You are on page 1of 6

‫الفكاهة في أدب الطفل ‪:‬‬

‫بواعث الضحك‪:‬‬

‫التعجيب‪ :‬يضحك االنسان عادة من طبع غريب ‪،‬عجيب ‪،‬فالضحك ينشأ من تكسير ما هو مألوف في‬
‫الحياة اليومية كأن تخالف الشخصية المقام بفعل أو قول ال يتالءم معه و يدنس ما هو مقدس (أي القيام‬
‫بفعل مدنس في مكان مقدس )أو أن تقع الشخصية في خطأ غير مقصود أو تسهو أو تقوم بحركات ال‬
‫ارادي ة ( المجتم ع يب ارك ك ل م ا ه و م ألوف و ع ادي و يع اقب بالض حك ك ل االنحراف ات فيتح ول‬
‫المارق ‪،‬الخارج عن المألوف إلى اضحوكة‪.‬‬

‫العبث والتع ابث ‪ :‬المقص ود ب ه العبث ب اآلخر و لكن ليس إلى ح د اإلس اءة و اإلض رار ب ه ‪،‬يض ع م ا‬
‫يسمى مقالب بالكالم أو الفعل‪.‬‬

‫دور اإلضحاك في تنمية القدرات الذهنية للطفل‪: ‬‬

‫يشترط في القصة الموجهة لألطفال أن تكون حاملة لمعايير مضبوطة من قبيل أن تحتوي على معجم‬
‫لغ وي بس يط بعي د عن التّ ركيب وأن تك ون خالي ة من ك ل أن واع التعقي د وليس ت ه ذه المس ألة‬
‫القصدية بمكان ‪،‬فالغاية من توظيف هذا المعجم اللغوي البسيط له عدة دوافع‬
‫ّ‬ ‫باعتباطية‪،‬وإ ّنما كانت من‬
‫وتتمث ل أساس ا في جع ل إدراك أبع اد القص ة س واء ك ان البع د النق دي والبع د اله زلي ممكن ا من قب ل ك ل‬
‫الفئ ات العمري ة بمختل ف خلفي اتهم االجتماعي ة وخاص ة لتتناس ب م ع فئ ة األطف ال فالكلم ات والعب ارات‬
‫وتركيبة الجمل‪.‬‬

‫اكتس بت خاص ية البس اطة ووض وح المع نى في بني ة القص ص الفكاهي ة لض مان الق درة على فهم الع برة‬
‫التي ترمي إليها و لقد مكن هذا االنتقاء اللغوي في تركيب بنية النادرة من جعلها متناسبة مع القدرات‬
‫الذهنية و العقلية التي تتوفر لدى الطفل في مرحلة الطفولة و التي تخول له تمثل معاني النادرة‪.‬‬

‫وينظ ر إلى الم ادة الفكاهي ة أيض ا من الناحي ة التربوي ة و ذل ك باعتباره ا جه ازا موازي ا يخ دم الج انب‬
‫المدرس ي في حي اة التلميذ ‪" :‬قص ص الفكاه ة هي مجموع ة الحكاي ات الهزلي ة و المض حكة ولكنه ا يجب‬
‫أن تك ون قص يرة مرح ة نابع ة من اإلحس اس العمي ق بالعالق ات بين األش ياء‪.‬وهي ذات فائ دة كب يرة‬
‫لألطف ال و يحبونه ا إلى درج ة التك رار‪.‬وق د تفي د ص حة األطف ال في تم رين عض الت الص وت‬
‫واالسترخاء‪ ،‬وخاصة في الصفوف االبتدائية‪.‬ويمكن استعمالها كفواصل بين الدروس العلمية والنظرية‬
‫المكثفة يستريح فيها األطفال ويسترخون من عناء الدراسة فيشعرون بالتحرر من التحكم المدرسي ‪"1.‬‬
‫وما تستهدفه القصص الفكاهية ليست القهقهة التي يبعثها الهزل العابر بل تستهدف إثارة تفكير الطفل و‬
‫تنمية أذواقه و إنما إحساسه و بعث اإلشراق و التفاؤل في نفسه و يمكن عن طريق القصص الفكاهية‬
‫زعزعة الخرافات و األوهام و العادات و التقاليد والقصائد العتيقة و تأصيل قيم و مفاهيم و أخالقيات‬
‫جدي دة‪ .2‬وليس ت الفكاه ة خالي ة من المض امين النقدي ة ب ل النكت ة الفني ة هي ال تي ال تس تهدف اإلض حاك‬
‫فحس ب ‪،‬وإ نم ا تري د في ال وقت نفس ه أن تق ول ش يئا آخ ر‪ ،‬تري د أن تس خر من ش يء في حي اة اإلنس ان‬
‫اجتماعيا أم اقتصاديا أم سياسيا أم دينيا‪...‬الخ‬

‫تمث ل الفكاه ة ب ذلك وت را حساس ا بين أك بر مجموع ة من الن اس ‪،‬محدث ة فيهم م ا يش به األث ر التطه يري‬
‫الذي أشار إليه أرسطو في كالمه عن شروط العمل الفني ‪ ".‬وعلى هذا األساس كله يمكن القول إذن أن‬
‫أدب الطفل يعتبر وسيطا تربويا يتيح الفرصة أمام األطفال لمعرفة اإلجابات عن أسئلتهم و استفساراتهم‬
‫و محاول ة االستكش اف و اس تخدام الخي ال و نق ل الخ برات الجدي دة ال تي يحمل ه أدب الطف ل ‪ ،‬ان ه ي تيح‬
‫الفرصة أمام األطفال لتحقيق الثقة بالنفس و روح المخاطرة في مواصلة البحث و االستكشاف و حب‬
‫االستطالع من أجل مزيد من المعرفة لنفسه و لبيئته ‪.‬‬

‫اإلمتاعية ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الغاية‬

‫النفس من تجديد نشاطها‪.‬‬


‫النفس‪ ،‬وتمكين ّ‬
‫ـ اإلضحاك من أجل التّرفيه عن ّ‬

‫أن تنتاب اإلنسان‪.‬‬


‫العصبية التي يمكن ْ‬
‫ّ‬ ‫ـ مقاومة الحاالت‬

‫ـ السخرية من الحياة بدل تحميل ال ّذات ما ال تحتمل‪.‬‬

‫الهزلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النصوص‬
‫ـ تمتين العالقات بين األفراد والجماعات والتّقريب بين الطّبقات عبر ّ‬

‫اإلضحاك وتقنياته من خالل شخصية جحا نموذجا‪:‬‬

‫‪ 1‬أبو معال عبد الفتاح ‪،‬أدب الطفل ‪ ،‬دراسة و تطبيق ط ‪ ،2‬دار الشرق عمان ‪ ،1988‬ص‪.73-72‬‬
‫‪ 2‬الهيتي هادي نعمان أدب األطفال ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‪.1988‬‬
‫يعد اسم العلم من العناصر الفنية األساسية المساهمة في تنميط الشخصية و نمذجتها و قد كان اهتمام‬
‫األدباء كبيرا بهذا العنصر الفني على غرار اآلبي الذي خصص عناوين تسعة أبواب من أبواب النوادر‬
‫بأس ماء شخص يات ش هيرة في ع الم الفكاه ة مث ل الجم از و أش عب و أبي الع بر و أبي العنبس و أبي‬
‫العيناء و أبي عتيق وجحا‪...‬الخ‬

‫اخترنا شخصية جحا في هذا المثال باعتبارها تمثل احدى الحلقات الرئيسية للحكايات الشعبية‪،‬‬
‫وتع د الحلق ة الك برى في ال تراث األدبي الش عبي‪،‬فل و نظرن ا في مدون ة أدب األطف ال في ت ونس لوج دنا‬
‫حضورا مكثفا لشخصية جحا وهو على خالف بقية الشخصيات ابي دالمة ‪،‬دحدوح‪ ،‬شهلول ‪...‬الخ‪ ،‬و‬
‫لعله سيطر على جل نوادر الحمق و الغباء‪،‬ألن الخيال في تونس وفي بقية البلدان العربية األخرى نسج‬
‫له على امتداد العصور الكث ير من النوادر واألخبار و لعل هذه القائم ة الطويل ة خير دلي ل على ذلك ‪:‬‬
‫جح ا في الس ينما ‪،‬جح ا رج ل محت ال ‪،‬جح ا الغ ريب ‪،‬جح ا الغ بي‪ ،‬جح ا و الحم ار العني د‪ ،‬جح ا و اللص‬
‫جح ا و حم اره الممس وخ ‪،‬و من يري د البحث عن صورة جح ا ال يكتفي بالقص ص التي تحم ل عناوينه ا‬
‫اسمه ‪.‬‬

‫وحين ننظر في مجموعة النوادر التي ضمتها مدونة أدب األطفال ندرك بجالء غلبة نوادر جحا على‬
‫الن وادر األخرى‪ ،‬و هو يحاول االبتسامة و اختراق الحدود و تجاوز الموجود في طلب عالم آخر أقل‬
‫ّ‬
‫م ا في ه أن ه يختل ف عن ه ذا المعطى بك ل هنات ه و حماقات ه ليرس م فض اءات أك بر ع دال و نباه ة‪.‬وينتهي‬
‫الق روي إلى اإلق رار بنمطي ة شخص ية جح ا "وجح ا ه و من الشخص يات النمطي ة ال تي تتج اوز الح دود‬
‫المحلي ة الض يقة بمالمحه ا اإلنس انية المتح ررة ح تى من الزم ان والمك ان و من ك ل انتم اء‪.‬و قلم ا تأخ ذ‬
‫المنحى ال وعظي المباش ر وإ نم ا ترك ز على ظ اهرة التح امق و يمكنن ا تنزي ل جح ا في سلس لة المن درين‬
‫الذين اختصوا بخفة الروح و قوة البديهة و القدرة الفائقة على اإلضحاك‪ . " 3‬و ما ان شاعت حكاياته و‬
‫قصصه الطريفة حتى تهافتت عليه الشعوب ‪،‬فكل شعب و كل امة صممت لها جحا خاص بها يتالءم‬
‫مع طبيعتها و ظروف الحياة االجتماعية فيها‪ .‬و مع أن األسماء تختلف و شكل الحكايات ربما يختلف‬
‫"شخصية جحا األحمق"‪ .‬و شخصية جحا‬
‫ّ‬ ‫تتغير؛‬
‫شخصية جحا وردت وفق صورة ثابتة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫أيضا إالّ ّ‬
‫ون وادره ك انت متواج دة في األدب الش فاهي‪ ،‬وفي الكتب والمق االت ووس ائل اإلعالم المختلف ة‪ .‬و ق دمها‬
‫الفني ة ال تي أض حكوا به ا الكب ار والص غار‪ ،‬كم ا ض منها‬
‫الرس امون والنح اتون في العدي د من أعم الهم ّ‬

‫‪ 3‬أبو بكر القروي ‪،‬قصص األطفال في تونس و عالقتها بالتراث ‪،‬ص ‪.94-93‬‬
‫ظفوه ا ألك ثر من مهم ة وه دف‪،‬مم ا جعله ا‬
‫فكري ة و ّ‬
‫وفص لوا منه ا أنماط اً ّ‬
‫ّ‬ ‫القاص ون والكتّ اب اب داعاتهم‬
‫تتلون بألوان العصور واألزمنة التي تظهر فيها‪ ،‬وتتأثر بعادات وتقاليد الشعوب واألمم التي تسودها‪.‬‬
‫ومن خص ائص شخص ية جح ا الخف ة و الظراف ة‪ ،‬اذ يش ترط في الفك اهي أن يك ون ص احب ذك اء يجعل ه‬
‫الخطط وينسج خيوطها‪ ،‬كما يمتاز بنظره الثاقب بموهبته األصلية التي تضفي‬
‫يبحث عن الحيلة ويتدبر ُ‬
‫عليه خفة ولطفاً‪ ،‬فتأتي فكاهته لبقة غير مصطنعة‪ ،‬تفيض بالعذوبة‪.‬‬

‫ك انت شخص ية جح ا أك ثر الشخص يات إث ارة وال ذي نق ل عن ه الكث ير من الطرائ ف والنكت‪ ،‬واختل ف‬
‫الكثيرون حوله‪،‬و أين عاش جحا و الزمن الذي عاش فيه ولكن أقرب الروايات أن أسمه "أبو الغصن‬
‫دجين الفرازي" الذي عاش نصف حياته في القرن االول من الهجرة والنصف اآلخر في القرن الثاني‬
‫وعاص ر الدول ة األموي ة وم ات في عص ر خالف ة المه دي للدول ة العباس ية‪ ،‬فبعض هم ق ال أن ه مجن ون‬
‫وأحم ق والبعض اآلخ ر ق ال ان ه عاق ل ولكن ه ك ان يتح امق ليس تطيع الس خرية من الحك ام بحري ة تام ة‬
‫وت وفي وعم ره تس عون عام ا‪ ً،‬ومن ذ ذل ك الحين تح ولت شخص ية جح ا الع راقي الع ربي إلى رم ز ف ني‬
‫ق ومي يحم ل ج انب التعب ير عن الجماع ة في محيطهم وحي اتهم االجتماعي ة‪ ،‬وظه رت في أدبي ات دول‬
‫أخ رى‪ ،‬مث ل جح ا ال تركي"نص ر ال دين خوج ة" البط ل األس طوري في الق رن الراب ع للهج رة‪ ،‬وفي‬
‫ال بربر"س ي جح ا"‪ ،‬وفي مالط ا"جه ان"‪ ،‬وفي بلغاري ا"غ ابرفو" وفي اليون ان"أيس وب" وفي ارميني ا"آرتين"‪،‬‬
‫وفي يوغسالفيا المغفل"ارو"‪ ،‬وفي ألمانيا "تل"‪ ،‬وفي ايرلندا"بات"‪ ،‬وفي انكلترا"جورج"‪ ،‬وكذلك الرومان‬
‫واأللبانيون والروس والقوقاز وأهل جورجيا وصربيا واوكرانيا وتركستان‪ ،‬وحتى اليهود قاموا بسرقة‬
‫شخص ية جح ا ونس بوها إلى أنفس هم‪ ،4‬ولكن تظ ل شخص ية جح ا هي الشخص ية نفس ها‪ ،‬والقص ص كث ير‬
‫منها جرى تداوله بنفس األسلوب و ننقل بعض نوادره‪:‬‬

‫كان جحا يملك داراً وأراد أن يبيعها دون أن يفرط فيها تماماً‪ ،‬فاشترط على المشتري أن يترك المسمار‬
‫الموجود مسبقا في الحائط داخل الدار و ال ينزعه‪ ،‬فوافق المشتري دون أن يلحظ الغرض الخفي لجحا‬
‫من وراء هذا الشرط وبعد أيام ذهب جحا لجاره و دق عليه الباب‪ ،‬فلما سأله جاره عن سبب الزيارة‬
‫أج اب جح ا‪ :‬جئت ألطمئن على مس ماري‪ ،‬ف رحب ب ه الرج ل‪ ،‬وأجلس ه‪ ،‬وأطعم ه‪ .‬لكن الزي ارة ط الت‬
‫حرج ا من طول وجود جحا لكنه فوجئ بما هو أشد‪ ،‬إذ خلع جحا جبته وفرشها على‬
‫ً‬ ‫والرجل يعانى‬
‫األرض وتهي أ للن وم‪ ،‬فلم يط ق المش تري ص برا وس أله‪ :‬م اذا تن وي أن تفع ل ي ا جح ا؟!‪ ،‬فأج اب جح ا‬

‫أبو بكر القروي ‪،‬قصص األطفال في تونس و عالقتها بالتراث‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫به دوء‪ ،‬س أنام في ظ ل مس ماري‪ ،‬وظ ل جح ا ي ذهب يومي ا للرج ل بحج ة مس ماره العزي ز‪ ،‬وك ان جح ا‬
‫يختار أوقات الطعام ليشارك الرجل في طعامه فلم يستطع الرجل االستمرار على هذا الوضع‪ ،‬وترك‬
‫لجحا الدار بما فيها وهرب!!‬

‫ومن هنا انتشر مثل "مسمار جحا"‪.‬‬

‫يمكن الق ول أن أدب الطف ل يعت بر وس يطا تربوي ا ي تيح الفرص ة أم ام األطف ال لمعرف ة اإلجاب ات عن‬
‫أسئلتهم و استفساراتهم و محاولة االستكشاف و استخدام الخيال و نقل الخبرات الجديدة التي يحمل ه أدب‬
‫الطف ل‪ ،‬ان ه ي تيح الفرص ة أم ام األطف ال لتحقي ق الثق ة ب النفس و روح المخ اطرة في مواص لة البحث و‬
‫االستكشاف و حب االستطالع من أجل مزيد من المعرفة لنفسه و لبيئته ‪ ،‬إنه ينمي سمات اإلبداع من‬
‫خالل عملي ة التفاع ل و التمثي ل و االمتص اص و انتش ار الم واهب‪ ،‬ف إذا ك ان من ح ق األطف ال على‬
‫المجتم ع أن ي وفر لهم أس باب الرعاي ة الجس مية و الص حية بمختل ف أش كالها و أن تش يد لهم المؤسس ات‬
‫الالزمة لذلك فإنه من واجب الكتاب و المربين تحقيق اإلنماء الفكري لألطفال و التوجيه الثقافي لهم و‬
‫إشباع الحاجات النفسية و الروحية عندهم‪.‬‬

You might also like