You are on page 1of 10

‫خروج الموظف العمومي من الوظيفة العمومية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يشكل العنصر البشري حجر الزاوية داخل أي إستراتيجية تحديثية تستهدف الرفع من أداء الجهاز اإلداري‬
‫وتقوية كفاءته‪ ،‬لذلك فإن رصد المظاهر السلبية في تدبير وتقويم المورد البشري يعد الزما قبل البدء في أي‬
‫عمل تحديثي بغية دفعه إلى االنخراط والمساهمة فيه[‪.]1‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬فإن فعالية وأداء اإلدارة مرتبطان أوثق االرتباط بمستوى مردودية العنصر البشري المكون‬
‫لها‪ ،‬فالموارد البشرية تعد ركيزة أساسية للنهوض باإلدارة وتأهيلها لالندماج في محيطها االجتماعي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬ومن تم المساهمة في رفع التحديات التي تفرضها العولمة والتنافسية الدولية[‪.]2‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬وما دام موضوع تدبير الموارد البشرية يشمل المسار المهني للموظف بشكل عام‪ ،‬بدءا من‬
‫التعين في منصب قار والترسيم في إحدى رتب السلم الخاص بأسالك اإلدارة‪ ،‬وانتهاءا بما يسمى بالخروج عن‬
‫العمل أو مغادرتها‪ ،‬ونظرا لتطرق العروض السابقة لجميع المراحل والمحطات التي يمر منها الموظف داخل‬
‫مساره المهني‪ ،‬باستثناء المرحلة األخيرة تحت مسمى الخروج عن الوظيفة‪ ،‬سنقف بدورنا عندها وفحص‬
‫محتواها ومدلوالتها‪.‬‬

‫فالمقصود بالخروج عن الوظيفة‪ /‬العمل يعني إنهاء الموظف العمومي لخدمته لسبب من األسباب التي حددها‬
‫المشرع على سبيل الحصر وهي‪ :‬االستقالة‪ ،‬اإلعفاء‪ ،‬العزل‪ ،‬واإلحالة على التقاعد‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬تتجلى أهمية الموضوع من خالل المكانة الراهنة للخروج من العمل‪ /‬الوظيفة‪ ،‬ارتباطا بما‬
‫يطرحه تعدد وارتفاع العنصر البشري داخل اإلدارة المغربية من ارتفاع كتلة األجور وإنهاك لميزانية الدولة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يحق لنا أن نصيغ إشكالية الموضوع وفق ما يلي‪:‬‬

‫إلى أي حد يمكن الحديث عن مرونة وسالمة المقتضيات القانونية المتعلقة بالخروج عن الوظيفة العمومية وما‬
‫مدى مساهمة تجربة المغادرة الطوعية في تحديث وعقلنة تدبير الموارد البشرية؟‬

‫هذه اإلشكالية المحورية‪ ،‬تتفرع عنها األسئلة الفرعية التالية‪:‬‬

‫‪    ‬ما هو اإلطار القانوني المنظم للخروج عن العمل بالمغرب؟‬ ‫‪‬‬


‫‪    ‬ما هو الواقع العملي لعملية الخروج عن العمل؟‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬ما هو السياق الذي جاءت فيه عملية المغادرة الطوعية وما هي أهدافها ونتائجها؟‬ ‫‪‬‬
‫هذه اإلشكاليات وغيرها سنحاول اإلجابة عليها وفق مقاربة قانونية تحليلية‪ ،‬سوسيولوجية معتمدين التصميم‬
‫التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تشخيص الوضعية الراهنة للخروج من الوظيفة‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار القانوني المنظم للخروج من الوظيفة‬


‫المطلب الثاني‪ :‬واقع الخروج من الوظيفة بالمغرب‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الخروج من الوظيفة المغادرة الطوعية (نموذجا)‬

‫المطلب األول‪ :‬السياق واألهداف‬


‫المطلب الثاني‪ :‬تدابير المغادرة الطوعية للوظيفية‬
‫‪ ‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬
‫تشخيص الوضعية الراهنة للخروج من الوظيفة‬
‫إن الحديث عن تشخيص وضعية الخروج‪ S‬من العمل‪/‬الوظيفة‪ ،‬تقودنا بداية إلى معرفة اإلطار القانوني المنظم له‬
‫(مطلب أول)‪ ،‬ثم بعد ذلك الوقوف عند واقع الممارسة (مطلب ثان)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار القانوني المنظم للخروج من الوظيفة‬


‫بموجب النظام األساسي العام للوظيفة العمومية[‪ ،]3‬يؤدي االنقطاع النهائي عن العمل إلى الحذف من األسالك‬
‫وفقدان صفة الموظف‪ ،‬وعلى هذا األساس‪ ،‬نجد المشرع حدد بدقة الحاالت التي يكون فيها خارجا أو مغادرا‬
‫للعمل في ما يلي‪:‬‬

‫‪    ‬االستقالة المقبولة بصفة قانونية‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫‪    ‬اإلعفاء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬العزل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬اإلحالة على التقاعد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كما يجوز لنا أن نضيف حالة أخرى والمتمثلة أساسا في الوفاة بالرغم من عدم التنصيص عليها في القانون‬
‫المنظم للوظيفة العمومية‪.‬‬

‫‪ v‬االستقالة المقبولة بصفة قانونية‪:‬‬


‫يقصد باالستقالة رغبة الموظف في ترك الخدمة بإرادته لسبب من األسباب قبل بلوغ السن المقررة قانونا‬
‫لإلحالة إلى المعاش[‪.]4‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬هذه االستقالة تتم بناء على طلب كتابي يعرب فيه الموظف المستقبل من رغبته بصفة صريحة‬
‫وبدون غموض في التخلي عن وظيفته ومغادرة أسالك إدارته التي يعمل بها‪ ،‬وبكيفية غير التي يحال بها على‬
‫التقاعد‪.‬‬

‫وتظل هذه االستقالة بدون أثر قانوني‪ ،‬إال إذا وافقت عليها السلطة اإلدارية المختصة التي لها حق التسمية‪،‬‬
‫ويسري مفعولها ابتداء من التاريخ التي تحدده هذه السلطة‪.‬‬

‫ويتعين على هذه األخيرة‪ ،‬أن تصدر مقررها في أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ توصلها بطلب االستقالة‪،‬‬
‫وفي حالة عدم اإلجابة من طرف اإلدارة بعد نفاذ هذه المدة‪ ،‬فإنه يعتبر بمثابة قبول ضمني لالستقالة‪.‬‬

‫غير أنه في حالة ما إذا توقف الموظف المعني عن عمله بمجرد تقديم طلب استقالته‪ ،‬وقبل موافقة السلطة‬
‫المختصة أو انقطع عن عمله قبل التاريخ المحدد له‪ ،‬فإنه يمكن أن تتخذ في حقه عقوبة تأديبية‪.‬‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬ففي حالة عدم قبول طلب استقالة الموظف‪ ،‬فإنه يجوز للمعني باألمر أن تحيل القضية على‬
‫اللجنة اإلدارية المتساوية األعضاء‪ ،‬التي تبدي رأيا معلال باألسباب وتوجهه إلى السلطة ذات النظر[‪.]5‬‬
‫‪ v‬اإلعـفـاء‪:‬‬
‫يقصد باإلعفاء استغناء اإلدارة عن الموظف العمومي بصفة نهائية‪ ،‬وإجماال فإنه يمكن إعفاء الموظفين من‬
‫وظائفهم في الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪    ‬بسبب تخفيض المناصب المالية بموجب ظهائر خاصة تنص على تخفيض من عدد موظفي اإلدارات‬
‫العمومية‪ ،‬ولإلشارة فهذه الحالة لم تتحقق لحد اآلن[‪.]6‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فإنه ال يمكن تسريح موظفين إال بعد إعالمهم مسبقا بذلك ومنحهم تعويضات عن هذا‬
‫اإلعفاء‪.‬‬

‫‪    ‬يمكن إصدار قرار اإلعفاء في حق الموظفين الموجودين في وضعية االستيداع الذين لم يطالبوا بإعادة‬
‫إدماجهم بأسالك إدارتهم في األجل القانوني المحدد لهم‪ ،‬أو عند رفضهم المنصب المسند إليهم بعد إعادة‬
‫إدماجهم‪ ،‬وذلك بعد استشارة اللجنة اإلدارية المتساوية األعضاء المختصة‪.‬‬

‫‪    ‬في حالة ثبوت فقدان الكفاءة المهنية لموظف وتعذر إدراجه في أسالك اإلدارة أخرى‪ ،‬فإما بعض من‬
‫مهامه إذا لم يكن الحق في التقاعد أو يتم إحالته على التقاعد إذا كان يتوفر على الشروط النظامية‪.‬‬
‫‪    ‬إذا ثبت عدم توفر الكفاءة المهنية لموظف متمرن عند نهاية السنة الثانية من التمرين‪ ،‬فإنه يتم إعفاؤه من‬
‫وظيفته بصفة تلقائية‪.‬‬

‫‪    ‬في حالة ترك الوظيفة بدون عذر مقبول أو إذن مسبق‪ ،‬يوجه رئيس اإلدارة إنذار إلى الموظف المتغيب‬
‫قصد استئناف عمله يحيطه فيه باإلجراءات التي يمكن أن يتعرض لها في حالة رفضه التحاقه بعمله[‪.]7‬‬
‫‪ v‬الـعـزل‪:‬‬
‫ينقسم العزل إلى ثالثة أنواع‪ :‬العزل التأديبي‪ ،‬والعزل غير التأديبي أو ما يسمى بالفصل غير التأديبي أو‬
‫التحكمي أو اإلداري أو السياسي‪ ،‬وكذا العزل ألسباب صحية الذي يحق فيه لإلدارة فصل الموظف العمومي‬
‫من الخدمة إذا ثبت عدم لياقته صحيا لالستمرار في خدمتها‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬ولتجاوز اإلدارة الشطط في‬
‫استعمال هذا الحق‪ ،‬فهي تخضع للرقابة القضائية‪ ،‬للتحقيق من جدية األسباب الصحية التي بني عليها قرار‬
‫الفصل[‪.]8‬‬
‫‪  v‬اإلحالة على التقاعد‪:‬‬
‫تقبل إحالة الموظف العمومي على التقاعد بطلب منه أو بصفة حتمية‪ ،‬وذلك طبقا للشروط المقررة في التشريع‬
‫الخاص برواتب التقاعد‪ ،‬وتتم اإلحالة على التقاعد في الحاالت التالية‪ ،‬وهي‪ :‬بلوغ المعني باألمر سن التقاعد‪،‬‬
‫عدم قدرته البدنية‪ ،‬بموجب عقوبة تأديبية‪ ،‬أو لعدم الكفاءة المهنية[‪.]9‬‬
‫ولإلشارة فإننا لم نقم بتحصيل هذه النقطة‪ ،‬نزرا إلدراج عرض خاص بالتقاعد ضمن محاور هذه المادة‪.‬‬

‫‪ v‬الـوفـاة‪:‬‬
‫تعتبر الوفاة السبب الطبيعي إلنهاء عالقة الموظف العمومي بالدولة‪ ،‬وهو سبب خارج عن إرادة كل من‬
‫الموظف نفسه والدولة‪ ،‬وتبعا لذلك فإن العالقة الوظيفية تنتهي لتنشأ عالقة أخرى من نوع معين‪ ،‬وهي عالقة‬
‫ما بين الدولة وذوي حقوق الموظف المتوفى في صرف كافة مستحقات ذلك الموظف إن كان له الحق في ذلك[‬
‫‪.]10‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬واقع الخروج من الوظيفة بالمغرب‬
‫من الصعوبة بمكان الحديث عن الخروج عن العمل من الناحية الممارستية والعملياتية في المغرب‪ ،‬وذلك نظرا‬
‫لصعوبة تفعيله على أرض الواقع‪ ،‬اللهم إذا كان ناتج عن حالة الوفاة‪ ،‬وذلك من منطلق المسلمات واألوضاع‬
‫التي تعرفها منظومة التوظيف التشغيل ببالدنا (كثرة البطالة‪ ،‬صعوبة الحصول على العمل…)‪.‬‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬يمكن القول بأن تفعيل الحاالت التي حددها المشرع في النظام األساسي العام للوظيفة‬
‫العمومية السالفة الذكر في المطلب األول‪ -‬تصطدم بصعوبات جمة‪ ،‬أو أن اإلدارة تستعملها بشكل غير ذلك‬
‫المنصوص عليه في القوانين واألنظمة‪.‬‬
‫فبالرجوع إلى االستقالة التي يقدمها الموظف بمحض إرادته رغبة منه بالخروج‪ S‬عن العمل‪ ،‬نجدها إلى حد ما‬
‫من الناحية الممارستية تجد إكراهات وصعوبات في أجرتها‪ ،‬خصوصا إذا كان الموظف (ة) المعني يشتغل في‬
‫بعض المناصب الحساسة أو التقنية التي تعرف الخصاص بشأنها‪.‬‬

‫إذ أن اإلدارة في هذه الحالة "تبقى لها السلطة التقديرية في قبول أو عدم قبول رغبته‪ ،‬وذلك تبعا لما تقتضيه‬
‫المصلحة العامة"[‪.]11‬‬
‫وبالنسبة لإلعفاء كإجراء من اإلجراءات التي تتخذها اإلدارة في حق موظفيها ومن تم االستغناء عنهم‪ ،‬يجوز‬
‫لنا القول بأنه بالرغم من تنصيص القانون على هذه اإلمكانية خاصة فيما يتعلق بإصدار ظهائر شريفة يمكن من‬
‫خاللها تخفيض من عدد موظفي األسالك‪ ،‬نجد هذا المقتضى لم يتحقق لحد اآلن[‪.]12‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬وتبقى تقنية العزل من أخطر اإلجراءات التي يمكن أن يتعرض لها الموظف (ة) إلنهاء عمله‪،‬‬
‫ألنه من الناحية العملية يمكن لإلدارة أن تتعسف في استعمال هذا الحق‪ ،‬أو أن تتخذه العتبارات أخرى‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فالعزل غير التأديبي مثال أو ما يسمى بالفصل التحكيمي أو اإلداري أو السياسي‪ ،‬تعترف‬
‫به قوانين بعض الدول لرئيس الدولة أو للحكومة إذا قدرت أن الصالح العام يقتضي ذلك‪ ،‬وذلك دون أن يكون‬
‫الموظف قد ارتكب خطأ محددا يستحق عنه العقاب‪.‬‬

‫ولما كان هذا النوع من العزل يحتوي على خطورة كبيرة في كون الموظف يفصل دون تحقيق أو محاكمة فإن‬
‫قوانين بعض الدول كفرنسا مثال تقتصر إمكانية الفصل بغير الطريق التأديبي على الموظفين الذين يعينون‬
‫بمرسوم‪ ،‬وهم كبار الموظفين أو القادة أو القادة اإلداريين‪ .‬نظرا ألن وظائفهم تستلزم تمتعهم الدائم بثقة‬
‫الحكومة‪ ،‬كما أن قوانين بعض الدول تحدد الحاالت التي يجوز فيها الفصل بغير الطريق التأديبي رغم عدم‬
‫قصره على كبار الموظفين[‪.]13‬‬
‫كما ال تفوتنا اإلشارة إلى أن اإلحالة على التقاعد خاصة النسبي‪ ،‬ال يفعل عادة من الناحية العملية علما إذا كان‬
‫الموظف (ة) بسيطا أي إذا كان ينتمي إلى ساللم األجور المتوسطة‪ ،‬ولعل السبب في ذلك يكمن في نظرنا في‬
‫الصعوبات والتحديات التي يواجهها الموظف المغربي بشكل عام‪ ،‬وبالتحديد تزايد غالء المعيشة في مقابل‬
‫ضعف الدخل الفردي للموظف‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫الخروج من الوظيفة المغادرة الطوعية (نموذجا)‬
‫‪ ‬‬

‫المقصود بالمغادرة الطوعية مبادرة جاءت بها الحكومة قصد تشجيع موظفي الدولة المدنيين على مغادرة‬
‫وظيفتهم إذا توفرت فيهم الشروط المطلوبة مقابل تعويض مالي وهي مبادرة استثنائية انطلقت في فاتح يناير‬
‫‪ ،2005‬وانتهت في ‪ 30‬يونيو من نفس السنة‪ ،‬وسنحاول الوقوف في هذا المبحث على السياق الذي جاءت فيه‬
‫واألهداف التي حاولت تحقيقها (المطلب األول)‪ ،‬ثم التدابير والمساطر التي خضعت لها هذه المبادرة (المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السياق واألهداف‬


‫تشكل عملية المغادرة الطوعية إحدى مداخل اإلصالح اإلداري المتعلق بتدبير الموارد البشرية باإلدارة‬
‫العمومية في إطار إعادة تحديد دور الدولة‪ ،‬وعدم تنافسية االقتصاد الوطني إلى جانب تثمين الموارد البشرية‬
‫بشكل عام‪ ،‬خاصة بعد تبين وبجالء مدى االختالالت التي تعاني منها اإلدارة العمومية على مجموعة من‬
‫المستويات بسبب عدم قدرتها على التحكم في تضخم هياكلها إلى جانب سوء توزيع الموظفين إداريا وجغرافيا‪.‬‬

‫والواقع أن عملية المغادرة الطوعية جاءت في كنف ظروف داخلية وأخرى دولية حتمت اتخاذ هذا القرار‪.‬‬
‫‪ ü‬الظروف الخارجية‪  :‬تتمثل هذه العوامل في إمالءات البنك الدولي التي تدعوا الحكومة إلى تقليص كتلة‬
‫األجور والتي تمثل حوالي‪  % 3 ‬من الناتج الوطني اإلجمالي الشيء الذي ينعكس سلبا على المالية العمومية‪،‬‬
‫مما يؤثر في قدرة المغرب على سداد ديونه الخارجية للبنك الدولي‪.‬‬
‫ومن جانب آخر فإن االنفتاح االقتصادي الذي يعرفه المغرب يدعوا بإلحاح العمل على عصرنة وتطوير‪ S‬الجهاز‬
‫اإلداري حتى يكون قادرا على جني ثمار هذا اإلنفتاح االقتصادي من خالل خلق األرضية المناسبة لجلب‬
‫االستثمارات الخارجية‪.‬‬

‫وهكذا بدا للمسؤولين على تدبير الشأن العام أنه من الضروري‪ S‬إعادة النظر في عدد موظفي اإلدارة العمومية‬
‫كخطوة أساسية في مسلسل تحديث القطاعات العامة‪.‬‬

‫‪ Ø‬الظروف الداخلية ‪ :‬انطلقت عملية المغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية‪ ،‬في ظرفية اتسمت باالتجاه‬
‫نحو إرساء مقومات الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام‪ ،‬والتصدي إلى ظاهرة الفساد اإلداري في محاولة‬
‫لتخليق المرفق العام[‪.]14‬‬
‫ولعل أهم اإلشكاالت التي طرحت في هذا المضمار‪ ،‬هي تلك المتعلقة بالموظفين األشباح البالغ عددهم قبل‬
‫إجراء المغادرة الطوعية ‪ 80‬ألف أي ما يعادل ‪ 17‬من مجموع عدد الموظفين العموميين‪ ،‬هذا المعطى يعتقد‬
‫بعض الباحثين أنه كان حاضر بقوة وراء اعتماد هذا الخيار[‪.]15‬‬
‫وهكذا اتجهت الحكومة ودون سابق إنذار‪ ،‬على وضع الشروط والتدابير التي سيتم بناءا عليها تنظيم عملية‬
‫المغادرة الطوعية منفرد باتخاذ القرار دون استشارة المنظمات النقابية للموظفين‪ ،‬التي كان بإمكانها أن تلعب‬
‫دورت جوهريا في إطار الحوار االجتماعي[‪ ،]16‬ولعل غياب هذه االستشارة كانت من بين األسباب التي أدت‬
‫إلى فشل ما جاء به مرسوم ‪ 31‬دجنبر ‪ 2003‬المتعلق بهذا الموضوع‪.‬‬
‫إن المغادرة الطوعية استطاعت تحقيق بعض األهداف‪ ،‬ولكن بشكل جزئي كان أولها التخفيض من كتلة‬
‫األجور التي تثقل كاهل المالية العمومية‪ ،‬بالرغم من انخفاض نسبة الموظفين من مجموع عدد السكان اإلجمالي‬
‫مقارنة مع دول أخرى في وضعية متقاربة مع المغرب من حيث اإلمكانيات االقتصادية والمالية كتونس ومصر‪،‬‬
‫كما أن هذا االنخفاض على مستوى كتلة األجور لن يظل مستقرا نظرا لحجم البطالة في صفوف حاملي‬
‫الشهادات العليا خاصة إذا لم يتم اتخاذ التدابير الالزمة لتحديث اإلدارة العمومية من خالل نهج تدبير توقعي‬
‫للموارد البشرية يقوم على تحديد حاجيات التوظيف بناءا على توظيف دقيق للوظائف ومن حب الشغل‪ ،‬التي‬
‫يسمح بتكوين رؤية استراتيجية واضحة على المدى المتوسط حول الحاجيات من األطر لدى جميع الوزارات[‬
‫‪.]17‬‬
‫أما الهدف الثاني فقد تحدد في تشبيب اإلدارة وإتاحة فرص جديدة تسمح لألطر الشابة بأن‪  ‬تلج مناصب‬
‫المسؤولية داخل اإلدارة‪ .‬إال أنم الوجه اآلخر لهذا الهدف والمتمثل في الفراغ الذي شاب بعض اإلدارات‬
‫والمرافق على مستوى األطر ذات التجربة والخبرة كانت له انعكاسات سلبية خاصة في صفوف األساتذة‬
‫والمعلمين التابعين لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر والبحث العلمي الشيء الذي تنبهت له‬
‫الحكومة مؤخرا عندما أقدمت على عمليات توظيف مباشر لحاملي الشهادات العليا لدى هذه الوزارة‪.‬‬
‫وقد كان من بين أهداف هذه المبادرة‪ ،‬خلق الشروط المالءمة لتدبير األمثل للموارد البشرية بالوظيفة العمومية‬
‫مما سيساعد على التوزيع العقالني للموارد المتاحة سواء على المستوى الجغرافي أو القطاعي أو الهرمي‬
‫عالوة على تفعيل الحركية ورهينا بإصالحات أخرى جوهرية تتوقف أساسا على إعادة النظر في المنظومة‬
‫القانونية…‬

‫وأخيرا‪ ،‬هناك هدف يمكن اعتباره هدفا ثانويا ويتعلق بخلق الظروف المناسبة إلدماج المستفيدين من العملية في‬
‫القطاع الخاص من خالل إقامة مشاريع استثمارية ساهم في خلق فرض للشغل‪ ،‬إذ أن تجربة هؤالء وتمرسهم‬
‫سيمكنهم من إحداث مشاريع ذات مردودية وتنافسية عالية‪.‬‬

‫وهكذا يمكن القول بأن عملية المغادرة الطوعية بقدر ما سعت إلى تحقيق أهداف يمكن اعتبارها ذات وقع‬
‫إيجابي قد تساعد على وضع الخطوة األولى نحو عصرنة اإلدارة المغربية بقدر ما خلفت بعض اآلثار السلبية‬
‫ينبغي العمل على تجاوزها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تدابير المغادرة الطوعية للوظيفية‬


‫إن الحديث عن التدابير المتخذة للمغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية‪ ،‬تقتضي البحث‪/‬التوقف عند النقط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪    ‬شروط االستفادة من عملية المغادرة الطوعية‪ :‬إن عملية المغادرة الطوعية للوظيفة العمومية‬
‫همت باألساس موظفي الدولة المدنيين الذين استوفوا شروط مدة هذه الخدمة المنصوص عليها في القانون‬
‫المتعلق بنظام المعاشات المدنية[‪ ، ]18‬والذين اختاروا المغادرة الطوعية من أجل التقاعد حد السن القانوني[‬
‫‪ ، ]19‬كما همت هذه العملية موظفي الدولة المدنيين الذين ال يستوفون الشروط التي تخول الحق في الحصول‬
‫على معاش التقاعد‪ ،‬كما هو منصوص عليها في البند األول من الفصل الرابع من القانون السالف الذكر‪،‬‬
‫والذين اختاروا المغادرة الطوعية لإلدارة بعد الحصول على إذن اإلدارة التابعين لها‪.‬‬
‫باإلضافة إلى موظفي الدولة الذين هم في وضعية اإللحاق أو اإلحالة على االستيداع أو رهن اإلشارة[‪.]20‬‬
‫كما تم تحديد شرط آخر لالستفادة من المغادرة الطوعية‪ ،‬ويتعلق بضرورة توفر على ‪ 21‬سنة من الخدمة‬
‫بالنسبة للموظفين‪ ،‬و‪ 15‬سنة بالنسبة للموظفات‪.‬‬

‫لالستفادة من المغادرة الطوعية كان على الموظف إبداء رغبته في ذلك بواسطة طلب مكتوب يوجه إلى‬
‫الرئيس اإلداري داخل أجل ستة أشهر من فاتح يناير إلى ‪ 3‬يونيو ‪ ،2005‬باإلضافة إلى توجيه نسخة من هذا‬
‫الطلب إلى وزارة تحديث القطاعات العامة‪.‬‬

‫‪    ‬الغالف الزمني‪  :‬لقد تم تحديد أجال القيام بمختلف اإلجراءات التي يقتضيها نظام المغادرة الطوعية‬
‫للوظيفة في خمسة عشرة يوما كحد أقصى‪ ،‬ابتداء من تاريخ التوصل بالطلبات‪ ،‬لتقوم الغدارة بالبت فيها وإعداد‬
‫قوائم الخدمات الخاصة ألصحاب هذه الطلبات‪ ،‬ومشاريع قرارات المغادرة الطوعية‪ ،‬ثم بعد ذلك تبعت اإلدارة‬
‫المعنية قوائم الخدمات التي قامت بإعدادها إلى الصندوق المغربي للتقاعد‪ ،‬قصد البت فيها داخل أجل أقصاه‬
‫عشرة أيام ابتداء من تاريخ التوصل بها‪.‬‬
‫وإثر مصادقة الصندوق المغربي للتقاعد على تلك القوائم تعرض قرارات المغادرة الطوعية دون تأثيره على‬
‫المراقب المركزي‪ S‬لاللتزام بنفقات الدولة‪ ،‬لإلدارة التي ينتمي إليها المعنيون باألمر‪ ،‬والذي يبث فيها في أجل‬
‫أقصاه خمسة أيام[‪.]21‬‬
‫‪    ‬التعـويـض‪  :‬تمكن الموظفون الذين نالت طلباتهم بالموافقة من الحصول على تعويض من ميزانية‬
‫الدولة معفى من الضريبة العامة على الدخل‪  ،IGR ‬تم احتسابه على أساس كافة جميع عناصر األجرة خاضعة‬
‫لالقتطاع من أجل المعاش‪.‬‬
‫وقد تحددت قيمة التعويض في أجرة شهر ونصف عن كل سنة من الخدمة الفعلية‪ ،‬وحسب النسبة عن كل‬
‫الفترة من الخدمة تقل عن سنة‪ ،‬دون أن يتجاوز المبلغ اإلجمالي للتعويض أجرة ‪ 36‬شهرا بالنسبة للموظفين‬
‫المرتبين في سلم ‪ 6‬وما فوق‪ ،‬بدون تقيد بأي سقف بالنسبة للموظفين المرتبين في السلم ‪ 1‬إلى السلم ‪ 5‬غير أن‬
‫مبلغ التعويض ال ينبغي أن يتعدى نصف مجموع مبالغ األجرة والتعويضات القارة الممكن صرفها للمعني‬
‫باألمر بين الفترة الممتدة من تاريخ حذفه من األسالك بسبب المغادرة الطوعية للعمل إلى بلوغه حد السن‬
‫القانوني لإلحالة على التقاعد‪ ،‬وقد تكلف مكتب أداء األجور الرئيسي للخزينة العامة بصرف التعويض‬
‫للمستفيدين من المغادرة الطوعية للوظيفة في نهاية الشهر الموالي للشهر الذي يحذف فيه الموظف من‬
‫األسالك[‪.]22‬‬
‫يمكن القول بأن تدبير اآلجال المتعلق بالبث في الطلبات كان قصيرا‪ ،‬بحيث تم الحسن في جلها خالل فترة‬
‫زمنية لم تتجاوز ثالثة أشهر ابتداء من تاريخ إيداع الطلب إلى تاريخ صرف المعاش‪.‬‬

‫إال أن اإلشكال الجوهري الذي أثير بالنسبة لتدابير المغادرة الطوعية‪ ،‬يتجسد في المعيار المعتمد لموافقة‬
‫السلطة اإلدارية التسلسلية على طلبات مرؤوسيها الراغبين في المغادرة الطوعية للوظيفة‪ ،‬إذ أن خلو هذه‬
‫التدابير من أي إشارة في هذا المضمار يضعنا أمام عدة احتماالت‪:‬‬

‫‪    ‬إما أن اإلدارة اعتمدت معيارا ماليا صرفا‪ ،‬وبذلك وافقت دون تردد على طلبات الموظفين الذين ال يكلف‬
‫تعويضهم عن المغادرة الطوعية مبلغا مرتفعا‪.‬‬

‫‪    ‬أو أن اإلدارة وافقت على طلبات الموظفين المصنفين في مختلف الدرجات دون تمييز‪ ،‬والموازاة فيما‬
‫بينها‪.‬‬

‫غير أن التساؤل سيبقى مطروحا حول النسبة –إن كانت هناك نسبة‪ -‬مخصصة لكل فئة حتى ال يصرف‬
‫الغالف المالي المخصص لفائدة فئة دون األخرى‪.‬‬
‫‪    ‬أو أن اإلدارة وافقت على الطلبات المرفوعة إليها حسب تاريخ التوصل بها‪ ،‬في حدود ال يسمح به‬
‫الغالف المالي[‪.]23‬‬
‫خاتمة‬
‫كخاتمة لهذا الموضوع يمكن لنا الخروج‪ S‬بالخالصات التالية‪:‬‬

‫‪    ‬عن تفعيل اإلطار القانوني للخروج من الوظيفة من الناحية العملية يطرح عدة إشكاالت‪ ،‬فاالستقالة على‬
‫سبيل المثال نجد اإلدارة تتمتع بسلطات واسعة من أجل قبولها أو رفضها‪ ،‬خصوصا إذا كانت الوظيفة‪ /‬المهنة‬
‫التي يشتغلها الموظف (ة) نادرة‪ .‬نفس األمر بالنسبة للعزل الذي يمكن أن تتخذه اإلدارة في غير محله‬
‫العتبارات سياسية ومحاسبية أخرى‪.‬‬

‫‪    ‬إن واقع الخروج‪ S‬من الوظيفة هي المغرب يصعب من الناحية العملية الحديث عنه‪ ،‬وذلك بسبب كثرة‬
‫البطالة التي تعتري صفوف حاملي الشواهد وخريجي الجامعات والمعاهد العليا في الشأن‪.‬‬

‫‪    ‬إن األهداف المتوخاة من عملية المغادرة الطوعية‪ ،‬وإن تم تحقيقها بشكل جزئي أو كلي‪ ،‬لن تكون لها‬
‫انعكاسات إيجابية على أداء اإلدارات العمومية إذا لم يتم تنفيذ اإلصالحات والتي حاولت المغادرة الطوعية‬
‫التمهيد في تفعيلها‪ ،‬وكذا تفادي اآلثار السلبية الناجمة عنها‪.‬‬

You might also like