You are on page 1of 6

‫الجاحظ ‪..

‬األديب والفيلسوف المتهكم الالذع‬

‫ِ‬
‫الخلقة‬ ‫بحاثة للغاية‪ ،‬لطيف المعشر‪ُ ،‬حلو الكالم‪ ،‬دميم‬
‫كان ّ‬

‫شحادة بشير‪ ‬أرسل بريدا إلكترونيا‪21/05/2021‬‬

‫دقائق ‪01٬961 9‬‬

‫‬

‫يعد الجاحظ من أئمة األدب في العصر العباسي الذين ال يُختلف بشأنهم‪ ،‬حتى من ِقبل أولئك الذين يعترضون على فلسفته ومنهاجه‬
‫الم عتزلي‪ .‬فقد تأدب الجاحظ بآداب الفرس‪ ،‬وحكمة الهند‪ ،‬وفلسفة اليونان‪ ،‬ففصح لسانه‪ ،‬ووضح بيانه‪ ،‬وغزر علمه‪ ،‬وقويت حجته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫‪.‬وسلم منطقه بانتهاجه أسلوبا ً بحثيا ً علميا ً‪ ،‬اعتمد فيه على‪ :‬الشك والنقد‪ ،‬التجريب والمعاينة‪ ،‬تمييز الحالل من الحرام‬
‫للتبحر واالستطراد‪ ،‬وهو ال يسأم من االنتقال من‬
‫ّ‬ ‫بأنه أكثر المولفين جموحا ً‪ ،‬إذ يل ُوح أن المسألة ليست عنده سوى‬
‫ُ‬ ‫ويُوصف الجاحظ‬
‫حفاظه على ل ِ‬
‫ُطفه وبداعته وفرادته‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫يمل‪ ،‬مع‬ ‫ولكنه يلهو وال‬
‫ُ‬ ‫‪.‬فكرة ألخرى‪،‬‬

‫‪:-‬اسمه ونسبه‬

‫الجاحظ؛ هو عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي ال ِكناني‪ ،‬كنيته أبو عثمان‪ ،‬ولقب ب”الجاحظ” و”الحدقي” لبروز عينيه‪،‬‬
‫ولد في البصرة (‪159‬هـ)‪ ،‬وتوفي فيها (‪255‬هـ)‪ .‬اختلف الناس في تحديد أصله فمنهم من قال بأنه عربي من قبيلة كنانة‪،‬‬
‫ومنهم من قال بأن أصله يعود للزنج‪ ،‬وأن جده كان مولى لرجل من بني كنانة‪ ،‬ولكن اشتهر عن الجاحظ قوله أنه عربي وليس‬
‫‪”.‬زنجي حيث قال‪“ :‬أنا رجل من بني كنانة‪ ،‬وللخالفة قرابة‪ ،‬ولي فيها شفعة‪ ،‬وهم بعد جنس وعصبة‬

‫مدينة البصرة بنهاية القرن التاسع عشر‬

‫‪:-‬شخصية الجاحظ الرائعة‬

‫من خالل التراث الهائل الذي خلفه الجاحظ نلمح شخصيته العجيبة المشحونة بأعظم الطاقات اإلنسانية وأكبرها‪ ،‬وتتراءى لنا نفسه‬
‫الضاحكة الساخرة‪ ،‬وروحه المرح الطروب‪ ،‬فقد استطاع الجاحظ بظرفه وخفته‪ ،‬وذكائه وسرعة خاطره‪ ،‬التخلص من المآزق‪ ،‬وتحويل‬
‫سخائم الصدور عند أعدائه إلى مودة وصفاء‪ ،‬حيث كان الجاحظ خفيفا ً‪ ،‬وروحا ً طروبا ً‪ ،‬ونفسا ً طليقة‪ ،‬وسخرية هادئة‪ ،‬وابتسامة مشرقة‪ ،‬ال‬
‫تعرف العبوس‪ .‬تغذي قلبك وعقلك‪ ،‬وتمتع إحساسك وجنانك‪ ،‬ألن شخصية الجاحظ مزيج من القوة والدعة‪ ،‬والجد والهزل‪ ،‬واألنفة‬
‫‪.‬والتواضع‪ ،‬والعمق والتبسط‪ ،‬شخصية عجيبة انفسحت ألعظم القيم اإلنسانية‪ ،‬فأتيح لها على مر األزمان المجد والخلود‬

‫‪:-‬بحاثة وافر العقل‬

‫عاش‬
‫َّ‬ ‫المعتزلي الجاحظ‪ ،‬الذي‬‫وتعر ض البارون كار دوفو في كتابه “مفكرو اإلسالم”‪ ،‬إلى طبيعة شخصية ومعارف األديب والفيلسوف ُ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬في مدينة البصرة خالل القرن التاسع الميالدي‬
‫الحرص على إرفاق أسوأ فلتاته بأدلة الذعة بالغة يُبديها بتمعق في غير علم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫هو واف ُّر العقل حتى في أغاليظه‪ ،‬وكان شديد‬ ‫وقال‪َ -:‬‬
‫‪.‬بحسب صاحب الكتاب المذكور‬
‫بحاثة للغاية‪ ،‬لطيف المعشر‪ُ ،‬حلو الكالم‪ ،‬دميم الخليقة‪ ،‬قبيح المنظر‪ ،‬على ما وصفه إياه‬‫الجاحظ‪ ،‬بأنه كان ّ‬
‫ُّ‬ ‫ووصف كار دوفو؛‬
‫‪.‬معاصروه‬
‫الجاحظ فقيرا‪ ،‬ينفر منه من يصادفه لقُبح في سحنته وجحوظ في عينيه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ففي المدينة العراقية الجنوبية الشهيرة بالنخيل؛ ولِد ونشأ‬
‫وجسده في كتاباته التي تغ ُُّص بالتهكم‬
‫ّ‬ ‫عكسه‬ ‫من‬ ‫وهو‬ ‫والهزل‪،‬‬ ‫الفكاهة‬ ‫إلى‬ ‫‪.‬بيد أن ذلك لم ينل من ِخفة ظله وميله‬

‫‬

‫َاريخ‬
‫ياضيَّات والتّ ِ‬ ‫والر ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫والمنطق والطبيعيَّات‬ ‫لس َف َة‬
‫واطل ََع عليه؛ َف َقد َد َر َس ال َف َ‬ ‫احظ ِعلما ً معروفا ً في أيَّامه إلَّا ن َ َظ َر فيه‪َ ّ ،‬‬ ‫الج ِ‬
‫َ‬ ‫لم يَ َد ْع‬
‫ب‬ ‫ع في اَأل َد ِ‬
‫بار ٌ‬
‫يؤمن بالحديث‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫وإن ْ‬ ‫ث‬ ‫ويتمن ْ َطق‪ُ ،‬م ِّ‬
‫حد ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫لس‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫يت‬ ‫ٌ‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫مت‬ ‫ه‬
‫ٌ‬ ‫فقي‬ ‫و‬
‫َُ‬‫ه‬ ‫فإذا‬ ‫‪،‬‬ ‫آلته‬
‫ُ‬ ‫َت‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫ت‬ ‫فاك‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫راسة‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫وال‬ ‫واألخالقِ‬ ‫ِ‬
‫ياسة‬ ‫ِّ‬
‫والس‬
‫ِ‬
‫والغنَاء‬ ‫والعادات‪ ،‬عالمٌ بالفَل ََك والموسيقى‬
‫َ‬ ‫الحي َ َوان والن َّبَات‪ ،‬ن َ ّق َادٌ لألخالقِ‬
‫َ‬ ‫عن‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫اث‬ ‫بح‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ار‪،‬‬‫شع‬
‫َ‬ ‫َأل‬ ‫وا‬ ‫لألخبار‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫اوي‬‫ر‬ ‫غة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫‪.‬وال‬
‫َ‬
‫‪.‬بطرس البستاني —‬

‫‪:-‬العوامل التي أثرت على الجاحظ في تكوينه العلمي‬

‫أحب الجاحظ الكلمة وسعى في سبيلها‪ ،‬يطلبها ويتعلمها‪ ،‬ويكد من أجلها‪ ،‬ليجد فيها ضالته إلى عالم الحقيقة‪ ،‬فقصد دكاكين الوراقين‬
‫وانكب على ما فيها من المخطوطات‪ ،‬ونهل منها من غير ملل‪ ،‬وأم الجاحظ‬

‫دور العلماء والكتاب وتتلمذ في اللغة والنحو‪ ،‬وفي علم الكالم واالعتزال‪ ،‬وانتظم المعتزلة فانفتحت له أبواب العقل والمعرفة ‪ ‬‬
‫‪:-‬والوجودية المسؤولة‪ .‬ومن العوامل التي أثرت في تكوينه العلمي‬

‫‪.‬التردد على حلقات الدرس في الك ُتاب‬

‫‪.‬االستماع لمحاضرات العلماء في المساجد‬

‫‪.‬التردد على سوق المربد‬

‫‪.‬حضور المجالس العلمية‬

‫‪.‬استئجار دكاكين الوراقين‬

‫‪.‬السفر والترحال‬

‫شيوخه‪ ،‬ومنهم (األصمعي‪ ،‬أبو عبيدة‪ ،‬أبو زيد األنصاري‪ ،‬يحيى بن نجيم‪ ،‬أبي مالك عمرو بن كركرة‪ ،‬األخفش‪ ،‬محمد بن سالم‪،‬‬
‫‪.‬العتبي البصري‪ ،‬صالح بن جناح اللخمي‪ ،‬إبراهيم بن سيار البلخي‪ ،‬أبو إسحاق النظام‪ ،‬موسى بن سيار األسواري‪)…،‬‬

‫ابن بطوطة يصف مدينة البصرة بعد قرون من وفاة الجاحظ‬

‫‪:-‬تراثه وتعدد موضوعاته‬

‫عندما يذكر الجاحظ سرعان ما يتبادر إلى الذهن غزارة اإلنتاج العلمي الذي خرج عنه‪ ،‬سواء في األدب‪ ،‬السياسة‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬الصناعة‪،‬‬
‫علم االجتماع‪ ،‬الجغرافيا‪ ،‬التاريخ‪ ،‬األخالق‪ ،‬المفاخرات‪ ،‬الطعام والشراب‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وقد ذكر ابن حجر أن عدد مؤلفاته يزيد على مائة‬
‫وسبعين‪ ،‬كما أثبت‪ ‬ياقوت الحموي‪ ‬من هذه المصنفات مائة وثمانية وعشرين مصنفا ً‪ ،‬ذكر الجاحظ منها في كتابه الحيوان أربعين‬
‫‪:-‬مصنفا ً‪ .‬أما األسباب التي أتاحت للجاحظ أن ينتج هذا العدد من الكتب هي‬

‫الصلة التي انعقدت أواصرها بين الجاحظ ومجتمع عصره‪ ،‬فقد أتيح له أن يعاين أحوال الطوائف االجتماعية‪ ،‬وأن يعايش قضاياها عن‬
‫‪.‬كثب‬

‫‪.‬ارتباط الجاحظ بمدرسة االعتزال وما يسودها من حوارات ومناقشات في شتى المعارف‪ ،‬هيأ له مادة تتسم بالوفرة والغزارة والتنوع‬

‫‪.‬اشتداد المنافسة بين جمهرة العلماء والمتأدبين في المحيط العلمي الذي نبغ فيه الجاحظ‬

‫‪.‬حب الجاحظ للعلم واالنقطاع في سبيله‬

‫‪.  ‬ذاكرة الجاحظ القوية‪ ،‬باإلضافة إلى صفاء القريحة ودقة الحس‬

‫‪.‬طول عمره‬

‫‪:-‬كتب الجاحظ فاتنة بعناوينها‬

‫األشهر على اإلطالق بين مؤلفاته‪ ،‬والذي‬


‫َّ‬ ‫الممتع “الحيوان” كان‬
‫عناوين كتبه فاتنة ومميزة أيضا ً‪ ،‬وأشهر كتبه “البخالء“‪ ،‬لكن مؤلفه ُ‬
‫ُ‬
‫أدرج فيه أيضا ً موضوعات ال عالقة لها بالحيوان‪ ،‬إذ حرص على أن يبعث من خالله برسائل تأملية وأدبية وشعرية‪ .‬ونذكر له عدد‬
‫‪:-‬من مؤلفاته‬

‫‪.‬كتاب َسلوك الحريف في المناظرة بين الربيع والخريف‬

‫الطفيليين‬
‫‪.‬كتاب ُ‬
‫‪.‬كتاب التبصر بالتجارة‬

‫‪.‬كتاب العثمانية‬

‫‪.‬كتاب الرد على العثمانية‬

‫‪.‬كتاب الشارب والمشروب‬

‫‪.‬كتاب البلدان‬
‫‪.‬فخر الجواري على الغلمان‬

‫‪.‬كتاب الحيوان‪ -‬ثمانية أجزاء‬

‫‪.‬البيان والتبيين‪ -‬أربعة أجزاء‬

‫‪.‬المحاسن واألضداد‬

‫‪.‬البرصان والعرجان‬

‫‪.‬التاج في أخالق الملوك‬

‫‪.‬اآلمل والمأمول‬

‫البغال‬

‫كتاب خلق القرآن‬

‫‪.‬كتاب الشطار‬

‫له عدة رسائل منها‪ -:‬رسالة الحاسد والمحسود‪ ،‬رسالة النساء‪ ،‬رسالة النابتة‪ ،‬رسالة الوكالء‪ ،‬رسالة القيان‪ ،‬رسالة القواد‪ ،‬رسالة مدح‬
‫‪.‬التجار وذم عمل السلطان‪ ،‬رسالة فضل السودان على البيضان‬

‫‪.‬وتناول الجاحظ موضوع الخطوط المشهورة في زمانه‪ ،‬وهو يأتي بفلسفتها من بعض الوجوه‬

‫‪:-‬مواقف متفرقة من حياة الجاحظ‬

‫فصرفه مانحا ً إياه عشرة اآلف‬


‫َ‬ ‫كره الخليفة خلق َة الجاحظ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كمرش ٍح لتأديب ولد ِه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حينما ق ُّد َم الجاحظ إلى الخليفة العباسي المتوكِّل‬
‫سخ رها الجاحظ الفيلسوف واألديب الدميم في سبيل المضي قدما في التأليف والكتابة‪ ،‬هذا المبلغ يُعتبر مغريا ً بالنسبة لمن‬ ‫ّ‬ ‫درهم‪،‬‬
‫عاش طفولة فقيرة بائسة يائسة‪ ،‬وهي حياة اضطر معها لبيع السمك والخبز في أزقة البصرة‪ ،‬لكنه لم يكن مثل أقرانه من الصبيان‬
‫الوراقين في ليله‪ ،‬ليتمكن من قراءة ما يُحب‬ ‫ّ‬ ‫متطلعا ً إلى مالهي الدنيا‪ ،‬بل كان ينفق حصيلة ما يجمعه في نهاره‪ ،‬الستئجار دكاكين‬
‫‪.‬من المؤلفات التي يعشقها‬

‫الجاحظ لم يعش فترة طفولته التي أمضاها في العمل والقراءة‬

‫حكى عن نفسه قال‪ -:‬ما أخجلني قط إال امرأة‪ ،‬أخذت بيدي إلى نجار‪ ،‬وقالت‪ -:‬مثل هذا‪ ،‬ومضت‪ .‬فعجبت‪ ،‬وسألت النجار عن‬
‫‪.‬قولها فقال‪ -:‬أتت إلي وقالت‪ -:‬أن أصنع لها صورة تخوف بها أوالدها‪ ،‬وأتت بك مثاال ً‬

‫ودخل عليه يوما ً غالم‪ ،‬فرآه يجتهد في الدعاء‪ ،‬فقال‪ -:‬ما بك يا موالي؟ قال‪ :‬وجدت نفسي أني صرت هزوءا ً للناس‪ ،‬فأنا أدعو‬
‫‪.‬الله أن يصلح ما بي من العيوب‪ .‬فقال‪ :‬أيسر عليه أن يصنعك جديدا ً‬

‫‪:-‬الجاحظ وأمه‬

‫طبق وقدمته إليه‬


‫ٍ‬ ‫‪.‬حكى الجاحظ أنه في حداثته كانت أمه تعذله وال يشتغل إلَّا بطلب العلم‪ ،‬فوضعت أمه ذات يوم كراريسه على‬

‫فقال‪ :‬ما هذا‪ ،‬فقالت‪“ :‬ما تجيء إلَّا بهذا‪ ،‬فخرج ُمغت َّما ً إلى الجامع‪ ،‬ومويس بن عمران جالس‪ ،‬فرءآه مغتما ً‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنك؟‬
‫وقرب منه الطعام‪ ،‬ثم أعطاه خمسين ديناراً‪ ،‬فدخل بها السوق‪ ،‬واشترى بها الدقيق الكثير وحمله‬ ‫َّ‬ ‫فح َّدثه بالحديث‪ ،‬فأدخله المنزل‬
‫‪.‬على‪  ‬الحمالين إلى داره‬

‫ث بنا‪،‬‬‫بع َ‬‫فما أدخلوها بيته؛ أنكرت األم ذلك‪ ،‬وقالت لهم‪ :‬غلطتُّم بالطريق‪ ،‬قالوا‪ :‬أليس هذا منزل الجاحظ‪ ،‬قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قالوا‪ :‬فهو َ‬
‫‪.‬قالت‪ :‬فإنه لم يتغ َّد اليوم‬

‫‪!!.‬فتركت ك ُل ذلك أ َّم ه‪ ،‬إلى أن دخل الجاحظ‪ ،‬فقالت في ذلك‪ :‬من أين لك ذلك؟‪ ،‬قال‪ :‬من الكراريس التي قدمتيها‬

‫‪:-‬رواية المسعودي‬

‫أقوال الجاحظ‬
‫ِّ‬ ‫بعض‬
‫ِّ‬ ‫يتحدث الجغرافي والرحالة‪ ‬أبو الحسن المسعودي‪ ‬في كتابه الشهير “مروج الذهب” عن‬
‫‪.‬والمواقف التي رافقته‪ ‬‬
‫عليل في مكانين‪،‬‬‫ٌّ‬ ‫عمره ما أصاب‪ ،‬فسألوه عن حاله‪ ،‬فأجابهم قائال ً‪:‬‬ ‫وأصاب من ُ‬ ‫َّ‬ ‫شاب‬
‫َّ‬ ‫ومن ذلك؛ أن بعضهم جاءوا لزيارته بعدما‬
‫التلف‪ ،‬وأعظمها ني ّ ٌف وسبعون سنة”‪ .‬وال َم‬‫ُّ‬ ‫المتناقضة التي يُتخ َّو ُف من بعضها‬‫ُ‬ ‫ّة‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫الع‬ ‫هذه‬ ‫والدين‪ ،‬ثم استأنف‪“ ،‬أنا في‬‫ِّ‬ ‫من األسقام‬
‫وقتلت‬
‫َ‬ ‫ِرذونك‪،‬‬
‫ب‬ ‫وأعجفت‬
‫َ‬ ‫ثيابك‪،‬‬ ‫وأخلقت‬
‫َ‬ ‫بدنك‪،‬‬ ‫بذلك‬ ‫أتعبت‬
‫َ‬ ‫قد‬‫“‬ ‫‪:‬‬ ‫له‬ ‫ً‬ ‫ال‬‫قائ‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫حوائج‬ ‫تلبية‬ ‫في‬ ‫وقته‬ ‫إلمضائه‬ ‫له‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫قريب‬ ‫الجاحظ‬
‫لك راح ٌة وال قرا ٌّر‪ ،‬فلو اقتصدت بعض االقتصاد”‪ ،‬على ما رواه المسعودي‬ ‫‪.‬غُالمك‪ ،‬فما َ‬

‫”المسعودي صاحب “مروج الذهب‬

‫أحسن رصف‪ ،‬وكساها من كالمه أج َزل‬


‫َ‬ ‫ألنه نظمها أحسن نَظم‪ ،‬وصفها‬
‫ُ‬ ‫وك ُتب الجاحظ ‪ ،‬تجلو صدأ األذهان‪ ،‬وتكشف واضح البرهان‪،‬‬
‫‪.‬ل َفظ‪ ،‬وكان إذا تخ َّوف َمل ََل القارئ وسآمة السامع؛ خرج من ج ٍد إلى هزل‪ ،‬ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة‪ ،‬بحسب المسعودي‬

‫‪:-‬عبقرية الجاحظ‬

‫تعر ض الدكتور رشيد خيون إلى مظاهر عبقرية الجاحظ وابداعه والتي أبقت ذكراه حي ّ ًة إلى يومنا هذا كأحد أكبر األدباء الذين أنجبتهم‬
‫َّ‬
‫‪.‬الحضارة العربية اإلسالمية‬

‫ويقول خيون في كتابه “معتزلة البصرة وبغداد”‪ :‬إن أبا عثمان الجاحظ صاحب موهبة ما تزال تستهوي المستكشفين‪ ،‬كما بقيت‬
‫نصائحه حيوية في نفوس المؤلفين والمترجمين‪ ،‬مشيرا ً إلى أن موهبة صاحب “البخالء”‪ ،‬ما كانت لتحلِّق في عنان السماء في غير‬
‫‪.‬مضمار‪ ،‬لوال تفضيله االعتزال سبيال ً‬

‫ويزيد خيون بالقول‪ :‬إنه‪ ،‬وفضال ً عن كلماته التي تدخل المسرة في النفوس؛ فقد نحل من مؤلفات الجاحظ معظم أولئك الذين طرقوا‬
‫الس مر والمعلومات العامة من قبيل “العقد الفريد” و”المستطرف” و” الكشكول” و”اإلمتاع والمؤآنسة‬
‫‪”.‬باب التأليف في كتب َ‬
‫ويعتقد خيون بأن الجاحظ كان أوفر حظا ً من سواه من حيث نصيبه في تسجيل أخباره وتناقل أفكاره ووصاياه‪ ،‬وذلك مرتبط بتوسع‬
‫وتنوع اهتماماته‪ ،‬ألنك ستجده متكلِّما بين المتكلمين‪ ،‬ولغوي بين أصحاب اللغة‪ ،‬ناهيك عن كونه أديب وشاعر وباحث في البيئتين‬
‫‪.‬النباتية والحيوانية‪ ،‬ومواكب متابع للواقع‬

‫وأضاف المفكر العراقي المعاصر‪ ،‬إن الجاحظ اتسم باألمانة العلمية من خالل عدم تجاوزه على أفكار اآلخرين‪ ،‬باعتباره نسيج وحده‬
‫بين أهل الفكر‪ ،‬في السابق والالحق‪ ،‬لكن ما جاد به قلمه‪ ،‬لم يجد ذات الصدى بين الجميع‪ ،‬ذلك ألنه وليد بيئته ومجتمعه الذي‬
‫‪.‬ينصف ويجحف بتط ُّرف‬

‫فضل كتبه على نعيم الجنة‪ ،‬في مقابل وجود آخرين‬


‫هذا المجتمع؛ أوجد للجاحظ من يحبه ومن يغتاظ منه ويكرهه‪ ،‬إذ عاصره من َّ‬
‫‪.‬شبهوه بالخنزير ووسموه بالجهل‬

‫لكن هناك من أوفاه حقه ومنحه قدره‪ ،‬فقد قال أبو الحسن الفروزي عن الجاحظ‪“ :‬وهو أشهر وأظهر في العامة والخاصة من أن‬
‫‪”.‬يُرى‪ ،‬وكان إذا خال بكتاب؛ أعطاه حق َُّه‬

‫‪:-‬الجاحظ ووصوفه البديعة‬

‫يصف‬‫سنسوق مثالين إثنين أحدهما ِ‬


‫ُ‬ ‫عتبر الجاحظ أحد أكبر األدباء في تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬ولتقريب الصورة من كتاباته‪،‬‬
‫يُ ُ‬
‫الح َسد‪ ،‬والثاني يتناول أفضل الك َالم‪ ،‬فيقول‬
‫َ‬ ‫‪:‬فيه‬

‫الحس ُد‬
‫َ‬

‫باب غامض‪ ،‬وما َظ َه َر منه فال يُداوى‪ ،‬وما بَ َط َن منه فمداويه في‬ ‫ٌ‬ ‫عسير وصاحبه َضجِ ر‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫نهك الجسد‪ ،‬عالجه‬ ‫أبقاك الله‪ -‬داءٌ يُ ِ‬
‫وحليف‬
‫ُ‬ ‫عقيد الكُّفر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫والح‬
‫َ َ ُ‬ ‫‪،‬‬‫”‬ ‫ضاء‬ ‫غ‬‫ْ‬ ‫والب‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫الح‬
‫َ َ َ‬ ‫قبلكم‪،‬‬ ‫من‬ ‫مم‬‫ُأل‬‫ا‬ ‫داء‬ ‫إليكم‬ ‫ب‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫“‬ ‫م‬‫َّ‬ ‫ل‬ ‫وس‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫َّبي‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫عناء‪ ،‬ولذلك قال‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ث للتف ُّرق بين‬ ‫ومح ِد ٌ‬
‫ُ‬ ‫باء‪،‬‬ ‫األقر‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ح‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ُل‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫وقاطع‬ ‫جماعة‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ق‬ ‫فر‬ ‫وم‬
‫ُ ِّ‬ ‫قطيعة‪،‬‬ ‫كل‬ ‫سبب‬
‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫العداو‬ ‫د‬‫َّ‬ ‫ل‬ ‫تتو‬ ‫منه‬ ‫الحق‪،‬‬
‫َ‬ ‫الباطل‪ِ ،‬‬
‫وض ّد‬ ‫ِ‬
‫الحل َفاء‬
‫ُ‬ ‫الشر بين‬
‫ِّ‬ ‫لقح‬ ‫وم‬
‫ُ‬ ‫ناء‪،‬‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫‪.‬ال‬

‫الحكمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ثياب الجاللة‪ ،‬وغَشاه ِمن ُ‬


‫نور‬ ‫ِ‬ ‫لفظ ِه‪ ،‬وكأن الله قد ألبَ َس ُه من‬ ‫ِ‬ ‫ظاهرا ً في‬
‫ِ‬ ‫ومعناه‬
‫ُ‬ ‫كان قليله يُغني عن كثيره‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أفضل الك َالم ما‬
‫بع‪ ،‬بعيدا ً من االستكراه‪ُ ،‬منَزَّها ً عن االختالل‪،‬‬ ‫الط‬
‫َّ ِ‬ ‫صحيح‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بليغ‬ ‫فظ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫شريف‬ ‫المعنى‬ ‫كان‬ ‫فإذا‬ ‫‪-‬‬ ‫ِ‬
‫قائله‬ ‫وتقوى‬ ‫ِ‬
‫صاحبه‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫حسب‬ ‫على‬
‫الشريطة‪ ،‬ونفذت ِمن قائلها‬ ‫ُّربة الكريمة‪ ،‬ومتى ف َُّصلت الكَلِمة على هذه َّ‬ ‫لوب صنيع الغيث في الت ِ‬ ‫َم ُصونا ً عن التكلُّف‪َ ،‬صن َ َع في القُ ِ‬
‫معه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فهمها‬ ‫ذه ُل عن‬
‫يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة‪ ،‬وال يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫حها من التْأييد ما ال‬ ‫الله من التوفيق‪َ ،‬ومن َ َ‬
‫ُ‬ ‫الصفة؛ ك ََساها‬ ‫على هذه ِّ‬
‫الج َهل َة‬
‫َ‬ ‫‪.‬ع ُ‬
‫قول‬ ‫ُ‬

‫‬
‫الخ ِ‬
‫رط‪ ،‬والن ّ َْحت‪ ،‬والتَّصاوير‪ ،‬والن ّ َْسج‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واألصباغ العجيبة‪ ،‬وأصحاب‬ ‫ِ‬ ‫واإلفراغ‪ ،‬واإلذابة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصياغة‬ ‫ِ‬
‫السبك‬ ‫فهم أصحاب‬ ‫الصناعة‪ُ ،‬‬ ‫ميزة الصين ِّ‬
‫تجارا ً وال صناعا ً‪ ،‬وال أطباء‪ ،‬وال ُح ّ َسابا ً‪ ،‬وال‬
‫والع َرب لم يكونوا ّ َ‬ ‫َ‬ ‫الع َمل‪ ،‬وميزتهم الحكم واآلداب‪.‬‬ ‫لل‪ ،‬وال يُباشرون َ‬ ‫واليونانيون يعرفون ِ‬
‫الع َ‬
‫المعاش من ألسنة المكاييل‪ ،‬ورؤوس الموازين‪،‬‬ ‫زرع لخوفهم من صغار الجزية‪ ..‬وال طلبوا َ‬ ‫ٍ‬ ‫الحة‪ ،‬فيكونوا َم َهنة‪ ،‬وال أصحاب‬ ‫أصحاب ِف َ‬
‫وبالغة المنطق‪ ،‬وتشقيق اللُّغة‪ ،‬وتصاريف الكالم‬ ‫ِ‬ ‫قول ِّ‬
‫الش ْعر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ُواهم‬‫ق‬ ‫هوا‬ ‫ووج‬
‫َّ‬ ‫م‪،‬‬ ‫ه‬ ‫حد‬
‫َّ ُ‬ ‫حملوا‬ ‫فحين‬ ‫والقراريط‪،‬‬ ‫وانيق‪،‬‬ ‫الد‬
‫َّ‬ ‫عرفوا‬ ‫وال‬
‫الح ْرب‪،‬‬‫َ‬ ‫وآلة‬ ‫الح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والس‬ ‫‪،‬‬‫بالخيل‬
‫ِ‬ ‫والبصر‬ ‫باألنواء‪،‬‬ ‫ف‬ ‫وتعر‬
‫ِ‬ ‫باآلثار‪،‬‬ ‫واالستدالل‬
‫ِ‬ ‫ُجوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫واالهتداء‬ ‫َسب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وحفظ‬ ‫ثر‪،‬‬‫َأل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫يافة‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫بعد‬ ‫ر‪،‬‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫وقيافة َ‬
‫الب‬
‫ّ‬
‫محسوس‪ ،‬وإحكا ِم شأن المناقب‪ ،‬والمثالب‪ -‬بلغوا في ذلك الغاية… وميزة آل ساسان (الفُرس)‬ ‫ٍ‬ ‫بكل‬
‫ِّ‬ ‫لكل مسموع‪ ،‬واالعتبار‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫والحفْ َظ‬
‫تركي كما وصفنا‪ ،‬كما أنه ليس كل يوناني حكيما ً‪ ،‬وال كل‬ ‫ٍّ‬ ‫وليس في األرض ك ُل‬ ‫َ‬ ‫‪..‬‬ ‫روب‬ ‫الح‬
‫ُ‬ ‫في‬ ‫واألتراك‬ ‫ياسة‪،،،‬‬ ‫والس‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ْك‬ ‫ل‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫في‬
‫أعمَ وأتَ ّم‬
‫ّ‬ ‫‪.‬صيني في غايةٍ من الحذق‪ ،‬وال ك ُل أعرابي شاعراً‪ ،‬قائفا ً‪ .‬ول ِكن هذه األمور في هؤالء‬

‫‪.‬من رسائل الجاحظ —‬

‫‪:-‬مصادر دخل الجاحظ‬

‫كان الجاحظ كغيره من األدباء والنحويين وحتى األطباء‪ ،‬يحصلون على مكافآت أو أتعاب من ِقبَل الجهات التي يق َّدمون أعمالهم‬
‫‪.‬وخدماتهم لها‬

‫وقد أورد الدكتور شوقي ضيف في كتابه “العصر العباسي الثاني”؛ القيم المالية التي تسلَّمها الجاحظ من الدولة نظير مؤلفاته‪ ،‬وهي‬
‫‪:‬على النحو اآلتي‬

‫‪.‬أهدى كتابه “الحيوان” إلى محمد بن عبد الملك الزيَّات (من رجال الدولة)؛ فأعطى الثاني لألول خمسة اآلف دينار‬

‫‪.‬أهدى كتابه “البيان والتبيين” إلى أحمد بن أبي داوود (من رجال الدولة)؛ فأعطاه أيضا ً خمسة اآلف دينار‬

‫‪.‬أهدى كتابه “الزرع والنخيل” إلى إبراهيم بن العباس الصولي (من رجال الدولة)؛ فأعطاه مثلهما خمسة اآلف دينار‬

‫صن َّف للفتح ابن خاقان وزير الخليفة المتوكل رسالته في فضائل الترك؛ فأجرى عليه راتبا ً شهريا ً من خزانة الدولة ( معجم األدباء‬
‫‪.‬لياقوت الحموي)‬

‫وفاته‬

‫الجاحظ اشتغل في أعمال بسيطة‬

‫نصف األيمن بالصندل‬


‫ُ‬ ‫فكان يطلي‬
‫َ‬ ‫وكان قبل ذلك قد أصيب بالفالج (الشلل النصفي)‪،‬‬ ‫َ‬ ‫توفّي الجاحظ في البصرة عام ‪ 255‬هجرية‪،‬‬
‫وشدة بَرد ِه‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫خد‬
‫َ‬ ‫من‬ ‫بها‬ ‫أحس‬
‫َّ‬ ‫لما‬ ‫بالمقاريض‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫ُر‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫فلو‬ ‫اآلخر؛‬ ‫ُّ‬
‫النصف‬ ‫أما‬ ‫حرارته‪،‬‬ ‫ة‬ ‫لشد‬
‫ّ‬ ‫‪.‬والكافور‬

‫فنهاه عن‬ ‫ُ‬ ‫الطبيب حاضراً‪،‬‬ ‫الطعا ِم َس َمك ول َبَن‪ ،‬وكان ابن بختيشوع ّ َ‬ ‫حض َر مائدة ابن أبي دواد‪ ،‬وفي ّ َ‬ ‫َ‬ ‫وكان سبب ِعلَّة الجاحظ أن ّ َه‬
‫كل منهما َض َرر اآلخر‪ ،‬وإن كانا متساويين فكأ ِن ّي‬ ‫ضادا ً للبن‪ ،‬فإني إذا أكلتُهما َدف ََع ّ ٌ‬
‫الس َمك إن كان ُم ّ َ‬ ‫الجاحظ‪َ ّ :‬‬
‫إن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الج ْمع بينهما‪ ،‬فقال‬ ‫َ‬
‫فالج عظيمٌ ونقرس‪ ،‬حتى‬ ‫ٌ‬ ‫فأصابه‬
‫ُ‬ ‫جرب َفك ُْل‪ ،‬فأكل‬ ‫ئت أن تُ ِ ّ‬‫حسن الك َالم‪ ،‬ول ِكن إن ِش َ‬ ‫واحداً‪ ،‬فقال ابن بختيشوع‪ :‬أنا ال ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أكلت شيئا ً‬
‫ُ‬
‫ت به من الفالج‪،‬‬ ‫اصطلحت على األعالل‪ ،‬لو َخ َر َج ِش ّقي األيمن‪ ،‬ما ْ‬
‫أح َس ْس ُ‬ ‫ُ‬ ‫عليه بعض أصحابه‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف حالك؟‪ ،‬فقال‬ ‫ِ‬ ‫َد َخ َل‬
‫وأشد ما أشكو التسعون‬ ‫ّ‬ ‫أوجعتني‪،‬‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ذباب‬ ‫األيسر‬ ‫ي‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ َّ‬ ‫!ولو‬

‫غادر الجاحظ حياته محاطا ً بمؤلفاته وكتب الغير التي عثر عليها تحاصره‪ ،‬فقد سقطت مجلدات مكتبه على صدره وأطرافه‪ ،‬منهيا ً‬
‫‪.‬مسيرة أحد أبرز أعالم األدب العربي‬

‫وأخيرا ً؛ نختتم حديثنا بقولنا‪ -:‬إن الجاحظ كان أمة ودائرة معارف‪ ،‬ال نزال حتى اليوم نتتلمذ على تراثه‪ ،‬وننهل من فيض أدبه‬
‫وغزير علمه‪ ،‬ونمتع الروح والنفس برواية فكاهاته‪ ،‬والتحدث عن سخرياته‪ ،‬وكما يندر أن نجد أديبا ً‪ ،‬أو باحثا ً في األدب‪ ،‬أو ناقداً‪ ،‬أو‬
‫‪.‬صاحب مذهب ديني أو فكري‪ ،‬إال وفي كتبه مقتبسات الجاحظ‪ ،‬واستشهادا ً بآرائه‬

‫‪:-‬المصادر‬

‫مفكرو اإلسالم‪ ،‬البارون كار دوفو‪ ،‬تُرجم للعربية من ِقبل عادل زعيتر‬

‫‪.‬معتزلة البصرة وبغداد‪ ،‬رشيد خيون‬

‫‪.‬مروج الذهب للمسعودي‬

‫‪.‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬شوقي ضيف‬


‫‪.‬سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون‬

‫‪.‬فضل االعتزال وطبقات المعتزلة‪ ،‬تحقيق المرحوم فؤاد سيد‬

‫‪.‬جواهر األدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب‪ ،‬جمع وتأليف المرحوم السيد أحمد الهاشمي‬

‫‪.‬ضحى اإلسالم‪ ،‬أحمد أمين‬

‫‪https://www.freepik.com/free-photo/muslim-boy-learning-‬‬
‫‪mosque_2895112.htm#page=1&query=arab+kid&position=42‬‬

‫‪https://www.freepik.com/free-photo/bouquet-fresh-date-palm-‬‬
‫‪tree_5554739.htm#page=1&query=palm&position=7‬‬

You might also like