Professional Documents
Culture Documents
صفة النار
صفة النار
المقدمة:
اعلم أخي الكرمي ,أن التفكر يف أهوال القيامة جيدد اإلميان واليقني وحييي يف قلبك
اخلوف من اهلل ,والفرار إليه ,ويهون يف عينك الدنيا /وزخرفها ,فتحقر نفسك
عيشها ,وتضيق بك حىت ليخيل إليك انك مسجون.
وما نار جهنم إال خامتة العذاب ,فكلها جحيم وشقاء ,وصراخ وبكاء وحسرة
وعناء ,هليبها يلفح الوجوه ,وماؤها يقطع األمعاء ,وحرها يلكح أهلها ,قد ملئت
أغالالً وأصفاداً ,وسعرت فصارت سواداً ..ماؤها محيم وظلها حيموم /وعذاهبا دائم
مقيم ويف الكتاب نستعرض إن شاء اهلل صفاهتا وأحوال أهلها ,تذكرة وتبصرة واهلل
من وراء القصد/.
صفة النار:
لرمبا تصورت –أخي الكرمي -إن نار جهنم يف حرها كنار الدنيا /اليت نعلم ,ولكن
األمر ليس كذلك فهي أشد فيحاً .وإمنا نار الدنيا /جزء قليل من جهنم ,قال رسول
اهلل": ناركم اليت توقدون /جزء من سبعني جزءاً من جهنم قالوا /يا رسول اهلل
وغن كانت لكافية قال:فإهنا فضلت بتسعة وستني جزءاً" [البخاري ومسلم] بل إن شدة
احلر اليت نشكو منها يف الدنيا ,ونتقيها مبا منلك من وسائل التربيد والتلطيف إمنا
هي نفس جهنم تتنفسه ,كما أن الربد الذي نشكو زمهريره ورعشته إمنا هو نفس
جهنم ,قال ":اشتكت النار /على رهبا ,فقالت رب أكل بعضي بعضاً ,فأذن هلا
بنفسني :نفس يف الشتاء ونفس يف الصيف ,فأشد ما جتدون من احلر وأشد ما
جتدون من الزمهرير" وقال ":أبردوا بالصالة,فإن شدة احلر من فيح جهنم"
[البخاري مع الفتح]
قال كعب احلبار :والذي نفس كعب بيده ,لو كنت باملشرق والنار باملغرب مث
كشف عنها خلروج دماغك من منخريك من شدة حرها .يا قوم هل لكم هبذا/
قرار؟ أم لكم على هذا صرب؟ يا قوم طاعة اهلل أهون عليكم من هذا العذاب
فأطيعوه.
أخي :لو مل يكن يف النار /إال هذا احلر لكفى به واعظاً ورادعاً عن املعصية..
اعةً لِلشَّوى( المعارج )16-15 اَّل ِ
فكيف واألمر أشد وأعظم َ ك إنَّ َها لَظَىَ نَّز َ َ
تشوه حلم الوجه وتنزع جلده فتفقده شكله وتسلبه حسنه ,إهنا قعر مليئة باخلنادق
املكفهرة واجلبال احلامية العلية ,واحليات والعقارب واملقامع والغالل واألصفاد..
طعامها مرير ,وماؤها حار محيم ,وكلها ذل ومهانة وخزي وندامة وحسرة تعض
منها األنامل ,ويود الكافر فيها لو كان تراباً .يو ُّد الْم ْج ِرم لَو ي ْفتَ ِدي ِمن َع َذ ِ
اب ْ ََ ُ ُ ْ َ
صيلَتِ ِه الَّيِت تُ ْؤ ِو ِيه َ و َم ْن يِف اأْل َْر ِ
ض مَجِ يعاً مُثَّ َخ ِيه وفَ ِ يو ِمئِ ٍذ بِبنِ ِيه و ِ
احبتِ ِه وأ ِ
َ ص َ َ َ َ َْ َ
يه ( المعارج )14 -11 يْن ِج ِ
ُ
فهيء جواباً عندما تســمع الندا
من اهلل يوم العرض /ماذا أجبتـم
به رسلي ملا أتوكم فمــن يكن
أجاب سواهم سوف خيزي ويندم
وخذ من تقى الرمحن أعظم جن ــة
ليوم به تبـ ــدو عياناً جهنم
وينصب ذاك اجلسر من فوق متنها
فهاو وخم ــدوش وناج مسلم
وال تسل عن أكلها وشرهبا وفراشها ودركاهتا فهي جحيم ولظى ونريان ال تفىن
أعدها اهلل لكل جواظ عتل مستكرب ,إذا ذكر ال يذكر ,وإذا وعظ مل يتعظ ,وإذا
مسع آيات اهلل اختذها هزواً ولعباً قال رسول اهلل ":أال أخربكم بأهل النار؟ كل
عتل جواظ مستكرب" [رواه البخاري ومسلم] وقال ":صنفان من أهل النار /مل أرمها ,قوم
معهم سياط كأذناب البقر يضربون هبا الناس ,ونساء كاسيات عاريات مميالت
مائالت ,رؤوسهن كأسنمة البخت املائلة ,ال يدخلن اجلنة وال جيدن رحيها لتوجد
من مسرية كذا وكذا" [السلسلة الصحيحة]
فتذكر أخي احلبيب :إذا كان هذا حال أهون الناس عذاباً يوم القيامة ,فما بال
غريه.
فيا أخي:
تذكر يوم تأيت اهلل فــردا
وقد نصبت موازين القـضاء
وهتكت الستور /عن املعاصي
وجاء الذنب منكشف الغطاء
وإن من شدة ما جيده أهل النار من األهوال وألوان العذاب يتمنون فدية أنفسهم/
َح ِد ِه ْم ِ
ين َك َف ُروا َو َماتُوا َو ُه ْم ُك َّف ٌار َفلَ ْن يُ ْقبَ َل م ْن أ َ
بكل شيء قال تعاىلِ َّ َّ :
ِ ن الذ َ
اص ِرين [ آل ك هَل م ع َذاب أَلِيم وما هَل م ِمن نَ ِ َ ض ذَهباً ولَ ِو ا ْفتَ َدى بِِه أُولَئِ ِ َر أْلا لء ِ
م
َ ْ ُ
ٌَ ْ َ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ ُ
َن هَل م ما يِف اأْل َر ِِ ِ / ِ َّ ِ
ض مَج يعاً َوم ْثلَهُ ْ ين َك َف ُروا لَ ْو أ َّ ُ ْ َ عمران ]91وقال سبحانه :إ َّن الذ َ
يم[المائدة] وما اب يوِم الْ ِقيام ِة ما ُت ُقبِّل ِمْنهم وهَل م ع َذاب أَلِ معهُ لِي ْفتَ ُدوا بِِه ِمن َع َذ ِ
ٌ ٌ َ ُ
َ َْ ْ ُ َ َ َ ْ َ ْ ََ َ
ذلك إال لعظم النكال والعذاب يف تلك الدركات فال نصري وال منقذ وال معني ,بل
إهنم يودون لو يفتدون بأبنائهم الذين من أصالهبم قال تعاىل:
اب يو ِمئِ ٍذ بِبنِ ِيه وص ِ
احبَتِ ِه َوأ َِخ ِيه ِ ِ ِ
ص ُرو َن ُه ْم َي َو ُّد الْ ُم ْج ِر ُم لَ ْو َي ْفتَدي م ْن َع َذ َ ْ َ َ َ يُبَ َّ
ض مَجِ يعاً مُثَّ يُْن ِج ِيه َ كاَّل إِنَّ َها لَظَى
صيلَتِ ِه الَّيِت ُت ْؤ ِو ِيهَ و َم ْن يِف اأْل َْر ِوفَ ِ
َ
اعةً لِلشَّوى[ المعارج ]16-11
َنَّز َ َ
سعة جهنم:
سعتها :والضيق يف جهنم إحدى وسائل العذاب اليت يصبها اهلل على الكفار/
والعصاة ..فالضيق يشمل ظواهرهم وبواطنهم ,وكيف ال ونفوسهم أصاهبا من اهلم
والغم /واحلسرة ماال يوصف مما هم فيه من العذاب والنكال ..حر ومحيم ومسوم
وحيموم /سالسل وأصفاد وظلمة وسواد ..وقد اجتمعت عليهم ألوان العذاب
وأشكاله فنفوسهم ضيقة ضنكة ,وفوق ذلك كله جتدهم حمشورين يف أضيق
األماكن يف جهنم تنكيالً هبم وزياد هلم يف الغم /واهلم قال تعاىلَ :وإِ َذا أُلْ ُقوا ِمْن َها
ك ثُبُوراً[ الفرقان ]13فهم ملقون يف أضيق ِ ِ
ني َد َع ْوا ُهنَال َ
ضيِّقاً ُم َقَّرن َ
َم َكاناً َ
األماكن,وقد /كانوا يف الدنيا /ينحتون من اجلبال القصور /فرحني هبا ,فما أحوجهم
يوم القيامة إىل شرب من األرض /يعبدون اهلل فيه فينجون من ذلك الضيق وذلك
ني قال أبو عبدة ":أي لفي اب الْ ُف َّجا ِر لَِفي ِس ِّج ٍ ِ
العذاب .قال تعاىلَ :كاَّل إِ َّن كتَ َ
حبس وضيق شديد" [فتح القدير] .فارحم نفسك يا عبد اهلل فبل فوات األوان
فأنت حتسب ألف حساب يف حيتك حىت ال ترتكب ما يدخلك السجن يف الدنيا,
وقد تضطر إىل أن تتجاوز عن حقك ,مقابل السالمة واحلرية والنجاة من ذلك,
أفال يكون احتياطك من سجن جهنم الرهيب أوىل؟ أو قادر أنت على سجينها
املظلم الضيف احلميم؟ أو يتحمل جسمك الضعيف أو جلدك اللطيف حر النار/
وهليبها وثقل األغالل وكيها وضيق املكان؟ أخي الكرمي:
تنبه قبل املوت إن كنت تعــقل
فعما قريب للمقابر حتم ــل
ومتسي رهيناً يف القبور /وتنــثين
لدى جدث حتت الثرى تتجندل
فريداً وحــيداً يف الرتاب ,وإمنا
قرين الفىت يف القرب ما كان يعمل
وجهنم مع ما حيصل ألهلها من الضيق ,فهي واسعة ضخمة ,يدل على ذلك ما
رواه أبو هريرة قال :كنا مع رسول اهلل ,إذ مسع وجبة (أي سقطة) فقال النيب
":تدرون ما هذا؟ قلنا :اهلل ورسوله أعلم .قال :هذا حجر رمي به يف النار منذ
سبعني خريفاً ,فهو يهوى يف النار إىل اآلن" [مسلم] وروي /أن رسول اهلل قال ":لو
أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفري جهنم هوى فيها سبعني خريفاً ال يبلغ
قعرها" [صحيح اجلامع] ومما يدل على سعة النار /وعظمها كثرة الداخلني إليها
على ما هم عليه من ضخامة اجلسم وعظم اهليئة ,وكذلك قذف الشمس والقمر/
فيها على ضخامة الشمس وسعة القمر ,قال رسول اهلل:
" الشمس والقمر ثوران مكوران /يف النار /يوم القيامة" [السلسلة الصحيحة]
ولك أن تتصور أخي الكرمي ضخامة جهنم وعظمها ,فهي واسعة عظيمة ,كبرية
مهولة ,ومع ذلك جيد فيها اجملرمون من الضيق والحبس ما يعضون عليه األنامل
من ندم التفريط يف الدنيا ,ولك أن تتصور جسرها وكيف أنه يكفي حلمل اخلالئق
كلهم يوم القيامة ,فكيف جبهنم نفسها؟ عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا
ضتُهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة قالت:
ض مَجِ يعاً َقْب َ
سألت رسول اهلل عن قوله تعاىلَ :واأْل َْر ُ
فأين الناس يومئذ؟قال :على جسر جهنم" [الترمذي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه وهو
صحيح اإلسناد] فأين ما مجعوا يف الدنيا وهم على جسرها العظيم ,ينتظرون نتيجة
املصري.
أخي :ال حتقر ذنباً مهما صغر فلرمبا كان مصرعك يف احتقاره والزم /وقار اهلل فإنه
التقى:
خل الذنوب صغيـ ـ ــرها
وكبيـرها فهو الت ـ ــقى
واصنع /كم ـ ـ ــاش فوق أر
ض الشـ ــوك حيذر /ما يرى
ال حتـ ــقرن صغي ـ ــرة
إن اجلب ــال من احلــصى
ومن عذاب جهنم صب احلميم فوق رؤوس أهلها قال تعاىل :ه َذ ِان خصم ِ
ان َ َْ َ
ب ِمن َفو ِق ر ُؤ ِ
وس ِه ُ/م اختَصموا /يِف رهِّبِ /م فَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّعت هَل م ثِي ِ
ص ُّ ْ ْ ُ اب م ْن نَا ٍر يُ َ َ ْ ُْ َ ٌ َ ُ َ ْ ْ َُ
هِنِ ِ احْل ِ
ود وحينما يصب فوقهم /ذلك احلميم الشديد/ ص َه ُر بِه َما يِف بُطُو ْ/م َواجْلُلُ ُيميُ ْ م
َ ُ
احلرارة ,تنقطع جلودهم وتذوب ,وتتمزق أحشاء بطوهنم وتصهر ,فال صرب وال
هروب ,وال خمرج وال جناة ,وال موت وال هالك ,و‘منا حييون بعد ذوباهنم فيعادون
للعذاب الشديد ,قال ":إن احلميم ليصب على رؤوسهم /فينفذ حىت خيلص إىل
جوفه فيسلت ما جوفه ,حىت ميرق من قدميه ,وهو الصهر ,مث يعود كما كان"
[الترمذي وقال حسن غريب صحيح ،انظر جامع األصول] ومن أهل النار /من تأكله النار /إىل
فؤاده .قال تعاىلَ :كاَّل لَُيْنبَ َذ َّن يِف احْلُطَ َم ِة َ و َما أ َْد َر َاك َما احْلُطَ َمةُ نَ ُار اللَّ ِه الْ ُموقَ َدةُ
الَّيِت تَطَّلِ ُع َعلَى اأْل َفْئِ َد ِة( /الهمزة )7-4كان ثابت البناين يقول ":حترقهم /النار إىل
األفئدة /وهم أحياء ,لقد بلغ منهم العذاب ,مث يبكي" [التخويف من النار] ومنهم من
تندلق أمعاءه فيطحن فيها ,وذلك الذي /يعظ مبا ال يتعظ وينصح الناس وينسى
نفسه .فقد ثبت يف الصحيحني أن رسول اهلل قال ":جياء بالرجل يوم القيامة,
فيلقى يف النار ,فتندلق أقتابه يف النار ,فيطحن فيها كما يطحن احلمار برحاه,
فيجتمع /أهل النار عليه ,فيقولون :أي فالن ,ما شأنك ,أليس كنت تأمرنا
باملعروف وتنهانا عن املنكر؟ قال :كنت آمركم باملعروف وال آتيه ,وأهناكم عن
املنكر وآتيه" [البخاري ومسلم] ومن أهل النار من تلفح النار وجهه ,فيلقى فيها كما
َّار َو ُه ْم فِ َيها َكاحِلُون
وه ُه ُم الن ُ
تلقى السمكة /يف الزيت احلار ,قال تعاىلَ :ت ْل َف ُح ُو ُج َ
ِ ِ ٍ
َّار (إبراهيم (المؤمنون )104وقال سبحانهَ :سَرابِيلُ ُه ْم م ْن قَطَران َوَت ْغ َشى ُو ُج َ
وه ُه ُم الن ُ/
)50ولك أن تتصور أخي الكرمي :حال وجوههم ولقد /ذهب حلمها وبقي عظمها,
فياهلا من بشاعة ,ويا له من أمل ومهانة ,تتقلب وجوههم يف النار /وهم ينادون فال
يسمعون ويصرخون وال يرمحون ,ويطلبون املوت فل جيابون ,وحينما تذوب
جلودهم بالنار ,يبدهلم اهلل جلوداً غريها .ألهنا مركز إحساسهم باألمل ,وهذا فيه
آية وإعجاز ملن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ,فقد ثبت يف الطب
احلديث أن اجللد مركز اإلحساس باألمل وغريه ,وقد ذكر اهلل جل وعال أن أهل
اجلحيم حينما تذوب جلودهم وحترتق خيلق هلم جلودا ً,أخرى ليحسوا بالعذاب
ف نُصلِي ِهم نَاراً ُكلَّما نَ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ت
ض َج ْ َ ين َك َف ُروا بآيَاتنَا َس ْو َ ْ ْ من جديد ,قال تعاىلإ َّن الذ َ
اب إِ َّن اللَّهَ َكا َن َع ِزيزاً َح ِكيماً ِ
ود ُه ْم بَ َّدلْنَ ُ
اه ْم ُجلُوداً َغْيَر َها ليَ ُذوقُوا /الْ َع َذ َ ُجلُ ُ
(النساء )56
وتصور أخي احلبيب :أن الكافر يوم القيامة يقسم باهلل أن مل ير خرياً قط ,مبجرد
ما تلفحه النار لفحة واحدة ,قال رسول اهلل ":يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار/
يوم القيامة فيصبغ يف النار /صبغة ,مث يقال :يا ابن آدم ,هل رأيت خرياً قط؟ هل مر
بك نعيم قط؟ فيقول ال واهلل يا رب" [مسلم] فاستعن باهلل يا عبد اهلل ,فإمنا الدنيا /إىل
زوال ,وإن نعيمها كاخليال وإمنا هي دار ابتالء وامتحان ,واحذر مداخل الشيطان
والزم التقى واحذر النفس واهلوى فإن هذه األربعة أسباب التعاسة يف الدنيا,
يم ِه َي
َ َ حالد ْنيا فَِإ َّن اجْل ِ
والعذاب يف اآلخرة .قال تعاىل :فَأ ََّما َم ْن طَغَىَ وآثََر احْلَيَاةَ ُّ َ
س َع ِن اهْلََوى فَِإ َّن اجْلَنَّةَ ِه َي الْ َمأْ َوى
َ فْ الن
َّ ى ه
َ ن
َ وَ
اف م َقام ربِِّ
ه الْ َمأْ َوىَ /وأ ََّما َم ْن َخ َ َ َ َ
(النازعات )41-37
إين بليت بأربع يرميـ ـ ـ ــنين
بالنبل قد نصبوا علي شـراكا
إبليس والدنيا /والنف ـ ــس واهلوى/
من أين أرجو بينهن فكاكا
يا رب ساعدين بع ـ ـ ــفو إنين
أصبحت ال أرجو هلن سواكا
شراهبم :أما شراب أهل النار فإنه احلميم الشديد احلرارة ,يشربونه من شدة العطش
وهم يعملون حرارته ومحيمه فيقطع أمعاءهم وأحشاءهم .قال تعاىل:
ت ُم ْرَت َفقاً وه بِ ِ ِ وإِ ْن يستغِيثوا يغاثُوا مِب ٍ
اب َو َساءَ ْ س الشََّر ُ َ ئ
ْ َ جُ و
ُ ل
ْ ا ي و ش
ْ ي
َ ل ه ْ م
ُ ل
ْ ا ك
َ اء َ َ َْ ُ َُ َ
(الكهف )29-28وقال تعاىلَ :و ُس ُقوا َماءً مَحِ يماً َف َقطَّ َع أ َْم َعاءَ ُه ْم( محمد )15وقال
تعالى:أولئك الذين أبسلوا مبا كسبوا هلم شراب من محيم وعذاب أليم مبا كانوا
يكفرون( األنعام )70فاللهم عفوك ورمحتك ,فما أشقى هذه احلياة ,وما أتعس
أهلها .فراشهم من نار وحلافهم من نار وفاكهتهم من نار وطعمهم من نار,
وشراهبم /احلميم وظلهم اليحموم ..وال غياث وال كرمي كلما استغاثوا ألجيبوا:
ون فيا من تعصى اهلل تصور نفسك وأنت يف هذه ال اخسأُوا فِيها وال تُ َكلِّم ِ
ُ َ َ قَ َ ْ َ
احلال ,وقد رميت هلذا املآل وقذف بك يف جهنم ,أتراك تفديك أموالك ,أم تراك
ينجيك جاهك وأوالدك ,فتب إىل اهلل ,فقد أوشك الفول وقرب احلساب.
فما هي إال ساعة وسوف تنقضي
ويدرك غب السري من هو صابر
واعلم أن اهلل حيب التوابني وحيب املتطهرين ويفرح بتوبة عبده ويفرحه هبا ,وجيزيه
عليها خري اجلزاء وقل يا رب:
أسأت ومل أحسن وجئتك تائ ـ ــباً
وأين لعــبد عن مواليه يهرب
يؤمل غفراناً فإن خـ ـ ــاب ظنه
فما أحد منه على األرض /أخيب
ِِ ِ ِ ِ
ك أ َْم ُر اللَّه أَْنَزلَهُ إِلَْي ُك ْم َو َم ْن َيت َِّق اللَّهَ يُ َكف ِّْر َعْنهُ َسيِّئَاته َويُ ْعظ ْم لَهُ
قال تعاىلَ :ذل َ
َجراً ( الطالق )5فيا عبد اهلل استعن باهلل وال تعجز ,وسر على درب قافلة النجاة, أْ
استمسك بكتاب اهلل وسنة رسول اهلل ,والصحابة من بعده والزم التوبة
واالستغفار /فإهنا حلية الصاحلني ومنار األنبياء واملرسلني قال تعاىل خماطباً عباده
املؤمننيَ :وتُوبُوا إِىَل اللَّ ِه مَجِ يعاً أَيُّ َها الْ ُم ْؤ ِمنُو َ/ن لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن( النور )31وتأمل
كيف علق فالحهم –وهم املؤمنون -على التوبة ليعلم كل مؤمن أن اخلري يف
مالزمته هلذه العبادة اجلليلة:
أستغفر اهلل مما يعلـ ــم اهلل
إن الشــقي ملن حيرم اهلل
ما أحلم اهلل عمن ال يراقــبه
كل مسـيء ولكن حيلم اهلل
فاستغفر اهلل مما كان من زلل
طوىب ملن كف عما يكره اهلل
طوىب ملن حسنت منه سريرته
طوىب ملن ينتهي عما هنى اهلل
حزنتها وهيئة أهلها:
ِ َّ ِ
َّاس
ود َها الن ُ ين َآمنُوا قُوا أَْن ُف َس ُك ْم َوأ َْهلي ُك ْم نَاراً َوقُ ُ خزنتها :قال تعاىل :يَا أَيُّ َها الذ َ
صو َن اللَّهَ َما أ ََمَر ُه ْم َو َي ْف َعلُو َن َما يُ ْؤ َم ُرون ِ ِ ِ ِ
َواحْل َج َارةُ َعلَْي َها َمالئ َكةٌ غال ٌظ ش َد ٌاد ال َي ْع ُ
(التحريم )6فخزنة جهنم موصوفون /بالغلظة والشدة ملا ملناسبة هاتني الصفتني ملكان
العذاب ,فهم غالظ على الكفار /شداد عليهم ,فال يغلبون وال يقهرون وال يعصون
اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ,وقد ذكر اهلل جل وعال عدهتم فتنة للمنافقني
ُصلِ ِيه َس َقَر َ و َما أ َْد َر َاك َما َس َق ُر ال ُتْب ِقي َوال تَ َذ ُر والكفار /فقال سبحانهَ :سأ ْ
احةٌ لِْلبَ َشرَ علَْي َها تِ ْس َعةَ َع َشَر( المدثر )30-26وقد افتنت املنافقون بذلك فظنوا أهنم لََّو َ
قادرون على هذا العدد /القليل ,فأعقب اهلل جل وعال اآلية بقولهَ :و َما َج َع ْلنَا
ِ ِ ِِ ِ ِ َصح َ ِ ِ
ك َفروا( المدثر)31
ين َ ُ اب النَّا /ر إاَّل َمالئ َكةً َو َما َج َع ْلنَا ع َّدَت ُه ْم إاَّل فْتنَةً للَّذ َ أَْ
فيها غالظ شداد من مالئكة
قلوهبم /شدة أقوى من احلجر
هيئه أهل النار :وأما هيئة أهل النار /فإهنا عظيمة هائلة ,جسد الواحد /منهم مثل
عدد من جبال الدنيا /الكبرية العالية ,وال تسل عن ضروسهم ورؤوسهم /وجلودهم
فهي من العظمة ما ال يقدر عليه إال اهلل سبحانه ,وما ذاك إال ليذوقوا العذاب يف
أعلى صوره وأنكى شدائده ,فإنه كلما تضخم جسمهم كلما قوي العذاب يف
جنباهتم ,فعظم أجسادهم نوع من العذاب قال ":ما بني منكيب الكافر يف النار
مسرية ثالثة أيام للراكب املسرع" [مسلم] وقال ":ضرس الكافر ,أو ناب الكافر,
مثل أحد ,وغلظ جلده مسرية ثالث" [مسلم] فتأمل يا عبد اهلل ..يف قدرة اهلل
وحكمته ,كيف ضخم أجسام الكفار /نكاية هبم وزيادة هلم يف الشقاء والعذاب
وتصور إذا كان ضرس الكافر مثل جبل أحد فكيف سيكون شكله وهيئته
وجسمه ,إن العقل يعجز عن تصور هذا الشكل الرهيب العظيم .إمنا عظم اهلل
أجسامهم ألهنا وقود النار هبا تتسعر وتتقد ,نسأل اهلل السالمة والعافية .قال:
" ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعاً ,وعضده مثل
البيضاء ,وفخذه مثل ورقان ,ومقعده من النار /ما بيين وبني الربذه" [السلسلة الصحيحة]
فلك أن تقارن –أخي الكرمي -بني هيئة أهل اجلنة وما هم فيه من النعيم وهم
شباب ال يهرمون يتنعمون وال يبأسون ..وبني هيئة أهل النار وكيف أهنا وبال
عليهم وحسرة وزيادة يف النكال.
أتأمن بالنفس النفيسة رهب ــا
وليس هلا يف اخللق كلهم مثــن
هبا متلك األخرى فإن أنا بعتـها
بشيء من الدنيا /فذاك هو الغــنب
ألن ذهبت نفسي بدنيا أصيبـها
لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن
لباس أهل النار :وكما يف النار /طعام وشراب وفراش ففيها أيضاً اللباس ,وليس
اللباس لوقايتهم /من احلر وإمنا هو زيادة يف العذاب وتنوع يف النكال .قال تعاىل:
يم فهي موس ِهم احْل ِب ِمن َفو ِق ر ُؤ ِ ُّ ص ي ٍ
ر اَن ن مفَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّعت هَل م ثِياب ِ
ُ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ُْ َ ٌ َ ُ
ثياب من نار .كان إبراهيم التيمي /إذا تال هذه اآلية يقول*:سبحان من خلق من
النار /ثياباً* [التخويف من النار] فهي لباس مقطعة تزيد البسها عذاباً ونكاالً وأملاً .قال
َص َف ِادَ سَرابِيلُ ُه ْم ِم ْن قَ ِطَر ٍان َوَت ْغ َشى تعاىل:وَترى الْمج ِر ِم ِ ٍ ِ /
ني يِف اأْل ْ
ني َي ْو َمئذ ُم َقَّرن َ
ََ ُْ َ
وه ُه ُم
ُو ُج َ
َّار( إبراهيم )49,50 :والقطران هو النحاس املذاب .فالبس أخي لباس التقوى /يقيك الن ُ/
من حر يوم القيامة وينافح عنك وينافح عنك هليب جهنم ,فإنه أسلم لك وأجدى
وأنفع من لباس اإلجرام والفسوق واملعاصي إذ هو مذلة الدنيا ,حسرة يوم القيامة,
فانظر كيف ألبسهم اهلل يوم القيامة ثياباً مقطعة حامية ,ملا لبسوا يف الدنيا لباس
اس ِ ِ ِ ِ ِ
الكبائر والفواحش والفجور /,قال تعاىل :لبَاساً يُ َواري َسوءات ُك ْم َوريشاً َولبَ ُ
الت ْق َوى( /ألعراف )26:وممن يلبسون تلك الثياب النائحات .قال ":النائحة إذا مل َّ
تتب قبل موهتا ,تقام يوم القيامة ,وعليها سربال من قطران ودرع من جرب "
. [مسلم]
وأهل النار يعذبون ظاهراً وباطناً فهم مع عذاهبم اجلسدي ,يتعذبون باحلسرة
ت َما يِف س ظَلَ َم ْ َن لِ ُك ِّل َن ْف ٍ
والندامة على كفرهم وأعماهلم .قال تعاىلَ :ولَ ْو أ َّ
ض َي َبْيَن ُه ْم بِالْ ِق ْس ِط َو ُه ْم ال َّدامةَ لَ َّما رأَوا الْع َذاب وقُ ِ
َ َ َ َُ َ َ ن ال وا رُّ َس
َ أ و ض ال ْفتَ َدت بِِ
ه
ْ َ اأْل َْر ِ/
يُظْلَ ُمو َن( يونس )54:وتزداد ندامتهم إذ يتربأ منهم الشيطان الذي أغواهم .قال
ص ِر ِخ َّي إِيِّن مِب
ص ِرخ ُك ْم َو َما أَْنتُ ْم ُ ْ
تعاىل :فَال َتلُومويِن ولُوموا /أَْن ُفس ُكم ما أَنَا مِب ُ ِ
ْ َ َْ ُ َ ُ
يم( إبراهيم. )22: ون ِمن َقبل إِ َّن الظَّالِ ِمني هَل م ع َذ ِ َك َفرت مِب َا أَ ْشر ْكتُم ِ
اب أَل ٌَ ُْ َ ٌ ْ ُْ َ ُ ْ ُ
اعَتَرفُوا /بِ َذنْبِ ِه ْم بل يصرخون بندامتهم واعرتافهم /بذنبهم وقلة عقلهم ,قال تعاىل :فَ ْ
السعِ ِ/ري( الملك )11:ويتمنون لو أن كانوا تراباً من شدة ندمهم. اب َّ َصح ِ أِل
فَ ُس ْحقاً ْ َ
ت ي َداه وي ُق ُ ِ
ت ُتَراباً ول الْ َكاف ُر يَا لَْيتَيِن ُكْن ُ َّم َْ َ ُ َ / قال تعاىلَ :ي ْو َم َيْنظُُر الْ َم ْرءُ َما قَد َ
(النبأ )40:وتارة يلوم بعضهم بعضاً .قال تعاىلَ :ه َذا َف ْو ٌج ُم ْقتَ ِح ٌم َم َع ُك ْم ال َم ْر َحباً
س الْ َقَر ُار ئ
ْ َّمتُموهُ /لَنَا فَبِ ْ د ق
َ م ت
ُ ن
ْ َ
أ م ك
ُ صالُو النَّار /قَالُوا بل أَْنتُم ال مرحباً بِ َ م ه
ُ َّ
ن هِبِم إِ
َ ُ ْ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ
ض ْعفاً يِف النَّا ِر( صّ )61-59: قَالُوا /ربَّنَا من قَدَّم لَنَا ه َذا فَ ِز ْده ع َذاباً ِ
ُ َ َ َْ َ َ
ابَص َح َ اب النَّا ِ/ر أ ْ َص َح ُ ويزدادون حسرة إذ يلومهم /املؤمنون ويوخبوهنمَ :ونَ َادى أ ْ
يضواَ /علَْينَا ِم َن الْ َم ِاء أ َْو مِم َّا َر َزقَ ُك ُم اللَّهُ قَالُوا إِ َّن اللَّهَ َحَّر َم ُه َما َعلَى ِ ِ
اجْلَنَّة أَ ْن أَف ُ
اه ْم َك َما ين اخَّتَ ُذواِ /د َين ُه ْم هَلْواً َولَعِباً َو َغَّر ْت ُه ُم احْلَيَاةُ ُّ الْ َكافِ ِر َّ ِ
الد ْنيَا فَالَْي ْو َم َنْن َس ُ ينالذ َ َ
ن( ألعراف)51-50: نَ ُسوا لَِقاءَ َي ْو ِم ِه ْم َه َذا َو َما َكانُوا بِآياتِنَا جَيْ َح ُدو َ/
ض َعلَْينَا ك لَِي ْق ِ ِ
وتكتمل حسرهتم إذ يوخبهم املالئكة .قال تعاىلَ :ونَ َاد ْوا يَا َمال ُ
ال إِنَّ ُك ْم َماكِثُو َن لََق ْد ِجْئنَا ُك ْم بِاحْلَ ِّق َولَ ِك َّن أَ ْكَثَر ُك ْم لِْل َح ِّق َكا ِر ُهو َن ك قَ َ َربُّ َ
(الزخرف. )78-77:
فتذكر أخي الكرمي هذه املشاهد املرعبة ....واعمل لنفسك أن تنجو من عذاب اهلل
فإن عذاب اهلل شديد ,وإن انتقامه عزيز .وال حول وال قوة إال اهلل.
كيف نتقي النار:
وأما كيف نتقي النار/-فمن أجل هذا أنزل اهلل الكتب /وبعث األنبياء والرسل .فهو
موضوع عظيم وجليل يتضمن لب الشريعة ومقصودها ,ومن أجل ذلك فرض اهلل
اجلهاد والقنال ,والدعوة واألمر باملعروف والنهي /عن املنكر واحلبسة .فتقوى النار/
ليس باألمر اهلني إهنا فريق النجاة من جهنم اليت سبق الكالم عنها وعن أحواهلا
وأحوال أهلها وما يالقونه فيها من ألوان العذاب ومحيم الشراب والثياب.
أخي الكريم :اعلم أن النجاة كل النجاة ,يف االستقامة على أمر اهلل مبراد اهلل لوجه
اهلل ,ولن يأيت لك العلم بذلك إال إذا فقهت /أنك يف دار ابتالء وامتحان ,وأن اهلل
جل وعال هو الذي ميتحنك يف الدنيا /والشيطان والنفس األمارة واهلوى ,فقد أنزل
وحيه على رسوله وأمرك باتباعه مث أمرك باتباعه مث أمرك باإلخالص يف ذلك,
ِ
وجعل اتباعك و‘خلصك عالمة جناحك وجناتك قال تعاىل :الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ
ت
َح َس ُن َع َمالً َو ُه َو الْ َع ِز ُيز الْغَ ُف ُ/ ِ
ور( الملك )2:وإحسان العمل إمنا َواحْلَيَا َة ليَْبلَُو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ
يكون باالتباع لرسول اهلل واإلخالص هلل سبحانه.
فالزم أخي الكرمي ,هذين الركنني العظيمني فإن عليهما مدار
النجاة والفالح ,وإياك واخلروج عن مجاعة املسلمني أهل السنة واجلماعة,فإنه الزيغ
بعينه واهلالك بذاته .قال":أال إن من قبلكم من أهل الكتاب اقرتفوا /على اثنني
وسبعني ملة ,وإن هذه امللة ستفرتق على ثالث وسبعني ,اثنتان وسبعون يف النار/
وواحدة يف اجلنة ,وهي اجلماعة" [السلسلة الصحيحة الحديث رقم ]204فالزم مجاعة
املسلمني ,وامض على درب النيب وصحابته رضوان اهلل عليهم أمجعني.
فكل خري يف اتباع من سلف
وكل شر يف ابتداع من خلف
قال تعاىل :قُ ْل إِ ْن ُكْنتُ ْم حُتِ بُّو َن اللَّهَ فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم
ذُنُوبَ ُك ْمٌ( آل عمران )31:وقال سبحانه خماطباً رسول اهلل والصحابة :/إِنَّهُ َم ْن
يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه َف َق ْد َحَّر َم اللَّهُ َعلَْي ِه اجْلَنَّةَ(المائدة )72:وأن التوحيد واإلميان هو النجاة وإمنا
اعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلَهَ إِاَّل اللَّهُيوحد اهللَ من يعرفه ويعرف أمساءه وصفاته قال تعاىل :فَ ْ
اسَت ْغ ِف ْر لِ َذنْبِكَ( محمد )19:فالشرك موجب حلبوط األعمال ,موجب للخلود يف َو ْ
النار .نسأل اهلل السالمة والعافية.
واجتنب كبائر الذنوب فإهنا مهلكة للعبد مسببة لدخول النار ,فاحلسد والكذب
واخليانة والظلم والفواحش والغدر وقطيعة الرحم والبخل وترك الفرائض والرياء
والسمعة وعقوق الوالدين وشهادة الزور وغريها من الكبائر موجب لدخول النار/
والعياذ باهلل.
فاجتنب أخي الكرمي هذه الكبائر ,واستعن باهلل يف الصاحلات من العمال وأوهلا أداء
ما افرتض /اهلل عليك فإن اهلل جل وعال حيب التقرب إليه مبا افرتضه على عبده أوالً
مث بالنوافل والقربات ثانياً وأهم الفرائض الصالة فإهنا أول ما حياسب عليه العبد
يوم القيامة ,فإن صلحت صلح سائر عمله .قال رسول اهلل ":العهد /الذي بيننا
وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر" ووصييت لك أخي احلبيب :إذا أردت النجاة
من النار /أن جتعل بينك وبينها حجاب التقوى فإنه خري دليل إىل اجلنة قال تعاىل:
ات ُقوا اللََّهًَ( /النساء)131:
ً اب ِم ْن َقْبلِ ُك ْم َوإِيَّا ُك ْم أ َِن َّ ِ
ين أُوتُوا الْكتَ َ
ولََق ْ/د و َّ َّ ِ
صْينَا الذ َ َ َ
وأصل التقوى /أن جيعل العبد /بينه وبني ما خيافه وحيذره وقاية تقيه من ذلك وهو
فعل طاعته واجتناب معاصيه .فهو سبحانه أحق أن خُي شى وأحق أن يُهاب قال
الت ْق َوىَ /وأ َْه ُل الْ َم ْغ ِفَر ِة( المدثر )56:فقدم لنفسك يا
تعاىل :إِاَّل أَ ْن يَ َشاءَ اللَّهُ ُه َو أ َْه ُل َّ
عبد اهلل وأقبل على ربك بالطاعات والقربات ,فقد أنذر النذير وأوشك الرحيل.
واعلم بأن تقوى اهلل حتفظ العبد /يف الدنيا /قبل اآلخرة .كما جرى لسفينة موىل
النيب حيث كسر به املركب وخرج إىل اجلزيرة ,فرأى األسد فجعل ميشي معه
حىت دله على الطريق ,فلما أوقفه عليها جعل يهمهم /كأنه يودعه مث رجع عنه.
[انظر جامع العلوم الحكم البن رجب]
فتأمل يا عبد اهلل يف فضل التقوى /على العبد /يف الدنيا /كيف تكون سبباً لسالمته,
واعلم بأنه سالمة وجناة يف اآلخرة كذلك .فهي مجاع األمر وخالصته ,إذ هبا
حتصل مراقبة اهلل يف السر والعلن ولذلك قال عمر بن عبد العزيز ,ليس تقوى اهلل
بصيام النهار وال بقيام الليل والتخليط /فيما بني ذلك,ولكن تقوى اهلل ترك ما حرم
اهلل ,وأداء م افرتضه /اهلل فمن رزقه بعد ذلك خرياً فهو خري إىل خري" [جامع العلوم
والحكم]
أخي الكرمي:
فاس ــلك طريق املتقـ ـ
ــني وظن خري بالكرمي
واذك ـ ــر وقوفك خائفاً
والنــاس يف أمر عظيم
إمـ ــا إىل دار الشــقا
وة أو إىل العز إىل العـ ــز املقــيم
وفقنا اهلل وإياك لتقوى اهلل والوقاية من عذابه وصلى اهلل على حممد وعلى آله
وصحبه أمجعني.