You are on page 1of 23

‫صفة النار‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫اعلم أخي الكرمي‪ ,‬أن التفكر يف أهوال القيامة جيدد اإلميان واليقني وحييي يف قلبك‬
‫اخلوف من اهلل‪ ,‬والفرار إليه‪ ,‬ويهون يف عينك الدنيا‪ /‬وزخرفها‪ ,‬فتحقر نفسك‬
‫عيشها‪ ,‬وتضيق بك حىت ليخيل إليك انك مسجون‪.‬‬
‫وما نار جهنم إال خامتة العذاب‪ ,‬فكلها جحيم وشقاء‪ ,‬وصراخ وبكاء وحسرة‬
‫وعناء‪ ,‬هليبها يلفح الوجوه‪ ,‬وماؤها يقطع األمعاء‪ ,‬وحرها يلكح أهلها‪ ,‬قد ملئت‬
‫أغالالً وأصفاداً‪ ,‬وسعرت فصارت سواداً‪ ..‬ماؤها محيم وظلها حيموم‪ /‬وعذاهبا دائم‬
‫مقيم ويف الكتاب نستعرض إن شاء اهلل صفاهتا وأحوال أهلها‪ ,‬تذكرة وتبصرة واهلل‬
‫من وراء القصد‪/.‬‬

‫صفة النار‪:‬‬
‫لرمبا تصورت –أخي الكرمي‪ -‬إن نار جهنم يف حرها كنار الدنيا‪ /‬اليت نعلم‪ ,‬ولكن‬
‫األمر ليس كذلك فهي أشد فيحاً‪ .‬وإمنا نار الدنيا‪ /‬جزء قليل من جهنم‪ ,‬قال رسول‬
‫اهلل‪": ‬ناركم اليت توقدون‪ /‬جزء من سبعني جزءاً من جهنم قالوا‪ /‬يا رسول اهلل‬
‫وغن كانت لكافية قال‪:‬فإهنا فضلت بتسعة وستني جزءاً" [البخاري ومسلم] بل إن شدة‬
‫احلر اليت نشكو منها يف الدنيا‪ ,‬ونتقيها مبا منلك من وسائل التربيد والتلطيف إمنا‬
‫هي نفس جهنم تتنفسه‪ ,‬كما أن الربد الذي نشكو زمهريره ورعشته إمنا هو نفس‬
‫جهنم‪ ,‬قال‪ ":‬اشتكت النار‪ /‬على رهبا‪ ,‬فقالت رب أكل بعضي بعضاً‪ ,‬فأذن هلا‬
‫بنفسني‪ :‬نفس يف الشتاء ونفس يف الصيف‪ ,‬فأشد ما جتدون من احلر وأشد ما‬
‫جتدون من الزمهرير" وقال‪ ":‬أبردوا بالصالة‪,‬فإن شدة احلر من فيح جهنم"‬
‫[البخاري مع الفتح]‬
‫قال كعب احلبار‪ :‬والذي نفس كعب بيده‪ ,‬لو كنت باملشرق والنار باملغرب مث‬
‫كشف عنها خلروج دماغك من منخريك من شدة حرها‪ .‬يا قوم هل لكم هبذا‪/‬‬
‫قرار؟ أم لكم على هذا صرب؟ يا قوم طاعة اهلل أهون عليكم من هذا العذاب‬
‫فأطيعوه‪.‬‬
‫أخي‪ :‬لو مل يكن يف النار‪ /‬إال هذا احلر لكفى به واعظاً ورادعاً عن املعصية‪..‬‬
‫اعةً لِلشَّوى‪( ‬المعارج ‪)16-15‬‬ ‫اَّل ِ‬
‫فكيف واألمر أشد وأعظم ‪َ ‬ك إنَّ َها لَظَى‪َ ‬نَّز َ َ‬
‫تشوه حلم الوجه وتنزع جلده فتفقده شكله وتسلبه حسنه‪ ,‬إهنا قعر مليئة باخلنادق‬
‫املكفهرة واجلبال احلامية العلية‪ ,‬واحليات والعقارب واملقامع والغالل واألصفاد‪..‬‬
‫طعامها مرير‪ ,‬وماؤها حار محيم‪ ,‬وكلها ذل ومهانة وخزي وندامة وحسرة تعض‬
‫منها األنامل‪ ,‬ويود الكافر فيها لو كان تراباً‪ .‬يو ُّد الْم ْج ِرم لَو ي ْفتَ ِدي ِمن َع َذ ِ‬
‫اب‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ ُ ْ َ‬
‫صيلَتِ ِه الَّيِت تُ ْؤ ِو ِيه ‪َ ‬و َم ْن يِف اأْل َْر ِ‬
‫ض مَجِ يعاً مُثَّ‬ ‫َخ ِيه‪ ‬وفَ ِ‬ ‫يو ِمئِ ٍذ بِبنِ ِيه ‪ ‬و ِ‬
‫احبتِ ِه وأ ِ‬
‫َ‬ ‫ص َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫يه ‪( ‬المعارج ‪)14 -11‬‬ ‫يْن ِج ِ‬
‫ُ‬
‫فهيء جواباً عندما تســمع الندا‬
‫من اهلل يوم العرض‪ /‬ماذا أجبتـم‬
‫به رسلي ملا أتوكم فمــن يكن‬
‫أجاب سواهم سوف خيزي ويندم‬
‫وخذ من تقى الرمحن أعظم جن ــة‬
‫ليوم به تبـ ــدو عياناً جهنم‬
‫وينصب ذاك اجلسر من فوق متنها‬
‫فهاو وخم ــدوش وناج مسلم‬
‫وال تسل عن أكلها وشرهبا وفراشها ودركاهتا فهي جحيم ولظى ونريان ال تفىن‬
‫أعدها اهلل لكل جواظ عتل مستكرب‪ ,‬إذا ذكر ال يذكر‪ ,‬وإذا وعظ مل يتعظ‪ ,‬وإذا‬
‫مسع آيات اهلل اختذها هزواً ولعباً قال رسول اهلل‪ ":‬أال أخربكم بأهل النار؟ كل‬
‫عتل جواظ مستكرب" [رواه البخاري ومسلم] وقال‪ ":‬صنفان من أهل النار‪ /‬مل أرمها‪ ,‬قوم‬
‫معهم سياط كأذناب البقر يضربون هبا الناس‪ ,‬ونساء كاسيات عاريات مميالت‬
‫مائالت‪ ,‬رؤوسهن كأسنمة البخت املائلة‪ ,‬ال يدخلن اجلنة وال جيدن رحيها لتوجد‬
‫من مسرية كذا وكذا" [السلسلة الصحيحة]‬

‫‪:‬‬ ‫وقودها ودركاتها‬


‫وقود النار‪ :‬واحذر –أخي الكرمي‪ -‬أن تلهيك الدنيا‪ /‬وميينك سراهبا فتكون وقوداً‬
‫ين َآمنُوا قُوا أَْن ُف َس ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫جلهنم‪ ,‬فإمنا وقودها الناس واحلجارة‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ج َارة ‪( ‬التحريم ‪ )6‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫وأَهلِي ُكم نَاراً وقُودها النَّاس واحْلِ‬
‫َُ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َْ ْ‬
‫كافِ ِرين ‪( ‬البقرة ‪)24‬‬ ‫َّت لِْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َواحْل َج َارةُ أُعد ْ‬ ‫َّار الَّيِت َوقُ ُ‬
‫‪ ‬فَ َّات ُقوا الن َ‪/‬‬
‫ود َها الن ُ‬
‫فالناس هم الوقود وهم املعذبون‪ ..‬فسبحان اخلالق القادر‪.‬‬
‫يقول ابن رجب احلنبلي –رمحه اهلل‪ ":-‬وأكثر املفسرين على أن املراد باحلجارة‬
‫حجارة الكربيت‪ /‬توقد هبا النار‪ /‬ويقال‪ :‬إن فيها مخسة أنواع من العذاب ليس يف‬
‫غريها‪ :‬سرعة اإليقاد وكثرة الدخان‪ ,‬وشدة االلتصاق باألبدان‪ ,‬وقوة حرها إذا‬
‫محيت" [التخويف من النار] فالنار هذه حاهلا‪ ,‬وهذا شكلها‪ ,‬والكفار والفجار من الناس‬
‫وقودها‪ ,‬أحق أن تتقى وأحق أن يعمل الجتناهبا واجتناب أهواهلا‪,‬فكابد‪– /‬يا عبد‬
‫اهلل‪ -‬فغن اخلطب جلل‪ ,‬وازهد يف احلرام وابتعد عن الشبهات‪.‬‬
‫إمنا الدنيا إىل اجلنة والنار‪ /‬ط ــريق‬
‫والليايل متجر اإلنسان واأليام سوق‬
‫اخٌر َبْينَ ُك ْم وتَ َكاثٌُر يِف‬ ‫قال تعاىل‪ْ :‬اعلَموا أَمَّنَا احْل ياةُ ُّ ِ‬
‫َ‬ ‫ب َوهَلٌْو َو ِزينَةٌ َوَت َف ُ‬ ‫الد ْنيَا لَع ٌ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ص َفراً ‪[ ‬الحديد‪2‬‬ ‫م‬ ‫اه‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫يج‬ ‫ث أ َْع َجب الْ ُك َّف ‪/‬ار َنبَاتُهُ مُثَّ يَ ِ‬
‫ه‬ ‫اأْل َمو ِ‪/‬ال واأْل َو ِ‬
‫الد َكمثَ ِل َغي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫‪]0‬‬
‫دركات النار‪ :‬وكما أن اجلنة درجات ومنازل فإن النار‪ /‬دركات خمتلفة‪ ,‬حبسب‬
‫َس َف ِل ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني يِف الد َّْرك اأْل ْ‬ ‫إجرام أهلها‪ ,‬وأعماهلم يف الدنيا‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬إِ َّن الْ ُمنَافق َ‬
‫صريا ‪(‬النساء‪ )145‬وهي فاملنافقون يف الدرك‪ /‬األسفل من النار‪/‬‬ ‫النَّا ِ‪/‬ر ولَن جَتِ َد هَل م نَ ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ ْ‬
‫لغلظ إيذائهم‪ /‬للمؤمنني وغلظ كفرهم ومكرهم‪.‬‬
‫قال كعب األحبار‪ ":‬إن يف النار‪ /‬بئراً ما فتحت أبواهبا‪ /‬بعد‪ ,‬مغلقة ما جاء على‬
‫جهنم يوم منذ خلقها اهلل تعاىل إال تستعيذ باهلل من شر ما يف تلك البئر خمافة إذا‬
‫فتحت تلك البئر أن يكون فيها من عذاب اهلل ما ال طاقة هلا به وال صرب هلا عليه‬
‫الدرك‪ /‬األسفل من النار" [التذكرة للقرطيب]‪ .‬وأما أهون الناس عذاباً يف النار‪ ,‬فعن‬
‫النعمان‪ /‬بن بشري‪ ‬قال‪ :‬مسعت النيب‪ ‬يقول‪":‬إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة‬
‫رحل يوضع على أمخص قدميه مجرتان يغلي منهما دماغه" [مسلم]‬

‫فتذكر أخي احلبيب‪ :‬إذا كان هذا حال أهون الناس عذاباً يوم القيامة‪ ,‬فما بال‬
‫غريه‪.‬‬
‫فيا أخي‪:‬‬
‫تذكر يوم تأيت اهلل فــردا‬
‫وقد نصبت موازين القـضاء‬
‫وهتكت الستور‪ /‬عن املعاصي‬
‫وجاء الذنب منكشف الغطاء‬
‫وإن من شدة ما جيده أهل النار من األهوال وألوان العذاب يتمنون فدية أنفسهم‪/‬‬
‫َح ِد ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا َو َماتُوا َو ُه ْم ُك َّف ٌار َفلَ ْن يُ ْقبَ َل م ْن أ َ‬
‫بكل شيء قال تعاىل‪ِ َّ َّ :‬‬
‫ِ ن الذ َ‬
‫اص ِرين ‪[ ‬آل‬ ‫ك هَل م ع َذاب أَلِيم وما هَل م ِمن نَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ض ذَهباً ولَ ِو ا ْفتَ َدى بِِه أُولَئِ‬ ‫ِ‬ ‫َر‬ ‫أْل‬‫ا‬ ‫لء‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ٌَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َن هَل م ما يِف اأْل َر ِ‪ِ ِ /‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ض مَج يعاً َوم ْثلَهُ‬ ‫ْ‬ ‫ين َك َف ُروا لَ ْو أ َّ ُ ْ َ‬ ‫عمران ‪ ]91‬وقال سبحانه‪ :‬إ َّن الذ َ‬
‫يم‪[‬المائدة] وما‬ ‫اب يوِم الْ ِقيام ِة ما ُت ُقبِّل ِمْنهم وهَل م ع َذاب أَلِ‬ ‫معهُ لِي ْفتَ ُدوا بِِه ِمن َع َذ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ َْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬
‫ذلك إال لعظم النكال والعذاب يف تلك الدركات فال نصري وال منقذ وال معني‪ ,‬بل‬
‫إهنم يودون لو يفتدون بأبنائهم الذين من أصالهبم قال تعاىل‪:‬‬
‫اب يو ِمئِ ٍذ بِبنِ ِيه‪ ‬وص ِ‬
‫احبَتِ ِه َوأ َِخ ِيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ُرو َن ُه ْم َي َو ُّد الْ ُم ْج ِر ُم لَ ْو َي ْفتَدي م ْن َع َذ َ ْ َ َ َ‬ ‫‪‬يُبَ َّ‬
‫ض مَجِ يعاً مُثَّ يُْن ِج ِيه ‪َ ‬كاَّل إِنَّ َها لَظَى ‪‬‬
‫صيلَتِ ِه الَّيِت ُت ْؤ ِو ِيه‪َ ‬و َم ْن يِف اأْل َْر ِ‬‫وفَ ِ‬
‫َ‬
‫اعةً لِلشَّوى‪[ ‬المعارج ‪]16-11‬‬
‫َنَّز َ َ‬

‫سالسلها وأغاللها وشدة حرها‪:‬‬


‫سالسلها وأغاللها‪ :‬وأهل النار يف عذاب دائم‪ ,‬فقد جعل اهلل يف أعناقهم األغالل‬
‫يسحبون منها‪ ,‬فتزيدهم عذاباً على عذاب وخلق هلم سالسل يسلكون فيها‪ .‬قال‬
‫الل يِف أ َْعنَاقِ ِه ْم َو َّ‬
‫الس ِ‬
‫الس ُل يُ ْس َحبُو َن ‪[ ‬غافر ‪ ,]71‬وقال سبحانه‪ :‬مُثَّ‬ ‫تعاىل‪ :‬إِ ِذ اأْل َ ْغ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫اسلُ ُكوهُ ‪[‬الحاقة ‪ .]32‬وما أعظم تلك السالسل‬ ‫يِف س ْلسلَة َذ ْرعُ َها َسْبعُو َن ذ َراعاً فَ ْ‬
‫واألغالل‪ ,‬وتلك املقامع واألصفاد‪ ,‬وما أثقلها على أهل النار‪ .‬ويا للهوان والذل‬
‫الذي‪ /‬جيلبه منظر حاملها وسط اجلحيم‪ ,‬فإمنا قيدهم اهلل هبا إذالالً هلم ال خشية‬
‫هرهبم كما يقيد السجني يف الدنيا‪.‬‬
‫قال احلسن‪ ":‬إن األغالل مل جتعل يف أعناق أهل النار ألهنم‪ /‬أعجزوا الرب‪ ,‬ولكنهم‪/‬‬
‫إن طفا هبم اللب أرسبتهم" [الزهد للحسن البصري] فاعمل يا عبد اهلل امهد لنفسك‪,‬‬
‫فجسدك‪ /‬ال يطيق حلقة من تلك السالسل الغالظ‪ ,‬وال يقوى على املكوث يف‬
‫حفرة النار‪ /‬حلظة واحدة‪ ,‬فهو عذاب ال ينفع معه صرب وال جلد‪ ,‬وال مال وال ولد‪,‬‬
‫ولن ينجيك منه أحد‪ ,‬سوى ما قدمت‪ /‬من عمل يف هذه األيام‬
‫مثل وقوفك يـوم احلشر عريانا‬
‫مستطعفا قلق األحشــاء حريانا‬
‫النار‪ /‬تزفر من غيــظ ومن حنق‬
‫على العصاة وتلقى الرب غضبان‬
‫اقرأ كتابك يا عـبدي على مهل‬
‫وانظر ليه ترى هل كان ما كان‬
‫شدة حرها‪ :‬وأما حر الدنيا‪ /‬فإنه يتقى‪ ,‬فقد مد اهلل لعباده الظل يقيهم احلر‪ ,‬ورزقهم‪/‬‬
‫املاء يرويهم من العطش‪ ,‬وأوجد هلم اهلواء والريح الكرمية تلطف وهتون من شدة‬
‫الفيح‪.‬‬
‫أما يف جهنم فإن هذه الثالثة تنقلب عذاباً على أهلها فاهلواء مسوم‪,‬والظل حيموم‪/‬‬
‫وم َومَحِ ي ٍم ‪‬‬ ‫واملاء محيم‪.‬قال تعاىل‪ :‬وأَصحاب الشِّم ِال ما أَصحاب الشِّم ِال ‪‬يِف ٍ‬
‫مَسُ‬ ‫َ َْ ُ َ َ َْ ُ َ‬
‫وم ‪‬ال بَا ِر ٍد َوال َك ِر ٍمي ‪[ ‬الواقعة ‪ ]44-41‬وقال سبحانه‪ :‬انْطَلِ ُقوا إِىَل‬ ‫َو ِظ ٍّل ِم ْن حَيْ ُم ٍ‪/‬‬
‫ص ِر‬ ‫ِ‬ ‫ب ‪‬ال ظَلِ ٍيل وال يُ ْغيِن ِمن اللَّ َه ِ‬
‫ب ‪‬إِنَّ َها َت ْرمي بِ َشَر ٍر َكالْ َق ْ‬ ‫الث ُش َع ٍ‬‫ِظ ٍّل ِذي ثَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مِج‬
‫ص ْفٌر‪[ ‬المرسالت ‪ .]33-30‬عياذاً باهلل من حرها‪ .‬فشررها قطع ضخمة‬ ‫ت ُ‬ ‫‪َ ‬كأَنَّهُ َالَ ٌ‬
‫على قد احلصون والقصور ويشبه اإلبل السود يف لونه من شدة السواد‪ ,‬أما دخاهنا‬
‫فمتشعب إىل ثالثة وهو حيموم‪ /‬ال ظليل وال يغين من هلب جهنم احلارق‪.‬‬
‫فأين صربك يا عبد اهلل على هذا؟‍ فهالً نفسك من هذا البأس العظيم واخلطر‬
‫اجلسيم؟ فها هو النذير ينذر هبذا‪ /‬الشر العظيم‪ .‬وخيرب عن جهنم كيف تصنع‬
‫بالعصاة اجملرمني‪.‬‬
‫يا ويلهم حترق النريان أعظمــهم‬
‫باملوت شهوهتم من شدة الضجر‬
‫وكل يوم هلم يف طول مدهت ــم‬
‫نزع شديد من التعذيب بالسعر‬
‫ومن شدة حرها تلفح الوجوه فترتكها عظاماً ال حلم فيها‪ ,‬قال تعاىل‪  :‬لَ ْو َي ْعلَ ُم‬
‫ِ‬ ‫الَّ ِذين َك َفروا ِحني ال ي ُك ُّفو َن عن وج ِ‬
‫وه ِ‬
‫ص ُرو َن‬ ‫َّار َوال َع ْن ظُ ُهو ِره ْم َوال ُه ْم يُْن َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ه‬
‫َْ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪[ ‬األنبياء‪ ]39‬ومن شدة حرها تصهر البطون وما يف أحشائها من أمعاء قال تعاىل‪:‬‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ان اختَصموا‪ /‬يِف رهِّبِ ‪/‬م فَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّعت هَل م ثِي ِ‬ ‫ه َذ ِان خ ِ‬
‫اب م ْن نَا ٍر يُ َ‬
‫ص ُّ‬ ‫َ ْ ُْ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ص َم ْ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫هِنِ‬ ‫ِ‬ ‫َفو ِق ر ُؤ ِ‬
‫وس ِه ‪/‬م احْل ِ‬
‫ص َه ُر بِه َما يِف بُطُو ْم َواجْلُلُ ُ‬
‫ود‪[ ‬الحج ‪]19‬‬ ‫يم‪‬يُ ْ‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫فاتق اهلل يا عبد اهلل‪ .‬واعلم أن اخلطب جسيم‪ ,‬وأن اخلطر قريب‪ ,‬فاجلنة أقرب إليك‬
‫من شراك نعلك والنار كذلك‪ ,‬كما صح ذلك عن رسول اهلل‪‬‬
‫فالبدار البدار إىل التوبة‪ .‬فإن جهنم ال نرتحم وإن جحيمها ال خيمد‪ .‬وما على‬
‫الرسول إال البالغ املبني‪.‬‬

‫سعة جهنم‪:‬‬
‫سعتها‪ :‬والضيق يف جهنم إحدى وسائل العذاب اليت يصبها اهلل على الكفار‪/‬‬
‫والعصاة‪ ..‬فالضيق يشمل ظواهرهم وبواطنهم‪ ,‬وكيف ال ونفوسهم أصاهبا من اهلم‬
‫والغم‪ /‬واحلسرة ماال يوصف مما هم فيه من العذاب والنكال‪ ..‬حر ومحيم ومسوم‬
‫وحيموم‪ /‬سالسل وأصفاد وظلمة وسواد‪ ..‬وقد اجتمعت عليهم ألوان العذاب‬
‫وأشكاله فنفوسهم ضيقة ضنكة‪ ,‬وفوق ذلك كله جتدهم حمشورين يف أضيق‬
‫األماكن يف جهنم تنكيالً هبم وزياد هلم يف الغم‪ /‬واهلم قال تعاىل‪َ :‬وإِ َذا أُلْ ُقوا ِمْن َها‬
‫ك ثُبُوراً‪[ ‬الفرقان ‪ ]13‬فهم ملقون يف أضيق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني َد َع ْوا ُهنَال َ‬
‫ضيِّقاً ُم َقَّرن َ‬
‫َم َكاناً َ‬
‫األماكن‪,‬وقد‪ /‬كانوا يف الدنيا‪ /‬ينحتون من اجلبال القصور‪ /‬فرحني هبا‪ ,‬فما أحوجهم‬
‫يوم القيامة إىل شرب من األرض‪ /‬يعبدون اهلل فيه فينجون من ذلك الضيق وذلك‬
‫ني‪ ‬قال أبو عبدة‪ ":‬أي لفي‬ ‫اب الْ ُف َّجا ِر لَِفي ِس ِّج ٍ‬ ‫ِ‬
‫العذاب‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬كاَّل إِ َّن كتَ َ‬
‫حبس وضيق شديد" [فتح القدير]‪ .‬فارحم نفسك يا عبد اهلل فبل فوات األوان‬
‫فأنت حتسب ألف حساب يف حيتك حىت ال ترتكب ما يدخلك السجن يف الدنيا‪,‬‬
‫وقد تضطر إىل أن تتجاوز عن حقك‪ ,‬مقابل السالمة واحلرية والنجاة من ذلك‪,‬‬
‫أفال يكون احتياطك من سجن جهنم الرهيب أوىل؟ أو قادر أنت على سجينها‬
‫املظلم الضيف احلميم؟ أو يتحمل جسمك الضعيف أو جلدك اللطيف حر النار‪/‬‬
‫وهليبها وثقل األغالل وكيها وضيق املكان؟ أخي الكرمي‪:‬‬
‫تنبه قبل املوت إن كنت تعــقل‬
‫فعما قريب للمقابر حتم ــل‬
‫ومتسي رهيناً يف القبور‪ /‬وتنــثين‬
‫لدى جدث حتت الثرى تتجندل‬
‫فريداً وحــيداً يف الرتاب‪ ,‬وإمنا‬
‫قرين الفىت يف القرب ما كان يعمل‬
‫وجهنم مع ما حيصل ألهلها من الضيق‪ ,‬فهي واسعة ضخمة‪ ,‬يدل على ذلك ما‬
‫رواه أبو هريرة‪ ‬قال‪ :‬كنا مع رسول اهلل‪ ,‬إذ مسع وجبة (أي سقطة) فقال النيب‬
‫‪ ":‬تدرون ما هذا؟ قلنا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬هذا حجر رمي به يف النار منذ‬
‫سبعني خريفاً‪ ,‬فهو يهوى يف النار إىل اآلن" [مسلم] وروي‪ /‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ ":‬لو‬
‫أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفري جهنم هوى فيها سبعني خريفاً ال يبلغ‬
‫قعرها" [صحيح اجلامع] ومما يدل على سعة النار‪ /‬وعظمها كثرة الداخلني إليها‬
‫على ما هم عليه من ضخامة اجلسم وعظم اهليئة‪ ,‬وكذلك قذف الشمس والقمر‪/‬‬
‫فيها على ضخامة الشمس وسعة القمر‪ ,‬قال رسول اهلل‪:‬‬
‫" الشمس والقمر ثوران مكوران‪ /‬يف النار‪ /‬يوم القيامة" [السلسلة الصحيحة]‬

‫ولك أن تتصور أخي الكرمي ضخامة جهنم وعظمها‪ ,‬فهي واسعة عظيمة‪ ,‬كبرية‬
‫مهولة‪ ,‬ومع ذلك جيد فيها اجملرمون من الضيق والحبس ما يعضون عليه األنامل‬
‫من ندم التفريط يف الدنيا‪ ,‬ولك أن تتصور جسرها وكيف أنه يكفي حلمل اخلالئق‬
‫كلهم يوم القيامة‪ ,‬فكيف جبهنم نفسها؟ عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا‬
‫ضتُهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة ‪ ‬قالت‪:‬‬
‫ض مَجِ يعاً َقْب َ‬
‫سألت رسول اهلل ‪ ‬عن قوله تعاىل‪َ :‬واأْل َْر ُ‬
‫فأين الناس يومئذ؟قال‪ :‬على جسر جهنم" [الترمذي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه وهو‬

‫صحيح اإلسناد] فأين ما مجعوا يف الدنيا وهم على جسرها العظيم‪ ,‬ينتظرون نتيجة‬
‫املصري‪.‬‬

‫قد نادت الدنيا على نفسها‬


‫لو كان يف العامل من يسمع‬
‫كم واثق بالــعمر أفنيته‬
‫وجامع بددت ما جيــمع‬
‫قال بعض احلكماء‪ ":‬الدنيا أمثال تضرهبا األيام للنام ال حيتاج إىل ترمجان وحبب‬
‫الدنيا‪ /‬صمت أمساع القلوب عن املواعظ"‬
‫ومما يدل –أخي الكرمي‪ -‬على سعة جهنم كثرة املالئكة الذين يأتون هبا يوم‬
‫القيامة‪ .‬قال‪ ":‬يؤتى جبهنم يومئذ هلا سبعون ألف زمام‪ ,‬مع كل زمام سبعون ألف‬
‫َّم ‪( ‬الفجر ‪ )23‬وهذا ما يدل‬ ‫ِ ٍ جِب‬ ‫ِ‬
‫ملك" [مسلم] وقال اهلل حل وعال‪َ :‬وجيءَ َي ْو َمئذ َ َهن َ‬
‫على عظمها وأهنا تسع الكفار‪ /‬واجملرمني والعصاة‪ .‬ولك أن تتصور هذا العدد‪ /‬اهلائل‬
‫من املالئكة وهم يأتون يوم القيامة‪ ,‬وكل ملك ال يعلم عظم قوته وضخامته‬
‫وشكله إال اهلل‪ .‬فو اهلل إنه ملشهد تنكسر له النفس‪ ,‬يبعث على الرعب واخلوف‪,‬‬
‫وجيتث من القلوب حب الدنيا واحلرص عليها‪:‬‬
‫فما هي إال جيفة مسـتحيلة‬
‫عليها كالب مههن اجتذاهبا‪/‬‬
‫فأن جتتنبها كنت سلما ألهلها‬
‫وإن جتتذهبا‪ /‬نازعتك كالهبا‬
‫أخي الكرمي‪ :‬بادر بالتوبة إىل اهلل من آثامك وابك على خطاياك يف إقدامك‬
‫وإحجامك‪ .‬وقل‪:‬‬
‫يا رب عفوك ال تأخذ بزلتنا‬
‫واغفر أيا رب ذنبنا قد جنيناه‬

‫ألوان العذاب في جهنم‪:‬‬


‫أما عذاب جهنم فإنه ألوان وأشكال متعددة‪ .‬حبسب تنوع دركاهتا وإجرام أهلها‬
‫ب َسيِّئَةً‬
‫وما قدموه من السيئات واآلثام يف الدنيا‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬بلَى َم ْن َك َس َ‬
‫اب النَّا ِ‪/‬ر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن‪( ‬البقرة ‪ )81‬وهذه اآلية‬ ‫َص َح ُ‬
‫كأ ْ‬ ‫ت بِِه َخ ِطيئَتُهُ فَأُولَئِ َ‬ ‫َحاطَ ْ‬ ‫َوأ َ‬
‫نزلت يف الكفار‪ /‬خاصة فسيئاهتم‪ /‬حتيط هبم ناراً يوم القيامة كما قال تعاىل‪ :‬هَلُ ْم‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اد َو ِم ْن َف ْوقِ ِه ْ‪/‬م َغ َو ٍ‬
‫َّم ِم َه ٌ‬ ‫ِ‬
‫ني‪( ‬األعراف ‪ )41‬ففراشهم‪/‬‬ ‫ك جَنْ ِزي الظَّالم َ‬
‫اش َو َك َذل َ‬ ‫م ْن َج َهن َ‬
‫نار وحلافهم نار وقد أحيطوا بالنريان من كل مكان وكبلوا بالسالسل واألغالل‬
‫وسقوا ماء فقطع أمعاءهم فاللهم رمحتك نرجو وبك نستعيذ من هذا اخلزي وهذا‬
‫النكال‬
‫أخي الكرمي‪ :‬واعلم أن اهلل جل وعال ال يظلم مثقال ذرة‪ ,‬لذلك فاملعذبون خيتلفون‬
‫يوم القيامة يف العذاب كل حبسب ذنبه وزلته‪ .‬قال‪ ":‬إن منهم من تأخذه النار‪ /‬إىل‬
‫كعبيه‪ ,‬ومنهم من تأخذه إىل ركبتيه‪ ,‬ومنهم من تأخذه إىل حجزته‪ ,‬ومنهم‪ /‬من‬
‫تأخذه إىل ترقوته" ويف رواية إىل "عنقه" [مسلم]‪ .‬وقد تقدم أن أهون أهل النار عذاباً‬
‫يوم القيامة رجل على أمخص قدميه مجرتان يغلي منها دماغه" [مسلم]‬

‫أخي‪ :‬ال حتقر ذنباً مهما صغر فلرمبا كان مصرعك يف احتقاره والزم‪ /‬وقار اهلل فإنه‬
‫التقى‪:‬‬
‫خل الذنوب صغيـ ـ ــرها‬
‫وكبيـرها فهو الت ـ ــقى‬
‫واصنع‪ /‬كم ـ ـ ــاش فوق أر‬
‫ض الشـ ــوك حيذر‪ /‬ما يرى‬
‫ال حتـ ــقرن صغي ـ ــرة‬
‫إن اجلب ــال من احلــصى‬
‫ومن عذاب جهنم صب احلميم فوق رؤوس أهلها قال تعاىل‪ :‬ه َذ ِان خصم ِ‬
‫ان‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫ب ِمن َفو ِق ر ُؤ ِ‬
‫وس ِه ُ‪/‬م‬ ‫اختَصموا‪ /‬يِف رهِّبِ ‪/‬م فَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّعت هَل م ثِي ِ‬
‫ص ُّ ْ ْ ُ‬ ‫اب م ْن نَا ٍر يُ َ‬ ‫َ ْ ُْ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫هِنِ‬ ‫ِ‬ ‫احْل ِ‬
‫ود‪ ‬وحينما يصب فوقهم‪ /‬ذلك احلميم الشديد‪/‬‬ ‫ص َه ُر بِه َما يِف بُطُو ْ‪/‬م َواجْلُلُ ُ‬‫يم‪‬يُ ْ‬ ‫م‬
‫َ ُ‬
‫احلرارة‪ ,‬تنقطع جلودهم وتذوب‪ ,‬وتتمزق أحشاء بطوهنم وتصهر‪ ,‬فال صرب وال‬
‫هروب‪ ,‬وال خمرج وال جناة‪ ,‬وال موت وال هالك‪ ,‬و‘منا حييون بعد ذوباهنم فيعادون‬
‫للعذاب الشديد‪ ,‬قال‪ ":‬إن احلميم ليصب على رؤوسهم‪ /‬فينفذ حىت خيلص إىل‬
‫جوفه فيسلت ما جوفه‪ ,‬حىت ميرق من قدميه‪ ,‬وهو الصهر‪ ,‬مث يعود كما كان"‬
‫[الترمذي وقال حسن غريب صحيح‪ ،‬انظر جامع األصول] ومن أهل النار‪ /‬من تأكله النار‪ /‬إىل‬
‫فؤاده‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬كاَّل لَُيْنبَ َذ َّن يِف احْلُطَ َم ِة ‪َ ‬و َما أ َْد َر َاك َما احْلُطَ َمةُ ‪‬نَ ُار اللَّ ِه الْ ُموقَ َدةُ‬
‫‪ ‬الَّيِت تَطَّلِ ُع َعلَى اأْل َفْئِ َد ِة‪( /‬الهمزة ‪ )7-4‬كان ثابت البناين يقول‪ ":‬حترقهم‪ /‬النار إىل‬
‫األفئدة‪ /‬وهم أحياء‪ ,‬لقد بلغ منهم العذاب‪ ,‬مث يبكي" [التخويف من النار] ومنهم من‬
‫تندلق أمعاءه فيطحن فيها‪ ,‬وذلك الذي‪ /‬يعظ مبا ال يتعظ وينصح الناس وينسى‬
‫نفسه‪ .‬فقد ثبت يف الصحيحني أن رسول اهلل‪ ‬قال‪ ":‬جياء بالرجل يوم القيامة‪,‬‬
‫فيلقى يف النار‪ ,‬فتندلق أقتابه يف النار‪ ,‬فيطحن فيها كما يطحن احلمار برحاه‪,‬‬
‫فيجتمع‪ /‬أهل النار عليه‪ ,‬فيقولون‪ :‬أي فالن‪ ,‬ما شأنك‪ ,‬أليس كنت تأمرنا‬
‫باملعروف وتنهانا عن املنكر؟ قال‪ :‬كنت آمركم باملعروف وال آتيه‪ ,‬وأهناكم عن‬
‫املنكر وآتيه" [البخاري ومسلم] ومن أهل النار من تلفح النار وجهه‪ ,‬فيلقى فيها كما‬
‫َّار َو ُه ْم فِ َيها َكاحِلُون‬
‫وه ُه ُم الن ُ‬
‫تلقى السمكة‪ /‬يف الزيت احلار‪ ,‬قال تعاىل‪َ :‬ت ْل َف ُح ُو ُج َ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫َّار ‪(‬إبراهيم‬ ‫‪(‬المؤمنون ‪ )104‬وقال سبحانه‪َ :‬سَرابِيلُ ُه ْم م ْن قَطَران َوَت ْغ َشى ُو ُج َ‬
‫وه ُه ُم الن ُ‪/‬‬
‫‪ )50‬ولك أن تتصور أخي الكرمي‪ :‬حال وجوههم ولقد‪ /‬ذهب حلمها وبقي عظمها‪,‬‬
‫فياهلا من بشاعة‪ ,‬ويا له من أمل ومهانة‪ ,‬تتقلب وجوههم يف النار‪ /‬وهم ينادون فال‬
‫يسمعون ويصرخون وال يرمحون‪ ,‬ويطلبون املوت فل جيابون‪ ,‬وحينما تذوب‬
‫جلودهم بالنار‪ ,‬يبدهلم اهلل جلوداً غريها‪ .‬ألهنا مركز إحساسهم باألمل‪ ,‬وهذا فيه‬
‫آية وإعجاز ملن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪ ,‬فقد ثبت يف الطب‬
‫احلديث أن اجللد مركز اإلحساس باألمل وغريه‪ ,‬وقد ذكر اهلل جل وعال أن أهل‬
‫اجلحيم حينما تذوب جلودهم وحترتق خيلق هلم جلودا‪ ً,‬أخرى ليحسوا بالعذاب‬
‫ف نُصلِي ِهم نَاراً ُكلَّما نَ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ت‬
‫ض َج ْ‬ ‫َ‬ ‫ين َك َف ُروا بآيَاتنَا َس ْو َ ْ ْ‬ ‫من جديد‪ ,‬قال تعاىل‪‬إ َّن الذ َ‬
‫اب إِ َّن اللَّهَ َكا َن َع ِزيزاً َح ِكيماً‪‬‬ ‫ِ‬
‫ود ُه ْم بَ َّدلْنَ ُ‬
‫اه ْم ُجلُوداً َغْيَر َها ليَ ُذوقُوا‪ /‬الْ َع َذ َ‬ ‫ُجلُ ُ‬
‫(النساء ‪)56‬‬
‫وتصور أخي احلبيب‪ :‬أن الكافر يوم القيامة يقسم باهلل أن مل ير خرياً قط‪ ,‬مبجرد‬
‫ما تلفحه النار لفحة واحدة‪ ,‬قال رسول اهلل‪ ":‬يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار‪/‬‬
‫يوم القيامة فيصبغ يف النار‪ /‬صبغة‪ ,‬مث يقال‪ :‬يا ابن آدم‪ ,‬هل رأيت خرياً قط؟ هل مر‬
‫بك نعيم قط؟ فيقول ال واهلل يا رب" [مسلم] فاستعن باهلل يا عبد اهلل‪ ,‬فإمنا الدنيا‪ /‬إىل‬
‫زوال‪ ,‬وإن نعيمها كاخليال وإمنا هي دار ابتالء وامتحان‪ ,‬واحذر مداخل الشيطان‬
‫والزم التقى واحذر النفس واهلوى فإن هذه األربعة أسباب التعاسة يف الدنيا‪,‬‬
‫يم ِه َي‬
‫َ َ‬ ‫ح‬‫الد ْنيا‪ ‬فَِإ َّن اجْل ِ‬
‫والعذاب يف اآلخرة‪ .‬قال تعاىل‪ :‬فَأ ََّما َم ْن طَغَى‪َ ‬وآثََر احْلَيَاةَ ُّ َ‬
‫س َع ِن اهْلََوى‪ ‬فَِإ َّن اجْلَنَّةَ ِه َي الْ َمأْ َوى‬
‫َ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫الن‬
‫َّ‬ ‫ى‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬‫َ‬
‫اف م َقام ربِِّ‬
‫ه‬ ‫الْ َمأْ َوى‪َ /‬وأ ََّما َم ْن َخ َ َ َ َ‬
‫‪(‬النازعات ‪)41-37‬‬
‫إين بليت بأربع يرميـ ـ ـ ــنين‬
‫بالنبل قد نصبوا علي شـراكا‬
‫إبليس والدنيا‪ /‬والنف ـ ــس واهلوى‪/‬‬
‫من أين أرجو بينهن فكاكا‬
‫يا رب ساعدين بع ـ ـ ــفو إنين‬
‫أصبحت ال أرجو هلن سواكا‬

‫طعام أهل النار وشرابهم‪:‬‬


‫طعامهم‪:‬أهل النار‪ /‬يصيبهم اجلوع والعطش‪ ,‬فيطعمهم اهلل طعاماً يزيدهم عذاباً‬
‫على عذاب‪ ,‬مما جيدونه من األمل واحلر يف بطوهنم بعد أكله فال هم يذهبون حرارة‬
‫ِ‬
‫ض ِري ٍع‪‬ال‬ ‫س هَلُ ْم طَ َع ٌام إِاَّل م ْن َ‬
‫اجلوع بذلك الطعام‪ ,‬وال هم يهنؤون‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬لَْي َ‬
‫وع‪( ‬الغاشية ‪ )7-6‬والضريع‪ /‬نوع من الشوك املر الننت‪ ,‬ال ينفع‬ ‫يُ ْس ِم ُن َوال يُ ْغيِن ِم ْن ُج ٍ‬
‫آكله وال يشبعه ويعرف عند احلجازيني بالشربق‪ .‬قال قتادة‪:‬‬
‫"من أضرع الطعام وأشبعه" [التخويف من النار] وكل طعام يأكله أهل النار جيمع‪ /‬عليهم‬
‫ص ٍة‬
‫)وطَ َعاماً َذا غُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرارة الطعام وغصته كما قال تعاىل‪ :‬إ َّن لَ َد ْينَا أَنْ َكاالً َو َجحيماً‪َ ‬‬
‫َو َع َذاباً أَلِيماً‪( ‬المزمل ‪ )13-12‬والغصة هي اليت يعلق هبا الطعام يف احللق فال يسهل‬
‫عليه دخوله إىل اجلوف وال يسهل خروجه عنه للتخلص منه‪.‬‬
‫ومن طعام أهل النار صديد‪ /‬األبدان والقيح‪ ,‬فمن شدة جوعهم وفقدهم‪ /‬للطعام‬
‫يلتفتون إىل صديدهم‪ /‬فيطعمون منه وال يستسيغونه‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬وال طَ َع ٌام إِاَّل ِم ْن‬
‫ِغسلِ ٍ‬
‫ني‬ ‫ْ‬
‫اطئُو َن‪(‬الحاقة ‪ )36‬والغسلني و الصديد‪ .‬وهو أنواع وألوان قال‬ ‫‪ ‬ال يأْ ُكلُه إِاَّل اخْلَ ِ‬
‫َ ُ‬
‫اج‪(‬ص ‪)58-57‬‬ ‫آخ ُر ِم ْن َش ْكلِ ِه أ َْز َو ٌ‪/‬‬
‫اق‪َ ‬و َ‬
‫يم َو َغ َّس ٌ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪َ :‬ه َذا َف ْليَ ُذوقُوهُ مَح ٌ‬
‫فتأمل أخي –حفظك اهلل‪ -‬يف هذا املشهد املشني‪ ,‬الذي‪ /‬تتقزز النفس من مساعه‪,‬‬
‫فضالً عن رؤيته وانظر إىل هؤالء البؤساء يف مشهدهم‪ /‬هذا وهم يلعقون الضريع‪/‬‬
‫والقيح والغسلني‪ ,‬وألوان العذاب فوق رؤوسهم وعن أمياهنم وعن مشائلهم‪ ..‬إهنا‬
‫اخلزي والندامة‪ /‬واحلسرة واخلسارة‪.‬‬
‫فيا ساهياً يف غمرة اجلهل واهلوى‪/‬‬
‫صريع األماين عن قريب ستندم‬
‫أفق قد دنا الوقت‪ /‬الذي ليس بعده‬
‫سوى جنة أو حر نار تضرم‬
‫ويا قبح طعم ما يأكلون‪ ,‬ال تستسيغه أذواقهم‪ /,‬وال تقبله ألسنتهم‪ ,‬ومن شدة ما‬
‫هم فيه من آمل اجلوع ومرارة الطعم‪ ,‬يتمنون املوت فال ميوتون‪ ،‬بل يزدادون عذاباً‬
‫اد‬ ‫فوق عذاب قال تعاىل‪ِ :‬من ورائِِه جهنَّم ويس َقى ِمن م ٍاء ِ ٍ‬
‫صديد‪َ ‬يتَ َجَّرعُهُ َوال يَ َك ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ََ ََ ُ َُ ْ‬
‫ظ‪( ‬إبراهيم‬ ‫اب َغلِي ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫مِب ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ت م ْن ُك ِّل َم َكان َو َما ُه َو َيِّت َوم ْن َو َرائه َع َذ ٌ‬
‫ي ِسيغُه ويأْتِ ِيه الْمو ِ‬
‫ُ ُ ََ َْ ُ‬
‫‪ )17-16‬أما فاكهتهم فإهنا من شجرة الزقوم‪ .‬وإهنا لشجرة شنيعة املنظر فظيعة املظهر‬
‫ني ‪‬فَِإنَّ ُه ْم آَل كِلُو َن ِمْن َها‬ ‫مرة املذاق‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬طَْلعها َكأَنَّه ر ُؤوس الشَّي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫َُ ُ ُ ُ َ‬
‫فَ َمالِئُو َ‪/‬ن ِمْن َها الْبُطُو َن‬
‫‪‬مُثَّ إِ َّن هَلُ ْم َعلَْي َها لَ َش ْوباً ِم ْن مَحِ ي ٍم‪‬مُثَّ إِ َّن َم ْر ِج َع ُه ْم إَلِ ىَل اجْلَ ِحي ِم ‪(‬الصافات ‪ )68-65‬فأي‬
‫نكال بعد هذا النكال‪ ,‬وامسع إىل قول رسول اهلل‪ ‬وهو يصف تلك الشجرة‪":‬لو أن‬
‫قطرة من الزقوم قطرت يف دار الدنيا‪ ,‬ألفسدت على أهل الدنيا‪ /‬معايشهم‪ ,‬فكيف‬
‫مبن تكون طعامه" [صحيح الجامع الصغير]‬

‫شراهبم‪ :‬أما شراب أهل النار فإنه احلميم الشديد احلرارة‪ ,‬يشربونه من شدة العطش‬
‫وهم يعملون حرارته ومحيمه فيقطع أمعاءهم وأحشاءهم‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ت ُم ْرَت َفقاً‪‬‬ ‫وه بِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬وإِ ْن يستغِيثوا يغاثُوا مِب ٍ‬
‫اب َو َساءَ ْ‬ ‫س الشََّر ُ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ش‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫اء‬ ‫َ َ َْ ُ َُ َ‬
‫(الكهف ‪ )29-28‬وقال تعاىل‪َ :‬و ُس ُقوا َماءً مَحِ يماً َف َقطَّ َع أ َْم َعاءَ ُه ْم‪( ‬محمد ‪ )15‬وقال‬
‫تعالى‪:‬أولئك الذين أبسلوا مبا كسبوا هلم شراب من محيم وعذاب أليم مبا كانوا‬
‫يكفرون‪( ‬األنعام ‪ )70‬فاللهم عفوك ورمحتك‪ ,‬فما أشقى هذه احلياة‪ ,‬وما أتعس‬
‫أهلها‪ .‬فراشهم من نار وحلافهم من نار وفاكهتهم من نار وطعمهم من نار‪,‬‬
‫وشراهبم‪ /‬احلميم وظلهم اليحموم‪ ..‬وال غياث وال كرمي كلما استغاثوا ألجيبوا‪:‬‬
‫ون ‪ ‬فيا من تعصى اهلل تصور نفسك وأنت يف هذه‬ ‫ال اخسأُوا فِيها وال تُ َكلِّم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪‬قَ َ ْ َ‬
‫احلال‪ ,‬وقد رميت هلذا املآل وقذف بك يف جهنم‪ ,‬أتراك تفديك أموالك‪ ,‬أم تراك‬
‫ينجيك جاهك وأوالدك‪ ,‬فتب إىل اهلل‪ ,‬فقد أوشك الفول وقرب احلساب‪.‬‬
‫فما هي إال ساعة وسوف تنقضي‬
‫ويدرك غب السري من هو صابر‬
‫واعلم أن اهلل حيب التوابني وحيب املتطهرين ويفرح بتوبة عبده ويفرحه هبا‪ ,‬وجيزيه‬
‫عليها خري اجلزاء وقل يا رب‪:‬‬
‫أسأت ومل أحسن وجئتك تائ ـ ــباً‬
‫وأين لعــبد عن مواليه يهرب‬
‫يؤمل غفراناً فإن خـ ـ ــاب ظنه‬
‫فما أحد منه على األرض‪ /‬أخيب‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أ َْم ُر اللَّه أَْنَزلَهُ إِلَْي ُك ْم َو َم ْن َيت َِّق اللَّهَ يُ َكف ِّْر َعْنهُ َسيِّئَاته َويُ ْعظ ْم لَهُ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬ذل َ‬
‫َجراً ‪( ‬الطالق ‪ )5‬فيا عبد اهلل استعن باهلل وال تعجز‪ ,‬وسر على درب قافلة النجاة‪,‬‬ ‫أْ‬
‫استمسك بكتاب اهلل وسنة رسول اهلل‪ ,‬والصحابة من بعده والزم التوبة‬
‫واالستغفار‪ /‬فإهنا حلية الصاحلني ومنار األنبياء واملرسلني قال تعاىل خماطباً عباده‬
‫املؤمنني‪َ :‬وتُوبُوا إِىَل اللَّ ِه مَجِ يعاً أَيُّ َها الْ ُم ْؤ ِمنُو َ‪/‬ن لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن‪( ‬النور ‪ )31‬وتأمل‬
‫كيف علق فالحهم –وهم املؤمنون‪ -‬على التوبة ليعلم كل مؤمن أن اخلري يف‬
‫مالزمته هلذه العبادة اجلليلة‪:‬‬
‫أستغفر اهلل مما يعلـ ــم اهلل‬
‫إن الشــقي ملن حيرم اهلل‬
‫ما أحلم اهلل عمن ال يراقــبه‬
‫كل مسـيء ولكن حيلم اهلل‬
‫فاستغفر اهلل مما كان من زلل‬
‫طوىب ملن كف عما يكره اهلل‬
‫طوىب ملن حسنت منه سريرته‬
‫طوىب ملن ينتهي عما هنى اهلل‬
‫حزنتها وهيئة أهلها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫ين َآمنُوا قُوا أَْن ُف َس ُك ْم َوأ َْهلي ُك ْم نَاراً َوقُ ُ‬ ‫خزنتها‪ :‬قال تعاىل‪ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫صو َن اللَّهَ َما أ ََمَر ُه ْم َو َي ْف َعلُو َن َما يُ ْؤ َم ُرون‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َواحْل َج َارةُ َعلَْي َها َمالئ َكةٌ غال ٌظ ش َد ٌاد ال َي ْع ُ‬
‫‪(‬التحريم‪ )6‬فخزنة جهنم موصوفون‪ /‬بالغلظة والشدة ملا ملناسبة هاتني الصفتني ملكان‬
‫العذاب‪ ,‬فهم غالظ على الكفار‪ /‬شداد عليهم‪ ,‬فال يغلبون وال يقهرون وال يعصون‬
‫اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪ ,‬وقد ذكر اهلل جل وعال عدهتم فتنة للمنافقني‬
‫ُصلِ ِيه َس َقَر ‪َ ‬و َما أ َْد َر َاك َما َس َق ُر‪ ‬ال ُتْب ِقي َوال تَ َذ ُر‪‬‬ ‫والكفار‪ /‬فقال سبحانه‪َ :‬سأ ْ‬
‫احةٌ لِْلبَ َشر‪َ ‬علَْي َها تِ ْس َعةَ َع َشَر‪( ‬المدثر‪ )30-26‬وقد افتنت املنافقون بذلك فظنوا أهنم‬ ‫لََّو َ‬
‫قادرون على هذا العدد‪ /‬القليل‪ ,‬فأعقب اهلل جل وعال اآلية بقوله‪َ :‬و َما َج َع ْلنَا‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصح َ ِ ِ‬
‫ك َفروا‪( ‬المدثر‪)31‬‬
‫ين َ ُ‬ ‫اب النَّا ‪/‬ر إاَّل َمالئ َكةً َو َما َج َع ْلنَا ع َّدَت ُه ْم إاَّل فْتنَةً للَّذ َ‬ ‫أَْ‬
‫فيها غالظ شداد من مالئكة‬
‫قلوهبم‪ /‬شدة أقوى من احلجر‬
‫هيئه أهل النار‪ :‬وأما هيئة أهل النار‪ /‬فإهنا عظيمة هائلة‪ ,‬جسد الواحد‪ /‬منهم مثل‬
‫عدد من جبال الدنيا‪ /‬الكبرية العالية‪ ,‬وال تسل عن ضروسهم ورؤوسهم‪ /‬وجلودهم‬
‫فهي من العظمة ما ال يقدر عليه إال اهلل سبحانه‪ ,‬وما ذاك إال ليذوقوا العذاب يف‬
‫أعلى صوره وأنكى شدائده‪ ,‬فإنه كلما تضخم جسمهم كلما قوي العذاب يف‬
‫جنباهتم‪ ,‬فعظم أجسادهم نوع من العذاب قال ‪ ":‬ما بني منكيب الكافر يف النار‬
‫مسرية ثالثة أيام للراكب املسرع" [مسلم] وقال‪ ":‬ضرس الكافر‪ ,‬أو ناب الكافر‪,‬‬
‫مثل أحد‪ ,‬وغلظ جلده مسرية ثالث" [مسلم] فتأمل يا عبد اهلل‪ ..‬يف قدرة اهلل‬
‫وحكمته‪ ,‬كيف ضخم أجسام الكفار‪ /‬نكاية هبم وزيادة هلم يف الشقاء والعذاب‬
‫وتصور إذا كان ضرس الكافر مثل جبل أحد فكيف سيكون شكله وهيئته‬
‫وجسمه‪ ,‬إن العقل يعجز عن تصور هذا الشكل الرهيب العظيم‪ .‬إمنا عظم اهلل‬
‫أجسامهم ألهنا وقود النار هبا تتسعر وتتقد‪ ,‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪ .‬قال‪:‬‬
‫" ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعاً‪ ,‬وعضده مثل‬
‫البيضاء‪ ,‬وفخذه مثل ورقان‪ ,‬ومقعده من النار‪ /‬ما بيين وبني الربذه" [السلسلة الصحيحة]‬

‫فلك أن تقارن –أخي الكرمي‪ -‬بني هيئة أهل اجلنة وما هم فيه من النعيم وهم‬
‫شباب ال يهرمون يتنعمون وال يبأسون‪ ..‬وبني هيئة أهل النار وكيف أهنا وبال‬
‫عليهم وحسرة وزيادة يف النكال‪.‬‬
‫أتأمن بالنفس النفيسة رهب ــا‬
‫وليس هلا يف اخللق كلهم مثــن‬
‫هبا متلك األخرى فإن أنا بعتـها‬
‫بشيء من الدنيا‪ /‬فذاك هو الغــنب‬
‫ألن ذهبت نفسي بدنيا أصيبـها‬
‫لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن‬

‫لباس أهل النار‪ :‬وكما يف النار‪ /‬طعام وشراب وفراش ففيها أيضاً اللباس‪ ,‬وليس‬
‫اللباس لوقايتهم‪ /‬من احلر وإمنا هو زيادة يف العذاب وتنوع يف النكال‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫يم ‪ ‬فهي‬ ‫م‬‫وس ِهم احْل ِ‬‫ب ِمن َفو ِق ر ُؤ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬
‫ر‬ ‫ا‬‫َ‬‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬‫‪‬فَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّعت هَل م ثِياب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُْ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫ثياب من نار‪ .‬كان إبراهيم التيمي‪ /‬إذا تال هذه اآلية يقول‪*:‬سبحان من خلق من‬
‫النار‪ /‬ثياباً* [التخويف من النار] فهي لباس مقطعة تزيد البسها عذاباً ونكاالً وأملاً‪ .‬قال‬
‫َص َف ِاد‪َ ‬سَرابِيلُ ُه ْم ِم ْن قَ ِطَر ٍان َوَت ْغ َشى‬ ‫تعاىل‪:‬وَترى الْمج ِر ِم ‪ِ ٍ ِ /‬‬
‫ني يِف اأْل ْ‬
‫ني َي ْو َمئذ ُم َقَّرن َ‬
‫ََ ُْ َ‬
‫وه ُه ُم‬
‫ُو ُج َ‬
‫َّار‪( ‬إبراهيم‪ )49,50 :‬والقطران هو النحاس املذاب‪ .‬فالبس أخي لباس التقوى‪ /‬يقيك‬ ‫الن ُ‪/‬‬
‫من حر يوم القيامة وينافح عنك وينافح عنك هليب جهنم‪ ,‬فإنه أسلم لك وأجدى‬
‫وأنفع من لباس اإلجرام والفسوق واملعاصي إذ هو مذلة الدنيا‪ ,‬حسرة يوم القيامة‪,‬‬
‫فانظر كيف ألبسهم اهلل يوم القيامة ثياباً مقطعة حامية‪ ,‬ملا لبسوا يف الدنيا لباس‬
‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكبائر والفواحش والفجور‪ /,‬قال تعاىل‪ :‬لبَاساً يُ َواري َسوءات ُك ْم َوريشاً َولبَ ُ‬
‫الت ْق َوى‪( /‬ألعراف‪ )26:‬وممن يلبسون تلك الثياب النائحات‪ .‬قال ‪ ":‬النائحة إذا مل‬ ‫َّ‬
‫تتب قبل موهتا‪ ,‬تقام يوم القيامة‪ ,‬وعليها سربال من قطران ودرع من جرب "‬
‫‪.‬‬ ‫[مسلم]‬
‫وأهل النار يعذبون ظاهراً وباطناً فهم مع عذاهبم اجلسدي‪ ,‬يتعذبون باحلسرة‬
‫ت َما يِف‬ ‫س ظَلَ َم ْ‬ ‫َن لِ ُك ِّل َن ْف ٍ‬
‫والندامة على كفرهم وأعماهلم‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬ولَ ْو أ َّ‬
‫ض َي َبْيَن ُه ْم بِالْ ِق ْس ِط َو ُه ْم ال‬ ‫َّدامةَ لَ َّما رأَوا الْع َذاب وقُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وا‬ ‫ر‬‫ُّ‬ ‫َس‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ض ال ْفتَ َدت بِِ‬
‫ه‬
‫ْ َ‬ ‫اأْل َْر ِ‪/‬‬
‫يُظْلَ ُمو َن‪( ‬يونس‪ )54:‬وتزداد ندامتهم إذ يتربأ منهم الشيطان الذي أغواهم‪ .‬قال‬
‫ص ِر ِخ َّي إِيِّن‬ ‫مِب‬
‫ص ِرخ ُك ْم َو َما أَْنتُ ْم ُ ْ‬
‫تعاىل‪ :‬فَال َتلُومويِن ولُوموا‪ /‬أَْن ُفس ُكم ما أَنَا مِب ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫يم‪( ‬إبراهيم‪. )22:‬‬ ‫ون ِمن َقبل إِ َّن الظَّالِ ِمني هَل م ع َذ ِ‬ ‫َك َفرت مِب َا أَ ْشر ْكتُم ِ‬
‫اب أَل ٌ‬‫َ ُْ َ ٌ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫اعَتَرفُوا‪ /‬بِ َذنْبِ ِه ْم‬ ‫بل يصرخون بندامتهم واعرتافهم‪ /‬بذنبهم وقلة عقلهم‪ ,‬قال تعاىل‪ :‬فَ ْ‬
‫السعِ ِ‪/‬ري‪( ‬الملك‪ )11:‬ويتمنون لو أن كانوا تراباً من شدة ندمهم‪.‬‬ ‫اب َّ‬ ‫َصح ِ‬ ‫أِل‬
‫فَ ُس ْحقاً ْ َ‬
‫ت ي َداه وي ُق ُ ِ‬
‫ت ُتَراباً‪‬‬ ‫ول الْ َكاف ُر يَا لَْيتَيِن ُكْن ُ‬ ‫َّم ْ‪َ َ ُ َ /‬‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬ي ْو َم َيْنظُُر الْ َم ْرءُ َما قَد َ‬
‫(النبأ‪ )40:‬وتارة يلوم بعضهم بعضاً‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬ه َذا َف ْو ٌج ُم ْقتَ ِح ٌم َم َع ُك ْم ال َم ْر َحباً‬
‫س الْ َقَر ُار‬ ‫ئ‬
‫ْ‬ ‫َّمتُموهُ‪ /‬لَنَا فَبِ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫صالُو النَّار‪ /‬قَالُوا بل أَْنتُم ال مرحباً بِ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫هِبِم إِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض ْعفاً يِف النَّا ِر‪( ‬صّ ‪)61-59:‬‬ ‫‪‬قَالُوا‪ /‬ربَّنَا من قَدَّم لَنَا ه َذا فَ ِز ْده ع َذاباً ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫اب‬‫َص َح َ‬ ‫اب النَّا ِ‪/‬ر أ ْ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫ويزدادون حسرة إذ يلومهم‪ /‬املؤمنون ويوخبوهنم‪َ :‬ونَ َادى أ ْ‬
‫يضوا‪َ /‬علَْينَا ِم َن الْ َم ِاء أ َْو مِم َّا َر َزقَ ُك ُم اللَّهُ قَالُوا إِ َّن اللَّهَ َحَّر َم ُه َما َعلَى‬ ‫ِ ِ‬
‫اجْلَنَّة أَ ْن أَف ُ‬
‫اه ْم َك َما‬ ‫ين اخَّتَ ُذوا‪ِ /‬د َين ُه ْم هَلْواً َولَعِباً َو َغَّر ْت ُه ُم احْلَيَاةُ ُّ‬ ‫الْ َكافِ ِر َّ ِ‬
‫الد ْنيَا فَالَْي ْو َم َنْن َس ُ‬ ‫ين‪‬الذ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪( ‬ألعراف‪)51-50:‬‬ ‫نَ ُسوا لَِقاءَ َي ْو ِم ِه ْم َه َذا َو َما َكانُوا بِآياتِنَا جَيْ َح ُدو َ‪/‬‬
‫ض َعلَْينَا‬ ‫ك لَِي ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫وتكتمل حسرهتم إذ يوخبهم املالئكة‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬ونَ َاد ْوا يَا َمال ُ‬
‫ال إِنَّ ُك ْم َماكِثُو َن ‪‬لََق ْد ِجْئنَا ُك ْم بِاحْلَ ِّق َولَ ِك َّن أَ ْكَثَر ُك ْم لِْل َح ِّق َكا ِر ُهو َن‪‬‬ ‫ك قَ َ‬ ‫َربُّ َ‬
‫(الزخرف‪. )78-77:‬‬
‫فتذكر أخي الكرمي هذه املشاهد املرعبة‪ ....‬واعمل لنفسك أن تنجو من عذاب اهلل‬
‫فإن عذاب اهلل شديد‪ ,‬وإن انتقامه عزيز‪ .‬وال حول وال قوة إال اهلل‪.‬‬
‫كيف نتقي النار‪:‬‬

‫وأما كيف نتقي النار‪/-‬فمن أجل هذا أنزل اهلل الكتب‪ /‬وبعث األنبياء والرسل‪ .‬فهو‬
‫موضوع عظيم وجليل يتضمن لب الشريعة ومقصودها‪ ,‬ومن أجل ذلك فرض اهلل‬
‫اجلهاد والقنال‪ ,‬والدعوة واألمر باملعروف والنهي‪ /‬عن املنكر واحلبسة‪ .‬فتقوى النار‪/‬‬
‫ليس باألمر اهلني إهنا فريق النجاة من جهنم اليت سبق الكالم عنها وعن أحواهلا‬
‫وأحوال أهلها وما يالقونه فيها من ألوان العذاب ومحيم الشراب والثياب‪.‬‬
‫أخي الكريم‪ :‬اعلم أن النجاة كل النجاة‪ ,‬يف االستقامة على أمر اهلل مبراد اهلل لوجه‬
‫اهلل‪ ,‬ولن يأيت لك العلم بذلك إال إذا فقهت‪ /‬أنك يف دار ابتالء وامتحان‪ ,‬وأن اهلل‬
‫جل وعال هو الذي ميتحنك يف الدنيا‪ /‬والشيطان والنفس األمارة واهلوى‪ ,‬فقد أنزل‬
‫وحيه على رسوله ‪‬وأمرك باتباعه مث أمرك باتباعه مث أمرك باإلخالص يف ذلك‪,‬‬
‫ِ‬
‫وجعل اتباعك و‘خلصك عالمة جناحك وجناتك قال تعاىل‪ :‬الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ‬
‫ت‬
‫َح َس ُن َع َمالً َو ُه َو الْ َع ِز ُيز الْغَ ُف ُ‪/‬‬ ‫ِ‬
‫ور‪( ‬الملك‪ )2:‬وإحسان العمل إمنا‬ ‫َواحْلَيَا َة ليَْبلَُو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫يكون باالتباع لرسول اهلل ‪ ‬واإلخالص هلل سبحانه‪.‬‬
‫فالزم أخي الكرمي‪ ,‬هذين الركنني العظيمني فإن عليهما مدار‬
‫النجاة والفالح‪ ,‬وإياك واخلروج عن مجاعة املسلمني أهل السنة واجلماعة‪,‬فإنه الزيغ‬
‫بعينه واهلالك بذاته‪ .‬قال‪":‬أال إن من قبلكم من أهل الكتاب اقرتفوا‪ /‬على اثنني‬
‫وسبعني ملة‪ ,‬وإن هذه امللة ستفرتق على ثالث وسبعني‪ ,‬اثنتان وسبعون يف النار‪/‬‬
‫وواحدة يف اجلنة‪ ,‬وهي اجلماعة" [السلسلة الصحيحة الحديث رقم ‪ ]204‬فالزم مجاعة‬
‫املسلمني‪ ,‬وامض على درب النيب ‪ ‬وصحابته رضوان اهلل عليهم أمجعني‪.‬‬
‫فكل خري يف اتباع من سلف‬
‫وكل شر يف ابتداع من خلف‬
‫قال تعاىل‪ :‬قُ ْل إِ ْن ُكْنتُ ْم حُتِ بُّو َن اللَّهَ فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم‬
‫ذُنُوبَ ُك ْمٌ‪( ‬آل عمران‪ )31:‬وقال سبحانه خماطباً رسول اهلل ‪ ‬والصحابة‪ :/‬إِنَّهُ َم ْن‬
‫يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه َف َق ْد َحَّر َم اللَّهُ َعلَْي ِه اجْلَنَّةَ‪(‬المائدة‪ )72:‬وأن التوحيد واإلميان هو النجاة وإمنا‬
‫اعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلَهَ إِاَّل اللَّهُ‬‫يوحد اهللَ من يعرفه ويعرف أمساءه وصفاته قال تعاىل‪ :‬فَ ْ‬
‫اسَت ْغ ِف ْر لِ َذنْبِكَ‪( ‬محمد‪ )19:‬فالشرك موجب حلبوط األعمال‪ ,‬موجب للخلود يف‬ ‫َو ْ‬
‫النار‪ .‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫واجتنب كبائر الذنوب فإهنا مهلكة للعبد مسببة لدخول النار‪ ,‬فاحلسد والكذب‬
‫واخليانة والظلم والفواحش والغدر وقطيعة الرحم والبخل وترك الفرائض والرياء‬
‫والسمعة وعقوق الوالدين وشهادة الزور وغريها من الكبائر موجب لدخول النار‪/‬‬
‫والعياذ باهلل‪.‬‬
‫فاجتنب أخي الكرمي هذه الكبائر‪ ,‬واستعن باهلل يف الصاحلات من العمال وأوهلا أداء‬
‫ما افرتض‪ /‬اهلل عليك فإن اهلل جل وعال حيب التقرب إليه مبا افرتضه على عبده أوالً‬
‫مث بالنوافل والقربات ثانياً وأهم الفرائض الصالة فإهنا أول ما حياسب عليه العبد‬
‫يوم القيامة‪ ,‬فإن صلحت صلح سائر عمله‪ .‬قال رسول اهلل ‪ ":‬العهد‪ /‬الذي بيننا‬
‫وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر" ووصييت لك أخي احلبيب‪ :‬إذا أردت النجاة‬
‫من النار‪ /‬أن جتعل بينك وبينها حجاب التقوى فإنه خري دليل إىل اجلنة قال تعاىل‪:‬‬
‫ات ُقوا اللََّهًَ‪( /‬النساء‪)131:‬‬
‫ً‬ ‫اب ِم ْن َقْبلِ ُك ْم َوإِيَّا ُك ْم أ َِن َّ‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬
‫ولََق ْ‪/‬د و َّ َّ ِ‬
‫صْينَا الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫وأصل التقوى‪ /‬أن جيعل العبد‪ /‬بينه وبني ما خيافه وحيذره وقاية تقيه من ذلك وهو‬
‫فعل طاعته واجتناب معاصيه‪ .‬فهو سبحانه أحق أن خُي شى وأحق أن يُهاب قال‬
‫الت ْق َوى‪َ /‬وأ َْه ُل الْ َم ْغ ِفَر ِة‪( ‬المدثر‪ )56:‬فقدم لنفسك يا‬
‫تعاىل‪ :‬إِاَّل أَ ْن يَ َشاءَ اللَّهُ ُه َو أ َْه ُل َّ‬
‫عبد اهلل وأقبل على ربك بالطاعات والقربات‪ ,‬فقد أنذر النذير وأوشك الرحيل‪.‬‬
‫واعلم بأن تقوى اهلل حتفظ العبد‪ /‬يف الدنيا‪ /‬قبل اآلخرة‪ .‬كما جرى لسفينة موىل‬
‫النيب ‪ ‬حيث كسر به املركب وخرج إىل اجلزيرة‪ ,‬فرأى األسد فجعل ميشي معه‬
‫حىت دله على الطريق‪ ,‬فلما أوقفه عليها جعل يهمهم‪ /‬كأنه يودعه مث رجع عنه‪.‬‬
‫[انظر جامع العلوم الحكم البن رجب]‬
‫فتأمل يا عبد اهلل يف فضل التقوى‪ /‬على العبد‪ /‬يف الدنيا‪ /‬كيف تكون سبباً لسالمته‪,‬‬
‫واعلم بأنه سالمة وجناة يف اآلخرة كذلك‪ .‬فهي مجاع األمر وخالصته‪ ,‬إذ هبا‬
‫حتصل مراقبة اهلل يف السر والعلن ولذلك قال عمر بن عبد العزيز‪ ,‬ليس تقوى اهلل‬
‫بصيام النهار وال بقيام الليل والتخليط‪ /‬فيما بني ذلك‪,‬ولكن تقوى اهلل ترك ما حرم‬
‫اهلل‪ ,‬وأداء م افرتضه‪ /‬اهلل فمن رزقه بعد ذلك خرياً فهو خري إىل خري" [جامع العلوم‬
‫والحكم]‬
‫أخي الكرمي‪:‬‬
‫فاس ــلك طريق املتقـ ـ‬
‫ــني وظن خري بالكرمي‬
‫واذك ـ ــر وقوفك خائفاً‬
‫والنــاس يف أمر عظيم‬
‫إمـ ــا إىل دار الشــقا‬
‫وة أو إىل العز إىل العـ ــز املقــيم‬
‫وفقنا اهلل وإياك لتقوى اهلل والوقاية من عذابه وصلى اهلل على حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫صفة النار من الكتاب والسنة إعداد القسم العلمي بدار خزيمة‬

You might also like