Professional Documents
Culture Documents
ندى محمد اللغة
ندى محمد اللغة
ُ َ
منا أم ُ
نتكلمها؟ نحن اللغة ،تتكل
ندى محمد
ٌ
ذات قائمة بمعزل ّ
عما تجد نفسها معه يف العالم ،ثم حاولت إقرانها باألشياء وجعلتها منفصلة عنها وعىل وجه
الفلسق كأهمية العقل عىل مر العصور ،وكان ُينظر
ي الخصوص اللغة .فلم تحظ اللغة بأهمية مركزية يف الحقل
ً لها عىل أنها مجرد أداة يحوزها الفكر فقط .ليختلف األمر بعد مطلع القرن ر
العشين ،وتحديدا عىل يد فالسفة
فلسفاتهم بأنه ليس بمستطاع اإلنسان
ِ غادامي) ليتجىل لنا بوضوح يف
ر مثل (فيتجنشتاين ،مارتن هيدغر ،ربيس،
مفهوم إال عن طريق اللغة وباللغة .ومن هنا بدأ الباحثون بصب جل اهتمامهم عىل اللغة
أن يقوم بأي نشاط ُ ي
لينشأ مجال جديد نعرفه اليوم باسم (.)Philosophy Of Language
عن اإلنسان:
ى ً
مشيكا دلت عليه كل المسارات ،لقد ّ ً ّ
رصحوا جميعهم بداللة قاسما رغم اختالف المقاصد إًل أن هناك
وغيها من ُ
بترصفاته ر يع أنه واع ٌ
باطنية مفادها أن وجود اإلنسان ال يشبه الموجودات من حوله ،فهو كائن ي
الت تتمظهر عند اإلنسان وعند الكائنات الحية بقية الفوارق ،فلو تساءل أحدهم حول الخصائص العينية ى
ً ي
فإن أعتقد أن الفيلسوف مارتن هيدغر هو الوحيد القادر عىل أخذه بيده ليقدم له فارقا األخرى عىل حد سواء ،ي
َّ ً ً
ه مركب النفس والجسد بنيويا مخصوصا (ب الدازاين) وبذلك يقول "جوهر اإلنسان ليس هو الروح من حيث ي
ٌ يمي اإلنسان هو أنه الذي َ
مدرك لوجوده، يوجد ويدرك أنه ،بل الوجود" (الكينونة والزمان ،صفحة .)237فما ر
تبعا لما استعرضته لمفهوم الدازاين عند التمييً .
ر ولكن بقية الكائنات يف العالم تكون فقط ظاهرة وال تملك هذا
هيدغر ،فبالتأكيد كل ما سيقع يف يد اإلنسان من أدوات ( )Toolsتساعده عىل التفاعل والبقاء والتواصل يف
العالم لن تستخدم ببهيمية فقط ،بل سيصنع منها ذاته بذاته ليحقق ماهية وجوده عن طريق تجاوز الظواهر،
واليوع المستمر إل ما يريد أن يكونه.
ً ا ّ ً ف أوائل القرن ر
األلمان
ي مفصليا مع الفيلسوف العشين تحديدا مع كتاب الوجود والزمان نجد تحوًل ي
ّ ُ ّ َ
كموجود يعول
ٍ السالف ويرصح بأن كل من سبقوه نسوا اإلنسان ِ الفلسق
ي مارتن هيدغر ليعرب عن نقده للفكر
ا ً ّ
جوابا أصيًل ،فاحتل السؤال أهمية بالغة يف الفكر الهيدغري ،كونه يطرح سؤاله الرئيس يقدموا أي عليه ،فلم
ما معت الوجود؟ لماذا كان ثمة وجود ولم يكن هناك عدم؟ والحقيقة أنه من أجل الجواب سار بحسب المنهج
ً
اآلن أو الفينومينولوح ،دارسا بذلك اإلنسان ومعت وجوده كما يتمظهر يف وعيه .فقام بتحديد وجود اإلنسان ي ر ي
الميتافييقا المتبعة ،بل فككها وقام ببناء مساره الخاص ر الفعىل يف ذاته ،فهو لم يفهم ذلك عن طريق ي
ى
ئيس ،بصفته نطولوح) .فإن الوجود برمته هو اإلنسان والذي هو موضوع علم الوجود الر ي ر ي نيطيق األي (الهرمو
والتعبي عنه ،إنه كائن تربطه عالقة ازدواجية مع عالمه ينكشف بها ر الكائن الوحيد الذي بإمكانه فهم وجوده
االهتمام ،والسؤال ،إنه عالمه الذي يعنيه.
تقوم أساس كتابهُ التغي الجذري هو ما أطلق عليه بنفسه( :التحول أو المنعطف) ( )Kehreفقد ّ إن هذا ّ
ر
ى ُ ً
الت تفتح بها يف ه الطريقة ي (الكينونة والزمان) عىل فهم كينونة الدازاين ،وما يجعل فهم الكينونة ممكنا ،ي
الوجود ،وب هذا االعتبار فاللغة ال تنشأ من فراغ وإنما تنبع من إنسان ناطق أو متكلم (.)Homo Loquens
روحان للغة ،إذ السء الذي يجعلها يف نفسها ممكنة عن طريق اللغة ،وكأننا مع هيدغر نتحدث عن طابع ر
ي ي
كائنا ً ً
لغويا بالذات عي اللغة .ليصبح اإلنسان يتكلم يف اللغة وعن اللغة باستخدام اللغة .فال يتحقق وجودنا إال ر
عىل صعيد واحد.
الفلسق!
ي فنجد اللغة مع هيدغر أقرب ما تكون لإلله
بداية اللغة:
أكي معضلة إن السؤال عن بداية نشأة اللغة أو من أين جاءت ال يختلف من حيث األهمية عن ر
استشكلت عىل عقل اإلنسان فطرحها بصيغة سؤال ،كيف لنا أن نعرف من أين جئنا؟ أو ما قام بالسؤال عنه
شء؟) وهو هنا ال يتساءل عن طبيعة ى
اليبني عام ( 1714لماذا كان هناك رشء أول من أال يكون ثم ر الفيلسوف
ً ي ي
ً
فضوليا بفطرته لمعرفة الوجود بل عن أول األسباب وعلة كل األشياء ،فاإلنسان منذ فجر تاريخه شغوفا بطبعه
ً
شخصيا وغيها. ى
يلتق بها من حوله .كذاته والعالم والحيوان والنبات ر ى ى
الت ي الت تنبثق منها األمور ي
نقطة األصل ي
إال أن هناك علماء لغة بعدد هائل استمروا ف وضع نظريات تبحث عن (كيف ،ى
مت ،لماذا ،وأين) ي
ى
ظهرت اللغة ألول مرة .من بينهم ماكس مولر الذي جمع قائمة نظريات افياضية مختصة بأصول اللغة
يغب هذا التساؤل العميق عن ذهن أهم المنظرين حول نشوء اإلنسان ،لقد أكد تشارلز المحكية .بالطبع لم ُ
والتغيي باعتماد عىل اإلشارات واإليماءات لمختلف
ر داروين بقوله أنه "ال شك فيه أن أصل اللغة هو المحاكاة
األصوات الطبيعية ،أصوات الحيوانات ،والرصاخ الفطري لإلنسان" .من كتابه (نشوء اإلنسان واالنتقاء
الجنس .)1871،ف الحقيقة أنه ليس بمستطاعنا أن نرفض أو نقبل هذه ى
االفياضيات المبدئية ببساطة وذلك ي ي
ً
كاف نتحقق من خالله عن األصل األول) .لكن يذهب معظم العلماء اليوم مثلما ذكرت سلفا (ال يوجد دليل ٍ
البدان وجد طريقة عبقرية للربط
ي آل ،كأن اإلنسانالنتقاد هذه الفرضيات ،وذلك ألنها تطرح األفكار بشكل ي
ربي األصوات والكلمات.
تصوراته عن اإلنسان ،تحددالت يعتمد عليها العالم لتشكيل ّ ى
ِ إن االعتقادات األساسية حول األصول ي
مكان الحجر األساس لبناء نظريته اللغوية .فعىل سبيل المثال المنظرين للنظرية االستمرارية لديهم اعتقاد
ى ُ
فه مسألة معقدة للغاية قد تكون النهان ،ي
ي الت نعرفها اليوم لم تظهر من العدم يف شكلها مفاده أن شكل اللغة ي
الوع .وهذا ال يتناسب مع من لديهم اعتقاد بأن اللغة هبة إلهية ي مواز لتطور
ٍ يج بشكل تطورت َ بشكل تدر ر ي
ملكة خاصة باإلنسان .وف اعتقادي الشخص ،ى َ
حت وإن لم نمسك بالخيط الهادي الذي سيأخذنا لنقطة ي ي وهي
َ ُ
.
األصل ،أن الحاجة للفهم لم تزل تفرض علينا ،كما فرضت عىل الذين من قبلنا وإننا استجابة لما نحن بحاجة
إليه سنستمر بوضع مقاربات الفهم بحسب ما تقتضيه أدوات العلم .فكل مهمة فعلية كانت أو ذهنية نقوم بها
يوم ،فعالقتنا هنا ال انفكاك
عي مرورها باللغة ،لذا فوجودها متعلق بنا ويظهر بشكل ي يف وجودنا ال تتحقق إال ر
ً
اليوم اللغوي الذي
ي مرغمي عىل االلتفات نحو النشاط
ر اهتماما يف األبحاث نحو األصل فإننا منها .فإن لم ِ
نول
نحن بصدده .والذي يظهر يف سلوكنا وأفكارنا وتفاعالتنا وتواصلنا وال أبالغ إن ربطته بطبيعة وجودنا .لذا من
نظاما يرشدنا لمعرفة كيف تتكون وتتشكل عالقتنا ً وتبت وتربط الرصوري وضع نظريات تفش وتفهم وتفكك
ي
باللغة .فهذا يساعدنا عىل فهم أنفسنا.
َ كيف ّ
نعرف اللغة؟
الت تعكس أفكار الفيلسوف ى
إن العالقة ربي الفلسفة واللغة تتسم بالرصورة التبادلية ،وعليه فإنها الوسيلة ي
فش ُط صفاء الفكرة ووضح المفاهيم يعود لمقدرة صاحبها عىل تعريف ومعرفة اللغة بشكل منتظم، لآلخرين .ر
اليونانيي القدام الت يعرض الفيلسوف بها أفكاره .وال شك بأن ى
ر وعليه فالمشاكل اللغوية تؤثر عىل الطريقة ي
منطق لها والبحث حول أدوارها الوظيفية ى
واليكيبية. ى فلسق ووضع أساس اهتموا بتعريف اللغة من منظور
ي ي
ومما عرف عن ديمقراطيس ( )B.C 640-370أنه من طليعة الفالسفة الذين تناولوا مفهوم اللغة يف إطار أقرب
البش ،بمعت أنهم اتفقوا عىل وضعها. االجتماعّ ،فهو يرى أن اللغة من قبيل المواضعة ربي بت ر
ّ ما يكون للنظام
ي ي
ً ُ
عي عن أما عند أفالطون ( )B.C 427-347فنجد يف كتابه (محاورة كراتيليوس) أن المعت مختلف تماما ،فقد ر
تنتم الت ى
ي اللغة بمصطلح (الكالم) وطرح معت اللغة عىل لسان أستاذه سقراط ليذكر أنها نوع من أنواع األفعال ي
إل عالم الطبيعة ،واألفعال مأخوذة من (الوجود) والموجودات لها طبيعة وماهية ثابتة .والحقيقة أن تعريفه
ميال للتجريبية نالحظ أن تعريفه ال يبعد عن حرص اللغة ف المعت الوجودي ألصل األشياء .وبحكم ان أرسطو ّ
ي
تشي إل ما يعتمل بداخله كثيا ،فعندما تطرق للغة ومعناها رأى أن ما ينطق به اإلنسان ما هو إال دالئل ر الواقع ر ً
من انفعاالت نفسية ،كذلك يرى بأنها تمثيل للمقدرة العقلية وهذه متماثلة من حيث المعت المكنون عند
البشي فتختلف الجميع ال اختالف فيها ،أما األلفاظ الصوتية للغة فه ليست متماثلة عند جميع أبناء الجنس ر
ي
اإلسالم وذلك
ي باختالف لغات األمم .وبالتأكيد أن مفهوم اللغة عند العرب أخذ مركز الثقل عىل مر تاريخهم
َ ُ
الت أرسلت لهم ففرضت آياتها أن يفشوها بلغة واضحة ال لبس فيها .فأخذوا ى
بحسب الرسالة اإللهية ي
ّ وغيه .وما جاء عن ابن خلدون انه ّ ً ً
عرفها بقوله "اعلم أن ونحوا ومجازا وحقيقة ر يؤصلونها ويضعون لها قواعد
المعان ،وجودتها وقصورها بحسب ي ه ملكات يف اللسان للعبارة عن اللغات َكلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ ي
الياكيب" .أما اليوم فإن التعريف تمام الملكة أو نقصانها ،وليس ذلك بالنظر إل المفردات ،وإنما هو بالنظر إل ى
الغالب يف األوساط األكاديمية والمعتمد يف المناهج التعليمية هو " نسق من الرموز واإلشارات يستخدمها
اإلنسان بهدف التواصل مع ر
البش".
ً
الشخص أن وضع اللغة موضع أداة واالكتفاء بهذا الحد ،قد يكون متوقفا عند سطح ي يف اعتقادي
ُ ً ّ
التعبي عن النظرة األول ،فعندما يسأل ر المالحظة ،فكل من أطر اللغة يف األداتية فقط لم يفعل شيئا سوى
َّ ُ أحدهم عن (ما هو) فالجواب يقدم تصورنا عن الماهية ونقول ر
(السء هو) ،فالمجيب لم يتعد حدود ي
ٌ
وغي جدير العتماده كتعريف أصيل للغة التوصيف لما يقع يف يده أول األمر .فالفهم السائد عن اللغة ساذج ر
الموصل ربي اإلنسان وه ى
ِ وع ،ألنه وببساطة يفيض أنها مجرد (أداة) يحوزها الفكر ي حسبما توصلنا إليه من ي
ّ ُ َ
لصانعها ،لكن األمر ال ينطبق عىل اللغة بصفتها متأصلة يف ِ والطبيعة ،فكما هو معروف أن األدوات تصنع وترد
غي منفصلة عنه ،يشكل ذاته منها فه توجد وهو لم يقم بصناعتها ،إنها محايثة لوجوده ر َ
اإلنسان أينما يوجد ي
مرن ويفهم عالمه بها .فالفصل ربي اللغة واإلنسان هاهنا ثم محاولة الربط بينهم عن طريق ى
غي يجش رٍ افياض
موصل بينهم ال يخضع لما نحن عليه من واقع ،ألن من يحاول فصلهما عن بعضهما البعض هو مضطر أن
خال من المعت عديم ى يفصح عن فكرته ى
فبالتال مضمون االفياض ٍ ي غي ذلك، بامياجهما ببعض وال سبيل ر
المدلول.
اللغويات الحديثة:
تشومسك يف
ي مواقف محددة يف فلسفة اللغة ،ونتيجة لذلك تحولت تأمالته اللغوية إل فلسفة العلم؟ وأكد
َّ
بداية حديثه أن دراسة اللغة ليست األساس الذي يقرر اعتماد المقاربة العلمية ،وقدم نظريته عىل أنها نموذج
أشار لكيفية العالقة ربي اللغة والفرد، البشية .ومن ثم َ يشي إليه عند البحث ف المعرفة ر مفيد لما يمكن للمرء أن ر
ي
ً ً ً ً فتساءل (كيف يمكن للفرد ال ُم َّ
عرض لبيانات محدودة جدا أن يطور نسقا غنيا جدا من المعرفة؟) فاستشهد
الجمل وجزئية الكلمات وضبابية العبارات .وعىل بالطفل الذي يوجد ف مجتمع لغوي محصور ف محدودية ُ
ي ي
ً ٌ ً
وف استبطان نحو لغته مطورا بذلك قصي جدا قادر عىل (البناء اللغوي) ي ر الرغم من ذلك هذا الطفل يف وقت
ُ ً
ويعرب عن رفضه أنه ال يمكن أن تستمد تلك المعرفة من االستنتاج والتجريد المعطاة له معرفة معقدة جدا،
ً
الخية ،ومن َّثم يرصح بجوهر منهجه أن المعرفة المستبطنة يجب أن تكون محصورة بشكل ضيق جدا يف من ر
ُ ً ُ ً ً ّ
تشومسك .-وكأننا مع نعوم نرى جهازا فطريا معقدا بداخل كل إنسان ووظيفته ي ملكة بيولوجية -انته حديث
ِّ
الت يطورها الذهن. ى ُ
إيجاد معرفة بطريقة موحدة ومبادئ كلية تفرضها الهبة البيولوجية عىل األنساق اإلدراكية ي
نموذجا من القدرة ً أساش .فكل فرد يملك فمنظور المعرفة اللغوية الممكن تحصيلها مرتبط بهذه الحدود بشكل
ي
الت تمكنه من استخدام اللغة ويختص هذا النموذج بثالثة مكونات أساسية: ى
اللغوية ي
● قواعد إعادة الكتابة
الدالل
ي ● المكون
الرصف ى
الصون- ● المكون
ي ي
كيت ى ً ُ
تشومسك جعل األساس التوليدي للغة متمركزا يف المجال الي ر ي ي نستخلصه من هذا النموذج أن ما
تشومسك هو جعل بتعبي آخر ما فعله اللسان. اليكيب منعزل عن المعت ،والداللة مستقلة عن الوصف وأن ى
ي رٍ ي
الصون .ونجم عن هذا الطرح جداالت ى الدالل والمكون تميها عن المكون الظواهر ى
ي ي اليكيبية يف مكانة خاصة ر
دالل يحتوي عىل قواعد تأويلية ذات طابع ي وبي علماء اللغة ومفادها أنه يجب إدخال مكون حادة بينه ر
الدالل .وبعد انتقاد تالميذه له أدخله يف كتبه الالحقة .فالنموذج ي فق كتابه األول تجاهل المكون مفهوم .ي ي
ى ّ ى ّ
المعدل يفيض فيه أن كل فرد مزود بالخصائص المجردة للقواعد ،وعندما يتلق معطيات اللغة ينطلق من
واليكيب والتأويل .إن غي محدودة مختصة بسبل الصياغة ى قادرا عىل وضع فرضيات ر هذه الكليات ليصبح ً
األخية ،لتتحول من نظرية ر نظرية النحو التوليدي مرت بمراحل عدة افضت لتطور ملحوظ يف سنواتها
الت قيل عنها بأنها مالئمة لكل مستويات ى
اشتقاقية إل نظرية تمثيلية وما يدل عىل ذلك (قاعدة اإلسقاط) ي
كيت. ى
التمثيل الي ر ي
المنطق واللغة:
واللغويي ،باعتبار أن ر مما ال شك فيه أن نجد مكامن اهتمام واحدة وتداخالت تضامنية ربي المناطقة
يعتمد عىل ضبط ووضوح الثان .وليس ً ُ
غريبا أن نجد يف اللغة العربية لفظة ي ضمان الصحة والتأكد من األول
األصىل هو «اللغة» أو «الكالم» .فهذا يكشف لنا ي «منطق» نفسها مشتقة من النطق أو الكالم ،بل إن معناها
المبحثي يف رميان واحد ر عي تاري خ المنطق نجد أول من جعل المفهومي .ولو أخذنا لمحة ر ر الصلة الوثيقة ربي
مقين باللغة السليمة. ٌ التفكي السليم ى ر هو أرسطو ،لقد أدرك أن موضوع المنطق الذي يبحث يف أسس وقواعد
ً
ه الفكر المنطوق، فإن كانت التقسيمات اللغوية دقيقة كانت األحكام المنطقية دقيقة أيضا ،فقال بأن اللغة ي
فالتفكي يف الفكرة يتم عن
ر الغي منطوقة ،فاللغة عنده ال تقل من حيث األهمية عن المنطق، والفكر هو اللغة ر
طريق ألفاظ وجمل .لكن لم تكن دراسته للغة دراسة خالصة بل متضمنة بداخل المنطق والفلسفة.
جستان: يقول التوحيدي ف خاتمة المقابسة 24عىل لسان أن سليمان َّ
الس
ي ري ي
َّ ُ َّ َ يتبي لك أن البحث عن َ ُ
يرم بك إل جانب يرم بك إل جانب النحو ،والبحث عن النحو ي نطق قد ي الم ِ (وب هذا ر
َّ َّ ًّ ى
غي مستطاع لكان يجب أن يكون المنطق نحويا والنحوي منط ًّ
قيا ،خاصة والنحو ي المنطق ،ولوال أن الكمال ر
ميجم بها ومفهوم عنها) .إن وضع اللغة كمقابل للطبيعة العقلية أو المنطقية ،ليس َ واللغة عربية ،والمنطق ى
ممتدة منذ ف اليونانيي والعرب وبالطبع األوروبيي ال سيما ُّ ُ َ
العقىل
ي رواد االتجاه ر ر ي جذوره حديث عهد ،بل نجد
ُ ر
يعت أنهم يف القرن السابع عش ،وجميعهم نلحظ يف أطروحاتهم تقاطع ما ربي المنطق واللغة لكن هذا ال ي
َّ َ
المنهجية ماف األمر أن الرصورةأحاطوا بكل موضوعات ما نصطلح عليه اليوم باسم فلسفة اللغة وقضاياها .كل ي
اقتضت ذلك ّ
المفهومي .أما من ناحية أي المناهج المنطقية متبع لدراسة اللغة فال ر وحتمت عليهم رإشاك
كل يذهب حسبما تتطلب منفعته البحثية وتنطبق مع رؤيته التصورية فنجد الباحثي ُمجمع عليه ٌ اتفاق ربي
ر
تبعا للمنهج االستقران الوصق (انتقال من الجزئيات إل الكليات) والبعض اآلخر يدرسها ً
تبعا من يدرسها ً
ي ي
االستنباط المعياري (انتقال من الكليات إل الجزئيات).
ي للمنهج
ه بحث عن أولها ونشأتها وعالقتها الصحيحة باإلنسان والوجود بجميع مافيه من ُ
(ه بحث فيما قبل اللغة ،أو ي ي
وتفسيه). ر والعلم والحضاري ومحاولة توضيح كل ذلك ي االجتماع
ي موجودات ،بدورها
عزم طه. -تعريف الباحث المرصي ي
َ
ه وصف اللغة عىل أنها ُمشكلة فلسفية توجب وضع اللغة يف إن وصلة الربط ربي جميع هذه التعريفات ي
الوقوف عىل حقيقتها ،وأبرز من امتاز بتوضيح هذا المبحث ما نجده عند ِ مباحث منطقية منضبطة من أجل
الشهية من كتابه رسالة منطقية فلسفية (إن الفلسفة كلها عبارة عن نقد للغة) .من ر لودفيغ فيتجنشتاين يف عبارته
لضبط تصوراتها وتأسيس ِ المنطق والرياضيات
ِ ئيس عىلالجدير بالذكر هنا أن فلسفة اللغة اعتمدت بشكل ر ي
اللغويي استفادوا من األبحاث المنطقية والرياضية لصياغة مفاهيم لغوية ،فنجدهم يقيمون ر مفاهيمها ،أي أن
ً ً
منطقيا بالنسبة للخطاب ،وأساسا ر ً ً ً
ياضيا مستندا عىل التأويل. نسقا
ه ً ً َ ى
الت وضعت فلسفة اللغة نصب عينيها إن لم تكن عضوا أساسيا يف إكمال جسدها ي من أهم المدارس ي
ُ تقدم ذكره بإيجاز -وف أواخر القرن التاسع ر ّ
عش تناول رائدها ي (الفلسفة التحليلية (- Analytic Philosophyكما
ً
الحي متوقفا ى
غي معهود يف المنطق ،والذي كان حت ذلك ر لتطور ر
ٍ جوتلوب فريجه دراسات لغوية-منطقية مما َّأدى
َّ
وظن اهي عىل ما وضعه أرسطو ،ولقد َّ
الي رللكالسيكيي عن طريق مالحظته بوجود ثغرات يف بنية ر ر وجه انتقاداته
يهتد بهم ،فنجد أنه من ر ُ
أنهم منذ أرسطو يدورون يف حلقة مفرغة تركز عىل الحدود ال أكي وال أقل من ذلك ،فلم ِ
الرياض فقام فريجه ي التحليليي الذين ركزوا يف تحليالتهم عىل اللغة عن طريق االهتداء بالمنطق ر أوائل الفالسفة
نظام رمزي أساسه دقة اللغة بقواعد محددة إضافة إل ٌ األرسط من زاوية الرياضيات وعمد لبناء بخرق المنطق
ي
ًّ ُ
التعبي عن القضايا الجزئية ،لينجز نظرية شاملة يف المعت .فأصبح نموذجه الصوري-الرمزي مكونا من التحليل ر
اعتيت الداللة مجرد إحالة عىل الواقع فقط، التعبيية وأفكارنا ،فنظريته الرمزية ر ر المنطق الذي ترتكز عليه أقوالنا ى
ي
مهمتها تحديد صدق اللفظ وليس المعت ،ألن تحديد القيمة الداللية للجملة مرتبط بكل من المعت واإلحالة
التخىل عن الثانية ي ه بيان الفروقات ربي اللغة الصورية واللغة الطبيعية فقصد اللفظية ،فكانت غايته األساسية ي
حت وإن استقلت حقيقتها الموضوعية بمعزل من أجل األول .بالنسبة لفريجه القضايا المنطقية ممكنة التحقق ى
اآلن لبيان النظرية: ى
عنا ونستحرص هنا المثال ي
السء مع ذاته ال تورد أي مشكلة ر المثال األول( :الرابطة هو) إنها ر
تعي عن الهوية واالنتماء والتضمن ،فهوية ي
فتعت االنتماء وزيد هو فتعت الهوية وزيد هو سعودي أكي من طرف كأن نقول زيد هو زيد السء ف ر ر
ي ي عند وضع ي ي
فتعت التضمن.ي إنسان
ه ما يحدد القيمة الصدقية والمعان كيفيات .فاإلحالة ي
ي القضية األول :ما يقوله فريجه هنا أن اإلحالة حقيقة
بالتال
ي للعبارة بينما المعت يوفر رشوط تحقق العبارة فقط .وعليه فالداللة ناتجة عن تالزم المعت واإلحالة.
وتبعا لهذا المقام أكد عىل إمكان ينكشف لنا االختالف ربي مسميات األعالم والعبارات الوصفية المحددةً .
وجود عبار رتي عىل معت مختلف وإحالة واحدة.
ه اختالف بينهما فالثانية ي ي تميي ربي المعت والتسمية فذلك يؤدي ال محالة إل تفاوت إذا كان هناك ر
للتعبي عنها بأشكال عدة .فيما بعد طور فريجه نظريته ضمن تصور نطلق عليه «النظرية ّ ر تسمح لألول
الوصفية لإلحالة» تقوم عىل أساس أن الكلمات ال تحيل عىل األشياء وال تتدخل بواسطة معناها ،بل تحيل
عىل ذاتها بشكل يجعلنا أمام عالمة العالمات ،ألن القيمة الصدقية تتوقف عىل المسميات بينما القيمة
المعان.
ي المعرفية تتوقف عىل
اعيض مينونغ عىل نتائج فريجه ،وقال بإمكان توفر قضية ما عىل معت رغم إخفاق اإلحالة واستشهد لقد ى
غي موجودين ،فقام ببناء يعت أن لهم معت يف كونهم ر فنق وجودهم ي اآلل» ي
ب «المرب ع الدائري» و «اإلنسان ي
ر ً ى
شء .ثم جاء راسل وخالف والت تمكننا من بناء قضايا صادقة وذات معت انطالقا من ال ي نظرية األوصاف ي
تقتص التعرف عىل إحال للداللة ،وأكد أن المسميات القياح تصورمينونغ رغم عدم اتفاقه مع فريجه فسع ى
ي ي
ً
واقعيا. ً
موضوعا يسم الحقيق هو الذيى الموضوع الذي يحيل عليه االسم .فاسم العلم
ي ي
السء)ر ّ
(ف ا ي
تمي ربي ي وغيهم ممن سلكوا نهجهم أمام دراسة ر عندما نجد أنفسنا مع فريجه وراسل ومينونغ ر
التميي إال سبيًل لعدم ى
السء) فهذا يحلينا ال محالة لبناء نسق الياتبية اللغوية .وليس هذا ر
ر وخصائص (عن ي
الوقوع يف مجموعة من التناقضات .إذ وجب مراعاة ذلك التفاوت القائم ربي (اللغة الشيئية) و (لغتها الفوقية)
موضوعا لها .فاالختالفات التباينية يف األصل ربي اللغة الموصوفة واللغة ً األخية األول مع إيجاب أن تتخذ
ر
الواصفة تجعلنا نتساءل عن مدى قدرتنا عىل إمكان الحديث عن اللغة الطبيعية بنفس كيفية اللغة الصورية.
نتنبه له سوف يوقعنا يف الدور وتوالد المفارقات .وما من سبيل لتجنب المستويي الذي لو لم ّ
ر دون الخلط ربي
ُ
ذلك إال أن نعيد تقويم التصورات للتحقق من مدى استجابتها لإلجراءات الصورية .هذا يجعلنا نتخىل عن
الطبيع.
ي ثنان القيمة ونأخذ بأنساق منطقية تستجيب للخطاب المنطق ي
الخاتمة
ىّ
إن الدافع إل البحث ال يتأن من الفلسفات وإنما من األشياء والمشكالت الحارصة .هذا ما قامت عىل
أساسه المدرسة الظاهراتية حيث اهتمت بما هو جذري عن طريق تجذيره هو نفسه وقبل كل هذا يجب أال
يستقر قبل بلوغه الوضوح ،فتخلص هدفها يف مبدأ بسيط هو " العودة إل األشياء ذاتها" .فالمنهج بنيته قائمة
الوع
ي فه تتخذتعي عن كل تجربة ممكنة وعن كل عالم ممكن ،ي الوع ومنظومته القصدية شأنها أن ر ي عىل
ً
الفينومينولوح أساسا نافذة تطل عىل الوجود برمته .ولقد اتخذ العديد من الفالسفة أدوات المنهج
ر ي المعرف
ي
ه فتبي له أن اللغة يلالستعمال لبناء تصوراتهم الوجودية وعىل رأسهم هيدغر الذي أعاد اكتشاف الوجودّ ،ر
المظهر األول للكينونة ،فاللغة عنده بيت الوجود ،البيت الذي يسكنه اإلنسان حيث يقول "اللغة ليست يف
ه الكيفية ال ى يت الج ،إن اللغة ي
تعبي عن الكائن ي
ه ر ماهيتها وسيلة يفصح بها الكائن العضوي عن نفسه ،وال ي
الت تحقق وجود العالم وأنها تؤسس ى ى يكشف فيها الوجود عن ذاته" .إنها البعد
وه يالحقيق للوجود ذاته ي
ي
التعبي عن ّ
ومؤوله ،ما نحن إزاءه يف الحقيقة يف الوجود وتخلقه وتكشف عنه .فاإلنسان هو ناطق الوجود
ر
بالتفكي يف وجودنا أو بالشعور بإدراكنا يقف عند حدود اللغة وحدود اللغة تقف عند حدود وجودنا. ر ذواتنا أو
ّ
فإن أرده لعجز الكينونة بذاتها ،إن القابلية اللغوية بجميع رتبها يف اإلنسان
وكل ما تعجز اللغة عن صياغته ي
توازي وجود اإلنسان .ثم أن وجود الكينونة قائم عىل أن تكون قضية وجودها ،واللغة ي
ه من يكفل لها حفظ
وجودها وترسيخه.
المراجع:
ى
سيانيا. أمية غنيم) .تونس ،دار
سيل ،جون ( )2015األعمال اللغوية ،بحث يف فلسفة اللغة (ترجمة رر
الباه ،حسن ( .) 2015اللغة والمنطق ،بحث يف المفارقات .منشورات ضفاف ،منشورات االختالف.
ي
فتج المسكي يت) .دار الكتاب الجديد المتحدة.
هايدجر ،مارتن ( .)2012الكينونة والزمان (ترجمة الدكتور ي
ر
والنش. كرم ،يوسف ( .)1936تاري خ الفلسفة اليونانية .مطبعة لجنة التأليف ى
واليجمة
كرم ،يوسف ( .) 2012تاري خ الفلسفة األوربية يف العرص الوسيط (يوسف كرم) .مؤسسة هنداوي للتعليم
والثقافة.