You are on page 1of 12

‫أ‪.

‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬

‫حتمية ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحان‬

‫أ‪.‬بداني فؤاد جامعة سعيدة‬

‫ملخص‪:‬‬

‫تطرقنا في المقال إلى نقد نظرية "ماكلوهان" المتعلقة بالحتمية التكنولوجية لوسائل اإلعالم‬
‫و مقارنتها بنظرية "عزي عبد الرحمان" التي تعد من النظريات الحديثة التي أظهرت الدور السوسيولوجي‬
‫لوسائل اإلعالم وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات ‪ .‬لنستنتج في التحليل أن الحتمية التكنولوجية هي‬
‫سمي هذا الجيل بجيل الرقمنة والتكنولوجيا ‪،‬‬
‫تمظهر تقنيات االتصال و اإلعالم في الحياة االجتماعية حتى ّ‬
‫هذا من وجهة نظر "مارشال ماكلوهان " الذي يؤكد أهمية التصال الشفوي أي المسموع حتى توصل إلى أن‬
‫اإلذاعة كوسيلة اتصال جماهيري هي وسيلة "ساخنة" األكثر تأثي ار على الجماهير من الوسائل األخرى‪ ,‬ليأتي‬
‫عزي عبد الرحمان " الذي تشبع بالثقافة العربية اإلسالمية‬
‫في المقابل الدكتور و الباحث العربي "الجزائري" ّ‬
‫و احتك بها و اطلع على التراث الغربي على مستوى التنظير في مجالي اإلعالم و االتصال هذا األخير‬
‫جاءنا بنظرية جديدة لم يهضمها بعض المفكرين العرب أال وهي الحتمية القيمية‪.‬‬

‫‪Résumé :‬‬

‫‪Nous avons discuté dans l'article pour critiquer la théorie du déterminisme‬‬


‫» ‪technologique "Macluhan " et à comparer la théorie de la " «Azzi Abdul Rahman‬‬
‫‪l'une des théories modernes qui ont montré le rôle sociologique des médias et de la‬‬
‫‪nature de leur impact sur les différentes communautés .et nous avons conclus que il‬‬
‫‪ya des effets des techniques de communication et des médias dans la vie sociale , à‬‬
‫» ‪venir d'autre part , le Dr et chercheur arabe " "algérien " « AZZI- Abderrahmane‬‬
‫‪qui sature la culture arabe et islamique brossé sur et informés sur le patrimoine de‬‬
‫‪l'Ouest au niveau de l'endoscopie dans les domaines de l'information et de la‬‬
‫‪communication de ce dernier est venu à nous une nouvelle théorie pas digérer‬‬
‫‪certains intellectuels arabes , à savoir la valeur inévitable.‬‬

‫‪112‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إ ن علوم اإلعالم واالتصال من العلوم الجديدة التي تبحث لها عن هوية خاصة بها‪ ،‬انطالقا من أن نشأتها‬
‫كانت بعد تقاطع عدة علوم كالعلوم السياسية وعلم االجتماع‪ ،‬والفلسفة وعلم النفس‪ ..‬إال أنه شهد عدة‬
‫تنظيرات منها ما كان مستندا إلى الفكر االجتماعي بصفة عامة ومنها ما استند إلى الممارسة اإلعالمية‬
‫و منها ما اشتغل أصحابها بالظاه ةر االتصالية على مستواها الكلي (‪ ،)macro level‬ومنها‬ ‫بشكل خاص‬
‫جز أصحابها نظرتهم إلى العملية االتصالية إلى مستوياتها الضيقة (‪.)1()level micro‬‬
‫ما ّأ‬
‫ويقسم الباحثون النظريات اإلعالمية إلى األنواع التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬النظريات المتعلقة بالجمهور‪ .‬يرتبط هذا النوع من النظريات بالجمهور المستخدم للمواد اإلعالمية‪ ,‬ويقوم‬
‫هذا النوع من النظريات على أساس أن الجمهور يستخدم وسائل اإلعالم بسبب دوافع نفسية أو اجتماعية‪.‬‬
‫ومن هذه النظريات ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نظرية االستخدام واإلشباع‪ :‬تفترض هذه النظرية أن الجمهور يستخدم المواد اإلعالمية إلشباع رغبات‬
‫كامنة لديه‪ ،‬وأن دور وسائل اإلعالم هو تلبية الحاجات فقط‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية االعتماد على وسائل اإلعالم ‪ :‬تعتمد فكرة هذه النظرية على أن استخدامنا لوسائل اإلعالم ال يتم‬
‫بمعزل عن تأثير المجتمع الذ ي نعيش داخله‪ ،‬على أن قدرة وسائل اإلعالم على التأثير تزداد عندما تقوم هذه‬
‫الوسائل بوظيفة نقل المعلومات بشكل مميز ومكثف(‪. )2‬‬
‫‪ - 2‬النظريات المتعلقة بالقائم باالتصال‪ :‬تصنف بعض النظريات على أنها مرتبطة بالمرسل أو القائم‬
‫باالتصال ومن هذه النظريات ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نظرية الرصاصة أو الحقنة تحت الجلد‪ :‬تعتمد هذه النظرية على أن وسائل اإلعالم تؤثر تأثي اًر مباش ًار‪،‬‬
‫وسريعًا في الجمهور‪ ،‬وأن االستجابة لهذه الرسائل مثل رصاصة البندقية تؤثر بعد انطالقها مباشرة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية الغرس الثقافي‪ :‬تفترض هذه النظرية أن الجمهور يتأثر بوسائل اإلعالم في إدراك العالم المحيط‬
‫به وتزيد معارفهم‪ ،‬خاصة األفراد الذين يتعرضون بكثافة لوسائل اإلعالم(‪.)3‬‬
‫تصنف هذه النظرية على أنها من نظريات القائم باالتصال‪ ،‬ذلك الفتراض‬
‫ج ‪ -‬نظرية ترتيب األولويات‪ّ :‬‬
‫النظرية أن وسائل اإلعالم هي من يقوم بترتيب اهتمامات الجمهور من خالل إبراز القضايا التي تستحق‬
‫واهمال قضايا أخرى ‪ ,‬فيبدي الجمهور اهتمامه بهذه القضايا دون غيرها‪.‬‬
‫‪ - 3‬النظريات المتعلقة بنوع التأثير اإلعالمي الذي تحدثه وسائل اإلعالم في الجمهو‪ ,‬وهو على ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬نظريات التأثير المباشر(قصير المدى)‪ :‬يرى هذا النوع من ا لنظريات‪ ،‬التأثير المباشر لوسائل اإلعالم في‬
‫الجمهور‪ ,‬ومن هذه النظريات نظرية الرصاصة اإلعالمية‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫ب ‪ -‬نظريات التأثير التراكمي (طويل المدى)‪ :‬يرى هذا النوع من النظريات أن تأثير وسائل اإلعالم ال‬
‫يظهر مباشرة‪ ،‬وانما بعد فترة زمنية طويلة من خالل تراكم المتابعة اإلعالمية‪ .‬ومن أمثلة هذا النوع نظرية‬
‫دوامة الصمت القائمة على فرضية‪ :‬أن قيام وسائل اإلعالم بعرض رأي األغلبية‪ ،‬يقلل من أفراد الرأي‬
‫المعارض(‪.)4‬‬
‫ج ‪ -‬نظريات التأثير المعتدل لوسائل اإلعالم‪ :‬يرى المنظرون لهذا التصنيف أن وسائل اإلعالم تعمل داخل‬
‫نظام اجتماعي فتراعي الخصا ئص النفسية واالجتماعية للجمهور‪,‬وأنه ينبغي مراعاة جميع ظروف وعناصر‬
‫االتصال –‬
‫‪ -‬و في الوقت الذي يؤمن فيه ماكلوهان بما أسماه بـ«الحتمية التكنولوجية»‪ ،‬يبقى السؤال هل تلغي هذه‬
‫الحتمية شعور اإلنسان بأنه مخلوق له كيان مستقل قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة‬
‫لتجاهل الناس لما يحدث حولهم‪ ،‬حيث توثر االختراعات التكنولوجية المهمة تأثي ار أساسيا على‬
‫المجتمعات(‪.)5‬‬
‫هذا االتجاه المعاكس بين حتمية التكنولوجيا واالستقاللية عنها‪ ،‬يطرح استفهاما آخر‪ :‬هل يمكن اعتبار التغير‬
‫التكنولوجي حتميا ال مفر منه؟‪ ،‬يجيب ماكلوهان ع ن ذلك في أنه إذا فهمنا عناصر التغير يمكن السيط ةر‬
‫على التكنولوجيا واستخدامها في الوقت الذي نريده بدال من الوقوف في وجهها(‪.)6‬‬
‫"مارشال ماكلوهان "‪ :‬وواحد من أشهر المثقفين في النصف الثاني من القرن الـ‪ 21‬أمام هذا كله يأتي طرح‬
‫عربي أخر من طرف الدكتور عزي عبد الرحمان ليعطي تفسي ار مغاي ار للحتمية القيمية اإلعالمية انطالقا‬
‫من تجاربه اإلعالمية و بيئته العربية اإلسالمية إلى حد كبير لقت أطروحته اتفاقا و فهما مقبوال لما أوضحه‬
‫في فهم النظرية الحتمية حسب العقل العربي اإلسالمي كونها تتناسب مع األوضاع التي يعيشها الفرد‬
‫العربي ‪.‬‬
‫وتعد نظرية "ماكلوهان التكنولوجية" لوسائل اإلعالم من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل‬
‫المجتمعات(‪.)7‬‬ ‫مختلف‬ ‫على‬ ‫تأثيرها‬ ‫وطبيعة‬ ‫اإلعالم‬
‫ولكن السؤال األهم الذي يجيب عليه ماكلوهان‪ :‬هل يمكن أن تعالج وسائل اإلعالم مشاكل المجتمع‪ ،‬فيوضح‬
‫أن وسائل ا إلعالم التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعته (أي المجتمع) وكيفية‬
‫معالجة مشاكله‪ ،‬وأي وسيلة أو امتداد لإلنسان تشكل ظروفا تؤثر على الطريقة التي يفكر بها ويعمل وفقا‬
‫لها‪ .‬وتربط نظرية ماكلوهان بين الرسالة والوسيلة اإلعالمية‪ ،‬ففي الوقت الذي يرى فيه بعض الباحثين‬
‫اإلعالميين أن الوسيلة هي المحددة لنوعية االتصال وتأثيره‪ ،‬فإن ماكلوهان يرى أن الوسيلة هي الرسالة ‪-‬‬

‫‪114‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫‪-‬مبينا أن مضمون وسائل اإلعالم ال يمكن النظر إليه مستقال عن تقنيات الوسائل اإلعالمية‪ ،‬فالموضوعات‬
‫والجمهور يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل‪ ،‬ولك ن طبيعة وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان تشكل‬
‫المجتمعات أكثر ما يشكلها مضمون االتصال‪ .‬واذا تطرقنا إلى المراحل األربع المطروحة من قبل ماكلوهان‬
‫حول تطور التاريخ اإلنساني‪ :‬الشفوية ما قبل التعلم‪ ،‬والكتابة أو النسخ وعصر الطباعة‪ ،‬وعصر وسائل‬
‫اإلعالم اإللكتروني ة‪ ،‬فيشير ماكلوهان إلى أن طبيعة وسائل اإلعالم المستخدمة في كل مرحلة تساعد على‬
‫( ‪)8‬‬
‫ليرد عليه الدكتور"عزي عبد‬ ‫تشكيل المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على التشكيل‬
‫الرحمان" أن القيم السائدة في المجتمع هي التي تحدد نوع الوسيلة أي القناة و تعبر عن أصل المجتمع‬
‫جل عن الدين ‪ :‬بعد باسم اهلل الرحمان الرحيم "َيا أَُّي َها‬ ‫عزو ّ‬ ‫المستخدمة فيها ‪ ,‬مثال في ديننا الحنيف يقول ّ‬
‫ب َك َما‬ ‫َن َي ْكتُ َ‬ ‫ب َكاتِ ٌ‬
‫ب أْ‬ ‫ب َب ْيَن ُك ْم َكاتِ ٌ‬
‫ب بِا ْل َع ْد ِل َوال َيأْ َ‬ ‫َج ٍل ُم َس ًّمى َفا ْكتُُبوهُ َوْلَي ْكتُ ْ‬
‫آم ُنوا إِ َذا َت َد َاي ْنتُْم بِ َد ْي ٍن إَِلى أ َ‬
‫ين َ‬ ‫الذ َ‬
‫َِّ‬

‫ب َولْ ُي ْملِ ِل الَِّذي َعَل ْي ِه الْ َح ُّق َولَْيتَّ ِق اللَّ َه َرَّبهُ َوال َي ْب َخ ْس ِم ْنهُ َش ْيًئا " اآلية ‪ 282‬من سو ةر البق ةر ‪.‬‬ ‫َعلَّ َمهُ اللَّهُ َفلَْي ْكتُ ْ‬
‫الدين من العالقات االتصالية التعاملية في الحياة اليومية للمجتمعات و مع ذلك ديننا يؤ ّكد على‬ ‫و يعتبر ّ‬
‫االتصال الرسمي أسبق بكثير من "الجيمنشافت" و "الكيمنشافت" في مفهوم العقد االجتماعي و األدلة‬
‫أن أساس هذا االتصال في األصل هو" إالهي" من نظرة إسالمية أن اهلل سبحانه و‬ ‫كثيرة تدل على‬
‫و أن الوحي هو أول اتصال وجد على وجه الكون ‪.‬‬ ‫علم "أدم "عليه السالم األسماء كله ا‬
‫تعالى ّ‬
‫ويرى ماكلوهان في نظريته أن الكيفية التي تعرض بها المؤسسات اإلعالمية الموضوعات والجمهور الذي‬
‫توجه له رسالتها يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل‪ ،‬ولكن طبيعة وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان‬
‫تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون االتصال‪.‬ويقسم ماكلوهان وسائل االتصال إلى «باردة»‬
‫و«ساخنة»(‪– )10‬‬
‫‪ -‬ويقصد باألولى‪ :‬التي تتطلب من المستقبل جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة واالندماج فيها‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫الكتابة والهاتف والتلفزيون‪ ،‬ويقصد بالثانية‪ :‬هي الوسائل الجاهزة المحددة نهائيا فال يحتاج من المتلقي بذل‬
‫جهد أو مشاركة أو معايشة‪ ،‬مثل‪ :‬الطباعة واإلذاعة والسينما ‪ ,‬وبما أن الكرة األرضية أصبحت «قرية‬
‫عالمية»‪ ،‬فإن ماكلوهان يؤكد أن ذلك أدى إلى ما أسماه «عصر القلق»‪ ،‬حيث توضح نظرية "ماكلوهان" أن‬
‫وسائل اإلعالم اإللكترونية ساعدت في انكماش الكرة األرضية وتقلصها في الزمان والمكان حتى وصفت بـ‬
‫«القرية العالمية»‪.‬‬
‫هذه الرؤية من قبل ماكلوهان كانت موضع انتقاد وتشكيك من بعض الباحثين في األعوام األخيرة‪ ،‬فيرى‬
‫البعض منهم أن «القرية العالمية» في حاجة لتعديل يتناسب مع العصر ويتسق مع معطياته‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫فيشير "ريتشارد بالك" إلى أن «القرية العالمية» لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر‪ ،‬موضحا أن‬
‫التطور التقني الذي استند إليه “ماكلوهان” عند وصفه للقرية العالمية استمر في مزيد من التطور‪ ،‬وأدى إلى‬
‫تحطيم هذه القرية العالمية وتحوليها إلى شظايا‪ ،‬مبينا أن العالم اآلن أقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي‬
‫تضم عشرات الشقق السكينة يقيم داخلها أناس كثيرون‪ ،‬وكل منهم يعيش في عزلة وال يدري عن جيرانه الذين‬
‫( ‪)1 1‬‬
‫ويشير ذلك إلى أن التطور التقني كما يؤكد بعض الباحثين‪ ،‬تحول من‬ ‫يقطنون معه في البناية ‪,‬‬
‫«التجميع» إلى «التفتيت»‪ ،‬حيث أتاحت تقنيا ت االتصال الحديثة عددا من خدمات االتصال المتنوعة‬
‫(اندمجت جمعيها في الشبكة العالمية «اإلنترنت») مخاطبة األفراد وتلبية رغباتهم الذاتية‪ ،‬وقد نتج عن هذه‬
‫التقنية الجديدة تقلص أعداد الجماهير التي تشاهد برامج الشبكات الرئيسية لإلذاعة المسموعة والتلفزيون التي‬
‫تعمل بنظام البث التقليدي و صاحب هذه النظرية هو "مارشال ماكلوهان " المولود في ‪ 21‬يوليو ‪ 1111‬في‬
‫مدينة "أد مونتن بالبرنا"‪ ،‬كندا‪ .‬والدته كانت ممثلة ووالده تاجر عقارات‪.‬دخل ماكلوهان جامعة "مانيتوبا"‬
‫وكان ينوى دراسة الهندسة ولكنه درس األدب اإلنجليزي وحصل على الماجستير في سنة ‪ 1131‬وبعد أن‬
‫درس في عدة جامعات أمريكية ولكن منذ سنة‬
‫حصل على الدكتوراه في سنة ‪ 1113‬من جامعة كامبردج‪ّ ،‬‬
‫‪ 1111‬عمل أستاذا لآلداب في جامعة تورنتو‪ .‬وقد تبنى هذه النظرية من أستاذه المفكر والمؤرخ االقتصادي‬
‫(‪)12‬‬
‫كما ركز في‬ ‫"هارولد أنيس" و يعتبر "ماكلوهان" من أشهر مثقفي النصف الثاني من القرن العشرين‬
‫نظريته على دور وسائل اإلعالم وطبيعتها وتأثيرها على المجتمعات و في شكل عام هناك طريقتان للنظر‬
‫إلى وسائل اإلعالم احدهما من حيث أنها وسيلة لنشر المعلومات والترفيه والتعليم و األخرى أنها جزء من‬
‫التطورالتكنولوجي‪.‬‬
‫واذا اعتبرنا أنها وسيلة لنشر المعلومات والترفيه والتعليم ينصب االهتمام عند ذلك على مضمونها وطريقة‬
‫استخدامها والهدف من هذا االستخدام أما إذا اعتبرناها جزءا من العملية التكنولوجية فعند ذلك يكون االهتمام‬
‫بتأثيرها بغض النظر عن مضمونها باعتبارها جزء من العملية التكنولوجية (‪.)13‬‬
‫في حين يرى "ماكلوهان" في نظريته ( الحتمية التكنولوجية ) انه ال يمكن النظر إلى مضمون وسائل‬
‫اإلعالم بعيدا عن الوسيلة اإلعالمية نفسها فالكيفية التي تقدم بها الرسالة اإلعالمية والجمهور المستهدف‬
‫يؤثران على ما تقوله الوسيلة اإلعالمية فركز "ماكلوهان" في نظريته على أهمية االختراعات التكنولوجية‬
‫ومدى التأثير الذي تحدثه في المجتمعات‪ .‬ويعتبر "ماكلوهان" أن وسائل اإلعالم تحدد طبيعة المجتمع‬
‫والكيفية التي يعالج بها مشاكله ويعتبر أن الوسيلة امتداد لإلنسان ولجهازه العصبي ‪ ,‬فالتلفزيون يمد أعيننا‬
‫والميكروفون يمد آذاننا واآلالت الحاسبة مساوية المتداد الوعي لدى اإلنسان ومن هنا تبرز الضرو ةر‬

‫‪116‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫التكنولوجية من وجهة نظره إلى تقديم اكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل اإلعالم ألننا بمعرفة الكيفية‬
‫التي تشكل بها التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا نستطيع أن نسيطر عليها ونتغل ب على قدرتها الحتمية (‪.)14‬‬

‫كما قسم ماكلوهان المراحل التي تعكس التاريخ اإلنساني إلى أربع مراحل وهي‪:‬‬
‫‪- 1‬المرحلة الشفوية أي ما قبل التعلم ( القبلية )‪.‬‬
‫‪- 2‬مرحلة الكتابة ( النسخ ) التي ظهرت في اليونان القديمة‪.‬‬
‫‪ - 3‬عصر الطباعة من سنة ‪ 1011‬إلى سنة ‪.1111‬‬
‫(‪)15‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪- 1‬عصر وسائل اإلعالم االلكترونية ‪ :‬من سنة ‪ 1111‬إلى الوقت الحالي‬
‫وطبيعة وسائل اإلعالم المستخدمة في كل مرحلة ساعدت على تشكيل المجتمعات أكثر من المضمون ويقسم‬
‫ماكلوهان مراحل االتصال إلى‪:‬‬
‫االتصال الشفهي ‪ :‬وهي التي كانت في المرحلة القبلية و اعتمد فيها اإلنسان على حواسه وكانت حاسة‬
‫السمع هي المسيطرة و عاش اإلنسان فترة كانت العاطفة هي التي تقوده اعتمادا على اإللهام البدائي أو‬
‫الخوف‪.‬‬
‫االتصال السطري ‪ :‬ظهور الكتابة التي بدأت معها الحضارة وكانت خطوة من الظالم إلى نور العقل وحلت‬
‫فيها العين مكان األذن كوسيلة للحس يكتسب بفضلها الفرد معلوماته‪.‬‬
‫يرى "ماكلوهان" أن الصحافة المطبوعة بدأت في القرن الخامس عشر مع اختراع اإلخوة "يوحنا جوتنبارغ "‬
‫للطباعة والتي تعتبر من أكثر االبتكارات التكنولوجية تأثي ار في اإلنسان حيث تخلص من قبليته وساعد‬
‫المطبوع الناس في التعلم واالعتماد على الذا ت وتكوين وجهات نظر شخصية وأصبح االعتماد على الرؤيا‬
‫(‪)16‬‬
‫‪ ,‬كما يقول ماكلوهان في كتابه ( عالم جوتنبارغ ) أن اختراع‬ ‫هو األساس في الحصول على المعلومات‬
‫الطباعة بالحروف المتحركة ساعد على تشكيل ثقافة أوروبا الغربية في الفت ةر ما بين ‪ 1011‬إلى ‪1111‬م‬
‫حيث شجع إنتاج الم واد المطبوعة على انتشار القومية كونه سمح بانتشار كبير وسريع للمعلومات أكثر من‬
‫المكتوب باليد فهذه الثورة التكنولوجية – اختراع الطباعة – فصلت القلب عن العقل والعلم عن الفنون مما‬
‫أدى إلى سيط ةر التكنولوجيا والمنطق السطري‪.‬‬
‫الشفهي مرة أخرى ‪ :‬هذا العصر أطلق عليه ماكلوهان عصر ( الدوائر االلكترونية ) وتتمثل بشكل خاص في‬
‫التلفزيون والسينما والعقول االلكترونية التي تشكل بدورها الحضا ةر في القرن العشرين‪.‬‬
‫(‪)17‬‬
‫الذي قال فيه (إننا‬ ‫و األسس التي بنى عليها "ماكلوهان" نظريته في كتابه الشهير “الوسيلة هي الرسالة”‬
‫نعيش اآلن في قرية عالمية وان الوسائل االلكترونية الحديثة ربطت كالً منا باآلخر وبالتالي فإن المجتمع‬

‫‪117‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫البشري لن يعيش في عزلة بعد اآلن وهذا يجبرنا على التفاعل والمشاركة فقد تغلبت الوسائل االلكترونية على‬
‫القيود والوقت والمسافة وأدت إلى استمرار اهتمامنا كمواطنين بالدول األخرى فالرصد الذي اتبعه في تطور‬
‫المجتمعات وتحولها من الثقافة الشفهية إلى اللغة المكتوبة ومن الثقافة المكتوبة إلى الثقافة االلكترونية جعله‬
‫يتصور أنه أدرك نهاية هذا التطور باكتمال بناء القرية العالمية التي تتوحد فيها حاجات الناس ومتطلباتهم‬
‫إلى جانب وعيهم ومواقفهم ورؤاهم وربما مشاعرهم حيال اآلخرين واألشياء وبعبا ةر أخرى قد ةر وسائل اإلعالم‬
‫(‪)18‬‬
‫على إعادة إنتاج الوعاء الفكري الموحد في جميع أنحاء العالم‪.‬‬
‫النقد الموجه لنظرية "ماكلوهان" ‪ :‬دافع الفيلسوف "برونو التور" عن عدم الفصل بين األشياء والناس وسعى‬
‫إلى تمييز أنظمة الكائن فالتقنية ليست هي الكائن إذ أن التقنية مليئة بالوعود بالنسبة للسياسة لكنها ليست‬
‫السياسة بحد ذاتها فهي ال تغير شيئا مما هي عليه الديمقراطية حتى لو أن استخدام وسائل اإلعالم يبدل‬
‫التدريب على الديمقراطية‪ .‬ويؤكد "ريتشارد بالك" بان القرية العالمية التي زعم "ماكلوهان" وجودها في‬
‫الستينات وتنبأ باكتمالها في نهاية القرن الحالي لم يعد لها وجود حقيقي في مجتمع نهاية التسعينات ‪-‬‬
‫‪ -‬وبدايات القرن الجديد وفقا للمنظور الغربي المعاصر حيث أن التطور الذي نظر من خالله"ماكلوهان"‬
‫استمر في التسارع والمزيد من التطور إلى حد أدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحويلها إلى ذرات‬
‫وشظايا‪ .‬فنالحظ مثال أن االتصال في العائلة الواحدة يكاد ينعدم لتغلغل وسائل اإلعالم االلكترونية في الحياة‬
‫و االجتماعية ألفراد العائلة تجد أن االبن يتواصل بالهاتف النقال أو باالنترني ت مع عالم غير‬ ‫النفسية‬
‫حقيقي (افتراضي) على حساب االتصال الحقيقي العائلي و هذا الوضع يؤدي إلى انعدام االتصال و التفاهم‬
‫األمر الذي يؤدي إلى ظهور األزمات االجتماعية مثل العزلة االجتماعية و مختلف األمراض النفسية التي‬
‫تعقد و تعرقل أهداف عملية االتصال هذا ما أكدته دراسات الجمهور على أن وسائل اإلعالم الحديثة شتت‬
‫الجمهور و زادت من اتساع دائرة العزلة االجتماعية لنستنتج أن القرية الكونية مجرد فك ةر بعيدة عن الواقع و‬
‫الحقيقة االجتماعية(‪. )19‬‬
‫كما وجه نقدا للنظرية ووصفها بالبساطة المفرطة فالثورات ( تكنولوجية كانت أو اجتماعية) ال تبدأ أو تنتهي‬
‫في نقطة زمنية محددة أو مكان واحد مثل الثورات فهي عملية ذات جذور عميقة وأبعاد كثيرة‪.‬‬
‫و نجد كذلك "إليزابيث أيزنشطاين" إحدى الناقدات لهذه النظرية تذكر في مقالها |(ظهور ثقافة الطباعة في‬
‫الغرب) أن تكنولوجيا المطبعة تطورت في الصين مئات السنين قبل تطورها في أوروبا لكن الخلفية‬
‫االجتماعية في الصين لم تجعلها وسيلة اتصال جماهيرية األمر الذي جعل من المطبعة كوسيلة لالتصال‬
‫الجماهيري في أوروبا تحدث االضطراب وعدم االستقرار ليظهر هذا بشكل خاص في فت ةر النهضة اإليطالية‬
‫(فترة والدة وتجدد في الفنون واألدب والعلوم ) التي بدأت في القرن ال‪ 11‬حتى ال‪ , 11‬ومن ثم إلى سائر‬

‫‪118‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫أنحاء أوروبا‪ .‬ووفقا للعديد من الناقدين و الدارسين فإن "ماكلوهان" لم يقدم براهين لكنه استدل بشكل أساسي‬
‫على األمثلة التاريخية والتاريخ يقدم أمثلة عن كل شيء لكنه ال يقدم براهين ومن األمثلة المعاكسة لما قدمته‬
‫الحتمية التقنية بان تطور الطباعة في الغرب قد ساهم في تعزيز الفردانية وتعزيز النهضة و أنها أدت في‬
‫الصين إلى تمركز المعرفة وتمركز القدرات(‪.)20‬‬
‫قراءات في نظرية الحتمية القيمية للدكتور عزي عبد الرحمان‪:‬‬
‫‪-‬كمساهمة عربية إسالمية ‪ -‬في مجال األبحاث‬ ‫جاءت نظرية المفكر الجزائري "عبد الرحمن عزي"‬
‫اإلعالمية المعاصرة و كنقد وثورة على المحاوالت العربية التي اقتصرت على إسقاط النظريات الغربية على‬
‫خصوصية المجتمع المحلي‪ ،‬أو في إعادة قراءة التراث فيما يسمى "باإلعالم اإلسالمي"‪ .‬في ظل هذا الواقع‬
‫ليحرك المياه الراكدة‬
‫ّ‬ ‫عزي عبد الرحمان "‬
‫األكاديمي الذي ّاتسم بكثير من الجمود ‪ ،‬ظهر المفكر و المنظر " ّ‬
‫في نهر األبحاث العربية ‪ -‬اإلسالمية في مجالي االتصال و اإلعالم ‪ ،‬بمجموعة من الدراسات العلمية‬
‫التجريبية واألصيلة والمترابطة‪ .‬أما الرابط بينها فهي أنها كانت تستند إلى متغير رئيسي واحد هي القيم التي‬
‫مصدرها الدين؛ ما أنتج نظرية جديدة في علوم اإلعالم واالتصال هي‪ :‬نظرية الحتمية القيمية في‬
‫اإلعالم"(‪.)21‬‬
‫قيمية الدكتور عزي عبد الرحمان ‪:‬‬
‫تحصل المفكر الجزائري عبد الرحمن عزي على شهادة الليسانس في الصحافة من جامعة الجزائر عام‬
‫(‪ )1111‬وعلى شهادة الماجستير في الصحافة عام (‪ )1181‬وعلى الدكتوراه في سوسيولوجيا اإلعالم‬
‫عام(‪ )1180‬من جامعة نورث تكساس بأمريكا‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬عمل األستاذ محر ار (تغطية األخبار المحلية) في‬
‫جريدة "الشعب" اليومية (الجزائر) لمدة سنتين‪ .‬وتتجاوز خبرته في التدريس والبحث واإلشراف ‪ 21‬سنة إذ‬
‫عمل كمدرس لمدة ‪ 3‬سنوات في جامعة نورث تكساس‪ ،‬ثم كأستاذ مساعد فأستاذ مشارك فأستاذ لمدة ‪11‬‬
‫سنة بمعهد علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة الجزائر ثم كأستاذ لمدة ‪ 3‬سنوات بقسم االتصال بالجامعة‬
‫العالمية اإلسالمية ماليزيا ثم كأستاذ بقسم اإلعالم بجامعة الملك سعود لمدة ‪ 1‬سنوات ثم أستاذا بقسم‬
‫االتصال الجماهيري بجامعة اإلمارات العربية المتحدة لمدة ‪ 1‬سنوات‪ ،‬ثم أستاذ بكلية االتصال جامعة‬
‫الشارقة منذ ‪. 2111‬وال شك أن كل باحث ‪-‬كما أشار عبد الرحمن عزي نفسه ‪ -‬متأثر (عن وعي أو غير‬
‫وعي) بخلفيته وتجربته ومجموعة من المؤثرات الثقافية المتعددة كالمكان والزمان ‪ ,‬لذلك فإن فكر البروفيسور‬
‫عزي لم يكن لينفصل عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها فقد ذكر أنه فطم في بيئة (بني ورتيالن األمازيغية‬
‫الواقعة شرق الجزائر) مفعمة بالتعاليم الدينية وحفظ القرآن‪ .‬كما أن إقامته بأمريكا بعض الوقت واحتكاكه‬
‫المباشر مع أتباع مختلف النظريات جعله ‪-‬كما اعترف بذلك هو نفسه ‪ -‬يدخل إلى مجال التنظير في‬

‫‪119‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫االتصال تحت تأثير بعض أدوات المنهجية الغربية‪ .‬وقد رأى أن ذلك أم ار عاديا إذا اعتبرنا أن المنهجية تولد‬
‫أو واقعية في الوصول إلى مجموعة من الحقائق النسبية‪ .‬فاألدوات تملك‬ ‫أدوات أو (طريقة) عقالنية‬
‫وقد مكنته تلك األدوات من النظر إلى الذات والثقافة من زاوية‬ ‫مجاال مستقال‪ ،‬أي محايدا نسبيا(‪.)23‬‬
‫للنبش في التراث‪ ،‬فدرس ابن خلدون والنظرية الغربية‪ ،‬واستوقفته إسهامات مالك بن نبي‬
‫خارجية‪ ،‬ما حفّزه ّ‬
‫أين أضاف عامل اإلعالم إلى العناصر األخرى المكونة لنظريته (اإلنسان والتراب والزمان)‪ .‬ورغم أن‬
‫إسهامات العلماء المسلمين األوائل في نظرية االتصال غير واضحة إال أن عبد الرحمن عزي وجد في‬
‫مناهجهم ما كان سندا أساسيا في تطوير نظريته ‪.‬‬
‫درس بالجامعة العالمية اإلسالمية ب"كوااللمبور" التي اعتبرها كثيرون موئل فكر اإلسالم الحديث‬
‫كم ّأنه ّ‬
‫ويرى أن إضفاء األسلمة على المعرفة الموجودة هو من باب الكسل الفكري والخوف من االندماج في اآلخر‪.‬‬
‫تنطلق النظرية من افتراض أساس يعتبر اإلعالم رسالة وأهم معيار في تقييم الرسالة هو القيمة التي تنبع‬
‫أساسا من المعتقد ‪ ,‬ولذلك فإن تأثير وسائل اإلعالم يكون إيجابيا إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة بالقيم ‪- -‬‬
‫‪--‬وكلما كانت الوثائق أشد كان التأثير إيجابيا‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬يكون التأثير سلبيا إذا كانت المحتويات ال تتقيد‬
‫بأية قيمة أو تتناقض مع القيمة‪ ،‬وكلما كان االبتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي أكثر ‪.‬‬
‫ويعتبر مفهوم السالب والموجب من بين المفاهيم الجديدة التي قدمها عبد الرحمن عزي باإلضافة إلى المخيال‬
‫اإلعالمي (في مقابل الرأي العام)‪ ،‬والزمن اإلعالمي‪ ،‬والرأسمال اإلعالمي الرمزي‪ ،‬والوضع و الخيال‬
‫"والتمعقل" (‪()24‬من استخدام العقل) وفعل السمع والبصر‪ ،‬والبنية القيمية وغيرها ‪.‬‬

‫تفسيرات "مارشال ماكلوهان"‬ ‫تفسيرات د‪.‬عزي عبد الرحمان‬ ‫رواد النظريتين‬


‫المفاهيم المشتركة‬

‫‪120‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة هي قسمين ‪ :‬أنها وسيلة لنشر‬
‫بالقيم‪ ،‬يكون تأثيرها إيجابيا و المعلومات والترفيه والتعليم و األخرى‬ ‫وسائل اإلعالم‬
‫التطور‬ ‫سلسلة‬ ‫من‬ ‫جزء‬ ‫يكون التأثير سلبيا إذا كانت أنها‬
‫المحتويات ال تتقيد بأية قيمة أو التكنولوجي‪.‬‬
‫تتناقض مع القيمة‪.‬‬

‫اإلعالم رسالة وأهم معيار في تقييم تحدد طبيعة المجتمع والكيفية التي‬ ‫الرسالة و الوسيلة‬
‫الرسالة هو القيمة التي تنبع أساسا يعالج بها مشاكله‪.‬و الوسيلة امتداد‬
‫لإلنسان ولجهازه العصبي والتلفزيون‬ ‫من المعتقد"الدين اإلسالمي"‬
‫يمد أعيننا والميكروفون يمد آذاننا‪.‬‬
‫االتصال في عدة أشكال يوجد حسب المراحل التاريخية ‪:‬‬ ‫يوجد‬
‫منها ‪ :‬االتصال السمعي البصري االتصال الشفهي ثم االتصال السطري‬ ‫مصطلح االتصال‬
‫الشخصي‪ .‬يليه االتصال المطبوع ثم االتصال‬ ‫والشفوي‬ ‫والمكتوب‬
‫كمأن االتصال المكتوب من أسس اإللكتروني التكنولوجي‪.‬كلها ساهمت في‬
‫بناء الحضارة اإلنسانية و كلما تطورت‬ ‫قيام الحضارات‪.‬‬
‫التقنيات تطور معها المجتمع‪.‬‬

‫ال وجود لهذه القرية بل استبدلها هي حتمية البد أن تعيشها اإلنسانية مع‬ ‫القرية الكونية‬
‫المخيال زيادة تطور تقنيات االتصال الحديثة‪.‬‬ ‫مثل‬ ‫جديدة‬ ‫بمفاهيم‬
‫االجتماعي و التمعقل‬

‫أما أهم الركائز –المبدئية ‪ -‬التي تقوم عليها النظرية فتتمثل حسب عبد الرحمن عزي في ‪:‬‬
‫أن يكون االتصال نابعا ومنبثقا من األبعاد الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها المجتمع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أن يكون االتصال تكامليا؛ فيتضمن االتصال السمعي البصري‪ ،‬والمكتوب والشفوي الشخصي‪،‬مع التركيز‬
‫الحضارات‪.‬‬ ‫قيام‬ ‫أسس‬ ‫من‬ ‫ألنه‬ ‫المكتوب‬ ‫على‬

‫‪121‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫‪ -‬أن يكون االتصال قائما على مشاركة واعية من طرف الجمهور المستقبل ال أن يكون أحاديا متسلطا‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون االتصال دائما حامال للقيم الثقافية والروحية التي تدفع اإلنسان والمجتمع إلى االرتقاء والسمو‪.‬‬
‫جدول المقارنة بين حتمية "ماكلوهان" و قيمية "عزي عبد الرحمان "‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫سمي هذا الجيل‬
‫ّ‬ ‫الحتمية التكنولوجية هي تمظهر تقنيات االتصال و اإلعالم في الحياة االجتماعية حتى‬
‫بجيل الرقمنة و التكنولوجيا ‪ ,‬هذا من وجهة نظر "مارشال ماكلوهان " الذي يؤكد أهمية التصال الشفوي أي‬
‫المسموع حتى توصل إلى أن اإلذاعة كوسيلة اتصال جماهيري هي وسيلة "ساخنة" األكثر تأثي ار على‬
‫عزي عبد الرحمان "‬
‫الجماهير من الوسائل األخرى‪ ,‬ليأتي في المقابل الدكتور و الباحث العربي "الجزائري" ّ‬
‫الذي تشبع بالثقافة العربية اإلسالمية و احتك بها و اطلع على التراث الغربي على مستوى التنظير في‬
‫مجالي اإلعالم و االتصال هذا األخير جاءنا بنظرية جديدة لم يهضمها بعض المفكرين العرب أال وهي‬
‫الحتمية القيمية التي تعتمد على مفاهيم و أسس جديدة تعتمد في إثبات وجودها و تحليالتها على العديد من‬
‫الخلفيات النظرية العربية و الغربية فمن العربية نجده متأثر بفكر مالك بن نبي و في الغربية نجده يعتمد على‬
‫مدرسة التفاعالت الرمزية و معجب باالتجاه النقدي في نظريات االتصال خاصة "مدرسة فرنكفورت" و‬
‫يستعين بالبنائية الوظي فية تارة في نظرته لوظائف وسائل اإلعالم في المجتمع ‪ ,‬كما يعتمد في حججه على‬
‫و السنة باإلضافة إلى مقدمة ابن خلدون ‪.‬‬ ‫القرآن‬
‫من الناحية االجتماعية تقترب النظرية إ لى حد كبير من الواقع العربي على عكس حتمية ماكلوهان التي تبقى‬
‫مجرد افتراضات ‪ ,‬ف"المخيال اإلعالمي" كمفهوم جديد موجود أصال كممارسات في المجتمع العربي مثل‬
‫عملية "التمعقل" التي بسطت عملية المشاركة في بناء الرسالة اإلعالمية عند ماكلوهان في فك ةر أن الوسيلة‬
‫اإلعالمية امتداد لحواس اإلنسان مثل اإلذاعة و التلفزيون كامتداد لحاسيتي السمع و البصر ‪.‬‬
‫و نحن نعيش زم ن الثورات الشبابية العربية التي من أهم أسبابها غياب القيم في محتويات وسائل اإلعالم‬
‫يعني أن القيم ليست موجودة في الوسيلة بحد ذاتها و إنما في الممارسات اإلعالمية للصحفيين كما سماها‬
‫عزي بالثنائية اإلعالمية " بين السلبية و اإليجابية "‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪122‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬
‫أ‪.‬بداني فؤاد‬ ‫حتمي ة ماكلوهان لفهم قيمية عزي عبد الرمحن‬
‫التهميش ‪:‬‬
‫(‪ - )1‬محم ود محمد قلندر و محمد بابكر عوض‪ :‬اتجاهات البحث في علم االتصال ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪2111،‬م ‪ ،‬ص‪.121‬‬

‫(‪ - )2‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬بحوث االتصال و اتجاهات التأثير ‪ ,‬عالم الكتب ‪ ،‬القاهرة‪ ,1111 ,‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ - )3‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬بحوث االتصال و اتجاهات التأثير ‪ ,‬عالم الكتب ‪ ،‬القاهرة‪ ,1111 ,‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ - )1‬محمد عبد الحميد‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.32‬‬
‫‪- 0‬محمود محمد قلندر و محمد بابكر عوض‪ :‬اتجاهات البحث في علم االتصال ‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪ - 1‬د‪ .‬جيهان رشتي ‪ :‬األسس العلمية لنظريات اإلعالم ‪ ,‬دار الفكر العربي ‪ ,‬القاهرة‪ ،‬ط ‪,1181 ، 3‬ص‪.02‬‬
‫(‪ - )1‬جيهان أحمد رشتي ‪ :‬األسس العلمية لنظريات اإلعالم ‪ ,‬نفس المرجع السابق‪ ,‬ص‪.00‬‬
‫(‪ - )8‬جيهان أحمد رشتي‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 01‬‬
‫(‪ - )1‬عبد الرحمن عزي‪ :‬دراسات في نظرية االتصال؛ نحو فكر إعالمي متميز‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪2113،‬م ص‪.8‬‬
‫(‪ - )11‬جيهان أحمد رشتي‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 08‬‬
‫(‪- )11‬اريك ميغريه‪ ,‬سيسيولوجيا االتصال ووسائل اإلعالم ‪ :‬ترجمة موريس شربل(مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم)ط ‪1‬‬
‫ص‪. 28‬‬
‫(‪ - )12‬عبد الرحمن عزي‪ :‬دراسات في نظرية االتصال‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.11‬‬
‫(‪ - )13‬جيهان أحمد رشتي‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 08‬‬
‫(‪ - )11‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬بحوث االتصال و اتجاهات التأثير ‪ ,‬عالم الكتب ‪ ،‬القاهرة‪ ,1111 ,‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ - )10‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬بحوث االتصال و اتجاهات التأثير ‪,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ - )11‬جيهان أحمد رشتي‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.11‬‬
‫(‪ - )11‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬بحوث االتصال و اتجاهات التأثير ‪,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 31‬‬
‫(‪ - )18‬إبراهيم إمام‪،‬االتصال و االتصال بالجماهير‪،‬المكتبة األنجلو ‪-‬مصرية‪،‬القاهرة‪, 1111،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 11‬محمد عبد الحميد ‪ ,‬دراسات الجمهور و بحوث التأثير ‪ ,‬دار الفكر العري ‪ ,‬القاهرة ‪ ,2113 ,‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 21‬اريك ميغريه ‪ :‬سيسيولوجيا االتصال ووسائل اإلعالم ‪ ,‬نفس المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 28‬‬
‫(‪ - )21‬نصير بوعلي‪ :‬اإلعالم والقيم؛ قراءة في نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمن عزي‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين ميلة ‪-‬الجزائر‬
‫‪2110‬م ‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪- )22‬عبد الرحمن عزي‪ ,‬دراسات في نظرية االتصال؛ نحو فكر إعالمي متميز‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 2113‬م ص‪.8‬‬
‫(‪- )23‬نصير بوعلي‪ :‬مفاتيح نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم؛ مقاربة بنيوية‪ ،‬مجلة كنوز الحكمة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬مؤسسة كنوز‬
‫الحكمة‪ ،‬نوفمبر ‪2111‬م‪ ،‬ص ‪-‬ص ‪.111- 111‬‬

‫‪123‬‬
‫العدد الرابع ‪ -‬جانفي ‪4102‬‬ ‫مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية ‪ -‬جامعة الوادي‬

You might also like