج ش‬
‫حض دخلت عل ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فلـ ـ َّـما أن قعدت ب يديت‬
‫قال فوهللا ما زالت ترجي َّ‬
‫أفلمت‪ ،‬فوهللا ما ا تطعت أن أتكلَّم جاللةً وهيبةً‪.‬‬

‫ـكت‪ ،‬فقال «لعلك جئت‬ ‫فقال ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «ما جاء بك؟ ألك حاجة؟» فسـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـيء تس ــتللُّها بت؟» فقلت ح وهللا َي‬‫هط فاطمة؟» فقلت نعم! فقال «وهل عندك من ش ـ ٍ‬

‫ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا! فقال «ما فعلت ِد ْري ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّ ْلت شكها؟ فوالذأ نفس ٍ‬
‫علي بيده! َّإ‪،‬ا شحلطش ِميَّة(‪ )1‬ما‬
‫قيمتها أربعة دراهم»‪ ،‬فقلت عندأ‪ ،‬فقال «قد زوجتكها‪ ،‬فابعث إليها هبا‪ ،‬فا ـ ـ ـ ـ ــتللَّها هبا»‬
‫جهاي ر ول‬ ‫بنت ر ول هللا(ﷺ) [البيوقي يف الدالئل (‪ )2(])160/3‬وقد َّ‬ ‫فَ‪،‬ا كانت لشصداق فاطمةش ِ‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫ٍ (‪)4‬‬ ‫ِ (‪ِ )3‬‬
‫إذخر(‪ )5‬ر ي هللا عنها(‪.)6‬‬ ‫هللا(ﷺ) فاطمة يف شط ٍيل ‪ ،‬وق ْربشة‪ ،‬وو ادة أ ششدم ‪ ،‬ح وها ْ‬
‫وهكذا كانت حياهتم يف اية البس ـ ـ ــاطة بعيدةً عن التعقيد‪ ،‬وهي إىل ش ـ ـ ــظف العيش أقرب‬

‫(‪ )1‬احلطش ِميَّة من الدُّروي الثقيلة العريضة ‪ ،‬الَّيت تكسر ُّ‬


‫السيو ‪.‬‬
‫(‪ )2‬إ ناده حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬طيل قطيفة‪.‬‬
‫(‪ )4‬األدم اجللد‪.‬‬
‫(‪ )5‬إذخر نبات لت رائلة عطرية‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.267‬‬
‫‪751‬‬
‫منها إىل ر ده(‪ ،)1‬والق َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـة التالية تصـ ـ ـ ـ ــور لنا حال ال َّس ـ ـ ـ ـ ـيدة فاطمة‪ ،‬وتعبها‪ ،‬وموقف ر ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) منها عندما طلبت إليت أن يعطيها خادماً من ال َّس ـ ْب‪ ،‬فقد جاء يف مســند المام أحد‬
‫«قال علي لفاطمةش ذات ٍ‬
‫يوم وهللا! لقد ش ـنشـ ْوت(‪ )2‬حض لقد اشــتكيت هللاــدرأ‪ ،‬قال وجاء هللا‬
‫حض جملت يدأ(‪ .)4‬فأتيت‬ ‫طلْنت َّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫أابك بس ـ ـ ـ ٍب‪ ،‬فاذهب‪ ،‬فا ـ ــتهدميت ‪ ،‬فقالت أان وهللا قد ش‬
‫ت أن تسألت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أأ ب ــنش ـيَّة؟!» قالت جئت أل لم عليك‪ ،‬وا ْ تش ْليش ْ‬
‫َّب(ﷺ) فقال «ما جاء بك ْ‬ ‫الن َّ‬
‫ورجعت‪ ،‬فقال ما ِ‬
‫فعلت؟ قالت ا ْ تش ْليشـْيت أن أ ألت‪ ،‬فأتينا يعاً‪ ،‬فقال علي َي ر ول هللا!‬
‫حض جملت يداأ‪ ،‬وقد‬‫حض اش ـ ــتكيت هللا ـ ــدرأ‪ ،‬وقالت فاطمة قد طلنت َّ‬ ‫وهللا! لقد ـ ــنوت َّ‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬
‫جاءك هللا بسـ ـ ـ ـ ٍب‪ ،‬و ـ ـ ــعة‪ ،‬فأخدمنا‪ ،‬فقال ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «وهللا! ح أ ْعطيكما‪ ،‬وأدي ش‬
‫ص ـ ـ ـفة تطو (‪ )5‬بطو‪،‬م‪ ،‬ح أجد ما أنفق عليهم‪ ،‬ولك ِ أبيعهم‪ ،‬وأنفق عليهم أشا‪،‬م»‪ ،‬فرجعا‪،‬‬ ‫ال ُّ‬
‫َّب(ﷺ) وقد دخال يف قطيفتهما‪ ،‬إذا طت ريو ـ ـ ـ ــهما‪ ،‬تك ـ ـ ـ ــفت أقدامهما‪ ،‬وإذا‬ ‫فأاتلا الن ُّ‬
‫طَّيا أقدامهما تك ــفت ريو ــهما‪ ،‬فثارا‪ ،‬فقال «مكانكما»‪ ،‬مثَّ قال «أح أخربكما ري اا‬
‫منيهن جربيل عليت الس ـ ــالم‪ ،‬فقال «تسـ ـ ـبِل ِ‬
‫ان يف‬ ‫ـ ــألتماين؟» قاح بل ! فقال «كلمات علَّ َّ‬
‫ش ش‬
‫كل هللا ــالةٍ ع ـ ـراً‪ ،‬وحتمدان ع ـ ـراً‪ ،‬وتكربان ع ـ ـراً‪ ،‬وإذا أويتما إىل فراش ــكما فس ــبلا ثالاثً‬
‫دبر ِ‬
‫وثالث ‪ ،‬واحدا ثالاثً وثالث ‪ ،‬و ِ‬
‫كربا أربعاً وثالث » [أمحد (‪.)6(])107 - 106/1‬‬

‫َّبوأ يف تربية أهل بيتت‪ ،‬وأقرابئت‪ ،‬فلقد أخفقت مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعي ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيدة‬
‫وهكذا كان ايدأ الن ُّ‬
‫ص ـالة والســالم‬
‫ب يريد ‪ -‬عليت ال َّ‬ ‫َّ‬
‫وعلي ر ــي هللا عنهما لللصــول عل خادم ألن ال َّس ـ ْ ش‬
‫فاطمة‪ٍ ،‬‬
‫هللاـة ر ــول‬ ‫صـفَّة الَّذين َّ‬
‫يتلوون من اجلوي‪ ،‬فهم أيضـاً من خا َّ‬ ‫‪ -‬أن يبيعت‪ ،‬وينفق شنت عل أهل ال ُّ‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪.255‬‬ ‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬


‫(‪ )2‬نوت ا تقيت‪.‬‬
‫(‪ )3‬أأ ا أليت خادماً‪.‬‬
‫(‪ )4‬جملت يدأ ثهن جلدها ‪ ،‬وتع ر‪.‬‬
‫(‪ )5‬تطو طو من اجلوي فهو طا ٍو ‪ ،‬أأ خاس البطن ‪ ،‬جائع ‪ ،‬ركل‪.‬‬
‫ِ‬
‫البهارأ ‪ ،‬كتاب فرض اخلمس ‪ ،‬رقم (‪.)3113‬‬ ‫الرابين ‪ ،‬رقم (‪ ، )90‬وأهللال هذا احلديث يف‬
‫(‪ )6‬الفت َّ‬
‫‪752‬‬
‫علي‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬والطَّعام مقدَّم عل اخلدمة(‪ ،)1‬ولقد أتثر علي ر ـ ــي هللا عنت هبذه‬
‫هللا(ﷺ) مثل ٍ‬
‫الايمن ابلفض علي‪ ،‬فيصب خليفةش اَّسلم ‪ ،‬فَذا بت من آاثر هذه ال بية ي فَّع‬
‫مير َّ‬
‫ال َّ بية النَّبويَّة‪ ،‬و ُّ‬
‫عن الدُّنيا وزخارفها‪ ،‬وبيده كنوز األرض‪ ،‬وخرياهتا ألن ذكر هللا مي قلبت‪ ،‬وي مر وجوده‪ ،‬ولقد‬
‫حافم عل وهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّة ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) لت‪ ،‬وقد حدَّثنا عن ذلك‪ ،‬فقال فوهللا ما تركته َّن م نذ‬
‫منيهن‪ ،‬فسألت أحد أهللالابت وح ليلة هللاف ؟! فقال وح ليلة ِ‬
‫هللاف (‪!)2‬‬ ‫علَّ َّ‬
‫وكان كما وهللافـ ـ ــت رار بـ ـ ــن مرة يف جملس معاويـ ـ ــة «‪ ...‬يستوحش من الدُّنيا‪ ،‬وزهرهتا‪،‬‬
‫كفت‪ ،‬وخياط نفس ـ ــت‪،‬‬ ‫الع ْ شربة‪ ،‬طويل الفكرة‪ ،‬يقلِ َّ‬
‫ويس ـ ــتأنس ابللَّيل‪ ،‬وظلمتت‪ ،‬كان وهللا! اي شير ش‬
‫يع بت من اللباس ما قصر‪ ،‬ومن الطَّعام ما شج ِ ش (‪.)4(»....)3‬‬

‫***‬

‫ال َّ بية القياديَّة (‪.)100/3‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫الصلابة (‪.)159/8‬‬
‫الهللاابة يف َتيياي َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫وخ شن‪.‬‬
‫م مأكلت ‪ ،‬ش‬ ‫ما شل ش‬ ‫(‪ )3‬اجلش ش‬
‫هللافة الصفوة ‪ ،‬حبن اجلوزأ (‪.)84/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪753‬‬
‫الفصل التَّاسع‬
‫ٍ (‪)1‬‬
‫غزوة أُحد‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫أحداث ما قبل املعركة‬

‫أوالً‪ :‬أسباب ال زوة‪:‬‬


‫احقتصادأ‪ ،‬وا ِ‬
‫لسيا ُّي‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫احجتماعي‪ ،‬و‬ ‫أحد متعدد ًة منها ِ‬
‫الدي ُّ‪ ،‬و‬ ‫كانت أ باب ايوة ٍ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫السب الدي ُّ‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫أن اَّ ــرك ينفقون أموايم يف الص ـ ِـد عن ــبيل هللا‪ ،‬وإقامة‬
‫وجل ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫قد أخرب اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫ومْن ِع النَّاس من الدُّخول يف ال ـ ــالم‪ ،‬وال َّس ـ ـعي للقض ـ ــاء عل‬ ‫العقبات أمام الدَّعوة ال ـ ــالميَّة‪ ،‬ش‬
‫ين شك شفروا يـْن ِفقو شن أ ْشم شوا شي ْم لِيشص ُّدوا شع ْن‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ال الم‪ ،‬واَّسلم ‪ ،‬ودولتهم الناشئة‪ .‬قال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫ين شك شفروا إِ شىل شج شهن شَّم ْ ش ـ ـ ـ ـرو شن﴾‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ فش شس ـ ـ ـ ـيـْن ِفق ش‬
‫ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫و‪،‬شا مثَّ تشكون شعلشْيه ْم شح ْس ـ ـ ـ ـشرًة مثَّ يـ ْلشبو شن شوالذ ش‬
‫[األنفال‪.]36 :‬‬

‫قال الطَّ ُّ‬


‫ربأ «يصرفون أموايم‪ ،‬وينفقو‪،‬ا ليمنعوا النَّاس عن الدُّخول يف ال الم»(‪.)2‬‬

‫ليصدوا عن اتِباي طريق احل ِق»(‪.)3‬‬


‫ُّ‬ ‫وقال ابن كث ٍري «أخرب تعاىل َّ‬
‫أن الكفار ينفقون أموايم‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )3‬يف الصفلة (‪.)747‬‬


‫(‪ )2‬انظر ايوة ٍ‬
‫أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري يذه ا ية‪.‬‬
‫‪754‬‬
‫الص ُّد عن بيل‬ ‫وقال ال َّوكاينُّ «واَّعىن َّ‬
‫أن رض هؤحء الكف ـ ـ ـ ـ ـ ــار يف إنفاق أموايم‪ ،‬هو َّ‬
‫ِ‬
‫احلق‪ ،‬مبلاربة ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬و ع اجليوش لذلك»(‪.)1‬‬

‫الدي ُّ الَّذأ كان من أهدا‬ ‫أحد‪ ،‬هو ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـب ِ‬


‫أن أهم أ ـ ـ ـ ـ ـ ــباب ايوة ٍ‬
‫من هذا يظهر َّ‬
‫احلق‪ ،‬ومنع النَّاس من الدُّخول يف ال ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وحماربة‬‫ص ـ ـ ـ ـ ِد عن ـ ـ ـ ــبيل هللا واتِباي طريق ِ‬ ‫قر ٍ‬
‫يش لل َّ‬
‫الر ول(ﷺ)‪ ،‬والقضاء عل الدَّعوة ال الميَّة (‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫االجتماعي‪:‬‬
‫ي‬ ‫السبب‬
‫‪َّ - 2‬‬
‫كان للهايمية الكبرية يف بد ٍر‪ ،‬وقتل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـادة‪ ،‬واألش ـ ـ ـ ـ ـ ـرا من قر ٍ‬
‫يش‪ ،‬شوقْع كبري من اخلايأ‪،‬‬
‫ص شار جهدهم يف سل‬ ‫والعار الَّذأ حلق هبم‪ ،‬وجعلهم ي عرون ابَّذلَّة‪ ،‬وايايمية ولذلك بذلوا ق ش‬
‫هذه ِ‬
‫الذلَّة‪ ،‬واَّهانة‪ ،‬الَّيت لص ـ ــقت هبم ولذلك ش ـ ــرعوا يف ع اَّال حلرب ر ـ ــول هللا(ﷺ) فور‬
‫عودهتم من بد ٍر‪.‬‬

‫قال اب ــن إ لاق «َّا أهللاي يوم ب ــد ٍر من كف ــار قريش أهللالاب ال شقلي ‪ ،‬ورجع فشـلُّهم إىل‬
‫مكةش‪ ،‬ورجع أبو ــفيان بِعِ ِريهِ‪ ،‬فأوقفها بدار النَّدوة ‪ -‬وكذلك كانوا يصــنعون ‪ ،-‬فلم ِركها‪ ،‬وح‬‫َّ‬
‫عبد هللا بن‬ ‫َّفرقها‪ ،‬فطابت أن ـ ـ ــفس أشرافهم أن ِ‬
‫جيهايوا منها جي اً لقتال ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬م‬
‫العاي ‪ ،‬وهللا ـ ـ ــفوان بن‬
‫أيب ربيعة‪ ،‬وعكرمة بن أيب جهل‪ ،‬واحلارث بن ه ـ ـ ــام‪ ،‬وحويط بن عبد َّ‬
‫أميَّة يف ٍ‬
‫رجال من قريش اَّن أهللاــي اابيهم‪ ،‬وأبنايهم‪ ،‬وإخوا‪،‬م يوم بد ٍر‪ ،‬فكلَّموا أاب ــفيان بن‬
‫حممداً قد‬
‫إن َّ‬ ‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬ومن كانت ل ـ ـ ـ ــت يف تل ـ ـ ـ ــك العري من قري ـ ـ ـ ــش دارة‪ ،‬فقالوا َي مع شر قريش! َّ‬
‫وتشـشرك ْم(‪ ،)3‬وقتل خياركم فأعينوان هبذا اَّال عل حربت‪ ،‬فلعلَّنا ندرك منت أثران مبن أهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب منا‪،‬‬
‫فقال أبو فيان أان أول من أجاب إىل ذلك»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري فت القدير يذه ا ية‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّـة ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫يمت ‪ ،‬وأدركت مبكروهٍ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وتشـر فالانً قش ِ‬
‫تل شح ش‬
‫ش‬ ‫شش‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)68/3‬‬
‫‪755‬‬
‫ودعا جبش ْري بـ ــن مطْعم الماً لت حب ياً‪ ،‬يقال لت شو ْح ي‪ ،‬يقذ حبربـ ــة لـ ــت قش ْذ ش احلب ة‪،‬‬
‫عم حم َّم ـد ِ‬
‫بعمي ط شعْيم ـةش بن‬ ‫قلَّمــا خيطئ هبــا‪ ،‬فقــال لــت اخرً مع النـَّاس‪ ،‬فــَن أنــت قتلــت حاية َّ‬
‫عدأ‪ ،‬فأنت عتيق(‪.)1‬‬‫ٍ‬

‫ي‪:‬‬
‫السبب االقتصاد ي‬
‫‪َّ - 3‬‬
‫ش‪ ،‬وفر ت‬ ‫الدولة ال الميَّة‪ ،‬قد أثَّرت عل اقتصاد قري ٍ‬ ‫السراَي الَّيت تقوم هبا َّ‬
‫كانت حركة َّ‬
‫ص ـيف رحلة‬ ‫اَّك ُّي قائماً عل رحليت ال ِ ـتاء‪ ،‬وال َّ‬
‫عليهم حص ــاراً اقتص ــادَيً قوَيً‪ ،‬وكان احقتص ــاد ِ‬
‫الصيف إىل ال َّ ام‪ ،‬حتمل إليها‬ ‫ال ِ تاء إىل اليمن‪ ،‬وحتمل إليها بضائع ال َّام‪ ،‬وحماهللايلها‪ ،‬ورحلة َّ‬
‫الرحلت ــر لل نا ا خر َّ‬
‫ألن دارشهتم‬ ‫أحد جناحي هات ِ‬ ‫حماهللاــيل اليمن‪ ،‬وبضــائعها‪ ،‬وقشطْع ِ‬

‫لع ال َّام(‪.)2‬‬ ‫لع اليمن‪ ،‬ودارهتم إىل اليمن قائمة عل‬ ‫إىل ال َّ ام قائمة عل‬

‫ب شه شذا‬
‫ف ۝ فشـ ْليشـ ْعبدوا شر َّ‬ ‫ش ۝ إِيالشفِ ِه ْم ِر ْحلشةش ال ِ ـ ـ ـتش ِاء شوال َّ‬
‫صـ ـ ـْي ِ‬ ‫قال تعاىل ﴿ ِليالش ِ قـشريْ ٍ‬
‫خو ٍ ﴾ [قريش‪. ]4 - 1 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ۝ الَّ ِذأ أشطْ شع شمه ْم ِم ْن ج ٍ‬
‫وي شو شآمنشـه ْم م ْن ش‬
‫الْبـي ِ‬
‫شْ‬
‫وي ـ ــري إىل هذا قول هللا ـ ــفوان بن أميَّة « َّ‬
‫إن حممداً‪ ،‬وأهللا ـ ــلابت قد عوزوا علينا متاجران‪ ،‬فما‬
‫الساحل‪ ،‬قد وادعهم(‪ ،)3‬ودخل َّ‬
‫عامتهم معت‪ ،‬فما‬ ‫ندرأ كيف نصنع أبهللالابت‪ ،‬وهم ح يربحون َّ‬
‫ندرأ أين نس ـ ـ ـ ـ ـ ــلك‪ ،‬وإن أقمنا أنكل ريوس أموالنا‪ ،‬وحنن يف دَيران هذه‪ ،‬ما لنا هبا بقاء‪ ،‬و َّإجا‬
‫نايلناها عل التِ ارة إىل ال َّام يف الصيف‪ ،‬ويف ال ِ تاء إىل احلب ة»(‪.)4‬‬

‫ياسي‪:‬‬
‫الس ي‬‫السبب ِّ‬
‫‪َّ - 4‬‬

‫أخذت ـ ــيادة قريش يف اح‪،‬يار بعد ايوة بد ٍر‪ ،‬وتايعايي مركايها ب القبائل بوهللاـ ــفها زعيمةً‬
‫ٍ‬
‫جهود‪ ،‬وم ـ ٍ‬
‫ـال‬ ‫ي ــا‪ ،‬فال ب ـ َّـد من ِرد احعتب ــار‪ ،‬واحلف ــا عل زع ــامته ــا مهم ــا كلَّفه ــا األمر من‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)79/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ )3‬وادعهم أأ هللااحلهم ‪ ،‬و اَّهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬
‫اقدأ (‪ 195/1‬ـ ‪.)196‬‬
‫‪756‬‬
‫و لاَي‪.‬‬

‫أهم األ ــباب الَّيت جعلت قري ـاً تبادر إىل اَّواجهة العس ــكريَّة ـ َّـد َّ‬
‫الدولة ال ــالميَّة‬ ‫هذه ُّ‬
‫ابَّدينة(‪.)1‬‬
‫اثنياً‪ :‬خروج قريش من َّ‬
‫مكة إىل املدينة‪:‬‬

‫ا ـ ـ ــتكملت قريش قواها يف يوم ال َّس ـ ـ ـبت‪ ،‬لس ـ ـ ــبع خلون من ش ـ ـ ـوال‪ ،‬من ال َّس ـ ـ ـنة الثَّالثة من‬
‫اَّكون من ثالثة اح مقاتل‪ ،‬مس ــتص ــلب معهم النِس ــاء‪ ،‬والعبيد‪،‬‬ ‫شت جي ــها َّ‬‫وعبَّأ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫اي رة ‪ ،‬ش‬
‫حبدها‪ ،‬وحديدها وأحابي ـ ـ ـ ـ ـ ــها(‪ ،)3‬ومن‬ ‫ومن تبعها من القبائل العربيَّة اااورة‪ ،‬فهرجت قريش ِ‬
‫شْ‬
‫يفروا‪.‬‬
‫التماس احلفيظة لئال ُّ‬
‫ش‬ ‫تبعها من كنانةش وأهل هتامة‪ ،‬وخرجوا ابلظُّعن(‪،)4‬‬
‫فهرً أبو ــفيان ‪ -‬وهو قائد النَّاس ‪ٍ -‬‬
‫هبند بنت عتبة بن ربيعةش(‪ ،)5‬وخرً هللاــفوان بن أميَّة‬
‫أبم حكي ٍم بنت احلارث بن‬ ‫ـعود الثَّقفية‪ ،‬وخرً عكرمة بن أيب جهل ِ‬ ‫بن خلف بِربزشة بنت مس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ش ْش‬
‫ه ـ ـ ـ ــام بن اَّ رية‪ ،‬وخرً احلارث بن ه ـ ـ ـ ــام بن اَّ رية بفاطمةش بنت الوليد بن اَّ رية(‪ ،)6‬فأقبلوا‬
‫السبهة من قناة‪ ،‬عل شفري الوادأ اَّا يلي اَّدينة(‪.)7‬‬
‫حض نايلوا ببطن َّ‬
‫َّ‬
‫عاية عمرو بن عبد‬ ‫توىل كِ ْ شربشها أبو َّ‬
‫كانت التَّعبئة القرش ـيَّة قد ــبقتها حلة إعالميَّة ــهمة‪َّ ،‬‬
‫الايبعر ‪ ،‬وقـد َّ‬
‫حققــت نتــائت كبريًة(‪،)8‬‬ ‫اَّهايومي‪ ،‬وابن ِ‬
‫ُّ‬ ‫هللا اجل شم ِل ُّي‪ ،‬وعمرو بن العــاص‪ ،‬وهبرية‬
‫وبل ت النَّفقات احلربيَّة جليش قريش طس ألف دينا ٍر ذهباً(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫اقدأ (‪.)199/1‬‬ ‫(‪ )2‬البداية والنهاية (‪ ، )11/4‬واَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬
‫(‪ )3‬األحابيش شم ِن اجتمع إىل العرب ‪ ،‬و َّ‬
‫انضم إليهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬الظُّعن النِساء ‪ ،‬واحدهتا ظعينة ‪ ،‬والظَّعينة اَّرأة يف ايودً‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر الهللاابة (‪ ، )346/8‬رقم (‪.)11860‬‬
‫(‪ )6‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)70/3‬‬
‫(‪ )7‬انظر ايوة أحد ‪ ،‬درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫(‪ )8‬انظر ايوة أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )9‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪757‬‬
‫اثلثاً‪ :‬االستخبارات النَّبويَّة تتابع حركة ِّ‬
‫العدو‪:‬‬

‫كان العبَّاس بن عبد اَّطل ‪ ،‬يرق حركات قريش‪ ،‬وا ــتعداداهتا العســكريَّة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما حترك‬
‫َّب(ﷺ) ‪َّ ،‬منها يع تفصيالت اجليش‪ ،‬وأ ري‬ ‫هذا اجليش بعث العباس ر الةً عاجلةً إىل الن ِ‬
‫حض إنَّت قطع الطريق ب َّ‬
‫مكة واَّدينة ‪ -‬الَّيت‬ ‫وج َّد يف ال َّس ـ ـ ـري َّ‬ ‫ر ـ ـ ــول العبَّاس نبالغ ِ‬
‫الر ـ ـ ــالة‪ ،‬ش‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وهو يف مس د‬ ‫تبل مسافتها طسمئة كيلو م اً ‪ -‬يف ثالثة أَيم‪ ،‬و ش لَّم ِ‬
‫الر الة إىل الن ِ‬ ‫ش‬
‫قباء(‪.)1‬‬
‫كان النَّب(ﷺ) يتابع أخبار قريش بدقٍَّة بوا ـ ـ ـ ـ ـ ــطة ِ‬
‫عمت العبَّاس‪ .‬قال ابن عبد ِ‬
‫الرب «وكان‬ ‫ُّ‬
‫يتقوون بت َّ‬
‫مبكة‪،‬‬ ‫ر ـ ــي هللا عنت يكت أخبار اَّ ـ ــرك إىل ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وكان اَّس ـ ــلمون َّ‬
‫أن مقامك يف َّ‬
‫مكة‬ ‫ُّ أن يقدم عل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فكت إليت ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) َّ‬ ‫وكان‬
‫خري»(‪.)2‬‬

‫كانت اَّعلومات الَّيت قدَّمها العبَّاس لر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) دقيقةً فقد جاء يف ر ـ ـ ـ ـ ــالتت « َّ‬
‫إن‬
‫توجهوا إليك‪ ،‬وهم‬ ‫ـري إليك‪ ،‬فما كنت هللاــانعاً إذا حلُّوا بك فاهللاــنعت‪ ،‬وقد َّ‬
‫قري ـاً قد أ عت اَّسـ ش‬
‫من‬ ‫(‪) 3‬‬
‫بع ٍري‪ ،‬وأوعبوا‬ ‫ثالثـ ــة اح ‪ ،‬وقـ ــادوا مئيت فرس‪ ،‬وفيهم ـ ـ ـ ـ ـ ــبعمئـ ــة داري‪ ،‬وثالثـ ــة اح‬
‫السال »(‪.)4‬‬‫ِ‬

‫الرسالة على أموٍر َّ‬


‫مومة؛ منوا‪:‬‬ ‫وقد احتوت هذه ِّ‬

‫‪ - 1‬معلومات مؤَّكدة عن ُّ‬


‫حترك َّقوات اَّ رك حنو اَّدينة‪.‬‬

‫‪ - 2‬ح م اجليش‪ ،‬وقــدراتــت القتــاليَّـة‪ ،‬وهــذا يع عل و ـ ـ ـ ـ ـ ــع خطَّـ ٍة تواجــت هــذه َّ‬
‫القوات‬

‫الرحيق اَّهتوم ‪ ،‬للمباركفورأ ‪ ،‬ص ‪.250‬‬


‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫(‪ )2‬انظر اح تيعاب يف معرفة األهللالاب (‪.)812/2‬‬
‫(‪ )3‬أوعبوا خرجوا قميع ما عندهم من ِ‬
‫السال ‪.‬‬
‫اقدأ (‪.)204/1‬‬‫(‪ )4‬انظر م ازأ الو ِ‬
‫‪758‬‬
‫الاياحفة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ص عل أن تكون معلومــات ـت عن‬ ‫ِ‬
‫َّب(ﷺ) مبعلومــات اَّهــابرات اَّكيَّـة بــل شحشر ش‬
‫يكتف الن ُّ‬
‫الايمن‪ ،‬ويف هذا إرشاد لقادة اَّسلم ‪ِ ،‬‬
‫أبليَّة متابعة األخبار الَّيت‬ ‫هذا ِ‬
‫العدو مت ددةً مع تالحق َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يتولَّد عنها و ع خطا‪ ،‬وا اتي يَّات انفعة ولذلك أر ل(ﷺ) احلبش ش‬
‫اب بن اَّنذر بن اجلمو‬
‫وحايشر(‪ )1‬شع شد شده‪ ،‬وع شد شده‪ ،‬ورجع‪ ،‬فسـألت ر ـول‬ ‫يش يسـتطلع اخلرب‪ ،‬فدخل ب جيش َّ‬
‫مكة‪ ،‬ش‬ ‫إىل قر ٍ‬
‫أيت؟» قال رأيت َي ر ـ ــول هللا! عدداً‪ ،‬حايرهتم ثالثة اح ياييدون قليالً‪ ،‬أو‬
‫هللا(ﷺ) «ما ر ش‬
‫أيت‬
‫فرس‪ ،‬ورأيت دروعاً ظاهرة حايرهتا ـ ـ ــبعمئة درٍي‪ ،‬قال «هل ر ش‬ ‫ينقص ـ ـ ــون قليالً‪ ،‬واخليل مئتا ٍ‬
‫معهن ِ‬
‫الدفا ‪ ،‬واألكبار(‪ ،)2‬فقال ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «أ ششرْد شن أن‬ ‫ظعناً؟» قال رأيت النِس ـ ـ ـ ـ ـ ــاء َّ‬
‫ِر ْ ـ ـ شن القوم‪ ،‬وي شذكِْرش‪ْ ،‬م قتل بد ٍر‪ ،‬هكذا جاءين خربهم‪ ،‬ح تذكر من ش ــأ‪،‬م حرفاً‪ ،‬حس ــبنا هللا‬
‫ونعم الوكيل‪ ،‬اللَّهم! بك أجول‪ ،‬وبك أهللاول»(‪.)3‬‬

‫ياها(‪)5‬قد قاربت‬ ‫صـتان(‪ )4‬أخبار قر ٍ‬


‫يش‪ ،‬فشأشلْ شف ش‬ ‫كما أر ــل(ﷺ) أنسـاً‪ ،‬ومؤنسـاً اب فشضــالة يشـتشـنش َّ‬
‫اَّدينة‪ ،‬وأر لت شخْيـلشها‪ ،‬وإبلشها ترع زروي يثرب اَّيطة هبا‪ ،‬وعادا‪ ،‬فأخرباه رب القوم(‪.)6‬‬

‫ص(ﷺ) عل حص ـ ـ ـ ـ ـ ــر تلك اَّعلومات عل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــتو‬ ‫وبعد أن َّ‬


‫أتكد من اَّعلومات شحشر ش‬
‫القيادأ خوفاً من أن يؤثِر هذا اخلرب عل معنوَيت اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم قبل إعداد العدَّة ولذلك ح‬
‫ِ‬
‫الرأأ‬
‫يب بن كع ر الة العبَّاس أمره(ﷺ) بكتمان األمر‪ ،‬وعاد مسرعاً إىل اَّدينة‪ ،‬وتبادل َّ‬
‫قرأ أ ُّ‬
‫مع قادة اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار يف كيفية مواجهة اَّوقف‪ ،‬وكان(ﷺ) قد أطلع يِد األنصار ش‬
‫عد‬
‫الربيع عل خرب ر الة العبَّاس فقال وهللا! ِإين ألرجو أن يكون خرياً‪ ،‬فا تكتمت َّإَيه فل ـ ـ ـ َّـما‬
‫بن َّ‬

‫(‪ )1‬شحشايشر ال َّيء قدَّره ابلتَّهم ‪.‬‬


‫(‪ )2‬األكبار ع شكرب ‪ ،‬وال شكرب هو الطَّبل الَّذأ لت وجت واحد‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر م ازأ الواقدأ (‪ 207/1‬ـ ‪.)208‬‬
‫ت تش شس َّم شع‪.‬‬‫صش‬
‫(‪ )4‬تشـنش َّ‬
‫وج شده ‪ ،‬وهللاادفت‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ألفاه ش‬
‫ِ‬
‫(‪ )6‬انظر السرية النَّبوية ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)187/2‬‬
‫‪759‬‬
‫ـعد قالت لت امرأتت ما قال لك ر ـ ــول هللا؟ فقال يا ح َّأم‬ ‫خرً ر ـ ــول هللا(ﷺ) من عند ـ ـ ٍ‬

‫الر ــول(ﷺ) ‪ ،‬فا ـ ـ جع‬ ‫فأخ ششربتْت مبا أ ش ـ ـَّر بت َّ‬


‫لك! أنت وذاك‪ .‬فقالت قد مسعت ما قال لك! ْ‬ ‫ِ‬

‫ــعد‪ ،‬وقال َي ر ــول هللا! ِإين خفت أن يف ــو اخلرب‪ ،‬ف ِأين أان اَّف ــي لت وقد ا ْ ـتشكْتش ْمتش‬
‫َّإَيه‪ ،‬فقال ر ول هللا(ﷺ) « ِ‬
‫خل عنها»(‪.)1‬‬

‫ويف هذه احلادثة‪ ،‬درس ابل للعس ـ ـ ـ ـ ــكريِ ‪ ،‬وحتذير يم من إطالي زوجاهتم عل أ ـ ـ ـ ـ ـ ـرارهم‬
‫العسكريَّة‪،‬‬

‫األمة‪،‬‬ ‫ألن إف اءها ِ‬


‫يهدد َّ‬ ‫وخططهم‪ ،‬وأوامرهم‪ ،‬وينب ي احلذر من إف اء مثل هذه األ رار َّ‬
‫ومستقبلها بكار ٍثة كرب ‪.‬‬

‫إن اتري األمم وال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعوب يف القد ‪ ،‬واحلديث ِدثنا َّ‬


‫أن كثرياً من ايايائ ِم‪ ،‬واَّا ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪،‬‬ ‫َّ‬
‫واححم‪ ،‬قد حلَّت بكث ٍري من األمم نتي ة لتس ـ ـ ـ ـ ُّـرب أ ـ ـ ـ ـ ـرار اجليوش إىل أعدائها عن طريق ٍ‬
‫زوجة‬ ‫ش‬
‫هللاديق‪ ،‬أو قري ٍ يف الظَّاهر عدو يف احلقيقة‪ ،‬والواقع(‪.)2‬‬
‫خائنة‪ ،‬أو خائ ٍن يف ثوب ٍ‬ ‫ٍ‬

‫رابعاً‪ :‬مشاورته(ﷺ) ألصحابه رضي هللا عنوم‪:‬‬


‫بعد أن ع(ﷺ) اَّعلومات الكاملة عن جيش كفَّار قر ٍ‬
‫يش‪ ،‬ع أهللالابت ر ي هللا عنهم‪،‬‬
‫َّب(ﷺ)‬‫صـ ـن فيها‪ ،‬أو اخلروً َّالقاة اَّ ــرك ‪ ،‬وكان رأأ الن ِ‬ ‫وش ــاورهم يف البقاء يف اَّدينة والتَّل ُّ‬
‫البقاء يف اَّدينة‪ ،‬وقال « َّإان يف جنَّة حص ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـينة‪ ،‬فَن رأيتم أن تقيموا‪ ،‬وتش شدعوهم حيث نايلوا‪ ،‬فَن‬
‫أقاموا أقاموا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر م ٍ‬
‫قام‪ ،‬وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها»(‪ )3‬وكان رأأ عبد هللا بن أ ِيب بن‬
‫ــلول مع رأأ ر ــول هللا(ﷺ) (‪ ،)4‬إح َّ‬
‫أن رجاحً من اَّس ــلم اَّن فاتتهم بدر قالوا َي ر ــول‬
‫هللا! اخرً بنا إىل أعدائنا‪.‬‬

‫السرية احللبية (‪.)489/2‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫ايوة أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫اتري الطَّربأ (‪.)60/2‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ايوة أحد درا ة دعويَّـة ‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪760‬‬
‫قــال ابن كثري «وأىب كثري من النـَّاس إح اخلروً إىل العـ ِ‬
‫ـدو‪ ،‬و يتنــاهوا إىل قول ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬ورأيت‪ ،‬ولو ر ـ ـ ـ ـوا ابلَّذأ أمرهم كان ذلك‪ ،‬ولكن ل القض ـ ـ ــاء والقدر‪َّ ،‬‬
‫وعامة شم ْن‬
‫أشار عليت ابخلروً رجال ي هدوا بدراً‪ ،‬قد علموا الَّذأ بق ألهل بد ٍر من الفضيلة»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن إ ــلاق فلم ِ‬
‫يايل النَّاس بر ــول هللا(ﷺ) الَّذين كان من أمرهم ح ُّ لقاء القوم‪،‬‬
‫نب هللا(ﷺ) أبم ٍر‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ألمتشت ‪ ،‬فتالوم القوم فقالوا عرض ُّ‬
‫حض دخل ر ـ ـ ـول هللا(ﷺ) بيتت‪ ،‬فلبس ش‬
‫َّ‬
‫لنب هللا(ﷺ) «أمران ألمرك تشـبشع»‪ ،‬فأت حاية‪ ،‬فقال لت‬
‫وعر ـ ــتم ب ريه‪ ،‬فاذه َي حاية! فقل ِ‬
‫لنب إذا‬ ‫نب هللا! َّ‬
‫إن القوم تالوموا‪ ،‬فقالوا أمران ألمرك تبع‪ ،‬فقال ر ول هللا(ﷺ) «إنَّت ليس ٍ‬ ‫َي َّ‬
‫[أمحد (‪ ، )351/3‬وعبد الرزاق يف املصنف (‪ 364/5‬ـ ـ ـ ‪ ، )365‬وابن‬ ‫حض يقاتل»‬
‫لبس ألمتت أن يضعها َّ‬
‫سعد (‪ ، )38/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)208/3‬وجممع الزوائد (‪.)3(])107/6‬‬

‫أي َم ْن ير اخلروج إىل خارج املدينة مبنيَّاً على أموٍر؛ منوا‪:‬‬


‫كان ر ُ‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬فكان‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫أن األنصـ ـ ـ ـ ــار قد تعاهدوا يف بيعة العقبة الثَّانية‪ ،‬عل نصـ ـ ـ ـ ــرة َّ‬
‫أن اَّكوث داخل اَّدينة‪ ،‬تقاعس عن الوفاء هبذا العهد‪.‬‬ ‫أ لبهم ير َّ‬
‫أحق من األنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ِ‬
‫ابلد فاي عن اَّدينة‪،‬‬ ‫األقلية من اَّهاجرين‪ ،‬كانت تر َّأ‪،‬ا ُّ‬
‫أن َّ‬ ‫‪َّ - 2‬‬
‫ومها ة قريش‪ ،‬و ِ‬
‫هللادها عن زروي األنصار‪.‬‬

‫أن الَّذين فاتتهم ايوة بدر كانوا َّ‬


‫يتلرقون ش ـ ـ ـ ـ ـ ــوقاً من أجل مالقاة األعداء طمعاً يف‬ ‫‪َّ - 3‬‬
‫احلصول عل ال َّهادة يف بيل هللا‪.‬‬
‫أن يف حماهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــرة قر ٍ‬
‫يش للمدينة‪ ،‬ظفراً جي أح شْحتلم بت‪ ،‬كما‬ ‫أن األكثرين كانوا يشـشرْو شن َّ‬
‫‪َّ - 4‬‬
‫أن وقت احلصار يطول أمده‪ ،‬فيصب اَّسلمون مهدَّدين بقطع اَّؤن عنهم(‪.)4‬‬ ‫توقَّعوا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)14/4‬‬


‫(‪ )2‬ألمة احلرب عدَّهتا‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة حبن ه ام (‪.)71/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر ايوة أحد ‪ ،‬ألحد عاي ال ِدين ‪ ،‬ص ‪ 51‬ـ ‪.52‬‬
‫‪761‬‬
‫احلرب اآليت‪:‬‬
‫بين على التَّخطيط ِّ‬
‫َّأما رأي َم ْن ير البقاء يف املدينة فوو م ٌّ‬
‫موح شد العناهللا ــر وبذلك يس ــتليل عل هذا اجليش البقاء زمناً‬ ‫إن جيش َّ‬
‫مكةش يكن َّ‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫طويالً إذ َّ‬
‫حبد من ظهور اخلال بينهم‪ .‬إن عاجالً‪ ،‬أو اجالً‪.‬‬
‫إن مها ة اَّدن اَّص ـ ـ ـ َّـممة عل ِ‬
‫الدفاي عن حيا ـ ـ ــها‪ ،‬وقالعها‪ ،‬وبيض ـ ـ ــتها أمر بعيد‬ ‫‪َّ - 2‬‬
‫أحد مت اهباً‪.‬‬‫السال عند كِال اجلي ‪ ،‬وقد كان يوم ٍ‬ ‫اَّنال وخصوهللااً إذا ت ابت ِ‬

‫فَ‪،‬م يس ـ ـ ـ ـ ــتبس ـ ـ ـ ـ ــلون يف ِ‬


‫الدفاي عن أبنائهم‪ ،‬وحاية‬ ‫إن اَّدافع إذا كانوا ب أهليهم َّ‬
‫‪َّ - 3‬‬
‫نسائهم‪ ،‬وبناهتم‪ ،‬وأعرا هم‪.‬‬

‫‪ - 4‬م اركة النِساء‪ ،‬واألبناء يف القتال‪ ،‬وبذلك يتضاعف عدد اَّقاتل ‪.‬‬

‫‪ - 5‬ا تهدام اَّدافع أ للةً يا أثر يف هللافو األعداء مثل األح ار و ريها‪ ،‬وتكون‬
‫يف متناويم(‪.)1‬‬ ‫إهللاابة اَّها‬

‫حض‬
‫عود أهللالابت عل التَّصري ابرائهم عند م اورتت يم َّ‬ ‫الر ول(ﷺ) ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أن َّ‬ ‫من الوا‬
‫ولو خالفت رأيت‪ ،‬فهو َّإجا ي ــاورهم فيما ح َّ‬
‫نص فيت تعويداً يم عل التَّفكري يف األمور الع َّامة‪،‬‬
‫الرأأ‪ ،‬و دث أن حم‬
‫األمة‪ ،‬فال فائدة من اَّ ورة إذا تق ن حبرية إبداء َّ‬
‫ومعاجلة م كالت َّ‬
‫فَن األخذ ابل ُّور م ْل ِايم‬ ‫الر ول(ﷺ) أحداً ألنت أخطأ يف اجتهاده‪ ،‬و يوفَّق يف رأيت‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) التَّوجيت القرآين ﴿فشبِما ر ْح ٍة ِمن َِّ ِ‬ ‫فالبد أن يطبِق َّ‬ ‫لإلمام‪َّ ،‬‬
‫ت شي ْم شولش ْو كْن ش‬ ‫اَّلل لْن ش‬ ‫ش شش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فشظًّا شلِي ش‬
‫ت‬‫اعف شعْنـه ْم شوا ْ ـتشـ ْف ْر شي ْم شو شش ـا ِوْره ْم ِيف األ ْشم ِر فشَِ شذا شعشايْم ش‬
‫ك فش ْ‬ ‫ض ـوا ِم ْن شح ْول ش‬
‫م الْ شق ْل ِ حشنْـ شف ُّ‬
‫األمة عل اار ــة ال ُّ ـور ‪،‬‬ ‫اَّللش ِ ُّ الْمتشـ شوكِلِ ش ﴾ [آل عمران‪ ]159 :‬لتعتاد َّ‬ ‫اَّللِ إِ َّن َّ‬
‫فشـتشـ شوَّك ْل شعلش َّ‬
‫الرأأ‪ ،‬إح أنَّت‬ ‫أن يم إبداءش َّ‬ ‫ص ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم ‪ ،‬فر م َّ‬ ‫وهنا يظهر الوعي ال ِس ـ ـيا ـ ـ ُّـي عند ال َّ‬
‫ليس يم فر ت عل القائد‪ ،‬فلسبهم أن يبينوا رأيهم‪ ،‬وي كوا للقائد حرية اختيار ما ي َّج لديت‬

‫للرشيد ‪ ،‬ص ‪.374‬‬


‫(‪ )1‬انظر القيادة العسكريَّة ‪َّ ،‬‬
‫‪762‬‬
‫من احراء‪ ،‬فل ـ ـ ـ َّـما رأوا َّأ‪،‬م أحلوا يف اخلروً‪ ،‬و َّ‬
‫أن الر ول(ﷺ) عايم عل اخلروً بسب إحلاحهم‪،‬‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول الكر (ﷺ) علَّمهم در ـ ـ ـ ـ ـ ـاً آخر هو من هللاـ ـ ـ ـ ـ ــفات القيادة‬
‫عادوا فاعتذروا إليت‪ ،‬لكن َّ‬
‫فَن ذلك يايعايي الثِقة هبا‪ ،‬وي رس‬ ‫النَّاجلة‪ ،‬وهو عدم ال ُّدد بعد العايمية وال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـروي يف التنفيذ‪َّ ،‬‬
‫ب األتباي(‪.)1‬‬ ‫الفو‬

‫َّب(ﷺ) ق ــد عايم عل اخلروً‪ ،‬وق ــد أعلن ح ــال ــة الطَّوارئ الع ــا َّمـ ـة‪َّ ،‬‬
‫ودهاي اجلميع‬ ‫ك ــان الن ُّ‬
‫حض عند نومت‪ ،‬وأمر(ﷺ)‬ ‫ضـ ـ ـ ْوا ليلتهم يف حذ ٍر كل يص ـ ــل ـ ــالحت‪ ،‬وح يفارقت َّ‬ ‫للقتال‪ ،‬وأ ْشم ش‬
‫حممد بن مسلمة ر ي هللا‬
‫حبرا ة اَّدينة‪ ،‬واختار طس من أشدَّاء اَّسلم ‪ ،‬وحماربيهم بقيادة َّ‬
‫اهتم الصــلابة حبرا ــة ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فبات ــعد بن معاذ‪ ،‬وأ ش ـْيد بن حضـري‪ ،‬و ــعد‬ ‫عنت‪ ،‬و َّ‬
‫صـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ــي هللا عنهم ليلة اجلمعة‪ ،‬م شد َّج ِ ش ابل ِسـ ـ ـ ـال عل ابب‬
‫بن عبادة‪ ،‬يف عدَّةٍ من ال َّ‬
‫اَّس د‪ ،‬ر ون ر ول هللا(ﷺ) (‪. )2‬‬
‫خامساً‪ :‬خروج جيش املسلمني إىل ٍ‬
‫أحد‪:‬‬

‫اَّهمة الَّيت َّاهذها(ﷺ) َّالقاة أعدائت اختياره لوقت ُّ‬


‫التلرك‪ ،‬والطَّريق‬ ‫أ ‪ -‬من األ ـ ـ ـ ـ ـ ــباب َّ‬
‫اجلو هادائً‪ ،‬واحلركة قليلة‪ ،‬ويف‬ ‫حترك بعد منتص ـ ــف اللَّيل‪ ،‬حيث يكون ُّ‬
‫اليت تنا ـ ـ خطَّتت‪ ،‬فقد َّ‬
‫ابلذات يكون األعداء ‪ -‬الباً ‪ -‬يف ٍ‬
‫نوم عميق َّ‬
‫ألن العياء‪ ،‬وم ـ ـ ـ ــقَّة ال َّس ـ ـ ـ ـ ـفر قد‬ ‫هذا الوقت َّ‬
‫أخذا منهم جمهوداً كبرياً‪.‬‬

‫ثقيل النَّوم‪ ،‬فال ي عر ابألهللاوات العالية‪ ،‬واحلركة‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬


‫أن شم ْن انم بعد تع يكون ش‬ ‫ومن اَّعرو‬
‫اقدأ ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬وانم ر ــول هللا(ﷺ) حض أدجل‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان يف ال َّسـ ـ شلر‬
‫الثَّقيلة‪ .‬قال الو ُّ‬
‫قال «أين األدحَّء؟(‪.)4(»)3‬‬

‫الصليلة (‪.)380/2‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬


‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪ 34‬ـ ‪.35‬‬
‫(‪ )3‬الدَّليل اَّرشد‪ .‬واجلمع أدحَّء‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للواقدأ (‪.)217/1‬‬
‫‪763‬‬
‫مثَّ إنَّت ( هللاــل هللا عليت و ــلم ) اختار الطَّريق اَّنا ـ الَّذأ يســلكت َّ‬
‫حض يصــل إىل أرض‬
‫حض ح ير األعداء جيش‬‫اَّعركة‪ ،‬وذكر هللا ـ ـ ــفةً ينب ي أن تتوافر يف هذا الطَّريق‪ ،‬وهي ال ِسـ ـ ـ ـ ِريَّة‪َّ ،‬‬
‫اَّسلم ‪ ،‬فقال ( هللال هللا عليت و لم ) ألهللالابت « شم ْن رجل خيرً بنا عل القوم ِم ْن شكثش‬
‫ٍ (‪)1‬‬

‫ول هللا!‬
‫مير بنا عليهم؟»‪ ،‬فأبد أبو خيثمة ر ي هللا عنت ا تعداده قائالً أان َي ر ش‬ ‫من طريق ح ُّ‬
‫مال لربعي بن قشـْيظ ٍي ‪ -‬ويف رواية ابن‬ ‫حض ــلك بت يف ٍ‬ ‫فنفذ بت يف شحَّرةِ ب حارثة وب أموايم‪َّ ،‬‬
‫يظي ‪ ،-‬وكان رجالً منافقاً رير البصر‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أحس بر ول هللا(ﷺ) ومن‬
‫ه ام َّربع بن قش ٍ‬
‫حل لك‬
‫ول هللا فال أ ُّ‬
‫كنت ر ـ ـ ـ ـ ش‬
‫معت من اَّس ـ ـ ــلم ‪،‬قام ثي يف وجوههم ال ُّ اب‪ ،‬وهو يقول إن ش‬
‫أن تدخل حائطي‪.‬‬
‫وقد ذكر أنَّت أخذ حفنةً من تر ٍ‬
‫اب بيده‪ ،‬مثَّ قال وهللا! لو أعلم ِأين ح أهللاي هبا ريك َي‬
‫حممد! لضـ ـربت هبا وجهك‪ ،‬فابتدره القوم ليقتلوه‪ ،‬فقال(ﷺ) ح تقتلوه فهذا األعم أعم‬
‫القل أعم البصـ ـ ـ ــر‪ ،‬وقد ب شدر إليت ـ ـ ـ ــعد بن ز ٍ‬
‫يد أخو ب عبد األشـ ـ ـ ــهل(‪ )2‬قبل ‪،‬ي ر ـ ـ ـ ــول‬ ‫شش‬
‫هللا(ﷺ) عنت‪ ،‬فض ـ ـ ـ ـربت ابلقوس يف رأ ـ ـ ــت‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـ َّ ت‪[ .‬الواقدي يف امل ازي (‪ ،)218/1‬والطربي يف اترخيه‬
‫(‪ ،)506/2‬وابن هشام (‪.])69/3‬‬

‫أن مروره ( هللال هللا عليت و لم ) ب األش ار‪ ،‬والبسات ‪ ،‬يدلُّنا عل حرهللات‬
‫وح شك يف َّ‬
‫ألن الطُّرق‬
‫( هللا ــل هللا عليت و ــلم ) عل األخذ ابححتياطات األمنيَّة اَّنا ــبة يف أثناء ال َّس ـري َّ‬
‫فالر ــول(ﷺ) علَّم َّ‬
‫األمة‬ ‫العامة تك ــف ل عداء عن مقدار َّقوات اَّســلم ‪ ،‬وهذا أمر حمذور‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫األخذ ِ‬
‫ابلس ِريَّة من حيث اَّكان‪ ،‬ومن حيث َّ‬
‫الايمان لئال يستطيع األعداء معرفة َّقواهتم‪ ،‬فيضعوا‬
‫اخلطا اَّنا بة ااهبتها‪ ،‬وبذلك يذه تنظيم القادة‪ ،‬وإعدادهم جليوشهم يف مه ِ ا ِلرَي ‪.‬‬

‫هللاـ ـ ـة‪ ،‬إذا تعار ـ ــت‬


‫العامة عل اَّص ـ ــللة اخلا َّ‬
‫ويف هذا اخلرب تطبيق عملي لتقد اَّص ـ ــللة َّ‬
‫ظي‪ ،‬وترتَّ عل ذلك‬
‫مر ابجليش يف أرض اَّنافق مربع بن قشـْي ٍ‬
‫فالر ول(ﷺ) حينما َّ‬
‫اَّصللتان َّ‬

‫(‪ )1‬الكث يقال رماه من كث ٍ ق ٍ‬


‫رب ‪ ،‬و ُّ‬
‫َتك ٍن‪.‬‬
‫(‪ )2‬بنو عبد األشهل حي من األنصار‪.‬‬
‫‪764‬‬
‫ألن يف ذلك مص ـ ـ ـ ــللة اجليش ابختص ـ ـ ـ ــار الطَّريق إىل أ ٍ‬
‫حد‪،‬‬ ‫مر و يعبأ بذلك َّ‬ ‫إفس ـ ـ ـ ــاد اَّايرعة َّ‬
‫للدين مقدَّم عل ما ـ ـواه من اَّص ــاأ‬ ‫أن ما يكون بت مصـ ــللة ِ‬ ‫فب َّ ( هللا ــل هللا عليت و ــلم ) َّ‬
‫هللا ـة‪ ،‬ومصــللة ِ‬
‫الدين يف هذا‬ ‫عامة‪ ،‬ومصــللة خا َّ‬
‫األخر ‪ ،‬فهنا تعار ــت مصــللتان مصــللة َّ‬
‫اخلاهللاة‪ ،‬وهي مصللة اَّال(‪.)1‬‬
‫عامة‪ ،‬وهي مقدَّمة عل اَّصللة َّ‬
‫اَّوقف مصللة َّ‬
‫وقد رتَّ ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاري احلكيم مقاهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري يف حتقيق اَّنافع لعباده ِم ْن حفم دينهم‪،‬‬
‫طبق ترتي ٍ مع َّ ٍ فيما بينها(‪ ،)2‬فَذا نظران إىل كلِيات‬ ‫ونفو ـ ـ ــهم‪ ،‬وعقويم‪ ،‬ونسـ ـ ــلهم‪ ،‬وأموايم‪ ،‬ش‬
‫الدين‪ ،‬والنَّفس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األليَّة ِ‬ ‫أن هذه الكلِيات ِ‬
‫متدرجة حس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫أليتها‪ ،‬وجدان َّ‬ ‫الدين اخلمس‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬

‫الدين مقدَّم عل ما يكون بت حفم النَّفس عند‬ ‫والعقل‪ ،‬والنَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬واَّال‪ ،‬فما يكون بت حفم ِ‬

‫تعـار ـ ـ ـ ـ ـ ــهمـا‪ ،‬ومـا يكون بـت حفم النَّفس مقـدَّم عل مـا يكون بـت حفم العقـل‪ ،‬ومـا يكون بت‬
‫حفم النَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــل مقدَّم عل ما يكون بت حفم اَّال‪ ،‬وال َّ تي هبذا ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكل من هذه الكلِيات‬
‫ظ ابتفاق العلماء(‪.)3‬‬

‫اعد‬ ‫اَّتعمق يف درا ـ ـ ـ ــة ال ِس ـ ـ ـ ـرية النَّبويَّة‪ ،‬وايدأ الن ِ‬


‫َّبوأ الكر قد ا ـ ـ ـ ــتنبطوا قو ش‬ ‫إن العلماء ِ‬
‫َّ‬
‫السالم‪،‬‬
‫اطب‪ ،‬والعُّاي بن عبد َّ‬‫اخلاهللاة ومنهم ال َّ ُّ‬
‫العامة عل اَّصللة َّ‬
‫مهمة يف تقد اَّصللة َّ‬ ‫َّ‬
‫ض ـابا يف ذلك التَّوازن ب اَّصــللة واَّفســدة‪ ،‬فما رِج منها لِ ‪،‬‬ ‫اطب «ال َّ‬
‫فقد قال ال َّ ـ ُّ‬
‫حمل إشــكال‪ .‬وخال ب العلماء قائم من مســألة اَنرام اَّنا ــبة تلايم راجلةً‬
‫وإن ا ــتوَي كان َّ‬
‫أو مساويةً»(‪.)4‬‬

‫الراجلة عل اَّرجوحة حممود حس ـ ــن‪ ،‬ودرء‬


‫العاي بن عبد ال َّسـ ـ ـالم «وتقد اَّص ـ ــاأ َّ‬
‫وقال ُّ‬
‫الراجلة عل اَّفا ـ ـ ـ ـ ــد اَّرجوحة حممود حس ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬اتَّفق احلكماء عل ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫اَّفا ـ ـ ـ ـ ــد َّ‬

‫أحد درا ة دعويَّة ص ‪.168‬‬‫ايوة ٍ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫وابا اَّصللة ‪َّ ،‬مد عيد رمضان البوطي ‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫اَّقاهللاد العامة لل َّ ريعة ‪ ،‬ليو ف حامد العا ‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫اَّوافقات ‪ ،‬لل َّ اطب (‪.)651/2‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪765‬‬
‫ا تعمل ال َّ جي عند عرفانت»(‪.)1‬‬ ‫الرت‬ ‫ِ‬
‫هري‪ ،‬وإن تفاوتت ُّ‬ ‫الرت‬
‫ال َّ رائع‪ ،‬فَن تساوت ُّ‬
‫وقال يف مو ع آخر «والضَّابا أنت مهما ظهرت اَّصللة اخلالية عن اَّفا د يسع يف‬
‫حتصيلها‪ ،‬ومهما ظهرت اَّفا د اخلالية عن اَّصاأ يسع يف درئها»(‪.)2‬‬

‫ب ‪ -‬انسحاب املنافق ابن سلول بثلث اجليش‪:‬‬

‫عندما وهللاــل جيش اَّســلم ال َّ ـ ْوط(‪ ،)3‬انســل اَّنافق ابن ــلول بثالشئة من اَّنافق ‪،‬‬
‫حب َّ ة أنَّت لن يقع قتال مع اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،‬ومع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً عل قرار القتال خارً اَّدينة‪ ،‬قائالً أطاي‬
‫(‪)4‬‬
‫الرئيس من‬
‫الولدان‪ ،‬ومن ح رأأ لت‪ ،‬أطاعهم‪ ،‬وعص ـ ـ ـ ــاين‪ ،‬عالم نقتل أنفس ـ ـ ـ ــنا؟! وكان هدفت َّ‬
‫العدو‪،‬‬
‫ـالمي‪ ،‬لتنهار معنوَيتت‪ ،‬ويت ـ َّ ع ُّ‬ ‫َّمرد‪ ،‬أن دث بلبلةً‪ ،‬وا ــطراابً يف اجليش ال ـ ِ‬
‫هذا الت ُّ‬
‫ض لإل ـ ــالم واَّس ـ ــلم ‪ ،‬وقد اقتض ـ ــت‬ ‫ٍ‬
‫خيانة عظم ‪ ،‬وبـ ْ ٍ‬ ‫وتعلو لَّتت‪ ،‬وعملت هذا ينطوأ عل‬
‫ا اَّهلص ابَّ ْرض‪،‬‬
‫حض ح خيتل ش‬
‫َّ‬ ‫حكمة هللا أن ِ‬
‫ميلص هللا اجليش ليظهر اخلبيث من الطَِّي‬
‫واَّؤمن ابَّنافق(‪.)5‬‬

‫يث ِم شن الطَّيِ ِ شوشما‬ ‫اَّلل لِيش شذ شر الْم ْؤِمنِ ش شعلش شما أشنْـت ْم شعلشْي ِت شح َّض شميِ شياي ْ‬
‫اخلشبِ ش‬ ‫قال تعاىل ﴿ شما شكا شن َّ‬
‫اَّلل لِيطْلِ شعك ْم شعلش الْ شْي ِ ﴾ [آل عمران‪.]179 :‬‬ ‫شكا شن َّ‬
‫فاجلب‪ ،‬والنُّكوص لا اللَّذان ك فا عن طوية اَّنافق ‪ ،‬فافتضلوا أمام أنفسهم وأمام النَّاس‬
‫يفضلهم القرآن(‪.)6‬‬
‫قبل أن ش‬
‫ج ‪ -‬موقف عبد هللا بن عمرو بن َح َرام من اخنذال املنافقني‪:‬‬

‫حاول عبد هللا بن حرام ر ـ ـ ــي هللا عنت إقناي اَّنافق ابلعودة‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فقال َي قوم! أذكِركم‬

‫(‪ )1‬انظر قواعد األحكام (‪ 6/1‬ـ ‪.)7‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست (‪.)47/1‬‬
‫(‪ )3‬ال َّوط ا م حائا ـ أأ بستان ـ ب اَّدينة ‪ ،‬وأحد‪ٍ.‬‬
‫(‪ )4‬انظر البداية والنِهاية (‪.)14/4‬‬
‫(‪ )5‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )6‬انظر مروَيت ايوة أحد ‪ ،‬حلس أحد ‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪766‬‬
‫هللا أح هــذلوا قومكم‪ ،‬ونبيَّكم عنــدمــا حض ـ ـ ـ ـ ـ ــر من عـ ِ‬
‫ـدوهم فقــالوا لو نعلم أنَّكم تقــاتلون َّــا‬
‫أ لمناكم‪ ،‬ولكنَّا ح نر أنت يكون قتال‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما ا تعصوا عليت‪ ،‬وأبوا إح احنصرا عنهم قال‬
‫هللا عنكم نبيَّت(‪.)1‬‬ ‫أبع شدكم هللا أعداءش هللا‪ ،‬فسي‬
‫اَّللِ‬
‫ان فشبِـَِ ْذ ِن َّ‬
‫اجلمعـ ِ‬
‫ويف هؤحء اَّنهــذل نايل قول هللا تعــاىل ﴿ شوشمـا أش ش‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابشك ْم يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫اَّللِ أش ِو ْادفشـعوا قشالوا لش ْو‬
‫يل شي ْم تشـ شعالش ْوا قشاتِلوا ِيف ش ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين شانفشـقوا شوق ش‬
‫شوليشـ ْعلش شم الْم ْؤمن ش ۝ شوليشـ ْعلش شم الذ ش‬
‫س ِيف قـلوهبِِ ْم‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍِ‬ ‫ِ‬
‫نشـ ْعلشم قتشـاحً حشتَّـبشـ ْعنشـاك ْم ه ْم ل ْلك ْفر يشـ ْوشمئـذ أشقْـشرب مْنـه ْم لإلميـشان يشـقولو شن أبشفْـ شواهه ْم شمـا لشْي ش‬
‫شعلشم ِمبشا يشكْتمو شن ﴾ [آل عمران‪.]167- 166 :‬‬ ‫اَّلل أ ْ‬
‫شو َّ‬

‫د ‪ -‬بنو سلمة‪ ،‬وبنو حارثة‪:‬‬

‫لكن هللا‬
‫ول ـ ـ َّـما رجع ابن أيب بن لول‪ ،‬وأهللالابت لَّت بنو لمةش‪ ،‬وبنو حارثة أن ترجعا‪ ،‬و َّ‬
‫ان ِمْنك ْم أش ْن تشـ ْف ش ـ ـ ـ ـ ـالش شو َّ‬
‫اَّلل‬ ‫ت طشائِشفتش ِ‬
‫ثبَّتهما‪ ،‬وعص ـ ـ ـ ــمهما‪ ،‬ويف ذلك نايل قولت ـ ـ ـ ــبلانت ﴿إِ ْذ شلَّ ْ‬
‫اَّللِ فشـ ْليشـتشـ شوَّك ـ ِل الْم ْؤِمنو شن ﴾ [آل عمران‪ ]122 :‬قــال جــابر بن عبــد هللا نايلــت هــذه‬ ‫شولِيُّـه شم ـا شو شعلش َّ‬
‫اَّلل شولِيُّـه شم ـا﴾‬‫ا يــة فينــا ‪ -‬ب ـ ـ ـ ـ ـ ــلمــة‪ ،‬وب حــارثــة‪ ،‬ومــا أح ـ ُّ أ‪ ،‬ـا تنايل‪ ،‬وهللا يقول ﴿ شو َّ‬
‫[آل عمران‪[ .]122 :‬البخاري (‪.])4051‬‬

‫لقـد أثَّر موقف اَّنـافق يف نفوس طـائفت من اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ففكروا يف العودة إىل اَّـدينـة‪،‬‬
‫ضـ ـ ـ ـعف الذأ أ َّ هبم‪ ،‬وانتص ـ ـ ــروا عل أنفس ـ ـ ــهم بعد أن توحَّهم هللا تعاىل‪ ،‬فدفع‬
‫ولكنَّهم البوا ال َّ‬
‫عنهم الوهن‪ ،‬فثبتوا مع اَّؤمن ‪.‬‬

‫الصلابة داه موقف ابن لول‬


‫وقد ظهر رأَين يف أو اط َّ‬
‫األول ير قتل اَّنافق الَّذين خذلوا اَّسلم بعودهتم‪ ،‬وان قاقهم عن اجليش‪.‬‬
‫َّ‬
‫الثَّاين ح ير قتلهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر هللالي ِ‬


‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪767‬‬
‫فِئشـتش ْ ِ شواَّلل‬ ‫ِِ‬
‫يف هذه ا ية ﴿فش شما لشك ْم ِيف الْمشنافق ش‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد ب القرآن الكر موقف الفريق‬
‫ش ـ ـ ـ ـ ـبِيالً ﴾‬ ‫ضـ ـ ـ ـ ـلِ ِل َّ‬
‫اَّلل فشـلش ْن شِد شد لشت‬ ‫أ ْشرشك شسـ ـ ـ ـ ـه ْم ِمبشا شك شسـ ـ ـ ـ ـبوا أشت ِريدو شن أش ْن شهتْدوا شم ْن أش ش ـ ـ ـ ـ ـ َّل َّ‬
‫اَّلل شوشم ْن ي ْ‬
‫[النساء‪.]88 :‬‬

‫هـ االستعانة ب ري املسلمني‪:‬‬

‫وجلشبشة‪،‬‬
‫عندما وهللا ـ ـ ــل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) إىل مكان يدع ال َّ ـ ـ ـيه ‪ ،‬رأ كتيبةً يا هللا ـ ـ ــوت ش‬
‫فقال ما هذه؟ فقالوا هؤحء حلفاء عبد هللا بن أيب بن ـ ـ ـ ـ ـ ــلول من يهود‪ ،‬فقال(ﷺ) «ح‬
‫الركون إىل‬
‫َّب(ﷺ) يف عدم ُّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نس ــتنص ــر أبهل ال ـ ـرك عل أهل ال ـ ـرك» وهذا أهللا ــل و ــعت الن ُّ‬
‫أعداء ال الم يف اح تنصار هبم(‪.)3‬‬

‫الصحابة لص ر سنِّوم‪:‬‬
‫َّب(ﷺ) بعض َّ‬
‫و ‪َ -‬ر يد الن ِّ‬

‫اعةً من الفتيان لص ـ ـ ر أعمارهم إذ كانوا يف ــن‬ ‫النب(ﷺ) يف معس ــكره ابل َّ ـ ـيه‬
‫رد ُّ‬‫َّ‬
‫الرابعة ع ــرة‪ ،‬أو دون ذلك منهم عبد هللا بن عمر‪ ،‬وزيد بن اثبت‪ ،‬وأ ــامة بن زيد‪ ،‬وزيد بن‬
‫َّ‬
‫أرقم‪ ،‬والرباء بن عازب‪ ،‬وأبو ـ ـ ــعيد اخلدرأ بل عددهم أربعة ع ـ ـ ــر هللاـ ـ ــبياً‪ ،‬وقد ثبت َّ‬
‫أن ابن‬
‫عمر كان منهم(‪ ،)4‬وأجاز منهم رافع بن خديت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قيل لت إ نَّت رٍام‪ ،‬فبل ذلك شمسشرشة بن‬
‫رىب‬ ‫ِ‬
‫اخلدرأ‪ ،‬وهو الذأ َّ‬ ‫عم أيب ــعيد‬ ‫مرأ بن ــنان بن ثعلبة ‪ِ -‬‬ ‫جْندب‪ ،‬فذه إىل زوً ِأمت ِ‬
‫وردين‪ ،‬وأان أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬ ‫شمسرة يف ِح ِره ‪ -‬يبكي ويقول لت َي ِ‬
‫أبت! أجاز ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) رافعاً‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ومسشرةش‪ ،‬فقال‬ ‫َّب(ﷺ) إىل رافع‪ ،‬ش‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وأخربه بذلك‪ ،‬فالتفت الن ُّ‬ ‫رافعاً‪ ،‬فذه زوً ِأمت إىل الن ِ‬
‫يما تصــارعا‪ ،‬فصــري مسرة رافعاً‪ ،‬فأجازه كما أجاز رافعاً‪ ،‬وجعلهما من جنده‪ ،‬وعســكر كتائبت‪،‬‬
‫و ٍ‬
‫لكل منهما جمالت‪ ،‬واختصاهللات(‪.)5‬‬

‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة الصليلة (‪.)382/3‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫َّمد عرجون (‪.)561/3‬‬
‫حممد ر ول هللا ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السرية النبوية الصليلة (‪.)383/2‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫حممد ر ول هللا (‪ 571/3‬ـ ‪.)572‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪768‬‬
‫ومسرة حمتيا ٍز عس ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـكرأ امتازوا بت عل أقرآ‪،‬ما‪،‬‬ ‫ونللم َّ‬
‫أن ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أجاز رافعاً‪ ،‬ش‬
‫السهام‪ ،‬وطعن ِ‬
‫الرما ‪،‬‬ ‫السيو ‪ ،‬ورمي ِ‬ ‫الس ِن خ ية أحَّ يكون يم هللارب عل رب ُّ‬ ‫ورد هللا ار ِ‬
‫َّ‬
‫فيفروا من اَّعركة إذا حي الوطيس(‪ ،)1‬في ْل ِدث فرارهم خلهلةً يف هللافو اَّسلم (‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫حض‬
‫ـت ابحلركة‪ ،‬ويسـ ــع لل َّ ـ ـهادة‪ ،‬شـ ــيوخاً‪ ،‬وش ـ ـباابً َّ‬
‫ـالمي يضـ ـ ُّ‬ ‫ونللم َّ‬
‫أن ااتمع ال ـ ـ َّ‬
‫ـالة‪ ،‬ور ٍبة يف ال َّ ـ ـهادة‪ ،‬تبعث عل الدَّه ـ ــة‪ ،‬دون أن جيربهم‬ ‫الصـ ــبيان يقبلون عل اَّوت ببسـ ـ ٍ‬
‫يدل عل أثر اَّنهت النَّ ِ‬
‫بوأ الكر ‪،‬‬ ‫قانون التَّ نيد‪ ،‬أو تدفع هبم قيادة إىل ميدان القتال‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫األمة ِ‬
‫اَّتعددة‪ ،‬عل ح ِ ا خرة‪ ،‬وال فُّع عن أمور الدُّنيا‪.‬‬ ‫يف تربية شرائ َّ‬

‫سادساً‪ :‬خطَّة َّ‬


‫الرسول(ﷺ) ملواجوة كفار َّ‬
‫مكة‪:‬‬

‫يش حيث اختار اَّوقع‬ ‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) خطَّةً حمكمةً َّواجهة اَّ ـ ـ ـ ــرك من قر ٍ‬
‫أ ‪ -‬شو ش ـ ـ ـ ـ ـ شع َّ‬
‫ورد من يكن هللا ـ ــاحلاً‪ ،‬واختار طس ـ ـ ـ منهم ِ‬
‫للرماية‪،‬‬ ‫اَّنا ـ ـ ـ ‪ ،‬وانته شم ْن يص ـ ــل للقتال‪َّ ،‬‬
‫وشــدَّد الوهللاـيَّة عليهم‪ ،‬وقام بتقســيم اجليش إىل ثالث كتائ ‪ ،‬وأعط اللِواء ألحد أفراد الكتيبة‪،‬‬
‫وهذه الكتائ هي‬

‫‪ - 1‬كتيبة اَّهاجرين وأعط لواءها مصع بن عم ٍري ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫‪ - 2‬كتيبة األوس من األنصار وأعط لواءها أ يد بن حض ٍري ر ي هللا عنت‪.‬‬

‫‪ - 3‬كتيبة اخلايرً من األنصار وأعط لواءها احلباب بن اَّنذر ر ي هللا عنت(‪.)3‬‬

‫ب ‪ -‬وكان من هديت(ﷺ) أن ِرض أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت عل قتال األعداء‪ ،‬و ثَّهم عل التَّللِي‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـرب يف ميادين القتال‪ ،‬لكي تتقو روحهم اَّعنويَّة‪ ،‬ويصـ ـ ـ ـ ــمدوا عند مالقاة أعدائهم‪ ،‬ومن‬
‫ابل َّ‬
‫اقدأ «مثَّ قام ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فهط النَّاس‬ ‫ذلك ما فعلت يوم أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬ويف ذلك يقول الو ُّ‬

‫(‪ )1‬حي الوطيس اشتدت احلرب‪.‬‬


‫حممد ر ول هللا (‪ 571/3‬ـ ‪.)572‬‬‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪769‬‬
‫«َي أيها الناس! أوهللاــيكم مبا أوهللاــاين هللا يف كتابت من العمل بطاعتت‪ ،‬والتَّناهي عن حمارمت‪،‬‬
‫مثَّ إنَّكم اليوم مبنايل أج ٍر‪ ،‬وذ ْخ ٍر َّن ذكر الَّذأ عليت‪ ،‬مثَّ وطَّن نفس ـ ـ ــت لت عل ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ـرب‪ ،‬واليق ‪،‬‬
‫فَن جهاد العدو شديد كربت‪ ،‬قليل من يصرب عليت إح من عايم هللا رش شده‪َّ ،‬‬
‫فَن‬ ‫و ِ‬
‫اجلد‪ ،‬والنَّ اط‪َّ ،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـرب عل اجلهاد‪،‬‬ ‫هللا مع شم ْن أطاعت‪َّ ،‬‬
‫وإن ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطان مع شم ْن عص ـ ـ ـ ـ ـ ــاه‪ ،‬فافتتلوا أعمالكم ابل َّ‬
‫التمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا بــذلــك مــا وعــدكم هللا‪ ،‬وعليكم ابلَّـذأ امركم فـ ِـَين حريص عل رش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدكم‪ ،‬ف ـ َّ‬
‫َن‬ ‫و ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعف‪ ،‬اـَّا ح ـ ُّ هللا‪ ،‬وح يعطي عليــت‬
‫احختال ‪ ،‬والتَّنــازي‪ ،‬والتَّثبيا‪ ،‬من أمر الع اي‪ ،‬وال َّ‬
‫النَّصر‪ ،‬وح الظَّفر»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫أهداف؛ منوا‪:‬‬ ‫ويتَّضح من هذه اخلُطبة َّ‬
‫عدةُ‬
‫ِ‬
‫اجلد‪ ،‬والنَّ اط يف ميدان اجلهاد‪.‬‬ ‫احلث عل‬
‫‪ُّ - 1‬‬

‫الصرب عند قتال األعداء‪.‬‬


‫احلث عل َّ‬
‫‪ُّ - 2‬‬

‫‪ - 3‬بيان مساوئ احختال ‪ ،‬والتَّنازي(‪.)2‬‬

‫إن هذا ايدأ اَّبارك الَّذأ ش ـ ـنَّت ( هللاـ ــل هللا عليت و ـ ــلم ) يعلِمنا حقائق اثبتةً‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫اجليوش مهما عظم تس ـ ـ ـ ـ ـ ــليلها‪ ،‬وتنظيمها‪َّ ،‬‬
‫فَن ذلك ح ي ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً إح إذا حلتت نفوس قويَّة‪،‬‬
‫حترص عل اَّوت أش ـ ـ ـ َّـد ِم ْن حرهللا ـ ـ ــها عل احلياة‪ ،‬وهذا يكون بتعبئة اجلنود ابَّوعظة والتَّوجيت‪،‬‬
‫و رس ح ِ اجلهاد‪ ،‬وال َّهادة يف نفو هم‪.‬‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ِ‬
‫ألية جبل أحد حلماية جيش اَّسـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬فعندما وهللا ـ ـ ــل جيش‬ ‫ً ‪ -‬أدرك َّ‬
‫ظهورهم إىل اجلبل‪ ،‬ووجوههم إىل اَّدينة‪ ،‬وانتق‬
‫الر ـ ــول(ﷺ) ش‬ ‫اَّس ـ ــلم إىل جبل أحد جعل َّ‬
‫الرماة حتت إمرة عبد هللا بن جبش ٍْري(‪ ،)3‬وو ــعهم فوق جبل شعين اَّقابل جلبل أحد‪،‬‬
‫طسـ ـ من ُّ‬

‫اقدأ (‪ 221/1‬ـ ‪.)222‬‬ ‫(‪ )1‬انظر م ازأ الو ِ‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪ ،‬ص ‪.469‬‬
‫(‪ )2‬انظر القيادة العسكريَّة يف عهد َّ‬
‫(‪ )3‬انظر الهللاابة (‪.)278/2‬‬
‫‪770‬‬
‫حض مينع التفا جيش اَّ ــرك حول جيش اَّســلم ‪ ،‬وأهللاــدر أوامره إليهم قائالً «إن‬ ‫وذلك َّ‬
‫القوم‪،‬‬ ‫رأيْـتموان شهطشف نا الطَّري فال تشربحوا مكانشكم هذا َّ‬
‫حض أر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شـل إليكم‪ ،‬وإن رأيتموان هايمنا ش‬
‫حض أ ْر ل إليكم» [البخاري (‪ ،)3039‬وأمحد (‪ ،)293/4‬وأبو داود (‪.])2662‬‬
‫ش‬ ‫وأوطشأْ شانهم فال تشْربحوا َّ‬
‫يقاتلن أحد ح َّض امره‬
‫حض أوذنكم»‪ ،‬وقال «ح َّ‬
‫وقال ر ول هللا(ﷺ) لل يش «ح تربحوا َّ‬
‫ابلقتال»‪.‬‬

‫اخليل عنا ابلنـَّْبل ح رتوان ِم ْن شخلفنا‪ ،‬واثبت مكانك إن كانت‬


‫الرماة «انض ـ ِ ش‬ ‫وقال ألمري ُّ‬
‫لنا‪ ،‬أو علينا» [الطربي يف اترخيه (‪ ،)507/2‬والواقدي يف امل ازي (‪ ،)225/1‬والبيوقي يف الدالئل (‪،)227/3‬‬

‫للرمــاة «الايموا مكــانكم‪ ،‬ح تربحوا منــت‪ ،‬فــَذا رأيتموان ‪ِ ْ،‬ايمه ْم َّ‬
‫حض‬ ‫وابن هشـ ـ ـ ـ ـ ــام (‪ .])70/3‬وقــال ُّ‬
‫ن ــدخ ــل عس ـ ـ ـ ـ ـ ــكرهم فال تف ــارقوا مك ــانكم‪ ،‬وإن رأيتموان نقت ــل فال ت يثوان‪ ،‬وح ت ــدفعوا عنَّ ـا‪،‬‬
‫هم‬ ‫وارش ـ ـ ـ ـ ــقوهم ابلنـَّْبل َّ‬
‫فَن اخليل ح تقدم عل النَّبل‪ ،‬إان لن نايال الب ما مكثتم مكانكم‪ ،‬الل َّ‬
‫ِإين أشهدك عليهم»(‪.)1‬‬
‫يطر اَّسلمون عل اَّرتفعات‪ ،‬وتركوا الوادأ جليش َّ‬
‫مكة ليواجت أحداً‪ ،‬وظهره إىل اَّدينة‪،‬‬
‫الرماة يف النقاط التالية احتالل اَّوقع‪ ،‬حاية اَّســلم من اخللف‪ ،‬هللاـ ُّـد اخليل‬
‫مهمة ُّ‬
‫وأهللاــبلت َّ‬
‫عن اَّسلم (‪.)2‬‬

‫ص ـفو ‪ ،‬وتنظيم اجليش تقدَّم ر ــول هللا(ﷺ) أهللاــلابت‪ ،‬وهللاـ َّـفهم عل هيئة‬
‫د ‪ -‬تســوية ال ُّ‬
‫صـ ـفو ‪ِ ،‬‬
‫ويبوئ‬ ‫صـ ـالة ‪ ،‬وجعل ر ــول هللا(ﷺ) مي ــي عل رجليت‪ ،‬يس ـ ِـوأ تلك ال ُّ‬
‫هللا ــفو ال َّ‬
‫حض ا ـ ـ ـ ـ ـ ــتوت‬ ‫أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ــاب ــت للقت ــال‪ ،‬يقول تق ــدَّم َي فالن! وأتخر َي فالن! فهو ِ‬
‫يقومهم‪َّ ...‬‬
‫الصفو األشداء لكي يفتلوا الطَّريق‬ ‫الصفو (‪ ،)3‬فو ع ( هللال هللا عليت و لم ) يف ِ‬
‫مقدمة ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ ،‬وتعبيتت للقتال) ‪ ،‬وفت البارأ شر حديث رقم‬ ‫(‪ )1‬انظر السرية احللبية (‪ ، )496/2‬وانظر رية ابن ه ام (نايول الر ول (ص) ابل ع‬
‫ربأ (‪.)507/2‬‬ ‫الرحيق اَّهتوم (خطة الدفاي) ‪ ،‬واتري الطَّ ِ‬
‫(‪ ، )4043‬و َّ‬
‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )3‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للواقدأ (‪.)219/1‬‬
‫‪771‬‬
‫الر ول(ﷺ) هبذا األ لوب ألنَّت أبل يف قتال األعداء(‪.)1‬‬
‫َّن خلفهم‪ ،‬وقد أخذ َّ‬
‫ربأ «ف عل ظهره‪ ،‬وعس ـ ـ ـ ـ ـ ــكره إىل ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫ه ‪ -‬عدم القتال إح أبم ٍر من القائد قال الطَّ ُّ‬
‫حض أنمره ابلقتال»(‪.)2‬‬
‫يقاتلن أحد َّ‬
‫وقال ح َّ‬
‫مهمة‪ ،‬وهي توحيد القيادة واَّسؤوليَّة ألنَّت(ﷺ) أدر ابَّصللة‪.‬‬
‫ويف هذا التَّوجيت فائدة َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬مد فرً ‪ ،‬ص ‪ 355‬ـ ‪.356‬‬
‫(‪ )1‬انظر العبقرية العسكريَّة يف ايوات َّ‬
‫ربأ (‪.)507/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر اتري الطَّ ِ‬
‫‪772‬‬
‫املبحث الثَّاين‬
‫(‪)1‬‬
‫يف قلب املعركة‬

‫أوالً‪ :‬بدء القتال واشتداده‪ ،‬وبوادر االنتصار للمسلمني‪:‬‬


‫يف بداية القتال‪ ،‬حاول أبو فيان أن ي ِ‬
‫وج شد شرخاً‪ ،‬وتصدُّعاً يف جبهة اَّسلم اَّتما كة‪،‬‬
‫فأر ـ ـ ـ ــل إىل األنص ـ ـ ـ ــار يقول «خلُّوا بيننا وب ابن ِ‬
‫عمنا‪ ،‬فننص ـ ـ ـ ــر عنكم‪ ،‬فال حاجة بنا إىل‬ ‫ش‬
‫فردوا عليت مبا يكره(‪.)2‬‬‫قتالكم» ُّ‬
‫ول ـ َّـما ف لت اَّاولة األوىل جلأت قريش إىل حماو ٍلة أخر ‪ ،‬عن طريق ٍ‬
‫عميل خائن من أهل‬
‫الراه أن يسـتايل بعض األنصـار‪ ،‬فقال‬
‫الراه ‪ ،‬حيث حاول أبو عامر َّ‬
‫اَّدينة‪ ،‬وهو أبو عامر َّ‬
‫َي مع ـ شـر األوس! أان أبو عامر! قالوا فال أنعم هللا بك عيناً َي فا ــق! فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما مسع رَّدهم عليت‬
‫قال لقد أهللااب قومي بعدأ شر‪ ،‬مثَّ قاتلهم قتاحً شديداً‪ ،‬ورماهم ابحل ارة(‪.)3‬‬

‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬وطللةش بن عثمان حامل لواء‬ ‫ِ‬ ‫وبدأ القتال مببارزةٍ ب‬
‫حد‪ ،‬يقول هللا ـ ـ ـ ـ ــاح ال ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـرية احللبية خرً طللة بن عثمان‪ ،‬وكان بيده لواء‬‫اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك يوم أ ٍ‬
‫ـلاب حممد! إنَّكم تايعمون َّ‬
‫أن‬ ‫اَّ ـ ــرك ‪ ،‬وطل اَّبارزة مراراً‪ ،‬فلم خيرً إليت أحد‪ ،‬فقال َي أهللاـ ـ ش‬
‫هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يع لنا بسيوفكم إىل النَّار‪ ،‬ويع لكم بسيوفنا إىل اجلنَّة‪ ،‬فهل أحد منكم يع ل‬
‫علي بن أيب طال ٍ ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪،‬‬
‫بسـ ـ ـ ــيفت إىل النَّار‪ ،‬أو أع لت بسـ ـ ـ ــيفي إىل اجلنَّة؟ فهرً إليت ُّ‬
‫فقال لت علي ر ــي هللا عنت والَّذأ نفســي بيده! ح أفارقك حض يع لك هللا بســيفي إىل النَّار‪،‬‬
‫أو يع ل بس ــيفك إىل اجلنَّة‪ ،‬فض ـ ـربت علي فقطع ِر ْجلشت‪ ،‬فوقع عل األرض‪ ،‬فانك ــفت عورتت‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر ال كل (‪ )4‬يف الصفلة (‪.)748‬‬


‫(‪ )2‬انظر إمتاي األمساي ‪ ،‬للمقريايأ (‪.)120/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪ ، )192/2‬و رية ابن ه ام (أمر أيب عامر الفا ق)‪.‬‬
‫‪773‬‬
‫فكرب ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪.‬‬‫الرحم! فرجع عنت‪ ،‬و جيهاي عليت‪َّ ،‬‬ ‫عمي! أن ـ ـ ـ ـ ــدك هللا‪ ،‬و َّ‬ ‫فقال َي بن ِ‬
‫الرحم ح‬ ‫إن ابن ِ‬
‫عمي انش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدين َّ‬ ‫لعلي أفال أجهايت عليــت؟! قــال َّ‬‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــابــة ٍ‬
‫وقــال بعض ال َّ‬
‫انك فت عورتت‪ ،‬فا تلييت منت(‪.)1‬‬

‫والتلم اجلي ــان‪ ،‬واشـ َّ‬


‫ـتد القتال‪ ،‬وشــري ر ــول هللا(ﷺ) ي ــلذ لم أهللاــلابت‪ ،‬ويعمل عل‬
‫كل إنسـ ـ ــان منهم‬ ‫رفع معنوَيهتم‪ ،‬وأخذ ـ ـ ــيفاً‪ ،‬وقال « شم ْن رخذ م ِ هذا؟» فبسـ ـ ــطوا أيديهم‪ُّ ،‬‬
‫ـأح ش شم القوم‪ ،‬فقــال ِمسشـاك بن شخشر ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةش أبو‬ ‫ِ‬
‫يقول أان‪ ،‬أان‪ .‬قــال «فمن رخــذه حبقـت؟» قــال فـ ْ‬
‫حض ينل »‪ ،‬قال أان اخذه ِ‬
‫حبقت‪.‬‬ ‫العدو َّ‬
‫ول هللا؟! قال «أن تضرب بت َّ‬ ‫د شجانة وما حقُّت َي ر ش‬
‫فدفعت إليت وكان رجالً ش اعاً خيتال عند احلرب ‪ -‬أأ مي ي م ية ِ‬
‫اَّتكرب ‪ ،-‬وح رآه ر ول‬
‫صـ ـ ـ َّف ِ قال « َّإ‪،‬ا َّ ـ ــيشة يب ض ـ ــها هللا إح يف مثل هذا اَّوطن»‪ ،‬وأخذه‪،‬‬
‫هللا(ﷺ) يتبه ب ال َّ‬
‫[أمحـد (‪ ،)123/3‬ومس ـ ـ ـ ـ ــلم (‪ ،)2470‬واحلـاكم (‪ ،)556/3‬والبيوقي يف الـدالئل‬ ‫ـام اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك‬
‫وفلق بــت هـ ش‬
‫(‪.])232/3‬‬

‫حد‪ ،‬قال وجدت يف نفس ــي ح‬ ‫العوام يص ــف لنا ما فعلت أبو دجانة يوم أ ٍ‬ ‫الايبري بن َّ‬
‫وهذا ُّ‬
‫عمتِت‪ِ ،‬‬
‫وم ْن‬ ‫ف‪ ،‬فمنعنيت وأعطاه أاب دجانة‪ ،‬وقلت أان ابن هللا ــفيَّة َّ‬ ‫ــألت ر ــول هللا(ﷺ) ال َّسـ ـْي ش‬
‫َّ‬
‫ألنظرن ما يص ـ ـ ــنع‪،‬‬ ‫يش‪ ،‬وقد قمت إليت‪ ،‬و ـ ـ ــألتت َّإَيه قشـْبـلشت‪ ،‬فأعطاه أاب دجانة‪ ،‬وترك ‪ ،‬وهللا!‬ ‫قر ٍ‬
‫ص ـابة‬ ‫ِ‬
‫فاتبعتت‪ ،‬فأخرً عص ــابةً لت حراء‪ ،‬فعص ـ هبا رأ ــت‪ ،‬فقالت األنص ــار أخرً أبو دجانة ع ش‬
‫تعص هبا ‪ ،-‬فهرً وهو يقول‬ ‫اَّوت ‪ -‬وهكذا كانت تقول لت إذا َّ‬
‫وشْحنن ابل َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْف ِ لش شد الن ِ‬
‫َّهْي ِل‬ ‫ش‬ ‫َّأان الَّـ ـ ـذأ عـ ـ ــا شه ـ ـ ـ شدين شخلِْيلي‬
‫ف هللاِ و َّ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ب بِسْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ( ‪)2‬‬
‫الر ول‬ ‫أ ْر ْ ش‬ ‫َّهر يف ال شكيُّول‬ ‫أقوم ال ــد ش‬
‫أح ش‬
‫ف عل ح يشـ ْلق أحداً إح قتلت‪ ،‬وكان يف اَّ ـ ـ ــرك رجل ح يشدي لنا جر اً إح ذفَّف(‪ )4‬عليت‪،‬‬

‫القصة بنلوها يف ابن ه ام‪.‬‬


‫ربأ (‪ ، )218/7‬و َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية احللبيَّة (‪ 497/2‬ـ ‪ ، )498‬وتفسري الطَّ ِ‬
‫الصفو يف احلرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال شكيُّول اخر ُّ‬
‫(‪ )3‬البداية والنِهاية (‪ ، )17/4‬و رية ابن ه ام (َتام َّ‬
‫قصة أيب دجانة)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذفَّف أجهاي عليت‪.‬‬
‫‪774‬‬
‫ف عــل كـ ُّـل واحـ ٍـد منهمــا يــدنو من هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحبــت‪ ،‬فــدعوت هللا أن جيمع بينهمــا‪ ،‬فــالتقيــا‪ ،‬فــاختلفــا‬
‫ض ـت بســيفت‪ ،‬و ـربت أبو دجانة فقتلت‪ ،‬مثَّ‬ ‫بد شرقشتِت‪ ،‬فع َّ‬
‫ـربت ‪ ،‬فضــرب اَّ ــرك أاب دجانة‪ ،‬فاتَّقاه ش‬
‫رأيتت قد حل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيف عل شم ْف ِرق رأس هند بنت عتبة‪ ،‬مثَّ عدل ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيف عنها‪ ،‬فقلت هللا‬
‫ور ـ ـولت أعلم‪ .‬قال ابن إ ــلاق قال أبو دجانة رأيت إنس ــاانً شخيْمش(‪ )1‬النَّاس طشْ ـ ـاً ش ــديداً‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ـيف ر ــول هللا أن‬
‫يف شولْ شوشل‪ ،‬فَذا امرأة‪ ،‬فأكرمت ـ ش‬
‫فصــمدت لت ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما حلت عليت ال َّس ـ ش‬
‫أ رب بت امرأ ًة [ابن هشام (‪ ،)73/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪.)3(])233/3‬‬

‫الرسول(ﷺ) ‪:‬‬
‫اثنياً‪ :‬خمالفة ال يرماة ألمر َّ‬
‫ت‪ ،‬وا ــتماتوا يف ٍ‬
‫قتال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪ ....‬أم ْ‬ ‫ا ــتبســل اَّســلمون يف مقاتلة اَّ ــرك ‪ ،‬وكان شــعارهم أم ْ‬
‫مللمي‪ ،‬ـ ـ ـ َّ ل فيت أبطال ال ـ ـ ــالم هللاـ ـ ــوراً رائعةً من البطولة‪ ،‬وال َّ ـ ـ ـ اعة(‪ ،)4‬و ـ ـ ـ َّ ل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بطوس‬
‫بطوحت حايشة بن عبــد اَّطلـ ‪ ،‬ومص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ بن عمري‪ ،‬وأيب دجــانـةش‪ ،‬وأيب طللــة‬ ‫ِ‬ ‫ائع‬
‫التـَّاري رو ش‬
‫ـارأ‪ ،‬و ــعد بن أيب وقَّاص‪ ،‬وأمثايم كثري(‪ ،)5‬وحقَّق اَّس ــلمون احنتص ــار يف اجلولة األوىل‬ ‫األنص ـ ِ‬
‫من اَّعركة(‪.)6‬‬

‫اَّلل شو ْع شده إِ ْذ‬


‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ شدقشكم َّ‬
‫ويف ذلك يقول هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬يف كتابت العايياي ﴿ شولششق ْد ش‬
‫ص ـْيـت ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شما أ ششراك ْم شما ِحتبُّو شن ِمْنك ْم شم ْن‬ ‫ِ‬ ‫شحت ُّس ـ ش ِِ‬
‫و‪ْ ،‬م نِِ ْذنت شح َّض إِ شذا فش ـ ْلت ْم شوتشـنش شاز ْعت ْم ِيف األ ْشم ِر شو شع ش‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ٍل‬ ‫هللا ـ ـ ـ ـ ـشرفشك ْم شعْنـه ْم لِيشـْبـتشلِيشك ْم شولششق ْد شع شفا شعْنك ْم شو َّ‬
‫اَّلل ذو فش ْ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِريد ُّ ِ‬
‫الدنْـيشا شومْنك ْم شم ْن ي ِريد ا خشرةش مثَّ ش‬
‫شعلش الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [آل عمران‪.]152 :‬‬

‫الرمــاة ايايميـةش الَّيت حلَّـت بقر ٍ‬


‫يش‪ ،‬وأحالفهــا‪ ،‬ورأوا ال نــائم يف أرض اَّعركــة جــذهبم‬ ‫وَّــا رأ ُّ‬

‫(‪ )1‬خيمش ي ع عل القتال‪.‬‬


‫(‪ )2‬فصمدت لت قصدت حنوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬البداية والنهاية (‪.)17/4‬‬
‫الر ول الكر (‪.)303/1‬‬
‫(‪ )4‬انظر نضرة النَّعيم يف مكارم أخالق َّ‬
‫السابق نفست‪.‬‬ ‫(‪ )5‬اَّصدر َّ‬
‫السابق نفست‪.‬‬ ‫(‪ )6‬اَّصدر َّ‬
‫‪775‬‬
‫أن اَّعركة انتهت‪ ،‬فقالوا ألمريهم عبد هللا بن جب ٍري «ال نيمة‬ ‫ذلك إىل ترك مواقعهم ظنَّ ـاً منهم َّ‬
‫أأ قشـ ْوم! ال نيمة! ظهر أهللا ـ ـ ــلابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد هللا بن جبش ٍْري أنش ِس ـ ـ ـ ـيتم ما قال لكم‬
‫صيب من ال نيمة» [البخاري (‪.])3039‬‬ ‫َّاس فلن ش َّ‬ ‫ِ‬
‫ر ول هللا(ﷺ) ؟ قالوا وهللا لنأت َّ الن ش‬
‫مثَّ انطلقوا جيمعون ال نائم‪ ،‬و يعبؤوا بقول أمريهم‪ ،‬ووهللا ـ ـ ـ ـ ــف ابن عباس ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهما‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وأابحوا عسكر اَّ رك ‪ ،‬أك َّ‬
‫الرماة يف ذلك اَّوقف‪ ،‬فقال «فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما نم الن ُّ‬
‫حالة ُّ‬
‫الرماة يعاً‪ ،‬فدخلوا يف اَّعســكر ينهبون‪ ،‬وقد التقت هللاــفو أهللاــلاب ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فهم‬ ‫ُّ‬
‫الرماة تلك اخلشلَّة الَّيت كانوا فيها‪،‬‬
‫أخل ُّ‬
‫هكذا ‪ -‬وش ــبك ب أهللا ــابع يديت ‪ ،-‬والتبسـ ـوا‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما َّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فض ــرب بعض ــهم بعضـ ـاً‪ ،‬والتبسـ ـوا‪،‬‬
‫دخلت اخليل من ذلك اَّو ــع عل أهللا ــلاب الن ِ‬
‫[أمحد (‪.])288 - 287/1‬‬ ‫وقتل من اَّسلم انس كثري»‬

‫ورأ خالد بن الوليد ‪ -‬وكان عل خيَّالة اَّ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،-‬الفرهللاـ ـ ـ ــة ـ ـ ـ ــاحنةً ليقوم ابحلتفا‬
‫جديد‪ ،‬وأحاطوا ابَّسلم من‬ ‫حول اَّسلم ‪ ،‬ول ـ ـ ـ َّـما رأ اَّ ركون ذلك‪ ،‬عادوا إىل القتال من ٍ‬
‫ٍ‬
‫هطيا‪ ،‬فأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلوا يقاتلون‬ ‫جهت ‪ ،‬وفقد اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون مواقعهم األوىل‪ ،‬وأخذوا يقاتلون بدون‬
‫وح شدة ت ــملهم‪ ،‬بل يعودوا مييِايون بعضــهم ‪ ،‬فقد قشـتشـلوا اليشما شن‬ ‫متفرق ‪ ،‬فال نظام جيمعهم‪ ،‬وح ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬والد حذيفة بن اليشمان ‪ -‬خطأً [البخاري (‪ ،)4065‬وابن هش ـ ـ ـ ـ ــام (‪ . ])129/3‬وأخذ اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون‬
‫ابلر ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬وش ـ ــاي أنَّت قتِل(‪ ،)1‬واختلا‬ ‫يتس ـ ــاقطون ش ـ ــهداء يف اَّيدان‪ ،‬وفقدوا اتِص ـ ــايم َّ‬
‫احلابِل ابلنَّابل واش ــتدَّت حرارة القتال‪ ،‬وهللا ــار اَّ ــركون يقتلون َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كل من يلقونت من اَّس ــلم ‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فرموه حب ر كس ــر أنفت ال َّ ـ ـريف‪ ،‬ورابعيش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت(‪،)3‬‬
‫وا ــتطاعوا اخللوص قريباً من الن ِ‬
‫وش َّ ت(‪ )4‬يف وجهت الكر ‪ ،‬فأثقلت تف َّ ر الدَّم(‪ )5‬منت(ﷺ) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.98‬‬


‫(‪ )2‬اختلا احلابل ابلنَّابل ا طربت األمور‪.‬‬
‫الرابعية إحد األ نان األربع اليت تكون ب الثنيَّة ‪ ،‬والنَّاب‪.‬‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫شق جلد رأ ت أو وجهت‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شش َّ ت شش اً َّ‬
‫السرية ‪ ،‬لل اياس ‪ ،‬ص ‪.294‬‬ ‫(‪ )5‬انظر فقت ِ‬
‫‪776‬‬
‫أن ر ـ ــول هللا(ﷺ) ك ِسـ ـ ـرت رابعيَّـتت يوم أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وشـ ـ ـ َّت يف رأ ـ ــت‪،‬‬ ‫عن ٍ‬
‫أنس ر ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫ش ْ شش‬
‫َّم عنت‪ ،‬ويقول كيف يـ ْفل قوم شـ ـ ـ ُّ وا نبيَّهم‪ ،‬وكس ـ ــروا رشابعيَّتت‪ ،‬وهو يدعوهم‬ ‫ف عل يش ْسـ ـ ـلت الد ش‬
‫ك ِم شن‬
‫س لشـ ش‬
‫عاي وجـ َّـل ‪﴿ -‬لشْي ش‬
‫إىل هللا؟ [البخـاري تعليقـاً (‪ ،)112/8‬ومس ـ ـ ـ ـ ــلم (‪ ])1791‬فــأنايل هللا ‪َّ -‬‬
‫وب شعلشْي ِه ْم أ ْشو يـ شع ِذ شهب ْم فشَِ َّ‪ْ ،‬م ظشالِمو شن ﴾ [آل عمران‪.]128 :‬‬
‫األ ْشم ِر ششيء أ ْشو يشـت ش‬
‫وحل ابن قش ِمئشةش عل مص ـ ـ ــع بن عمري ر ـ ـ ــي هللا عنت حيث كان ش ـ ـ ـ ش‬
‫ـديد ال َّ ـ ـ ـبت بر ـ ـ ــول‬
‫حممداً(‪.)1‬‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقتلت‪ ،‬فقال لقريش قد قتلت َّ‬

‫حممداً قد قتِل‪َّ ،‬‬


‫فتفرق اَّس ــلمون‪ ،‬ودخل بعض ــهم اَّدينة‪ ،‬وانطلقت طائفة منهم‬ ‫وش ــاي َّ‬
‫أن َّ‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـلابة أحوايم‪ ،‬فما يدرون كيف يفعلون من هول الفاجعة(‪،)2‬‬
‫فوق اجلبل‪ ،‬واختلطت عل ال َّ‬
‫ففر شْع من اَّسـ ــلم من ميدان اَّعركة‪ ،‬وجلس بعضـ ــهم إىل جان ميدان اَّعركة بدون قتا ٍل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫واثر آخرون ال َّ ـ ـهادة بعد أن ظنُّوا َّ‬
‫أن ر ـ ــول هللا(ﷺ) قد مات ومن هؤحء أنس بن النَّض ـ ــر‪،‬‬
‫الَّذأ كان ر ـ ـ ــف لعدم ش ـ ـ ــهوده بدراً‪ ،‬والَّذأ قال يف ذلك «وهللا! لئن أراين هللا م ـ ـ ــهداً مع‬
‫حد عل ق ٍوم اَّن‬ ‫مر يوم أ ٍ‬ ‫ين هللا كيف أهللا ـ ــنع» وقد هللا ـ ــدق يف وعده‪ ،‬فقد َّ‬
‫ر ـ ــول هللا(ﷺ) لري َّ‬
‫أذهلتهم ال َّائع ـ ــة‪ ،‬وألقوا بسالحهم‪ ،‬فقال ما جيلسكم ؟ قالوا قتل ر ول هللا(ﷺ) ! فقال َي‬
‫هم‬
‫رب حم َّمـد يقتـل‪ ،‬وموتوا عل مـا مـات عليـت‪ .‬وقـال الل َّ‬ ‫قوم ! إن كـان حم َّمـد قـد قتـل‪ ،‬فـَن َّ‬
‫ِإين أعتـذر إليـك اـَّا قـال هؤحء ‪ -‬يع اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،-‬وأبرأ إليـك اـَّا جـاء بـت هؤحء ‪ -‬يع‬
‫اَّ رك ‪ ،-‬مث لقي عد بن معاذ‪ ،‬فقال َي عد! ِإين ألجد ري اجلنَّ ـ ـ ـ ــة دون أح ـ ـ ـ ـ ٍـد‪ ،‬مثَّ ألق‬
‫ـ ـر ٍبة‬ ‫حض ا ْ ـ ـت ْ ـ ـ ِهد‪ ،‬فوجد فيت بض ـ ــع وشانون ما ب‬ ‫بنفس ـ ــت يف أشت ِ‬
‫ون اَّعركة‪ ،‬وما زال يقاتل َّ‬
‫رمية بس ـ ــهم‪ ،‬فلم تعرفت إح أختت ببنانت [البخاري (‪ ،)4048‬وابن هش ـ ــام‬ ‫طعنة برم ‪ ،‬أو ٍ‬
‫ـيف‪ ،‬أو ٍ‬ ‫بس ـ ـ ٍ‬
‫(‪.)3(])88/3‬‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)81/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪777‬‬
‫اَّللش شعلشْي ِت‬
‫اهدوا َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ويف هذا‪ ،‬وأمثالت نايل قول هللا تعاىل ﴿م شن الْم ْؤمن ش ِر شجال ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شدقوا شما شع ش‬
‫ظر شوشما بشدَّلوا تشـْب ِديالً ﴾ [األحزاب‪.]23 :‬‬ ‫فش ِمْنـهم من قشض شْحنبت وِمْنـهم من يـْنـتش ِ‬
‫ْ شْ ش ش ش ْ شْ ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمود‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) يم ابل ُّ‬ ‫ـيء ر م دعوة الن ِ‬ ‫أ َّمـا أولئــك النَّفر الَّـذين ُّفروا ح يلوون عل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫شح ٍد شو َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـول يش ْدعوك ْم ِيف‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـعدو شن شوحش تشـ ْلوو شن شعلش أ ش‬
‫والثَّبات‪ ،‬فقد نايل فيهم قولت تعاىل ﴿إِ ْذ ت ِ‬
‫ْ‬
‫اَّلل شخبِري ِمبشا تشـ ْع شملو شن ﴾‬ ‫ِ‬
‫أ ْخشراك ْم فشأش شاثبشك ْم ش ًّما بِ شٍم ل شكْيالش شْحتشاينوا شعلش شما فشاتشك ْم شوحش شما أش ش‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـابشك ْم شو َّ‬
‫[آل عمران‪.]153 :‬‬

‫ص ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬الَّذين َّ‬


‫ترخص ـ ـ ـ ـوا يف الفرار‬ ‫خرب فرار هذه ااموعة من ال َّ‬
‫ولقد حك القرآن الكر ش‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬الَّذأ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي يف ـ ـ ـ ـ ـ ــاحة اَّعركة‪ ،‬وكان َّأول شم ْن علم بن اة‬
‫بعد مساعهم نبأ مقتل الن ِ‬
‫لايب كع بن مالك‪ ،‬الَّذأ رفع هللاـ ـ ـ ــوتشت ابلب ـ ـ ـ ــر ‪ ،‬فأمره‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬وأنَّت حي هو ال َّ‬
‫َّ‬
‫[الطرباين يف األوس ـ ــط (‪ ،)1108‬ويف الكبري‬ ‫يفطن اَّ ـ ـ ــركون إىل ذلك‬
‫حض ح ش‬ ‫َّب(ﷺ) ابل ُّسـ ـ ـ ـكوت َّ‬
‫الن ُّ‬
‫(‪ ،)100/19‬وجممع الزوائد (‪.)1(])112/6‬‬

‫أن هللا تعاىل قد عفا عن تلك الفئة الَّيت َّفرت‪.‬‬


‫نص القرآن الكر عل َّ‬
‫وقد َّ‬
‫اجلمع ِ‬
‫ان إَِّجشا ا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـشايَّيم ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيطشان بِبشـ ْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ض شما‬ ‫ين تشـ شولَّْوا مْنك ْم يشـ ْوشم الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫قال تعاىل ﴿إ َّن الذ ش‬
‫حلِيم ﴾ [آل عمران‪.]155 :‬‬ ‫اَّللش شفور ش‬ ‫اَّلل شعْنـه ْم إِ َّن َّ‬
‫شك شسبوا شولششق ْد شع شفا َّ‬

‫اثلثاً‪ :‬خطَّة َّ‬


‫الرسول(ﷺ) يف إعادة شتات اجليش‪:‬‬

‫الرئيس فيت شـ ـ ــهص‬


‫عندما ابتدأ اي وم اَّعاكس من اَّ ـ ـ ــرك خلف اَّسـ ـ ــلم ‪ ،‬وايد َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة يس ـ ـ ـ ـ ـ ــقطون واحداً تلو الواحد ب يديت‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬يتايحاي (ﷺ) من موقفت وال َّ‬
‫الن ِ‬
‫وحوهللاـ شـر ر ــول هللا(ﷺ) يف قل اَّ ــرك ‪ ،‬وليس معت إح تســعة من أهللاــلابت ــبعة منهم من‬
‫األنصار‪[ .‬مسلم (‪.])1789‬‬

‫يفك هذا احلص ـ ـار‪ ،‬وأن يص ــعد يف اجلبل ليمض ــي إىل جي ــت‪ ،‬وا ـ ـتبس ــل‬
‫وكان ايد أن َّ‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لمبعد ايايمية)‪.‬‬


‫(أول من عر َّ‬
‫(‪ )1‬رية ابن ه ام ‪َّ ،‬‬
‫‪778‬‬
‫الدفاي عن ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وا ــت ــهدوا واحداً بعد ا خر(‪ ،)1‬مثَّ قاتل عنت طللة‬ ‫األنصــار يف ِ‬
‫بن عبيد هللا َّ ِ‬
‫َّب(ﷺ) أن يص ـ ــعد هللا ـ ــهرًة فلم‬ ‫حض أثْه شن‪ ،‬وأهللا ـ ــي بس ـ ــهم ششـ ـ ـلَّت ميينشت‪ ،‬وأراد الن ُّ‬
‫ب(ﷺ) يقول‬ ‫الايبيـ ـ ـ ـ ــر فسمعت ال ـ ـ ـ ـ ـنَّ َّ‬
‫الصهرة قال ُّ‬
‫حض ا تو عل َّ‬ ‫يستطع‪ ،‬فقعد طللة حتتت َّ‬
‫«أوج طللـة» [أمحد (‪ ،)165/1‬والرتمذي (‪.)2(])1692‬‬

‫وقاتل ـ ـ ــعد بن أيب وقَّاص ر ـ ـ ــي هللا عنت ب يدأ ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وكان يناولت النِبال‬
‫أمي!» [أمحد (‪ ،)137/1‬والبخاري (‪ ،)4055‬ومسلم (‪.])2412‬‬ ‫ارم َي عد! فداك أيب‪ ،‬و ِ‬ ‫ويقول لت « ِ‬

‫الرماة‪ ،‬وهو الَّذأ قال عنت‬ ‫كما قاتل ب يديت أبو طللة األنص ـ ـ ـ ــارأ الَّذأ كان من أمهر ُّ‬
‫فئة» [أمحد (‪ ،)203/3‬وعبد‬ ‫النَّب(ﷺ) «لصــوت أيب طللة يف اجليش‪ ،‬أشـ ُّـد عل اَّ ــرك من ٍ‬
‫ُّ‬
‫ـديد النَّايي‪ ،‬شك شسـ ـ ـشر‬ ‫بن محيد (‪ .])1384‬وقد كان مت ِ ـ ـ ـاً عل ر ـ ــول هللا حب ٍ‬
‫فة لت‪ ،‬وكان رامياً ش ـ ـ ش‬ ‫شش‬
‫مير معت اجلش ْعبشة(‪ )3‬من النـَّْبل‪ ،‬فيقول ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ)‬
‫الرجل ُّ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ قو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬أو ثالاثً‪ ،‬وكان َّ‬
‫نب هللا! أبيب أنت وأمي! ح‬ ‫«انثرها أليب طللة»‪ ،‬مثَّ ي ـ ـ ـ ــر إىل القوم‪ ،‬فيقول أبو طللة «َي َّ‬
‫حن ِرأ دون حنرك(‪[ »!)5‬البخاري (‪.])4064‬‬ ‫يصيبك هم من ِ هام القوم‪ ،‬شْ‬
‫ِ (‪)4‬‬
‫ت ْر‬

‫تذب عن ر ـ ــول هللا(ﷺ) ابل َّس ـ ـيف‪ ،‬وترمي ابلقوس‪ ،‬وأهللا ــيبت‬
‫ُّ‬ ‫ووقفت ن شس ـ ـْيبة بنت كع‬
‫وترس أبو دجانة دون ر ــول هللا(ﷺ) بنفس ــت يقع النَّبل يف ظهره وهو مْن شل ٍن عليت‬ ‫قرا ٍ كبريةٍ‪َّ ،‬‬
‫حض كثر فيت النـَّْبل(‪.)6‬‬‫َّ‬
‫الر ـ ــول(ﷺ) يف تلك اللَّلظات العص ـ ــيب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أبو بك ٍر‪ ،‬وأبو عبيدة‪ ،‬وقام أبو‬
‫التف حول َّ‬
‫و َّ‬

‫(‪ )1‬انظر نضرة النَّعيم (‪.)304/1‬‬


‫الر ول هللال هللا عليت و لمعن النُّهوض ومعاونة طللة لت) ‪،‬‬
‫القصة رواها ابن ه ام ( عف َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّـة ‪ ،‬ص ‪ ، 296‬وهذه َّ‬
‫َّب هللال هللا عليت و لم) وهرجيت يذا احلديث‪.‬‬
‫الرحيق اَّهتوم ( طللة ينهض ابلن ِ‬
‫الذهب‪ .‬انظر َّ‬ ‫وال مذأ ‪ ،‬وأحد ‪ ،‬واحلاكم ‪ ،‬وهللاللها ووافقت َّ‬
‫(‪ )3‬اجلعبة الكنانة الَّيت دعل فيها ِ‬
‫السهام‪.‬‬
‫(‪ )4‬ح ت ر ح تتطلع‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )5‬حنرأ دون حنرك جعل هللا حنرأ أقرب إىل السهام من حنرك ألهللااب هبا دونك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫(‪ )6‬انظر البداية والنِهاية (‪ 35/4‬ـ ‪ ، )36‬و رية ابن ه ام (حديث أم عد عن نصيبها يف اجلهاد يوم أحد ‪ ،‬أبو دجانة وابن أيب وقَّاص يدافعان‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم) ‪.‬‬
‫عن َّ‬
‫‪779‬‬
‫حيث‬ ‫َّب(ﷺ) أب نانت‪ ،‬مثَّ توارد جمموعة من األبطـال اَّسلم‬
‫السهم من وجت الن ِ‬
‫عبيدة بنايي َّ‬
‫بل وا قرابـ ــة الثَّالث ‪ ،‬يذودون عـ ــن ر ول هللا(ﷺ) منهم قتـ ــادة‪ ،‬واثبت بن الدَّحدا ‪ ،‬و هل‬
‫العوام‪.‬‬
‫الايبري بن َّ‬ ‫بـن حنيف‪ ،‬وعمر بـن اخلطَّاب‪ ،‬وعبد َّ‬
‫الرحن بن عو ‪ ،‬و ُّ‬

‫وا ـ ـ ــتطاي عمر بن اخلطَّاب أن َّ‬


‫يرد ه وماً مض ـ ـ ــاداً‪ ،‬قاده خالد ـ ـ ـ َّـد اَّس ـ ـ ــلم من عالية‬
‫الصلابة الَّذين كانوا مع عمر يف ِرد اي وم العنيف‪ ،‬وعاد اَّسلمون‪ ،‬فسيطروا‬ ‫اجلبل‪ ،‬وا تبسل َّ‬
‫عل اَّوقف من جديد(‪ ،)1‬ويئس اَّ ركون من إ‪،‬اء اَّعركة بنص ٍر حا ٍم‪ ،‬وتعبوا من طويا‪ ،‬ومن‬
‫أحد شعاب جبل‬ ‫َّب(ﷺ) مبن معت ومن حلق بت من أهللالابت إىل ش‬ ‫شجالدة اَّسلم ‪ ،‬وانسل الن ُّ‬
‫حالة من األ ‪ ،‬واخلو ‪ ،‬وال ِم َّا أهللااب ر ش‬
‫ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وما أهللااهبم‬ ‫أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وكان اَّسلمون يف ٍ‬
‫ر م ُاحهم يف ِرد اَّ رك (‪ ،)2‬فأنايل هللا عليهم النُّعاس‪ ،‬فناموا يسرياً‪ ،‬مثَّ أفاقوا امن مطمئن ‪.‬‬

‫قال تعاىل ﴿مثَّ أشنْـشايشل شعلشْيك ْم ِم ْن بشـ ْع ِد الْ شِم أ ششمنشةً نـ شعا ً ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا يشـ ْ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طشائِشفةً ِمْنك ْم شوطشائِشفة قش ْد‬
‫اهلِيَّ ِة يشـقولو شن شه ْل لشنشا ِم شن األ ْشم ِر ِم ْن شش ـ ـ ـ ـ ْي ٍء ق ْل إِ َّن‬ ‫اجل ِ‬
‫احلشِق ظش َّن ْش‬ ‫أ ششلَّْتـه ْم أشنْـفس ـ ـ ـ ـه ْم يشظنُّو شن ِاب ََّّللِ ش ْ شري ْ‬
‫ك يشـقولو شن لش ْو شكا شن لشنشا ِم شن األ ْشم ِر شش ـ ـ ـ ـ ـ ْيء شما قتِْلنشا‬ ‫ِِ‬
‫األ ْشمشر كلَّت ََّّلل خيْفو شن ِيف أشنْـف ِس ـ ـ ـ ـ ـ ِه ْم شما حش يـْبدو شن لش ش‬
‫اجعِ ِه ْم شولِيشـْبـتشلِ شي َّ‬
‫اَّلل شما ِيف‬ ‫هاهنا قل لشو كْنـتم ِيف بـيوتِكم لشربز الَّ ِذين كتِ علشي ِهم الْ شقْتل إِ شىل مض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫شش‬ ‫ْ ششش ش ش ش ْ‬ ‫ش ش ْ ْ ْ‬
‫الصدوِر ﴾ [آل عمران‪.]154 :‬‬ ‫اَّلل علِيم بِ شذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات ُّ‬ ‫ص شما ِيف قـلوبِك ْم شو َّ ش‬ ‫هللادوِرك ْم شولي شمل ش‬
‫أن الطَّائفـة الَّيت قد ألَّتهم أنـفسهم هم اَّنافقون(‪.)3‬‬
‫وقد أ ع اَّفسرون عل َّ‬
‫َّأما قريش َّ‬
‫فَ‪،‬ا يئست من حتقيق نص ٍر حا ٍم‪ ،‬وأ ْجهد رجايا من طول اَّعركة‪ ،‬ومن هللامود‬
‫ص ـ ـ ـمود‪ ،‬ف ُّ‬
‫التفوا حول‬ ‫هللا ـ ـ ـةً بعد أن اطمأنُّوا‪ ،‬وأنايل هللا عليهم األمنة‪ ،‬وال ُّ‬
‫وجلشدهم‪ ،‬وخا َّ‬
‫اَّس ـ ــلم ش‬
‫َّب(ﷺ) ولذلك شك ُّفوا عن مطاردة اَّسلم ‪ ،‬وعن حماولة اخ اق َّقواهتم(‪.)4‬‬
‫الن ِ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪َّ ،‬نري ال ضبان ‪ ،‬ص ‪ 468‬ـ ‪.470‬‬
‫(‪ )2‬انظر نضرة النَّعيم (‪.)305/1‬‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر نضرة النَّعيم (‪.)306/1‬‬
‫‪780‬‬
‫رابعاً‪ :‬من شوداء أُحد‪:‬‬

‫أ ‪ -‬محزة بن عبد املطَّلب رضي هللا عنه سيِّد ال ي‬


‫شوداء عند هللا تعاىل يوم القيامة‪:‬‬

‫قاتل أ ــد هللا حاية قتاحً ــارَيً‪ ،‬وأثهن يف اَّ ــرك قتالً‪ ،‬وأطا بريوس نف ٍر من حلة لواء‬
‫اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك من ب عبد الدَّار‪ ،‬وبينما هو عل هذه احلال من ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اعة‪ ،‬والقدام‪ ،‬شك شم شن لت‬
‫حض َّ‬
‫َتكن منت‪ ،‬مثَّ رماه حبربتت‪ ،‬فأهللا ـ ـ ـ ـ ــاب منت مقتالً‪ ،‬ولندي وح ـ ـ ـ ـ ــياً خيربان عن هذا‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ــي َّ‬
‫عدأ بن اخليار ببد ٍر‪ ،‬فقال س موحأ جبش ْري‬ ‫إن حاية قتل ط شعْيمةش بن ِ‬‫اَّ ــهد اَّؤ ‪ .‬قال وح ــي َّ‬
‫بعمي فأنت حر‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أ ْن خرً النَّاس عام شعْيـنش ‪ -‬وعين جبل‬ ‫بن مطْعِم إ ْن قتلت حايشة ِ‬
‫ش‬
‫اهللاطفوا للقتال خرً ِ بشاي‪،‬‬ ‫أحد‪ ،‬بينت وبينت و ٍاد ‪ ،-‬خرجت مع النَّاس إىل القتال‪ ،‬فل ـ ـ َّـما ُّ‬ ‫حبيال ٍ‬

‫بن ِأم أجا ٍر‬ ‫ِ‬


‫فقال هل من مبارز؟ قال فهرً إليت حاية بن عبد اَّطل ‪ ،‬فقال َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـباي! َي ش‬
‫الذاه ‪ ،‬قال وشك شمنت‬ ‫أحتاد هللا ور ـ ـولشت(ﷺ) ؟ مثَّ ش ـ ـ َّـد عليت‪ ،‬فكان كأمس َّ‬ ‫قطعة البظور(‪ُّ ،)1‬‬ ‫م ِ‬
‫ت من ب شوِركيت‪،‬‬ ‫حلماية حتت هللاهرةٍ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دان م ِ رميتت حبربيت‪ ،‬فأ عها يف ثـن ِ‬
‫َّتت(‪َّ )2‬‬
‫حض شخشر شج ْ‬ ‫ش‬
‫العهد بت(‪ ،)3‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رجع النَّاس رجعت معهم‪ ،‬فأقمت َّ‬
‫مبكة حض ف ـ ــا فيها‬ ‫قال فكان ذاك ش‬
‫ال الم‪.‬‬

‫مثَّ خرجت إىل الطَّائف‪ ،‬فأر ـ ـ ـ ـ ـ ــلوا إىل ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالً‪ ،‬فقيل س إنَّت ح يشهيت‬
‫حض قدمت عل ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما راين قال « أنت‬ ‫الر ـ شل(‪ ،)4‬قال فهرجت معهم َّ‬ ‫ُّ‬
‫قتلت حاية؟ » قلت قد كان من األمر ما قد بل ك‪،‬‬
‫وح ـ ُّـي؟ » قلت نعم‪ ،‬ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال « أنت ش‬
‫قال « فهل تستطيع أن تـ شيِ ش وجهك ع ِ ؟ » قال فهرجت‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما قبض ر ول هللا(ﷺ) ‪،‬‬
‫ألخرجن إىل مس ـ ـ ـ ـ ـ ــيلمـة لش شعلِي أقتلـت فـأكـافئ بـت حاية‪ ،‬قـال‬
‫َّ‬ ‫فهرً مس ـ ـ ـ ـ ـ ــيلمـة الك َّـذاب‪ ،‬قلـت‬

‫مبكة هنت النِساء‪.‬‬ ‫(‪ِ )1‬‬


‫مقطعة البظور كانت أمت ختَّانة َّ‬
‫الركبة‪.‬‬
‫السَّرة و ُّ‬
‫(‪ )2‬فأ عها يف ثـنَّتت أأ يف عانتت ‪ ،‬وقيل ما ب ُّ‬
‫(‪ )3‬ذلك العهد بت كناية عن موتت‪.‬‬
‫(‪ )4‬ح يهيت الر ل أأ ح ينايم منت مكروه‪.‬‬
‫‪781‬‬
‫فهرجــت مع النـَّاس فكــان من أمره مــا كــان‪ ،‬قــال فــَذا رجــل قــائم يف ثـشلشمـ ِـة جــدار(‪)1‬كــأنـَّت ــل‬
‫أ ْشوشرق(‪ )2‬اثئر الرأس‪ ،‬قال فرميتت حبربيت‪ ،‬فأ ـ ـ ـ ـ ـ ــعها ب ثدييت َّ‬
‫حض خرجت من ب كتفيت‪ ،‬قال‬
‫ووث إليت رجل من األنص ـ ـ ــار‪ ،‬فض ـ ـ ـ ـربت ابل َّس ـ ـ ـ ـيف عل هامتت‪ .‬قال قال عبد هللا بن الفض ـ ـ ــل‬
‫فأخربين ـ ـ ــليمان بن يسـ ـ ــار أنَّت مسع عبد هللا بن عمر ر ـ ـ ــي هللا عنهما يقول «فقالت جارية‬
‫أمري اَّؤمن ! قتلــت العبــد األ ـ ـ ـ ـ ـ ــود» [البخــاري (‪ ،)4072‬والبيوقي يف الــدالئــل‬ ‫ٍ‬
‫عل ظهر بيــت وا ش‬
‫(‪ ،)243 - 241/3‬والطربي يف اترخيه (‪.])517 - 516/2‬‬

‫‪ - 1‬سؤال النَّ ِّب(ﷺ) عن مقتل محزة رضي هللا عنه‪:‬‬

‫بعد انتهاء اَّعركة‪ ،‬ــأل ر ــول هللا(ﷺ) أهللاــلابت « شم ْن رأ مقتل حاية؟» فقال رجل أان‬
‫حض وقف عل حاية‪ ،‬فرآه وقد ش ـ ـ َّق‬ ‫رأيت مقتلت‪ ،‬قال «فانطلق أرانه» فهرً ر ـ ــول هللا(ﷺ) َّ‬
‫بطنت‪ ،‬وقد مثِل بت‪ ،‬فقال َي ر ـ ــول هللا! مثِل بت وهللا![الطرباين يف الكبري (‪ ،)82/19‬وجممع الزوائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫َّب(ﷺ) قتل حاية بك ‪ ،‬فلـ ـ ـ َّـما نظر إليت ش ِهق‪ ،‬ووقف ب‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)3‬‬
‫(‪ . ])119/6‬ويف رواية َّا بل ـ ـ ـ الن َّ‬
‫كفنوهم يف دمائهم‪ ،‬فَنَّت ليس جر جير يف هللا‬ ‫ظهراين القتل ‪ ،‬فقال «أان ش ـ ـ ــهيد عل هؤحء‪ِ ،‬‬

‫قدموا أكثرهم قرآانً‪ ،‬فاجعلوه يف‬ ‫إح جاء ي ـ ـ ـ ــوم القيامة يدم لونت لون الدَّم‪ ،‬ور ت ري اَّسك‪ِ ،‬‬
‫ش‬
‫اللَّلــد» [البخــاري (‪ ،)2079‬وأبو داود (‪ ،)3138‬والرتمــذي (‪ ،)1036‬والنس ـ ـ ـ ـ ـ ــائي (‪ ،)1954‬وابن مــاجــه‬
‫(‪.])1514‬‬

‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقد‬ ‫واب ــت ــهاد حاية وأهللا ــلاب ر ــول هللا(ﷺ) يف أ ٍ‬
‫حد حتقَّقت ريَي ر ـ ِ‬

‫حد‪ ،‬فقال «رأيت يف يفي ذأ الفقار فشالًّ ‪َّ ،‬‬


‫فأولْتت‬ ‫(‪)4‬‬ ‫أخرب أهللالابت عن ريَيه قبل اخلروً إىل أ ٍ‬

‫فأولْتت كبش الكتيبة‪ ،‬ورأيت ِأين يف دري‬


‫فشالًّ يكون فيكم (أأ ا‪،‬اياماً)‪ ،‬ورأيت ِأين مرد شكْب اً‪َّ ،‬‬
‫فأولتها اَّدينة‪ ،‬ورأيت بقراً تذب ‪ ،‬فبقر وهللا خري! فبقر وهللا خري!» فكان الَّذأ قال‬ ‫حص ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـينة‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬يف ثلمة جدار أأ خلل جدار‪.‬‬


‫(‪ )2‬أورق لونت كالرماد‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬رية ابن ه ام (دفن ال هداء) ‪ ،‬وانظر هللالي السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.283‬‬
‫السيف‪.‬‬
‫الفل الثَّلم يف َّ‬
‫(‪ُّ )4‬‬
‫‪782‬‬
‫ر ول هللا(ﷺ) ‪[ .‬أمحد (‪ ،)271/1‬والرتمذي (‪. )1(])1561‬‬

‫‪ - 2‬صرب صفيةَ بنت عبد املطلب على شقيقوا محزة‪:‬‬

‫حض كادت‬ ‫العوام ر ي هللا عنت إنَّت ل ـ ـ َّـما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسع ‪َّ ،‬‬ ‫الايبري بن َّ‬
‫قال ُّ‬
‫الايبري‬ ‫أن ت ـ ـ ـ ـ ـ ــر عل القتل ‪ ،‬قــال فش شك ِرشه الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) أن تراهم‪ ،‬فقــال اَّرأة ‪ ...‬اَّرأة! قــال ُّ‬
‫فتومست َّأ‪،‬ا هللافيَّة‪ ،‬قال فهرجت أ ع إليها‪ ،‬قال فأدركتها قبل أن تنتهي إىل القتل ‪ ،‬قال‬
‫َّ‬

‫ت هللاـ ـ ـ ـ ــدرأ‪ ،‬وكانت امرأة شج ْلدةً‪ ،‬قالت إليك ع ِ ‪ ،‬ح ش‬


‫أرض لك! فقلت َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫إن ر ـ ـ ـ ـ ــول‬ ‫فشـلش شد شم ْ‬
‫هللا(ﷺ) عايم عليك‪.‬‬

‫قــال فوقفــت‪ ،‬وأخرجــت ثوب معهــا‪ ،‬فقــالــت هــذان ثوابن جئــت هبمــا ألخي حاية‪ ،‬فقــد‬
‫لنكفن فيهمــا حاية‪ ،‬فــَذا إىل جنبــت رجــل من‬ ‫ِ‬ ‫بل مقتلــت‪ِ ،‬‬
‫فكفنوه فيهمــا‪ .‬قــال ف ئنــا ابلثَّوب‬
‫األنصـ ـ ــار قتيل فعِ شل بت كما فعل حبماية‪ ،‬قال فوجدان ضـ ـ ــا ـ ـ ـةً وحياءً أن يكفَّن حاية يف ثوب‬
‫فقدرانلا‪ ،‬فكان أحدلا أكرب من‬ ‫ـارأ ثوب‪َّ ،‬‬ ‫ـارأ ح كفن لت‪ ،‬فقلنا حلماية ثوب ول نصـ ِ‬ ‫واألنصـ ُّ‬
‫احد منهما يف الثَّوب الَّذأ هللا ـ ـ ــار لت‪[ .‬أمحد (‪ ،)165/1‬والبزار‬ ‫كل و ٍ‬
‫ا خر‪ ،‬فأقرعنا بينهما‪ ،‬فكفَّنا َّ‬
‫(‪ ،)1797‬وأبو يعلى (‪ ،)686‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)290/3‬وجممع الزوائد (‪.)3(])118/6‬‬

‫‪ - 3‬من شعر صفيَّة يف بكاء محزة‪:‬‬

‫وخب ِري‬ ‫بشـنشـ ـ ـات أِشيب ِم ْن أ ْشع ش م‬ ‫اب أ ْحـ ٍد شملشـافـةً‬ ‫ِ‬
‫ٍ (‪) 4‬‬
‫ش‬ ‫أش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائلــة أ ْ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شلـ ش‬
‫ول هللاِ شخـ ـ ْري شوِزيْـ ـ ِر‬ ‫وِزي ـ ـر ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫شْ ش‬ ‫إن حشْشايشة قش ْد ثـش شو‬ ‫فشـ شق شال اخلشبِ ْري َّ‬
‫شإىل جنَّ ـ ـ ـ ٍة شْيش ـ ـ ـا ِهبشـ ـ ـا شو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْوِر‬ ‫الع ْر ِش شد ْع شوًة‬ ‫احلق ذو ش‬ ‫شد شعاه إلـت ِ‬
‫ِحلمايشة يـوم احل ْ ـ ـ ـ ـ ـ ِر خري م ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ِْري‬ ‫ك شمـ ـ ـ ـا كنَّـ ـ ـ ـا نـشرِجي شونشـ ْرشِدي‬ ‫ِ‬
‫فشـ ـ ـ ـ شذلـ ـ ـ ـ ش‬
‫ش ْش ش‬ ‫شْ ش شْ ش ش‬

‫(‪ )1‬انظر شرحـت يف فت البـارأ ‪ ،‬وكـذا كتـاب اَّ ازأ ‪ ،‬ابب ايوة أحـد (يف َّ‬
‫مقدمـة الباب) ‪ ،‬و رية ابن ه ام (ريَي راها ر ول هللا هللال هللا عليت‬
‫و لم) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬لدمت ربت ‪ ،‬ودفعت‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبويَّة‪ ،‬ص ‪ ، 285‬وانظر رية ابن ه ام (هللافيَّة وحاي‪،‬ا عل حاية)‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)185/3‬‬
‫‪783‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـرأ شوشم ِس ـ ـ ـ ـ ِْريأ‬
‫ب شكاءً شوح ْايانً شْحم ش‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـبا‬
‫ت ال َّ‬ ‫اك ما هبَّ ِ‬‫فشـ شوهللاِ حش أشنْ شس ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫يشـذ ْود شع ِن ال ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشِم كـ َّـل شكف ْوِر‬ ‫شعلش أش ش ـ ـ ـ ـ ِد هللا الَّ ِذ ْأ شكا شن ِم ْد شرهاً‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ (‪)2‬‬
‫أ ْ ـ ـ ـ ـب ٍع تشـ ْعتشادِين شونس ـ ـ ـور‬ ‫لش شد‬ ‫ت ِش ـ ـ ْلوأ ِعْن شد شذ شاك شوأ ْشعظ ِمي‬ ‫فشـيشا لشْي ش‬
‫هللا شخ ْرياً ِم ْن أ ٍ شونشصـ ـ ْري‬
‫ِ ِ (‪)3‬‬
‫شجشاي‬ ‫أعلش النَّعِ ُّي شع ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ شريِل‬‫أشقول شوقشـ ـ ـ ْد ْ‬

‫‪ - 4‬محزة ال بواكي له‪:‬‬

‫اكي‬ ‫ل َّـما رجع ر ول هللا(ﷺ) من أ ٍ‬


‫لكن حاية ح بو ش‬
‫حد مسع نساء األنصار يبك ‪ ،‬فقال « َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫وهن يبك ‪،‬‬
‫لت»‪ ،‬فبل ذلك نساءش األنصار‪ ،‬فبك حاية ‪ ،‬فنام ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬مثَّ ا تيقم‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫هالك بعد اليوم» [أمحد‬ ‫هن! ما زلن يبك منذ اليوم‪ ،‬فليبك ‪ ،‬وح يبك عل‬
‫فقال «َي و َّ‬
‫(‪ ،)92 ،84 ،40/2‬وابن مــاجــه (‪ ،)1591‬والطرباين يف الكبري (‪ ،)2943‬وأبو يعلى (‪ ،)3576‬وجممع الزوائــد‬

‫الايمن نايل الوحي ي ِدد عل حتر‬ ‫حرمت النِياحة عل اَّيت‪ ،‬وبعد ف ة من َّ‬ ‫(‪ .])120/6‬وبذلك ِ‬
‫النِياحة عل اَّيت‪ ،‬وجيعلها من كبائ ـ ـ ــر ُّ‬
‫الذنوب‪ ،‬وهو بذلـ ـ ــك يت ل ـ ـ ــل داخ ـ ـ ــل أعماق اَّؤمن ‪،‬‬
‫واَّؤمنات‪ ،‬يتتبَّع آاثر اجلاهلية لكي ميلوها‪ ،‬وي رس مكا‪،‬ا تعاليم ال الم(‪.»)5‬‬

‫اجلاهلية‪ ،‬وإن النَّائلة إذا تت قبل أن َتوت‪،‬‬


‫َّ‬ ‫قال(ﷺ) «النِياحة عل اَّيت من أمر‬
‫[ابن ماجه‬ ‫بدروي من ي النَّار»‬ ‫َّ‬
‫فَ‪،‬ا تـْبـ شعث يوم القيامة عليها رابيل من قطران‪ ،‬مثَّ يعل عليها ٍ‬
‫(‪.])1582‬‬

‫[أمحد‬ ‫وقال(ﷺ) «اثنتان يف النَّاس لا هبم كفر الطَّعن يف النَّس ‪ ،‬والنِياحة عل اَّيِت»‬
‫(‪ ،)496/2‬ومسلم (‪ .])67‬فتوقف النُّوا ‪ ،‬و تتوقف الدُّموي‪.‬‬

‫(‪ِ )1‬م ْدرهاً الَّذأ يدفع عن القوم‪.‬‬


‫(‪ )2‬ال ِ لو العضو‪ .‬تعتادين تتعاهدين‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)185/3‬‬
‫(‪ )4‬رية ابن ه ام (بكاء نساء األنصار عل حاية)‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر السرية النبوية ‪ ،‬للصوَيين (‪.)90/3‬‬
‫‪784‬‬
‫‪ - 5‬رسول هللا(ﷺ) ِّ‬
‫يسمي غالماً لألنصار َبمزة‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) « شمسُّوه‬ ‫ِ‬


‫قال جابر بن عبد هللا ولد لرجل منَّا الم‪ ،‬فقالوا ما نس ـ ـ ـ ـ ــميت؟ فقال الن ُّ‬
‫إس‪ ،‬حاية بـن عبد اَّطل » [احلاكم (‪ ])196/3‬فلماية متش ش ِـذر يف القل الن ِ‬
‫َّبوأ‪،‬‬ ‫أبح ِ األمساء َّ‬
‫ابلذاكرة الكرميـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ولكن هللا بلانت ينايل عل نبيِت(ﷺ) فيما بعد أح َّ األمساء إليـ ـ ـ ـ ـ ــت‪،‬‬
‫عالق َّ‬
‫[مسلم (‪،)2132‬‬ ‫الرحن»‬ ‫فيقويا(ﷺ) َّن حولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت « َّ‬
‫إن أح َّ أمسائكم إىل هللا عبد هللا‪ ،‬وعبد َّ‬
‫وأبو داود (‪ ،)4949‬والرتمذي (‪ ،)2833‬وابن ماجه (‪.])3728‬‬

‫وجوك ِّ‬
‫عين»‬ ‫ب َ‬ ‫ِّ‬
‫[البخاري (‪ ،)4072‬وأمحد (‪])5073‬‬ ‫‪« - 6‬فول تستطيع أن تُـ َي َ‬
‫يف هذا التَّوجيت الكر ح يوجد فيت ش ـ ــيء من اَّؤاخذة والتَّأثيم لوح ـ ـ ٍـي َّ‬
‫وإجا هو تذكري لت‬
‫أبن رييتت َّإَيه دل لت ش ــيئاً من اَّتاع النَّفسـ ـيَّة‪ ،‬وحت ِرك يف نفس ــت ذكرَيت حادث القتل‪ ،‬وما‬ ‫َّ‬
‫ات ب ـ ـريَّة رمبا ح يكون من اَّسـ ــتطاي منعها‪،‬‬ ‫بعمت‪ ،‬فتثري عنده حاياز ٍ‬ ‫َتثيل شـ ــني ٍع ب ـ ـ ٍع ِ‬
‫تبعت من ٍ‬
‫ش‬
‫َّب(ﷺ) ويـ ْقلِقت(‪ ،)1‬فأش ــار‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ومقاومتها إح ب ــيء من العس ــر‪ ،‬والعنت ال َّ ـ ـديد اَّا قد ي ْ ـ ـ ل الن َّ‬
‫اية هللاـ ٍ‬
‫ـليلة قال‬ ‫حض يفقد مصــدر التَّذكري بتلك اَّصــيبة(‪ .)2‬يف رو ٍ‬ ‫عليت(ﷺ) أبن ي يِ وجهت َّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فقال س «وح ي» قلت نعم‪ ،‬قال «قتلت حاية؟»‪ ،‬قلت نعم‪،‬‬ ‫وح ُّي أتيت الن َّ‬
‫احلمد هلل الَّذأ أكرمت بيدأ‪ ،‬و يه ِ بيده‪ ،‬فقالت لت قريش أحتبُّت وهو قاتل حاية‪ .‬فقلت َي‬
‫ر ـ ــول هللا! فا ـ ــت فر س‪ ،‬فتفل ر ـ ــول هللا(ﷺ) يف األرض ثالثةً‪ ،‬ودفع هللا ـ ــدرأ ثالثةً‪ ،‬وقال‬
‫فقاتل يف ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا‪ ،‬كما قاتلت لِتشص ـ ـ ـ ـ ـ َّد عن ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا» [الطرباين يف الكبري‬
‫«وح ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬اخرً ْ‬
‫(‪ ،)139/22‬وجممع الزوائد (‪.])127/6‬‬

‫وحمادة هللا تعاىل‬ ‫َّبوأ إىل ِ‬


‫مكفرات ما ـ ـ ـ ـ ـ ــلف من الكفر‪َّ ،‬‬ ‫ـادأ الن ِ‬
‫فهذا من التَّوجيت الرشـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ور ـ ـ ـ ـ ـولت(ﷺ) ‪ ،‬وذكر القتال يف ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا بيان ل مر األنس ـ ـ ـ ـ ـ يف التَّكفري‪ ،‬وفيت حض من‬
‫لعل ملر شً وح ـ ٍـي إىل اليمامة‪ ،‬وقتلت مس ــيلمةش َّ‬
‫الكذاب كان أثراً‬ ‫َّب(ﷺ) لعالء راية اجلهاد‪ ،‬و َّ‬
‫الن ِ‬

‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لصادق عرجون ‪.)603/3( ،‬‬


‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)141/5‬‬ ‫(‪ )2‬انظر التاري ال المي ‪،‬‬
‫‪785‬‬
‫الذنوب‪ِ ،‬‬
‫ويطهر احاثم‪.‬‬ ‫ت(‪ُّ )1‬‬
‫َّب(ﷺ) إىل أفضل ما ميلو اخلطاَي‪ ،‬و ُّ‬
‫من آاثر توجيت الن ِ‬

‫يِد‬ ‫وقد أدرك وح ي ذلك‪ ،‬فقال ح قتل مسيلمةش َّ‬


‫الكذاب قتلت خري النَّاس ‪ -‬يع‬
‫شر النَّاس مسيلمةش َّ‬
‫الكذاب(‪.)2‬‬ ‫بن عبد اَّطَّل ‪ ،-‬وقتلت َّ‬
‫ال ُّهداء حايةش ش‬
‫ب ‪ -‬مصعب بن عمري رضي هللا عنه‪:‬‬

‫قال خبَّاب ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت هاجران مع ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) وحنن نبت ي وجت هللا‪ ،‬فوقع أجران‬
‫عل هللا فش ِمنَّا شم ْن مضـ ـ يف ــبيلت‪ ،‬و ركل ِم ْن أجره ش ــيئاً‪ ،‬منهم مص ــع بن عمري قتل يوم‬
‫أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬و ي ك إح شجشرةً‪ ،‬فكنَّا إذا طَّينا رأ ـ ـ ــت بدت رجاله‪ ،‬وإذا طَّينا رجليت بدا رأ ـ ـ ـت‪ ،‬فقال‬
‫ر ــول هللا(ﷺ) « طُّوا رأ ش ـت‪ ،‬واجعلوا عل رجليت الذخر»(‪ ،)3‬ومنا من أينعت لت شرتت‪ ،‬فهو‬
‫يشـ ْه ِدهبا(‪[ .)4‬البخاري (‪ )1276‬و(‪.])3897‬‬

‫الرحن بن عو أنَّت أل ٍ‬
‫بطعام‪ ،‬وكان هللا ـ ـ ـ ــائماً‪ ،‬فقال قتل مص ـ ـ ـ ــع بن‬ ‫ومن حديث عبد َّ‬
‫عمري‪ ،‬وك ـ ـ ـ ــان خرياً م ِ ‪ ،‬فلم يوجد لت ما يكفَّن فيت إح بـ ْرشدة‪ ،‬وقتل حاية ‪ -‬أو رجل آخر ‪ -‬خري‬
‫م ِ ‪ ،‬فلم يوجد لت ما يكفَّن فيت إح بـ ْرشدة‪ ،‬لقد شخ ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يت أن يكون قد ع ِ لت لنا طيِبات نا يف‬
‫حض ترك الطَّعام [البخاري (‪ ،)1274‬و(‪ ،)1275‬و(‪.])4045‬‬ ‫حياتنا الدُّنيا‪ ،‬مثَّ جعل يبكي َّ‬
‫إن ر ــول هللا(ﷺ) ح انص ــر من أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬مَّر‬ ‫ومن حديث أيب هريرة ر ــي هللا عنت قال َّ‬
‫عل مصـ ـ ــع بن عمري وهو مقتول عل طريقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬فوقف عليت‪ ،‬ودعا لت‪ ،‬مثَّ قرأ هذه ا ية‬
‫ض ـ ـ ـ ـ شْحنبشت شوِمْنـه ْم شم ْن يشـْنـتش ِظر شوشما‬ ‫﴿ ِمن الْم ْؤِمنِ ِرجال هللا ـ ـ ـ ـ شدقوا ما عاهدوا َّ ِ‬
‫اَّللش شعلشْيت فش ِمْنـه ْم شم ْن قش ش‬ ‫ش شش‬ ‫ش ش ش‬ ‫ش‬
‫بشدَّلوا تشـْب ِديالً ﴾ [األحزاب‪ ،]23 :‬مثَّ قال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «أش ـ ــهد أ َّن هؤحء ش ـ ــهداء عند هللا‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فائتوهم‪ ،‬وزوروهم‪ ،‬والَّذأ نفسـ ـ ـ ــي بيده‪ ،‬ح يسـ ـ ـ ــلِم عليهم أحد إىل يوم القيامة‪ ،‬إح‬

‫ت يسقا‪.‬‬‫(‪ُّ )1‬‬
‫ِ‬
‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لصادق عرجون (‪ ، )602/3‬والبهارأ ‪ ،‬رقم (‪ )4072‬لة «لعلي أقتلت فأكافأ بت حاية» وشرحها يف الفت ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬الذخر نوي من الع ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أينعت أأ نض ت‪ .‬يهدهبا أأ جيتنيها‪.‬‬
‫‪786‬‬
‫عليت» [احلاكم (‪ ،)200/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪.])284/3‬‬ ‫ردوا‬
‫ُّ‬

‫الربيع رضي هللا عنه‪:‬‬


‫ج ‪ -‬سعد بن َّ‬
‫يش‪ ،‬وكان ر ــول هللا(ﷺ) بُّت‪،‬‬ ‫خرب مســري قر ٍ‬ ‫َّ‬
‫هذا هو الذأ ا ْ ـتش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكْتش شمت ر ــول هللا(ﷺ) ش‬
‫الربيع‪ ،‬أيف‬
‫حد قال ر ول هللا(ﷺ) « شم ْن رجل ينظر ما فعل عد بن َّ‬ ‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما انتهت معركة أ ٍ‬
‫ِ‬
‫يب بن كع‬
‫ت إليت‪ ،‬فقال أ ُّ‬ ‫َّب(ﷺ) قد رأ األ ـنَّة أشـ ِر شع ْ‬ ‫األحياء هو‪ ،‬أم يف األموات؟» َّ‬
‫ألن الن َّ‬
‫الربيع‪ ،‬فأقرئت م ِ‬
‫أيت ـ ـ ـ ــعد بن َّ‬‫ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت أان أنظره لك َي ر ـ ـ ـ ــول هللا! فقال لت «إن ر ش‬
‫السالم‪ ،‬وقل لت يقول لك ر ول هللا(ﷺ) كيف ددك؟» فنظر أ شيب‪ ،‬فوجده جر اً بت شرشمق‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أمرين أن أنظر أيف األحياء أنت‪ ،‬أم يف األموات‪ ،‬فقال قد‬ ‫فقال لت َّ‬
‫ـليلة قال عل ر ــول هللا‪،‬‬ ‫اية هللاـ ٍ‬
‫طعِْنت اثنيت ع ـرشة طعنةً‪ ،‬وقد أنفذت إىل مقاتلي(‪ .)1‬ويف رو ٍ‬
‫ش‬
‫وعليك ال َّسـ ـالم‪ ،‬قل لت َي ر ــول هللا! أجد ري اجلنَّة‪ ،‬وقل لقومي األنص ــار ح عذر لكم عند‬
‫ص إىل ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) وفيكم ع تطر (‪ ،)2‬قال وفا ـ ـ ـ ـ ــت نفس ـ ـ ـ ـ ـت رحت هللا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هللا إ ْن خل ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ هلل‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـولِت(ﷺ) يف ـ ـ ـ ــكرات‬ ‫(‪)3‬‬
‫[احلاكم (‪ ،)201/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ! ])285/3‬وهذا ن ْ‬
‫اَّوت ُّ‬
‫يدل عل َّقوة الميان‪ ،‬واحلرص عل الوفاء ابلبيعة‪ ،‬يتأثر ابَّوت وح احم القرو ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫جحش رضي هللا عنه‪:‬‬ ‫د ‪ -‬عبد هللا بن‬

‫حد أح تدعو‬ ‫جلش قال لت يوم أ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قال ــعد بن أيب وقَّاص ر ــي هللا عنت َّ‬
‫إن عبد هللا بن‬
‫العدو‪ ،‬فشـلش ِق رجالً ش ـ ــديداً أب ـ ـت‪،‬‬
‫رب! إذا لقيت َّ‬ ‫انحية‪ ،‬فدعا ـ ــعد‪ ،‬فقال َي ِ‬ ‫هللا‪ ،‬فشهلشوا يف ٍ‬
‫شْ‬
‫فأمن عبد هللا بن‬ ‫شـ ــديداً حرده‪ ،‬أقاتلت‪ ،‬ويقاتل ‪ ،‬مثَّ ارزق الظَّشفشر عليت َّ‬
‫حض أقتلشت‪ ،‬واخ شذ ش ـ ـلشبشت‪َّ ،‬‬
‫جلش‪ ،‬مثَّ قال اللَّ َّ‬
‫هم ارزق رجالً شـ ـ ـ ـ ـ ــديداً حرده‪ ،‬شـ ـ ـ ـ ـ ــديداً أب ـ ـ ـ ـ ـ ـت‪ ،‬أقاتلت فيك ويقاتل ‪ ،‬مثَّ‬ ‫ٍ‬
‫ي أن شفك‪ ،‬وأذنشك؟ فأقول فيك‪،‬‬
‫قلت من شج شد ش‬
‫رخذين‪ ،‬فشـيش ْ شدي أنفي‪ ،‬وأذين‪ ،‬فَذا لقيتك داً‪ ،‬ش‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية احللبيَّة (‪.)532/2‬‬
‫علي يف ااثر اَّ رك )‪.‬‬
‫(‪ )2‬رية ابن ه ام (خروً ٍ‬
‫(‪ )3‬انظر هللالي ِ‬
‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪787‬‬
‫ـدقت‪ .‬قال ـ ـ ــعد َي ب َّ‪ ،‬كانت دعوة عبد هللا بن جلش خرياً من‬ ‫ويف ر ـ ـ ـ ـولك‪ ،‬فتقول هللا ـ ـ ـ ش‬
‫وإن أنفــت‪ ،‬وأذنــت َّعلَّقــان يف ٍ‬
‫خيا(‪ .)1‬ويف هــذا اخلرب جواز دعــاء‬ ‫دعول‪ ،‬لقــد رأيتـت آخر النَّهــار َّ‬
‫الرجل أن يقتل يف بيل هللا‪ ،‬وَتنِيت ذلك‪ ،‬وليس هذا من َت ِ اَّوت ِ‬
‫اَّنهي عنت(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫هـ حنظلةُ بن أب عام ٍر رضي هللا عنه (غَ ِّسيل املالئكة)‪:‬‬

‫حرب‪ ،‬فوقع عل األرض‪،‬‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما انك ــف اَّ ــركون ــرب حنظلة فرس أيب ــفيان بن ٍ‬
‫ش‬
‫فصا وحنظلة يريد ذحبت‪ ،‬فأدركت شدَّاد بن األ ود‪ ،‬ويقال لت ابن ششعوب‪ ،‬فلمل عل حنظلةش‬
‫ابلرم وقد أثبتت‪ ،‬مثَّ ــرب الثَّانية فقتلت‪ ،‬فذكِر ذلك لر ــول‬
‫ابلرم ‪ ،‬فأنفذه‪ ،‬وم ـ إليت حنظلة ُّ‬ ‫ُّ‬
‫السماء واألرض مباء اَّ ْاين‪ ،‬يف ِهللا شلا ِ الفضَّة»‬
‫هللا(ﷺ) فقال « ِإين رأيت اَّالئكة ت ِسلت ب َّ‬
‫فقال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «فا ـ ــألوا أهلشت ما ش ـ ــأنت؟» فس ـ ــألوا هللا ـ ــاحبتت عنت‪ ،‬فقالت خرً وهو‬
‫[احلاكم (‪204/3‬‬ ‫جن ح مسع اياتفة(‪ ،)3‬فقال ر ـ ــول هللا(ﷺ) «فلذلك ش َّس ـ ـلشْتت اَّالئكة»‬
‫(‪ ،)15/4‬والطرباين الكبري (‪ ،)12094‬وجممع الزوائد (‪.)4(])23/3‬‬ ‫‪ ،)205 -‬والبيوقي يف السنن الكرب‬

‫تايوً يلة بنت عبد هللا بن أيب بن ـ ـ ـ ــلول‪،‬‬


‫اقدأ وكان حنظلة بن أيب عامر َّ‬ ‫ويف رواية الو ِ‬
‫يبيت‬ ‫فأدخلت عليـ ــت يف اللَّيلة الَّيت يف هللابلها قت ـ ــال أ ٍ‬
‫ول هللا(ﷺ) أن ش‬ ‫حد‪ ،‬وكان قد ا تأذن ر ش‬
‫ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ولايمتت يلة فعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‪ ،‬فكان‬
‫ابلصب دا يريد ر ش‬
‫َّ‬ ‫عندها‪ ،‬فأذن لت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما هللالَّ‬
‫معها‪ ،‬فأجن منها‪ ،‬مثَّ أراد اخلروً‪ ،‬وقد أر لت قبل ذلك إىل أر ٍ‬
‫بعة من قومها فأشهدهتم أنـَّ ـ ـ ـ ـ ــت‬
‫أش ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫كأن ال َّسـ ـ ـ ـ ـماء ف ِر شج ْ‬
‫ت فدخل فيها‬ ‫ـهدت عليت؟ قالت رأيت َّ‬ ‫قد دخل هبا‪ ،‬فقيل يا بشـ ْعد‬
‫حنظلة‪ ،‬مثَّ أطبقت‪ ،‬فقلت هذه ال َّ ـ ـ ـ ـهادة‪ ،‬فأش ـ ـ ــه ْدت عليت أنَّت قد دخل يب‪ .‬وتشـ ْعلشق بعبد هللا‬
‫حممد بن اثبت بن قيس(‪.)5‬‬
‫تايوجها اثبت بن قيس بعد‪ ،‬فولدت لت َّ‬
‫بن حنظلة‪ ،‬مثَّ َّ‬

‫السرية النَّبوية ‪ ،‬ص ‪.293‬‬‫(‪ )1‬انظر هللالي ِ‬


‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)212/3‬‬
‫(‪ )3‬أأ مسع منادأ ر ول هللا هللال هللا عليت و لميدعو للهروً َّالقاة العدو‪.‬‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 289‬و رية ابن ه ام (حنظلة سيل اَّالئكة) ‪ ،‬وفت البارأ شر حديث رقم (‪.)1346‬‬ ‫(‪ )4‬انظر هللالي ِ‬
‫اقدأ (‪.)273/1‬‬ ‫(‪ )5‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬
‫‪788‬‬
‫مواقف‪ ،‬وعربٌ؛ منوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ويف هذا اخلرب‬

‫‪ - 1‬يف تعلُّق يلــة بنــت عبــد هللا بن أيب‪ ،‬حبنظلــة بن أيب عــامر ح رأت لــت تلــك ُّ‬
‫الريَي‬
‫الَّيت ف َّس ـ ـ ـ ـرهتا ابل َّ ـ ـ ـ ـهادة‪ ،‬فاَّظنون يف مثل هذه احلال أن حتاول احبتعاد عنت َّ‬
‫حض ح حتمل منت‪،‬‬
‫فتكون بعــد ذلــك ري حظيَّـة لــد اخلطَّـاب‪ ،‬لكنَّهــا تعلَّقــت بــت رجــاءش أن حتمــل منــت‪ ،‬فتلــد ولــداً‬
‫صـال أوحً‪ ،‬مثَّ مبا ترجوه من نيلت ال َّ ـهادة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫درجات عليا يف ال َّ‬ ‫ينسـ لذلك ال َّ ـهيد‪ ،‬الَّذأ بل‬
‫ولقد حصـ ـ ـ ــل يا ما َّأملت بت‪ ،‬فلملت منت‪ ،‬وولدت ولداً ذكراً ِمسي عبد هللا‪ ،‬وكان لت ِذ ْكر بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وكان ِم ْن أعل ما يفتهر بت أن يقول أان ابن ش ِسْي ِل اَّالئكة‪.‬‬

‫القوأ عل مقــارعــة أعــداء هللا‪ ،‬الَّـذأ يتمثـَّل يف ـ ـ ـ ـ ـ ــرعــة خروجــت إىل‬


‫ص حنظلــة ُّ‬
‫‪ - 2‬شحشر ش‬
‫يتمكن معت من سل اجلنابة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫اَّيدان‪ ،‬األمر الذأ‬

‫‪ - 3‬ش ـ اعتت الفائقة الَّيت تظهر يف تصـ ِـديت لقائد اَّ ــرك ‪ ،‬أيب ــفيان بن حرب‪ ،‬والقائد‬
‫الباً يكون حولت شم ْن ميت‪ ،‬وهو فارس‪ ،‬وحنظلة راجل‪.‬‬

‫‪ - 4‬ت ريف رابين كر ‪ ،‬يف نايول اَّالئكة لت سيل حنظلة مبياه الْم ْاين يف هللالا الفضَّة‪.‬‬
‫عما قامت بت اَّالئكة ِم ْن ت ٍ‬
‫سيل حيث رأ (هللال‬ ‫الصلابة َّ‬
‫‪ - 5‬مع اية نبويَّة يف إخبار َّ‬
‫الصلابة ذلك(‪.)1‬‬
‫هللا عليت و لم ) اَّالئكة وهي ت سل‪ ،‬و شير َّ‬
‫‪ - 6‬إذا كان ال َّهيد جنباً ِسل‪ ،‬كما سلت اَّالئكة حنظلةش بن أيب عامر(‪.)2‬‬

‫و ‪ -‬عبد هللا بن عمرو بن َح َر ٍام رضي هللا عنه‪:‬‬

‫حد‪ ،‬فهاط ابنت جابراً بقولت َي‬ ‫أهللار عب ـ ـ ـ ـ ــد هللا بن عمرو بن حرٍام عل اخلروً يف ايوة أ ٍ‬
‫َّ‬
‫فَين وهللا لوح ِأين أترك‬
‫حض تعلم إىل ما يصري أمران‪ِ ،‬‬
‫جابر! ح عليك أن تكون يف نظارأ اَّدينة َّ‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪ 129/5‬ـ ‪.)130‬‬ ‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)214/3‬‬
‫‪789‬‬
‫[أمحد (‪ ،)398 - 397/3‬وجممع الزوائد (‪.])135/4‬‬ ‫يدأ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تل ب‬
‫بنات س بعدأ ألحببت أن تـ ْق ش‬
‫َّب(ﷺ) ‪ِ ،‬‬
‫وإين ح‬ ‫وقال حبنت أيض ـ ـ ـاً ما أراين إح مقتوحً يف َّأول من يـ ْقتشل من أهللا ـ ـ ــلاب الن ِ‬
‫فاقض‪ ،‬وا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـتوص‬ ‫علي ديناً ِ‬
‫وإن َّ‬ ‫علي منك شري ِ‬
‫نفس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪َّ ،‬‬ ‫أعَّاي َّ‬
‫أترك بعدأ ش‬
‫خرياً [البخاري (‪.])1351‬‬ ‫نخوتك‬
‫وخرً مع اَّســلم وانل و ــام ال َّ ـهادة يف ــبيل هللا‪ ،‬فقد قتل يف معركة أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وهذا جابر‬
‫أحد ‪ ،‬جعلت أك ف عن وجهت ‪ ،‬وأبكي ‪،‬‬ ‫ِدثنا عن ذلك ‪ ،‬حيث يقول ل ـ ـ ـ َّـما قتل أيب يوم ٍ‬

‫َّب(ﷺ)‬
‫عميت تبكيت‪ ،‬فقال الن ُّ‬ ‫ت َّ‬ ‫وج شعلش ْ‬
‫وجعل أهللالاب ر ول هللا(ﷺ) ينهون وهو ح ينهاين‪ ،‬ش‬
‫«تبك ‪ ،‬أو ح تبك ‪ ،‬م ــا زال ــت اَّالئك ــة ت ِظلُّ ـت أبجنلته ــا َّ‬
‫حض شرفشـ ْعتموه» [البخــاري (‪،)1244‬‬

‫ومسلم (‪.])130/2471‬‬

‫وقال ر ــول هللا(ﷺ) «َي جابر! ماس أراك منكسـراً؟» قال َي ر ــول هللا‪ ،‬ا ــت ــهد أيب‪،‬‬
‫وديناً‪ .‬قال(ﷺ) «أفال أب ـ ـ ـ ــرك مبا لقي هللا بت أابك؟» قال بل َي ر ـ ـ ـ ـول هللا!‬
‫وترك عياحً‪ ،‬ش‬
‫قا إحَّ من وراء ح ــاب‪ ،‬وكلَّم أابك كفــاحـاً(‪َ .)1‬ي جــابر! أمــا‬ ‫قــال(ﷺ) «مــا شكلَّم هللا أحــداً ُّ‬
‫ش‬
‫عطك‪ .‬قال َي رب! حتيي فأقتل فيك‬ ‫َتن علي أ ِ‬ ‫علمت َّ‬
‫أن هللا أحيا أابك‪ ،‬فقال َي عبدأ! َّ َّ‬
‫ب ــبلانت إنَّت ــبق م ِ َّأ‪،‬م إليها ح يرجعون‪ .‬قال َي رب! فأبل شم ْن ورائي»‬ ‫الر ُّ‬
‫اثنيةً‪ .‬فقال َّ‬
‫ين قتِلوا ِيف‬ ‫[الرتمذي (‪ ،)3010‬وابن ماجه (‪ )190‬و(‪ ،)2(])2800‬فأنايل هللا تعاىل ﴿وحش شحتس ـ ـ ـ ـ ـ َّ َّ ِ‬
‫ب الذ ش‬ ‫ش ْش ش‬
‫شحيشاء ِعْن شد شرهبِِ ْم يـ ْرشزقو شن ﴾ [آل عمران‪.]169 :‬‬ ‫بِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل أ ْشم شو ًاات بش ْل أ ْ‬ ‫ش‬
‫وقـد رأ عبد هللا بـن عمرو رييـا يف منامـت قبل أحـد قال رأيت فـي النَّوم قبل أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬مب ِ ر‬
‫بن عبد اَّنذر يقول س أنت قادم علينا يف ٍ‬
‫أَيم‪ ،‬فقلت وأين أنت؟ فقال يف اجلنَّة نش ْسشر فيهـ ـا‬
‫كيف ن ــاء‪ .‬قلت لت أ ت ـ ْقتشل يوم ب ــد ٍر ؟ قال بل ! مثَّ أحييت‪ .‬فذكر ذلك لر ول هللا(ﷺ)‪،‬‬

‫(‪ )1‬كفاحاً أأ مواجهةً‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر شرحت يف الفت ‪ ،‬وانظر تفسري ابن كثري يذه احية‪.‬‬
‫‪790‬‬
‫فقال «ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه ال َّ ـ ـ ـهادة َي أاب جابر» ! [احلاكم (‪ ،)204/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪ )1(])249/3‬وقد‬
‫ومنِ ِت‪.‬‬
‫الريَي بفضل هللا ش‬ ‫حتقَّقت تلك ُّ‬
‫زـ خيثمة أبو سعد رضي هللا عنه‪:‬‬

‫قال خيثمة أبو ــعد ‪ -‬وكان ابنت ا ــت ــهد مع ر ــول هللا(ﷺ) يوم بد ٍر ‪ -‬لقد أخطأت‬
‫حض ـ ـ ـ ـ ـ ــالت اب يف اخلروً‪ ،‬فهرً ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْهمت‪ ،‬فرِز شق‬ ‫وقعة بد ٍر‪ ،‬وكنت وهللا عليها حريص ـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪َّ ،‬‬
‫ال َّ ـ ـ ـ ـهادة‪ ،‬وقد رأيت البارحة اب يف النَّوم يف أحسـ ـ ـ ــن هللاـ ـ ـ ــورةٍ‪ ،‬يسـ ـ ـ ــر يف شار اجلنَّة‪ ،‬وأ‪،‬ارها‪،‬‬
‫ويقول احلق بنــا ترافقنــا يف اجلنـَّة‪ ،‬فقــد وجــدت مــا وعــدين ريب حقـاً‪ ،‬وقــد وهللا َي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا‬
‫ت ِ ـ ـ ِ ‪ ،‬شور َّق عظمي‪ ،‬وأحببت لقاء ِريب‪ ،‬فادي‬ ‫ِ‬
‫كرب ْ‬
‫أهللا ــبلت م ــتاقاً إىل مرافقتت يف اجلنَّة‪ ،‬وقد ش‬
‫ـعد يف اجلنَّة‪ ،‬فدعا لت ر ــول هللا(ﷺ) بذلك‪،‬‬ ‫هللا َي ر ــول هللا! أن يرزق ال َّ ـ ـهادة‪ ،‬ومرافقة ـ ٍ‬

‫حد شهيداً‪[ .‬البيوقي يف الدالئل (‪.)2(])249/3‬‬ ‫فقتِل أب ٍ‬

‫ح ‪ -‬وهب املزيني‪ ،‬وابن أخيه رضي هللا عنوما‪:‬‬

‫أقبل وه بن قابوس اَّايينُّ‪ ،‬ومعت ابن أخيت احلارث بن عقبة بن قابوس ب ن ٍم يما من جبل‬
‫مايينة‪ ،‬فوجدا اَّدينة خلواً‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأح أين النَّاس؟ فقالوا أب ٍ‬
‫حد خرً ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يقاتل‬ ‫ش‬
‫حض أتيا النَّب(ﷺ) أب ٍ‬
‫حد‪ ،‬في دان‬ ‫يش‪ .‬فقاح ح نبت ي أثراً بعد ع ‪ ،‬فهرجا َّ‬ ‫اَّ ـ ـ ـ ــرك من قر ٍ‬
‫القوم يقتتلون‪ ،‬و َّ‬
‫الدولة لر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) وأهللا ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬فأ ارا مع اَّس ـ ـ ـ ــلم يف النـ َّْه ‪ ،‬وجاءت‬
‫اخليــل ِم ْن وراءهم‪ ،‬خــالــد بن الوليــد وعكرمـة بن أيب جهــل‪ ،‬فــاختلطوا‪ ،‬فقــاتال أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـد القتـال‪،‬‬
‫فانفرقت فرقة من اَّ ــرك ‪ ،‬فقال ر ــول هللا(ﷺ) «من يذه الفرقة؟» فقال وه بن قابوس‬
‫حض انصرفوا‪ ،‬مثَّ رجع‪.‬‬
‫أان َي ر ول هللا! فقام فرماهم ابلنـَّْبل َّ‬
‫فانفرقت فرقة اثنية‪ ،‬فقال ر ــول هللا(ﷺ) «من يذه الكتيبة؟» فقال اَّايينُّ أان َي ر ــول‬

‫(‪ )1‬انظر زاد اَّعاد (‪.)208/3‬‬


‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)208/3‬‬
‫‪791‬‬
‫هللا! فقــام فــذ َّهبـا ابل َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيف حض ولَّْوا‪ ،‬مثَّ رجع اَّشايينُّ‪ ،‬مثَّ طلعــت كتيبــة اثلثــة‪ ،‬فقــال « شم ْن يقوم‬
‫يؤحء؟» فقال اَّايينُّ أان َي ر ــول هللا! فقال «قم‪ ،‬وأب ــر ابجلنَّة»‪ ،‬فقام اَّايينُّ مس ــروراً‪ ،‬يقول‬
‫وهللا ح أقيل‪ ،‬وح أ ــتقيل‪ ،‬فقام ف عل يدخل فيهم فيض ــرب ابل َّس ـ ـيف‪ ،‬ور ــول هللا(ﷺ) ينظر‬
‫حض خرً من أقصاهم‪ ،‬ور ول هللا(ﷺ) يقول «اللهم ارحت!» مثَّ يرجع فيهم فما‬
‫إىل اَّسلم َّ‬
‫حض اش ـ ـ ــتملت عليت أ ـ ـ ــيافهم‪ ،‬ورماحهم‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فوجد بت يومئذ‬
‫زال كذلك‪ ،‬وهم حمدقون بت‪َّ ،‬‬
‫ثلة ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬مثَّ قام ابن أخيت‪،‬‬ ‫مقتل‪ ،‬ومثِل بت أقب م ٍ‬
‫ع ـ ـ ــرون طعنةً برم ‪ ،‬كلُّها قد خلص ـ ـ ــت إىل ٍ‬
‫ش‬
‫حض قتل‪ ،‬فكان عمر بن اخلطَّاب يقول إن أح َّ ٍ‬
‫ميتة أموت َّا مات عليها اَّايينُّ‪.‬‬ ‫فقاتل قتالت َّ‬
‫ش‬
‫[امل ازي للواقدي (‪.])275/1‬‬

‫وكان بالل بن احلارث اَّايينُّ ِدث‪ ،‬يقول شهدان القاد يَّة مع عد بن أيب وقَّاص‪ ،‬فل ـ ـ َّـما‬
‫(‪)1‬‬
‫فض من ال قابوس من مايينة ‪ ،‬ف ئت ـ ـ ــعداً‬ ‫ا ً‬ ‫فت هللا علينا‪ ،‬وقسـ ـ ــمت بيننا نائمنا‪ ،‬فأ ْ ـ ـ ـ ِق ش‬
‫ح فرغ من نومـت‪ ،‬فقــال بالل؟ قلــت بالل! قــال مرحبـاً بـك‪ ،‬شم ْن هـذا معـك؟ قلــت رجــل‬
‫من قومي ِم ْن ال قابوس‪ .‬قال ـ ـ ـ ـ ـ ــعد ما أنت َي فض من اَّايين الَّذأ قتل يوم أحد؟ قال ابن‬
‫الرجل شــهدت منت يوم أحد م ـهداً‬ ‫أخيت‪ .‬قال ــعد مرحباً‪ ،‬وأهالً‪ ،‬وأنْـ شع شم هللا بك شعْيناً‪ ،‬ذلك َّ‬
‫كل ٍ‬
‫انحية‪ ،‬ور ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ)‬ ‫أحد‪ ،‬لقد رأيتنا وقد أحدق اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــركون بنا من ِ‬ ‫ما شـ ـ ـ ـ ـ ــهدتت من ٍ‬
‫(‪)2‬‬
‫وإن ر ــول هللا(ﷺ) لريمي ببص ــره يف النَّاس َّ‬
‫يتومسهم‬ ‫كل ٍ‬
‫انحية‪َّ ،‬‬ ‫و ــطنا‪ ،‬والكتائ تطلع من ِ‬
‫يرده‪ ،‬فما أنس ـ ـ‬
‫كل ذلك ُّ‬
‫كل ذلك يقول اَّايينُّ أان َي ر ـ ــول هللا! ُّ‬
‫يقول «من يذه الكتيبة؟» ُّ‬
‫مرٍة قامها‪ ،‬فقال ر ــول هللا(ﷺ) «قم وأب ــر ابجلنَّة!» قال ــعد وقمت عل أثره‪ ،‬يعلم‬ ‫آخر َّ‬
‫حض رجعنا فيهم الثَّانية ‪،‬‬‫هللا ِأين أطل مثل ما يطل يومئذ من ال َّ ـ ـ ـ ـهادة ‪ ،‬فهض ـ ـ ــنا شح ْومتهم َّ‬
‫أجلِي ا ـ ــتأخر‪ ،‬مثَّ‬
‫لكن ش‬
‫وأهللا ـ ــابوه ‪ -‬رحت هللا ! ‪ -‬ووِددت وهللا ِأين كنت أهللا ـ ــبت ٍ‬
‫يومئذ معت‪ ،‬و َّ‬ ‫ش ْ‬
‫الرجوي إىل‬ ‫ض ـ ـ ـلت‪ ،‬وقال اخ يف اَّقام عندان‪ ،‬أو ُّ‬ ‫دعا ـ ـ ــعد من ـ ـ ــاعتت بسـ ـ ــهمت‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬وف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬


‫اقدأ (‪.)277/1‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪792‬‬
‫الرجوي‪ ،‬فرجعنا‪.‬‬
‫أهلك‪ ،‬فقال بالل إنَّت يستل ُّ ُّ‬
‫وقال ــعد أشــهد لرأيت ر ــول هللا(ﷺ) واقفاً عليت وهو مقتول‪ ،‬وهو يقول «ر ــي هللا‬
‫َّب(ﷺ) من اجلرا‬
‫ول هللا(ﷺ) قام عل قدميت وقد انل الن َّ‬
‫اض»‪ ،‬مثَّ رأيت ر ش‬ ‫عنك ِ‬
‫فَين عنك ر ٍ‬
‫ما انلت‪ِ ،‬‬
‫وإين ألعلم َّ‬
‫أن القيام لي ـ ـ ـ ـ ُّـق عليت عل قربه حض و ـ ـ ـ ــع يف حلده‪ ،‬وعليت بـ ْرشدة يا أعالم‬
‫فهمره‪ ،‬وأدرجت فيها طوحً‪ ،‬وبل ت نصـ ـ ـ ــف‬ ‫خضـ ـ ـ ــر‪َّ ،‬‬
‫فمد ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) الربدة عل رأ ـ ـ ـ ــت‪َّ ،‬‬
‫ــاقيت‪ ،‬وأمران ف معنا احلشْرشمل‪ ،‬ف علناه عل رجليت وهو يف حلده‪ ،‬مثَّ انصــر ‪ .‬فما حال أموت‬
‫إس من أن ألق هللا تعاىل عل حال اَّشاي ِين(‪.)1‬‬
‫عليها أح ُّ َّ‬
‫وهكــذا يفعــل الميــان أبهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــابــت‪ ،‬فهــذا شوْهـ اَّايينُّ‪ ،‬وابن أخيــت‪ ،‬تركوا األ نــام ابَّــدينــة‪،‬‬
‫والتلقوا بصــفو اَّســلم ‪ ،‬وحرهللا ـوا عل نيل ال َّ ـهادة‪ ،‬فأكرمهم هللا هبا‪ ،‬وقد كانت تلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك‬
‫اَّللمة الَّيت ـ ـ ـ ـطَّرها اَّايينُّ حمفورًة يف ذاكرة ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة‪ ،‬فهذا ـ ـ ــعد بن أيب وقَّاص ي َّ‬
‫تذكرها بعد‬
‫ويتمىن أن‬ ‫ارد مساي ا ـم رجل من ع ـرية ِ‬
‫اَّايين‪َّ ،‬‬ ‫حد‪َّ ،‬‬ ‫مرور ثالث ع ـرة ـنة تقريباً عل ايوة أ ٍ‬

‫ميوت‪ ،‬ويلق هللا عل مثل حالة ِ‬


‫اَّايين‪.‬‬

‫ط ‪ -‬عمرو بن اجلَ ُموح رضي هللا عنه‪:‬‬

‫شديد العرً‪ ،‬وكان لت بنو شن أربعة مثل األ د(‪،)2‬‬


‫كان عمرو بن اجلمو ر ي هللا عنت أعر شً ش‬
‫ي هدون مع ر ول هللا(ﷺ) اَّ اهد‪ ،‬وهم خالَّد‪ ،‬وم َّ‬
‫عوذ‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وأبو أمين‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان يوم‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال َّ‬
‫إن‬ ‫وجل ‪ -‬قد عذرك‪ ،‬فأت ر ـ ـ ش‬
‫عاي َّ‬ ‫أحد أرادوا شحْب شس ـ ـ ـت‪ ،‬وقالوا َّ‬
‫إن هللا ‪َّ -‬‬
‫بش َّ يريدون أن بس ـ ـ ـ ـ ــوين عن هذا الوجت‪ ،‬واخلروً معك فيت‪ ،‬فو هللا! ِإين ألرجو أن أطأ بعرجيت‬
‫هذه يف اجلنَّة‪ .‬فقال لت ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) « َّأما أنت فقد عذرك هللا تعاىل‪ ،‬فال جهاد عليك»‪،‬‬
‫وقال لبنيت «ما عليكم أحَّ َتنعوه‪َّ ،‬‬
‫لعل هللا أن يرزقت ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهادة» فهرً وهو يقول مس ـ ـ ـ ـ ـ ــتقبل‬

‫(‪ )1‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬


‫اقدأ (‪.)277/1‬‬
‫(‪ )2‬األ د ع أ د‪.‬‬
‫‪793‬‬
‫تردين إىل أهلي خائباً‪ .‬فقتل شهيداً ر ي هللا عنت‪.‬‬
‫القبلة اللهم! ح َّ‬

‫ـول هللا!‬
‫ويف رواية أت عمرو بن اجلمو ر ــي هللا عنت إىل ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقال َي ر ـ ش‬
‫حض أقتل‪ ،‬أم ــي برجلي هذه هللاــليلة يف اجلنَّة ‪ -‬وكانت رجلت‬
‫أيت إ ْن قاتلت يف ــبيل هللا َّ‬
‫أر ش‬
‫فمر‬
‫عرجاء ‪-‬؟ فقال ر ول هللا(ﷺ) «نعم»‪ ،‬فقتلوه يوم أحد هو‪ ،‬واب ـ ـ ـ ـ ــن أخيت‪ ،‬وموىل يما‪َّ ،‬‬
‫رب واحد [أمحد (‪ ،)299/5‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)246/3‬والواقدي‬‫هبم ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ف علوا يف ق ٍ‬
‫يف امل ازي (‪ ،)264/1‬وابن هشام (‪ ،)96/3‬وجممع الزوائد (‪.])315/9‬‬

‫أن شم ْن عذره هللا يف التَّهلُّف عن اجلهاد ٍ‬


‫َّرض‪ ،‬أو شعشرً جيوز لت‬ ‫ويف هذا اخلرب‪ ،‬دليل عل َّ‬
‫اخلروً إليت‪ ،‬وإن جي عليت‪ ،‬كما خرً عمرو بن اجلشمو وهو أعرً(‪.)1‬‬

‫وفيت دليل عل شـ اعة عمرو بن اجلشمو ‪ ،‬ور بتت يف نيل ال َّ ـهادة‪ ،‬وهللاــدقت يف طلبها‪ ،‬وقد‬
‫أكرمت هللا بذلك‪.‬‬

‫ي ‪ -‬أبو حذيفة بن اليمان واثبت بن وقش رضي هللا عنوم‪:‬‬

‫حد‪ ،‬رفع ح شس ـ ـيل بن جابر‪ ،‬وهو اليمان أبو حذيفة ابن‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً ر ـ ــول هللا(ﷺ) إىل أ ٍ‬
‫اليمان‪ ،‬واثبت بن وقش يف احطام(‪ ،)2‬مع النِس ـ ـ ــاء‪ ،‬وال ِ‬
‫صـ ـ ـ ـبيان‪ ،‬فقال أحدلا لص ـ ـ ــاحبت ‪ -‬ولا‬ ‫ش‬
‫شـ ـ ـ ــيهان كبريان ‪ -‬ح أاب لك! ما تنتظر؟ فو هللا ما بقي لو ٍ‬
‫احد منَّا من عمره إح ِظمء(‪ )3‬حا ٍر‪،‬‬
‫َّإجا حنن هامة اليوم‪ ،‬أو د ‪ ،‬أفال أنخذ أ ـ ـ ــيافنا‪ ،‬مثَّ نللق بر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪َّ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لعل هللا يرزقنا‬
‫شهاد ًة مع ر ول هللا(ﷺ) ؟!‬

‫فأما اثبت بن وقش فقتلت‬


‫حض دخال يف النَّاس و يعلم هبما‪َّ ،‬‬
‫فأخذا أ ـ ـ ــيافهما‪ ،‬مثَّ خرجا َّ‬
‫اَّ ـ ــركون‪ ،‬و َّأما ح شس ـ ـيل بن جاب ٍر فاختلفت عليت أ ـ ــيا اَّسـ ــلم ‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬وح يعرفونت‪ ،‬فقال‬

‫(‪ )1‬انظر زاد اَّعاد (‪.)218/3‬‬


‫(‪ )2‬احطام احلصون‪.‬‬
‫(‪ )3‬ظمء حار أأ مقدار ما ب شربيت حا ٍر‪.‬‬
‫(‪ )4‬أأ جوت اليوم أو داً‪.‬‬
‫‪794‬‬
‫الراح ‪،‬‬
‫حذيفة أيب! فقالوا وهللا إن عرفناه‪ ،‬وهللاـ ــدقوا‪ .‬قال حذيفة ي فر هللا لكم‪ ،‬وهو أرحم َّ‬
‫فأراد ر ـ ــول هللا(ﷺ) أن يشديشت‪ ،‬فتص ـ ــدَّق حذيفة بديتت عل اَّس ـ ــلم ‪ ،‬فاياده ذلك عند ر ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) خرياً‪[ .‬سبق خترجيه](‪.)1‬‬

‫ويف هـذا اخلرب يظهر أثر الميـان يف نفوس ال ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيو الكبـار الَّـذين عـذرهم هللا يف اجلهـاد‪،‬‬
‫طلباً لل َّ ـهادة‪ ،‬وحباً‪ ،‬وشــوقاً للقاء هللا تعاىل‪،‬‬
‫الو‬
‫وكيف شتركوا احلصــون‪ ،‬وخرجوا إىل ــاحات ش‬
‫وفيت موقف عظيم حلذيفة حيث تص ـ ــدَّق بدية والده عل اَّس ـ ــلم ‪ ،‬ودعا يم ابَّ فرة لكو‪،‬م‬
‫قتلوا والده خطأً‪ ،‬وفيت أيضـ ـ ـ ـاً َّ‬
‫أن اَّس ـ ـ ــلم إذا قتلوا واحداً منهم يف اجلهاد يظنُّونت كافراً فعل‬
‫أ اليمان أاب حذيفة‪ ،‬فامتنع من أخذ‬ ‫ِ‬ ‫المام ِديشـتت من بيت اَّال َّ‬
‫ألن ر ول هللا(ﷺ) أراد أن يشد ش‬
‫الدية‪ ،‬وتصدَّق هبا عل اَّسلم (‪.)2‬‬ ‫ِ‬

‫ك ‪ -‬األمور خبواتيموا‪:‬‬

‫إن األمور واتيمهـا‪ ،‬وقـد وقع يف ايوة أح ٍـد مـا ِقق هـذه القـاعـدة اَّه َّمـة يف هـذا ال ِـدين‪،‬‬
‫َّ‬
‫َّعم‪ ،‬ومعت ٍرب(‪ ،)3‬ولا‬ ‫لكل مسل ٍم مت ٍ‬
‫فقد وقع حاداثن يؤكِدان هذا األمر‪ ،‬وفيهما عظة‪ ،‬وعربة ِ‬

‫ُص ِّْريم رضي هللا عنه‪:‬‬


‫‪ - 1‬شأن األ َ‬
‫وامست عمرو بن اثبت بن شوقش‪ ،‬عرض عليت ال ـ ـ ــالم‪ ،‬فلم يس ـ ـ ــلِم‪ ،‬ورو ق َّ‬
‫ص ـ ـ ـتت أبو هريرة‬
‫إن األهللاريم كان رىب ال الم عل قومت‪ ،‬ف اء ذات ٍ‬
‫يوم ور ول هللا(ﷺ)‪،‬‬ ‫ر ي هللا عنت‪ ،‬قال َّ ش ْ‬
‫حد‪ ،‬فقال أين بنو أخيت؟ قيل أب ٍ‬
‫حد‪.‬‬ ‫حد‪ ،‬فقال أين ـ ـ ـ ــعد بن معاذ؟ فقيل أب ٍ‬
‫وأهللا ـ ـ ـ ــلابت أب ٍ‬

‫حد‪ ،‬فبدا لت ال ـ ـ ــالم‪ ،‬فأ ـ ـ ــلم‪ ،‬وأخذ ـ ـ ــيفت‪ ،‬ورحمت‪ ،‬وأخذ ألمتشت‪،‬‬ ‫فس ـ ـ ــأل عن قومت‪ ،‬فقيل أب ٍ‬

‫حض دخل يف ع ْرض النَّاس‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رآه اَّسلمون قالوا إليك عنا َي عمرو!‬
‫ورك فر ت‪ ،‬فعدا َّ‬
‫قال ِإين قد امنت‪ .‬فقاتل َّ‬
‫حض أثهنتت اجلرا ‪ ،‬فبينما رجال من ب عبد األش ـ ـ ـ ـ ـ ــهل يلتمس ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫(‪ )1‬رية ابن ه ام (مقتل اليمان وابن وقش)‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)218/3‬‬
‫(‪ )3‬انظر ايوة أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪795‬‬
‫قتالهم يف اَّعركة إذا هم بت‪ ،‬فقالوا وهللا َّ‬
‫إن هذا ل هللاريم‪ ،‬ما جاء بت؟ لقد تركناه وإنـَّ ـ ـ ـ ـ ــت منكر‬
‫أحدب عل قومك‪ ،‬أم ر بـة يف ال الم؟ فقال بل ر بـةً‬
‫يذا احلديث‪ ،‬فسألوه ما جاء بك ؟ ش‬
‫يف ال ــالم‪ ،‬امنت ابهلل تعاىل ور ـ ـولت(ﷺ) ‪ ،‬وأ ــلمت‪ ،‬مثَّ أخذت ــيفي ف دوت مع ر ــول‬
‫حممد يض ــعها حيث ش ــاء‪،‬‬
‫مت فأمواس إىل َّ‬
‫حض أهللا ــاب ما أهللا ــاب ‪ ،‬وإن ُّ‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬مثَّ قاتلت َّ‬
‫[ابن هشـ ـ ـ ـ ـ ــام (‪ ،)95/3‬والبيوقي يف الــدالئــل‬ ‫فــذكروه لر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) فقــال إنـَّت من أهــل اجلنـَّة‪.‬‬
‫(‪.])247/3‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جر‬ ‫وقيل مات‪ ،‬فدخل اجلنة‪ ،‬وما هللا ـ ـ ـلَّ من هللاـ ـ ــالة‪ ،‬فقال الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) « شعم شل يس ـ ـ ـرياً وأ ش‬
‫كثرياً» [البخاري (‪ ،)2808‬ومسلم (‪.])1900‬‬

‫رجل دخل اجلنَّة‪ ،‬و يص ـ ـ ـ ِـل ُّ‬


‫قا! فَذا‬ ‫وكان أبو هريرة ر ـ ـ ــي هللا عنت يقول ِ‬
‫حدثوين عن ٍ‬
‫هللا ِريم بن عبد األشهل(‪.)1‬‬
‫ألوه شم ْن هو؟ قال هو أ ش‬ ‫يعرفت النَّاس‬

‫‪ - 2‬شأن ُخمَ ِّْرييق‪:‬‬

‫حد‪ ،‬وخرً ر ول هللا(ﷺ) يقاتل اَّ رك ‪ ،‬ع ملشْرييق قومت اليهود وقال‬ ‫ل ـ َّـما كانت ايوة أ ٍ‬

‫إن اليوم يوم ال َّسـ ـبت‪،‬‬ ‫أن نص ــر ٍ‬


‫حممد عليكم حلق‪ .‬قالوا َّ‬ ‫يم َي مع ـ شـر يهود! وهللا! لقد علمتم َّ‬
‫قال ح بت لكم!‬

‫صنشع فيت ما شاء‪ .‬مثَّ دا إىل ر ول‬ ‫فأخذ يفت‪ ،‬وع َّدتشـ ـ ـ ـ ـ ــت‪ ،‬وقال إن أ ِهللابت فماس َّ ٍ‬
‫َّمد يش ْ‬ ‫ْ‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقــاتــل معــت حض قتِـل‪ ،‬فقــال ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «ملشِْ‬
‫رييق خري يهود» [ابن سـ ـ ـ ـ ـ ـعــد‬
‫(‪ ،)501/1‬وأبو نعيم يف الدالئل (ص ‪ ،)18‬والطربي يف اترخيه (‪ ،)531/2‬والواقدي يف امل ازي (‪.])263/1‬‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫هب فـي التَّ ريد‪ ،‬وابن ح ر يف الهللاابة عن الواقدأ‬ ‫وقد اختلف يف إ المـت‪ ،‬فنقل َّ‬
‫الذ ُّ‬
‫الروض األنف أنَّت مس ـ ــلم‪ ،‬وذلك ح قال ِ‬
‫معقباً‬ ‫هيلي يف َّ‬ ‫َّ‬
‫أن ملرييق مات مس ـ ــلماً‪ .‬وذكر ال ُّسـ ـ ـ ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ 100/3‬ـ ‪ ، )101‬وانظر فت البارأ يف شر حديث رقم (‪.)2808‬‬
‫الصلابة (‪ ، )70/2‬والهللاابة (‪.)393/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر دريد أمساء َّ‬
‫‪796‬‬
‫عل رواية ابن إ لاق عن ر ول هللا(ﷺ) أنَّت قال «ملشْرييق خري يهود» قال وملشِْرييق مسلم‪،‬‬
‫وح جيوز أن يقال يف مس ــلم هو خري النَّص ــار ‪ ،‬وح خري اليهود َّ‬
‫ألن أفعل من كذا إذا أ ــيف‪،‬‬
‫فهو بعض ما أ ـ ــيف إليت‪ ،‬فَن قيل وكيف جاز هذا؟ قلنا ألنَّت قال خري يهود‪ ،‬و يقل خري‬
‫اليهود‪ ،‬ويهود ا م علم كثمود‪ ،‬يقال َّإ‪،‬م ن سبوا إىل يهوذا بن عقوب‪ ،‬مثَّ عربت َّ‬
‫الذال داحً(‪،)1‬‬
‫اَّطهرة» وذه‬ ‫وقد حقَّق هذه اَّس ــألة ُّ‬
‫الدكتور عبد هللا ال ــقارأ يف كتابت «اليهود يف ال ُّس ـ ـنَّة َّ‬
‫أن ملشِْرييق قد أ لم‪ ،‬ودفعت ذلك إىل القتال مع اَّسلم ‪ ،‬وإىل التصدُّق مبالت مع كثرتت‪ ،‬ومع‬
‫إىل َّ‬
‫ما عر عن اليهود من ح ِ اَّال‪ ،‬والتَّكال عليت(‪.)2‬‬

‫ل ‪ -‬إمنا األعمال ابلنِّـيَّـات‪:‬‬


‫كان اَّن قاتل مع اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم يوم أ ٍ‬
‫حد رجل يدع قـ ْايشمان‪ ،‬كان يعر ابل َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اعة‪ ،‬وكان‬
‫فعريتت نساء ب ظششفر‪،‬‬ ‫فتأخر يوم أ ٍ‬
‫حد‪َّ ،‬‬ ‫ر ول هللا(ﷺ) يقول إذا ذكر لت «إنَّت َّن أهل النار»‪َّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬فكان َّأول من رم‬ ‫حض انته إىل الصـ ِ‬
‫ـف َّ‬ ‫ـول هللا(ﷺ) وهو يسـ ِـوأ الصــفو ‪َّ ،‬‬ ‫فأت ر ـ ش‬
‫ويكت كتيت اجلمل‪ ،‬مثَّ فعل ابل َّس ـ ـ ـيف‬
‫ُّ‬ ‫الرما ‪،‬‬ ‫من اَّس ـ ــلم بس ـ ــه ٍم‪ ،‬ف عل ير ـ ــل نبالً َّ‬
‫كأ‪،‬ا ِ‬
‫احة‪ ،‬فوقع‪ ،‬فناداه قتادة بن النُّعمان َي أاب‬ ‫ِ‬
‫حض قتل ـ ـ ــبعةً‪ ،‬أو تس ـ ـ ــعةً‪ ،‬وأهللا ـ ـ ــابتت جشر ش‬
‫األفاعيل‪َّ ،‬‬
‫أبليت اليوم َي‬
‫ال شْيداق! هنيئاً لك ال َّ ـ ـ ـ ـهادة! وجعل رجال من اَّس ـ ـ ــلم يقولون لت وهللا! لقد ش‬
‫قـ ْايشمان‪ ،‬فأب ر! قال مباذا؟ فوهللا ما قشاتلت إح عن أحساب قومي‪ ،‬ولوح ذلك ما قاتلت‪ .‬فذكِشر‬
‫ابلرجل الفاجر»‬ ‫إن هللا تعاىل يؤيِد هذا ِ‬
‫الدين َّ‬ ‫ذلك لر ــول هللا(ﷺ) فقال «إنَّت من أهل النَّار‪َّ ،‬‬
‫[البخاري (‪ ،)4203‬ومسلم (‪.)3(])112 ،111‬‬

‫ويف هذا اخلرب‪ ،‬بيان َّكان ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة يف اجلهاد‪ ،‬وأنَّت شم ْن قاتل حيَّةً عن قومت‪ ،‬أو ليقال‬
‫ش اي‪ ،‬و تكن أعمالت هلل تعاىل ح يقبل هللا منت‪.‬‬

‫هيلي (‪ 408/4‬ـ ‪.)409‬‬‫للس ِ‬‫الروض األنف ‪ُّ ،‬‬ ‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫اَّطهرة (‪.)306/1‬‬
‫السنَّة َّ‬
‫(‪ )2‬انظر اليهود يف ُّ‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ ، )99/3‬و ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪797‬‬
‫يبوة‪:‬‬
‫خامساً‪ :‬من دالئل الن َّ‬
‫‪ - 1‬عني قتادة بن النيعمان رضي هللا عنه‪:‬‬

‫حض قطت عل شو ْجنشتِ ـ ـ ـ ِـت‪َّ ،‬‬


‫فردها ر ول هللا(ﷺ) بيده‪،‬‬ ‫أهللايبت ع قت ـ ـ ــادة ر ي هللا عنت َّ‬
‫[احلاكم (‪ ،)295/3‬والطرباين يف الكبري (‪ ،)8/19‬والبيوقي يف الدالئل‬ ‫أحدَّلشا‪.‬‬
‫فكانت أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــن عينيت‪ ،‬و ش‬
‫(‪ ،)252 - 251/3‬وجممع الزوائد (‪ .])113/6‬وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــبلت ح ْترشمد إذا رمدت األخر (‪ ،)1‬وقد قدم‬
‫ولده عل عمر بن عبد العايياي ‪ -‬رحت هللا ‪ ،-‬فسألت من أنت؟ فقال لت مردالً‬
‫شح شسـ شن الَّرِد‬
‫صـطشف أ ْ‬ ‫ف اَّ ْ‬ ‫ت ب شك ِ‬ ‫فشـرَّد ْ‬ ‫ت شعلش اخلش ِد شعْيـنت‬ ‫أان ابْن الَّذأ ش ـالش ْ‬
‫فشـيشا ح ْس ـ ـ ـنشـ شها شعْيناً شوشَي ح ْس ـ ـ ـ شن ما ِرد‬ ‫ت أل َّشوِل أ ْشم ِرشه ـ ـا‬
‫ت شك شم ـ ـا شك ـ ـانشـ ـ ْ‬
‫فشـ شع ـ ـ شاد ْ‬
‫فقال عمر بن عبد العايياي عند ذلك‬

‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـيب ـ ــا مبشـ ـ ـ ٍاء فشـ شع ـ ـ ـ شادا بشـ ْع ـ ـ ـد أشبْـ شواح‬ ‫ان(‪ِ )2‬م ْن لشش ٍ‬
‫ب‬ ‫تِْل ـ ـ ش‬
‫ك اَّ شك ـ ـا ِرم ح قشـعب ـ ـ ِ‬
‫ْش‬
‫(‪)3‬‬
‫ش‬
‫مثَّ وهللالت‪ ،‬فأحسن جائايتت ‪.‬‬
‫>‬ ‫ُب بن خلف‪:‬‬
‫‪ - 2‬مقتل أ ِّ‬

‫إن عندأ ال شع ْوذ فر ـ ـ ـ ـاً‬ ‫مبكة‪ ،‬فيقول َي حممد! َّ‬ ‫ـول هللا(ﷺ) َّ‬
‫يب بن خلف يشـ ْل شق ر ـ ـ ـ ش‬ ‫كان أ شُّ‬
‫كل يوم فشـشرقاً(‪ )4‬من ذ شرةٍ‪ ،‬أقتلك عليت‪ ،‬فيقول ر ول هللا(ﷺ) «بل أان أقتل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك إن شاء‬ ‫أعلِفت َّ‬
‫ْ‬
‫يب بن خلف‪ ،‬وهو يقول‬ ‫هللا» فلـ ـ َّـما كان يـ ــوم أحد‪ ،‬وأ ند ر ول هللا(ﷺ) يف ال ِ ْع أدركت أ شُّ‬
‫ُوت! فقال القوم َي ر ــول هللا! أيعطف عليت رجل منا؟ فقال ر ــول‬ ‫أأ حممد! ح ُوت إن ش‬
‫هللا(ﷺ) «دعوه»‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما دان‪ ،‬تناول ر ول هللا(ﷺ) احلربةش من احلارث بن ِ‬
‫الص َّمة‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫شْ ش‬ ‫ش‬
‫تطاير ال َّ ـعراء(‪ )5‬عن ظهر البعري إذا‬ ‫أخذها ر ــول هللا(ﷺ) منت انتفض هبا انتفا ــة تطايشران عنت ش‬

‫الصليلة (‪ ، )388/2‬و رية ابن ه ام (بالء قتادة وحديث عينت)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )2‬القع قد هم ليم‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )35/4‬وأ د ال ابة (‪.)389/4‬‬
‫(‪ )4‬الفرق مكيال يسع تة ع ر رطالً ‪ ،‬وهي اثنا ع ر مداً‪.‬‬
‫ض احليَّة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬و ُّ‬
‫الذابب‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ال َّعراء ذابب لت لدغ ‪ ،‬واللَّدغ شع ُّ‬
‫‪798‬‬
‫انتفض هبا‪ ،‬مثَّ ا تقبلت‪ ،‬فطعنت يف عنقت طعنةً تدأدأ(‪ )1‬منها عن فر ت مراراً‪ ،‬فل ـ َّـما رجع إىل قريش‬
‫وقد شخ شد شش ـ ـ ـ ـ ـت يف عنقت شخدش ـ ـ ـ ـ ـاً ري كب ٍري‪ ،‬فاحت شق شن الدَّم‪ ،‬قال قتل وهللا حممد! قالوا لت ذه‬
‫صـ ـق‬ ‫أبس‪ ،‬قال إنَّت قد كان قال س َّ‬
‫مبكة أان أقتلك‪ ،‬فو هللا! لو بش ش‬ ‫وهللا فؤادك! وهللا إ ْن بك من ٍ‬
‫[الطربي يف اترخيه (‪- 518/2‬‬ ‫عدو هللا بس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍ (‪ )2‬وهم قافلون بت إىل َّ‬
‫مكة‪.‬‬ ‫لي لقتل ‪ ،‬فمات ُّ‬
‫ع َّ‬
‫ش‬
‫‪ ،)519‬والواقدي يف امل ازي (‪ ،)251/1‬وابن سعد (‪ ،)46/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪ 211/3‬و‪.)3(])258‬‬

‫ويف هذا اخلرب شمثشل رفيع عل ش ـ ـ ـ ـ اعة ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقد كان أيب بن خلف م شد َّج اً‬
‫ابل ِسـ ـ ـ ـال ‪ِ ،‬‬
‫ومتدرعاً ابحلديد الواقي‪ ،‬ومع ذلك ا ـ ـ ــتطاي ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أن يطعنت اب ُّلرم من‬
‫فـرج ٍة هللا ـ رية يف عنقت ب ِ‬
‫الد ْري‪ ،‬والبيضــة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل عل قدرة ر ــول هللا(ﷺ) القتاليَّة‪ ،‬ودقَّتت‬ ‫ْش‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فقد أخرب أبشـياً أبنت و يقتلت مب يئة هللا‪،‬‬ ‫يف إهللاابة ايد ‪ .‬ويف هذا اخلرب مع اية للن ِ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وأنت إذا قال ش ـ ــيئاً وقع‪ ،‬فقد‬
‫وذَّ ذلك‪ ،‬ويف اخلرب عربة يف إميان اَّ ـ ــرك بص ـ ــدق الن ِ‬
‫يب بن خلف عل يق ٍ أبنَّت ـ ـ ــيموت من تلك الطَّعنة‪ ،‬ومع ذلك يدخلوا يف ال ـ ـ ــالم‬
‫كان أ ُّ‬
‫لعنادهم‪ ،‬وعبادة أهوائهم(‪.)4‬‬

‫وقد خلَّد َّ‬


‫حسان بن اثبت هذه احلادثة يف شعره فقال‬

‫ال ـ ـ ـ َّـر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول‬ ‫أ شيب يشـ ـ ـ ـ ْوشم شاب شرشزه‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالشلشةش شع ْن أشبِْي ِت‬ ‫لششق ْد شوِر ش‬
‫ث ال َّ‬
‫( ‪)5‬‬
‫بِـ ـ ِت شجه ْول‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫شوتـ ْوعـ ـده شوأشنْـ ـ ش‬ ‫ت إِلشْي ـ ـ ـ ِت شْحت ِم ـ ـ ـل ِرَّم شعظٍْم‬ ‫أتْي ـ ـ ـ ش‬

‫***‬

‫تقلَّ عن فر ت ‪ ،‬ف عل يتدحرً‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تدأدأ‬


‫مو ع عل تة أميال من َّ‬
‫مكة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪ 93/3‬ـ ‪.)94‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫اَّللِ شْجي شلدو شن ﴾ ‪.]33‬‬
‫ت َّ‬ ‫ك ولش ِك َّن الظَّالِ ِم ِرَي ِ‬
‫ش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫لللميدأ (‪ .)169/5‬قال تعاىل ﴿فشَ‪ْ ،‬م حش ي شكذبونش ش ش‬ ‫التَّاري ال المي ‪،‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)94/3‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪799‬‬
‫املبحث الثالث‬

‫أحداث ما بعد املعركة‬

‫الرسول(ﷺ) وأصحابه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬حوار أب سفيان مع َّ‬
‫حممد؟ فقال ر ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫الرباء ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت وأش ـ ـ ـ ـ ــر ش أبو ـ ـ ـ ـ ــفيان‪ ،‬فقال أيف القوم َّ‬
‫قال ش‬
‫هللا(ﷺ) «ح ديبوه» فقال أيف القوم ابن أيب ق شلافشةش؟ قال «ح ديبوه»‪ .‬فقال أيف القوم ابن‬
‫اخلطَّاب؟ فقال َّ‬
‫إن هؤحء القوم قتلوا‪ ،‬فلو كانوا أحياءً ألجابوا فلم ميلك عمر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‬
‫عدو هللا! أبق هللا عليك ما خياييك‪ .‬قال أبو ـ ـ ـ ـ ــفيان ْاعل هبشل(‪!)1‬‬
‫كذبت َي َّ‬
‫ش‬ ‫نف شس ـ ـ ـ ـ ـت‪ ،‬فقال‬
‫أجل»‪ .‬قال أبو ــفيان‬
‫َّب(ﷺ) «أجيبوه»‪ .‬قالوا ما نقول؟ قال قولوا «هللا أعل و ُّ‬ ‫فقال الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) «أجيبوه»‪ .‬ق ــالوا م ــا نقول؟ ق ــال قولوا «هللا‬ ‫لن ــا العَّاي ‪ .‬وح عَّاي لكم‪ .‬فق ــال الن ُّ‬
‫موحان‪ ،‬وح موىل لكم»‪ .‬قال أبو ـ ـ ـ ــفيان يوم بيوم بدر‪ ،‬واحلرب ِ ـ ـ ـ ـ ش ال‪ ،‬وددون مثلةً ام ْر‬
‫اية قال عمر ح واء!‬ ‫هبا‪ ،‬و تشس ْؤين‪[ .‬البخاري (‪ ،)4043‬والبيوقي يف الدالئل (‪ )2(])268/3‬ويف رو ٍ‬
‫[أمحد (‪ ،)3()463/1‬وجممع الزوائد (‪.])110/6‬‬ ‫قتالان يف اجلنَّة‪ ،‬وقتالكم يف النَّار»‪.‬‬

‫كان يف ـ ـؤال أيب ــفيان عن ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأيب بك ٍر‪ ،‬وعمر ر ــي هللا عنهما دحلة‬
‫وا ـ ــلة عل اهتمام اَّ ـ ــرك هبؤحء دون ريهم ألنَّت يف علمهم َّأ‪،‬م أهل ال ـ ــالم‪ ،‬وهبم قام‬
‫هللا ْرحت‪ ،‬وأركان دولتت‪ ،‬وأعمدة نظامت‪ ،‬ففي موهتم يعتقد اَّ ركون أنَّت ح يقوم ال الم بعدهم‪.‬‬
‫ش‬
‫حض إذا انت ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وم ه ِ‬
‫الك ْرب‬ ‫وكان ال ُّسـ ـ ـ ـكوت عن إجابة أيب ـ ـ ــفيان َّأوحً تصـ ـ ـ ـ رياً لت‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬اعل هبشل ظهر دينك‪.‬‬


‫الصليلة (‪.)392/2‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫(‪ )3‬انظر السرية النَّبويَّة الصليلة (‪ ، )392/2‬و رية ابن ه ام (طاتة أيب فيان ابَّسلم يوم أحد)‪.‬‬
‫‪800‬‬
‫ٍ‬
‫اعة(‪.)1‬‬ ‫وردوا عليت ب‬
‫أخربوه حبقيقة األمر‪ُّ ،‬‬

‫ويف هــذا يقول ابن القيِم يف تعليقــت عل هــذا احلوار فــأمرهم قوابــت عنــد افتهــاره ابيت ـت‪،‬‬
‫وقوة جانبت‪ ،‬وأنَّت ح يـ ْلش ‪ ،‬وحنن‬
‫بعاية من شعبش شده اَّس ـ ــلمون‪َّ ،‬‬
‫وب ـ ــركت تعظيماً للتَّوحيد‪ ،‬وإعالماً َّ‬
‫حممد؟ أفيكم ابن أيب قلافة؟ أفيكم عمر؟‬
‫حايبت‪ ،‬وجنده‪ ،‬و رمرهم نجابتت ح قال أفيكم َّ‬
‫بــل روأ أنـَّت ‪،‬ــاهم عن إجــابتــت‪ ،‬وقــال «ح ديبوه» َّ‬
‫ألن ك ْل شمهم يكن برد يف طلـ القوم‪،‬‬
‫وانر يظهم بعد متوقِدة‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قال ألهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت أما هؤحء فقد كفيتموهم حي عمر بن‬
‫اخلطـَّاب‪ ،‬واش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـد ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـت‪ ،‬وقـال كـذبـت َي ع َّ‬
‫ـدو هللا! فكـان يف هـذا العالم من الذحل‪،‬‬
‫بقوة القوم‪ ،‬وبس ـ ـ ـ ــالتهم‪،‬‬ ‫َّعر إىل ِ‬
‫العدو يف تلك احلال ما يؤذ‪،‬م َّ‬ ‫وال َّ ـ ـ ـ ـ ـ اعة‪ ،‬وعدم اجلب‪ ،‬والت ُّ‬
‫و َّأ‪،‬م ي ِهنوا‪ ،‬و يش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعفوا‪ ،‬وأنـَّت‪ ،‬وقوشم ـت جــديرون بعــدم اخلو منهم‪ ،‬وقــد أبق هللا يم مــا‬
‫يسـ ــويهم منهم‪ ،‬وكان يف العالم ببقاء هؤحء الثَّالثة وهلة بعد ظنِت‪ِ ،‬‬
‫وظن قومت أ َّ‪،‬م قد أهللاـ ــيبوا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــأل عنهم‬ ‫العدو‪ ،‬وحايبت‪ ،‬و ِ‬
‫الفت يف شعضـ ـ ـ ـ ـ ـده ما ليس يف جوابت ح‬ ‫من اَّص ـ ـ ـ ـ ــللة‪ ،‬و يم ِ‬
‫َّب(ﷺ)‬ ‫واحداً‪ ،‬واحداً‪ ،‬فكان ؤالت عنهم‪ ،‬ونعيهم لقومت آخر هام ِ‬
‫العدو‪ ،‬وكيده‪ ،‬فصرب لت الن ُّ‬
‫فرد بسـ ــهام كيده عليت‪ ،‬وكان ترك اجلواب عليت أحسـ ــن‪،‬‬
‫حض ا ـ ــتويف كيده‪ ،‬مثَّ انتدب لت عمر‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ألت عنهم إهانةً لت‪ ،‬وتص رياً ل أنت‪ ،‬فل ـ ـ َّـما‬ ‫وذكره اثنياً أحسن‪ ،‬وأيضاً َّ‬
‫فَن يف ترك إجابتت ح‬
‫وظن أ‪،‬م قد قتلوا‪ ،‬وحص ــل لت بذلك من الكرب‪ ،‬واألش ــر(‪)2‬ما حص ــل‪ ،‬كان‬
‫شمنَّـْتت نفس ــت موهتم‪َّ ،‬‬
‫َّب(ﷺ) «ح ديبوه» فَنَّت َّإجا‬ ‫يف جوابت إهانة لت‪ ،‬وحتقري‪ ،‬وإذحل‪ ،‬و يكن هذا ملالفاً لقول الن ِ‬
‫حممد؟ أفيكم فالن؟ و يشـْنتش عن إجابتت ح قال أما هؤحء‬ ‫‪ ،‬عن إجابتت ح ـ ــأل أفيكم َّ‬
‫أحسن ِم ْن إجابتت اثنياً(‪.)3‬‬
‫ش‬ ‫أحسن ِم ْن ترك إجابتت أوحً‪ ،‬وح‬
‫ش‬
‫وبكل ٍ‬
‫حال‪ ،‬فال‬ ‫فقد قتلوا‪ِ ،‬‬

‫(‪ )1‬اَّصدران السابقان‪.‬‬


‫ِ‬
‫بطر وا تكرب ‪ ،‬فهو أشر‪.‬‬
‫أشراً ش‬‫أشر ش‬
‫(‪ )2‬ش‬
‫(‪ )3‬انظر زاد اَّعاد (‪ 202/3‬ـ ‪.)203‬‬
‫‪801‬‬
‫الرسول(ﷺ) ال ي‬
‫شوداء‪:‬‬ ‫اثنياً‪ :‬تفقد َّ‬
‫الر ــول(ﷺ) ليتفقَّد أهللا ــلابت ر ــي‬ ‫بعد أن انس ــل أبو ــفيان من أرض اَّعركة‪ ،‬ذه َّ‬
‫ص ـ شع بن ع شم ٍري‪ ،‬وحنظلة بن أيب‬ ‫فمر عل بعض ــهم‪ ،‬ومنهم حاية بن عبد اَّطَّل ‪ ،‬وم ْ‬ ‫هللا عنهم‪َّ ،‬‬
‫هللا ِْريم‪ ،‬وبقيَّة الصلابة ر ي هللا عنهم‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أشر عليهم ر ول‬ ‫عام ٍر‪ ،‬و عد بن َّ‬
‫الربيع‪ ،‬واأل ش‬
‫هللا(ﷺ) قال «أان ش ـ ــهيد عل هؤحء‪ ،‬إنَّت ما من شج ِري ْجيشر يف هللا‪ ،‬إح وهللا يبعثت يوم القيامة‬
‫الري ري اَّس ـ ــك‪ ،‬انظروا أكثر هؤحء عاً للقرآن‪ ،‬فاجعلوه أمام‬ ‫يش ْد شم ج ْرحت اللَّون لون ٍدم‪ ،‬و ِ‬
‫أهللالابت يف القرب» [سبق خترجيه]‪.‬‬

‫الرجل من قشـْتـلش‬‫َّب(ﷺ) كان جيمع ب َّ‬ ‫إن الن َّ‬ ‫ِ‬


‫البهارأ َّ‬ ‫وقال جابر بن عبد هللا يف رواية‬
‫شحد قدَّمت يف‬ ‫ثوب واحد‪ ،‬مثَّ يقول «أيُّهم أكثر أخذاً للقرآن؟» فَذا أ ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري لت إىل أ ٍ‬
‫حد يف ٍ‬‫أ ٍ‬
‫ش‬
‫ِ‬
‫اللَّ ْلد‪ ،‬وقال «أان ش ـ ــهيد عل هؤحء يوم القيامة» ‪ ،‬وأمر بدفنهم بدمائهم ‪ ،‬و ي ش‬
‫صـ ـ ـ ِل عليهم‪،‬‬
‫[البخاري (‪ ، )4079‬وأبو داود (‪ ،)3138‬والرتمذي (‪ ،)1036‬والنسـ ــائي (‪ ،)62/4‬وابن ماجه‬ ‫و يـ ش َّس ـ ـلوا ‪.‬‬
‫(‪.])1514‬‬

‫وأمر ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أن يدفنوا حيث هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِرعوا‪ ،‬وأعيد شم ْن أ خذ ليدفن داخل اَّدينة‪.‬‬
‫[النسائي (‪.])79/4‬‬

‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ ر ــول هللا(ﷺ) حايشة بن عبد اَّطل وقد مثِل بت حاين حايانً شــديداً‪ ،‬وبك‬
‫حض ن ـ ـ (‪ )1‬من البكاء(‪ )2‬وقال(ﷺ) «لوح أن حتاين هللاـ ــفيَّة‪ ،‬ويكون ـ ــنةً من بعدأ ل كتت‬ ‫َّ‬
‫حض يكون يف بطون ال ِس ـ ـ ـباي‪ ،‬وحواهللا ـ ـ ــل الطَّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬ولئن أظهرين هللا عل قر ٍ‬
‫يش يف موطن من‬ ‫َّ‬
‫ألمثلن بثالث رجالً منهم» فلـ ـ ـ َّـما رأ اَّسلمون ح ْاي شن ر ول هللا(ﷺ) و يظت عل شم ْن‬
‫َّ‬ ‫اَّواطن‬
‫لنمثلن هبم مثشلةً ميشثِْل شها‬
‫َّ‬ ‫فعل ِ‬
‫بعمت ما فعل‪ ،‬قالوا وهللا! لئن أظفران هللا عليهم يوماً من الدَّهر‪،‬‬
‫[أمحـد (‪ ،)128/3‬وأبو داود (‪ ،)3136‬والرتمـذي (‪ ،)1016‬واحلـاكم (‪ ،)196/3‬وابن أب‬ ‫أحــد من العرب‪.‬‬

‫حض يكاد يبل بت ال ي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬النَّ ال َّهيق َّ‬


‫َّمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫(‪ )2‬انظر ملتصر رية الر ول هللال هللا عليت و لم‪َّ ،‬‬
‫‪802‬‬
‫شـ ـ ـ ــيبة (‪ ،)1(])392 - 391/14‬فنايل قول هللا تعاىل ﴿ شوإِ ْن شعاقشـْبـت ْم فشـ شعاقِبوا مبِِثْ ِل شما عوقِْبـت ْم بِِت شولشئِ ْن‬
‫هللا شرب ْذ شيو شخ ْري لِ َّ ِ‬
‫ين ﴾ [النحل‪.]126 :‬‬ ‫لصاب ِر ش‬ ‫شْ ش‬
‫لقد ارتك اَّ ـ ـ ــركون هللاـ ـ ــوراً من الوح ـ ـ ـيَّة‪ ،‬حيث قاموا ابلتَّمثيل بقتل اَّسـ ـ ــلم ‪ ،‬فبقروا‬

‫بطون كث ٍري من القتل ‪ ،‬ش‬


‫(‪)2‬‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ششرب‬
‫وج شدعوا أنوفشهم‪ ،‬وقطعوا احذان‪ ،‬ومذاكري بعض ـ ـ ـ ــهم ومع ذلك ش‬
‫وجل ‪ -‬فعفا‪ ،‬وهللاـرب‪ ،‬وشكفَّر عن ميينت‪،‬‬ ‫عاي َّ‬
‫ر ـول هللا(ﷺ) وأهللاـلابت‪ ،‬وا ـت ابوا لتوجيت اَّوىل ‪َّ -‬‬
‫و‪ ،‬عن اَّثْـلش ِة‪ .‬رو ابن إ ــلاق بســنده عن شمسرة بن جْندب‪ ،‬قال ما قام ر ــول هللا(ﷺ) يف‬
‫[ابن هشام (‪.])102/3‬‬ ‫ابلصدقة‪ ،‬وينهاان عن اَّثْـلشة‪.‬‬
‫حض رمران َّ‬
‫قا ففارقت‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫مقام ُّ‬
‫الرسول(ﷺ) يوم أ ٍ‬
‫ُحد‪:‬‬ ‫اثلثاً‪ :‬دعاء َّ‬
‫هللال ر ول هللا(ﷺ) أبهللالابت الظُّهر قاعداً لكثرة ما ناي من دمت‪ ،‬وهللالَّ وراءه اَّسلمون‬
‫ص ـ ـ ـ ـالة إىل هللا ابلدُّعاء‪ ،‬والثَّناء عل ما انيم من اجلش ْهد‪ ،‬والبالء‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) بعد ال َّ‬
‫وتوجت الن ُّ‬
‫قعوداً‪َّ ،‬‬
‫وجل»‪ ،‬فصــاروا خلفت هللاــفوفاً‪ ،‬مثَّ دعا هبذه‬ ‫عاي َّ‬ ‫حض أث عل ِريب ‪َّ -‬‬ ‫فقال ألهللاــلابت «ا ــتووا َّ‬
‫قابض لِ شما‬
‫هم! لك احلمد كلُّت‪ ،‬اللَّه َّم ح ش‬ ‫الكلمات الدَّالة عل عمق الميان ‪ ،‬فقال(ﷺ) «اللَّ َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫ضـ ـ َّل َّ ْن هديت‪ ،‬وح م ْع ِط شي لِ شما‬


‫بس ــطت‪ ،‬وح اب ــا َّا قبض ــت‪ ،‬وح هادأ َّا أ ـ ـلشْلت‪ ،‬وح م ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬
‫ش‬
‫ِ‬
‫ت‪.‬‬
‫ت‪ ،‬وح مْبعد َّا َّقربْ ش‬ ‫أعطيت‪ ،‬وح م شق ِرب َّا ابع ْد ش‬
‫ش‬ ‫ت‪ ،‬وح مانع َّا‬ ‫شمنشـ ْع ش‬
‫اللَّه َّم! ابسـ ـ ـ ـ ـ ْا علينا من بركاتك‪ ،‬ورحتك‪ ،‬وفض ـ ـ ـ ــلك‪ ،‬ورزقك‪ .‬الله َّم! ِإين أ ـ ـ ـ ــألك النَّعيم‬
‫من يوم اخلو ‪ .‬اللَّه َّم!‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اَّقيم الذأ ح ش ول‪ ،‬وح يايول‪ .‬اللَّه َّم! إين أ ألك النَّعيم يوم ال لبة‪ ،‬واأل ش‬
‫عائذ بك من شـ ـ ـ ِـر ما أعطيتنا‪ ،‬وشـ ـ ـ ِـر ما منعتنا‪ .‬اللَّه َّم! شحبِ ْ إلينا الميان‪ ،‬وزيِنت يف قلوبنا‪ ،‬و ِ‬
‫كره‬
‫الراشــدين‪ .‬اللَّه َّم توفَّنا مســلم ‪ ،‬وأحينا مســلم ‪،‬‬ ‫إلينا الكفر والفســوق‪ ،‬والعصــيان‪ ،‬واجعلنا من َّ‬
‫شري خاياَي‪ ،‬وح اندم ‪ ،‬وح مفتون ‪ .‬اللَّه َّم! قــاتــل الكفرة الَّـذين يكـ ِـذبون‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاحل‬
‫وأحلقنــا ابل َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)106/3‬‬
‫أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.104‬‬‫(‪ )2‬انظر ايوة ٍ‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬أليب شهبة (‪.)210/2‬‬
‫‪803‬‬
‫رجايك‪ ،‬وعذابك‪ .‬اللَّه َّم قاتل الكفرة الَّذين أوتوا‬
‫اجعل عليهم ش‬
‫ك‪ ،‬ويصـ ــدُّون عن ـ ــبيلك‪ ،‬و ْ‬
‫ر ـ ـلش ش‬
‫[أمحد (‪ ،)424/3‬والبزار (‪ ،)1800‬والطرباين يف املعجم (‪ ،)4549‬والبخاري يف األدب‬ ‫الكتاب‪ ،‬إلت اخلشْلق»‬
‫املفرد (‪ ،)699‬وجممع الزوائد (‪ ])122 - 121/6‬مثَّ رك فر ت‪ ،‬ورجع إىل اَّدينة‪.‬‬
‫وهذا أمر عظيم‪ ،‬ش ـ ـ ـ ـ ــرعت ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) أل َّمتت‪ ،‬لكي يطلبوا النَّص ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬والتَّوفيق من ِ‬
‫رب‬
‫أن الدُّعاء مطلوب يف اعة النَّصر‪ ،‬والفت ‪ ،‬ويف اعة ايايمية َّ‬
‫ألن الدُّعاء‬ ‫ألمتت َّ‬
‫العاَّ ‪ ،‬وب َّ َّ‬
‫م ُّ العبادة‪ ،‬كما أنَّت من أقو األ ـ ـ ـ ـ ــباب يف دفع اَّكروه‪ ،‬وحص ـ ـ ـ ـ ــول اَّطلوب‪ ،‬وجيعل القلوب‬
‫ٍ‬
‫عظيمة‪ ،‬ف تفع‬ ‫متعلِقة القها‪ ،‬فينايل عليها ال َّس ـ ـكينة‪ ،‬والثَّبات‪ ،‬واحطمئنان‪ ،‬وميدُّها َّ‬
‫بقوةٍ روحيَّ ٍة‬
‫اَّعنوَيت حنو اَّعاس‪ ،‬وتتطلَّع إىل ما عند هللا تعاىل‪.‬‬
‫يف أعقاب اَّعركة‪ ،‬يتَّهذ النَّب(ﷺ) أهبـتشت‪ِ ،‬‬
‫وينظم اَّس ــلم هللا ــفوفاً‪ ،‬لكي يـثِْ ش عل ربِت ‪-‬‬ ‫ْش‬ ‫ُّ‬
‫وجل ‪ -‬إ نَّت َّوقف عظيم‪ ،‬جيشلِي إمياانً عميقاً‪ ،‬ويك ـ ـ ـ ـ ـ ــف عن العبودية اَّطلقة ل ِ‬
‫رب العاَّ‬ ‫عاي َّ‬ ‫َّ‬
‫الفعال َّا يريد‪ ،‬فهو القابض‪ ،‬والبا ا‪ ،‬واَّعطي‪ ،‬واَّانع‪ ،‬ح ر َّاد‪ ،‬وح مع ِق حلك ِ‬
‫ْمت‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ش‬
‫إن هذا اَّوقف من أعظم مواقف العبوديَّة الَّيت تس ـ ـ ـ ـ ـ ــمو ابلعابدين‪ُّ ،‬‬
‫ودل اَّعبود كأعظم ما‬ ‫َّ‬
‫يكون الجالل‪ ،‬والكبار‪ ،‬وأبرز ما يكون احلش ْمد والثَّناء(‪.)1‬‬

‫رابعاً‪ :‬معرفة ِّو ْج َو ِّة العدو‪:‬‬


‫علي بن أيب طال ٍ‬
‫بعد أن انسل جيش اَّ رك من أرض اَّعركة أر ل ر ول هللا(ﷺ) َّ‬
‫ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت بعد ال ايوة مباش ـ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬وذلك َّعرفة ِاداه ِ‬
‫العدو‪ ،‬فقال لت «اخرً يف آاثر القوم‪،‬‬
‫البل(‪[ )3‬الواقدي يف‬ ‫اخليل(‪ ،)2‬وامتطوا‬
‫وانظر ماذا يص ـ ـ ـ ـ ـ ــنعون‪ ،‬وما يريدون؟ فَن كانوا قد شجنـَّبوا ش‬
‫ـَ‪،‬م يريــدون م َّك ـة ‪،‬‬
‫فـ َّ‬ ‫امل ــازي (‪ ،)298/1‬والطربي يف اترخيــه (‪ ، )527/2‬والبيوقي يف الــدالئــل (‪])282/3‬‬

‫وإن ركبوا اخليل ‪ ،‬و ـ ــاقوا البل ‪ ،‬فهم يريدون اَّدينة‪ ،‬والَّذأ نفس ـ ــي بيده! إن أرادوها أل ـ ـ ـ َّ‬
‫رين‬

‫(‪ )1‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬


‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فيض هللا ‪ ،‬ص ‪ 132‬ـ ‪.133‬‬
‫(‪ )2‬جنَّبوا اخليل قادوها إىل جنوهبم‪.‬‬
‫(‪ )3‬امتط الدَّابة ركبها‪.‬‬
‫‪804‬‬
‫َّ‬
‫ألانجاي‪،‬م»‪ .‬قال علي فهرجت يف أثرهم أنظر ماذا يص ـ ـ ـ ـ ـ ــنعون‪ ،‬ف ش نَّبوا اخليل‪،‬‬ ‫إليهم فيها‪ ،‬مثَّ‬
‫ووجهوا إىل َّ‬
‫مكة(‪ ،)1‬فرجع علي ر ي هللا عنت‪ ،‬وأخرب ر ول هللا(ﷺ) رب القوم‪.‬‬ ‫وامتطوا البل‪َّ ،‬‬
‫تلركات‬ ‫دروس‪ ،‬وع ٍرب منها يقظة َّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬ومراقبتت الدَّقيقة ل ُّ‬ ‫ويف هذا اخلرب عدَّة ٍ‬
‫ِ‬
‫العدو‪ ،‬وقدرتت(ﷺ) عل تقدير األمور‪ ،‬وظهور َّقوتت اَّعنويَّة العالية ويظهر ذلك يف ا ـ ـ ــتعداده‬
‫بعلي ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت‪ ،‬ومعرفتت مبعادن‬
‫َّب(ﷺ) ٍ‬
‫َّقاتلة اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك لو أرادوا اَّدينة‪ ،‬وفيت ثقة الن ِ‬
‫توري عن حماولة قتلت(‪.)2‬‬ ‫علي ر ي هللا عنت َّ‬
‫ألن هذا اجليش لو أبصره ما َّ‬ ‫ِ‬
‫الرجال‪ ،‬وفيت ش اعة ٍ‬

‫َّب(ﷺ) أقـ ــام يف أرض اَّعركـ ــة بعـ ــد أن انتهـ ــت تف َّق ـ ـد خاليـ ــا اجلرح ‪،‬‬ ‫ونللم َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫كل ذلك‬ ‫وال ُّهداء‪ ،‬وأمر بدفنهم‪ ،‬ودعا ربَّت‪ ،‬وأثىن عليت بلانت‪ ،‬وأر ل علياً ليتتبَّع خرب القوم ُّ‬
‫من أجل أن افم عل النَّص ـ ـ ــر الذأ أحرزه اَّس ـ ـ ــلمون يف ايوة أح ٍد‪ ،‬وهذا من فقت ـ ـ ــنن هللا‬
‫تعاىل يف احلروب واَّعارك‪ ،‬فقد جعل ـ ـ ـ ــبلانت من ـ ـ ـ ــننت يف خلقت أن جعل للنَّصـ ـ ـ ــر أ ـ ـ ـ ــباابً‪،‬‬
‫وللهايمية أ باابً‪ ،‬فمن أخذ أب باب النَّصر‪ ،‬وهللادق التَّوُّكل عل هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬حقيقة‬
‫ت ِم ْن قشـْبل‬ ‫عاي وجل ‪ ،-‬كما قال تعاىل ﴿ ـ ـنَّةش َِّ‬
‫اَّلل الَِّيت قش ْد شخلش ْ‬ ‫التوُّكل انل النَّصـ ــر نذن هللا ‪َّ -‬‬
‫َّب(ﷺ) يف اار ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّة األخذ‬ ‫اَّللِ تشـْب ِديالً ﴾ [الفتح‪.]23 :‬ويت لَّ فقت الن ِ‬
‫شولش ْن شِد شد لِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن َِّة َّ‬
‫ابأل باب‪ ،‬يف ايوة حراء األ د‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬غزوة محراء األسد‪:‬‬

‫حض بعد‬
‫َّب(ﷺ) اتبع أخبار اَّ ــرك بوا ــطة بعض أتباعت‪َّ ،‬‬
‫أن الن َّ‬ ‫ُد يف بعض ِ‬
‫الرواَيت َّ‬
‫حممد‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬وبل ت مقالـ ـ ـ ـ ـ ــة أيب فيان يلوم فيها جنده لكو‪،‬م ي فوا ليلهم من َّ‬ ‫رجوعهم إىل َّ‬
‫عباس ر ــي هللا عنهما قال ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما انصــر أبو ــفيان واَّ ــركون من أ ٍ‬
‫حد‪،‬‬ ‫وجنده‪ ،‬فعن ابن ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫حممداً قتلتم‪ ،‬وح الكواع أردفتم‪ ،‬شـ ــر ما هللاـ ــنعتم! فبل‬
‫الرْوحاء ‪ ،‬قال أبو ـ ــفيان ح َّ‬
‫وبل وا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )41/4‬و رية ابن ه ام (خروً ٍ‬


‫علي يف ااثر القوم)‪.‬‬
‫أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪ 95‬ـ ‪.96‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ايوة ٍ‬
‫الروحاء تبعد عن اَّدينة ‪ 73‬كيلو م اً ‪ ،‬يف طريق َّ‬
‫مكة‪.‬‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫‪805‬‬
‫ذلــك ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) [الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)11632‬وجممع الزوائــد (‪ .])121/6‬وتفيــد هــذه‬
‫يطمئن عل‬
‫َّ‬ ‫حض بعد انتهاء اَّعركة وذلك لكي‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) أعداءه َّ‬ ‫ِ‬
‫الرواية خرب ا ـ ـ ـ ــتطالي َّ‬
‫عدم مبا تتهم لت‪.‬‬

‫وعندما مسع ما كانت تعايم عليت قريش من العودة إىل اَّدينة‪ ،‬خرً مبن حضره يوم أح ٍد من‬
‫اَّسلم دون ريهم إىل حراء األ د‪.‬‬

‫قال ابن إ ـلاق كان يوم أحد يوم ال َّسـبت للنِصـف ِم ْن ش َّـوال‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كان ال د من يوم‬
‫ـول هللا(ﷺ) يف النَّاس بطل ا ِ‬
‫لعدو‪،‬‬ ‫ـت ع ــرة ليلةً مضــت من شـ َّـوال أذَّن مؤذن ر ـ ِ‬
‫األحد لسـ َّ‬
‫أحد إح شم ْن حضـ ـ ـ ــر يومنا ابألمس‪ ،‬فا ـ ـ ــتأذنت جابر بن عبد هللا يف‬ ‫وأذَّن ِ‬
‫مؤذنت أحَّ‬
‫خيرجن معنا ش‬
‫َّ‬
‫وإجا خرً م ْرِهباً ِ‬
‫للعدو‪ ،‬وليظنُّوا َّ‬
‫أن الذأ أهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهبم يوهنهم عن طل‬ ‫اخلروً معت‪ ،‬فأذن لت‪َّ ،‬‬
‫َّب(ﷺ)‬ ‫عدوهم‪[ .‬ابن هشام (‪ ،)107/3‬والبيوقي يف الدالئل (‪ .)1(])314/3‬وقد ا ت اب أهللالاب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫حض الَّذين أهللايبوا ابجلرو فهذا رجل من ب عبد األشهل يقول شهدت أحداً‬ ‫لن ــداء اجلهاد‪َّ ،‬‬
‫مؤذن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ابخلروً يف طل العد ِو قلت‬ ‫أان‪ ،‬وأ س‪ ،‬فرجعنا جر ‪ ،‬فلما أذَّن ِ‬
‫ش‬
‫ألخي ‪ -‬أو قال س ‪ -‬أتفوتنا ايوة مع ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ؟ وهللا ما لنا من ٍ‬
‫دابة نـش ْرشكبها‪ ،‬وما منا‬
‫إح جري ثقيل‪ ،‬فهرجنا مع ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وكنت أيس ـ ـ شـر ج ْرحاً منت‪ ،‬فكان إذا ل حلتت‬
‫حض انتهينا إىل ما انته إليت اَّسلمون(‪.)2‬‬
‫عقبةً (ف ًة)‪َّ ،‬‬ ‫عقبةً وم‬

‫و ار ر ول هللا(ﷺ) إىل حراء األ د‪ ،‬واق ب قنوده من جيش اَّ رك ‪ ،‬فأقام فيت ثالثة‬
‫أمر نش ــعال‬ ‫أَيم َّ‬
‫يتلد اَّ ــرك ‪ ،‬فلم يت ـ ـ َّ عوا عل لقائت‪ ،‬ونايالت‪ ،‬وكان ر ــول هللا(ﷺ) قد ش‬
‫وقت واحد طسمئة انر(‪.)3‬‬ ‫النِريان‪ ،‬فكانوا ي علون يف ٍ‬

‫اعي إىل ر ــول هللا(ﷺ) فأ ــلم‪ ،‬فأمره أن يللق أبيب ــفيان‪،‬‬


‫وأقبل شمعبد بن أيب معبد اخلاي ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)50/4‬‬


‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ايوة أحد‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪ ، 144‬نقالً عن الطَّبقات الكرب ‪ ،‬حبن عد (‪.)43/2‬‬
‫‪806‬‬
‫فيهـ ِـذلــت‪ ،‬فللقــت َّ‬
‫ابلروحــاء ‪ -‬و يعلم ن ـ ـ ـ ـ ـ ــالمــت ‪ -‬فقــال مــا وراءك َي معبــد؟! فقــال حم َّم ـد‬
‫حترقوا(‪ )1‬عليكم‪ ،‬وخرجوا يف ٍع خيرجوا يف مثلت‪ ،‬وقد ندم من كان هلَّف‬
‫وأهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬فقد َّ‬
‫حض يطلع َّأول اجليش من وراء‬
‫عنهم من أهللا ـ ـ ــلاهبم‪ .‬فقال ما تقول؟! فقال ما أر أن ترحتل َّ‬
‫الكرة عليهم لنس ـ ــتأهللا ـ ــلهم‪ .‬قال معبد ِ‬
‫فَين‬ ‫(‪)2‬‬
‫هذه األكمة ‪ ،‬فقال أبو ـ ــفيان وهللا لقد أ عنا َّ‬
‫أ‪،‬اك عن ذلك‪ ،‬ووهللا! لقد حل ما رأيت عل أن قلت فيت أبيااتً من شع ٍر‬

‫قلت؟ قال قلت‬


‫قال وما ش‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ات ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫شكاد ْ ِ‬
‫شاببي ِل‬
‫األرض ابجل ْرد األ ْ‬ ‫إِ ْذ ش ـالشت ْ‬ ‫احلشيت‬ ‫ت هتش ُّد م شن األ ْ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ شو ش‬ ‫ش‬
‫ِ ِ ( ‪)7‬‬
‫ِعْن ـ شد اللِ شق ـ ِاء شوحش ِمْي ـ ٍل(‪ )6‬شم شع ـازيــل‬ ‫ِ ٍ(‪)5‬‬
‫تشـ ْرِدأ(‪ )4‬أب ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍد كِشرٍام حش تشـنشـابلشـة‬
‫س ش ِْري ملشْـ ـذ ْوِل‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّم ـ ـا شمسش ْوا بِشرئِْي ٍ‬ ‫ض شمـ ـائِلشـ ـةً‬ ‫فشظشْلـ ـت أش ْعـ ـدو أشظ ُّن األ ْشر ش‬
‫ت(‪ )8‬البشطْ شلـ ـاء ِابجلِْيـ ـ ِل‬ ‫إِذشا تشـ شطْمطشـ ـ ِ‬
‫ش‬ ‫ب ِم ْن لِشقائِكم‬ ‫فشـق ْلت وْيل ابْ ِن حر ٍ‬
‫شْ‬ ‫ش ش‬
‫لِـك ـ ـ ـ ِل ِذ ْأ إِْربش ـ ـ ـ ٍة ِمـْن ـهـ ْم شوشمـ ْعـقـ ْوِل‬ ‫احيشةً‬ ‫ِإين نش ِذيـر ألشه ِل البسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ش‬ ‫ْ ْ شْ‬
‫ِ ِ ِ (‪)10‬‬ ‫ِم ْن شجْي ِ‬
‫هللاف شما أشنْ شذ ْرت ابلقْيل‬ ‫س يو ش‬ ‫شولشْي ش‬ ‫ش(‪ )9‬تشــنش ــابِلشة‬ ‫شحش شد حش شو ْخ ٍ‬ ‫شأْ‬

‫فثىن ذلك أاب ـ ــفيان ومن معت‪ ،‬وحاول أبو ـ ــفيان أن ي ِطي انسـ ــلابت هذا ب ـ ـ ِـن ٍ‬
‫حرب‬
‫نفس ـ ـ ـ ـ ـ ـيَّة عل اَّسـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬لعلَّت يرهبهم‪ ،‬فأر ـ ـ ـ ـ ـ ــل مع شرْك ِ عبد القيس ‪ -‬وكانوا يريدون اَّدينة‬

‫يتلرقون يلتهبون من ال يم‪.‬‬


‫(‪َّ )1‬‬
‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)245/3‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬اجلرد ع أجرد ‪ ،‬وهو الضر ُّي ‪ ،‬قصري ال َّعر ‪ ،‬واألاببيل الفشرق الكثرية‪.‬‬
‫(‪ )4‬تردأ تسري‪.‬‬
‫(‪ )5‬تنابلة ع تنبال ‪ ،‬وهو القصري‪.‬‬
‫(‪ )6‬اَّيل ع أميل ‪ ،‬وهو اجلبان‪.‬‬
‫(‪ )7‬معازيل ع معايال ‪ ،‬وهو من ح رم معت‪.‬‬
‫(‪ )8‬ت طمطت ا طربت ‪ ،‬واثرت‪.‬‬
‫(‪ )9‬وخش ردأء‪.‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )10‬انظر البداية والنهاية (‪ ، )51/4‬و رية ابن ه ام (‪.)46/3‬‬
‫‪807‬‬
‫ل ْل ِم ْ شريةِ(‪[ - )1‬البيوقي يف الدالئل (‪ ،)317 - 315/3‬وابن هشـ ــام (‪ ])110 - 108/3‬ر ـ ــالةً إىل ر ـ ــول‬
‫السري إليت‪ ،‬وإىل أهللالابت ليستأهللالهم‬ ‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬مفادها َّ‬
‫أن أاب فيان وجي ـ ــت قد أ عوا عل َّ‬
‫ومر‬
‫الرك ش أن يعطيهم زبيباً عندما رتونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت يف ـ ــوق ع شكا ‪َّ ،‬‬ ‫من الوجود‪ ،‬وواعد أبو ـ ــفيان َّ‬
‫الرك بر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) وهو حبمراء األ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬فأخربوه ابلَّذأ قالت أبو ـ ـ ـ ــفيان‪ ،‬فقال هو‬
‫َّ‬
‫واَّسلمون حسبنا هللا‪ ،‬ونِ ْع شم الوكيل(‪.)2‬‬
‫ـتمر اَّسـلمون يف معسـكرهم‪ ،‬واثرت قريش ال َّسـالمة‪ ،‬واألوبةش(‪ ،)3‬فرجعوا إىل َّ‬
‫مكة‪ ،‬وبعد‬ ‫وا َّ‬
‫ذلك عاد اَّســلمون إىل اَّدينة برو ٍ قويٍَّة متوثِ ٍبة‪ ،‬ســلت شع شار ايايمية‪ ،‬ومســلت م بَّةش(‪)4‬الف ــل‪،‬‬
‫وهايوا أعصــاهبم‪ ،‬وأحبطوا طاتة اَّنافق ‪،‬‬ ‫فدخلوها أعايًة رفيعي اجلان ‪ ،‬عبثوا ابنتصــار اَّ ــرك ‪ُّ ،‬‬
‫واليهود يف اَّدينة‪ ،‬وأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار القرآن الكر إىل هذه احلرب الباردة‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ ل ظواهرها(‪ )5‬بقولت‬
‫شح شس ـ ـنوا ِمْنـه ْم شواتَّـ شق ْوا‬ ‫ِِ‬ ‫تعاىل(‪﴿ )6‬الَّ ِذين ا ـ ـت ابواْ َِّللِ و َّ ِ ِ ِ‬
‫هللا ـ ـ شاهبم الْ شق ْر للَّذ ش‬
‫ين أ ْ‬ ‫الر ـ ـول من بشـ ْعد شمآ أش ش‬ ‫ش‬ ‫ش ْشش‬
‫اخ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوه ْم فشـشاي شاده ْم إِميشاانً شوقشالوا‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس قش ْد ششعوا لشك ْم فش ْ‬ ‫ين قش شال شيم النَّاس إ َّن الن ش‬
‫شجر شعظيم ۝ الذ ش‬ ‫أْ‬
‫ضـ ٍل ش ميشْسـسـهم ـوء واتَّـبـعوا ِر ْ ـوا شن َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫اَّلل ونِعم الْوكِيل ۝ فشانْـ شقلشبوا بِنِعم ٍة ِمن َِّ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫اَّلل شوفش ْ ْ ش ْ ْ‬ ‫ْش ش‬ ‫شح ْسـبـنشا َّ ش ْ ش ش‬
‫ون إِ ْن كْنـت ْم‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍل ع ِظي ٍم ۝ إَِّجشا شذلِكم ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيطشان خيش ِو أشولِياءه فشالش شهشافوهم وخاف ِ‬ ‫اَّلل ذو فش ْ‬
‫شو َّ‬
‫ْ شش‬ ‫ْش ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫عاية‬
‫َّب(ﷺ) قبل رجوعت إىل اَّدينة‪ ،‬أبو َّ‬ ‫م ْؤِمنِ ش ﴾ [آل عمران ‪ ]175 - 172‬ووقع يف أ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الن ِ‬
‫من عليت‬ ‫للر ــول(ﷺ) أبحَّ يقاتل ـ َّـده عندما َّ‬ ‫اجل شم ِل ُّي ال َّ ـاعر‪ ،‬فقتِل هللاـرباً ألنَّت أخلف وعده َّ‬
‫عاية أن يتهلَّص من القتل‪ ،‬وقال َي ر ـ ـ ــول‬ ‫حد‪ ،‬وقد حاول أبو َّ‬ ‫ببد ٍر‪ ،‬وأطلقت‪ ،‬فعاد فقاتل يف أ ٍ‬
‫هللا! أقِْل (‪ ،)7‬فقال ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) «ح وهللا! ح َتس ـ ـ ـ عار ـ ـ ــيك(‪َّ )8‬‬
‫مبكة بعدها‪ ،‬وتقول‬

‫(‪ )1‬اَّرية الطَّعام جيمع َّ‬


‫للسفر ‪ ،‬وحنوه‪.‬‬
‫للذهب ‪ ،‬واَّ ازأ ‪ ،‬ص ‪.226‬‬ ‫(‪ )2‬اتري ال الم ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )3‬اب أوبشةً رجع‪.‬‬
‫كل ٍ‬
‫شيء عاقبتت واخره‪.‬‬ ‫(‪ )4‬اَّ شبَّة من ِ‬
‫ش‬
‫(‪ )5‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬
‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫(‪ )6‬انظر تفسري هذه احَيت يف ابن كث ٍري‪.‬‬
‫(‪ )7‬أقال هللا شعثْـشرتشت هللا شف عنت وداوز‪.‬‬
‫(‪ )8‬عار يك لا جانبا الوجت‪ .‬لسان العرب (‪.)742/2‬‬
‫‪808‬‬
‫[ابن س ـ ـ ـ ــعد (‪ ،)43/2‬والبيوقي يف الس ـ ـ ـ ــنن الكرب (‪)1‬‬ ‫مرت ‪ ،‬ا ـ ـ ـ ـ ــرب عنقت َي زبري!»‬
‫حممداً َّ‬
‫خدعت َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ «ح يـ ْل شدغ‬ ‫َّب(ﷺ)‬
‫(‪ ،)65/9‬ويف دالئل النبوة (‪ .])281 - 280/3‬فض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب عن شقت‪ ،‬فقال الن ُّ‬
‫مرت » [البخاري (‪ ،)6133‬ومســلم (‪ ،)2(])2998‬فصــار هذا احلديث مثالً‪،‬‬ ‫اَّؤمن من جل ٍر و ٍ‬
‫احد َّ‬ ‫ْ‬
‫و يسمع قبل ذلك‪.‬‬

‫ويعد هذا العمل من قبيل ال ِسـ ـيا ــة ال َّ ـ ـرعية َّ‬


‫ألن هذا ال َّ ـ ـاعر من اَّفس ــدين يف األرض‪،‬‬
‫وألن يف ِ‬
‫اَّن عليت َتكيناً لت من أن يعود حرابً عل اَّسلم ‪.‬‬ ‫الدَّاع إىل الفتنة‪َّ ،‬‬

‫لي(‪.)3‬‬
‫عايشة اجل شم ِ‬
‫و أيب َّ‬ ‫و ي ْـؤ ش ْر من اَّ رك‬

‫حد فقد اُلت اَّعركة عن بع شهيداً من اَّسلم ‪،‬‬ ‫و َّأما عدد القتل من اَّسلم يف أ ٍ‬

‫هللاْبـت ْم ِمثْـلشْيـ شها قـ ْلت ْم أ َّ‬


‫شَّن شه شذا ق ْل ه شو‬ ‫ِ‬
‫ويؤيِد هذا تفسري قولت تعاىل ﴿أ ششول ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما أش ش‬
‫هللاابشـْتك ْم مصيبشة قش ْد أش ش‬
‫اَّللش شعلش ك ِل ششـ ـ ـ ْي ٍء قش ِدير ﴾ [آل عمران‪َّ ]165 :‬أ‪،‬ا نايلت تس ـ ــليةً للمؤمن‬ ‫ِم ْن ِعْن ِد أشنْـف ِسـ ـ ـك ْم إِ َّن َّ‬
‫حد‪ .‬قال ابن عطيَّة ‪ -‬رحت هللا ‪ -‬وكان اَّ ركون قد قتلوا منهم بع‬ ‫عمن أهللاي منهم يوم أ ٍ‬ ‫َّ‬
‫‪.‬أما عدد الَّذين قتلوا‬
‫نفراً‪ ،‬وكان اَّســلمون قد قتلوا من اَّ ــرك ببد ٍر ــبع ‪ ،‬وأ ــروا ــبع (‪َّ )4‬‬
‫حد من اَّ رك ‪ ،‬فكان اثن وع رين قتيالً(‪.)5‬‬ ‫يوم أ ٍ‬

‫كان خروً ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) َّالحقة اَّ ـ ـ ـ ــرك يف ايوة حراء األ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬يهد إىل حتقيق‬
‫اَّهمة منها‬
‫جمموعة من اَّقاهللاد َّ‬
‫‪ - 1‬أحَّ يكون آخر ما تنطوأ عليت نفوس الَّذين خرجوا يوم أ ٍ‬
‫حد هو ال ُّعور ابيايمية‪.‬‬

‫مض نفضـوا عنهم الضـَّعف‪ ،‬والف ــل‪ ،‬وا ــت ابوا‬


‫الكرة عل أعدائهم ش‬ ‫‪ - 2‬إعالمهم َّ‬
‫أن يم َّ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة حبن ه ام (‪.)116/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر شرحت و ببت يف الفت ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر البداية والنِهاية (‪.)53/4‬‬
‫(‪ )4‬اَّرر الوجياي ‪ ،‬حبن عطية (‪.)411/3‬‬
‫(‪ )5‬مروَيت ايوة أحد ‪ ،‬للباكرأ ‪ ،‬ص ‪ 367‬ـ ‪.369‬‬
‫‪809‬‬
‫لدعوة هللا‪ ،‬ور ولت(ﷺ) ‪.‬‬

‫الصلابة عل قتال أعدائهم‪.‬‬


‫‪ - 3‬درئة َّ‬
‫أن ما أهللا ـ ـ ـ ـ ــاهبم يف ذلك اليوم‪َّ ،‬إجا هو منلة‪ ،‬وابتالء اقتض ـ ـ ـ ـ ــتها إرادة هللا‪،‬‬
‫‪ - 4‬إعالمهم َّ‬
‫وحكمتت‪ ،‬و َّأ‪،‬م أقوَيء‪ ،‬و َّ‬
‫أن خصومهم ال الب يف الظَّاهر عفاء(‪.)1‬‬
‫َّب(ﷺ) إىل حراء األ ـ ــد إش ـ ــارًة نبويَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً إىل ِ‬
‫أليَّة ا ـ ــتعمال احلرب‬ ‫كما َّ‬
‫أن يف خروً الن ِ‬
‫النَّفس ـيَّة للتأثري عل معنوَيت اخلصــوم حيث خرً(ﷺ) قنوده إىل حراء األ ــد‪ ،‬ومكث فيها‬
‫حض‬ ‫مكان ٍ‬
‫بعيد‪ ،‬وم ت األرجاء أبنوارها‪َّ ،‬‬ ‫ثالثة َّأَيٍم‪ ،‬وأمر نيقاد النِريان‪ ،‬فكانت ت ـ ـ ـ ــاهد من ٍ‬
‫أن جيش اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ذو ٍ‬
‫عدد كبري ح طاقة يم بت‪ ،‬فانص ـ ـ ـ ـ ـ ــرفوا وقد م ا ُّلرع‬ ‫خيِل لقريش َّ‬
‫أفئدهتم(‪.)2‬‬

‫حض عس ـ ــكروا حبمراء األ ـ ــد‪ ،‬وكان‬ ‫قال ابن ـ ــعد «ومض ـ ـ ر ـ ــول هللا(ﷺ) أبهللا ـ ــلابت َّ‬
‫حض تر من اَّكان البعيد‪ ،‬وذه هللا ـ ـ ـ ـ ـ ــوت‬ ‫اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون ِ‬
‫يوقدون تلك اللَّياس طس ـ ـ ـ ـ ـ ــمئة ان ٍر َّ‬
‫عدوهم»(‪.)3‬‬
‫ت هللا تعاىل بذلك َّ‬ ‫معسكرهم‪ ،‬نريا‪،‬م يف ِ ٍ‬
‫كل وجت فكبش ش‬
‫سادساً‪ :‬مشاركة نساء املسلمني يف معركة أ ٍ‬
‫ُحد‪:‬‬
‫كانت ايوة ٍ‬
‫أحد َّأول معركة يف ال ـالم ت ـارك فيها نسـاء اَّسـلم ‪ ،‬وقد ظهرت بطوحت‬
‫إميا‪،‬ن يف هذه اَّعرك ـ ـ ــة‪ ،‬فقد خرجن لكي يسق العط ‪ ،‬ويداوين اجلرح ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ال ـ ـ ــنِساء‪ ،‬وهللادق‬
‫للر ــول(ﷺ) ‪ ،‬واَّن ش ــاركن يف ايوة ٍ‬
‫أحد ُّأم‬ ‫ومنهن من قامت ِ‬
‫برد ـ ـرابت اَّ ــرك اَّ شو َّجهة َّ‬ ‫َّ ش ْ‬
‫ش األ ديَّة‪ ،‬و ُّأم ش لِيا‪ ،‬و ُّأم‬
‫الص ِديق‪ ،‬و ُّأم عمارة‪ ،‬وحشْنشة بنت شج ْل ٍ‬
‫اَّؤمن عائ ة بنت أيب بكر ِ‬
‫[مسلم (‪ 1809‬و‪ 1810‬و‪.])1811‬‬ ‫لشْيم‪ ،‬ونسوة من األنصار‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر يف ظالل القران (‪.)519/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر ايوة أ ٍ‬
‫حد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬انظر الطَّبقات ‪ ،‬حبن ٍ‬
‫عد (‪.)49/2‬‬
‫‪810‬‬
‫إن عمر بن اخلطاب قشس ـ ـ ـ ـم مروطاً ب نسـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاء من‬ ‫قال ثعلبة بن أيب ٍ‬
‫مالك ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫ش ش‬
‫نس ـ ـ ـ ـ ـ ــاء أهل اَّدينة‪ ،‬فبقي منها ِمرط جيِد‪ ،‬فقال لت بعض من عنده َي أمري اَّؤمن ! ِ‬
‫أعا هذا‬ ‫شْ‬
‫علي ‪ -‬فقال عمر ر ــي هللا عنت أم ش ـليا‬
‫بنت ٍ‬ ‫بنت ر ــول هللا الَّيت عندك ‪ -‬يريدون َّأم كلثوم ش‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫أحق بت‪ .‬و ُّأم ليا من نساء األنصار ِاَّن ابيع ر ش‬
‫ول هللا(ﷺ) ‪ .‬قال عمر فَ‪،‬ا كانت تـ ْايفر‬ ‫ُّ‬
‫القرب يوم أ ٍ‬
‫حد‪[ .‬البخاري (‪.])4071 ،2881‬‬ ‫ِ‬
‫لنا ش ش‬
‫أ ‪ -‬سقي العطشى من اجملاهدين‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬قال ولقد‬ ‫ا‪،‬ايم النَّاس عن الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عن ٍ‬


‫أنس ر ي هللا عنت قال «لـ ـ ـ َّـما كان يوم أحد‪ ،‬ش‬
‫ب‪-‬‬ ‫ر‬ ‫هن تشـْنـقاي ِان(‪ِ )2‬‬
‫الق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأيت عائ ـة بنت أيب بك ٍر‪ ،‬و َّأم ـلشيم‪َّ ،‬‬
‫شش‬ ‫وإ‪،‬ما َّ ـمراتن‪ ،‬أر شخ شد شم ـوق َّ ش‬
‫القرب ‪ -‬عل متو‪،‬مـا‪ ،‬مثَّ تـ ْفر شـانـِ ِت يف أفواه القوم‪ ،‬مثَّ ترجعـان‪ ،‬فتمال‪،‬ـا‪ ،‬مثَّ‬ ‫وقـال ريه تنقالن ش‬
‫ديئان‪ ،‬فتفر شانت يف أفواه القوم» [البخاري (‪.])2880‬‬

‫وقال كع بن ٍ‬
‫مالك ر ي هللا عنت «رأيت َّأم لشيم بنت مللان‪ ،‬وعائ ة‪ ،‬عل ظهورلا‬
‫ٍ‬
‫جلش تسقي العط ‪ ،‬وتداوأ اجلرح ‪ ،‬وكانت‬ ‫القرب‪ ،‬مال‪،‬ا يوم أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وكانت حشْنشة بنت‬ ‫ِ‬
‫ش‬
‫ُّأم أمين تسقي اجلرح »‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مداواة اجلرحى‪ ،‬ومواساة املصابني‪:‬‬

‫أبم ـ ـ ـلشيم‪ ،‬ونس ـ ــوةٍ من‬ ‫أنس بن ٍ‬


‫مالك ر ـ ــي هللا عنت قال كان ر ـ ــول هللا(ﷺ) ي ايو ِ‬ ‫عن ِ‬
‫[مسلم (‪.])1810‬‬ ‫األنصار معت إذا ايا‪ ،‬فيسق اَّاءش‪ ،‬ويداوين اجلرح ‪.‬‬

‫َّب(ﷺ) اَّ ـ ـ ــاهد‪ ،‬ويس ـ ـ ــق‬ ‫هرأ كان النِس ـ ـ ــاء ي ـ ـ ــهدن مع الن ِ‬
‫الاي ِ‬
‫الرزاق عن ُّ‬
‫وأخرً عبد َّ‬
‫الربيِع بنت م شع ِوٍذ‪ ،‬قالت كنَّا مع الن ِ‬
‫َّب(ﷺ) نس ـ ـ ـ ـ ـ ــقي القوم‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اَّقاتلة‪ ،‬ويداوين اجلرح ‪ .‬وعن ُّ‬

‫(‪ )1‬تايفِر حتمل القرب الوءةً ابَّاء‪.‬‬


‫(‪ )2‬تشـْنـقشايان أأ حتمالن ‪ ،‬وتقفايان هبا وثباً‪.‬‬
‫(‪ )3‬فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪.)2880‬‬
‫‪811‬‬
‫َّب(ﷺ)‬ ‫ونرد القتل إىل اَّدينة‪[ .‬البخاري (‪ .])2882‬ويف رو ٍ‬
‫اية كنَّا ن ايو مع الن ِ‬ ‫ونداوأ اجلرح ‪ُّ ،‬‬
‫[البخاري (‪.])2883‬‬ ‫ونرد اجلرح ‪ ،‬والقتل إىل اَّدينة‪.‬‬
‫‪ ،‬فنسقي القوم‪ ،‬وَندمهم‪ُّ ،‬‬
‫وعن أيب ٍ‬
‫حازم أنَّت مسع هل بن ٍ‬
‫عد ر ي هللا عنت وهو يسأل عن جر ر ول هللا(ﷺ)‬
‫‪ ،‬فقال أما وهللا! ِإين ألعر شم ْن كان ي س ــل جر ش ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ومن كان يس ــك اَّاء‪،‬‬
‫ووأ‪ .‬قال كانت فاطمة ر ـي هللا عنها بنت ر ـول هللا(ﷺ) ت سـلت‪ ،‬وعلي يسـك اَّاء‬ ‫ومبا د ش‬
‫أن اَّاء ح ياييد الدَّم إح كثرًة أخذت قطعةً من حص ٍري‪ ،‬فأحرقتها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ابان‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأت فاطمة َّ‬
‫[البخاري (‪ ،)4075‬ومسلم (‪.])1790‬‬ ‫وألصقتها‪ ،‬فا تمسك الدَّم‪.‬‬

‫ابلسيف‪:‬‬ ‫ج ‪ِّ -‬‬


‫الدفاع عن اإلسالم ورسوله(ﷺ) َّ‬
‫حد إح ُّأم عمارة نسيبة اَّازنيَّة ر ي هللا عنها‪ ،‬وهذا مرة بن ٍ‬
‫عيد‬ ‫تقاتل اَّ رك يوم أ ٍ‬
‫ش ْش‬ ‫ش‬
‫َّب(ﷺ) يقول لشم شقام‬ ‫دث عن جدَّتت‪ ،‬وكانت قد شهدت أحداً تسقي اَّاء‪ ،‬قالت مسعت الن َّ‬
‫فالن‪ ،‬وفالن‪ ،‬وكان يراها تقاتل ٍ‬
‫يومئذ أشـ ـ َّـد القتال‪َّ ،‬‬
‫وإ‪،‬ا‬ ‫بنت كع ٍ اليوم خري من مقام ٍ‬ ‫نس ـ ـيبة ِ‬
‫شْ‬
‫حض ج ِر شح ْ‬
‫ت ثالثة ع ـ شـر جرحاً‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما حض ـرهتا الوفاة كنت فيمن‬ ‫حلاجاية ثوهبا عل و ــطها‪َّ ،‬‬
‫َّسـ ـ ـ ـلها‪ ،‬فعددت جراحها ج ْرحاً ج ْرحاً‪ ،‬فوجدهتا ثالثة ع ـ ـ ــر جرحاً‪ .‬وكانت تقول ِإين ألنظر‬
‫إىل ابن قميئة وهو يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرهبا عل عاتقها ‪ -‬وكان أعظم جراحها‪ ،‬لقد داوتت ـ ـ ـ ـ ـ ــنةً ‪ -‬مث شان شد‬
‫الدم‪ ،‬ولقد‬ ‫َّب(ﷺ) إىل حراء األ د! ف دَّت عليها ثياهبا‪ ،‬فما ا تطاعت من ناي َّ‬ ‫منادأ الن ِ‬
‫حض أهللابلنا‪ ،‬فل َّـما رجع ر ول هللا(ﷺ) من احلمراء‪ ،‬ما وهللال إىل بيتت‬ ‫نكمد اجلرا َّ‬ ‫مكثنا ليلنا ِ‬
‫عبد هللا بن كع ٍ اَّازين(‪ - )1‬أخا ِأم عمارة ‪ -‬يس ـ ـ ـ ــأل عنها‪ ،‬فرجع إليت خيربه‬
‫حض أر ـ ـ ـ ــل إليها ش‬
‫َّ‬
‫َّب(ﷺ) بذلك(‪.)2‬‬
‫بسالمتها‪ ،‬فسَّر الن ُّ‬
‫الباكرأ عل م ـ ـ ـ ــاركة ن شس ـ ـ ـ ـ ـيبة بنت كع يف القتال‪ ،‬فقال‬
‫ُّ‬ ‫وقد علَّق األ ـ ـ ـ ــتاذ حس ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫(‪ )1‬انظر ري أعالم النُّبالء ‪َّ ،‬‬


‫للذهب (‪.)278/2‬‬
‫اقدأ (‪ 269/1‬ـ ‪.)270‬‬ ‫(‪] )2‬اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬
‫‪812‬‬
‫ص ـة ن شس ـيبة وقتال نس ــيبة َّإجا‬ ‫«وخروً اَّرأة للقتال مع ِ‬
‫الرجال يثبت يف ذلك منت ش ــيء ري ق َّ‬
‫أن ر ول هللا(ﷺ) أهللاب يف خط ٍر ح انك ف عنت النَّاس‪ُّ ،‬‬
‫فأم‬ ‫كان ا طراريـ ـ ـ ـ ـ ـاً ح رأت َّ‬
‫السال فيت واجباً عل شم ْن يقدر عل حلت رجالً كان‪،‬‬ ‫موقف أهللاب حشْل ِ‬
‫عمارة إذاً كانت يف ٍ‬
‫أو امرأ ًة»(‪.)1‬‬
‫الدكتور أكرم ـ ـ ــياء العمرأ عل ا اثر الدَّالة عل م ـ ـ ــاركة النِسـ ـ ــاء يف ٍ‬
‫أحد بقولت‬ ‫وعلَّق ُّ‬
‫تدل عل جواز احنتفاي ابلنِس ـ ـ ـ ـ ــاء عند ال َّ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـرورة‪َّ ،‬داوة اجلرح ‪ ،‬وخدمتهم إذا‬ ‫«وهذه ا اثر ُّ‬
‫ين‬
‫تعرض َّ‬
‫دافع شن عن أنفسهن ابلقتال إذا َّ‬ ‫لايومهن ِ‬
‫الس ‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬
‫وين أن ي ْ‬
‫الصيانة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ت فتنته َّن مع‬
‫أمنش ْ‬
‫العدو دَير اَّس ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬في‬ ‫أن اجلهاد فرض عل ِ‬
‫الرجال وحدهم‪ ،‬إح إذا داهم ُّ‬ ‫األعداء‪ ،‬مع َّ‬
‫قتالت من اجلميع رجاحً‪ ،‬ونساء»(‪.)2‬‬

‫كة يف ال ــالم‬ ‫حممد أحد ابطيل فقد قال «وقد كانت معركة أ ٍ‬
‫حد َّأول معر ٍ‬ ‫و َّأما األ ــتاذ َّ‬
‫قاتلت فيها اَّرأة اَّســلمة اَّ ــرك ‪ ،‬ومن الثَّابت َّ‬
‫أن امرأ ًة واحد ًة فقا اشـ كت يف هذه اَّعركة‪،‬‬
‫أن اَّرأة الَّيت اش ـ ـ ـ كت يف معركة‬
‫وهي تدافع عن ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬كما أنَّت من الثَّابت أيض ـ ـ ـاً َّ‬
‫كالرجال َّ‬
‫وإجا خرجت لتنظر ما يصـ ـ ـ ـ ـ ــنع‬ ‫أحد هرً بقصـ ـ ـ ـ ـ ــد القتال‪ ،‬فهي تكن جمنَّدةً فيها ِ‬‫ٍ‬

‫النَّاس لتقوم أبيَّة مسـ ــاعدةٍ ميكنها القيام هبا للمسـ ــلم كَ اثة اجلرح ابَّاء‪ ،‬وما شـ ــابت ذلك‪،‬‬
‫أن هذه اَّرأة الَّيت خا ت معركة أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬هي امرأة قد هطَّت ِ َّن ال َّباب‪ ،‬كما‬ ‫يضا إىل هذا َّ‬
‫أ َّ‪ ،‬ـا هرً إىل اَّعركــة إحَّ مع زوجهــا‪ ،‬وابنيهــا‪ ،‬الَّـذين كــانوا من اجلنــد الَّـذين قــاتلوا يف اَّعركــة‪،‬‬
‫الدينيَّة‪ ،‬فال يقاس عل‬ ‫الرهللا ـ ـ ــيد ايائل الَّذأ لديها من اَّناعة اخللقيَّة وال َّ بية ِ‬
‫يض ـ ـ ــا إىل هذا َّ‬
‫الايمان‪ ،‬الَّالئي يرتدين لباس اَّيدان‪ ،‬وعنص ـ ـ ـ ـ ـ ــر ال راء‪،‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابية اجلليلة‪ ،‬جمنَّدات هذا َّ‬
‫هذه ال َّ‬
‫للرجال فأين الثـشَّر ِم شن الثُّـشرََّي؟!‬
‫أهم عنص ٍر يتميَّاين بت‪ ،‬و رهللان عل إظهاره ِ‬‫والفتنة هو ُّ‬
‫الايمان‪ ،‬من انحية ال َّهامة‪،‬‬
‫كذلك رجال ذلك العصر ح يقاس عليهم أحد من رجال هذا َّ‬

‫(‪ )1‬انظر مروَيت ايوة ٍ‬


‫أحد ‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫الصليلة (‪.)391/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪813‬‬
‫فكل اَّارب الَّذين اشـ ـ ـ ـ ـ ـ كت معهم اَّرأة يف معركة أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬كانوا‬ ‫الرجولة‪ُّ ،‬‬
‫واح ـ ـ ـ ـ ــتقامة‪ ،‬والعفَّة و ُّ‬
‫األمة ال ــالميَّة‪ ،‬ورماي نبلها‪ ،‬وشــهامتها‪ ،‬وعنوان رجولتها‪ ،‬وا ــتقامتها‪ ،‬فال يص ـ ُّ مطلقاً‬‫هللاــفوة َّ‬
‫جعل اش ـ ـ ـ ـ اك تلك اَّرأة يف معركة أ ٍ‬
‫حد قاعد ًة تقاس عليها (من النَّاحية ال َّ ـ ـ ـ ـرعيَّة) إابحة دنيد‬
‫الرجل (كعنصر أ ٍ‬
‫اس من عناهللار اجليش) فالقياس يف هذه‬ ‫اَّرأة يف هذا العصر‪ ،‬لتقاتل قان َّ‬
‫احلالة قياس مع الفارق‪ ،‬وهو قياس ابطل قطعاً»(‪.)1‬‬

‫لألمة‪:‬‬
‫ات َّ‬ ‫الصرب ِّ‬
‫تقدموا صحابيَّ ٌ‬ ‫سابعاً‪ :‬دروس يف َّ‬

‫أ ‪ -‬صفية بنت عبد املطَّلب رضي هللا عنوا‪:‬‬


‫لـ ـ ـ َّـما ا ت هد أخوها حاية بن عبد اَّطَّل ر ي هللا عنت يف أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وجاءت لتنظر إليت وقد‬
‫َّل بت اَّ ـ ـ ـ ــركون‪ ،‬ف دعوا أنفت‪ ،‬وبقروا بطنت‪ ،‬وقطعوا أذنيت‪ ،‬ومذاكريه‪ ،‬فقال ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ)‬ ‫شمث ش‬
‫العوام «الْ شقهــا‪ ،‬فـأ ْشرجعهــا ح تر مــا أبخيهــا» فقــال يــا َي أ َّمـت! َّ‬
‫إن ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬ ‫الايبري بن َّ‬
‫حبنهــا ُّ‬
‫هللا(ﷺ) رمرك أن ترجعي‪ ،‬قالت وِش؟ وقد بل أنَّت قد مثِ شل أبخي‪ ،‬وذلك يف هللا‪ ،‬فما أر اان‬
‫َّ‬
‫وألهللاربن إن شاء هللا‪.‬‬ ‫ألحتسب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مبا كان من ذلك!‬

‫العوام ر ــي هللا عنت إىل ر ــول هللا(ﷺ) فأخربه بذلك‪ ،‬قال « شخ ِل‬
‫الايبري بن َّ‬
‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما جاء ُّ‬
‫بيلها» فأتتت‪ ،‬فنظرت إليت‪ ،‬فصلَّت عليت‪ ،‬وا جعت(‪ ،)2‬وا ت فرت لت‪[ .‬سبق خترجيه](‪.)3‬‬

‫ب ‪َ -‬محْنَةُ بنت جحش رضي هللا عنوا‪:‬‬

‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما فرغ ر ول هللا(ﷺ) من دفن أهللالابت ر ي هللا عنهم‪ ،‬رك فر ت‪ ،‬وخرً اَّسلمون‬
‫ٍ‬
‫جلش‪ ،‬فقــال يــا ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) َي حنــة!‬ ‫حولــت راجع إىل اَّــدينــة‪ ،‬فلقيتــت حشْنشـة بنــت‬
‫ٍ‬
‫جلش‪ ،‬فا ـ جعت‪ ،‬وا ــت فرت‬ ‫عبد هللا بن‬
‫احتس ــب! قالت شم ْن َي ر ــول هللا؟! قال أخاك ش‬

‫َّمد ابطيل ‪ ،‬ص ‪ 171‬ـ ‪.173‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ايوة ٍ‬


‫أحد ‪َّ ،‬‬
‫ت أأ قالت إنَّـا هلل َّ‬
‫وإان إليت راجعون‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ا ْ شج شع ْ‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)108/3‬‬
‫‪814‬‬
‫لت‪ ،‬مثَّ قال يا ر ول هللا(ﷺ) احتسب! فقالت شم ْن َي ر ول هللا؟! قال خالك حاية بن عبد‬
‫اَّطَّل ‪ ،‬قالت إان هلل وإان إليت راجعون‪ ،‬فر هللا لت‪ ،‬هنيئاً لت ال ـ ــهادة‪ .‬مثَّ قال يا احتس ـ ــب !‬
‫قالت شم ْن َي ر ول هللا؟ قال زوجك مصع بـن ع شم ٍْري‪ ،‬قالت واحاينـاه !‬
‫ٍ‬
‫لبمكان» َّا رأ من‬ ‫إن زوً اَّرأة منها‬ ‫ت‪ .‬فقال ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) « َّ‬ ‫وولْ شولش ْ‬ ‫وهللاـ ـ ـ ــاحت‪،‬‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫تشـثشـبُّتِها عند أخيها‪ ،‬وخايا‪ ،‬وهللا ــياحها عل زوجها‪[ .‬ابن ماجه (‪ ،)1590‬والطربي يف اترخيه (‪،)532/2‬‬

‫قلت هذا؟ قالت َي ر ول هللا!‬ ‫والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)301/3‬وابن هشام (‪ .])104/3‬مثَّ قال يا وِ ِ‬
‫ش‬
‫ذكرت يـْتم بنيت‪ ،‬فراع ‪ ،‬فدعا يا ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ولو ِ‬
‫لدها أن س ـ ـ ـ ـ ـ ــن هللا تعاىل عليهم من‬ ‫ش‬ ‫ش‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫حممد بن طللة‬
‫حممداً‪ ،‬وعمران ‪ ،‬وكان َّ‬
‫فتايوجت طللةش بن عبيد هللا‪ ،‬فولدت منت َّ‬
‫ف ‪َّ ،‬‬ ‫اخلشلش‬
‫أوهللال النَّاس لولدها(‪.)3‬‬
‫ج ‪ -‬املرأة ِّ‬
‫الدينارية رضي هللا عنوا‪:‬‬

‫مر ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ابمرأةٍ من ب دينار‪ ،‬وقد‬ ‫قال ـ ـ ـ ـ ــعد بن أيب وقَّ ٍ‬
‫اص ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت َّ‬
‫أهللاي زوجها‪ ،‬وأخوها‪ ،‬وأبوها مع ر ول هللا(ﷺ) أب ٍ‬
‫حد‪ ،‬فل َّـما نـعوا يا قالت فما فعل ر ول‬
‫أنظر إليت‪ ،‬فأشري‬
‫حض ش‬‫هللا(ﷺ) ؟ قالوا خرياً َي َّأم فالن! هو حبمد هللا كما حتبِ ‪ ،‬قالت أشرونيت َّ‬
‫جلشل(‪[ .)4‬الواقدي يف امل ازي (‪ ،)292/1‬والطربي يف‬ ‫كل مصـ ـ ـ ٍ‬
‫بعدك ش‬
‫ـيبة ش‬ ‫حض إذا رأتت قالت ُّ‬‫يا إليت‪َّ ،‬‬
‫اترخيه (‪ ،)533/2‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)302/2‬وابن هشام (‪.])105/3‬‬

‫ـ تريد هللا رية ‪ .-‬وهكذا يفعل الميان يف نفوس اَّسلم !‬


‫د ‪ -‬أ يم سعد بن م ٍ‬
‫عاذ‪ ،‬وهي كبشةُ بنت عبيد اخلزرجيَّة رضي هللا عنوا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫خرجت ُّأم ــعد بن معاذ تعدو حنو ر ـ ِ‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬ور ــول هللا(ﷺ) واقف عل فر ــت‪،‬‬

‫البداية والنِهاية (‪ ، )47/4‬و ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.236‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫الهللاابة (‪ ، )88/8‬رقم (‪.)11060‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ايوة أحد ‪ ،‬أليب فارس ‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫ِ‬
‫البداية والنِهاية (‪ ، )48/4‬و رية ابن ه ام (شأن اَّرأة الدينارية)‪.‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪815‬‬
‫ان(‪ )1‬فر ــت‪ ،‬فقال ــعد َي ر ــول هللا! ِأمي! فقال ر ــول هللا(ﷺ)‬
‫و ــعد بن معاذ اخذ بعنش ِ‬
‫ـول هللا‪ ،‬فقالت أما إذ رأيتك ــاَّاً فقد أشــوت(‪ )2‬اَّصــيبة‪،‬‬
‫أتملت ر ـ ش‬
‫حض َّ‬
‫مرحباً هبا‪ ،‬فدنت َّ‬
‫أن‬ ‫فعاياها ر ــول هللا(ﷺ) بعمرو بن ٍ‬
‫معاذ ابنها‪ ،‬مثَّ قال َي َّأم ــعد! أب ــرأ‪ ،‬وب ِ ـرأ أهليهم َّ‬ ‫َّ‬
‫قتالهم قد ترافقوا يف اجلنَّة يعاً ‪ -‬وهم اثنا ع ــر رجالً ‪ -‬وقد شـ ِفعوا يف أهليهم‪ .‬قالت ر ــينا‬
‫ول هللا! َّن خلِفوا‪ .‬فقال ر ول‬
‫َي ر ول هللا! ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! مثَّ قالت ادي َي ر ش‬
‫ف عل من خلِفوا»‪.‬‬
‫اجب ـ ـ ـ ـ ْـر مصيبتهم‪ ،‬وأحسن اخلشلش ش‬
‫هللا(ﷺ) « الله َّم أذه ح ـ ـ ـ ــاين قلوهبم‪ ،‬و ْ‬
‫[م ازي الواقدي (‪.])316 - 315/1‬‬

‫***‬

‫(‪ )1‬العِنشان ش ري الل ام الذأ َتْ شسك بت الدابة‪.‬‬


‫أشوت هللاارت هللا ريةً خفيفة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ش‬
‫‪816‬‬
‫الرابع‬
‫املبحث َّ‬
‫بعض ال يدروس‪ ،‬والعرب‪ ،‬والفوائد‬

‫حد وهللافاً دقيقاً‪ ،‬وكان التَّصوير القرآينُّ لل ايوة أقو حيويَّة‪،‬‬ ‫لقد وهللاف القرآن الكر ايوة أ ٍ‬

‫أن أ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوب ا َيت اَّطمئنة‪ ،‬اَّب ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪،‬‬


‫الرواَيت الَّيت جاءت يف ال ايوة‪ ،‬كما َّ‬
‫وو ـ ـ ـ ـ ـ ــوحاً من ِ‬
‫َّب(ﷺ) ‪،‬‬ ‫ـكنة‪ ،‬والواعظة كان رائعاً‪ ،‬وقوَيً‪ ،‬فب َّ القرآن الكر نفوس جيش الن ِ‬ ‫والالَّئمة‪ ،‬واَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫عما جاء يف كت ال ِس ـ ـ ـ ـرية‪ ،‬فس ـ ـ ـ ـلَّا القرآن الكر‬
‫وهذا شَتشيُّـاي حلديث القرآن عن ال ايوة‪ ،‬ينفرد بت َّ‬
‫األ ـواء عل خفاَي القلوب الَّيت ما كان اَّســلمون أنفس ـهم يعرفون وجودها يف قلوهبم‪ ،‬والنَّاظر‬
‫حد جيد ِ‬
‫الدقَّة‪ ،‬والعمق‪ ،‬وال ُّ ـ ـ ـمول‪ .‬يقول ـ ــيِد‬ ‫عموماً يف منهت القرآن يف التَّعقي عل ايوة أ ٍ‬
‫ٍ‬
‫خاجلة‪ ،‬والعمق يف التَّد ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس إىل أ وار‬ ‫كل‬ ‫كل حر ٍ‬
‫كة‪ ،‬و ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫موقف‪ ،‬و ِ‬ ‫« ِ‬
‫الدقَّة يف تناول ِ‬ ‫قط‬
‫النَّفس‪ ،‬وم اعرها الدَّفينة‪ ،‬وال ُّمول جلوان النَّفس‪ ،‬وجوان احلادث‪.‬‬

‫كمـا ُـد احليويـَّة يف التَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــوير‪ ،‬واليقـاي‪ ،‬وال ـاء‪ ،‬حبيـث تتمـاوً اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعر مع التَّعبري‪،‬‬
‫فهو وهللاـ ــف‬ ‫والتَّصـ ــوير َتاوجاً عميقاً عنيفاً‪ ،‬وح َتلك أن تقف جامدةً أمام الوهللاـ ــف والتَّعقي‬
‫تتلرك‪ ،‬وي ــيع حويا النَّ ــاط اَّؤثِر‪ ،‬والشــعاي النَّافذ‪،‬‬
‫ـاه شد كما لو كانت َّ‬‫حي‪ ،‬يســتلضــر اَّ ـ ِ‬

‫وال اء اَّثِ ْري»(‪.)1‬‬

‫األمة‪ ،‬وإقامة َّ‬


‫الدولة‪ ،‬والتَّمك لدين هللا‪ ،‬يعترب انعكا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً يف‬ ‫َّب(ﷺ) يف تربية َّ‬ ‫َّ‬
‫إن حركة الن ِ‬
‫دنيا احلياة َّفاهيم القرآن الكر ‪ ،‬الَّيت ـ ـ ــيطرت عل م ـ ـ ــاعره‪ ،‬وأفكاره‪ ،‬وأحا ـ ـ ــيس ـ ـ ــت(ﷺ) ‪،‬‬
‫رآين الكر ‪ ،‬وحنــاول‬ ‫َّب(ﷺ) يف عالجــت ألثر ايايميــة يف أحـ ٍـد اتبع للمنهت الق ِ‬ ‫ولــذلــك ُــد َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫اَّهمة يف هذا اَّنهت‬
‫تسليا األ واء عل بعض النُّقاط َّ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القران (‪.)532/1‬‬


‫‪817‬‬
‫سنن ودعوهتم ِّ‬
‫للعلو اإلمياين‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬تذكري املؤمنني ابل ي‬
‫ف شكـا شن شعـاقِبشـة‬ ‫ض فشـانْظروا شكْي ش‬ ‫ت ِم ْن قشـْبلِك ْم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنشن فش ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريوا ِيف األ ْشر ِ‬
‫﴿قشـ ْد شخلشـ ْ‬ ‫قـال تعـاىل‬
‫َّاس شوهد ً شوشم ْو ِعظشة لِْلمت َِّق ش ۝ شوحش شهتِنوا شوحش شْحتشاينوا شوأشنْـتم األ ْشعلش ْو شن‬
‫الْم شك َّذبِ ش ۝‬ ‫شه شذا بشـيشان لِلن ِ‬
‫ِِ‬
‫إِ ْن كْنـت ْم م ْؤمن ش‬
‫﴾ [آل عمران‪.]139-137-:‬‬

‫أن هللا ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬ي ك اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم‬ ‫إن ِ‬


‫اَّتأمل يف هذه ا َيت الكرمية جيد َّ‬ ‫َّ‬
‫أحد‪ ،‬بل خاطبهم هبذه ا َيت الَّيت بعث هبا األمل يف قلوهبم‪،‬‬ ‫لو اوس ال َّيطان يف حمنة ايوة ٍ‬
‫يقويهم‪ ،‬ويثبِتهم‪ ،‬وميس بتوجيهاتت دموعهم‪ِ ،‬‬
‫وخيفف عنهم احمهم(‪.)1‬‬ ‫وأرشدهم إىل ما ِ‬

‫القرطب هو تسلية من هللا تعاىل للمؤمن (‪.)2‬‬


‫ُّ‬ ‫قال‬
‫للتأمل يف مص ـ ـ ــري األمم ال َّسـ ـ ـ ـابقة الَّيت َّ‬
‫كذبت دعوة هللا تعاىل‪،‬‬ ‫ففي ا َيت ال َّسـ ـ ـ ـابقة دعوة ُّ‬
‫وكيف جرت فيهم ـنَّتت عل حسـ عادتت‪ ،‬وهي الهالك‪ ،‬والدَّمار بســب كفرهم‪ ،‬وظلمهم‪،‬‬
‫وفسوقهم عن أمره‪.‬‬

‫وجاء التَّعبري بلفم «كيف» الدَّال عل اح ـ ـ ـ ـ ــتفهام‪ ،‬اَّقص ـ ـ ـ ـ ــود بت تص ـ ـ ـ ـ ــوير حالة هؤحء‬
‫اَّكـ ِـذب الَّيت تــدعو إىل التع ُّ ـ ‪ ،‬وتثري اح ـ ـ ـ ـ ـ ــت راب‪ ،‬وت رس احعتبــار واحتِع ـا يف قلوب‬
‫مكن هللا يم يف األرض‪ ،‬ومنلهم الكثري من نعم ــت‪ ،‬ولكنَّهم‬ ‫ألن هؤحء اَّك ـ ِـذب َّ‬
‫َّ‬ ‫اَّؤمن‬
‫ي كروه عليها‪ ،‬فأهلكهم بسب ط يا‪،‬م(‪.)3‬‬

‫ويف قولــت تعــاىل دعــاهم إىل ترك ﴿ شوحش شهتِنوا شوحش شْحتشاينوا شوأشنْـتم األ ْشعلش ْو شن إِ ْن كْنـت ْم م ْؤِمنِ ش ﴾‪،‬‬
‫األعلش ْون بسب إميا‪،‬م‪.‬‬ ‫أل‪،‬م هم ْ‬ ‫وحماربة اجلب‪ ،‬والتَّهلُّص من الوهن‪ ،‬وعدم احلاين‪َّ ،‬‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)190/1‬‬


‫(‪ )1‬انظر حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫القرطب (‪.)216/4‬‬
‫ِ‬ ‫(‪ )2‬انظر تفسري‬
‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)191/1‬‬
‫(‪ )3‬انظر حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫‪818‬‬
‫اثنياً‪ :‬تسلية املؤمنني وبيان حكمة هللا فيما وقع يوم أ ٍ‬
‫ُحد‪:‬‬
‫ك األ َّشَيم ن شدا ِويشا بشْ ش الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫س الْ شق ْوشم قشـ ْر ِمثْـلت شوتِْل ش‬ ‫قال تعاىل ﴿إِ ْن ميشْ شسـ ـ ـ ـ ـ ْسـ ـ ـ ـ ـك ْم قشـ ْر فشـ شق ْد شم َّ‬
‫ين‬ ‫ذ‬‫اَّلل الَّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ص‬ ‫ل‬‫اَّلل حش ِ ُّ الظَّالِ ِم ۝ ولِيم ِ‬ ‫َّ‬ ‫و‬ ‫اء‬ ‫د‬
‫ش‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنوا ويـت ِ‬
‫َّه شذ ِ‬ ‫َّ‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫ش‬ ‫ع‬ ‫ـ‬‫ي‬‫ولِ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬ ‫ش‬ ‫شش‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ش ش‬‫ْ‬ ‫ش‬
‫اهدوا ِمْنك ْم شويشـ ْعلش شم‬ ‫اجلنَّةش ول َّـما يـعلشِم َّ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين شج ش‬ ‫اَّلل الذ ش‬ ‫ين ۝ أ ْشم شحسْبـت ْم أش ْن تش ْدخلوا ْش ش ش ْ‬ ‫شآمنوا شوميشْ شل شق الْ شكاف ِر ش‬
‫ت ِم ْن قشـْب ِل أش ْن تشـ ْل شق ْوه فشـ شق ْد‬
‫ين ۝ شولششق ْد كْنـت ْم شَتشنـ َّْو شن الْ شم ْو ش‬ ‫ص ـ ـ ـ ـ ـابِ ِرين ۝ ِمْنكم ويـ ْعلشم ال َّ ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـاب ِر ش‬ ‫ْ شش ش‬ ‫ش‬ ‫ال َّ‬
‫شرأشيْـتموه شوأشنْـت ْم تشـْنظرو شن ﴾ [آل عمران‪.]143 - 140 :‬‬

‫العدو وذلك‬‫جدهم‪ ،‬واجتهادهم يف جهاد ِ‬ ‫أن اجلرو ‪ ،‬والقتل جي أحَّ تؤثِر يف ِ‬ ‫ب َّ يم َّ‬
‫عدوهم ِمثْـلت من قبل ذلك‪ ،‬فَذا كانوا مع ابطلهم‪ ،‬و ـ ــوء‬
‫ألنَّت كما أهللا ـ ــاهبم ذلك فقد أهللا ـ ــاب َّ‬
‫عاقبتهم يف وا ألجل ذلك يف احلرب‪ ،‬فبِأ ْن ح يللقكم الفتور مع حس ـ ـ ــن العاقبة‪ ،‬والتم ُّس ـ ـ ـك‬
‫حد فقد نِلتم منهم قبلت‬ ‫ابحلق أوىل(‪ .)1‬وقال هللا ـ ـ ــاح الك َّ ـ ـ ـ ـا واَّعىن إن انلوا منكم يوم أ ٍ‬
‫ِ‬
‫قلوهبم‪ ،‬و يثبِطْهم عن مع ــاودتكم ابلقتـ ــال‪ ،‬فـ ــأنتم أوىل أحَّ‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعِ ْ‬
‫ف ذل ــك ش‬ ‫يوم بـ ــد ٍر‪ ،‬مثَّ ي ْ‬
‫تضعفوا(‪.)2‬‬
‫عباس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهما قال إنَّت كان يوم أحد بيوم بد ٍر‪ ،‬قتل اَّؤمنون يوم أ ٍ‬
‫حد‪،‬‬ ‫عن ابن ٍ‬
‫و َّاهذ هللا منهم شهداءش‪ ،‬و ل ر ول هللا(ﷺ) يوم بد ٍر اَّ رك ‪ ،‬ف عل َّ‬
‫الدولة عليهم(‪.)3‬‬

‫وجواب ال َّ ـرط يف قولت تعاىل ﴿إِ ْن ميشْ شسـ ْسـك ْم قشـ ْر ‪ ﴾...‬إخل حمذو ‪ ،‬والتَّقدير إن ميســكم‬
‫مسهم قر مثلت قبل ذلك‪.‬‬ ‫قر فاهللاربوا عليت‪ ،‬واعقدوا عايمكم عل قتال أعدائكم‪ ،‬فقد َّ‬
‫وعما‬
‫حد بصي ة اَّضاري «ميسسكم» لقربت من زمن احلال‪َّ ،‬‬ ‫عما أهللااب اَّسلم يف أ ٍ‬‫وعرب َّ‬
‫َّ‬
‫أهللااب اَّ رك بصي ة اَّا ي لبـ ْع ِدهِ َّ‬
‫ألن ما أهللااهبم كان يف ايوة بد ٍر‪.‬‬

‫الرازأ (‪.)14/9‬‬
‫(‪ )1‬انظر تفسري َّ‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري الك َّا (‪.)465/1‬‬
‫الرازأ (‪.)105/4‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري َّ‬
‫‪819‬‬
‫ك األ َّشَيم ن شدا ِويشا بشْ ش الن ِ‬
‫َّاس﴾ بيان لسـ ـنَّة هللا اجلارية يف كونت‪ ،‬وتس ــلية للمؤمن‬ ‫وقولت ﴿ شوتِْل ش‬
‫حد(‪.)1‬‬ ‫عما أهللااهبم يف أ ٍ‬
‫َّ‬
‫القرطب معنــاه وإَّجـا كــانــت هــذه اَّــداولــة شلري‬ ‫ين شآمنوا﴾ قــال‬ ‫وقولــت ﴿ولِيـعلشم َّ َّ ِ‬
‫ُّ‬ ‫اَّلل الـذ ش‬ ‫ش شْ ش‬
‫بعضهم من ٍ‬
‫بعض(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫فيمياي ش‬
‫اَّؤمن م شن اَّنافق‪ ،‬ش‬
‫يـ ْقتشـلون يف ــبيلت‪ ،‬ويشـْبذلون م شه ش ه ْم‬ ‫َّه شذ ِمْنك ْم ش ـ شه شداءش﴾ قال ابن كثري يع‬
‫وقولت ﴿ويـت ِ‬
‫شش‬
‫يف مر اتت(‪.)3‬‬

‫اَّلل حش ِ ُّ الظَّالِ ِم ش ﴾ مثَّ ذكر ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت ‪-‬‬


‫مثَّ ختم ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت ا ية الكرمية بقولت ﴿ شو َّ‬
‫ين آ شمنوا شوميشْ شل شق‬ ‫حكمت أخري َّــا جر للمؤمن يف ايوة أحـ ٍـد‪ ،‬فقــال ﴿ولِيم ِلص َّ َّ ِ‬
‫اَّلل ال ـذ ش‬ ‫ش ش ش‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص﴾‪ ،‬مبعىن التَّنقيـ ــة والتَّهليص‪ ،‬أو من التَّمليص‪ ،‬مبعىن‬ ‫ين ﴾‪ ،‬وقولـ ــت من ﴿ شولي شمل ش‬ ‫الْ شك ـ ـاف ِر ش‬
‫احبتالء‪ ،‬واحختبار‪.‬‬
‫وقولت من ﴿ شوميشْ شل شق﴾‪ ،‬وهو حمو ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـيء‪ ،‬و َّ‬
‫الذهاب بت‪ .‬قال الطَّ ُّ‬
‫ربأ واَّعىن وليهترب هللا‬
‫الَّذين هللاـ ـ ـ ـ ـ ــدقوا هللا ور ـ ـ ـ ـ ـ ـولت‪ ،‬فيبتليهم نزالة اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك منهم‪َّ ،‬‬
‫حض يتب َّ اَّؤمن منهم اَّهلص‬
‫الصلي الميان من اَّنافق(‪.)4‬‬
‫َّ‬
‫ين شآمنوا﴾ إن كانت‬ ‫يكفر عنهم من ذنوهبم ﴿ولِيم ِلص َّ َّ ِ‬
‫وقال ابن كثري قولت أأ ِ‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ش ش ش‬
‫يم ذنوب ‪ ،-‬وإحَّ رفع يم يف درجاهتم حبس ما أهللايبوا بت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ين ﴾‪ ،‬وبطروا‪ ،‬فيكون ذلك ـ ـ ـ ـب دمارهم‪،‬‬ ‫وقولت أأ فَ‪،‬م إذا ظفروا ﴿ شوميشْ شل شق الْ شكاف ِر ش‬
‫وهالكهم‪ ،‬وحمقهم‪ ،‬وفنائهم(‪ ،)5‬واَّعىن ولقد فعل ‪ -‬ـ ـ ـ ـ ـ ــبلانت ‪ -‬ما فعل يف ايوة ٍ‬
‫أحد‪ ،‬لكي‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)195/1‬‬


‫حديث القران الكر عن ايوات َّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬
‫القرطب (‪.)218/4‬‬
‫ِ‬ ‫تفسري‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫ٍ‬
‫تفسري ابن كثري (‪.)408/1‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫تفسري الطَّ ِ‬
‫ربأ (‪.)107/4‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫تفسري ابن كث ٍري (‪.)408/1‬‬ ‫(‪ )5‬انظر‬
‫‪820‬‬
‫الذنوب‪ ،‬وخيلِص ـ ـ ــهم من اَّنافق اَّند ِ ـ ـ ـ ـ بينهم‪ ،‬ولكي يهلك‬
‫يطهر اَّؤمن ‪ ،‬ويص ـ ـ ـ ِـفيهم من ُّ‬
‫ِ‬
‫الكافرين‪ ،‬وميلقهم بسب ب يهم‪ ،‬وبطرهم‪.‬‬

‫وق ــد ذكر هللا تع ــاىل أربع حك ٍم َّ ــا ح ــدث للمؤمن يف ايوة أح ـ ٍـد‪ ،‬وهي حتقُّق علم هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬وإظهاره للمؤمن ‪ ،‬وإكرام بعض ــهم ابل َّ ـ ـهادة الَّيت توهللا ــل هللا ــاحبها إىل أعل الدَّرجات‪،‬‬
‫وتطهري اَّؤمن ‪ ،‬وهليص ـ ـ ـ ــهم من ذنوهبم‪ ،‬ومن اَّنافق ‪ ،‬وحمق الكافرين‪ ،‬وا ـ ـ ـ ــتئص ـ ـ ـ ــايم رويداً‪،‬‬
‫رويداً(‪.)1‬‬

‫اهدوا ِمْنك ْم شويشـ ْعلش شم‬ ‫اجلنَّةش ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما يـعلشِم َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫اَّلل الَّذي شن شج ش‬ ‫شْ‬ ‫مثَّ قال تعاىل ﴿أ ْشم شحس ـ ـ ـْبـت ْم أش ْن تش ْدخلوا ْش ش‬
‫ال َّ ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪ ]142 :‬واَّعىن أحس ـ ـ ـ ـ ـ ــبتم َي من ا‪،‬ايم يوم أحد! أن تدخلوا اجلنَّة كما‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب ِر ش‬
‫دخل الَّذين قتلوا‪ ،‬وهللاربوا عل أ اجلرا والقتل من ري أن تسلكوا طريقهم‪ ،‬وتصربوا هللاربهم؟!‬
‫اهدوا ِمْنك ْم﴾ أأ علم ش ـ ـ ـ ـ ـ ــهادةٍ َّ‬
‫حض يقع عليت اجلاياء ﴿ شويشـ ْعلش شم‬ ‫حض ﴿ يـعلشِم َّ َّ ِ‬
‫ين شج ش‬
‫اَّلل الذ ش‬ ‫ح َّ ش ْ‬
‫ين ﴾ (‪ )2‬وقال ابن كث ٍري أأ ح صـ ـ ــل لكم دخول اجلنَّة َّ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫حض تـْبـتشلوا‪ ،‬وير هللا منكم‬ ‫ص ـ ـ ـاب ِر ش‬
‫األعداء[(‪.])466‬‬ ‫الصابرين عل مقاومة‬
‫اااهدين يف بيلت‪ ،‬و َّ‬
‫ت ِم ْن قشـْبـ ِل أش ْن تشـ ْل شق ْوه فشـ شقـ ْد شرأشيْـتموه شوأشنْـت ْم تشـْنظرو شن ﴾‬
‫مثَّ قــال تعــاىل ﴿ شولششقـ ْد كْنـت ْم شَتشنـ َّْو شن الْ شم ْو ش‬
‫[آل عمران‪.]143 :‬‬

‫قال ابن كث ٍري قد كنتم ‪ -‬أيَّها اَّؤمنون ! ‪ -‬قبل هذا اليوم‪ ،‬تتمنَّون لقاء ِ‬
‫العدو ‪ ،‬وحت قون‬
‫وتودون مناجايهتم‪ ،‬ومصـ ـ ــابرهتم‪ ،‬فها قد حصـ ـ ــل لكم الَّذأ َتنَّيتموه‪ ،‬وطلبتموه‪ ،‬فدونكم‪،‬‬
‫عليت ‪ُّ ،‬‬
‫فقاتلوا‪ ،‬وهللاابروا(‪.)3‬‬

‫اثلثاً‪ :‬كيفية معاجلة األخطاء‪:‬‬


‫يعق عل ما أهللاــاب اَّســلم يف (أ ٍ‬
‫حد)‪ ،‬عل عكس ما نايل يف‬ ‫تشـرفَّق القرآن الكر وهو ِ‬
‫شش‬

‫الر ول هللال هللا عليت و لم(‪.)199/1‬‬


‫(‪ )1‬انظر حديث القران الكر عن ايوات َّ‬
‫(‪ )2‬انظر تفسري القرطب (‪.)220/4‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)409/1‬‬
‫‪821‬‬
‫بد ٍر من آَيت‪ ،‬فكان أ ــلوب القرآن الكر يف حما ــبة اَّنتصــر عل أخطائت‪ ،‬أشـ َّـد من حســاب‬
‫ض ت ِريدو شن‬ ‫اَّنكس ـ ــر‪ ،‬فقال يف ايوة بدر ﴿ شما شكا شن لِنشِ ٍب أش ْن يشكو شن لشت أش ْ ـ ـ ـشر شح َّض يـثْ ِه شن ِيف األشْر ِ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل ع ِايياي ح ِكيم ۝ لشوحش كِتاب ِمن َِّ‬ ‫ِ‬
‫يما‬‫اَّلل ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبش شق لش شم َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ْم ف ش‬ ‫ش‬ ‫ْ ش‬ ‫اَّلل ي ِريد ا خشرشة شو َّ ش ش‬ ‫ض ُّ‬
‫الدنْـيشا شو َّ‬ ‫شعشر ش‬
‫ظيم ﴾ [األنفال‪.]68 - 67 :‬‬ ‫أشخ ْذ ْذ ع شذاب ع ِ‬
‫ش‬ ‫ش ش‬
‫و‪ْ ،‬م نِِ ْذنِِت شح َّض إِ شذا فش ِ ـ ـ ـ ْلت ْم شوتشـنش شاز ْعت ْم ِيف‬
‫اَّلل شو ْع شده إِ ْذ شحت ُّس ـ ـ ـ ش‬
‫هللا ـ ـ ـ شدقشكم َّ‬ ‫ٍ‬
‫وقال يف أحد ﴿ شولششق ْد ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيـت ْم ِم ْن بشـ ْعـ ِد شمـا أ ششراك ْم شمـا ِحتبُّو شن ِمْنك ْم شم ْن ي ِريــد الـ ُّـدنْـيشـا شوِمْنك ْم شم ْن ي ِريــد ا ِخشرشة مثَّ‬ ‫األ ْشم ِر شو شع ش‬
‫ض ـ ـ ٍل شعلش الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [آل عمران‪ ]152 :‬ويف‬ ‫اَّلل ذو فش ْ‬ ‫هللا ـ ـشرفشك ْم شعْنـه ْم لِيشـْبـتشلِيشك ْم شولششق ْد شع شفا شعْنك ْم شو َّ‬
‫ش‬
‫هذا حكمة عمليَّة‪ ،‬وتربية قرآنيَّة‪ ،‬سن أن يلتايمها أهل ال َّ بية‪ ،‬والقائمون عل التَّوجيت(‪.)1‬‬

‫السابقني‪:‬‬
‫رابعاً‪ :‬ضرب املثل ابجملاهدين َّ‬
‫اَّللِ شوشما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل ﴿ شوشكأشيٍن من نشِ ٍب قشاتش شل شم شعت ِربِيُّو شن شكثري فش شما شوشهنوا ل شما أش ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ شاهب ْم ِيف ش ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫ين ۝ شوشما شكا شن قشـ ْوشي ْم إِحَّ أش ْن قشالوا شربـَّنشا ا ْ ِف ْر لشنشا ذنوبشـنشا‬ ‫اَّلل ِ ُّ ال َّ ِ‬
‫صـ ـ ـاب ِر ش‬ ‫ش ـ ـ ـعفوا شوشما ا ْ ـ ـ ـتش شكانوا شو َّ‬
‫ِ ِ‬
‫الدنْـيشا شوح ْس شن‬ ‫اب ُّ‬‫اَّلل ثشـ شو ش‬
‫آاتهم َّ‬ ‫ين ۝ فش ش‬ ‫شوإِ ْ شرافشـنشا ِيف أ ْشم ِرشان شوثشـبِ ْ‬
‫ت أشقْ شد شامنشا شوانْص ْرشان شعلش الْ شق ْوم الْ شكاف ِر ش‬
‫ل ِسنِ ش ﴾ [آل عمران‪.]148 - 146 :‬‬ ‫اب ا ِخرةِ و َّ ِ‬
‫اَّلل ُّ الْم ْ‬ ‫ش ش‬
‫ثشـو ِ‬
‫ش‬
‫حد‪ ،‬وتركوا القتال لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬ ‫قال ابن كثري عات هللا هبذه ا َيت والَّيت قبلها م ِن ا‪،‬ايم يوم أ ٍ‬
‫ش‬
‫حممداً قد قتل‪ ،‬فشـ شع شذ شيم(‪ )2‬هللا عل فرارهم‪ ،‬وتركهم القتال(‪.)3‬‬ ‫الصائ يصي أبن َّ‬ ‫مسعوا َّ‬
‫و ــرب هللا يم مثالً نخوا‪،‬م اااهدين ال َّس ـابق ‪ ،‬وهم اعات كثرية‪ ،‬ـاروا وراء أنبيائهم‬
‫يف درب اجلهاد يف ـ ــبيل هللا‪ ،‬فما وهنوا َّا أهللا ـ ــاهبم يف ـ ــبيل هللا‪ ،‬وما ش ـ ـ ـعفوا عن اجلهاد بعد‬
‫الَّذأ أهللا ــاهبم منت‪ ،‬وما ا ــتكانوا ِ‬
‫للعدو بل ظلُّوا هللا ــابرين اثبت يف جهادهم‪ ،‬ويف هذا تعريض‬
‫ابَّس ــلم الَّذين أهللا ــاهبم الوهن‪ ،‬واحنكس ــار عند الرجا بقتل ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬وبض ــعفهم‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬
‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫(‪ )3‬شع شذلشت شع ْذحً حششمت‪.‬‬
‫‪822‬‬
‫عند ذلك عن جماهدة اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬وا ـ ـ ــتكانتهم يم‪ ،‬و ـ ـ ــرب هللا مثالً للمؤمن لتثبيتهم أبولئك‬
‫ِ‬
‫الرَّابنيِ ‪ ،‬ومبا قالوه ﴿ شوشما شكا شن قشـ ْوشي ْم إِحَّ أش ْن قشالوا شربـَّنشا ا ْ ف ْر لشنشا ذنوبشـنشا شوإِ ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرافشـنشا ِيف أ ْشم ِرشان شوثشـبِ ْ‬
‫ت‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪.]147 :‬‬ ‫أشقْ شد شامنشا شوانْص ْرشان شعلش الْ شق ْوم الْ شكاف ِر ش‬
‫الذنوب‪ ،‬وال ـرا إىل نفو ــهم مع كو‪،‬م رَّابنيِ ‪ -‬هضــم يا‪،‬‬
‫وهذا القول ‪ -‬وهو إ ــافة ُّ‬
‫واع ا منهم ابلتَّقصري‪ ،‬ودعايهم ابح ت فار من ذنوهبم مقدَّم عل طلبهم تثبيت أقدامهم أمام‬
‫وخضوي‪ ،‬ويف هذا تعليم للمسلم إىل‬
‫ٍ‬ ‫العدو‪ ،‬ليكون طلبهم إىل رِهبم النَّصر عن زكاةٍ‪ ،‬وطهارةٍ‪،‬‬
‫ِ‬
‫ألية ذلك يف إنايال النَّصـر عل األعداء أأ‬ ‫أليَّة التَّضـ ُّـري‪ ،‬واح ــت فار‪ ،‬وحتقيق التَّوبة‪ ،‬وتظهر ِ‬
‫ِ‬

‫اب ا ِخشرةِ شوا ََّّلل ِ ـ ـ ُّ‬


‫اَّلل ثشـواب ال ـ ُّـدنْـيـ ـا وحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ثشـو ِ‬
‫ش ش ْ ش ش‬ ‫آاتهم َّ ش ش‬ ‫وب ــذل ــك انلوا ثواب ال ــدَّارين ﴿فشـ ـ ش‬
‫الْم ْل ِسنِ ش ﴾[آل عمران‪ ،]148 :‬وال نيمة يف الدُّنيا‪ ،‬والثَّواب احلسن يف ا خرة‪ ،‬جاياءش إحسا‪،‬م يف‬
‫أدب الـ ُّـدعــاء والتَّو ُّجـت إىل هللا‪ ،‬وإحس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪،‬م يف موقف اجلهــاد‪ ،‬وكــانوا بــذلــك مثالً يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـربــت هللا‬
‫وخص هللا تعاىل ثواب ا خرة ابحل ْس ـ ـ ـ ِن دحلةً عل فضـ ـ ــلت‪ ،‬وتقدُّمت عل‬
‫َّ‬ ‫للمسـ ـ ــلم اااهدين‪،‬‬
‫ثواب الدُّنيا‪ ،‬وأنَّت هو اَّعتمد عنده(‪.)1‬‬

‫ويل األمر تسبب الفشل جلنوده‪:‬‬


‫خامساً‪ :‬خمالفة ِّ‬
‫َّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬ووقوعهم يف اخلطــأ الفظيع ال ـذأ قشـلش ـ ش‬ ‫الرمــاة ألمر الن ِ‬
‫ويظهر ذلــك يف ملــالفــة ُّ‬
‫أليَّة الطَّاعة ِ‬
‫لوس‬ ‫اَّوازين‪ ،‬و َّأد إىل اخلس ـ ـ ـ ـ ـ ــائر الفادحة الَّيت حلقت ابَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬ولكي نعر ِ‬

‫أن اَنذال عبد هللا بن أ ٍيب‪ ،‬ومن معت من اَّنافق ‪ ،‬يؤثِر عل اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ـلم ‪ ،‬بينما‬ ‫األمر نللم َّ‬
‫لكل و ٍ‬
‫احد منهم عمالً‪،‬‬ ‫الرماة الَّذين أحس ــن َّ‬
‫الر ــول(ﷺ) ترتيبشـه ْم‪ ،‬وأ ــند ِ‬ ‫اخلطأ الَّذأ ارتكبت ُّ‬
‫عامةً‪ ،‬حيث ـ ـ ـ ـلَّا هللا عليهم َّ‬
‫عدوهم‪ ،‬وذلك‬ ‫مثَّ خالفوا أمره(ﷺ) كان ـ ـ ــرره عل اَّس ـ ـ ــلم َّ‬
‫وتفرقت كلمتهم‪ ،‬وكاد يـ ْقض ـ ـ ـ ـ ـ ـ عل الدَّعوة‬
‫بسـ ـ ـ ـ ـ ــب عصـ ـ ـ ـ ـ ــيان األوامر‪ ،‬مثَّ اختلطت أمورهم‪َّ ،‬‬
‫ال الميَّة وهي يف مهدها‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري ابن كثري (‪.)410/1‬‬


‫‪823‬‬
‫ونللم من خالل أحداث ايوة أحد أن اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم انتص ـ ـ ـ ـ ــروا يف أول األمر حينما امتثل‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ‪ ،‬وانقادوا لتعليمات قائدهم‪ ،‬وأمريهم عبد هللا بن جبري ر ـ ـ ـ ـ ــي هللا‬
‫الرماة ألوامر َّ‬
‫ُّ‬
‫الرم ــاة من اجلب ــل جلمع ال ن ــائم مع بقيَّـ ـة‬ ‫عن ــت‪ ،‬بينم ــا ا‪،‬ايموا حينم ــا خ ــالفوا أمره(ﷺ) ‪ ،‬ونايل ُّ‬
‫الر ـ ـول يش ْدعوك ْم‬ ‫شح ٍد شو َّ‬ ‫صـ ـلابة ر ــي هللا عنهم(‪ .)1‬قال تعاىل ﴿إِ ْذ ت ِ‬
‫صـ ـعدو شن شوحش تشـ ْلوو شن شعلش أ ش‬ ‫ْ‬ ‫ال َّ‬
‫اَّلل شخبِري ِمبشا تشـ ْع شملو شن﴾‬ ‫ِ‬
‫ِيف أ ْخشراك ْم فشأش شاثبشك ْم ش ًّما بِ شٍم ل شكْيالش شْحتشاينوا شعلش شما فشاتشك ْم شوحش شما أش ش‬
‫هللاـ ـابشك ْم شو َّ‬
‫[آل عمران‪.]153 :‬‬

‫«ومن آاثر عدم الطَّاعة ما حص ـ ـ ـ ـ ــل من معصـ ـ ـ ـ ـ ــية بعض‬ ‫يقول ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـي حممد بن عثيم‬
‫للنب(ﷺ) وهم جياهدون يف ـ ـ ـ ــبيل هللا لعالء كلمة هللا‪ ،‬والَّذأ‬
‫ص ـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ـ ــي هللا عنهم ِ‬
‫ال َّ‬
‫أن اَّ ــرك ا‪،‬ايموا تركوا اَّو ـع‬ ‫الرماة َّ‬‫حصــل أنَّت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما كانت ال لبة للمؤمن ‪ ،‬ورأ بعض ُّ‬
‫ـدو عليهم من اخللف‪،‬‬ ‫كر العـ ـ ُّ‬ ‫الَّـ ـذأ أمرهم الن ُّ‬
‫َّب(ﷺ) أحَّ يربحوه‪ ،‬وذهبوا مع النَّ ـ ـاس‪ ،‬وهبـ ــذا َّ‬
‫وحص ــل ما حص ــل من احبتالء‪ ،‬والتَّمليص للمؤمن ‪ ،‬وقد أش ــار هللا تعاىل إىل هذه العلَّة بقولت‬
‫ِ‬ ‫اَّلل و ْع شده إِ ْذ شحت ُّس ـ ش ِِ‬
‫و‪ْ ،‬م نِِ ْذنت شح َّض إِذشا فش ـ ْلت ْم شوتشـنش شاز ْعت ْم ِيف األ ْشم ِر شو شع ش‬
‫ص ـْيـت ْم‬ ‫هللا ـ شدقشكم َّ ش‬ ‫تعاىل ﴿ شولششق ْد ش‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن بشـ ْع ـد شم ـا أ ششراك ْم شم ـا حتبُّو شن مْنك ْم شم ْن ي ِريــد الـ ُّـدنْـيشـا شومْنك ْم شم ْن ي ِريــد ا خشرشة مثَّ ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشرفشك ْم شعْنـه ْم‬
‫ض ٍل شعلش الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [آل عمران‪.]152 :‬‬ ‫لِيشـْبـتشلِيشك ْم شولششق ْد شع شفا شعْنك ْم شو َّ‬
‫اَّلل ذو فش ْ‬
‫هذه اَّعصـ ـ ــية الَّيت فات هبا نصـ ـ ــر انعقدت أ ـ ـ ــبابت‪ ،‬وبدأت أوائلت‪ ،‬وهي معص ـ ـ ـية واحدة‪،‬‬
‫إن اَّعاهللاـي من آاثرها َّ‬
‫أن‬ ‫الر ـول(ﷺ) ب أظهرهم‪ ،‬فكيف ابَّعاهللاـي الكثرية؟! ويذا نقول َّ‬
‫و َّ‬
‫العاية بقدر‬
‫بعض مبا كانوا يكسبون‪ ،‬ويفوهتم من أ باب النَّصر‪ ،‬و َّ‬ ‫ٍ‬ ‫هللا يسلِا بعض الظاَّ عل‬
‫ما ظلموا فيت أنفسهم»(‪.)2‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫وس األمر أمر ـ ـ ـ ـ ـرورأ‪ ،‬أتل بعد طاعة هللا ور ـ ـ ـ ـ ـولت‪ .‬قال تعاىل ﴿ شَيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين‬ ‫إن طاعة ِ‬
‫الر ـ ـ ِ‬
‫ول‬ ‫ول شوأ ِوس األ ْشم ِر ِمْنك ْم فشَِ ْن تشـنش شاز ْعت ْم ِيف ششـ ـ ْي ٍء فشـرُّدوه إِ شىل َّ‬
‫اَّللِ شو َّ‬ ‫الر ـ ـ ش‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ِ‬
‫شآمنوا أشطيعوا َّش ش‬

‫(‪ )1‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)204/2‬‬


‫(‪ )2‬انظر ايوة ٍ‬
‫أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪ 207‬ـ ‪.209‬‬
‫‪824‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شأتْ ِويالً ﴾ [النساء‪.]59 :‬‬ ‫شح شسن‬ ‫إِ ْن كْنـت ْم تـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّلل شوالْيشوم ا ِخ ِر ذشل ش‬
‫ك شخ ْري شوأ ْ‬
‫الرعي ــة من اجليوش و ريهم‪ ،‬عليهم أن يطيعوا وح شة األمر‪،‬‬
‫ق ــال العلم ــاء «نايل ــت ا ي ــة يف َّ‬
‫الفاعل لذلك‪ ،‬يف قش ْسمهم وحكمهم‪ ،‬وم ازيهم‪ ،‬و ري ذلك»(‪.)1‬‬

‫األئمة يف لة‬
‫حض أدرجها َّ‬ ‫وس األمر «أهللاـل عظيم من أهللاـول الواجبات ِ‬
‫الدينية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫إن طاعة ِ‬
‫العقائد الميانيَّة»(‪.)2‬‬
‫نلهص ِ‬
‫أليَّة الطَّاعة يف النقاط احتية‬ ‫الدولة‪ ،‬وميكن أن ِ‬
‫األمة‪ ،‬وإقامة َّ‬ ‫ويا ِ‬
‫أليَّة يف تربية َّ‬
‫َّ ِ‬
‫عاي وجـ َّـل ‪ ،-‬وطــاعتــت فيمــا أمر‪ .‬قــال هللا تعــاىل ﴿ شَيأشيـُّ شهـا الـذ ش‬
‫ين‬ ‫‪ - 1‬احمتثــال ألمر هللا ‪َّ -‬‬
‫الر ـ ـ ِ‬
‫ول‬ ‫ول شوأ ِوس األ ْشم ِر ِمْنك ْم فشَِ ْن تشـنش شاز ْعت ْم ِيف ششـ ـ ْي ٍء فشـرُّدوه إِ شىل َّ‬
‫اَّللِ شو َّ‬ ‫الر ـ ـ ش‬
‫شطيعوا َّ‬‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫شآمنوا أشطيعوا َّش ش‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شحسن شأتْ ِويالً ﴾ [النساء‪.]59 :‬‬
‫ك شخ ْري شوأ ْ ش‬ ‫إِ ْن كْنـت ْم تـ ْؤِمنو شن ِاب ََّّلل شوالْيشوم ا ِخ ِر ذشل ش‬
‫‪َّ - 2‬‬
‫إن طاعة ِ‬
‫وس األمر و يلة وليست ايةً و يلة لقامة شري هللا يف األرض ‪ ،‬وإحقاق‬
‫ِ‬
‫احلق ‪ ،‬وإق ــام ــة األمر ابَّعرو والنَّهي عن اَّنكر لتلقيق خريي ــة ه ــذه األ َّمـ ـة‪ ،‬وإعالء كلم ــة‬
‫وجل ‪.-‬‬
‫عاي َّ‬
‫التَّوحيد‪ ،‬وإفراد العبوديَّة هلل ‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫ألن يف اخلال فساد أحوايم‪ ،‬يف دينهم‪ ،‬ودنياهم(‪.)3‬‬ ‫‪ - 3‬اجتماي كلمة اَّسلم‬

‫‪ - 4‬أن يستعينوا هبا عل إظهار دينهم‪ ،‬وطاعة رِهبم‪.‬‬

‫‪َّ - 5‬‬
‫إن فيها عاد شة الدُّنيا‪.‬‬

‫أئمتنا ووحة‬
‫ويذا كان من أهللا ــول مذه أهل ال ُّسـ ـنَّة واجلماعة أننا «ح نر اخلروً عل َّ‬
‫أموران وإن جاروا‪ ،‬وح ندعو عليهم‪ ،‬وح ننايي يداً ِم ْن طاعتهم‪ ،‬ونر طاعتهم ِم ْن طاعة هللا ‪-‬‬
‫ابلصال ‪ ،‬واَّعافاة»(‪.)4‬‬ ‫ٍ‬
‫مبعصية‪ ،‬وندعوا يم َّ‬ ‫وجل ‪ -‬وهي فريضة‪ ،‬ما رمروا‬
‫عاي َّ‬
‫َّ‬

‫َّمد بن العثيم ‪ ،‬نقالً عن ايوة ٍ‬


‫أحد ‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫(‪ )1‬انظر الطَّاعة واَّعصية وأثرلا يف ااتمع ‪َّ ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر جمموي الفتاو (‪.)246/28‬‬
‫السالك يف طبائع اَّمالك ‪ ،‬حبن األزرق (‪.)77/1‬‬ ‫(‪ )3‬بدائع َّ‬
‫(‪ )4‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪825‬‬
‫سادساً‪ :‬خطورة إيثار ال يدنيا على اآلخرة‪:‬‬

‫وردت نصـ ــوص عديدة من آَيت‪ ،‬وأحاديث‪ ،‬تبِ منايلة الدُّنيا عند هللا‪ ،‬وتص ـ ـف زخارفها‪،‬‬
‫َّاس ح ُّ ال َّ ـ ـ ـ ـهو ِ‬
‫ات‬ ‫شش‬ ‫وحتذر من احلرص عليها‪ .‬قال تعاىل ﴿زيِ شن لِلن ِ‬ ‫وأثرها عل فتنة النسـ ـ ـ ــان‪ِ ،‬‬
‫احلر ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذه ِ والْ ِفض ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ك‬‫ث ذشل ش‬ ‫اخلشْي ِل الْم شس َّوشمة شواألشنْـ شعام شو ْشْ‬
‫َّة شو ْ‬ ‫م شن الن شساء شوالْبشن ش شوالْ شقنشاطري الْم شقْنطششرة م شن َّ ش ش‬
‫احلشيشاة‬
‫آب﴾ [آل عمران‪ ،]14 :‬وقال تعاىل ﴿فشالش تشـ َّرنَّكم ْ‬ ‫اَّلل ِعْن شده حسـ ـن الْم ِ‬
‫ْ ش‬ ‫احلشيشاةِ ُّ‬
‫الدنْـيشا شو َّ‬ ‫شمتشاي ْ‬
‫الدنْـيشا شوحش يشـ َّرنَّك ْم ِاب ََّّللِ الْ شرور ﴾ [لقمان‪.]33 :‬‬
‫ُّ‬

‫الر ـ ـ ـ ــول الكر (ﷺ) َّأمتت من اح ار ابلدُّنيا‪ ،‬واحلرص ال َّ ـ ـ ـ ـديد عليها يف أكثر‬ ‫وقد َّ‬
‫حذر َّ‬
‫عامةً‪ ،‬وعل شم ْن ملون لواء الدَّعوة‬ ‫األمة َّ‬‫من مو ٍع‪ ،‬وذلك َّا يذا احلرص من أثر ِىي ٍء عل َّ‬
‫خاهللاةً ومن ذلك‬
‫َّ‬
‫إن الدُّنيا ح ْل شوة شخ ِضشرة‪َّ ،‬‬
‫وإن هللا‬ ‫َّب(ﷺ) قال « َّ‬ ‫درأ ر ي هللا عنت عن الن ِ‬ ‫عن أيب ٍ‬
‫عيد اخل ِ‬
‫فَن َّأول فتنة ب إ ـ ـرائيل‬‫مسـ ــتهلفكم فيها‪ ،‬فينظر كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا الدُّنيا‪ ،‬واتَّقوا النِسـ ــاء َّ‬
‫كانت يف النِساء» [مسلم (‪ ،)2742‬وأمحد (‪ ،)22/3‬وابن حبان (‪ ])3221‬ويظهر للباحث أثر احلرص‬
‫عل الدُّنيا يف ايوة ٍ‬
‫أحد‪.‬‬

‫الرماة «أدركوا النَّاس‬ ‫عباس ر ي هللا عنهما ل َّـما هايم هللا اَّ رك يوم أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬قال ُّ‬ ‫قال ابن ٍ‬
‫حض رذن لنا‬ ‫ونب هللا حيس ـ ــبقوكم إىل ال نائم فتكون يم دونكم»‪ .‬وقال بعض ـ ــهم «ح نر (‪َّ )1‬‬ ‫َّ‬
‫الدنْـيشا شوِمْنك ْم شم ْن ي ِريد ا ِخرشة﴾ [آل عمران‪.]152 :‬‬
‫ُّ‬ ‫يد‬
‫ر‬‫َّب(ﷺ) »(‪ )2‬فنايلت ﴿ ِمْنك ْم شم ْن ي ِ‬ ‫الن ُّ‬
‫ش‬
‫الدنْـيشا﴾ ما كنت أر‬ ‫ربأ قولـ ـ ـ ــت بلانت يع ال نيمة‪ .‬قال ابن ﴿ ِمْنك ْم شم ْن ي ِريد ُّ‬ ‫قال الطَّ ُّ‬
‫أحداً من أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يريد الدُّنيا حض نايل فينا يوم ٍ‬
‫أحد(‪ِ ﴿ )3‬مْنك ْم شم ْن ي ِريد‬
‫الدنْـيشا شوِمْنك ْم شم ْن ي ِريد ا ِخشرةش﴾‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬انظر شر العقيدة الطَّلاوية ‪ ،‬حبن أيب العاي احلنفي ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبد هللا ال ُّكي (‪.)540/2‬‬
‫(‪ )2‬ح نر ح نرب اَّكان‪ .‬رام مكانت رْمياً بشِر شحت‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري الطربأ (‪.)474/3‬‬
‫‪826‬‬
‫أبن ح َّ الدُّنيا قد يتس ـ ـ ـ ـ ـ ـلَّل إىل‬ ‫إن الَّذأ حدث يف أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬عربة عظيمة للدُّعاة‪ ،‬وتعليم يم َّ‬ ‫َّ‬
‫قلوب أه ــل المي ــان‪ ،‬وخيف عليهم‪ ،‬فيؤثرون ال ــدُّني ــا‪ ،‬ومت ــاعه ــا عل ا خرة‪ ،‬ومتطلَّب ــات الفوز‬
‫ص ـر ة ٍ‬
‫بتأويل‬ ‫الر ــول(ﷺ) ال َّ‬
‫الرماة أوامر َّ‬
‫ص ـر ة كما عص ـ ُّ‬ ‫بنعيمها‪ ،‬ويعصــون أوامر ال َّ ـري ال َّ‬
‫كل هذا‬
‫ـاقا‪ ،‬يرفعت هو النَّفس‪ ،‬وح ُّ الدُّنيا‪ ،‬فيهالفون ال َّ ـري‪ ،‬وينســون اَّكم من أوامره‪ُّ ،‬‬ ‫ـ ٍ‬
‫دث‪ ،‬ويقع من اَّؤمن وهو افل عن دوافعت اخلفيَّة‪ ،‬وعل رأ ـ ــها ح ُّ الدُّنيا‪ ،‬وإيثارها عل‬
‫ا خرة‪ ،‬ومتطلَّبات الميان‪ ،‬وهذا يســتدعي من الدُّعاة التَّفتيش الدَّائم الدَّقيق يف خباَي نفو ــهم‪،‬‬
‫حتول بينهم وب أوامر ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـري‪ ،‬وح توقعهم يف مل ــالفت ــت‬ ‫حض ح ش‬ ‫واقتالي ح ـ ِ ال ــدُّني ــا منه ــا‪َّ ،‬‬
‫ملفوفة هبو النَّفس‪ ،‬وتشلفُّتها إىل الدُّنيا‪ ،‬ومتاعها(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بتأويالت‬
‫سابعاً‪ :‬التَّعليق واالرتباط ِّ‬
‫ابلدين‪:‬‬
‫قال ابن كثري ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما ا‪،‬ايم م ِن ا‪،‬ايم من اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم يوم أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬وقتل شم ْن قتِل منهم‪ ،‬اند‬ ‫ش‬
‫حممداً‪َّ ،‬‬
‫وإجا‬ ‫حممداً قد قتل‪ ،‬ورجع ابن قميئةش إىل اَّ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،‬فقال يم قتلت َّ‬
‫ال َّ ـ ـ ـ ـيطان أح إن َّ‬
‫ول هللا(ﷺ) ف َّ ت يف رأ ت‪ ،‬فوقع ذلك يف قلوب كث ٍري من الناس‪ ،‬واعتقدوا‬ ‫كان قد رب ر ش‬
‫قص هللا عن كث ٍري من األنبياء ‪ -‬عليهم‬ ‫وج َّوزوا عليت ذلك‪ ،‬كما قد َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أن ر ـ ــول هللا(ﷺ) قد قتل‪ ،‬ش‬
‫وأتخر عن القتال‪ ،‬ففي ذلك أنايل هللا تعاىل ﴿ شوشما حمش َّمد إِحَّ‬ ‫السالم ‪ -‬فلصل عف‪ ،‬ووهن‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ات أ ْشو قتِ شل انْـ شقلشْبـت ْم شعلش أش ْع شقابِك ْم شوشم ْن يشـْنـ شقلِ ْ شعلش‬ ‫ت ِم ْن قشـْبلِ ِت ُّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل أشفشَِ ْن شم ش‬ ‫شر ـ ـ ـ ـ ـ ـول قش ْد شخلش ْ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪ ]144 :‬أأ لت أ ـ ــوة هبم يف‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ال َّ ـ ـاك ِر ش‬ ‫شع ِقبشـْي ِت فشـلش ْن يشض ـ ـَّر َّ‬
‫اَّللش شش ـ ـْيـئًا شو ش ـ ـيش ْ ِايأ َّ‬
‫ِ‬
‫الر الة‪ ،‬ويف جواز القتل عليت(‪.)2‬‬
‫فكل ٍ‬
‫نفس‬ ‫الر ـ ــل ليس ـ ــت ابقيةً يف أقوامها أبداً‪ُّ ،‬‬ ‫وقد جاء يف تفس ـ ــري ا ية ال َّس ـ ـ ـابقة « َّ‬
‫إن ُّ‬
‫الر ـ ــول تبلي ما أر ـ ــل بت وقد فعل‪ ،‬وليس من لوازم ر ـ ــالتت البقاء دائماً‬
‫ومهمة َّ‬
‫ذائقة اَّوت‪َّ ،‬‬
‫مع قومت‪ ،‬فال خ ــلود ٍ‬
‫ألحد يف هذه الدُّني ــا ‪ ،‬مثَّ قال تعاىل منكراً عل شم ْن حصل لت عف َّوت‬ ‫ش‬

‫السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )1‬اَّصدر َّ‬
‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)197/2‬‬
‫‪827‬‬
‫ات أ ْشو قتِ شل انْـ شقلشْبـت ْم شعلش ﴾ أأ رجعتم ﴿أ ْشع شقابِك ْم﴾‪ ،‬وقعدذ عن‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬أو قتلت ﴿أشفشَِ ْن شم ش‬ ‫الن ِ‬
‫اجلهــاد‪ ،‬واحنقالب عل األعقــاب يع الدابر ع َّم ـا كــان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يقوم بــت من أمر‬
‫اجلهاد ومتطلَّباتت‪ ،‬الَّذين ﴿ شوشم ْن يشـْنـ شقلِ ْ شعلش شع ِقبشـْي ِت فشـلش ْن يشض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـَّر َّ‬
‫اَّللش شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيـئًا شو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيش ْ ِايأ َّ‬
‫اَّلل‬
‫ين﴾‪ ،‬أو ظلُّوا اثبت عل دينهم‪ ،‬متَّبع ر ولت حياً‪ ،‬أو ميتاً»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ال َّاك ِر ش‬
‫لقد كان من أ ــباب البالء واَّصــائ الَّيت حدثت للمســلم يوم أ ٍ‬
‫حد َّأ‪،‬م ربطوا إميا‪،‬م‪،‬‬
‫الربا ب عقيدة‬
‫وعقيدهتم‪ ،‬ودعوهتم إىل هللا لعالء كلمتت‪ ،‬ب ـ ـ ــهص ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فهذا َّ‬
‫َّب(ﷺ) خالداً فيهم خالطت احل ُّ اَّ لوب‬ ‫وحده‪ ،‬وب بقاء شهص الن ِ‬ ‫الميان ابهلل ربـ ـ ـ ـ ـاً معبوداً ش‬
‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) الب ـ ـ ـ ــر الَّذأ يللقت اَّوت كان من‬ ‫الربا ب ِ‬
‫الر ـ ـ ـ ــالة اخلالدة وب َّ‬ ‫ابلعاطفة‪َّ ،‬‬
‫صـ ـ ـ ـلابةش ر ـ ـ ــي هللا عنهم من الفو ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬والدَّه ـ ـ ــة‪ ،‬واح ـ ـ ــت راب‪ ،‬ومتابعة‬
‫أ ـ ـ ــباب ما انل ال َّ‬
‫صـ ـ ـ ـرب عل اَّكا ِره‪ ،‬والعمل الدَّائ عل ن ـ ـ ــر‬ ‫الر ـ ـ ــول(ﷺ) أ ـ ـ ــاس وجوب التأ ِ ـ ـ ـ ـي بت يف ال َّ‬ ‫َّ‬
‫الر الة‪ ،‬وتبلي الدَّعوة‪ ،‬ونصرة ِ‬
‫احلق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهذا التَّأ ِ ـ ـي هو اجلان األ ُّر من جوان منهت ر ــالة ال ــالم‪ ،‬ألنَّت ِ‬
‫الد شع شامة األوىل يف‬
‫بناء مس ــرية الدَّعوة لعالء كلمة هللا‪ ،‬ون ــرها يف افاق األرض‪ ،‬وعدم ربا بقاء ِ‬
‫الدين وا ـ ـتمرار‬
‫ت‪ ،‬أو ٍ‬
‫قتل‪ ،‬وإجياب‬ ‫َّب(ﷺ) يف هذه الدُّنيا‪ ،‬ح يللقت فناء مبو ٍ‬‫اجلهاد يف بيلت ببقاء شهص الن ِ‬
‫الوشي ة العظم لتما ك ااتمع اَّسلم‪ ،‬وح‬ ‫ِ‬
‫الر ول(ﷺ) والتأ ي بت علماً‪ ،‬وعمالً لا ش‬ ‫متابعة َّ‬
‫يَّما الدُّعاة إىل هللا من أتباعت(‪.)2‬‬
‫أحد كانت ِ‬
‫مقدمةً‪ ،‬وإرهاهللاـ ـ ـاً ب يدأ موت ر ـ ــول هللا(ﷺ) ‪،‬‬ ‫إن ايوة ٍ‬
‫قال ابن القيِم « َّ‬
‫فثبَّتهم‪ ،‬ووَّ هم عل انقالهبم عل أعقاهبم إن مات ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬أو قتل‪ ،‬بل الواج لت‬
‫حمم ٍد‪ ،‬وهو‬ ‫عليهم أن يثبتوا عل دينت‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬وميوتوا عليت‪ ،‬أو يقتلوا‪ ،‬فَ‪،‬م َّإجا يعبدون َّ‬
‫رب َّ‬
‫فكل‬
‫حممد‪ ،‬أو قتل‪ ،‬ح ينب ي يم أن يص ـ ــرفهم ذلك عن دينت‪ ،‬وما جاء بت‪ُّ ،‬‬
‫ح ميوت‪ ،‬فلو مات َّ‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري القران العظيم (‪.)441/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر اَّستفاد من قصص القران (‪.)200/2‬‬
‫‪828‬‬
‫نفس ذائقــة اَّوت‪ ،‬ومــا بعِـ ش‬
‫ث حم َّمـد(ﷺ) ليهلَّـد‪ ،‬ح هو‪ ،‬وح هم‪ ،‬بــل ليموتوا عل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالم‬ ‫ٍ‬
‫حبد منت‪ ،‬ـ ـواء أمات ر ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬أم بقي‪ ،‬ويذا وَّ هم عل رجوي‬ ‫والتَّوحيد‪َّ ،‬‬
‫فَن اَّوت َّ‬
‫حممداً قد قتل‪ ،‬فقال ﴿ شوشما حمش َّمد إِحَّ شر ول قش ْد‬ ‫إن َّ‬ ‫شم ْن رجع منهم عن دينت ل َّـما هللار ال َّيطان َّ‬
‫ات أ ْشو قِت شل انْـ شقلشْبـت ْم شعلش أ ْشع شقابِك ْم شوشم ْن يشـْنـ شقِل ْ شعلش شع ِقبشـْي ِت فشـلش ْن‬ ‫ت ِم ْن قشـْبِل ِت ُّ‬
‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل أشفشَِ ْن شم ش‬ ‫شخشل ْ‬
‫ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪.]144 :‬‬ ‫اَّلل ال َّاك ِر ش‬
‫اَّللش ششْيـئًا شو ش يش ْ ِايأ َّ‬ ‫يشضَّر َّ‬
‫حض ماتوا‪ ،‬أو قتِلوا‪ ،‬فظهر أثر هذا‬
‫وال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـاكرون هم الَّذين عرفوا قدر النِعمة‪ ،‬فثبتوا عليها َّ‬
‫ارتد من َّ‬
‫ارتد عل عقبيت‪ ،‬وثبت‬ ‫العتاب‪ ،‬وحكم هذا اخل طاب يوم مات ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬و َّ‬
‫أعايهم‪ ،‬وظفَّرهم أبعدائهم‪ ،‬وجعل العاقبة يم»(‪.)1‬‬
‫ال َّاكرون عل دينهم‪ ،‬فنصرهم هللا‪ ،‬و َّ‬
‫القرطب « فهذه ا ية من تشــتِ َّم ـ ِـة العت ــاب م ــع اَّنهايم ‪ ،‬أأ ل ــم يكن يم اح‪ ،‬ـايام وإن‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ُّبوة ح تش ْدرأ اَّوت‪ ،‬واألدَين ح تايول مبوت األنبياء»(‪ .)2‬وكالمت ‪ -‬رحت هللا ‪-‬‬ ‫حممد‪ ،‬والن َّ‬
‫قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتل َّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬والَّذين يظنُّون َّ‬
‫أن‬ ‫أن ال ـ ــالم قد انته مبوت الن ِ‬ ‫نفيس جداً‪ ،‬فالَّذين ظنُّوا ِم ْن قبل َّ‬
‫شهص بعينت‪ ،‬فهؤحء‪ ،‬وأولئك قد أخطؤوا‪ ،‬و ِ‬
‫يقدروا هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ظهور ال الم‪ ،‬ودعوتت متوقف عل‬
‫ألن ظهور هـذا ال ِـدين‪ ،‬وهيمنتـت عل ك ِـل األدَين‪ ،‬هو قـدر هللا ‪-‬‬ ‫ال ِـدين قـدره‪ ،‬و يوفوه حقـَّت َّ‬
‫وجل ‪ -‬و ـ ـ ــنتت‪ ،‬ولن دد لسـ ـ ــنة هللا تبديالً‪ .‬قال تعاىل ﴿ه شو الَّ ِذأ أ ْشر ش ـ ـ ـ شل شر ـ ـ ـولشت ِاب ْي شد‬ ‫عاي َّ‬‫َّ‬
‫لدي ِن كلِ ِت شولش ْو ش‬
‫ك ِرشه الْم ْ ِركو شن ﴾ [التوبة‪.]33 :‬‬ ‫احل ِق لِيظْ ِهره علش ا ِ‬
‫ش ش‬
‫ِ‬
‫شودي ِن ْش‬
‫فسب ظهور هذا ِ‬
‫الدين أنَّت حق‪ ،‬وأنَّت هد ً (‪.)3‬‬

‫اليي ابلعتاب عل ما حدث منهم أثناء أحداث ايوة أحد‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫يف ايوة أحد نايل التَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريع ُّ‬
‫الص ِديق‬
‫الر ول(ﷺ) جاء التَّطبيق حيث «ل ـ َّـما ت ِويف ر ول هللا(ﷺ) أقبل أبو بك ٍر ِ‬ ‫وعند موت َّ‬
‫حض‬
‫الناس‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ر ي هللا عنت عل ٍ‬
‫حض نايل‪ ،‬فدخل اَّس د‪ ،‬فلم يكلم ش‬
‫ابلسْن ِ ‪َّ ،‬‬
‫فرس من شمسكنشت ُّ‬

‫حممد ر ول هللا ‪ ،‬لصادق عرجون ‪.)616/3( ،‬‬


‫(‪ )1‬انظر َّ‬
‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪.)224/3‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسري القرطب (‪.)222/4‬‬
‫‪829‬‬
‫ول هللا(ﷺ) وهو م ش َّ ً بثوب شحِ شربةٍ(‪ ،)2‬فك ف‬ ‫فتيم شم(‪ )1‬ر ش‬
‫دخل عل عائ ة ر ي هللا عنها‪َّ ،‬‬
‫عن وجهــت(ﷺ) ‪ ،‬مثَّ أك ـ َّ عليــت‪ ،‬فقبَّلــت‪ ،‬وبك ‪ ،‬مثَّ قــال أبيب أنــت و ِأمي! وهللا! ح جيمع هللا‬
‫ت عليك‪ ،‬فق ْد متَّها»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عليك موتت ‪َّ ،‬أما اَّوتة اليت كتبش ْ‬
‫َّاس‪ ،‬فقال اجلس‬ ‫ِ‬ ‫وعن ابن ٍ‬
‫عباس ر ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال « َّ‬
‫إن أاب بكر خرً‪ ،‬وعمر يكلم الن ش‬
‫عمر ر ــي هللا عنت‪ ،‬فقال أبو بكر ر ــي‬
‫جيلس‪ ،‬فأقبل النَّاس إليت‪ ،‬وتركوا ش‬
‫َي عمر! فأىب عمر أن ش‬
‫حممداً قد مات‪ ،‬ومن كان منكم يعبد‬ ‫فَن َّ‬ ‫حممداً(ﷺ) َّ‬ ‫هللا عنت َّأما بعد شم ْن كان منكم يعبد َّ‬
‫ت ِم ْن قشـْبلِ ِت ُّ‬
‫الر ـ ـل أشفشَِ ْن‬ ‫فَن هللا حي ح ميوت‪ .‬قال هللا تعاىل ﴿ شوشما حمش َّمد إِحَّ شر ـ ـول قش ْد شخلش ْ‬ ‫هللا َّ‬
‫اَّلل‬ ‫ات أ ْشو قتِ شل انْـ شقلشْبـت ْم شعلش أ ْشع شقابِك ْم شوشم ْن يشـْنـ شقلِ ْ شعلش شع ِقبشـْي ِت فشـلش ْن يشضـ ـ ـَّر َّ‬
‫اَّللش ششـ ـ ـْيـئًا شو ش ـ ـ ـيش ْ ِايأ َّ‬ ‫شم ش‬
‫ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪.]144 :‬‬ ‫ال َّاك ِر ش‬
‫حض تالها أبو بكر‪ ،‬فتلقَّاها منت‬ ‫الناس يعلموا َّ‬
‫أن هللا أنايل هذه ا ية َّ‬ ‫لكأن ش‬ ‫وقال وهللا َّ‬
‫أن عمر ر ي‬ ‫َّ‬ ‫النَّاس كلُّهم‪ ،‬فما أمسع ب راً من النَّاس إح يتلوها‪ .‬فأخربين عيد بن اَّسيِ‬

‫حض ما‬
‫َّ‬ ‫هللا عنت قال وهللا! ما هو إح أن مسعت أاب بك ٍر ر ـ ـ ــي هللا عنت تالها‪ ،‬فشـ شع ِق ْرت‬
‫(‪)3‬‬

‫َّب(ﷺ) قد مات»‬ ‫وحض أهويت إىل األرض‪ ،‬ح مسعتت تالها علمت َّ‬
‫أن الن َّ‬ ‫تقلَّ رجالأ‪َّ ،‬‬
‫[البخاري (‪.])4454‬‬

‫َّب(ﷺ) لل يرماة الَّذين أخطؤوا‪ ،‬واملنافقني الَّذين اخنذلوا‪:‬‬


‫اثمناً‪ :‬معاملة الن ِّ‬

‫أ ‪ -‬ال يرماة‪:‬‬
‫صـ ـ ِ‬
‫ف‪ ،‬و‬ ‫الر ــول(ﷺ) خارً ال َّ‬ ‫الرماة الَّذين أخطؤوا احجتهاد يف ايوة أ ٍ‬
‫حد خيْ ِر ْجهم َّ‬ ‫َّ‬
‫إن ُّ‬
‫يقل يم إنَّكم ح تص ـ ــللون ل ـ ـ ٍ‬
‫ـيء من هذا األمر بعدما بدا منكم يف التَّ ربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من النَّقص‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مساحة‪ ،‬مثَّ طل ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪-‬‬ ‫والضَّعف‪ ،‬بل قبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل عفهم هذا يف رحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـة‪ ،‬وعف ٍو‪ ،‬ويف‬

‫األمة خلالد أبو هللااأ ‪ ،‬ص ‪ 20‬نقالً عن ايوة ٍ‬


‫أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص‪.191‬‬ ‫(‪ )1‬انظر مرض النب هللال هللا عليت و لمووفاتت ‪ ،‬وأثر ذلك عل َّ‬
‫(‪ )2‬احلِشربة نوي من برود اليمن ملطَّطة الية الثمن‪.‬‬
‫وحتريت ‪ ،‬أو قطت‪.‬‬ ‫عقرت أأ ده ت ‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )3‬عقرت أأ هلكت ‪ ،‬ويف رواية فش ِ‬
‫‪830‬‬
‫برعايتت وعفوه يع الَّذين اش ـ كوا يف هذه ال ايوة‪ ،‬ر م ما وقع ِمن بعضــهم ِمن أخطا ٍء جسـ ٍ‬
‫ـيمة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فادحة‪ ،‬فعفا ‪ -‬ـ ــبلانت وتعاىل ‪ -‬عنهم عفواً سـ ــل بت خطاَيهم‪،‬‬ ‫وما ترتَّ عليت م ْن خسـ ـ ش‬
‫ـائر‬
‫وحما بت آاثر تلك اخلطاَي‪.‬‬

‫و‪ْ ،‬م نِِ ْذنِِت شح َّض إِ شذا فش ِ ـ ـ ْلت ْم شوتشـنش شاز ْعت ْم ِيف األ ْشم ِر‬
‫اَّلل شو ْع شده إِ ْذ شحت ُّسـ ـ ش‬
‫هللاـ ـ شدقشكم َّ‬
‫قال تعاىل ﴿ شولششق ْد ش‬
‫ِ‬ ‫وعص ـ ـ ـ ـ ـيـتم ِمن بـع ِد ما أشراكم ما ِحتبُّو شن ِمْنكم من ي ِريد ُّ ِ‬
‫الدنْـيشا شومْنك ْم شم ْن ي ِريد ا خشرشة مثَّ ش‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـشرفشك ْم‬ ‫ْ شْ‬ ‫ش ش ش ْ ْ ْ شْ ش ش ْ ش‬
‫ض ٍل شعلش الْم ْؤِمنِ ش ﴾ [آل عمران‪.]152 :‬‬ ‫اَّلل ذو فش ْ‬ ‫شعْنـه ْم لِيشـْبـتشلِيشك ْم شولششق ْد شع شفا شعْنك ْم شو َّ‬
‫وهناك أمر مهم يتَّصــل هبذا العفو‪ ،‬قد ي ك أثراً يف نفو ــهم ِ‬
‫يعوقها بعض ال َّ ـيء‪ ،‬ذلك هو‬
‫الر ــول(ﷺ) هو وحده الَّذأ حت َّمل‬ ‫موقف ر ــول هللا(ﷺ) اَّا حدث منهم َّإ‪،‬م ي ــعرون َّ‬
‫أن َّ‬
‫وتتم بت نعمة هللا عليهم‬ ‫نتي ة تلك األخطاء‪َّ ،‬‬
‫فالبد أن ينالوا منت عفواً تطي بت نفو ـ ـ ـ ـ ـ ــهم‪ُّ ،‬‬
‫يذا أمر هللا ‪ -‬بلانت وتعاىل ‪ -‬نبيَّت(ﷺ) أبن يعفو عنهم‪ ،‬وحثَّت عل اح ت فار يم‪ ،‬كما أمره‬
‫أن رخذ رأيهم‪ ،‬واح ـ ـ ــتماي إىل م ـ ـ ــورهتم‪ ،‬وح جيعل ما حدث هللا ـ ـ ــارفاً لت عن اح ـ ـ ــتفادة من‬
‫خرباهتم‪ ،‬وم ورهتم(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ت فشظًّا شلِي ش‬ ‫قال تعاىل ﴿فشبِما ر ْح ٍة ِمن َِّ ِ‬
‫ضـ ـ ـ ـ ـ ـوا ِم ْن شح ْول ش‬
‫ك‬ ‫م الْ شق ْل ِ حشنْـ شف ُّ‬ ‫ت شي ْم شولش ْو كْن ش‬ ‫اَّلل لْن ش‬ ‫ش شش ش‬
‫اَّللِ إِ َّن َّ‬
‫اَّللش ِ ـ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ت فشـتشـ شوَّك ـ ْل شعلش َّ‬ ‫اعف شعْنـه ْم شوا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتشـ ْف ْر شي ْم شو شش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ِوْره ْم ِيف األ ْشم ِر فشـَِذشا شعشايْم ـ ش‬‫فشـ ْ‬
‫الْمتشـوكِلِ ش ﴾ [آل عمران‪.]159 :‬‬
‫ش‬
‫ب ‪ -‬اخنذال ابن سلول املنافق‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بثالشئة من اَّنافق ‪ ،‬أن دث بلبلةً‪ ،‬وا ــطراابً‬ ‫كان هد عبد هللا بن ــلول ابنس ــلابت‬
‫معنوَيتت‪ ،‬ويت ـ ـ ـ ـ ـ َّ ع العدو‪ ،‬وتعلو لَّتت‪ .‬وعملت هذا ينطوأ عل‬
‫ـالمي لتنهار َّ‬
‫يف اجليش ال ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫تهانة مبستقبل ال الم‪ ،‬و د ٍر بت يف أحلك الظُّرو ‪ ،‬وقد حاول عبد هللا بن حرام أن مينعهم‬ ‫ٍ‬ ‫ا‬

‫(‪ )1‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص‪.218‬‬


‫‪831‬‬
‫من ذلك احَنذال‪ ،‬إح َّأ‪،‬م رفض ـ ـ ـ ـ ـ ـوا دعوتشت ‪ ،‬وفيهم نايل قول هللا تعاىل ﴿ شوشما أش ش‬
‫(‪)1‬‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـابشك ْم يشـ ْوشم‬
‫ين شانفشـقوا شوقِيـ شـل شي ْم تشـ شع ـالش ْوا قشـاتِلوا ِيف‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ان فشبِ ـَِ ْذ ِن َِّ ِ‬ ‫اجلمع ـ ِ‬
‫اَّلل شوليشـ ْعلش شم الْم ْؤمن ش ۝ شوليشـ ْعلش شم ال ـذ ش‬ ‫الْتشـ شق ْش ْ ش‬
‫ان يشـقولو شن‬ ‫اَّللِ أش ِو ْادفشـعوا قشالوا لشو نشـعلشم قِتشاحً حشتَّـبـعنشاكم هم لِْلك ْف ِر يـومئِ ٍذ أشقْـرب ِمْنـهم لِ ِإلميش ِ‬ ‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ـبِ ِيل َّ‬
‫ْ‬ ‫شْ ش ش‬ ‫شْ ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫اَّلل أ ْشعلشم ِمبشا يشكْتمو شن ۝ حشتَّـبشـ ْعشناك ْم ه ْم لِْلك ْف ِر يشـ ْوشمِئ ٍذ أشقْـشرب ِمْنـه ْم‬ ‫س ِيف قـلوهبِِ ْم شو َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫أبشفْـ شواهه ْم شما لشْي ش‬
‫كتمو شن﴾ [آل عمران‪.]167 - 166 :‬‬ ‫س ِيف قـلوهبِِ ْم شو َّ‬
‫اَّلل أ ْشعلشم ِمبشا يش ْ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫ش‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ان يشـقولو شن ِأبشفْـو ِاه ِ‬
‫ه‬ ‫لِ ِإلميش ِ‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫فبالر ـم من خطورة اَّوقف‪ ،‬وحاجـة اَّسلم يذا العـدد لقلَّـة جيش اَّسلم ‪ ،‬وكثرة جيش‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫اهتمـام‪ ،‬واكتف بفض‬ ‫أن الَّر ول(ﷺ) ترك هؤحء اَّنافق ‪ ،‬وشأ‪ ،‬ـم‪ ،‬و يعِْرهم َّ‬
‫أأ‬ ‫قريش‪ ،‬إح َّ‬
‫أمرهم أمام النَّاس(‪ ،)2‬وكان يذا األ لوب أثره يف توبي وإهان ـ ـ ـ ـ ــة ابن ٍ‬
‫لول‪ ،‬فعندما رجع ر ول‬
‫هللا(ﷺ) من ايوتت من حراء األ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬أراد ابن ـ ـ ـ ــلول أن يقوم كعادتت ِ‬
‫حلث الناس عل طاعة‬
‫ر ول هللا(ﷺ) ‪.‬‬

‫هرأ كان عبد هللا بن أ ٍيب لت مقام يقومت َّ‬


‫كل عة ح ينكسـ ـ ــر لت شـ ـ ــر يف‬ ‫الاي ُّ‬
‫قال المام ُّ‬
‫نفس ــت‪ ،‬ويف قومت‪ ،‬وكان فيهم شـ ـريفاً‪ ،‬إذا جلس ر ــول هللا(ﷺ) يوم اجلمعة وهو خيط النَّاس‬
‫قام‪ ،‬فقال أيُّها النَّاس‪ ،‬هذا ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا ب أظهركم‪ ،‬أكرمكم هللا بت‪ ،‬و َّ‬
‫أعايكم بت‪ ،‬فانص ـ ـ ـ ـ ـ ــروه‪،‬‬
‫وعايروه‪ ،‬وامسعوا لت‪ ،‬وأطيعوا‪ ،‬مثَّ جيلس‪ ،‬حض إذا هللانع يوم أحد ما هللانع‪ ،‬ورجع النَّاس‪ ،‬قام يفعل‬ ‫ِ‬
‫عدو هللا! وهللاِ‬
‫ذلك كما كان يفعلت‪ ،‬فأخذ اَّس ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون بثيابت ِم ْن نواحيت‪ ،‬وقالوا اجلس أأ َّ‬
‫رقاب النَّاس وهو يقول وهللا‬ ‫ش‬ ‫ـنعت! فهرً يتهطَّ‬
‫ـنعت ما هللاـ ـ ـ ـ ش‬ ‫ـت لذلك ٍ‬
‫أبهل وقد هللاـ ـ ـ ـ ش‬ ‫لسـ ـ ـ ـ ش‬
‫لكأجا قلت قشراً(‪ )3‬أن قمت أشـ ـ ـ ـ ـ ِـدد أمره‪ ،‬فلقيت رجال من األنصـ ـ ـ ـ ــار بباب اَّس ـ ـ ـ ـ ـ د‪ ،‬فقالوا‬
‫َّ‬
‫إس رجال من أهللا ـ ـ ـ ـ ــلابت جيبذون ‪ ،‬ويعنفون ‪،‬‬ ‫ويلك! ما لك؟ قال قمت أش ـ ـ ـ ـ ـ ِـدد أمره‪ ،‬فوث َّ‬
‫ارجع يست ْفر لك ر ول هللا‪ .‬قال وهللا! ما‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫لكأجا قلت قشراً أن قمت أشدد أمره‪ ،‬قالوا ويلك! ْ‬

‫(‪ )1‬اَّصدر السابق نفست ‪ ،‬ص ‪.219‬‬


‫(‪ )2‬انظر ايوة أحد درا ة دعويَّة ‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫أمره كلَّت‪.‬‬
‫ذكر ع ش شره وقششره أأ عيوبت ‪ ،‬و ش‬
‫(‪ )3‬قشراً شراً‪ .‬ويقال ش‬
‫‪832‬‬
‫أب ي أن يست فر س(‪.)1‬‬

‫اتسعاً‪« :‬أُحد جبل ُُيبينا وحنبيه»‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) طشلش شع شلت أ حد‪ ،‬فقال « هذا جبل‬


‫إن الن َّ‬ ‫عن أنس بن ٍ‬
‫مالك ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال َّ‬
‫[البخاري (‪ )4084‬ومسلم (‪.])1365‬‬ ‫ِ بُّنا‪ ،‬وحنبُّت»‬
‫وهذا ُّ‬
‫يدل عل دقَّة ش ـ ـ ـ ـ ــعور الن ِ‬
‫َّب(ﷺ) حيث قارن ب ما كس ـ ـ ـ ـ ــبت اَّس ـ ـ ـ ـ ــلمون من منعة‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن‪ ،‬واححتماء بذلك اجلبل‪ ،‬وما أودعت هللا تعاىل فيت من قابليَّ ٍة لذلك‪َّ ،‬‬
‫فعرب عن ذلك‬ ‫التل ُّ‬
‫احلي‪ ،‬والحســاس اَّرهف مثالً أعل‬ ‫ِ‬
‫أبرق وشــائت الص ـلة‪ ،‬وهي اَّبَّة‪ ،‬أفال يعترب هذا الوجدان ُّ‬
‫عل التهلُّق لق الوفاء؟!‬

‫بفض ــل احل ارة الص ـ َّـماء‪ ،‬ويض ــفي عليها من األخالق ال َّسـ ـامية ما ح‬ ‫وإن الَّذأ يع‬
‫أح َّ‬
‫فضل يكون من ب النسان‪ ،‬وإذا كان‬ ‫يتَّصف بت إح أفا ل العقالء جلدير بت أن يع أبدَّن ٍ‬
‫فأخلِ ْق بب النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان األوفياء أن‬
‫حض حاز أرق العبارات وأرقَّها ْ‬
‫وفايه(ﷺ) لل ماد قد شمسشا َّ‬
‫ينالوا منت أعظم ِم ْن ذلك‪ ،‬فضالً عمن دمعت هبم َّ‬
‫األخوة يف هللا تعاىل!(‪.)2‬‬

‫احلميدأ‪ ،‬ومنها ما قالت‬


‫ُّ‬ ‫َّبوأ ال َّ ريف فيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت كثري من اَّعاين منها ما ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره‬
‫واحلديث الن ُّ‬
‫األ تاذ هللااأ ال َّامي حيث قال والنسان كثرياً ما يربا ب اَّصيبة وب مكا‪،‬ا‪ ،‬أو زما‪،‬ا‪،‬‬
‫وحض ح تنسـ ـ ـ ـ ــل ش هذه العادة‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ــتمر بعد أن جاء ال ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬كان هذا القول الكر بياانً‬
‫َّ‬
‫لللق‪ ،‬وابتعاداً عن ِ‬
‫الط شرية‪ ،‬والتَّ ــايم‪ ،‬وذلك اَّعىن الذأ يبقي ا اثر ال َّس ـيئة يف نفس النس ــان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ا بفكرهم ذلك‬ ‫فلض ح يرتب ش‬ ‫حد‪ ،‬يتذكرون تلك اَّعركة‪َّ ،‬‬ ‫ـك أن اَّسـلم ـيقفون عل أ ٍ‬ ‫وح ش َّ‬
‫الايمــان مللوقــات هلل‪ ،‬ح عالقــة يمــا‪ ،‬وح أثر مبــا ــدث‬
‫اَّعىن ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـىيء‪ ،‬ب َّ يم أن اَّكــان‪ ،‬و َّ‬
‫فيهما‪َّ ،‬‬
‫وإجا األمور بيد هللا تعاىل‪ ،‬واح ــت ــهاد يف ــبيل هللا كرامة لصــاحبت‪ ،‬ح مصــيبة‪ ،‬وهكذا‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪ ، )53/4‬و رية ابن ه ام (شأن عبد هللا بن أيب بعد ذلك)‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي (‪.)198/5‬‬
‫‪833‬‬
‫كرم‪ ،‬و ش ُّ انطالقاً من هـ ـ ـ ـ ـ ــذا القول الكر ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المياين‪ ،‬وإذا «أحد» ي ش‬ ‫تتساو اَّفاهيم يف إطارها‬
‫وكيف ح يكرم وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اختاره هللا ليثوأ فيت حاية‪ ،‬وأهللا ـ ـ ــلابت‪ ،‬اَّن اختارهم هللا يف ذلك اليوم‪،‬‬
‫ف ادوا أبنفسهم ابت اءش مر اتت؟!(‪.)1‬‬
‫عاشراً‪ :‬املالئكة يف أ ٍ‬
‫ُحد‪:‬‬
‫قال عد بن أيب وقَّاص ر ي هللا عنت رأيت عن مي ر ول هللا(ﷺ) وعن طالت يوم أ ٍ‬
‫حد‬
‫يل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رجل عليهما ثياب بياض‪ ،‬يقاتالن عنت كأشد القتال‪ ،‬ما رأيتهما قبل‪ ،‬وحبعد ‪ -‬يع جرب ش‬
‫السالم ‪[ -‬البخاري (‪ ،)4054‬ومسلم (‪.])2306‬‬
‫وميكائيل عليهما َّ‬
‫ش‬
‫ألن هللا تكفَّل بعصـ ـ ـ ـ ــمتت من النَّاس‪ ،‬و يص ـ ـ ـ ـ ـ َّ َّ‬
‫أن‬ ‫َّب(ﷺ) َّ‬ ‫وهذا خاص ِ‬
‫ابلدفاي عن الن ِ‬
‫حد ـ ـ ـ ـ ـ ــو هذا القتال ‪ -‬وإ ْن وعدهم هللا تعاىل أ ْن ميدَّهم ‪ -‬أل نت جعل‬ ‫اَّالئكة قاتلت يف أ ٍ‬

‫وعــده معلق ـاً عل ثالثــة أموٍر ال َّ‬


‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرب‪ ،‬والتَّقو ‪ ،‬وإتيــان األعــداء من فورهم‪ ،‬و تتلقَّق هــذه‬
‫األمور‪ ،‬فلم صل المداد(‪.)2‬‬

‫ْفيك ْم أشن ميِـ َّدك ْم شربُّكم بِثشالشثشـ ِة آحش ٍ ِم شن الْ شمآلئِ شك ـ ِة‬ ‫﴿إِ ْذ تشـقول لِْلمؤِمنِ أشلشن يك ِ‬ ‫قــال تعــاىل‬
‫ْ ش ش‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـِربوا شوتشـتـَّقوا شورْتوك ْم ِم ْن فشـ ْوِرِه ْم شه شذا ميْ ِد ْدك ْم شربُّك ْم ِ ش ْم شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِة آحش ٍ ِم شن‬
‫إِ ْن تش ْ‬ ‫م شنايلِ ش ۝ بشـلش‬
‫ش ﴾ [آل عمران ‪.]125- 124‬‬ ‫الْ شمالشئِ شك ِة م شس ِوِم‬

‫حادي عشر‪ :‬قوانني النَّصر واهلزمية من سورة األنفال‪ ،‬وال عمران‪:‬‬

‫ـيء من التَّفص ـ ــيل‪ ،‬وحتدَّثت ـ ــورة ال عمران عن‬ ‫حتدَّثت ـ ــورة األنفال عن ايوة بد ٍر ب ـ ـ ٍ‬

‫األمة كثرياً من اَّفاهيم‪ ،‬تتعلَّق مبفهوم القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء والقدر‪ ،‬ومفهوم احلياة‬ ‫ايوة أ ٍ‬
‫حد‪ ،‬لكي تتعلَّم َّ‬
‫الرب واخلس ــارة‪ ،‬ومفهوم الميان والنِفاق‪ ،‬ومفهوم اَّنة‬
‫واَّوت‪ ،‬ومفهوم النَّص ــر وايايمية‪ ،‬ومفهوم ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلابة ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنهم من خالل أحداث بد ٍر‪،‬‬
‫واَّق‪ ...‬إخل‪ ،‬ومن اَّفاهيم الَّيت تعلَّمها ال َّ‬

‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.427‬‬
‫الصليلة ‪.391/2‬‬ ‫(‪ )2‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪834‬‬
‫و ٍ‬
‫أحد‪ ،‬و ـ ـ ـ ـ ـ ــورل األنفال‪ ،‬وال عمران قوان النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر وايايمية‪ ،‬وهذه القوان قد بيَّنتها ا َيت‬
‫الكرمية‪ ،‬وميكن تلهيصها يف النقاط التالية‬
‫وجل ‪ -‬وليس م ْلكاً ٍ‬
‫ألحد من اخللق‪ ،‬يهبت هللا َّن‬ ‫عاي َّ‬
‫‪ - 1‬النَّصر ابتداءً وانتهاءً بيد هللا ‪َّ -‬‬
‫اَّلل إِحَّ ب ْ ـ ـ ـ ـشر‬
‫الرزق‪ ،‬واألجل‪ ،‬والعمل ﴿ شوشما شج شعلشت َّ‬ ‫عمن ي ـ ـ ـ ــاء‪ ،‬مثلت مثل ِ‬ ‫ي ـ ـ ــاء‪ ،‬ويصـ ـ ـ ــرفت َّ‬
‫اَّلل ع ِايياي ح ِ‬ ‫َّصر إِحَّ ِمن ِعْن ِد َِّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫كيم ﴾ [األنفال‪.]10 :‬‬ ‫اَّلل إ َّن َّش ش ش‬ ‫ْ‬ ‫شولتشطْ شمئ َّن بِت قـلوبك ْم شوشما الن ْ‬
‫‪ - 2‬وح ِ‬
‫يقدر هللا تعاىل النَّص ـ ـ ـ ــر فلن تس ـ ـ ـ ــتطيع قو األرض كلُّها احليلولة دونت‪ ،‬وح‬
‫األمة‪ .‬قال تعاىل ﴿إِ ْن يشـْنصـ ـ ـ ْركم َّ‬
‫اَّلل‬ ‫َّ‬ ‫يقدر ايايمية فلن تس ـ ــتطيع قو األرض أن حتول بينت وب‬ ‫ِ‬

‫فشالش شالِ ش لشك ْم شوإِ ْن ش ْخيذلْك ْم فش شم ْن ذشا الَّ ِذأ يشـْنص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرك ْم ِم ْن بشـ ْع ِدهِ شو شعلش َّ‬
‫اَّللِ فشـ ْليشـتشـ شوَّك ِل الْم ْؤِمنو شن ﴾‬
‫[آل عمران‪.]160 :‬‬

‫حباجة إىل فقهها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجل ‪ -‬حنن‬ ‫عاي َّ‬‫لكن هذا النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر لت نواميس اثبتة عند هللا ‪َّ -‬‬ ‫‪ - 3‬و َّ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الراية خالصـ ـ ـ ـةً هلل ـ ـ ــبلانت عند الذين ميثلون جنده‪ .‬قال تعاىل ﴿ شَيأشيـُّ شها الذ ش‬
‫ين‬ ‫فالبد أن تكون َّ‬ ‫َّ‬
‫شآمنوا إِ ْن تشـْنصـ ـ ـ ـ ـروا َّ‬
‫اَّللش يشـْنصـ ـ ـ ـ ـ ْرك ْم شويـثشـبِ ْ‬
‫ت أشقْ شد شامك ْم ﴾ [حممد‪ ،]7 :‬ونص ـ ـ ـ ــر هللا يف اح ـ ـ ـ ــت ابة لت‪،‬‬
‫واح تقامة عل منه ت‪ ،‬واجلهاد يف بيلت‪.‬‬

‫ف ووحدة الكلمة أ اس يف النَّصر‪ .‬وتفريق الكلمة‪ ،‬واحختال يف الرأأ‬ ‫الص ِ‬


‫‪ - 4‬ووحدة َّ‬
‫هللا ـ ـِربوا إِ َّن‬ ‫دمار وهايمية‪ .‬قال تعاىل ﴿وأ ِ‬
‫اَّللش شوشر ـ ـولشت شوحش تشـنش شازعوا فشـتشـ ْف ش ـ ـلوا شوتش ْذ شه ش ِر ك ْم شوا ْ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ش‬
‫اَّلل مع َّ ِ‬
‫الصاب ِر ش‬
‫ين ﴾ [األنفال‪.]46 :‬‬ ‫َّش ش ش‬
‫‪ - 5‬وطاعة أم ِر هللا تعاىل‪ ،‬ور ولت(ﷺ) وعدم اخلروً عليها أ اس يف النَّصر‪َّ ،‬أما اَّعصية‬
‫هللا ـِربوا‬ ‫فتقود إىل ايايمية‪ .‬قال تعاىل ﴿وأ ِ‬
‫اَّللش شوشر ـولشت شوحش تشـنش شازعوا فشـتشـ ْف ش ـلوا شوتش ْذ شه ش ِر ك ْم شوا ْ‬
‫شطيعوا َّ‬ ‫ش‬
‫اَّلل مع َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاب ِر ش‬
‫ين ﴾ [األنفال‪.]46 :‬‬ ‫إ َّن َّش ش ش‬
‫األمة عون هللا‪ ،‬ونص ـ ـ ـ ـ ـ ــره‪ .‬قال تعاىل ﴿ شح َّض إِ شذا‬ ‫‪ - 6‬وح الدُّنيا‪ ،‬والتَّهافت عليها يـ ْفقد َّ‬
‫ص ـ ـ ـْيـت ْم ِم ْن بشـ ْع ِد شما أ ششراك ْم شما ِحتبُّو شن ِمْنك ْم شم ْن ي ِريد ُّ‬
‫الدنْـيشا شوِمْنك ْم شم ْن‬ ‫ِ‬
‫فش ـ ـ ـ ْلت ْم شوتشـنش شاز ْعت ْم ِيف األ ْشم ِر شو شع ش‬
‫‪835‬‬
‫[آل عمران‪.]152 :‬‬ ‫ي ِريد ا ِخشرةش﴾‬

‫اَّلل بِبش ْد ٍر شوأشنْـت ْم‬


‫صـشركم َّ‬
‫‪ - 7‬ونقص العدد والعدَّة ليس هو ـب ايايمية‪ .‬قال تعاىل ﴿ شولششق ْد نش ش‬
‫أ ِشذلَّة فشاتـَّقوا َّ‬
‫اَّللش لش شعلَّك ْم تش ْ كرو شن ﴾ [آل عمران‪.]123 :‬‬

‫العدو(‪ .)1‬قال تعاىل ﴿وأ ِ‬


‫شع ُّدوا شي ْم‬ ‫اَّعنوأ َّواجهة ِ‬ ‫اَّاد ِأ‪ ،‬و ِ‬ ‫حبد من العداد ِ‬ ‫‪ - 8‬ولكن َّ‬
‫ش‬
‫و‪،‬م‬ ‫ين ِم ْن دو‪ْ ِِ،‬م حش تشـ ْعلشم ش‬
‫آخ ِر ش‬
‫اخلي ِل تـرِهبو شن بِِت عد َّو َِّ‬
‫اَّلل شو شعد َّوك ْم شو ش‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫شما ا ْ تشطش ْعت ْم م ْن قـ َّوة شوم ْن ِرشابط ْشْ ْ‬
‫اَّللِ يـو َّ إِلشْيك ْم شوأشنْـت ْم حش تظْلشمو شن ﴾ [األنفال‪.]60 :‬‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل يشـ ْعلشمه ْم شوشما تـْنفقوا م ْن شش ْيء يف ش ب ِيل َّ ش‬
‫َّ‬
‫الرئيسية يف النَّصر‪ .‬قال تعاىل‬ ‫الصرب عند اللِقاء‪ ،‬من العوامل َّ‬ ‫‪ - 9‬والثَّبات عند اَّواجهة‪ ،‬و َّ‬
‫اَّللش شكثِ ًريا لش شعلَّك ْم تـ ْفلِلو شن ﴾ [األنفــال‪،]45 :‬‬ ‫ين شآمنوا إِ شذا لشِقيت ْم فِئش ـةً فش ـاثْـبـتوا شواذْكروا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿ شَيأشيـُّ شه ـا ال ـذ ش‬
‫ين شك شفروا شز ْح ًف ـ ـ ـا فشالش تـ شولُّوهم األ ْشد شاب شر ﴾‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين شآمنوا إ شذا لشقيتم ال ـ ـ ـذ ش‬ ‫وقـ ـ ــال تعـ ـ ــاىل ﴿ شَيأشيـُّ شه ـ ـ ـا ال ـ ـ ـذ ش‬
‫[األنفال‪.]15 :‬‬

‫ص ـ ـرب عند اللِقاء‪ ،‬مثل ذكر هللا الكثري‪ ،‬ابداه القل‬


‫‪ - 10‬وح ش ــيء يع عل الثبات وال َّ‬
‫إىل هللا وحده ِ‬
‫منايل النَّص ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪ ،‬وطل العون منت‪ ،‬والتوُّكل عليت‪ ،‬وعدم احعتماد عل ال عدد‪ ،‬أو‬
‫القوة‪ ،‬هو عامل أ ا ي من عوامل النَّصر(‪ .)2‬قال تعاىل‬ ‫َّربي من احلول‪ ،‬و َّ‬ ‫العدَّة‪ ،‬أو َّ‬
‫الذات‪ ،‬والت ُّ‬
‫ريا لش شعلَّك ْم تـ ْفلِلو شن ﴾ [األنفال‪.]45 :‬‬‫﴿َيأشيـُّها الَّ ِذين آمنوا إِذشا لشِقيتم فِئشةً فشاثْـبـتوا واذْكروا َّ ِ‬
‫اَّللش شكث ً‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ش ش‬ ‫ش ش‬
‫نعيم ٍ‬
‫مقيم‪:‬‬ ‫أعده هللا هلم من ٍ‬ ‫اثين عشر‪ :‬فضل ال ي‬
‫شوداء وما َّ‬

‫احهم يف أجوا ط ٍري خ ْ‬


‫ض ٍر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قال ر ول هللا(ﷺ) َّا أهللاي إخوانكم أبحد‪ ،‬جعل هللا أرو ش‬
‫أ‪،‬ار اجلنَّة‪ ،‬وأتكل من شارها‪ ،‬وأتوأ إىل قناديل من ذه ٍ يف ِ‬
‫ظل العرش‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما وجدوا‬ ‫تش ِرد ش‬
‫طي ش م ـ ـ ـرهبم‪ ،‬ومأكلهم‪ ،‬وح ْس ـ ـ ـ شن مقيلهم‪ ،‬قالوا َي ليت إخواننا يعلمون ما هللاـ ـ ــنع هللا بنا لئال‬
‫عاي وج َّـل ‪ -‬أان أبلِ هم عنكم‪ ،‬فـأنايل هللا‬ ‫يايهـدوا يف اجلهـاد‪ ،‬وح يشـْنكلوا(‪ )3‬عن احلرب! فقـال ‪َّ -‬‬

‫(‪ )1‬انظر فقت ِ‬


‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪ 461‬ـ ‪.462‬‬
‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬لل ضبان ‪ ،‬ص ‪.463‬‬
‫(‪ )3‬نكل عن األمر نكوحً نكص‪.‬‬
‫‪836‬‬
‫[أمحــد (‪ ،)266/1‬وأبو داود (‪ ،)2520‬وأبو يعلى‬ ‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬عل ر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـولــت(ﷺ) هــذه ا َيت‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫(‪.)1(])2331‬‬

‫شحيشاء ِعْن شد شرهبِِ ْم يـ ْرشزقو شن ۝‬ ‫ب الَّ ِذين قتِلوا ِيف بِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل أ ْشم شو ًاات بش ْل أ ْ‬ ‫ش‬ ‫قال هللا تعاىل ﴿ شوحش شْحت شس ش َّ ش‬
‫ين شْ يشـ ْل شلقوا هبِِ ْم ِم ْن شخ ْل ِف ِه ْم أشحَّ شخ ْو شعلشْي ِه ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ِمن فش ْ ِ ِ‬
‫ض ـ ـلت شويش ْس ـ ـتشـْب ـ ـرو شن ابلذ ش‬ ‫آاتهم َّ ْ‬‫فش ِرِح ش ِمبشا ش‬
‫شجشر الْم ْؤِمنِ ش ﴾‬ ‫ِ‬
‫اَّللش حش يض ـ ـ ـ ـ ـيع أ ْ‬
‫شن َّ‬ ‫اَّللِ شوفش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ٍل شوأ َّ‬ ‫شوحش ه ْم شْشاينو شن ۝ يش ْس ـ ـ ـ ـ ـتشـْب ِ ـ ـ ـ ـ ـرو شن بِنِ ْع شم ٍة ِم شن َّ‬
‫[آل عمران‪.]171 - 169 :‬‬

‫احدأ عن ــعيد بن جبري أنَّت قال لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما‬


‫وقد جاء يف تفســري ا َيت ال َّسـابقة ما رواه الو ُّ‬
‫حد‪ ،‬ورأوا ما رزقوا من اخلري قالوا ليت‬ ‫أهللا ــي حاية بن عبد اَّطَّل ‪ ،‬ومص ــع بن عمري يوم أ ٍ‬

‫إخوانشنا يعلمون ما أهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابنا من اخلري كي يايدادوا يف اجلهاد ر بةً‪ ،‬فقال هللا تعاىل أان أبلِ هم‬
‫شجشر‬ ‫ِ‬ ‫ين قتِلوا ِيف﴾ إىل قولت ﴿ شوأ َّ‬ ‫عنكم‪ ،‬فأنايل هللا تعاىل ﴿وحش شحتس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ َّ ِ‬
‫اَّللش حش يض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيع أ ْ‬
‫شن َّ‬ ‫ب الذ ش‬ ‫ش ْش ش‬
‫الْم ْؤِمنِ ش ﴾(‪. )2‬‬
‫عبد هللا بن مسـ ـ ٍ‬
‫ـعود عن هذه ا ية ﴿ شوحش‬ ‫وق‪ ،‬قال ـ ــألنا ش‬ ‫ورو مسـ ــلم بسـ ــنده عن مسـ ــر ٍ‬
‫شحيشاء ِعْن شد شرهبِِ ْم يـ ْرشزقو شن ﴾ [آل عمران‪.]169 :‬‬ ‫ب الَّ ِذين قتِلوا ِيف بِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل أ ْشم شو ًاات بش ْل أ ْ‬ ‫ش‬ ‫شْحت شس ش َّ ش‬
‫ضـ ـ ٍر‪ ،‬يا قناديل معلَّقة‬ ‫قال شأما َّإان قد ـ ـأشلْنا عن ذلك‪ ،‬فقال «أرواحهم يف جو ط ٍري خ ْ‬
‫اطالعةً‪،‬‬ ‫ابلعرش‪ ،‬تسـ ــر من اجلنَّة حيث شـ ــاءت‪ ،‬مثَّ أتوأ إىل تلك القناديل‪ ،‬فاطَّلشع إليهم رُّهبم ِ‬
‫ش‬
‫ـيء ن ــتهي وحنن نش ْس ـشر من اجلنَّة حيث شــئنا؟! ففعل‬ ‫أأ شـ ٍ‬
‫فقال هل ت ــتهون شــيئاً؟ قالوا َّ‬
‫رب! نريد أن تشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّد‬ ‫ثالث مر ٍ‬
‫ات‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأوا أ‪،‬م لن ي ْكوا من أن يسألوا‪ ،‬قالوا َي ِ‬ ‫ذلك هبم ش‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫مرةً أخر ‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما رأ أن ليس يم حاجة ت ِركوا»‬ ‫حض نـ ْقتش شل يف ـبيلك َّ‬ ‫احنا يف أجسـادان َّ‬
‫أرو ش‬
‫[مسلم (‪.])1887‬‬

‫(‪ )1‬انظر تفسري الطَّربأ (‪ ، )170/4‬و رية ابن ه ام (مصري قتل أحد)‪.‬‬
‫احدأ ‪ ،‬ص ‪ ، 125‬وتفسري الطَّ ِ‬
‫ربأ (‪.)269/4‬‬ ‫(‪ )2‬انظر أ باب النايول ‪ ،‬للو ِ‬
‫‪837‬‬
‫اإلعالمي على املشركني‪:‬‬
‫ي‬ ‫اثلث عشر‪ :‬اهلجوم‬

‫َّبوأ يقوم عل ال ِ ـ ـ ـعر‪ ،‬وكان ش ـ ــعراء اَّ ـ ــرك يف بد ٍر يف موقف‬ ‫كان العالم يف العهد الن ِ‬
‫الراثء‪ ،‬ويف أ ٍ‬
‫حد حاول ش ـ ـ ــعراء قريش أن يض ـ ـ ــهموا هذا النَّص ـ ـ ــر‪ ،‬ف علوا من احلبة قبَّةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدفاي و ِ‬
‫مالك‪ ،‬وعبد هللا بن رواحة ِ‬
‫للرد‬ ‫وأمام هذا الكربَيء اَّاييَّف انرب ح َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان بن ٍ‬
‫اثبت‪ ،‬وكع بن ٍ‬
‫عل حالت اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك العالميَّة الَّيت قادها ش ـ ـ ـ ـ ـ ــعرايهم كهبرية ابن أيب وه ٍ ‪ ،‬وعبد هللا بن‬
‫الايبعر ‪ ،‬و رار بن اخلطَّاب‪ ،‬وعمرو بن العاص(‪.)1‬‬ ‫ِ‬

‫وكانت قصـ ـ ــائد ح َّس ـ ـ ـان كالقنابل عل اَّ ـ ـ ــرك ‪ ،‬وقد أش ـ ــاد ب ـ ـ ـ اعة اَّس ـ ــلم ‪ ،‬حيث‬
‫ا ـ ــتطاعوا أن يقتلوا حلةش لو ِاء اَّ ـ ــرك ‪ ،‬ويوبِ اَّ ـ ــرك ‪ ،‬ويص ـ ــفهم ابجلب حينما يس ـ ــتطيعوا‬
‫ووىل أشـ ـرافهم‪ ،‬وتركوه‪ ،‬ويف هذا اي اء تذكري‬ ‫حض كان يف النِهاية بيد امرأةٍ منهم‪َّ ،‬‬ ‫حاية لوائهم‪َّ ،‬‬
‫حض ح ي ُّوا مبا حص ـ ــل يف‬ ‫الذ ِل‪ ،‬واجلب الَّيت َّ‬
‫تعر ـ ـ ـوا يا يف بداية اَّعركة‪َّ ،‬‬ ‫للم ـ ــرك مبواقف ُّ‬
‫‪،‬ايتها من إهللاابة اَّسلم ‪.‬‬

‫ولقد أهللا ـ ـ ــاب ح َّس ـ ـ ـان من اَّ ـ ـ ــرك مقتالً‪ ،‬حينما شع َّشريهم ابلتهلِي عن اللِواء‪ ،‬وإقدام امر ٍأة‬
‫ِ‬
‫أقدمت امرأة عل ما نش شكلوا‬ ‫منهم عل حلت‪ ،‬وهذا يتض ـ ـ ـ ـ َّـمن وهللا ـ ـ ـ ــفهم ابجل ْ ِ‬
‫ب ال َّ ـ ـ ـ ـ ـديد‪ ،‬حيث‬
‫عنت(‪.)2‬‬

‫واَّا قالت يف شأن شعمرة بنت علقمة احلارثيَّة‪ ،‬ورفعها اللِواء‬


‫ِ (‪)3‬‬
‫مات احلشو ِاج‬
‫ِج شداية ِش ـ ـ ـرٍك معلِ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ت إِلشْيـنشا شكأشنَّـ ـ شـها‬ ‫إِ شذا ع ِ‬
‫ضل ْيـ شق ْ‬ ‫شش‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬ ‫ب ِم ْن ِ‬
‫كل شجان‬ ‫وح ْايشانهم ابلضَّر ِ‬
‫ْ‬ ‫أقش ْمنش ـ ـا شي ْم طش ْعن ـ ـاً مبِرياً منش ِكالً‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬
‫يباعون يف األ ْ شو ِاق بشـْي شع اجلشالئ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فش ْلوحش ل شواء احلشـا ِرثيَّـة أ ْ‬
‫هللا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبشلوا‬

‫السرية ‪ ،‬ص ‪ 252‬ـ ‪.253‬‬ ‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬


‫(‪ )2‬انظر التَّاري ال المي (‪.)21/5‬‬
‫ِ‬
‫الص ري من أوحد الظباء‪.‬‬
‫(‪ )3‬عضل ا م قبيلة ابن خايمية‪ .‬اجلداية َّ‬
‫(‪ )4‬مبرياً مهلكاً ومنكالً قامعاً يم ول ريهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬اجلالئ ما جيل إىل األ واق ليباي فيها‪.‬‬
‫‪838‬‬
‫وعندما أخذ اللِواءش من احلارثيَّة الم حب ي لب أيب طشْل شلةش ‪ -‬وكان لواء اَّ رك قد أخذه‬
‫هللاؤاب من احلارثيَّة ‪ -‬وقاتل بت قتاحً عنيفاً قتل عل أثره‪ ،‬فرم حسان بن اثب ٍ‬
‫ت أبياتت يف هذا‬
‫اَّو وي‪ ،‬فقال‬

‫اب‬ ‫فشـ شهـ ْر ْذ ِابلـلِـو ِاء شو ششـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـُّر فشـ ْهـ ٍر‬
‫لِـ ـ ـ ـ ـواء ِحـ ـ ـ ـ ـ ْ ش رَّد إىل هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـؤ ِ‬
‫ش‬
‫اب‬ ‫ش‬ ‫شجـ شعـ ْلـتـ ْم فشـ ْهـشركـ ْـم فِـْيـ ـ ـ ـ ِت بِـ شعـْبـ ـ ـ ـ ٍد‬
‫شألم مـ ـ ـ ـن يـ ـ ـ ـطشـ ـ ـ ـا شعـ ـ ـ ـ شفـ ـ ـ ـر الـ ـ ـ ـ ُّ ِ‬
‫شوأ ش ْ ش‬
‫ِ‬
‫ِ (‪) 1‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شواب‬ ‫ظشنشـْنـت ْم وال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِفْيـ ـ ـت لش ـ ـت ظنون‬
‫شوشمـ ـ ـا إِ ْن ذش شاك ِم ْن أ ْشم ِر ال َّ‬
‫مالك ر ي هللا عنت يف ِ‬
‫الرد عل بعض شعراء قريش‬ ‫واَّا قالت كع بن ٍ‬
‫( ‪)2‬‬
‫األلباب شم ْقبول‬ ‫ِ‬ ‫ص ـ ْدق ِعْن شد شذ ِوأ‬ ‫وال ِ‬ ‫ْأبِل ْ ق ـشريْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً شو شخ ْري ال شق ْوِل‬
‫أش ْهـ ـ ـ ـ شل الـلِـ شو ِاء فشـ ِفـْيـ شم ـ ـ ـا يشـ ْكـث ـر الـ ِقـْي ـ ـ ـل‬ ‫هللا ـ ـقشـ ـ ـْـدـ ـ ـ ـقشـتشـ ـْلـ ـنشـ ـاـ ـ ـ ـبِـ ـشـق ـْتـ ـ ـالشدقشانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـر ـ ـاتشـ ـ ـ ـكـتم‬
‫أش ْنْ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر ِمْي شك ـ ـ ـال شوِج ِْربيْ ـ ـ ـل‬ ‫ِ ِ‬
‫فْي ـ ـ ـت شم شع النَّ ْ‬ ‫شويشـ ْوشم بش ْد ٍر لشِقْيـنشاك ْم لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنشا شم شدد‬
‫وال شقْتـ ـل ِيف احل ِق ِعْنـ ـ شد هللا تشـ ْف ِ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـْيـ ـل‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫احلشِق فِطْشرتـنشـا‬ ‫وان فشـ ِديْن ْ‬ ‫إِ ْن تشـ ْقتـل ش‬
‫ِ (‪)3‬‬
‫ضـ ـ ـلْيل‬ ‫ف ال ْ ـ ـ ـالش شم تش ْ‬ ‫فشـشرأْأ شم ْن شخالش ش‬ ‫شوإِ ْن تشـشروا أ ْشمشران ِيف شرأْيِك ْم ش شفهاً‬

‫شوِم ْن أع ما قرأت يف اَّعركة العالميَّة ب اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬واَّ ـ ـ ـ ـ ــرك حماولة ـ ـ ـ ـ ـ ـرار بن‬
‫اخلطَّاب قبل إ ــالمت أن يفتهر ببد ٍر عل اعتبار النَّص ــر كان لر ــول هللا(ﷺ) واَّهاجرين‪ ،‬ويف‬
‫ذلك قولت‬
‫ِأبش ْح ـ ـ شد أشمس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ج ـ ـ ُّدكم وهو ظش ـ ـ ِ‬
‫اهر‬ ‫ش ْ ش ش‬ ‫ش ْش‬ ‫فش ـ ـَِ ْن تشظْ شفروا ِيف يشـ ْوِم بشـ ـ ْد ٍر فش ـ ـََّجشـ ـا‬
‫ش ـام ْو شن ِيف ال َّو ِاء شوالْ شم ْوت شح ـا ِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر‬ ‫شوِابل ـنَّ ـ شف ـ ِر األ ْخ ـيشـ ـ ـ ـا ِر ه ـ ْم أ ْشولِـيشـ ـ ـ ـايه‬
‫ت ذاكر‬ ‫شوب ْد شع ْن شعلِ ٍي شو ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش‬
‫ا شم ْن أشْن ش‬ ‫ي ـ ـ شعـ ـ ـ ـ ُّد أشبـ ـو بشـ ـ ْكـ ـ ٍر شوحشْـ ـشاية فِـ ـْيـ ـ ِهـ ـم‬
‫ب حا ـ ـ ـ ـر‬ ‫احلر ِ‬ ‫ِ‬
‫شو ش ـ ـ ـ ـ ْعد إذشا شما شكا شن ِيف ْشْ‬ ‫ص شوعثْ شمان ِمْنـهم‬ ‫شوي ْد شع أشبو شح ْف ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)87/3‬‬
‫(‪ )2‬األلباب العقول‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬حبن ه ام (‪.)164/3‬‬
‫‪839‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫بـنو األشو ِس والنَّ َّ ا ِر ِح ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ شف ِ‬
‫اخر‬ ‫ْش‬ ‫ش ْ‬ ‫ئك حش شم ْن نشـ ـ ـ ـتَّ ش ت ِم ْن ِد شَي ِرها‬
‫أولش ش‬
‫قبلية‪ ،‬تقوم عل مفاهيم جاهليَّ ٍة‪ ،‬ولقد أجابت كع ر ي هللا عنت‬ ‫حويا إىل ل ة ٍ‬ ‫وهكذا َّ‬
‫لشت شم ْع ِقل ِمْنـه ْم شع ِاييْـاي شو شان ِهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـر‬ ‫األوس شح ْولشت‬ ‫وفينا ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا و ْ‬
‫ميْس ـ ـ ـو شن ِيف اَّأ شذ والنَّـ ْقع شاثئِر‬ ‫ت لِشوائِـ ـ ِت‬
‫و شْع بشِ النَّ َّ ـ ـا ِر شْحت ـ ـ ش‬
‫إىل أن قال‬
‫َّإجا أشنْت ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫احر‬ ‫ش ش‬ ‫فشولَّوا وقالوا‬ ‫شوشكا شن شر ْول هللاِ قش ْد قش شال أشقْبِلوا‬
‫شحَّ ـ ـت النَّ ـ ـار شز ِاجر‬ ‫س أل ْشم ٍر‬
‫ولشْي ش‬ ‫ألم ٍر شأر شاد هللا أش ْن يشـ ْهلِكوا بِـ ـ ـ ِت‬
‫ْ‬
‫كما أجابت بقولت‬

‫ت لِشوائِنش ـ ـا شوحمش َّم ـ ـد‬ ‫ِ‬


‫ج ِْربيْ ـ ـل شْحت ـ ـ ش‬ ‫شوبِيشـ ْوِم بشـ ـ ـ ـ ْد ٍر إِ ْذ نشـرُّد وج ْوشهه ْم‬
‫بيت قالتت العرب ‪ -‬كما قال هللااح العِقد الفريد(‪.)2‬‬ ‫وهو أفهر ٍ‬

‫***‬

‫(‪ )1‬انظر من مع ِ‬
‫السرية ‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫(‪ )2‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪840‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫أه يم األحداث ما بني ٍ‬
‫أحد واخلندق‬

‫األول‬
‫املبحث َّ‬
‫حماوالت املشركني لزعزعة َّ‬
‫الدولة اإلسالميَّة‬

‫حد م ـ ـ ِ عةً ألعداء َّ‬


‫الدولة ال ـ ــالميَّة عل مواجهتها‪ ،‬و ـ ــاد ال ُّ ـ ـعور لد‬ ‫كانت ايوة أ ٍ‬

‫األعراب اَّ ـ ـ ــرك نمكان مناوش ـ ـ ــة اَّس ـ ـ ــلم ‪ ،‬والتَّ لُّ عليهم‪ ،‬و َّادهت أنظار اَّ ـ ـ ــرك من‬
‫األعراب إىل ايو اَّدينة ح ــتئصــال شش ـأْفشتِهم(‪ ،)1‬وكســر شــوكتهم‪ ،‬فطمعت بنو أ ــد يف َّ‬
‫الدولة‬
‫ضل‬
‫ودرأت شع ش‬
‫ذس جلمع احل ود لكي يهاجم هبا اَّدينة‪َّ ،‬‬
‫ال الميَّة‪ ،‬وشري خالد بن فيان اي ُّ‬
‫وقارة(‪ )2‬عل خداي اَّس ــلم ‪ ،‬وقام عامر بن الطُّشفيل بقتل القَّراء الدُّعاة احمن ‪ ،‬وحاولت يهود‬
‫ش‬
‫ـول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فتص ـ َّـد يذه اَّاوحت اَّاكرة احلبي اَّص ــطف (ﷺ)‬
‫ب النَّض ــري أن ت تال ر ـ ش‬
‫ٍ‬
‫وتنفيذ ٍ‬
‫دقيق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وهطيا لي ٍم‪،‬‬ ‫فائقة‪ ،‬و يا ٍة ماهرةٍ‪،‬‬
‫اعة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬
‫أوالً‪ :‬طمع بين ٍ‬
‫أسد يف َّ‬
‫الدولة اإلسالميَّة‪:‬‬

‫َّب(ﷺ) بوا ـطة عيونت اَّنبثة يف اجلاييرة العربيَّة أخبار اح ـتعدادات الَّيت قام هبا بنو‬
‫بل ت الن َّ‬
‫أ ِد بن خايمية بقيادة طلشْيلة األ ِ‬
‫دأ من أجل ايو اَّدينة طمعاً يف خرياهتا‪ ،‬وانتصاراً ل ركهم‪،‬‬
‫ومظاهرةً لقريش يف عدوا‪،‬ا عل اَّسلم ‪ ،‬فساري النَّب(ﷺ) إىل ت كيل ر ٍية من ٍ‬
‫مئة وطس‬ ‫ُّ‬

‫(‪ )1‬ا تأهللال هللا ششأْفشـتشت أزالت من أهللالت‪.‬‬


‫(‪ )2‬عضل والقارة بطنان من ايون ‪( ،‬ايون) بن خايمية بن مدركة‪.‬‬
‫‪841‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اَّهايومي‪ ،‬وعقد لت لواءً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫رجالً من اَّهاجرين‪ ،‬واألنصار‪ ،‬و َّأمر عليهم أاب لمة بن عبد األ د‬
‫تنايل أرض ب أ ـ ــد‪ ،‬فأ ْر عليهم قبل أن تتالق عليك وعهم(‪ ،)2‬فس ـ ــار‬ ‫حض ش‬ ‫وقال لت ِ ـ ـ ـ ْر َّ‬
‫يلق عناءً يف‬ ‫اَّرم(‪ ،)3‬فأ ار عل أنعامهم ‪ِ ُّ ،‬‬
‫ففروا م ْن وجهت فأخذها‪ ،‬و ش‬ ‫إليهم أبو ـ ـ ـ ـ ـ ــلمةش يف َّ‬
‫يعد من ال َّسـابق إىل الميان‪ ،‬ومن‬ ‫ت ــتيت أعداء ال ــالم‪ ،‬وعاد إىل اَّدينة َّ‬
‫مظفراً‪ .‬وأبو ــلمةش ُّ‬
‫حد) فلم‬ ‫األول‪ ،‬وقد عاد من هذه ال ايوة متعباً إذ نـش شفر جرحت الَّذأ أهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــابت يف (أ ٍ‬
‫الرعيل َّ‬ ‫خرية َّ‬
‫حض مات(‪.)4‬‬
‫يلبث َّ‬
‫َّب(ﷺ) حيث‬
‫احلريب عند الن ِ‬ ‫ونللم يف هذه ال َّسـريَّة عدَّة أموٍر منها ِ‬
‫الدقَّة يف التَّهطيا ِ‬
‫َّفرق أعداءه قبل أن جيتمعوا‪ ،‬فذهلوا ايء ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة أيب ـ ـ ـ ـ ــلمة وهم يظنُّون َّ‬
‫أن اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم قد‬
‫نت‬ ‫أ ــعفتهم وقعة أ ٍ‬
‫ووشه ْ‬
‫ابلرع من اَّســلم ‪ ،‬ش‬ ‫حد‪ ،‬وأذهلْتهم عن أنفســهم‪ ،‬فأهللاــي اَّ ــركون ُّ‬
‫عايميتهم‪ ،‬وان ـ ـ ـ ـ ـ ـ لوا أبنفس ـ ـ ـ ـ ــهم عن مها ة اَّدينة‪ .‬وتظهر دقَّة اَّس ـ ـ ـ ـ ــلم يف َّ‬
‫الرهللا ـ ـ ـ ـ ــد ِ‬
‫احلريب‪،‬‬
‫ص ـ ـلي ‪ ،‬والطَّريق اَّنا ـ ــبة حيث وهللاـ ــلوا إىل األعداء قبل أن يعلموا عنهم‬
‫واختيارهم التَّوقيت ال َّ‬
‫ـيء ر م بـ ْع ِد اَّسـ ــافة‪ ،‬وكان هذا هو ُّ‬
‫أهم عوامل ُا اَّسـ ــلم يف هذه ال َّس ـ ـريَّة‪ ،‬وتركت‬ ‫أأ شـ ـ ٍ‬
‫َّ‬
‫معنوَيهتم‪ ،‬أح وهو قناعتهم بقدرة اَّسلم عل‬ ‫َّ‬ ‫السريَّة يف نفوس األعداء شعوراً مؤثِراً عل‬ ‫هذه َّ‬
‫اح ــتهفاء‪ ،‬والقيام ابحلروب اخلاطفة اَّفاجئة‪ ،‬الَّيت دعلهم ميتلئون رعباً منهم‪ ،‬ويتوقَّعون ال ارة‬
‫وقت‪ ،‬وهذا ال ُّعور حلهم عل احع ا بق َّوة اَّسلم ‪ ،‬ومساَّتهم(‪.)5‬‬ ‫أأ ٍ‬‫يف ِ‬

‫أنيس رضي هللا عنه له‪:‬‬ ‫ِّ‬


‫وتصدي عبد هللا بن ٍ‬ ‫يل‬
‫اثنياً‪ :‬خالد بن سفيان اهلُذ ي‬
‫ايذس ِ‬
‫جيمع اَّقاتلة من ه شذيْ ٍل و ريها يف عرفات‪ ،‬وكان يتهيَّأ ل ايو‬ ‫قام خالد بن ـ ـ ـ ـ ـ ــفيان ُّ‬
‫وتقرابً إليها‪ ،‬ودفاعاً عن عقائدهم الفا دة‪ ،‬وطمعاً يف‬ ‫اَّسلم فـ ــي اَّدينـ ــة مظاهرًة لقريـ ـ ٍ‬
‫ـش‪ُّ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر نضرة النعيم (‪.)313/1‬‬


‫(‪ )2‬انظر قراءة يا ية للسرية النبوية ‪ ،‬ص ‪ 162‬ـ ‪.163‬‬
‫(‪ )3‬انظر زاد اَّعاد (‪.)243/3‬‬
‫السرية ‪ ،‬لل اياس ‪ ،‬ص ‪.274‬‬ ‫(‪ )4‬فقت ِ‬
‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)23/6‬‬ ‫(‪ )5‬انظر التَّاري ال المي ‪،‬‬
‫‪842‬‬
‫عبد هللا بن أنشـْيس اجل شه َّ إليت بعد أن كلَّفت‬
‫لايب ش‬
‫صـ ـ ـ ـ َّ‬
‫خريات اَّدينة فأر ـ ـ ــل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ال َّ‬
‫مهمة قتلت(‪ ،)1‬وهذا عبد هللا بن أنيس ِدثنا بنفست‪ ،‬قال ر ي هللا عنت دعاين ر ول هللا(ﷺ)‪،‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫أن خالد بن ـ ــفيان بن نبي جيمع س النَّاس لي ايوين‪ ،‬وهو بعرنة‪ ،‬فائتت‪،‬‬ ‫فقال «إنَّت قد بل‬
‫حض أعرفت‪ ،‬قال «إذا رأيتت وجدت لت ق ش عريرًة»(‪.)2‬‬
‫ول هللا‪ ،‬انعتت َّ‬
‫فاقتلت»‪ ،‬قال قلت َي ر ش‬

‫حض وقعت عليت بعرنة مع ظش ْع ٍن يراتد َّ‬


‫ين منايحً‪ ،‬ح كان‬ ‫قال فهرجت متوشــلاً ــيفي‪َّ ،‬‬
‫وقت العصر‪ ،‬فلـ ـ ـ َّما رأيتت وجدت ما وهللاف س ر ول هللا من الق ش عريرة‪ ،‬فأقبلت حنوه‪ ،‬وخ يت‬
‫ص ـالة‪ ،‬فص ـلَّيت وأان أم ــي حنوه أومئ برأ ــي ُّ‬
‫الركوي‪،‬‬ ‫أن يكون بي وبينت حماولة ت ـ ل عن ال َّ‬
‫الس ود‪ ،‬فل ـ ـ ـ ـ َّـما انتهيت إليت قال شم ِن َّ‬
‫الرجل؟ قلت رجل من العرب مسع بك ‪ ،‬وقمعك يذا‬ ‫و ُّ‬
‫حض إذا أمكن‬
‫الرجل ‪ ،‬ف اءك يذا ‪ ،‬قال أجل أان يف ذلك ‪ ،‬قال فم ـ ـ ـ ـ ـ ــيت معت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً‪َّ ،‬‬‫َّ‬
‫حض قتلتت‪ ،‬مثَّ خرجت‪ ،‬وتركت ظعائنت مكبَّ ٍ‬
‫ات عليت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما قدمت عل‬ ‫حلت عليت ابل َّسـيف َّ‬
‫ر ول هللا(ﷺ) فراين‪ ،‬فقال «أفل الوجت»‪ ،‬قال قلت قتلتت َي ر ول هللا! قال « هللادقت»‪،‬‬
‫قال مثَّ قام معي ر ــول هللا فدخل يف بيتت‪ ،‬فأعطاين عص ـاً‪ ،‬فقال «أمســك هذه عندك َي عبد‬
‫هللا بن أنشـْيس!»‪.‬‬

‫قال فهرجت هبا عل النَّاس‪ ،‬فقالوا ما هذه العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا؟ قال قلت أعطانيها ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫هللا(ﷺ) ‪ ،‬وأمرين أن أمسـ ـ شكها‪ ،‬قالوا شأو ح ترجع إىل ر ــول هللا(ﷺ) فتس ــألت عن ذلك؟ قال‬
‫فرجعت إىل ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فقلت َي ر ـ ـ ــول هللا! ِش أعطيت هذه العص ـ ـ ــا؟ قال «آية بي‬
‫أقل النَّاس اَّهتصـ ــرون(‪ )3‬يومئذ يوم القيامة» فقر‪،‬ا عبد هللا بسـ ــيفت‪ ،‬فلم‬
‫وبينك يوم القيامة‪ ،‬إن َّ‬
‫[أمحد (‪ ،)496/3‬وأبو يعلى‬ ‫حض إذا مات أمر هبا‪ ،‬فضـ ـ َّـمت معت يف كفنت‪ ،‬مثَّ دفنا يعاً‪.‬‬
‫تايل معت‪َّ ،‬‬
‫(‪ ،)905‬وجممع الزوائد (‪ ،)203/6‬وأبو داود خمتصراً (‪.])1249‬‬

‫(‪ )1‬انظر نضرة النَّعيم (‪.)313/1‬‬


‫(‪ )2‬الـق عريرة ِ‬
‫الرعـدة‪.‬‬
‫(‪ )3‬اَّهتصرون ‪ ،‬أو اَّتهصرون واَّراد هنا رتون يوم القيامة ومعهم أعمال هللااحلة يتَّكئون عليها‪.‬‬
‫‪843‬‬
‫ودروس‪ ،‬وعربٌ؛ منوا‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ويف هذا اخلرب فوائ ُد‪،‬‬

‫احلرب‪:‬‬ ‫‪ - 1‬دقَّـة َّ‬


‫الرصد ِّ‬

‫حتركات األعداء‪،‬‬ ‫ِ‬


‫كان ر ـ ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) يعطي لل ان األم ِ أليَّتت‪ ،‬ولذلك كان يتابع ُّ‬
‫ُّ‬
‫ويعد بعد ذلك احللول اَّنا ـ ــبة للم ـ ــكالت‪ ،‬واألزمات يف وقتها اَّالئم‪ ،‬ولذلك ميهل خالد‬
‫ـتد ــاعده بل عمل عل القض ــاء عل الفتنة وهي يف َّأَيمها‬ ‫حض يكثر عت‪ ،‬وي ـ َّ‬‫بن ــفيان َّ‬
‫األوىل ٍ‬
‫حبايم‪ ،‬وبذلك حقَّق ل َّمة مكا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كبريةً‪ ،‬وقلَّل اخلس ـ ـ ـ ـ ـ ــائر اَّتوقَّعة من جميء خالد بن‬
‫عة يف ِاهاذ القرار‪.‬‬
‫احلريب‪ ،‬و ر ٍ‬
‫الرهللاد ِ‬ ‫يش ل ايو اَّدينة‪ ،‬وهذا العمل تاً لقدرٍة يف َّ‬ ‫فيان ق ٍ‬

‫َّب(ﷺ) يف اختيار ِّ‬


‫الرجال‪:‬‬ ‫اسةُ(‪ )1‬الن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ - 2‬فر َ‬
‫الرجــال‪ ،‬ومعرفـ ٍـة كبريةٍ لــذوأ الكفـاءات من‬
‫كــان(ﷺ) يتمتَّع بِفرا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة عظيمـ ٍـة يف اختيــار ِ‬

‫مهم ٍة شم ْن ينا ـ ـ ـ ـ ــبها‪ ،‬فيهتار للقيادة شم ْن جيمع ب ـ ـ ـ ـ ــداد َّ‬


‫الرأأ‪،‬‬ ‫لكل َّ‬ ‫أهللاـ ـ ـ ـ ــلابت‪ ،‬فكان خيتار ِ‬
‫ود شماثشِة(‪ )2‬اخللق‬‫وحس ــن التَّص ـ ُّـر وال َّ ـ ـ اعة‪ ،‬وخيتار للدَّعوة والتَّعليم شم ْن جيمع ب ايارة العلم‪ ،‬ش‬
‫واَّهـارة يف اجتـذاب النـَّاس‪ ،‬وخيتـار لل ِوفشـادة عل اَّلوك واألمراء شم ْن جيمع ب ح ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِن اَّظهر‪،‬‬
‫وفصــاحة اللِســان‪ ،‬و ــرعة البديهة‪ ،‬ويف األعمال الفدائيَّة خيتار شمن جيمع ب ال َّ ـ اعة الفائقة‪،‬‬
‫قوأ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ُّ‬
‫التلكم يف اَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعر ‪ .‬وقــد كــان عبــد هللا بن أنشـْيس اجل شه ُّ َّ‬ ‫وقوة القلـ ‪ ،‬واَّقــدرة عل‬
‫َّ‬
‫ص ـ ـفات العظيمة اليت َّأهلتت‬ ‫القل ‪ ،‬ثبت اجلنان‪ ،‬را ـ ـ اليق ‪ ،‬عظيم الميان(‪ ،)4‬وقان هذه ال ِ‬
‫اَّهمة‪ ،‬فهناك ـ ـ ـ ـ ـ ــب آخر‪ ،‬فقد كان ميتاز مبعرفة مواطن تلك القبائل ااورهتا دَير قومت‬
‫يذه َّ‬
‫«ج شهينة»(‪.)5‬‬

‫األمر فِشرا ش ةً أدرك ابطنشت ِ‬


‫ابلظن الصائ ‪.‬‬ ‫فرس ش‬ ‫(‪ )1‬ش‬
‫ث شد شماثشةً شودموثشةً ش ه شل خلقت‪.‬‬
‫(‪ )2‬شدم ش‬
‫(‪ )3‬انظر التاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)27/6‬‬
‫(‪ )4‬انظر حممد ر ول هللا ‪ ،‬لصادق عرجون (‪ 50/4‬ـ ‪.)51‬‬
‫(‪ )5‬انظر ايوة أحد ‪َّ ،‬مد ابطيل ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪844‬‬
‫‪ - 3‬املكافأة على هذا العمل أخروية‪:‬‬
‫تكن اَّكــافــأة عل هــذا العمــل العظيم اجلرأء‪ ،‬مـ ِ‬
‫ـادي ـةً دنيويَّـةً ‪ -‬كمــا يتمنـَّاه الكثري اَّن‬
‫يقوم ابَّهمات ال َّاقَّة يف جيوش العا قدمياً‪ ،‬وحديثاً ‪ -‬بل كانت أمس من ذلك‪ ،‬وأعظم فهي‬
‫ص ـ ـ ـلابة ر ـ ــي هللا عنهم و ـ ــائر اَّتَّق ح‬ ‫ٍ‬
‫أخروأ قليل شم ْن ينالت(‪ ،)1‬فقد كان ال َّ‬ ‫و ـ ــام ش ـ ــر ٍ‬
‫ينتظرون جاياء يف الدُّنيا ‪ -‬ولو حصـ ـ ـ ــلوا عل شـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـيء من متاي الدُّنيا فَنَّت ح يعترب عندهم شـ ـ ـ ــيئاً‬ ‫ً‬
‫أنيس تلك العصـا الَّيت‬ ‫كبرياً َّ‬
‫وإجا ينتظرون جاياءهم يف ا خرة‪ ،‬ويذا كانت مكافأة عبد هللا بن ٍ‬
‫يدل عل ِ‬
‫علو مكانتت يف ا خرة(‪.)2‬‬ ‫تكون عالمةً بينت وب ر ول هللا(ﷺ) يوم القيامة‪ ،‬وهذا ُّ‬

‫‪ - 4‬بعض األحكام الفقويَّة‪:‬‬

‫تضمن هذا اخلرب بعض األحكام‪ ،‬والفوائد منها (هللاالة الطَّال )‪ .‬قال اخلطَّ ُّ‬
‫ايب واختلفوا‬ ‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـلِ شي إمياءً‪ ،‬وإذا كان‬
‫يف هللاـ ـ ـ ـ ـ ــالة الطَّال ‪ ،‬فقال عوام أهل العلم إذا كان مطلوابً كان لت أن ي ش‬
‫طالباً نايل إن كان راكباً‪ ،‬وهللا ـ ـ ـ ـلَّ ابألرض راكعاً‪ ،‬و ـ ـ ــاجداً(‪ ،)3‬وكذلك قال ابن اَّنذر(‪َّ ،)4‬أما‬
‫قل الطَّالبون عن اَّطلوب وانقطع الطَّالبون عن‬ ‫َّافعي ف رط شرطاً ي طت ريه‪ ،‬قال إذا َّ‬ ‫ال ُّ‬
‫أهللالاهبم‪ ،‬فيهافون عودة اَّطلوب عليهم‪ ،‬فَذا كان هكذا كان يم أن يصلُّوا يومئون إمياءً‪.‬‬

‫قصة عبد هللا بن أنيس(‪.)4‬‬ ‫قال اخلطَّ ُّ‬


‫ايب وبعض هذه اَّعاين موجودة يف َّ‬
‫وقد ذكر بدر العي يف عمدة القارأ مذاه الفقهاء يف هذا الباب‪ ،‬فعند أيب حنيفة إذا‬
‫الرجل مطلوابً فال أبس بصـ ـ ـ ـ ـ ــالتت ـ ـ ـ ـ ـ ــائراً‪ ،‬وإن كان طالباً فال‪ ،‬وقال مالك‪ ،‬و اعة من‬
‫كان َّ‬
‫احد منهما يصلِي عل دابَّتت‪.‬‬ ‫كل و ٍ‬
‫أهللالابت لا واء‪ُّ ،‬‬

‫السراَي والبعوث النبوية ‪ ،‬ص ‪ 159‬ـ ‪.160‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫التاري ال المي ‪ ،‬لللميدأ (‪.)29/6‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السنن ‪ ،‬للهطَّايب (‪ )42/2‬عل نن أيب داود ‪ ،‬حاشية رقم (‪.)1‬‬ ‫معا ُّ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪845‬‬
‫َّورأ‪،‬‬
‫افعي يف آخرين كقول أيب حنيفة‪ ،‬وهو قول عطاء‪ ،‬واحلسـ ــن والث ُّ‬
‫اعي‪ ،‬وال َّ ـ ـ ُّ‬
‫وقال األوز ُّ‬
‫َّافعي إن خا الطَّال فوت اَّطلوب أومأ‪ ،‬وإحَّ فال(‪.)1‬‬
‫وأحد‪ ،‬وأيب ثور‪ .‬وعن ال ِ‬

‫َّب(ﷺ) ‪:‬‬
‫‪ - 5‬جواز االجتواد يف زمن الن ِّ‬

‫َّب(ﷺ) فعبــد هللا بن أنيس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنــت َّأداه اجتهــاده أن‬ ‫جيوز احجتهــاد يف زمن الن ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة عند شـ ـ ـ ـ ـ ــدَّة اخلو‬
‫يدل عل جواز ال َّ‬ ‫يصـ ـ ـ ـ ـ ــلِي هذه ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة‪ ،‬و ينكر عليت(ﷺ) اَّا ُّ‬
‫ابلمياء(‪.)2‬‬

‫َّب(ﷺ)‬ ‫حشك فيت َّ‬


‫ألن عبد هللا بن أنيس فعل ذلك يف حياة الن ِ‬ ‫َّ‬ ‫وهذا اح تدحل هللالي ‪،‬‬
‫َّب(ﷺ) يطَّلع عليت(‪.)3‬‬ ‫‪ ،‬وذلك زمن الوحي‪ ،‬وحمال َّ‬
‫أن الن َّ‬
‫‪ِّ - 6‬م ْن دالئل الن َّ‬
‫يبوة‪:‬‬

‫حض َّ‬
‫إن‬ ‫ايذس لعبد هللا بن أنشيس وهللاــفاً دقيقاً دون أن يراه‪َّ ،‬‬
‫خالد بن ــفيان َّ‬
‫ف(ﷺ) ش‬ ‫هللا ـ ش‬
‫شو ش‬
‫رد عل ر ول هللا(ﷺ) متع باً ‪ -‬كما وقع يف رواية الو ِ‬
‫اقدأ ‪َ -‬ي ر ول هللا!‬ ‫ابن أنيس عندما َّ‬
‫ما فش ِرقْت(‪ )4‬من ٍ‬
‫شيء ُّ‬
‫قا‪ ،‬قال لت ر ول هللا(ﷺ) «بل ‪ ،‬آية ما بي وبينت أن دد لت ق ش عريرةً‬
‫صـفة الَّيت ذكر ر ـول هللا(ﷺ) ‪،‬‬‫ذس عل ال ِ‬
‫خالد اي َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫إذا رأيتت »‪ ،‬وقد وجد عبد هللا بن أنيس ش‬
‫يقول عبد هللا فلما رأيتت هبتت‪ ،‬وفش ِرقْت منت‪ ،‬فقلت هللادق هللا‪ ،‬ور ولت(‪.)6‬‬

‫ذيل‪:‬‬ ‫‪ - 7‬ما قاله عبد هللا بن أُنيس من ِّ‬


‫الشعر يف قتله خلالد اهلُ ِّ‬
‫نشـوائِ تشـ ْف ِرأ كـ َّل جيـ ٍ م شقـد ِ‬
‫َّد‬ ‫تشـشرْكت ابْ شن ثـش ْوٍر كاحل شوا ِر شو شح ْولشت‬
‫شْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫ِأبشبـيض ِمن م ِاء احلدي ِد اَّه ن ِ‬
‫َّد‬ ‫تشـ ـ ــنش شاولْتت والظُّ ْعن شخ ْل ِفي شو شخ ْل شفت‬
‫ْش ش ْ ش ش ْ ش‬

‫(‪ )1‬انظر عمدة القارأ شر هللالي البهارأ (‪.)263/6‬‬


‫السراَي والبعوث ‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫(‪ )2‬انظر َّ‬
‫(‪ )3‬انظر عون اَّعبود ‪ ،‬للعظيم اابدأ (‪.)129/4‬‬
‫اشتد خوفت ‪ ،‬فهو فش ِرق‪.‬‬
‫(‪ )4‬فش ِر شق فرقاً جايي و َّ‬
‫(‪ )5‬انظر م ازأ الواقدأ (‪.)532/2‬‬
‫للبيهقي (‪ )41/4‬من رواية مو بن عقبة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُّبوة ‪،‬‬
‫(‪ )6‬انظر دحئل الن َّ‬
‫‪846‬‬
‫س فشا ِر ش اً ش ْ شري قـ ْعد ِد‬
‫أ ششان ابْن أنشـْي ٍ‬ ‫أشقول لشت شوال َّس ـْيف يشـ ْع م شرأْ ش ـت‬
‫َّب حمش َّم ـ ـ ِد‬
‫ف شعلش ِديْ ِن النِ ِ‬ ‫حنِْي ٍ‬
‫ش‬ ‫اج ٍد‬‫وقـ ْلت لشت خ ْذها بِض ـرب ِة م ِ‬
‫ش ش ْش ش‬ ‫ش‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ليت ِابللِس ِ‬
‫ان شوابليشد‬ ‫ش‬
‫بـ ْقت إِ ِ‬
‫شش‬ ‫َّب بِ شك ـ ـ ـافِ ٍر‬
‫شوكْن ـ ـ ـت إِ شذا شه َّم النِ ُّ‬

‫الرجيع(‪:)2‬‬
‫ارة‪ ،‬وفاجعة َّ‬
‫ضل وال َق َّ‬
‫اثلثاً‪ :‬غدر قبيليت َع ُ‬
‫الرجيع فيمــا بينهــا كثرياً حول ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ الَّـذأ من أجلــت بعــث‬
‫اختلفــت مروَيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّـة َّ‬
‫البهارأ أبنَّت إجا بعث عيناً لت مع اَّعلومات‬ ‫ُّ‬ ‫َّب(ﷺ) هذه ال َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريَّة‪ ،‬ويف الوقت الَّذأ يورد‬
‫الن ُّ‬
‫ـليلة ورد فيها أنَّت ِ‬
‫قدم عل‬ ‫ٍ‬
‫مروَيت أخر أب ـ ـ ـ ـ ــانيد هللا ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫فَن‬ ‫عن ِ‬
‫العدو [البخاري (‪َّ ،])4086‬‬
‫ضريـَّ ـ ـ ــتش ـ ـ ـ ـ ْ ِ إىل اَّدينة وقالوا « َّ‬
‫إن فينا إ الماً‪،‬‬ ‫ر ول هللا(ﷺ) رها من قبيليت عضل‪ ،‬وال شق َّارة اَّ ش‬
‫يفقهوننا‪ ،‬ويقرئوننا القرآن ويعلِموان شـ ـرائع ال ــالم»(‪ )3‬ويظهر‬ ‫فابعث معنا نفراً من أهللا ــلابك ِ‬
‫ٍ‬
‫خلالد ابن ـ ـ ـ ــفيان ِ‬
‫ايذس‪ ،‬فل أت إىل اخلديعة‬ ‫َّ‬
‫أن قبيلة هذيل قد ـ ـ ـ ــعت للثَّأر من اَّس ـ ـ ـ ــلم‬
‫ت إىل‬ ‫اقدأ(‪َّ )4‬‬
‫أبن السـب هو أن ب حليان ‪ -‬وهم حي من ه شذيل ‪ -‬شم ش ـ ْ‬ ‫وال در‪ .‬وقد جايم الو ُّ‬
‫ض ـ ـل‪ ،‬وال شق َّارة‪ ،‬وجعلت يم ج ْعالً ليهرجوا إىل ر ـ ــول هللا(ﷺ) ويطلبوا منت أن خيرً معهم شم ْن‬
‫شع ش‬
‫الدين‪ ،‬فيكمنوا يم‪ ،‬ور روهم‪ ،‬ويصيبوا هبم شناً يف َّ‬
‫مكة(‪.)5‬‬ ‫ويفقههم يف ِ‬ ‫يدعوهم إىل ال الم‪ِ ،‬‬

‫[البخاري‬ ‫الر ـ ـ ـ ــول(ﷺ) هذه ال َّس ـ ـ ـ ـ ـريَّة الَّيت تتألَّف من ع ـ ـ ـ ــرةٍ من ال َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـلابة‬ ‫وهكذا بعث َّ‬
‫حض إذا كانوا ب عسفان َّ‬
‫ومكة أ ار‬ ‫(‪ ،])3989‬وجعل عليهم عاهللام بن اثبت بن األقل أمرياً‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫بنو حليان ‪ -‬وهم قري من مئيت مقاتل ‪ ،-‬فأجلؤوهم إىل ٍتل مرتفع بعد أن أحاطوا هبم من كل‬
‫ذمة كاف ٍر(‪،)6‬‬
‫جان ‪ ،‬مث أعطوهم األمان من القتل‪ ،‬ولكن قائد السـ ـ ـرية أعلن رفض ـ ــت أن ينايل يف َّ‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)143/4‬‬


‫الرجيع ا م مو ع من بالد هذيل‪ .‬وينظر ال كل (‪ )5‬يف الصفلة (‪.)749‬‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )3‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للواقدأ (‪ 354/1‬ـ ‪.)355‬‬
‫(‪ )4‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر نضرة النَّعيم (‪.)314/1‬‬
‫(‪ )6‬اَّصدر السابق نفست‪.‬‬
‫‪847‬‬
‫وقال عاهللام بن اثبت ِإين نذرت أح أقبل جوار م ٍ‬
‫رك أبداً‪ ،‬ف عل عاهللام يقاتلهم‪ ،‬وهو يقول‬
‫( ‪)1‬‬
‫النَّـْب ـ ـل شوالْ شق ْوس شيشـ ـا بشالبِ ـ ـل‬ ‫شمـ ـ ـ ـا ِعـلَّـيت شوأ ششان شجـ ْلـ ـ ـ ـد شانبِـ ـ ـ ـل‬
‫اَّ ـ ْوت شح ـق واحلشـيشـ ـ ـ ـاة شاب ِطـ ـ ـ ـل‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ْف شلتِ شها اَّ شعابل‬
‫ش‬ ‫تش ِايُّل شع ْن‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫ِابَّ ـ ـ ـ ـ ْرِء واَّ ـ ـ ـ ـ ْرء إِلشـ ـ ـ ـْي ـ ـ ـ ـ ِت ائـ ـ ـ ــل‬ ‫شوكـ ـ ـ ـ ُّل شمـ ـ ـ ـا شح َّم(‪)3‬الل ـ ـ ــت شان ِزل‬
‫ش ( ‪ )4‬ش‬
‫إِ ْن شْ أقشـ ـاتِْلك ْم فشـ ـأ ِمي شه ـ ـابِـ ـل‬
‫حض ك ِسـ ـ ـ ـر رحمت‪ ،‬وبقي ال َّسـ ـ ـ ـيف فقال‬ ‫ابلرم َّ‬ ‫حض فنيت نبلت‪ ،‬مثَّ طاعنهم ُّ‬ ‫فرماهم ابلنـَّْبل َّ‬
‫جيردون ك َّل شم ْن قتِل ِم ْن أهللا ـ ـ ـ ــلابت‪،‬‬ ‫فاح ِم س حلمي آخره! وكانوا ِ‬ ‫اللهم شحشْيت دينشك َّأول ‪،‬ارأ‪ْ ،‬‬
‫قاتل‬ ‫ِ‬
‫فكسر ْم شد يفت‪ ،‬مثَّ ش‬
‫حض قتِل‪ ،‬وقد شجشر ش رجل وقشتل واحداً‪ ،‬وكان يقول وهو يقاتل‬ ‫َّ‬
‫شوشك ـ ـا شن قشـ ْوِمي شم ْع ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراً كِشرامـ ــا‬ ‫أشبو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلشْيمـ ـ ــا شن شوِمثْلِي شرامي‬
‫حض قتلوه‪ ،‬وكانت ـ ـ ـالفة بنت ـ ــعد بن ال ُّ ـ ـ ـ شهْيد قد قتِل زوجها‬ ‫مثَّ ش ـ ــرعوا فيت األ ـ ـ ـنَّة َّ‬
‫وبنوها أربعة‪ ،‬قد كان عاهللاــم قتل منهم اثن احلارث‪ ،‬ومســافعاً‪ ،‬فنذرت لئن أمكنها هللا منت أن‬
‫انقة‪ ،‬قد علمت بذلك‬ ‫قلف(‪ )5‬رأ ـ ـ ـ ــت اخلمر‪ ،‬وجعلشت َّن جاء برأس عاهللاـ ـ ـ ــم مئة ٍ‬‫ت ـ ـ ـ ــرب يف ِ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫العرب‪ ،‬وعلمتت بنو حليان‪ ،‬فأرادوا أن ُّتايوا رأس عاهللا ـ ـ ـ ـ ــم ليذهبوا بت إىل ـ ـ ـ ـ ـالفةش بنت ـ ـ ـ ـ ــعد‬
‫انقة‪ ،‬فبعث هللا تعاىل عليهم الدَّبْر(‪ )6‬فلمْتت‪ ،‬فلم يش ْدن إليت أحد إح لد ت‬ ‫ليأخذوا منها مئة ٍ‬
‫ألحد بت‪ ،‬فقالوا دعوه إىل اللَّيل‪ ،‬فَنَّت إذا جاء اللَّيل‬ ‫وجهت‪ ،‬وجاء منها ش ـ ـ ـ ـ ـ ــيء كثري ح طاقة ٍ‬

‫ذه عنت الدَّبْر‪ ،‬فلما جاء اللَّيل بعث هللا عليت ـ ــيالً ‪ -‬و يكن يف ال َّس ـ ـماء ـ ـلاب يف وجت‬
‫من الوجوه ‪ ،-‬فــاحتملــت‪ ،‬فــذه ـ بــت فلم ي ِ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلوا إليــت‪[ .‬البيوقي يف الــدالئــل (‪ ،)328/3‬وابن هشـ ـ ـ ـ ـ ــام‬
‫ش‬

‫(‪ )1‬بالبل ع بلبلة وبلبال ‪ ،‬وهو شدَّة ايم‪.‬‬


‫(‪ )2‬اَّعابل ع معبلة ‪ ،‬وهو نصل طويل عريض‪.‬‬
‫(‪ )3‬شح َّم قدَّر‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر م ازأ ‪ ،‬الواقدأ (‪.)355/1‬‬
‫(‪ )5‬القلف اجلايء األعل من اجلم مة‪.‬‬
‫الاينبار ‪ ،‬وهي ح رة أليمة اللَّسع) ‪ ،‬والنَّلل‪.‬‬
‫الايانبري ( ع ِ‬
‫(‪ )6‬الدَّبر َّ‬
‫‪848‬‬
‫(‪.)1(])180/3‬‬
‫ـبعة من أفراد ال َّسـ ـ ـ ـ ـريَّة ابلنـَّب ِل‪ ،‬مثَّ أعط األعراب األما شن من ٍ‬
‫جديد‬ ‫لقد قتِل عاهللا ـ ـ ـ ــم يف ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫ري أ َّ‪،‬م رعان ما ــدروا هبم بعد ما َّ‬
‫َتكنوا منهم‪ ،‬وقد قاومهم عبد هللا‬ ‫للثَّالثة الباق ‪ ،‬فقبلوا‬
‫بن طــارق فقتلوه‪ ،‬واقتــادوا احثن إىل م َّك ـة‪ ،‬ولــا خبي ـ ‪ ،‬وزيــد بن الــدَّثنـَّة فبــاعول ـا لقريش‬
‫ٍ (‪)2‬‬

‫وكان ذلك يف هللافر نة ‪ 4‬هـ(‪.)3‬‬

‫فأما خبشـْي فقد اش ـ ـ ـ ـ ـ اه بنو احلارث بن عامر بن نوفل‪ ،‬ليقتلوه ابحلارث الذأ كان خبي‬
‫قد قتلت يوم بدر‪ ،‬فمكث عندهم أ ـ ـ ـ ـرياً‪ ،‬حض إذا أ عوا قتلت ا ـ ـ ــتعار مو ش ـ ـ ـ ـ من بعض بنات‬
‫ـب يا‪ ،‬فدرً ف لس عل فشهذه‪ ،‬ففايعت اَّرأة‬ ‫احلارث ليس ـ ـ ـ َّ‬
‫ـتلد هبا‪ ،‬فأعارتت‪ ،‬و فلت عن هللا ـ ـ ـ ٍ‬
‫لئال يقتلت انتقاماً منت‪ ،‬فقال خبي أه ـ ش أن أقتلت؟! ما كنت ألفعل ذلك إن شــاء هللا تعاىل‪،‬‬
‫قا خرياً من خبي لقد رأيتت ركل من قطف عن وما مبكة‬ ‫فكانت تقول ما رأيت أ ـ ـ ـ ـ ـ ـرياً ُّ‬
‫يومئذ شرة‪ ،‬وإنت َّوثق يف احلديد وما كان إح رزق شرشزقشت هللا‪ ،‬فهرجوا بت من احلرم ليقتلوه‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫دعوين أهللاـ ـ ِـل ركعت ‪ ،‬مثَّ انصـ ــر إليهم‪ ،‬فقال لوح أن تقولوا َّ‬
‫إن ما يب شجشايي من اَّوت لايدت‪،‬‬
‫الركعت عند القتل هو(‪ ،)4‬مثَّ قال «الله َّم أحص ــهم عدداً‪ ،‬واقتلهم بشدداً(‪،)5‬‬ ‫فكان َّأول شم ْن ـ َّـن َّ‬
‫وح تـْب ِق منهم أحداً» [البخاري (‪ ،)3989‬والبيوقي يف الدالئل (‪ ،)325 - 324/3‬وابن هشـ ـ ـ ـ ــام (‪ ])182 - 181/3‬مثَّ‬
‫قال‬

‫قشـبشـ ـ ـ ـائِشل ه ْم شوا ْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشت ْ شم عوا كـ ـ ـ ـ َّل شْجم شم ِع‬ ‫لشـ شقـ ـ ـ ـ ْد أش ْ شـ شع األ ْحـشاياب شحـ ْوِس شوألَّـبـوا‬
‫ألين ِيف شو شاث ٍق مبش ْ‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيش ـ ـ ـ ـ ِع‬ ‫شع ـ ـ ـ ـلش ـ ـ ـ ـ َّي ِ‬ ‫شوكـلُّـهــم مـْب ـ ـ ـ ِدأ الـ شعـ ـ ـ ـ شداوة شجـ ـ ـ ـا ِهـ ـ ـ ـد‬
‫شوق ـ ـ ِربْـ ـ ـ ـت ِم ـ ـ ْن ِجـ ـ ـ ـ ْذ ٍي طشـ ـ ِويْـ ـ ـ ـ ٍل اشـ ـنَّـ ـ ِع‬ ‫شوقشـ ـ ـ ـ ْد قشـَّربوا أبْـنشـ ـ ـ ـاءشهم شونِ شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاءشه ْم‬

‫(‪ )1‬انظر اَّ ازأ ‪ ،‬للو ِ‬


‫اقدأ (‪.)356/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفصيل ذلك كلِت يف هللالي البهارأ ‪ ،‬كتاب اَّ ازأ ‪ ،‬ابب ايوة َّ‬
‫الرجيع ٍ‬
‫ورعل وذكوا شن وبئر معونة‪ ،‬وحديث عضل وال شق َّارة وعاهللام بن‬
‫اثبت‪ ،‬وخبي وأهللالابت‪ ،‬رقم (‪ )4086‬وما بعده‪.‬‬
‫السرية ‪ ،‬حبن حايم ‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫(‪ )3‬جوامع ِ‬
‫الصليلة (‪.)399/1‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫متفرق يف القتل واحداً بعد و ٍ‬
‫احد‪.‬‬ ‫َّد ال َّيء فشـَّرقت ‪ ،‬بدداً ِ‬‫(‪ )5‬بد ش‬
‫‪849‬‬
‫ص ـ ـشر ِع ْي‬ ‫ِ‬
‫األحشاياب س عْن شد شم ْ‬ ‫هللاـ ـ ـ شد ْ‬ ‫شوشما ْأر ش‬ ‫إىل هللاِ أ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكو ْربشِيت بشـ ْع ـ ـ شد ك ْربش ْيت‬
‫ِ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِ ْربين شعلش شما يـشراد ِ ْيب‬
‫س(‪ )1‬شمطْ شمعي‬ ‫فشـ شق ْد بشضَّعوا شحلْمي شوقش ْد شَي ش‬ ‫الع ْر ِش ش‬ ‫ف شذا ش‬
‫اأ ِم ْن ش ِْري شْجمشايِي‬ ‫ت شعْيـنش ـ ـ ـ ش‬ ‫فشـ شق ـ ـ ـ ْد شذ شرفش ـ ـ ـ ْ‬ ‫شوقشـ ـ ـ ـ ْد شخ َّريوين الكفر واَّ ْوت د ْونشـ ـ ـ ـت‬
‫ش‬
‫ِ‬
‫شوإِ َّن إىل شرِيب شإَييب شوشم ـ ـ ـ ـ ـ ْرج ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ت ِإين لش شميِـ ـ ـت‬ ‫وم ـ ـ ـا ِيب ح ـ ـ ـ شذا ِر اَّو ِ‬
‫شْ‬ ‫شش ْ ش‬
‫صـ ـ ـ ـ ـ ـشر ِعي‬ ‫شأ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍق شكا شن ِيف هللا شم ْ‬
‫علش أ ِ ِ‬
‫ش‬ ‫شولش ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت أ شابس ِح ْ ش أقْـتشل م ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلِماً‬
‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِال ِش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ٍو اشَّايِي‬ ‫ات الل ـ ِـت شوإِ ْن يش ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأْ‬ ‫ك يف ذش ِ‬ ‫ِ‬
‫يـبشـ ـ ـا ِرْك شعلش أ ْشو ش‬ ‫شوذشل ـ ـ ش‬
‫(‪) 2‬‬
‫شوحش شج ـ ـشايع ـ ـ ـاً إِِين إىل هللا شم ـ ـ ْرِج ـ ـع ــي‬ ‫فشـلش ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ِمبْب ـ ـ ٍد لِْل شع ـ ـد ِو شهش ُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـاً‬
‫حممداً عندان يضـ ـ ــرب عنقت وأنَّك يف أهلك؟ فقال ح‬ ‫أن َّ‬ ‫فقال لت أبو ـ ــفيان أيس ـ ـ ـُّرك َّ‬
‫حممداً يف مكانت الَّذأ هو فيت تصـيبت شــوكة تؤذيت(‪ .)3‬مثَّ قتِل‪،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫وهللا! ما يس ُّـرين ِأين يف أهلي‪ ،‬و َّ‬
‫أ‪ ،‬فاحتملت قذعت ليالً‪ ،‬فذه‬ ‫َّم ِر ُّ‬
‫وهللالبوه‪ ،‬ووَّكلوا بت شم ْن رس جثَّـتشت‪ ،‬ف اء شع ْمرو بن أميَّة الض ْ‬
‫بت‪ ،‬ودفنت(‪ )4‬و َّأما زيد بن الدَّثِنَّة‪ ،‬فاشـ ـ ـ ـ اه هللا ـ ـ ــفوان بن أميَّة وقتلت أببيت أميَّة بن خلف الَّذأ قتل‬
‫ببدر‪ ،‬وقد ـ ــألت أبو ـ ــفيان قبل قتلت أن ـ ــدك هللا َي زيد! أحت ُّ َّ‬
‫أن حممداً ا ن عندان مكانك‬
‫حممداً ا ن يف مكانت الَّذأ هو فيت‬ ‫تض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب عنقت وأنت يف أهلك؟ فقال وهللا ما أح ُّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫ُّ‬ ‫تص ـ ـ ـ ــيبت ش ـ ـ ـ ــوكة تؤذيت ِ‬
‫وإين جالس يف أهلي‪ .‬فقال أبو ـ ـ ـ ــفيان ما رأيت من النَّاس أحداً‬
‫حمم ٍد َّ‬
‫حممداً ‪ .‬وقد ع ِرفت هذه احلادثة اَّف عة َّ‬ ‫أحداً كل ِ أهللاــلاب َّ‬
‫(‪)5‬‬
‫ابلرجيع‪ ،‬نســبةً إىل ماء‬
‫الرِجيع الَّذأ حصلت عنده‪.‬‬
‫َّ‬

‫(‪َ )1‬يس ل ة يف يئس‪.‬‬


‫الرجيع)‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر زاد اَّعاد (‪ ، )245/3‬وفت البارأ (شر حديث رقم ‪ ، )4086‬و رية ابن ه ام (ذكر يوم َّ‬
‫(‪ )3‬اَّصدر السابق نفست (‪ 245/3‬ـ ‪.)246‬‬
‫السابق نفست‪.‬‬ ‫(‪ )4‬اَّصدر َّ‬
‫للر ول هللال هللا عليت و لم)‪.‬‬
‫الصليلة (‪ ، )400/2‬و رية ابن ه ام (مقتل ابن الدَّثنَّة ومثل من وفائت َّ‬ ‫(‪ )5‬انظر ِ‬
‫السرية النَّبويَّة َّ‬
‫‪850‬‬
‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد؛ منوا‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ويف هذه احلادثة‬

‫‪ - 1‬فوائد ذَ َكرها ابن حجر‪:‬‬


‫أن ل ـ ـ ــري أن ميتنع من قبول األمان‪ ،‬وح ِ‬
‫ميك شن من نفسـ ـ ــت ولو قتل أنـش شفةً‬ ‫«ويف احلديث َّ‬
‫من أن جيرأ عليت حكم كاف ٍر‪ ،‬وهذا إذا أراد األخذ ابل ِ ـ ـ ـدَّة‪ ،‬فَن أراد األخذ ُّ‬
‫ابلرخص ـ ــة فلت أن‬
‫َّورأ أكره ذلك‪ .‬وفيت الوفاء‬
‫ـرأ ح أبس بذلك‪ ،‬وقال ـ ــفيان الث ُّ‬‫يس ـ ــتأمن‪ .‬قال احلس ـ ــن البص ـ ـ ُّ‬
‫التوري عن قتل أوحدهم‪ ،‬والتلطُّف مبن أريد قتلت‪ ،‬وإثبات كرامة األولياء‪،‬‬
‫للم ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ابلعهد‪ ،‬و ُّ‬
‫ص ـالة عند القتل‪ ،‬وفيت إن ــاء ال ِ ـ ـعر‪ ،‬وإن ــاده عند القتل‪،‬‬
‫والدُّعاء عل اَّ ــرك ابلتَّعميم‪ ،‬وال َّ‬
‫ودحلة عل َّقوة يق خبي ‪ ،‬وشدَّتت يف دينت‪.‬‬

‫وفيت َّ‬
‫أن هللا يبتلي عبده اَّؤمن مبا شاء كما بق يف علمت‪ ،‬ليثيبت‪ ،‬ولو شاء ربُّك ما فعلوه‪،‬‬
‫ابلتأمل‪َّ .‬‬
‫وإجا‬ ‫وفيت ا ـ ـ ــت ابة دعاء اَّس ـ ـ ــلم‪ ،‬وإكرامت حياً وميتاً‪ ،‬و ري ذلك من الفوائد اَّا يظهر ُّ‬
‫ا ــت اب هللا لت ِم ْن حاية حلمت من اَّ ــرك ‪ ،‬و مينعهم من قتلت َّا أراد من إكرامت ابل َّ ـهادة‪،‬‬
‫ومن كرامتت حايتت ِم ْن هتك حرمتت بقطع حلمت»(‪.)1‬‬

‫حَّت املوت‪:‬‬
‫‪ - 2‬بني التَّسليم‪ ،‬والقتال َّ‬

‫العدو أن ميتنع ِم ْن قبول األمان‪ ،‬وح مي ِكن من نفسـ ــت‬


‫أن ل ـ ــري يف يد ِ‬ ‫يسـ ـ ُّ‬
‫ـتدل اَّا ـ ــبق َّ‬
‫ولو قتـل ترفعـاً عن أن جيرأ عليـت حكم كـاف ٍر‪ ،‬كمـا فعـل عـاهللا ـ ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬فـَن أراد ال َّ ُّخص فلـت أن‬
‫مؤمالً اخلالص‪ ،‬كما فعل خبي ‪ ،‬وزيد ولكن لو قدر األ ـ ـ ـ ــري عل‬ ‫يسـ ـ ـ ــتأمن‪ ،‬م قباً الفرهللاـ ـ ـ ــة ِ‬
‫ايرب لايمت ذلك يف األهللاـ ـ ـ ـ ‪ ،‬وإن أمكنت إظهار دينت بينهم َّ‬
‫ألن األ ـ ـ ــري يف يد الكفار مقهور‬
‫مهان‪ ،‬فكان من الواج عليت هليص نفست ِم ْن هوان األ ر‪ ،‬ورقِت(‪.)2‬‬

‫وه ــذا احل ــدث يفت أمام اَّسلم ابابً وا عاً يف التَّعامل مع األحداث يف اختيارهم األ ر‬

‫ٍ‬
‫شيء»‪.‬‬ ‫(‪ )1‬فت البارأ ‪ ،‬شر حديث رقم (‪ ، )4086‬فقرة «فلم يقدروا منت عل‬
‫(‪ )2‬انظر فقت ِ‬
‫السرية ‪ ،‬للبوطي ‪ ،‬ص ‪ 188‬ـ ‪.189‬‬
‫‪851‬‬
‫حض اَّوت مــا دام الطَّـال ـ ح يطلبهم بعـ ٍ‬
‫ـدل‪ ،‬ومــا‬ ‫إذا طلبوا مظلوم ‪ ،‬أو اختيــارهم القتــال َّ‬
‫السلطة ري إ الميَّة(‪.)1‬‬
‫دامت ُّ‬
‫َّب(ﷺ) ‪:‬‬
‫‪ - 3‬تعظيم سنَّة الن ِّ‬

‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وكيف أن خبشـْيباً مع أنَّت يف أ ـ ـ ــر‬


‫صـ ـ ـ ـلابة لسـ ـ ـ ـنَّة الن ِ‬
‫ويف احلديث يظهر تعظيم ال َّ‬
‫اَّ رك ‪ ،‬ويعلم‬

‫ـنَّة اح ـتلداد‪ ،‬وا ـتعار‬ ‫أنَّت ـيقتل ب ع ـيَّ ٍة‪ ،‬أو ـلاها‪ ،‬ومع ذلك كان حريصـاً عل‬
‫ال ِسـ ـ ـ ِك لذلك‪ ،‬ويف هذا تذكري لِ شم ْن يس ـ ــته بكث ٍري من ال ُّسـ ـ ـنن‪ ،‬بل والواجبات حب َّ ة أنَّت ح‬
‫األمة‪ ،‬ويف الواقع ح منافاة ب تعظيم‬‫َتر هبا َّ‬ ‫ينب ي أن ين ـ ـ ـ ـ ـ ل اَّس ـ ـ ـ ــلمون بذلك للظُّرو الَّيت ُّ‬
‫السنَّة والدُّخول يف شرائع ال الم كافَّةً(‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫‪ - 4‬اإلسالم ينتزع ال در‪ ،‬واألحقاد‪:‬‬

‫عندما ا ــتعار خبي مو ـ ـ ِم ْن بعض بنات احلارث ليس ـ َّ‬


‫ـتلد هبا‪ ،‬فأعارتت قالت اَّرأة‬
‫حض أاته‪ ،‬فو ــعت عل فهذه فلما رأيتت فش ِاي ْعت منت فشايعةً عر‬
‫ـب س‪ ،‬شد شر شً إليت َّ‬
‫ف فلت عن هللا ـ ٍ‬
‫ذلك م ِ ‪ ،‬ويف يده اَّو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ ،‬فقال أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ أن أقتلت؟ ما كنت ألفعل ذلك إن ش ـ ـ ـ ـ ــاء هللا‪.‬‬
‫[البخاري (‪.)3(])4086‬‬

‫مي‪ ،‬فقد قال‬


‫الرو ‪ ،‬وهللاــفاء النَّفس‪ ،‬واحلتايام ابَّنهت ال ــال ِ‬ ‫يدل عل ِ‬
‫مسو ُّ‬ ‫إنَّت موقف رائع ُّ‬
‫تعاىل ﴿ شوحش تش ِاير شوا ِزشرة ِوْزشر أ ْخشر ﴾ [اإلســ ـ ـ ـ ـراء‪.]15 :‬إ نَّت الوفاء يتعلَّمت النَّاس اَّن در هبم َّ‬
‫فَن‬
‫الرخاء‪ ،‬وال ِ دَّة(‪.)4‬‬
‫اح تقامة طبيعة لوك اَّسلم يف حاليت َّ‬
‫ويف قول خبي ٍ ر ـ ـ ــي هللا عنت (ما كنت ألفعل إن ش ـ ـ ــاء هللا) ي ـ ـ ــري هذا األ ـ ـ ــلوب يف‬

‫حو (‪.)622/2‬‬ ‫السنَّة ‪ ،‬لسعيد َّ‬ ‫األ اس يف ُّ‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫ِ‬
‫وقفات تربويَّة مع السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ألحد فريد ‪ ،‬ص ‪.234‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫هللالي ِ‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫السرية ‪ ،‬ص ‪.259‬‬ ‫من مع ِ‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪852‬‬
‫أن هذا الفعل ري و ٍ‬
‫ارد‪ ،‬وح متص ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـوٍر‪ ،‬وح هو يف احلس ـ ـ ـ ـ ـ ــبان‪ ،‬يف هذا الظَّر‬ ‫العريب إىل َّ‬
‫البيان ِ‬
‫ـلي الوفاء‪،‬‬
‫لكن اَّبدأ األهللاـ َّ‬ ‫احلا ــم‪ ،‬الَّذأ قد يتعلَّق فيت اح ــتثناء َّوقع ال َّ‬
‫ض ـرورة‪ ،‬وإنقاذ اَّ شه ِت‪َّ ،‬‬
‫الكف عن الرباء ح تنهض لت هذه احعتبارات اَّوهومة(‪ ،)1‬وهذا مثل من عظمة َّ‬
‫الصلابة ر ي‬ ‫و ُّ‬
‫هللا عنهم ح يطبِقون أخالق ال ــالم عل أنفس ــهم مع أعدائهم ‪ -‬وإن كانوا قد ظلموهم ‪،-‬‬
‫وهذا دليل عل وعيهم‪ ،‬وكمال إميا‪،‬م(‪.)2‬‬

‫الصحابة‪:‬‬
‫َّب(ﷺ) عند َّ‬
‫حب الن ِّ‬
‫‪ -5‬ي‬
‫أوفر‪ ،‬ذل ــك َّ‬
‫أن اَّبَّـ ـة شرة اَّعرف ــة‪ ،‬وهم‬ ‫ِ‬ ‫إن َّ‬
‫َّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ــاب ــة من حبـ ـت(ﷺ) ك ــان أذَّ‪ ،‬و ش‬
‫حم ال َّ‬
‫بقدره(ﷺ) ‪ ،‬ومنايلتت أعلم‪ ،‬وأعر ِم ْن ريهم‪ ،‬فبالتَّاس كان حبُّهم لت(ﷺ) أش َّد‪ ،‬وأكرب(‪.)3‬‬
‫الرجيع يظهر هذا احل ُّ يف احلوار ايادئ ب أيب ـ ـ ـ ـ ــفيان‪ ،‬وب ز ٍ‬
‫يد ابن الدثنَّة‬ ‫يف حادثة َّ‬
‫حممداً ا ن عندان مكانك تضرب عنقت‪ ،‬وأنَّك يف أهلك؟ فقال‬ ‫إذ قال لت أبو فيان أحت ُّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫حممداً ا ن يف مكانت الَّذأ هو فيت تص ـ ـ ـ ـ ـ ــيبت ش ـ ـ ـ ـ ـ ــوكة ِ‬
‫وإين جالس يف‬ ‫زيد وهللا! ما أح ُّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫أهلي(‪ .)4‬وهذا احل ُّ من الميان‪ ،‬فقد قال(ﷺ) «ثالث شم ْن ك َّن فيت وجد حالوة الميان شم ْن‬
‫وم ْن يكره أن يعود يف‬
‫وم ْن أح َّ عبداً ح بُّت إح هلل‪ ،‬ش‬
‫كان هللا ور ـ ـ ـولت أح َّ إليت اَّا ـ ـ ـوالا‪ ،‬ش‬
‫الكفر بعد إذ أنقذه هللا كما يكره أن يلق يف النَّار» [البخاري (‪ ،)21‬ومسلم (‪.])43‬‬

‫ذم بين ِّحلْيَان‪:‬‬


‫حسان يف ِّ‬
‫‪ - 6‬ممَّا قاله َّ‬
‫حسان ر ي هللا عنت ب عره ِ‬
‫يعرب عن‬ ‫الرجيع أتثُّراً ابل اً‪ ،‬وكان َّ‬
‫أتثَّر اَّسلمون مبقتل أهللالاب َّ‬
‫ـتلق اَّد مدحت‪ ،‬فقال يف ه اء ب‬
‫وم ْن يس ـ ُّ‬
‫ـتلق اي اء‪ ،‬ه اه‪ ،‬ش‬
‫حال اَّس ــلم ‪ ،‬فمن يس ـ ُّ‬
‫ِحلْيان‬

‫هللاور وعرب من اجلهاد النَّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‬


‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)38/6‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫التَّاري ال َّ‬ ‫(‪ )2‬انظر‬
‫حممد التَّميمي (‪.)314/1‬‬
‫حقوق النَّب هللال هللا عليت و لمعل َّأمتت ‪ ،‬د‪َّ .‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‬
‫هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬
‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‬
‫‪853‬‬
‫الرجيع فشسل عن دا ِر ِحلي ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فشائْت َّ ْ ش ش ْ ش ْ ش ْش‬ ‫اً لشت‬ ‫إ ْن ـ َّـرشك ال ش ْدر هللا ـ ْرفاً ح ماي ش‬
‫القرد والنْس ـ ـ ـ ـان ِمثْ ِ‬
‫الن‬ ‫ِ‬ ‫هللاـ ـ ـ ـ ـ ـوا ِأبش ْك ِل اجلشا ِر بشـْيـنشـهم‬
‫ش‬ ‫فشال شك ْل و ْ‬ ‫قشـ ْوم تشـ شوا ش‬
‫شوشكا شن شذا شش ـشر ٍ فِْي ِه ْم شو شذا شش ـان‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫لشـ ْو يش ـْن ـ ِط ـق ال ـتَّ ـْي ـس يش ـ ْومـ ـ ـ ـاً قش ـ ـ ـ شام‬
‫شخي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْم‬
‫رابعاً‪ :‬طمع عامر بن الطيَف ْيل يف املسلمني وفاجعة بئر معونة (‪4‬هـ)‪:‬‬
‫عامر بن الطُّفيل زعيم من زعماء ب عام ٍر‪ ،‬كان ِ‬
‫متكرباً مت طر ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬طامعاً يف اَّلك‪ ،‬وكان‬
‫َّب(ﷺ) ـ ـ ـ ـ ــو تكون لت ال لبة عل اجلاييرة العربيَّة ولذلك جاء هذا اَّ ـ ـ ـ ـ ــرك إىل‬ ‫أن الن َّ‬ ‫ير َّ‬
‫السهل‪ ،‬وس أهل اَّ شد ِر‪ ،‬أو‬ ‫خريك ب ثالث خصا ٍل أن يكون لك أهل َّ‬ ‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬وقال لت أ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫ش‬
‫أكو شن خلي شفتشـ ـك‪ ،‬أو أ ايوك أبه ــل شطشف ــان أبلف أش ـ ـ ـ ـ ـ ــقر وألف ش ـ ـ ـ ـ ـ ــقراء [البخــاري (‪،])4091‬‬
‫عم عامر‬ ‫فرفض(ﷺ) تلك اَّطال اجلاهليَّة‪ ،‬وجاء إىل اَّدينة م ِ‬
‫الع األ ـ ـ ـ ـنَّة ـ ـ ــيِد ب عامر ُّ‬
‫َّب(ﷺ) ال ـ ـ ــالم‪ ،‬فلم ي ْسـ ـ ـ ـلِم‪ ،‬و يشـْبـع ْد‬ ‫ِ‬
‫َّب(ﷺ) شهديَّةً‪ ،‬فعرض عليت الن ُّ‬ ‫بن الطُّ ْفيل‪ ،‬وقدَّم إىل الن ِ‬
‫ُد‪ ،‬رجوت أن يست يبوا‬ ‫من ال الم‪ ،‬وقال َي حممد! لو بعثت رجاحً من أهللالابك إىل أهل ٍ‬
‫ش‬
‫الع األ ـ ـنَّة (أبو براء) أان‬ ‫ُد‪ ،‬قال م ِ‬‫لك‪ ،‬فقال ر ـ ــول هللا(ﷺ) ِإين أخ ـ ـ عليهم أهل ٍ‬

‫بقوم فيهم اَّنذر بن عمرو‪ ،‬وهو الَّذأ‬ ‫ُد من شـ ـ ـ ـ ـ ــئت‪ .‬فبعث إليهم ٍ‬
‫ٍ‬
‫يم جار‪ ،‬فابعث إىل أهل ش ْ‬
‫يقال لت الْم ْعنِق لِيشموت(‪ ،)2‬أو أعنق اَّوت‪ ،‬فا ـ ـ ـ ـ ـ ــت اش(‪ )3‬عليهم عامر بن الطُّفيل ب عامر‪،‬‬
‫الع ش األ نَّة‪ ،‬فا ت اش عليهم ب لشيم‪ ،‬فأطاعوه‪ ،‬فأتبعهم‬ ‫فأبوا أن يطيعوه‪ ،‬وأبوا أن خيفروا م ِ‬
‫بقري من مئة رجل رٍام‪ ،‬فأدركهم ببئر شمعونة‪ ،‬فقتلوهم إح عمرو بن أميَّة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر البداية والنِهاية (‪.)70/4‬‬


‫ي إىل ال َّهادة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬اَّعنق ليموت أأ اَّسري ‪ ،‬وإجا لق ش بذلك ألنَّت أ ر ش‬
‫(‪ )3‬ا ت اش طل يم اجليش و عت‪.‬‬
‫الرجيع) ‪ ،‬والبهارأ (األحاديث من ‪ 4086‬إىل ‪ ، )4096‬وانظر‬ ‫السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪ ، 322‬و رية ابن ه ام (ذكر يوم َّ‬ ‫(‪ )4‬انظر هللالي ِ‬
‫شرحها يف الفت ‪ ،‬ففيها تفصيالت وفوائد كثرية ‪ ،‬وكذا مسلم (كتاب المارة ‪ ،‬ابب ثبوت اجلنَّة لل َّهيد ‪ ،‬رقم ‪.)677‬‬
‫‪854‬‬
‫َّب(ﷺ) ‪ ،‬فقالوا أن ابعث معنا‬ ‫أنس ر ـ ـ ـ ـ ـ ــي هللا عنت قال جاء انس إىل الن ِ‬‫ومن حديث ٍ‬
‫رجاحً يعلِموان القرآن‪ ،‬وال ُّس ـ ـ ـنَّة‪ .‬فبعث إليهم ـ ـ ــبع رجالً من األنص ـ ـ ــار‪ ،‬يقال يم القَّراء‪ ،‬فيهم‬
‫خاس شحشرام‪ ،‬يقريون القرآن‪ ،‬ويتدار ــون ابللَّيل يتعلَّمون‪ ،‬وكانوا ابلنَّهار جييئون ابَّاء فيضــعونت يف‬
‫َّب(ﷺ)‬ ‫اَّس ـ ـ ـ د‪ ،‬و تطبون‪ ،‬فيبيعونت‪ ،‬وي ـ ـ ـ ـ ون بت الطَّعام ألهل ال ُّ‬
‫صـ ـ ـ ـفَّة‪ ،‬وللفقراء‪ ،‬فبعثهم الن ُّ‬
‫فعشر وا يم‪ ،‬فشـ شقتشـلوهم‪ ،‬قبل أن يشـ ـ ْـب ـ ــل وا اَّكا شن‪ ،‬فقالوا اللهم بشـلِ ْ عنا نبيَّنا َّأان قد لشِقيناك‪،‬‬
‫إليهم‪ ،‬ش‬
‫فر ينا عنك‪ ،‬ور يت عنَّا‪.‬‬

‫أنس ِم ْن خلفــت‪ ،‬فطعنــت بِرْم ٍ َّ‬


‫حض أشنْـ شفـ شذه‪ ،‬فقــال حرام فـ ْايت‬ ‫قــال وأت رجــل حرامـاً خــال ٍ‬
‫وإ‪،‬م قالوا اللهم بشـلِ ْ‬
‫إن إخوانكم قد قتلوا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ورب الكعبة‪ ،‬فقال ر ـ ـ ــول هللا(ﷺ) ألهللا ـ ـ ــلابت « َّ‬
‫عنا نبيَّنا أان قد لقيناك‪ ،‬فر ـ ــينا عنك‪ ،‬ور ـ ــيت عنَّا» [أمحد (‪ ،)416/1‬ومس ــلم (‪ ،)677‬والبيوقي يف‬
‫الدالئل (‪.])344/3‬‬

‫دروس‪ ،‬وعربٌ‪ ،‬وفوائد؛ منوا‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫ويف هذه احلادثة املؤملة‪ ،‬والفاجعة املفجعة‬

‫البد َّ‬
‫للدعوة من تضحيات‪:‬‬ ‫‪َّ - 1‬‬
‫رأينا كيف ش شدر حلفاء ه شذيل أبهللاـ ـ ــلاب َّ ِ‬
‫ب(ﷺ)‬ ‫الرجيع من الق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـراء‪ ،‬الَّذين أر ـ ـ ــلهم النَّ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫القراء‪ ،‬الَّـذين‬
‫َّ‬ ‫الرجيع‪ ،‬وهــا هنــا عــامر بن الطُّفيــل ي ــدر ابل َّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبع‬ ‫معلِم ‪ِ ،‬‬
‫ومفقه يف ايوة َّ‬
‫رهيبة ٍ‬
‫دنيئة‪ ،‬وذلك يف يوم بئر معونة‪.‬‬ ‫ا تنفروا للدَّعوة إىل هللا‪ ،‬والتَّفقيت يف دين هللا‪ ،‬يف جمايرة ٍ‬

‫حض إنَّت‬‫كت هذه اَّصـ ـ ـ ــائ يف نفس ر ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) آاثراً ائرًة‪ ،‬بعيدة األعماق‪َّ ،‬‬ ‫وقد تر ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ت هللاش‪ ،‬ور ـولشت(ﷺ)‬‫لبث شــهراً يـ ْقنت يف هللاــالة الف ر داعياً عل قبائل ـلشيم الَّيت عص ـ ِ‬
‫شش‬ ‫ْ‬ ‫ش‬
‫عباس ر ـ ــي هللا عنهما قال قنت ر ـ ــول هللا(ﷺ) شـ ــهراً متتابعاً يف الظُّهر‪ ،‬والعصـ ــر‪،‬‬ ‫فعن ابن ٍ‬
‫الركعة‬‫كل هللاــالة‪ ،‬إذا قال «مسع هللا َّن حده» من َّ‬ ‫صـب ‪ ،‬يف دبر ِ‬ ‫واَّ رب‪ ،‬والع ــاء‪ ،‬وهللاــالة ال ُّ‬
‫ويؤمن شم ْن خلفت‪[ .‬أمحد‬ ‫ٍ‬
‫أحياء من ب ـ ـ ـ ـ ـلشيم عل ِر ْع ٍل وذش ْكوا شن وعصـ ـ ـ ـ ـيَّةش ِ‬ ‫األخرية‪ ،‬يدعو عل‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫(‪ ،)302 - 301/1‬وأبو داود (‪ ،)443‬وابن خزمية (‪.])618‬‬

‫(‪ )1‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬


‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪855‬‬
‫قال أنس بن ٍ‬
‫مالك ر ـ ــي هللا عنت وذلك بدء القنوت‪ ،‬وما كنَّا نشقنت‪ ،‬و ـ ــأل رجل أنس ـ ـاً‬
‫[البخاري‬ ‫الركوي‪ ،‬أو عند فر ٍاغ من القراءة‪ ،‬قال ح‪ ،‬بل عند فر ٍاغ من القراءة‪.‬‬
‫عن القنوت أبعد ُّ‬
‫(‪.)1(])4088‬‬

‫يفت يف شعضـ ِد اَّســلم ‪ ،‬وح ف َّ من حيَّتهم يف الدَّعوة إىل هللا‪ ،‬وح كســر من‬
‫َّ‬ ‫لكن ذلك‬
‫إن‬ ‫ألن مص ـ ــللة الدَّعوة فوق األنفس و ِ‬
‫الدماء بل َّ‬ ‫عايمهم يف مواهللا ـ ــلة الدَّعوة‪ ،‬وخدمة دين هللا‪َّ ،‬‬
‫الدعوة ح يكت يا النَّص ــر إذا تـب شذ ْل يف ــبيلها األروا ‪ ،‬وح ش ــيء ِ‬
‫ميكن َّ‬
‫للدعوة يف األرض‬ ‫ْ‬
‫الصالبة يف مواجهة األحداث‪ ،‬واألزمات‪ ،‬وا خاص التَّضليات من أجلها‪.‬‬
‫مثل َّ‬
‫إن الدَّعوات بدون قو ‪ ،‬أو تضـ ــليات‪ ،‬يوشـ ــك أن تكون مبثابة فلسـ ــفات‪ ،‬وأخي ٍلة‪ ،‬تلفُّها‬
‫َّ‬
‫الايمن‪.‬‬
‫الكت ‪ ،‬وترويها األ اطري‪ ،‬مثَّ تطْ شو مع َّ‬
‫ضـ ـ ـ ـهمة عن دين هللا‪ ،‬والدَّعوة إليت‪،‬‬ ‫الرجيع وبئر معونة‪ ،‬تـب ِ‬
‫ص ـ ـ ـراننا ابَّس ـ ـ ــؤولية ال َّ‬ ‫إن حادثيت َّ‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫ص ـ ـ ش أعيننا(‪ )2‬جاذً من التَّض ــليات العظيمة الَّيت قدَّمها ال َّ‬
‫ص ـ ـلابة الكرام ر ــي هللا‬ ‫و ــعت ن ْ‬
‫عنهم‪ ،‬من أجل عقيدهتم‪ ،‬ودينهم‪ ،‬ومر اة رِهبم‪.‬‬

‫للراحة شناً‪َّ ،‬‬


‫وإن للم د وال ُّس ـ ـ ـ ـ ـلطان شناً‪ ،‬وشن هذه الدَّعوة دم زكي‬ ‫إن لل َّس ـ ـ ـ ـ ـعادة شناً‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬ ‫َّ‬
‫يراق يف بيل هللا‪ ،‬من أجل حتقيق شري هللا ونظامت‪ ،‬وتثبيت معا دينت عل وجت البسيطة(‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬فزت ِّ‬
‫ورب الكعبة‪:‬‬

‫حض خرً من‬ ‫ظهره َّ‬


‫ش‬ ‫هللا ــاح الكلمة حرام بن ِم ْللا شن ر ــي هللا عنت‪ ،‬فعندما اخ ق ُّ‬
‫الرْم‬
‫يتلق الدَّم بيديت‪ ،‬وميس ـ بت وجهت‪ ،‬ورأ ــت‪ ،‬وقال فايت ِ‬
‫ورب الكعبة‪[ .‬البخاري‬ ‫هللاــدره‪ ،‬وأهللاــب َّ‬
‫(‪.])4092‬‬

‫الصلابة يف ذلك ‪ ،‬والظَّاهر‬


‫فالصلي أنت قبل الركوي ‪ ،‬وقد اختلف عمل َّ‬
‫الركوي ‪ ،‬و َّأما ل ري احلاجة َّ‬
‫أن القنوت لللاجة بعد ُّ‬‫(‪ )1‬وحاهللال اَّسألة َّ‬
‫أنَّت من احختال اَّبا ‪.‬‬
‫أعيننا أأ أمامنا‪.‬‬
‫صش ْ‬ ‫(‪ )2‬ن ْ‬
‫َّبوأ يف اَّدينة ‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫(‪ )3‬انظر هللاور وعرب من اجلهاد الن ِ‬
‫‪856‬‬
‫إن هذا اَّ ــهد جيعل أقسـ ـ القلوب‪ ،‬وأعظمها حت ُّ راً يتأثَّر‪ ،‬ويس ــتصـ ـ ر نفس ــت أمام هؤحء‬
‫َّ‬
‫السكينة‬ ‫ص شفُّر وجوههم فايعاً من اَّوت‪ ،‬وإجا يعلوها البِ ْ ر و ُّ‬
‫السرور‪ ،‬وت اها َّ‬ ‫العظماء الَّذين ح تش ْ‬
‫والطُّمأْنينة(‪.)1‬‬

‫اارد عن الميان جعل شجبَّار بن‬ ‫الرائع الَّذأ ح يتص ـ ـ ـ َّـوره العقل الب ـ ـ ـ ُّ‬
‫ـرأ َّ‬ ‫وهذا اَّنظر البديع َّ‬
‫ـ ـ ــلم ‪ ،‬وهو الَّذأ طعن حرام بن مللان يتس ـ ـ ــاءل عن قول حرام «فايت ِ‬
‫ورب الكعبة» وهذا‬
‫إن اَّا دعاين إىل ال ـ ــالم ِأين طعنت رجالً منهم ٍ‬
‫يومئذ برم ب‬ ‫جبَّار ِدثنا بنفسـ ــت‪ ،‬فيقول َّ‬
‫كتفيت‪ ،‬فنظرت إىل ِ ـ ـ ـنشان ُّ‬
‫الرم ح خرً من هللا ـ ــدره‪ ،‬فس ـ ــمعتت يقول «فايت ِ‬
‫ورب الكعبة!»‬
‫حض ـ ـ ــألت بعد ذلك عن قولت‪ ،‬فقالوا‬
‫الرجل؟! َّ‬
‫فقلت يف نفسـ ـ ــي ما فاز‪ ،‬ألسـ ـ ــت قد قتلت َّ‬
‫لل َّهادة‪ .‬فقلت فاز لش شع ْمر هللا! فكان بباً ل المت‪[ .‬البيوقي يف الدالئل (‪.)2(])353/3‬‬

‫وهذا اَّوقف اخلارق للعادة يدعونـا للتَّسايل هل يتعرض ال َّهيد أل اَّوت؟‬

‫وأتتينا الجابة ال َّ ـ ـ ـ ـ ـافية من ر ـ ـ ـ ـ ــول هللا(ﷺ) الَّذأ ح ينطق عن ايو يف قولت «ما جيد‬
‫[الرتمذي (‪ ،)1668‬والنسـ ـ ـ ـ ــائي‬ ‫مس القتل إح كما جيد أحدكم من شم ِ‬
‫س ال شق ْرهللا ـ ـ ـ ـ ـ ـةش»‬ ‫ال َّ ـ ـ ـ ـ ـ ـهيد من ِ‬
‫(‪ ،)36/6‬وابن ماجه (‪.])2802‬‬

‫هللاـ ـ ـة عند هللا‪ ،‬ف اياء الثَّمن الباهم الَّذأ يدفعت‪ ،‬وهو روحت رخيصـ ـ ـةً يف‬ ‫فلل ـ ــهيد منايلة خا َّ‬
‫كل‬
‫ـت جوائاي‪ُّ ،‬‬ ‫وجل ‪ ،-‬يبهسـ ـ ـ ـ ــت احلكم العدل حقَّت‪ ،‬فكافأه مكافأ ًة بسـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫عاي َّ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ــبيل هللا ‪َّ -‬‬
‫واحدةٍ منها تعدل الدُّنيا وما فيها‪ ،‬فعن اَّقدام بن معد يكرب ر ـ ـ ــي هللا عنت قال قال ر ـ ـ ــول‬
‫دفعة من دمت‪ ،‬ويشر مقعده من‬ ‫ـال ي شفر لت يف َّأول ٍ‬ ‫هللا(ﷺ) «لل َّ ـ ـ ـهيد عند هللا ِ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ت خص ـ ـ ـ ٍ‬
‫اجلنـَّة‪ ،‬وجي ـار من عــذاب القرب‪ ،‬ورمن من الفايي األكرب‪ ،‬و شلَّ حلَّ ـة الميــان‪ ،‬وي َّايوً من احلور‬
‫الع ‪ ،‬وي فَّع يف بع إنساانً من أقاربت» [الرتمذي (‪ ،)1663‬وابن ماجه (‪.)3(])2799‬‬

‫ِ‬
‫لللميدأ (‪.)50/6‬‬ ‫المي ‪،‬‬
‫(‪ )1‬انظر التَّاري ال ِ‬
‫(‪ )2‬انظر رية ابن ه ام (حديث بئر معونة) ‪ ،‬وفت البارأ (شر حديث رقم ‪ )4092 ، 4091‬ففيت فوائد كثرية‪.‬‬
‫(‪ )3‬اجلامع ألحكام القران (تفسري ا ية ‪ 171‬من ورة ال عمران)‪.‬‬
‫‪857‬‬
‫الَّذأ رل بت يوم القيامة وج ْرحت كهيئتت يوم‬ ‫هذا ابل ـ ـ ـ ــافة إىل الو ـ ـ ـ ــام اَّميَّاي اَّ ـ ـ ـ ـ َّـر‬
‫الري ري اَّسك» [الرتمذي (‪.])1656‬‬ ‫ج ِر «اللَّون لون الدَّم‪ ،‬و ِ‬

‫أن حياة ال ُّهداء ح تنتهي مب َّرد موهتم‪ ،‬بل هم أحياء يرزقون‪ ،‬ويتنعمون عند رِهبم(‪.)1‬‬ ‫كما َّ‬
‫شحيشـاء ِعْن ـ شد شرهبِِ ْم يـ ْرشزقو شن ﴾‬ ‫ب الَّـ ِذين قتِلوا ِيف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبِيـ ِـل َِّ‬
‫اَّلل أ ْشم شو ًاات بشـ ْل أ ْ‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫قــال تعــاىل ﴿ شوحش شْحت شس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش َّ‬
‫[آل عمران‪.]169 :‬‬

‫َّب(ﷺ) لل يب‪:‬‬
‫‪ - 3‬عدم معرفة الن ِّ‬

‫أن الَّر ـ ـ ـ ـ ـ ــول(ﷺ) ح يعلم ال ي ‪ ،‬كما‬ ‫الرجيع‪ ،‬و ريلا تدحَّن عل َّ‬ ‫إن حادثيت بئر شمعونة و َّ‬ ‫َّ‬
‫وجل ‪﴿ -‬ق ْل حش أ ْشملِك لِنشـ ْف ِس ـ ـي نشـ ْف ًعا شوحش ش ـ ـًّرا إِحَّ‬ ‫دلَّت عل ذلك أدلَّة أخر منها قولت ‪َّ -‬‬
‫عاي َّ‬
‫اخلشِْري شوشما شم َّسـ ِ ش ال ُّسـوء إِ ْن أ ششان إِحَّ نش ِذير شوبش ِ ـري‬
‫اَّلل شولش ْو كْنت أ ْشعلشم الْ شْي ش حش ْ ـتش ْكثشـ ْرت ِم شن ْ‬
‫شما ششـاءش َّ‬
‫لِشق ْوٍم يـ ْؤِمنو شن ﴾ [األعراف‪.]188 :‬‬

‫الر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واَّالئكــة ح يعلمون من ال يـ إح مــا‬ ‫عاي وجـ َّـل ‪ -‬وحــده عــا ال يـ ‪ ،‬و ُّ‬ ‫فــاهلل ‪َّ -‬‬
‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شح ًدا ۝ إِحَّ شم ِن ْارتش ش‬
‫وجل ﴿ شعا الْ شْي ِ فشالش يظْ ِهر شعلش شْيبِت أ ش‬ ‫علَّمهم رُّهبم ‪َّ -‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عاي َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هللا ًدا ﴾ [اجلن‪.]27 - 26 :‬‬ ‫شر ول فشَِنَّت يش ْسلك م ْن بشْ ِ يش شديْت شوم ْن شخ ْلفت شر ش‬
‫‪ - 4‬الوفاء ابلعود‪:‬‬

‫رأ ر ي هللا عنت أ رياً يف بئر شمعونة‪ ،‬ول ـ ـ َّـما علم عامر بن الطُّشفيل‬
‫َّم ُّ‬
‫وقع عمرو بن أميَّة الض ْ‬
‫وجاي انهللايتت‪ ،‬وأعتقت عن رقبة زعم َّأ‪،‬ا كانت عل ِأمت‪ ،‬فلـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـما خرً عمرو‬
‫أنَّت من مضر أطلقت‪َّ ،‬‬
‫قاهللاـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداً اَّدينة‪ ،‬نايل يف طريقت يف ٍ‬
‫ظل‪ ،‬والتق برجل من ب عامر ‪ -‬وكان معه ما عقد من‬
‫ر ــول هللا‪ ،‬وجوار‪ ،‬يعلم بت عمرو بن أميَّة ‪ -‬وقد ــأيما ح نايح اَّن أنتما؟ فقاح من ب‬
‫حض إذا انما‪ ،‬عدا عليهما‪ ،‬فقتلهما‪ ،‬وهو ير أنَّت قد أهللااب هبما ثـ ْؤرةً(‪ )3‬من‬
‫عامر‪ ،‬فأمهلهما‪َّ ،‬‬

‫السراَي والبعوث النَّبويَّة ‪ ،‬ص‪.245‬‬ ‫(‪ )1‬انظر َّ‬


‫ِ‬
‫(‪ )2‬انظر وقفات تربويَّة مع السرية النَّبويَّة ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫(‪ )3‬الثؤرة الثأر ‪ ،‬وهو الطَّل ابلدم‪.‬‬
‫‪858‬‬
‫ب عامر‪ ،‬فيما أهللاابوا من أهللالاب ر ول هللا(ﷺ) ‪ ،‬فل ـ َّـما قدم عمرو بن أميَّة عل ر ول هللا‪،‬‬
‫ِ‬
‫ألدينَّهما(‪.)1‬‬ ‫فأخربه اخلرب‪ ،‬قال ر ول هللا(ﷺ) لقد قتلت قتيل‬

‫الرجل العــامري اللَّـذي ِن قتلهمــا عمرو بن أميَّـة‬


‫وهــذا موقف رفيع‪ ،‬فقــد شوشد (ﷺ) ذينــك َّ‬
‫مرأ لكو‪،‬ما مالن عقداً منت(ﷺ) ‪ ،‬و يؤاخذلا مبا فعل بعض أفراد قومهما‪ ،‬وهذا‬ ‫ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬
‫ال َّ‬
‫ميثِل منته َّ‬
‫القمة يف الوفاء ابلعهود‪.‬‬

‫أمية جايءاً من احنتقام الَّذأ ينب ي أن‬


‫َّب(ﷺ) أن يعترب عمل عمرو بن َّ‬
‫قد كان نمكان الن ِ‬
‫لكن ما ذن األبرَيء حض يؤخذوا قريرة اَّعتدين ِم ْن قومهم؟!‬
‫يواجت بت اارمون اَّعتدون‪ ،‬و ْ‬
‫الرفيعة دفعت ابَّسلم ‪ ،‬ونبيِهم(ﷺ) إىل الُّر ِ‬
‫قي األخالقي‪ ،‬الَّذأ‬ ‫َّ‬
‫إن التَّوجيهات ال الميَّة َّ‬
‫ح نظري لت يف دنيا النَّاس(‪.)2‬‬

‫الصحا يب اجلليل عامر بن فُـ َورية رضي هللا عنه‪:‬‬


‫‪َّ - 5‬‬

‫ضـمرأ‪ ،‬قال لت عامر بن الطُّشفْيل من هذا‬ ‫«َّا

You might also like