You are on page 1of 264

‫تاريخ الوطن العريب‬

‫يف العصر الوسيط‬


‫للسنة الثانية مبرحلة التعليم الثانوي‬
‫(القسم األديب)‬

‫إعداد‬
‫جلنة متخصصة بتكليف من‬
‫مركز املناهج التعليمية والبحوث التربوية‬

‫‪ 1441 - 1440‬هـ‬
‫‪ 2020 - 2019‬م‬

‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫حقوق الطبع حمفوظة‬
‫ربوية‬
‫الت َّ‬
‫عليمية والبحوث َّ‬
‫ملركز املناهج ال ْت َّ‬

‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوعات‬
‫‪VII‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪1‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬ظهور اإلسالم‬
‫‪4‬‬ ‫سرية الرسول حممد ﷺ قبل البعثة‬
‫‪6‬‬ ‫نزول الوحي وبعثته ﷺ‬
‫‪8‬‬ ‫اإلسالم يف مكة‪ :‬الصراع مع املشركني‬
‫‪8‬‬ ‫سراًا‬
‫نشر الدعوة ً‬ ‫• ‬
‫‪8‬‬ ‫ • اجلهر بالدعوة‬
‫‪8‬‬ ‫• معارضة قريش للدعوة‬
‫‪9‬‬ ‫ • اهلجرة إىل احلبش‬
‫‪13‬‬ ‫• اهلجرة إىل يثرب (املدينة النبوية)‬
‫‪15‬‬ ‫دولة الرسول ﷺ يف املدينة النبوية‬
‫‪15‬‬ ‫أ) التنظيمات اإلدارية‬
‫‪16‬‬ ‫ب) املواجهات مع األعداء‬
‫‪17‬‬ ‫‪ . 1‬غزوة بدر الكربى‬
‫‪18‬‬ ‫‪ . 2‬غزوة أحد‬
‫‪18‬‬ ‫‪ .3‬غزوة األحزاب (اخلندق)‬
‫‪19‬‬ ‫‪ .4‬اهلدنة مع قريش (صلح احلديبية)‬
‫‪21‬‬ ‫ج) االتصاالت اخلارجية‪:‬‬
‫‪21‬‬ ‫سرية مؤتة‬ ‫• ‬
‫‪22‬‬ ‫فتح مكة‬ ‫ •‬
‫‪22‬‬ ‫غزوة حنني‬ ‫ •‬
‫‪26‬‬ ‫وفاة الرسول ﷺ‬
‫‪27‬‬ ‫مظاهر احلياة اإلسالمية يف عهد الرسول ﷺ‬
‫‪27‬‬ ‫ • املظاهر السياسية‬
‫‪27‬‬ ‫• املظاهر االجتماعية‬
‫‪28‬‬ ‫• املظاهر االقتصادية‬
‫‪28‬‬ ‫• املظاهر اإلدارية يف عهد الرسول ﷺ‬
‫‪29‬‬ ‫ • املظاهر العلمية‬
‫‪29‬‬ ‫ • املظاهر العمرانية‬
‫‪29‬‬ ‫• املظاهر العسكرية‬
‫‪30‬‬ ‫الدروس املستفادة من حياة الرسول ﷺ‬
‫‪33‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪III‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬عصر اخللفاء الراشدين‬
‫‪37‬‬ ‫خالفة أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه‬
‫‪44‬‬ ‫خالفة عمر بن اخلطاب ‪‬‬
‫‪51‬‬ ‫ • انتشار اإلسالم يف مشال إفريقيا‬
‫‪52‬‬ ‫ • فتح ليبيا‬
‫‪55‬‬ ‫خالفة عثمان بن عفان‪‬‬
‫‪59‬‬ ‫خالفة علي بن أيب طالب ‪‬‬
‫‪63‬‬ ‫انتشار اإلسالم يف بالد الشام والعراق وبالد فارس‬
‫‪63‬‬ ‫• العوامل اليت دفعت املسلمني للفتح‬
‫‪63‬‬ ‫ • الصراع مع الفرس‬
‫‪64‬‬ ‫• أسباب انتصار املسلمني على دوليت الفرس والروم‬
‫‪65‬‬ ‫بالد احلجاز بعد ظهور اإلسالم‬
‫‪68‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪71‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬قيام الدولة األموية يف بالد الشام‬


‫‪73‬‬ ‫‪ .1‬معاوية بن أيب سفيان ‪ ‬وتأسيس الدولة األموية‬
‫‪73‬‬ ‫‪ .2‬التطور السياسي واإلداري يف الدولة األموية‬
‫‪79‬‬ ‫‪ . 3‬الفتوحات اإلسالمية يف عهد األمويني‬
‫‪84‬‬ ‫‪ . 4‬العالقات بني املسلمني والبيزنطيني‬
‫‪86‬‬ ‫‪ . 5‬ضعف الدولة األموية وسقوطها‬
‫‪88‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪89‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬قيام الدولة العباسية‬


‫‪91‬‬ ‫أوال‪ :‬الدعوة ومراحلها‬
‫‪91‬‬ ‫أ) املرحلة السرية‬
‫‪94‬‬ ‫ب) املرحلة العلنية‬
‫‪97‬‬ ‫جـ) أبو جعفر املنصور (املؤسس احلقيقي للدولة العباسية)‬
‫‪108‬‬ ‫ثانيا‪ :‬السمات املميزة للدولة العباسية‬
‫‪108‬‬ ‫‪ .1‬اعتبار اخلالفة مؤسسة دينية‬
‫‪108‬‬ ‫‪ .2‬االجتاه الشرقي للخالفة والدولة‬
‫‪109‬‬ ‫‪ . 3‬تأكيد شرعية اخلالفة العباسية‬
‫‪109‬‬ ‫‪ .4‬رعاية احلضارة اإلسالمية‬
‫‪115‬‬ ‫ثالثا‪ :‬العصر العباسي الثاين‪ :‬مرحلة التراجع واالهنيار‬
‫‪115‬‬ ‫أ) عوامل التفكك السياسي‬
‫‪115‬‬ ‫‪ . 1‬ضعف شخصية اخللفاء وهيمنة العناصر األجنبية على احلكم‬

‫‪IV‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪ .2‬اتساع الدولة وترامي أطرافها‬
‫‪121‬‬ ‫ب) ضعف املوارد االقتصادية‬
‫‪123‬‬ ‫رابعا‪ :‬جهاد العامل اإلسالمي ضد الصليبيني واملغول‬
‫‪123‬‬ ‫‪ .1‬احلرب الصليبية‬
‫‪126‬‬ ‫ • تصدي الدولة اإلسالمية للغزو الصلييب‬
‫‪135‬‬ ‫‪ .2‬الغزو املغويل‬
‫‪143‬‬ ‫• التصدي اإلسالمي للعدوان املغويل‬
‫‪146‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪147‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬املغرب واألندلس خالل العهد العباسي‬


‫‪149‬‬ ‫(أ) بالد املغرب‬
‫‪149‬‬ ‫‪ .1‬التطورات السياسية العامة‬
‫‪150‬‬ ‫‪ .2‬قيام الدويالت املستقلة باملغرب‪.‬‬
‫‪150‬‬ ‫أ) اإلمارة الرستمية‬
‫‪152‬‬ ‫ب) إمارة األدارسة‬
‫‪154‬‬ ‫جـ) إمارة األغالبة‬
‫‪156‬‬ ‫د) الدولة الفاطمية‬
‫‪163‬‬ ‫هـ) إمارة بين زيري‬
‫‪166‬‬ ‫قيام أسرات حاكمة يف داخل األراضي الليبية يف العصر الوسيط‬
‫‪171‬‬ ‫و) دولة املرابطني‬
‫‪174‬‬ ‫ز) دولة املوحدين‬
‫‪178‬‬ ‫(ب) األندلس‬
‫‪178‬‬ ‫‪ .1‬الدولة األموية يف األندلس‬
‫‪179‬‬ ‫‪ .2‬ملوك الطوائف‬
‫‪180‬‬ ‫‪ .3‬مملكة غرناطة يف األندلس‬
‫‪183‬‬ ‫أ) دولة احلفصيني (املغرب األدىن)‬
‫‪186‬‬ ‫ب) دولة بين عبد الواد الزيانيني (املغرب األوسط)‬
‫‪188‬‬ ‫جـ) دولة بين مرين (املغرب األقصى)‬
‫‪190‬‬ ‫• سقوط غرناطة وإخراج املسلمني من األندلس‬
‫‪190‬‬ ‫ • انتشار اإلسالم يف شرق أفرقيا‬
‫‪192‬‬ ‫دور العرب يف نشر اإلسالم يف إفريقيا جنوب الصحراء‬
‫‪192‬‬ ‫‪ .1‬الدعاة العرب املسلمون‬
‫‪192‬‬ ‫‪ .2‬الطرق الصوفية‬
‫‪191‬‬ ‫أ) القادرية‬
‫‪195‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪V‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬املنطقة العربية منذ سقوط بغداد وحىت‬
‫‪197‬‬
‫جميء العثمانيني‬
‫‪199‬‬ ‫أوال‪ :‬حكم املغول يف العراق‬
‫‪203‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حكم املماليك يف مصر والشام‬
‫‪208‬‬ ‫ثالثا‪ :‬يف املغرب واألندلس‬
‫‪209‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪211‬‬ ‫الفصل السابع‪ :‬احلضارة العربية اإلسالمية‬


‫‪213‬‬ ‫• النظم اإلدارية واملالية‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫أ) اخلالفة‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫ب) الوزارة‪.‬‬
‫‪218‬‬ ‫ج) اإلمارة‪.‬‬
‫‪220‬‬ ‫د) الدواوين‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫هـ) الربيد‪.‬‬
‫‪222‬‬ ‫و) املوارد املالية‪.‬‬
‫‪226‬‬ ‫ • احلياة االجتماعية واالقتصادية‬
‫‪226‬‬ ‫أ) احلياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪229‬‬ ‫ب) احلياة االقتصادية‪.‬‬
‫‪234‬‬ ‫ • احلياة الثقافية‪.‬‬
‫‪234‬‬ ‫أ) العلوم‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫ب) اآلداب‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫ج) الفنون والعمارة‪.‬‬
‫‪247‬‬ ‫• املراكز احلضارية‬
‫‪247‬‬ ‫أ) مدينة بغداد‪.‬‬
‫‪247‬‬ ‫ب) مدينة دمشق‪.‬‬
‫‪248‬‬ ‫ج) مدينة القاهرة‪.‬‬
‫‪248‬‬ ‫د) مدينة القريوان‪.‬‬
‫‪248‬‬ ‫هـ) مدينة فاس‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫و) مدينة قرطبة‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫• أثر احلضارة العربية و اإلسالمية على النهضة األوروبية‬
‫‪255‬‬ ‫أسئلة تطبيقية‬

‫‪VI‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم عىل نبينا حممد وعىل آهل ومن تبعه‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫﴾‬ ‫قــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫مــن ســورة طــه‪.‬‬
‫بسم اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪،‬‬
‫وبعد‬
‫لقــد أنعــم اهلل علــى األمــة العربيــة منــذ قديــم الزمــان بــأرض معطــاة‪ ،‬وطبيعــة ســاحرة‪،‬‬
‫وميــاه جاريــة‪ ،‬ومنــاخ معتــدل‪ ،‬وموقــع متوســط‪ ،‬وفيهــا نشــأت الحضــارات القديمــة منــذ آالف‬
‫الســنين والتــي الزالــت آثارهــا باقيــة حتــى يومنــا هــذا‪.‬‬
‫ولقــد أكمــل اهلل نعمــه علــى األمــة عندمــا شــرفها باإلســام‪ ،‬فــكان هــذا الديــن منقــذ لهــا‬
‫مــن الشــرك والضــال‪ ،‬ومقومــا لهــا مــن االنحــراف والضيــاع‪ ،‬ودليــا لهــا نحــو التطــور والرقــي‬
‫والتقــدم‪ ،‬حيــث قــام العــرب بأعبــاء نشــر هــذه الرســالة الخالــدة إلــى النــاس كافــة والعالميــن‬
‫عامــة‪ ،‬فكانــوا عنــد حســن الظــن هبــم وأهــا لألمانــة‪.‬‬
‫لــم تقتصــر مــوارد وأصــول الحضــارة العربيــة اإلســامية علــى تــراث العــرب القديــم‬
‫بــل تعــداه إلــى الحضــارات غيــر العربيــة كالفارســية والرومانيــة والهنديــة والصينيــة‪.‬‬
‫وقــد امتــزج اإلســام هبديــه وتعاليمــه الســمحاء مــع تــراث العــرب القديــم فجــاءت‬
‫الحضــارة العربيــة اإلســامية نتاجــا لهــذه الجهــود يف صــورة مكتملــة شــاملة مصقولــة الجوانــب‪.‬‬
‫ويف هــذا الكتــاب المقــرر علــى الصــف الثــاين مــن المرحلــة الثانويــة العامــة القســم‬
‫األدبــي نضــع بيــن أيــدي زمالئنــا معلمــي مــادة التاريــخ هبــذه المرحلــة‪ ،‬وأيــدي أبنائنــا طــاب‬
‫وطالبــات الصــف الثــاين ثانــوي أدبــي تفصيــا لتاريــخ اإلســام يف الوطــن العربــي طيلــة فــرة‬
‫العصــور الوســطى (منــذ ظهــور اإلســام وانتشــاره إلــى مطلــع العصــور الحديثــة التــي بــدأت‬
‫بقــدوم العثمانييــن)‪.‬‬
‫ففــي الفصــل األول تعرضنــا لظهــور اإلســام وانتشــاره‪ .‬وفيــه ذكرنــا وفــاة الرســول‬

‫‪VII‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫صلــى اهلل عليــه وســلم وأثــر ذلــك‪.‬‬
‫ويف الفصــل الثــاين جــاء الحديــث عــن عهــد الخلفــاء الراشــدين كحلقــة مــن حلقــات‬
‫تاریــخ صــدر اإلســام‪.‬‬
‫ويف الفصــل الثالــث تــم شــرح الظــروف التــي ولــدت فيهــا الدولــة األمويــة وبعــض مــن‬
‫مظاهــر تقدمهــا‪.‬‬
‫ويف الفصــل الرابــع تطرقنــا بشــيء مــن التفصيــل لتاريــخ الدولــة العباســية ودورهــا يف‬
‫احتــواء المســلمين كافــة بيــن جناحيهــا‪.‬‬
‫ويف الفصــل الخامــس اســتعرضنا تاريــخ المغــرب واألندلــس خــال عهــد الدولــة‬
‫العباســية‪.‬‬
‫ويف الفصــل الســادس ألقينــا نظــرة فاحصــة عــن الحالــة السياســية يف البــاد العربيــة‬
‫عقــب ســقوط بغــداد بغــزو المغــول لهــا وحتــى قــدوم العثمانييــن‪.‬‬
‫ويف الفصــل الســابع واألخيــر جــاء ذكــر الحضــارة العربيــة اإلســامية خــال فــرة‬
‫العصــور الوســطى وأثــر ذلــك علــى أوروبــا والعالــم‪.‬‬
‫نأمــل أن يكــون الكتــاب قدحقــق الهــدف وأشــبع الرغبــة يف دراســة تاريــخ األمةالعربيــة‬
‫اإلســامية لــدى أبنائهــا‪ .‬واهلل الموفــق‬

‫لجنة اإلعداد‬

‫‪VIII‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫الفصل األول‬
‫ظهور اإلسالم‬

1
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫شبه الجزيرة العربية قبل ظهور اإلسالم (العصر الجاهلي)‬

‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫الفصل األول‪ :‬ظهور اإلسالم‬


‫ســبق وأن تعرفــت علــى بعــض مــن مظاهــر الحيــاة عنــد العــرب يف شــبه الجزيــرة‬
‫العربيــة قبــل ظهــور اإلســام (العصــر الجاهلــي)‪ ،‬وقــد علمــت الكثيــر عــن حياهتــم الدينيــة‬
‫والسياســيةواالقتصادية واالجتماعيــة‪.‬‬
‫انتشــرت عبــادة األصنــام واألوثــان يف بــاد العــرب‪ ،‬بعــد أن تركــوا ديــن ســيدنا إبراهيــم‬
‫عليــه الصــاة والســام وإن بقــى القلــة منهــم علــى ديــن المســيحية واليهوديــة‪.‬‬
‫والبــد أن نذكــر أبنائنــا الطلبــة أن العــرب فقــدوا دولهــم وممالكهــم التــي ظهــرت‬
‫يف جنــوب شــبه الجزيــرة العربيــة بســبب الصراعــات السياســية فيمــا بينهــم‪ ،‬فســقطت فريســة‬
‫ألطمــاع القــوى األجنبيــة مــن الرومــان والفــرس واألحبــاش والتــي اقتطعــت جــزء مهــم مــن‬
‫بــاد العــرب‪.‬‬
‫هــذا ولــم يعــرف العــرب يف بــاد الحجــاز مكــة ويثــرب ومــا جاورهــا أي نظــام سياســي‬
‫ســوى النظــام القبلــي والعشــائري‪ ،‬فشــيخ القبيلــة هــو مــن يتولــى مســؤولية حمايــة قبيلتــه وتأميــن‬
‫حاجــة القبيلــة مــن المــاء ومصــادر الــكأل والدفــاع عــن حماهــا وعلــى أبنــاء القبيلــة االنصيــاع‬
‫ألوامــره والتقيــد بالعــادات والعــرف القبلــي الســائد‪.‬‬
‫واضحــا عنــد العــرب‬
‫ً‬ ‫كمــا أن التجــارة وحرفــة الرعــي‪ ،‬كانــا يشــكالن مظهـ ًـرا اقتصاد ًّيــا‬
‫يف شــبه الجزيــرة العربيــة‪.‬‬
‫أمــا عــن الحيــاة االجتماعيــة فاألســرة هــي الركيــزة األساســية يف المجتمــع العربــي‪،‬‬
‫ناهيــك عــن رابطــة الــدم والقربــى التــي تجمــع أبنــاء القبيلــة الواحــدة‪ ،‬وارتباطهــم اجتماعيــا‬
‫واقتصاديــا ببقيــة القبائــل األخــرى‪.‬‬
‫ظلــت الحيــاة العربيــة علــى وتيــرة واحــدة حتــى بزغــت شــمس اإلســام يف مكــة‬
‫المكرمــة وأشــاعت بنورهــا علــى كامــل بــاد العــرب يف شــبه الجزيــرة العربيــة‪ ،‬فقــد ُب ِعــث فيهــم‬
‫رســوال مــن بينهــم داعيــا إلــى وحدانيــة اهلل هاديــا إلــى ســواء الســبيل‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫سرية الرسول حممد ﷺ قبل البعثة‬


‫ف‬
‫مولده ونسبه ونشأته ي� مكة املكرمة‪:‬‬
‫ولــد محمــد بــن عبــد اهلل بــن عبــد المطلــب بــن هاشــم بــن عبــد منــاف بــن قصــي بــن‬
‫كالب بــن مــرة بــن كعــب بــن لــؤي بــن غالــب بــن فهــر بــن مالــك بــن النضــر العدنــاين يف دار‬
‫أبــي يوســف المســماة بالبيضــاء يف مكــة ببــاد الحجــاز يف عــام الفيــل ( ‪ 571‬م) وتــويف والــده قبــل‬
‫والدتــه فنشــأ يف كفالــة جــده عبــد المطلــب وأمــه آمنــة بنــت وهــب بــن عبــد منــاف مــن بنــي زهــرة‪،‬‬
‫وعلــى عــادة العــرب يف شــبه الجزيــرة العربيــة ُع ِهــد بإرضاعــه إلــى أحــد الســيدات وتدعــى حليمة‬
‫بنــت أبــي ذؤيــب الســعدية‪ ،‬ويف السادســة مــن عمــره توفيــت أمــه الســيدة آمنــة‪ ،‬فكفلــه جــده عبــد‬
‫المطلــب وتــويف وحفيــده يف العاشــرة مــن عمــره‪ ،‬فتولــى تنشــئته عمــه أبوطالــب‪.‬‬
‫ُعــرف محمــد بــن عبــد اهلل أن بأمانتــه ونزاهتــه وصدقــه يف القــول والعمــل بيــن قومــه‬
‫فســموه بالصــادق األميــن ومــن شــيمه النبيلــة الخلــق الحســن والصــر والشــجاعة واإلقــدام‬
‫والحلــم‪.‬‬
‫عمــل محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم يف صبــاه يف حرفــة الرعــي واشــتغل بالتجــارة يف مكة‬
‫ويف بــاد الشــام‪ ،‬فاكتســب خــرة واســعة م ّكنتــه مــن توســيع مداركــه الفكريــة والروحيــة‪ ،‬شــب‬
‫وبلــغ مبلــغ الرجــال ولــم يعبــد وثنــا أو صنمــا ولــم يرتــاد مجالــس اللهــو وشــرب الخمــر كمــا‬
‫كان يفعــل أقرانــه وبقيــة قومــه يف قريــش‪.‬‬
‫زواجه‪:‬‬
‫تــزوج محمــد بــن عبــداهلل بالســيدة خديجــة بنــت خويلــد بــن أســد بــن عبــد العــزى امــرأة‬
‫ذات شــرف ومــال تميــزت برجاحــة العقــل والحكمــة‪ ،‬كان محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم قبــل‬
‫زواجــه هبــا يشــرف علــى تجارهتــا يف بــاد الشــام‪ ،‬وكان يصحــب معــه يف رحلتــه مولــى خديجــة‬
‫ميســرة‪ .‬كان كثيــرا مــا ُي َحــدِّ ث خديجــة بمــا عرفــه عــن رفيقــه مــن خصــال حميــدة فأعجبــت‬
‫بخصالــه وأرســلت لــه مــن يحدثــه يف أمــر زواجهمــا‪ ،‬فقبــل العــرض وتــزوج مــن خديجــة وهــو يف‬
‫ســن الخامســة والعشــرين وانجبــت لــه ســائر أوالده ماعــدا إبراهيــم فأمــه ماريــة القبطيــة‪.‬‬
‫ف‬
‫ماكنة حممد ب ن� عبد املطلب ي� قريش قبل البعثة احملمدية‪:‬‬
‫ومــن الشــواهد التــي تبيــن مكانتــة محمــد عليــه الصــاة والســام قبــل البعثــة‪ ،‬حادثــة‬
‫تجديــد بنيــان الكعبــة وهــي مــن أهــم األحــداث التــي شــهدها يف مكــة‪ ،‬وتناقلهــا العــرب يف‬

‫‪4‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫أخبارهــم‪.‬‬
‫كان قــد دب الخــاف بيــن القبائــل المجتمعــة يف مكــة يف أيهمــا ينــال شــرف إعــادة‬
‫الحجــر األســود إلــى مكانــه‪ ،‬واشــتد الخــاف بينهــم؛ ثــم رأوا أن يتحاكمــوا إلــى أول الداخليــن‬
‫إلــى البيــت الحــرام‪ ،‬فــكان هــذا الداخــل محمــد الصــادق األميــن وطلبــوا منــه أن يكــون الحكــم‬
‫بينهــم‪ ،‬فبســط ثوبــه وأخــذ الحجــر األســود بيــده ووضعــه يف وســط الثــوب وأمــر كل قبيلــة أن‬
‫تمســك بجانــب منــه‪ ،‬فقبلــوا مــا أمرهــم بــه‪ ،‬ورفعــوه جميعــا إلــى موضعــه فأخــذه صلــى اهلل عليــه‬
‫وســلم ووضعــه يف مكانــه‪.‬‬

‫نســاء اكن هلــن دور ف ي� رعايــة حممــد ب ن� عبــد هللا ب ن� عبــد املطلــب‬
‫ف‬
‫ي� طفولتــه وصبــاه‪:‬‬
‫‪1.1‬مرضعتــه الســيدة حليمةبنــت أبــي ذؤيــب مــن بنــي ســعد بــن بكــر بــن هــوازن‪،‬‬
‫هــي التــي أرضعــت محمــد بــن عبــد اهلل ثــم أرجعتــه إلــى أمــه يف مكــة المكرمــة‪.‬‬
‫‪2.2‬حاضنــة محمــد بــن عبــد اهلل اســمها بركــة بنــت ثعلبــة بــن عمــر بــن حصــن بــن‬
‫مالــك بــن عمــر النعمــان‪ ،‬وهــي أم أيمــن الحبشــية‪ ،‬مــوالة رســول اهلل صلــى اهلل‬
‫عليــه وســلم وحاضنتــه‪ ،‬وأضحــت زوجــا لزيــد بــن حارثــة‪ ،‬وأمــا للشــهيد «أيمن‬
‫بــن عبيــد الخزرجــي» استشــهد يــوم حنيــن‪ ،‬وأمــا لفــارس مــن فرســان اإلســام‪،‬‬
‫وهوالحــب بــن الحــب «أســامة بــن زيــد» رضــي اهلل عنهمــا‪.‬‬
‫عاصــرت أم أيمــن مراحــل الدعــوة اإلســامية وكانــت أحــدى المهاجــرات إلــى‬
‫الحبشــة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫نزول الوحي وبعثته ﷺ‬


‫خطــا الرســول الكريــم ﷺ خطواتــه األولــى يف البحــث عــن العبــادة الصحيحــة فلــم‬
‫يعبــد صنمــا أو وثنــا‪ ،‬وكان صلــى اهلل عليــه وســلم كثيــرا مــا يــردد علــى غــار حــراء قــرب مكــة‬
‫المكرمــة ويقضــي وقتــه يف التأمــل والتدبــر‪ ،‬ولمــا بلــغ األربعيــن مــن عمــره نــزل عليــه الوحــي‪.‬‬

‫أ‬
‫تب� مواقع بعض الماكن املأثورة ب�كة املكرمة نم�ا موقع غار حراء وبعده عن بيت‬
‫صور ي ن‬
‫السيدة ي ج‬
‫خد�ة‬

‫‪6‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫كان بــدء الوحــي المنــزل علــى محمــد عليــه الصــاة والســام أن أمــره جربيــل عليــه‬
‫الســام أن يقــرأ الخمــس اآليــات األولــى مــن ســورة العلــق‪:‬‬

‫كانــت تلــك الحادثــة بدايــة لرحلــة جديــدة يف حيــاة الرســول الكريــم ﷺ والنــاس‬
‫جمعــاء‪.‬‬
‫ورجــع الرســول ﷺ إلــى زوجتــه خديجــة مضطربــا وأخربهــا بمــا حــدث لــه يف الغــار‪،‬‬
‫فقالــت لــه «أبشــر يــا ابــن العــم فــإن اهلل لــن يخزيــك أبــد ًا واهلل إنــك لتصــل الرحــم وتصــدق‬
‫الحديــث وتــؤدي األمانــة إلــى أن قالــت لــه وإين ألرجــو أن تكــون نبــي هــذه األمــة» فــكان‬
‫موقفهــا عظيمــا هــدأ مــن روع النبــي‪ ،‬واصطحبــت الســيدة خديجــة النبــي الكريــم إلــى ابــن عمهــا‬
‫ورقــة بــن نوفــل الــذي تنصــر يف الجاهليــة وعــزف عــن عبــادة األوثــان وكان علــى علــم مــن خالل‬
‫دراســته لإلنجيــل وهــو الكتــاب الــذي نــزل علــى عيســى عليــه الســام بــأن هنــاك نبيــا ســيبعث‬
‫إلــى البشــرية وســيكون خاتــم األنبيــاء‪ ،‬فقــص النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم ما حــدث لــه يف الغار‪،‬‬
‫فقــال لــه ورقــة ‪ :‬إن الــذي جــاءك ليقرئــك هــو الوحــي الــذي جــاء المرســلين مــن قبلــك وأن اهلل‬
‫قــد اصطفــاك واختــارك رســوال لهــذه األمــة‪.‬‬

‫بطاقةتفكري‬
‫هل كان الرسول الكريم ﷺ قبل البعثة على علم ومعرفة بالديانات السماوية؟‬
‫كان لمحمــد بــن عبــد اهلل دور كبيــر يف مــؤازرة ومســاندة مجتمعــه المكــي قبــل البعثــة‬
‫حــاول أن تتعــرف علــى ســيرته ومكانتــه يف قومــه؟‬

‫بعــد ذلــك عــــــــــــاد الرســول ﷺ مــرة أخــرى إلــى غــار حــراء ليتعبــد فــرأى جربيــل‬
‫علــى هيئتــه‪ ،‬فأســرع إلــى بيتــه‪ ،‬وقــال ألهلــه زملــوين دثــروين ومــا لبــث أن نــزل قــول اهلل تعالــى‪:‬‬
‫﴾ ســورة‬ ‫﴿‬
‫المدثــر اآليــات ( ‪.)5 - 1‬‬

‫‪7‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫ورقة بن نوفل‬
‫ورقــة بــن نوفــل ابــن عــم الســيدة خديجة بنــت خويلــد زوج رســول اهلل صلى‬
‫اهلل عليــه وســلم اعتنــق النصرانيــة وكان ملمــا بمــا جــاء يف كتــب التــوراة واإلنجيــل‪،‬‬
‫لجــأت إليــه الســيدة خديجــة تخــره بمــا حــدث مــع زوجهــا محمــد يف غــار حــراء‪ ،‬فقــال‬
‫لهــا ورقــة «‪ ...‬إنــه لنبــي هــذه األمــة فقولــي لــه فيثبــت‪»...‬‬

‫اإلسالم يف مكة‪ :‬الصراع مع املشركني‬


‫ •نشر الدعوة سرا‪:‬‬
‫بــدأ الرســول ﷺ دعوتــه يف تكتــم شــديد وســرية تامــة فآمنــت بــه زوجــه خديجــة وبعــض‬
‫المقربيــن إليــه مــن أصحابــه وأقاربــه مثــل علــي بــن أبــي طالــب وزيــد بــن حارثــة وأبــي بكــر‬
‫الصديــق‪ ،‬وكان إلســام أبــي بكــر أثــر كبيــر يف إســام بعــض كبــار الصحابــة كعثمــان بــن عفــان‬
‫والزبيــر بــن العــوام وســعد بــن أبــي وقــاص وأســلم بعــد ذلــك األرقــم بــن أبــي األرقــم الــذي‬
‫اتخــذت داره مقــرا للدعــوة الســرية‪.‬‬
‫ •اجلهر بالدعوة‪:‬‬
‫استمــــرت الدعــــوة اإلســامية ســرية لمـــــدة ثــاث سنــــــوات حتــى نــزل قولـــــه‬
‫﴾ (سورة‬ ‫تعـــــالي‪﴿ :‬‬
‫الحجــر)‪.‬‬
‫فبدأ الرسول ﷺ يجهر بالدعوة لمبادئ ثابتة تتمثل يف‪:‬‬
‫‪1.1‬الدعوة إلى وحدانية اهلل دون سواه‪.‬‬
‫‪2.2‬اإلقرار بالبعث والحساب بعد الموت ومسؤولية الفرد عن أعماله‪.‬‬
‫‪3.3‬اعتبار التقوى أساسا لبناء قيم أخالقية سامية بدالمن العصبية القبلية‪.‬‬
‫‪4.4‬التأكيــد علــى وحــدة الرســاالت الســماوية واعتبــار الدعوةاإلســامية تصديقــا‬
‫لماجاءبــه األنبيــاء والرســل وأن اإلســام خاتــم هــذه الديانــات‪.‬‬
‫ •معارضة قريش للدعوة‪:‬‬
‫لمــا جهــر الرســول ﷺ بالدعــوة لقــي معارضــة شــديدة مــن زعمــاء قریــش ومنهــم عمــه‬

‫‪8‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫(أبــو لهــب) فظهــرت عــداوة قريــش للرســول الكريــم ﷺ ومارســوا علــى صحابتــه صنــوف مــن‬
‫العــذاب كمــا حــدث لبــال بــن ربــاح وعمــار بــن ياســر وترجــع معارضــة قريــش إلــى األســباب‬
‫اآلتيــة‪:‬‬
‫‪1.1‬ظهــور الدعــوة اإلســامية ســيؤدي إلــى القضــاء علــى نفــوذ قریــش بيــن القبائــل‬
‫العربيــة حســب اعتقادهــم‬
‫‪2.2‬ضيــاع األمــوال التــي تحصــل عليهــا قريــش مــن تقديــم القرابيــن لآللهــة ومــن‬
‫التجــارة‪.‬‬
‫‪3.3‬تمسك قريش بعبادهتا وعاداهتا القديمة‪.‬‬
‫‪4.4‬ســنة اهلل يف خلقــه فلــم يبعــث رســول أو نبــي إال عارضــه قومــه ووقفــوا ضــد‬
‫دعــــــــــــــوته اســتعالء وتكـرًا وكفــر ًا بالحـــــــــق واتباعــا للباطــل‪ ،‬قـــــال تعـــــــالى‪:‬‬
‫﴾ (ســــــــــــــــــورة‬ ‫﴿‬
‫األحــزاب)‪.‬‬
‫لهــذه األســباب مجتمعــة عارضــت قريــش الدعــوة اإلســامية وأخــذت يف إيــذاء‬
‫المســلمين ولكنهــا وقفــت عاجــزة عــن إيــذاء الرســول ﷺ لحمايــة اهلل لــه وذود عمــه أبــو طالــب‬
‫عنــه ورغــم ذلــك واصــل النبــي صلــى اهلل عليــه وســلم نشــر دعوتــه علنــا يف مكــة‪.‬‬
‫ •اهلجرة إىل احلبشة‪:‬‬
‫لمــا رأى الرســول ﷺ شــدة المعانــاة والمكابــدة التــي يعانيهــا المســلمون‪ ،‬وقــد اشــتد‬
‫إيــذاء قريــش لهــم وضاقــت عليهــم مكــة المكرمــة‪ ،‬أشــار الرســول الكريــم ﷺ ألصحابــه‬
‫بالهجــرة إلــى أرض الحبشــة محدثهــم قائــا لهــم‪" :‬لوخرجتــم إلــى أرض الحبشــة فــإن هبــا ملــكا‬
‫اليظلــم عنــده أحــد‪ ،‬وهــي أرض صــدق حتــى يجعــل اهلل لكــم فرجــا ممــا أنتــم فيــه"‪ .‬فأعــد عــدد‬
‫مــن الصحابــة عدّ هتــم للخــروج مــن مكــة متجهيــن إلــى الحبشــة يف الســنة الخامســة مــن بعثــة‬
‫النبــي ﷺ وممــن هاجــر إلــى الحبشــة عثمــان بــن عفــان ومعــه رقيــة بنــت رســول اهلل ﷺ ومعهــم‬
‫ثلــة مــن الصحابــة وقــد قيــل إن عددهــم عشــرة مــن الرجــال والنســاء ثــم لحــق هبــم عــددا مــن‬
‫المســلمين والمســلمات حتــى وصــل عــدد مــن هاجــر ثالثــة وثمانيــن مهاجــر‪.‬‬
‫أرســل الرســول الكريــم ﷺ ابــن عمــه جعفــر ومعــه كتــاب حملــه إيــاه إلــى النجاشــي‬
‫ملــك الحبشــة يوصيــه خيــرا بالمهاجريــن الفاريــن بدينهــم مــن بطــش كفــار قريــش‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫ارتبطت الحبشة بصالت تجارية وتاريخية مع بالد الحجاز يف شبه الجزيرة‬


‫العربية قبل اإلسالم‪.‬‬

‫علمــت قريــش هبجــرة المســلمين إلــى الحبشــة فبعثــت بوفــد إلــى الحبشــة يرتأســه‬
‫رجليــن همــا عبــد اهلل بــن أبــي ربيعــة وعمــرو بــن العــاص كانــا محمليــن هبدايــا للنجاشــي‬
‫والبطارقــة قائليــن لــه‪ :‬إن هــؤالء المهاجريــن ماهــم إال بضعــة مــن الســفهاء خالفــوا ديــن آبائهــم‬
‫وخرجــوا علــى طاعتهــم فوجــب ارجاعهــم ألهلهــم وعشــيرهتم‪.‬‬
‫أذن ملــك الحبشــة للمهاجريــن مــن مكــة حضــور مجلســه واالســتماع لقضيتهــم‪ ،‬فــكان‬
‫أول المتحدثيــن جعفــر بــن أبــي طالــب شــرح حــال العــرب يف مكــة قبــل الدعــوة اإلســامية‬
‫مــن عبــادة األوثــان واألصنــام وارتــكاب الفواحــش واآلثــام‪ ،‬وحالهــم بعــد إســامهم وامتثالهــم‬
‫لمــا أمــراهلل بــه رســوله محمــد ﷺ وقــد دعاهــم إلــى وحدانيــة اهلل واإليمــان باألنبيــاء والرســل‬
‫وحثهــم علــى مــكارم األخــاق ثــم قــرأ آيــات مــن ســورة مريــم ومــا جــاء فيهــا عــن مولــد المســيح‬
‫عيســى عليــه الســام‪.‬‬
‫اســتمع النجاشــي بــكل جوارحــه لحديــث المســلمين‪ ،‬وأدرك إن هــؤالء النــاس علــى‬
‫الصــراط الســوي‪ ،‬حتــى أنــه رفــض تســليمهم وإرجاعهــم إلــى أعدائهــم كفــار قريــش‪ ،‬وقــد‬
‫أبلغهــم أهنــم آمنــون يف بلــده الحبشــة حتــى يــأذن اهلل بأمرهــم‪.‬‬
‫قــوض موقــف النجاشــي كل محــاوالت قريــش يف ارجــاع مــن هاجــر مــن المســلمين‪،‬‬
‫وأيقــن كفــار قريــش إن أي محاولــة لثنــي المســلمين عــن دينهــم لــن تكــون مؤثــرة فاتبعت سياســة‬
‫الحصــار والتضييــق علــى المســلمين يف مكــة وكتبــت قريــش صحيفــة ( ُع ِّل َقــت يف جــوف الكعبــة)‬
‫قاطعــت فيهــا بنــو هاشــم وحرضــت بقيــة القبائــل علــى مقاطعتهــم ممــا اضطــر المســلمين إلــى‬
‫الخــروج يف شــعاب مكــة‪ ،‬وأقامــوا علــى ذلــك ثــاث ســنوات‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫بقي عدد من المهاجرين بالحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة‪.‬‬


‫وكان أول مــن هاجــر مــن الرجــال إلــى الحبشــة عشــرة هــم رضــي اهلل عنهــم‬
‫وأرضاهــم‪:‬‬
‫ •حاطب بن عمرو‬
‫ •جعفر بن أبي طالب‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •عثمان بن ع ّفان‬
‫ •عبد اهلل بن عوف‬
‫الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة‬ ‫ • ّ‬
‫ •مصعب بن عمير بن هشام بن عبد مناف‪.‬‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أبو سلمة بن عبد األسد بن مخزوم‬
‫ •عثمان بن مظعون بن حبيب بن عامر بن ربيعة‪.‬‬
‫ •سهيل بن وهب بن ربيعة‪.‬‬
‫ •أبو سربة بن أبي رهم‪.‬‬
‫هاجرت خ�س نسوة َّ‬
‫هن‪:‬‬ ‫َ‬
‫ •رق ّيــة بنــت النبـ ّـي ص ّلــى اهلل عليــه وس ـ ّلم مــع زوجهــا عثمــان بــن ع ّفــان رضـ َـي‬
‫اهلل عنهمــا‪.‬‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •سهلة بنت سهيل بن عمرو‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أم سلمة‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •ليلى بنت أبي حثمة‬
‫رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ •أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو‬

‫حــرض هشــام بــن عمــرو بعــض رجــاالت قريــش علــى خــرق الصحيفــة فانضــم إليــه‬
‫زهيــر بــن أبــي أميــة مــن بنــي مخــزوم ومطعــم بــن عــدي ســيد بيــت نوفــل بــن عبــد منــاف وزمعــة‬
‫بــن األســود مــن بنــي أســد بــن عبــد العــزى والبخــري بــن هشــام واتفقــوا علــى تمزيــق الصحيفــة‬
‫فتقــدم مطعــم لشــقها فوجــد األرضــة قــد أكلتهــا ولــم يبــق منهــا ســوى عبــارة باســمك اللهــم‪.‬‬
‫توالــت األحــزان علــى الرســول الكريــم بوفــاة عمــه أبــي طالــب نصيــره وســنده وكذلــك‬
‫وفــاة زوجتــه الســيدة خديجــة وقــد سـ ّـمي هــذا العــام بعــام الحــزن‪.‬‬
‫ويف هــذا العــام هــذا ازداد إيــذاء قريــش للنبــي الكريــم وأصحابــه‪ ،‬فعــزم علــى الهجــرة‬
‫إلــى الطائــف التــي تقــع جنــوب مكــة وأراد دعــوة أهلهــا إلــى اإلســام‪ ،‬ولكنهــم قابلوه بالســخرية‬

‫‪11‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫واالســتهزاء حتــى إهنــم ســلطوا عليــه صبياهنــم‪ ،‬فرمــوه بالحجــارة والقــاذورات حتــى أدمــت‬
‫قدمــاه‪ ،‬ولمــا اشــتد بــه الحــال وتجــرع األلــم وتوالــت عليــه الشــدائد رجــع إلــى مكــة المكرمــة يف‬
‫ـدي‪ ،‬فطــاف بالبيــت وص ّلــى عنــده‪.‬‬
‫جــوار المطعــم بــن عـ ّ‬
‫إن حادثــة إيــذاء أهــل الطائــف للرســول الكريــم محمــد ﷺ هي مــن الحوادث الجســام‪،‬‬
‫فقــد جمعــت بيــن األلــم النفســي واألذى الجســدي وفيهــا مــن العــر والــدروس الكثيــر مــن‬
‫المعــاين الســامية‪ :‬الصــر علــى الشــدائد‪ ،‬والثبــات وصــدق العزيمــة وأعظمهــا الرحمــة‪.‬‬
‫ثــم عــاد إلــى مكــة فعــززه اهلل وثبــت قلبــه باإلســراء بــه ﷺ مــن مكــة المكرمــة إلــى بيــت‬
‫المقــدس حيــث اجتمــع باألنبيــاء والمرســلين و ُعـ ِـر َج بِــه إلــى الســماء ورأی عجائــب الملكــوت‬
‫األعلــى‪ ،‬داعيــا هلل تعالــى وأصبــح بیــت المقــدس قبلــة المســلمين يف صالهتــم حتــى تــم تغييرهــا‬
‫بعــد الهجــرة إلــى الكعبــة (يف مكــة)‪.‬‬
‫ولــم ييــأس الرســول الكريــم ﷺ مــن نشــر الدعــوة‪ ،‬وبــدأ يلتقــي بالقبائــل الوافــدة إلــى‬
‫مكــة يف مواســم الحــج حيــث قابــل وفــدا مــن ســكان مدينــة يثــرب التــي كانــت تســكنها قبيلتــان‬
‫(األوس والخــزرج)‪ ،‬فأســلم بعضهــم‪ ،‬ويف الموســم التالــي تقابلــوا معــه مجــددا يف العقبــة قــرب‬
‫منــى‪ ،‬وقــد ازداد عددهــم وبايعــوه وعــادوا ومعهــم مصعــب بــن عميــر ليقرئهــم القــرآن ويعلمهــم‬
‫أمــور دينهــم‪.‬‬
‫ويف الســنة الثالثــة عشــرة للبعثــة (ســنة ‪ 53‬مــن ميــاد الرســول) خــرج مــن يثــرب ثالثــة‬
‫وســبعون مــن المســلمين قاصديــن مكــة يف موســم الحــج واجتمعــوا مــع الرســول ﷺ يف العقبــة‬
‫حيــث بايعــوه وعاهــدوه علــى حمايتــه ونصرتــه ودعــوه إلــى الهجــرة إلــى يثــرب وتعــرف هــذه‬
‫البيعــة ببيعــة العقبــة الثانيــة)‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫ •اكتــب ملخــص تاريخــي عــن حادثــة نــزول الوحــي علــى الرســول‬
‫الكريــم ﷺ يف غــار حــراء؟‪.‬‬
‫ •صف موقف النجاشي من المهاجرين إليه من مكة المكرمة؟‪.‬‬
‫ •لمــاذا اختارالرســول الكريــم ﷺ أرض الحبشــة لتكون مالذا للمســلمين‬
‫دون غيرهــا مــن البلدان؟‬

‫‪12‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫ •هجرة الرسول الكرمي ﷺ إىل يثرب (املدينة النبوية)‪:‬‬


‫عندمــا علمــت قريــش بإســام عــدد مــن أهــل المدينــة مــن قبيلتــي األوس‬
‫والخــزرج ومبايعتهــم للرســول صلــى اهلل عليــه وســلم‪ ،‬أشــتد أذى كفــار قريــش للمســلمين‬
‫يف مكــة وتأمــروا علــى اغتيــال الرســول ﷺ‪ ،‬واتفــق أهــل الكفــر فيهــا علــى أن تقــوم‬
‫كل قبيلــة بإرســال عــدد مــن الرجــال األقويــاء لقتلــه حتــى يضيــع دمــه بيــن هــذه القبائــل‬
‫واليســتطيع أهلــه وعشــيرته مــن بنــي هاشــم األخــذ بثــأره ويف ذلــك يقــول اهلل تعالــى‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾ ســورة األنفــال‪.‬‬
‫أخــر الرســول ﷺ رفيقــه أبــا بكــر الصديــق بــأن اهلل أمــره بالهجــرة فطلــب مــن نبــي اهلل‬
‫محمــد أن يكــون رفيقــه يف هجرتــه إلــى يثــرب‪.‬‬
‫عهــد النبــي الكريــم إلــى ابــن عمــه علــي بــن أبــي طالــب بالمبيــت يف فراشــه وتأديــة‬
‫األمانــات التــي كانــت لديــه ألصحاهبــا مــن القريشــيين‪ ،‬ومــا إن أطمــان علــى قبــول علــي بمــا‬
‫عهــد إليــه المصطفــى‪ .‬تأهــب بصحبــة رفيقــه أبابكــر الصديــق بالخــروج خفيــة متجهيــن إلــى‬
‫يثــرب بعيــدا عــن أعيــن الكفــار مــن مكــة‪.‬‬
‫وبذلــك فشــلت خطــة قريــش يف النيــل مــن رســول اهلل ﷺ يف مكــة‪ ،‬فأرســلت خيــرة‬
‫فرســاهنا يقتفــون أثــره‪ ،‬إال أنــه تمكــن مــن النجــاة منهــم حيــث لجــأ وصاحبــه الصديــق إلــى غــار‬
‫ثــور وبقيــا فيــه ثــاث ليــال‪ ،‬وكانــت أســماء بنــت أبــي بكــر الصديــق تحمــل إليهمــا الطعــام خفية‪،‬‬
‫وتأمــر راعــي الغنــم بالســير وراءهــا لتضيــع آثــار قدميهــا فــا يهتــدي هبــا الباحثــون عــن النبــي ﷺ‬
‫إلــى الغــار حيــث ينــزل وصاحبــه‪.‬‬
‫فشــلت قريــش يف العثــور علــى النبــي ﷺ وأبــي بكــر وذلــك ألهنمــا ســلكا طريقــا غيــر‬
‫مألوفــة‪ ،‬إلــى أن وصــل النبــي ﷺ وصاحبــه أبوبكــر إلــى قباءحيــث مكثــا فيهــا أربعــة أيــام بلياليهــا‬
‫ويف هــذه األيــام أنشــا مســجدها ألداء الصــاة واالجتمــاع بالمســلمين‪.‬‬
‫ثــم وصــا إلــى يثــرب‪ ،‬وســبقهما خــر ذهاهبمــا إليهــا فخــرج أهلهــا يســتقبلون النبــي‬
‫وصاحبــه يف جمــوع كثيــرة مــن قبيلتــي األوس والخــزرج وكانــوا يرتقبــون وصولــه مهلليــن‬
‫مستبشــرين بمقدمــه فرحيــن بذلــك اليــوم الــذي شــرفهم اهلل بــه بنصــرة نبيــه متعاهديــن علــى‬
‫نصرتــه ومؤازرتــه هــو والمهاجريــن مــن مكــة‪ ،‬وقــد ســمي أهــل المدينــة باألنصــار‪.‬‬
‫عاهــد أهــل يثــرب الرســول ﷺ علــى نصرتــه ومؤازرتــه‪ ،‬فســموا باألنصــار‪ ،‬وســمي مــن‬

‫‪13‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫هاجــر مــن مكــة إلــى يثــرب بالمهاجريــن‪ ،‬وهكــذا أصبحــت يثــرب التــي ســميت بمدينــة الرســول‬
‫(المدينــة النبويــة) مركــزا للدعــوة اإلســامية ومعقال لإلســام‪.‬‬

‫نشاط‬
‫يقــوم الطلبــة بمناقشــة أحــوال المدينــة قبــل وصــول النبــي الكريــم‬
‫ﷺ قادمــا إليهــا مــن مكــة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫دولة الرسول ﷺ يف املدينة النبوية‬


‫أ) التنظيمات اإلدارية‪:‬‬
‫وضــع الرســول الكريــم محمــد ﷺ قواعــد متينــة لدولتــه الفتيــة يف المدينــة النبويــة تقــوم‬
‫علــى العــدل والمســاواة والتســامح والتعايــش الســلمي يف المجتمــع اإلســامي الواحــد‪.‬‬
‫كان أول عمــل قــام بــه الرســول الكريــم ﷺ يف المدينــة النبويــة بنــاء مســجد ألداء الصالة‬
‫يف وقتهــا وجعلــه ملتقــى يجتمــع فيــه المســلمون يتدارســون فيه أمــور دينهــم ودنياهم‪.‬‬
‫حــرص المصطفــى علــى إرســاء أســس قويــة لبنــاء مجتمــع داخلــي يســوده الوئــام‬
‫والتعــاون‪ ،‬وقــد ظهــرت آثارهــا جليــة‪ ،‬فســعى إلــى تأميــن دولتــه وســامة المجتمــع الواحــد‬
‫والــذي شــمل مهاجريــن وأنصــار ويهــود ونصــارى‪.‬‬
‫كانــت هــذه األســس التــي أقــام عليهــا الرســول محمــد ﷺ الدولــة يف المدينــة النبويــة‬
‫وبنــى عليهــا أول دســتور إســامي صيــغ يف صحيفــة المدينــة هتــدف إلــى تنظيــم العالقــات بيــن‬
‫أفــراد المجتمــع اإلســامي الواحــد وقــد اشــتملت علــى ( ‪ )47‬بنــدا‪.‬‬
‫قضــى الرســول صلــى اهلل عليــه وســلم بعــد وصولــه إلــى المدينــة علــى الخالفــات‬
‫والصراعــات القبليــة بيــن األوس والخــزرج وألــف بيــن قلوهبــم كمــا آخــى بيــن المهاجريــن‬
‫واألنصــار‪ ،‬وســاوى بينهــم يف الحقــوق والواجبــات والمعامــات‪.‬‬
‫كمــا عقــد النبــي الكريــم حلفــا مــع اليهــود المقيميــن يف المدينــة أقرهــم فيــه علــى دينهــم‬
‫وأمنهــم علــى أموالهــم مادامــوا محافظيــن علــى العهــود والمواثيــق‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫ب) املواجهات مع األعداء‪:‬‬


‫أذن اهلل للمسلميـــــــن بالقتـــــــال يف سبيــــــــل نشـــــر الدعــــوة فقــــــال تعـــــالى‪:‬‬
‫﴾ سورة الحج‪.‬‬ ‫﴿‬
‫كانــت قريــش تتابــع أخبــار المســلمين يف المدينــة‪ ،‬ســاعية بشــتى الوســائل لالنقضــاض‬
‫علــى الدولــة الفتيــة‪ ،‬وعملــت علــى تحريض القبائــل يف المدينــة وخارجها على قتال المســلمين‪،‬‬
‫كمــا منعــت المهاجريــن مــن دخــول مكــة المكرمــة وحالــت بينهــم وبيــن أمالكهــم وأموالهــم‪،‬‬
‫فــكان ذلــك داعيــا إلــى أن يــرد الرســول الكريــم ﷺ عدواهنــم وإيذائهــم للمســلمين‪ ،‬ولــذا قــرر‬
‫مواجهتهــم وصدهــم عــن كيدهــم ومكرهــم بالمســلمين‪.‬‬
‫كماعــزم الرســول ﷺ علــى وضــع حــد لمكائــد اليهــود ضــد المســلمين‪ ،‬الذيــن لــم‬
‫يحفظــوا العهــود والمواثيــق التــي عقدوهــا بينهــم وبيــن المســلمين يف المدينــة النبويــة‪.‬‬

‫ •غــزوات الرســول حممــد ﷺ لصــد كفــار قريــش ومنعهــم مــن ايــذاء‬


‫املســلمني‪:‬‬
‫بعــد أن اســتقر المســلمون يف المدينــة‪ ،‬بــدأ الرســول الكريــم ﷺ يحــث المســلمين علــى‬
‫األخــذ بأســباب القــوة والحيطــة مــن مكــر كفــار قريــش وإلــى التأهــب واالســتعداد لصدهــم‬
‫ومنعهــم مــن أن ينالــوا منهــم‪ ،‬فــكان عليــه الصــاة والســام يرســل الســرايا لالســتطالع ومعرفــة‬
‫أوضــاع المشــركين‪.‬‬
‫أخــرج رســول اهلل مــن المدينــة ســرية بقيــادة عبــد اهلل بــن جحــش ومعــه ثمانية رجــال من‬
‫المهاجريــن يف مهمــة محــددة لتقصــي أخبــار تحــركات المشــركين يف نخلــة بيــن مكــة والطائــف‬
‫وبينمــا هــم يف طريقهــم مــرت قافلــة لقريــش‪ ،‬فمــا كان مــن الســرية إال النيــل مــن المشــركين‬
‫وأصيــب عمــرو بــن الحضرمــي بســهم فقتلــه وأخــذوا أســيرين وقدمــوا هبمــا إلــى المدينــة النبويــة‬
‫بينمــا الذ الرابــع بالفــرار‪.‬‬
‫اتخــذ المكيــون مــن هــذه الحادثــة ذريعــة لتأليــب القبائــل ضــد المســلمين يف المدينــة‬
‫النبويــة‪ ،‬وحجتهــم يف ذلــك إن المســلمين ارتكبــوا جرمــا يف شــهر رجــب الحــرام عندمــا قتلــوا‬
‫عمــرو بــن الحضرمــي حليــف قريــش‪.‬‬
‫ولمــا كثــر الــكالم يف هــذه الحادثــة فــرج اهلل كــرب رســول اهلل والمســلمين فجــاء‬
‫الوحي بقوله تعالى‪﴿ :‬‬

‫‪16‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫﴾ ســورة البقــرة مــن اآليــة ‪.215‬‬


‫فأمــر رســول اهلل بــرد األســيرين إلــى قريــش بعــد أن دفعــوا فديتهمــا‪.‬‬

‫‪1.1‬غزوة بدر الكربى (‪ 2‬هـ ‪ 623 /‬م)‬


‫أذن رســول اهلل ﷺ للمســلمين بالخــروج لمقاتلــة كفــار قريــش‪ ،‬بعــد أن وصلتــه أخبــار‬
‫مــن مكــة تفيــد بخــروج أبــي ســفيان يف حوالــي التســعمائة رج ـاً أو يزيــد لمقاتلــة المســلمين‪،‬‬
‫وكان قــد نــزل بالعــدوة القصــوى مــن وادي بــدر‪.‬‬
‫خــرج الرســول الكريــم ﷺ مــن المدينــة النبويــة يف (التاســع مــن شــهر رمضــان الســنة‬
‫الثانيــة للهـــجرة ‪ 624 /‬م) ومعــه ثالثمائــة وأربعــة عشــر مــن المهاجريــن واألنصــار ويف صبيحــة‬
‫اليــوم الســابع عشــر مــن شــهر رمضــان نشــب القتــال بيــن المســلمين وكفــار قريــش‪ ،‬أحــرز‬
‫المســلمون نصــر ًا مــؤزر ًا و ُمنــي كفــار قريــش هبزيمــة نكــراء‪.‬‬
‫ئ‬
‫نتــا� املعركــة‪ :‬قتــل حوالــى ســبعين رجــا مــن القريشــيين منهــم‪ :‬رأس الفتنــة‬
‫ج‬
‫أبوجهــل عمــرو بــن هشــام‪ ،‬وأســر نحــو ســبعين رجــا مــن قريــش‪ ،‬واستشــهد أربعــة عشــر مــن‬
‫المســلمين‪.‬‬
‫أمــر رســول اهلل المســلمون بجمــع الغنائــم وســاوى بينهــم يف األعطيــات فقســمها‬
‫بالتســاوي بيــن المهاجريــن واألنصــار مــن األوس والخــزرج‪ ،‬وقبــل المســلمون الفــداء يف‬
‫األســرى مــن قريــش‪.‬‬
‫وكان لهــذا النصــر أثــر يف نفــوس المســلمين ارتفعــت فيــه رايــة اإلســام وأصبــح‬
‫للمســلمين مكانــة بيــن القبائــل العربيــة‪ ،‬كمــا تجلــى فيهــا تمســكهم بدينهــم واعتزازهــم بــه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫‪2.2‬غزوة أحد (‪ 3‬هـ‪ 624 /‬م)‪:‬‬


‫دوافهعا‪:‬‬
‫اجتمــع كــراء قريــش ممــن أصيــب آباؤهــم وأبناؤهــم وإخوهتــم يــوم بــدر بأبــي ســفيان‬
‫واتفقــوا علــى الثــأر لقتالهــم‪ ،‬وقــد خاطبــوا قريــش ‪ :‬يــا معشــر قريــش إن محمــدا قــد وتركــم‬
‫وقتــل خياركــم فآعينونــا هبــذا المــال علــى حربــه‪ ،‬فلعلنــا نــدرك منــه ثأرنــا بمــن أصــاب منــا ففعلوا‬
‫واجتمعــت قريــش لحــرب المســلمين بأحابيشــها ومــن أطاعهــا مــن قبائــل كنانــة وأهــل هتامــة‪.‬‬
‫خــرج كفــار قريــش ومــن معهــم مــن مكــة متجهيــن للمدينــة النبويــة‪ ،‬ونزلــوا بجبــل ببطن‬
‫الســبخة مــن قنــاة علــى شــفير الــوادي مقابــل المدينــة النبوية‪.‬‬
‫ولمــا ســمع الرســول ﷺ خــرج يف ســبعمائة رجــل وأمــر علــى الرمــاة عبــد اهلل بــن جبيــر‪،‬‬
‫وكان صاحــب اللــواء مصعــب بــن عميــر‪ ،‬ومــن الفرســان حمــزة بــن عبــد المطلــب وأبودجانــة‬
‫ســماك بــن خرشــة الســاعدي وعلــي بــن أبــي طالــب‪.‬‬
‫اســتعد المســلمون لقتــال كفــار قريــش ونظمــوا صفوفهــم وجعــل الرســول الكريــم ﷺ‬
‫الرمــاة علــى الجبــل وأوصاهــم بعــدم تــرك أماكنهــم مهمــا كانــت نتيجــة المعركــة‪ ،‬ومــع التحــام‬
‫الجيشــان اتبــع المســلمون خطــة الرســول ﷺ فــكان النصــر حليفهــم يف أول األمــر‪ ،‬إلــى أن‬
‫تمكــن كفــار قريــش مــن مباغثــة المســلمين‪ ،‬عندمــا تــرك الرمــاة أماكنهــم مخالفيــن بذلــك أوامــر‬
‫الرســول ﷺ‪.‬‬
‫انتهــزت قريــش الفرصــة وهاجمــت المســلمين مــن الخلــف فاضطربــت صفوفهــم‬
‫واختــل نظامهــم واستشــهد كثيــرون منهــم وعلــى رأســهم حمــزة عــم الرســول ﷺ واكتفــت‬
‫قريــش بذلــك وعــادت إلــى مكــة فرحــة تأمــل العــودة مــرة أخــرى للقضــاء علــى المســلمين يف‬
‫المدينــة‪.‬‬

‫‪3.3‬غزوة األحزاب (اخلندق) (‪ 5‬هـ‪ 626 /‬م)‬


‫الح النصــر لقريــش يف أحــد ممــا شــجعها علــى إعــداد مقاتليهــا لمواجهــة الرســول ﷺ‬
‫والقضــاء عليــه يف المدينــة وعقــدت ألجــل ذلــك التحالفــات مــع القبائــل المختلفــة لتحقيــق‬
‫هدفهــا‪.‬‬
‫علــم الرســول ﷺ والمســلمون بأمــر قريــش وخروجهــم لقتالهــم فعقــد المســلمون‬
‫مشــاورات عــدة‪ ،‬حيــث تــم تدبيــر خطــة جديــدة لــم تخطــر علــى بــال قريــش وحلفائهــا إذ قــام‬

‫‪18‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫الرســول ﷺ وأصحابــه بحفــر خنــدق شــمال المدينــة وقــد اشــرك بنفســه يف عمليــة الحفــر‪.‬‬
‫وصلــت قريــش وحلفاؤهــا يف عشــرة آالف مقاتــل وحاصــروا المدينــة فصرب المســلمون‬
‫لحصارهــم‪ ،‬كمــا أن اهلل جلــت قدرتــه أرســل ريحــا عاصفــة اقتلعــت خيامهــم وأجربهتــم علــى‬
‫رفــع الحصــار عــن المدينــة والعــودة إلــى مكــة خاســرين‪ .‬أحــرز المســلمون نصــر ًا مــؤزر ًا يف‬
‫غــزوة األحــزاب وفشــل كفــار قريــش يف فــرض الحصــار علــى المدينــة النبويــة‪.‬‬
‫وكان النصــر للمســلمين برعايــة مــن رهبــم وبفضــل مقــدرة الرســول ﷺ الحربيــة ومــا‬
‫أبــداه مــن تشــجيع للمســلمين علــى التحمــل والصــر ومجاهبــة األعــداء أثنــاء الحصــار‪.‬‬
‫وبعــد زوال الخطــر عــن المدينــة وهزيمــة األحــزاب وجــه الرســول ﷺ اهتمامــه‬
‫لمحاربــة يهــود بنــي قريظــة الذيــن نقضــوا العهــد الــذي كان بينهــم وبيــن المســلمين‪ .‬وتعهــدوا‬
‫فيــه باإلشــراك يف الدفــاع عــن المدينــة‪ ،‬وقــد أرســل الرســول ﷺ أثنــاء الحصــار مــن يتأكــد لــه‬
‫بأهنــم قــد نقضــوا عهدهــم فعــا‪ ،‬فمــا كان منهــم إال أن طلبــوا مــن الوفــد أن يعيــد الرســول ﷺ‬
‫يهــود بنــي النضيــر إلــى ديارهــم وكان الرســول ﷺ قــد أخرجهــم منهــا حيــن حاولوا قتلــه وأجاب‬
‫يهــود بنــي قريظــة الوفــد بأنــه “ال عهــد بيننــا وبيــن محمــد وال عقــد”‪.‬‬
‫رأى الرســول ﷺ أنــه البــد مــن مواجهــة الذيــن خانــوا العهــد وأرادوا الغــدر بالمســلمين‬
‫يف أشــد أوقــات محنتهــم‪ ،‬فمــا إن رحلــت جمــوع األحــزاب حتــى قــاد الرســول ﷺ غــزوة ضــد‬
‫بنــي قريظــة فحاصرهــم يف حصوهنــم لمــدة خمســة عشــر يومــا قبلــوا بعدهــا االستســام علــى‬
‫أن يحكــم يف أمرهــم ســعد بــن معــاذ وقبــل الرســول ﷺ بحكمــه‪ ،‬فحكــم بقتــل رجالهــم وســبي‬
‫نســائهم وأطفالهــم وســلب أموالهــم لغدرهــم وخيانتهــم‪.‬‬

‫‪4.4‬اهلدنة مع قريش (صلح احلديبية) (‪ 6‬هـ‪ 627 /‬م)‬


‫انتقــل المســلمون بعــد غــزوة الخنــدق مــن مرحلــة الصمــود إلــى مرحلــة االنطــاق‪،‬‬
‫واســتطاع الرســول ﷺ يف الســنة التاليــة لهــذه الغــزوة نشــر دعوتــه خــارج المدينــة‪ ،‬وعــزم علــى‬
‫الخــروج وأصحابــه قاصديــن مكــة للعمــرة وعنــد مشــارفها‪ .‬وقــف الكفــار مــن قريــش يف طريقــه‬
‫فأرســل عثمــان بــن عفان لمعرفة ســبب معارضتهــم ومنعهم إياه مــن زيارة الكعبــة‪ ،‬وتأخر عثمان‬
‫يف العودة إلى الرســول ﷺ وحينئذ اســتعد الرســول ﷺ لقتال قريش وبايعه المسلمون على ذلك‬
‫‪ :‬كمــا جاء يف قوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة الفتــح‪ ،‬وســميت هــذه البيعــة بيعــة‬
‫الرضوان‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫وعندمــا علمــت قريــش بذلــك أرســلت وفــدً ا إلــى الرســول ﷺ للمفاوضــات بعــد‬
‫عــودة عثمــان بــن عفــان‪ ،‬وتــم االتفــاق علــى عقــد هدنــة بيــن الطرفيــن لمــدة عشــر ســنوات وهــي‬
‫المعروفــة بصلــح الحديبيــة ومــن أهــم شــروطها‪:‬‬
‫مسلما من قريش بدون إذن من وليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪1.1‬أن يرد الرسول ﷺ من يأتيه‬
‫‪2.2‬ال تلتزم قریش برد من يأتيها من عند الرسولﷺ‪.‬‬
‫‪3.3‬عــودة الرســول ﷺ إلــى المدينــة دون أداء العمــرة والعــودة يف العــام التالــي ألدائهــا‬
‫فيدخــل مــع أصحابــه مكــة لمــدة ثالثــة أيــام‪.‬‬
‫‪4.4‬أال يحارب أحد الطرفين حلفاء الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫ج) االتصاالت اخلارجية‪:‬‬


‫يعتــر صلــح الحديبيــة نقطــة تحــول رئيســة يف تاريــخ المســلمين فقــد اعرتفــت قريــش‬
‫بزعامــة الرســول ﷺ السياســية بيــن العــرب‪ ،‬ووعــدت بفتــح مكــة للمســلمين يف العــام القــادم‬
‫ليــؤدوا العمــرة‪ ،‬كمــا أتــاح هــذا الصلــح للرســول الكريــم ﷺ أن يخطــو خطــوات جديــدة يف‬
‫ســبيل نشــر اإلســام وتبليــغ الدعــوة إلــى كافــة النــاس داخــل الجزيــرة وخارجهــا فخرجــت‬
‫البعــوث تحمــل كتبــه إلــى کســری فــارس وقيصــر الــروم والمقوقــس عظيــم القبــط يف مصــر‬
‫والنجاشــي ملــك الحبشــة‬
‫سرية مؤتة (‪ 8‬هـ‪ 629 /‬م)‬
‫أرســل النبــي الكريــم ﷺ الحــارث بــن عميــر األزدي إلــى الغساســنة ومعــه كتــاب مــن‬
‫رســول اهلل يدعوهــم إلــى اإلســام‪ ،‬فقتلــوه يف أرض معــان‪.‬‬
‫ولمــا علــم رســول اهلل هبــذه الحادثــة جهــز ســرية يتقدمهــا زيــد بــن الحــارث ثــم جعفر بن‬
‫أبــي طالــب ثــم عبــد اهلل بــن رواحــة‪ ،‬وأمرهــم بالتوجــه لتخــوم بــاد الشــام لمحاربــة البيزنطييــن‬
‫وحلفائهــم من الغساســنة‪.‬‬
‫كان هرقــل قيصــر الــروم قــد أعــد جيــش جــرار لقتــال المســلمين‪ ،‬حيــث قــدم يف مائــة‬
‫ألــف مــن المحاربيــن نــزل هبــم يف مــآب مــن أرض البلقــاء‪ ،‬وانضــم إليــه عــرب مــن الغساســنة يف‬
‫بــاد الشــام‪.‬‬
‫أحــداث املعركــة‪ :‬ســار المســلمون حتــى إذا وصلــوا تخــوم البلقــاء فاجأهــم هرقــل‬
‫وجموعــه بقريــة يقــال لهــا مؤتــة بيــن بــاد الشــام والحجــاز‪ ،‬وفيهــا اقتتــل المســلمون والــروم‪،‬‬
‫فقتــل قــادة الحملــة زيــد و جعفــر وعبــد اهلل‪.‬‬
‫اســتطاع خالــد بــن الوليــد الخــروج بالجيــش اإلســامي مــن أرض المعركــة والعــودة‬
‫هبــم إلــى المدينــة‬
‫نتا�هــا‪ :‬لــم تســتطع الحملــة تثيبــت أقدامهــا يف المنطقــة‪ ،‬إال أهنــا كانــت فاتحــة‬
‫ئج‬
‫المواجهــة بيــن المســلمين والبيزنطييــن علــى مشــارف بــاد الشــام‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫الدروس املستفادة‬
‫خــاض الرســول ﷺ الحــروب ضــد كفــار قريــش إلعــاء كلمــة ال الــه إال اهلل وحــده‬
‫ال شــريك لــه‪.‬‬
‫اظهــر الرســول الكريــم ﷺ والمســلمين شــجاعة وعزيمــة يف مناكفــة المشــركين مــن‬
‫كفــار مكــة واليهــود يف المدينــة النبويــة ومنعهــم مــن النيــل منهــم بعــد هجرهتــم إليهــا‪.‬‬

‫فتح مكة (‪ 8‬هـ‪ 629 /‬م)‬


‫جــاء بعــد نقــض كفــار مكــة لصلــح الحديبيــة بإغارهتــم علــى قبيلــة مواليــة للمســلمين‪،‬‬
‫فاســتنجدت هــذه بالرســول ﷺ وحاولــت قريــش تــدارك األمــر قبــل وقــوع الحــرب مــع‬
‫ـاول مقابلــة الرســول ﷺ ولكنــه فشــل يف مهمتــه‬ ‫المســلمين‪ ،‬فذهــب أبــو ســفيان إلــى المدينــة محـ ً‬
‫وهكــذا لــم يعمــر صلــح الحديبيــة أكثــر مــن ســنتين‪.‬‬
‫خــرج الرســول ﷺ إلــى مكــة يف عشــرة االف مــن المســلمين وتمكــن مــن دخولهــا دون‬
‫قتــال وأعلــن «أن مــن دخــل بيــت أبــي ســفيان فهــو آمــن ومــن أغلــق عليــه بابــه فهــو آمــن ومــن‬
‫دخــل المســجد فهــو آمــن» وطــاف حــول الكعبــة وحطــم األصنــام وأمــر بإزالــة التماثيــل مــردد ًا‬
‫﴾ (ســورة االســراء)‪،‬‬ ‫قولــه تعالــى‪﴿ :‬‬
‫وخاطــب کفــار قریــش‪« ،‬مــا تظنــون أين فاعــل بكــم» قالــوا ‪ :‬خيــر ًا أخ کریــم وابــن أخ كريــم‪،‬‬
‫قــال‪« :‬اذهبــوا فأنتــم الطلقــاء»‪.‬‬
‫أثر فتح مكة (عام الوفود)‪:‬‬
‫كان فتــح مكــة مــن العوامــل المهمــة التــي ســاعدت علــى انتشــار اإلســام يف أنحــاء‬
‫الجزيــرة العربيــة وحضــرت الوفــود إلــى المدينــة معلنــة إســامها‪ ،‬وبذلــك أصبحــت الجزيــرة‬
‫العربيــة مهــدا للدولــة اإلســامية التــي شــملت أجــزاء واســعة مــن العالــم فيمــا بعــــــــــــد‪،‬‬
‫وصــدق اهلل إذ يقول‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة النصــر‪.‬‬
‫غزوة حنني (‪ 8‬هـ‪ 629 /‬م)‬
‫بعــد فتــح مكــة علــم النبــي أن قبيلتــي هــوازن وثقيفــا تعــدان العــدة لحــرب المســلمين‬

‫‪22‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫فســار إليهمــا يف جيــش بلــغ اثنــي عشــر الفــا لمحاربتهما‪ ،‬وقــد أغرت المســلمين كثرهتــم وكادت‬
‫الهزيمــة أن تحيــط هبــم ولكــن ثبــات النبــي ﷺ وأصحابــه وإصــراره علــى تحقيــق النصــر كان‬
‫عامــل يف هزيمــة خصومــه‪ ،‬ثــم ســار بعدهــا لحصــار ثقيــف حلفــاء هــوازن يف الطائــف فحاصرهــا‬
‫وحــاول دخولهــا ثــم فضــل اإلنســحاب علــى أن يعــود لحصارهــا بعــد األشــهر الحــرم مــن جديــد‬
‫ويف الطريــق إلــى مكــة وفــدت هــوازن علــى النبــي وأســلمت واســردت ســباياها‪.‬‬
‫نشر الدعوة اإلسالمية خارج شبه اجلزيرة‪:‬‬
‫بــدأ الرســول ﷺ يف نشــر الدعــوة اإلســامية وتنظيــم الشــؤون الداخليــة يف المدينــة‬
‫النبويــة وأصبــح االتصــال ســهالً مــع بــاد العــرب الجنوبيــة‪ ،‬كان قــد حضــر وفــد مــن بــاد اليمــن‬
‫إلــى المدينــة واعتنــق اإلســام كمــا اتصــل بحــكام البحريــن ومصــر والشــام والفــرس فمنهــم مــن‬
‫أغلــظ القــول ومنهــم مــن رد ردا جميــا مثــل المقوقــس حاكــم مصــر الــذي أرســل هدايــاه إلــى‬
‫الرســول ﷺ‪.‬‬
‫غزوة تبوك ( ‪ 9‬هـ ‪ 630 /‬م)‪:‬‬
‫بعــد عــودة الرســول ﷺ إلــى المدينــة علــم أن الــروم قــد تجمعــوا علــى حــدود فلســطين‬
‫لقتــال المســلمين ومعهــم بعــض القبائــل العربيــة فدعــا المســلمين لمواجهتهــم وخــرج بالجيــش‬
‫يف طريــق الشــام وفضــل البيزنطييــن االنســحاب بينمــا تابــع النبـ ّـي ﷺ طريقــه إلــى تبــوك التــي‬
‫أقــام فيهــا أيامــا فصالحــه أهلهــا وجاءتــه الوفــود مــن أيلــة وغيرهــا وصالحــوه علــى دفــع الجزيــة‪،‬‬
‫ثــم عــاد الرســول ﷺ إلــى المدينــة وكانــت هــذه الغــزوة آخــر غــزوات النبــي ﷺ‬
‫حجة الوداع (‪ 10‬هـ ‪ 631 /‬م)‪:‬‬
‫خــرج الرســول ﷺ إلــى الحــج مــع أكثــر مــن مائــة ألــف مــن المســلمين وعنــد جبــل‬
‫عرفــات ألقــى الرســول ﷺ خطبتــه الخالــدة التــي تعتــر دســتور للدولــة اإلســامية‪ ،‬نــادي فيهــا‬
‫بالمســاواة بيــن البشــر‪ ،‬كمــا ب َّيــن فيهــا قواعداإلســام ‪« :‬يأيهــا النــاس إن ربكــم واحــد وإن أباكــم‬
‫واحــد كلكــم آلدم وآدم مــن تــراب‪ ،‬إن أكرمكــم عنــد اهلل أتقاكــم‪ ،‬ال فضــل لعربــي علــى عجمــي‬
‫إال بالتقــوى أال هــل بلغــت‪ ،‬اللهــم فاشــهد»‪.‬‬
‫وقــد نزلــت أثنــاء حجــة الــوداع اآليــة الكريمــة‪﴿ :‬‬
‫﴾ (ســورة المائــدة مــن اآليــة ( ‪.))4‬‬
‫واتضــح منهــا أن اإلســام قــد اكتملــت أركانــه وأن الرســول ﷺ قــد أدى األمانــة وبلــغ‬

‫‪23‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫الرســالة وكانــت كذلــك نذيــر ًا بقــرب انتهــاء أجــل الرســول ﷺ‪.‬‬

‫غزوات الرسول حممد ﷺ (األمساء باللون األمحر)‬

‫‪24‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫غزوات الرسول حممد ﷺ وتوارخيها‬


‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬ ‫هجرية‬
‫غزوة‬
‫غزوة‬ ‫غزوة بني‬ ‫غزوة ذي غزوة بني‬ ‫غزوة‬
‫غزوة خيرب غزوة مؤتة‬ ‫دومة‬
‫تبوك‬ ‫لحيان‬ ‫النضير‬ ‫أمر‬ ‫ودان‬
‫الجندل‬

‫غزوة‬
‫غزوة غزوة ذات غزوة غزوة ذي‬ ‫غزوة‬
‫فتح مكة‬ ‫عمرة‬
‫قرد‬ ‫الرقاع الخندق‬ ‫بحران‬ ‫بواط‬
‫القضاء‬

‫غزوة‬ ‫غزوة بدر غزوة بني صلح‬ ‫غزوة‬


‫غزوة أحد‬
‫حنين‬ ‫قريظة الحديبية‬ ‫اآلخرة‬ ‫العشيرة‬

‫غزوة‬
‫غزوة‬ ‫غزوة بني‬ ‫غزوة بدر‬
‫حمراء‬
‫الطائف‬ ‫المصطلق‬ ‫األولى‬
‫األسد‬

‫غزوة بدر‬
‫الكربى‬

‫غزوة بني‬
‫سليم‬

‫غزوة بني‬
‫قينقاع‬

‫غزوة‬
‫السويق‬

‫‪25‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫وفاة الرسول ﷺ‬
‫بعــد مضــي ثالثــة أشــهر علــى حجــة الــوداع‪ ،‬مــرض الرســول الكريــم ﷺ بالحمــى‬
‫فأســتأذن نســاءه أن يتمــرض يف بيــت أم المؤمنيــن عائشــة فـ َـأ ِذن لــه‪ .‬ولمــا رأى شــدة المــرض‬
‫خــرج إلــى أصحابــه فصعــد المنــر وقــال‪« :‬يامعشــر المهاجريــن اســتوصوا باألنصــار خيــرا فــإن‬
‫النــاس يزيــدون وإن األنصــار علــى هيبتهــا التزيــد وإهنــم كانــوا عيبتــي التــي آويــت إليها فأحســنوا‬
‫إلــى محســنهم وتجــاوزوا عــن مســيئهم»‪ ،‬وأمــر أبابكــر الصديــق أن يصلــي هبــم مــدة مرضــه‪.‬‬
‫ويف يــوم األثنيــن ( ‪ ،12‬ربيــع األول‪ 11 ،‬هـــ‪ ،8 /‬يونيــو‪ 633 ،‬م)‪ ،‬انتقــل النبــي الكريــم‬
‫إلــى الرفيــق األعلــى وهــو يف ســن الثالثــة والســتين ودفــن ببيتــه بالمدينــة النبويــة‪ ،‬بعــدأن أدى‬
‫األمانــة وبلــغ الرســالة وأخــرج النــاس بــإذن ربــه مــن ظلمــات الجاهليــة إلــى نــور اإلســام‪.‬‬
‫أعلــن أبــو بكــر الصديــق خــر وفــاة خاتــم األنبيــاء‪ ،‬فخــرج للنــاس وهــم مجتمعــون‬
‫قائــا‪« :‬أيهــا النــاس مــن كان يعبــد محمــدً ا فــإن محمــدً ا قــد مــات ومــن كان يعبــد اهلل فــإن اهلل حــي‬
‫اليمــوت ثــم تــا اآليــة الكريمةمــن ســورة آل عمــران‪﴿ :‬‬

‫﴾» ســورة آل عمــران‪.‬‬


‫اجتماع األنصار إلختيار خليفة للمسلمني يف سقيفة بين ساعدة‪:‬‬
‫وجــد المســلمون أنفســهم بعــد وفــاة محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم يف حيــرة شــديدة مــن‬
‫أمرهــم وكادت أن تــدب الفرقــة بيــن صفوفهــم‪ ،‬إذ اجتمــع األنصــار يف ســقيفة ســعد بــن عبــادة‬
‫مــن بنــي ســاعدة وأرادوا مبايعتــه؛ وبحضــور صحابــة رســول اهلل أبــو بكــر وعمــر تداركــوا األمــر‬
‫وأوجــدوا نظامــا جديــدا يقــوم علــى اختيــار خليفــة لرســول اهلل فاختــاروا أبــا بكــر الصديــق أول‬
‫خليفــة للمســلمين‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫مظاهر احلياة اإلسالمية يف عهد الرسول ﷺ‬

‫عهد النب ّوة‬


‫ال� قضاها حممد ﷺ ب ج�ميع مراحلها الدعوية‬ ‫هعد النبوة هو ت‬
‫الف�ة ت‬
‫ي‬
‫وع� ي ن� سنة‪.‬‬‫والهادية ثالثة ش‬
‫ج‬

‫ •املظاهر السياسية‪:‬‬
‫جمــع الرســول ﷺ بيــن الســلطتين الدينيــة واألمــور الدنيويــة‪ ،‬فإلــى جانــب مســؤوليته‬
‫علــى رعايــة المســلمين يف دولتهــم الفتيــة‪ ،‬كان عليــه الصــاة والســام يقــود الجيــوش‬
‫ويرســل الســرايا ألرض العــدو‪ ،‬ويــذود عــن حمــی المســلمين‪ ،‬ويفصــل يف الخصومــات بيــن‬
‫المتخاصميــن‪ ،‬وحــرص علــى تقويــة الدولــة مــن الداخــل وتأميــن ســامة العالقــات بيــن أفــراد‬
‫المجتمــع اإلســامي‪ ،‬فســن دســتورا للمدينــة النبويــة مــن خالل ما يســمى بــــ "صحيفــة المدينة"‪،‬‬
‫الــذي حــدد فيهــا العالقــة بيــن المســلمين واليهــود‪ .‬ومــن دوافــع بنــود هــذه الصحيفــة‪:‬‬
‫ •الدفاع عن الدعوة اإلسالمية‪.‬‬
‫ •حمايــة مجتمــع المدينــة النبويــة فجعلــت مــن المهاجريــن واألنصــار أمــة واحــدة‬
‫ملتزميــن بحــدود اإلســام‪.‬‬
‫ •إلزام اليهود بمواالة المسلمين وعدم التآمر عليهم‪.‬‬
‫ •التضامن بين المسلمين واليهود لر ّد العدوان عن المدينة‪.‬‬
‫ •مسالمة اليهود ماداموا يراعون بنود الصحيفة‪.‬‬
‫ •أي خالف مر ّده إلى الرسول ﷺ‪.‬‬
‫ •املظاهر االجتماعية‪:‬‬
‫ســاوى بيــن جميــع أفــراد المجتمــع فقامت سياســة الرســول ﷺ على مؤازرة المســلمين‬
‫بعضهــم البعــض‪ ،‬فشــد أزر المهاجرين بمؤاخاهتم مــع األنصار‪.‬‬
‫أثــرت الدعــوة اإلســامية يف الحيــاة االجتماعيــة للعــرب حيــث قضــت علــى العــادات‬
‫الســيئة كشــرب الخمــر ووأد البنــات ووضعــت األســس لتنظيــم المجتمــع علــى هــدي مــن‬

‫‪27‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫اآليــات القرآنيــة الكريمــة التــي كانــت تنــزل تباعــا لمعالجــة وتنظيــم المجتمــع‪ .‬ومــا تــم يف هــذا‬
‫المجــال‪:‬‬
‫ ‪ .‬أتنظيــم المعامــات والعالقــات بيــن األفــراد‪ ،‬فقــد حــرم اإلســام ســفك الدمــاء‬
‫واألخــذ بالثــأر ووضــع القوانيــن لتوقيــع القصــاص‪.‬‬
‫ ‪ .‬بحــرم الربــا وأكل أمــوال النــاس بالباطــل ووضــع القواعــد العامــة لتنظيــم عمليــات‬
‫البيــع والشــراء والديــون‪.‬‬
‫ ‪ .‬جاهتــم باألســرة فوضــع قانــون الــزواج والطــاق والنفقــة وأوضــح أهميــة صلــة‬
‫الرحــم وزيــارة األقــارب والتمســك بالفضائــل والوفــاء بالعهــد‪.‬‬
‫ ‪ .‬دقــرر اإلســام المســاواة بيــن النــاس مهمــاكان جنســهم ودينهــم ولوهنــم‪ ،‬فســوى‬
‫بينهــم يف الحقــوق والواجبــات كمــا حــرم االســرقاق وفتــح المجــال أمــام األرقــاء‬
‫الســرداد حرياهتــم ســواء بالعتــق أو الكفــارة أو غيــر ذلــك‪.‬‬

‫ •املظاهر االقتصادية‪:‬‬
‫اعتمــد الرســول الكريــم ﷺ علــى التجــارة وحــرص علــى إقامــة ســوق خــاص‬
‫بالمســلمين‪ ،‬تمــارس فيــه كافــة المعامــات التجاريــة وفــق التعاليــم اإلســامية‪ ،‬والــذي أصبــح‬
‫عنصــر أساســي يف إقامــة وإنشــاء المــدن اإلســامية‪ ،‬كمــا شــجع الزراعــة يف المناطــق التــي تتوفــر‬
‫فيهــا المــاء والرتبــة المناســبة‪.‬‬
‫ •املظاهر اإلدارية يف عهد الرسول‪:‬‬
‫كان الرســول ﷺ يشــرف بنفســه علــى كافــة األمــور التــي تخــص حيــاة النــاس ويف حــال‬
‫خروجــه مــن المدينــة ألمــر مــا كان يســتخلف مــن ينــوب عنــه‪.‬‬
‫أرســى الرســول الكريــم نــواة للجهــاز اإلداري والمالــي وشــؤون السياســة الداخليــة‬
‫والخارجيــة‪.‬‬
‫كلــف الرســول محمــد ﷺ عــدد مــن الكتبــة بتدويــن وكتابــة الوقائــع‪ ،‬وخاصــة تلــك‬
‫التــي كان يرســلها إلــى الملــوك ورؤســاء األجنــاد لتبليــغ رســالة اإلســام‪.‬‬
‫كمــا وضــع خاتــم الرســول ﷺ عليهــا لتكــون وثيقــة يعتــدّ هبــا وتحــدد بموجبهــا‬
‫المســؤولية‪ ،‬وقــد وصــل عــدد الكتــب والمواثيــق والمعاهــدات التــي أمــر هبــا الرســول ﷺ‬

‫‪28‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫وأشــرف عليهــا ‪ 246‬كتابــا‪ ،‬والهــدف هــو إقامــة العالقــات والتبــادل التجــاري والدعــوة إلــى‬
‫اإلســام‪ ،‬وتأميــن الطــرق التجاريــة‪.‬‬
‫حــرص علــى تكليــف أشــخاص بكتابــة الوحــي والرســائل والمعاهــدات وكافــة‬
‫المعامــات‪.‬‬
‫ •املظاهر العلمية‪:‬‬
‫دعــا اإلســـــــــــام إلــى التعلـــــم والتدبــــــر والتفكــــر‪ ،‬وامتثاـــا لقولــه تعالــى‪:‬‬
‫﴾ من سورة المجادلة آية ‪.11‬‬ ‫﴿‬
‫كمــا حــث الرســول الكريــم ﷺ المســلمين علــى طلــب العلــم‪ ،‬وجعــل درجــة طالــب‬
‫العلــم تفــوق درجــة العابــد‪ ،‬ولذلــك أمــر نبــي الرحمــة المســلمين تعلــم القــراءة والكتابــة‪ ،‬فقــد‬
‫جعــل فــداء أســرى بــدر مــن الكفــار تعليــم أبنــاء المســلمين‪ ،‬وبنيــت بالمدينــة النبويــة دار للقــراء‪،‬‬
‫فقــد نــزل فيهــا مصعــب بــن عميــر األزدي‪ ،‬وأمــر زیــد بــن ثابــت األنصــاري وغيــره من المســلمين‬
‫علــى تعلــم لغــات غيرهــم مــن األمــم حتــى العربيــة‪.‬‬
‫ •املظاهر العمرانية‪:‬‬
‫لــم يبــن الرســول الكريــم ﷺ أي مدينــة‪ ،‬ولكنــه حــرص علــى تنظيــم يثــرب والتــي‬
‫ســميت بعــد وصــول الرســول ﷺ إليهــا بمدينــة رســول اهلل ﷺ فبنــى فيهــا مســجد واســتحدث‬
‫ســوق تتــم فيــه كافــة المعامــات التجاريــة‪ ،‬وبنــي المســلمون بيــوت قريبــة مــن مســجد قبــاء يف‬
‫المدينــة النبويــة‪.‬‬
‫وأعيــد تنظيــم طــرق ومســالك المدينــة النبويــة‪ ،‬وقــام بتحديــد حــرم المدينــة وجعلــه‬
‫حرمــا أمنــا‪ ،‬وقــد ضمــن ذلــك يف الصحيفــة التــي جــاء فيهــا «وأن يثــرب حــرام جوفهــا»‪ ،‬كمــا‬
‫عمــل علــى تأميــن حاجــة المدينــة مــن المــاء‪ ،‬فقــد كان البئــر الــذي تشــرب منــه النــاس ملــكا‬
‫ليهــودي وال يســمح ألحــد بالشــرب منــه إال بمقابــل‪ ،‬فاشــراه عثمــان بــن عفــان بمالــه مــن‬
‫اليهــودي‪ ،‬وجعلــه وقفــا علــى المســلمين‪.‬‬
‫ •املظاهر العسكرية‪:‬‬
‫لــم يكــن للمســلمين نظــام خــاص بالجنديــة‪ ،‬بــل كانــوا يهبــون للدفــاع عــن أنفســهم‬
‫مشــاة وفرســانا وأســلحتهم بســيطة وهــي الســيف والرمــاح والســهام والــدروع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫وأن أهــم عمــل حربــي مســتحدث خــاف األســاليب الحربيــة القديمــة هــو مــا قــام بــه‬
‫الرســول ﷺ للدفــاع عــن المدينــة وحمايــة المســلمين مــن حفــر خنــدق قبــل غــزوة األحــزاب‪،‬‬
‫فقــد أشــار ســلمان الفارســي علــى الرســول ﷺ بحفــر خنــدق حــول المدينــة لحمايتهــا‪ ،‬وكان لــه‬
‫دور أساســي يف منــع تقــدم كفــار قريــش واقتحامهــا‪.‬‬
‫واتخــذ الرســول ﷺ معســكرات لجنــده خــارج المدينــة النبويــة‪ ،‬مثــل معســكر الجــرف‬
‫الــذي يبعــد عــن المدينــة بثالثــة أميــال يف الشــمال‪ ،‬وهــو الــذي عســكر فيــه أســامة بــن زيــد عندمــا‬
‫أرســله إلــى بــاد الشــام‪ ،‬ثــم عــاد إليــه وخــرج منــه بعــد وفاةالنبــي ﷺ‪.‬‬

‫الدروس املستفادة من حياة الرسول ﷺ‬


‫‪1.1‬حياة الرسول ﷺ مثل أعلى‪:‬‬
‫حكيمــا‪ ،‬ذا رأي صائــب ســديد وفكــر ثاقــب‪،‬‬‫ً‬ ‫كان الرســول صلــى اهلل عليــه وســلم‬
‫ظهــرت مهارتــه يف التأليــف بيــن قلــوب األوس والخــزرج وتوحيــد القبائــل العربية يف أمــة واحدة‬
‫متماســكة متعاونــة‪ ،‬وقــد كانــت حياتــه ﷺ حافلــة باألمثلــة والــدروس يف اإليمــان واألخــاق‬
‫الفاضلــة والمعاملــة ونكــران الــذات ومــن ذلــك‪:‬‬
‫ال ي�ــان والعــزم‪ :‬لــم يثنــه عــن إكمــال رســالته إيــذاء قريــش لــه أو معارضتهــم‪،‬‬ ‫‪ 1)1‬إ‬
‫كمــا لــم تؤثــر فيــه الوعــود التــي قطعهــا المشــركون علــى أنفســهم لــو أنــه أقلــع عــن‬
‫دعوتــه‪ ،‬بمنحــه المــال والجــاه والســلطان بــل اســتمر يف إبــاغ رســالته حتــى كتــب‬
‫اهلل لــه النصــر المبيــن‪.‬‬
‫رحيمــا بأصحابــه شــديدً ا علــى أعدائــه ولــم ينقــض عهــدً ا قط ًعــا ولــم يبــدأ‬
‫ً‬ ‫‪2)2‬كان ﷺ‬
‫أحــدً ا بالعــداوة وكان شــديد البــأس يف حربــه قــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة‬
‫التوبــة اآليــة ( ‪)129‬‬
‫‪3)3‬عمــل ﷺ علــى المؤاخــاة بيــن المهاجريــن واألنصــار لتوحيــد صفوفهــم كمــا أخــذ‬
‫العــدل أساســا ومبــدأ انطالقــا مــن تعاليــم اإلســام وبذلــك أصبــح المســلمون صفًا‬
‫واحــد ًا كالبنيــان المرصــوص فــكان لهــم النصــر علــى أعدائهــم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫كان ﷺ يتمســك بمبــدأ الشــورى‪ ،‬فقــد كان يستشــير أصحابــه يف كل أمــر قائــا لهــم إنمــا‬
‫أنــا بشــر مثلكــم‪ ،‬وليــس أدل علــى ذلــك مــن موقفــه يف غــزويت بــدر واألحــزاب متمثــا بقولــه‬
‫﴾ ســورة آل عمــران مــن اآليــة ( ‪.)159‬‬ ‫تعالــى‪﴿ :‬‬
‫‪2.2‬اإلميان والوالء لإلسالم وعقيدته ‪:‬‬
‫عرفنــا أن الوثنيــة كانــت الديانــة الرئيســة للعــرب قبــل اإلســام لذلــك امتــأت‬
‫الكعبــة باألصنــام التــي بلــغ عددهــا حوالــي ( ‪ )360‬صنمــا للقبائــل المختلفــة وعلــى‬
‫رأســهم (الــات والعــزى وهبــل) وإلــى جانــب الوثنيــة كديــن ســائد وجــدت أديــان‬
‫أخــرى مثــل اليهوديــة يف اليمــن ويثــرب والمســيحية يف شــمال بــاد العــرب‪ ،‬وبــدأت‬
‫الدعــوة اإلســامية يف وســط هــذه الديانــات المتعــددة تدعــوا إلــى وحدانيــة اهلل تعالــى‪:‬‬
‫﴾ (ســورة‬ ‫﴿‬
‫االخــاص)‪ ،‬والقضــاء علــى الوثنيــة والشــرك بــاهلل‪ ،‬وتحمــل المســلمون التعذيــب يف ســبيل‬
‫دينهــم ودعوهتــم أمثــال آل ياســر وبــال وغيرهــم‪.‬‬
‫كانــت هجــرة المســلمين إلــى الحبشــة ويثــرب‪ ،‬ثــم بــدأت الغــزوات وانتهــت بفتــح مكة‬
‫ولــم تمــض فــرة طويلــة حتــى زالــت الوثنيــة مــن الجزيــرة العربيــة وانتشــرت الوحدانيــة داخلهــا‬
‫وخارجهــا نحــو الشــام ومصــر وشــمال إفريقيــا وغيرهــا‪.‬‬
‫وهكــذا حــارب اإلســام الوثنيــة حتــى قضــى عليهــا وأصبحــت كلمــة اهلل هــي العليــا‬
‫وأصبــح اإلســام عقيــدة معظــم ســكان الجزيــرة العربيــة عنــد وفــاة الرســول ﷺ‪.‬‬
‫‪3.3‬الشـــــوری‪:‬‬
‫اعتمــدت الحيــاة السياســية للعــرب قبيــل اإلســام علــى النظــام القبلــي فــكان لــكل قبيلة‬
‫تنظيــم سياســي مســتقل‪ ،‬لذلــك قامــت الحــروب بيــن القبائــل علــى مــوارد الميــاه والمراعــي‪،‬‬
‫كمــا خضعــت بعــض المناطــق العربيــة لالحتــال مــن قبــل قــوى أجنبيــة مــن خــارج شــبه‬
‫الجزيــرة العربيــة‪ ،‬مثــل األحبــاش ثــم الفــرس الذيــن ســيطروا علــى اليمــن كمــا ســيطر الفــرس‬
‫والــروم علــى القبائــل العربيــة يف الشــام والعــراق وغيرهــا‪ ،‬ولكــن بعــد ظهــور اإلســام وهجــرة‬
‫الرســول ﷺ بــدأ يف بنــاء مجتمــع جديــد منظــم‪ ،‬فوحــد بيــن األوس والخــزرج يف المدينــة‬
‫ورســخ مبــدأ الوحــدة بيــن القبائــل العربيــة المتفرقــة وحطــم النزعــة القبليــة وقــوى روابــط‬
‫﴾ سورة األنبياء‪.‬‬ ‫األخوة قال تعالى‪﴿ :‬‬

‫‪31‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫وبعــد وفــاة الرســول ﷺ حــدث فــراغ كبيــر يف قيــادة المســلمين فقــد كان ﷺ القائــد‬
‫والمفكــر السياســي والمنظــم ألمــور المســلمين يرجعــون إليــه يف جميــع أمــور حياهتــم السياســية‬
‫واالجتماعيــة واالقتصاديــة التــي كان يبــث فيهــا بنــاء علــى مــا تمليــه عليــه التعاليــم اإلســامية وما‬
‫﴾ ســورة النجــم‪.‬‬ ‫يأمــره بــه اهلل قــال تعالــى‪﴿:‬‬
‫فلمــا تــويف ﷺ أوجــدوا نظامــا جديــدً ا لتســيير شــؤون المســلمين أطلقــوا عليــه اســم‬
‫(الخالفــة) واختــاروا بعــد تشــاور أبابكــر الصديــق أول خليفــة للمســلمين‪ ،‬فالحكــم يف اإلســام‬
‫﴾ ســورة الشــورى مــن‬ ‫يقــوم علــى مبــدأ الشــورى ممثــا يف قولــه تعالــى‪﴿ :‬‬
‫اآليــة ( ‪.)38‬‬

‫‪32‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لسإلا روهظ ‪:‬لوألا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬سأذكر أسباب كل ما يأيت‪:‬‬
‫أمعارضة قريش للدعوة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ )‬
‫ ) بهجرة الرسول ﷺ إلى المدينة النبوية‪.‬‬
‫سس‪2‬ساكتب باختصار عن‪:‬‬
‫أغزوة الخندق‪.‬‬ ‫ )‬
‫ ) بغزوة تبوك‪.‬‬
‫سس‪3‬سبدأ الرسول ﷺ دعوته يف تكتم شديد وسرية تامة‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬
‫سس‪4‬ستكلم عن صلح الحديبية والنتائج المرتتبة عنه‪.‬‬
‫سس‪5‬سضع عالمة (‪ )‬أو (‪ )‬أمام العبارات التالية‪:‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫أانتصر المسلمون يف غزوة بدر‪ .‬‬ ‫ )‬
‫)‬ ‫(‬ ‫ ) بكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال‪ .‬‬
‫ ) جعارض أهل الطائف الدعوة اإلسالمية عندما دعاهم الرسول ﷺ‬
‫)‬ ‫(‬ ‫إليها‪ .‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫ ) دأمر الرسول ﷺ أصحابه بالهجرة إلى الحبشة‪ .‬‬
‫سس‪6‬سناقش ما يأيت‪:‬‬
‫أالعدالة االجتماعية يف اإلسالم‪.‬‬ ‫ )‬
‫ ) بالشوري‬
‫سس‪7‬ستعترب حياة الرسول ﷺ وكفاحه مثال أعلى‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬
‫سس‪8‬ساكتب مذكرة تاريخية عن‪:‬‬
‫ •مظاهر الحضارة يف عهد الرسولﷺ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫الفصل الثاين‬
‫عصر اخللفاء الراشدين‬

35
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫الفصل الثاين‪ :‬عصر اخللفاء الراشدين‬


‫(‪ 40 - 11‬هـ‪ 661 - 632 /‬م)‬
‫خالفة أيب بكر الصديق ڤر‬
‫(‪ 11‬هـ‪ 13 -‬هـ‪ 634 - 632 /‬م)‬
‫بــدأ عصــر الخالفــة الراشــدة بخالفــة أبــي بكــر بــن أبــي قحافــة مــن بنــي تيــم بــن مــرة‪،‬‬
‫ولــد لســنتين مــن عــام الفيــل‪ ،‬أول مــن ظهــر صــدق عزيمتــه ونبــل شــمائله‪ ،‬فهــو أول مــن أســلم‬
‫مــن الرجــال األحــرار مــن صحابــة الرســول ﷺ وخــرج معــه يف هجرتــه إلــى المدينــة النبويــة‪،‬‬
‫فضــا عــن أن الرســول ﷺ كان قــد أنابــه يف الصــاة بالمســلمين أثنــاء مرضــه‪.‬‬
‫ولمكانتــه وســابقته يف اإلســام اختــاره المســلمون وبايعــوه خليفــة لهــم بعــد وفــاة‬
‫الرســول محمــد ﷺ ( ‪ 11‬هـــ ‪ 13 -‬هـــ‪ 634 - 632 /‬م)‪.‬‬
‫أكــد أبــو بكــر الصديــق علــى حــق الرعيــة يف اختيــار وتقويــم الخليفــة فمــن أقوالــه «إن‬
‫أحســنت فشــجعوين‪ ،‬وإن أســأت فقومنــي »‪.‬‬

‫سياسة أيب بكر الصديق‪:‬‬


‫واجــه خليفــة رســول اهلل بــكل شــجاعة وحــزم كافــة التحديــات واألخطار التــي واجهت‬
‫المســلمين بعــد وفاة الرســول ﷺ‪.‬‬
‫فقــد امتنعــت بعــض القبائــل العربيــة بنجــد وبــاد اليمــن عــن دفــع الــزكاة مدعيــة أهنــا‬
‫واجبــة يف حيــاة الرســول ﷺ وغيــر واجبــة عليهــم بعــد وفاتــه‪.‬‬
‫ادعــى النبــوءة طليحــة األســدي ومســيلمة بــن حنيفــة باليمامــة وامــرأة يقــال لهــا ســجاح‬
‫واألســود العنســي يف صنعــاء باليمــن وحرضــوا قبائلهــم علــى الــردة عــن الديــن اإلســامي‪.‬‬
‫واشتد خطر المرتدين من عبس وذبيان وطمعوا يف االستيالء على المدينة النبوية‪.‬‬
‫أظهــر الخليفــة الراشــدي أبوبكــر الصديــق عزيمــة صادقــة لمحاربتهــم ووضــع حــدا‬
‫لمحاولتهــم العبــث بأمــن واســتقرار المدينــة النبويــة‪ ،‬فخــرج بنفســه لمحاربتهــم‪ ،‬واســتخلف‬
‫أســامة بــن زيــد بــن حارثــة علــى المدينــة‪ ،‬بعــد عودتــه مــن بــاد الشــام وكان قــد أرســله محمــد‬
‫صلــوات اهلل وســامه عليــه قبــل وفاتــه علــى رأس ســرية إلــى بــاد الشــام فبلــغ البلقــاء وماحولهــا‬

‫‪37‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫مــن القــرى‪.‬‬
‫ومــا إن وصــل خليفــة رســول اهلل لعبــس وذبيــان‪ ،‬حتــى أذعــن كفارهــا وقبــل أبــو بكــر‬
‫منهــم الطاعــة واستســلم رأس الفتنــة يف عبــس وذبيــان‪ ،‬ثــم قفــل عائــدا بقواتــه إلــى المدينــة‬
‫النبويــة‪.‬‬
‫عقــد خليفــة رســول اهلل األلويــة لمحاربــة المرتديــن وعيــن أحــد عشــر أميــرا‪ ،‬وكتــب‬
‫للمرتديــن كتابــا واحــدا أرســله إليهــم قبــل أن تأتيهــم الجنــد يدعوهــم العــودة إلــى اإلســام فمــن‬
‫اســتجاب عفــي عنــه ومــن تعنــت وخالــف فقــد أمــر بقتالــه وال يقبــل مــن أحــد إال اإلســام‪.‬‬
‫أ‬
‫أمراء اللوية ومه‪:‬‬
‫‪1.1‬خالــد بــن الوليــد ووجهتــه طلحــة بــن خويلــد األســدى ببزاخــة‪ ،‬فــإذا انتهــى منــه‬
‫قصــد مالــك بــن نويــرة بالبطــاح‪.‬‬
‫‪2.2‬عكرمة بن أبي جهل ووجهه إلى مسليمة باليمامة‬
‫‪3.3‬شرحبيل بن حسنة وجهته اليمامة‪.‬‬
‫‪4.4‬المهاجر بن أبي أمية ووجهه إلى األسود العنسى بصنعاء‬
‫‪5.5‬حيفة بن محصن ووجهته أهل ديا بعمان‬
‫‪6.6‬عرفجة بن هرثمة ووجهته أهل مهرة‪.‬‬
‫‪7.7‬سويد بن مقرن إلى هتامة اليمن‪.‬‬
‫‪8.8‬العالء بن الحضرمي ووجهه إلى البحرين‪.‬‬
‫‪9.9‬طريفة بن حاجز ووجهه إلى بني سليم ومن معهم من هوازن‪.‬‬
‫‪1010‬عمرو بن العاص ووجهه إلى قضاعة‪.‬‬
‫‪1111‬خالد بن سعيد بن العاص ووجهه إلى مشارف بالد الشام‪.‬‬
‫خــاض قــادة األلويــة معــارك ضاريــة اتســعت رقعتهــا حتــى وصلــت إلــى أقاصــي شــبه‬
‫الجزيــرة العربيــة‪.‬‬
‫وصلــت أخبــار االنتصــارات والفتــوح المدينــة النبويــة بعــد عامــا كامــل مــن التضحيــات‬
‫نصــرة لدعــوة الإلــه إال اهلل وحــده الشــريك لــه‪ ،‬واستبشــر خليفــة رســول اهلل والمســلمين فيهــا‬
‫بالفتــوح ورجــوع القبائــل المرتــدة إلــى اإلســام وقضــي علــى رؤوس الفتنــة ممــن أدعــوا النبــوة‪،‬‬
‫وقــد أقــرت القبائــل بوجــوب دفــع الــزكاة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫خريطة تبين المناطق التي دارت فيها حروب الردة يف عهد الخليفة أبي بكر الصديق‬

‫‪39‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫الفتوحات اإلسالمية يف عهد اخلليفة أبوبكر الصديق‪:‬‬


‫كلــف أبــي بكــر الصديــق خالــد بــن الوليــد والمثنــى بــن حارثــة بمهمــة إخضــاع بعــض‬
‫القبائــل التابعــة لملــك الحيــرة والــذي ثبــت تأمرهــا علــى المســلمين وتحالفهــا مــع حاكــم كلــدة‬
‫الفارســي‪ ،‬أســفرت علــى ســقوط الحيــرة يف أيــدي المســلمين‪.‬‬
‫حــرص خليفــة الرســول ﷺ علــى تبليــغ الرســالة اإلســامية إلــى كل األمــم‬
‫والشــعوب‪ ،،‬فأرســل أبوبكــر الصديــق كتابــا إلــى كســرى ملــك الفــرس هرمــز يدعــوه إلــى‬
‫عبــادة الواحــد األحــد‪ ،‬ولكنــه رفــض دعوتــه إلــى اإلســام فخيــره خالــد بــن الوليــد أن يدفــع‬
‫الجزيــة أو الحــرب‪ ،‬فــأراد الحــرب ضــد المســلمين‪.‬‬
‫ولــم يعــد أمــام خالــد مــن خيــار ســوى القتــال فكانــت معركــة ذات السالســل بالقــرب‬
‫مــن الكاظمــة( ‪ 12‬هـــ‪ 633 /‬م) ســقط هرمــز قتيــا‪ .‬وفــر فلــول جيشــه مــن ســاحة المعركــة‪،‬‬
‫فطاردهــم المثنــى بــن حارثــة الشــيباين‪.‬‬
‫توغــل خالــد بــن الوليــد يف أرض العــراق وقصــد بقواتــه األنبــار ســنة ( ‪ 12‬هـــ‪ 633 /‬م)‪،‬‬
‫وكان حاكمهــا قــد تحصــن يف أحــد حصوهنــا وحفــر خندقــا حولهــا‪ ،‬وضــرب المســلمون حصار‬
‫عليهــا ممــا اضطــر حاكــم المدينــة شــيرزاد إلــى االستســام‪ ،‬شــرط الســماح لــه بالخــروج مــع‬
‫بعــض فرســانه‪ ،‬وكان المســلمون قــد اقتحمــوا الحصــن ودخلــوه‪.‬‬
‫اســتقر خالــد بــن الوليــد يف األنبــار اســتعدادا القتحــام حصــن عيــن التمــر‪ ،‬حيــث‬
‫اجتمعــت فيــه قــوات فارســية وعربيــة بقيــادة مهــران بــن هبــرام‪ ،‬ونجــح يف مباغتتهــم وهزيمــة‬
‫قائــد الفــرس مهــران الــذي آثــر الفــرار‪ ،‬ودخــل خالــد الحصــن‪.‬‬
‫معركة دومة اجلندل‪:‬‬
‫خــرج خالــد بــن الوليــد مــن الحيــرة متجهــا إلــى دومــة الجنــدل والتــي تقع علــى الطريق‬
‫الرابــط بيــن المدينــة النبويــة والكوفــة ودمشــق‪ ،‬وتتميــز بأهميتهــا العســكرية والتجاريــة‪ ،‬وكان‬
‫قــد ســبقه عيــاض بــن غنــم لحصارهــا‪ ،‬فوجــد مقاومــة مــن مجمــوع القبائــل القاطنــة هبــا مثــل‬
‫كلــب وغســان وتنــوخ والضجاعــم‪.‬‬
‫تمكــن خالــد بــن الوليــد مــن حصــار القبائــل المتحالفــة ضــد المســلمين وافتــكاك‬
‫الحصــن منهــم ســنة( ‪ 12‬هـــ‪ 633 /‬م)‪ ،‬فيمــا اســتعد كســرى بعــد ســقوط الحيــرة‪ ،‬لطــرد العــرب‬
‫عــن كلــدة‪ ،‬وقــد ثبــت تعاوهنــم مــع المثنــى بــن حارثــة واشــركت معــه يف معركــة البويــب ســنة‬

‫‪40‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫( ‪ 13‬هـــ‪ 634 /‬م)‪.‬‬


‫فيمــا كان خالــد بــن الوليــد يســتعد لغــزو أرض البصــرة توجــه عيــاض بــن غنــم إلــى‬
‫مــدن شــمال العــراق‪ ،‬فصالحهــم علــى دفــع الجزيــة‪.‬‬
‫فتح بالد الشام (‪ 12‬هـ‪ 633 /‬م)‪:‬‬
‫اســتقطبت الجبهــة الشــامية اهتمــام الخليفــة أبوبكــر الصديــق بعــد االنتصــارات التــي‬
‫أحرزهــا خالــد ابــن الوليــد يف دومــة الجنــدل‪ ،‬فرتــب الخليفــة خطــة للتحــرك نحــو بــاد الشــام يف‬
‫الســنة الثانيــة عشــر للهجــرة فعقــد األلويــة األربعــة لكبــار القــادة‪:‬‬
‫جهــز لــواء بقيــادة يزيــد بــن أبــي ســفيان لغــزو بــاد الشــام‪ ،‬واشــركت معــه قبائــل يمينيــة‬
‫مــن حميــر ومذجــح‪ ،‬وأمــده أبــو بكــر بقــوات عددهــا ســبعة آالف مقاتــل‪ ،‬وحــدد لهــا طري ًقــا‬
‫للزحــف علــى بــاد الشــام‪ :‬ســالكا طريــق وادى القــرى‪ -‬تبــوك ‪ -‬الجابيــة ‪ -‬دمشــق‪.‬‬
‫ولــواء كان تحــت قيــادة شــرحبيل بــن حســنة وجهتــه بصــرى عاصمــة حــران ســالكا‬
‫طريقــا أوصــاه بــه الخليفــة يبــدأ مــن معــان ‪ -‬الكــرك ‪ -‬مأدبــا ‪ -‬البلقــاء ‪ -‬بصــرى‪.‬‬
‫أمــا اللــواء الثالــث ‪ -:‬فــكان يرأســه أبــي عبيــدة بــن الجــراح وجهتــه حمــص علــى أن‬
‫يســير يف طريقــه مــن وادى القــرى ‪ -‬الحجــر‪ -‬ذات المنــار‪ -‬زيــزاء‪ -‬مــآب ‪ -‬الجابيــة ‪ -‬حمــص‪.‬‬
‫واللــواء الرابــع‪ :‬وجهتــه فلســطين وعهــد بقيادتــه لعمــرو بــن العــاص‪.‬‬
‫تعييــن خالــد بــن الوليــد قائــدا لقــوات احتياطيــة تحــت إمــرة أبــو عبيــدة الجــراح وأمــره‬
‫بالمســير إلــى حمــص‪.‬‬
‫اســتعدت جمــوع البيزنطييــن لمالقــاة المســلمين يف بــاد الشــام‪ ،‬ووقــف القــادة‬
‫المســلمون يف بــاد الشــام علــى هــذه التعبئــة‪ ،‬فأشــار عمــرو بــن العــاص بضــرورة توحيــد القيــادة‬
‫تحــت إمــرة أبــي عبيــدة والرتاجــع إلــى بصــرى‪.‬‬
‫قــاد هرقــل ملــك البيزنطييــن جيــش جــرار لقتــال المســلمين يف بــاد الشــام ومــا بيــن‬
‫كــر وفــر فتحــت المــدن والحصــون فيهــا‪ ،‬وقــد اجتمعــوا علــى كلمــة واحــدة فاصلــة توحيــد‬
‫الصفــوف والقيــادة‪.‬‬
‫وكان قــد أمــر الخليفــة أبوبكــر الصديــق يف ســنة ( ‪ 13‬هـــ‪ 634 /‬م) القائــد خالد بــن الوليد‬
‫بالتوجــه إلــى بــاد الشــام‪ ،‬لنجــدة الجيــوش اإلســامية المرابطــة‪ ،‬وتعيينــه قائــدا عامــا لجيــوش‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫امتثــل خالــد ألمــر الخليفــة وجهــز قواتــه للمســير إلــى بــاد الشــام‪ ،‬وأعــد خطــة‬
‫الســتدراج القــوات البيزنطيــة بعيــدا عــن إقليــم الجزيــرة الفراتيــة‪ ،‬واســتطاع خالــد إخضــاع‬
‫مدينتــي تدمــر وحواريــن‪.‬‬
‫واصــل خالــد وجيشــه مســيره حتــى وصــل لغوطة دمشــق‪ ،‬واشــتبك مــع ملك الغساســنة‬
‫الحــارث بــن األيهــم واجــره علــى الرتاجــع إلى حصون دمشــق‪.‬‬
‫فتــح بصــرى ببــاد الشــام‪ :‬كان فتــح بصــرى يمثــل نقطــة انطــاق نحــو مدينــة انطاكيــة‬
‫التــي تجمــع هبــا البيزنطيــون وأمــدوا وردان حاكــم حمــص باألســلحة والعتــاد لمحاربــة‬
‫المســلمين‪ ،‬ولذلــك شــدد المســلمون الحصــار علــى المدينــة ممــا اضطــر ســكاهنا إلــى طلــب‬
‫الصلــح‪ ،‬وقبلــوا بدفــع الجزيــة‪.‬‬
‫معركة أجنادين (‪ 13‬هـ‪ 346 /‬م)‪:‬‬
‫هــي مــن المعــارك المهمــة التــي جــرت وقائعهــا يف بــاد الشــام‪ ،‬كان عمــرو بــن العــاص‬
‫وصــل إلــى أجناديــن الواقعــة بيــن الرملــة وبيــت جربيــن‪ ،‬وبــدأ ثيــوذور البيزنطــي بالزحــف‬
‫نحوهــا‪ ،‬مطمئنــا لجموعــه الكثيــرة‪.‬‬
‫شــعر المســلمون بخطــورة الوضــع يف أجناديــن‪ ،‬فقــرر خالــد بــن الوليــد رص الصفــوف‬
‫وحــث الجنــود علــى التصــدي لهجمــات البيزنطييــن يف أجناديــن‪ ،‬وجــرت معركــة كان النصــر‬
‫فيهــا حليــف الجيــش اإلســامي‪.‬‬
‫ئ‬
‫نتا� املعركة‪:‬‬
‫ج‬
‫‪1.1‬فتحت أغلب المدن دون مقاومة‪.‬‬
‫‪2.2‬شل حركة البيزنطيين ومنعهم من االنتقال إلى المدن األخرى للتحصن فيها‪.‬‬
‫‪3.3‬أدرك البيزنطيــون وهرقــل خاصــة خطــورة الجيــش اإلســامي الزاحــف نحــو‬
‫دمشــق‪ ،‬فأمــر ســكاهنا بإقفــال أبواهبــا والدفــاع عنهــا‪.‬‬
‫‪4.4‬انتصــار المســلمين يف معركــة أجناديــن أكســب الجيــش اإلســامي خــرة قتاليــة‬
‫يف مواجهــة األعــداء‪ ،‬وارتفعــت الــروح المعنويــة وكانــوا أكثــر اصــرار علــى نشــر‬
‫اإلســام يف بــاد الشــام‪.‬‬

‫أ� بكر الصديق سنة (‪ 13‬هـ‪ 634 /‬م)‬ ‫ين‬


‫املسمل� ب ي‬ ‫وفاة خليفة‬
‫‪42‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫وصــل خــر وفــاة الخليفــة أبــي بكــر الصديــق إلــى أبــي عبيــدة بــن الجــراح وكان يرابــط‬
‫بجيشــه يف بــاد الشــام‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫خالفة عمر بن اخلطاب ڤر‬


‫(‪ 23 – 13‬هـ‪ 644 – 634 /‬م)‬
‫امســه ونســبه‪ :‬هــو أبــي حفــص عمــر بــن الخطــاب‪ ،‬ينســب إلــى عــدي مــن‬
‫أشــراف قريــش‪.‬‬
‫نشــأ عمــر بــن الخطــاب يف مكــة وكان يف أول أمــره شــديد األذى للرســول ﷺ‬
‫والمســلمين‪ ،‬حتــى مــن اهلل عليــه باإلســام يف دار األرقــم بــن أبــي األرقــم‪ ،‬كان رجــا‬
‫شــجاعا زاهــدا حازمــا اليخشــى يف الحــق لومــة الئم‪،‬حتــى أنــه ســمي بالفــاروق لعدلــه‬
‫وشــدة بأســه‪.‬‬

‫الطــاب‪ :‬أوصــى الخليفــة أبــو بكــر الصديــق أثنــاء مرضــه‪ ،‬بالخالفــة‬ ‫بيعــة معــر ب ن� خ‬
‫مــن بعــده لعمــر بــن الخطــاب‪ ،‬وقــد استشــار كبــار الصحابــة مــن أهــل الحــل والعقــد‪ ،‬فلــم يجــد‬
‫معارضــة لديهــم‪.‬‬
‫تمــت مبايعــة عمــر بــن الخطــاب يف المســجد‪ ،‬وكان قــد أوصــاه أبوبكــر الصديــق‬
‫باســتكمال الفتوحــات اإلســامية‪.‬‬
‫ة‬
‫الدول‪:‬‬ ‫تنظ�‬
‫الطاب عىل ي‬ ‫املؤمن� معر ب ن� خ‬
‫ين‬ ‫أم�‬
‫معل ي‬
‫ين‬
‫الــدواو�‪ :‬والديــوان بمثابــة الجهــاز اإلداري‪ ،‬وهــو أول‬ ‫‪1.1‬إنشــاء العديــد مــن‬
‫أنمــوذج وشــكل مــن أشــكال اإلدارة العربيــة الجديــدة‪ ،‬اتســعت الدولــة اإلســامية‬
‫وازدادت مواردهــا الماليــة‪.‬‬
‫أمــر أميــر المؤمنيــن عمــر بــن الخطــاب بإنشــاء الدواويــن حتــى يتمكــن‬
‫المســلمين يف كل األمصــار مــن االســتفادة منهــا‪ ،‬كمــا أنشــا ديــوان الخــراج‪ ،‬وديــوان‬
‫الجنــد‪ ،‬وديــوان العطــاء‪ ،‬وقــد ظلــت هــذه الدواويــن تســتخدم اللغــة المحليــة يف كل‬
‫إقليــم مــن أقاليــم الدولــة الفتيــة حتــى عهــد الخليفــة األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان‪،‬‬
‫الــذي قــاد حركــة التعريــب وأمــر باســتعمال اللغــة العربيــة يف كل الدواويــن‪.‬‬
‫الــوال�ت‪ :‬نظــرا التســاع الدولــة اإلســامية بعــد اســتكمال الفتوحــات‬‫ي‬ ‫تنظــم‬
‫‪ 2.2‬ي‬
‫اإلســامية فقــد وجــد الخليفــة عمــر بــن الخطــاب يف تقســيمها إلــى واليــات وتعييــن‬
‫والة يتولــون شــؤوهنا‪ ،‬ضمانــا لســير العدالــة وســهولة اإلشــراف عليهــا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫‪3.3‬ديــوان القضــاء‪ :‬اهتــم الخليفــة ابــن الخطــاب بالقضــاة ووضــع لهــم نظا ًمــا صار ًمــا‪،‬‬
‫وكان حريصــا علــى مراقبــة والتــه‪ .‬شــديدا يف محاســبتهم‪ ،‬وكان قــدوة لهــم يف العــدل‬
‫واإلحسان‬
‫الســامية‪ :‬ســك الخليفــة عمر بــن الخطــاب دراهــم عليها نقش كســروية‪،‬‬ ‫‪4.4‬الســكة إ‬
‫كمــا ضــرب عملــة عليهــا كتابــة عبــارات عربيــة ال إلــه إال اهلل محمد رســول اهلل‪.‬‬
‫ال�ائــب‪ :‬اهتــم عمــر بتنظيــم الضرائــب وتقديرهــا حتــى يمكــن معرفــة‬ ‫‪5.5‬تنظـ يـم ض‬
‫مــوارد الدولــة الماليــة‪ ،‬ومــا يصــل إلــى بيــت المــال ومنهــا ضريبــة الخــراج والضريبــة‬
‫العشــرية والجزيــة وأعشــار الســفن‪.‬‬
‫الســامية‪ :‬صاحــب الفتــح اإلســامي إنشــاء مــدن إســامية مثــل‬ ‫‪6.6‬إنشــاء املــدن إ‬
‫البصــرة والكوفــة يف العــراق والفســطاط يف مصــر‪ ،‬وقــد غــدت هــذه المــدن مراكـ ًـزا‬
‫للحكــم والفكــر والحضــارة فيمــا بعــد‪.‬‬
‫اســتمر أميــر المؤمنيــن عمــر يف بــذل جهــوده لتنظيــم الدولــة إلــى أن قتلــه غيلــة أبــو لؤلؤة‬
‫المجوســي بعــد أن اســتمر يف الخالفــة لمدة عشــر ســنوات‪.‬‬
‫أنموذجــا أخالقيــا وسياســيا‪ ،‬جمــع بيــن القيــم اإلســامية‬
‫ً‬ ‫لقــد قــدم أميــر المؤمنيــن‬
‫والشــهامة العربيــة حيــث أرســى مبــدأ الحريــة والعــدل يف دولتــه‪ ،‬فقــد ســاس النــاس وفــق هــذه‬
‫المبــادئ الســامية التــي جســدها يف أقوالــه وأفعالــه‪« ،‬متــى اســتعبدتم النــاس وقــد ولدهتــم أمهــم‬
‫أحــرار ًا»‬
‫الفتوحات اإلسالمية يف عهد أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‪:‬‬
‫كانــت سياســة عمــر الخارجيــة امتــدادا لسياســة أبــي بكــر الصديــق‪ ،‬فقــد مضــى يف نشــر‬
‫اإلســام وانتــزاع األقاليــم خــارج شــبه الجزيــرة العربيــة‪ ،‬والتــي كانــت خاضعــة لدولتــي الفــرس‬
‫والــروم‪ ،‬يف بــاد الرافديــن وبــاد الشــام‪.‬‬
‫الفتوح يف بالد فارس‪:‬‬
‫واجــه المثنــى بــن حارثــة الشــيباين يف الحيــرة يف بــاد العــراق‪ ،‬حشــود الفــرس يف‬
‫أعلــى هنــر الفــرات‪ ،‬وقــد تحالفــوا مــع بعــض القبائــل المواليــة لهــم‪ ،‬للنيــل مــن المســلمين يف‬
‫هــذه المنطقــة‪ ،‬وأبلــغ الخليفــة أبــي بكــر بحشــود الفــرس ومعاونيهــم العــراق‪ ،‬فطلــب الخليفــة‬
‫يف أواخــر أيامــه مــن عمــر بــن الخطــاب بحشــد الحشــود والدعــوة لنصــرة المثنــى وجيشــه يف‬
‫العــراق‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫معركة القادسية‪:‬‬
‫اســتعد أميــر المؤمنيــن عمــر بــن الخطــاب لمحاربــة الفــرس يف العــراق‪ ،‬وخــرج بحشــد‬
‫كبيــر مــن كافــة القبائــل مــن المدينــة النبويــة إلــى (صــرار موضــع يبعــد ثالثــة أميــال مــن طريــق‬
‫العــراق) ثــم استشــارهم فيمــن يوليــه قيــادة الجيــش‪ ،‬فتوافقــوا علــى توليــة ســعد بــن أبــي وقــاص‬
‫الزهــري القرشــي والــذي يلقــب بفــارس اإلســام‪.‬‬
‫خــرج مــع ســعد ثالثيــن ألفــا إلــى زرود قريبــة مــن الكوفــة فنزلــوا هبــا ثــم رابــط يف ســهل‬
‫القادســية ويف ذلــك الوقــت تــويف المثنــي بــن حارثــة الشــيباين‪.‬وكان قــد أوصــى ســعد بــن أبــي‬
‫وقــاص «أن يقاتــل الفــرس علــى حــدود أرضهــم»‪.‬‬
‫كان الفــرس بقيــادة رســتم أعظــم قوادهــم قــد أعــد عدتــه لمحاربــة المســلمين‪ ،‬وخــرج‬
‫يف جيــش جــرار قوامــه مائــة وعشــرين ألفــا‪ ،‬وصحــب معــه ركبــان الفيلــة‪.‬‬
‫كان يزدجــرد قــد أمــر قائــد الجيــش رســتم بــأن يعــر الفــرات ويهاجــم المســلمين‪ .‬ونفــذ‬
‫مــا طلــب منــه فوجــد جيــش المســلمين مرابط‪.‬وجــرت معركــة شرســة اســتمرت ثالثــة أيــام ويف‬
‫اليــوم الثالــث حقــق المســلمون نصــرا مــؤزرا‪ ،‬وهــزم الفــرس وقتــل منهــم نحــو ثالثيــن ألــف‬
‫فــارس‪.‬‬
‫ئ‬
‫نتا� معركة القادسية‪:‬‬
‫ج‬
‫‪1.1‬هي من المعارك الفاصلة يف تاريخ الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪2.2‬تمكن المسلمون من السيطرة على المدائن عاصمة الفرس‪.‬‬
‫‪3.3‬اعتناق كثير من القبائل العربية يف العراق الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪4.4‬فتحت خزائن كسرى وغنم المسلمون غنائم وفيرة وأسالب‪.‬‬

‫اليوم الثالث‬
‫يعــرف هــذا اليــوم بيوم معــاس والعماس كســحاب احلرب الشــديدة‬
‫اهلر�‪.‬‬ ‫ة‬
‫وتعــرف ليلتــه بليــ� ي‬

‫‪46‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫فتح هناوند‪:‬‬
‫اجتمــع بنهاونــد فلــول الفــرس بقيــادة يزدجــرد‪ ،‬يف محاولــة منــه الســتعادة ملكــه وطــرد‬
‫المســلمين مــن بــاد فــارس‪.‬‬
‫بعــث الخليفــة عمــر بــن الخطــاب بكتــاب إلــى النعمــان بــن مقــرن‪ ،‬يوليــه قيــادة الجيــش‬
‫لمحاربــة الفــرس‪.‬‬
‫أمــر النعمــان القعقــاع بــن عمــرو أن يبــدأ الهجــوم ففعــل‪ ،‬وأثنــاء القتــال قتــل النعمــان‬
‫فاســتلم بــدال منــه حذيفــة بــن اليمــان الــذي هــزم الفــرس ودخــل القعقــاع همــذان وهناونــد‬
‫وتوالــت الفتــوح بفتــح أصبهــان وأذربيجــان والــري وفتــح الباب‪.‬وســميت بفتــح الفتــوح‪.‬‬
‫كذلــك أمــر الخليفــة عمــر بــن الخطــاب ســعد بــن أبــي وقــاص بالمســير إلــى المدائــن‬
‫وكان هبــا إيــوان كســرى‪ ،‬فلمــا وصلهــا بجيشــه ونــزل ســعد يف القصــر األبيــض‪ .‬تــرك يزدجــرد‬
‫المدينــة والذ بالفــرار فمــا كان مــن ســعد إال أن قبــل مــن ســكان المدينــة الجزيــة والخــراج‪ .‬وكان‬
‫قــد صلــى بالمســلمين يف أول جمعــة بالمدائــن ســنة ( ‪ 16‬هـــ‪ 637 /‬م)‪ .‬ثــم ولــى عليهــا ســلمان‬
‫الفارســي وبقــي يف منصبــه حتــى وفاتــه عــام ( ‪ 36‬هـــ‪ 656 /‬م)‪.‬‬
‫وصــل نبــأ انتصــارات الجيــش اإلســامي يف بــاد فــارس إلــى الخليفــة عمــر بــن‬
‫الخطــاب‪ ،‬فقــد أرســل ســعد بــن أبــي وقــاص كتابــا يبلغــه بفتــح مدائــن كســرى وهزيمــة جيــش‬
‫الفــرس‪.‬‬

‫فتح خراسان‪:‬‬
‫تقــع شــرق بــاد فــارس وتضــم مــرو ونيســابور وهــراة وبلــخ وطالقــان ومــدن وقــرى‬
‫عنــد هنــر جيحــون‪ ،‬وقــد اجتمــع فيهــا فلــول الفــرس يحرضهــم يزدجــرد لقتــال المســلمين‪.‬‬
‫ســار األحنــف بــن قيــس إلــى خراســان بأمــر مــن الخليفــة عمــر بــن الخطــاب‪ ،‬فدخلهــا‬
‫واستبشــر أهــل خراســان بالمســلمين وقــد أمنوهــم علــى أموالهــم وديارهــم‪ ،‬ثــم واصــل ســيره‬
‫نحــو هــراة وبلــخ واتخــذ مــن مــرو مقــرا لــه‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫ف‬
‫املسمل� لبالد فارس؟ ن�قش هذه العبارة ي� ضوء‬
‫ين‬ ‫ما أمهية فتح‬
‫ئ‬
‫والنتا�‪.‬‬
‫ج‬ ‫املرتكزات‬

‫‪47‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫الفتوح يف بالد الشام‪:‬‬


‫علــى أثــر انســحاب البيزنطييــن بعــد هزيمتهــم يف أجناديــن إلــى مدينــة دمشــق وهــروب‬
‫ثيــودور إلــى القســطنطينية عاصمــة اإلمرباطوريــة البيزنطيــة‪ ،‬حيــث أمــر ملــك البيزنطييــن هرقــل‬
‫قواتــه المنتشــرة يف هنــر األردن ويف فحــل وبيســان ودمشــق وحمــص بالتوجــه للقضــاء علــى‬
‫المســلمين مــن الجنــوب والشــمال يف بــاد الشــام‪.‬‬
‫وكان المســلمون قــد اســتعدوا لقتــال البيزنطييــن يف معركــة انتهت بانتصارهــم‪ ،‬ففتحت‬
‫أغلــب المــدن يف فحــل وبيســان وطربيــة‪ ،‬بعــد أن قبــل الســكان الصلح مع المســلمين‪.‬‬

‫فتح دمشق (‪ 14‬هـ‪ 356 /‬م)‬


‫جــاء فتــح دمشــق بعــد معركــة مــرج الــروم والتــي اســفرت علــى تقهقــر البيزنطييــن أمــام‬
‫المســلمين وقتــل قائدهــم ثيودور‪.‬وغنــم المســلمون دواهبــم وســاحهم‪.‬‬
‫ـارا علــى دمشــق دام لمــدة ســبعين يومــا‪ ،‬ممــا اضطــر‬
‫فــرض أبــو عبيــدة بــن الجــراح حصـ ً‬
‫الحاميــة البيزنطيــة إلــى االنســحاب منهــا‪ ،‬فدخلهــا المســلمون عنــوة مــن بــاب الجابيــة‪ ،‬ودخــل‬
‫خالــد بــن الوليــد مــن البــاب الشــرقي صلحــا دون قتــال‪ ،‬وأقــروا علــى أهلهــا دفــع الجزيــة‪.‬‬
‫واصــل خالــد بــن الوليــد مســيره للســيطرة علــى حصــن بعلبــك‪ ،‬واشــتبك مــع البيزنطيين‬
‫يف معركــة ســنة ( ‪ 15‬هـــ‪ 636 /‬م)‪ ،‬فقــد فيهــا البيزنطيــون الحصــن لصالــح المســلمين‪ ،‬وتمكــن‬
‫خالــد بــن الوليــد مــن عقــد صلــح مــع ســكان بعلبــك مقابــل أن يدفعــوا الجزيــة‪.‬‬
‫كان أبــو عبيــدة بــن الجــراح يتأهــب لمحاصــرة مدينــة حمــص وهــي إحــدى المراكــز‬
‫البيزنطيــة المهمــة يف بــاد الشــام‪ ،‬اتخذهــا امرباطــور بيزنطــة قاعــدة عســكرية لقواتــه يف بــاد‬
‫الشــام‪.‬‬
‫لقــد فضــل ســكان حمــص دفــع الجزيــة للمســلمين وعقــد صلــح معهــم‪ ،‬علــى أن تبقــى‬
‫مدينتهــم رهينــة بيــد البيزنطييــن الذيــن حاصروهــم وأحكمــوا قبضتهــم علــى المدينــة‪.‬‬
‫وقــد حــرص أبــو عبيــدة بــن الجــراح علــى تأميــن حمص قبــل خروجــه منها‪ ،‬فاســتخلف‬
‫عبــادة بــن الصامــت مكانــه‪ ،‬واتجــه بجيشــه صحبــة خالــد بــن الوليــد لفتــح انطاكيــة وحلــب‪،‬‬
‫وحمــاة ومعــرة النعمــان‪ ،‬ووجــدت هــذه المــدن يف قبــول الجزيــة والخــراج ضمــان ألمنهــم‬
‫والبقــاء يف أراضيهــم‪ ،‬فقبــل منهــم المســلمون ذلــك وعاشــوا يف ديارهــم ينعمــون بخيراهتــم فيمــا‬
‫احتفــظ بعضهــم بمعتقداهتــم الدينيــة‪ .‬وقــد كفلــت لهــم الدولــة حــق ممارســة طقوســهم العقائدية‬
‫يف كنائســهم وأديرهتــم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫عــاد أبــو عبيــدة إلــي حمــص‪ ،‬وكلــف خالــد بــن الوليــد يف دمشــق‪ ،‬وعهــد لعمــرو بــن‬
‫العــاص بفلســطين‪ .‬أمــر الخليفــة عمــر بــن الخطــاب أبــا عبيــدة بــن الجــراح بعــدم مواصلــة‬
‫الفتوحــات يف بــاد الشــام لعــام كامــل‪.‬‬

‫فتح جلوالء (‪ 16‬هـ‪ 637 /‬م)‬


‫تجمــع فلــول الفــرس بقيــادة يزدجــرد يف مفــرق طرقهــم إلــى أذربيجــان والبــاب وإلــى‬
‫الجبــال وفــارس‪ ،‬وأرادوا محاربــة المســلمين‪.‬‬
‫وكان المســلمون أكثــر تصميــم علــى محاربــة الفــرس واالســتيالء علــى مــا تبقــى لديهــم‬
‫مــن مــدن وحصــون يف بــاد فــارس‪ ،‬تقــدم القعقــاع بــن عمــرو التميمــي للهجــوم علــى جلــوالء‪،‬‬
‫ولمــا رأى الفــرس شــجاعته وصمــود وقــوة جيشــه‪.‬آثروا تــرك المدينــة فدخلهــا المســلمون‪.‬‬
‫توالــت انتصــارات المســلمين فتــم فتــح الكوفــة ســنة( ‪ 14‬هـــ ‪ 636 /‬م) يف بــاد العــراق‬
‫وفتــح جلــوالء‪ .‬ويف ســنة ( ‪ 16‬هـــ‪ 638 /‬م)‪ ،‬تــم تمصيــر الكوفــة وبنــى فيهــا المســلمون مســجدا‪،‬‬
‫وكان أميرهــا ســعد ابــن أبــي وقــاص‪.‬ويف نفــس الســنة بنيــت مدينــة البصــرة‪ ،‬و فتحــت الجزيــرة‬
‫الفراتيــة وكان يســكنها عــرب تنــوخ وربيعــة‪ ،‬وفتحــت األهــواز مرتيــن صلحــا‪.‬‬

‫معلومات‬ ‫أ‬
‫البال‬ ‫ـواح‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫وق‬ ‫ـدن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدة‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـم‬‫ض‬ ‫ـ‬ ‫وت‬ ‫ـرة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـدود‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـع‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫الهــواز تتـ خ‬
‫ـا�‬ ‫ •منطقــة‬
‫ي ج‬
‫قــرب مهذان‬
‫الرز‬ ‫ط�ستان ب�ر خ‬ ‫عظ� عىل ب�ر ب‬ ‫ •الباب ثغر ي‬
‫ •يسىم املسملون فتح ن�اوند بفتح الفتوح‪.‬‬
‫ن ف‬
‫ـم� ي� الع ـراق‪ ،‬حيــث‬ ‫ •اكن فتــح الكوفــة والبــرة جحــر أســاس لتثيبــت أقــدام املسـ ي‬
‫أ‬
‫البـ ة‬
‫ـ�‪.‬‬ ‫حلــت الكوفــة حمــل احلـ يـرة والبــرة حمــل‬

‫معركة الريموك (‪ 15‬هـ‪ 636 /‬م)‬


‫وصلــت أخبــار اســتعداد امرباطــور بيزنطــة هرقــل للهجــوم علــى الجيــش اإلســامي يف‬
‫بــاد الشــام للمســلين‪ ،‬فاتفــق القــادة األربعــة علــى توحيــد الصفــوف وخــوض معركــة حاســمة‬
‫ضــد البيزنطييــن يف اليرمــوك‪ ،‬وزاد مــن اصرارهــم وصــول إمــدادات كبيــرة بقيــادة خالــد بــن‬
‫الوليــد (ســيف اهلل المســلول) قادمــة مــن جبهــة العــراق‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫اســتطاعت الجيــوش األربعــة خــوض معركــة يف اليرمــوك وبفضــل التنســيق المنظــم‬


‫وكفــاءة القيــادة ألحقــت الهزيمــة بالبيزنطييــن‪ ،‬بعــد قطــع االمــدادات عنهــا‪ ،‬وضــرب حصــار‬
‫حولهــم ففتحــت دمشــق وبقيــة المــدن يف بــاد الشــام‪.‬‬
‫نتا�ها‪:‬‬
‫واكن من أمه ئج‬
‫‪1.1‬إخراج البيزنطيين من أغلب مدن وحصون بالد الشام‪.‬‬
‫‪2.2‬حصار المسلمين مدينة القدس استعدادا لفتحها‪.‬‬
‫‪3.3‬أصبح الطريق مفتوحا أمام المسلمين للتقدم تجاه مصر‪.‬‬

‫حصار املسلمني ملدينة القدس‪:‬‬


‫رفــض بطريــق المدينــة تســليمها وبعــد حصارهــا مــن قبــل المســلمين أذعــن البطريــق‬
‫لمطالــب أهلهــا وكانــوا قــد طلبــوا منــه قبــول الصلــح مــع المســلمين‪.‬‬
‫فاشــرط البطريــق أن يكــون المتولــي لكتابــة عقــد الصلــح الخليفــة عمــر بــن الخطــاب‬
‫نفســه‪.‬‬
‫كتــب عمــرو بــن العــاص إلــى عمــر بــن الخطــاب كتابــا يطلعــه فيــه علــى مــا جــرى‬
‫بينــه وبيــن بطريــق القــدس‪ ،‬فخــرج أميــر المؤمنيــن مــن المدينــة النبويــة إلــى الجابيــة‪ ،‬وهنــاك‬
‫جاءتــه رســل أهــل ايليــا يطلبــون الســام فســالمهم وأمنهــم علــى أرواحهــم وأموالهــم وكنائســهم‬
‫وصلباهنــم‪ ،‬وبنــى مســجدا فيهــا وقفــل عائــدا إلــى المدينــة النبويــة ( ‪ 16‬هـــ‪ 637 /‬م)‪.‬‬
‫وبذلك أتم المسلمون فتح بالد الشام يف عهد الخليفة عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫نشاط‬ ‫أ‬
‫ال� صاحبت فتح بالد الشام‪.‬‬ ‫الحداث ت‬ ‫ •استعرض مع زمالئك أمه‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ •كتبــت هعــود الصلــح ي� أغلــب مــدن بــاد الشــام ومنــح المــان للســان عــى أرواهحــم‬
‫الزيــة‪.‬‬ ‫وأمواهلــم وكنائهســم وأماكــن ت‬
‫عباد�ــم مقابــل ج‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ـو�ت ت‬ ‫ـم مكـ ن‬
‫ •بــاد الشــام تـ ض‬
‫وثقافا�ــا أشــبه مــا يكــون‬ ‫معتقدا�ــا‬ ‫اج�عيــة متنوعــة ي�‬
‫بقطعــة مــن الفسيفســاء املعـ بـرة عــى ألــوان متناســقة ج�يـ ة‬
‫ـ�‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫انتشار اإلسالم يف مشال أفريقيا‬


‫فتح مصر (‪ 19‬هـ‪ 640 /‬م)‪:‬‬
‫بعــد أن تســلم الخليفــة عمــر بــن الخطــاب مدينــة بيــت المقــدس عقــد مؤتمــر الجابيــة‬
‫مــع قــادة الجيــوش اإلســامية يف الشــام وهــم خالــد بــن الوليــد‪ ،‬أبــو عبيــدة بــن الجــراح‪ ،‬عمــرو‬
‫بــن العــاص‪ ،‬شــرحبيل بــن حســنة‪ ،‬يزيــد بــن أبــي ســفيان وأخــوه معاويــة‪ ،‬الوليــد بــن عقبــة وخالد‬
‫بــن ســعيد بــن العــاص وغيرهــم مــن المســلمين‪ ،‬وذلــك لتــدارس الموقــف والتشــاور يف أمــور‬
‫الفتوحــات اإلســامية‪ ،‬واســتقر الــرأي علــى االســتمرار يف هــذه الفتوحــات يف اتجــاه الغــرب‬
‫لتأميــن مــا تــم فتحــه مــن البــاد‪.‬‬
‫توجــه جــزء مــن الجيــوش اإلســامية بقيــادة عمــرو بــن العــاص نحــو مصــر مخرتقــة‬
‫ســيناء فاســتولى علــى العريــش والفرمــا وســقطت بعدهــا بلبيــس وعيــن شــمس وحصــن بابليون‪.‬‬
‫وســارت بعدهــا إلــى اإلســكندرية ففتحــت المــدن والحصــون التــي يف الطريــق إليهــا‪ .‬وقــد أدى‬
‫حصاراإلســكندرية إلــى قبــول الــروم بالصلــح وجالئهــم عنهــا‪ ،‬وأصبحــت مصــر بذلــك واليــة‬
‫إســامية‪.‬‬
‫دخــل المســلمون إلــى مدينــة اإلســكندرية صلحــا وعقــد المقوقــس معاهــدة مــع عمــرو‬
‫بــن العــاص مــن شــروطها‪:‬‬
‫‪1.1‬خروج القوات البيزنطية منها‪.‬‬
‫‪2.2‬حريــة ممارســة األقبــاط المصرييــن لطقوســهم يف كنائســهم‪ ،‬والمحافظــة علــى‬
‫أرواحهــم وأموالهــم‪.‬‬
‫ولمــا كانــت سياســة الفتــح اإلســامي لشــمال أفريقيــا تقــوم علــى أرســال الجيــوش إلــى‬
‫أكثــر مــن منطقــة فقــد أرســل عمــرو بــن العــاص جيشــا إلــى بــاد النوبــة والتــي تقــع يف الجنــوب‬
‫الشــرقي لمصــر‪ ،‬وكانــت قــد اســتعصت علــى جيــش المســلمين‪ ،‬ولــم يتمكنــوا مــن دخولهــا‬
‫حتــى عهــد الخليفــة عثمــان بــن عفــان‪ ،‬بعــد أن تــم عقــد صلــح بيــن المســلمين وأهلهــا النوبييــن‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫فتح ليبيا (‪ 22‬هـ‪ 643/‬م)‪:‬‬


‫فتح برقة وزويلة وودان مابني (‪ 46 - 22‬هـ‪ 669 - 643 /‬م)‪:‬‬
‫توجــه عمــرو بــن العــاص بعــد فتــح مصــر بجيشــه لفتــح مدينــة برقــة ســنة ( ‪ 22‬هـــ‪642 /‬‬

‫م)‪ .‬وكان قــد دخلهــا صلحــا وتعهــد ســكاهنا علــى دفــع مبلــغ مــن المــال تحمــل لمصــر ســنويا‪.‬‬
‫واشــرطوا اليدخــل صاحــب خــراج لمدينتهــم‪ .‬وكانــت األوضــاع فيهــا مســتقرة‪ ،‬ممــا ســاعد‬
‫الجيــش اإلســامي يف عمليــات الفتــح يف شــمال أفريقيــا‪.‬‬
‫ا� الليبيــة ت أ�مـ ي ن‬ ‫أ‬
‫الر ض‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫اكن معــرو ب ن� العــاص ي�ــدف مــن وراء فتــح‬
‫ة‬
‫احملتمــ� مــن مدينــت ي ب�قــة‬ ‫حــدود مــر الغربيــة مــن اهلجمــات ي ز‬
‫الب�نطيــة‬
‫ـ� ت�ــت الســيطرة ي ز‬
‫الب�نطيــة‪.‬‬ ‫وطرابلــس‪ ،‬الواقعتـ ي ن‬

‫وكان عمــرو بــن العــاص عازمــا علــى مواصلــة تقدمــه يف األراضــي الليبيــة‪ ،‬بعــد فتــح‬
‫برقــة فوصــل إلــى مدينــة اجدابيــا‪ ،‬وعقــد صلحــا مــع ســكاهنا علــى أن ُتــؤ ّدي المدينــة ‪ 5‬آالف‬
‫دينــار جزيــة ســنويا‪.‬‬
‫فيمــا اتجــه عقبــة بــن نافــع إلــى الجنــوب الغربــي حتــى وصــل لمدينــة زويلــة‪ ،‬وكانــت‬
‫طريــق تجــاري يربــط بيــن أوجلــة واجدابيــا‪ ،‬وفيهــا ســوق تجــاري مفتــوح للتجــارة الصحراويــة‬
‫القادمــة مــن الجنــوب والمتجهــة إلــى الشــمال والشــرق والغــرب‪ ،‬وتمكــن عقبــة مــن ضــم زويلة‬
‫وبقيــة المــدن القريبــة منهــا كمــا دخــل مدينــة جرمــة صلحــا‪.‬‬
‫وصلــت الفتوحــات يف األراضــي الليبيــة بقيــادة بســر بــن أبــي أرطــاة إلــى ودان ســنة ( ‪23‬‬

‫هـــ‪ 634 /‬م) وكانــت قــد نقضــت العهــد الــذي أبــرم بينهــا وبيــن المســلمين فعــاد إليهــا عقبــة بــن‬
‫نافــع ســنة ( ‪ 49‬هـــ‪ 669 /‬م) بجيشــه وأعــاد فتحهــا مــن جديــد‪.‬‬
‫أرســل بكتــاب إلــى الخليفــة عمــر بــن الخطــاب يعلمــه بتطــورات األحــداث المتعلقــة‬
‫بعمليــات الفتــح اإلســامي يف األراضــي الليبيــة‪ ،‬يقــول فيــه‪« :‬إن مــن بيــن زويلــة وبرقــة ســلم‬
‫كلهــا‪ ،‬حســنت طاعتهــم‪ ،‬قــد أدى مســلمهم الصدقــة‪ ،‬وأقــر معاهدهــم بالجزيــة»‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫فتح مدينة طرابلس الغرب يف سنة(‪ 23‬هـ‪ 634 /‬م)‪:‬‬


‫أطرابلــس‪ 1‬مدينــة حصينــة ســاحلية علــى البحــر المتوســط اســتعصم فيهــا البيزنطيــون‬
‫واحتمــوا بأســوارها وبســفنهم الراســية علــى ســاحلها‪ .‬قــدم إليهــا عمــرو بــن العــاص بقواتــه بعــد‬
‫أن ضــم ســرت ولبــدة‪ ،‬فلمــا وصلهــا عســكر بجيشــه شــرقي المدينــة‪.‬‬
‫حــاول البيزنطيــون وألكثــر مــن شــهر صــد جيــش المســلمين ومنعهم مــن اقتحام أســوار‬
‫مدينــة طرابلــس‪ ،‬وطــال أمــد الحصــار فأرســل عمــرو بــن العــاص فرقــة مــن جيــش المســلمين‬
‫لالســتطالع وتقصــي األخبــار‪ .‬تقدمــت الفرقــة عندمــا انحســر البحــر ووجــد رجــل مــن بــن‬
‫مدلــج مســلكا بيــن البحــر والمدينــة‪ .‬حيــث تمكــن مــن فتــح أحــد أبواهبــا‪ ،‬ودخــل صحبــة فرقتــه‬
‫مكربيــن‪ ،‬ولــم يكــن أمــام البيزنطييــن ملجــأ ســوى ســفنهم القريبــة والراســية علــى شــاطئ البحــر‬
‫فدخلهــا عمــرو بــن العــاص وجنــوده فاتحــا‪ ،‬بعــد أن فــر منهــا الحــراس البيزنطيــون‪.‬‬
‫ومــا إن انتهــى ابــن العــاص مــن فتــح طرابلــس وتنظيــم أمورهــا‪ ،‬حتــى أرســل جيشــه‬
‫بقيــادة عبــد اهلل بــن الزبيــر لفتــح صرباتــة‪ ،‬وكان قــد أقــام فيهــا البيزنطيــون حاميــة للدفــاع عنهــا‪،‬‬
‫فــكان وصــول الجيــش لصرباتــة مفاجئــا لــكل مــن البيزنطييــن وســكاهنا‪ .‬فقــد تمكــن مــن أخذهــا‬
‫عنــوة وغنــم غنائــم وفيــرة‪.‬‬
‫كان عمــرو بــن العــاص يســتعد بعــد فتــح صرباتــة للســير قاصــدا مدينــة شــروس أحــد‬
‫أهــم مــدن جبــل نفوســة وعندمــا وصلهــا ظــل مالزمــا لهــا حتــى تــم فتحهــا‪.‬‬
‫استبشــر الفاتحــون بقيــادة عمــرو بــن العــاص هبــذه االنتصــارات التــي تحققــت بفتــح‬
‫أغلــب األراضــي الليبيــة‪ ،‬فأرســل كتابــا إلــى الخليفــة عمــر بــن الخطــاب يطلعــه علــى رغبتــه يف‬
‫مواصلــة مســيره غربــا لفتــح بقيــة مــدن إفريقيــة‪ ،‬إال أن أميــر المؤمنيــن يف المدينــة أمــره بالرتيــث‬
‫حتــى تســتقر لــه األمــور يف مصــر‪.‬‬
‫امتثــل عمــرو بــن العــاص ألمــر الخليفــة‪ .‬وعــاد إلــى مصــر وقــد عينــه واليــا عليهــا‪ ،‬وظــل‬
‫يف منصبــه حتــى وفاتــه ســنة ( ‪ 43‬هـــ ‪ 644 /‬م) وكانــت يف عهــد معاويــة بــن أبــي ســفيان مؤســس‬
‫الدولــة األمويــة‪.‬‬
‫دفعــت هــذه االنتصــارات التــي حققهــا الجيــش اإلســامي يف طرابلــس وصرباتــة إلــى‬
‫تراجــع البيزنطييــن تجــاه إفريقيــة (تونــس الحاليــة)‪.‬‬
‫وأضحــت ليبيــا هــي الحــد الغربــي يف صــدر اإلســام عهــد الخلفــاء الراشــدين‪ ،‬وقــد‬

‫ ذكرت طرابلس يف المصادر التاريخية والجغرافية القديمة برسم (أطرابلس)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪53‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫ظلــت كذلــك إلــى أن أسســت مدينــة القيــروان ســنة ( ‪ 50‬هـــ‪ 670 /‬م) وقــد صــار لهــا وال خــاص‬
‫هبــا‪ ،‬هــو عقبــة بــن نافــع الفهــري‪.‬‬

‫وفاة أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب سنة (‪ 23‬هـ‪ 644 /‬م)‪:‬‬


‫تــويف عمــر بــن الخطــاب غيلــة وعمــره ثالثــة وســتين عامــا‪ .‬اغتالــه رجــل فارســي يدعــى‬
‫بأبــي لؤلــؤة المجوســي‪ ،‬ووري جثمانــه الثــرى إلــى جانــب صاحبيــه ‪:‬الرســول الكريــم صلــوات‬
‫اهلل وســامه عليــه وأبــي بكــر الصديــق رضــي اهلل عنــه‪.‬‬

‫نشــــاط‬
‫ف‬
‫تعرفنــا عــى الفتوحــات إالســامية ي� بــاد الشــام مــا الدوافــع ال ـت ي دفعــت‬
‫القيــادة إالســامية إىل التحــرك تج�ــاه مــر وليبيــا ؟‪.‬‬
‫أ� أرطــاة لفتــح املناطــق‬ ‫ن‬ ‫ن ن‬
‫ا�ــه املســمون بقيــادة عقبــة ب� �فــع وبــر ب� ب ي‬
‫ملــاذا تج‬
‫الداخليــة ف ي� ليبيــا كزويـ ةـ� وودان؟‬

‫‪54‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫خالفة عثمان بن عفان ڤر‬


‫(‪ 35 - 23‬هـ‪ 656 - 644 /‬م)‬

‫ •نســبه‪ :‬عــامن ب� عفــان ب� ب ي‬


‫ر� هللا عنــه‪ ،‬ولــد بعــد‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ث ن‬
‫أ� العــاص ب� أميــة ي‬
‫مولــد الرســول حممــد صــى هللا عليــه وســم ســنة ‪ 47‬قبــل اهلجــرة‪ 577 /‬م)‪،‬‬
‫و�حليــاء‪.‬‬‫مــن حصابــة رســول هللا عــرف ب�لكــرم ورقــة القلــب ب‬
‫ن أ‬
‫ـور� لنــه تز�وج بنـت ي رســول هللا حممــد صــى هللا عليــه وســم‬ ‫ •لقــب بــذي النـ ي‬
‫رقيــة واكنــت قــد هاجــرت معــه إىل احلبشــة‪ ،‬وملــا توفيــت تز�وج مــن شـ ت‬
‫ـقيق�ا‬
‫ف‬
‫أم لكثــوم وتوفيــت ي� الســنة التاســعة مــن اهلجــرة‪.‬‬
‫ •اســتعان النـ بـ� حممــد صــى هللا عليــه وســم بــه ف ي� صلــح احلديبيــة حـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬
‫أرســه ليتفــاوض مــع كفــار قريــش‪.‬‬
‫أ� بكــر ومعــر‪ ،‬وهــو‬ ‫ـ� صــى هللا عليــه وســم وعــن ب ي‬ ‫ •روى احلديــث عــن النـ ب ي‬
‫أحــد العـ شـرة املبـ شـر ي ن� ب� جلنــة‬

‫قبــل وفــاة أميــر المؤمنيــن عمــر بــن الخطــاب طلــب الصحابــة منــه أن يســتخلف مــن‬
‫بعــده خليفــة للمســلمين كمــا فعــل مــن قبلــه أبــو بكــر الصديــق‪.‬‬
‫رشــح عمــر بــن الخطــاب ســتة مــن الصحابــة الســابقين بإســامهم الختيــار أحدهمــا‬
‫لخالفــة المســلمين بعــد وفاتــه وهــم‪:‬‬
‫عثمــان بــن عفــان ‪ -‬علــي بــن أبــي طالــب‪ -‬ســعد بــن أبــي وقــاص‪ -‬عبــد الرحمــن بــن‬
‫عــوف ‪ -‬الزبيــر بــن العــوام‪ -‬طلحــة بــن عبيــد اهلل‪ ،‬وأوصــي علــى أن يكــون حاضــرا عنــد االختيار‬
‫ابنــه عبــد اهلل بــن عمــر دون أن يكــون لــه حــق تولــى الخالفــة‪.‬‬
‫وتقــرر اختيــار عثمــان بــن عفــان خليفــة للمســلمين باإلجمــاع يف المدينــة النبويــة‪.‬‬
‫وحصــل علــى البيعــة العامــة‪.‬‬

‫أهم أعماله‪:‬‬
‫قضــى الخليفــة عثمــان معظــم فــرة خالفتــه يف توطيــد أركان الدولــة‪ ،‬وقــد اتســعت‬
‫حدودهــا نتيجــة لحركــة الفتوحــات اإلســامية يف عهــد الخلفــاء الســابقين‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫ومــن أجـ ّـل األعمــال التــي قــام هبــا يف عهــده أنــه قــام بنســخ مصحــف أبــي بكــر الصديــق‬
‫ثــم قــام بتوزيــع النســخ علــى األقاليــم اإلســامية‪ ،‬خوفــا مــن ضياعــه وتحريفــه‪ .‬ولذلــك عــرف‬
‫بالمصحــف العثمــاين‪.‬‬
‫وكان أول من قام بتوسعة للمسجد الحرام والمسجد النبوي يف المدينة النبوية‪.‬‬
‫جعــل عثمــان بــن عفــان دارا للقضــاء يجلــس فيهــا القاضــي ليقضــي فيهــا بيــن النــاس‪ ،‬إذ‬
‫كان يتــم التقاضــي بيــن النــاس يف المســجد‪.‬‬
‫حــرص الخليفــة عثمــان علــى اتبــاع سياســة عمــر النقديــة‪ ،‬فقــد قــام بضــرب عملــة‬
‫إســامية عبــارة عــن دراهــم نقشــها اهلل أكــر‪.‬‬
‫اهتــم الخليفــة الراشــدي الثالــث بتأميــن حــدود الجبهــة الغربيــة يف مصــر وليبيــا‪ ،‬وكان‬
‫البيزنطيــون يســتعدون لمعــاودة الهجــوم علــى اإلســكندرية عــن طريــق البحــر‪ ،‬لعلمهــم بعــدم‬
‫قــدرة المســلمين علــى مقارعتهــم بــذات الســاح‪ ،‬لعــدم امتالكهــم أســطول بحــري‪.‬‬
‫طلــب والــي مصــر عبــد اهلل بــن أبــي ســرح مــن الخليفــة عثمــان بــن عفــان الســماح لــه‬
‫بإنشــاء دار لصناعــة الســفن يف مصــر‪ ،‬فــأذن لــه بذلــك وبــدأ يف بنــاء أســطول إســامي يف البحــر‬
‫المتوســط بمســاعدة أميــر بــاد الشــام معاويــة بــن أبــي ســفيان‪ ،‬ويف فــرة وجيــزة اســتطاع‬
‫األســطول اإلســامي الســيطرة علــى بعــض جــزر البحــر المتوســط‪ ،‬كجزيــرة قــرص‪.‬‬
‫وتوجــت انتصــارات األســطول اإلســامي بقيــادة عبــد اهلل بــن أبــي الســرح وبســر بــن‬
‫أبــي أرطــاة‪ ،‬يف موقعــة ذات الصــواري ســنة ( ‪ 34‬هـــ‪ 654 /‬م) التــي جــرت وقائعهــا عنــد الســاحل‬
‫الجنوبــي آلســيا الصغــرى‪ ،‬حيــث ســيطروا علــى جزيــريت قــرص ورودس‪.‬وبذلــك صــار للدولــة‬
‫اإلســامية قــوة بحريــة ناشــئة يف مصــر وبــاد الشــام‪ ،‬تمكنــت مــن التغلــب علــى األســطول‬
‫البيزنطــي يف الجــزء الشــرقي يف البحــر المتوســط‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫خريطة تبني نشاط املسلمني البحري يف احلوظ الشرقي للبحر املتوسط‬


‫الفتوح اإلسالمية يف عهد اخلليفة عثمان بن عفان‪:‬‬
‫كانــت حركــة الفتــوح يف عهــده امتــداد لحركــة الفتــح التــي بــدأت يف عهــد أبــي بكــر‬
‫وعمــر بــن الخطــاب‪.‬‬

‫فتح إفريقية‪:‬‬
‫كلــف الخليفــة عثمــان بــن عفــان عبــد اهلل بــن أبــي ســرح بغــزو إفريقيــة‪ ،‬وأمــده بجيــش‬
‫يضــم أعيــان الصحابــة ســمي بجيــش العبادلــة ســنة ( ‪ 27‬هـــ‪ 647 /‬م)‪ .‬خــرج عبــد اهلل بــن أبــي‬
‫الســرح بعــد أن انضــم إليهــم عقبــة بــن نافــع يف برقــة يف قــوة قاصــدا إفريقيــة قاعــدة البيزنطييــن يف‬
‫الجــزء الغربــي يف البحــر المتوســط‪ ،‬وكان قــد نــزل يف عقوبــة مــكان قريبــة مــن ســبيطلة وهنــاك‬
‫اشــتبك الجيشــان البيزنطــي واإلســامي يف مدينــة ســبيطلة‪ .‬رجحــت فيهــا كفــة المســلمين‪.‬‬
‫وأصــاب فيهــا جيــش العبادلــة غنائــم كثيــرة‪.‬‬
‫رجــع عبــد اهلل بــن أبــي الســرح إلــى إفريقيــة ســنة ( ‪ 29‬هـــ ‪ 649 /‬م) وواصــل تقدمــه حتى‬
‫وصــل إلــى قفصــة ومنهــا اتجــه لفتــح حصــن األجــم‪ .‬فيمــا تمكــن عبــد اهلل بــن الزبيــر بالظفــر‬

‫‪57‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫بقائــد جيــش البيزنطييــن جرجيــر وقتلــه يف ( ‪ 29‬هـــ‪ 649 /‬م)‪ ،‬وبذلــك أحكــم الجيــش اإلســامي‬
‫ســيطرته علــى ســبيطلة وبقيــة المــدن والقــرى القريبــة منــه‪ ،‬واتفــق ســكاهنا علــى طلــب الصلــح‬
‫مــع عبــد اهلل بــن أبــي ســرح مقابــل مــال يدفعونــه ويرحــل عــن مناطقهــم‪.‬‬
‫عــاد عبــد اهلل بــن أبــي ســرح لمقــر اقامتــه يف مصــر‪ ،‬وبعــث بكتــاب إلــى الخليفــة يعلمــه‬
‫بذلــك وقــد حالــت حادثــة حصــار الخليفــة عثمــان بــن عفــان يف المدينــة دون اســتكمال فتــح‬
‫بقيــة مناطــق شــمال أفريقيــا‪ ،‬وكانــت أحــد األســباب التــي أدت إلــى توقــف حركــة الفتوحــات‬
‫اإلســامية‪.‬‬

‫وفاة اخلليفة عثمان بن عفان (‪ 35‬هـ‪ 656 /‬م)‪:‬‬


‫اضطربــت أحــوال األقاليــم اإلســامية خاصــة يف مصــر وبــاد العــراق يف هنايــة عهــد‬
‫الخليفــة عثمــان بــن عفــان‪ ،‬ممــا دفعــه إلرســال بعــض رجالــه لتقصــي الحقائــق والوقــوف علــى‬
‫األســباب التــي أدت إلــى تــأزم الوضــع يف هــذه البــاد‪ ،‬إال أن األمــور تأزمــت أكثــر حتــى وصلــت‬
‫إلــى حــد خــروج النــاس عــن الطاعــة‪ ،‬وإرســال وفــود إلــى المدينــة مطالبــة بعــزل الــوالة المعينين‬
‫مــن قبلــه‪.‬‬
‫وقــد تطــورت األحــداث بشــكل كبيــر وخطيــر يف المدينــة النبويــة‪ ،‬خاصــة بعــد قــدوم‬
‫الوفــود إليهــا مــن مصــر والعــراق وبقيــة األقاليــم اإلســامية‪ ،‬وتــم حصــار بيــت الخليفــة وقتلــه‬
‫يف يــوم الجمعــة( ‪ ،18‬مــن ذي الحجــة ‪ 35‬هـــ‪ 656 /‬م)‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫خالفة َعلي بن أيب طالب ڤر‬


‫( ‪ 40 - 35‬هـ‪ 661 – 656 /‬م)‬
‫ •نســبه‪ :‬عــ� ن� أ� طالــب ن� عبــد املطلــب ن� عبــد منــاف ش‬
‫اهلــا�‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ي ب بي‬
‫ا� مع رســول هللا صــى هللا عليــه وســم أمــه فاطمــة بنــت‬ ‫ش‬
‫القــر� وهــو ب ن‬
‫ي‬
‫ا� معــه‬‫أســد ولــد قبــل اهلجــرة احملمديــة ( ‪ 600 / 23‬م)‪،‬نشــأ تو� ب� ف ي� بيــت ب ن‬
‫حممــد صلــوات هللا وســامه اكن أول مــن أســم مــن الفتيــان‪ ،‬زوجــه رســول‬
‫ـم� بعــد وفــاة عـ ثـامن ب ن� عفــان‬ ‫هللا مــن ابنتــه فاطمــة‪ ،‬تــوىل خالفــة املسـ ي ن‬
‫ن أ‬ ‫خ‬ ‫ف‬
‫ـد� الربعــة‪.‬‬‫ي‬ ‫ـ‬ ‫اش‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ـاء‬
‫ـ‬ ‫لف‬ ‫ال‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫آخ‬ ‫ـ‬
‫ـو‬ ‫�‬ ‫وبذلــك‬
‫ • ت�ــت البيعــة هل ف� املدينــة النبويــة بعــد خ�ــس ليــال مــن مقتــل خ‬
‫الليفــة‬ ‫ي‬
‫عــامن ب ن� عفــان‪.‬‬ ‫ث‬
‫ـم� قائــا هلــم‪« :‬إن‬ ‫ •صعــد املنـ بـر ف�مــد هللا واثـ نـى عليــه ث� خطــب ف ي� املسـ ي ن‬
‫�ــذوا ب� خلـ يـر ودعــوا‬ ‫ـ� فيــه خ‬
‫الـ يـر والـ شـر فخ‬ ‫ـاد� بـ ي ن‬
‫ـا� هـ ي‬ ‫هللا عــز وجــل ن زأ�ل كتـ ب‬
‫الـ شـر‪.».....‬‬
‫ •خصــاهل‪ :‬اشـهت ر بشــجاعته وورعــه واكن عاملــا ب�لقضــاء خطيبــا بليغــا حســن‬
‫البيان‪.‬‬
‫أ� طالــب ( ‪ )586‬حديثــا عــن رســول هللا حممــد صــى‬ ‫ •روي إالمــام عـ ن‬
‫ـ� ب� ب ي‬ ‫ي‬
‫هللا عليــه وســم‬

‫أعمال علي بن أيب طالب‪:‬‬


‫بــدأ عهــده بعــزل الــوالة الســابقين ممــن اهتمــوا يف أمانتهــم وعــدم قدرهتــم علــى إدارة‬
‫الواليــات‪ ،‬وكانــوا ســببا يف خــروج النــاس علــى الخليفــة عثمــان بــن عفــان وتعييــن والة جــدد‬
‫علــى األمصــار اإلســامية‪ .‬يتمتعــون بثقــة الخليفــة والرعيــة‪.‬‬
‫أمــا قصــة خالفــه مــع معاويــة بــن أبــي ســفيان  أميــر دمشــق منــذ عهــد الخلفــاء‬
‫الســابقين أبــي بكــر وعمــر وعثمــان رضــي اهلل عنهــم‪ .‬يرجــع ســبب الخــاف إلــى امتنــاع معاويــة‬
‫عــن مبايعــة علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬وحجتــه الــزام علــي بمعاقبــة قتلة عثمــان‪ ،‬عمــل أميــر المؤمنين‬

‫‪59‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫جاهــدا علــى اتقــاء الفتنــة التــي ظهــرت بعــد مقتــل ذي النوريــن‪ ،‬وقــد عارضــه الكثيــرون يف‬
‫سياســته الراميــة لتهدئــة النفــوس؛ وخاصــة يف بــاد الشــام‪ .‬وكان علــي بــن أبــي طالــب قــد خــرج‬
‫مــن المدينــة النبويــة إلــى الكوفــة التــي اتخذهــا دارا لخالفتــه‪.‬‬
‫حــاول أميــر المؤمنيــن حســم الخــاف مــع معاويــة‪ ،‬والمؤيديــن لــه مــن أهــل الشــام‬
‫ــد محاوالتــه نفعــا‪ .‬ممــا أدى إلــى نشــوب صراعــات وصدامــات‪ ،‬كادت أن‬ ‫ســلما‪ ،‬ولــم ُتج ِ‬
‫ْ‬
‫تعصــف بأمــن واســتقرار الدولــة اإلســامية‪.‬‬

‫وقعة اجلمل (‪ 36‬هـ‪ 657 /‬م)‪:‬‬


‫خرجــت الســيدة عائشــة ڤ تطلــب القصــاص مــن قتلــة الخليفــة عثمــان بــن عفــان‪.‬‬
‫وقــدم الزبيــر بــن العــوام وطليحــة بــن عبيــد اهلل إلــى مكــة المكرمــة‪ ،‬واتفقــوا علــى الخــروج إلــى‬
‫البصــرة‪ ،‬وكتبــوا إلــى زعمائهــا األحنــف بــن قيــس و المنــذر بــن ربيعــة‪ ،‬يطلبــون منهــم انضمامهم‬
‫إلــى صــف بــن الزبيــر‪ ،‬وأخــذوا بسياســة اســتمالة الخصــوم وتحريضهــم علــى قتــال علــي بــن‬
‫أبــي طالــب‪ ،‬ولــم تســفر جهــود اإلمــام علــي يف رأب الصــدع مــع خصومــه ومعارضيــه‪ ،‬فكانــت‬
‫وقعــة الجمــل‪ ،‬وقــد ظفرأميــر المؤمنيــن بعــدد كبيــر مــن المنشــقين‪.‬‬

‫وقعة صفني (‪ 37‬هـ ‪ 658 /‬م)‪:‬‬


‫قــرر عليــا بــن أبــي طالــب عــزل معاويــة بــن أبــي ســفيان مــن واليــة بــاد الشــام‪ ،‬فعصــاه‬
‫معاويــة ورفــض التســليم لــه‪ ،‬وتنــازع الرجــان واشــياعهم حتــى وصــل إلــى اقتتــال يف ســهل‬
‫صفيــن‪ ،‬وقــد زهقــت دمــاء مــن الطرفيــن‪ ،‬وكادت أن تنتــه لصالــح علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬لــوال‬
‫تدبيــر مــن عمــرو بــن العــاص‪ ،‬إذ أشــار علــى أهــل الشــام برفــع المصاحــف علــى أســنة الســيوف‬
‫وتحكيــم القــرآن بينهــم وبيــن انصــار علــي بــن أبــي طالــب وجلهــم مــن أهــل العــراق وقبــل علــي‬
‫قبــول التحكيــم وهــو مــدرك أهنــا خديعــة مــن عمــرو‪.‬‬

‫حادثة التحكيم‪:‬‬
‫جــاءت علــى إثــر وقعــة صفيــن يف ســنة ( ‪ 38‬هـــ‪ 658 /‬م)‪ ،‬واختــار أهــل العــراق أبــا‬
‫موســى األشــعري‪ .‬وقــدم أهــل الشــام عمــرو بــن العــاص‪ ،‬واتفقــا علــى أن يتــم خلــع الرجليــن‬
‫أميــر المؤمنيــن يف المدينــة النبويــة علــي بــن أبــي طالــب ومعاويــة بــن أبــي ســفيان أميــر دمشــق‪.‬‬
‫التــزم أبــو موســى األشــعري بمــا اتفــق عليــه مــع ابــن العــاص‪ ،‬فخلــع صاحبــه علــي‪،‬‬
‫وخالفــه عمــرو الــذي أقــر معاويــة أميــرا‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫انقســم المســلمون بعــد هــذه الحادثــة وقــد رأوا يف ذلــك مخالفــة لتوجهــم‪ ،‬ففريــق وقف‬
‫مــع معاويــة وآخــر رأى عــزل الرجليــن علــي ومعاويــة‪ ،‬وآخــر أقــر مبايعــة علــي بــن أبــي طالــب‬
‫وهــم أهــل الكوفــة‪.‬‬

‫وقعة النهروان (‪ 39‬هـ‪ 659 /‬م)‪:‬‬


‫اتســعت دائــرة الخــاف بيــن علــي بــن أبــي طالــب وخصومــه السياســيين‪ ،‬ممــن رفضــوا‬
‫نتائــج حادثــة التحكيــم القبــول هبــا‪ ،‬وكانــوا قــد خلعــوا عليــا واجتمعــوا علــى قتالــه‪ ،‬فقاتلهــم‬
‫وانتصــر عليهــم‪ .‬وهــم الذيــن عرفــوا بالخــوارج بعــد ذلــك‪.‬‬
‫قتــل أميــر المؤمنيــن علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬قتلــه عبــد الرحمــن بــن ملجــم المــرادي يف‬
‫( ‪ 17‬رمضــان ‪ 40 -‬هـــ‪ 611 /‬م)‪.‬‬

‫اخلوارج‪:‬‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫أ� طالب ي� ب�دئ المر‪،‬‬ ‫�‬ ‫عل‬
‫ي ب بفي‬ ‫شيعة‬ ‫من‬ ‫واكنوا‬ ‫موي�‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫مه ج�اعة خرجوا عىل‬
‫التحك� وحاربوه ي� نال�روان‪.‬‬
‫ي‬ ‫ث� خرجوا عليه بعد حادثة‬

‫‪61‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫عام اجلماعة‬
‫بايــع جنــد العــراق الحســن بــن علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬بعــد مقتــل أبيــه علــي بــن أبــي‬
‫طالــب‪.‬‬
‫امتنــع جنــد بــاد الشــام عــن مبايعتــه بتأثيــر مباشــر مــن أميرهــم معاويــة بــن أبــي ســفيان‪،‬‬
‫وكان قــد أفصــح عــن رغبتــه يف تولــى خالفــة المســلمين‪ ،‬عقــب مقتــل آخــر الخلفــاء الراشــدين‬
‫أبــو الحســن‪.‬‬
‫ولمــا رأى الحســن بــن علــي قــوة جنــد الشــام واصرارهــم علــى تغليــب معاويــة عليــه‪،‬‬
‫أيقــن أن مــن مصلحــة األمــة أن يســلم لمعاويــة بالخالفــة حتــى يمنــع الشــقاق بيــن المســلمين يف‬
‫العــراق والشــام‪ .‬ويحقــن الدمــاء فتنــازل لــه يف ربيــع األول ســنة ( ‪ 41‬هـــ‪ 661 /‬م)‪ ،‬قبــل أهــل‬
‫العــراق بالتســليم لمعاويــة‪ ،‬بينمــا رفــض الخــوارج التســليم لــه‪.‬‬
‫أمــا الحســين بــن علــي فقــد قبــل بمــا عقــده أخيــه واتفــق عليــه الحســن مــع معاويــة‪ ،‬وآثــر‬
‫علــى نفســه أن يطلــب شــيئا لنفســه وأخــوه كان زاهــد فيــه إلــى أن قــرر معاويــة توريــث الخالفــة‬
‫البنــه يزيــد مــن بعــده‪ .‬عندهــا صمــم الحســين علــى الخــروج ورفــض أن يبايــع لــه بالخالفــة‬
‫وهــذا مــا ســيتم تناولــه الحقــا‪.‬‬

‫عام الجماعة األول (‪ 41‬هـ‪ 661 /‬م)‬


‫ن ف‬
‫ـم� ي� بــاد الشــام والعراق‬ ‫هــو العــام الــذي اتفــق فيــه عامــة املسـ ي‬
‫خ‬
‫أ� طالب‪،‬‬ ‫عــى حقــن الدمــاء وا�ــاد الفتنــة عقــب مقتل إالمــام عــى ب ن� يب‬
‫أ� ســفيان مــن أهــل‬ ‫ن‬ ‫ومنعــا حلــدوث صــدام بـ ي ن‬
‫معاويــة ب� ب ي‬
‫أ‬
‫ـ� منــارصي‬
‫الخـ يـر هل عــن خالفــة املسـ ي ن‬
‫ـم�‬ ‫ـ�‪ ،‬تنــازل‬ ‫الشــام ومؤيــدي احلســن ب ن� عـ‬
‫ة أ‬ ‫ي‬
‫أ� ســفيان عــن قيــام الــدول المويــة ومقرهــا دمشــق‬ ‫ن‬
‫ليعلــن معاويــة ب� ب ي‬
‫ف‬
‫ي� بــاد الشــام‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫انتشار اإلسالم يف بالد الشام والعراق وبالد فارس‬


‫العوامل اليت دفعت املسلمني للفتح‪:‬‬
‫بعــد أن حقــق المســلمون االنتصــار علــى المرتديــن وإعــادة الوحــدة والقــوة إلــى‬
‫الجزيــرة العربيــة وإثبــات قوهتــم ألعدائهــم خــارج الجزيــرة بانتصارهــم يف حملــة أســامة بــن زيــد‬
‫توجهــوا بعــد ذلــك لفتــح كل مــن الشــام والعــراق تدفعهــم إلــى ذلــك عوامــل مــن أهمهــا‪:‬‬
‫أرغبــة المســلمين يف نشــر اإلســام وتبليــغ الرســالة التــي أصبحــت مــن‬ ‫ ‪.‬‬
‫أول واجباهتــم بعــد أن اعتنقــوا اإلســام وفــق مــا جــاء يف القــرآن الكريــم‪:‬‬
‫﴾‬ ‫﴿‬
‫ســورة ســبأ‪.‬‬
‫وقــد حــارب حــكام البــاد المجــاورة اإلســام ومنعــوا وصــول الدعــوة اإلســامية‬
‫إلــى رعاياهــم ممــا دعــا المســلمين إلــى محاربتهــم‪.‬‬
‫ ‪ .‬بضعــف الدولتيــن المجاورتيــن الــروم البيزنطييــن والفــرس ممــا ســاعد وشــجع علــى‬
‫غزوهمــا ونشــر االســام يف المناطــق التــي كانــوا يســيطرون عليهــا‪.‬‬

‫الصراع مع الفرس‪:‬‬
‫كان يجــاور البــاد العربيــة دولتــان عظيمتــان‪ :‬همــا دولــة الفــرس يف الشــرق ودولــة‬
‫الــروم البيزنطييــن يف الغــرب وكانــت الدولتــان يف نــزاع مســتمر‪ ،‬وكان میــدان هــذا النــزاع هــو‬
‫الجــزء الشــمالي مــن المنطقــة العربيــة (العــراق) حيــث كانــت نــار الحــرب ال تخمــد يف هــذه‬
‫وحــد كلمــة‬
‫المنطقــة‪ .‬وأضعــف هــذا النــزاع الدولتيــن يف الوقــت الــذي كان فيــه اإلســام قــد ّ‬
‫العــرب وألــف بينهــم وأصبــح اإلســام قبلتهــم وغــدت حرهبــم الجهــاد يف ســبيل اهلل وابتغــاء‬
‫مرضاتــه ونشــر مبادئــه‪.‬‬
‫لــم يكــن العــراق غريبــا عــن ســكان الجزيــرة بــل كان امتــدادة المنــازل قبائلهــا ودار‬
‫هجــرة كانــت تنتقــل إليــه وتســكنه‪ .‬وكان الفــرس يجــدون يف هــذه القبائــل أداة مــن أدواهتــم التــي‬
‫تكفيهــم اعتــداء القبائــل العربيــة التــي تقيــم علــى حدودهــم فأقامــت منهــم دويــات وإمــارات‬
‫تأتمــر بأمرهــم‪ .‬ومهمــا يكــن مــن أمــر هــذه الصــات فقــد كان العــراق مــن أهــداف حركــة الفتوح‬
‫اإلســامية وخاصــة بعــد أن أخــذت أنظــار القبائــل العربيــة النازلــة بأطــراف العــراق والشــام تتجه‬
‫نحــو الدولــة اإلســامية الجديــدة التــي قامــت يف المدينــة‪ ،‬وأخــذت تخصهــا بإعجاهبــا‪ ،‬بــل لقــد‬

‫‪63‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫بلــغ األمــر ببعــض هــذه القبائــل أن طلبــت مــن الخليفــة أبــي بكــر أن يعينهــا علــى غــزو العــراق‬
‫والشــام وطــرد الــروم والفــرس منهمــا‪.‬‬
‫أرســل الخليفــة أبــو بكــر الصديــق جيشــة بقيــادة خالــد بــن الوليــد والمثنــی بــن حارثــه‬
‫الشــيباين إلــى جنــوب العــراق وتــم إخضــاع المنطقــة وهزيمــة الفــرس واألســتيالء علــى الحيــرة‬
‫واألنبــار‪ ،‬ثــم أمــر الخليفــة بعــد ذلــك خالــد بالتوجــه إلــى الشــام لمســاعدة الجيــوش اإلســامية‬
‫التــي تحــارب الــروم‪.‬‬
‫أسباب انتصار املسلمني على دوليت الفرس والروم‪:‬‬
‫اســتطاع المســلمون األنتصــار علــى أكــر دولتيــن يف ذلــك الوقــت وهمــا دولتــا الفــرس‬
‫والــروم البيزنطييــن ولعــل أهــم أســباب هــذا االنتصــار‪:‬‬
‫ ) أضعــف دولتــي الفــرس والبيزنطييــن نتيجــة للحــروب الطويلــة بينهمــا وانتشــار‬
‫الفســاد والتفــكك السياســي داخلهمــا‪.‬‬
‫ ) بنقمــة ســكان المناطــق المحتلــة علــى الدولتيــن لالضطهــاد الدينــي وكثــرة الضرائب‬
‫وترحيبهــا بالفتــح اإلســامي للتخلــص من اســتبداد المســتعمرين‪.‬‬
‫ ) جإحســاس المســلمين باالنتمــاء لدينهــم وشــدة إيماهنــم بمبادئهــم والحــرص علــى‬
‫االستشــهاد يف ســبيل اهلل ونشــر االســام‪.‬‬
‫ ) دظهور قادة أكفاء بعيدي النظر‪ ،‬قادوا الجيوش نحو االنتصارات‪.‬‬
‫ ) هوجــود قبائــل عربيــة يمنيــة يف العــراق والشــام كانــت علــى اتصــال مــع عــرب شــبه‬
‫الجزيــرة العربيــة‪ ،‬وقــد دفعتهــم رابطتهــم الجنســية والعرقيــة للوقــوف مــع الجيــوش‬
‫اإلســامية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫بالد احلجاز بعد ظهور اإلسالم يف العصر الوسيط‬


‫ارتفــع شــأن بــاد الحجــاز وعــا شــأهنا بعــد ظهور اإلســام وتأســيس الدولة اإلســامية‬
‫التــي اســتطاعت أن توحــد شــبه الجزيــرة العربيــة كلهــا تحــت ســلطاهنا‪ ،‬ثــم اندفــع العــرب يف‬
‫عهــد الخلفــاء الراشــدين يف حركــة الفتــوح‪ ،‬فقامــت الدولــة العربيــة اإلســامية الكــرى التــي‬
‫كان مركزهــا المدينــة النبويــة‪ ،‬حتــى مقتــل الخليفــة عثمــان بــن عفــان ســنة( ‪ 35‬هـــ‪ 655 /‬م)‪ ،‬ومــا‬
‫حــدث بعــد ذلــك مــن خــاف بيــن الخليفــة علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬ومعاويــة بــن أبــي ســفيان والــي‬
‫الشــام‪.‬‬
‫أثبتــت تلــك الوقائــع أن بــاد الحجــاز لــم تعــد المركــز الــذي تــدار منــه شــؤون الدولــة‬
‫اإلســامية بعــد أن اتســعت رقعتهــا نتيجــة لحركــة الفتــوح اإلســامية‪ ،‬وهاجــرت منهــا أكثــر‬
‫القبائــل عــددا ونفــوذا إلــى المناطــق المفتوحــة يف العــراق وبــاد الشــام ومصــر وشــمال أفريقيــا‪.‬‬
‫وحينمــا انتقلــت الخالفــة إلــى معاويــة بــن أبــي ســفيان ســنة( ‪ 41‬هـــ‪ 661 /‬م)اتخــذ مــن‬
‫الشــام مركــز ًا لــه ومــن دمشــق عاصمــة للدولــة األمويــة‪ ،‬وأصبــح الحجــاز إقليمــا مرتبطــا‬
‫بالخليفــة مباشــرة‪ ،‬وانقســم الحجــاز إلــى ثــاث مناطق إداريــة مراكزهــا المدينة ومكــة والطائف‪.‬‬
‫وكانــت مكــة والطائــف تجمــع أحيانــا لوالــي المدينــة وأحيانــا كان لــكل منطقــة إداريــة واليهــا‪،‬‬
‫وبقيــت المدينــة مركــز واليــة الحجــاز يف العصــر األمــوي‪ .‬باســتثناء فــرة خالفــة عبــد اهلل بــن‬
‫الزبيــر ( ‪ 73 -64‬هـــ‪ 692 -683 /‬م) الــذي اتخــذ مكــة مركــز ًا لــه‪.‬‬
‫احتفظــت بــاد الحجــاز بمكانتهــا الدينيــة‪ ،‬وازدهــرت الحيــاة العلميــة وخاصــة علــم‬
‫الحديــث والفقــه والخــر والتفســير‪ ،‬ولهــا يف نفــوس المســلمين مكانــة روحيــة كبيــرة‪ ،‬فــكان‬
‫يقصدهــا طلبــة العلــم مــن كل مــكان لتلقــى العلــم وصنوفــه واالجتمــاع بعلمائهــا‬
‫لــم يختلــف وضــع الحجــاز بعــد انتقــال الخالفــة إلــى العباســيين‪ ،‬فقــد بقــي الحجــاز‬
‫إقليمــا مرتبطــا بالعاصمــة بغــداد‪ ،‬ويرســل إليــه الــوالة مــن أمــراء بنــي العبــاس أو من شــخصيات‬
‫لهــا صلــة وثيقــة بالعباســيين‪.‬‬
‫أصيبــت بــاد الحجــاز بنكبــات يف القــرن الثالــث الهجــري ‪ /‬التاســع الميــادي كان‬
‫أشــدها وقعــا غــارات القرامطــة الذيــن أخــذوا يتعرضــون لقوافــل الحجيــج‪ ،‬ويف ســنة( ‪ 318‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 930‬م) أغــاروا علــى مكــة وقتلــوا ســكاهنا وحملــوا الحجــر األســود إلــى البحريــن‪ ،‬ولــم يعيــدوه‬
‫إال ســنة ( ‪ 339‬هـــ‪ 951 /‬م)‪.‬‬
‫ويف أثنــاء هــذه الفــرة العصبيــة التــي مــرت هبــا الخالفــة العباســية وقــد أصاهبــا الضعــف‬

‫‪65‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫والتفــكك انتشــرت الفوضــى واختــل األمــن يف معظــم األقاليــم اإلســامية‪ .‬حدثــت مجاعــة‬
‫ونقــص كبيــر يف المــؤن و غــاء يف األســعار يف بــاد الحجــاز‪.‬‬
‫شــهد الحجــاز يف النصــف الثــاين مــن القــرن الرابــع الهجــري زيــادة يف نفــوذ العلوييــن‬
‫مــن آل الحســن‪ ،‬وظهــرت شــخصيات حاكمــة تنتهــي كلهــا يف نســبها إلــى موســى بــن عبــد اهلل‬
‫بــن موســى بــن عبــد اهلل بــن الحســن بــن علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬وارتبــط والء هــؤالء األمــراء‬
‫بحــكام مصــر مــن فاطمييــن وأيوبييــن ومماليــك‪ ،‬فلمــا ســيطر العثمانيــون علــى مصــر ســنة( ‪923‬‬

‫هـــ‪ 1517 /‬م) ُألحــق أقليــم الحجــاز بالدولــة العثمانيــة‪ ،‬وصــار أمــر إدارهتــا يف يــد الــوالة الموفدين‬
‫مــن االســتانة‪.‬‬
‫تــرك ســاطين آل عثمــان أمــراء مكــة مــن بنــي قتــادة الحســنيين ( ‪ 1343 -569‬هـــ‪1200 /‬‬

‫‪ 1924 -‬م) بمواقعهــم‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫ال� ت‬
‫عاش�ا بالد احلجاز‪.‬‬ ‫التار�ية ت‬ ‫ق� بتجميع مادة ت� ي خ‬
‫ر�ية تظهر أمه املراحل ي خ‬
‫ي‬

‫‪66‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫ف‬
‫سالم ي� بالد امل�ش ق منذ هعد الرسول صىل هللا عليه وسمل‬ ‫خريطة ي ن‬
‫تب� التوسع إال ي‬
‫ة أ‬ ‫ت‬
‫الدول الموية‬ ‫وح� هعد‬

‫‪67‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬سناقش ما يأيت‪:‬عدد األسباب التي دعت إلى‪:‬‬
‫ ) أوقعة صفين‪.‬‬
‫ ) بحادثة التحكيم‪.‬‬
‫سس‪2‬سعلل لما يأيت‪:‬‬
‫ ) أفتح المسلمين لمصر‪.‬‬
‫ ) بانتصار المسلمين على دولتي الفرس والروم‪.‬‬
‫ ) جتوجه خالد بن الوليد من العراق إلى الشام‪.‬‬
‫ ) دترحيب سكان المناطق الخاضعة للفرس والروم البيزنطيين باإلسالم‪.‬‬
‫سس‪3‬ستكلم عن انتشار اإلسالم واللغة العربية بعد الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫سس‪4‬سأكمل العبارات االتية‪:‬‬
‫ ) أأمــر الخليفــة عثمــان بــن عفــان  بنســخ‬
‫‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫ ) بأنشــأ عمــر بــن الخطــاب  عــدة دوواويــن‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫ ) جعام الجماعة هو‪:‬‬
‫سس‪5‬س«يعترب فتح ليبيا مكمال لفتح مصر» وضح ذلك‪.‬‬
‫سس‪6‬ستكلم عن‪:‬‬
‫ ) أموقعة اليرموك‪.‬‬
‫ ) بمعركة ذات الصواري‪.‬‬
‫ ) جموقعة القادسية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫يدشارلا ءافلخلا رصع ‪:‬يناثلا لصفلا‬

‫ ) دأهم المدن التي اختطها المسلمون بعد الفتوحات‪.‬‬


‫هـ) تاريخ بالد الحجاز‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫الفصل الثالث‬
‫قيام الدولة األموية يف‬
‫بالد الشام‬

‫‪71‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫الفصل الثالث‪ :‬قيام الدولة األموية يف بالد‬


‫الشام‬
‫(‪ 41‬هـ– ‪ 132‬هـ‪ 750 – 661/‬م)‬
‫‪60‬‬ ‫‪1.1‬معاوية بن أيب سفيان � وتأسيس الدولة األموية (‪– 41‬‬
‫هـ‪ 680 – 661 /‬م)‪:‬‬
‫بــدأت معالــم دولــة جديــدة يف الظهــور وهــي الدولــة األمويــة التــي اســتمرت يف قيــادة‬
‫المســلمين حوالــي تســعين ســنة بأســس ونظــم جديــدة لعــل مــن أهمهــا تــوارث الخالفــة يف‬
‫األســرة األمويــة حيــث بلــغ عــدد هــؤالء الخلفــاء ( ‪ )14‬خليفــة‪ ،‬وقــد امتــدت الدولــة اإلســامية‬
‫يف عهدهــم مــن الصيــن شــرقا إلــى المحيــط األطلســي غربــا وحــدود فرنســا الفاصلــة بيــن بــاد‬
‫األندلــس ومملكــة الفرنجــة‪.‬‬
‫‪2.2‬التطور السياسي واإلداري يف الدولة األموية‪:‬‬
‫وصــل معاويــة إلــى ســدة الحكــم بعــد تنــازل الحســن وتســليم أهــل العــراق لــه‪ ،‬حــرص‬
‫علــى نقــل مركــز الخالفــة مــن الكوفــة إلــى دمشــق ببــاد الشــام وذلــك لألســباب التاليــة‪:‬‬
‫‪1)1‬إن دمشــق كانــت مقــر واليتــه لمــدة عشــرين ســنة يف عهــدي الخليفــة عمــر بــن‬
‫الخطــاب والخليفــة عثمــان بــن عفــان حيــث أصبــح لــه فيهــا أتبــاع ومؤيــدون‬
‫كثيــرون ناصــروه وســاعدوه علــى تولــي الخالفــة‪.‬‬
‫‪2)2‬بعدها عن مركز المعارضة ضد معاوية يف الحجاز والعراق‪.‬‬
‫‪3)3‬وقوعهــا يف وســط باديــة الشــام عنــد مفــرق الطــرق التجاريــة التــي تربــط شــمال‬
‫الدولــة بجنوهبــا وشــرقها بغرهبــا فأعطاهــا هــذا الموقــع أهميــة كبيــرة يف التحكــم يف‬
‫الطــرق التجاريــة واالتصــال بيــن األقاليــم االســامية‪.‬‬
‫‪4)4‬قرهبــا مــن حــدود الدولــة البيزنطيــة التــي كانــت تمثــل أكــر خطــر علــى الدولــة‬
‫اإلســامية وضــرورة االهتمــام هبــذه المنطقــة للتصــدي ألعــداء األمــة وبذلك غدت‬
‫دمشــق أكــر المــدن اإلســامية‪ ،‬وشــيد هبــا معاويــة قصــر الخضــراء‪ ،‬وبنــى الخليفــة‬
‫الوليــد بــن عبــد الملــك المســجد األمــوي الــذي يعــد آيــة يف فــن العمــارة‪ ،‬كمــا اهتــم‬
‫خلفــاء الدولــة األمويــة بدايــة مــن الخليفــة معاويــة بــن أبــي ســفيان بتجميــل دمشــق‬

‫‪73‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫والعنايــة هبــا كعاصمــة لدولتهــم وأصبحــت قصــور الخلفــاء األموييــن غايــة يف‬
‫الرفاهيــة والعظمــة وأقيمــت فيهــا الحدائــق والنافــورات واتخــذ الخلفــاء الحجــاب‬
‫والحــرس‪.‬‬
‫تغيري نظام احلكم‪:‬‬
‫بعــد أن اســتقرت األمــور لمعاويــة بــن أبــي ســفيان يف قيــادة الدولــة اإلســامية ووفــر لهــا‬
‫االســتقرار واالســتمرار يف أداء رســالتها وتوطيــد فتوحاهتــا بــدأ يف التفكيــر بالتخلــي عــن نظــام‬
‫الشــورى الــذي كان متب ًعــا يف اختيــار الخلفــاء الراشــدين فســعى لتوريــث ابنــه يزيــد الخالفــة‬
‫مــن بعــده وهــو أمــر لــم يكــن ســائدا مــن قبــل يف الدولــة ولــم يعتــد العــرب عليــه وانتهــى األمــر‬
‫بالحصــول لــه علــى البيعــة‪ ،‬وبذلــك تحولــت الخالفــة إلــى نظــام وراثــي وصــارت قاعــدة لخلفاء‬
‫الدولتيــن األمويــة و العباســية‪.‬‬

‫السياسة الداخلية للدولة األموية يف عهد اخلليفة معاوية بن أيب سفيان‪:‬‬


‫اشــتهر معاويــة بالدهــاء وقــوة العزيمــة‪ ،‬وعمــل علــى وحــدة الدولــة وأهنــی المعارضــة‪،‬‬
‫واســتعان بعــدد مــن العــرب ذوي الكفايــة مثــل عمــرو بــن العــاص والمغيــرة بــن شــعبة وغيرهمــا‬
‫فســاعدوه علــى توطيــد األمــور واســتئناف حركــة الفتــوح‪ .‬كمــا اهتــم معاويــة بالتنظيــم اإلداري‬
‫للدولــة فقــد أعــاد تنظیــم ديــوان الخــراج‪ ،‬وأنشــأ ديــوان الرســائل الــذي يمثــل قســم الشــئون‬
‫اإلداريــة يف الوقــت الحاضــر لإلشــراف علــى الواليــات‪ ،‬وديــوان الخاتــم لنســخ أوامــر الخليفــة‬
‫وايداعهــا يف هــذا الديــوان‪ .‬وأدخــل نظــام الربيــد‪ .‬وبعــد وفــاة معاويــة تولــي ابنــه يزيــد الخالفــة‬
‫فقامــت يف وجهــه معارضــة‪ ،‬وذلــك نتيجــة تحويــل نظــام الخالفــة مــن مبــدأ الشــورى إلــى نظــام‬
‫وراثــي وتمثلــت هــذه المعارضــة يف‪:‬‬
‫‪1)1‬مبايعــة أهــل العــراق الحســين بــن علــي بــن أبــي طالــب‪ .‬وقــد تمكنــت جيــوش يزيــد‬
‫مــن القضــاء علــى هــذه المعارضــة وإهنائهــا‪.‬‬
‫‪2)2‬معارضــة أهــل المدينــة لتوليــة يزيــد الخالفــة فأرســل قواتــه لضــرب المعارضيــن‬
‫لحكمــه يف المدينــة‪.‬‬
‫‪3)3‬بايــع أهــل الحجــاز عبــد اهلل بــن الزبيــر‪ ،‬ســنة ( ‪ 64‬هـــ ‪ 683 /‬م) وســمي بعــام‬
‫(الجماعــة الثــاين)‪.‬‬
‫تــويف معاويــة بــن ابــي ســفيان بدمشــق ســنة ( ‪ 60‬هـــ ‪ 680 /‬م)‪ .‬وكانــت وصيتــه توليــة‬
‫إبنــه يزيــد بــن معاويــة الســلطة خلفــا لــه مــن بعــده‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫عهد عبد امللك بن مروان (‪ 86-65‬هـ‪ 705-684 /‬م)‬


‫تولــى عبــد الملــك بــن مــروان الســلطة بعهــد مــن أبيــه مــروان بــن الحكــم‪ ،‬وأمــور‬
‫الدولــة مضطربــة‪ ،‬يف عهــد يزيــد بــن أبــي معاويــة بــن أبــي ســفيان ويف بــاد الحجــاز كان عبــد‬
‫اهلل بــن أبــي الزبيــر مــن أشــد الخصــوم لخلفــاء معاويــة بــن أبــي معاويــة ابنــه يزيــد ومــروان بــن‬
‫الحكــم وعبــد الملــك بــن مــروان‪ ،‬وقــد بايــع أهــل العــراق أخــوه مصعــب بــن الزبيــر‪ .‬وشــيعة‬
‫يف الكوفــة تطالــب بالخالفــة ألبنــاء علــي بــن أبــي طالــب وخــوارج خرجــوا عــن الجميــع ولــم‬
‫يبايعــوا ألحــد منهــم‪.‬‬
‫تمكــن عبــد الملــك بــن مــروان القضــاء علــى خصــوم آل بيتــه ومعارضيه‪.‬حيــث نجــح‬
‫يف اخضــاع المناطــق الثائــرة بمــا فيهــا الحجــاز وبــاد العــراق لســلطانه‪ .‬وقــد اختار لهــذه المهمة‬
‫الصعبــة الحجــاج بــن يوســف الثقفــي للقضــاء علــى ثــورة عبــد اهلل بــن الزبيــر بــن العــوام يف بــاد‬
‫الحجــاز وتــم قتلــه يف ســنة ( ‪ 70‬هـــ ‪ 689 /‬م)‪.‬وأخــوه مصعــب بــن الزبيــر يف بــاد العــراق‪.‬‬

‫الزب� ب ن� العوام‬
‫عبد هللا ب ن� ي‬
‫ •ولــد يف العــام األول للهجــرة ‪ 622‬م أمــه أســماء بنــت أبــي بكــر الصديــق (ذات‬
‫النطاقيــن)‪.‬‬
‫ •شــهد فتــح إفريقيــة وشــارك فيهــا ضمــن جيــش العبادلــة مــن خطبــاء قريش وفرســاهنا‬
‫المعدودين‪.‬‬
‫ •روي ‪ 33‬حديثــا عــن الرســول الكريــم محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم كان لــه وقائــع‬
‫كبيــرة مــع األموييــن‪.‬‬

‫اســتطاع أن يعيــد للدولــة وحدهتــا ولذلــك ســمي هــذا العــام بعــام الجماعــة الثــاين ســنة‬
‫( ‪ 73‬هـ‪ 692 /‬م)‪.‬‬
‫اختــار المهلــب بــن أبــي صفــرة للقضــاء علــى حركــة الخــوارج وقــد اســتفحل خطرهــم‬
‫بعــد أن ســيطروا علــى كرمــان‪ .‬فقاتلهــم قتــاال شــديدا لمــدة ســنة كاملــة حتــى كان يــوم البســتان‬
‫وعنــد كرمــان انتصــر عليهــم وظــل يطاردهــم حتــى أبعدهــم عــن فــارس كلهــا‪.‬‬
‫تـ َّ‬
‫ـم يف عهــد عبــد الملــك بــن مــروان إعــادة بنــاء ماهتــدم مــن الكعبــة إبــان ثــورة عبــد اهلل‬
‫بــن الزبيــر ســنة ( ‪ 65‬هـــ ‪ 684 /‬م) والــذي كان قــد قــام هبدمهــا ثــم أعــاد بنائهــا مــن جديــد‪ ،‬فلمــا‬

‫‪75‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫قتــل ابــن الزبيــر علــى يــد الحجــاج بــن يوســف‪ ،‬وأمــر هبــدم البنــاء الــذي أحدثــه عبــداهلل وأعــاده‬
‫علــى ماكانــت عليــه يف عهــد قريــش‪.‬‬
‫سياسة عبد امللك ب ن� مروان‪:‬‬
‫اســتمر يف سياســة الفتــوح وتأميــن حــدود الدولــة األمويــة يف الشــرق والغــرب‪ .‬ولــي‬
‫المهلــب بــن أبــي صفــرة علــى خراســان وتمكــن مــن فتــح بلــخ وكانــت تأتيــه فديــة أهــل كــس‪.‬‬
‫انتهــز البيزنطيــون حالــة االضطــراب التــي اصابــت الدولــة األمويــة‪ ،‬وأغــاروا علــى‬
‫منطقــة الثغــور المتاخمــة ألراضيهــم‪ ،‬وقــد دفعــوا بالجراجمــة إلــى التحــرك مــن جبــال اللــكام‬
‫نحــو رومانيــا وتراقيــة وأســية الصغــرى‪ .‬ممــا اضطــر عبــد الملــك إلــى مصالحتهــم خوفــا علــى‬
‫المســلمين القاطنيــن بالقــرب مــن حدودهــم‪ ،‬حتــى أنــه قبــل شــرط امرباطــور بيزنطــة جســتنيان‬
‫الثــاين ودفــع إتــاوة أعلــى مــن قيمــة اإلتــاوة التــي كان يدفعهــا معاويــة بــن أبــي ســفيان‪ .‬وقــد فرض‬
‫إمرباطــور بيزنطــة علــى دمشــق أن تتقاســم مــع القســطنطينية العائــدات التــي تجبــى مــن قــرص‬
‫وأرمينيــا‪.‬‬
‫ولمــا اســتقرت األمــور يف دمشــق وعــادت هيبــة الدولــة األمويــة يف عهــده‪ .‬اســتطاع‬
‫الخليفــة عبــد الملــك ضــم قيســيرية وقاليقــا‪ .‬ونظمــت الشــوايت والصوائــف‪.‬‬
‫اهتــم الخليفــة األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان بالسياســة النقديــة‪ ،‬فأمــر الحجــاج بــن‬
‫يوســف والــي العــراق بســك دراهــم ودنانيــر إســامية وقــد نقــش عليهــا نقــش إســامي يف ســنة‬
‫( ‪ 84‬هـــ‪ 703 /‬م)‪.‬بــدال مــن الدينــار البيزنطــي والدراهــم الفارســية‪ .‬وتوزيعهــا يف كل األمصــار‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫حركة التعريب‪:‬‬
‫كانــت دواويــن الدولــة تــدار مــن قبــل فــرس وأقبــاط وروم‪ ،‬وتكتــب بلغاهتــم الفارســية‬
‫والقبطيــة والروميــة إلــى أن قــام عبــد الملــك بتعريــب الدواويــن ونقلهــا إلــى اللغــة العربيــة‪.‬‬
‫بــدأت حركــة التعريــب يف الكوفــة علــى يــد صالــح بــن عبــد الرحمــن‪ ،‬ويف بــاد الشــام‬
‫كان أول مــن قــام هبــذا العمــل ســليمان بــن ســعد الــذي كافــأه الخليفــة بمنحــه خــراج األردن‬
‫كامــل‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫والية الهعد ‪:‬‬


‫قــام عبــد الملــك بعــزل ولــي عهــده عبــد العزيــز بــن مــروان‪ ،‬وتوليــة الوليــد بــن عبــد‬
‫الملــك ومــن بعــده ســليمان وكتــب ببيعتــه لهمــا مــن بعــده إلــى كافــة األمصــار ليبايــع النــاس‪.‬‬

‫وا�ها عبد امللك ب ن� مروان‬


‫ال� ج‬‫الثورات ت‬
‫ي‬
‫ •كانت حركة التوابين قضي عليهم يف معركة الخازر سنة ( ‪ 67‬هـ‪ 686 /‬م)‪.‬‬
‫ •حركــة المختــار مــن بنــي ثقيــف وكان قــد اســتمال عــدد مــن الشــيعة يف الكوفــة قتــل‬
‫علــى يــد مصعــب بــن الزبيــر ســنة ( ‪ 67‬هـــ ‪ 686 /‬م)‪.‬‬
‫ •ثــورة مصعــب بــن الزبيــر يف بــاد العــراق وكان مقتلــه ســنة ( ‪ 72‬هـــ‪ 691 /‬م) قتلــه‬
‫رجــاالت مــن بنــي أميــة منهــم مــروان بــن محمــد وعبــد الملــك بــن مــروان وعبــد اهلل‬
‫بــن يزيــد بــن معاويــة‪.‬‬

‫اســتهل الخليفــة فــرة حكمــه بفتــح بــاد مــاوراء النهر‪.‬ع َّيــن الحجــاج بــن يوســف‬
‫الثقفــي قتيبــة بــن مســلم الباهلــي واليــا علــى خراســان‪ .‬وقــام ببعــض الحمــات الحربيــة يف مــرو‬
‫وبخــارى منــذ ســنة ( ‪ 90‬هـــ‪ 708 /‬م)‪.‬‬
‫امتــدت فتوحــات قتيبــة بــن مســلم إلــى دلتــا هنــر جيحــون عنــد خــوارزم‪ ،‬وقــد تمكــن‬
‫مــن ضــم الممالــك الواقعــة قــرب هنــر ســيحون المتاخمــة لبــاد الــرك فغــزا الشــاش وفرغانــة‬
‫ســنة ( ‪ 95‬هـــ‪ 713 /‬م)‪.‬‬
‫وفتحــت بــاد الســند بقيــادة محمــد بــن القاســم الثقفــي كمــا فتــح الديبــل (كراتشــي‬
‫اليــوم) وهــو كان عبــارة عــن مرفــأ ينتهــي عنــده دلتــا هنــر الديبــل‪.‬‬
‫يف عهــد الوليــد بــن عبــد الملــك شــيد جامــع دمشــق‪ ،‬ويعــد آيــة مــن آيــات العمــارة‬
‫اإلســامية‪ .‬وكان قــد أعــاد بنــاء مســجد الرســول الكريــم يف المدينــة النبويــة وتوســعته‪.‬‬
‫اعتنــى بتشــييد البيمارســتانات‪ ،‬وخــص المجذوميــن بمــكان خــاص هبــم وكذلــك‬
‫المقعديــن وفاقــدي البصــر فقــد أمــر بتكليــف أشــخاص يقومــون علــى خدمتهــم ومســاعدهتم‬
‫نظيــر راتــب يدفــع لهــم مــن بيــت المــال يف كل شــهر‪.‬‬
‫اهتــم الوليــد بــن عبــد الملــك بإصــاح الطــرق وتســهيل الســبل أمــام المســافرين واعتنى‬

‫‪77‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫بتوفيــر المــاء عــن طريــق حفــر اآلبــار يف طريــق الحــج وخاصــة يف بــاد الحجاز‪.‬‬
‫تــويف الوليــد بــن عبــد الملــك يف دمشــق ودامــت مــدة حكمــه إحــدى وعشــرين ســنة‪،‬‬
‫قضاهــا يف حكــم دولــة بلغــت أقاصــي األرض يف ذلــك الزمــان‪.‬‬

‫ين ن‬
‫ب� أمية ثالث‬
‫دواو� ي‬
‫‪1)1‬ديوان الجنــــــد‬
‫‪2)2‬ديوان الخــــراج‬
‫‪3)3‬ديوان الرســائل‬

‫عهد اخلليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان من بين أمية (‪ 101-99‬هـ‪719-717/‬م)‬


‫تولــى عمــر بــن عبــد العزيــز الحكــم بعــد وفــاة ســليمان بــن عبــد الملــك فقــد عهــد لــه‬
‫بالخالفــة مــن بعــده‪ .‬وبايعــه بنــي أميــة يف مســجد مــرج دابــق‪.‬‬
‫عــرف بزهــده وعدلــه وورعــه‪ .‬وكان يشــبه جــده ألمــه أميــر المؤمنيــن عمر بــن الخطاب‪.‬‬
‫فقــد نشــأ عمــر بــن عبــد العزيــز يف المدينــة النبويــة فاكتســب حســن الخلــق والرأفــة وكان مــن‬
‫فقهاهــا‪.‬‬
‫اســتهل عهــده بكتــاب بعثــه إلــى عمالــه يف كل األمصــار يلخــص فيــه سياســته ورؤيتــه‬
‫الثاقبــة يف شــؤون الحكــم جــاء فيــه «‪.....‬وإن الــذي وألين اهلل مــن ذلــك وقــدر لــي ليــس علــي‬
‫هبيــن ولــو كانــت رغبتــي يف اتخــاذ أزواج واعتقــال أمــوال كان يف الــذي أعطــاين مــن ذلــك مــا قــد‬
‫بلــغ بــي أفضــل مــا بلــغ بأحــد مــن خلقــه وأنــا أخــاف فيمــا ابتليــت بــه حســابا شــديدا ومســألة‬
‫غليظــة إال مــا عــاىف اهلل ورحــم وقــد بايــع مــن قبلنــا فبايــع مــن قبلــك»‪.‬‬
‫أشــاع الخليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز األمــن يف ربــوع الدولــة وأمــر عمالــه بسياســة‬
‫العــدل والتســامح ونبــذ سياســة العنــف والتعالــي مــع الرعيــة‪ .‬وممــا يذكــر لــه أنــه أبطــل مغــارم‬
‫كثيــرة كانــت قــد فرضهــا الحجــاج بــن يوســف الثقفــي‪ .‬ومــن مآثــره أمــر زوجتــه فاطمــة بنــت‬
‫عبــد الملــك بــأن تعيــد إلــى بيــت المــال جميــع الجواهــر والهدايــا التــي كانــت قــد تلقتهــا مــن‬
‫أبيهــا وأخوهتــا‪ ،‬فأطاعتــه‬
‫عمــل عمــر بــن عبــد العزيــز علــى نشــر اللغــة العربيــة وترســيخها يف منطقــة الشــمال‬
‫اإلفريقي‪.‬أرســل عشــرة رجــال مــن التابعيــن وكلفهــم بتعليــم المغاربــة لغــة القــرآن الكريــم‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫كان قــد أمــر بــرد المظالــم ألهلهــا‪ ،‬وأعــاد إلــى المســيحين واليهــود كنائســهم وكنســهم‪،‬‬
‫ورد أرض فــدك إلــى مــا كانــت عليــه يف عهــد محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم‪ ،‬وآبــى أن يأخــذ‬
‫لنفســه وألهلــه شــيئا مــن بيــت مــال المســلمين‪ .‬كان عمــر بــن عبــد العزيــز رجــل يخشــى اهلل يف‬
‫جميــع أمــوره‪ ،‬تــرك ســب علــي بــن أبــي طالــب وكتــب إلــى عمالــه علــى األقاليــم بذلك‪.‬يأمرهــم‬
‫بعــدم النيــل مــن آخــر الخلفــاء الراشــدين علــى المنابــر‪.‬‬
‫تــويف عمــر بــن عبــد العزيــز( ‪ 101‬هـــ‪ 719 /‬م) بديــر ســمعان‪ ،‬وكانــت مــدة واليتــه ســنتين‬
‫وخمســة أشــهر وأربعــة أيــام‪.‬‬

‫فــدك مــن أرض خيـ بـر خصبــة‪ ،‬اكن أهلهــا ي�ســلون‬


‫ب خ�ر جا�ــا لرســول هللا صــى هللا عليــه وســم سـ ي‬
‫ـنو�‪.‬‬

‫‪3.3‬الفتوحات اإلسالمية يف عهد األمويني‪:‬‬


‫توقفــت حركــة الفتوحــات التــي بدأهــا الخلفــاء الراشــدون قبــل عــام الجماعــة األول‪،‬‬
‫ولمــا تولــى معاويــة الخالفــة وخلصــت لــه مقاليــد األمــور اســتأنف الفتــوح ونشــر اإلســام‬
‫ومتابعــة الجهــاد‪ ،‬ولــم يتــوان خلفــاء بنــي أميــة مــن بعــده علــى ذلــك‪.‬‬
‫الفتوحات يف عهد بتي أمية‪:‬‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫ )أاستامكل الفتوحات ي� املغرب والندلس‪:‬‬
‫بعــد أن تــم للمســلمين فتــح مصــر ومــا واالهــا مــن بــاد المغــرب حتــى إفريق ّيــة ‪ -‬كمــا‬
‫عرفــت ‪ -‬يف عهــد كل مــن الخليفــة عمــر بــن الخطــاب وعثمــان بــن عفــان‪ ،‬توقفــت الفتوحــات‬
‫إلــى أن تقلــد الخالفــة معاويــة بــن أبــي ســفيان فأمــر باســتمرارها يف بــاد المغــرب‪ .‬فوجــه جيشــا‬
‫بقيــادة عقبــة بــن نافــع الــذي قــام بإنشــاء مدينــة القيــروان عــام ( ‪ 50‬هـــ‪ 670 /‬م) والتــي أصبحــت‬
‫عاصمــة المســلمين يف إفريق ّيــة‪ ،‬ثــم واصــل بعــد ذلــك فتوحاتــه غربــا وطــرد الــروم البيزنطيين من‬
‫المنطقــة حتــى وصــل إلــى شــاطئ المحيــط األطلســي‪ ،‬واستشــهد يف أثنــاء عودتــه إلــى القيــروان‪.‬‬
‫وحيــن ولــي حســان بــن النعمــان واليــة إفريقيــة يف عهــد الخليفــة عبــد الملــك بــن مروان‬
‫واصــل الفتوحــات وطــرد الــروم البيزنطييــن مــن هــذه المنطقــة وأخضــع المنطقــة للمســلمين‬
‫وأدخــل تنظيمــات إداريــة جديــدة فيهــا‪ ،‬وزاد يف تعميــر مدينــة القيــروان‪ ،‬فشــيدت المســاجد‬
‫ودور الســكن ومرافــق أخــرى‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫وتولــى بعــد ذلــك موســی بــن نصيــر علــى إفريق ّيــة فأكمــل فتــح المنطقــة‪ ،‬وتطلــع إلــى‬
‫فتــح شــبه جزيــرة ايربيــا التــي أصبحــت تعــرف فيمــا بعــد باألندلــس‪.‬‬

‫فتح األندلس‪:‬‬
‫بعــد اســتقرار المســلمين يف شــمال إفريقيــا أصبحــت المنطقة يف معظمها تدين باإلســام‬
‫وتعمــل علــى نشــره يف مناطــق أخــرى فكانــت شــبه جزيــرة أيبيريــا هــي أقــرب المناطــق‪ .‬فوجــه‬
‫القائــد موســی بــن نصيــر اهتمامــه إلــى فتحهــا وأرســل الحمــات المتتاليــة إليهــا‪.‬‬
‫‪1.1‬عهــد موســی بــن نصيــر بفتــح األندلــس إلــى طــارق بــن زيــاد الــذي عــر بحــر زقــاق‬
‫علــى رأس جيــش إســامي ســنة ( ‪ 92‬هـــ‪ 711 /‬م) مــن المنطقــة التــي عرفــت باســمه‬
‫فيمــا بعــد بـــمضيق (جبل طــارق)‪.‬‬
‫‪2.2‬ولمــا علــم ملــك القــوط هبــذا العبــور اســتعد لمقاومتــه‪ ،‬واتجــه بقواتــه نحــو‬
‫الجنــوب والتقــى بالمســلمين يف معركــة ُشــريش (وادي الطيــن) قتــل فيهــا ملــك‬
‫القــوط لذريــق‪.‬‬
‫‪3.3‬واصــل طــارق بــن زيــاد فتوحاتــه يف بــاد األندلــس‪ ،‬فاســتولى علــى قرطبــة وملقــا‬
‫وطليطلــة وعــر بعــد ذلــك موســی بــن نصيــر لمســاعدته يف اســتكمال الفتوحــات‬
‫فســارا معــا نحــو الشــمال‪ ،‬واســتكمال فتــح بــاد األندلــس (إســبانيا الحاليــة) حتــى‬
‫حــدود فرنســا‪.‬‬
‫‪4.4‬توالت فتوحات المسلمين يف عهد والة األندلس نحو الغرب‪.‬‬
‫ووصلــت إلــى هنايتهــا بقيــادة عبــد الرحمــن الغافقــي إذ عــر جبــال الربانــس الفاصلــة‬
‫بيــن األندلــس وفرنســا وواصــل زحفــه (نحــو قلــب فرنســا علــى مقربــة مــن باريــس) حيــث‬
‫التقــي مــع ملــك الفرنجــة (شــارل مارتــل) يف موقعــة بـ َـاط الشــهداء (تــور بواتيــه) ســنة ( ‪ 114‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 732‬م)‪ .‬واستشــهد القائــد عبــد الرحمــن الغافقــي يف هــذه المعركــة وانســحب المســلمون إلــى‬
‫األندلــس وبذلــك توقــف الفتــح‪.‬‬
‫ )بالفتوحات ش‬
‫ال�قية (آسيا)‪:‬‬
‫عرفنــا فيمــا ســبق زوال دولــة الفــرس علــى يــد المســلمين بعــد معركــة هناونــد حيــث‬
‫أصبحــت جــزءا مــن الدولــة اإلســامية‪ ،‬وأصبحــت منطلقــا للفتوحــات يف عهــد الدولــة األمويــة‬
‫وخاصــة يف عهــد الخليفــة عبــد الملــك ابــن مــروان وابنــه الوليــد وأهــم المناطــق التــي تــم فتحهــا‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫‪1.1‬فتح بالد ما وراء النهر‪:‬‬


‫عهــد الخليفــة الوليــد بــن عبــد الملــك ابــن مــروان إلــى القائــد قتيبــة بــن مســلم‬
‫االســتمرار يف الفتوحــات اإلســامية يف اتجــاه الشــرق فانطلــق مــن مدينــة (مــرو) ســنة ( ‪ 86‬هـــ‬
‫‪ 706 /‬م) إلــى الجهــات التــي تقــع شــمال هنــر جيجــون (هنــر أموداريــا اآلن) فاســتولى علــى‬
‫المــدن الكــرى ويف مقدمتهــا مدينــة (بلــخ) و (بخــاري) ودخــل ســكان تلــك المناطــق أفواجــا‬
‫متالحقــة يف االســام‪ .‬وعــر قتيبــة هنــر (جيجــون) وفتح البــاد فيمــا وراءه‪ .‬واتصل المســلمون‬
‫بعنصــر جديــد وهــو العنصــر المغولــي‪ ،‬واســتولى قتيبــة علــى إقليــم (الشــاش) وهــو طشــقند‬
‫الحاليــة‪ .‬وأهنــی فتوحاتــه باالســتيالء علــى (كاشــغر) يف تركســتان الصينيــة ســنة ( ‪ 96‬هـــ‪715 /‬‬

‫م)‪ ،‬وبذلــك أصبحــت الدولــة االســامية تجــاور حــدود الصيــن وهــي مركــز حضــاري مهــم يف‬
‫العصــور القديمــة‪.‬‬
‫وكان لهــذه الفتوحــات نتائــج مهمــة يف التاريــخ والحضــارة إذ أكســت الدولــة‬
‫اإلســامية عناصــر جديــدة أســهمت يف إعــاء كلمــة اإلســام وبنــاء حضــارة زاهــرة يف تلــك‬
‫المناطــق‪ .‬وأصبحــت مدينــة بخــاری وســمرقند مــن مراكــز هــذه الحضــارة يف قلــب آســيا وفتــح‬
‫الطريــق إلــى الشــرق األقصــى النتشــار اإلســام‪.‬‬
‫‪2.2‬فتح مشال اهلند (باكستان وبنجالديش)‪:‬‬
‫غــزا المهلــب بــن أبــي صفــرة إقليــم الســند يف خالفــة معاويــة ابن أبي ســفيان واســتولى‬
‫علــى المناطــق الواقعــة بيــن كابــل والملتــان‪ ،‬وواصــل األمويــون فتــح تلــك الجهــات حتــى‬
‫وصلــوا الديبــل بقيــادة محمــد بــن القاســم ســنة ‪ 89‬هـــ‪ 707 /‬م‪ .‬وقــد كانــت أعظــم موانــئ إقليــم‬
‫الســند وتابــع المســلمون زحفهــم فاســتولوا علــى إقليــم (النيــرون) وهــو حيــدر أبــاد الحاليــة‪.‬‬
‫وســلك المســلمون مســلكًا طيبــا لنشــر اإلســام يف تلــك المناطــق فعاملــوا ســكاهنا‬
‫معاملــة حســنة ممــا دفعهــم إلــى اعتنــاق اإلســام عــن إيمــان واقتنــاع وحماســة شــديدة‪،‬‬
‫وأصبحــت مناطقهــم مرکــز ًا مــن مراکــز انتشــار اإلســام وازدهــار الحضــارة‪ ،‬كمــا اســتفاد‬
‫المســلمون مــن الحضــارة التــي كانــت ســائدة يف المنطقــة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خريطة ي ن‬


‫سالم ي� بالد املغرب والندلس ي� العرص الوسيط‬
‫تب� التوسع إال ي‬

‫‪82‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫‪83‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫‪4.4‬العالقات بني املسلمني والبيزنطيني‪:‬‬


‫حــاول البيزنطييــن مــرار ًا اســرداد أقاليــم الشــام ومصــر وبقيــة شــمال إفريقيــا مــن إيــدي‬
‫المســلمين لكــن جهودهــم بــاءت بالفشــل‪ ،‬ممــا دعــا الدولــة األمويــة إلــى المبــادرة يف عهــد أول‬
‫خلفائهــا معاويــة بــن أبــي ســفيان إلــى إعــداد الحمــات وشــن حــرب شــاملة هدفهــا تحطيــم‬
‫اإلمرباطوريــة البيزنطيــة وفتــح عاصمتهــا القســطنطينية فوجهــوا اليهــا ثــاث حمــات‪:‬‬
‫ة أ‬
‫احلمل الوىل‪:‬‬ ‫ )أ‬
‫جهــز معاويــة بــن أبــي ســفيان هــذه الحملــة بقيــادة ابنــه يزيــد واشــرك فيهــا عــدد مــن‬
‫الصحابــة مثــل أبــي أيــوب األنصــاري وعــدد مــن أبنــاء الصحابــة‪ .‬واتجهــت هــذه الحملــة نحــو‬
‫القســطنطينية ســنة ( ‪ 49‬هـــ‪ 669 /‬م) وحاصرهتــا بعــد أن داهمــت الحصــون والقــاع البيزنطيــة يف‬
‫آســيا الصغــرى‪ ،‬واشــركت مــع األســطول اإلســامي يف حصــار المدينــة‪ .‬وأظهــرت الجيــوش‬
‫اإلســامية شــجاعة يف حصارهــا وأنزلــت الرعــب يف قلــوب ســكاهنا‪ ،‬ولكنهــا فكــت الحصــار‬
‫دون فتحهــا‪ ،‬وذلــك لمــا تمتعــت بــه تلــك المدينــة مــن مناعــة يف أســوارها وحصوهنــا‪.‬‬
‫ )ب ة‬
‫احلمل الثانية‪:‬‬
‫كانــت هــذه الحملــة أيضــا يف عهــد معاويــة بــن أبــي ســفيان و ُتعــرف بحــرب الســنوات‬
‫الســبع وذلــك الســتمرار حصــار القســطنطينية لمــدة ســبع ســنوات مــن ســنة ( ‪ 54‬هـــ ‪ 674 /‬م)‬
‫إلــى ســنة (‪ 60‬هـــ ‪ 680 /‬م) ولــم تتمكــن هــذه الحملــة أيضــا مــن دخــول المدينــة‪.‬‬
‫ )ج ة‬
‫احلمل الثالثة‪:‬‬
‫أعــد هــذه الحملــة الخليفــة الوليــد بــن عبــد الملــك لكنــه تــويف قبــل الشــروع يف غــزو‬
‫القســطنطينية‪ ،‬فتولــى المهمــة مــن بعــده أخــوه ســليمان الــذي ســير الحملــة يف اتجــاه عاصمــة‬
‫الدولــة البيزنطيــة وبــدأ حصارهــا يف ســنة ( ‪ 98‬هـــ‪ 717 /‬م)‪ .‬اســتمر الحصــار مــدة اثنــي عشــر‬
‫شــهر ًا‪ ،‬انســحب المســلمون بعدهــا دون فتحهــا‪ ،‬وقــد حقــق هــذا الحصــار ومــا واجهتــه الدولــة‬
‫البيزنطيــة مــن مشــاكل داخليــة شـ َّـل النشــاط الحربــي للــروم البيزنطييــن ضــد الدولــة اإلســامية‬
‫ومحاوالهتــم إعــادة احتــال الشــام ومصــر وأصبــح المســلمون علــى أبــواب عاصمتهــم‪ .‬وأدرك‬
‫البيزنطيــون قــوة الدولــة اإلســامية وقدرهتــا علــى حمايــة حدودهــا‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫أ‬ ‫ف‬
‫قادة الفتوحات إالسالمية ي� الهعد الموي‪:‬‬
‫الثق� أمير السند‪.‬‬
‫ •حممد ن� القامس ف‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫الباهل فتح مدائن خوارزم الشاش «فرغانة» سمرقند‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ •قتيبة ب ن� مسمل‬
‫ز�د‪.‬‬‫نص� فتح بالد األندلس صحبة طارق ب ن� ي‬ ‫ •موىس ب ن� ي‬
‫ •حسان ب ن� النعمان تولى فتح شمال أفريقيا‪.‬‬
‫ •مســمة ب ن� عبــد امللــك كان يتولــى منطقــة الثغــور‪ ،‬فتــح حصــن عموريــة وهرقلــة‬
‫وقمونيــة وطرســوس يف بــاد الشــام‪.‬‬

‫ف‬ ‫ة‬ ‫ض‬


‫الدول إالسالمية ي� البحر املتوسط خالل القرون الثالتة‬ ‫خريطة تو� نشاط‬
‫أ‬
‫اهلجرية الوىل‬

‫‪85‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫‪5.5‬ضعف الدولة األموية وسقوطها‪:‬‬


‫أخــذت الدولــة األمويــة يف الضعــف عقــب وفــاة الخليفــة هشــام بــن عبــد الملــك إذ‬
‫يعتــر عهــده حــد ًا فاص ـاً بيــن عهــد ازدهــار الدولــة وبيــن عهــد اضمحاللهــا‪ ،‬وانتشــار عوامــل‬
‫الضعــف فيهــا‪ .‬فقــد خلفــه أربعــة خلفــاء عجــزوا عــن إدارة شــئون الدولــة‪ ،‬وأفلــت منهــم زمــام‬
‫الحكــم وأتاحــوا لعوامــل الضعــف الظهــور يف الدولــة‪ .‬وتمثلــت هــذه العوامــل يف‪:‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ ‪.‬أالرصاع عىل السلطة ي ن‬
‫ب� أفراد الرسة الموية‪:‬‬
‫أدى ضعــف الخلفــاء األموييــن يف آخــر عهــد الدولــة ‪ -‬بعــد أن بلغــت أقصــى اتســاع لهــا‬
‫‪ -‬إلــى انصرافهــم عــن شــئون الحكــم إلــى لهوهــم وتتنافســهم علــى الســلطة‪ ،‬وانحــاز بعضهــم‬
‫لبعــض القبائــل العربيــة مثــل القيســية أو اليمانيــة ومناصرهتــا ممــا ســاعد علــى اشــعال نــار العداوة‬
‫والعصبيــة بيــن هــذه القبائــل التــي كانــت تكــون المجتمــع العربــي المتماســك‪.‬‬
‫كث�ة‬ ‫ظ‬
‫ ‪.‬ب�ور آراء ومذاهب ي‬
‫أدى التطــور الثقــايف والفكــري وحريــة الــرأي إلــى ظهــور آراء ومذاهــب كثيــرة مثــل‬
‫الخــوارج والمعتزلــة وغيرهــم ممــا اســتنفذ جانبــا كبيــر ًا مــن نشــاط الخلفــاء وأتــاح الفرصــة‬
‫لنشــر الدعــوة العباســية يف أنحــاء مــن بــاد العــراق‪.‬‬
‫ت‬ ‫أ‬
‫ ‪.‬جاختالل الوضاع االج�عية واالقتصادية ‪:‬‬
‫عرفــت فيمــا ســبق أن الوحــدة السياســية كانــت ســائدة بيــن عناصــر المجتمع اإلســامي‬
‫تعصــب‬
‫يف عهــد الدولــة األمويــة‪ ،‬لكــن هــذه الوحــدة اختلــت يف آخــر عهــد الدولــة خاصــة عندمــا ّ‬
‫ممــا أ ّدى ذلــك إلــى التنافــس والصــراع واتبــاع بعــض‬‫الخلفــاء لفئــة مــن المجتمــع دون ســواها‪ّ .‬‬
‫اآلراء المذهبيــة دون ســواها وشــاع مبــدأ ضــرورة اإلصــاح والعــودة بالدولــة إلــى ســيرهتا‬
‫األولــى يف عهــد الخلفــاء الراشــدين‪ ،‬وانتهــى األمــر بســقوط الخالفــة األمويــة يف عصــر مــروان‬
‫بــن محمــد ‪ -‬آخــر خلفــاء الدولــة األمويــة وقيــام الدولــة العباســية ســنة ( ‪ 132‬هـــ ‪ 750 /‬م)‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫اخللفاء األمويون‬

‫واليته‬
‫امليالدي‬ ‫اهلجري‬ ‫اخلليفة‬ ‫‪#‬‬

‫‪ 661‬م‬ ‫‪ 41‬هـ‬ ‫معاوية بن أيب سفيان‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 680‬م‬ ‫‪ 60‬هـ‬ ‫يزيد بن معاوية‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 683‬م‬ ‫‪ 64‬هـ‬ ‫معاوية بن يزيد‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 683‬م‬ ‫‪ 64‬هـ‬ ‫مروان بن احلكم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 685‬م‬ ‫‪ 65‬هـ‬ ‫عبد امللك بن مروان‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 705‬م‬ ‫‪ 86‬هـ‬ ‫الوليد بن عبد امللك‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 715‬م‬ ‫‪ 96‬هـ‬ ‫سليمان بن عبد امللك‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 717‬م‬ ‫‪ 99‬هـ‬ ‫عمر بن عبد العزيز بن مروان‬ ‫‪8‬‬

‫‪ 720‬م‬ ‫‪ 101‬هـ‬ ‫يزيد بن عبد امللك‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 724‬م‬ ‫‪ 105‬هـ‬ ‫هشام بن عبد امللك‬ ‫‪10‬‬

‫‪ 734‬م‬ ‫‪ 125‬هـ‬ ‫الوليد بن يزيد بن عبد امللك‬ ‫‪11‬‬

‫‪ 744‬م‬ ‫‪ 126‬هـ‬ ‫يزيد بن الوليد بن عبد امللك‬ ‫‪12‬‬

‫‪ 744‬م‬ ‫‪ 126‬هـ‬ ‫إبراهيم بن الوليد بن عبد امللك‬ ‫‪13‬‬

‫‪- 745‬‬ ‫‪127 - 132‬‬ ‫مروان بن حممد‬ ‫‪14‬‬


‫‪ 750‬م‬ ‫هـ‬

‫‪87‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫لا دالب يف ةيومألا ةلودلا مايق ‪:‬ثلاثلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬ساكتب مذكرات تاريخية عن‪:‬‬
‫أعام الجماعة الثاين‪.‬‬ ‫ ‪.‬‬
‫ ‪ .‬بعمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫ ‪ .‬جمحاوالت فتح القسطنطينية يف العهد األموي‪.‬‬

‫سس‪2‬سلماذا استمر المسلمون يف فتح شمال إفريقيا ؟ مع توضيح مراحل هذه الفتوحات‪.‬‬
‫سس‪3‬سضع عالمة (‪ )‬أو عالمة (‪:)‬‬
‫ ‪ .‬أاتخذ معاوية بن أبي سفيان مدينة دمشق عاصمة للدولة األموية‪ .‬‬
‫ ‪ .‬ببني عقبة بن نافع مدينة القيروان واتخذها عاصمة للمسلمين يف المغرب‪ .‬‬

‫ ‪ .‬جغزت الجيوش اإلسالمية بالد القوط وضمتها للدولة اإلسالمية‪ .‬‬


‫ ‪ .‬دانتشرت اللغة العربية بانتشار اإلسالم وتعريب الدواوين‪ .‬‬
‫ ‪ .‬هفتحت عاصمة البيزنطيين القسطنطينية يف عهد معاوية بن أبي سفيان‪ .‬‬

‫سس‪4‬سارسم خريطة توضح عليها الفتوحات اإلسالمية يف عهد الدولة األموية‪.‬‬


‫سس‪5‬ستميزت الدولة األموية بعدة خصائص‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬
‫سس‪6‬ستكلم عن األسباب التي أدت إلى ضعف الدولة األموية‪.‬‬
‫سس‪7‬سعلل‪:‬‬
‫ ‪ .‬أتأييد أهل الحجاز لثورة عبد اهلل بن الزبير ضد األمويين‪.‬‬
‫ ‪ .‬باهتمام األمويين بتأسيس دار لصناعة السفن‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫قيام الدولة العباسية‬

89
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫الفصل الرابع‪ :‬قيام الدولة العباسية‬


‫(‪ 656 – 132‬هـ‪ 1258 – 750 /‬م)‬
‫ال‪ :‬الدعوة ومراحلها‬
‫أو ً‬
‫أ) املرحلة السرية‪:‬‬
‫ينتســب العباســيون إلــى جدهــم العبــاس عــم النبــي محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم نــأى‬
‫العبــاس وأبنائــه عــن المطالبــة بالخالفــة بعــد وفــاة رســول اهلل محمــد صلــى اهلل عليــه وســلم‬
‫وحتــى العهــد الراشــدي‪ .‬ومــن الثابــت إن العبــاس عــم رســول اهلل كان أول مــن بايــع البــن عمــه‬
‫علــي بــن أبــي طالــب بعــد وفــاة الخليفــة عمــر بــن الخطــاب إذ قــال لــه «أبســط يــدك لنبايعــك»‪.‬‬
‫غيــر أن علــي بــن أبــي طالــب آثــر التخلــي عــن المطالبــة بالخالفــة لنفســه‪ ،‬احرتامــا لرغبة‬
‫المســلمين يف تقديــم عثمــان بــن عفــان لتولــي خالفة المســلمين‪.‬‬
‫تــويف العبــاس يف عهــد عثمــان بــن عفــان ســنة ( ‪ 32‬هـــ‪ 653 /‬م)‪.‬وفضــل ابنــه عبــد اهلل‬
‫بــن العبــاس التفــرغ لطلــب العلــم والعبــادة وتــرك أمــور السياســة والحكــم‪ ،‬دون أن يتخلــى عــن‬
‫مســاندة ابــن عمــه علــي بــن أبــي طالــب يف فــرة خالفتــه‪.‬‬
‫اتبــع علــي بــن عبــد اهلل بــن العبــاس‪ ،‬سياســة اســافه يف مــؤازرة العلوييــن‪ ،‬حيــث وقــف‬
‫إلــى جانــب الحســين بــن علــي وكذلــك محمــد بــن الحنيفــة بــن علــي يف مطالبتهمــا بحقهمــا يف‬
‫خالفــة المســلمين‪.‬‬

‫أ� طالب‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫عل ب� ب ي‬
‫حممد ب� احلنفية ب� ي‬
‫ •أمــه مــن بنــي حنيفــة وهــو أخ للحســن والحســين أبنــاء فاطمــة بنــت رســول اهلل صلــى‬
‫اهلل عليــه وســلم‪.‬‬
‫ •عــرف عــن محمــد بــن الحنيفــة ميلــه إلــى االشــتغال بالفقــه واالبتعــاد عــن أمــور‬
‫السياســة‪ ،‬حتــى بعــد وفــاة الحســن ومقتــل أخيــه الحســين يف كربــاء‪ .‬عــاش معظــم‬
‫حياتــه بيــن المدينــة النبويــة ومكــة المكرمــة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫العباس ب ن� عبد املطلب‬


‫ •مــن أكابــر قريــش يف الجاهليــة واإلســام‪ ،‬وهــو جــد الخلفــاء العباســيين‪ ،‬وعــم رســول‬
‫اهلل‪ ،‬ولــد ســنة ( ‪ 55‬ق هـــ‪ 569 /‬م)‪.‬‬
‫ •أسلم العباس و ُيكنى بأبي الفضل‪.‬‬
‫حريصــا يف أن تــؤول الخالفــة إلــى علــي بــن أبــي طالــب ابــن عــم الرســول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ •كان العبــاس‬
‫وأن جدهــم جميعــا هــو عبــد المطلــب بــن هاشــم‪ ،‬الــذي آلــت إليــه ســيادة مكــة قبــل‬
‫اإلســام‪.‬‬
‫ •صحابــي مــن صحابــة رســول اإلســام‪ ،‬وهــو ثــاين مــن أســلم مــن أعمامــه العشــرة إذ لــم‬
‫يســلم منهــم ســواه وحمــزة‪.‬‬
‫ •مــن أبنائــه الصحابــي الجليــل عبــد اهلل بــن العبــاس يلقــب برتجمــان القــرآن وذلــك ألنــه‬
‫كان أكثــر الصحابــة علمــا بالقــرآن الكريــم وأحكامــه‪ ،‬كمــا كان مفســر ًا للقــرآن الكريــم‪،‬‬
‫ولعلمــه الغزيــر أطلــق عليــه ألقــاب كثيــرة منهــا حــر األمــة وفقيــه األمــة‪.‬‬
‫ •روي عبــد اهلل بــن العبــاس عــن رســول اهلل صلــى اهلل عليــه وســلم ‪ 1660‬حديثــا عــن‬
‫رســول اهلل‪.‬‬
‫معارضة أيب هاشم بن حممد بن احلنفية لألمويني‪:‬‬
‫كان األمويــون يخشــون مــن تحــركات العلويــون ضدهــم حتــى أهنــم اقنعوهــم بالخروج‬
‫مــن بــاد الحجــاز واإلقامــة يف أحــد قــرى بــاد الشــام يف قريــة الحميمــة شــرق هنــر األردن‪ ،‬ويف‬
‫هــذه القريــة عــاش أبــا العبــاس إلــى جــوار أبنــاء عمومتهــم العلوييــن‪.‬‬
‫انصــرف أبــو هاشــم بــن محمــد إلــى تنظيــم الدعــوة ســرا آلل بيتــه مــن العلوييــن‪ ،‬ونجــح‬
‫يف بــث دعوتــه واســتمالة عــدد كبيــر مــن الدعــاة‪ ،‬الذيــن عملــوا تحــت إمرتــه وأرســلهم ســرا إلــى‬
‫الكوفــة مهــد التشــيع آلل البيــت العلــوي خاصــة بعــد مقتــل الحســين بــن علــي بــن أبــي طالــب‪،‬‬
‫وكذلــك إلــى خراســان بــأرض فــارس‪ ،‬حيــث الموالــي الحاقديــن علــى البيــت األمــوي‪.‬‬
‫كان األمويــون يتوجســون مــن تحــركات أبــي هاشــم بــن محمــد‪ ،‬دون أن يعلــم أحــد‬
‫منهــم بحقيقــة نشــاطه ضدهــم‪ ،‬حتــى عهــد الخليفــة األمــوي ســليمان بــن عبــد الملــك ســنة ( ‪98‬‬

‫هـــ‪ 716 /‬م) الــذي ســاورته الشــكوك حولــه‪ ،‬فأرســل يف طلبــه فقــدم أبــو هاشــم إلــى دمشــق ملبيــا‬
‫طلــب الخليفــة‪ ،‬وتظاهــر ســليمان بحســن نوايــه حيــال ضيفــه‪ ،‬غيــر نــه د ّبــر مؤامــرة لقتلــه بينمــا‬
‫هــو يف طريقــه إلــى الحميمــة‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫قرر أبو هاشم بن حممد التنازل عن حقه يف اخلالفة‪:‬‬


‫ولمــا شــعر أبــو هاشــم بدنــو أجلــه أســرع إلــى ابــن عمــه علــي بــن عبــد اهلل بــن العبــاس‪،‬‬
‫وســلمه أســرار دعــاة الشــيعة يف الكوفــة ويف غيرهــا مــن األقاليــم يف بــاد فــارس وأعطــاه كتابــا‬
‫ليقدمــه ألولئــك الدعــاة ضمانــا لطاعتهــم لــه‪ ،‬ودفــع إليــه الكتــب التــي كتبوهــا إليــه‪ ،‬وقــال لــه‪:‬‬
‫أنــت صاحــب هــذا األمــر‪ ،‬وهــو يف ولــدك‪ ،‬فقــام هبــذا األمــر ابنــه محمــد العباســي‪ ،‬وكان ذلــك يف‬
‫خالفــة ســليمان بــن عبــد الملــك ســنة ( ‪ 99‬هـــ‪ 718 /‬م)‪.‬‬
‫وجــاء تنــازل أبــو هاشــم عــن حقــه يف الخالفــة إلــى علــي العباســي نقطــة تحــول مهمــة يف‬
‫التاريــخ اإلســامي‪ ،‬إذ بــدأ العباســيون يعملــون علــى نقــل الخالفــة إلــى بيتهــم‪ ،‬بعــد أن اقتصــر‬
‫نشــاطهم مــن قبــل علــى مناصــرة أبنــاء علــي بــن أبــي طالــب‪.‬‬
‫دور الدعاة يف بث الدعوة العباسية‪:‬‬
‫آ‬
‫شعارات الدعوة لل حممد‬
‫الرضا من آل حممد‬
‫إعادة ي ن‬
‫الد� احلق‪.‬‬
‫قــام الدعــاة مــن الموالــي بــدور مهــم يف تثيبــت حــق الخالفــة آلل بيــت النبــي وتحديــدا‬
‫آلل العبــاس يف الكوفــة وخراســان‪ ،‬ومــن أشــهرهم باكيــر بــن ماهــان داعــي دعــاة الكوفــة‪.‬‬
‫دور كبيـ ٌـر يف خدمــة الدعــوة العباســية‬
‫وكان لباكيــر بــن ماهــان داعــي العباســيين بالكوفــة ٌ‬
‫بفضــل ثرائــه وغنــاه‪َ .‬ف ُيــروى أنــه ســلم لمحمــد العباســي أربعــة قضبــان مــن فضــة وآخــر مــن‬
‫ذهــب وكل مالــه‪ .‬وأوصــاه بتكثيــف جهــوده لنشــر الدعــوة بالخالفــة "آلل البيــت النبـ ّـي" والعمــل‬
‫علــى إســقاط الدولــة األمويــة التــي لــم تكفــل حــق المســاواة بيــن العــرب والموالــي وخاصــة‬
‫الفــرس وابتعــدت بمــا ارتكبتــه مــن مفاســد عــن روح وتعاليــم اإلســام حســب زعمهــم‪.‬‬
‫وقــد تــويف محمــد بــن علــي العباســي ســنة ( ‪ 125‬هـــ‪ 742 /‬م) بعــد أن أتــم تنظيــم الدعــوة‬
‫الســرية العباســية‪ ،‬وتركهــا ثابتــة األركان إلبنــه إبراهيــم مــن بعــده‪ ،‬كمــا اســتطاع الزعيــم العباســي‬
‫الجديــد أن يخطــو خطــوات واســعة نحــو تحقيــق أهــداف العباســيين‪ .‬فتلقــب بلقــب اإلمــام‬
‫داللــة علــى زعامتــه الجديــدة‪ ،‬ثــم أعــاد تنظيــم صفــوف الدعــاة اســتعداد ًا للثــورة علــى البيــت‬
‫األمــوي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫وبعد وفاة باكير بن ماهان جعل أبو سلمة الخالل أحد الموالي على الكوفة‪.‬‬
‫ويف ســنة ( ‪ 128‬هـــ‪ 746 /‬م) جعــل علــى خراســان شــخصا آخــر مــن دهــاة الموالــي‬
‫الشــبان‪ ،‬وهــو عبــد الرحمــن بــن مســلم الــذي صــار يعــرف باســم أبــي مســلم الخراســاين‪.‬‬
‫ويف ســنة ( ‪ 129‬هـــ‪ 747 /‬م)‪ ،‬أمــر اإلمــام العباســي إبراهيــم بــن محمــد أن يكــون أبــو‬
‫مســلم الخراســاين هــو رئيــس الدعــاة جميعــأ‪ ،‬وأمــره بــأن يجهــر بالدعــوة للعباســيين حصــر ًا‪،‬‬
‫وأن يعمــل علــى جعــل خراســان قاعــدة لإلنطــاق بقواتــه الحربيــة ضــد البيــت األمــوي‪.‬‬

‫ب) املرحلة العلنية‪:‬‬


‫جــاء التحــول يف الدعــوة العباســية مــن العمــل ســرا إلــى العمــل علنــا يف عهــد مــروان بــن‬
‫محمــد آخــر الخلفــاء األموييــن‪ .‬وقــد اســتطاع أبــو مســلم الخراســاين أن يجتــذب إليــه الموالــي‬
‫يف خراســان‪ ،‬وأن يوســع الفرقــة بيــن ســكان خراســان مــن العــرب‪ .‬ولــم يلبــث أن اســتولی علــى‬
‫مــرو عاصمــة خراســان‪ .‬وأســرع الوالــي األمــوي علــى خراســان وهــو نصــر بــن ســيار إلى إرســال‬
‫اســتغاثة إلــى الخليفــة مــروان بــن محمــد‪ ،‬يشــرح فيهــا خطــورة مــا يجــري يف واليتــه ويطلــب‬
‫اإلمــدادات‪ .‬وجــاءت هــذه اإلســتغاثة يف شــعر بليــغ‪ ،‬يقــول فيــه‪:‬‬
‫ويوشــك أن يكــون لهــا ضــرام‬ ‫أرى خالل الرماد ومیــــــض نار ‬
‫وأن الحـــــرب مبدؤهـــــا كالم‬ ‫فإن النار بالعودين تــــــــــــــذكي ‬
‫أأيقــــــاظ أميــــــة أم نیـــــــام؟‬ ‫فقلت من التعجب ليت شعــري ‬
‫كان الخليفــة األمــوي يف غفلــة عــن مــا يجــري مــن تحــركات يف بــاد خراســان تســتهدف‬
‫القضــاء علــى حكــم األموييــن‪ .‬حتــى أنــه اعتــذر عــن مســاعدته النشــغاله بمقاتلــة الخــوارج وفتن‬
‫أخــرى يف بــاد الشــام‪ ،‬حتــى وقــع يف يــد الخليفــة مــروان بــن محمــد كتابــا مــن اإلمــام إبراهيــم‬
‫العباســي يحمــل بعــض التعليمــات الخاصــة بالدعــوة وتنظيمهــا‪ ،‬فأرســل مــروان إلــى الســلطات‬
‫بدمشــق أن تقبــض علــى اإلمــام إبراهيــم بالحميمــة‪ ،‬وإلقائــه يف الســجن‪ ،‬ولمــا علــم اإلمــام‬
‫ال نجــاة لــه مــن قبضــة مــروان‪ ،‬أوصــى إلــى أخيــه أبــي العبــاس باإلمامــة‪ ،‬وأمــره أن‬ ‫إبراهيــم أ ّ‬
‫يرحــل مــع أهلــه مــن الحميمــة إلــى الكوفــة‪.‬‬
‫نــزل أبــو العبــاس علــى داعــي العباســيين بالكوفــة‪ ،‬وهــو أبوســلمة الخــال‪ ،‬وبقــي‬
‫مختفيــا عــن رقابــة الســلطات األمويــة‪.‬‬
‫حــاول أبوســلمة الخــال‪ ،‬الــذي اشــتهر باســم (وزيــر آل محمــد)) أن ينتهــز فرصــة‬

‫‪94‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫اختفــاء أبــي العبــاس‪ ،‬ويعمــل علــى تحويــل الخالفــة إلــى أحــد العلوييــن‪ .‬لكــن أبــو حميــد‬
‫محمــد مولــى إبراهيــم اإلمــام أخــر قــادة الجيــش الخراســاين ومنهــم أبــو جهــم ومولــی بــن‬
‫کعــب وغيرهــم بــأن إبراهيــم اإلمــام أوصــى ألخيــه أبــي العبــاس‪ ،‬فقدمــوا معــه إلــى اإلمــام‬
‫وبايعــوه‪ ،‬وكان أبــو مســلم قــد اســتطاع الســيطرة علــى مــرو عاصمــة خراســان‪ ،‬وصــار القائــد‬
‫األعلــى للجيــوش العباســية هنــاك‪ .‬أرســل أبــو مســلم إلــى الكوفــة نفــرا مــن قــادة العباســيين‬
‫لمقابلــة أبــي العبــاس ومبايعتــه بالخالفــة‪ .‬ممــا اضطــر أبــو ســلمة الخــال إلــى أن يبايــع هــو‬
‫أيضــا ألبــي العبــاس بالخالفــة‪.‬‬

‫خالفة أيب العباس عبداهلل‬


‫(‪ 136-132‬هـ‪ 754-750 /‬م)‬

‫عل ب ن� عبد هللا ب ن�‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫امسه ونسبه‪ :‬هو أبو العباس عبد هللا ب� حممد ب� ي‬
‫عباس دامت‬ ‫ي‬ ‫عباس‪ .‬ولد سنة(‪ 105‬هـ ‪ 723 /‬م) ب�حلميمة هو أول خليفة‬
‫أ ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫وتو� ب�دينة النبار ي� سنة (‪ 136‬هـ‪ 754 /‬م)‪.‬‬‫ي‬ ‫سنوات‬ ‫أربعة‬ ‫حمكه‬ ‫ة‬‫ف�‬
‫بايــع العباســيون أول خليفــة عباســي وكان أبــو العبــاس عبــد اهلل بــن محمــد‪ .‬الــذي‬
‫اســتفتح عهــده بخطبــة يف النــاس يف الكوفــة كانــت بمثابــة اإلعــان عــن قيــام الخالفــة العباســية‪،‬‬
‫وإقــرار ًا بأحقيــة العباســيين يف الخالفــة وأن مطالبتهــم هبــا هــو حــق شــرعي ال ينافســهم فيــه‬
‫منافــس حتــى أنــه وصــف نفســه «بالســفاح المبيــح والثائــر المنيــح»‪ ،‬فكنــي بالســفاح‪ .‬وقــد‬
‫فســره بعــض المؤرخيــن واالخبارييــن إنــه كان يقصــد بــه الرجــل الــذي يكثــر الذبــح لضيوفــه‪،‬‬
‫وهنــاك مــن فســره علــى أنــه أراد بــه النيــل مــن خصومــه مــن األموييــن وتعقبهــم‪.‬‬
‫أ� العبــاس‪ :‬نقــل مركــز الخالفــة مــن الكوفــة إلــى الحيــرة ثــم انتقــل إلــى‬‫سياســة ب ي‬
‫مدينــة األنبــار ونقــل فيهــا دواوينــه‪ ،‬وغيــر اســمها لتكــون الهاشــمية بعد أن بنــى فيهــا دار ألقامته‪.‬‬
‫ف‬
‫الــوزارة ي� هعــده‪ :‬كان أبــي ســلمة الخــال الفارســي أول وزيــر للعباســيين‪ ،‬حتــى‬
‫أنــه لقــب بوزيــر آل محمــد‪ ،‬ثــم عيــن وزيــر بعــده خالــد بــن برمــك‪ .‬وبذلــك يكــون هــو أول‬
‫خليفــة يســتحدث منصــب الوزيــر ويعهــد لــه ببعــض االختصاصــات كأن ينــوب عــن الخليفــة‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫وحــرص علــى أن يكونــوا مــن الفــرس‪.‬‬


‫اعتمــد العبــاس علــى ثــاث رجــال عرفــوا بشــدة ســلطاهنم وســطوهتم ونفوذهم الواســع‬
‫يف تدعيــم أركان دولتــه وهم‪:‬‬
‫‪1.1‬أبي مسلم الخراساين بالمشرق أي بالد فارس وخراسان‪.‬‬
‫‪2.2‬أخوه أبي جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق‪.‬‬
‫‪3.3‬عبد اهلل بن علي وكان بالشام ومصر‪.‬‬
‫والية الهعد‪:‬‬
‫عقــد أبــا العبــاس الســفاح ألخيــه أبــي جعفــر بالخالفــة مــن بعــده‪ ،‬وواله العهــد ثــم‬
‫عيســى بــن موســى بــن محمــد بــن علــي وكتــب العهــد بذلــك وختــم عليــه بخاتمــه وخواتيــم‬
‫أهــل بيتــه‪.‬‬
‫ارتكــب الســفاح خطــأ كبيــر عندمــا كتــب واليــة العهــد الثنيــن مــن العباســيين‪ ،‬وكانــت‬
‫مــن أســباب الفرقــة والخــاف بيــن أبنــاء البيــت العباســي‪.‬‬
‫وقــد وجــه أبــو العبــاس الســفاح جهــوده عقــب مبايعتــه بالخالفــة للقضــاء علــى مــروان‬
‫بــن محمــد آخــر الخلفــاء األموييــن‪.‬إذ التقــت جيــوش العباســيين بقيــادة عــم الخليفــة عبــد اهلل‬
‫بــن علــي‪ ،‬بجيــوش األموييــن بقيــادة مــروان بــن محمــد‪ ،‬عنــد أحــد روافــد هنــر الفــرات بالقــرب‬
‫مــن الموصــل شــمال العــراق والتقيــا يف معركــة الــزاب األصفــر يف ســنة ( ‪ 132‬هـــ‪ 750 /‬م) انتهت‬
‫هبزيمــة مــروان بــن محمــد وفــراره إلــى دمشــق‪.‬‬
‫تعقــب الجيــش العباســي فلــول األموييــن الفاريــن بعــد هزيمتهــم فســقطت يف أيديهــم‬
‫بقيــة المــدن الشــامية‪ .‬ورفــع فــوق حصوهنــا شــعار العباســيين وهــو العلم األســود فــوق حصوهنا‪،‬‬
‫إيذانــا بســقوط ُملــك األموييــن ومغيــب شمســهم‪.‬‬
‫فــر مــروان بــن محمــد آخــر الخلفــاء األموييــن مــن بــاد الشــام إلــى مصــر‪ ،‬حيــث ألقــي‬
‫القبــض عليــه وتــم قتلــه يف أحــدى قــرى الصعيــد قــرب بويصيــر يف الفيــوم‪ .‬وأرســل بشــارات‬
‫الخالفــة‪ ،‬الــردة والقضيــب والمخصــر إلــى أبــي العبــاس يف العــراق‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫جـ) خالفة أيب جعفر املنصور (املؤسس احلقيقي للدولة العباسية)‬


‫(‪ 158 - 136‬هـ‪ 775 - 750 /‬م)‬

‫ـاس‪ ،‬ولــد ســنة(‪101‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫ـ� العبـ ي‬
‫ •امســه‪ :‬أبــو جعفــر عبــد هللا ب� حممــد ب� عـ ي‬
‫ـاس‪.‬‬
‫هـــ‪ 719 /‬م)وهــو أكـ بـر ســنا مــن أخيــه أبــو العب أــاس أول خليفــة عبـ ي‬
‫ •طلــب العــم وخاصــة عــم احلديــث واهـ تـم ب�لدب واكن فصيحــا‪ ،‬عــى‬
‫درايــة بسـ يـر امللــوك اتصــف ب�حلــزم واليقظــة والبــأس والثبــات‪.‬‬
‫ة‬ ‫ف‬
‫الدول العباسية‪.‬‬ ‫ •خلف أخاه بأ� العباس ي� خالفة‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ •شــارك أخــاه الســفاح ي� القضــاء عــى خصومــه مــن المويـ يـ�‪ ،‬وأحبــط‬
‫حمــاوالت أبــو ســمة الخ ــال ف ي� ت�ويــل الدعــوة للعلويـ ي ن‬
‫ـ�‪.‬‬
‫يعتــر أبــو جعفــر المنصــور المؤســس الحقيقــي للدولــة العباســية‪ ،‬فقــد اســتطاع أن‬
‫يجمــع بيــن الســلطتين الدينيــة والمدنيــة‪.‬وأن يعمــل علــى تدعيــم أركان دولتــه بعــد أن تمكــن مــن‬
‫القضــاء علــى خصومــه مــن بنــي العبــاس ويف مقدمتهــم عمــه عبــد اهلل بــن علــي‪ ،‬ومــن الناقميــن‬
‫عليــه مــن الفــرس يف طليعتهــم أبــو مســلم الخراســاين‪.‬‬
‫تمكــن مــن إحبــاط محــاوالت بعــض أبنــاء البيــت العلــوي يف الظفــر بالســلطة فقتــل كل‬
‫مــن محمــد ذي النفــس الزكيــة وأخيــه إبراهيــم وكانــا مــن أشــد الخصــوم لــه‪.‬‬
‫تعــد ثــورة محمــد بــن عبــد اهلل بــن الحســن وكنيتــه محمــد ذي النفــس الزكيــة‪ ،‬وأخــوه‬
‫إبراهيــم مــن أشــد الثــورات التــي واجههــا الخليفــة المنصــور‪ .‬فقــد دعــا محمــد بــن النفــس الزكية‬
‫لنفســه بالخالفــة وجمــع مــن حولــه أنصــار يف الحجــاز والعــراق وخراســان‪ ،‬وامتنــع عــن مبايعــة‬
‫العباســيين وبقــي مختفيــا عــن أعيــن أبــي جعفــر المنصــور يف الحجــاز ومعــه أخــوه إبراهيــم‪.‬‬
‫وكان يظــن يف بــادئ األمــر إن شــعار الدعــاة يف خراســان هــو (الرضــا مــن آل محمــد)‬
‫بالخالفــة لهــم دون بقيــة أبنــاء آل البيــت‪ ،‬والمقصــود بــه الدعــوة آلل علــي بــن أبــي طالــب وقــد‬
‫عرفــوا بالطالبييــن‪ ،‬فاســتغل وجــوده يف الحجــاز واعلــن عــن أحقيتــه يف الخالفــة يف(رجــب‬
‫‪ 145‬هـــ‪ 762 /‬م)‪ ،‬وحصــل علــى مبايعــة بنــي هاشــم وتلقــب بأميــر المؤمنيــن‪ ،‬بينمــا توجــه‬
‫أخيــه إبراهيــم إلــى البصــرة ليقــود االنتفاضــة فيهــا ضــد العباســيين‪ ،‬وكان أنصــار العلوييــن فيهــا‬
‫يرتــدون البيــاض يف مخالفــة لشــعار العباســيين الســواد‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫جمــع إبراهيــم المؤيديــن لــه يف الكوفــة والبصــرة‪ ،‬وتمكــن مــن بســط ســيطرته علــى‬
‫دار اإلمــارة وبيــت المــال فيهــا‪ .‬وقبــض علــى والــي البصــرة ويدعــى ســفيان بــن معاويــة وأمــر‬
‫بحبســه‪..‬‬
‫ك ّلــف الخليفــة أبــي جعفــر المنصــور عيســى بــن موســى بتجريــد جيــش للقضــاء علــى‬
‫األخويــن الثائريــن محمــد ذي النفــس الزكيــة يف المدينــة النبويــة وإبراهيــم يف الكوفــة والبصــرة‬
‫وبالفعــل تــم القضــاء عليهمــا يف ســنة ( ‪ 145‬هـــ‪ 662 /‬م)‪.‬‬
‫هــذا وقــد أمعــن بنــي العبــاس يف النيــل مــن العلوييــن والتنكيــل هبــم وقــد أودعوهــم‬
‫الســجن‪ ،‬حتــى عهــد الخليفــة العباســي المهــدي الــذي أطلــق ســراحهم واســتوزر يعقــوب‪.‬‬
‫تأ‬
‫�سيس مدينة بغداد‪:‬‬
‫أختــار الخليفــة المنصــور قريــة لتكــون مقــرا لدولتــه علــى الضفــة الغربيــة لنهــر دجلــة‪.‬‬
‫وشــرع يف بنــاء عاصمــة جديــدة اســماها دار الســام ثــم تحولــت إلــى بغــداد يف ســنة ( ‪ 145‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 662‬م) وعرفــت بالمدينــة المــدورة‪.‬‬
‫بالــغ المنصــور يف تحصيــن مدينتــه بغــداد وأحاطهــا بســورين داخلي وخارجي واشــتمل‬
‫الســور الخارجــي علــى أربعــة أبــواب لــكل بــاب وجهــة‪ ،‬بــاب الكوفــة ‪ -‬وبــاب البصــرة ‪ -‬وبــاب‬
‫الشــام ‪ -‬وبــاب خراســان ‪ -‬وكان يقــع علــى هنــر دجلــة وخصــص الســتقبال الوفود الرســمية‪.‬‬
‫شــهدت مدينــة بغــداد تطــور عمــراين وحضــاري يف العصــر العباســي‪ ،‬حيــث ضمــت‬
‫معظــم دواويــن الحكومــة وكان هبــا دار لســك العملــة وقصــر الخالفــة ومســاجد‪ ،‬كمــا اشــتملت‬
‫وخــص صاحــب الشــرطة وصاحــب الحــرس بســقيفة كبيــرة مبنيــة علــى عمد‪.‬‬ ‫علــى مرافــق عامــة ُ‬
‫قســمت ضواحيهــا إلــى أربعــة أقســام‪ ،‬انتشــرت فيهــا المســاجد والحمامــات والمنــازل‪،‬‬
‫وجعــل للمدينــة شــوارع رئيســية وفرعيــة‪ .‬أجــرى فيهــا المــاء مــن قنــاة‪.‬‬
‫عيــن أبــي جعفــر المنصــور وزيــرا لــه خالــد بــن برمــك‪ ،‬ويف عهــده عظــم شــأن الربامكــة‪،‬‬
‫واحتفــظ الخليفــة لنفســه بســلطاته فــكان يتولــى محاســبة ومراقبــة الــوالة ومراجعــة األمــور‬
‫الماليــة للدولــة‪ ،‬كمــا أهتــم بتحصيــن الحــدود الربيــة مــع البيزنطييــن بمــا يعــرف بالعواصــم‬
‫والثغــور‪.‬‬
‫واليــة الهعــد‪ :‬كــرس أبــو جعفــر المنصــور سياســة هتــدف إلــى أخــذ البيعــة ألبنــه‬
‫المهــدي يف حياتــه وخلــع أخيــه عيســى بــن موســى مــن واليــة العهــد‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫التخلص من أ� مسمل الخ ر ن‬


‫اسا�‪:‬‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫قــام أبــو جعفــر المنصــور بالقضــاء علــى أبــي مســلم الخراســاين الــذي حــاول االســتبداد‬
‫لشــخصه لمــا كان لــه مــن دور يف قيــام الدولــة العباســية ويف اإلطاحــة بثــورة عبــداهلل بــن علــي‪.‬‬
‫شــعر أبــو جعفــر المنصــور بغــرور أبــي مســلم الخراســاين وعــدم مباالتــه بأبنــاء البيــت‬
‫العباســي‪ ،‬وذلــك حيــن خرجــا ســو ًّيا إلــى الحــج قبيــل وفــاة الخليفــة أبــي العبــاس الســفاح‪ ،‬كان‬
‫أبــي مســلم يتقــدم علــى ركــب الخليفــة أبــي جعفــر‪ ،‬دون اإللتــزام بــاآلداب الســلطانية‪.‬‬
‫أوفــد الخليفــة المنصــور رســوال مــن عنــده ليحصــي الغنائــم التــي حصلــت بيــد أبــي‬
‫مســلم إثــر مقتــل عبــد اهلل بــن علــي‪ ،‬فاعتــر أبــو مســلم هــذا العمــل إهانــة لــه‪ ،‬وشــعر أنــه لــم يعــد‬
‫موضــع ثقــة الخليفــة‪ ،‬وقــال‪(( :‬أنــا أميــن علــى الدمــاء‪ ،‬خائــن يف األمــوال))‪ ،‬فأعلــن أبــو مســلم‬
‫بعــد ذلــك عــن عزمــه علــى العــودة إلــى وطنــه خراســان‪.‬‬
‫وازدادت مخــاوف الخليفــة مــن تلــك الخطــوة التــي ّ‬
‫صمــم أبــو مســلم علــى القيــام هبــا‪،‬‬
‫وكان يــري خالفتــه وخالفــة أســرته مــن بعــده مهــددة بالــزوال طالمــا كان أبــو مســلم حــرا طليقًا‪.‬‬
‫واجتهــد يف دعوتــه إلــى مقابلتــه‪ ،‬ازدادت مخــاوف الخليفــة المنصــور مــن ســطوة ونفــوذ منافســة‬
‫أبــي مســلم الخرســاين فقــرر التخلــص منــه وقتلــه ســنة ( ‪ 137‬هـــ ‪ 755 /‬م)‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫خالفة املهدي بن أيب جعفر املنصور‬


‫(‪ 169-158‬هـ‪ 785 - 775 /‬م)‬

‫ف‬
‫أ� جعفــر املنصــور‪ ،‬بويــع ب�لخ الفــة ي�‬ ‫ن‬
‫ •امســه‪ :‬هــو أبــو عبــد هللا حممــد املهــدي ف با� ب ي‬
‫ســنة (‪ 169-158‬هـــ‪ 785 - 775 /‬م) ي� مكــة املكرمــة‪.‬‬
‫مك‪.‬‬ ‫ال�‬
‫ب‬ ‫خالد‬ ‫�‬ ‫وز� ًا هل ي� ي� ب ن‬
‫ •اختار ي‬
‫ي‬
‫تولــى المهــدي الخالفــة خلفــا ألبيــه أبــي جعفــر المنصــور‪ ،‬وقــرر عــزل عمــه مــن واليــة‬
‫العهــد‪ ،‬وأخــذ البيعــة لولديــه الهــادي وهــارون الرشــيد‪.‬‬
‫سياسته‪ :‬اتسمت سياسة الخليفة المهدي بميزتين‪:‬‬
‫أولهــم‪ :‬اتبــع سياســة الليــن لكســب ثقــة الرعيــة‪ ،‬وخاصــة مــع أهــل الحجــاز‪ ،‬كنــوا مــن‬
‫حاشــيته‪ ،‬حتــى أنــه اختــار منهــم رجــال يف حرســه الخــاص وشــرطته وأحســن آلل ُعلــي بــن أبــي‬
‫طالــب‪.‬‬
‫ثانيهمــا‪ :‬حــارب أصحــاب البــدع والحــركات المارقــة التــي ظهــرت يف عهــده‪ ،‬منهــا‬
‫الحركــة المانويــة‪ ،‬فقــد نــادت بأفــكار مخالفــة للطبيعــة اإلنســانية ومنافيــة لتعاليــم الديــن‬
‫اإلســامي‪ ،‬حــارب المهــدي هــذه الحركــة المارقــة ومثيالهتــا كحركــة المقنــع والــذى ادعــى‬
‫األلوهيــة‪ ،‬واجتهــد يف تعقبهــم والتنكيــل باتباعهــم‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫خالفة هارون الرشيد‬


‫(‪ 190 – 170‬هـ‪ 809 - 775 /‬م)‬

‫ـي�‪ .‬قيــل‬‫ •امســه هــارون ب ن� حممــد ب ن� بأ� جعفــر املنصــور خامــس الخ لفــاء العباسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫أ‬
‫أنــه اكن عاملــا ب�لدب وأخبــار العــرب وشــاعر‪ ،‬ي ج�الــس العملــاء ويناظــرمه‪.‬‬
‫أ‬
‫ •لقب بغازي حاج لنه اكن يغزو سنة يو�ج سنة أخرى‪.‬‬
‫ن‬ ‫ز‬
‫ـ� عــى دفــع مبلــغ مــن املــال‬‫ •لكفــه أبــوه املهــدي غــزو يب�نطــة‪ ،‬فصاحلتــه امللكــة يا� يـ في‬
‫قــدره ســبعون ألــف دينــار تبعــث ب�ــا إىل بيــت املــال ي� لك عــام‪.‬‬

‫يعتــر عهــد الخليفــة الرشــيد مــن أزهــى العصــور العباســية ورث عــرش الدولــة وقــد‬
‫وصلــت إلــى أوســع رقعــة جغرافيــة وامتــدت حدودهــا السياســية شــرقا وغربــا‪.‬‬
‫حتى أنه خاطب سحابة «أيتها الغمامة أمطرى أين شئت فإن خراجك سيأيت إلي»‪.‬‬
‫انصــب اهتمــام هــارون الرشــيد يف أول عهده بالخالفــة على العنايــة بالنواحي الحضارية‬
‫كتشــجيع العلمــاء وفتــح مياديــن العلــم واألدب وترجمــة علــوم الشــعوب األخــرى كالفارســية‬
‫والهنديــة وغيرهــا إلــى العربيــة‪ ،‬وازدهــرت الحركــة األدبيــة يف الكوفــة والبصــرة وبغــداد‪.‬‬
‫ومــن السياســات التــي ســلكها هــارون الرشــيد تــرك أمــور الدولــة بيــد الربامكــة فقــد قلد‬
‫يحيــى بــن خالــد الربمكــي مقاليــد الــوزارة وفوضــه بجميــع الســلطات‪ ،‬وميــز الربامكــة عــن ســائر‬
‫حاشــيته‪ ،‬وكان مــن آثــار ذلــك اشــتعال نــار الفتنــة بيــن األخويــن األميــن والمأمــون‪ ،‬وإذكاء روح‬
‫العصبيــة بيــن الفــرس والعــرب‪.‬‬
‫لــم تــدم حالــة اســتقرار الدولــة طويال يف عهــد الرشــيد‪ ،‬إذ بدأت وحــدة الدولة السياســية‬
‫تتالشــى وأخــذت الدويــات المســتقلة تتشــكل يف الشــرق والغــرب مســتغل ًة ُبعدَ هــا عــن مركــز‬
‫الخالفــة يف بغــداد‪.‬‬
‫تأمني حدود الدولة العباسية ضد اإلمرباطورية البيزنطية‪:‬‬
‫غلبــت العدائيــة علــى العالقــات بيــن الدولــة اإلســامية ودولــة الــروم البيزنطيــة منــذ‬
‫ظهــور اإلســام‪ ،‬وزاد مــن حقــد اإلمرباطوريــة البيزنطيــة‪ ،‬مــا قــام بــه المســلمون مــن فتوحــات‬
‫حملــت رايــة اإلســام إلــى كثيــر مــن بقــاع العالــم القديــم‪ ،‬وانتزعــت مــن اإلمرباطوريــة أهــم‬
‫أقاليمهــا يف الشــام ومصــر وشــمال أفريقيــا‪ .‬وكان الخــط الحــدودي الفاصــل بيــن الدولــة‬
‫‪101‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫اإلســامية واإلمرباطوريــة البيزنطيــة حتــى ســقوط الخالفــة األمويــة يقــع عنــد منطقــة األطــراف‬
‫التــي تفصــل جنــوب أســيا الصغــرى‪ ،‬التابعــة للبيزنطييــن عــن شــمال الشــام والعــراق مــن أمــاك‬
‫الدولــة اإلســامية‪.‬‬
‫وكانــت جبــال طــوروس والجبــال التــي تليهــا تشــكالن الحاجــز الحــدودي الفاصــل‬
‫بيــن الدواتيــن العباســية والبيزنطيــة‪ ،‬ومــا إن اســتتب األمــر للعباســيين‪ ،‬حتــى بــادر الخلفــاء‬
‫العباســيون إلــى تنظيــم حمــات عديــدة‪ ،‬اســتطاعت مــن خاللهــا أن تعــر هــذا الخــط الدفاعــي‪،‬‬
‫وأن هتــدد عاصمــة البيزنطييــن نفســها القســطنطينية‪ ،‬واضطــرت الســلطات البيزنطيــة إلــى دفــع‬
‫الجزيــة ســنويًا للدولــة العباســية طلبــا للســام‪.‬‬
‫اعتنــى الخليفــة هــارون الرشــيد بالمناطــق المتاخمــة مــع البيزنطييــن‪ ،‬فأصلــح الثغــور‬
‫والمعاقــل المواجهــة مــع البيزنطييــن وســدّ الثغــرات التــي ينفــذ منهــا العــدو مــن جبال طــوروس‪،‬‬
‫ثــم جعلهــا منطقــة حاجــزة عرفــت بـــــ (منطقــة الثغــور)‪ ،‬واشــتملت تلــك المنطقــة علــى قســمين‬
‫أحدهمــا صــار يســمي باســم (الثغــور الشــامية)‪ ،‬ويتولــى الدفــاع عــن شــمال الشــام‪ ،‬واآلخــر‬
‫(الثغــور الجزريــة)‪ ،‬ويتولــى الدفــاع عــن إقليــم الجزيــرة بشــمال العــراق‪.‬‬
‫وعمــل الخليفــة الرشــيد علــى تحصيــن المــدن التــي تقــع خلــف إقليــم الثغــور‪ ،‬وجعلهــا‬
‫وحــدة حربيــة ســماها (العواصــم)‪ ،‬ألن الجنــد اإلســامي كان يعتصــم هبــا إذا اشــتدت هجمــات‬
‫البيزنطييــن علــى إقليــم الثغــور يف عهــد الخليفــة هــارون الرشــيد‪..‬‬

‫أ‬ ‫تا�ــة حلــدود الـ ة‬


‫ـدول ي ز‬ ‫ •العــوامص والثغــور مناطــق ُم خ‬
‫الب�نطيــة العــدو الول للخالفــة‬
‫ت‬ ‫ش‬
‫العباســية‪ ،‬واكن يـ تـم � ن�ــا ب�لرجــال والعتــاد الســتطالع ُومراقبــة �ــراكت العــدو عن‬
‫كثب ‪.‬‬
‫صي�ــا‪ ،‬ف ـف ي ســنة‬‫ـ� تو� ن‬ ‫املوا�ــة ي ز‬
‫للب�نطيـ ي ن‬ ‫ •اهـ تـم هــارون الرشــيد بتنظـ يـم حــدوده ج‬
‫ين‬
‫وقنــر� وامسهــا العــوامص‪,‬‬ ‫ــز�ة‬‫عــن الج ي‬ ‫(‪ 170‬هـــ ‪ 776 /‬م) فصــل الثغــور لكهــا‬
‫ق‬ ‫ف‬
‫ن‬
‫بتحصي�ــا‪،‬‬ ‫عامص�ــا منبــج تقــع ي� الـ شـامل الـ شـر ي� مــن مدينــة حلــب‪ ،‬اهـ تـم‬
‫ت‬ ‫وجعــل‬
‫ومعــر مدينــة طرســوس واكن ي�ــدف إىل جعلهــا قاعــدة عســكرية قويــة مــن حــدود‬ ‫ّ‬
‫بــاد الشــام ش‬
‫ال�ليــة‪.‬‬

‫كانــت حــروب الرشــيد مــع البيزنطييــن بمســتوى واحــد مــن حيــث االســتعداد والنتائج‪،‬‬
‫فــكان يأمــر بخــروج الحمــات بشــكل منتظــم ســنو ًّيا‪ ،‬صيفــا وشــتاء لإلغــارة علــى «بــاد‬

‫‪102‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫الــروم»‪ ،‬يف آســيا الصغــرى وهتــدد العاصمــة البيزنطيــة القســطنطينية‪ ،‬واشــتهرت تلــك الحمــات‬
‫العباســية علــى اإلمرباطوريــة البيزنطيــة باســم «الصوائــف والشــوايت»‪.‬‬
‫وصــارت ســبيال إلعــاء كلمة الدولة العباســية‪ ،‬ودعــم مكانتها الخارجية لــدي جيراهنا‪،‬‬
‫وحــرص الخليفــة هــارون الرشــيد علــى أن يتولــى قيــادة تلــك الحمــات الســنوية بنفســه‪ ،‬حتــى‬
‫قيــل أنــه كان يغــزو البيزنطييــن عامــا ويحــج عامــا آخــر‪ ،‬وأنــه ارتــدى لذلــك قلنســوة‪ ،‬أي غطــاء‬
‫للــرأس‪ ،‬كتــب عليــه «غــازي حــاج»‪.‬‬
‫وكانــت أهــم الحمــات التــي قــام هبــا هــارون الرشــيد علــى اإلمرباطوريــة البيزنطيــة‬
‫تســتهدف تأديــب اإلمرباطــور الجديــد نقفــور الــذي رفــض أداء الجزيــة التــي كانــت تدفعهــا‬
‫بيزنطــة ســنويا لبغــداد‪ ،‬وقــد كتــب كتابــا إلــى هــارون الرشــيد يطلــب فيــه إعــادة األمــوال التــي‬
‫كانــت تدفعهــا اإلمرباطــورة إيريــن‪ ،‬التــي كانــت قائمــة علــى شــؤون اإلمرباطوريــة قبــل نقفــور‪.‬‬
‫وجــاء خطــاب اإلمرباطــور نقفــور إلــي الرشــيد شــديد اللهجــة فأعــد الرشــيد جيوشــه لتأديــب‬
‫هــذا اإلمرباطــور‪ ،‬وبعــث إليــه هبــذا الكتــاب الشــهير‪« :‬بســم اهلل الرحمــن الرحيــم‪ ،‬مــن هــارون‬
‫أميــر المؤمنيــن إلــى نقفــور كلــب الــروم‪ ،‬قــد قــرأت كتابــك‪ ...‬والجــواب مــا تــراه دون أن تســمعه‬
‫والســام»‪.‬‬
‫وانتهــت إغــارة الرشــيد علــى األراضــي البيزنطيــة بحمــل اإلمرباطــور علــى إعــادة دفــع‬
‫الجزيــة‪ .‬وهنــج خلفــاء العصــر العباســي األول هنــج هــارون الرشــيد‪ ،‬فعندمــا قامــت ثــورة بابــك‬
‫الخرمــي الفارســي زمــن الخليفــة المعتصــم العباســي‪ ،‬انتهــز اإلمرباطــور البيزنطــي «ثيوفيــل»‬
‫الفرصــة‪ ،‬وقــام بحملــة علــى مدينــة «زبطــرة» اإلســامية‪ ،‬بمنطقــة الثغــور‪ ،‬وهنبهــا وأســاء إلــى‬
‫أهلهــا‪ .‬فأعــد الخليفــة المعتصــم ســنة ( ‪ 223‬هـــ‪ 838 /‬م) ثالثــة جيــوش زحــف هبــا علــى آســيا‬
‫الصغــرى ودمــر مدينــة «عموريــة» مســقط رأس اإلمرباطــور ثيوفيــل‪ ،‬إمعانــا يف إذاللــه‪ ،‬وتأكيــدا‬
‫علــى قــوة بطــش الخالفــة العباســية‪ ،‬ســجل وقائــع هــذه الحملــة العباســية علــى عموريــة الشــاعر‬
‫أبــو تمــام وذلــك يف قصيدتــه الرائعــة التــي جــاء فيهــا‪:‬‬
‫يف حــده الحــد بيــن الجــد واللعــب‬ ‫السيف أصدق إنباء من الكتب ‬
‫عنــك المنــي معســولة الحلــب‬ ‫يا يوم عمورية انصرفــــــــــــت ‬
‫غــدت الدولــة العباســية يف عصرهــا األول‪ ،‬وببفضــل موقعهــا الجغــرايف كذلــك قوهتــا‬
‫العســكرية الربيــة تتصــدر دول العالــم آنــذاك‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫مؤامرات الوزراء الفرس‪:‬‬


‫اعتمــد العباســيون اعتمــادا كليــا علــى الفــرس عامــة وعلــى والخراســانيين منهــم‬
‫بصفــة خاصــة خــال مرحلــة الدعــوة العباســية‪ ،‬ثــم أثنــاء إقامــة الدولــة العباســية نفســها‪ .‬فقــرب‬
‫العباســيون إليهــم كبــار رجــال الفــرس والطبقــة المثقفــة منهــم‪ ،‬وأشــركوهم يف الحكــم‪ .‬فقــد‬
‫خــص العباســيون الفــرس بمنصــب الــوزراء‪ ،‬الــذي نقلــوه عــن الدولــة الساســانية وهــي إشــارة‬
‫إلــى اشــراك الفــرس مــع العــرب يف الدولــة الجديــدة‪ ،‬فــكان العباســيون العــرب هــم الخلفــاء‬
‫والفــرس هــم الــوزراء‪.‬‬
‫وتجلــت هــذه الحقيقــة منــذ أيــام الدعــوة العباســية‪ ،‬حيــث جعلــوا أبــا ســلمة الخــال‬
‫وهــو فارســي‪ ،‬وداعــي الدعــاة يف الكوفــة‪ ،‬وزيــرا‪ ،‬وأطلقــوا عليــه لقــب «وزيــر آل محمــد»‪.‬‬
‫شــعر العباســيون منــذ قيــام دولتهــم أن الــوزراء الفــرس يرغبــون يف نقــل الســلطان‬
‫الفعلــي إليهــم وانتزاعــه منهــم‪ ،‬تحــت ســتار الدعــوة إلــى أحقيــة أبنــاء بيــت علــي بــن أبــي طالــب‬
‫بالخالفــة‪ ،‬فالوزيــر أبــو ســلمة الخــال كان يميــل إلــى العلوييــن حتــى أنــه أخفــي نبــأ وصــول‬
‫أبــي العبــاس إلــى الكوفــة‪ ،‬فــرارا مــن بطــش الخليفــة األمــوي مــروان بــن محمــد‪ ،‬وســعى لنقــل‬
‫الخالفــة إلــى أحــد العلوييــن‪ ،‬ممــا أدى إلــى مصرعــه علــى يــد رجــال أبــي مســلم الخراســاين‬
‫بإيعــاز مــن الخليفــة العبــاس‪ ،‬ومــع كل ذلــك اســتمرت االســتعانة بالفــرس يف عهــد الخليفــة‬
‫هــارون الرشــيد‪ ،‬فقــد اســتعان هــذا األخيــر بالربامكــة‪ ،‬وعهــد إليهــم بالــوزارة‪.‬‬

‫الربامكة‬
‫أرسة فارســية مسيــت ب� بل�امكــة نســبة إىل ب�مــك والــذي اكن قبــل إســامه يـ شـرف‬
‫عــى أحــد معابــد املج وســية ف ي� مدينــة بلــخ‪ ،‬اتصــل بعــد إســامه ب�لعباسـ ي ن‬
‫ـي� وقــدم هلــم‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن ف‬
‫أ�‬
‫ي بي‬ ‫عبــاس‬ ‫خليفــة‬ ‫ول‬ ‫ل‬ ‫وز�‬
‫ي‬ ‫مــك‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ب ب‬ ‫خالــد‬ ‫فأصبــح‬ ‫ــم‪،‬‬‫خدم�‬ ‫�‬‫الطاعــة وتفــا� ي‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ـ�‬
‫ـأن كبـ يـر ي� هعــد املهــدي الــذي هعــد ليحـ يـى ب� خالــد بال�مـ ي‬
‫العبــاس‪ ،‬وبلــغ آل خالــد شـ‬
‫“� أبــت‪”....‬‬ ‫تب� بيــة ابنــه الرشــيد واكن ي خ�اطبــه ي‬
‫ظــل الربامكــة محتفظيــن بمكانتهــم علــى عهــد العباســيين‪ ،‬وعــا شــأهنم‪ ،‬ويف ســنة‬
‫( ‪ 162‬هـــ‪ 779 /‬م)؛ اختــار الخليفــة المهــدي أحــد الربامكــة وهــو يحــي بــن خالــد الربمكــي‬
‫ليكــون مربيــا البنــه هــارون الرشــيد‪ ،‬وخــدم يحــي الرشــيد خدمــات ممتــازة‪ ،‬إذ اســتطاع أن يقنــع‬

‫‪104‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫الخليفــة الهــادي العباســي بــأال يخلــع هــارون الرشــید مــن واليــة العهــد‪ ،‬وعندمــا اعتلــي الرشــید‬
‫عــرش الخالفــة العباســية حفــظ ليحــي الربمكــي خدماتــه‪ ،‬واعــرف لــه بذلــك قائــا لــه‪(( :‬يــا‬
‫أبــت‪ ،‬أنــت أجلســتني هــذا المجلــس بربكــة رأيــك وحســن تدبيــرك‪ ،‬وقــد قلدتــك أمــر الرعيــة‪،‬‬
‫وأخرجتــه مــن عنقــي إليــك‪ ،‬فاحكــم بمــا تــري))‪.‬‬
‫وأصبحــت إدارة الدولــة العباســية يف الســنوات األولــى مــن عهــد الرشــيد يف يــد‬
‫الربامكــة‪ ،‬ولكــن الرشــيد لــم يغفــل مراقبتهــم وارتــاب يف مســلك بعضهــم تجــاه العلوييــن الذيــن‬
‫كانــوا يتحينــون الفرصــة للقيــام بالثــورات علــى الخالفــة العباســية‪ ،‬وســاءه اتســاع ســلطاهنم‪،‬‬
‫الــذي تطــور إلــى درجــة حجبــت أمجــاد البيــت العباســي‪ ،‬فدبــر الرشــيد أمــر التخلــص مــن تلــك‬
‫األســرة الفارســية يف ســرية تامــة؛ فأمــر ســنة ( ‪ 187‬هـــ‪ 802 /‬م) بقتــل جعفــر ابــن يحــي الربمكــي‪،‬‬
‫وألقــي ببقيــة أبنــاء أســرة الربامكــة يف الســجن‪ ،‬وذلــك بعــد أن اســتفحل ســلطاهنم يف الدولــة‬
‫العباســية مــدة ســبع عشــرة ســنة‪.‬‬
‫والســبب يعــود إلــى التنافــس والتداخــل بيــن ســلطة الخليفــة وســلطة الــوزراء ألن‬
‫الــوزارة لــم تتبلــور بعــد ولــم تتضــح مســاحات صالحياهتــا وحدودهــا لظهورهــا حديثــا يف‬
‫العصــر العباســي‪.‬‬
‫ويف عهــد األميــن الــذي حــاول عــزل أخيــه المأمــون مــن واليــة العهــد‪ ،‬خالفــا لالتفــاق‬
‫الــذي ســبق أن أقــره والدهمــا الرشــيد‪ ،‬كان المأمــون يف ذلــك الوقــت يف مدينــة مــرو عاصمــة‬
‫خراســان إلخمــاد بعــض الفتــن‪ ،‬ويــؤازره أحــد كبــار رجــاالت الفــرس‪ ،‬وهــو الفضــل بــن ســهل‪،‬‬
‫وأغــرى هــذا الوزيــر الفارســي المأمــون علــى رفــض قــرار أخيــه الخليفــة األميــن‪ ،‬والتمســك‬
‫بحقــه يف الخالفــة‪ ،‬وانتهــي النــزاع بيــن األخويــن بقتــل األميــن ســنة ( ‪ 198‬هـــ‪ 813 /‬م)‪ ،‬وإعــان‬
‫المأمــون خليفــة‪ ،‬وكانــت هــذه آخــر محــاوالت الــوزراء الفــرس لالســتئثار بالســلطة يف الدولــة‪.‬‬
‫وازداد نفــوذ الفضــل بــن ســهل يف بغــداد‪ ،‬الســيما أن المأمون كان ال يــزال بمرو عاصمة‬
‫خراســان يدبــر أمــر عودتــه إلــى بغــداد‪ ،‬فــكان يلقــب بذي الرياســتين‪ ،‬أي رياســة الســيف ورياســة‬
‫القلــم‪ ،‬وأكثــر هــذا الوزيــر مــن اتخــاذ المظاهر الفارســية وأهبــة الحكم الفارســي‪.‬‬
‫وأثــار اتســاع ســلطان هــذا الوزيــر الفارســي مخــاوف أبنــاء بيــت الخالفــة العباســية‬
‫خاصــة عندمــا تبيــن للمأمــون مكائــد الفضــل بــن ســهل‪ ،‬ولــم يتمكــن الخليفــة المأمــون مــن‬
‫التخلــص مــن هــذا الوزيــر الفارســي إال بعــد مغادرتــه مدينــة مــرو‪ ،‬ودخولــه بغــداد مقــر الخالفــة‬
‫العباســية‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫خالفة أيب اسحاق املعتصم باهلل‬


‫خالفــة أبــي اســحاق محمــد بــن هــارون الرشــيد بــن المهــدى بــن المنصــور المعتصــم‬
‫بــاهلل العباســي ولــد ســنة ( ‪ 179‬هـــ‪ 795 /‬م)‪ ،‬أمــه مــاردة مــن الــرك تولــى الخالفــة بعهــد مــن أخيــه‬

‫المأمــون يف ســنة (‪ 227 - 219‬هـــ‪ 842-833 /‬م) وهــو ثامــن الخلفــاء العباســيين‪.‬‬

‫اعتمــد الخليفــة المعتصــم بــاهلل علــى العنصــر الرتكــي للحــد مــن ســطوة الفــرس‪ .‬وكان‬
‫قــد تــم جلبهــم مــن فرغانــة ومناطــق يف آســيا الوســطى حتــى امتــأت بغــداد هبــم‪ .‬وضــاق النــاس‬
‫بتصرفــات األتــراك يف العاصمــة‪ ،‬ممــا اضطــر الخليفــة إلــى االنتقــال هبــم إلــى خــارج بغــداد فبنــى‬
‫مدينــة ســامراء لتكــون عاصمــة لــه ومقــرا لجيوشــه الرتكيــة مــن المماليــك األحــرار يف ســنة ( ‪221‬‬

‫هـ‪ 636 /‬م)‪.‬‬


‫أرســل المعتصــم األفشــين حيــدر بــن كاوس‪ ،‬للقضــاء علــى أحــد الحــركات المارقــة‬
‫حركــة بابــك الخرمــي‪ ،‬والــذى أدعــى األلوهيــة وجمــع مــن حولــه أعــداد كبيــرة مــن الخارجيــن‬
‫علــى العقيــدة‪ ،‬فتمكــن مــن االنتصــار عليهــم وجــي بزعيمهــم بابــك الخرمــي إلــى المعتصــم‪،‬‬
‫فأمــر بقطــع يديــه ورجليــه‪ ،‬ثــم جــز رأســه‪ .‬وبذلــك تخلــص المعتصــم مــن أخطــر الحــركات‬
‫المارقــة التــي كانــت ســبب يف هتديــد الدولــة العباســية منــذ عهــد ســلفه الخليفــة المأمــون‪.‬‬
‫نطيــ�‪ :‬بينمــا كان المعتصــم وجيشــه منشــغل بمحاربــة الحــركات‬ ‫لب� ي ن‬ ‫عالقتــه ب� ي ز‬
‫المارقــة‪ ،‬وكان تيوفيــل امرباطــور بيزنطــة مشــغوال بمــا يجــرى يف صقليــة‪ ،‬وقــد باتــت تحــت‬
‫ســيطرة األغالبــة وفشــلت جميــع محاوالتــه الســرداها‪ ،‬إال أنــه عمــل علــى فتــح جبهــة ضــد‬
‫العباســيين مســتغل انشــغالهم بحــرب بابــك الخرمــي‪ .‬وقــام بإشــعال نــار الثــورة يف مدينــة زبطــرة‬
‫مســقط رأس المعتصــم‪ ،‬ح ّتــى أ ّنــه َّ‬
‫حولهــا إلــى ركام‪.‬‬
‫ولمــا ســمع الخليفــة هبــذه األفعــال الشــنيعة‪ ،‬أقســم علــى أن ينتقــم مــن البيزنطييــن يف‬
‫بالدهــم‪ ،‬وجهــز جيشــا وســار بــه إلــى انقــرة يف أســية الصغــرى‪ُ ،‬هــزم تيوفيــل يف هــذه الحــرب‬
‫ممــا اضطــره إلــى تــرك مدينتــه تحــت قبضــة المعتصــم‪ ،‬وكان قــد لحقــه األفشــين بقواتــه فســاروا‬
‫جميعهــم إلــى عموريــة ســنة ( ‪ 223‬هـــ‪ 838 /‬م) وكانــت مســقط رأس تيوفيــل فحاصرهــا ثــم‬
‫دخلهــا المعتصــم بجيشــه عنــوة وأحــدث فيهــا دمــار كبيــر وقــام هبــدم أســوار عموريــة‪ .‬وقــع يف‬
‫األســر كبــار الشــخصيات البيزنطيــة يف المدينــة أرســل إلــى بغــداد‪.‬‬
‫كان النتصــار المعتصــم يف عموريــة صــدي قــوي يف الدولــة العباســية‪ ،‬لحــد أن جعــل‬
‫اســمه نموذجــا للبطولــة عــر القــرون الالحقــة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫هــدأت الجبهــة البيزنطيــة بعــد عموريــة واســتمرت حالــة الهــدوء عــدا بعــض الحمــات‬
‫الخاطفــة والتــي تشــن علــى المناطــق الحدوديــة‪.‬‬
‫وفاة المعتصم ‪:‬أصيب بمرض عضال أدى به إلى الوفاة يف سنة ( ‪ 227‬هـ‪ 842 /‬م)‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ثان ًيا‪ :‬السمات املميزة للدولة العباسية‬


‫‪1.1‬اعتبار اخلالفة مؤسسة دينية ال رئاسة دنيوية‪:‬‬
‫اعتمــدت األســرة العباســية يف بدايــة األمــر علــى الموالــي الفــرس وفقــد الجنــس العربــي‬
‫مكانتــه المرموقــة التــي كانــت لــه أيــام الدولــة األمويــة‪ ،‬وكان الخليفــة األموي أشــبه بشــيخ القبيلة‬
‫الــذي يســتمد ســلطانه مــن القــوى الماديــة ومــن رضــي رؤســاء القبائــل‪ ،‬أمــا الخليفــة العباســي‬
‫فقــد اتســمت ســلطته بالقداســة‪ ،‬وصــار ســلطانه مســتمدة مــن اهلل ســبحانه وتعالــى ويتجلــى ذلــك‬
‫يف قــول أبــي جعفــر المنصــور «أنــا ســلطان اهلل يف األرض‪ ،‬أسوســكم بتوفيقــه ورشــده وخازنــه‬
‫علــى فئــة أقمــه بارادتــه وأعطيــه بإذنــه»‪.1‬‬
‫لقــد تأثــر العباســيون بمــا كان ســائد ًا عنــد الفــرس مــن القــول بنظريــة «الحــق الملكــي‬
‫المقــدس»‪ ،‬وهــذه الســمة تخالــف مــا كان عليــه الحــال أيــام الخلفــاء الراشــدين الذيــن اســتمدوا‬
‫ســلطاهنم مــن الرعيــة‪ ،‬كمــا تبيــن مــن قــول أبــو بكــر «إن أحســنت فشــجعوين‪ ،‬وإن أســأت‬
‫فقومــوين»‪.‬‬
‫وارتبــط بنظــرة العباســيين إلــى قدســية الخالفــة إحاطــة أشــخاص الخلفــاء بشــتى‬
‫المراســم التــي تبعــث علــى الهيبــة والجــال‪ ،‬فصــار الخليفــة العباســي يرتــدي بــردة النبــي‬
‫ويحمــل يف يــده أيضــا القضيــب‪ ،‬وهــو الصولجــان عنــد خروجــه يف المواكــب الرســمية أو‬
‫حضــوره المناســبات العامــة‪.‬‬
‫وحــرص الخليفــة العباســي علــى أن يلقــب بلقــب «إمــام» توكيــدا للمعنــي الدينــي يف‬
‫خالفــة العباســيين‪ ،‬بعــد أن كان هــذا اللقــب يطلــق زمــن الراشــدين واألموييــن علــى مــن يــؤم‬
‫النــاس يف الصــاة‪.‬‬
‫‪2.2‬االجتاه الشرقي للخالفة والدولة‪:‬‬
‫تأثــرت الدولــة العباســية بالفــرس يف نظمهــم وتقاليدهــم‪ ،‬وكان الســبب يف ذلــك هــو‬
‫اعتمــاد العباســيين يف الوصــول إلــى الخالفــة وتدعيــم دولتهم علــى جماعات الفــرس والقيادات‬
‫الفارســية فأصبــح نظــام الحكــم عنــد العباســيين مشــاهبا لمــا كان عليــه يف بــاد الفــرس أيــام‬
‫حكــم آل ساســان‪ ،‬فاحتجــب الخليفــة عــن الرعيــة‪ ،‬واتخــذ وزيــر ًا لمســاعدته يف شــئون اإلدارة‬
‫ومخاطبــة النــاس‪ ،‬وأصبــح الداخــل علــى الخليفــة ينحنــي أمامــه‪ ،‬وإذا اقــرب منــه قبــل رداءه‪،‬‬

‫‪  .1‬أبــو جعفــر محمــد الطــري‪ :‬تاريــخ األمــم والملــوك‪ ،‬مجـــ (‪ )9‬دار الفكــر‪ -‬بيــروت‪،1979 ،‬‬
‫ص ‪.297‬‬

‫‪108‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫وهــو شــرف ال ينالــه إال كبــار رجــاالت الدولــة‪ ،‬وظهــرت كذلــك األزيــاء الفارســية يف البــاط‬
‫العباســي‪ ،‬وكان الخليفــة أبــو جعفــر المنصــور أول مــن أمــر بارتــداء القالنــس الفارســية‪ ،‬وهــو‬
‫غطــاء للــرأس‪ ،‬وجــرت مجالــس الخلفــاء وحفــات االســتقبال أيضــا علــى األنمــاط الفارســية‪.‬‬
‫مهمةواصطبغــت الدولــة بصبغــة إســامية عالميــة‪،‬‬ ‫ويعتــر العهــد العباســي نقطــة تحــول ّ‬
‫وهــي ســمة مميــزة أيضــا قوامهــا التجــاوب المتبــادل بيــن أبنــاء جميــع األقاليــم‪ ،‬وهــو مــا يعطــي‬
‫انطباعــا علــى أن الدولــة اتخــذت سياســة شــرقية علــى عكــس الدولــة األمويــة التــي اهتمــت يف‬
‫سياســتها العامــة بالمغــرب (شــمال أفريقيــا)‪ .‬وخيــر دليــل علــى ذلــك أن المغــرب كانــت أول‬
‫البــاد التــي خرجــت علــى ســلطان الخالفــة العباســية‪.‬‬
‫‪3.3‬تأكيد شرعية اخلالفة العباسية‪:‬‬
‫رأى العباســيون أن تكــون قيــادة المســلمين بعــد وفــاة الرســول الكريــم ﷺ يف أهــل بيــت‬
‫الرســول نفســه‪،‬فأطهروا يف حماســة صلــة القربــي المباشــرة التــي تربطهــم بصاحــب الرســالة‪،‬‬
‫وذلــك للجعــل تلــك القرابــة األســاس الشــرعي المتيــن لمطالبــة أســرهتم بحقهــم يف الرئاســة‬
‫األولــى للمســلمين‪ ،‬يف الوقــت الــذي كان الفــرس يتآمــرون علــى العباســيين للتخلــص منهــم‬
‫وتحويــل الخالفــة إلــى العلوييــن‪ ،‬والجديــر بالذكــر أن ميــل الفــرس للعلوييــن كان قديمــا وهــو‬
‫يعــود إلــى أيــام الحســين بــن علــي‪ ،‬كان علــى العباســيين ولتأكيــد شــرعيتهم يف تولــي منصــب‬
‫مواجهــة قوتيــن كبيرتيــن‪ ،‬همــا‪ :‬قــوة بيــت علــي بــن أبــي طالــب وثوراتــه‪ ،‬وقــوة الــوزراء الفــرس‬
‫يف الدولــة العباســية ومؤامراهتــم‪.‬‬
‫‪4.4‬رعاية احلضارة اإلسالمية‪:‬‬
‫كان االســتقرار الــذي حققــه خلفــاء العصــر العباســي األول لدولتهــم يف الداخــل‬
‫والخــارج هــو القاعــدة العريضــة التــي قامــت عليهــا الحضــارة اإلســامية‪ ،‬ومــا حفلــت بــه مــن‬
‫شــتى معالــم التقــدم الفكــري والمــادي؛ فخلفــاء هــذا العصــر األول قــد شــملوا تلــك الحضــارة‬
‫الناميــة برعايتهــم‪ ،‬وقدمــوا لهــا كل مــا يكفــل لهــا االزدهــار واالنتشــار‪ ،‬وتمثلــت تلــك الرعايــة‬
‫يف النواحــي األربــع التاليــة‪:‬‬
‫‪1)1‬توفري املال الالزم ملا يتطلبه التقدم العلمي واملادي يف الدولة‪:‬‬
‫كانــت واردات الدولــة العباســية هــي المعيــن الــذي اســتمدت منــه الحضــارة اإلســامية‬
‫نشــاطها وقوهتــا لالنطالق‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫الدول العباسية ف ي� أقىص اتساهعا ش�قا ت‬


‫ح� يأ�م الخ ليفة املأمون‬ ‫ة‬ ‫خريطة تطور‬
‫كانــت خزائــن العباســيين تفيــض بمــا َيــرد إليهــا مــن أحمــال الذهــب والفضــة مــن ســائر‬
‫أطــراف األرض‪ .‬فقــد خلــف المنصــور حيــن تــويف أربعــة عشــر مليونــا مــن الدنانيــر وســتمائة‬
‫مليــون مــن الدراهــم‪ ،‬وكان دخــل بيــت المــال ســنويا علــى عهــد الرشــید نحــو ســبعين مليونــا‬
‫مــن الدنانيــر‪ ،‬وعندمــا حــج الخليفــة المهــدي ســنة ( ‪ 160‬هـــ‪ 777 /‬م)‪ ،‬وزع علــى أهــل الحجــاز‬
‫ثالثيــن مليــون ونصــف مليــون دينــار ومائــة وخمســين ألــف ثــوب‪.‬‬
‫وقــد انتظمــت يف الســواد شــبكة مــن القنــوات واألهنــار ممــا َّ‬
‫يســر زراعــة األراضــي األمــر‬
‫الــذي زاد مــن واردات الدولــة مــن ضريبــة الخــراج‪.‬‬
‫وأنفــق بنــي العبــاس يف عصرهــم األول قــدر ًا كبيــر ًا مــن تلــك األمــوال علــى العلمــاء‬
‫األطبــاء والشــعراء‪ ،‬وغيرهــم مــن القائميــن علــى هنضــة العلــوم واآلداب والفنــون وأقامــوا‬
‫المســاجد والمــدارس والبيمارســتانات والقــاع وغيرهــا مــن مظاهــر العمــران المنتشــرة علــى‬
‫امتــداد رقعــة الدولــة اإلســامية‪ ،‬وإلــى إنتشــار مظاهــر الــرف‪ .‬وانعكســت معالــم هــذا التقــدم‬
‫المــادي يف قصــور الخلفــاء وبيــوت الــوزراء وكبــار رجــال الدولــة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫وقــد هيــأ هــذا التقــدم المــادي الســبيل لنمــو طبقــة وســطى يف الدولــة العباســية‪ ،‬مــن‬
‫التجــار والصنــاع‪ ،‬الذيــن قامــوا علــى تلبيــة مطالــب هــذا الــرف وأدواتــه‪ .‬فكانــت ســفن التجــار‬
‫يف البحــر وقوافلهــم يف الــر‪ ،‬غاديــة رائحــة تجلــب الطــرف النفيســة مــن جميــع أنحــاء العالــم‬
‫أمــا الصنــاع فكانــوا يتفننــون يف صــوغ التحــف الثمينــة حيــث كانــت تتجمــع حوانيــت كل طائفــة‬
‫منهــم يف ســوق خــاص بالســلع‪.‬‬
‫وكانــت بغــداد علــى عهــد الرشــيد مثــاال عاليــا لهــذا التقــدم الحضــاري بنوعيــه العلمــي‬
‫والمــادي‪ ،‬وذلــك مــن حيــث كثــرة علمائهــا ودورهــا وأســواقها ومســاجدها‪.‬‬
‫‪2)2‬ممارسة احلرية الفكرية‪:‬‬
‫هيــأ خلفــاء العصــر العباســي األول للحضــارة اإلســامية كافــة أســباب ازدهارهــا ولعــل‬
‫مــن أهمهــا الحريــة الفكريــة أيضــا‪ ،‬ذلــك أن الدولــة العباســية ضمــت شــعوبا ذات مــاض عريــق‬
‫يف الحضــارة‪ ،‬ولهــا اتجاهاهتــا الفكريــة األصيلــة‪ ،‬ووجــد الخلفــاء العباســيون أن أمثــل الســبل‬
‫الســتيعاب هــذه التيــارات الفكريــة العديــدة هــي إتاحــة الحريــة أمــام أصحاهبــا للتعبيــر عنهــا‪،‬‬
‫واتخــاذ تلــك الحريــة ســبيال لإلطاحــة بالفاســد منهــا‪.‬‬
‫كان الخليفــة المأمــون مهتمــا باألمــور العلميــة والفلســفية‪ ،‬وكان حريصــا علــى عقــد‬
‫النــدوات والمناظــرات العلميــة بيــن العلمــاء يف كافــة فــروع المعرفــة‪ ،‬فحريــة التعبيــر مكفولــة‬
‫للجميــع يف دار الخالفــة‪ ،‬وكان ســلطان العقــل هــو الحكــم علــى صحــة اآلراء ونبــذ مــا يتعــارض‬
‫منهــا مــع الديــن والعقيــدة‪ ،‬أو مــا يــؤدي إلــى الضــال‪ .‬لقــد أتاحــت هــذه الحريــة الفكريــة‬
‫للحضــارة اإلســامية أن تقــف علــى كنــوز الحضــارات القديمــة‪ ،‬وأن تســتفيد ممــا وصلــت إليــه‬
‫مــن تقــدم‪.‬‬
‫‪3)3‬تيسري سبل املعرفة أمام اجلميع‪:‬‬
‫ســاهمت الحريــة الفكريــة يف تيســير ســبل المعرفــة والثقافــة وجعلهــا يف متنــاول الجميــع‬
‫إبــان العصــر العباســي األول‪ .‬فكانــت أبــواب المســاجد مفتوحــة أمــام الجميــع لتلقــي العلــم‪،‬‬
‫وكان التعليــم مجانيــا ومتاحــا للجميــع‪.‬‬
‫وكان لذلــك أعظــم األثــر يف بنــاء الحضــارة اإلســامية‪ .‬فظهــرت يف اللعصــر العباســي‬
‫األول طبقــة مــن أبنــاء العامــة‪ ،‬الذيــن لــم يكــن بينهــم وبيــن الثقافــة والمعرفــة حجــاب‪ ،‬فــرزت‬
‫صفــوة مــن العلمــاء واألدبــاء مــن أبنــاء هــؤالء العامــة قــادت الحركتيــن العلميــة واألدبيــة‬

‫‪111‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫واســتطاعت أن تستســيغ كل مــا نقــل إلــى العربيــة مــن الثقافــات المتباينــة‪ ،‬وأن تضيــف إليهــا مــن‬
‫عقولهــا مــا دعــم الحضــارة اإلســامية‪ ،‬وزودهــا بروائــع اإلنتــاج الفكــري‪ ،‬الــذي مــازال ُي ْب ِه ُر َنــا‬
‫إلــى اليــوم‪.‬‬
‫‪4)4‬سيادة اللغة العربية‪:‬‬
‫أســهمت عروبــة الخلفــاء العباســيين يف جعــل اللغــة العربيــة هــي لغــة الحضــارة الناشــئة‬
‫وســياجها الحامــي‪.‬‬
‫وكانــت الدولــة العباســية تمتــد مــن حــدود الصيــن وأواســط الهنــد شــرقا إلــى المحيــط‬
‫األطلســي غربــا‪ ،‬ومــن المحيــط الهنــدي والســودان جنوبــا إلــى بــاد الــرك والخــزر والــروم‬
‫(البيزنطييــن) شــما ً‬
‫ال‪ .‬وقــد عــاش يف هــذه الرقعــة منــذ القــدم شــعوب وأمــم متباينــة يف الجنــس‬
‫واللغــة والثقافــة‪ ،‬وقــد انتشــرت اللغــة العربيــة بينهــا‪ ،‬وأصبحــت لغــة الفكــر والمعرفــة وغــدت‬
‫لغتهــم يف الكتابــة والتأليــف والتصنيــف‪.‬‬
‫وظهــرت قــوة اللغــة العربيــة وســيادهتا يف العصــر العباســي األول حيــن شــجع الخلفــاء‬
‫حركــة التعريــب (والنقــل) إلــى اللغــة العربيــة‪ .‬فلــم يــأت القــرن الثالــث الهجــري‪ /‬التاســع‬
‫الميــادي حتــى تطــورت اللغــة العربيــة‪ ،‬وهــي لغــة القــرآن الكريــم‪ ،‬وأصبحــت لغــة حيــة قويــة‬
‫دقيقــة البنــاء‪ ،‬ســهلة المنــال‪ ،‬تطــاوع إرادة الكتــاب يف التعبيــر عن الفكــر العلمي واآلراء الفلســفية‬
‫العليــا‪ ،‬وصــارت اللغــة العربيــة يف نفــس الوقــت لغــة السياســة والتخاطــب بيــن جميــع الطبقــات‬
‫يف أقطــار مرتاميــة األطــراف‪ ،‬تمتــد مــن أواســط آســيا إلــى شــمال إفريقيــا وبــاد األندلــس‪.‬‬

‫أ‬ ‫ة‬
‫العباس الول‬
‫ي‬ ‫الدول إالسالمية ش�قا من العرص الراشدي إىل العرص‬ ‫خريطة تطور اتساع‬

‫‪112‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫خلفاء العصر العباسي األول‬


‫(‪ 132‬هـ ‪ 232 -‬هـ ‪ 750 /‬م ‪ 847 -‬م)‬
‫يشــمل هــذا العصــر تســعة خلفــاء أولهم الســفاح وآخرهــم الواثق‪ ،‬واســتطاع العباســيون‬
‫فيــه تأكيــد قــوة خالفتهــم‪ ،‬وهــو العصــر الذهبــي للدولة‪.‬‬
‫ُمالحظات‬ ‫فترة اخلالفة‬ ‫اخلليفة‬ ‫لقب‬
‫ابن محمد بن علي بن عبد اهلل‬ ‫السفاح‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬عبد اهلل بن حممد ‪136 - 132‬هـ‬ ‫‪1‬‬
‫ابن العباس بن عبد المطلب وأمه‬ ‫‪754 - 750‬م‬ ‫املرتضى‪ ،‬القائم‪.‬‬
‫ور ْيطة بنت عبيد اهلل الحارثي‪.‬‬
‫َ‬
‫حكم حتّى مماته‪ .‬أطاح باألمويين‬
‫يف معركة الزاب‪.‬‬

‫ابن محمد بن علي بن عبد اهلل‬ ‫أبو جعفر املنصور‪ .‬عبد اهلل الثاين بن ‪158 - 137‬هـ‬ ‫‪2‬‬
‫ابن العباس بن عبد المطلب‬ ‫‪775 - 754‬م‬ ‫حممد‬
‫وأمه سالمة الرببرية‪ .‬حكم‬
‫حتّى مماته‪.‬‬
‫ابن أبي جعفر المنصور وأمه أم‬ ‫‪169 - 158‬هـ‬ ‫أبو عبد اهلل‪ ،‬املهدي‪ .‬حممد بن عبداهلل‬ ‫‪3‬‬
‫موسى بنت منصور الحميرية‪.‬‬ ‫‪786 - 775‬م‬
‫حكم حتّى مماته‪.‬‬

‫ابن محمد بن عبداهلل وأمه‬ ‫‪170 - 169‬هـ‬ ‫أبو حممد‪ ،‬اهلادي‪ .‬موسى بن حممد‬ ‫‪4‬‬
‫الخيزران بنت عطاء ‪ .‬حكم‬ ‫‪787 - 786‬م‬
‫حتّى مماته‪.‬‬
‫ابن محمد بن عبداهلل وأمه أم‬ ‫‪193 - 170‬هـ‬ ‫الرشيد‪ ،‬أبو موسى‪ ،‬هارون بن حممد‬ ‫‪5‬‬
‫ولد تسمى الخيزران بنت عطاء‬ ‫‪809 - 787‬م‬ ‫أبو جعفر‪.‬‬
‫‪ .‬حكم حتّى مماته‪.‬‬

‫ابن هارون الرشيد و زبيدة بنت‬ ‫‪198 - 193‬هـ‬ ‫األمني‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ .‬حممد بن هارون‬ ‫‪6‬‬
‫جعفر‪ .‬حكم حتّى مماته‪.‬‬ ‫‪814 - 809‬م‬
‫ابن هارون الرشيد وأم ولد‬ ‫املأمون‪ ،‬أبو العباس‪ .‬عبد اهلل بن هارون ‪218 - 198‬هـ‬ ‫‪7‬‬
‫تدعى مراجل‪ .‬حكم حتّى‬ ‫‪833 - 814‬م‬
‫مماته‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫‪203 - 202‬هـ ابن أبو عبد اهلل محمد المهدي‬ ‫إبراهيم بن املهدي‬ ‫األمري الكبري‪،‬‬
‫‪819 - 817‬م وشكلة‪ .‬خرج على ابن أخيه‬ ‫املبارك‪ ،‬أبو إسحاق‪،‬‬
‫المأمون يف بغداد‪.‬‬ ‫اخلليفة األسود‪،‬‬
‫التنني‪.‬‬
‫ابن هارون الرشيد وأم ولد‬ ‫‪227 - 218‬هـ‬ ‫املعتصم‪ ،‬أبو إسحاق‪ .‬حممد بن هارون‬ ‫‪8‬‬
‫تدعى ماردة‪ .‬حكم حتّى مماته‪.‬‬ ‫‪842 - 833‬م‬ ‫الرشيد‬

‫‪232 - 227‬هـ ابن المعتصم باهلل وأم ولد‬ ‫هارون بن حممد‬ ‫الواثق باهلل‪ ،‬أبو‬ ‫‪9‬‬
‫‪847 - 842‬م تدعى قراطيس‪ .‬حكم حتّى‬ ‫جعفر‪.‬‬
‫مماته‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫أ‬
‫الغ�‬
‫العباس الول سياسة تقريب العنارص ي‬
‫ي‬ ‫اتبع خلفاء العرص‬
‫عربية من سدة احلمك‪.‬‬
‫تداعيا�ا ث‬
‫وآ�رها‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ن�قش مع بقية الطلبة‬

‫‪114‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ثال ًثا‪ :‬العصر العباسي الثاين "مرحلة التراجع واالهنيار"‬


‫‪ 656-232‬هـ‪ 1258-847 /‬م‬
‫عوامل التفكك السياسي‪:‬‬ ‫أ) ‬
‫كانــت مقدمــات ضعــف الدولــة العباســية‪ ،‬قــد اتضحــت يف العصــر العباســي الثــاين‪،‬‬
‫فاعتــر بدايــة هــذا العصــر حــد فاصــا بيــن عصــر القــوة واالزدهــار‪ ،‬وبيــن عصــر التفــكك‬
‫واالهنيــار‪ .‬ويــرى بعــض المؤرخيــن تقســيم تاريــخ الدولــة العباســية إلــى أربعــة عصــور هــي‪:‬‬
‫ـاس‬ ‫ت‬
‫‪1.1‬عــر النفــوذ الــر يك (‪ 334 - 232‬ه‪ 946 - 847 ،‬م) ويســى العــر العبـ ي‬
‫ن‬
‫الثا� ‪.‬‬
‫ي‬
‫الفــارس (‪ 447 - 334‬ه‪ 1055 - 847 ،‬م) ويســى‬
‫ي‬ ‫البــو�‬
‫ي ي‬ ‫‪2.2‬عــر النفــوذ‬
‫العــر الثالــث‪.‬‬
‫ق‬
‫الســلجو� (‪ 656 - 447‬ه‪ 1258 - 1055 ،‬م) ويســى العــر‬
‫ي‬ ‫‪3.3‬عــر النفــوذ‬
‫ـاس الرابــع‪.‬‬
‫العبـ ي‬
‫وا�يارها نم�ا‪:‬‬ ‫ة‬
‫الدول العباسية ن‬ ‫وقد تضافرت عدة أسباب معلت عىل ضعف‬
‫‪1.1‬ضعف شخصية اخللفاء وهيمنة العناصر األجنبية على احلكم‪:‬‬
‫توالــى علــى عــرش الدولــة العباســية‪ ،‬يف عمرهــا الثــاين مجموعــة مــن الخلفــاء‪ ،‬كانــوا‬
‫يتفاوتــون ضعفــا مــن حيــث صالحياهتــم لتحمــل أعبــاء الدولــة‪ ،‬نتيجــة نظــام توليــة العهــد ألكثــر‬
‫مــن واحــد مــن أبنائهــم أو أقارهبــم‪ ،‬وأدى ذلــك إلــى كثيــر مــن النــزاع الداخلــي والشــقاق بيــن‬
‫األخــوة‪ ،‬الــذي رأينــا مثــا لــه يف صــراع األميــن والمأمــون‪ .‬ويف عهــد الخليفــة المتــوكل ســنة‬
‫( ‪ 232‬هـــ‪ 847 /‬م) جعــل واليــة العهــد ألبنائــه مــن بعــده‪ .‬وهــم المســتنصر والمعتــز والمؤيــد‪.‬‬
‫فناصــر األتــراك المســتنصر ضــد أخويــه وتآمــروا معــه علــى قتــل أبيــه عندمــا طــال مرضــه‪ .‬وأوكل‬
‫للمعتــز الخطبــة مكانــه وذلــك يف ســنة( ‪ 247‬هـــ‪ 286 /‬م)‪.‬‬
‫ومنــذ ذلــك الوقــت ســيطر األتــراك علــى الدولــة وأصبــح الخليفــة يف أيديهــم كاألســير‬
‫إن شــاءوا أبقــوه وإن شــاعوا خلعــوه أو قتلــوه‪.‬‬
‫وترتــب عــن ضعــف شــخصية الخليفــة‪ ،‬فقــدان الخالفــة العباســية هيبتهــا والخالفــة‬

‫‪115‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫قوهتــا‪ ،‬وغــدت الحيــاة غايــة يف الفوضــى واالضطــراب‪ ،‬وبــدأت العامــة تعــاين مــن قســوة الحيــاة‬
‫بســبب ذلــك‪.‬‬
‫البو�يون ف ي� العراق ن‬
‫(ب� بويه) (‪ 447 - 334‬هـ‪ 1055 - 946 /‬م)‪:‬‬ ‫ي‬ ‫أ) ‬
‫ي‬
‫جــاء ظهــور البويهيــن يف بــاد فــارس وســيطرهتم بعــد ذلــك علــى الخالفــة العباســية‬
‫كــرد فعــل مناهــض للنفــوذ الرتكــي‪.‬‬
‫وبنــي بويــه هــم عنصــر مختلــط مــن الفــرس واألتــراك وشــعوب أخــرى‪ ،‬كانــوا يعيشــون‬
‫يف بــاد الدَّ يلــم جنــوب بحــر قزويــن‪.‬‬
‫وقــد ظهــر بنــو بويــه علــى مســرح األحــداث أوائــل القــرن الرابــع الميــادي‪ /‬العاشــر‬
‫الميــادي وأسســوا إمــارة مســتقلة يف فــارس واألهــواز وكرمــان والــري وأصفهــان وهمــذان‪،‬‬
‫وشــاركوا الخالفــة العباســية يف الســلطة‪ ،‬وقــد عظــم نفــوذ هــذه األســرة حتــى ســمي عصرهــم‬
‫بعصــر بنــي بويــه‪.‬‬
‫دخــل البويهيــون تحــت نفــوذ العباســيين ببغــداد يف ظــروف غايــة يف الصعوبــة كانــت‬
‫تمــر هبــا الخالفــة العباســية التــي يســيطر عليهــا األتــراك‪ .‬وشــعر النــاس بفــراغ سياســي وبعجــز‬
‫الخالفــة العباســية عــن بســط ســيطرهتا‪ ،‬خاصــة إثــر وقــوع الخلفــاء يف ضائقــة ماليــة شــديدة‪.‬‬
‫يف هــذه األثنــاء كان البويهيــون يــزدادون قــوة‪ ،‬وســيطروا علــى مناطــق شــرق الخالفــة‪ .‬فعمــد‬
‫الخليفــة العباســي المســتكفي إلــى اســتدعاء أميرهــم (أحمــد بــن بويــه)‪ ،‬لمســاعدته علــى‬
‫اســتتباب األمــر هبــا‪ ،‬وطلــب منــه دخــول بغــداد لوضــع حــد لهــذه الحالــة المرتديــة فدخلهــا عــام‬
‫( ‪ 334‬هـــ‪ 945 /‬م)‪ ،‬واســتقبله الخليفــة العباســي المســتكفي ولقبــه بـــ (معــز الدولــة)‪ ،‬وبذلــك‬
‫توســعت ســلطة البويهييــن إلــى العــراق غربــا‪.‬‬
‫كان مــن المتوقــع أن يعيــد البويهيــون االســتقرار والوحــدة إلــى أقاليــم الخالفــة بفــرض‬
‫ســيطرهتم عليهــا‪ ،‬وإفســاح المجــال أمــام الخالفــة كــي تضطلــع بمســئولياهتا‪ ،‬إال أن ذلــك لــم‬
‫يتحقــق‪ ،‬حيــث كان البويهيــون كانــوا يبطنــون العــداء للخلفــاء العباســيين المخالفيــن لهــم‬
‫مذهب ًّيــا‪ .‬كمــا حمــل أميرهــم معــز الدولــة أحمــد البويهــي فكــرة إلغــاء الخالفــة العباســية هنائيــا‬
‫وإقامــة خالفــة شــيعية زيديــة مكاهنــا‪ ،‬إال أن مخاطــر معارضــة أهــل العــراق حالــت دون تنفيــذ‬
‫الفكــرة‪.‬‬
‫وأصبحــت إدارة الخالفــة بيــن أيديهــم‪ ،‬فكانــوا بذلــك عنصــرا أجنبيــا وإن كان مســلما‬

‫‪116‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫قــد تحكــم يف الدولــة‪ ،‬ممــا أفســح المجــال للشــعوبية وتشــجيع الحــركات األنفصاليــة‪ ،‬كل ذلــك‬
‫كان كفيــا بــأن يؤثــر علــى وحــدة الخالفــة ووحــدة البــاد العربيــة فــكان قيــام دولــة بنــي بويــه‬
‫ســابقة خطيــرة أدت إلــى حــدوث اإلنفصــال يف وحــدة الوطــن العربــي وتحــول إلــى مجــرد‬
‫كيانــات قزميــة هزيلــة ليــس لديهــا مقومــات "الدولــة"‪.‬‬
‫يل‪:‬‬ ‫ف�‬
‫ي‬ ‫الفة‬ ‫البو�ية عىل مقدرات الخ‬
‫وتتضح السيطرة ي‬
‫ي‬
‫‪1.1‬أصبحت اإلمارة وراثية يف البيت البويهي فقط‪.‬‬
‫‪2.2‬أرغــم الخليفــة علــى تفويــض بنــي بويــه يف إدارة الدولــة تفويضــا عامــا وبصفــة‬
‫رســمية ممــا أضفــى الشــرعية علــى تصرفاهتــم وأعمالهــم‪.‬‬
‫‪3.3‬وقــوع الخلفــاء العباســيون ضحيــة لتصرفــات البويهييــن وتــم االعتــداء علــى‬
‫شــخصهم ‪.‬‬
‫‪4.4‬تدخل البويهييون يف عزل بعض الخلفاء وتعيين آخرين أكثر من مرة‪.‬‬
‫‪5.5‬تحديد نفقات الخليفة اليومية والشهرية بعد الحد منها‪.‬‬
‫‪6.6‬أرغــم الخلفــاء العباســيون علــى الذهــاب إلــى دار اإلمــارة لتقليــد األمــراء البويهييــن‬
‫اإلمــارة بــدال مــن ذهــاب األميــر المــراد تقليــده إلــى دار الخالفــة‪.‬‬
‫‪7.7‬أصبحــت الطبــول تضــرب خمــس مــرات يوميــا أمــام دار اإلمــارة البويهيــة للداللــة‬
‫علــى مكانتهــم السياســية يف حيــن أهنــا كانــت ال تضــرب إال مــرة واحــدة أمــام قصــر‬
‫الخليفــة‪.‬‬
‫‪8.8‬أصبح خطباء المساجد يذكرون الخليفة ومعه األمير البويهي يف خطبة الجمعة‪.‬‬
‫‪9.9‬أرغــم الخلفــاء علــى نقــش اســم األميــر البويهــي علــى أحــد وجــوه العملــة الماليــة‬
‫(النقــود)‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن ذلــك لــم يســتمر العهــد البويهــي طويــا‪ ،‬ذلــك أن اســتعانتهم باألتــراك‬
‫يف بنــاء الجيــش ووصــول الكثيــر مــن هــؤالء إلــى مناصــب قياديــة أوجــد منافســا لهــم‪ .‬هــذا إلــى‬
‫جانــب عــدد مــن العوامــل األخــرى أدت جميعهــا إلــى ســقوط وانتهــاء ســلطان بنــي بويــه عــام‬
‫( ‪ 447‬هـــ‪ 1055 /‬م) علــى يــد الســاجقة‪ ،‬وأســر آخــر حكامهــم المدعــو الملــك الرحيــم علــى يــد‬

‫‪117‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫قائــد الســاجقة طغــرل بــك‪.‬‬


‫ف‬
‫ب‪ -‬السالجقة ي� العراق (‪ 590 - 447‬هـ‪ 1194 - 1055 /‬م)‪:‬‬
‫ينحــدر الســاجقة مــن قبيلــة (قنــق) الغزيــة الرتكيــة‪ ،‬وينتســبون إلــى جدهــم ســلجوق‬
‫بــن دقــاق‪ .‬وكانــت منازلهــم يف الصحــراء األســيوية الواســعة والســهوب الممتــدة مــن الصيــن‬
‫حتــى شــواطئ بحــر قزويــن‪ .‬كان الســاجقة علــى المذهــب الســني‪.‬‬
‫ويف عــام ( ‪ 375‬هـــ‪ 985 /‬م) نزحــوا مــن موطنهــم األصلــي إلــى بــاد مــا وراء النهــر‬
‫وخراســان علــى حســاب الغزنوييــن بســبب الظــروف االقتصاديــة الســيئة التــي شــهدهتا هــذه‬
‫المناطــق‪ ،‬إضافــة إلــى الحــروب والنزاعــات خاصــة بيــن القبائــل‪.‬‬
‫أســس الســلطان الســلجوقي (طغــرل بــك) إمارتــه يف خراســان عــام ( ‪ 432‬هـــ‪ 1040 /‬م)‬
‫واعــرف الخليفــة العباســي القائــم هبــا يف العــام التالــي ( ‪ 433‬هـــ‪ 1041 /‬م)‪.‬‬
‫ويف الفــرة الواقعــة بيــن عامــي( ‪ 447 - 433‬هـــ‪ 1050 - 1041 /‬م) توســعت إمارهتــم‬
‫لتشــمل الــري وجرجــان وطربســتان وأذربيجــان وأصفهــان التــي اتخذوهــا عاصمــة لهــم‬
‫وأصبحــوا علــى مشــارف العــراق‪.‬‬
‫كان الوضــع يف العــراق عشــية زحــف القــوات الســلجوقية عليــه عام ( ‪ 447‬هـــ‪ 1055 /‬م)‬
‫يف حالــة مــن الفوضــى واالضطراب‪.‬‬
‫انقســم بنــي بويــه علــى أنفســهم عقــب وفــاة جــال الدولــة عــام ( ‪ 450‬هـــ‪ 1044 /‬م)‬
‫وكان آخــر الســاطين األقويــاء‪.‬‬
‫ســارت الجيــوش الســلجوقية إلــى بغــداد عــام ( ‪ 447‬هـــ‪ 1055 /‬م) واعــرف الخليفــة‬
‫العباســي بالســلطان الســلجوقي طغــرل بــك بســلطانه علــى المناطــق التــي تحــت يــده‪ ،‬وأمــر أن‬
‫يذكــر اســمه يف خطبــة الجمعــة مقابــل القضــاء علــى نفــوذ بنــي بويــه الشــيعة يف العــراق وفــارس‬
‫وتحقيــق االســتقرار واألمــن يف مركــز الخالفــة بالعــراق‪.‬‬
‫أقــام طغــرل بــك ســلطان الســاجقة مــدة ثالثــة عشــر شــهرا يف بغــداد‪ ،‬عمــل خاللهــا‬
‫علــى تدعيــم النفــوذ الســلجوقي يف عاصمــة الخالفــة وتوثيــق الصلــة بيــن الســاجقة والخليفــة‪،‬‬
‫كمــا عملــت الخالفــة مــن جانبهــا علــى تقويــة الروابــط بينهــا وبيــن هــذه القــوة الجديــدة مــن‬
‫خــال المصاهــرة بيــن الطرفيــن‪.‬‬
‫لقــد حالــت الظــروف السياســية خــارج العــراق دون اســتقرار طغــرل بــك يف بغــداد‬

‫‪118‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫بســبب الحــركات المناهضــة لحكمــه وخاصــة خــروج أخيــه إبراهيــم عليــه‪.‬‬


‫وخاصــة بعــد محــاوالت مــن بعــض العناصــر الشــيعية مــن بقايــا بنــي بويــه العــودة إلــى‬
‫بغــداد واإلســتيالء عليهــا بمســاندة الفاطمييــن بمصــر‪ ،‬إال أن هــذه المحــاوالت بــاءت بالفشــل‬
‫لعــل مــن أهمهــا عجــز الخالفــة الفاطميــة بالقاهــرة عــن تقديــم المســاعدة‪.‬‬
‫ظلــت العالقــة بيــن الخليفــة العباســي والســلطان الســلجوقي طيبــة مــدة ثمانيــة عشــر‬
‫عامــا‪ ،‬بعدهــا نشــب الخــاف بينهمــا بســبب محاولة طغــرل بك اإلســتيالء على كافــة صالحيات‬
‫الخليفــة وقيامــه بنقــل مــوارد العــراق الماليــة إلــى الخزانــة الســلجوقية وتكليفــه نائبــا عنــه إلدارة‬
‫العــراق ووضعــه حاميــة عســكرية ببغــداد عملــت علــى إرهــاب العامــة واالســتهانة بالخالفــة‪.‬‬
‫ويف العــام ( ‪ 456‬هـــ‪ 1063 /‬م) تولــى رئاســة اإلمــارة الســلجوقية الســلطان (ألــب‬
‫أرســان) فــزادت حــدّ ة الخــاف بيــن الطرفيــن‪ ،‬خاصــة عندمــا قــام هــذا الســلطان بتعييــن إبنــه‬
‫ملكشــاه وليــا للعهــد عــام ( ‪ 459‬هـــ‪ 1066 /‬م) دون إذن مــن الخليفــة‪ ،‬وأعطاه صالحيات واســعة‬
‫مــن بينهــا أن يخطــب باســمه يف جميــع مســاجد الخالفــة العباســية‪.‬‬
‫وبعــد وفــاة الســلطان ملکشــاه عــام ( ‪ 458‬هـــ‪ 1092 /‬م)‪ ،‬بــدأ العــد التنازلــي لنهايــة‬
‫الســاجقة يف العــراق‪ .‬فبالرغــم مــن أن هــذه اإلمــارة قــد عاشــت حوالــي قرنــا مــن الزمــان بعــد‬
‫وفــاة ملكشــاه ( ‪ 590 - 485‬هـــ‪ 1194 - 1092 /‬م) فإهنــا عجــزت تمامــا عــن القيــام بــأي دور‬
‫سياســي يكفــل االســتقرار‪ ،‬اللهــم إال دورهــا الــذي وقفــت مــن خاللــه ضــد البيزنطييــن عندمــا‬
‫حاولــوا غــزو أراضــي الخالفــة العباســية‪.‬‬
‫وكان ذلــك علــى أيــام الســلطان (ألــب أرســان) الــذي انتصــر علــى البيزنطييــن انتصــارا‬
‫حاســما يف موقعــه مانزيكــرت عام ( ‪ 464‬هـــ‪ 1071 /‬م)‪.‬‬
‫فقــد عاشــت إمــارة الســاجقة خــال المــدة المذكــورة واهنــة القــوى تتجاذهبــا حــركات‬
‫العصيــان والتمــرد والخــروج عــن ســيادهتا يف جميــع األراضــي التابعــة لهــا‪.‬‬
‫وكانــت الخالفــة العباســية عاجــزة عــن االنتصــار لنفســها والخــروج مــن ســيطرة‬
‫الســاجقة وإعــادة هيبتهــا حتــى يف بغــداد‪.‬‬
‫وقــد حــاول بعــض الخلفــاء اتخــاذ بعــض اإلجــراءات التــي مــن شــأهنا إعــادة ســيادة‬
‫الخالفــة العباســية نذكــر مــن بينهــا محــاوالت الخليفــة المسرتشــد ( ‪ 530 - 512‬هـــ‪- 1118 /‬‬
‫‪ 1135‬م) الــذي دفــع حياتــه ثمنــا لذلــك‪ ،‬ومحــاوالت الخليفــة المقتفــي ( ‪ 555 - 531‬هـــ‪1136 /‬‬

‫‪ 1160 -‬م) الــذي نجــح إلــى حــد مــا يف جمــع شــتات أعوانــه وعــزل بعــض الموظفيــن المواليــن‬

‫‪119‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫للســاجقة‪.‬‬
‫وإن أعتــر عــام ( ‪ 543‬هـــ‪ 1148 /‬م) البدايــة الفعليــة النتعــاش الخالفــة العباســية عندمــا‬
‫أخــذت ســلطة الســاجقة يف التدهــور واالهنيــار حتــى ســقطت إمارهتــم يف بــاد فــارس عــام‬
‫( ‪ 552‬هـــ‪ 1157 /‬م) وصــارت اســمية يف العــراق حتــى ســقطت هنائيــا عــام ( ‪ 590‬هـــ‪ 1194 /‬م)‪.‬‬
‫م ّثــل الســاجقة مرحلــة مــن مراحــل ســيطرة العناصــر األجنبيــة علــى مقــدرات الحيــاة‬
‫السياســية يف الوطــن العربــي‪ ،‬وكانــوا أحــد أســباب ضعــف الخالفــة وغزوهــا مــن قبــل المغــول‬
‫الذيــن أزالــوا الخالفــة العباســية هنائيــا عــام ( ‪ 656‬هـــ‪ 1258 /‬م) بعــد أن عاشــت قرونــا عديــدة‬
‫ســاهمت خاللهــا يف تقــدم الحضــارة والنظــم الحضاريــة العربيــة اإلســامية‪.‬‬
‫‪2.2‬اتساع الدولة وترامي أطرافها‪:‬‬
‫كانــت الخالفــة العباســية تســيطر علــى دولــة مرتاميــة األطــراف‪ ،‬لــم يكــن بمقدورهــا‬
‫الســيطرة عليهــا‪ .‬فــإن كانــت القيــادة اإلســامية يف دار الخالفــة قــادرة علــى متابعــة جيوشــها يف‬
‫فــارس والعــراق والشــام ومصــر‪ ،‬فـ َّ‬
‫ـإن األمــر يختلــف يف بــاد المغــرب والبــاد النائيــة عــن بغــداد‬
‫نظــرا لبعــد المســافة وصعوبــة االتصــال‪ ،‬لذلــك كانــت الفرصــة ســانحة أمــام والة البــاد البعيــدة‬
‫عــن مركــز الخالفــة االســتقالل بواليتهــم‪.‬‬
‫وشــهدت الخالفــة العباســية أول انفصــال وتفــكك يف كيــان الدولــة اإلســامية منــذ‬
‫الســنوات األولــى لقيامهــا؛ إذ اســتقلت األندلــس علــى يــد عبــد الرحمــن الداخــل األمــوي (صقر‬
‫قريــش)‪ ،‬كمــا اســتقل المغــرب األقصــى علــى يــد األدارســة العلوييــن‪ ،‬أمــا المغــرب األوســط‬
‫فقــد اســتقل بــه بنــو رســتم اإلباضيــة‪ ،‬يف حيــن قامــت دولــة األغالبــة يف المغــرب األدنــى‪.‬‬
‫الشعوبية‪:‬‬
‫الشــعوبية تيــار فكــري فارســي مناهــض للعــرب قامــت بــه مجموعــات قوميــة متعــددة‬
‫وطوائــف دينيــة قديمــة التكويــن واألفــكار تســودها الــروح االنفصاليــة‪ ،‬وقــد تطــورت وظهــرت‬
‫يف الحــركات الســرية التــي تتظاهــر باإلســام وتعمــل علــى هــدم الســلطان اإلســامي‪ ،‬وهــي‬
‫الدائــرة األوســع التــي تمثــل الزندقــة إحــدى حلقاهتــا‪ ،‬وكالهمــا يظهــر اإليمــان ويخفــي اإللحــاد‬
‫ويحــرف األحاديــث ويختلقوهنــا‪.‬‬
‫فالعمــل الشــعوبي الثقــايف واالجتماعــي والسياســي ضــد المســلمين‪ ،‬إنمــا كان يســعى‬
‫يف هنايــة المطــاف إلــى ســلب الديــن اإلســامي عمــاده السياســي‪ .‬ونالحــظ أن بعضــا مــن‬
‫الفــرس كانــوا ينتهــزون فرصــة الشــقاق بيــن بعــض الخلفــاء العباســيين لنشــر دعوهتــم‪ ،‬وبــدا‬

‫‪120‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ذلــك واضحــا أيــام الخليفــة المأمــون العباســي الــذي اســتعان هبــم يف القضــاء علــى أخيــه األميــن‬
‫وأنصــاره مــن العــرب ســنة ( ‪ 198‬هـــ‪ 814 /‬م) وكان ممــن أشــتهر منهم الفارســي طاهر بن حســين‬
‫الــذي عينــه المأمــون واليــا علــى خراســان‪ ،‬الــذي أســس الدولــة الطاهريــة ( ‪ 259 -202‬هـــ‪816 /‬‬

‫‪ 872 -‬م) وهــي أول دولــة فارســية تســتقل عــن الخالفــة العباســية‪.‬‬
‫ضعف املوارد االقتصادية‪:‬‬ ‫ب) ‬
‫تدهــور األوضــاع االقتصاديــة ونضــوب خزانــة الدولــة‪ ،‬نتيجــة االضطــراب السياســي‬
‫وقيــام الفتــن كحركــة الزنــج يف البصــرة ســنة ( ‪ 255‬هـــ‪ 868 /‬م) والتــي اســتمرت خمســة عشــر‬
‫عامــا وكلفــت الدولــة وتســببت يف إخــاء الخزينــة‪ ،‬وكذلــك إلســراف الخلفــاء فضــا عــن‬
‫اســتقالل األطــراف عــن الخالفــة العباســية‪ .‬وفقــدان الخزينــة لمــوارد ماليــة كانــت تأتيهــا مــن‬
‫مختلــف األقاليــم اإلســامية بســبب األزمــات االقتصاديــة الناتجــة عــن الجفــاف وقلــة األمطــار‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫خلفاء العصر العباسي الثاين‬

‫واليته‬ ‫واليته‬
‫اهلجري امليالدي‬
‫اخلليفة‬ ‫‪#‬‬
‫اهلجري امليالدي‬
‫اخلليفة‬ ‫‪#‬‬

‫‪ 974‬م‬ ‫‪364‬‬ ‫الطائع‬ ‫‪15‬‬ ‫‪847‬‬ ‫‪233‬‬ ‫املتوكل‬ ‫‪1‬‬

‫‪991‬‬ ‫‪381‬‬ ‫القادر‬ ‫‪16‬‬ ‫‪861‬‬ ‫‪247‬‬ ‫املنتصر‬ ‫‪2‬‬

‫‪1031‬‬ ‫‪423‬‬ ‫القائم‬ ‫‪17‬‬ ‫‪862‬‬ ‫‪248‬‬ ‫املستعني‬ ‫‪3‬‬

‫‪1075‬‬ ‫‪468‬‬ ‫املقتدي‬ ‫‪18‬‬ ‫‪866‬‬ ‫‪252‬‬ ‫املعتز‬ ‫‪4‬‬

‫‪1095‬‬ ‫‪488‬‬ ‫املستظهر‬ ‫‪19‬‬ ‫‪869‬‬ ‫‪256‬‬ ‫املهتدی‬ ‫‪5‬‬

‫‪1118‬‬ ‫‪512‬‬ ‫املسترشد‬ ‫‪20‬‬ ‫‪870‬‬ ‫‪257‬‬ ‫املعتمد‬ ‫‪6‬‬

‫‪1135‬‬ ‫‪530‬‬ ‫الراشد‬ ‫‪21‬‬ ‫‪892‬‬ ‫‪279‬‬ ‫املعتضد‬ ‫‪7‬‬

‫‪1136‬‬ ‫‪531‬‬ ‫املقتفي‬ ‫‪22‬‬ ‫‪902‬‬ ‫‪290‬‬ ‫املكتفي‬ ‫‪8‬‬

‫‪1160‬‬ ‫‪556‬‬ ‫املستنجد‬ ‫‪23‬‬ ‫‪908‬‬ ‫‪296‬‬ ‫املقتدر‬ ‫‪9‬‬

‫‪1170‬‬ ‫‪566‬‬ ‫املستضئ‬ ‫‪24‬‬ ‫‪932‬‬ ‫‪320‬‬ ‫القاهر‬ ‫‪10‬‬

‫‪1180‬‬ ‫‪576‬‬ ‫الناصر‬ ‫‪25‬‬ ‫‪934‬‬ ‫‪323‬‬ ‫الراضي‬ ‫‪11‬‬

‫‪1225‬‬ ‫‪622‬‬ ‫الظاهر‬ ‫‪26‬‬ ‫‪940‬‬ ‫‪329‬‬ ‫املتقـي‬ ‫‪12‬‬

‫‪1226‬‬ ‫‪623‬‬ ‫املستنصر‬ ‫‪27‬‬ ‫‪944‬‬ ‫‪333‬‬ ‫املستكفي‬ ‫‪13‬‬

‫‪-1242‬‬ ‫‪-640‬‬
‫املستعصم‬ ‫‪28‬‬
‫‪946‬‬ ‫‪335‬‬ ‫املطيع‬ ‫‪14‬‬
‫‪1258‬‬ ‫‪656‬‬

‫‪122‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫راب ًعا‪ :‬جهاد العامل اإلسالمي ضد الصليبيني واملغول‬


‫‪1.1‬احلروب الصليبية‪:‬‬
‫هــي حــرب جامعــة قــام هبــا الغــرب األوروبــي المســيحي ضــد المنطقــة العربية اســتجابة‬
‫لنــداء البابويــة يف رومــا وتحــت إشــرافها وبتوجيــه منهــا للســيطرة علــى المنطقــة العربيــة والقضــاء‬
‫علــى الدين اإلســامي‪.‬‬
‫وقــد كانــت هــذه الحــروب علــى شــكل حمــات اســتمرت لمــدة قرنيــن مــن الزمــن‬
‫( ‪ 690 -429‬هـــ‪ 1291 -1037 /‬م)وبلــغ عددهــا حوالــى عشــر حمــات‪ .‬وهــي تمثــل مظهــرا مــن‬
‫مظاهــر التعصــب الدينــي‪.‬‬
‫والمــؤرخ ابــن األثيــر يــرى أهنــا حــرب ثأريــة أي اهنــا ردة فعــل للفتوحــات اإلســامية‬
‫وانتشــار اإلســام (وذلــك ألن تاريــخ هــذه الحــروب إنمــا يرجــع إلــى هزيمــة هرقــل يف معركــة‬
‫اليرمــوك ســنة ( ‪ 13‬هـــ‪ 634 /‬م) يف عهــد الخليفــة عمــر بــن الخطــاب رضــي اهلل عنــه‪ .‬حيــث قــام‬
‫المســلمون مــن خــال الفتوحــات التــي انتصــروا فيهــا علــى البيزنطييــن بنشــر الديــن اإلســامي‬
‫واســتمروا يف ذلــك حتــى وصلــوا جبــال الربانــس يف أوروبــا‪.‬‬
‫وظــل المســيحيون يف أوروبــا ينتظــرون الفرصــة مــن اجــل أن يشــنوا حربــا ضــد‬
‫المســلمين ولكنهــم لــم يســتطيعوا القيــام هبــا طيلــة خمســة قــرون وذلــك بســبب قــوة وهيبــة‬
‫المســلمين‪ ،‬مقابــل حالــة الفوضــى والتشــتت التــي كانــت عليهــا األوضــاع يف أوروبــا‪.‬‬
‫وقــد ســنحت هــذه الفرصــة ألوروبــا عندمــا بــدأ الضعــف يــذب يف الدولــة اإلســامية‬
‫نتيجــة للصــراع علــى الســلطة فشــنت أوروبــا حرهبــا علــى المســلمين تحــت مســمى الحــروب‬
‫الصليبيــة‪.‬‬
‫اكتســبت الحــروب الصليبيــة هــذا االســم ألهنــا قامــت باســم الديــن المســيحي وكان‬
‫رجــال الكنيســة يقومــون بتعليــق اشــارة الصليــب علــى كتــف المشــارك يف هــذه الحمــات أو‬
‫يعلــق يف رقبتــه اشــارة صليــب أحمــر مصنــوع مــن القمــاش‪.‬‬
‫أسباب احلروب الصليبية‪:‬‬
‫ )أالعامل الديين‪:‬‬
‫أوزعــت البابويــة أو الكنيســة أهنــا تريــد تخليــص األماكــن المقدســة يف فلســطين مــن‬
‫ســيطرة المســلمين‪ .‬ولــذا اطلقــت علــى هــذه الحمــات ‪ -‬الحــروب المقدســة ‪ -‬واســتخدمت‬

‫‪123‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫كل الوســائل لرتغيــب األوروبييــن علــى االنضمــام والمشــاركة يف هــذه الحــروب‪ ،‬ومــن هــذه‬
‫الوســائل قــام البابــا بإصــدار قانونــا وعــد المشــاركين يف الحــروب بمنحهــم صكــوك الغفــران‪.‬‬
‫تطلــع كنيســة رومــا إلــى فــرض زعامتهــا الروحانيــة علــى العالــم المســيحي الشــرقي‬
‫وذلــك بالســيطرة علــى الكنيســة الشــرقية بالقســطنطينية وتوحيــد الكنيســتين الرومانيــة‬
‫واألرثوذكســية‪.‬‬
‫ادعــت الكنيســة أهنــا تعمــل علــى تأميــن ســامة الحجــاج المســيحيون بدعــوى كاذبــة‬
‫مفادهــا أن المســلمين يمنعوهنــم مــن الوصــول إلــى األماكــن المقدســة ومــن يصــل منهــم يالقــى‬
‫االضطهــاد واألذى اثنــاء زيارتــه لبيــت المقــدس واتخــذت مــن ذلــك ذريعــة لحــرب المســلمين‪.‬‬
‫ )بالعامل االقتصادي‪:‬‬
‫كان غــرب أوروبــا يشــكو مــن ســوء األحــوال االقتصاديــة‪ ،‬خاصــة فرنســا يف أواخــر‬
‫القــرن الخامــس الهجــري الحــادي عشــر الميــادي‪ ،‬حيــث كانت تعــاين مجاعــة شــاملة‪ ،‬وارتفاع‬
‫يف األســعار‪ ،‬وزاد مــن ســوء األحــوال‪ ،‬الحــروب المحليــة الكثيــرة بيــن األمــراء اإلقطاعييــن‪،‬‬
‫وزيــادة عــدد الســكان‪ ،‬وازديــاد عــدد موجــات القحــط والجفــاف وهــذا مــا جعــل فرنســا تتبنــى‬
‫فكــرة المشــاريع الصليبيــة‪.‬‬
‫ )جالعامل السياسي والعسكري‪:‬‬
‫مــن األمــور التــي شــجعت علــى الزحــف الصليبــي نحــو الشــرق‪ ،‬األوضــاع الداخليــة‬
‫للســاجقة واشــتعال الحــروب األهليــة يف آســيا الصغــرى وســوريا منــذ ( ‪ 485‬هـــ‪ 1092 /‬م)‪،‬‬
‫والعــداء بيــن الفاطمييــن والســاجقة باإلضافــة إلــى االنتصــارات التــي حققتهــا مملكــة بيــزا‬
‫وجنــوة والنورماندييــن علــى القــوى اإلســامية يف الجهــات الغربيــة مــن البحــر المتوســط‪.‬‬
‫ف‬
‫وقد شارك ي� احلروب الصليبية لك من‪:‬‬
‫ •الكنيسة البابوية باعتبارها صاحبة الدعوة لتلك الحروب‪،‬‬
‫ •الفــرق المســيحية المتطوعــة مثــل فرقــة فرســان المعبــد المعروفــة بالجماعــة‬
‫الداويــة‪،‬‬
‫ •فرقة اإلسبتارية التي اهتمت بالجرحى يف ميدان القتال‪،‬‬
‫ •الملــوك واألمــراء الذيــن شــاركوا خدمــة لمصالحهــم السياســية وبحثــا عــن نصــر‬
‫خارجــي يوطــد حكمهــم يف أوروبــا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ •اإلمــارات البحريــة اإليطاليــة مــن خــال المســاعدة يف تمويــن هــذه الحمــات‬


‫والقيــام بمهمــة نقــل المشــاركين بعتادهــم مــن أوروبــا إلــى ســواحل بــاد الشــام‬
‫وآســيا الصغــرى‪.‬‬
‫ •الــدول األوروبيــة وعلــى رأســها فرنســا صاحبــة الدعــوة للحــروب الصليبيــة علــى‬
‫العالــم اإلســامي‪.‬‬
‫ •الدولــة البيزنطيــة يف أســية الصغــرى وذلــك لقرهبــا مــن المنطقــة العربيــة‪ ،‬ولعدائهــا‬
‫التاريخــي لإلســام والمســلمين‪.‬‬

‫أور�ن ن‬
‫الثا� هو أول من دعا إىل احلروب الصليبية وهو من وضع‬ ‫البا� ب‬
‫ب‬
‫ي‬
‫إشارة الصليب‪.‬‬

‫الغزو الصلييب للمشرق العريب وقيام االمارات الصليبية‪:‬‬


‫انتهــت االســتعدادات الصليبيــة تحــت اشــراف الكنيســة وتقــرر انطــاق الجيــوش‬
‫الصليبيــة علــى أن تكــون مدينــة القســطنطينية عاصمــة اإلمرباطوريــة البيزنطيــة مكانــا للتجمــع‬
‫والتــزود بالمــؤن قبــل العبــور إلــى أســيا الصغــرى وبــاد الشــام‪.‬‬
‫وقــد وقــع الزحــف الصليبــي علــى اســيا الصغــرى وبــاد الشــام‪.‬وليس فيهمــا قــوة‬
‫إســامية تســتطيع صــد هــذا الخطــر القــادم إليهــا مــن وراء حدودهــا‪ .‬ذلــك أن كال مــن الدولــة‬
‫الســلجوقية والدولــة العباســية والدولــة الفاطميــة كانــوا يعانــون مــن تــردي األوضــاع السياســية‬
‫والعســكرية إضافــة إلــى الصــراع الداخلــي علــى الســلطة‪.‬‬
‫ولذلــك اســتطاعت القــوات الصليبيــة اجتيــاح بــاد الشــام وبعــض مناطــق شــمال أرض‬
‫الجزيــرة فيمــا يعــرف بالحملــة الصليبيــة األولــى‪ ،‬والتــي نتــج عنهــا تكويــن االمــارات الصليبيــة‬
‫اآلتيــة‪:‬‬
‫‪1.1‬إمارة الرها أسسها بلدوين ( ‪ 544 – 492‬هـ‪ 1149 1098 -/‬م)‬
‫‪2.2‬إمارة انطاكية أسسها بوهيمند األول ( ‪ 667 - 492‬هـ‪ 1268 – 1098 /‬م)‪.‬‬
‫‪3.3‬مملكة بيت المقدس أقامها جودفري ( ‪ 691 -493‬هـ‪ 1291 – 1099 /‬م)‬
‫‪4.4‬إمارة طرابلس الشام أسسها ريموند ( ‪ 688 - 493‬هـ‪ 1289 - 1109 /‬م)‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﺩﱏ‬
‫‪ 530‬ﻫـ‪ 1135 /‬ﻡ‬
‫ﻣﺎ ﺑﲔ ﺍﳊﻤﻠﺘﲔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺘﲔ‬
‫ﺍﻷﻭﱃ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‬

‫أ‬ ‫ف‬
‫ة‬
‫احلمل الصليبية الوىل‬ ‫ال� ظ�رت ي� بالد الشام بعد‬
‫ي‬
‫وف�ا إالمارات الصليبية ت‬
‫خريطة ي‬
‫ف‬ ‫ة‬ ‫والثانية ة‬
‫والدول الفاطمية ي� مرص‪.‬‬ ‫ودول السالجقة‬

‫تصدى الدولة اإلسالمية للغزو الصلييب‪:‬‬


‫مــر جهــاد األمــة العربيــة واإلســامية ضــد العــدوان الصليبــي بثــاث مراحــل خــال‬
‫القرنيــن الثــاين عشــر والثالــث عشــر وهــي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬جهاد الدولة الزنكية ضد الصليبيني‪:‬‬
‫بــدأت حركــة المقاومــة بعــد ظهــور اتابــك قــوي مــن أمــراء دولــة االتابكــة هــو عمــاد‬
‫الديــن زنكــي أميــر الموصــل ( ‪ 541 - 511‬هـــ‪ 1146 - 1117 /‬م)‪.‬‬

‫ت‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أ‬


‫مر� ال يم� واكن ي� اختياره من‬
‫ال�بك هو ب ي‬
‫ة‬
‫الدول السلجوقية‬ ‫كبار أمراء‬

‫‪126‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫اســتطاع عمــاد الديــن زنكــي أن يبســط نفــوذه حتــى مدينــة حلــب وأســس بذلــك الدولــة‬
‫الزنكيــة‪ ،‬وقــام بحصــار مدينــة الرهــا وهــي اإلمــارة الصليبيــة األولى‪.‬وبعــد حصــار دام اربعــة‬
‫أســابيع اســتولى عليهــا ســنة ( ‪ 539‬هـــ‪ 1144 /‬م)‪ .‬وســمي هــذا الفــوز بــــ (نصــر األنصــار)‪.‬‬
‫وقــد خلفــه ابنــه نــور الديــن محمــود إلتمــام دور الكفــاح ضــد الصليبيــن‪ ،‬فاصطــدم‬
‫نــور الديــن بالصليبيــن الذيــن جــاؤوا بالحملــة الصليبيــة الثانيــة يف محاولــة الســرداد امــارة‬
‫الرهــا‪ .‬ولكنهــا اتجهــت إلــى حصــار دمشــق‪ ،‬فقــام نــور الديــن بإرســال مــدد لنجــدة دمشــق ممــا‬
‫اضطــر الصليبيــون إلــى رفــع الحصــار والعــودة إلــى أوروبــا‪ .‬ثــم عمــد نــور الديــن إلــى المســير‬
‫إلــى دمشــق لتوحيــد الجهــود بالشــام مــع االســتعداد لضــم مصــر لجعــل العــدو الصليبــي بيــن‬
‫جناحــي المســلمين بمصــر والشــام ويف ذات الوقــت أصبــح واضحــا لــدى الصليبيــن أن اســتيالء‬
‫نــور الديــن علــى دمشــق أتــاح لــه حصــار بيــت المقــدس مــن الشــمال وأنــه ســوف يتحــول إلــى‬
‫مصــر لتطويــق المملكــة الصليبيــة مــن الناحيــة الجنوبيــة ولــذا بــدأت انظــار الصليبيــن تتجــه نحــو‬
‫مصــر‪.‬‬
‫وكانــت أحــوال الدولــة الفاطميــة بمصــر عامــا مســاعدا لنــور الديــن علــى الفــوز‬
‫نظــرا للصــراع الداخلــي بيــن الــوزراء علــى الســلطة‪ ،‬وانتهــى التســابق بيــن جيــوش نــور الديــن‬
‫وجيــوش مملكــة بيــت المقــدس الصليبيــة إلــى انتصــار المســلمين والســيطرة علــى مصر‪،‬وبذلك‬
‫غــدت مصــر محــورا يوشــك أن يكــون قاعــدة لقيــادة مرحلــة كفــاح األمــة العربيــة اإلســامية‬
‫ضــد الصليبيــن‪.‬‬
‫والمؤكــد هنــا أن العــرة ليســت بالعــدد بــل بالهــدف والنتائــج‪ ،‬فقــد حــدث العــدوان‬
‫فعــا‪ ،‬و اســتهدف كيــان األمــة العربيــة واإلســام‪ ،‬وأن العــرب والمســلمين قاومــوه يف صــر‬
‫وجلــد‪ ،‬وقدمــوا التضحيــات الماديــة والبشــرية‪ ،‬وكان لهــم النصــر‪.‬‬
‫وقــد مــر جهــاد األمــة العربيــة و اإلســامية ضــد العــدوان الصليبــي بثــاث مراحــل‬
‫خــال القرنيــن الثــاين عشــر والثالــث عشــر تزعمتهــا دول هــي علــى التوالــي الزنكيــة واأليوبيــة‬
‫والمملوكيــة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ثانيا‪ :‬جهاد الدولة اإليوبية ضد الصليبيني‪:‬‬


‫تــويف نــور الديــن محمــود تــاركًا لصــاح الديــن األيوبــي حاكــم مصــر مهمــة توحيــد‬
‫القــوى اإلســامية التــي بدأهــا عمــاد الديــن زنكــي‪ ،‬واســتطاع صــاح الديــن أن ينهــض هبــذه‬
‫السياســة فعمــل علــى‪:‬‬
‫أأعلــن اســتقالله بمصــر عــام ‪ 542‬هـــ‪ 1174 /‬م) غــداة وفــاة نــور الديــن واعرتفــت لــه‬ ‫ )‬
‫الخالفــة العباســية بذلــك ثــم اتخــذ منهــا قاعــدة لتنظيــم جهــود المقاومــة‪.‬‬
‫ ) بتمكــن مــن القضــاء علــى الفتــن الداخليــة التــي اعقبــت وفــاة نــور الديــن ودخــل‬
‫دمشــق وحلــب ثــم الموصــل عــام ( ‪ 543‬هـــ‪ 1175 /‬م)‪ ،‬وبذلــك أصبــح ســيد‬
‫الموقــف يف مصــر والشــام‪.‬‬
‫ ) جضرب النقود باسمه يف مصر وحماة‪ ،‬بعد أن كانت باسم نور الدين زنكي‪.‬‬
‫وبذلــك تمكــن مــن توحيــد القــوى اإلســامية المحيطــة بالصليبييــن وحصرهــم بيــن‬
‫شــقي الرحــى تمهيــدا للمنازلــة الكــرى‪.‬‬
‫موقعة حطني ‪ 583‬هـ ‪ 1187 /‬م‬
‫أعــد صــاح الديــن األيوبــي قواتــه للمواجهــة مــع الصليبييــن وكان يتحيــن الوقــت‬
‫المناســب لذلــك ّإل أن تصرفــات (ارنــاط) الصليبــي حاكــم حصــن الكــرك عجلــت بتلــك‬
‫المواجهــة إذ أنــه قــام باإلغــارة علــى قافلــة عربيــة كانــت يف الطريــق بيــن دمشــق ومصــر‪ ،‬ناقضــا‬
‫الهدنــة المعقــودة بيــن صــاح الديــن ومملكــة بيــت المقــدس‪ ،‬وقــد ســبق ألرنــاط أن أثــار غضب‬
‫صــاح الديــن عندمــا هاجــم موكــب الحــج إلــى مكــة‪ ،‬فلــم يكــن لصــاح الديــن أن يســكت‬
‫عــن التهديــد المســتمر للطريــق الرئيســي الــذي يصــل الشــام بمصــر‪ ،‬ويمــر عــر شــرق األردن‬
‫باإلضافــة إلــى هتديــد أرنــاط المســتمر لألماكــن المقدســة يف مكــة والمدينــة‪.‬‬
‫أعــد أرنــاط عــام ( ‪ 578‬هـــ‪ 1182 /‬م) ســفنًا‪ ،‬حمــل أخشــاهبا وقالعهــا إلــى خليــج العقبــة‬
‫ال‪ ،‬ونقــل جنــود الصليبييــن إلــى البحــر األحمــر ومنهــا إلــى شــواطئ‬‫حيــث جهــز منهــا أســطو ً‬
‫الحجــاز‪.‬‬
‫وكان صــاح الديــن غائبــا يف ذلــك الوقــت بالعــراق فأســرع نائبــه العــادل ولحــق‬
‫بالصليبييــن عنــد مرفــأ الحــوار شــمالي ينبــع واســتطاع القضــاء علــى المحاولــة الصليبيــة‪.‬‬
‫أعــد صــاح الديــن حملتــه علــى مملكــة بيــت المقــدس وعســكر بقواتــه قــرب مدينــة‬
‫بصــرى يف شــهر (مايــو) ( ‪ 583‬هـــ‪ 1187 /‬م)‪ ،‬وقــام بغــزو المنطقــة القريبــة مــن حصــن الكــرك‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫متحديــا أرنــاط الــذي خــاف الخــروج لمواجهــة القــوات اإلســامية‪ .‬فتقــدم صــاح الديــن‬
‫واســتولى علــى طربيــة‪ ،‬ثــم زحــف حتــى بلــغ مــكان يســمى حطيــن‪ .‬وقــد رأى الصليبيــون‬
‫وقتــذاك بإمــرة أرنــاط أن يخرجــوا لمالقــاة القــوات اإلســامية بالقــرب مــن مدينــة الناصــرة‪.‬‬
‫وقــد تجمــع مــن أجــل المعركــة الفاصلــة أكــر جيــش أرســله الصليبيــون إلــى الميــدان‪ ،‬فقــد كان‬
‫لديهــم حوالــي ( ‪ )18000‬رجــل‪ ،‬منهــم ( ‪ )1200‬مــن الفرســان ذوي الــدروع‪ ،‬وحوالــي ( ‪)4000‬‬
‫فــارس مــن حملــة الســاح الخفيــف‪ ،‬بينمــا كانــت قــوات صــاح الديــن حوالــي ( ‪ )12000‬رجــل‬
‫فقــط‪.‬‬
‫ويف صبــاح ‪ 2‬مــن شــهر (يوليــو) ( ‪ 583‬هـــ‪ 1187 /‬م) بــدأ زحــف الصليبييــن نحــو طربيــة‬
‫عــر هضــاب الجليــل‪ ،‬إال أن قــوات المســلمين كانــت لهــم بالمرصــاد يف حطيــن‪ ،‬حيــث أنزلــوا‬
‫هبــم هزيمــة ســاحقة فقــدوا خاللهــا معظــم قواهتــم‪ ،‬بينمــا وقعــت بقيــة القــوات يف األســر ومنهــم‬
‫أرنــاط نفســه‪ ،‬الــذي ضــرب صــاح الديــن عنقــه بيــده بــار ًا بقســمه نتيجــة غــدره‪.‬‬
‫ن‬ ‫ئ‬
‫حط�‪:‬‬
‫نتا� موقعة ي‬
‫ج‬
‫هتــاوت القــاع والحصــون والمــدن التــي أقامهــا الصليبيــون الواحــدة تلــو األخــرى‬
‫فاتحــة بذلــك الطريــق أمــام المســلمين لطــرد الصليبييــن‪.‬‬
‫ددخــول المســلمين إلــى مدينــة القــدس يــوم ‪ 2‬مــن شــهر (أكتوبــر) ( ‪ 583‬هـــ‪1187 /‬‬ ‫ )‬
‫م) وتحريرهــا وإهنــاء مملكــة بيــت المقــدس الصليبيــة بالكامــل‪.‬‬
‫هأثــار هــذا االنتصــار العظيــم أوروبــا حيــث ســارعت بإرســال الحملــة الصليبيــة الثالثة‬ ‫ )‬
‫فحشــدت لهــا اإلمكانيــات وتســلم قيادهتــا ملــوك كالً مــن ألمانيــا وإنجلرتا وفرنســا‪.‬‬
‫صلح الرملة‪:‬‬
‫بعــد معركــة حطيــن‪ ،‬قــرر ملــك انجلــرا ريتشــارد قلــب األســد الدخــول يف مفاوضــات‬
‫مــع العــادل أخــو صــاح الديــن األيوبــي وولديــه الملــك األفضــل وأخيــه الملــك الظاهــر‪،‬‬
‫ســنة( ‪ 588‬هـــ ‪ 1192 /‬م)‪ .‬وتــم تقديــم مقرتحــات لعقــد اتفاقيــة عرفــت بصلــح الرملــة وافــق‬
‫عليهــا صــاح الديــن األيوبــي‪.‬‬
‫وتضمنت عدة نقاط أساسية عىل أن ت ز‬
‫يل�م ب�ا الطرفان‪:‬‬
‫‪1.1‬تكون الهدنة عامة يف الرب والبحر‪ ،‬ومدهتا ثالث سنوات وثالثة أشهر‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫‪2.2‬أن يتخلــى الفرنجــة الصليبيــون لصــاح الديــن عــن عســقالن وغــزة والــداروم (ديــر‬
‫البلــح)‪ ،‬وأن يبقــى الســاحل بيدهــم مــن صــور إلــى يافــا بمــا فيهــا قيســارية وحيفــا‬
‫وأرســوف‪.‬‬
‫‪3.3‬للنصــارى الحريــة التامــة يف زيــارة األماكــن المقدســة يف القــدس دون أن يــؤدوا‬
‫ضرائــب للمســلمين‪ ،‬وتكــون الســيادة علــى أماكــن العبــادة حســب االتفاقيــة مــن‬
‫صالحيــة المســلمين‪.‬‬
‫‪4.4‬تكون مدينة الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والصليبيين‪.‬‬
‫كان لقبــول صــاح الديــن توقيــع صلــح مــع الصليبييــن بعــد انتصاراتــه يف معركــة حطيــن‬
‫أســباب ودوافــع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1)1‬لــم يكــف البابــاوات عــن توجيــه الدعــوة مجــددا لملــوك أوروبــا وجمــوع النــاس‬
‫القيــام بحملــة صليبيــة جديــدة تســرد فيهــا بيــت المقــدس وتثــأر للصليبييــن‪.‬‬
‫‪2)2‬العزلــة وحالــة االنكمــاش التــي أصبحــت عليهــا الممالــك الصليبيــة يف بــاد الشــام‪.‬‬
‫دفعــت بجمــوع الصليبيــن للقيــام بحملــة صليبيــة‪ ،‬وقــد تجــاوب ملــوك أوروبــا‬
‫لدعــوة البابــا وهــم (ريتشــارد قلــب األســد‪ -‬ملــك انجلــرا) و (فيليــب الثــاين‬
‫أغســطس‪ -‬ملــك فرنســا) و (فردريــك بربروســا‪ -‬امرباطــور المانيــا)‪ ،‬وكان هــذا‬
‫األخيــر قــد اختــار ان يســلك طريــق الــر حيــث تعــرض لمصاعــب جمــة انتهــت‬
‫بغرقــه يف أحــد أهنــار أســيا الصغــرى وتش ـتّتت حملتــه‪.‬‬
‫‪3)3‬أدرك صــاح الديــن بحســه العســكري والسياســي‪ ،‬إن الدخــول يف مفاوضــات مــع‬
‫الصليبيــن لكســب الوقــت وترتيــب أوضاعــه الداخليــة هــو مــن المصلحــة العامــة‪.‬‬
‫وذلــك بعــد سلســلة مــن المعــارك التــي خاضهــا ضــد ريتشــارد ملــك انجلــرا خــال‬
‫الســنوات ( ‪ 588 - 587‬هـــ‪ 1192 - 1191 /‬م) كان مــن أهمهــا معركــة وأرســوف ســنة( ‪ 587‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1191‬م) التــي أوشــك فيهــا صــاح الديــن أن يقضــي علــى الصليبييــن لــوال اعــادة ريتشــارد تنظيــم‬
‫صفوفــه‪.‬‬
‫تــويف صــاح الديــن األيوبــي يف دمشــق ســنة ( ‪ 589‬هـــ‪ 1192 /‬م)‪ ،‬بعــد ســنة واحــدة‬
‫مــن عقــد صلــح الرملــة تــاركًا أخــاه العــادل إلدارة شــؤون الدولــة‪ ،‬والــذي حــاول اإلبقــاء‬
‫علــى الســيادة اإلســامية علــى المناطــق المجــاورة‪ ،‬والدخــول يف عالقــات مــع الصليبيــن حتــى‬
‫ال تتعــرض مصــر للهجمــات الصليبيــة‪ ،‬ولكــن الصليبييــن أدركــوا أن مصــر هــي قاعــدة للمــد‬

‫‪130‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫البشــري العســكري للقــوات اإلســامية بالشــام‪ ،‬ولذلــك تغيــرت االســراتيجية الصليبيــة إلــى‬
‫مهاجمــة مصــر نفســها لقطــع المــد والعــون علــى المســلمين ببــاد الشــام‪ ،‬وإلحــداث فجــوة بيــن‬
‫جناحــي الدولــة اإلســامية‪ ،‬ومــن هــذا المنطلــق أعــدت أوروبــا حملــة صليبيــة أخــرى‪.‬‬

‫ة‬ ‫ف‬
‫الرمل‬ ‫الصلي� ي� بالد الشام بعد صلح‬
‫بي‬ ‫خريطة تصفية الوجود‬

‫‪131‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫احلملة الصليبية اخلامسة‪:‬‬


‫توجهــت هــذه الحملــة إلــى مصــر عــام ( ‪ 613‬هـــ‪ 1216 /‬م) حيــث اســتطاعت عــام ( ‪614‬‬

‫هـــ‪ 1217 /‬م) أن تحاصــر مدينــة دميــاط علــى الفــرع الشــرقي لدلتــا النيــل‪.‬‬
‫حــاول الســلطان العــادل اإلســراع يف العــودة إلــى مصــر مــن الشــام إال أنــه تــويف يف‬
‫الطريــق قــرب دمشــق‪ ،‬تولــى مــن بعــده ابنــه الكامــل مســؤولية الدفــاع عــن مصــر‪ ،‬وحــاول‬
‫مقايضــة الصليبييــن بالجــاء عــن مصــر مقابــل إعــادة تســليم مملكــة بيــت المقــدس لهــم‪ ،‬إال‬
‫أهنــم رفضــوا هــذا العــرض االهنزامــي لشــعورهم بســهولة االســتيالء علــى مصــر‪ ،‬وإعــادة بيــت‬
‫المقــدس كذلــك‪ ،‬إال أن اســتماتة المســلمين يف مصــر يف الدفــاع عــن أرضهــم ودينهم‪ ،‬ومســاعدة‬
‫الطبيعــة لهــم بفيضــان وادي النيــل‪ ،‬أدى كل ذلــك إلــى هزيمــة الصليبييــن بعــد عــزل قواهتــم عــن‬
‫مركــز قيادهتــم بدميــاط واضطــروا إلــى الجــاء عــن مصــر دون قيــد أو شــرط عــام ( ‪ 618‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1221‬م)‪ ،‬بعــد أن تكبــدوا خســائر جســيمة يف األرواح والمعــدات‪.‬‬
‫ولقــد حاولــت أوروبــا إرســال حملــة أخــرى عرفــت بالحملــة الصليبيــة السادســة التــي‬
‫قادهــا فريدريــك الثــاين إمرباطــور ألمانيــا‪ ،‬وكانــت قليلــة العــدد والعــدة وقــد اتخــذت طابعــا‬
‫تفاوضيــا يف محاولــة إلعــادة بعــض الممالــك الصليبيــة بالشــام بعــد مــا لمســوا ميــا لــدى‬
‫الســلطان الكامــل للتفــاوض‪.‬‬
‫أمــا الحملــة الصليبيــة الســابعة فقــد جــاءت أثنــاء حكــم الســلطان الصالــح أيــوب بــن‬
‫الملــك الكامــل‪ ،‬وذلــك رد ًا علــى قيــام جماعــات مــن المســلمين باالســتيالء على بيــت المقدس‬
‫رافضــة المفاوضــات التــي أقــر بموجبهــا الســلطان الكامــل تســلیم بیــت المقــدس إلــى فردريــك‬
‫ملــك ألمانيــا‪.‬‬
‫وكانــت الحملــة الجديــدة بقيــادة لويــس التاســع ملــك فرنســا المعــروف بالقديــس‬
‫لويــس‪ ،‬وكان معظــم أفرادهــا مــن الفرنســيين‪ ،‬وكانــت وجهتهــا مصــر‪ ،‬حيــث نزلــت قريبــة‬
‫مــن دميــاط فتــم االســتيالء عليهــا عــام ( ‪ 647‬هـــ‪ 1249 /‬م) دون مقاومــة‪ .‬ثــم توجهــت الحملــة‬
‫لالســتيالء علــى مدينــة المنصــورة وكان الســلطان الصالــح غائبــا بالشــام‪ ،‬وعنــد ســماعه بخــر‬
‫الحملــة أســرع عائــد ًا إلــى مصــر‪ ،‬لكنــه تــويف قبــل أن يدركها‪ ،‬األمــر الذي دفــع زوجته شــجر الدر‬
‫إلــى كتمــان خــر وفاتــه حفاظــا علــى الــروح المعنويــة للجيــش مــن ناحيــة‪ ،‬ولغيــاب الوريــث‬
‫الشــرعي للحكــم (تــوران شــاه) ابــن الملــك الصالــح مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تمكــن الجيــش مــن‬
‫انــزال الهزيمــة بجمــوع الصليبييــن عنــد مدينــة المنصــورة‪ ،‬ثــم تعقبهــم وأنــزل هبــم هزيمــة أخــرى‬

‫‪132‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫قــرب مدينــة فارســكور‪ ،‬وهــم يحاولــون العــودة إلــى قاعدهتــم الحربيــة يف دميــاط‪ .‬وقــد وقــع‬
‫خــال هــذه المعــارك الملــك لويــس التاســع أســير ًا ولــم يطلــق ســراحه إال يف عــام ( ‪ 648‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1250‬م)‪.‬‬
‫وتعتــر هزيمــة الصليبييــن بمصــر يف هــذه الحملــة بدايــة العــد العكســي لهــم إلخــاء‬
‫األراضــي اإلســامية وإخراجهــم مــن المنطقــة علــى أيــدي دولــة المماليــك كمــا ســنرى فيمــا‬
‫بعــد‪.‬‬

‫ين‬
‫الصليب�‬ ‫ •الدروس املستفادة من معركة صالح ي ن‬
‫الد� ضد‬
‫أ‬
‫ •كيف يتحقق االنتصار عىل العداء؟‬
‫ت‬
‫وحد�ا ووجودها‪.‬‬ ‫الدول مستقرة متحدة متأهبة للدفاع عن‬ ‫ة‬ ‫ •عندما تكون‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫ •قــدم أمث ـ�ة تبـ ي ن‬
‫ـ� ثأ� الوضــاع الداخليــة املســتقرة ي� اح ـراز االنتصــارات عــى‬
‫أ‬
‫العــداء‪.‬‬
‫ة‬ ‫أ‬
‫حــال‬ ‫ •وأمثــ�ة تكشــف انعاكســات الوضــاع الداخليــة ي‬
‫الغــر املســتقرة عــى‬
‫الج ب�ــة الخ ارجيــة مــع العــدو‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مرحلة جهاد املماليك ضد الصليبيني‪:‬‬


‫بــدأ المماليــك جهادهــم ضــد الصليبييــن زمــن الظاهــر بيــرس (‪ 676 - 659‬هـــ‪ 1277 - 1260 /‬م)‬
‫الــذي قــام بجهــود مكملــة ألعمــال صــاح الديــن األيوبــي‪ .‬وقــد قــام بيــرس بالتالــي‪:‬‬
‫ •تحــول أوال لحــرب إمــارة أنطاكيــة الصليبيــة بعــد أن أفــادت األخبــار بأهنــا تحالفــت‬
‫مــع المغــول ضــد المســلمين‪.‬‬
‫ •مهد لتحرير أنطاكيا بزرع الفرقة بين الصليبيين‪.‬‬
‫ •االتجاه إلى تحرير الحصون والمدن المهمة لكي يتخذها قاعدة له‪:‬‬
‫ •استولى على حصن الكرك عام ( ‪ 662‬هـ‪ 1263 /‬م)‪.‬‬
‫ •استولى على مدن قيصرية وأرسوف وصفد عام ( ‪ 664‬هـ‪ 1265 /‬م)‪.‬‬
‫ •حرر مدينة يافا عام ( ‪ 666‬هـ‪ 1267 /‬م)‪.‬‬
‫ •وأخيــر ًا اســتطاع محاصــرة إمــارة أنطاكيــا ثــم االســتيالء عليهــا وتحريرهــا عــام‬
‫( ‪ 667‬هـ‪ 1268 /‬م)‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫هــذا وقــد قــام الســلطان قــاوون ( ‪ 678‬هـــ‪ 1279 /‬م) بمواصلــة حــرب التحريــر ضــد‬
‫الصليبييــن‪ ،‬فاســتولى علــى حصــن المرقــب‪ ،‬ثــم زحــف نحــو إمــارة طرابلــس الشــام عــام ( ‪688‬‬

‫هـــ‪ 1289 /‬م) وتحريرهــا‪ .‬وهبــذا فإنــه لــم يبــق للصليبييــن بعدهــا بالشــام غيــر مدينــة عــكا حيــث‬
‫بــدأت طالئــع الســلطان قــاوون يف حصارهــا تمهيــدا لالســتيالء عليهــا وتحريرهــا‪ ،‬إال أنــه تــويف‬
‫قبــل أن يتــم ذلــك‪ ،‬واســتطاع ابنــه األشــرف خليــل بــن قــاوون أن يقــوم هبــذه المهمــة ويحــرر‬
‫مدينــة عــكا عــام ( ‪ 691‬هـــ‪ 1294 /‬م)‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ت‬
‫نتا� هممة‪:‬‬
‫وقد أدى � ير�مدينة عاك إىل ج‬
‫تم تحرير كافة المعاقل الصليبية بالشام بعد هذا النصر ومنها مدن صور وصيدا‪.‬‬
‫تحريــر عــكا أســدل الســتار علــى الحــرب الصليبيــة ضــد العــرب والمســلمين بالمشــرق‬
‫وعــادت كافــة األراضــي إلــى أصحاهبــا األصلييــن بعــد حــروب طويلــة اســتمرت قرنيــن مــن‬
‫الزمــن‪.‬‬
‫فشــل الصليبييــن يف تحقيــق أطماعهــم يف المشــرق العربــي‪ ،‬فوجهــوا تلــك األطمــاع‬
‫شــطر المغــرب وخاصــة األندلــس وشــمال أفريقيــا‪ ،‬وقــد تكللــت جهــود المقاومــة اإلســامية‬
‫بتحقيــق االنتصــارات وإفشــال المخطــط الصليبــي للنيــل مــن القــوى اإلســامية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫‪2.2‬الغزو املغويل‪:‬‬
‫املغــــــول‪:‬‬
‫نشــأ المغــول يف هضبــة منغوليــا (وهــي تمتــد مــن أواســط أســيا جنوبــي ســيبيريا وشــمال‬
‫التبــت وغربــي منشــوريا وشــرق الرتكســتان)‪ ،‬وكانــت قبائــل المغــول تحيــا حيــاة بدويــة مســتقلة‬
‫بعضهــا عــن بعــض‪ ،‬لــم تعــرف االســتقرار وبنــاء المــدن بــل كانــوا ينتقلــون علــى ظهــور الخيــل‬
‫وكأهنــم يف زحــف حربــي بحثــا عــن الــرزق‪ ،‬وقــد احــرف المغــول حرفتــي الرعــي يف الغابــات‬
‫وصيــد األســماك مــن األهنــار حتــى زمــن جنكيــز خــان‪.‬‬
‫جنكيز خان‪:‬‬
‫اســمه تموجيــن ثــم لقــب بلقــب جنكيــز خــان ومعنــاه حاكــم الحــكام‪ ،‬وقــد ولــد يف‬
‫منغوليــا عــام ( ‪ 546‬هـــ‪ 1155 /‬م)‪ ،‬كان والــده رئيســا إلحــدى القبائــل المغوليــة قــد اســتطاع أن‬
‫ُيخضــع بعــض القبائــل المغوليــة التــي كانــت تجــاوره‪ ،‬وبذلــك رســم البنــه جنكيــز خطــة التشــييد‬
‫دولتــه علــى أســاس محكــم‪ .‬وبعــد أن ظهــرت شــجاعة جنكيــز خــان ومقدرتــه‪ ،‬اجتمــع حشــد‬
‫كبيــر مــن القبائــل علــى حــدود هنــر أويــن‪ ،‬وأجمعــوا علــى تتويجــه إمرباطــور ًا عليهــم‪ ،‬وذلــك‬
‫ســنة ( ‪ 600‬هـــ‪ 1203 /‬م)‪.‬‬
‫وقــد وضــع جنكيــز خــان دســتوره الشــهير المعــروف بــــ (الیاســا) ســنة ( ‪ 603‬هـــ‪1206 /‬‬

‫م)‪ ،‬الــذي يقضــي بضــرورة الخضــوع التــام إلرادتــه واالنضــواء تحــت رايتــه‪ ،‬والعقوبــة لــكل مــن‬
‫يخالــف ذلــك‪ ،‬كمــا قــام يف هــذا االجتمــاع بتعميــم كلمــة المغــول بعــد أن كان جــزء منهــم يعــرف‬
‫بالتتــار واآلخــر بالمغــول‪ ،‬وهكــذا اســتطاع جنكيــز خــان بنــاء دولــة محاربــة‪ ،‬تطيــع أوامــره‪،‬‬
‫وتحــرم قراراتــه‪.‬‬
‫غارات املغول وأثرها على الدولة اإلسالمية‪:‬‬
‫شــن المغــول غاراهتــم علــى جميــع الجبهــات واالتجاهــات وذلــك إلثــارة الرعــب يف‬
‫قلــوب كل مــن يحيــط هبــم‪ ،‬وهــي سياســة "إعالميــة" حربيــة اعتمدهــا المغــول لتحقيــق هــدف‬
‫عســكري مفــاده أن المغــول قــوم ال يرحمــون ومــا علــى الشــعوب األخــرى إال أن تخلــي أمامهــم‬
‫الطريــق أو تتعــرض للقتــل الجماعــي‪ ،‬ويف إطــار هــذه السياســة اندفعــت جمــوع المغــول يف‬
‫اتجاهــات عــدة هــي‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ف‬
‫ ) أمحالت املغول ضد الدول إالسالمية ي� أواسط أسيا شو�ق يإ�ان‪:‬‬
‫كانــت الدولــة الخوارزميــة وبحكــم موقعهــا الجغــرايف هــي الضحيــة الكــرى للغــزو‬
‫المغولــي المتجــه غربــا إذ أن الدولــة الخوارزميــة قامــت علــى أنقــاض دولــة الســاجقة ولــم‬
‫يكــن يربطهــا بالخالفــة يف بغــداد ســوى ذكــر اســم الخليفــة يف خطــب الجمعــة‪.‬‬
‫عندمــا اتضحــت أطمــاع المغــول عمــل الســلطان عــاء الديــن محمــد خــوارزم شــاه‬
‫( ‪ 617 - 596‬هـــ‪ 1220 - 1199 /‬م) علــى إعــان التعبئــة العامــة علــى هنــر ســيحون إال أن األمــور‬
‫تتابعــت بعــد ذلــك مــا بيــن هجــوم وانســحاب وكــر وفــر بيــن الفريقيــن إلــى أن وصــل الجيــش‬
‫المغولــي إلــى مدينــة بخــارى بعــد عبــوره النهــر مطــاردا الجيــش الخوارزمــي وأعمــل الســيف يف‬
‫أهلهــا‪،‬‬
‫وقــد كان لدخولهــم بخــاري أثــر ســيئ علــى التاريــخ والحضــارة اإلســامية إذ عمــد‬
‫المغــول إلــى الســلب والنهــب والقتــل وإحــراق المســاجد وكتــب الحضــارة اإلســامية وتراثهــا‪.‬‬
‫ومــن بخــارى اتجــه المغــول إلــى ســمرقند وبعــد حصارهــا اجتاحــت جموعهــم المدينة‬
‫وأعــادوا مــا فعلــوه يف بخــاري مــن قتــل وهنــب‪ ،‬ثــم اســتمرت جموعهــم يف الزحــف علــى أراضي‬
‫الدولــة الخوارزميــة فاســتولوا علــى بلــخ ومــرو وطــوس ونيســابور وهمــذان وكلهــا مــن المــدن‬
‫اإلســامية ذات الشــهرة العاليــة يف العمــارة والحضــارة‪.‬‬
‫أ‬
‫بمحالت املغول عىل أسيا الصغرى وال ن�ضول‪:‬‬ ‫ )‬
‫مــن مدينــة همــدان تفــرع الجيــش المغولــي إلــى قســمين‪ :‬قســم اتجــه غربــا باتجــاه‬
‫بغــداد عاصمــة الدولــة اإلســامية ومركــز الخالفــة العباســية وهــو أصــل الجيــش‪.‬‬
‫أمــا القســم الثــاين فقــد اتجــه شــما ً‬
‫ال متوغــا يف ســهول آســيا الصغــرى متتبعــا بقايــا‬
‫جيــوش دولــة الســاجقة التــي تعرضــت للضغــط المغولــي مــن الشــرق والدولــة البيزنطيــة مــن‬
‫الغــرب ممــا أفقدهــا هيبتهــا وســيادهتا‪.‬‬
‫الغزو املغويل للدولة العربية اإلسالمية و التصدي له‪:‬‬
‫بعــد الغــارات العنيفــة المدمــرة التــي شــنها المغــول يف اتجاهــات عــدة‪ ،‬والتــي طالــت‬
‫شــعوبا وأمــم مختلفــة القوميــة والديــن والحضــارة والتاريــخ‪ ،‬كان لزامــا أن تؤثــر هــذه الغــارات‬
‫تأثيــر مباشــرة علــى المنطقــة العربيــة‪ .‬فالســاحة السياســية بالمنطقــة العربيــة قــد خلــت مــن أي قوة‬
‫يمكنهــا أن تخفــف وطــأة الزحــف المغولــي نحوهــا أو تقديــم العــون الــازم لجيــوش الخالفــة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫املغول للزحف عىل بغداد‪:‬‬


‫ي‬ ‫‪ 1.1‬إالعداد‬
‫خــال المؤتمــر المغولــي العــام ومجلــس األمــراء الــذي عقــد عــام ( ‪ 649‬هـــ‪ 1251 /‬م)‬
‫تقــرر أن يتولــى هوالكــو األخ األصغــر لســلطان المغــول النيابــة عنــه يف إدارة بــاد فــارس ومــا‬
‫بعدهــا غربــا وأن يعمــل علــى تحقيــق األهــداف اآلتيــة‪:‬‬
‫ ) أالقضــاء علــى الســلطة الروحيــة لطائفــة اإلســماعيلية يف بــاد فــارس ودك قالعهــا‬
‫حتــى ال تكــون شــوكة يف ظهورهــم عنــد مســيرهم إلــى بغــداد‪.‬‬
‫ ) بالقضــاء علــى الخالفــة العباســية يف بغــداد وبســط الســيطرة علــى المناطــق التــي مــا‬
‫تــزال تديــن لهــا بالــوالء‪.‬‬
‫ ) جاجتيــاح بــاد الشــام ومــا حولهــا حتــى أطــراف مصــر وبســط الســيادة المغوليــة عليهــا‬
‫بغــض النظــر عــن الطوائــف أو العقائــد الدينيــة الموجــودة هبــا آنــذاك‪ .‬وتــم تأكيــد‬
‫هــذه األهــداف يف نــص الرســالة التــي أرســلها إمرباطــور المغــول إلــى أخيــه هوالكــو‬
‫(فلتقــم بمــا لجنكيــز خــان مــن تقاليــد وعــادات وقوانيــن يف كل الجهــات الممتــدة مــن‬
‫هنــر جيحــون ‪ -‬أموداريــا‪ -‬حتــى أطــراف مصــر وكل مــن يعصــي أوامــرك فلتشــتد يف‬
‫إذاللــه)‪.‬‬
‫ولقــد حــرص إمرباطــور المغــول علــى إعــداد كل مــا يكفــل لحملتــه النصــر ســواء يف‬
‫إطــار حشــد الجيــوش أو توفيــر العربــات لنقــل أدوات الحصــار مــن الصيــن‪ ،‬إلــى االهتمــام‬
‫بالطــرق وإقامــة الجســور وتوفيــر العلــف الخيــول العســاكر‪.‬‬
‫والامسعيلية ببالد فارس‪:‬‬
‫هوالكو إ‬
‫اإلســماعيلية إحــدى فــرق الشــيعة التــي كانــت ســائدة يف ذلــك العصــر‪ ،‬وتنســب إلــى‬
‫إســماعيل بــن جعفــر الصــادق مــن ســالة الحســين بــن علــي بــن أبــي طالــب‪ ،‬وقــد كانــت لهــم‬
‫عقائــد مشــبوهة‪ ،‬وقــد أدخلــوا يف اإلســام أفــكار ًا غريبــة أدت بالتالــي إلــى انقســام المســلمين‬
‫علــى أنفســهم‪ .‬مــارس أتبــاع هــذه الطائفــة سياســة العنــف والتخلــص مــن الخصــوم باالغتيــال‬
‫وإرغــام أمــراء األقاليــم ورجــال السياســة والحكــم علــى أن يرفعــوا لهــم لــواء الطاعــة ويدفعــوا‬
‫لهــم الجزيــة وهــم صاغــرون‪ .‬وقــد فشــلت اإلســماعيلية يف جمــع المســلمين لمقاتلــة المغــول‬
‫بســبب فقــدان الثقــة بينهــا وبيــن الرعيــة الذيــن أدركــوا أن دعــوة اإلســماعيلية إنمــا هــي مــن أجــل‬
‫البقــاء وليــس دفاعــا عــن الديــن‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫اتصال إالامسعلية ب�لكنيسة املسيحية‪:‬‬


‫ولــم ينتــه األمــر عنــد هــذا الحــد بــل حاولــت طائفــة اإلســماعيلية االتصــال بأوروبــا‬
‫والحصــول منهــا علــى المســاعدة ولكــن تعليمــات الكنيســة المســيحية أوعــزت إلــى ملــوك‬
‫أوروبــا بضــرورة تــرك المســلمين والمغــول يتقاتلــون وهــذا نصــر للمســيحية‪.‬‬
‫وعندمــا شــعرت طائفــة اإلســماعيلية بعــدم حصولهــا علــى أي مســاعدة لجــأت إلــى‬
‫االستســام الكامــل للمغــول وتعاونــت معهــم يف إخضــاع كافــة القــاع الحصينــة ببــاد فــارس‬
‫خــال عــام ( ‪ 654‬هـــ‪ 1256 /‬م)‪ ،‬ورغــم هــذا التخــاذل مــن جانــب اإلســماعيلية لــم يــرض عنهــم‬
‫خــان المغــول وعاملهــم معاملــة قاســية‪ ،‬وأصــدر تعليماتــه إلــى هوالكــو بوجــوب التخلــص‬
‫هنائيــا مــن أنصــار اإلســماعيلية فتعــرض بموجــب ذلــك اآلالف منهــم للقتــل ولــم ينــج منهــم إال‬
‫مــن اعتصــم بجبــال بــاد فــارس‪.‬‬

‫ف‬
‫وأورو�‪.‬‬
‫ب‬ ‫آسيا‬ ‫�‬
‫خريطة دول املغول ي‬

‫‪138‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫ة‬
‫الدول إالسالمية‪:‬‬ ‫الصلي� ضد‬ ‫املغول‪/‬‬ ‫‪2.2‬حماوالت التحالف‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫كان لوجــود جمــوع الصليبييــن يف بــاد الشــام أثــر كبيــر علــى الوضــع السياســي‬
‫للمســلمين الذيــن أصبحــوا أمــام خطريــن داهميــن يف آن واحــد‪ .‬فالخطــر الصليبــي يســيطر‬
‫علــى اإلمــارات الصليبيــة المعروفــة ببــاد الشــام وشــمال العــراق وبعــض مناطــق جنــوب آســيا‬
‫الصغــرى‪ ،‬والخطــر المغولــي علــى أبــواب العاصمــة اإلســامية بغــداد يف الوقــت الــذي كانــت‬
‫دول المنطقــة متفرقــة مشــتتة السياســة واالتجاهــات‪.‬‬
‫إذ آلــت جميــع الجهــود التــي بذلــت يف هــذا الصــدد إلــى الفشــل‪ ،‬ألن الجانــب الصليبــي‬
‫كان يســعى وبــكل ثقــل إلــى نشــر المســيحية يف جمــوع المغــول أصحــاب القــوة الجبــارة بغــرض‬
‫تحقيــق األهــداف التاليــة ‪:‬‬
‫ ) أإبعاد الخطر المغولي عن القارة األوروبية‪.‬‬
‫ ) باإلفادة من المغول يف قتال المسلمين‪.‬‬
‫ ) جبسط السيطرة المسيحية على الشرق عامة وامتالك خيراته‪.‬‬
‫بينمــا كان الجانــب المغولــي يســعى مــن خــال نجــاح التحالــف إلــى بســط نفــوذه‬
‫علــى مســيحي أوروبــا والتســليم بتبعيتهــم لإلمرباطوريــة المغوليــة‪ .‬وقــد بــدأت االتصــاالت‬
‫والمراســات والســفارات بيــن الجانبييــن‪.‬‬
‫ومن أمه هذه احملاوالت‪:‬‬
‫ ) أأرســل البابــا (أنوســنت الرابــع) ســفارة إلــى خــان المغــول وصلــت إليــه عــام ( ‪644‬‬
‫هـــ‪ 1246 /‬م)‪ .‬ورغــم المجاملــة يف حســن االســتقبال‪ ،‬إال أهنــا كانــت ســفارة فاشــلة إذ‬
‫أصــر خــان المغــول علــى أن تعــرف الكنيســة وأوروبــا عامــة بســيادة المغــول‪.‬‬
‫ ) بيف عــام ( ‪ 646‬هـــ‪ 1247 /‬م) وجــه البــاب (أنوســنت الرابــع) ســفارة ثانيــة فشــلت هــي‬
‫األخــرى بســبب التبايــن يف األهــداف‪ ،‬ممــا أدى إلــى تعطيــل التحالــف بيــن الطرفيــن‪.‬‬
‫ ) جحــاول ملــك فرنســا لويــس التاســع وهــو يف طريقــه بحملتــه الصليبيــة المشــهورة علــى‬
‫مصــر عــام ( ‪ 646‬هـــ‪ 1248 /‬م) أن يتحالــف مــع المغــول‪ ،‬حيــث اســتقبل مندوبــا عــن‬
‫خــان المغــول‪ ،‬ثــم أوفــد مندوبــا عنــه إلــى بــاد المغــول إال أن المغــول اعتــروا هــذا‬
‫التقــرب إنمــا هــو اعــراف مــن ملــك فرنســا بالســيادة المغوليــة‪ ،‬وأن الهدايــا المقدمــة‬
‫إليــه مــا هــي إال جزيــة يؤديهــا التابــع لتابعــه‪ ،‬وأن المغــول يشــكرون هــذا التابــع‬
‫ويطلبــون إليــه أن يواظــب علــى إرســال الهدايــا كل ســنة اعرتافــا بالســيادة المغوليــة‬

‫‪139‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫عليــه‪.‬‬
‫ ) دحــاول هیثــوم األول ملــك أرمينيــا الصغــرى مــا بيــن عامــي ( ‪ 648 - 645‬هـــ‪1247 /‬‬
‫‪ 1250 -‬م) أن يتحالــف مــع المغــول‪ ،‬وقــد نجــح إلــى حــد مــا بســبب اعرتافــه رســميًا‬
‫بالســيادة المغوليــة عليــه وعلــى المنطقــة عامــة‪.‬‬
‫‪3.3‬عوامل سقوط بغداد‪:‬‬
‫كانــت الخالفــة العباســية يف بغــداد تعــاين مــن الضعــف والتفــكك بحيــث لــم تعــد قــادرة‬
‫علــى حمايــة المدينــة وأهلهــا وذلــك نتيجــة‪:‬‬
‫ ) أضعــف ســلطة الخليفــة العباســي المســتعصم ( ‪ 656 - 640‬هـــ‪ 1258 - 1242 /‬م)‬
‫وانصرافــه وأتباعــه إلــى حيــاة واللهــو‪ .‬حيث أحاط نفســه بــكل مظاهر األهبــة والعظمة‬
‫وحــرص علــى أن يقضــي أكثــر الوقــت يف ســماع األغــاين ومشــاهدة المالهــي‪.‬‬
‫ ) بســوء حالــة الجيــش ســواء مــن حيــث التدريــب والتجهيــز أو من حيــث طريقــة تكوينه‪،‬‬
‫فقــد كان مرتزقــة هتمهــم مصالحهم الشــخصية فقط‪.‬‬
‫ ) جسوء األحوال االقتصادية وكساد الحياة الزراعية بسبب الخراج المرهق‪.‬‬
‫ ) داندالع الفتنـــة الطائفية بين الشيعــة والسنة كالتي وقعــت عام ( ‪ 655‬هـ‪ 1257 /‬م)‬

‫‪140‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫زحف املغول على بغداد‬


‫زحــف المغــول علــى بغــداد عاصمــة العباســيين يف عهــد الخليفــة العباســي المســتعصم‬
‫ســنة ( ‪ 656 - 640‬هـــ‪ 1258 - 1242 /‬م) آخــر الخلفــاء العباســيين‪:‬‬
‫كان هوالكــو يســتعد للهجــوم علــى بغــداد بعــد أن انتهــى مــن محاربــة اإلســماعيلية‬
‫يف معاقلهــم‪ ،‬اتبــع يف بــادي األمــر سياســة التهديــد‪ .‬وبعــث برســالة مــن همــذان وعيــد للخليفــة‬
‫العباســي المســتعصم يف بغــداد ســنة ( ‪ 655‬هـــ‪ 1257 /‬م)‪ .‬جــاء فيهــا‪:‬‬
‫«البــد أنــه قــد وصــل إلــى ســمعك علــى لســان الخــاص والعــام‪ ،‬ماحــدث للعالــم علــى‬
‫أيــدي الجيــوش المغولية‪..‬فعليــك أن هتــدم الحصــون وتطــم الخنــادق‪ ،‬وتســلم ابنــك المملكــة‪،‬‬
‫ثــم تتوجــه لمقابلتنــا‪ ..‬فــإذا أطعــت أمرنــا فــا حقــد والضغينــة‪ ...‬وأمــا إذا لــم تنتصــح‪ ..‬فأعــد‬
‫جيشــك وعيــن جبهــة للقتال‪..‬فســوف التنجــو منــي‪ ،‬ولــو صعــدت إلــى الســماء أو اختفيــت يف‬
‫باطــن األرض»‪.‬‬
‫رفــض الخليفــة العباســي ماجــاء يف الرســالة ممــا أغضــب هوالكــو‪ ،‬ووجــه للخليفــة‬
‫رســالة انــذار هنائــي «‪ ...‬إين متوجــه إلــى بغــداد بجيــش كالنمــل والجــراد لحصــار بغــداد»‪.‬‬
‫وعلــى الفــور أصــدر هوالكــو أمــره بتحــرك الجيــوش المغوليــة من عــدة أقاليــم والتوجه‬
‫صــوب بغــداد‪ ،‬ضــرب هوالكــو حصــار حــول المدينــة مــن الجهتيــن الشــرقية والغربيــة‪ ،‬فيمــا‬
‫تولــى كيتوبوغــا محاصــرة الجنــاح األيســر مــن بغــداد‪.‬‬
‫أقــام هوالكــو علــى مجــرى هنــر دجلــة بأعلــى المدينــة وبأســفلها جســرين قائميــن علــى‬
‫الســفن لتضييــق الحصــار علــى المدينــة منعــا للفــرار المحاصريــن عــن طريــق النهــر‪.‬‬
‫عسكر هوالكو بقواته يف الجبهة الشرقية‪ ،‬وذلك بعد أن استلمت الكاظمية والكرخ‪.‬‬
‫شــدد المغــول يف حصــار بغــداد منــذ ينايــر ( ‪ 656‬هـــ‪ 1258 /‬م) واســتخدموا المنجنيــق‬
‫يف قصفهــا وتمكنــوا مــن اقتحــام أحــد األســوار مــن جهــة بــرج الفــرس يف( ‪ /5‬فربايــر ‪1258 /‬‬

‫م)‪ ،‬ويف صبيحــة اليــوم التالــي الموافــق ( ‪ /6‬فربايــر ‪ 1258 /‬م) ســيطرت القــوات المغوليــة‬
‫علــى الســور الممتــد مــن بــاب الحلبــة إلــى مــا ورا ء الــرج الفارســي‪ ،‬فأصبحــت المدينــة تحــت‬
‫أيديهــم‪.‬‬
‫وبعــد أربعــة أيــام مــن دخــول هوالكــو وجيشــه‪.‬قدم المســتعصم إلــى معســكر هوالكــو‪،‬‬
‫وطلــب منــه أن يصــدر أمــر للســكان بالخــروج مــن المدينــة‪ ،‬ومــا إن خرجــوا حتى قامــت القوات‬
‫المغوليــة بقتلهــم وإبــادة كل مــن كان يف بغــداد مــن غيــر المغــول‪ ،‬فكانــت مذبحــة جماعيــة‬

‫‪141‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫لــم يســلم منهــا ســوى المســيحيين إذ احتمــوا بكنائســهم بنــا علــى تأثيــر مــن زوجــة هوالكــو‬
‫المســيحية (قــوز خــان) بحســب االتفــاق المــرم مــع مانكــو وهوالكــو‪.‬‬
‫هوالكو واملستعمص ب�هلل‪:‬‬
‫دخــل هوالكــو بغــداد حاضــرة الخالفــة العباســية يف يــوم ‪/15‬فربايــر‪ 1258 /‬م‪ ،‬أمــر‬
‫بإحضــار الخليفــة يف دار الخالفــة وقــال لــه‪:‬‬
‫«نحــن الضيــوف وأنــت المضيــف‪ ،‬فمــاذا يليــق بنــا مــن ضيافتــك‪ .‬وإذ صــدق الخليفــة‬
‫هــذا القــول‪ ،‬وبلــغ بــه االضطــراب والخــوف‪ ،‬إنــه لــم يســتطع أن يتعــرف علــى مفاتيــح خزائنــه‪،‬‬
‫أمــر بكســر األقفــال وقــدم مــن الهدايــا مــا مقــداره ألفــان مــن الثيــاب‪ ،‬وعشــرة آالف دينــار‪،‬‬
‫ومقاديــر كبيــرة مــن األحجــار الكريمــة والحلــي مختلفــة األنــواع‪ ،‬علــى أن هوالكــو تلقــى هــذه‬
‫الهدايــا باالمتعــاض واالزدراء‪ ،‬وأمــر بتوزيعهــا علــى أتباعــه‪ ،‬ثــم طلــب إلــى الخليفــة أن يدلــه‬
‫علــى ماخفــي مــن الثــروة‪ ،‬فاشــأر الخليفــة إلــى نافــورة بداخــل القصــر‪ ،‬وقــد امتــأت بســبائك‬
‫الذهــب‪ ،‬كل منهــا تــزن مائــة مثقــال‪.»...‬‬
‫لقــي الخليفــة المســتعصم بــاهلل حتفــه مــع بقيــة آل بيتــه يف ( ‪ /20‬فربايــر‪ 1258 /‬م)‬
‫وقــام هوالكــو وجيشــه بقتــل ســكان بغــداد والتنكيــل هبــم‪ ،‬فقــدرت بمــا يزيــد عــن المائــة ألفــا‬
‫واســتمرت عمليــات النهــب والقتــل والتدميــر مــدة أربعيــن يومــا‪.‬‬
‫اضطــر هوالكــو إلــى تــرك المدينــة بســبب روائــح جثــث القتلــى‪ ،‬وخوفــه مــن انتشــار‬
‫األمــراض بيــن جنــده‪ ،‬وتــرك نائبــا عنــه يف بغــداد مؤيــد الدين بــن العلقمي وزيــر الخليفة العباســي‬
‫المســتعصم بــاهلل وكان مــن غــاة الشــيعة ممــن مكنــوا هوالكــو مــن دخــول بغــداد واســتباحتها‪.‬‬
‫نتائج سقوط بغداد يف أيدي المغول‪:‬‬
‫‪1.1‬زوال الدولة العباسية التي حكمت العالم اإلسالمي ألكثر من خمسة قرون‪.‬‬
‫‪2.2‬فقــدت بغــداد مكانتهــا الحضاريــة وقــد قتل فيهــا آالف العلمــاء والشــعراء‪ ،‬وأحرقت‬
‫المكتبــات‪ ،‬وأغرقــت الكتب هنــر دجلة‪.‬‬
‫‪3.3‬خربت المساجد والمعاهد‪ ،‬وقضي على اآلثار العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪4.4‬ساعدت سقوط بغداد على توجه المغول الحتالل الشام وهتديد وادي النيل‪.‬‬
‫‪5.5‬قيام تحالف صليبي مغولي ضد المسلمين‪.‬‬
‫‪6.6‬أثار سقوط بغداد الحزن العميق يف عموم الديار اإلسالمية‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫‪7.7‬ســقوط اإلمــارات اإلســامية تباعــا كإمــارة الموصــل وميافارقيــن بعــد ســقوط‬


‫بغــداد‪.‬‬
‫التصدي العريب اإلسالمي للعدوان املغويل‪:‬‬
‫بعــد اقتحــام بغــداد واالســتيالء عليهــا توجــه الجيــش المغولــي نحــو الشــمال إلــى‬
‫مدينــة الموصــل فدخلهــا وعامــل أهلهــا بقــوة مفرطــة‪ ،‬ثــم زحــف المغــول غربــا فاســتولوا علــى‬
‫نصيبيــن وخضعــت لهــم حــران والرهــا ثــم اجتاحــت القــوات المغوليــة منبــج ووصلــت إلــى‬
‫حلــب تســاعدهم قــوات أرمينيــة وقــوات صليبيــة قدمــت مــن إمــارة أنطاكيــا الصليبيــة‪.‬‬
‫أثــار ســقوط حلــب‪ ،‬الفــزع يف نفــوس المســلمين ببــاد الشــام‪ ،‬فعمــل بعــض األمــراء‬
‫علــى االتصــال هبوالكــو تفاديــة لغضبــه وبطشــه‪ ،‬وليعلنــوا الــوالء والدخــول يف طاعتــه ومنهــم‬
‫األشــرف موســی صاحــب حمــص‪ .‬أمــا دمشــق فقــد غادرهــا أميرهــا بمــن معــه إلــى مصــر‪،‬‬
‫وســلمها أهلهــا إلــى المغــول‪ ،‬صمــدت قلعــة دمشــق فقــد أعلنــت المقاومــة والعصيــان ممــا أدى‬
‫إلــى تدميرهــا‪.‬‬
‫واصــل المغــول الزحــف نحــو باقــي مــدن الشــام‪ ،‬فوصلــوا نابلــس ومنهــا بــدأت‬
‫طالئعهــم اإلغــارة علــى أطــراف غــزة‪.‬‬
‫ويف أوائــل شــهر (ينايــر) ( ‪ 667‬هـــ‪ 1259 /‬م) وجــه هوالكــو ســفارة إلــى مصــر يطلــب‬
‫إلــى الســلطان قطــز التســليم‪ .‬وجــاء يف الكتــاب (فلكــم بجميــع البــاد معتــر وعن عزمنــا مزدجر‪،‬‬
‫فاتعظــوا بغيركــم وأســلموا إلينــا أمركــم قبــل أن يكشــف الغطــاء فتندمــوا‪ ،‬ويعــود عليكــم الخطــأ‬
‫فنحــن ال ترحــم مــن بكــى وال نــرق لمــن شــكى‪ ،‬وقــد ســمعتم أننــا قــد فتحنــا البــاد وطهرنــا‬
‫األرض مــن الفســاد قتلنــا معظــم العبــاد فعليكــم بالهــرب وعلينــا الطلــب)‪.‬‬
‫اجتمــع الســلطان قطــز مــع األمــراء للنظــر يف هــذا التهديــد والوعيــد حيــث أظهــر قطــز‬
‫إيمانــا وعزمــا علــى المقاومــة والجهــاد‪ ،‬وقــرر قتــل الرســل الموفديــن مــن القائــد المغولــي‬
‫(كتبغــا) معلنــة الحــرب‪.‬‬
‫طلــب قطــز مــن الظاهــر بيــرس أحــد قــواده أن يتقــدم إلــى الشــمال مــع جنــده للوقــوف‬
‫علــى األخبــار واســتطالع الطريــق‪ ،‬فســار إلــى غــزة ودخلهــا بعــد انســحاب طالئــع المغــول منهــا‬
‫منهزمــة‪ .‬وكان لهــذا الحــدث أثــر كبيــر يف نفــوس المســلمين بالشــام عامــة حيــث أعلنــت الثــورة‬
‫يف العديــد مــن المناطــق ضــد المغــول والصليبيــن تأييــدا لهــذه الحملــة‪.‬‬
‫أمــا قطــز فقــد ســار بالجيــش يف شــهر أغســطس ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) متخــذ ًا من الســاحل‬

‫‪143‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫الفلســطيني طريقــا لــه‪ ،‬وبعــد أن أخــذ قســطًا مــن الراحــة وصــل يف ‪ 2‬مــن شــهر (ســبتمرب) ( ‪658‬‬

‫هـــ‪ 1260 /‬م) إلــى عيــن جالــوت‪ ،‬والتقــى مــع بيــرس وجنــده‪ .‬ورأى أن يســتعمل الخدعــة يف‬
‫لقائــه مــع المغــول فأخفــى الجانــب األكــر مــن جيشــه بالتــال المحيطــة‪ ،‬ولــم ُيظهــر إال مقدمــة‬
‫الجيــش بقيــادة بيــرس‪ ،‬وعندمــا رأى المغــول قلــة مــن مــع بيــرس قامــوا بالهجــوم عليــه‪ ،‬فأخــذ‬
‫قائــده يف مناوشــة المغــول فتــارة يتقــدم وتــارة يلتــف حولهــم إلــى أن تمكــن مــن تطويــق الجيــش‬
‫المغولــي‪ ،‬وعندهــا ظهــر عليهــم الجيــش اإلســامي بقيــادة الســلطان قطــز‪ ،‬وســرعان مــا أوقــع‬
‫هبــم هزيمــة لــم يعــرف التاريــخ لهــا مثيــا‪ .‬وقــد ســميت هــذه الموقعــة بموقعــة عيــن جالــوت‬
‫عــام ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) وهــي موقعــة ذاق فيهــا الجيــش المغولــي مــرارة الهزيمــة‪.‬‬

‫خريطة موقعة ي ن‬
‫ع� جالوت‬

‫‪144‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫أمهية معركة ي ن‬
‫ع� جالوت‪:‬‬
‫كانــت هــذه المعركــة عامــا مهمــا يف تشــجيع المماليــك علــى طــرد المغــول مــن الشــام‬
‫وإخراجهــم مــن بــاد الرافديــن‪.‬‬
‫أيضــا احتفظــت مصــر بالحضــارة والمدن ّيــة فلــم تتعــرض لمثــل مــا تعرضــت لــه بغــداد‬
‫مــن خــراب ودمــار فأصبحــت القاهــرة المركــز الجديــد لإلســام وملجــأ العلمــاء واألدبــاء مــن‬
‫كل مــكان‪.‬‬
‫أصبحــت الدولــة المملوكيــة أقــوى دولــة يف المشــرق اإلســامي‪ ،‬ولمــدة تزيــد علــى‬
‫القرنيــن مــن الزمــان وذلــك إلــى أن ظهــرت الدولــة العثمانيــة مــع مطلع القــرن العاشــر الهجري‪/‬‬
‫الســادس عشــر الميــادي‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫ةيسابعلا ةلودلا مايق ‪:‬عبارلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬ساكتب مذكرات تاريخية وافية عن‪:‬‬
‫أبناء مدينة بغداد‪.‬‬ ‫ )‬
‫ ) بالخليفة المهدي وأعماله‪.‬‬
‫ ) جالسياسة العباسية نحو شمال أفريقيا واألندلس‪.‬‬
‫ ) دالسمات المميزة للدولة العباسية‪.‬‬

‫سس‪2‬ستحدث عن دور الدولة العباسية يف عصرها األول يف رعاية الحضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫سس‪3‬ستتبع العالقة بين العباسيين والبيزنطيين خالل العصر العباسي األول‪..‬‬

‫سس‪4‬سعــدد عوامــل ضعــف الدولــة العباســية يف عصرهــا الثــاين‪ .‬ثــم تحــدث عــن إحداهــا‬
‫بالتفصيــل‪.‬‬

‫سس‪5‬ستحــدث عــن دور الســلطان ألــب أرســان يف هزيمــة البيزنطييــن يف معركــة مانزكــرت‬
‫ســنة ( ‪ 464‬هـــ‪ 1071 /‬م)‪.‬‬

‫سس‪6‬سعرف الحروب الصليبية ثم اذكر أسباهبا باختصار‪.‬‬

‫سس‪7‬ساذكر نتائج سقوط بغداد‪.‬‬

‫سس‪8‬سوضح الدور الذي قام به األيوبيون يف جهادهم ضد الصليبين‪.‬‬

‫سس‪9‬سقامــت دولــة المماليــك بــدور مشــرف يف جهــاد كل مــن الصليبييــن والمغــول‪ .‬وضــح‬
‫ذلــك باختصــار‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫املغرب واألندلس خالل‬
‫العهد العباسي‬

‫‪147‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬املغرب واألندلس خالل‬


‫العهد العباسي‬
‫بالد املغرب‪:‬‬ ‫أ) ‬
‫‪1.1‬التطورات السياسية العامة‪:‬‬
‫يقصــد ببــاد المغــرب المنطقــة الجغرافيــة الواقعــة بيــن طرابلــس الغــرب شــرقًا‬
‫والمحيــط األطلســي غربــا‪.‬‬
‫َومــن المعــروف أن هــذه المنطقــة قــد تــم فتحهــا أيــام الدولــة األمويــة بعــد فــرة مــن‬
‫توقــف تلــك الفتوحــات بســبب أحــداث الفتنــة الكــرى التــي عصفــت بمنطقــة المشــرق العربــي‬
‫وشــبه الجزيــرة العربيــة منــذ آواخــر عهــد الخليفــة عثمــان بــن عفــان وحتــى بدايــة عهــد معاوية بن‬
‫أبــي ســفيان والتــي اســتؤنفت الفتوحــات يف عهــد هــذا األخيــر‪ ،‬ودخــل المســلمون إلــى إفريقيــة‬
‫حيــث أســس عقبــة بــن نافــع مدينــة القيــروان عــام ( ‪ 55‬هـــ‪ 674 /‬م) التــي أعطــت المســلمين‬
‫مركــز ًا حصينــا اتخــذوه قاعــدة ألعمالهــم الحربيــة‪.‬‬
‫ولقــد حــرص عقبــة بــن نافــع علــى ضــم أهــل تلــك البــاد المفتوحــة إلــى اإلســام‬
‫وإدماجهــم يف المجتمــع الجديــد‪ .‬وإن ســار األمــر ببــطء شــديد‪ .‬وواصــل الــوالة الذيــن جــاءوا‬
‫بعــد عقبــة مــا بــدأه مــن جهــد يف ســبيل تحويــل ســكان البــاد المفتوحــة إلــى اإلســام كمــا عملوا‬
‫علــى تجنيدهــم يف الجيــش اإلســامي بحيــث أصبحــوا نــواة القــوات التــي أتمــت فتــح بقيــة بــاد‬
‫المغــرب واألندلــس بعــد ذلــك وظهــر منهــم القــادة الذيــن أبلــوا بــاء حســنا يف عمليــة الفتــح‬
‫مثــل طــارق بــن زيــاد وغيــره‪.‬‬
‫ولقــد ارتبــط قيــام الدولــة العباســية يف المشــرق اإلســامي بوجــود حالــة عدم االســتقرار‬
‫السياســي بمنطقــة المغــرب أدت إلــى ظهــور حــركات االســتقالل واالنفصــال عنهــا تمثلــت يف‬
‫إمــارات صغيــرة كل منهــا تحكــم يف منطقــة جغرافيــة محــدودة مــع اســتمرار الصــراع بينهــا مــن‬
‫أجــل الســيادة والتوســع‪ .‬ولقــد اســتمرت حالــة عــدم االســتقرار هــذه طيلــة أيــام الدولــة العباســية‬
‫ولــم تعــد بــاد المغــرب خاضعــة لهــا إال اســميًا يف بعــض األوقــات ومنفصلــة عتهــا كامــا يف‬
‫أوقــات أخــرى‪.‬‬
‫حــاول الخليفــة أبــو جعفــر المنصــور وضــع حــد لالضطرابــات يف بــاد المغــرب لكــن‬

‫‪149‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫قواتــه لــم تتمكــن مــن إخمــاد تلــك‪ .‬وقــد اســتمرت هــذه الحالــة حتــى عهــد الخليفــة هــارون‬
‫الرشــيد الــذي عمــل علــى إقــرار بعــض الشــخصيات المحليــة أحيانــا‪ ،‬والرضــا بسياســة األمــر‬
‫الواقــع أحيانــا أخــرى لتكــون علــى رأس الواليــات مــع التبعيــة اإلســمية للدولــة العباســية‬
‫وإرســال الضرائــب إلــى بغــداد‪ ،‬والدعــوة علــى منابــر المســاجد للخليفــة العباســي وهــذه كلهــا‬
‫إشــارات تــدل علــى الــوالء للعباســيين‪.‬‬
‫‪2.2‬قيام اإلمارات املستقلة باملغرب‪:‬‬
‫شــهدت منطقــة المغــرب قيــام إمــارات سياســية مســتقلة مختلفــة االتجاهــات‬
‫والمذاهــب طيلــة الفــرة الممتــدة بيــن قيــام الدولــة العباســية يف المشــرق العربــي عــام ( ‪132‬‬

‫هـــ‪ 750 /‬م) وحتــى مطلــع العصــور الحديثــة مــع بدايــة القــرن الســادس عشــر الميــادي ( ‪882‬‬

‫هـــ‪ 1501 /‬م) حيــث اصطدمــت هــذه المنطقــة باالســتعمار األوروبــي اإلســباين والربتغالــي أوال‬
‫ثــم دخــول العثمانييــن المســلمين يف هــذا الصــراع الــذي علــى أثــره تشــكلت الخريطــة السياســية‬
‫التاريــخ هــذه المنطقــة يف العصــور الحديثــة‪.‬‬
‫أهم الكيانات السياسية اليت قامت يف بالد املغرب‬
‫وشغلت السيطرة على مناطق محددة هبا‪:‬‬
‫أ) إالمارة الرستمية (‪ 296 - 160‬هـ‪ 909 - 777/‬م)‬
‫قامــت إمــارة بنــي رســتم أو الرســتمية يف بــاد المغــرب األوســط (الجزائــر حاليــا) يف‬
‫إطــار قيــام الكيانــات القزميــة المســتقلة عــن الخالفــة العباســية يف بغــداد‪ .‬وقــد أقيمــت علــى‬
‫مبــادئ المذهــب اإلباضــي وهــم فئــة انتشــرت أفكارهــا ببــاد المغــرب كوســيلة للتحــرر مــن‬
‫النفــوذ العباســي‪.‬‬
‫ومؤســس هــذه اإلمــارة هــو عبــد الرحمــن بــن رســتم بــن هبــرام الفارســي كان جــده‬
‫هبــرام مولــى لعثمــان بــن عفــان‪ .‬وإن كانــت بعــض المصــادر تحــاول إرجــاع نســبه إلــى ملــوك‬
‫الفــرس زيــادة يف تعظيمــه‪.‬‬
‫ويقــال‪ :‬إن ســبب قدومــه إلــى بــاد المغــرب أصــا إنمــا يرجــع إلــى الصدفــة حيــث أن‬
‫أبــاه رســتم قــد قــدم مــن العــراق إلــى مكــة ألداء فريضــة الحــج لكنــه مــرض هبــا ومــات و ُدفِ ـ َن‬
‫هنــاك‪ .‬وبقيــت زوجتــه وابنــه عبــد الرحمــن بمكــة إلــى أن تزوجــت مــن رجــل مغربــي مــن أهــل‬
‫القيــروان فحملهــا وابنهــا عبــد الرحمــن إلــى بــاده حيــث عــاش بالقيــروان يف كنــف زوج أمــه‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وتلقــي العلــم والفقــه علــى يــد علمائهــا وفقهائهــا‪ ،‬وقــد مــال أثنــاء ذلــك نحــو الفقــه اإلباضــي‬
‫تحــت تأثيــر شــيخه ســلمة ابــن ســعيد‪.‬‬
‫وقــد رحــل يف مطلــع شــبابه إلــى البصــرة بالعــراق لتلقــي المزيــد مــن العلــوم واإلطــاع‬
‫علــى تفاصيــل المذهــب اإلباضــي‪َ ،‬فــدرس علــى يــد الفقيــه أبــي عبيــده مســلم التميمــي إلــى أن‬
‫أصبــح أحــد فقهــاء هــذا المذهــب ثــم عــاد مــرة أخــرى إلــى بــاد المغــرب حيــث إقامتــه وأمــه‪.‬‬
‫ونتيجــة لحــدوث االضطرابــات والفتــن بطرابلــس والقيــروان واشــراك عبــد الرحمــن‬
‫بــن رســتم فيهــا وتعــرض المشــركين إلــى المالحقــة والبطــش مــن جانــب القــوات العباســية‬
‫وحلفائهــا بالمنطقــة‪ .‬وقــد تــويف أبــو الخطــاب المعافــري وبويــع لعبــد الرحمــن ابــن رســتم‬
‫ليســتوي أمــر الجماعــة اإلباضيــة ( ‪ 144‬هـــ‪ 777 /‬م)‪ .‬ورحــل عبــد الرحمــن بــن رســتم نحــو‬
‫المغــرب األوســط (الجزائــر) ولجــأ إلــى منطقــة تاهــرت‪ .‬وأثنــاء‪ ،‬وجــوده بتاهــرت بــدأ نشــر‬
‫أفــكاره بيــن القبائــل عــن طريــق دعايــة منظمــة أدت إلــى اســتجابة العديــد مــن القبائــل لهــا‪.‬‬
‫وقــد تمــت مبايعــة عبــد الرحمــن بــن رســتم للمــرة الثانيــة أميـ ًـرا علــى الرســتميين عــام‬
‫( ‪ 162 - 160‬هـــ‪ 777 - 776 /‬م) و ُل ِّقــب باإلمــام‪.‬‬
‫ولعــل أهــم األســباب التــي دفعــت ابــن رســتم إلــى اتخــاذ ذلــك المــكان مركـ ًـزا لــه وبنــاء‬
‫مدينــة تاهــرت بــه هــي‪:‬‬
‫‪1.1‬الموقــع االســراتيجي لمدينــة تاهــرت تقــع يف منطقــة جبليــة كانــت تشــكل حاجــز‬
‫لحمايتهــا مــن األخطــار الخارجيــة‪.‬‬
‫‪2.2‬وجود العصبية القبلية هبا والمؤيدة لعبد الرحمن بن رستم‪.‬‬
‫‪3.3‬تتميــز بوفــرة الميــاه هبــا ووجــود مناطــق زراعيــة ورعويــة ســاهمت يف اســتقرار‬
‫النــاس حولهــا‪.‬‬
‫بناء مدينة ت�هرت‬
‫لــكل األســباب الســالفة تــم بنــاء مدينــة تاهــرت‪ .‬وقــد حــرص ابــن رســتم علــى إقامــة‬
‫ورا‬
‫المســجد الجامــع بعــد أن وفــر لــه مســتلزمات البنــاء مــن األخشــاب والحجــارة ثــم اختــط ُد ً‬
‫ـكرا لجنــده حتــى ازدهــرت تاهــرت وصــارت لهــا مكانتهــا السياســية واالقتصاديــة‪.‬‬ ‫وبيو ًتــا ومعسـ ً‬
‫وازدادت شــهرهتا عمــا كانــت عليــه أيــام الرومــان والبيزنطييــن‪.‬‬
‫عــدل وإنصا ًفــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتذكــر كتــب التاريــخ أن عهــد عبــد الرحمــن بــن رســتم كان كلــه‬

‫‪151‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫حاكمــا متقش ـ ًفا يعمــل بيــده ويكتفــي بالقليــل‪ ،‬ولقــد ذاع صيتــه وعدلــه ببــاد‬
‫ً‬ ‫فابــن نرســتم كان‬
‫المشــرق‪.‬‬
‫اســتطاع ابــن رســتم أن يبنــي إمــارة قويــة لهــا كياهنــا االقتصــادي والسياســي وقــوة‬
‫لحمايتهــا مــن كافــة القــوى المعاديــة‪.‬‬
‫أرســى مبــادئ العدالــة يف توزيــع األمــوال واألرزاق وقد حققــت إمامة تاهرت الرســتمية‬
‫علــى عهــد عبــد الرحمــن مــا كان يصبــو إليــه الكثيــرون يف المغــرب األوســط مــن المســاواة يف‬
‫الحقــوق والواجبــات‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق باألمــوال‪.‬‬
‫ولقــد اشــتهرت اإلمــارة الرســتمية حوالــي مائــة وإحــدى وثالثيــن ســنة تقريبــا شــغل‬
‫خاللهــا أربعــة مــن الزعمــاء مركــز اإلمــام بنجــاح‪ ،‬وكان لهــم فضــل يف تطــور اإلمــارة ونجــاح‬
‫سياســتها االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬وهــم علــى التوالــي عبــد الرحمــن بــن رســتم مؤســس‬
‫الدولــة ( ‪ 167 - 144‬هـــ‪ 784 - 777 /‬م)‪ ،‬عبــد الوهــاب ابــن عبــد الرحمــن بــن رســتم ( ‪198 - 167‬‬

‫هـــ‪ 814 - 784 /‬م)‪ ،‬وأفلــح بــن عبــد الوهــاب ( ‪ 235 - 198‬هـــ‪ 861 - 814 /‬م)‪ ،‬أبــو بكــر بــن‬
‫أفلــح ( ‪ 247 - 235‬هـــ‪ 873 - 861 /‬م) بعدهــا انقســمت اإلمــارة علــى نفســها األمــر الــذي أضــاع‬
‫اســتقاللها فســقطت عــام ( ‪ 296‬هـــ‪ 908 /‬م) علــى يد العبيدين الشــيعة تارك ًة ً‬
‫أثرا مشــهو ًدا يف نشــر‬
‫اإلســام وإقامــة العــدل والمســاواة يف مدينتــه تاهــرت وعمــل َعلــى تنشــيط الحركــة التجاريــة‪.‬‬
‫أ‬
‫ب) إمارة الدارسة (‪ 307 - 172‬ه ‪ 920 - 788‬م)‬
‫وهــي إمــارة عربيــة‪ ،‬أسســها إدريــس بــن عبــد اهلل ابــن الحســن بــن الحســن بــن علــي بــن‬
‫أبــي طالــب الــذي نجــح يف الفــرار مــع أخيــه يحــي أثنــاء معركــة فــخ التــي جــرت أحداثهــا زمــن‬
‫الخليفــة العباســي موســي الهــادي عــام ( ‪ 168‬هـــ‪ 785 /‬م) بالمشــرق العربــي فاتجــه يحــي بــن عبد‬
‫اهلل إلــى جبــل الديلــم وإدريــس بــن عبــد اهلل إلــى بــاد المغــرب‪.‬‬
‫وصــل إدريــس هــذا مــع مــواله راشــد إلــى بــاد المغــرب األقصــى ودخــل منطقــة وليلي‬
‫التــي تســكنها قبيلــة أوربــة واســتجار هبــا‪ ،‬فأجارتــه وقدمــت لــه العــون والمســاعدة والتأييــد يف‬
‫االنتصــار لنفســه وآل بيتــه العلوييــن وأعلــن عــن قيــام إمــارة مســتقلة عــن الحكــم العباســي‪.‬‬
‫زاد مــن أهميــة إمارتــه المبايعــة والتأييــد الــذي حصــل عليهمــا مــن القبائــل المجــاورة‬
‫ألوربــة مثــل قبائــل زناتــة وزواغــة ومكناســة وغيرهــا‪ ،‬وقــد كــرس إدريــس جهــده يف أول أيامــه‬
‫لنشــر اإلســام وتأكيــد اللغــة العربيــة بيــن القبائــل حتــى يجعــل منهــا قــوة مســاندة إلمارتــه‪.‬‬
‫ولقــد اســتاء الخليفــة هــارون الرشــيد كثيــرا عندمــا وصلتــه أخبــار وصــول إدريــس‬

‫‪152‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫العلــوى إلــى بــاد المغــرب األقصــى وخروجــه عــن الســلطة العباســية وهــو الــذي كان يعتقــد‬
‫أن ســيطرته المطلقــة تمتــد إلــى هــذه المنطقــة‪ ،‬فســارع بإرســال جيــش كبيــر لقمــع تلــك الحركــة‬
‫وإعــادة المنطقــة إلــى حظيــرة الدولــة العباســية‪ّ ،‬إل أن بعــد المســافة وصعوبــة الطريــق وعــدم‬
‫اســتقرار األمــور لدولــة األدارســة جعلتــه يأخــذ بــرأي وزيــره يحــي الربمكــي الــذي أشــار عليــه‬
‫بإرســال مــن يقتــل إدريــس‪.‬‬
‫أوكل الرشــيد مهمــة اغتيــال إدريــس إلــى الشــماخ التميمــي الــذي نــزل علــى إدريــس‬
‫ممــا أدى إلــى موتــه مســمومًا ســنة‬
‫مدّ عيــا ط ّيبــا وأنــه مــن شــيعته‪ .‬وتمكــن مــن دس الســم لــه‪ّ ،‬‬
‫( ‪ 176‬هـــ‪ 793 /‬م)؛ لكــن األمــور ســارت علــى عكــس مــا كان يظنــه الرشــيد إذ تكتلــت القبائــل‬
‫حــول بيــت إدريــس‪ ،‬وتولــى أمــر اإلمــارة مــواله راشــد وانتظــرت حتــى وضعــت زوجــة إدريــس‬
‫مولــودا ذكــرا ســموه إدريــس الثــاين‪.‬‬
‫وعندمــا شــب بايعتــه كل القبائــل أميــر ًا عليهــم‪ .‬ويعتــر إدريــس الثــاين المؤســس‬
‫الحقيقــي إلمــارة األدارســة نظــر ًا لإلجــراءات التــي اتخذهــا‪ ،‬ومنهــا تأســيس مدينــة فــاس‬
‫المشــهورة ســنة ( ‪ 192‬هـــ‪ 807 /‬م) وجعلهــا حاضــرة إلمارتــه‪ ،‬محاربــة اإلمــارة المدراريــة‬
‫(الصفريــة) ( ‪ 296 - 140‬هـــ‪ -908 773 /‬م) يف مدينــة سجلماســة جنــوب المغــرب وتوســع‬
‫علــى حســاهبم بعــد هزيمتهــم‪.‬‬
‫قامــت إمــارة األدارســة بــدور مهــم يف نشــر اإلســام يف ربــوع المغــرب وكان النتســاهبم‬
‫إلــى الرســول الكريــم أثــر كبيــر يف توحيــد القبائــل المتعاديــة وتأييــد الســكان المحلييــن لهــم‬
‫بعــد أن كادت فتــن الخــوارج تمــزق شــملهم‪ .‬اســتطاعت إمــارة األدارســة توحيــد كامــل‬
‫المنطقــة الممتــدة الواقعــة بيــن إقليــم الســهول الســاحلية المغربيــة وإقليــم المراعــي الداخليــة‪.‬‬
‫كمــا اســتطاع األدارســة بفضــل هــذه الوحــدة أن يوجهــوا األنظــار إلــى حركــة الجهــاد ونشــر‬
‫اإلســام يف البــاد المجــاورة ومحاربــة العقائــد الشــاذة بيــن قبائــل المغــرب‪ ،‬وتوســع حركــة‬
‫العمــران وتأســيس المــدن وقيــام حركــة علميــة نشــطة وإنشــاء جامعــة القروييــن التــي تعــد مــن‬
‫أقــدم الجامعــات يف العالــم القديــم ســنة ( ‪ 245‬هـــ‪ 859 /‬م)‪.‬‬
‫وقــد تجــاوز نفــوذ األدارســة منطقــة المغــرب األقصــى إلــى الصحــراء الكــرى التــي‬
‫تفصــل بيــن بــاد المغــرب وإقليــم الســودان‪ ،‬وقــد ســقطت هــذه الدولــة علــى أيــدي الفاطمييــن‬
‫ســنة ( ‪ 307‬هـــ‪ 902 /‬م) نتيجــة تصــدع األســرة اإلدريســية وتناحــر أفراردهــا علــى الحكــم‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أ‬
‫جـ) إمارة الغالبة (‪ 296 - 184‬هـ‪ 909 - 800 /‬م)‪:‬‬
‫قامــت يف إفريقيــة (تونــس الحاليــة) وهــي ثالــث كيــان سياســي اســتقل عــن الدولــة‬
‫العباســية بعــد اإلمــارة الرســتمية يف (المغــرب األوســط) وإمــارة األدارســة يف (المغــرب‬
‫األقصــى)‪ .‬امتــازت عليهمــا بأهنــا كانــت ممثلــة للســلطة العباســية يف بــاد المغــرب كلهــا‪ ،‬إال أن‬
‫ســيادهتا الفعليــة كانــت محكومــة بالحالــة السياســية الفعليــة يف المنطقــة‪ ،‬وخاصــة وأن اإلمارتيــن‬
‫المذكورتيــن أعــاه‪ ،‬كانتــا علــى خــاف مذهبــي وسياســي مــع الدولــة العباســية‪.‬‬
‫تأسســت هــذه اإلمــارة علــى يــد إبراهيــم بــن األغلــب ( ‪ 184‬هـــ‪ 800 /‬م) الــذي كان واليــا‬
‫علــى الــزاب مــن قبــل هــارون الرشــيد يف أيــام واليــة محمــد العكــي علــى إفريقيــة واله الرشــيد‬
‫علــى أن يقــدم بعــد ذلــك ‪ 40000‬دينــار يرســلها للخالفــة العباســية ســنو ًّيا‪ .‬وتنــازل لــه عمــا يصــل‬
‫إلفريقيــة ســنو ًّيا مــن مــال مــن الخالفــة‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن والءإبراهيــم بــن األغلــب للخالفــة العباســية والدعــاء لهــا علــى المنابــر يف‬
‫عمــوم إفريقيــة والخطبــة بإســمها‪ ،‬فــإن توقــف الخالفــة عــن ارســال الجنــد وتقليــد الــوالة علــى‬
‫إفريقيــة‪ .‬م ّكــن األغالبــة مــن تــوارث الســلطة وتكويــن إمــارة مســتقلة اســتقالال تا ًّمــا‪.‬‬
‫لقــد اســتمر حكــم إبراهيــم بــن األغلــب حوالــي اثنتــي عشــر ســنة ( ‪ 196 - 184‬هـــ‪800 /‬‬

‫‪ 812 -‬م) حــاول خاللهــا أن يثبــت أركان إمارتــه‪ ،‬لكــن بــدا األمــر مســتحيال بســبب حالــة العــداء‬
‫واالنقســام الــذي عصــف بــاد المغــرب والصراعــات السياســية بيــن كياناهتــا‪ .‬وكان إبراهيــم قــد‬
‫أســس مدينــة العباســية القريبــة مــن القيــروان واتخذهــا عاصمــة إلمارتــه ومركــز ًا للقضــاء علــى‬
‫حــركات المعارضــة لحكمــه‪.‬‬
‫وكان حكمه قد تعرض للعديد من االضطرابات أهمها‪:‬‬
‫‪1.1‬ثــورة والــي مدينــة تونــس‪ ،‬خريــش الكندي عــام ( ‪ 186‬هـــ‪ 802 /‬م) التي تــم إخمادها‬
‫علــى يــد عمــران بــن مجالــد وزيــر ابــن األغلب‪.‬‬
‫‪2.2‬ثــورة الجنــد بإقليــم طرابلــس الغــرب عــام ( ‪ 189‬هـــ‪ 805 /‬م)‪ ،‬تــم قمــع هــذه الثــورة‬
‫بطريقــة ســلمية حــاول خاللهــا ابــن األغلــب االســتجابة لمطالــب الثــوار‪.‬‬
‫‪3.3‬ثــورة الوزيــر عمــران بــن مجالــد عــام ( ‪ 194‬هـــ‪ 810 /‬م) وكانــت هــذه أخطــر الثورات‬
‫التــي تعرضــت لهــا دولــة األغالبــة يف مطلــع قيامهــا‪ ،‬وكادت أن تقضــي عليهــا ألن‬
‫الــذي قادهــا كان أحــد قــادة الدولــة ووزيرهــا ولــه مــن المؤيديــن مــا ســاعده علــى‬

‫‪154‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫النجاح‪.‬وقــد اســتمرت حركتــه حتــى بعــد وفــاة إبراهيــم بــن األغلــب‪ ،‬وعندمــا تولــى‬
‫عبــد اهلل بــن إبراهيــم بــن األغلــب أعطــى زعيــم هــذه الثــورة األمــان ثــم تخلــص منــه‬
‫عندمــا علــم بتآمــره‪.‬‬
‫‪4.4‬مجاهبة اإلمارة الرستمية يف المغرب األوسط التي تدعو للقضاء على األغالبة‪.‬‬
‫وقــد عاشــت دولــة األغالبــة حوالــي مائــة وتســع ســنوات ( ‪ 296 - 184‬هـــ‪909 - 800 /‬‬

‫م) حكــم خاللهــا أحــد عشــر أميــر ًا أولهــم إبراهيــم بــن األغلــب مؤســس اإلمــارة وآخرهــم زيــادة‬
‫اهلل الثالث‪.‬‬
‫لعل من األحداث الجديرة بالذكر يف تاريخ إمارة األغالبة‪:‬‬
‫‪ - 1‬فتــح جزيــرة صقليــة عــام ( ‪ 212‬هـــ‪ 827 /‬م) يف عهــد األميــر زيــادة اهلل األول ابــن‬
‫إبراهيــم األغلــب‪ .‬وقــد قــاد جيــش الفتــح أســد بــن الفــرات قاضــي مدينــة القيــروان يف أســطول‬
‫مؤلــف مــن مائــة مركــب‪.‬‬
‫وقــد جــاء هــذا الفتــح بعــد محــاوالت عربيــة عديــدة لفتــح هــذه الجزيــرة نظــرة لمــا‬
‫لموقعهــا مــن أهميــة يف مواجهــة شــواطئ إفريقيــة‪ .‬وقــد نجــح المســلمون يف دخولهــا واإلســتيالء‬
‫علــى مدينــة باليرمــو عاصمتهــا‪ .‬ودام حكم العــرب لهذه الجزيرة حتى بعد ســقوط دولــة األغالبة‬
‫حيــث تواجــد المســلمون هبــا إلــى عــام ( ‪ 483‬هـــ‪ 1090 /‬م) عندمــا أخرجهــم النومانديــون منهــا‪.‬‬
‫‪ - 2‬مســاهمة األغالبــة يف نشــر وتأكيــد اللغــة العربيــة يف إلفريقيــة فأصبحت لغــة الناس‬
‫والدواويــن‪ .‬وأدخلــوا إلــى إفريقيــة جميــع نظــم وفنــون الحضــارة اإلســامية التــي كانــت ســائدة‬
‫يف المشــرق العربــي‪ .‬كمــا يعــود إليهــم الفضــل يف نشــاط الحركــة العلميــة والثقافيــة بإفريقيــة‪.‬‬
‫فانتشــرت يف عهــد األغالبــة الربــط (الرباطــات) علــى ســاحل إفريقيــة وهــي مراكــز ومحــارس‪،‬‬
‫كانــت الغايــة مــن بنائهــا مراقبــة البحــر‪ ،‬وأن تكــون مراكــز دفــاع عــن إفريقيــة إن طرقهــا العــدو‬
‫بحــر ًا‪ .‬وكان قصــر المرابطيــن بسوســة والمنســتير يشــكالن قاعدتــان لحركــة الفتــح اإلســامي‬
‫يف صقليــة‪.‬‬
‫ولــم يقتصــر دور ُ‬
‫الربــط علــى المراقبــة وحمايــة الســاحل‪ ،‬فهــي كانــت ملتقــى للعلمــاء‬
‫وطــاب العلــم مــن إفريقيــة وغيرهــا مــن المــدن اإلســامية‪.‬‬
‫ولقــد ســقطت إمــارة األغالبــة عــام ( ‪ 296‬هـــ‪ 909 /‬م) علــى يــد الفاطمييــن الذيــن أقاموا‬
‫دولتهــم ببــاد المغــرب العربــي علــى المذهــب الشــيعي‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أ‬ ‫ة‬
‫الدول املغربية الوىل‬ ‫خريطة عرص‬

‫ة‬
‫الدول الفاطمية (‪ 567 - 296‬هـ‪ 1171 - 909 /‬م)‪:‬‬ ‫د) ‬
‫تعــددت الروايــات يف نســب الفاطمييــن فمــن قائــل‪ :‬إهنــم يســمون بالفاطمييــن نســبة‬
‫إلــى فاطمــة بنــت الرســول ﷺ وزوجــة علــي بــن أبــي طالــب وأم أوالده الحســن والحســين‬
‫أحفــاد الرســول الكريــم وذلــك بســبب تشــيع الفاطمييــن آلل البيــت وإقامــة الدولــة علــى أســاس‬
‫المذهــب الشــيعي‪ .‬ومــن قائــل ‪ :‬أهنــم كانــوا يســمون باإلســماعيلية نســبة إلــى إســماعيل ابــن‬
‫اإلمــام جعفــر الصــادق أحــد أئمــة الشــيعة االثنــي عشــرية‪.‬‬
‫والدولة الفاطمية دولة شيعية قامت وتطورت على مرحلتني‪:‬‬
‫‪1.1‬مرحلــة القيــام والقضــاء علــى الخصــوم واالســتقرار وقــد تمــت بإفريقيــة (تونــس‬
‫الحاليــة) وســيطرت علــى مناطــق عــدة ببــاد المغــرب وتمتــد هــذه الفــرة مــن‬
‫قيامهــا عــام ( ‪ 296‬هـــ‪ 909 /‬م) إلــى حيــن انتقالهــا رســمية إلــى مصــر عــام ( ‪362‬‬

‫هـــ‪ 973 /‬م)‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫‪2.2‬مرحلــة االســتقرار والتوســع والســيادة مــن انتقــال الخالفــة إلــى مصــر عــام ( ‪362‬‬

‫هـــ‪ 973 /‬م) وحتــى ســقوط الدولــة عــام ( ‪ 567‬هـــ‪ 1171 /‬م)‪.‬‬
‫وبذلــك تكــون الدولــة الفاطميــة قــد عاشــت حوالــي ‪ 271‬م ســنة منهــا ‪ 66‬ســنة بالمغــرب‬
‫األدنــى و ‪ 205‬ســنة بمصــر حكــم خــال هــذه المــدة حوالــی أربعــة عشــر خليفــة أولهــم المهــدي‬
‫وآخرهــم العاضد‪.‬‬
‫قيام الدولة‪:‬‬
‫قامــت الدولــة الفاطميــة مــن خــال موقــف مشــابه لقيــام الدولــة العباســية‪ ،‬وذلــك‬
‫أول وصــوال إلــى قيــام الدولــة‪ .‬فقــد تــم اختيــار منطقــة الشــمال‬ ‫بــأن اتخــذت طريــق الدعــوة ً‬
‫اإلفريقــي لتكــون ميدانــا للدعــوة الشــيعية الفاطميــة بعيــدة عــن مناطــق النفــوذ العباســي يف بغــداد‬
‫ومــا حولهــا‪ .‬وتــم اختيــار أبــي عبــد اهلل الشــيعي ليقــوم بأعبــاء نشــر هــذه الدعــوة الفاطميــة ببــاد‬
‫المغــرب وقــد مهــد لذلــك بنشــر أفــكار الفاطمييــن ودعوهتــم وســط الحجــاج القادميــن مــن بــاد‬
‫المغــرب‪ .‬ويف أحــد مواســم الحــج تمكــن أبــو عبــد اهلل الشــيعي مــن إقنــاع بعــض زعمــاء إحــدى‬
‫القبائــل الكــرى وهــي قبيلــة كتامــة وشــرح لهــم المبــادئ التــي تقــوم عليهــا الدعــوة الفاطميــة‬
‫اســتنادا إلــى المذهــب الشــيعي وقــد انطبقــت أفــكار الداعــي والمدعــو‪ ،‬ألســباب يرجــو كل‬
‫طــرف منهــا تحقيــق أهدافــه مــن خاللهــا‪ .‬فأبــو عبــد اهلل الشــيعي يهــدف إلــى االســتفادة مــن قــوة‬
‫هــذه القبيلــة يف نشــر مبــادئ الشــيعة الفاطميــة وبالتالــي إقامــة الدولــة الفاطميــة‪ ،‬وزعيــم قبيلــة‬
‫كتامــة يســعى إلــى الخــروج مــن الوضــع الهامشــي لقبيلتــه مســتهدف الوصــول إلــى الشــهرة‬
‫والزعامــة والرئاســة‪.‬‬
‫دور قبيلة كتامة يف نشر الدعوة العبيدية يف بالد املغرب‪:‬‬
‫وعقــب انتهــاء موســم الحــج قبــل أبوعبــد اهلل الشــيعي دعــوة زعيــم كتامــة لمرافقتــه إلــى‬
‫بــاد المغــرب و التعهــد بنصــره وتبنــي دعوتــه‪ .‬وبفضــل تأييــد كتامــة لــه نجحــت الدعــوة يف‬
‫اســتقطاب جمــوع كثيــرة‪ .‬ومــا إن أطمئــن أبــو عبــد اهلل الشــيعي إلــى هــذه األعــداد حتــى وســع‬
‫نفــوذه يف معظــم بــاد المغــرب إلــى أن دخــل مدينــة رقــادة عاصمــة األغالبــة حيــث قضــى علــى‬
‫جيشــا كثي ًفــا توجــه بــه نحــو سجلماســة التــي‬
‫هــذه اإلمــارة واتخــذ عاصمتهــا مقـ ًـرا لــه‪ ،‬ثــم جهــز ً‬
‫ســلمت لــه دون مقاومــة بعــد فــرار حاكمهــا‪ ،‬وتحريــر عبيــد اهلل المهــدي الــذي اعتقــل مــن قبــل‬
‫حاكمهــا وبايعــه إما ًمــا الفاطمييــن وأميـ ًـرا لدولــة فتيــة جديدة عرفــت يف التاريــخ بالدولــة الفاطمية‬
‫وذلــك عــام ( ‪ 296‬هـــ‪ 909 /‬م)‪ .‬وبذلــك يكــون المهــدي أول خليفــة فاطمــي بشــمال إفريقيــا‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وقــد كان مــن الطبيعــي أن يتوجــه المهــدي إلــى مدينــة القيــروان بعــد أن مهــد لــه‬
‫وزع المناصــب والزعامــات علــى مــن قــدم لدعوتــه المعونــة‬ ‫أميرهــا الداعــي الشــيعي‪ .‬وهنــاك ّ‬
‫والمســاعدة وخاصــة رجــال قبيلــة كتامــة‪ .‬كمــا قــام بتنظيــم شــئون دولتــه الماليــة واإلداريــة وبــدأ‬
‫العمــل علــى إحــداث االســتقرار وتنشــيط الحركــة االقتصاديــة وتوســيع رقعــة دولتــه‪.‬‬
‫ويمكــن القــول‪ :‬إن بنــاء مدينــة المهديــة كان أحــد اهتمامــات الخليفــة األول حيــث‬
‫تــم ذلــك عــام ( ‪ 304‬هـــ‪ 916 /‬م) وأصبحــت المهديــة حاضــرة الدولــة الفاطميةببــاد المغــرب‬
‫ومركـ ًـز وقاعــدة لهــا‪.‬‬
‫وقــد أدرك اإلمــام الفاطمــي األول المهــدي أن ميــدان الصــراع السياســي هــو بــاد‬
‫المشــرق حيــث الخالفــة العباســية العــدو األول للفاطمييــن ولذلــك كان لزامــا عليــه أن يتجــه‬
‫بأنظــاره نحــو المشــرق وأن يكــون لــه بذلــك موطــن قــدم يســتطيع مــن خاللــه قيــادة الصــراع‬
‫المتوقــع مــع العباســيين أصحــاب الســيادة والنفــوذ بالمنطقــة‪ .‬وكانــت مصــر إحــدى المناطــق‬
‫الرئيســية التــي نالــت اهتمــام المهــدي وقــد عمــل علــى الســيطرة عليهــا بشــتى الطــرق كــي‬
‫يتخذهــا قاعــدة لــه‪.‬‬
‫فإلــى جانــب العمــل الســلمي الســري المتمثــل يف إرســال العيــون واألعــوان تمهيــدً ا‬
‫لوصولــه إلــى مصــر فقــد قــام بمحاولتيــن للوصــول إليهــا عســكر ًيا وذلــك بــأن جــرد حملــة عــام‬
‫( ‪ 301‬هـــ‪ 913 /‬م) بقيــادة ابنــه وولــی عهــده القائــم (أبــو القاســم)‪ ،‬لكنهــا فشــلت بالرغــم مــن‬
‫وصولهــا إلــى اإلســكندرية واالســتيالء عليهــا‪ .‬كمــا جــرد حملــة أخــرى عــام ( ‪ 307‬هـــ‪ 919 /‬م)‬
‫أيضــا فشــلت‪ .‬وكان ســبب فشــل الحملتيــن إصــرار العباســيين علــى‬ ‫قادهــا ابنــه أبــو القاســم ً‬
‫االحتفــاظ بمصــر‪ ،‬وقــد تــويف أبــو عبــد اهلل المهــدي عــام ( ‪ 323‬هـــ‪ 934 /‬م) دون أن يحقــق هــذا‬
‫الهــدف وبالتالــي تــرك أمــر تحقيقــه ألحفــاده مــن بعــده‪.‬‬
‫خلفــه علــى قيــادة الدولــة ابنــه أبــو القاســم الملقــب بالقائــم ( ‪ 334 - 323‬هـــ‪- 934 /‬‬
‫‪ 945‬م) وحفيــده أبــو الظاهــر إســماعيل الــذي تلقــب بالمنصــور ( ‪ 341 - 334‬هـــ‪952 - 945 /‬‬

‫م) ويف عهدهمــا تركــز اإلهتمــام علــى القضــاء علــى المعارضيــن والخارجيــن عــن الحكــم‬
‫الفاطمــي ببــاد المغــرب كمــا كان اهتمامهمــا مركـ ًـزا ً‬
‫أيضــا علــى االتصــال بالقبائــل ذات النفــوذ‬
‫لضمــان الــوالء والمســاندة للفاطمييــن مثــل انضمــام قبيلــة صنهاجــة إليهــم علــى ســبيل المثــال‪.‬‬
‫ويف عهــد المنصــور تــم بنــاء مدينــة المنصوريــة عــام ( ‪ 374‬هـــ‪ 984 /‬م) وهــي قريبــة مــن‬
‫مدينــة القيــروان وقــد نقــل إليهــا مركــز الدولــة وغــدت عاصمــة الفاطمييــن بعــد المهديــة‪ .‬كمــا‬

‫‪158‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫دورا مميـ ًـزا يف‬


‫يرجــع الفضــل للمنصــور يف تكويــن األســطول البحــري الفاطمــي الــذي لعــب ً‬
‫األحــداث البحريــة بالمتوســط‪.‬‬
‫ولعــل أشــهر مــن تولــى قيــادة الدولــة الفاطميــة الخليفــة المعــز لديــن اهلل ( ‪365 - 341‬‬

‫هـــ‪ 975 - 952 /‬م) الــذي حكــم زهــاء ( ‪ 23‬ســنة) وقــد امتاز عهده باالســتقرار والهــدوء‪ .‬ويعتربه‬
‫المؤرخــون المؤســس الحقيقــي للدولــة الفاطميــة‪ ،‬وذلــك بســبب انتقــال الخالفــة الفاطميــة إلــى‬
‫مصــر‪ ،‬وبــدأت بذلــك عهــدً ا جديــدً ا ذاع خاللــه صيــت الفاطمييــن علــى المســتوى السياســي‬
‫أيضــا‪.‬‬
‫والحضــاري ً‬
‫وقــد أجمعــت المصــادر علــى أن المعــز لديــن اهلل كان مثق ًفــا مجيــدً ا للعديــد مــن‬
‫اللغــات المعاصــرة آنــذاك‪ ،‬مح ًبــا للعلــوم واآلداب مشــج ًعا للعلمــاء والفقهــاء والشــعراء وكل‬
‫رواد الفكــر والمعرفــة والثقافــة‪ .‬كمــا عــرف بحســن التدبيــر وتصريــف األمــور‪ .‬هــذه الصفــات‬
‫مكنتــه مــن إخضــاع كل بــاد المغــرب مــن طرابلــس شــر ًقا حتــى المغــرب األقصــى غر ًبــا‪.‬‬
‫وبعــد أن أطمئــن علــى وضــع الفاطمييــن بالمغــرب بــدأ بالتفكيــر الفعلــي يف ضــم مصــر‬
‫والوصــول عــن طريقهــا إلــى الشــرق‪ .‬ولعــل أهــم األســباب التــي ســاعدته يف ذلــك‪:‬‬
‫‪1.1‬ازديــاد قــوة المعــز لديــن اهلل الفاطمــي صاحــب بــاد المغــرب وصقليــة‪ ،‬وأضحــت‬
‫شــهرته تفــوق شــهرة نظرائــه يف مصــر والشــام ومــن الخليفــة العباســي نفســه يف‬
‫بغــداد‪.‬‬
‫‪2.2‬أدرك الفاطميــون أن بــاد المغــرب ال تصلــح أن تكــون مركــزا أبــدً ا لخالفتهــم‪،‬‬
‫خاصــة وأهنــم يهدفــون إلــى أن يكونــوا حــكام العالــم اإلســامي الوحيديــن‪.‬‬
‫فإفريقيــة بعيــدة عــن الواليــات اإلســامية التــي يتطلعــون للســيطرةعليها‪ .‬الحجــاز‪،‬‬
‫الشــام والمشــرق عامــة وباعتبــار مصــر ملتقــى ثــاث قــارات هــي آســيا وإفريقيــا‬
‫وأوروبــا‪ ،‬فالســيطرة عليهــا تعنــي فتــح المجــال لفتــح الشــام والحجــاز‪.‬‬
‫‪3.3‬حــدوث االضطرابــات يف مصــر علــى أثــر ضعــف الدولــة اإلخشــيدية ووفــاة كافــور‬
‫اإلخشــيدي‪ ،‬فانتهــز المعــز فرصــة ذلــك‪.‬‬
‫‪4.4‬ضعــف الدولــة العباســية وانشــغالها عــن مصــر بمشــاكلها الداخليــة وكذلــك‬
‫إنشــغالها يف حــروب البيزنطييــن‪.‬‬
‫‪5.5‬تأييد الشيعة يف مصر الفاطميين ودعوهتم لهم بدخولها‪.‬‬
‫‪6.6‬مصــر ذات مــوارد اقتصاديــة هامــة مقارنــة ببــاد المغــرب‪ ،‬كمــا أهنــا تســيطر علــى‬

‫‪159‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫طــرق التجــارة العالميــة آنــذاك بيــن أوروبــا والهنــد‪.‬‬


‫‪7.7‬لــم تكــن إفريقيــة مواليــة للفاطمييــن‪ ،‬فالمالكيــة ناصبتهــم العــداء‪ ،‬إضافــة إلــى‬
‫حــركات زناتــة المناوئــة والتــي أقضــت مضجعهــم‪.‬‬
‫‪8.8‬هتديــد األموييــن لســواحل المغــرب األقصــى باحتاللهــم ســبتة وتعزيــز مكاهنــم‬
‫علــى الســاحل‪.‬‬
‫متهيــدا النتقــال اخلالفــة الفاطميــة يف عهــد‬
‫ً‬ ‫دخــول جوهــر الصقلــي مصــر‬
‫املعــز لديــن اهلل إليهــا‪:‬‬
‫وعندمــا توافــرت األســباب أرســل المعــز لديــن اهلل قائــده جوهــر الصقلــي علــى رأس‬
‫جيــش اســتولى علــى إقليــم برقــة شــرق ليبيــا ثــم دخــل االســكندرية ســلمًا عــام ( ‪ 348‬هـــ‪959 /‬‬

‫م)‪ ،‬وعندمــا وصــل خــر ذلــك الفتــح أرســل أهالــي مدينــة الفســطاط عاصمــة مصــر‪ ،‬يف ذلــك‬
‫الوقــت‪ ،‬مــن يفــاوض جوهــر الصقلــي علــى الصلــح فتــم ذلــك ودخــل أهالــي الفســطاط يف والء‬
‫الفاطمييــن مقابــل األمــان لحريــة المعتقــد وفــق المذاهــب اإلســامية المتعــددة وقيــام الفاطميين‬
‫باإلصــاح االقتصــادي والعمــراين والثقــايف وغيــره ونشــر العــدل واالطمئنــان يف النفــوس‬
‫ومقاومــة أي غــاز أو معتــد‪.‬‬
‫ومــن مصــر انطلــق الفاطميــون ليبســطوا نفوذهــم علــى بــاد الشــام والحجــاز وأصبــح‬
‫بذلــك لدولــة الفاطمييــن احتــكاك مباشــر بالدولــة العباســية‪.‬‬
‫وقــد ركــز جوهــر الصقلــي اهتمامــه علــى بنــاء حاضــرة جديــدة بمصــر تصلــح بــأن تكون‬
‫عاصمــة للدولــة الفاطميــة بوضعهــا الجديــد ومركــزة للعلــم والثقافــة والمعرفة والحضــارة‪ ،‬فأمر‬
‫أن ُت َخـ ّ‬
‫ـط مدينــة جديــدة علــى هنــر النيــل قــرب تفرعــه نحــو رشــيد ودميــاط وأقــام هبــا مســجدً ا‬
‫ـورا ومســاكن للجنــد وحدائــق‬ ‫دورا وقصـ ً‬‫جام ًعــا ســمي بعــد ذلــك بالجامــع األزهــر‪ .‬وأنشــأ هبــا ً‬
‫ـورا وغيرهــا وأطلــق عليهــا اســم مدينــة القاهــرة التــي نالــت شــهرهتا بعــد ذلــك كمــا هــو‬
‫وجسـ ً‬
‫معــروف‪.‬‬
‫وعندمــا أتــم جوهــر بنــاء هــذه المدينــة ودانــت لــه نيابــة عــن المعــز لديــن اهلل الفاطمــي‬
‫بــاد الشــام والحجــاز‪ ،‬واســتقر المقــام للفاطمييــن بمصــر‪ ،‬ونجحــت الدعــوة الفاطميــة الشــيعية‬
‫هبــا فبعــث القائــد جوهــر الصقلــي إلــى الخليفــة المعــز لديــن اهلل الفاطمــي يدعــوه إلــى الحضــور‬
‫إلــى مصــر والدخــول إلــى حاضرتــه الجديــدة القاهــرة فوصلهــا عــام ( ‪ 363‬هـــ‪ 973 /‬م) ونقــل‬
‫إليهــا مقــر خالفتــه‪ .‬وبوصــول المعــز إلــى القاهــرة أصبحــت مصــر دار خالفــة بعــد أن كانــت دار‬

‫‪160‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫إمــارة تابعــة للعباســيين‪.‬‬


‫أمــا بــاد المغــرب فقــد اســتخلف عليــه المعــز لديــن اهلل بلكيــن بــن زيــري الصنهاجــي‪.‬‬
‫وأبقــى علــى إفريق ّيــة تحــت الســيادة الفاطميــة‪ .‬ولكــن حــكام بنــي زيــري بعــد بلكيــن قامــوا‬
‫باالنفصــال عــن الخالفــة الفاطميــة وأسســوا إمــارة لهــم عرفــت باســم إمــارة بنــي زيــري عــام‬
‫( ‪ 364‬هـــ‪ 974 /‬م)‪ .‬وبذلــك تقلــص النفــوذ الفاطمــي يف بــاد المغــرب‪.‬‬
‫بعــد اســتقرار المعــز لديــن اهلل بالقاهــرة لســنتين تو ّفــي ســنة ( ‪ 365‬هـــ‪ 975 /‬م) تــاركًا‬
‫األمــر البنــه عبــد العزيــز المعــروف بالعزيــز بــاهلل ( ‪ 386 - 365‬هـــ‪ 996 - 975 /‬م)‪.‬‬
‫لقــد اســتفاد العزيــز مــن الجهــود التــي بذلهــا والــده المعــز لديــن اهلل وقائــده جوهــر‬
‫الصقلــي‪ ،‬فتســلم الدولــة وهــي تنعــم باالســتقرار والرخــاء وكـ ّـرس جهــده لتطويــر الجوانــب‬
‫الثقافيــة والعمرانيــة‪.‬‬
‫ففــي عهــده تحــول الجامــع األزهــر مــن مجــرد مســجد للصــاة والعبــادة إلــى جامعــة‬
‫شــاملة تــدرس هبــا كافــة العلــوم واآلداب يقصدهــا طــاب العلــم مــن جميــع أنحــاء العالم‪.‬فنبــغ‬
‫يف مصــر الشــعراء واألدبــاء واألطبــاء وعلمــاء الطبيعــة والفلــك والفلســفة والمنطــق والتاريــخ‬
‫وغيرهــم‪ .‬واســتطاعت هــذه الجامعــة الجديــدة أن تســتمر بجهــود طالهبــا النابغيــن الذيــن عملــوا‬
‫علــى االســتقرار للتدريــس هبــا‪ .‬واعتــرت هــذه الجامعــة مــن أوائــل الجامعــات يف العالــم العربــي‬
‫إلــى جانــب جامعــة القروييــن يف فــاس التــي أنشــأت يف ( ‪ 285‬هـــ‪ 859 /‬م) وكانتــا شــاهدتين‬
‫علــى عظمــة الحضــارة العربيــة واإلســامية يف وقــت كانــت فيــه أوروبــا واقعــة فريســة للعصــور‬
‫الوســطى المظلمــة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ف‬ ‫ة‬
‫الدول الفاطمية ي� أوج اتساهعا‬ ‫خريطة‬
‫أيضــا خضعــت العديــد مــن المناطــق للدولــة الفاطميــة وإن كان‬ ‫ويف عهــد العزيــز بــاهلل ً‬
‫ذلــك إســمية مثــل اليمــن والموصــل بشــمال العــراق‪ ،‬فإنــه قــد خضعــت لهــا فعل ًيــا الجيــوب التــي‬
‫بقيــت مســتقلة بالشــام مثــل حلــب وحمــص وحمــاة وغيرهــا‪.‬‬
‫كمــا يرجــع الفضــل إلــى العزيــز يف اســتقرار النظــام اإلداري ونشــاط الحيــاة االقتصاديــة‬
‫بمصــر‪ ،‬خاصــة التجــارة التــي كانــت تشــكل الدخــل األكــر للخزينــة الفاطمية‪.‬وإليــه يرجــع‬
‫الفضــل يف تنظيــم حركــة الــري وتوســيع المســاحة المزروعــة وتحديــد موعــد فيضــان النيــل‪.‬‬
‫ولعــل اهتمامــه بالجيــش كان يف مقدمــة أعمالــه‪ .‬فــكان لجيــش الخالفــة الفاطميــة اليــد الطولــى‬
‫يف التوســع وحمايــة النظــام الشــيعي وضــرب المعارضيــن‪.‬‬
‫ويف عــام ( ‪ 386‬هـــ‪ 996 /‬م) مــات الخليفــة العزيــز فخلفــه ابنــه الحاكــم بأمــر اهلل أبو علي‬
‫المنصــور ( ‪ 410 - 386‬هـــ‪ 1020 - 996 /‬م)‪ .‬وكان عهــده غيــر مســتقر بســبب ســوء تصرفاتــه‬
‫وتناقــض أوامــره وعــدم االســتقرار علــى رأي‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن أن سياســته هــذه قــد أثارت ســخط الرعيــة عامة‪ .‬فإن عهده شــهد اسـ ً‬
‫ـتقرارا‬

‫‪162‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫لألمــن والمحافظــة علــى اآلداب العامــة والقضــاء علــى الفوضــى التــي كانــت ســائدة ممــا أفســح‬
‫المجــال لتقــدم الحيــاة العلميــة والفكريــة‪ .‬ولعــل مــن األعمــال الخالــدة لــه إنشــاء دار الحكمــة‬
‫وهــي أشــبه بمركــز بحــوث لكافــة العلــوم وأقــرب يف المعنــى والمضمــون مــن دار الحكمــة‬
‫ببغــداد‪ .‬وقــد قتــل الخليفــة الحاكــم بأمــر اهلل عــام ( ‪ 410‬هـــ‪ 1020 /‬م) يف ظــروف غامضــة‪ .‬وخلف‬
‫الحاكــم بأمــر اهلل ثمانيــة خلفــاء حتــى عــام ( ‪ 567‬هـــ‪ 1171 /‬م)‪ ،‬انحــدرت الدولــة خــال عهدهــم‬
‫إلــى أن ســقطت علــى أيــدي األيوبييــن يف مصــر‪ ،‬وتقاســم أمالكهــا ببــاد المغــرب وصقليــة‬
‫وســردينيا إمــارات وجماعــات مختلفــة‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫ف‬ ‫ض ف‬
‫احلــوا� ي� دمع القــوى السياســية ي� بــاد املغــرب‬ ‫اســتعرض دور بعــض‬
‫عامــة‪.‬‬

‫ن‬
‫ب� يز�ي (‪ 555 - 363‬هـ‪ 1160 - 972 /‬م)‪:‬‬
‫هـ) إمارة ي‬
‫الزيريــون هــم خلفــاء الفاطمييــن مــن قبائــل صنهاجــة التــي انضمــت إلــى الخالفــة‬
‫الفاطميــة عقــب إعــان قيــام الدولــة الفاطميــة فكانــوا عنصــر دعــم بشــري ومعنــوي لهــا يف حيــن‬
‫كانــت قبائــل كتامــة عنصـ ًـرا أساس ـ ًيا يف قيــام الدولــة الفاطميــة الشــيعية كمــا عرفنــا ســاب ًقا‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن أن قبائــل كتامــة قــد نالــت الرعايــة والمســاندة مــن الخالفــة الفاطميــة‬
‫وتجلــى ذلــك يف المناصــب والمنــح التــي تلقوهــا مــن الفاطمييــن جــزاء مســاعدهتم القيمــة يف‬
‫أيضــا‪ ،‬ذلــك‬
‫قيــام الدولــة الفاطميــة‪ ،‬إال أن قبائــل صنهاجــة بدورهــا نالــت رضــا الفاطمييــن ً‬
‫أن دعمهــا الدولــة الفاطميــة كان نقطــة تحــول يف تاريخهــا‪ ،‬فلــوال هــذا الدعــم لمــا اســتطاع‬
‫الفاطميــون أن يصلــوا إلــى مــا وصلــوا إليــه مــن مكانــة سياســية ودينيــة يف بــاد المغــرب‪ ،‬وكان‬
‫علــى الفاطمييــن أن يكرمــوا بنــي زيــري خاصــة وصنهاجــة عامــة فكانــوا حلفاءهــم طيلــة وجــود‬
‫الفاطمييــن يف بــاد المغــرب‪.‬‬
‫وقد قسم املؤرخون مراحل دولة بين زيري الصنهاجية إىل قسمني‪:‬‬
‫ن ف‬ ‫‪1.1‬مرحـ ة‬
‫وقد اســتمرت مــن عــام ( ‪ 362‬هـ‪972 /‬‬ ‫ـ� ي� احلمك‬ ‫ـ� التحالــف مــع الفاطميـ ي‬
‫م) وحتــى ( ‪ 439‬هـــ‪ 1047 /‬م) ويف هــذه المرحلــة كان بنــو زيــري يحكمــون كإمــارة‬

‫‪163‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫مســتقلة بذاهتــا تابعــة للخالفــة الفاطميــة بعــد انتقالهــا إلــى مصــر وكان نفوذهــا يمتــد‬
‫مــن طرابلــس إلــى حــدود الجزائــر‪.‬‬
‫وقــد انفــرد بنــو زيــري بالحكــم دون منافــس بســبب أن الفاطمييــن عنــد انتقالهــم إلــى‬
‫مصــر أخــذوا معهــم قبيلــة كتامــة وبذلــك ُف ِســح المجــال أمامهــم للحكم وكان أشــهر‬
‫أمرائهــم يف هــذه المرحلــة أبــو الفتــوح يوســف بــن بلكيــن بــن زيــري الصنهاجي‪.‬‬
‫وقــد حــاول بنــو زیــري خــال هــذه المرحلــة تنظيــم شــئون إمارهتــم مــن الناحيــة‬
‫مهمــا‪ .‬وقــد كان المذهــب الشــيعي‬ ‫اإلداريــة واالقتصاديــة وقطعــوا يف ذلــك شــو ًطا ً‬
‫هــو المذهــب الرئيســي يف اإلمــارة أســوة بالفاطمييــن‪ ،‬بالرغــم مــن أن النــاس والرأي‬
‫العــام يف اإلمــارة كانــوا يتبعــون بالمذهــب المالكــي ِخ ْف َي ـةً‪.‬‬
‫ت‬
‫واالنــامء إىل الخالفــة‬ ‫مرحــ� االســتقالل عــن الخالفــة الفاطميــة الشــيعية‬ ‫ة‬ ‫‪2.2‬‬
‫العباســية الســنية‪ ،‬ودامــت حــوال ( ‪ 113‬ســنة) أي مــن عــام ( ‪ 439‬هـــ‪ 1047 /‬م) إلــى‬
‫عــام ( ‪ 556‬هـــ‪ 1160 /‬م)‪ .‬وقــد اتخــذ هــذه المبــادرة أميرهــم المعــز بــن باديــس بــن‬
‫المنصــور بــن بلكيــن بــن زيــري‪ .‬وخرجــت مــن يــد إمــارة بنــي زيــري خــال هــذه‬
‫المرحلــة منطقــة المغــرب األقصــى التــي شــهدت قيــام دولــة إســامية كــرى هــي‬
‫دولــة المرابطيــن‪ .‬ولــم يبــق تحــت نفــوذ بنــي زيــري يف المغــرب األدين إال إفريقيــة‬
‫وجــز ٌء مــن المغــرب األوســط (مــا بيــن طرابلــس والجزائــر)‪.‬‬
‫خــال هــذه المرحلــة مــن تاريــخ بنــي زيــري حــاول زعماؤهــا توثيــق الصلــة‬
‫بالعباســيين ببــاد المشــرق‪ ،‬إال أن وجــود الفاطمييــن يف مصــر حــال دون ذلــك‪.‬‬
‫ً‬
‫مســتحيل واقتصــر علــى الرابطــة اإلســمية‪.‬‬ ‫فأصبــح االتصــال‬
‫لقــد انتعشــت الحيــاة الثقافيــة واالجتماعيــة خــال حكــم بنــي زيــري يف مرحلتــه الثانيــة‪،‬‬
‫وتوثقــت عالقــة اإلمــارة الزيريــة ببــاد األندلــس والمرابطيــن‪ .‬وكان خــروج الزيرييــن عــن‬
‫الفاطمييــن واســتقاللهم عنهــم قــد حــدا بالخليفــة الفاطمــي آنــذاك المســتنصر ( ‪ 487 - 445‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1094 - 1035‬م) باالنتقــام مــن بنــي زيــري وذلــك بتوجيــه القبائــل العربيــة القاطنــة إلــى الشــرق‬
‫مــن دلتــا النيــل بمصــر ومــن صعيــد مصــر نحــو بــاد المغــرب‪.‬‬
‫وقــد عرفــت هــذه الهجــرة هبجــرة بنــي هــال أو تغريبــة بنــي هــال والتــي كان مــن‬
‫نتائجهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬أهنــا أذابــت الفــوارق الســكانية وعملــت علــى ســيادة العنصــر العربــي بالشــمال‬

‫‪164‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫اإلفريقــي‪ .‬وتعثــر النمــاء االقتصــادي يف بعــض مناطــق إفريقيــة واختفــت بعــض‬


‫المناطــق التــي كانــت تشــتهر بإنتاجهــا الزراعــي عــر القــرون الســابقة للهجــرة‪.‬‬
‫وفقــدت القيــروان المركــز المشــتهر بالصناعــات الصحراويــة‪ ،‬وتقلصــت التجــارة‬
‫النعــدام األمــن‪.‬‬
‫‪2.2‬كان لتعريب المنطقة أهم نتيجة حضارية واجتماعية كربى للهجرة الهاللية‪.‬‬
‫‪3.3‬انقســمت الســلطة يف إفريقيــة بيــن بنــي هــال يف المناطــق الداخليــة الممتــدة إلــى‬
‫الغــرب مــن قابــس‪ ،‬وبيــن بنــي زیــري يف المهديــة‪ ،‬وإن حاولــوا اســرجاع غيرهــا مــن‬
‫المــدن‪ ،‬وبنــي حمــاد يف بجايــة‪ ،‬وخرجــت المناطــق عــن ســيطرة الزيرييــن تبا ًعــا‪:‬‬
‫صفاقــس‪ ،‬قابــس‪ ،‬تونــس‪ .‬وكانــت قــد تجــزأت إفريقيــة إلــى إمــارات صغيــرة أشــبه‬
‫بدويــات الطوائــف يف األندلــس‪.‬‬
‫وأمــام الغــزو الهاللــي مــن الشــرق وقيــام دولــة المرابطيــن يف الغــرب وســوء األوضــاع‬
‫الداخليــة انقســم البيــت الزيــري علــى نفســه وكان ذلــك تمهيــدا لســقوط دولتهــم حيــث اســتقل‬
‫بنــو حمــاد بمنطقــة بجايــة وبنــو بلكيــن بالمهديــة‪.‬‬
‫وقــد زاد مــن ضعــف هــذه الدولــة تعرضهــا للغــزو الصليبــي فســقطت عــام ( ‪555‬‬

‫هـــ‪ 1160 /‬م)‬

‫‪165‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫قيام أسرات حاكمة يف داخل األراضي الليبية يف العصر الوسيط‬


‫ف‬
‫ب� الخ طاب ي� فزان (‪ 568 - 306‬هـ‪ 1142 - 918 /‬م)‪:‬‬
‫ن‬
‫ •قيام حمك أرسة ي‬
‫مؤســس هــذه األســرة هوعبــد اهلل بــن خطــاب الهــواري مــن قبيلــة هــوارة الليبيــة ســنة‬
‫( ‪ 306‬هـــ‪ 918 /‬م) يف زويلــة‪ ،‬المنطقــة التجاريــة علــى أبــواب الصحــراء‪ ،‬مســتغلة فــراغ المنطقــة‬
‫سياســيا‪ ،‬وقــد ارتبطــت أســرة بنــي خطــاب بعالقــات جيــدة مــع الزيرييــن‪.‬‬
‫نعمــت أســرة بنــي الخطــاب بنــوع مــن االســتقرار واالزدهــار لمــاكان لزويلــة مــن دور‬
‫ـوال طائلــة مــن ضرائــب العبــور التــي‬‫يف حركــة التجــارة الصحراويــة آنــذاك‪ .‬فكانــت تجبــي أمـ ً‬
‫تدفعهــا القوافــل التجاريــة مقابــل حمايتهــا عــر طــرق ومســالك الرحلــة‪ .‬وازدادت أهميــة زويلــة‬
‫هبجــرة بعــض ســكان منطقــة الســاحل إليهــا أثــر الصــراع الدائــر بيــن بنــي زيــري وقبائــل زناتــة‬
‫وكذلــك أثــر هجــرة بنــي هــال التــي دفعــت بالحجــاج والتجــار إلــى الطريــق الصحــراوي بــدل‬
‫الســاحلي‪ ،‬فأنشــأت هبــا‪ :‬المرافــق مثــل الحمامــات العامــة واألســواق‪.‬‬
‫واهتــم بنــو خطــاب بالصناعــات المختلفــة‪ ،‬خاصــة صناعــة الجلــود‪ ،‬واســتفادوا مــن‬
‫تجــارة الرقيــق إذ اعتمــدوا عليهــم يف توســيع رقعــة األراضــي الزراعيــة‪.‬‬
‫ظلــت هــذه األســرة تنعــم باالزدهــار حتــى ســنة ( ‪ 568‬هـــ‪ 1142 /‬م) عندمــا دخلهــا‬
‫قراقــوش فتدهــورت أوضاعهــا وســقطت يف يــد كانــم ســنة ( ‪ 657‬هـــ‪ 1258 /‬م)‪ .‬فعيــن عليهــا‬
‫حاكمــا مــن قبلــه واتخــذ مــن مدينــة تراغــن قاعــدة لحكمــه‪.‬‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ب� خزرون ي� طرابلس (‪ 480 - 391‬هـ‪ 1087 - 1000 /‬م)‪:‬‬
‫ •حمك أرسة ي‬
‫دخــل فلفــل بــن ســعيد الزنــايت بــن خــزرون طرابلــس منتزيــا هبــا ســنة ( ‪ 391‬هـــ‪ 1000 /‬م)‬
‫عــن الســلطة الزيريــة داعيــا للفاطمييــن بمصــر يف البــدء‪ ،‬ثــم انتقــل هبــا عنهــم إثــر انشــغال الحاكــم‬
‫بــاهلل الفاطمــي بثــورة أبــي ركــوة يف برقــة وانقطــاع الطــرق بيــن مصــر وطرابلــس‪ .‬أســتطاع فلفــل‬
‫بــن ســعید توطيــد نفــوذه أيضــا النشــغال باديــس بــن زيــري يف إفريقيــة بمحاربــة بنــي عمومتــه آل‬
‫حمــاد يف المغــرب األوســط واســتطاع أن يجعــل مــن طرابلــس إمــارة زناتيــة يتوارثهــا أبنــاؤه‪،‬‬
‫واتخــذ هبــا قصــر اإلمــارة ودون الدواويــن‪.‬‬
‫وبوفــاة فلفــل بــن ســعيد ســنة ( ‪ 400‬هـــ‪ 1009 /‬م) تولــى أخــوه وروا طرابلــس وصالــح‬
‫باديــس بــن زیــري علــى أن يعطــوا نفــزاوة مقابــل الرحيــل عــن أعمــال طرابلــس التــي توالهــا‬
‫محمــد بــن الحســن إال أن هــذا الصلــح لــم يســتمر طويــا‪ ،‬إذ خــرج وروا عــن طاعــة باديــس‬

‫‪166‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وحــاول اســتعادة طرابلــس دون جــدوى‪.‬‬


‫وبوفــاة وروا بــن ســعيد بــن خــزرون‪ ،‬تفرقــت كلمــة آل خــزرون وتصــارع افرادهــا علــى‬
‫الســلطة وبقيــت طرابلــس إحــدى عمــاالت اإلمــارة الزيريــة يمثلهــم فيهــا محمــد بــن الحســن ثــم‬
‫أخــوه عبــد اهلل بــن الحســن الــذي ســلمها إلــى خليفــة بــن وروا ســنة ( ‪ 413‬هـــ‪ 1022 /‬م) وبقــى‬
‫آل خــزرون يحكمــون طرابلــس حتــى اســتعادها المعــز بــن باديــس منهــم بعــد عــدة محــاوالت‬
‫ودخــل يف طاعتــه المنتصــر بــن خــزرون وظــل بنــي خــزرون يحكمــون طرابلــس تحــت مظلــة‬
‫بنــي زيــري يف إفريقيــة حتــى ســنة ( ‪ 480‬هـــ‪ 1087 /‬م) وكان أخــر حكامهــا محمــد بــن خــزرون‪،‬‬
‫الــذي قــرب إليــه بنــي مطــروح‪ .‬واعتمدعلــى جماعــة مــن مشــايخهم وفــوض أمــره إليهــم حتــى‬
‫انتهــت الرئاســة لهــم‪ .‬وشــهدت طرابلــس يف آخــر أيامــه خطــر هجمــات النورمــان يف صقليــة‬
‫الذيــن اســتولوا علــى طرابلــس ســنة ( ‪ 541‬هـــ‪ 1145 /‬م) وكانــت المدينــة تعيــش أوضــاع اقتصاديــة‬
‫صعبــة تفشــت المجاعــة ونقــص المــؤن‪ ،‬قضــت علــى كثيــر مــن أهلهــا‪.‬‬
‫ونظــرا لمــا كانــت تمــر بــه طرابلــس مــن صراعــات بيــن محمــد بــن خــزرون ومعــه بنــو‬
‫مطــروح وبيــن أهالــي طرابلــس الرافضيــن لــه عــاد إليهــا النورمــان مــرة أخــرى وفرضــوا الجزيــة‬
‫علــى أهــل طرابلــس‪ ،‬وبقــوا فيهــا ســتة أشــهر‪ ،‬ثــم رحلــوا عنهــا بعــد أن تركــوا عليهــا أبــا يحيــى‬
‫بــن مطــروح وجعلــوا قاضيهــم ابــن الحجــاج يوســف بــن زیــري‪ .‬فــكان أمــر طرابلــس بيــد الشــيخ‬
‫أبــو يحيــى بــن مكــن بــن مطــروح والقاضــي ابــن الحجــاج يوســف بــن زيــري‪.‬‬
‫ن‬
‫ب� خزرون لطرابلس‪:‬‬
‫مالحظات حول حمك ي‬
‫‪1.1‬كان بنو خزرون يحكمون طرابلس تارة تابعين لمصر وأخرى يتبعون إفريقية‪.‬‬
‫‪2.2‬عمل بنو خزرون على اثبات وجودهم يف خضم األحداث الدائرة يف المنطقة‪.‬‬
‫‪3.3‬ســيطر بنــي خــزرون علــى طرابلــس باعتبارهــا موقعــا اســراتيجيا مهمــا‪ ،‬جعلهــا‬
‫مركــزا اقتصاديــا‪ ،‬تجاريــا علــى قــدر مــن األهميــة‪ ،‬فهــي تقــع علــى طريــق التجــارة‬
‫الرابــط بيــن الشــرق والغــرب والشــمال والجنــوب‪.‬‬
‫‪4.4‬كان حجم سيطرة ونفوذ بني خزرون داخل أسوار طرابلس فقط‪.‬‬
‫‪5.5‬كان الصــراع الــذي دار بيــن أفــراد أســرة بنــي خــزرون أصاهبــا بالضعــف وبالتالــي‬
‫االهنيــار‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ن‬
‫ب� مطروح‪:‬‬
‫ •أرسة ي‬
‫ذكرنــا ســابقا أن النورمــان ســيطروا علــى طرابلــس ســنة ( ‪ 541‬هـــ‪ 1145 /‬م) ولقــد أقامــوا‬
‫هبــا ســتة أشــهر عارضيــن علــى أهلهــا الجزيــة‪ ،‬ثــم رحلــوا عنهــا بعــد أن ولــوا عليهــا أبــا يحيــى‬
‫بــن مطــروح‪.‬‬
‫أقــام بنــو مطــروح نظامــا دســتوريا متميــزا‪ ،‬يتكــون مــن عشــرة شــيوخ‪ ،‬كانــوا يجتمعــون‬
‫للتشــاور يف أمــور مدينــة طرابلــس‪ ،‬ويعقــدون اجتماعاهتــم يف مســجد خــارج المدينــة يســمى‬
‫(مســجد العشــرة)‪.‬‬
‫بــرز يحيــى بــن رافــع بــن مطــروح يف الســاحة‪ ،‬بعــد تمكــن الموحديــن مــن طــرد النورمان‬
‫مــن طرابلــس ســنة ( ‪ 554‬هـــ‪ 1159 /‬م) وحكمهــا حتى قدوم الموحدين ســنة ( ‪ 555‬هـــ‪ 1160 /‬م)‪.‬‬
‫وقامــوا بتوحيدهــا مــع بــاد المغــرب يف ســنة ( ‪ 555‬هـــ‪ 1161 /‬م)‪ ،‬وبقيــت تابعــة لهــم تحــت إمــرة‬
‫يحيــى بــن مطــروح فأقــره علــى طرابلــس‪.‬‬
‫تولــى بنــو مطــروح حکــم طرابلــس حوالــي ثالثيــن ســنة‪ ،‬نجحــوا خاللهــا يف تحقيــق‬
‫نــوع مــن االســتقرار؛ فأنصــرف أهلهــا إلــى ممارســة نشــاطاهتم االقتصاديــة وخاصــة التجــارة‪.‬‬
‫إال أن القالقــل التــي حدثــت يف طرابلــس كانــت ســبب يف تقلــص النشــاط االقتصــادي‪ .‬وقــد‬
‫أســتمرت حوالــي خمســين ســنة‪.‬‬
‫وكان ظهــور األتــراك الغــز بقيــادة قراقــوش األرمنــي وابــن غانيــة اللمتــوين‪ ،‬شــهدت‬
‫خاللهــا المنطقــة فوضــى وفــراغ سياســي وإن تخللتهــا يف بعــض الفــرات حالــة هــدوء‪ ،‬ولكنــه‬
‫ليــس دائــم تــم تعييــن والة محلييــن يف طرابلــس‪ ،‬عبــد اهلل بــن إبراهيــم بــن جامــع الــذي تــرك‬
‫طرابلــس ســنة ( ‪ 605‬هـــ‪ 1208 /‬م)‪ .‬وعندمــا ســقطت الدولــة الموحديــة وقامــت الدولــة‬
‫الحفصيــة بإفريقيــة‪ ،‬رحــب أهالــي طرابلــس هبــا وقدمــوا فــروض الــوالء والطاعــة‪.‬‬
‫مزدهــرا‬
‫ً‬ ‫واســتقرارا ونشــا ًطا اقتصاد ًّيــا‬
‫ً‬ ‫وشــهدت طرابلــس يف فــرة الحفصييــن أمنًــا‬
‫متمثـ ًـا يف تجــارة القوافــل والتجــارة البحريــة‪ .‬إال أنــه بضعــف الحفصييــن وتنــازع أفــراد األســرة‬
‫علــى الســلطة عمــل شــیوخ طرابلــس وعلــى رأســهم مرغــم بــن صابــر علــى االســتقالل هبــا‬
‫مســاندا البــن أبــي عمــارة الدعــي (إدعــى أنــه الفضــل بــن الواثــق الحفصــي)؛ إن فشــل ابــن‬
‫صابــر يف ذلــك فإنــه اســتطاع الســيطرة علــى عــدة مناطــق منهــا قابــس والحامــة وجربــة‪ .‬وبقيــت‬
‫طرابلــس تحــت ســلطة بنــي حفــص ويمثلهــم فيهــا محمــد بــن عيســى الهنتــاين الــذي بقــي هبــا‬
‫حتــى تاريــخ وفاتــه ســنة ( ‪ 684‬هـــ‪ 1185 /‬م)‪ ،‬وخلفــه عليهــا يوســف بــن طاهــر اليربوعــي الــذي‬

‫‪168‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫اســتقل بطرابلــس عــن الحفصييــن لفــرة مــن الزمــن‪ ،‬ثــم اســتعادوها لســلطتهم‪.‬‬
‫كانــت طرابلــس نقطــة انطــاق أغلــب المتمرديــن والمنشــقين عــن الســلطة‪ ،‬كمــا كانــت‬
‫أيضــا نقطــة انطــاق إلعــادة االســتقرار وإنقــاذ الســلطة أحيانــا‪ .‬ففــي ســنة ( ‪ 709‬هـــ‪ 1309 /‬م)‪،‬‬
‫انطلقــت الدعــوة مــن طرابلــس إلنقــاذ الدولــة الحفصيــة‪ ،‬وتزعمهــا أبــو يحيــى زكريــاء بــن أحمــد‬
‫اللحيــاين الــذي كان متواجــدا بطرابلــس وقــد حثــه أهلهــا علــى التدخــل لحســم الصــراع بيــن‬
‫أفــراد األســرة الحفصيــة‪ ،‬فحرضــوه علــى المطالبــة بحقــه يف الحكــم والوقــوف يف وجــه أبــي‬
‫البقــاء خالــد الناصــر لديــن اهلل‪ ،‬الــذي تولــى الســلطة ( ‪ 709‬هـــ‪ 1309 /‬م)‪ ،‬إال أن أبــا يحيــي هــذا‬
‫لــم يتمكــن مــن منازعــة أبــي البقــاء خالــد‪ ،‬فاســتقر بطرابلــس واســتقل هبــا مســتعينا بالقبائــل‬
‫العربيــة وشــهدت طرابلــس يف عهــده هــدو ًءا واســتقرارا‪ ،‬لكــن أبــا يحيــى زكريــاء غــادر طرابلــس‬
‫إلــى االســكندرية‪ ،‬ونــزل عنــد الســلطان محمــد بــن قــاوون وتــويف هنــاك ( ‪ 728‬هـــ‪ 1327 /‬م)‪.‬‬
‫وبقيــت طرابلــس يف عهــدة وزيــره أبــي عبــد اهلل محمــد بــن عمــران الــذي بقــي هبــا حتــى ســنة‬
‫( ‪ 724‬هـــ‪ 1324 /‬م)‪.‬‬
‫ب� ث�بت‪:‬‬‫احلفصي� ظو�ور أرسة ن‬
‫ين‬ ‫ •استقالل طرابلس عن‬
‫ي‬
‫بعــد فــرة االضطرابــات التــي شــهدهتا طرابلــس إثــر اهنيــار ســلطة بنــي حفــص‪ ،‬رأى‬
‫أهلهــا أن يحكمــوا مدينتهــم بأنفســهم حكــم ذايت‪ ،‬فوقــع اختيارهــم علــى رجــل مــن أســرة بنــي‬
‫ثابــت‪ ،‬وهــو ثابــت بــن محمــد بــن ثابــت ( ‪ 730 - 724‬هـــ‪ 1329 - 1323 /‬م)‪.‬‬
‫وأســرة بنــي ثابــت مــن األســر الثريــة التــي كانــت تــزاول التجــارة ممــا أكســبها أمــوال‬
‫طائلــة وتنتمــي إلــى الجــواري الوشــاحيين‪.‬‬
‫حكم ثابت من خالل مجلس استشاري يرأسه‪ ،‬ويقوم بادارة البالد‪.‬‬
‫وتولــى مــن بعــده ابنــه محمــد بــن ثابــت ( ‪ 750 - 730‬هـــ‪ 1349 - 1329 /‬م) وشــهدت‬
‫طرابلــس يف عهــده ازدهــار اقتصاديــا‪ ،‬تمثــل يف التجــارة‪ ،‬واســتمر يف عهــد خلفــه أيضــا ثابــت بــن‬
‫محمــد بــن ثابــت وكان إلزدهــار طرابلــس ونشــاطها االقتصــادي أن جعلهــا عرضــة ألطمــاع‬
‫الجنوييــن‪ ،‬الذيــن دخلوهــا واســتولوا عليهــا وآســروا النســاء والرجــال ونقلــوا مــا غنمــوا إلــى‬
‫جنــوة‪.‬‬
‫ولقــد ســارع إلنقــاذ طرابلــس صاحــب قابــس أبــو العبــاس أحمــد بــن مكــي الــذي‬
‫تفــاوض مــع الجنونييــن للخــروج وقــد اشــرطوا فديتهــا بـــ ( ‪ )50‬ألــف قطعــة نقديــة‪ ،‬فدفعهــا مــن‬

‫‪169‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫مالــه وجمــع الباقــي مــن أهــل قابــس والحامــة وبــاد الجريــد‪.‬‬


‫وبالتالــي اســتحوذ ابــن مكــي علــى طرابلــس واتخذهــا عاصمــة لــه‪ ،‬وبقــي هبــا حتــى‬
‫تاريــخ وفاتــه ســنة ( ‪ 792‬هـــ‪ 1400 /‬م) وتوالهــا مــن بعــده ابنــه‪ ،‬إال أن أبــا بكــر بــن ثابــت اســردها‬
‫ســنة ( ‪ 803‬هـــ‪ 1384 /‬م)‪ .‬وبقيــت بأيديهــم حتــى دخلــت مجــددا تحــت الحفصييــن ســنة ( ‪803‬‬

‫هـ‪ 1400 /‬م)‪.‬‬


‫انتهــى حكــم بنــي ثابــت ســنة ( ‪ 803‬هـــ‪ 1400 /‬م)‪ ،‬بعــد أكثــر مــن ‪ 99‬عامــا بيــن اســتقالل‬
‫وتبعيــة إســمية‪ .‬حتــى وإن اســتعادها الحفصيــون يف طرابلــس‪ ،‬فــإن اضطــراب أحوالهــم أ ّثــر‬
‫علــى تبعيــة طرابلــس‪ ،‬فقامــت هبــا ثــورة وعمــت الفوضــى‪ ،‬وشــهدت طرابلــس فرا ًغــا سياسـ ًيا؛‬
‫فاتجهــت األنظــار إلــى شــخصية ســيدي منصــور وهــو أحــد أعيــان طرابلــس‪ ،‬فعينــه أهلهــا واليــا‬
‫عليهــم‪ ،‬وبويــع اإلمــارة ســنة ( ‪ 865‬هـــ‪ 1460 /‬م)‪ ،‬ودخــل يف صلــح الســلطة الحفصيــة‪ ،‬وانتهــت‬
‫واليتــه بمقتلــه ســنة ( ‪ 876‬هـــ‪ 1471 /‬م) مــن قبــل أحــد ابنــاء عمومتــه‪.‬‬
‫ويف ســنة ( ‪ 877‬هـــ‪ 1472 /‬م) تقــرر اختيــار أحــد أعيــان طرابلــس ليتولــى أمرهــا‪ ،‬ويف‬
‫ســنة( ‪ 885‬هـــ‪ 1480 /‬م) بايــع أهــل طرابلــس مامــي التاجــر‪ ،‬فنشــطت التجــارة وأقــام عالقــات‬
‫بالمــدن األوروبيــة‪ ،‬وعقــد معهــم معاهــدات تضمنــت اعتمــاد قناصــل‪.‬‬
‫وبعــد وفــاة مامــي ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م) خلفــه علــى طرابلــس الشــيخ عبــد اهلل بــن شــرف‬
‫وقــد كان ورعــا‪ ،‬فعــم الرخــاء وازدهــر العمــران ونشــط االقتصــاد؛ إال أنــه أهمــل جانــب‬
‫التحصينــات خاصــة مــن جهــة البحــر‪ ،‬ممــا جعلهــا عرضــة لهجمــات اإلســبان‪ ،‬فاســتولوا عليهــا‬
‫ســنة ( ‪ 916‬هـــ‪ 1510 /‬م)‪.‬‬

‫نشاط فكري‬
‫تشــر إىل ت� ير�خ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫يز‬
‫ي‬
‫عــز�ي الطالــب‪ � :‬بتجميــع مــادة �ر�يــة ي‬
‫طرابلــس بعــد ن�ايــة القــرن الثالــث اهلجــري‪ /‬التاســع امليــادي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ابط� (‪ 541 - 448‬هـ‪ 1147 - 1056 /‬م)‪:‬‬ ‫ة‬


‫دول املر ي ن‬ ‫و) ‬
‫هــي دولــة قامــت علــى فكــرة المرابطــة والجهــاد‪ ،‬وسـ ّـمي القائمــون عليهــا بالمرابطيــن‬
‫وهــم الفــرع الثــاين مــن صنهاجــة وهــم بخــاف صنهاجــة الشــمال (بنــو زيــري)‪ .‬كانــوا‬
‫صحراوييــن ويعرفــون ً‬
‫أيضــا بقبائــل الملثميــن التخاذهــم اللثــام الــذي يميزهــم دون ســائر قبائــل‬
‫بــاد المغــرب‪ .‬وقــد أطلــق عليهــم تســمية المرابطيــن يف فــرة متأخــرة مــن ظهورهــم وذلــك‬
‫الربــط أو الرباطــات للدفــاع عــن اإلســام‪ ،‬فالربــاط يعنــي مالزمــة الثغــور لمراقبــة‬
‫التخاذهــم ُ‬
‫العــدو‪.‬‬
‫وقــد أقــام هــذه الدولــة قبيلــة صنهاجــة البدويــة التــي كانــت تســكن الخيــام وتعيــش علــى‬
‫الرعــي يف جنــوب جبــال أطلــس الغربية‪.‬‬
‫الر�ط بسبب ‪:‬‬ ‫وقد اختارت ن‬
‫ص�اجة فكرة ب‬
‫‪1.1‬نجاحهــا يف إدخــال ســودان غانــا يف اإلســام فأصبــح لهــم وعي هبــذا الــدور المعتمد‬
‫علــى الربــاط والــذي هــو عبــارة عــن مركــز عســكري صــويف يدعــو إلــى اإلســام‬
‫ويدافــع عنــه‪.‬‬
‫‪2.2‬اقتنــاع شــيخ قبائــل لمتونــة وجدالــة الصنهاجييــن (يحــي بــن إبراهيــم الجدالــي)‬
‫بفكــرة التوجــه الدينــي إلقامــة دولــة تعيــد توحيــد بــاد المغــرب مــن االنقســام‪.‬‬
‫‪3.3‬أثــر الداعيــة عبــد اهلل بــن ياســين الــذي شــكل الفكــر الدينــي الجهــادي لــدى‬
‫المرابطيــن‪.‬‬
‫ة‬ ‫ف‬ ‫دور عبد هللا ب ن� ي� ي ن‬
‫الدول‪:‬‬ ‫س� وخلفائه ي� قيام‬
‫وعندمــا توافــرت األســباب الســالفة الذكــر‪ ،‬خــرج المرابطــون مــن الصحــراء يقودهــم‬
‫زعيمهــم عبــد اهلل بــن ياســين فاســتولوا علــى غانــا وعلــى جــزء كبيــر مــن شــواطئ هنــر النيجــر‪،‬‬
‫وقامــوا بنشــر اإلســام بيــن القبائــل الوثنيــة المختلفــة‪ ،‬ثــم زحفــوا علــى بــاد المغــرب األقصــى‬
‫داعيــن النــاس إلــى العــودة إلــى اإلســام الصحيــح واإلبتعــاد عــن البــدع والخرافــات والتشــتت‪.‬‬
‫وخاضــوا لذلــك معــارك عــدة كان أهمهــا المعركــة التــي دارت قــرب مدينــة الربــاط الحاليــة عــام‬
‫( ‪ 451‬هـــ‪ 1059 /‬م) والتــي انتصــروا فيهــا وقــد قتــل فيهــا زعميهــم عبــد اهلل بــن ياســين‪.‬‬
‫وقــد تولــى الزعامــة مــن بعــد ابــن ياســين‪ ،‬أبــو بكــر بــن عمــر يعاونــه يوســف بــن تاشــفين‬
‫وقامــت قواهتــم بالتوغــل يف األراضــي المغربيــة وســاعدها علــى ســرعة ضــم المناطــق الواحــدة‬

‫‪171‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫بعــد األخــرى وجــود اإلنقســام القبلــي وســيادة الشــعوذة والســحر والوثنيــة بيــن بعــض القبائــل‬
‫المغربيــة‪ .‬فقــرورا تقسـ يـم ت‬
‫قوا�ــم إىل قسـ ي ن‬
‫ـم�‪:‬‬
‫ •قســم قــاده أبــو بكــر بــن عمــر وتولــى مواصلــة نشــر اإلســام بيــن القبائــل الوثنيــة‬
‫الواقعــة جنــوب الصحــراء بمــا لديــه مــن خــرة يف هــذا المجــال‪.‬‬
‫ •أمــا القســم اآلخــر مــن القــوات‪ ،‬فقــد قاده يوســف بن تاشــفين الــذي تعتــره المراجع‬
‫التاريخيــة المؤســس الحقيقــي لدولــة المرابطيــن لمــا قــام بــه مــن مجهــودات يف‬
‫تطويــر هــذه الدولــة‪ .‬وقــد نجحــت هــذه القــوات يف التوغــل يف بــاد المغــرب‪،‬‬
‫وذلــك بعــد فتــح يوســف بــن تاشــفين مــدن طنجــة ووجــدة وتلمســان ووهــران‬
‫بالمغــرب األوســط والوصــول إلــى مدينــة تونــس وكان ذلــك يف الفــرة الواقعــة بيــن‬
‫عامــي ( ‪ 474 - 454‬هـــ‪ 1081 - 1062 /‬م)‪.‬‬
‫تأ‬
‫ •�سيس مراكش‪:‬‬
‫وقــد بــدأ يوســف بــن تاشــفين خــال هــذه الفــرة يف وضع أســاس مدينــة مراكــش لتكون‬
‫عاصمــة لدولتــه‪ ،‬بعــد أن اختــار لهــا الموقــع المميــز حــول جبــل المصامــدة‪ .‬وحفــر هبــا اآلبــار‪،‬‬
‫واختــط فيهــا الــدور والقصــور والمســجد الجامــع‪ .‬وشــجع النــاس علــى اإلقامــة هبــا وتعميرهــا‪.‬‬
‫وســرعان مــا أصبحــت حاضــرة مــن الحواضــر اإلســامية ذات الشــهرة العاليــة‪.‬‬
‫كمــا أصبــح يوســف بــن تاشــفين الحاكــم القــوي يف المغــرب والــذي يســهم يف ســير‬
‫األحــداث يف المنطقــة ومــا حولهــا فيمــا يتفــق ومصالــح دولتــه‪ ،‬ومــا يحقــق أهدافهــا الخاصــة‬
‫والعامــة‪.‬‬
‫أ‬ ‫ •دخول املر ي ن‬
‫ابط� إىل الندلس‪:‬‬
‫أدى اختــال ميــزان القــوة بيــن اإلمــارات المجــاورة يف المغــرب أو يف األندلــس التــي‬
‫تعتــر امتــدادا لــه‪ ،‬أو بينهــا وبيــن الممالــك اإلســبانية ســيراه ابــن تاشــفين خطـ ًـرا علــى دولتــه‪،‬‬
‫ومــن ثــم وجــوب القضــاء عليــه‪ .‬ويالحــظ يف هــذه الفــرة‪ ،‬بأنــه يف الوقــت الــذي وصلــت فيــه‬
‫دولــة المرابطيــن درجــة عاليــة مــن التنظيــم واالتســاع والقــوة‪ ،‬كانــت بــاد األندلــس تعــاين‬
‫مــن تمــزق وانقســام نتيجــة للوضــع السياســي الســيء الــذي أعقــب ســقوط الخالفــة األمويــة‬
‫هبــا‪ .‬فانقســمت البــاد بيــن ملــوك الطوائــف‪ ،‬وأصبــح بــكل مدينــة إمــارة مســتقلة مثــل قرطبــة‬
‫وإشــبيلية وغرناطــة وملقــا وبطليــوس وطليطلــة وسرقســطة‪ .‬وانتهــز اإلســبان المســيحيون هــذه‬

‫‪172‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫الفرقــة فصــاروا يهاجمــون الثغــور األندلســية تمهيــدا لطــرد المســلمين منهــا‪ .‬مــن هنــا شــعر‬
‫ملــوك الطوائــف بالخطــر الــذي ســيداهمهم إذا اســتمروا يف تشــتتهم وقــد زاد فزعهــم عندمــا‬
‫اســتولى (الفونــس الســادس) ملــك قشــتالة علــى مدينــة طليطلــة عــام ( ‪ 478‬هـــ‪ 1085 /‬م)‪.‬‬
‫فاتجهــت األنظــار إلــى قــوة المرابطيــن الناهضــة‪ ،‬واســتنجد أميــر إشــبيلية المعتمــد بــن عبــاد‬
‫بيوســف بــن تاشــفين فاســتجاب للنــداء وعــرت قــوات المرابطيــن إلــى األندلــس واتخــذت‬
‫الجزيــرة الخضــراء قاعــدة لهــا‪.‬‬
‫وكرهــا إلــى ابــن‬
‫ً‬ ‫وفــرح أهــل األندلــس بقدومهــا‪ .‬وانضــم ملــوك الطوائــف طو ًعــا‬
‫تاشــفين الــذي التقــت قواتــه بجيــوش الفونــس الســادس يف موضــع يقــال لــه (الزالقــة) قــرب‬
‫مدينــة بطليــوس عــام ( ‪ 479‬هـــ‪ 1086 /‬م) ودارت بينهمــا معركــة حاســمة فاصلــة‪ ،‬انتصــر فيهــا‬
‫المرابطــون ومــن حالفهــم مــن ملــوك الطوائــف‪ ،‬وجــرح فيهــا الفونــس الســادس وفــر بمــن بقــي‬
‫معــه‪ .‬وهبــذا االنتصــار اســتقرت ســيادة المرابطيــن علــى المغــرب واألندلــس لمــدة طويلــة‪.‬‬
‫بالرغــم مــن االنتصــار‪ ،‬فــإن المرابطيــن لــم يســتثمروا هــذا النصــر بدخولهــم إلــى مدينــة‬
‫طليطلــة‪ ،‬فقــد عــاد ابــن تاشــفين إلــى المغــرب بســبب القالقــل التــي واجهــت دولتــه هنــاك‪.‬‬
‫وبعــد ســنين عــاد المعتمــد بــن عبــاد يســتنجد بالمرابطيــن‪ ،‬فعــاد يوســف بــن تاشــفين مــرة أخــرى‬
‫وحقــق النصــر والوحــدة وقضــى علــى ملــوك الطوائــف موحــدة البــاد تحــت ســلطته‪.‬‬
‫وقــد أدت تلــك الجهــود إلــى توقــف توغــل اإلســبان يف األندلــس‪ ،‬كمــا أدت دعــوة‬
‫المرابطيــن إلــى أهــل األندلــس بضــرورة حمايــة ســواحلهم وإلــى بناء أســطول يف موانئ الســاحل‬
‫األندلســي الشــرقي‪ ،‬الــذي اســتولی علــى العديــد مــن الجــزر والمواقــع وعمــل علــى تحجيــم‬
‫القــوة اإلســبانية وبذلــك منعهــا مــن االشــراك يف الحــروب الصليبيــة علــى العالــم اإلســامي يف‬
‫المشــرق‪.‬‬
‫كان للتطــور الســريع لدولــة المرابطيــن واتســاع رقعتهــا الجغرافيــة‪ ،‬ومــا نالتــه مــن‬
‫اهتمامــات اقتصاديــة وعلميــة‪ ،‬انعــكاس علــى حيــاة ســكاهنا‪ ،‬خاصة بعــد وصولهم إلــى األندلس‬
‫ومشــاهدهتم لمباهــج الحيــاة فيهــا فانصرفــوا عــن حيــاة التقشــف والخشــونة التــي كانــوا عليهــا‬
‫يف حيــاة الربــاط وتأثــروا بالــرف واللهــو يف الوقــت الــذي بــدأت فيــه ثــورات األندلســيين علــى‬
‫المرابطيــن‪ .‬فســاءت األحــوال واضطربــت الحيــاة السياســية واالقتصاديــة ونشــط اإلســبان مــرة‬
‫أخــرى‪ ،‬فســقطت دولــة المرابطيــن وقامــت علــى أنقاضهــا قــوة أخرى عرفــت بدولــة الموحدين‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ين‬
‫املوحد� (‪ 668 - 541‬هـ‪ 1269 - 1146 /‬م)‪:‬‬ ‫ة‬
‫دول‬ ‫ز) ‬
‫وهــي دولــة ســميت باســم الفكــرة التــي دعــت إليهــا وهــي فكــرة التوحيــد الخالص‪.‬كمــا‬
‫عرفــت بدولــة المصامــدة ألن قبائــل مصمــودة هــي التــي تبنــت الفكــرة ودافعــت عنهــا‪.‬‬
‫ويف عهــد دولــة الموحديــن توحــدت بــاد المغــرب مــن مدينــة ســرت شــرقا وحتــى‬
‫المحيــط األطلســي غربــة إضافــة إلــى األندلــس‪.‬‬
‫ومؤســس هــذه الدولــة محمــد بــن تومــرت الــذي قــاد معــارك طاحنــة ضــد القبائــل التــي‬
‫رفضــت دعوتــه وكذلــك ضــد بقايــا دولــة المرابطيــن المنهــارة‪ .‬ونجــح زعمــاء هــذه الدولــة يف‬
‫توســيع رقعتهــا شــر ًقا حتــى خليــج ســرت وهزمــوا النورمانديــن الذيــن اســتولوا علــى بعــض‬
‫مناطــق الســاحل اإلفريقــي مســتغلين حالــة االنقســام‪.‬‬
‫وقد أقام ب ن‬
‫ا� تومرت دولته عىل مبادئ حمددة يه‪:‬‬
‫‪1.1‬التوحيد وهو من مبادئ أهل الكالم من المعتزلة‪.‬‬
‫‪2.2‬اإلصالح األخالقي ويعني تنقية النفوس من الفساد‪.‬‬
‫‪3.3‬الوعي التام بضرورة الجهاد‪.‬‬
‫ويف عــام ( ‪ 533‬هـــ‪ 1129 /‬م) تــويف محمــد بــن تومــرت فتولــى الزعامــة مــن بعــده عبــد‬
‫المؤمــن بــن علــي الــذي ســار علــى هنجــه يف تطبيــق المبــادئ المشــار إليهــا‪.‬‬
‫ويعتــر عبــد المؤمــن مــن أبــرز أمــراء الموحديــن بمــا توافــر لــه مــن خــرة يف الحــرب‬
‫ويف تنظيــم الدولــة إداريــا واقتصاديــا‪ .‬فســدد عبــد المؤمــن بــن علــي الضربــة النهائيــة للمرابطيــن‬
‫يف المغــرب األوســط (الجزائــر) بيــن تلمســان ووهــران وبذلــك صــار صاحــب المغربيــن‬
‫األقصــى واألوســط‪ .‬ثــم بــدأ حمالتــه المتكــررة علــى المغــرب األدين (تونــس)‪ ،‬بعــد أن ضــم‬
‫إليــه مملكــة بنــي حمــاد أصحــاب بجايــة‪ .‬ونجــح يف إقنــاع بنــي هــال الذهــاب إلــى المغــرب‬
‫األقصــى للمشــاركة يف الجهــاد ضــد الصليبييــن يف األندلــس‪ .‬واســتمر يف حركتــه التوحيديــة‬
‫ال إلــى إفريقيــة فوقعــت تحــت ســيطرته بالكامــل‪ ،‬باإلضافــة إلــى انضمــام‬ ‫لبــاد المغــرب وصــو ً‬
‫مدينــة طرابلــس الغــرب مــن تلقــاء نفســها إليــه نظــر ًا لمــا كانــت تعانيــه مــن غــزوات النورماندييــن‬
‫وصليبــي صقليــة المتكــررة عليهــا‪ .‬وكان توحيــد بــاد المغــرب تحــت رايــة الموحديــن ســنة‬
‫( ‪ 555‬هـــ‪ 1160 /‬م)‪.‬‬
‫وبنجــاح الموحديــن يف ضــم هــذه المناطــق الشاســعة توفــرت لديهــم القــوة البشــرية‬

‫‪174‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫المســلمة التــي ســاعدهتم يف نقــل میــدان المعركــة إلــى بــاد األندلــس علــى شــاكلة مــا فعلــه‬
‫المرابطــون قبــل ذلــك‪.‬‬
‫أ‬ ‫ين‬
‫املوحد� إىل الندلس‪:‬‬ ‫ •عبور‬
‫يف عــام ( ‪ 538‬هـــ‪ 1143 /‬م) عــرت جيــوش الموحديــن إلــى األندلس حيــث نزلت بجبل‬
‫طــارق وســموه جبــل الفتــح وبنــوا بــه بعــض الحواضــر كقواعــد لهــم‪ ،‬كمــا تصالحــوا مــع أهــل‬
‫األندلــس وحصلــوا هنــاك علــى البيعــة‪ ،‬وبموجــب ذلك نجحــت قــوات الموحدين يف االســتيالء‬
‫علــى معظــم جنــوب شــبه جزيــرة أيربيــا حتــى وفــاة عبــد المؤمــن عــام ( ‪ 558‬هـــ‪ 1162 /‬م)‪.‬‬
‫لــم يتــم توحيــد بــاد المغــرب حتــى ســنة ( ‪ 538‬هـــ‪ 1143 /‬م)‪ ،‬ويف نفــس العــام عــرت‬
‫جيــوش الموحديــن إلــى األندلــس‪ ،‬ورتــب عبــد المؤمــن بــن علــي ذلــك‪ ،‬فأمــر ببنــاء مدينــة جبــل‬
‫طــارق ســنة ( ‪ 555‬هـــ‪ 1160 /‬م)‪ ،‬إال أنــه تــويف وهــو يســتعد للعبــور إليهــا ســنة ( ‪ 558‬هـــ‪ 1162 /‬م)‪.‬‬
‫ويف عهــد ابنــه يوســف بــن عبــد المؤمــن ( ‪ 580 - 558‬هـــ‪ 1184 - 1162 /‬م) واصــل‬
‫الموحــدون تقدمهــم داخــل األندلــس متبعيــن طريقتيــن للتعامــل مــع الصليبييــن اإلســبان‪:‬‬
‫ •األولى توحيد اإلمارات المتناثرة تحت زعامة الموحدين‪.‬‬
‫ •والثانيــة التوســع عــن طريــق االصطــدام المتقطــع مــع اإلســبان وتحريــر مــا يمكــن‬
‫تحريــره مــن أيديهــم‪.‬‬
‫ويف عهــد حفيــد عبــد المؤمــن (المنصــور يعقــوب بــن يوســف بــن عبــد المؤمــن ( ‪580‬‬

‫‪ 595 -‬هـــ‪ 1199 - 1184 /‬م) خــاض الموحــدون معركــة مــن أشــهر المعــارك اإلســامية ضــد‬
‫اإلســبان‪ ،‬وهــي معركــة األرك ( ‪ 592‬هـــ‪ 1195 /‬م) التــي ســميت بذلــك نســبة إلــى المــكان الــذي‬
‫جــرت فيــه‪ ،‬وهــو وادي األرك بالقــرب مــن مدينــة بطليوس األندلســية‪ .‬وقد جاءت هــذه المعركة‬
‫رد ًا علــى خــرق ملــك اإلســبان الفونســو التاســع للمعاهــدات المعقــودة بينــه وبيــن الموحديــن‪،‬‬
‫ودعوتــه إلــى حــرب صليبيــة صريحــه ضــد المســلمين يف األندلــس‪ .‬فتقدمــت قــوات الموحديــن‬
‫وهزمتــه يف هــذه المعركــة الفاصلــة التــي نتــج عنهــا تحريــر العديــد مــن المــدن والجيــوب التــي‬
‫اســتولى عليهــا اإلســبان‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أ‬ ‫ين‬
‫املوحد� إىل الندلس‬ ‫خريطة عبور‬

‫‪176‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ن ف‬ ‫ • ة‬
‫املوحد� ي� بالد املغرب‬
‫ي‬ ‫دول‬
‫وعقــب وفــاة المنصــور ســاءت األوضــاع السياســية والعســكرية للموحديــن نظــرا لعــدم‬
‫قــدرة مــن تولــوا مــن بعــده علــى القيــادة‪ ،‬األمــر الــذي مكــن اإلســبان مــن إشــعال حــرب صليبيــة‬
‫جديــدة ضــد الموحديــن وتمــت هزيمتهــم يف معركــة العقــاب عــام ( ‪ 609‬هـــ‪ 1212 /‬م)‪ ،‬وهــي من‬
‫المعــارك المحزنــة يف التاريــخ اإلســامي والتــي ترتــب عليهــا مواصلــة اإلســبان الضغــط علــى‬
‫الموحديــن إلخراجهــم مــن األندلــس حتــى تمكنــوا مــن ذلــك عــام ( ‪ 633‬هـــ‪ 1235 /‬م)‪ ،‬وورث‬
‫ملكهــم هبــا بنــو هــود وبنــو نصــر‪.‬‬
‫أمــا عــن حالــة دولــة الموحديــن ببــاد المغــرب فإهنــا لــم تكــن أحســن حــا ً‬
‫ال مــن‬
‫حالهــم يف األندلــس‪ .‬فســادت بــاد المغــرب حــركات مناهضــة وعجــزت الدولــة عــن صدهــا‪،‬‬
‫واقتســم والة الموحديــن بــاد المغــرب ّ‬
‫وكونــوا إمــارات مســتقلة مراعيــة اســتمرار شــرعية حكم‬
‫الموحديــن حتــى ســقطت دولتهــم رســميًا عــام ( ‪ 674‬هـــ‪ 1275 /‬م) وورثهــم‪:‬‬
‫‪1.1‬الحفصيون يف المغرب األدين (تونس)‬
‫‪2.2‬بنو عبد الواد الزيانيون يف المغرب األوسط (الجزائر)‪.‬‬
‫‪3.3‬بنو مرين ثم الوطاسيون يف المغرب األقصى (المغرب)‪.‬‬
‫بالرغــم مــن المشــاكل المتكــررة التــي صاحبــت دولــة الموحديــن والجهــد الــذي بذلــوه‬
‫يف ســبيل توحيــد بــاد المغــرب واألندلــس وجهادهــم المســتمر ضــد الصليبييــن فإهنم لــم يهملوا‬
‫المجــال الحضــاري‪ ،‬فاهتمــوا بالعمــران والعلــوم وازدهــرت يف عهدهــم الثقافــة اإلســامية‪.‬‬
‫بفضــل جهــوج العلمــاء والفقهــاء واألطبــاء وغيرهــم مــن أمثــال ابــن طفيــل والفيلســوف ابــن‬
‫راشــد‪ ،‬والطبيــب ابــن زهــر أســس الموحــدون مدينــة الربــاط كمــا عملــوا علــى بنــاء العديــد مــن‬
‫المســاجد هبــا‪.‬‬
‫كمــا شــهدت الحيــاة االقتصاديــة يف العصــر الموحــدي نشــاط كبيــر واهتمــام بالزراعــة‬
‫والرعــي والصناعــة‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ب) األندلـــــس‪:‬‬
‫‪1.1‬الدولة األموية يف األندلس (‪ 422 - 138‬هـ‪ 1031 - 756 /‬م)‬
‫بعــد ســقوط الدولــة األمويــة علــى يــد العباســيين ( ‪ 132‬هـــ‪ 750 /‬م) رأي هــؤالء أن‬
‫اســتمرارهم يف الخالفــة يتطلــب القضــاء علــى أبنــاء البيــت األمــوي جميعــا‪ .‬ففـ ّـر أحدهــم وهــو‬
‫عبــد الرحمــن بــن معاويــة واســتطاع الوصــول إلــى بــاد المغــرب ومنهــا انتقــل إلى األندلس ســنة‬
‫( ‪ 137‬هـــ‪ 755 /‬م) حيــث اســتقر وأخــذ يدعــو إلــى إحيــاء الدولــة األمويــة فيهــا‪ .‬رحب المســلمون‬
‫يف األندلــس بــه‪ ،‬فقــد كانــت األحــوال يف األندلــس مضطربــة بســبب االنقســامات والحــروب‬
‫األهليــة بيــن القبائــل اليمينــة والمضريــة‪ ،‬واســتطاع عبــد الرحمــن بــن معاويــة االنتصــار علــى‬
‫منافســيه يف موقعــة المصــارة بالقــرب مــن قرطبــة ســنة ( ‪ 138‬هـــ‪ 756 /‬م)‪ .‬واتخــذ مــن قرطبــة‬
‫عاصمــة األندلــس مقــر ًا لــه‪ ،‬وأعلــن نفســه حاكمــا مســتقالً عــن الدولــة العباســية‪.‬‬
‫وظــل عبــد الرحمــن الــذي لقــب (بالداخــل)‪ ،‬يعمــل طيلــة مــدة حكمــه التــي دامــت‬
‫ثالثــة وثالثيــن عامــا علــى تأميــن حــدود دولتــه واســتقرارها وتمكــن مــن إيقــاف العباســيين‬
‫الذيــن حاولــوا إعــادة األندلــس إلــى حكمهــم وأفشــل خططهــم‪.‬‬
‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬قاومــت الدولــة األمويــة يف األندلــس أطمــاع الفرنجــة يف إعــادة‬
‫الســيطرة علــى األندلــس‪ ،‬وصــدت جيوشــهم وأثبــت األمويــون مناعــة هــذه الدولــة المســتقلة‬
‫وقوهتــا‪.‬‬
‫تولــى الحكــم بعــد عبــد الرحمــن بــن معاويــة تســعة والة منهــم خمســة يف عصــر اإلمــارة‬
‫بمــن فيهــم عبــد الرحمــن الداخــل‪ ،‬واتخــذوا لقــب أميــر‪ ،‬وتولــى األربعــة الباقــون الحكــم يف‬
‫عصــر الخالفــة واتخــذوا لقــب خليفــة‪ .‬وقــد تذبذبــت فــرات حكمهــم بيــن الضعــف والقــوة‪.‬‬
‫ويمكننــا أن نوجــز أمه أمعاهلــم‪:‬‬
‫‪1.1‬االهتمام بتنظيم اإلدارة‪.‬‬
‫‪2.2‬بناء عالقات دبلوماسية مع البيزنطيين‪.‬‬
‫‪3.3‬االهتمــام بالتطــور العمــراين‪ ،‬كبنــاء المســاجد التــي بقيت كشــاهد حضاري إســامي‬
‫يف األندلــس حتى اآلن‪.‬‬
‫‪4.4‬االهتمــام بصناعــة الســفن وإنشــاء أحــواض لهــذا الغــرض بإشــبيلية وقرمونــة‬
‫ومرســية وبلنســية وقــد كان األســطول األمــوي باألندلــس الســاعد األيمــن يف‬

‫‪178‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫عمليــات الجهــاد ضــد الصليبييــن يف البحــر المتوســط‪.‬‬


‫‪5.5‬التصــدي المســتمر ألعــداء الدولــة مــن الخــارج‪ ،‬خاصــة الفرنجــة والنورمانديــن‬
‫الذيــن كانــوا يطمعــون يف الســيطرة علــى األندلس والقضــاء على الوجود اإلســامي‬
‫فيهــا‪ ،‬وتمكنــت القــوات اإلســامية مــن اخــراق جبــال الربانــس وصــو ً‬
‫ال إلــى إقليــم‬
‫ســبتمانيا يف جنــوب فرنســا وتقدمــت باتجــاه طولوشــة أو تولــوز ألول مــرة منــذ‬
‫موقعــة بــاط الشــهداء حيــث منیــت قــوات الفرنجــة هبزيمــة كــرى‪ ،‬وخســرت‬
‫عــدد ًا كبيــر ًا مــن القتلــى واألســرى‪ .‬كمــا اهتــم حــكام هــذه الدولــة بإقامــة العديــد‬
‫مــن الحصــون الدفاعيــة علــى مصبــات األهنــار‪ ،‬وشــيدوا األســوار العاليــة حــول‬
‫المــدن المهمــة مثــل اشــبيلية وذلــك لصــد غــارات األعــداء‪.‬‬
‫‪6.6‬تميــز عهــد الدولــة األمويــة يف األندلــس بالرخــاء االقتصــادي‪ ،‬حيــث اهتــم حكامهــا‬
‫بالزراعــة والصناعــة‪ ،‬فضـاً عمــا أعطتــه االنتصــارات العديــدة مــن زخمــا اقتصــادي‬
‫للمجتمــع والدولــة‪.‬‬
‫‪7.7‬االهتمــام بالعلمــاء والشــعراء والمغنيــن أمثــال زریــاب والغزالي وعباس بــن فرناس‬
‫وأبــي علــي القالــي وغيرهــم‪ .‬وقــد أقامــوا المكتبــات ومــن أشــهرها مكتبــة القصــر‬
‫بالزهــراء التــي حــوت نحــو أربعمائــة ألــف كتــاب يف شــتى العلــوم والمعــارف‪.‬‬
‫وأصبحــت األندلــس بذلــك النافــذة األولــى لنشــر الثقافــة والحضــارة اإلســامية يف‬
‫العالــم وخاصــة يف أوروبــا‪..‬‬
‫أ‬ ‫ة أ‬
‫زوال الدول الموية ب�لندلس‪:‬‬
‫زالــت الدولــة األمويــة باألندلــس بعــد عــزل آخــر خلفائهــا هشــام (المعتــد بــاهلل) ســنة‬
‫( ‪ 422‬هـــ‪ 1031 /‬م)‪ .‬ونتــج عــن زوال الدولــة األمويــة انقســام بــاد األندلــس إلــى كيانــات قزميــة‬
‫متفرقــة بلــغ عددهــا ( ‪ )16‬علــى رأس كل منهــا حاکــم‪ .‬دخلــت األندلــس يف عصــر جدیــد عــرف‬
‫باســم عصــر ملــوك الطوائــف‪.‬‬
‫‪2.2‬ملوك الطوائف‪:‬‬
‫ضاعــت وحــدة األندلــس عندمــا ســقطت الخالفة األمويــة وتمزقــت البالد إلــى إمارات‬
‫صغيــرة مثــل قرطبــة وإشــبيلية وغرناطــة وملقــا وبطليــوس وطليطلــة وسرقســطة وغيرهــا‪ .‬وانتهــز‬
‫اإلســبان المســيحيون هــذه الفرقــة فصــاروا يهاجمــون الثغور األندلســية لطــرد المســلمين منها‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫تفك�‬
‫بطاقة ي‬
‫أ‬
‫الحداث السياسية ت‬
‫ال� مرت ب�ا املنطقة العربية بعد‬
‫ي‬ ‫استعرض أمه‬
‫القرن الثالث اهلجري‪ /‬التاسع امليالدي ث‬
‫وآ�رها‪.‬‬

‫‪3.3‬مملكة غرناطة يف األندلس‪:‬‬


‫اســتقلت مملكــة غرناطــة يف كيــان خــاص هبــا منــذ أن بــدأ الضعــف يســري يف دولــة‬
‫الموحديــن عقــب هزيمتهــا يف معركــة العقــاب عــام ( ‪ 609‬هـــ‪ 1212 /‬م) كمــا ذكرنــا‪ .‬وعلــى أثــر‬
‫هــذه الهزيمــة زحفــت القــوات اإلســبانية مــن مملكــة الكاســتيل علــى غرناطــة‪ ،‬وفرضــت عليهــا‬
‫التبعيــة اإلســمية عــام ( ‪ 644‬هـــ‪ 1246 /‬م)‪.‬‬
‫حاولــت مملكــة غرناطــة العربيــة اإلنعتــاق والتحــرر مــن النفــوذ اإلســباين محافظــة علــى‬
‫كياهنــا المســتقل وعلــى نفســها مــن اإلنصهــار يف المجتمــع اإلســباين الجديــد الــذي كان يســعى‬
‫للقضــاء علــى الوجــود العربــي باألندلــس آنــذاك‪ .‬وعاشــت هــذه المملكــة أكثــر مــن قرنيــن مــن‬
‫الزمــان ( ‪ 898 - 644‬هـــ‪ 1492 - 1246 /‬م) بفضــل اســراتيجيتها للبقــاء منهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬اإلستنجاد بالمرينيين حكام المغرب األقصى بين حين وآخر‪.‬‬
‫‪2.2‬اإلتصال بأعداء مملكة الكاستيل من اإلسبان المعارضين والتنسيق معهم‪.‬‬
‫‪3.3‬اإلعتماد على القدرات المحلية يف الدفاع عن نفسها‪.‬‬
‫ولــم تنقطــع هجمــات وهتديــدات اإلســبان علــى هــذه المملكــة العربيــة‪ ،‬إذ هاجمــوا‬
‫جنــوب األندلــس وحاصــروا جبــل طــارق واســتولوا علــى مدينتــي الجزيــرة وطريــف‪ .‬ولكنهــم‬
‫لــم يتمكنــوا مــن اإلســتيالء علــى جبــل طــارق بســبب انتشــار مــرض الطاعــون عــام ( ‪ 750‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1349‬م) الــذي مــات فيــه (ألفونســو الســادس) قائــد الحملــة‪.‬‬
‫وقــد حــاول ملــك غرناطــة العربــي محمــد الثــاين ( ‪ 702 - 672‬هـــ‪ 1302 - 1273 /‬م)‬
‫التخلــص مــن التبعيــة لإلســبان بطلــب النجــدة مــن بنــي مريــن بالمغــرب األقصــى‪ ،‬إال أن ذلــك‬
‫لــم يحــل دون تدخــل ملــوك الكاســتيل اإلســباين يف مملطــة غرناطــة إثــر اســتعانة أحــد األمــراء‬
‫وهــو الملــك الناصــر ضــد منافســه علــى العــرش إســماعيل بــن فــرج الــذي اســتعان بالعــرب‬
‫المغاربــة مــن بنــي مريــن‪ .‬وقــد تمكــن األخيــر مــن هزيمــة الناصــر ومــن معــه مــن اإلســبان‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن اســتعادة العــرب نفوذهــم لبعــض الوقــت إال أن تجــدد الصــراع بيــن‬

‫‪180‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫األمــراء دفــع الملــك هنــري الثالــث التدخــل مــن أجــل الســيطرة علــى غرناطــة إال أنــه مــات عــام‬
‫( ‪ 809‬هـــ‪ 1406 /‬م) دون أن يتحقــق لــه مــا أراد‪.‬‬
‫ولقــد جــاء الموقــف يف غرناطــة بعــد ذلــك لصالــح العــرب حيــث نعمــت مملكــة‬
‫غرناطــة العربيــة بالهــدوء النســبي اســتمر مــن عــام ( ‪ 806‬هـــ‪ 1406 /‬م) إلــى عام ( ‪ 859‬هـــ‪1454 /‬‬

‫م) وذلــك علــى أثــر صراعــات مذهبيــة وسياســية‪.‬‬


‫لقــد كانــت االنقســامات السياســية وســوء األحــوال االقتصاديــة واالجتماعيــة قــد‬
‫خ ّيمــت علــى الوطــن العربــي بمشــرقه ومغربــه يف النصــف الثــاين مــن القــرن التاســع الهجــري‪/‬‬
‫الخامــس عشــر ميــادي ( ‪ 906 - 855‬هـــ‪ 1500 - 1451 /‬م) فامتــدت آثارهــا إلــى األندلــس عامة‬
‫وغرناطــة بصفــة خاصــة‪ ،‬فــكان الصــراع الــذي قــام بيــن أمــراء بنــي األحمــر آخــر ملــوك غرناطــة‬
‫ســببا مباشــرا يف ضيــاع مملكتهــم وضيــاع الملــك العربــي يف األندلــس بعــد أن اســتمر حوالــي‬
‫ثمانيــة قــرون ( ‪ 898 - 93‬هـــ‪ 1492 - 711 /‬م)‪ .‬وقــد حــاول أبــو عبــد اهلل محمــد الوقــوف‬
‫ضــد الجيــوش اإلســبانية المهاجمــة لغرناطــة عــام ( ‪ 887‬هـــ‪ 1482 /‬م) إال أنــه وقــع يف أســرهم‬
‫واســتعاد ولــده عرشــه وتنــازل عنــه ألخيــه محمــد الثــاين عشــر عــام ( ‪ 890‬هـــ‪ 1485 /‬م) وهــو‬
‫الملقــب بـــ محمــد الزغــل‪.‬‬
‫ختامــا‪ :‬قامــت قــوات (فردینانــد) وزوجتــه (إيزابيــا) اللذيــن توحــدا يف مملكــة واحــدة‬
‫بالزحــف علــى غرناطــة وبالرغــم مــن فــك أســر أبــي عبــد اهلل وتزويــده بالســاح ومطالبتــه بحرب‬
‫شــقيقه محمــد الثــاين عشــر الســتعادة ملكــه‪ ،‬فــإن مكاســب الحــرب كانــت دون منــازع لإلســبان‬
‫إذ ســقطت غرناطــة هنائيــا عــام ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م)‪ ،‬وبســقوطها كانــت هنايــة الوجــود العربــي‬
‫اإلســامي باألندلــس هنايــة لمجدهــم وحضارهتــم التــي شــهد لهــا العالــم أجمــع‪ .‬أمــا مصيــر أبــي‬
‫ال‪ ،‬ثــم الطــرد مــن األندلــس هنائيــا إلــى‬‫عبــد اهلل المتعــاون مــع العــدو اإلســباين فــكان النفــي أو ً‬
‫المغــرب متحســرا علــى ملــك أجــداده وعلــى تآمــره مــع األعــداء‪.‬‬
‫ •سقوط غرناطة وإخراج العرب واملسلمني من األندلس‪:‬‬
‫بعــد هزيمــة الموحديــن يف موقعــة العقــاب انســحبوا إلــى المغــرب‪ .‬وحــاول بنــو مريــن‬
‫القيــام بنفــس الــدور الــذي قــام بــه الموحــدون إال أهنــم لــم يوفقــوا‪ ،‬وتقــدم اإلســبان يف اتجــاه‬
‫مــدن األندلــس‪ ،‬واســتولوا عليهــا واحــدة بعــد األخــرى‪ ،‬ولــم تبــق يف أيــدي المســلمين إال مدينــة‬
‫غرناطــة التــي ظلــت اإلمــارة اإلســامية الوحيــدة ببــاد األندلــس لمــدة قرنيــن مــن الزمــن‪،‬‬
‫وأمراؤهــا يســالمون ويحالفــون ويســتنجدون بإخواهنــم المســلمين يف المغــرب والمشــرق‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وكانــت غرناطــة تمثــل مركــز ًا منيــر ًا للحضــارة اإلســامية‪ ،‬ومن حوله ظلمة الشــعوب المســيحية‬
‫المتخلفــة‪ .‬وقــد أدركــت المنفعــة التــي يحققهــا وجــود غرناطــة بينهمــا‪.‬‬
‫وعندمــا اتحــدت مملكتــا قشــتالة وأوغــون وجهتــا لغرناطــة الضربــة القاضيــة واســتولوا‬
‫عليهــا ســنة ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م)‪ .‬ونتــج عــن اســتيالء اإلســبان علــى مدينــة غرناطــة اضطهــاد‬
‫وش ِّــردوا‪ .‬وكان طبيع ّيــا أن يهاجــر مــن اســتطاع خوفــا علــى‬ ‫المســلمين باألندلــس‪ ،‬ف ُع ِّذبــوا ُ‬
‫دينــه وحرصــا علــى حريتــه واســتمرت هجــرة مســلمي األندلــس إلــى أوائــل القــرن الســابع عشــر‬
‫الميــادي‪ ،‬ولــم يبــق مــن المســلمين هبــا إال القليــل‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أ‬
‫ال ن‬ ‫ين‬ ‫ة‬
‫د�) (‪ 984 - 604‬هـ‪ 1576 - 1207 /‬م)‪:‬‬
‫ي‬ ‫(املغرب‬ ‫احلفصي�‬ ‫دول‬
‫ينتســب الحفصيــون إلــى أبــي حفــص عبــد الواحــد عمــر الهنتــايت ( ‪ 625 - 604‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1228 - 1207‬م)‪ ،‬وهــو صاحــب ابــن تومــرت أميــر الموحديــن ومحــل ثقتــه لذلــك فقــد عينــه‬
‫علــى واليــة تونــس عــام ( ‪ 604‬هـــ‪ 1207 /‬م)‪ .‬ويعتــر العديــد مــن المؤرخيــن تاريــخ الدولــة‬
‫الحفصيــة امتــدادا لتاريــخ دولــة الموحديــن بالرغــم مــن أن الخليفــة الحفصــي أبــا زكريــا يحــي‬
‫األول ( ‪ 647 - 625‬هـــ‪ 1249 - 1228 /‬م)‪ ،‬قــد أعلــن رســميا اإلســتقالل عنهــا يف عــام ( ‪635‬‬

‫هـــ‪ 1237 /‬م) بحجــة أن زعيــم الموحديــن آنــذاك قــد خــرج عــن مبــادئ ابــن تومــرت التــي قامــت‬
‫عليهــا دولــة الموحدين‪.‬والجديــر بالذكــر أن "الدولــة" الحفصيــة هــي امتــداد للموحديــن وقــد‬
‫نجحــوا يف بســط ســيطرهتم علــى عــدة مــدن قســنطينة وأغلــب مــدن شــرق الجزائــر (الحاليــة) ‪،‬‬
‫إال أن الحــكام الحفصييــن اســتقلوا عــن الدولــة الموحيديــة‪.‬‬
‫اهتــم الحفصيــون بالحيــاة االقتصاديــة فعقــدوا اتفاقيــات اقتصاديــة وتجاريــة مــع‬
‫جمهوريــة البندقيــة اإليطاليــة عــام ( ‪ 629‬هـــ‪ 1231 /‬م) ومــع جمهوريــة بيــزا اإليطاليــة عــام‬
‫( ‪ 632‬هـــ‪ 1234 /‬م) ومــع جمهوريــة جنــوا اإليطاليــة عــام ( ‪ 634‬هـــ‪ 1236 /‬م) وأقامــوا عالقــات‬
‫دبلوماســية مــع العديــد مــن الــدول األوروبيــة‪.‬‬
‫وقــد بلغــت دولــة الحفصييــن قمــة مجدهــا أيام أبي عبــد اهلل محمــد الملقب بالمســتنصر‬
‫األول ( ‪ 676 - 647‬هـــ‪ 1277 - 1249 /‬م) الــذي بــذل جهــدا كبيــرا يف ســبيل تطويــر الدولــة‬
‫داخليــا وأهــم مــا تحقــق يف عهــده‪:‬‬
‫‪1.1‬اعرتاف مناطق عدة يف بالد المغرب بحكم الحفصيين والتبعية لهم‪.‬‬
‫‪2.2‬اعرتاف شريف مكة بسلطان الحفصيين عام ( ‪ 657‬هـ‪ 1259 /‬م)‪.‬‬
‫‪3.3‬اعــراف ســلطان المماليــك بمصــر والشــام الظاهــر بيــرس بســلطان الحفصييــن‬
‫عــام ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م)‪.‬‬
‫‪4.4‬االنتصــار علــى حملــة القديــس لويــس التاســع الفرنســية علــى تونــس عــام ( ‪668‬‬

‫هـــ‪ 1270 /‬م)‪.‬‬


‫ومــن المعــروف أن لويــس التاســع الفرنســي هــذا كان قــد أســرته القــوات العربيــة يف‬
‫مصــر عــام ( ‪ 648‬هـــ‪ 1250 /‬م) أثنــاء حملتــه الصليبيــة علــى المنصــورة بمصــر‪ ،‬تــم اإلفــراج عنــه‬
‫عندمــا قدمــت زوجتــه الفديــة وغــادر مصــر معلنــا بأنــه تلقــي درســا‪ ،‬ولــن يشــارك يف أي عــدوان‬
‫علــى العــرب والمســلمین نظــرا للمعاملــة الحســنة التــي تمتــع هبــا أثنــاء أســره‪ .‬ولكنــه بمجــرد أن‬

‫‪183‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫عــاد إلــى فرنســا أعــد حملــة صليبيــة جديــدة ضــد الســواحل التونســية والدولــة الحفصيــة هبــا عــام‬
‫( ‪ 668‬هـــ‪ 1270 /‬م) ولكنــه قتــل هــو وجنــوده بفعــل مــرض الطاعــون الــذي انتشــر بينهــم وكانــت‬
‫هزيمــة هــذه الحملــة نصــرا للدولــة الحفصيــة حيــث ارتفــع مكاهنــا عاليــا يف ذلــك الوضــع الســيئ‬
‫بالوطــن العربــي آنــذاك‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن هــذه الجهــود فــإن األحــوال السياســية واالقتصاديــة قــد تــردت بمجــرد‬
‫وفــاة المســتنصر األول عــام ( ‪ 676‬هـــ‪ 1277 /‬م) فســادت البــاد حالــة مــن الفوضــى اســتمرت‬
‫حوالــي ‪ 40‬ســنة حكــم خاللهــا أحــد عشــر ســلطانا حفصيــا مــن عــام ( ‪ 676‬هـــ‪ 1277 /‬م) إلــى‬
‫عــام ( ‪ 717‬هـــ‪ 1317 /‬م) إلــى أن تمكــن الســلطان الحفصــي أبــو بكــر عــام ( ‪ 746 - 718‬هـــ‪1318 /‬‬

‫‪ 1346 -‬م) مــن إعــادة الهــدوء وتوحيــد البــاد والقضــاء علــى الفوضــى وتنشــيط االقتصــاد‬
‫الحفصــي ببــاد إفريق ّيــة‪ .‬عاشــت الدولــة الحفصيــة أزهــى فرتاهتــا التاريخيــة يف الفــرة الممتــدة‬
‫مــن ( ‪ 894 - 772‬هـــ‪ 1488 - 1370 /‬م) والتــي امتــدت مــدة ‪ 118‬ســنة‪ ،‬حكــم خاللهــا ثالثــة‬
‫مــن ســاطين الحفصييــن هــم علــى التوالــي‪ :‬أبــو العباس أحمــد الثــاين ( ‪ 797 - 772‬هـــ‪- 1370 /‬‬
‫‪ 1394‬م) وعبــد العزيــز أبــو فــارس ( ‪ 838 - 797‬هـــ‪ 1434 - 1396 /‬م) وأبــو عمــر عثمــان ( ‪838‬‬

‫‪ 898 -‬هـــ‪ 1494 - 1424 /‬م) وتمكــن هــؤالء الثالثــة مــن إعــادة مجــد الدولــة الحفصيــة مثــل‬
‫مــا كان عليــه زمــن المســتنصر األول خاصــة بعــد نجــاح االصالحــات الداخليــة شــهدت تونــس‬
‫هنضــة يف شــتى المجــاالت الحياتيــة العلميــة والثقافيــة وحتــى العمرانيــة كان روادهــا المســلمون‬
‫النازحيــن مــن األندلــس‪.‬‬
‫أمــا علــى الصعيــد الخارجــي‪ ،‬فقــد أصبحــت طرابلــس الغــرب تابعــة للحفصييــن‬
‫باإلضافــة إلــى مدينــة بســكرة والجزائــر بالمغــرب األوســط (الجزائــر)‪ .‬كمــا اعــرف بنــو مريــن‬
‫بالمغــرب األقصــى (مراکــش) بالتبعيــة للحفصييــن عــام ( ‪ 828‬هـــ‪ 1424 /‬م)‪.‬وشــهد العهــد‬
‫الحفصــي أيضــا نشــاطا كبيــرا يف المجــاالت الدبلوماســية والتجاريــة واالقتصاديــة والبعثــات‬
‫العلميــة القادمــة مــن كل مــن مصــر ومكــة وغرناطــة ومــن معظــم الــدول األوروبيــة وخاصــة‬
‫الجمهوريــات اإليطاليــة التــي كان لهــا نشــاطا تجاريــا بحريــا ملحوظــا مــع تونــس يف ذلــك‬
‫الوقــت‪.‬‬
‫لكــن لــم تســتطع الدولــة الحفصيــة المحافظــة علــى كل هــذه المكتســبات واالنجــازات‬
‫بعــد عهــد أبــي عمــر عثمــان المتــويف عــام ( ‪ 892‬هـــ‪ 1488 /‬م) فاهنــار مركزهــا الدولــي‪ .‬وســادهتا‬
‫الفوضــى‪ ،‬وتعرضــت للغــزو الصليبــي األوروبــي‪ ،‬شــنّت مدينــة جنــوة اإليطاليــة هجومــا‬

‫‪184‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫اســتهدف جزيــرة جربــة كذلــك الغــزوات الصليبيــة الفرنســية المتكــررة‪ ،‬والهجمــات اإلســبانية‬
‫المتالحقــة عقــب ســقوط غرناطــة عــام ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م) التي كشــفت عــن المطامع اإلســبانية‬
‫واســتمرت مــن عــام ( ‪ 915‬هـــ‪ 1509 /‬م) حتــى عــام ( ‪ 984‬هـــ‪ 1576 /‬م) عنــد دخــول القــوات‬
‫العثمانيــة اإلســامية الناشــئة طرفــا فيهــا‪ .‬وانتهــى األمــر بســقوط الدولــة الحفصيــة وســيادة‬
‫الحكــم العثمــاين علــى تونــس وبــدأ التاريــخ الحديــث لهــذه الدولــة‪.‬‬
‫ومــن المالحــظ أن حــدوث اإلنقســام والتجزئــة بالمغــرب العربــي عامــة والصــراع‬
‫الحفصــي الدّ اخلــي علــى وجــه الخصــوص قــد أثــر تأثيــر ًا مباشــر ًا علــى وحــدة الوطــن العربــي‬
‫وأوجــد فرصــة للغــزو األجنبــي‪ .‬ولقــد حاولــت دولــة بنــي مريــن بالمغــرب األقصــى إعــادة الكرة‬
‫لتوحيــد المغــرب العربــي علــى منــوال مــا عملــه المرابطــون والموحــدون إال أن هــذه المحاولــة‬
‫بــاءت بالفشــل أيضــا‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أ‬ ‫الز�نيـ ي ن‬ ‫ )أ ة‬
‫ـ� (املغــرب الوســط) (‪ 962 - 633‬هـــ‪/‬‬ ‫دول بـن ي عبــد الــواد ي‬
‫‪ 1554 - 1235‬م)‪:‬‬
‫التعريــف ب�ــم‪ :‬ينتســب بنــو عبــد الــواد إلــى قبيلــة زناتــه المشــهورة يف بــاد المغــرب‬
‫والتــي لعبــت دورا أساســيا يف تاريــخ هــذه المنطقــة السياســي واالقتصــادي‪.‬‬
‫وكان بنــو عبــد الــواد علــى عالقــة طيبــة بالموحديــن عنــد ظهورهــم ببــاد المغــرب‬
‫فتعاونــوا معهــم إلرســاء دعائــم دولتهــم‪.‬‬
‫أمهية تملسان‪:‬‬
‫األمــر الــذي دفــع الموحديــن إلــى إســناد حكــم مدينــة تلمســان الجزائريــة المشــهورة‬
‫اقتصاديــا وثقافيــا واســراتيجيا إلــى بنــي عبــد الــواد حلفائهــم‪ ،‬وذلــك لغــرض الســيطرة علــى‬
‫طريــق التجــارة الهــام وللقضــاء علــى الفتــن واالضطرابــات بالمغــرب األوســط (الجزائــر)‪،‬‬
‫حتــى تتمكــن قيــادة دولــة الموحديــن مــن إنجــاز المهــام الصعبــة األخــرى والمتمثلــة يف العبــور‬
‫إلــى األندلــس ونجــدة العــرب والمســلمين هبــا‪.‬‬
‫ب� القوى خ‬
‫املتلفة للسيطرة عىل تملسان‪:‬‬ ‫الرصاع ي ن‬
‫ومــن المعــروف أن مدينــة تلمســان تقــع مــا بيــن الســاحل والصحــراء وبذلــك اكتســبت‬
‫موقعــا هامــا تصــارع مــن أجــل الســيطرة عليهــا قــوى مختلفــة منهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬بنو عبد الواد سكاهنا األصليون المسندون بقوة الموحدين‪.‬‬
‫‪2.2‬بنو حفص بتونس الراغبون يف توسيع ملكهم غربا إلى تلمسان‪.‬‬
‫‪3.3‬بنو مرين بالمغرب األقصى والذين تكررت هجماهتم على تلمسان‪.‬‬
‫‪4.4‬بدو وهران المغيرون على تلمسان للنهب والسلب‪.‬‬
‫وهــذا الموقــع جعــل مــن تلمســان ميدا ًنــا مســتمر ًا للقتــال مــدة زادت عــن القرنيــن مــن‬
‫الزمــان‪ ،‬األمــر الــذي جعــل ســيادة بنــي عبــد الــواد ومــن بعدهــم بنــي زيــان غيــر مســتقرة بالرغــم‬
‫مــن اســتمرارها‪.‬‬
‫وتقــع تلمســان عنــد تقاطــع طريقيــن تجارييــن هاميــن بالشــمال اإلفريقــي أكســباها‬
‫أهميــة خاصــة وهمــا‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫‪1.1‬الطريــق الممتــد مــن غانــا عــر الصحــراء شــماال إلــى تلمســان ومنهــا إلــى الســاحل‬
‫علــى المتوســط عنــد مينــاء وهــران ومينــاء هنيــان فالبحــر المتوســط نحــو أوروبــا‬
‫وجــزر المتوســط‪.‬‬
‫‪2.2‬الطريــق الممتــد مــن فــاس غربــا إلــى شــرق الجزائــر وتونــس عــر تلمســان متقاطعــا‬
‫مــع الطريــق الســابق‪.‬‬
‫وكانــت تجــارة القوافــل تتخــذ مــن تلمســان عــر هذيــن الطريقيــن مركــز ًا لتصريــف‬
‫المنتجــات وللراحــة والتمويــن وكانــت تعــج بالتجــار األوروبييــن واألفارقــة والعــرب علــى‬
‫مــدار الســنة‪.‬‬
‫وقــد اكتســبت دولــة بنــو عبــد الــواد ومدينــة تلمســان منــذ أن اســتعان هبــم الموحديــن‬
‫عــام ( ‪ 633‬هـــ‪ 1235 /‬م) حتــى عــام ( ‪ 767‬هـــ‪ 1359 /‬م) وبعــد ذلــك انتهــى دورهــم السياســي‬
‫وبقــي نفوذهــم إســم ًّيا يف المناطــق الداخليــة حتــى عــام ( ‪ 962‬هـــ‪ 1554 /‬م) عندمــا خضعــوا‬
‫للحكــم العثمــاين‪.‬‬
‫ولقــد نجــح بنــو عبــد الــواد يف اتبــاع سياســة التــوازن بيــن المناطــق الواقعــة شــرقهم‬
‫وغرهبــم وخاصــة عقــب ســقوط دولــة الموحديــن وانقســام بــاد المغــرب إلــى كيانــات سياســية‬
‫إقليميــة‪ .‬وهبــذه السياســة حافظــوا علــى دولتهــم وســاهموا يف التنميــة االقتصاديــة والثقافية ونشــر‬
‫اإلســام بمناطــق جنــوب الصحــراء وســط القبائــل اإلفريقيــة الوثنيــة‪.‬‬
‫وعندمــا زادت أطمــاع بنــي مريــن يف تلمســان لم يســتطع بنــو عبد الــواد حمايتهــا‪ .‬فكانوا‬
‫أحيانــا ينســحبون نحــو الصحــراء جنوبــا وأحيانــا يميلــون إلــى الطــرف المنتصــر ولكــن أطمــاع‬
‫بنــي مريــن لــم تعــط الفرصــة لبنــي عبــد الــواد للتصــرف عندمــا اكتســحت تلمســان واســتولت‬
‫عليهــا منتصــف القــرن الثامــن الهجــري‪ /‬الرابــع عشــر الميــادي‪.‬‬
‫ظهور بنو زيان على مسرح األحداث يف بالد المغرب األوسط‪.‬‬
‫الزيانيــون هــم بنــو عمومــة لبنــي عبــد الــواد‪ ،‬ويعتــر حكمهــم يف تلمســان امتــدادا لحكــم‬
‫بنــي عبــد الــواد‪.‬‬
‫ففــي عــام ( ‪ 761‬هـــ‪ 1359 /‬م) اســتطاع أبــو حمــو الثــاين ( ‪ 792 - 761‬هـــ‪1389 - 1359 /‬‬

‫م) أن يحــرر تلمســان مــن نفــوذ بنــي مريــن‪ ،‬وأن يعيــد لدولــة تلمســان مجدهــا الســابق ودورهــا‬
‫االقتصــادي واالجتماعــي والثقــايف فــرة مــن الزمــن وأصبحــت بذلــك حاضــرة المغــرب‬

‫‪187‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫األوســط‪ ،‬إال أن ازدیــاد األطمــاع والهجمــات األوروبيــة علــى الســواحل اإلفريقيــة الشــمالية‬
‫عــاوة علــى تدهــور التجــارة عــر الصحــراء عــن طريــق تلمســان األمــر الــذي أفقدهــا مــوردا‬
‫هامــا كان وجــوده ضروريــا لإلنفــاق علــى الوضــع الثقــايف واإلســتقرار السياســي واســتمالة‬
‫القبائــل لمنــع حــدوث االضطرابــات وضمــان ســير تجــارة القوافــل دون عوائــق‪.‬‬
‫وعندمــا ســقطت غرناطــة باألندلــس عــام ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م) نشــطت الحمــات‬
‫الصليبيــة اإلســبانية علــى الشــواطئ المغربيــة‪ ،‬ونجــح اإلســبان يف احتــال العديــد مــن المــدن‬
‫الجزائريــة‪ ،‬ممــا أثــار الســكان العــرب المســلمين واعتــروا ذلــك مقدمــة للوجــود اإلســباين يف‬
‫المنطقــة واحتمــال تعرضهــا لمثــل مــا جــرى إلخواهنــم يف األندلــس‪ ،‬ورأوا أن يســتعينوا بالقــوة‬
‫اإلســامية الناشــئة يف البحــر المتوســط وهــي الدولــة العثمانيــة التــي فرضــت حمايتهــا علــى‬
‫الســواحل الجزائريــة عــام ( ‪ 922‬هـــ‪ 1516 /‬م) وبذلــك انتهــى حكــم الزيانييــن‪.‬‬

‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫ة‬
‫ـر� ي� بــاد املغــرب القــى (‪ 870 - 668‬هـــ‪- 1269 /‬‬‫ )بدول بــن ي مـ ي‬
‫‪ 1465‬م)‬
‫ •التعريف ب�م‪:‬‬
‫نســب المرينيــون إلــى قبيلــة زناتــة المغربيــة‪ ،‬نجحــوا يف مطلــع القــرن الســابع الهجــري‪/‬‬
‫الثالــث عشــر الميــادي يف اقامــة كيــان سياســي علــى إثــر ســقوط دولــة الموحديــن‪.‬‬
‫مهــد زعيمهــم أبــو يحيــى عبــد الحــق إلقامــة دولــة قويــة فأحكــم ســيطرته علــى مدينتــي‬
‫فــأس ومكنــاس واتخذهمــا قاعدتــان لالنطــاق نحــو بقيــة بــاد المغــرب األقصــى لبســط نفــوده‬
‫السياســي علــى حســاب الدولــة الموحديــة التــي بــدت تتهــاوى ســلطتها علــى العديــد مــن المــدن‬
‫المغربيــة‪ ،‬ولكنــه مــات دون أن يتمكــن مــن تحقيــق هدفــه‪.‬‬
‫يعتــر األميــر أبوســيف يعقــوب ( ‪ 685 - 668‬هـ‪ 1286 - 1269 /‬م) المؤســس الحقيقي‬
‫لدولــة بنــي مريــن وإهنــاء ســلطة الموحديــن يف عاصمتهــم مراكش‪.‬‬
‫ن أ‬
‫ • نب� ي‬
‫مر� والندلس‪:‬‬
‫ســار األميــر علــى هنــج حــكام بــاد المغــرب األقصــى المرابطيــن والموحديــن وقــام‬
‫بنقــل معركتــه الحقيقيــة إلــى األراضــي األندلســية بغيــة وضــع حــد لتهديــد اإلســبان لهــا‪.‬‬
‫فقــد قــاد أربــع حمــات ضدهــم طيلــة هــذه الســنوات ( ‪ 674‬هـــ‪ 1275 /‬م)‪ 676 ( ،‬هـــ‪/‬‬

‫‪188‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫‪ 1277‬م)‪ 681 ( ،‬هـــ‪ 1282 /‬م)‪ 684 ( ،‬هـــ‪ 1285 /‬م)‪ ،‬كمــا اســتغل الصــراع الدائــر بيــن الفونســو‬
‫العاشــر ملــك مملكــة الكاســتيل اإلســباين مــع ابنــه ســانكو برافــو‪ ،‬وتحالــف مــع الفونســو‬
‫إلضعــاف قــوة ســانكو الــذي كان يشــكل خطــر حقيقــي علــى المســلمين باألندلــس‪.‬‬
‫ويف عهــد ابنــه يوســف بــن يعقــوب ( ‪ 770 - 685‬هـــ‪ 1307 - 1286 /‬م) قــاد حملــة إلــى‬
‫بــاد األندلــس( ‪ 691‬هـــ‪ 1291 /‬م)‪ ،‬غيــر أن شــكوك محمــد الثــاين ســلطان غرناطــة يف نوايــا بنــي‬
‫مريــن حالــت دون تحقيــق أي انتصــار ففضــل تــرك األندلــس لمصيــره والرجــوع لبــاده‪.‬‬
‫ســعى الســلطان يوســف بــن يعقــوب المرينــي إلــى ضــم بــاد المغــرب فقــاد حملــة‬
‫إلــى تلمســان بالجزائــر ســنة ‪ 1307‬م‪ ،‬وحــاول اســتمالة بنــي حفــص يف تونــس فاعــرف بالتبعيــة‬
‫اإلســمية للحفصييــن بتونــس‪.‬‬
‫وفضــل الســلطان أبــو ســعيد عثمــان اتبــاع سياســة المهادنــة والمصالحــة مــع جيرانــه يف‬
‫بــاد المغــرب األوســط واألدنــى‪ ،‬ممــا ســاهم يف انتعــاش الحيــاة االقتصاديــة وتوثيــق الصــات‬
‫الثقافيــة بينهــم‪.‬‬
‫ويعتــر الســلطان المرينــي أبــو الحســن علــي ( ‪ 752 - 721‬هـــ‪ 1351 - 1331 /‬م) أقــوى‬
‫ســاطين الدولــة المرينيــة‪ ،‬فقــد تمكــن مــن مــد يــد العــون لســلطان غرناطــة محمــد الرابــع ضــد‬
‫أمــراء الكاســتل اإلســبان وقــد حقــق هــذا التحالــف أهدافــه حيــث تــم هزيمــة األســطول اإلســباين‬
‫ســنة ( ‪ 741‬هـــ‪ 1340 /‬م) ومحاصــرة اإلســبان يف مدينــة طريــف‪.‬‬
‫وكاد هــذا التحالــف بيــن بنــي مريــن وملــوك غرناطــة يــؤيت ثمــاره لــوال الخــاف الــذي‬
‫وقــع بينهمــا حــول ملكيــة الموانــئ علــى شــاطئ األندلــس ممــا دفــع ببنــي مريــن إلــى االنســحاب‬
‫هنائيــا مــن األندلــس وتــرك األندلســيين يصارعــون اإلســبان لوحدهــم إلــى أن ســقطت غرناطــة‬
‫ســنة ( ‪ 898‬هـــ‪ 1492 /‬م)‪.‬‬
‫ •مظاهر احلضارة املرينية‪:‬‬
‫عرفــت الدولــة المرينيــة تطــورا عمرانيــا وثقافيــا‪ ،‬فبنــى المرينيــون مــدن جديــدة كفــاس‬
‫الجديــد وتطاويــن والمنصــورة بالمغــرب وال ُبن َّيــة باألندلــس‪ ،‬كمــا اهتمــوا ببنــاء المــدارس‬
‫والمارســتانات والمســاجد واألربطــة والمؤسســات الوقفيــة المختلفــة‪.‬‬
‫واســتحدث المرينيــون نظــم إداريــة وعســكرية‪ ،‬كمشــيخة الغــزاة‪ ،‬وبــرز يف عصرهــم‬
‫كبــار الرحالــة أمثــال ابــن بطوطــة‪ ،‬وابــن رشــيد الســبتي‪ ،‬والعبــدري‪ ،‬والتجيبِــي‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫ضعــف دولــة بنــي مريــن‪ :‬اضطربــت الحيــاة السياســية وعمــت الفوضــى يف أرجــاء‬
‫الدولــة ممــا انعكــس ســلبا علــى الحيــاة االقتصاديــة‪.‬‬
‫تعرضــت فيهــا دولــة بنــي مريــن لهجمــات األســاطيل األوروبيــة ويف مقدمتها األســطول‬
‫اإلســباين (دولــة قشــتالة) واألســطول الربتغالــي الــذي تمكــن مــن االســتيالء علــى مدينــة ســبتة‬
‫ســنة ( ‪ 818‬هـ‪ 1415 /‬م)‪.‬‬
‫وقــد تصــادف مقتــل الســلطان أبي ســعيد المرينــي ( ‪ 823‬هـــ‪ 1420 /‬م) فقام الوطاســيون‬
‫وهــم فــرع مــن بنــي مريــن بالســيطرة علــى الحكــم‪ ،‬وآثــر بنــو مريــن االنســحاب جنوبــا بعيــدا عــن‬
‫مراكــش التــي خضعــت للدولة الوطاســية‪.‬‬

‫ •انتشار اإلسالم يف شرق إفريقيا‪:‬‬


‫عرفنــا فيمــا ســبق أن العالقــة كانــت قويــة بيــن شــرق إفريقيــا والجزيــرة العربيــة وامتــدت‬
‫يف جذورهــا إلــى قــرون عــدة قبــل ظهــور اإلســام‪.‬‬
‫ويالحــظ أن انتشــار اإلســام لــم يتــم يف المنطقــة عــن طريــق الفتــح ولكنــه تســرب‬
‫ســلم ًيا عــن طريــق التجــار والعلمــاء والدعــاة‪ ،‬وأدى ذلــك إلــى تداعيــات وتوابــع منهــا اإلرتبــاط‬
‫االجتماعــي التلقائــي بالتعايــش والــزواج وغيــره مــن الروابــط والمصالــح الحياتيــة وقــد جــاء‬
‫هــذا التســرب الســلمي لإلســام عــن طريقيــن‪:‬‬
‫‪1.1‬الطريــق الــري الــذي ينحــدر مــن مصــر عــن طريــق ســاحل البحــر األحمــر مخرتقــة‬
‫ديــار قبائــل البجــة) ومتجهــة إلــى ســاحل إرتيريــا وبقيــة شــرق إفريقيــا‪.‬‬
‫‪2.2‬الطريــق البحــري المتصــل بجزيــرة العــرب إمــا عــن طريــق بــاب المنــدب أو عــن‬
‫طريــق المحيــط الهنــدي‪.‬‬
‫وأدى ســلوك الطريــق األول إلــى االهتمــام بقبائــل (البجــة) وبأرضهــم والهجــرة إلــى‬
‫هــذه المنطقــة مــن قبــل بعــض تجــار العــرب مــن ربيعــة وجهينــة وأقامــوا هبــا إقامــة دائمــة كمــا‬
‫وصلــت إليهــا عناصــر عربيــة مســلمة أخــرى مثــل قبائــل قيس عيــان وغيرهــا واختلطــت بأهلها‪،‬‬
‫وعــن طريقهــا بــدأ اإلســام ينتشــر بيــن البجــة واألعفــار (الدناقــل) والصومالييــن‪.‬‬
‫أمــا الطريــق الثــاين‪ ،‬وهــو البحــري فقــد ســلكه التجــار العــرب مباشــرة إلــى شــرق إفريقيا‬
‫حيــث أقامــوا مراكــز تجاريــة ســاعدت علــى انتشــار اإلســام‪ ،‬وأهمهــا مــدن ســواكن وباضــع‬

‫‪190‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وزيلــع وبربــرة ومقديشــو‪.‬وقد أصبحــت هــذه المــدن الســاحلية مراكــز مهمــة لنشــر اإلســام‪ ،‬إذ‬
‫قــام التجــار المســلمين بفتــح المــدارس والمســاجد والكتاتيــب أمــام ســكان هــذه المــدن لتل ّقــي‬
‫العلــوم الشــرعية وغيرهــا مــن صنــوف المعرفــة‪ ،‬وإرســال الطــاب المتفوقيــن إلــى القاهــرة‬
‫ودمشــق إتمــام تعليمهــم‪.‬‬
‫ولــم تتوقــف هــذه الهجــرات والصــات بــل اســتمرت يف تدفقهــا إلــى الســاحل الشــرقي‬
‫إلفريقيــا‪ ،‬ومعهــا كان اإلســام يتســرب وينمــو ســلم ًيا ويرجــع ذلــك ألســباب عــدة لعــل مــن‬
‫أهمهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬ارتبــاط اإلســام بالعلــم إذ عمــل التجــار والعلمــاء علــى فتــح المــدارس وإهنــاء‬
‫الجهــل والقضــاء عليــه ووجــد األفارقــة فيــه غايتهــم كمــا الحظــوا عــدم وجــود هــوة‬
‫بيــن المعلــم والمتعلــم‬
‫‪2.2‬نبــذت التعاليــم اإلســامية التفرقــة العنصريــة بيــن النــاس‪ ،‬فالجميــع متســاوون يف‬
‫الحقــوق والواجبــات وال فــرق بينهــم‪.‬‬
‫وقــد ســاهمت هــذه المبــادئ اإلســامية يف غــرس روح التألــف والتعضــد بيــن‬
‫المســلمين يف إفريقــي‪ ،‬وشــعر األفارقــة وخاصــة المناطــق التــي شــهدت قيــام‬
‫مماليــك إســامية يف ســواحل شــرق أفريقيــا بصــدى الوحــدة اإلســامية التــي‬
‫جمعتهــم بإخواهنــم يف كافــة األمصــار اإلســامية‪ ،‬ففتحــت أبواهبــا لطــاب العلــم‬
‫القادمــون إليهــا مــن أفريقيــا لتلقــي العلــوم يف األزهــر الشــريف وفــأس جنبــا إلــى‬
‫جنــب مــع غيرهــم مــن العلمــاء المســلمين‪.‬‬
‫وهكــذا انتشــر اإلســام يف شــرق إفريقيــا ســلم ًيا عــن طريــق الجهــود الفرديــة أو عــن‬
‫طريــق التجــار وأصبــح هــذا الســاحل الطويــل يمثــل تواجــدً ا إســام ًيا كبيـ ًـرا منــذ‬
‫ظهــور اإلســام وإلــى اليــوم‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫دور العرب يف نشر اإلسالم يف إفريقيا جنوب الصحراء‪:‬‬


‫بعــد أن تــم فتــح شــمال إفريقيــا بكاملــه ودخــول أهلــه أفواجــا متتاليــة يف اإلســام‪،‬‬
‫واســتقرت األمــور فيــه‪ ،‬قويــت العالقــات التــي كانــت ســائدة بيــن شــمال إفريقيــا والمناطــق‬
‫الواقعــة إلــى جنوبــه‪ ،‬وبــدأت المبــادئ واألهــداف الجديــدة التــي حملهــا اإلســام معــه تتســرب‬
‫إلــى هــذه المناطــق بعــدة طــرق لعــل مــن أهمهــا‪:‬‬
‫‪1.1‬الدعــاة العــرب واملســمون الذيــن كانــوا يصاحبــون القوافــل التجاريــة يف اتجــاه‬
‫الجنــوب وأهــم هــذه الطــرق التجاريــة‪:‬‬
‫ ) أالطريق من تلمسان إلى تمبكتو على هنر النيجر يف السودان الغربي‪.‬‬
‫ ) بالطريــق مــن تونــس وطرابلــس عــر غدامــس إلــى كانــو بالســودان األوســط‬
‫(نيجيريــا)‪.‬‬
‫ ) جالطريق من طرابلس إلى كانم ‪ -‬برنو حول بحيرة تشاد‪.‬‬
‫ ) دالطريق من مصر إلى السودان‪.‬‬
‫وقــد اســتطاع هــؤالء الدعــاة والتجــار عــن طريــق احتكاكهــم بأهالــي المناطــق التــي‬
‫كانــوا يتبادلــون التجــارة معهــا أن يؤثــروا فيهــم بســلوكهم وتعامالهتــم وأخالقهــم‪ ،‬خاصــة عندمــا‬
‫فتــح بعــض التجــار المــدارس التــي تقــوم بتعليــم النــاس واالهتمــام هبــم‪ ،‬ومســاعدهتم يف التغلــب‬
‫علــى مشــاكلهم‪.‬‬
‫وقــد لعبــت المراكــز التجاريــة التــي أنشــاها العــرب المســلمون علــى ســواحل البحــر‬
‫األحمــر والمحيــط الهنــدي مثــل ســواكن وزيلــع وبربــرة ومقديشــو وغيرهــا مــن المــدن دورا‬
‫مهمــا يف تســريب االســام ونشــره يف المناطــق الشــرقية ودواخــل القــارة‪.‬‬
‫‪2.2‬الطرق الصوفية‪:‬‬
‫ساهمت الطرق الصوفية بدور كبير يف انتشار اإلسالم ومن أهمها‪:‬‬
‫ •القادرية‪:‬‬
‫نســبة إلــى عبــد القــادر الجيــاين ( ‪ 561 - 471‬هـــ‪ 1165 - 1078 /‬م) التــي انتشــرت يف‬
‫أجــزاء متفرقــة مــن المنطقــة ووصــل دعاهتــا إلــى مدينــة تمبكتــو يف مالــي حيــث أخــذوا يف نشــر‬
‫اإلســام يف غــرب إفريقيــا‪ .‬وقــد أتخــذ دعاهتــا مدينــة تمبكتــو مركــزة لنشــر اإلســام يف هــذه‬
‫المناطــق‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫وكان مــن مبــادئ هــذه الطريقــة أن الجهــاد واجــب لنشــر اإلســام وقــد كان لهــا فضــل‬
‫كبيــر يف نشــر اإلســام والقضــاء علــى الوثنيــة يف الســنغال وحــوض النيجــر األعلــى‪.‬‬
‫وقــد أدى هــذا التواصــل بيــن التجــار والدعــاة والســكان المحلييــن القاطنيــن جنــوب‬
‫الصحــراء إلــى إلتقــاء ثقــايف وصياغــة ثقافــة محليــة ترتبــط بالثقافــة اإلســامية‪ ،‬وهــو نفــس مــا‬
‫يحــدث بيــن الحضــارات اإلنســانية عمومــا حينمــا تلتقــي وتختلــط وتتبــادل التأثيــرات وقــد مــر‬
‫هــذا التمــازج الحضــاري بمرحلتيــن‪:‬‬
‫ •مرحلة ازدواج الثقافات‪ ،‬الثقافة اإلسالمية بطابعها والثقافات المحلية‪.‬‬
‫ •مرحلــة االندمــاج الكامــل عندمــا زاد عــدد الداخليــن يف اإلســام وتعلمــوا اللغــة‬
‫العربيــة‪ .‬وهــذه المرحلــة تتضــح يف إفريقيــا باكتمــال الدعــوة لإلســام وقيــام‬
‫الســلطنات اإلســامية وعليهــا ملــوك مســلمون يحكمــون ورعيــة مســلمة‪.‬‬
‫وعليــه فقــد نشــأت يف إفريقيــا جنــوب الصحــراء بيئــات حضاريــة محليــة‪ ،‬ل ِ ـ ُك ِّل بيئــة‬
‫منهــا مقوماهتــا واتجاهاهتــا الخاصــة‪ ،‬تجمعهــا يف إطــار واحــد صفــات إســامية مشــركة تتمثــل‬
‫يف وحــدة اللغــة والديــن والمثــل‪.‬‬
‫ •دور متبكت يف نشر اإلسالم يف أفريقيا‪:‬‬
‫ ت‬
‫• �بكــت‪ :‬تقــع المدينــة علــى مصــب هنــر النيجــر وكانــت تســكنها قبائــل صنهاجــة‬
‫الملثميــن ولمتونــة وجدالــة فــكان لهــم دور هــام يف نشــر اإلســام يف غــرب إفريقيــا‪،‬‬
‫حيــث أنشــأوا مراكــز تجاريــة مثــل أودغشــت التــي صــارت مصــدر إشــعاع دينــي‬
‫مزيجــا بيــن‬
‫ً‬ ‫وثقــايف‪ .‬وإضافــة لقبائــل زنجيــة ذات أصــول متعــددة‪ ،‬فأصبــح ســكاهنا‬
‫العــرب واألمازيــغ والطــوارق وقبائــل الســنغاي والفــان‪.‬‬
‫مــارس ســكان تمبكــت عــدة أنشــطة اقتصاديــة كالتجــارة والرعــي وتربيــة المواشــي‬
‫والصيــد وصناعــة الــزوارق‪.‬‬
‫عرفــت مدينــة تمبكــت هنضــة كبيــرة يف مطلــع القــرن العاشــر الهجــري‪ /‬الســادس عشــر‬
‫الميالدي‪.‬‬
‫فقــد أصبحــت تمبكــت العاصمــة الثانيــة إلمرباطوريــة ســنغاي واحتلــت مكانــة مرموقــة‬
‫يف ميــداين االقتصــاد والثقافــة م ًعــا‪ ،‬إلــى جانــب المرافــق العامــة حيــث انتظمــت شــوارعها‪،‬‬
‫وأحيطــت المدينــة بســور واق ومؤمـن‪ ,‬وقــد احتــوت يف تلــك األثنــاء علــى ثالثــة مســاجد كبيــرة‬

‫‪193‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫مــا لــم يتهيــأ لغيرهــا مــن كربيــات مــدن الســودان الغربــي‪ .‬كان جامــع ســنكرى الواقــع يف القســم‬
‫الشــمالي مــن مدينــة تمبك ـت‪ ,‬هــو أقــدم المســاجد التــي أقيمــت يف المنطقــة‪ .‬بنتــه ســيدة فاضلــة‬
‫مــن الموســرات‪ ،‬ثــم شــيد جامــع دنفريي ـ ‪,‬ر وكان قــد بنــاه يف األصــل لكانــكان موســى ســلطان‬
‫مالــي وهــو مــن أهــم زعمــاء إمرباطوريــة مالــي‪ ،‬ثــم ادخلــت عليــه تحســينات ووســعت مســاحته‬
‫مرتيــن خــال القــرن العاشــر الهجــري ‪/‬الســادس عشــر الميــادي‪ .‬وذلــك ليتســع لجمــوع‬
‫قاصديــه مــن الطلبــة والمصليــن آنــذاك وأخــذت أســواقها طابعهــا اإلســامي‪ ،‬وشــهدت تجــارة‬
‫القوافــل نشــاط كبيــر ممــا زاد مــن حركــة التبــادل التجــاري‪.‬‬
‫هــذا ولقــد لعبــت التجــارة دورا مهمــا يف نشــر اإلســام والثقافــة العربيــة يف غــرب أفريقيا‬
‫فكانــت أخــاق التجــار المســلمين ومــا عــرف عنهــم مــن األمانــة والنظافــة وحســن الخلــق عامالً‬
‫يف دخــول الكثيــر مــن األفارقــة يف اإلســام‪ ،‬وكان بعــض التجــار يجمــع بيــن التجــارة ونشــر مــن‬
‫خــال إقامــة حلقــات لتعليــم القــرآن الكريــم‪.‬‬
‫وكان لفريضــة الحــج دور ًا مهمــا يف نشــر اإلســام حيــث حــرص ســاطين الــدول‬
‫اإلســامية يف غــرب إفريقيــا علــى أداء هــذه الفريضــة وكانــت قبائــل الهوســا مــن أحــرص القبائــل‬
‫علــى أداء هــذه فريضــة‪.‬‬
‫ولقــد توافــد علــى غــرب أفريقيــا العديــد مــن العلمــاء مــن مختلــف األقطــار اإلســامية‬
‫للتدريــس يف مــدارس ومســاجد تمبكــت وجنــى ومالــي وغيرهــا مــن حواضــر غــرب أفريقيــا‬
‫إحساســا منهــم بواجبهــم تجــاه إخواهنــم يف هــذه البــاد وأســهم هــؤالء يف نشــر الثقافــة العربيــة‬
‫واإلســامية‪.‬‬
‫ف‬
‫ •دور السلطان أسكيا حممد ي� ن�ضة ت�بكت‪:‬‬
‫ينســب أســكيا محمــد للبيــت الســنغاي والــذي ارتقــى بالمدينــة‪ ،‬فبلغــت يف عهــده شــأنا‬
‫عظيمــا‪ ،‬وهــو مــن أبــرز ســاطين هــذا البيــت‪ ،‬وكان راعيــا للعلــم واألدب‪ ،‬ثــم انتقلــت تمبكــت‬
‫بعــد وفــاة آخــر ســاطين هــذا البيــت عــام ( ‪ 935‬هـــ‪ 1528 /‬م) إلــى حكــم مراكــش‪.‬‬
‫ف‬ ‫ن ف‬
‫املسمل� ي� شن� العقيدة إالسالمية ي� أفريقيا‪.‬‬
‫ي‬ ‫ •دور التجار‬
‫وصــل اإلســام إلــى غــرب أفريقيــا عــن طريــق التجــار الذيــن حملــوا تعاليمهــم وقيمهم‬
‫اإلســامية ونشــروها قبــل حتــى أن ينقلــوا ســلعهم وبضائعهم‪.‬‬
‫تعرف على أهم المراكز الحضارية التي كان لها الفضل يف نشر اإلسالم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫بعلا دهعلا لالخ سلدنألاو برغملا ‪:‬سماخلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬ستتبع نشأة إمارة األغالبة وما تعرضت له يف تاريخها من ثورات ضدها؟‬

‫سس‪2‬سقام األغالبة يف إفريقية بدور مهم يف البحر المتوسط‪ .‬ناقش ذلك‪.‬‬

‫سس‪3‬ساذكــر األســباب التــي دفعــت عبــد الرحمــن بــن رســتم إلــى اتخــاذ إمــارة تاهــرت عاصمة‬
‫بالمغرب األوســط‪.‬‬

‫سس‪4‬ساكتب مذكرات تاريخية وافية عن‪:‬‬


‫أقيام الدولة الفاطمية‪.‬‬ ‫ ‪.‬‬
‫ ‪ .‬بعالقة بني زيري بالفاطميين‪.‬‬
‫ ‪ .‬جهجرة بني هالل ونتائجها‪.‬‬

‫ ‪ .‬ددخول النورمان لمدينة طرابلس‪.‬‬

‫سس‪5‬ساذكر جهود المرابطين يف دعم األندلس‪.‬‬

‫سس‪6‬سكان سقوط دولة الموحدين نكسة للمغرب العربي كله‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬

‫سس‪7‬سعدد أعمال الخلفاء األمويين يف األندلس‪.‬‬

‫سس‪8‬سما الوسائل التي تم هبا نشر اإلسالم يف إفريقيا جنوب الصحراء‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫الفصل السادس‬
‫املنطقة العربية منذ‬
‫سقوط بغداد وحىت‬
‫جميء العثمانيني‬

‫‪197‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫الفصل السادس‪ :‬املنطقة العربية منذ سقوط‬


‫بغداد وحىت جميء العثمانيني‬
‫(‪ 922 – 656‬هـ‪ 1516 – 1258 /‬م)‬
‫حكم املغول يف العراق‬ ‫ال‪ :‬‬
‫أو ً‬
‫احلكم املغويل يف العراق (‪ 813 – 656‬هـ‪ 1410 – 1258 /‬م)‪:‬‬ ‫أ) ‬
‫تعتــر الفــرة الواقعــة بيــن عامــي ( ‪ 813 - 656‬هـــ‪ 1410 - 1258 /‬م) هــي الفــرة التــي‬
‫ســيطر فيهــا المغــول علــى العــراق‪ ،‬عقــب إســقاطهم وقضائهــم على الخالفــة العباســية بدخولهم‬
‫بغــداد وقتلهــم المســتعصم آخــر الخلفــاء العباســيين هبــا‪ .‬وقــد كان المســتعصم قــد خــرج بنفســه‬
‫ليســلم عاصمتــه ومملكتــه إلــى المغــول نــزوال علــى نصيحــة ابــن العلقمــي‪.‬‬
‫وتشتمل هذه الفرتة على مرحلتين‪:‬‬
‫‪ 1.1‬ة‬
‫مرحل حمك املغول إال خل ي ن‬
‫اني� (‪ 735 - 656‬هـ‪ 1334 - 1258 /‬م)‪:‬‬
‫ويقصــد بكلمــة (اإللخــان) نائــب الخــان‪ ،‬والخــان لقــب تلقــب بــه ملــوك أو ســاطين‬
‫المغــول مثــل (جنكيــز خــان) و(مانکــو خــان) وغيرهــم‪ ،‬وهــو الــذي لــه الســيادة علــى جميــع‬
‫ممالــك المغــول التــي أسســها جنكيــز خــان‪.‬‬
‫ويعتــر هوالكــو المؤســس للســالة اإللخانيــة المغوليــة التــي اتخــذت مــن مدينــة تــرز‬
‫الفارســية عاصمــة لهــا وهــي واحــدة مــن عــدة ســاالت انحــدرت مــن جنكيــز خــان‪ .‬وقــد‬
‫اقتصــر حكــم هــذه الســالة علــى بــاد فــارس والعــراق وضمــت لهــا مناطــق مــن آســيا الصغــرى‬
‫يف األناضــول وأرمينيــة‪.‬‬
‫وحكم هذه الساللة ينقسم بدوره إلى قسمين أساسين هما‪:‬‬
‫ال نا� ن‬
‫الوث� (‪ 681 - 656‬هـ‪ 1282 - 1258 /‬م)‪:‬‬ ‫ )أ(احلمك املغول خ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وهــي الفــرة التــي كان فيهــا المغــول علــى الديانــة الوثنيــة‪ .‬وتعتــر هــذه الفــرة مــن‬
‫أســوأ الفــرات يف التاريــخ العربــي واإلســامي‪ ،‬إذ اســتباح المغــول فيهــا بغــداد ومــا حولهــا مــدة‬
‫ســبعة أيــام قتــل خاللهــا الكثيريــن واشــتعلت النيــران يف القصــور والمســاكن ومقابــر المســلمين‪،‬‬

‫‪199‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫وأحرقــت المكتبــات واألســواق‪ .‬ود ّلــت معاملــة هوالكــو للخليفــة العباســي المســتعصم قبــل‬
‫قتلــه علــى مــدى كراهيــة المغــول المســلمين‪ .‬وكان تحريــض الصليبييــن للمغــول لالنتقــام مــن‬
‫المســلمين قــد بــدا جل ًّيــا مــن خــال المراســات التــي تمــت بيــن الطرفيــن يف محاولــة لتنســيق‬
‫الجهــود ضــد المســلمين والعــرب‪.‬‬
‫وقــد دفعــت هــذه األعمــال اإلجراميــة مــؤرخ المغــول والمــؤرخ الرســمي لهوالكــو‬
‫(رشــيد الديــن) إلــى أن يقــول (إن الخليفــة المســتعصم العباســي وحاشــيته قــد ماتــوا شــهداء‬
‫يف ســبيل الديــن اإلســامي)‪ .‬وبالرغــم مــن أن المغــول خــال هــذه المرحلــة قــد هزمــوا علــى‬
‫يــد المماليــك يف عيــن جالــوت عــام ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) أي بعــد ســنتين مــن دخــول بغــداد‬
‫وســقوط الخالفــة العباســية وتراجعــوا إلــى داخــل حــدود العــراق بعــد أن طاردهتــم قــوات‬
‫المماليــك بالشــام وأخرجتهــم منهــا‪ ،‬فــإن بقاءهــم يف العــراق كان وبــاال علــى الوطــن العربــي‬
‫عامــة وعلــى العــراق خاصــة‪.‬‬
‫ن‬
‫الوث� عىل املنطقة العربية‪:‬‬
‫املغول ي‬
‫ي‬ ‫من ثآ�ر الغزو‬
‫‪1.1‬اهنيار اإلدارة المدنية‪.‬‬
‫‪2.2‬تضــرر الزراعــة والصناعــة واضطــراب المــوارد االقتصاديــة والماليــة ممــا أدى إلــى‬
‫حــدوث المجاعــة وانتشــار األمــراض وخاصــة يف أعقــاب تحطيــم قنــوات الــري‬
‫وانتشــار هجمــات البــدو‪.‬‬
‫‪3.3‬فقــدان مكانــة العــراق السياســية وغــدت مقاطعــة علــى األطــراف يف إمرباطوريــة‬
‫مغوليــة وثنيــة‪ ،‬مركزهــا بــاد فــارس‪ .‬كمــا فقــد العــراق أهميتــه االقتصاديــة يف‬
‫نطــاق التجــارة بيــن الشــرق والغــرب‪ .‬وانتقلــت مراكــز هــذه التجــارة إلــى المناطــق‬
‫المجــاورة خــارج الوطــن العربــي يف تركيــا وفــارس‪.‬‬
‫‪4.4‬قضــى المغــول علــى وحــدة األمــة‪ ،‬وبعــد أن كان العــراق مركــز الخالفــة ومقرهــا‬
‫الروحــي والسياســي‪ ،‬والــذي كانــت تنطلــق منــه دعــوات الجهــاد والتحريــر‬
‫والتضامــن لصــد العــدوان الخارجــي‪ ،‬أصبــح تحــت ســيطرة فئــة وثنيــة ال تعطــي‬
‫للديــن أهميــة وال للحضــارة احرتامــا‪ ،‬وخاصــة وأن المغــول كانــوا ال يزالــون رعــاة‬
‫بــدو يســتخفون بــكل تقــدم وتطــور وتجديــد ويتجــاوزون كل قيــم ونظــام وقانــون‪.‬‬
‫كمــا اتخــذ المغــول أرض العــراق قاعــدة لضــرب بقيــة البــاد العربيــة يف محاولــة‬
‫لإلســتيالء عليهــا‪ ،‬ولــوال انتصــار المماليــك يف عيــن جالــوت لــكان للمغــول شــأن آخــر يف مصــر‬

‫‪200‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫والشــام وربمــا شــمال إفريقيــا‪ .‬وفقــا لذلــك‪ ،‬فــإن هــذه المرحلــة كانــت مرحلــة تشــتت وانقســام‬
‫يف الدولــة اإلســامية‪ ،‬أ ّدت إلــى القضــاء علــى مظاهــر الحضــارة اإلســامية التــي شــهدت‬
‫ازدهــار ًايف العصــر العباســي‪.‬‬
‫خن‬
‫ا� املسمل (‪ 735 - 681‬هـ‪ 1334 - 1282 /‬م)‪:‬‬ ‫ )ب(احلمك‬
‫املغول إالل ي‬
‫ي‬
‫يف عــام ( ‪ 682‬هـــ‪ 1282 /‬م) مــات أبغــا بــن هوالكــو زعيــم المغــول اإللخانييــن‪ ،‬وبموتــه‬
‫انتهــى عهــد خانــات المغــول المتشــددين ضــد المســلمين‪ ،‬ذلــك أن الخــان المغولــي (نكــودار)‬
‫( ‪ 683 - 681‬هـــ‪ 1284 - 1282 /‬م) الــذي ســعت الكنســية األوروبيــة إلــى تنصيــره طمعــا يف‬
‫التحالــف معــه ضــد المســلمين قــد مــال إلــى اإلســام ورغــب فيــه‪ .‬فمــا أن تولــى العــرش حتــى‬
‫أعلــن إســامه رســميا واتخــذ لنفســه إســم أحمــد بــدال مــن نيقــوال وهــو اإلســم الــذي أســمته بــه‬
‫الكنيســة‪ ،‬وتلقــب بـــ (الســلطان)‪.‬‬
‫وقــد بــدأ عالقتــه الخارجيــة بــأن أرســل موفــدا إلــى القاهــرة يطلــب عقــد معاهــدة‬
‫صداقــة مــع الســلطان المملوكــي (قــاوون) وقــال يف عرضــه (إنــه يؤكــد إســامه‪ ،‬واهتمامــه بنــاء‬
‫المســاجد والمــدارس واألوقــاف‪ ،‬وعنايتــه بتجهيــز الحجــاج)‪ ،‬كمــا دعــا المماليــك إلــى توحيــد‬
‫الكلمــة وإخمــاد الفتنــة وإيقــاف الحــرب الدائــرة بينهمــا‪.‬‬
‫ويف آواخــر العصــر الوســيط بعــد ســقوط بغــداد يف أيــدي المغــول‪ ،‬ظهــرت العديــد مــن‬
‫الكيانــات السياســية التــي اســتطاعت أن تفــرض ســيطرهتا علــى أجــزاء مهمــة مــن بــاد المشــرق‬
‫اإلســامي وامتــدت حتــى وصلــت إلــى شــمال العــراق‪ ،‬وكانــت تشــكل خطــر حقيقــي علــى‬
‫الوجــود المملوكــي يف بــاد الشــام وحتــى مصــر‪.‬‬
‫ويف تلــك األثنــاء انتهــز المغــول حالــة عــدم االســتقرار التــي شــهدهتا العــراق وقامــوا‬
‫بتأســيس دولــة مغوليــة متعاقبــة منــه‪ :‬المغــول الجالئرييــن ( ‪ 813 - 704‬هـــ‪ 1410 - 1334 /‬م)‪.‬‬
‫تيمورلنك‬
‫ومــن أشــهر الشــخصيات تيمورلنــك الــذي ظهــر يف مدينــة ســمرقند اإلســامية ببــاد‬
‫مــا وراء النهــر يف أواخــر القــرن الثامــن الهجــري‪ /‬الرابــع عشــر الميــادي عــام ( ‪ 771‬هـــ‪1369 /‬‬
‫ِ‬
‫ـب باألعــرج إلصابتــه يف الحــرب‪ ،‬وكان قــد تمــرد علــى أتباعــه حــكام مغولســتان وأعلــن‬ ‫م)‪ُ ،‬لقـ َ‬
‫نفســه حاكمــا مســتقال ثــم بــدأ التوســع فأخضــع بــاد فــارس والقفقــاس ثــم احتــل العــراق علــى‬
‫النحــو الــذي ذكرنــا‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫ويعتــر عهــد تيمورلنــك مــن أســوأ العهــود قســوة وعنفــا‪ .‬فقــد عامــل كافــة رعايــا الــدول‬
‫التــي اجتاحهــا معاملــة قاســية‪ ،‬وقــد بالغــت المراجــع يف ذكــر حــوادث القتــل الجماعــي ودفــن‬
‫النــاس أحيــاء وتحدثــت كثيــرا عــن حــاالت التشــريد والمصــادرة وغيرهــا‪.‬‬
‫نجــح هــذا المغامــر يف احتــال خــوارزم وشــمال الهنــد‪ ،‬كمــا دخــل دمشــق عــام ( ‪803‬‬

‫هـــ‪ 1400 /‬م) واصطــدم هبــا مــع قــوات عثمانيــة يف معركــة أنقــرة عــام ( ‪ 805‬هـــ‪ 1402 /‬م) التــي‬
‫تعــرض خاللهــا العثمانيــون لهزيمــة نكــراء كادت أن تعصــف بدولتهــم الناشــئة‪ .‬وهــدد وجــوده‬
‫وانتصاراتــه العالــم المســيحي المتمثــل يف الدولــة البيزنطيــة يف آســيا الصغــرى ومــا وراءهــا‪.‬‬
‫صفــوة القــول كان حكــم الجالئرييــن عامــا مــن عوامــل التفــكك السياســي والتخلــف‬
‫االقتصــادي وانتشــار حالــة الرعــب وعــدم األمــان ممــا أثــر علــى وحــدة الوطــن العربــي عامــة‬
‫والمشــرق العربــي بصفــة خاصــة‪.‬‬

‫الدروس املستفادة‬
‫تعرضــت املنطقــة العربيــة هلجمــة ش�ســة مــن قبــل قــوى أجنبيــة مغوليــة‬
‫أورو�‪.‬‬
‫ب‬ ‫قادمــة مــن أواســط آســيا ومســيحية قادمــة مــن‬
‫ة‬
‫الفاصل علينا أن نتذكر‪:‬‬ ‫ة‬
‫املرحل‬ ‫والستيعاب هذه‬
‫ •مراحــل القــوة الـت عاشـ تـها الـ ة‬
‫ـدول إالســامية منــذ هعــد الرســول ﷺ وحـىت‬
‫ي‬
‫ســقوط بغداد‪.‬‬
‫ •مراحــل الضعــف ال ـت ي مـ ّـرت ب�ــا‪ ،‬واكن ال ـراع عــى الســلطة والتاكلــب‬
‫ف‬ ‫ّ‬
‫ـية�‬
‫عــى املصــاحل الضيقــة هــو أحــد أســباب ضعــف وتشــتت القــوة السياسـ ي‬
‫ـدول إالســامية‪.‬‬ ‫اكفــة أرجــاء الـ ة‬
‫أ‬ ‫غ‬
‫الكبــرة الــت ي مــرت ب�ــا المــة إالســامية إال أن دورهــا‬
‫ي‬ ‫ •ر� النكســات‬
‫ثً‬
‫ومــؤ�ا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫احلضــاري اكن ًّ ي‬
‫قــو�‬

‫‪202‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫حكم املماليك يف مصر والشام‪:‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬‬


‫قامــت دولــة المماليــك يف مصــر وشــملت يف نفوذهــا بــاد الشــام وبعــض الجهــات‬
‫الشــمالية مــن العــراق والجهــات الجنوبيــة الشــرقية مــن األناضــول وبــاد الحجــاز وشــمال‬
‫الســودان (بــاد النوبــة) ومنطقــة برقــة بشــرق ليبيــا‪.‬‬
‫وقــد قامــت دولــة المماليــك علــى أنقــاض الدولــة األيوبيــة بعــد مــا أســرع إليهــا‬
‫الضعــف بالرغــم مــن أن هــؤالء المماليــك كانــوا حراســا وحمــاة للســاطين األيوبييــن‪.‬‬
‫اســتعانت الخالفــة العباســية بالمماليــك يف الدفــاع عــن ســلطتها ويف إعــادة ســيادهتا‬
‫كونــت‬
‫علــى الواليــات التــي انتزعــت منهــا‪ .‬وقــد اتبعــت الدولــة األيوبيــة سياســة العباســيين إذ ّ‬
‫فر ًقــا عســكرية مــن المماليــك التي اشــرهتم ونســبت كل فرقة لمؤسســها‪ .‬وكان الملــك الصالح‬
‫أيــوب آخــر ســاطين "الــدول" اإليوبيــة قــد أحــاط نفســه بجيــش جديــد مــن المماليــك ســماهم‬
‫المماليــك البحريــة نســبة إلــى إقامتهــم يف جزيــرة الروضــة الواقعــة علــى هنــر النيــل وصــاروا قــوة‬
‫يحســب لهــا ألــف حســاب‪.‬‬
‫قيام دولة املماليك‪:‬‬
‫بــرزت دولــة المماليــك مــن خــال الصــراع بيــن الملــك األيوبــي طــوران شــاه ابــن‬
‫الملــك الصالــح أيــوب وبيــن المماليــك بزعامــة زوجــة أبيــه المســماة (شــجر الــدر) وكانــت‬
‫هــذه المــرأة قــد أخفــت نبــأ وفــاة زوجهــا‪ ،‬الــذي خــرج لقتــال الفرنســيين يف الحملــة الصليبيــة‬
‫الســابعة‪ ،‬حتــى ال تؤثــر علــى معنويــات الجنــد أثنــاء المعركــة‪ ،‬وخاصــة أن ولــي العهــد طــوران‬
‫شــاه لــم يكــن موجــودا يف مصــر آنــذاك‪.‬‬
‫وبعــد االنتصــار علــى الفرنســيين‪ ،‬وحضــور ولــي العهــد الــذي اســتلم الحكــم مــن‬
‫فــوره‪ ،‬بــدأ النــزاع بينــه وبيــن المماليــك بســبب عزمــه علــى تقليــص نفوذهــم يف مصــر‪ .‬فقامــوا‬
‫بالثــورة عليــه وقتلــوه بموافقــة زوجــة أبيــه عــام ( ‪ 648‬هـــ‪ 1250 /‬م) وكانــت هنايتــه هنايــة الدولــة‬
‫األيوبييــة وقيــام دولــة المماليــك‪.‬‬
‫تســلمت شــجر الــدر (التــي كانــت يف األصــل جاريــة عباســية أهديــت إلــى الملــك‬
‫الصالــح) مقاليــد األمــور يف مصــر‪ ،‬وقــد اعــرض الخليفــة العباســي المســتعصم (صاحــب‬
‫الســيادة اإلســمية علــى مصــر) وعلمــاء الديــن علــى توليتهــا الحكــم‪ .‬ولحــل المشــكلة‪ ،‬تقــرر‬

‫‪203‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫أن تتــزوج هــذه الملكــة مــن أحــد زعمــاء المماليــك المشــهورين ويدعــى (أيبــك)‪ ،‬وتتنــازل لــه‬
‫عــن الســلطة‪.‬‬
‫وكان أيبــك أول ســلطان مــن ســاطين "دولــة" المماليــك التــي حكمــت منــذ عــام ( ‪648‬‬

‫‪1517‬‬ ‫هـــ‪ 1250 /‬م) وحتــى ســقوطها علــى أيــدي العثمانيــن عامــي ( ‪ 923 - 922‬هـــ‪- 1516 /‬‬
‫م)‪ .‬ولقــد تزامــن قيــام "دولــة" المماليــك مــع ســوء األوضــاع االقتصاديــة والسياســية يف الوطــن‬
‫العربــي عامــة والمشــرق العربــي علــى وجــه الخصــوص‪.‬‬
‫ففــي عــام ( ‪ 656‬هـــ‪ 1258 /‬م) ســقطت بغــداد يف أيــدي المغول وســقطت معهــا الخالفة‬
‫العباسية‪.‬‬
‫ولقد قدر ة‬
‫لدول املماليك الناشئة أن‪:‬‬
‫‪1.1‬هتــزم جيــوش المغــول الجــرارة يف موقعــة عيــن جالــوت ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) بعــد‬
‫أن مــارس المغــول شــتى أنــواع القهــر والتنكيــل بالشــعوب التــي اجتاحوهــا ومنهــم‬
‫العــرب‪ .‬فــكان لتلــك الهزيمــة أثرهــا يف رفــع الهمــم والمعنويــات يف الوطــن العربــي‬
‫واالســامي‪.‬‬
‫‪2.2‬تحصر المغول داخل حدود العراق وبالد فارس وتضع حدا لعدوانه‪.‬‬
‫‪3.3‬تقضــي علــى بقايــا اإلمــارات الصليبيــة وتفــرض عليهــم الجــاء مــن األراضــي‬
‫المقدســة بالشــام‪.‬‬
‫‪4.4‬تصبح مدينة القاهرة يف عهدهم مركزا ثقافيا هاما بعد سقوط بغداد‪.‬‬
‫‪5.5‬تحافظ على تراث الخالفة العباسية الروحي وذلك بجعل مركزها القاهرة‪.‬‬
‫‪6.6‬تقــوم بــدور نشــط يف التجــارة الداخليــة والــذي بقــي حتــى اكتشــاف طريــق رأس‬
‫الرجــاء الصالــح‪.‬‬
‫لقــد حــاول الســلطان أيبــك مــع زوجتــه شــجر الــدر القيــام بإصالحــات داخليــة وتأميــن‬
‫دولــة المماليــك مــن الداخــل‪ ،‬وذلــك بالقضــاء علــى كل طامــع يف الحكــم مــن بقايــا األمــراء‬
‫األيوبيــن وأمــراء الواليــات خــارج مصــر وغيرهــا‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن أن الســلطان قطــع شــوطا ال بــأس بــه يف هــذا المجــال إال أنــه قتــل مــع‬
‫زوجتــه شــجر الــدر عــام ( ‪ 655‬هـــ‪ 1257 /‬م)‪.‬‬
‫إثــر ذلــك قــررت فــرق المماليــك إختيــار ســيف الديــن قطــز ليكــون ســلطانا "لدولــة"‬

‫‪204‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫المماليــك لمــا يتميــز بــه مــن قــوة شــخصية ومهــارة حربيــة وقــدرة علــى القيــادة‪ ،‬واضعيــن يف‬
‫اإلعتبــار الظــروف الصعبــة المحيطــة بالدولــة والتــي تتطلــب ســلطانا وحاكمــا قويــا مثــل قطــز‪،‬‬
‫خاصــة بعــد أن ازدادت هتديــدات المغــول لمصــر عقــب ســقوط بغداد عــام ( ‪ 656‬هـــ‪ 1258 /‬م)‪.‬‬
‫ويف شــهر أكتوبــر مــن عــام ( ‪ 657‬هـــ‪ 1259 /‬م)‪.‬‬
‫تو ّلــى قطــز مقاليــد حكــم "دولــة" المماليــك بصفــة رســمية‪ .‬و َيعتــر العديــد مــن‬
‫المؤرخيــن بدايــة حكــم الســلطان قطــز البدايــة الفعليــة لحكــم دولــة المماليــك‪ .‬وقــد تجســد هــذا‬
‫المعنــي يف الســرعة الفائقــة التــي واجــه هبــا قطــز طالئــع المغــول الزاحفــة نحــو مصــر مــن الشــام‪،‬‬
‫فأرســل لمواجهتهــا قائــده الظاهــر بیــرس ثــم لحــق هــو هبــا والتقــى بالمغــول يف عيــن جالــوت‬
‫عــام ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) وهزمهــم شــر هزيمــة‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن هــذا اإلنتصــار العظيــم علــى المغــول ومــا ترتــب عليــه مــن ارتفــاع صيــت‬
‫المماليــك عاليــا فــإن الخــاف الــذي حــدث بيــن قطــز وقائــده بيــرس حول بعــض القضايــا‪ ،‬كان‬
‫وراء تدبيــر بيــرس مؤامــرة ضــد قطــز قضــت باغتيالــه وهــو عائــد مــن الشــام إلــى مصــر يف أواخــر‬
‫عــام ( ‪ 658‬هـــ‪ 1260 /‬م) وتولــى بيــرس الســلطة مــن بعــده ( ‪ 666 - 658‬هـــ‪ 1277 - 1260 /‬م)‪.‬‬
‫أدرك الســلطان الجديــد بيــرس أنــه ال ســبيل لالســتمرار إال بالحصول على ثقة الشــعب‬
‫والحصــول علــى تأييــده للحــد مــن نفــوذ الجماعــات المملوكيــة‪ .‬فبــدأ يتقــرب إليهــم متخــذا‬
‫بعــض اإلجــراءات مثــل تخفيــف الضرائــب وتحقيــق اإلســتقرار واألمــان واإلهتمــام بالحيــاة‬
‫االقتصاديــة عــن طريــق تطويــر الزراعــة والقيــام بمشــروعات الــري‪ ،‬وعــن طريــق التوســع يف‬
‫حرفــة الصناعــة وحمايــة التجــارة وطرقهــا الربيــة والبحريــة عقــب القضــاء علــى المعارضيــن‬
‫والخارجيــن علــى ســلطة الدولــة‪ .‬كمــا قــام بيــرس بإطــاق ســراح المســاجين لــزرع الثقــة بينــه‬
‫وبيــن مواطنيــه‪.‬‬
‫ولعــل مــن األعمــال المهمــة التــي قــام هبــا الســلطان بيــرس هــي محاولــة إحيــاء الخالفة‬
‫العباســية يف القاهــرة بــدال مــن بغــداد بعــد ســقوطها يف يــد المغول عــام ( ‪ 656‬هـــ‪ 1258 /‬م)وذلك‬
‫بالبحــث عــن فــرد مــن ســالة العباســيين واحضــاره إلــى القاهــرة ل ُينصــب صور ًّيــا‪ .‬وكان يهــدف‬
‫مــن ذلــك إضفــاء الشــرعية علــى حكــم المماليــك الذيــن نُظِـ َـر إليهــم علــى أهنــم غيــر أحــرار‪،‬‬
‫إضافــة إلــى قطــع الطريــق علــى أي محاولــة لعــودة الخالفــة العباســية الشــرعية يف أي مــكان آخر‪،‬‬
‫وخاصــة أن محــاوالت بقايــا الفاطمييــن الشــيعية كانــت تســعى لبعــث خالفتهــم مــن جدیــد‪.‬‬
‫كمــا عمــل الســلطان بيــرس علــى تأكيــد الوحــدة بيــن مصــر والشــام والعــودة إلــى‬

‫‪205‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫اســتئناف حركــة الجهــاد ضــد بقايــا اإلمــارات الصليبيــة بالشــام التــي كانــت توقفــت بســبب‬
‫ســقوط الدولــة األيوبيــة وظهــور الغــزو المغولــي يف الســاحة‪ .‬تحقــق مــن خــال هــذه الحركــة‬
‫تحريــر العديــد مــن المناطــق العربيــة بالشــام مــن يــد الصليبييــن وخاصــة تحريــر إمــارة أنطاكيــا‬
‫عــام ( ‪ 667‬هـــ‪ 1268 /‬م)‪.‬‬
‫وقــد تــويف الســلطان بیــرس عــام ( ‪ 666‬هـــ‪ 1277 /‬م) تــاركا أبنــاء يفتقــرون إلــى الحكمــة‬
‫الوصــي عليهــم ويدعــى ســيف الديــن قالوون‬ ‫والقــدرة علــى ممارســة الحكــم‪ .‬فتولــی مــن بعــده َ‬
‫الــذي كان أحــد القــادة العســكريين فاســتطاع أن يســيطر علــى األمــور‪ ،‬وشــهد عهــده تطــورا‬
‫ملحوظــا يف المجــاالت الخدميــة واإلنتاجيــة‪ .‬ففتحــت المــدارس والمستشــفيات يف عهــده‬
‫وتــم تجديــد القــاع والحصــون واألســوار اســتعدادا ألي غــزو خارجــي‪ .‬كمــا نشــطت الحركــة‬
‫العلميــة والثقافيــة وازدهــرت الحيــاة االقتصاديــة واالجتماعيــة‪.‬‬
‫اســتمر حكــم الســلطان قــاوون إحــدى عشــرة ســنة ( ‪ 689 - 668‬هـــ‪1290 - 1279 /‬‬

‫م) عمــل خاللهــا علــى تحقيــق نصــر هنائــي علــى الصليبييــن يف الشــام‪ ،‬وتحريــر جميــع اإلمــارات‬
‫الصليبيــة المتبقيــة مثــل طرابلــس الشــام وعــكا‪ .‬فتحقــق لــه منهــا تحريــر طرابلــس عــام ( ‪688‬‬

‫هـــ‪ 1289 /‬م) ولــم يســعفه الوقــت لتحريــر عــكا‪ ،‬فحررهــا ابنــه األشــرف خليــل قــاوون عــام‬
‫( ‪ 690‬هـــ‪ 1291 /‬م)‪ ،‬وبذلــك رحلــت جمــوع الصليبيــن إلــى غيــر عــودة بعــد أن اســتعمروا أرض‬
‫الشــرق العربــي قرنيــن مــن الزمــان ( ‪ 690 - 492‬هـــ‪ 1291 - 1089 /‬م)‪.‬‬
‫ولقــد تعاقــب علــى حكــم دولــة المماليــك العديــد مــن الســاطين‪ ،‬حاولــوا جميعــا‬
‫المحافظــة علــى وحــدة مصــر الداخليــة ووحدهتــا مــع بــاد المشــرق العربــي يف وقــت زادت فيــه‬
‫التهديــدات األجنبيــة مــن كل مــكان‪ .‬كمــا تركــزت جهــود الســاطين المماليــك علــى االهتمــام‬
‫بالحيــاة االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة إال أن أســبابًا كثيــر ًة حالــت دون نجاحهــم‪ ،‬ومــن‬
‫أمه هــذه االســباب‪:‬‬
‫‪1.1‬الصراعــات المتكــررة بيــن الفــرق المملوكيــة حــول الزعامــة والســلطة وقــد ارهقــت‬
‫هــذه النزاعــات الدولــة وعملــت علــى اضعافهــا‪.‬‬
‫‪2.2‬التهديــدات الخارجيــة المتكــررة المرتبصــة بالدولــة كالمغــول يف العــراق وفــارس‪،‬‬
‫والصليبييــن يف قــرص ورودس‪ ،‬والعثمانييــن يف آســيا الصغــرى‪.‬‬
‫‪3.3‬تعدد حاالت خروج أمراء أقاليم بالشام وغيرها على "الدولة"‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫‪4.4‬کســاد الحيــاة االقتصاديــة وخاصــة التجــارة البحريــة بعــد اكتشــاف طريــق رأس‬
‫الرجــاءالصالــحوالــدورانحــولإفريقيــاللوصــولإلــىالشــرقاألقصــىواألوســط‪.‬‬
‫‪5.5‬سوء اإلدارة المملوكية وكثرث الرشوة والمحسوبية هبا‪.‬‬
‫‪6.6‬اهنيــار النظــام العســكري المملوكــي الــذي كان صارمــا ومنضبطــا‪ ،‬فأصابــه‬
‫االنحــال والضعــف‪ ،‬نتيجــة بفعــل إشــراك الجيــش يف السياســة وعــدم االهتمــام‬
‫بالتدريــب‪.‬‬
‫‪7.7‬ســوء األحــوال االجتماعيــة وانقســام المجتمــع إلــى فئــات‪ ،‬وانفــراد فئــة المماليــك‬
‫والحــكام بــكل اإلمتيــازات الماديــة والمعنويــة‪ ،‬بينمــا كانــت الغالبيــة العظمــى مــن‬
‫الشــعب تعــاين الفقــر والجــوع واألمــراض والحرمــان‪.‬‬
‫لــكل هــذه األســباب تدنــى مســتوى دولــة المماليــك وأصبحــت عرضــة للغــزو‬
‫الخارجــي‪ .‬وصــادف أن كانــت الدولــة العثمانيــة يف عنفــوان نشــاطها وقوهتــا منــذ عهــد ســلطاهنا‬
‫ســليم األول ( ‪ 927 - 918‬هـــ‪ 1520 - 1512 /‬م) فبــدأت تتجــه نحــو الشــرق العربــي لتضمــه‬
‫إليهــا‪ .‬ففــي عــام ( ‪ 922‬هـــ‪ 1516 /‬م) اســتولت القــوات العثمانيــة علــى الشــام‪ ،‬ويف العــام التالــي‬
‫( ‪ 923‬هـــ‪ 1517 /‬م) اســتولت علــى مصــر‪ ،‬وبذلــك ســقطت دولــة المماليــك و أصبحــت دول‬
‫المشــرق العربــي تحــت الســيادة العثمانيــة‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫يف املغرب العريب واألندلس‪:‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬‬


‫علمنــا ســابقا أن دولــة الموحديــن هــي آخــر الــدول العربيــة اإلســامية الكــرى التــي‬
‫حققــت وحافظــت لوقــت طويــل علــى وحــدة المغــرب العربــي واألندلــس اســتمر حوالــي ‪118‬‬

‫ســنة تقريبا ( ‪ 663 - 541‬هـ‪ 1264 - 1146 /‬م) وحالت خالل هذه الفرتة دون ســيطرة الصليبيين‬
‫عليهمــا‪ .‬كمــا حالــت يف نفــس الوقــت دون االنقســام وقيــام الكيانــات القزميــة المتفرقــة‪.‬‬
‫رأينــا كيــف اســتعاد المغــرب العربــي واألندلــس خــال حكــم الموحديــن نشــاطه‬
‫االقتصــادي والثقــايف وقــام بــدوره کامــا يف ســبيل نشــر اللغــة العربيــة والثقافــة اإلســامية‬
‫والديــن اإلســامي بالمناطــق الصحراويــة وبيــن القبائــل الوثنيــة اإلفريقيــة يف حــوض الســنغال‬
‫ومــا حولــه‪.‬‬
‫وعرفنــا أن خســارة الموحديــن يف معركــة العقــاب عــام ( ‪ 609‬هـــ‪ 1212 /‬م) أمــام جمــوع‬
‫الصليبيــن اإلســبان كانــت المقدمــة إلهنــاء دور هــذه الدولــة العربيــة االســامية التــي تكاثــرت‬
‫عليهــا عوامــل الضعــف واإلهنيــار حتــى ســقطت هنائيــا عــام ( ‪ 668‬هـــ‪ 1269 /‬م)‪.‬‬

‫وعلــى أثــر ذلــك إهنــار نفوذهــا ّ‬


‫وتقســم ملكهــا إلــى كيانــات صغيــرة اختــص كل منهــا‬
‫برقعــة جغرافيــة محــددة هــي‪:‬‬
‫ ‪.‬أمملكة غرناطة يف األندلس‪.‬‬
‫ ‪.‬بدولة بني مرين يف المغرب األقصى (مراکش)‪.‬‬
‫ ‪.‬جدولة بني عبد الواد الزيانيين يف المغرب األوسط (الجزائر)‪.‬‬
‫ ‪.‬ددولة بني حفص (الحفصيين) يف المغرب األدنى (تونس وطرابلس)‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫نامثعلا ءيجم ىتحو دادغب طوقس ذنم ةيبرعلا ةقطنملا ‪:‬سداسلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬ستتبــع ظهــور دولــة بنــي بويــه يف العــراق وأثرهــم يف حــدوث االنقســام والتفــكك للدولــة‬
‫العباســية‪ .‬مــع ذكــر مظاهــر ســيطرهتم علــى الخالفــة العباســية‪.‬‬

‫سس‪2‬سســيطر الســاجقة علــى الخالفــة العباســية ببغــداد ولكــن ســيطرهتم هــذه لــم تســتمر‬
‫ألســباب عــدة ناقــش ذلــك‪.‬‬

‫سس‪3‬سكان ضــرر الحكــم المغولــي علــى العــراق فادحــا وخاصــة يف الفــرة التــي كان فيهــا‬
‫المغــول وثنييــن‪ .‬اشــرح ذلــك‪.‬‬

‫سس‪4‬سنتيجــة لدخــول المغــول يف اإلســام هتذبــت أخالقهــم وانخفــض مســتوى حقدهــم‬


‫علــى العــرب والمســلمين‪ .‬وضــح ذلــك‪.‬‬

‫سس‪5‬ساكتب مذكرات تاريخية حول‪:‬‬


‫ ) أالمغول الجالئريين يف العراق‪.‬‬
‫ ) بتيمورلنك‪.‬‬
‫ ) جأهمية تلمسان‬

‫سس‪6‬سلعــب المماليــك دورا هامــا يف التاريــخ العربــي وخاصــة فيمــا يتعلــق بطــرد الصليبييــن‬
‫مــن بــاد الشــام‪ .‬اشــرح ذلــك‪.‬‬

‫سس‪7‬سمــا األســباب التــي حالــت دون نجــاح المماليــك يف تطويــر الحيــاة االقتصاديــة‬
‫واالجتماعيــة؟‬

‫سس‪8‬سناقــش تداعيــات الصــراع بيــن القــوى السياســية المختلفــة على وحــدة المنطقــة الممتدة‬
‫مــن إفريقيــة إلــى بــاد المغــرب األقصــى يف نقاط أساســية‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫الفصل السابع‬
‫احلضارة العربية‬
‫اإلسالمية‬

‫‪211‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫الفصل السابع‪ :‬احلضارة العربية اإلسالمية‬


‫النظم اإلدارية واملالية‬
‫تطــورت النظــم اإلداريــة والماليــة يف الدولــة العربيــة اإلســامية منــذ عهــد الرســول ﷺ‬
‫وحتــى مطلــع العصــور الحديثــة تطــور ًا ملحوظــا‪ ،‬األمــر الــذي مكــن الزعامــة السياســية لهــذه‬
‫الدولــة يف مراحلهــا المختلفــة أن تبســط ســيطرهتا وقبضتهــا علــى جميــع الواليــات‪ .‬وقــد قامــت‬
‫مؤسســات إداريــة وماليــة اســتطاعت الدولــة مــن خاللهــا إدارة الواليــات ومحاســبة عمالهــا‬
‫والقائميــن عليهــا وإدارة شــئون الرعيــة‪.‬‬
‫وأمه هذه املؤسسات‪:‬‬
‫اخلالفــــــة‬ ‫(أ) ‬
‫الخالفــة يف اللغــة مصــدر لفعــل خلــف‪ُ ،‬يقــال خلــف زیــد عمــر ًا أي قــام مقامــه وبقــي‬
‫﴾‬ ‫بعــده فهــو خليفــة قــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫(ســورة ســبأ)‪ ،‬وقــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ (ســورة األعــراف)‪.‬‬
‫والخالفــة نظــام حكــم وسياســة اســتحدث مباشــرة عقــب وفــاة الرســول الكريــم ﷺ‬
‫ولــم يعــرف عنــد غيــر المســلمين مــن قبــل‪ .‬وهــو نظــام أوجدتــه الضــرورة نتيجــة للفــراغ الــذي‬
‫حــدث بوفــاة الرســول ﷺ‪ ،‬ودعــت إليــه الحاجــة لصيانــة المجتمــع الجديــد وتضامنــه والحفــاظ‬
‫علــى الديــن والتعهــد بنشــره إكمــاال لرســالة محمــد ﷺ‪.‬‬
‫ولقــد ورد لفــظ الخليفــة ومشــتقاته يف مواضــع متعــددة مــن القــرآن الكريــم ليــدل علــى‬
‫﴾‬ ‫الواليــة قــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫ســورة ص مــن اآليــة ( ‪.)25‬‬
‫﴾ ســورة‬ ‫وقــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫البقــرة مــن اآليــة ( ‪ .)29‬وقــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة النــور مــن اآليــة ( ‪.)53‬‬
‫ومــن المعــروف أن وفــاة الرســول ﷺ كانــت صدمة هائلة للمســلمين ســببت لهم الكثير‬

‫‪213‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫مــن الخــوف والشــك إلــى درجــة أن فريــق منهم زعــم أنه لم يمــت نظرا لعظمــة شــخصيته وتأثيره‬
‫علــى أصحابــه‪ .‬ولكــن أبا بكر الصديق خطب فيهم وقال قوله المشــهور‪« :‬مــن كان يعبد محمدً ا‪،‬‬
‫فــإن محمــدا قــد مــات ومــن كان يعبــد اهلل فــإن اهلل حــي ال يمــوت» ثــم تــا عليهــم قولــه تعالــى‪:‬‬
‫﴾‬ ‫﴿‬
‫سورة آل عمران من اآلية ( ‪.)144‬‬

‫ألقاب اخلالفة‪:‬‬
‫اختلــف لقــب الخليفــة مــن عصــر إلــى عصــر ومــن دولــة إلــى أخــرى وفــق المعطيــات‬
‫الدينيــة والسياســية واالجتماعيــة‪ .‬و أهــم هــذه األلقــاب‪:‬‬
‫‪ 1.1‬خ‬
‫الليفــة‪ :‬وأول مــن ســمي بــه أبــو بكــر الصديــق حيــث دعــي بخليفــة رســول اهلل‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫ين‬
‫املؤمنــ�‪ :‬عقــب وفــاة أبــي بكــر الصديــق اســتخلف عمــر بــن الخطــاب‬ ‫أمــر‬
‫‪ 2.2‬ي‬
‫ولقــب خليفــة خليفــة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقــال المســلمون مــن يــأيت بعــد عمــر ســوف‬
‫يقــال لــه خليفــة خليفــة خليفــة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فيطــول هــذا فقــال بعضهــم ‪ :‬نحــن‬
‫المؤمنــون وعمــر أميرنــا فدعــي عمــر أميــر المؤمنيــن وكان أول مــن تلقــب بذلــك‪.‬‬
‫المــام‪ ،‬وأول مــن لقــب بــه علــي بــن أبــي طالــب ثــم تلقــب بــه الخلفــاء العباســيون‬
‫‪ 3.3‬إ‬
‫والفاطميــون‪ .‬كمــا أن الخالفــة قــد دعيــت يف عهدهــم باإلمامــة الكــرى تمييــزا لهــا‬
‫عــن إمامــة الصــاة‪.‬‬
‫‪4.4‬ألقــاب خاصــة‪ :‬وهــي التــي ظهــرت علــى أيــام الدولــة العباســية حيــث اســتحدث‬
‫خلفاؤهــم ألقا ًبــا بأســماء يتميــز هبــا بعضهــم عــن بعــض حيــن شــعروا أن لقــب أميــر‬
‫المؤمنيــن هــو لقــب مشــرك بينهــم فتلقبــوا بالســفاح والمنصــور والمهــدي والهادي‬
‫والرشــيد واألميــن‪ ...‬الــخ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫شروط اخلالفة‪:‬‬
‫وه‪:‬‬ ‫ش‬
‫للخالفة �وط أساسية‪ ،‬ي‬
‫السالم‪ :‬أي أن يكون الخليفة مسلمة كشرط أول‪.‬‬ ‫ )أ إ‬
‫حرا إذ أن العبد المستعبد ال يملك نفسه‪.‬‬ ‫ )باحلرية‪ :‬أي أن يكون الخليفة ً‬
‫ )جالبلــوغ‪ :‬أي أن يكــون الخليفــة بال ًغــا لرشــده وال تجــوز خالفــة القاصــر وال‬
‫الصبــي‪.‬‬
‫ )دسالمة العقل‪ :‬أي ال يجوز المبايعة بالخالفة لمن يغلب عليه الجنون‪.‬‬
‫ )هسالمة احلواس‪ :‬واألعضاء وهي األشياء الضرورية للقيام بمهام الخالفة‪.‬‬
‫ )والذكــورة‪ :‬أي أن يكــون الخليفــة ً‬
‫ذكــرا ولــم يعــرف بيــن المســلمين مــن أجــاز‬
‫خالفــة المــرأة‪.‬‬

‫سلطات اخلليفة‪:‬‬
‫كان الخلفــاء يتصرفــون يف أمــور الدولــة تصرفــا يــكاد يكــون مطلقــا يف بعــض األحيــان‬
‫ويســتثني مــن ذلــك الخلفــاء الراشــدون ويمكــن إجمــال ســلطات الخلفــاء يف‪:‬‬
‫ ‪.‬أحفظ الدين والحرص على تعزيز مكانته‪.‬‬
‫ ‪.‬بإقامة الحدود أي إنزال العقوبات بمن يستحقها‪.‬‬
‫ ‪.‬جاإلشراف المباشر على القضاء (فصل الخصومات)‪.‬‬
‫ ‪.‬دمهمة حفظ األمن الداخلي والدفاع عن البالد ضد العدوان الخارجي‪.‬‬
‫ ‪.‬هتحديد الضرائب وإنفاقها‪.‬‬
‫ ‪.‬واإلشراف على أعمال الدولة وتعيين الموظفين‪.‬‬
‫(ب) الــــــوزارة‬
‫وهــي تــدل عــادة علــى منصــب الوزيــر الــذي اعتــره العديــد مــن المؤرخيــن والدارســين‬
‫أنــه نائــب مفــوض بحكــم البــاد باســم الخليفــة الــذي يختــاره ويفوضــه وهــو بذلــك يطلــق يــده‬
‫ألجــل التعييــن والعــزل لكافــة موظفــي الدولــة ويف مختلــف الواليــات‪ ،‬كذلــك فهــو الــذي يعطي‬
‫ويحــرم العطــاء بأمــر الخليفــة أو باجتهــاده هــو وال يشــاركه يف ذلــك أحــد‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن المشــاكل التــي كانــت تحــدث عــادة بيــن الخليفــة ووزيــره‪ ،‬األمــر الــذي‬

‫‪215‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫يدفعــه إلــى أن يحــد مــن ســلطات ذلــك الوزيــر إال أن الوزيــر يظــل هــو أكــر الــوالة ورئيــس‬
‫الدواويــن وصاحــب المشــورة وأقــرب النــاس مجلــس مــن الخليفــة‪.‬‬
‫والــوزارة والوزيــر يف اللغــة مشــتقة مــن الـ ِـوزر علــى اختــاف األوجــه الثالثــة التــي قــد‬
‫تقــرأ عليهــا هــذه الكلمــة‪.‬‬
‫ولقــد عــرف المســلمون نظــام الــوزارة والوزيــر وإن كان يف بعــض المراحــل لــم يصــرح‬
‫بــه‪ .‬ففــي عهــده ﷺ كان الصحابــة يف منزلــة الــوزراء عنــد الرســول ﷺ وإن كان انفــراد أبــا بكــر‬
‫الصديــق بالمشــورة جعــل بعضهــم يســميه وزيــر النبــي‪.‬‬
‫ويف عهــد الخلفــاء الراشــدين لــم يظهــر منصــب الوزيــر المتعــارف عليــه إال أن الصحابــة‬
‫جميعــا كانــوا أيضــا وزراء للخلفــاء األربعــة‪ .‬كمــا يظهــر بعــض األموييــن كــوزراء يف زمــن‬
‫الخليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان بحكــم القربــي‪ .‬كان عبــد اهلل بــن عبــاس وزيــر ًا لعلــي بــن أبــي‬
‫طالــب بحكــم القربــي أيضــا‪.‬‬
‫ـص الخلفــاء العديــد مــن النــاس مــن ذوي الخــرة وأهــل الــرأي‬ ‫ويف العصــر األمــوي خـ ّ‬
‫بالمشــورة والحــوار‪ ،‬خاصــة أثنــاء المحــن واألزمــات والفتــن الداخليــة‪ ،‬ممــا كان لــه األثــر يف‬
‫اتخــاذ القــرار الســليم فكانــوا بمثابــة وزراء‪.‬‬
‫أمــا منصــب الوزيــر علــى المســتوى الرســمي فلــم يظهــر صراحــة باإلســم والمعنــى إال‬
‫يف مطلــع العصــر العباســي األول وأصبــح مالزمــا لتاريــخ الدولــة العباســية‪ .‬ويعــود الفضــل يف‬
‫ذلــك إلــى الخليفــة الســفاح الــذي اســتحدث هــذا المنصــب عندمــا تمــت تســمية أبــي ســلمة‬
‫الخــال وزيــرا للدولــة العباســية والــذي عــرف بوزيــر آل محمــد‪ .‬ولقــد عــرف وزراء آخــرون‬
‫خــال العصــر العباســي األول مثــل أبــي الجهــم وخالــد بــن برمــك أيــام الســفاح‪ ،‬وأبــي مســلم‬
‫الخرســاين أيــام المنصــور‪ ،‬ويعقــوب بــن داود أيــام المهــدي‪ ،‬وأســرة آل برمــك أيــام الرشــيد‪،‬‬
‫والفضــل بــن ســهل أيــام المأمــون‪.‬‬
‫أمــا يف العصــر العباســي الثــاين‪ ،‬ازداد نفــوذ الوزيــر ويرجــع ذلــك إلــى ضعــف الخلفــاء‬
‫وانشــغالهم بقضيــة واليــة العهــد‪ .‬فــكان الــوزراء هــم رأس الدولــة والمتصرفــون يف شــئوهنا مثــل‬
‫الوزيــر ابــن الفــرات أيــام المقتــدر‪.‬‬
‫كمــا عرفــت "الــدول" اإلمــارات المســتقلة عــن الخالفــة العباســية نظــام الــوزارة‬
‫والــوزراء‪ .‬فــكان لألموييــن باألندلــس أكثــر مــن وزيــر يف وقــت واحــد بــل وصــل عددهــم أحيانــا‬
‫إلــى ثمانيــة وزراء‪ ،‬لــكل منهــم اختصــاص ‪ .‬وصــار هنــاك وســيط بيــن الــوزراء والخليفــة ســمي‬

‫‪216‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫بالحاجــب‪ ،‬وهــو أشــبه بالوزيــر األول أو رئيــس الــوزراء يف لغــة العصــر الحديــث‪.‬‬
‫وعلــى أيــام المماليــك بمصــر‪ ،‬تــم اســتحداث نظــام جديــد أطلقــوا عليــه لفــظ ناظــر‬
‫الدولــة أو ناظــر الخاصــة بــد ً‬
‫ال مــن لفــظ الوزيــر ويمكــن تفســير ذلــك إلــى األصــل الرتكــي‬
‫للمماليــك‪.‬‬

‫أنواع الوزارات يف الدولة اإلسالمية‪:‬‬


‫لــم تعــرف الــوزارة يف الدولــة اإلســامية التخصــص والتنــوع إال يف العصــر العباســي‬
‫عندمــا اتســعت رقعــة الدولــة وزادت مســؤوليات الوزيــر‪ ،‬وأصبحــت طلبــات الرعيــة تســتدعي‬
‫اســتخدام أكثــر مــن وزيــر‪ .‬لذلــك ظهــر نوعــان مــن الــوزارات يمكــن إجمالهــا يف اآليت‪:‬‬
‫‪1.1‬وزارة التنفيذ‪:‬‬
‫وهــي التــي ال يكــون لصاحبهــا حــق تدبيــر األمــور باجتهــاده‪ ،‬وإنمــا يكــون عملــه فيهــا‬
‫قاصــر ًا علــى تنفيــذ أوامــر الخليفــة وااللتــزام برأيــه‪ .‬وهــذا الوزيــر وســيط بيــن الخليفــة والرعيــة‬
‫والــوالة يــؤدي عنــه مــا أمــر بــه‪ .‬ويعــرض مــا ورد عنهــم‪.‬‬
‫وبذلك حدد المؤرخون سلطات وزير التنفيذ يف اآليت‪:‬‬
‫ ‪.‬أتبليغ الجنود أوامر الخليفة ونواهيه‪.‬‬
‫ ‪.‬بمتابعة أعمال الوالة‪.‬‬
‫ ‪.‬جالنظــر يف المظالــم الخاصــة بالرعيــة ويعمــل فيهــا باإلنصــاف ومــا عجــز عنــه‬
‫ينقلــه إلــى الخليفــة‪.‬‬
‫‪2.2‬وزارة التفويض‪:‬‬
‫ويتوالهــا وزيــر مفــوض تفويضــا كامــا مــن الخليفــة بمعنــى أن يديــر األمــور برأيــه‬
‫ويمضيهــا إلــى اجتهــاده دون الرجــوع إلــى الخليفــة‪ ،‬كأن يوجــه سياســة الدولــة‪ ،‬ويولــي‬
‫الموظفيــن ويعزلهــم ويجبــي األمــوال وينفقهــا ويســير الجيــوش ويجهزهــا ويجلــس للمظالــم‬
‫ويفصــل بيــن النــاس‪.‬‬
‫وقد أجمع المؤرخون أن وزير التفويض محظور عليه أمور هي‪:‬‬
‫‪1.1‬ليس له حق عزل من عينه الخليفة‪.‬‬
‫‪2.2‬ال يجوز له التدخل يف مسألة والية العهد ومنصب الخليفة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫‪3.3‬ال يجوز له اإلستقالة وطلب اإلعفاء من عمله‪.‬‬


‫ونظــر ًا ألهميــة منصــب وزيــر التفويــض أصبــح مــن الضــروري أن يكــون واحــدا فقــط‪،‬‬
‫وال يجــوز أن يكــون أكثــر مــن ذلــك يف وزارة التفويــض علــى العكــس يف وزارة التنفيــذ إذ مــن‬
‫الممكــن وجــود أكثــر مــن وزیــر‪.‬‬
‫(جـ) اإلمـــــارة‬
‫نشــأ نظــام اإلمــارة بعــد اتســاع الدولــة العربيــة اإلســامية وانتشــار اإلســام وخضــوع‬
‫أراض وشــعوب وأمــم مختلفــة للدولــة اإلســامية‪.‬‬
‫واإلمــارة هــي النيابــة عــن الخليفــة يف منطقــة محــدودة لتســيير أمــور الدولــة نظــر ًا لبعــد‬
‫ذلــك المــكان عــن مركــز الدولــة وعاصمتهــا ورغبــة مــن الخليفــة يف الســيادة والســيطرة وإقامــة‬
‫أمــور الديــن بكافــة مناطــق الدولــة‪.‬‬
‫وقــد تعــددت تســمية مــن يقــوم هبــذه المهمــة وفــق التطــورات التــي حدثــت بالنســبة‬
‫للمجتمــع اإلســامي‪:‬‬

‫ ‪.‬أالعــــامل‪:‬‬
‫أصبــح المشــرف علــى شــؤون اإلقليــم عامــاً‪ ،‬وبالرغــم مــن بســاطة التســمية يف‬
‫الظاهرفإهنــا كانــت علــى أيــام الرســول ﷺ يف نظــر الصحابــة أمــر ًا عظيمــا ألن الــذي يصبــح‬
‫عام ـاً لرســول اهلل ﷺ يف إقليــم مــا‪ ،‬إنمــا يعتــر المرجــع األساســي بــه إلقامــة الديــن والجهــاد‬
‫ضــد الكافريــن والنظــر يف أمــور الرعيــة‪ .‬ألجــل ذلــك كان الرســول ﷺ يحســن يف اختيــار عمالــه‬
‫مــن بيــن خيــرة الصحابــة وأكثرهــم صالحــا وأعمقهــم إيمانــا لكــي يعمــل بالقــرآن الكريم وســنة‬
‫رســوله األميــن ﷺ ثــم بعــد ذلــك يجتهــد بمــا يكفــل للديــن البقــاء وللرعيــة الرضــا‪.‬‬
‫وكان العامــل بذلــك هــو اإلمــام يف الصلــوات والقائــد يف المعــارك والحكــم يف‬
‫الخصومــات والمظالــم والمشــرف علــى جمــع الــزكاة وإنفاقهــا يف حدودهــا الشــرعية‪.‬‬
‫وعندمــا تولــى الخليفــة أبــو بكــر الصديــق أقــر عمــال الرســول ﷺ علــى المناطــق ولــم‬
‫يغيــر شــيئًا وضعــه رســول اهلل ﷺ‪ .‬وعندمــا جــاء عمــر بــن الخطــاب اســتحدث نظامــا جديــد ًا يف‬
‫اإلدارة قســمت الدولــة بموجبــه إلــى واليــات بعــد اتســاعها‪.‬‬

‫ ‪.‬بالوالـــــي‪:‬‬
‫‪218‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وهــي كلمــة ذات داللــة علــى الســلطة والنفــوذ‪ ،‬وهــي أشــبه بمنصــب وزيــر التفويــض‬
‫ألن صاحــب المنصــب (الوالــي) يتحمــل مســؤولية عظيمــة يف واليتــه‬
‫ولكــن الخليفــة عمــر بــن الخطــاب فصــل بيــن الســلطات زيــادة يف الحــذر وخدمــة‬
‫لمصالــح المســلمين‪ ،‬وذلــك بــأن جعــل القضــاء والخــراج مســتقلين عــن الوالــي‪ ،‬كمــا دعــا‬
‫والتــه إلــى معاملــة الرعيــة بالليــن يف غيــر ضعــف‪ ،‬والشــدة يف غيــر عنــف‪.‬‬

‫ ‪.‬جاألمــــــري‪:‬‬
‫ال عــن قيــادة الجنــد يف المعــارك ســواء معــارك الفتح ونشــر‬‫عــادة مــا يكــون األميــر مســئو ً‬
‫اإلســام أو التصــدي للعــدوان الخارجــي أو الــردة الداخليــة أو قتــال أهــل البغــي وقطــاع الطــرق‬
‫بمــا يكفــل اســتقرار األمــن الداخلــي ويســمى يف معظــم األحيــان أميــر الجنــد أو أميــر األجنــاد‪.‬‬
‫ويتضــح ممــا ســبق أن منصــب الوالــي هــو أهــم فــروع اإلمــارة وخاصــة بعــد مــا قســمت‬
‫الدولــة اإلســامية إلــى واليــات منــذ بدايــة عهــد عمــر بــن الخطــاب‪ .‬وقد حــرص جميــع الخلفاء‬
‫علــى مــدار الدولــة العربيــة اإلســامية أن تبقــي والياهتــم تابعــة لهــم وتحــت ســيطرهتم المباشــرة‬
‫والدقيقــة نظــر ًا العتبارهــا عمقــا اســراتيجيًا لحمايــة الدولــة‪ ،‬ومصــدر ًا لجبايــة الخــراج الــذي‬
‫يقــوم عليــه بيــت المــال‪.‬‬

‫‪1.1‬اإلمارة العامة‪:‬‬
‫ويقصــد هبــا توليــة الخليفــة ألميــر علــى واليــة معينــة لإلشــراف علــى جميــع المصالــح‬
‫التــي تحــت واليتــه‪ ،‬كالشــئون العســكرية والسياســية والماليــة والقضائيــة‪ ،‬وإقامــة الحــدود‬
‫الشــرعية‪ ،‬وحفــظ عقيــدة المســلمين وأخالقهــم‪ ،‬وتيســير أمــور الحجيــج إلــى بيــت اهلل الحــرام‪،‬‬
‫والج َمــع واألعيــاد‪.‬‬
‫وإمامتهــم يف الجامعــات ُ‬
‫اختيــارا أو‬
‫ً‬ ‫وتنقســم هــذه اإلمــارة العامــة ‪-‬تب ًعــا لطبيعــة التقليــد‪ -‬إلــى نوعيــن‪ ،‬إمــا‬
‫اضطــراراا إلــى إمــارة اتكفــاء وإمــارة إســتيالء‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2.2‬اإلمارة اخلاصة‪:‬‬
‫وهــي عــادة مــا يعهــد هبــا الخليفــة إلــى أحــد الرجــال ليقــوم بأمــور محــددة دون غيرهــا‬
‫كالنظــر يف قيــادة الجيــش وسياســة الرعيــة وحمايــة البيعــة للخليفــة ويف هــذه الحالــة ليــس لــه أن‬
‫يتعــرض للقضــاء واألحــكام ولجبايــة الخــراج والصدقــات وغيرهــا مــن األشــياء التــي ال تدخــل‬
‫ضمــن اختصاصــه‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫الدواوين‪:‬‬ ‫(د) ‬
‫عــرف المســلمون الديــوان أول مــرة يف عهــد الخليفــة عمــر بــن الخطــاب‪ ،‬وذلــك بعــد‬
‫أن فتــح اهلل عليهــم العــراق والشــام ومصــر‪ ،‬فجــاءت إليــه أمــوال كثيــرة فجمــع النــاس وقــال‬
‫لهــم‪( :‬قــد جــاءت إلينــا أمــوال كثيــرة فــإن شــئتم كلناهــا كيـاً أو عددناهــا عــد ًا‪ ،‬فقــام إليــه أحــد‬
‫المســلمين فقــال لــه ‪ :‬إين قــد رأيــت هــؤالء األعجــام مــن الفــرس والــروم يدونــون دیوانــا لهــم‪.‬‬
‫فقــال لهــم عمــر بــن الخطــاب‪ :‬دونــوا الدواويــن)‪.‬‬
‫وكان أول ديــوان نشــأ يف التاريــخ اإلســامي‪ ،‬هــو ديــوان الجنــد وهــو الديــوان الوحيــد‬
‫الــذي نشــأ أيــام الخلفــاء الراشــدين‪ ،‬وكان القصــد منــه حصــر المقاتليــن لغــرض دفــع العطايــا‬
‫لهــم وبذلــك صــارت كلمــة الديــوان تعنــي الســجل أو الكتــاب أو مجموعــة الصحــف التــي‬
‫تــدون فيهــا األســماء والعطايــا وغيرهــا‪ ،‬كمــا صــار المــكان الــذي يجلــس فيــه ال َك َت َبــة وتحفــظ‬
‫فيــه الســجالت يســمی دیوانــا‪.‬‬
‫وكانــت اللغــة العربيــة هــي لغــة الديــوان حيــث كان محــدود ًا ولغــرض دفــع األرزاق‬
‫للجنــد ويقــوم عليــه عــدد مــن الصحابــة المشــهود لهــم بالثقــة واألمانــة وقــد رتبــت فيــه األســماء‬
‫بحســب القرابــة مــن رســول اهلل ﷺ والســبق يف اإلســام‪.‬‬
‫ثــم تطــورت فكــرة الدواويــن وفــق الحاجــة إليهــا وخاصــة بعــد أن توســعت الدولــة‬
‫اإلســامية‪ ،‬ودخلــت فيهــا عناصــر متعــددة اللغــة واألصــل يجمــع بينهــا اإلســام والجهــاد‪ .‬وقــد‬
‫اضطــرت الدولــة إلــى إقامــة هــذه الدواويــن الجديــدة مســتعينة بخــرات أهــل فــارس والــروم‪،‬‬
‫كمــا أبقــي علــى النظــام الــذي كانــت عليــه الدواويــن أيــام الحكــم الفارســي والرومــي‪.‬‬
‫وعندمــا تولــى الخليفــة عبــد الملــك بــن مــروان أمــر بتعريــب الدواويــن أي اســتخدام‬
‫اللغــة العربيــة يف معامالهتــا وســجالهتا‪ ،‬وكان للتعريــب فوائــد هــي‪:‬‬
‫‪1.1‬حفظ أسرار الدولة‪.‬‬
‫‪2.2‬استخدام اللغة العربية يف المعامالت‪.‬‬
‫‪3.3‬توحيد المعامالت على طريقة واحدة يف جميع أرجاء الدولة‪.‬‬
‫‪4.4‬شجع التعريب األعاجم على سرعة تعلم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪5.5‬سهل على المسؤولين مراقبة الدواوين واالطالع على خفاياها‪.‬‬
‫ويف عهــد الدولــة العباســية أصبــح للديــوان شــأن عظيــم كمــا أصبــح ســعيد الحــظ مــن‬

‫‪220‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫يعمــل موظفــا فيــه‪ .‬وقــد انقســمت الدواويــن يف هــذا العصــر إلــى‪:‬‬


‫‪1.1‬ديوان الجند الذي استمر كأساس للدواوين‪.‬‬
‫‪2.2‬ديــوان الخــراج ويختــص بجبايــة األمــوال وضبــط حســابات الــواردات‬
‫و ا لمصر و فــا ت ‪.‬‬
‫‪3.3‬ديوان الخاتم وهو ديوان المحفوظات‪.‬‬
‫‪4.4‬ديوان الطراز وهو الذي يهتم بلباس الخليفة وحاشيته‪.‬‬
‫‪5.5‬ديوان الرسائل ويختص باإلشراف على المراسالت مع الواليات‪.‬‬
‫‪6.6‬ديوان الجهبذة ويتولى رعاية شئون أهل الذمة أهل (الكتاب)‪.‬‬
‫(هـ) الربيد‪:‬‬
‫وقــد بــدأ اإلهتمــام بالربيــد يف الدولــة العربيــة اإلســامية منــذ عهــد الرســول ﷺ ولكــن‬
‫المؤســس الحقيقــي للربيــد اإلســامي هــو معاويــة بــن أبــي ســفيان الــذي كان أول من اســتحدث‬
‫مخصصــا لخدمــة الدولــة فقــط ال األفــراد حيــث كان عمـ ًـا رســم ًيا ولــم‬
‫ً‬ ‫هــذا الديــوان‪ ،‬وكان‬
‫تســتفد منــه الرعيــة إال بعــد حيــن‪.‬‬
‫وكانــت مهمتــه األولــى نقــل األخبــار بيــن عاصمة الدولــة واألقاليــم‪ ،‬كما ينقــل حاجات‬
‫الدولــة‪ ،‬ويشــرف علــى المســالك والطــرق ويرســم الخرائــط المناســبة لألقاليــم‪ .‬وقــد نــال نظــام‬
‫الربيــد اهتمامــا كبيــر ًا علــى أيــام الخليفــة األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان‪َ ،‬ف ُأ ْد ِخلــت عليــه‬
‫التحســينات وأصبــح رجــال الربيــد ال يحجبــون عنــه يف أي وقــت مــن الليــل والنهــار ألهميــة مــا‬
‫قــد يحملــون مــن أخبــار ال ينبغــي تأجيلهــا‪.‬‬
‫وقــد أقيمــت للربيــد محطــات كثيــرة هبــا دواب مســريحة جاهــزة لالنطــاق وهبــا أماكــن‬
‫للراحــة‪ .‬فــإذا وصــل رجــل الربيــد تــرك الدابــة المرهقــة وأخــذ علــى الفــور أخــرى مســريحة‬
‫ليواصــل رحلتــه مــن فــوره‪ .‬وهكــذا ُيفعــل يف كل المحطــات حتــى يصل إلــى العاصمــة أو غيرها‪.‬‬
‫ويف العصــر العباســي أصبــح الربيــد يقــوم بمــا يعــرف اليوم يف نظــام (المخابــرات) حيث‬
‫كان رجالــه يقومــون بمراقبــة الــوالة وأصحــاب المناصــب العليــا ويجمعــون المعلومــات عــن‬
‫األعــداء‪ .‬فأصبــح لــه دیــوان قائــم بذاتــه‪ ،‬كمــا زاد مــن تخصصــه بحيــث أصبــح ينقــل األخبــار‬
‫الداخليــة المتعلقــة بمعاملــة الوالــي للرعيــة وزيــادة األســعار وأمــور الخــراج باإلضافــة إلــى‬
‫حمــل الرســائل وتنظيمهــا وحفظهــا‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وكان مــن أهميــة صاحــب الربيــد أن الخليفــة يستشــيره يف أمــور الحرب ووضــع خططها‬
‫ألنــه عليــم بالطــرق والمســالك‪ .‬وقــد نقــل عــن الخليفــة العباســي أبــي جعفــر المنصــور قولــه‪:‬‬
‫(مــا أحوجنــي إلــى أربــع‪ :‬قــاض عــادل‪ ،‬وصاحــب شــرطة منصــف‪ ،‬وصاحــب خــراج يســتقصي‬
‫وال يظلــم‪ ،‬وصاحــب بريــد يكتــب بصــدق عــن كل هــؤالء)‪.‬‬
‫وكان أبــو جعفــر المنصــور ينظــر يف أخبــار الربيــد بعــد صــاة المغــرب ليعــرف ما حدث‬
‫بالنهــار‪ ،‬وبعــد صــاة الفجــر ليعــرف مــا حــدث بالليــل‪ ،‬فــكان بذلــك علــى إطــاع كامــل ودقيــق‬
‫بمــا يجــري يف دولتــه‪.‬‬
‫وقــد عــرف المســلمون الربيــد الــري المنقــول بالــدواب يف كل أرجــاء الدولــة بســرعة‬
‫فائقــة‪ .‬والربيــد الجــوي المنقــول بالحمــام الزاجــل المــدرب علــى حمــل الرســائل واألخبــار‬
‫حيــث ينطلــق مــن أبــراج خاصــة ذهابــا وايابــا‪.‬‬

‫املوارد املالية‪:‬‬ ‫(و) ‬


‫كان بيــت مــال المســلمين يف الدولــة العربيــة اإلســامية يعتمــد علــى مــوارد متعــددة منــذ‬
‫نشــأته علــى أيــام الخلفــاء الراشــدين وأهــم هــذه المــوارد‪:‬‬
‫‪1.1‬الزكــــاة‪:‬‬
‫وهــي ركــن مــن أركان اإلســام الخمســة‪ ،‬وال يكتمــل إيمــان المســلم إال هبــا وكانــت‬
‫يف البدايــة اختياريــة مــع الثنــاء علــى الذيــن يعطوهنــا‪ ،‬ثــم أصبحــت إجباريــة علــى المســلمين‬
‫القادريــن وفــق نســب مــن أموالهــم حددهــا اهلل ســبحانه ورســوله ﷺ العلمــاء والفقهــاء يف حينها‪،‬‬
‫وأصبحــت تعــرف بــزكاة المــال يف مختلــف صــوره مــن معــادن ثمينــة أو عملــة نقديــة أو حيوانات‬
‫أو ثمــار ‪...‬الــخ‪.‬‬
‫وتســمى الصدقة قــال تعالى‪﴿ :‬‬
‫﴾ مــن ســورة التوبــة اآليــة ( ‪ .)104‬وقــال تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة التوبــة اآليــة‬
‫( ‪ .)105‬والــزكاة حــق اهلل يف مــال األغنيــاء يعطــى للفقــراء لكــي يجنبهــم الحاجــة والســؤال‪،‬‬
‫فبعضهــم يعطيهــم وبعضهــم يمنعهــم وبذلــك صــارت الــزكاة تمثــل قمــة العــدل يف نظــام التكامــل‬
‫االجتماعــي والتعــاون علــى همــوم الحيــاة بيــن النــاس‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وقــد حــدد اإلســام أوجه صرفها والفئات المســتحقة لها وهم ثمانيــة حددهم اهلل تعالى‬
‫يف قولــه‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســـــورة التوبـــة‬
‫اآليـــــة ( ‪ ،)60‬ولقـــــد تعــــــدد ذكــــــر الزكــــاة يف القــــــــرآن لحرص اإلســام عليها كمورد لبيت‬
‫المال ومصدر لإلنفاق على ذوي الحاجة وقــــد جـــــــــاءت يف العديــــــــد مـــن اآليـــــات مقرونـة‬
‫﴾‬ ‫بالصــاة وجـــاءت منفـــردة كقولـــــه تعــــالى‪﴿ :‬‬
‫ســورة فصلــت اآليــة ( ‪.)6 - 5‬‬
‫وقد حدد ق‬
‫الف�اء ش� ي ن‬
‫ط� إلخر جا�ا‪:‬‬
‫ ‪ .‬أملك النصاب الذي يختلف باختالف المصدر‪.‬‬
‫ ‪ .‬بمرور عام‪.‬‬
‫الزيـــــة‪:‬‬
‫‪ 2.2‬ج‬
‫وهــي ضريبــة ظاهــرة المعالــم واضحــة المعنــى‪ ،‬عرفــت بأهنــا مبلــغ مــن المــال بدفعــه‬
‫أهــل الذمــة (أصحــاب الديانــات الســماوية الســابقة) وقــد جــاءت بنــص قــرآين يف قولــه تعالــى‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾ ســورة التوبــة‬
‫اآليــة ( ‪ ،)29‬والهــدف مــن الجزيــة المفروضــة علــى أهــل الذمــة هــو إيجــاد تــوزان يف الدولــة‬
‫عــن طريــق التكافــؤ حيــث إن المســلمين والذمييــن هــم رعايــا دولــة واحــدة يف نظــر اإلســام‬
‫ويتمتعــون بحقــوق واحــدة وينتفعــون بمصالــح الدولــة عامــة وبنســبة واحــدة‪.‬‬
‫ومن هنا فرضت الجزية على أهل الذمة يف مقابل فرض الزكاة على المسلمين‪.‬‬
‫‪3.3‬الغنيمــة‪:‬‬
‫ومعناهــا مــا ظفــر بــه المســلمون مــن مــال الكفــار علــى وجــه الغلبــة والقهــر وبذلــك‬
‫تكــون الغنيمــة هــي الفــوز بالشــيء‪ ،‬وتجمــع الغنائــم مــن ســاحة المعركــة وال يجــوز قســمتها مــا‬
‫دامــت الحــرب مســتمرة‪ ،‬بــل يجــب االنتظــار حتــي تضــع الحــرب أوزارهــا‪ .‬والحكمــة يف ذلــك‬
‫حتــى ال يتشــاغل المســلمون باألســاب والغنائــم فتحــل هبــم الهزيمــة‪ ،‬كمــا حــدث يف غــزوة‬
‫أحــد عندمــا تشــاغل الرمــاة بأمــر الغنائــم مخالفيــن ألمــر رســول اهلل ﷺ فــكادت أن تقــع الهزيمــة‬
‫بالمســلمين‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وتقســم الغنائــم وفقــا لقولــه تعالــى‪﴿ :‬‬

‫﴾ ســـورة األنفــــــال اآليــة‬


‫( ‪ .)41‬أي أن الغنائــم تقســم إلــى أخمــاس يخصــص خمســها للذيــن ذكــروا يف اآليــة الســابقة‪ ،‬أمــا‬
‫األربعــة أخمــاس الباقيــة فتــوزع علــى المحاربيــن وفــق معرفــة الحاكــم ويجــوز فــداء األســرى‬
‫أو المــ ّن عليهــم بــدون مقابــل لقولــه تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســـــــورة‬
‫محمــد اآليــة ( ‪.)4‬‬
‫‪4.4‬الـخـــــراج‪:‬‬
‫وهــي ضريبــة تفــرض علــى األرض التــي صولــح عليهــا المشــركون وتــأيت يف شــكل‬
‫حاصــات زراعيــة أو أمــوال ويســمى هــذا المقــدار المفــروض خراجــا‪ .‬وقــد ورد ذكــر الخــراج‬
‫يف القــرآن الكريــم يف قولــه تعالــى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة المؤمنــون اآليــة ( ‪ .)72‬ويســمى أحيانــا ضريبــة المزارعــة أو المعاملــة علــى حســب‬
‫تقديــر قيمتهــا فبعــض األراضــي قــدرت مــا ً‬
‫ال مثــل أرض الســواد التــي زرعــت قمحــا بعــد الفتــح‬
‫فــكان يؤخــذ مقــدار أربعــة عشــر درهمــا علــى الفــدان الواحــد‪ .‬وأرض خیــر مث ـاً أخــذ عنهــا‬
‫نصــف مــا تخــرج األرض قــل منهــا أو كثــر‪.‬‬
‫وألهميــة الخــراج كان الخلفــاء يكلفــون مــن يقــوم بجبايتــه بعيــد ًا عــن تأثيــر الــوالة‪.‬‬
‫وقــد كان الخــراج وســيلة لحمايــة األرض الزراعيــة وتنميــة المــوارد الماليــة والحــرص علــى‬
‫زيــادة اإلنتــاج وتخفيــف حــدة النــزاع الطبقــي بيــن المالكيــن والفقــراء‪.‬‬
‫‪5.5‬العشور‪:‬‬
‫وهــي ضريبــة تدفــع علــى إنتــاج األرض بــأن يدفــع القائــم عليهــا عشــر غلتهــا أو إنتاجهــا‬
‫وتشــمل األرض المملوكــة ألصحاهبــا ثــم أســلموا وبقيــت تحــت تصرفهــم كذلــك األراضــي‬
‫الميتــة التــي أحياهــا المســلمون بعــد الفتــح‪.‬‬
‫‪6.6‬عشور التجارة‪:‬‬
‫وهــي ضريبــة مــرور التجــارة عــر بــاد اإلســام ســواء أكانــت بــر ًا أو بحــر ًا‪ُ ،‬ت َقــدَّ ر‬
‫بال ُعشــر‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫أ‬
‫‪7.7‬الوقـــــاف‪:‬‬
‫ويقصــد هبــا عمــل الخيــر ووســيلة للوصــول إلــى نــوع مــن التكافــل االجتماعــي‪ ،‬وذلــك‬
‫بــأن يقــوم الميســور مــن المســلمين بوقــف أراض أو عقــارات أو دخــل مــا ليصــرف منــه يف صالح‬
‫النــاس والمســلمين ويريــد بــه عمــل الخيــر وخاصــة صيانــة وحفــظ المرافــق العامــة واألوقــاف‬
‫نوعان‪:‬‬
‫أ) أوقــاف ذريــة هتــدف إلــى ضمــان التكافــل االجتماعــي لذريــة صاحــب الوقــف‬
‫وأقربائــه وكلهــا تنتهــي إلــى عمــل الخيــر‪.‬‬
‫ب) أوقــاف خيريــة وهــو مــا ينفــق علــى أعمــال الخيــر عامــة‪ ،‬وهــي ال تتقطــع مثــل‬
‫عمــارة المســاجد وزوايــا العلــم والمــدارس والمقابــر وإصــاح الجســور والطرقــات العامــة‬
‫وتقديــم المعونــة للمزارعيــن والمعاقيــن وإيــواء اليتامــى‪ ...‬الــخ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫احلياة االجتماعية واالقتصادية‬


‫ ‪.‬أاحلياة االجتماعية‪:‬‬
‫عقــب نجــاح حركــة الفتــح العربــي اإلســامي نشــأ مجتمــع جديــد تمیــز بامتــزاج عناصر‬
‫ودمــاء وأجنــاس وقوميــات مختلفــة جمــع بينهــا اإلســام الــذي حــارب العصبيــة‪ ،‬وأزال كل‬
‫العوائــق الطبقيــة وجعــل التقــوى والعمــل الصالــح مقيــاس للــوالء واالنتمــاء‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن ذلــك اعتــاد المؤرخــون علــى تقســيم المجتمــع العربــي اإلســامي‬
‫الجديــد إلــى فئــات وعناصــر هــي‪:‬‬
‫‪1.1‬العرب املسملون‪:‬‬
‫هــم أســاس الدولــة وفيهــم نــزل القــرآن وظهــر اإلســام ومنهــم الرســول الكريــم ﷺ‬
‫وهــم أيضــا المكلفــون بتبليــغ الديــن ونشــره إلــى البشــرية جمعــاء‪ .‬وقــد اعتمــد عليهــم المجتمــع‬
‫يف تكويــن الدولــة وإنجــاح حركــة الفتــح حتــى هنايــة الدولــة األمويــة وهــم الذيــن نشــروا اللغــة‬
‫والثقافــة العربيــة يف األراضــي المفتوحــة‪.‬‬
‫املوال‪:‬‬
‫‪ 2.2‬ي‬
‫وهــم يف األصــل ســكان البــاد المفتوحــة مــن غيــر العــرب والذيــن اعتنقــوا اإلســام يف‬
‫بــاد فــارس وخراســان وبــاد مــا وراء النهــر وبــاد الســند وآســيا الصغــرى مــن األكــراد واألرمن‬
‫والــرك وغيرهــم‪ ،‬وكان العنصــر الفارســي أكثرهــم‪ .‬وقــد شــعر الفــرس والموالــي عامــة بعــدم‬
‫الرضــا وعــدم المســاواة بانحيــاز الخلفــاء إلــى العنصــر العربــي‪ ،‬خاصــة يف العصــر األمــوي األمــر‬
‫الــذي دفعهــم لالشــراك يف كل عمــل انفصالــي وتأمــري وانخرطــوا يف حــركات الزندقــة‪.‬‬
‫وعلــى الجانــب األخــر نجــد أن فئــة مــن الموالــي تشــبعت بالثقافــة العربيــة وتأثــرت‬
‫هبــا وهــو مــا أدى إلــى بــروز أعــام وشــخصيات مــن الموالــي رائــدة يف كافــة العلــوم والفنــون‬
‫واآلداب وكان اعتزازهــم باإلســام كبيــرا‪.‬‬
‫‪3.3‬أهل الذمة‪:‬‬
‫وهــم أصحــاب الديانــات الســابقة التــي لهــا كتــب ســماوية ورســل مثــل اليهــود‬
‫والنصــارى‪ ،‬والذيــن بقــوا جميعــا علــى دينهــم الســابق بعــد الفتــح محتفظيــن بحقوقهــم وعليهــم‬
‫واجبــات نحــو المجتمــع الجديــد‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وقــد عومــل هــؤالء بالتقديــر مــن اإلســام والمســلمين بالرغــم أن بعضهــم وخاصــة‬
‫اليهــود الذيــن بــدت منهــم الكراهيــة والتآمــر علــى العــرب والمســلمين مــرات عديــدة‪.‬‬
‫وقــد تكفــل القــرآن الكريــم بفضــح أعمالهــم واإلخبــار عــن مؤامراهتــم قــال تعالــى‪:‬‬
‫﴾ ســورة المائــدة مــن اآلية ( ‪،)84‬‬ ‫﴿‬
‫وقــد بقــي اليهــود علــى مــدار الدهــر جبنــاء متآمريــن يحبــون الحيــاة ولــو كانــت غيــر كريمــة قــال‬
‫﴾ ســورة البقــرة مــن اآليــة ( ‪ .)95‬ونالحــظ هنــا أن‬ ‫تعالــى‪﴿ :‬‬
‫كلمــة حيــاة جــاءت نكــرة بــدون تعريــف لتــدل علــى أي حيــاة ولــو كانــت يف ذل‪.‬‬
‫أمــا الجبــن والخــوف فهمــا ســمتان مالزمتان لليهــود قــال تعالى‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة‬
‫الحشــر مــن اآليــة ( ‪ .)14‬ولــم يســتفد العــرب والمســلمون لألســف مــن هــذه الحكــم القرآنيــة‬
‫حيــث ال زالــت شــراذم اليهــود تغتصــب أرض العــرب وتقتــل أبناءهــم وترتكــب مــن الجرائــم‬
‫مــا ال يحصــى ضــد اآلمنيــن يف فلســطين ومــا حولهــا‪.‬‬
‫والواري ‪:‬‬ ‫‪4.4‬الرقيق خ‬
‫والدم ج‬
‫تتعــارض ظاهــرة الــرق مــع حريــة اإلنســان إذ أن الــرق يعنــي اإلســتعباد وبالرغــم مــن‬
‫أن هــذه الظاهــرة قديمــة قــدم البشــرية عرفتهــا كافــة الشــعوب القديمــة إال أن اإلســام اعتربهــا‬
‫ظاهــرة عابــرة مؤقتــة وغيــر طبيعيــة حيــث عــر عــن ذلــك الخليفــة عمــر بــن الخطــاب بقولــه ‪:‬‬
‫ـرارا»‪.‬‬
‫«متــى اســتعبدتم النــاس وقــد ولدهتــم أمهاهتــم أحـ ً‬
‫وقد عالج اإلسالم موضوع الرق كظاهرة واقعة بطريقتين‪:‬‬
‫ ‪ .‬أحبــب إلــى النــاس العتــق ســواء بالتطــوع أو جعلهــا كفــارة للذنــوب مثــل كفــارة‬
‫اليميــن وكفــارة الصــوم‪ ،‬وكفــارة قتــل الخطــأ وغيرهــا‪.‬‬
‫ ‪ .‬بأمر بمعاملة الرقيق معاملة طيبة و أوصى بالعناية هبم وحسن العشرة معهم‪.‬‬
‫ماكنة املرأة‪:‬‬
‫المــرأة طــرف أساســي يف األســرة وهــي أحــد أركاهنــا والمــرأة العربيــة كانــت دائمــا‬
‫دعامــة كــرى لألســرة‪ ،‬فقبــل اإلســام كان الرجــل لظــروف اقتصاديــة وجغرافيــة ينطلــق إلــى‬
‫مســافات بعيــدة ويغيــب عــن بيتــه ليالــي وأيامــا كثيــرة‪ ،‬فتكــون المــرأة هــي المشــرف األول علــى‬
‫البيــت مــن حيــث تربيــة األوالد والقيــام بشــؤون الزراعــة واالهتمــام بالحيوانــات فكانــت خيــر‬

‫‪227‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫معيــن لزوجهــا علــى ظــروف الحيــاة‪.‬‬


‫وبالرغــم ممــا قيــل عــن المــرأة قبــل اإلســام مــن حيــث عــدم تمتعهــا بالحريــة إال أن‬
‫شــواهد التاريــخ تنفــي ذلــك وتضــرب األمثــال عــن نســاء عربيــات قبــل اإلســام كان لهــن شــأن‬
‫عظيــم يف مختلــف المجــاالت بمــا يف ذلــك المجــال السياســي مثــل ملكــة اليمــن العربيــة التــي‬
‫ذكرهــا القــرآن يف‪﴿ :‬‬
‫﴾ ســورة النمــل اآليــة ( ‪.)23 -22‬‬
‫والملكــة زنوبيــا ملكــة تدمــر يف ســوريا التــي وقفــت بالمرصــاد للرومــان وأطماعهــم‬
‫دفاعــا عــن مملكتهــا‪ .‬والســيدة خديجــة بنــت خويلــد زوجــة الرســول صلــى اهلل عليــه وســلم‬
‫التــي اقتحمــت مجــال التجــارة بــكل قــوة وأصبــح لهــا مكانتهــا االقتصاديــة واالجتماعيــة مــع‬
‫الحفــاظ علــى هيبتهــا كإمــرأة‪.‬‬
‫وبعــد اإلســام وخــال مراحــل الدولــة العربيــة اإلســامية المتعــددة تعــززت مكانــة‬
‫المــرأة باإلســام‪ ،‬فــكان لهــا الســبق يف اإليمــان والجهــاد وتحمــل الظلــم مــن جانــب المشــركين‬
‫فكانــت ســمية (أم عمــار بــن یاســر) أول شــهيدة يف اإلســام وبتطــور الدولــة زادت مكانــة المــرأة‬
‫قــوة وشــاركت الرجــل يف سياســة الدولــة والمشــورة واتخــاذ القــرار وغيرهــا مــن عظــام األمــور‪.‬‬
‫وقــد كفــل اإلســام للمــرأة حقوقهــا يف الــزواج والطــاق والميــراث والنفقــة والقيــام بشــئوهنا‬
‫وحفــظ لهــا مكانتهــا كأم وزوجــة وأخــت وابنــة ومواطنــة‪.‬‬
‫ومن القيم والعادات النبيلة التي أكدها اإلسالم‪:‬‬
‫‪1.1‬الشــجاعة والفروســية وهمــا صفتــان اتصــف هبمــا العــرب قبــل اإلســام وبعــده‪.‬‬
‫وبفضــل الشــجاعة والفروســية وصــل اإلســام إلــى مشــارق األرض ومغارهبــا‪.‬‬
‫وأصبــح “المؤمــن القــوي أحــب إلــى اهلل مــن المؤمــن الضعيــف” بمــا يف ذلــك قــوة‬
‫البــدن التــي هــي أســاس الشــجاعة والفروســية‪.‬‬
‫‪2.2‬الكــرم هــو الجــود نفســه‪ُ .‬وجــد الكــرم يف اإلســام ليؤكــد ســماحته‬
‫ّ‬
‫فحــث علــى البــذل والعطــاء مــن غيــر إســراف أو تفريــط قــال تعالــى‪:‬‬
‫﴾ سورة األعراف من اآلية ( ‪.)29‬‬ ‫﴿‬

‫‪228‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫ ‪.‬باحلياة االقتصادية‪:‬‬
‫‪1.1‬الزراعة‪:‬‬
‫نظــرا لوقــوع أقاليــم الدولــة العربيــة اإلســامية يف المناطــق المناخيــة المعتدلــة‪،‬‬
‫باإلضافــة إلــى تعــدد مصــادر الميــاه هبــا مــن أهنــار دائمــة الجريــان وأمطــار غزيــرة معظمهــا شــتاء‬
‫وبعضهــا صيفــا إلــى جانــب المصــادر األخــرى كالعيــون والينابيــع واآلبــار وغيرهــا‪ ،‬توفــرت‬
‫مقومــات الزراعــة هبــا إلــى درجــة أصبحــت هــذه المناطــق مــن أخصــب مناطــق العالــم قديمــا (يف‬
‫ذلــك الوقــت)‪ .‬وتنوعــت هــذه األراضــي وتوزعــت يف كل مــن بــاد العــراق مــا بيــن هنــري دجلــة‬
‫والفــرات‪ ،‬ويف بــاد الشــام حــول األهنــار وعلــى الســهول الســاحلية‪ ،‬ويف مصــر حــول هنــر النيــل‪،‬‬
‫ويف شــمال إفريقيــا واألندلــس حــول األهنــار‪ ،‬وعلــى الســهول الســاحلية‪ ،‬كذلــك يف خراســان‬
‫وبــاد مــا وراء النهــر وبــاد الســند وآســيا الصغــرى وكل المناطــق التــي خضعــت للدولــة العربيــة‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫وكانــت الشــعوب القاطنــة هبــذه المناطــق قبــل اإلســام قــد أهملــت العمــل بالزراعــة‬
‫ألســباب متعــددة منهــا ثقــل الضرائــب وقســوة الحــكام يف جبايتهــا باإلضافــة إلــى قلــة األيــدي‬
‫العاملــة وعــدم تطويــر مصــادر الــري‪ ،‬ولذلك نجــد أن الدولــة العربية اإلســامية ويف كل مراحلها‬
‫قــد أولــت الزراعــة اهتمامــا خاصــا‪ ،‬وكانــت تعليمــات الخلفــاء والــوزراء تقضــي بتقديــم كافــة‬
‫التســهيالت الالزمــة لتطويرهــا ونجاحهــا‪ ،‬ألهنــا تحقــق اإلكتفــاء وتكفــل الرخــاء‪.‬‬
‫وكانــت أولــى اهتمامــات العــرب المســلمين بالزراعــة قــد تركــزت حــول إصــاح‬
‫طــرق الــري حيــث تمــت هــذه العمليــة وفــق طريقتيــن وهمــا‪ :‬تجديــد القديــم منهــا واســتحداث‬
‫الجديــد المتطــور‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬حظيــت بــاد العــراق ومصــر بصفــة خاصــة باالهتمــام‬
‫يف هــذا المجــال‪ ،‬وأصبحــت هبمــا شــبكة كبيــرة مــن هــذه القنــوات الموصلــة للميــاه إلــى كافــة‬
‫األراضــي الزراعيــة‪.‬‬
‫وقــد ترتــب عــن ذلــك أن تعــددت المحصــوالت وزاد اإلنتــاج وحصــل اإلكتفــاء الــذي‬
‫تــم حملــه وتوزيعــه علــى كافــة أقاليــم الدولــة‪ .‬فقــد أنتجــت مصــر الحبــوب بأنواعهــا كالقمــح‬
‫والشــعير وانتجــت أراضيهــا أيضــا األرز والبقــول والقطــن وقصــب الســكر والفواكــه والكتــان‬
‫وغيرهــا‪ .‬كمــا أنتــج العــراق التمــور والحبــوب والفواكــه واألرز وغيرهــا‪.‬‬
‫ولقــد صاحــب تطويــر الزراعــة انتقــال زراعــة المحاصيــل وغــرس األشــجار مــن منطقــة‬
‫إلــى أخــرى‪ ،‬مثــل انتقــال زراعــة قصــب الســكر والصناعــة القائمــة عليــه مــن بــاد فــارس إلــى‬

‫‪229‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫مصــر والشــام ومنهمــا إلــى أوروبــا‪ .‬وهبــذا انتشــر هــذا التطــور يف كل األقاليــم العربيــة اإلســامية‬
‫حتــى األندلــس‪.‬‬

‫للري‬
‫منظر األحواض التي أقامها األغالبة ّ‬
‫وإلــى جانــب االهتمــام بزراعــة كل مــا يتعلــق بالغــذاء اهتــم العــرب المســلمون بغراســة‬
‫الــورود واألزهــار علــى اختــاف أنواعهــا واســتخدمت يف صناعــة العقاقيــر الطبيــة والعطــور‪.‬‬
‫كمــا اســتعملوا مــاء هــذه الزهــور ممزوجــا بالشــراب وغيــره‪.‬‬
‫وكان لتطويــر الزراعــة واالهتمــام هبــا أثــر اقتصــادي كبيــر يف زيــادة اإلنتــاج ونمــو مــوارد‬
‫الدولــة العربيــة اإلســامية‪.‬‬
‫‪2.2‬الصناعة احلرفية‪:‬‬
‫جــاءت الصناعــة يف الدولــة العربيــة اإلســامية وليــدة اإلســتقرار الــذي تحقــق وخاصــة‬
‫يف العصــر العباســي األول‪ .‬ويف نفــس الوقــت‪ ،‬نتيجــة لتطويــر الحيــاة االجتماعيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬
‫ذلــك نجــاح المهــن األخــرى كالزراعــة والتجــارة فكانــت الصناعــة مــن الحــرف التــي عملــت‬
‫علــى تلبيــة حاجــات هاتیــن المهنتيــن‪.‬‬
‫وكان أول نجــاح للصناعــة الحرفيــة‪،‬أن قامــت بتلبيــة الحاجــات الضروريــة الالزمــة‬
‫للبيــوت‪ ،‬والمتمثلــة يف فرشــها وتوفيــر األثــاث لهــا فجــاءت صناعــة البســط بأنواعهــا المختلفــة‬

‫‪230‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫العــادي والمخطــط وذي المربعــات والتقاطعــات وغيرهــا‪ .‬كذلــك جــاءت الســجاجيد الملونــة‬
‫بألــوان مختلفــة وعليهــا رســومات وصــور مختلفــة لتزييــن جــدران البيــوت وأراضــي القاعــات‬
‫المخصصــة للجلــوس والضيافــة وكانــت بــاد فــارس مركــز هــذه الصناعــات وتطورهــا يف‬
‫غــرب آسيا‪.‬فانتشــرت هبــا األنــوال ومــن فــارس انتقلــت هــذه الصناعــة إلــى العــراق مقــر الخالفــة‬
‫العباســية حيــث تطــورت وظهــرت منهــا أنــواع نفيســة غاليــة الثمــن‪ ،‬انتشــرت يف أوروبــا عــر‬
‫الحركــة التجاريــة العربيــة نحــو الغــرب يف العصــور الوســطى‪.‬‬
‫وإلــى جانــب صناعــة الســجاد انتشــرت صناعــة المنســوجات الحريريــة والقطنيــة‬
‫والصوفيــة التــي توافــرت خاماهتــا محليــا يف بــاد فــارس والعــراق وأقاليــم شــرق الدولــة يف بــاد‬
‫مــا وراء النهــر‪ .‬وكانــت مــدن شــیراز وأصفهــان و تربیــز مراكــز صناعيــة لهــذه الصناعــات‪ ،‬كمــا‬
‫انتشــرت صناعــة األواين المصنوعــة مــن الخــزف وصناعــة الفسيفســاء والقيشــاين المســتخدم‬
‫يف تزييــن جــدران المســاجد والبيــوت بألواهنــا المختلفــة يف ســوريا وخاصــة مدينــة دمشــق التــي‬
‫غــدت مركــزة لهــا‪.‬‬
‫وانتشــرت بمصــر الصناعــات المتعلقــة بالنســيج وصناعــة الــورق الــذي انتقــل إليهــا‬
‫مــن الصيــن عــر العــراق وفــارس‪ .‬أمــا يف بــاد الشــام فقــد انتشــرت صناعــة الزجــاج يف بيــروت‬
‫وصيــدا وصــور علــى ســبيل المثــال وهــي صناعــة أصلهــا كنعــاين‪ -‬عربــي‪.‬‬
‫هــذا باإلضافــة إلــى صناعــات متعــددة محليــة يف كل األقاليــم التابعــة للدولة اإلســامية‪،‬‬
‫والتــي شــكلت جميعهــا جــزءا مــن الدخــل العــام للدولــة‪ ،‬وكانــت أســاس حركــة التجــارة الربيــة‬
‫والبحريــة العربيــة المحليــة والدولية‪.‬‬
‫‪3.3‬التجارة‪:‬‬
‫كانــت التجــارة نتيجــة حتميــة لتقــدم وتطــور الحــرف الصناعيــة و الزراعيــة شــرقًا‬
‫وغربــا‪ ،‬واحتيــاج كل إقليــم منهــا إلــى منتجــات اآلخــر ولــم يكــن العــرب غربــاء عــن التجــارة‬
‫فقــد عملــوا هبــا قديمــا وأصبحــوا ســادهتا خــال العصــور القديمــة‪ ،‬إذ م ّثلــوا الوســيط الناجــح يف‬
‫عمليــة التبــادل التجــاري بيــن مناطــق العالــم القديــم‪ .‬ويف مطلــع نشــأة الدولــة العربيــة اإلســامية‬
‫ارتبــط العمــل بالتجــارة بأهــل الذمــة مــن اليهــود والنصــارى الذيــن وجــدوا يف عدالــة اإلســام‬
‫وســماحة خلــق العــرب فرصــة لممارســة العمــل يف هــذا المجــال‪ ،‬ولكــن بحــدوث االســتقرار‬
‫عقــب نجــاح حركــة الفتــح العربــي اإلســامي عــادت التجــارة إلــى أيــدي العــرب المســلمين‬
‫الذيــن عملــوا علــى تطويرهــا وإدخــال التحســينات عليهــا مــن خــال توفيــر األمــن وتنشــيط‬

‫‪231‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫المحطــات الربيــة وتطويــر الموانــئ البحريــة‪ ،‬حتــى غــدت مدهنــا ذات شــهرة تجاريــة عالميــة‪،‬‬
‫مثــل دمشــق وبغــداد والبصــرة والقاهــرة واإلســكندرية وطرابلــس الغــرب وغيرهــا‪.‬‬
‫وقــد خــص العــرب التجــارة مــع الشــرق األقصــى باهتمامهــم وذلــك لســببين اثنيــن‪:‬‬
‫أولهمــا أن هــذه المنطقــة كانــت ميدانــا خصبــا للمتاجــرة معهــا‪ .‬وثانيهمــا أن هــذه العالقــات‬
‫الســليمة بيــن المنطقتيــن أتاحــت للعــرب المســلمين تجــارا ودعــا ًة لإلســام فرصــة لنشــر دينهــم‬
‫ولغتهــم بيــن أممهــا‪ ،‬وال تــزال دول عديــدة هبــذه المناطــق تديــن كاملــة باإلســام بفضــل الجهــود‬
‫التــي بذلهــا التجــار العــرب‪.‬‬
‫طريق� للتجارة مع هذه املناطق مها‪:‬‬ ‫ين‬ ‫وقد اتبع العرب‬
‫ ‪.‬أالطريــق البحــري عــر البحــر المتوســط‪ ،‬فالبحــر األحمــر والخليــج العربــي وبحــر‬
‫العــرب يف المحيــط الهنــدي إلــى الهنــد وجنــوب شــرق آســيا والصيــن وغيرهــا‬
‫مــن هــذه المناطــق‪.‬‬
‫ ‪.‬بالطريــق الــري الــذي أطلــق عليــه المؤرخــون (طريــق الحريــر القديــم) الــذي‬
‫يمــر مــن بــاد الشــام والعــراق إلــى بــاد فــارس وخراســان إلــى بــاد مــا وراء‬
‫النهــر عــر ســمرقند وترکســتان إلــى الصيــن وقــد ارتبــط اســم هــذا الطريــق بســلعة‬
‫الحريــر الصينــي ذي الشــهرة العالميــة يف العصــور الوســطى‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة للتجــارة مــع المنطقــة الغربيــة مــن الدولــة العربيــة اإلســامية‪ ،‬فقــد حظيــت‬
‫أيضــا باهتمــام كبيــر‪ ،‬فمــارس العــرب المغاربــة التجــارة مــع األندلــس وأوروبــا كمــا تعاملــوا‬
‫مــع األمــم اإلفريقيــة الســاكنة جنــوب الصحــراء‪ .‬وانطلقــت مــن مصــر وجنــوب شــبه الجزيــرة‬
‫العربيــة والخليــج رحــات تجاريــة عــر البحــر األحمــر والقــرن اإلفريقــي والمحيط الهنــدي إلى‬
‫ســواحل إفريقيــا الشــرقية ومدغشــقر وغيرهــا‪ .‬وكدليــل علــى اهتمــام الدولــة العربيــة اإلســامية‬
‫بربــط التجــارة العالميــة وتيســير طرقهــا واختصارهــا‪ ،‬تفكيــر الخليفــة العباســي هــارون الرشــید‪-‬‬
‫وحســب مــا تــورده العديــد مــن المصــادر‪ -‬يف توصيــل البحــر األحمــر بالبحــر المتوســط عــر‬
‫قنــاة بحريــة وقــد كان يطمــح مــن خــال ذلــك إلــى إحــكام الســيطرة علــى البــاد وبذلــك يكــون‬
‫هــذا المشــروع قــد ســبق االهتمامــات األوروبيــة بمئــات الســنين‪.‬‬
‫وكانــت القوافــل التجاريــة العربيــة البحريــة والربيــة تحمــل نوعيــن مــن المنتجــات‬
‫والبضائــع منهــا مــا هــو منتــج أو مصنــع بــاألرض العربيــة ومنهــا مــا هــو مســتورد مــن مناطــق أخرى‬
‫ليحمــل إلــى غيرهــا وبذلــك لعــب التجــار العــرب دور الوســيط والشــريك يف نفــس الوقــت‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫ف‬ ‫خريطة ي ن‬
‫تب� طرق التجارة ي� العرص الوسيط‬

‫‪233‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫احلياة الثقافية‬
‫ ‪.‬أالعلـــــوم‪:‬‬
‫يقتصــر تعريفنــا للعلــوم يف هــذا الجانــب علــى العلــوم العقليــة المرتبطــة بالتجريــب‬
‫واالســتنتاج وتدويــن النتائــج واختبارهــا ثــم تعميمهــا وتحويلهــا إلــى واقــع يســتفاد منــه يف الحيــاة‬
‫العامــة‪.‬‬
‫وأمه هذه العلوم‪:‬‬
‫‪1.1‬عمل الكيمياء‪:‬‬
‫نــال علــم الكيميــاء اهتمامــا خاصــا مــن جانــب العــرب وقطعوا فيه شــوطا طويــا بالرغم‬
‫مــن أهنــم لــم يصلــوا إلــى نتائــج كبيــرة مثــل التــي وصلــوا إليهــا يف علــوم ومعــارف أخــرى‪ .‬لكــن‬
‫الــذي ال شــك فيــه أهنــم وضعــوا أساســه الــذي ســار عليــه الغــرب بعــد ذلــك يف مطلــع عصــر‬
‫النهضــة‪.‬‬
‫ومؤســس علــم الكيميــاء العالــم العربــي جابــر بــن حیــان حوالــي عــام ( ‪ 159‬هـــ‪776 /‬‬
‫ٍ‬
‫كتــب أ ّلفهــا‪ ،‬والتــي أكّــد فيهــا‬ ‫م) وقــد أورد كل تجاربــه ونظرياتــه وأبحاثــه يف هــذا العلــم يف‬
‫علــى أهميــة التجربــة يف علــم الكيميــاء للوصــول إلــى نتائــج‪ .‬وبالرغــم مــن أن الهــدف األساســي‬
‫الــذي أتجــه نحــوه معظــم علمــاء الكيميــاء يف تلــك العصــور هــو محاولــة تحويــل المعــادن ذات‬
‫القيمــة الوضيعــة إلــى معــادن ثمينــة كالذهــب مثــا فإنــه مــن خــال أبحاثهــم توصلــوا إلــى نتائــج‬
‫كثيــرة متعلقــة باألحمــاض ودراســة التكليــس والتحويــل والتبخــر والتصعيــد واإلذابــة والبلــورة‬
‫فظهــرت دراســات وافيــة بعــد أن كانــت كلهــا تعتمــد علــى مــا ذكــره العالــم اليونــاين أرســطو يف‬
‫العصــور القديمــة فقــط‪.‬‬
‫‪2.2‬عمل ي ز‬
‫الف� ي�ء (الطبيعة)‪:‬‬
‫ســاهم العلمــاء العــرب يف تقــدم علــم الفيزيــاء وخاصــة يف مجــال البصريــات التــي‬
‫صححــوا أساســها الــذي كان ســائد ًا وفــق آراء العلمــاء اإلغريــق (اليونانييــن) القدامــى مثــل‬
‫أقليــدس وبطليمــوس وأفالطــون‪ ،‬والذيــن كانــوا يــرون جميعــا أن الرؤيــا مثــا تتــم بواســطة‬
‫أشــعة ترســلها العيــن إلــى األشــياء‪ ،‬إذ وصــل علمــاء العــرب إلــى اســتنتاج أن الرؤيــا تتــم عــن‬
‫طريــق خطــوط الضــوء التــي ترســلها األشــياء إلــى العيــن‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وكان رائــد الفيزيــاء العربــي‪ ،‬العالــم الحســن بــن الهيثــم ( ‪ 430 - 354‬هـــ‪- 965 /‬‬
‫‪ 1040‬م) الــذي أجــرى العديــد مــن التجــارب علــى المرايــا وشــبه الظــل وغيرهــا‪ ،‬كان ألبحاثــه‬
‫وتجاربــه أثــر يف علــم الفيزيــاء‪ ،‬وبقيــت نظرياتــه إلــى عهــد قريــب يف أوروبــا هــي أســاس لعلــم‬
‫الفيزيــاء وخاصــة يف مجــال المرئيــات‪.‬‬
‫‪3.3‬عمل الفلك‪:‬‬
‫يرتبــط علــم الفلــك بالبدايــات األولــى للدولــة العباســية حيــث أقــدم العالــم العربــي‬
‫محمــد بــن إبراهيــم الفــزاري (ت الوفــاة ‪ 180‬هـــ‪ 796 /‬م) علــى ترجمــة بعــض المراجــع الهنديــة‬
‫يف علــم الفلــك‪ ،‬ومنهــا بــدأ االهتمــام هبــذا العلــم‪ .‬كمــا يعــود إليــه الفضــل يف اســتخدام آلــة‬
‫اإلســطرالب يف رصــد الكواكــب والنجــوم‪.‬‬
‫ويعتــر العالــم أبــو الريحــان البيــروين ( ‪ 440 - 362‬هـــ‪ 1048 - 973 /‬م)‪ ،‬رائــد ًا لعلــم‬
‫الفلــك اإلســامي الــذي وضــع العديــد مــن المؤلفــات حــول هــذا العلــم ونظرياتــه‪ .‬وكان ممــا‬
‫توصــل إليــه مــن نتائــج تأكيــد دوران األرض حــول محورهــا وميــل ذلــك المحــور‪ ،‬كمــا وصــل‬
‫إلــى تحديــد دقيــق لخطــوط الطــول ودوائــر العــرض‪.‬‬
‫وكان ممــا ســاعد علــى تطــور الدراســات والتجــارب المتعلقــة بعلــم الفلــك انتشــار‬
‫المراصــد الفلكيــة التــي قــام مــن خاللهــا العلمــاء بتجارهبــم‪ .‬وكان أول مرصــد أنشــأه العــرب‬
‫المســلمون مرصــد مدينــة ((جنــد يســابور)) يف القــرن الســادس الهجــري‪ /‬القــرن التاســع‬
‫الميــادي‪.‬‬
‫ويف عهــد الخليفــة العباســي المأمــون تــم إنشــاء مرصــد بمدينــة بغــداد وأجريــت بــه‬
‫تجــارب عــدة شــارك فيهــا علمــاء الرياضيــات والفيزيــاء والفلــك‪.‬‬
‫كمــا كان المرصــد الــذي تــم إنشــاءه بمدينــة الرقــة بســوريا متخصصــا يف دراســة القمــر‬
‫وحركــة مســاراته وعالقتــه بــاألرض والشــمس وغيرهــا‪.‬‬
‫الر�ضيات‪:‬‬
‫‪4.4‬عمل ي‬
‫كان رائــد الرياضــة العربيــة اإلســامية العالــم محمــد بــن موســی الخوارزمــي‪ ،‬مؤســس‬
‫علــم الجــر الــذي ال زال يحمــل نفــس االســم العربــي يف كافــة اللغــات األوروبيــة الحديثــة‪ .‬وقــد‬
‫عــاش الخوازرمــي بيــن عامــي ( ‪ 232 - 164‬هـــ‪ 847 - 781 /‬م) ووضــع كتابــه المشــهور (الجــر‬
‫والمقابلــة) الــذي بقــي مرجعــا لقــرون عديــدة يف مجــال الرياضيــات وكانــت الرياضيــات قــد‬

‫‪235‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫تطــورت عقــب اســتخدام العــرب لألرقــام الهنديــة (التــي كانــت تســمى بالعربيــة) ومــا زالــت إلى‬
‫اليــوم مســتخدمة يف العديــد مــن البــاد العربيــة‪ ،‬حيــن دخــل علــم الرياضيــات الهنــدي بأرقامــه‬
‫ونظامــه بعــد أن ترجــم إلــى اللغــة العربيــة يف وقــت واحــد مــع علــم الفلــك‪.‬‬
‫وعمــل العلمــاء العــرب علــى تطويــر علــم الرياضيــات بعــد أن ابتكــروا الصفــر الــذي‬
‫حــل العديــد مــن المشــاكل الرياضيــة‪ .‬كمــا ابتكــروا نظام الكســور واســتخراج الجــذور الرتبيعية‪.‬‬
‫وقــد اســتخدمت الرياضيــات يف العديــد مــن العلــوم األخــرى وكان التعــاون واضحــا‬
‫ووثيقــا بيــن علمــاء العلــوم الطبيعيــة األخــرى مــع علمــاء الرياضيــات ممــا كان لــه األثــر يف‬
‫الوصــول إلــى نتائــج باهــرة‪.‬‬
‫‪5.5‬عمل الطب‪:‬‬
‫كان علــم الطــب يف الدولــة العربيــة يف أول األمــر معتمــدا علــى األطبــاء الســريان الذيــن‬
‫كانــوا علــى علــم باللغــات القديمــة وهــم الذيــن نقلــوا وترجمــوا العديــد مــن الكتــب اليونانيــة‬
‫والهنديــة يف الطــب إلــى العربيــة‪ ،‬كمــا كان علــم الطــب معتمــدا يف مصــدره على الكتــب الموروثة‬
‫مــن الحضــارات الســابقة واالســتفادة منهــا‪.‬‬
‫ويف البدايــات اشــتهر يف المجتمــع العربــي اإلســامي عــدد مــن األطبــاء منهــم يحيــى بــن‬
‫ماســویه ( ‪ 243 - 163‬هـــ‪ 857 - 777 /‬م) وحنيــن بــن إســحاق ( ‪ 260 - 192‬هـــ‪873 - 808 /‬‬

‫م) وثابــت بــن قــرة ( ‪ 288 - 221‬هـــ‪ 901 - 836 /‬م) وكلهــم غيــر مســلمين‪ ،‬وإنمــا دخلــوا يف‬
‫خدمــة الدولــة والخلفــاء‪ ،‬وكانــوا جميعــا محــل ثقــة يف عــاج أوالد الخلفــاء وغيرهــم‪.‬‬
‫ثــم أشــتهر بعدهــم الطبيــب أبوبكــر الــرازي ( ‪ 311 - 250‬هـــ‪ 923 - 864 /‬م) الــذي‬
‫صنــف كتبــا كثيــرة يف الطــب بقيــت إلــى عهــد قريــب مــن المراجــع الهامــة يف هــذا العلــم ولعــل‬
‫كتــاب (الحــاوي) كان مــن أشــهرها والــذي شــمل إثنــي عشــر بابــا يف كل علــوم الطــب ومــا يتعلق‬
‫هبــا‪.‬‬
‫كمــا ظهــر الطبيــب علــى بــن العبــاس المجوســي ( ‪ 384‬هـــ‪ 994 /‬م) الــذي ألــف كتابــا‬
‫أســماه (كامــل الصناعــة) وأهــم مــا يخ ّلــد ذكــر هــذا الطبيــب أنــه كان أول مــن وصــف (الجدري)‬
‫وأســبابه الظاهريــة والباطنيــة وأعراضــه وطــرق عالجــه يف كتابــه هــذا ومــن المعــروف أن مــرض‬
‫الجــدري كان مــن أمــراض ذلــك الزمــان‪ ،‬وكان يفتــك بــاآلالف مــن الســكان عندمــا يجتــاح‬
‫منطقــة مــا‪.‬‬
‫ولعــل أشــهر األطبــاء يف الدولــة العربيــة اإلســامية علــى اإلطــاق الطبيــب أبــو علــي‬

‫‪236‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫بــن ســينا ( ‪ 427 - 370‬هـــ‪ )1037 - 980 /‬الــذي كان يف األصــل فيلســوفًا ثــم درس الطــب‬
‫وتنقــل يف أرجــاء الدولــة مســاهمًا يف العــاج والتعليــم وكان خالصــة عملــه يف هــذا العلــم كتــاب‬
‫(القانــون) الــذي ظــل المرجــع يف التدريــس يف مــدارس األطبــاء يف كل مــن آســيا و أوروبــا أكثــر‬
‫مــن ســتة قــرون‪.‬‬
‫هــذا باإلضافــة إلــى االهتمامــات الطبيــة التــي ظهــرت يف أقاليــم الدولــة جميعهــا مثــل‬
‫مصــر وشــمال إفريقيــا واألندلــس وغيرهــا وكلهــا مســاهمات عربيــة إســامية يف هــذا المجــال‪.‬‬
‫وقــد ُخصصــت أماكــن لعــاج المرضى‪ ،‬ســم ّيت بالبيمارســتانات‪ ،‬أشــبه بالمستشــفيات‬
‫اليــوم وقــد توافــرت فيهــا جميــع مقومــات العــاج والمتابعــة وكان يشــرف عليهــا رئيــس األطبــاء‬
‫مهمتــه متابعــة أعمــال األطبــاء (الحكمــاء كمــا كانــوا يســمون) وكان الطبيــب يتعــرض للعقــاب‬
‫إذا مــات مريضــه بســبب الخطــأ واإلهمــال‪.‬‬

‫ ‪.‬باآلداب‪:‬‬
‫وهي التي يطلق عليها العلوم اإلنسانية أو النقلية وتشمل‪:‬‬
‫‪1.1‬علوم ي ن‬
‫الد�‪:‬‬
‫ويقصــد هبــا العلــوم المتعلقــة بصلــب العقيــدة وجوهــر اإلســام وترتكــز أساســا علــى‬
‫القــرآن الكريــم وأقــوال الرســول الكريــم ﷺ واجتهــادات العلمــاء والصحابــة‪.‬‬
‫وقــد تطــورت علــوم الديــن علــى مــدار تاريــخ الدولــة العربيــة اإلســامية حيــث كان‬
‫االهتمــام هبــا يــأيت يف مقدمــة االهتمامــات الرتباطهــا بحياهتــم اليوميــة‪.‬‬
‫آ‬ ‫وقد ش�لت علوم ي ن‬
‫الد� الفروع التية‪:‬‬
‫تفس� القرآن ي‬
‫الكر�‪:‬‬ ‫ )أ ي‬
‫بالرغــم مــن أن القــرآن الكريــم نــزل بالعربيــة إال أنــه جــاء بقمــة اإلعجــاز اللغــوي إلــى‬
‫درجــة لــم تكــن معظــم نصوصــه مفهومــة مــن الجميــع وخاصــة تلــك المســائل التــي جــاءت‬
‫موجــزة‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬كانــت الضــرورة تحتــم وجــود مــن يفســر ويوضــح المعــاين واأللفــاظ‬
‫وأســباب النــزول واألحــكام‪ .‬ولهــذا نشــأ علــم التفســير‪ ،‬وكان مــن أشــهر مــن فســر القــرآن‬
‫الكريــم يف البدايــة علــي بــن أبــي طالــب ( ‪ 23‬قـــ هـــ ‪ 40 -‬هـــ‪ 661 - 599 /‬م) وابــن العبــاس ( ‪ 3‬قـــ‬
‫هـــ ‪ 68 -‬هـــ‪ 689 - 619 /‬م) وعبــد اهلل بــن مســعود ((بيــن ‪ )31 -37‬قـــ هـــ ‪ 32 -‬هـــ‪( /‬بيــن ‪-586‬‬

‫‪237‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫‪ 653 - )592‬م) وغيرهــم‪.‬‬


‫ثــم تطــور هــذا العلــم علــى يــد العديــد مــن العلمــاء الذيــن وضعــوا المصنفــات الكبيــرة‬
‫مثــل الطــري ( ‪ 310 - 224‬هـــ‪ 923 - 839 /‬م) والقرطبــي ( ‪ 671 - 600‬هـــ‪ 1273 - 1204 /‬م)‬
‫والزمخشــري ( ‪ 538 - 467‬هـــ‪ 1143 - 1074 /‬م) وابــن كثيــر ( ‪ 774 - 701‬هـــ‪ 1373 - 1301 /‬م)‬
‫وغيرهــم‪.‬‬
‫ )بعمل احلديث‪:‬‬
‫والحديــث يف األصــل هــو مــا ورد عــن الرســول صلــى اهلل عليــه وســلم من قــول أو عمل‬
‫أو تقريــر وكان مصــدره مــا نقلــه عنــه الصحابــة وأهــل بيتــه والتابعــون‪ .‬ونظــر ًا ألن الحديــث لــم‬
‫يــدون مثــل القــرآن‪ ،‬وإنمــا اعتمــد علــى الحفــظ والنقــل مشــافهة‪ ،‬ممــا أ ّدى إلــى ظهــور أحاديــث‬
‫وضعــت يف ظــروف سياســية أو اقتصاديــة أو اجتماعيــة معينــة أو لخدمــة هــدف مــا‪ .‬فعمــل علمــاء‬
‫الحديــث علــى التصــدي لهــذه الظاهــرة وقامــوا بتأصيــل األحاديــث وفــق روايتهــا وأخرجــوا‬
‫األحاديــث الضعيفــة جانبــا‪.‬‬
‫ومــن أشــهر علمــاء الحديــث اإلمــام البخــاري ( ‪ 256 - 194‬هـــ‪ 870 - 810 /‬م) ومســلم‬
‫( ‪ 261 - 206‬هـــ‪ 875 - 822 /‬م) وابــن ماجــة ( ‪ 273 - 209‬هـــ‪ 886 - 824 /‬م) وابــن كثيــر‬
‫( ‪ 774 - 701‬هـــ‪ 1373 - 1301 /‬م) وغيرهــم‪.‬‬
‫ )جعمل الفقه وأصول الفقه‪:‬‬
‫عــم الفقــه‪ :‬هــو العلــم باألحــكام الشــرعية العمليــة المســتنبطة مــن األدلــة التفصيليــة‪.‬‬
‫والمــراد هبــا كل مــا يتعلــق بالعبــادات والمعامــات واألحــوال الشــخصية والجنايــات والنظــم‬
‫العامــة واســتنبطاها مــن الكتــاب أو الســنة فــإذا لــم يجــدوا فيهــا المطلــوب يكــون القيــاس علــى‬
‫قضيــة ســابقة أو مشــاهبة الــرأي‪ ،‬أو اإلجمــاع إذا تعــذر ذلــك‪ .‬وقــد تولــى هــذه المهمــة العديــد‬
‫مــن العلمــاء‪.‬‬
‫أمــا أصــول الفقــه‪ :‬فهــو القواعــد والشــروط االســتنباط األحــكام بــد ً‬
‫ال مــن تركهــا‬
‫لالجتهــادات التــي يقــع الضــرر بعــدم ضبطتهــا‪.‬‬
‫ومــن العلمــاء الذيــن برعــوا يف علــم الفقــه وأصولــه اإلمــام مالــك ( ‪ 179 - 93‬هـــ‪- 711 /‬‬
‫‪ 795‬م) والشــافعي ( ‪ 204 - 150‬هـ‪ 820 - 767 /‬م) وأبو حنيفة ( ‪ 150 - 80‬هـ‪ 767 - 699 /‬م)‬
‫وابــن حنبــل ( ‪ 241 - 164‬هـــ‪ 855 - 780 /‬م) وغيرهــم‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫‪2.2‬علوم اللغة‪:‬‬
‫اتســع اســتخدام اللغــة العربيــة يف الواليــات واألمصــار وخاصــة بعــد تعريــب الدواويــن‬
‫علــى أيــام الخليفــة األمــوي عبــد الملــك بــن مــروان‪ .‬وقــد تطلــب األمــر اســتخدام ألفــاظ‬
‫ومصطلحــات لــم يكــن للعــرب عهــد هبــا مــن قبــل وذلــك يف النظــم السياســية واإلداريــة وأحــكام‬
‫الشــريعة اإلســامية وغيرهــا مــن المعامــات‪ .‬كمــا أن توســع البحــث العلمــي وازدهــار النشــاط‬
‫الثقــايف عمومــا جعــل العديــد مــن األلفــاظ والمصطلحــات تدخــل اللغــة العربيــة مــن اللغــات‬
‫األخــرى القديمــة مثــل اليونانيــة والفارســية والروميــة وغيرهــا‪ .‬كل ذلــك دفــع الدارســين إلــى‬
‫محاولــة البحــث يف أصــول األلفــاظ ومعانيهــا وطــرق اشــتقاقها ومــا يقابلهــا يف اللغــات األخرى‪.‬‬
‫وقــد ترتــب عــن هــذا ظهــور علــم اللغــة العربيــة للمحافظــة عليهــا مــن خــال المعاجــم اللغويــة‬
‫التــي ظهــرت لهــذا الغــرض حمايــة لهــذه اللغــة‪.‬‬
‫ثــم جــاء بعــد ذلــك االهتمــام بعلــم النحــو الــذي لــم يكــن أول األمــر علمــا مكتوبــا أو‬
‫مدونــا نظــرا الســتقامة كالم العــرب علــى البديهــة وامتيــاز البــداوة بالفصاحــة‪.‬‬
‫وكان البــدوي المتغــرب يف الصحــاري يســتطيع إدراك الخطــأ واللحــن يف الــكالم‬
‫بمجــرد ســماعه وكان يتضايــق جــدا إذا حــدث ذلــك ويعتــره تكســيرا‪ .‬ولذلــك كان الشــعر‬
‫الجاهلــي والنثــر مــن أهــم مقومــات اللغــة قبــل اإلســام ومیــزان ضبطهــا‪.‬‬
‫وبعــد اإلســام كان القــرآن الــذي نــزل باللغــة العربيــة الفصحــى ضابطــا وميزانــا لهــا‪،‬‬
‫باإلضافــة إلــى كونــه کتــاب تشــريع وهدايــة للبشــرية جمعــاء ومصــدرا لإلســام‪ .‬فــزاد ذلــك مــن‬
‫قيمــة اللغــة العربيــة‪.‬‬
‫وقــد قــام األعاجــم الذيــن دخلــوا يف اإلســام بتعلــم اللغــة العربيــة إلقامــة الشــعائر‬
‫الدينيــة وألجــل االندمــاج يف المجتمــع الجديــد‪ ،‬ولكــن هــذا االختــاط أدى إلــى ظهــور اللحــن‬
‫يف اللغــة علــى نطــاق واســع‪ ،‬األمــر الــذي اســتوجب معــه وضــع علــم النحــو لحفــظ هــذه اللغــة‪.‬‬
‫ومؤســس علــم النحــو العالــم أبــو األســود الدؤلــي ( ‪ 16‬قـــ هـــ ‪ 69 -‬هـــ‪ 688 - 607 /‬م) الــذي‬
‫عــرض علــى والــي العــراق (زيــاد بــن أبيــه) ( ‪ 53 - 1‬هـــ‪ 672 - 622 /‬م) وضــع قواعــد تحمــي‬
‫اللغــة العربيــة مــن االنحــراف وتقــوم اللســان مــن اللحــن فكانــت والدة علــم النحــو‪.‬‬
‫وقــد كانــت مدينــة البصــرة موطنــا ألبــي األســود الدؤلــي ومكانــا الميــاد علــم النحــو‪.‬‬
‫ثــم خرجــت مدينــة الكوفــة باجتهــادات يف هــذا العلــم أيضــا‪ ،‬وظهــرت بعــض االختالفــات يف‬
‫بعــض القواعــد بيــن علمــاء المدينتيــن‪ ،‬ثــم توحــدت الجهــود علــى يــد العالــم النحــوي الخليــل‬

‫‪239‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫بــن أحمــد الفراهيــدي ( ‪ 170 - 100‬هـــ‪ 786 - 718 /‬م) وهــو أول مراحــل المدرســتين البصريــة‬
‫والكوفيــة‪ ،‬ومــن بعــده العالــم ســيبويه ( ‪ 180 - 148‬هـــ‪ 796 - 765 /‬م)‪.‬‬
‫‪3.3‬عمل ي خ‬
‫التار�‪:‬‬
‫ــي علــم التاريــخ اهتمامــا خاصــا مــن العــرب المســلمين وجــاء هــذا االهتمــام يف‬ ‫ق‬‫َل ِ‬
‫َ‬
‫البدايــة نتيجــة حرصهــم علــى معرفــة ســيرة الرســول الكريــم صلــى اهلل عليــه وســلم وصحابتــه‬
‫والمعانــاة التــي تعرضــوا لهــا والغــزوات التــي خاضــوا غمارهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى أخبــار الفتوحات‬
‫والمعــارك الكــرى التــي انتصــر فيهــا اإلســام علــى الشــرك ضــد الفــرس والــروم وغيرهــم‪.‬‬
‫وقــد تطــور تدويــن التاريــخ عنــد العــرب وفــق العصــر الــذي ظهــر فيــه المــؤرخ فــكان‬
‫يف البدايــة معتمــدا علــى الســند أو المصــدر الــذي نقــل المعلومــة‪ ،‬ثــم قــام العالــم المــؤرخ‬
‫الطــري ( ‪ 310 - 224‬هـــ‪ 923 - 839 /‬م) برتتيــب الحــوادث وفــق الســنوات مــع المحافظــة‬
‫علــى الســند‪ .‬ثــم قــام المــؤرخ ابــن األثيــر ( ‪ 630 - 555‬هـــ‪ 1233 - 1160 /‬م) بتنــاول األحــداث‬
‫وفــق الســنوات مــع إســقاط الســند‪.‬‬
‫ثــم وضــع المــؤرخ ابــن خلــدون ( ‪ 808 - 723‬هـــ‪ 1406 - 1332 /‬م) منهجــا جديــد ًا يف‬
‫كتابــة التاريــخ‪ ،‬وذلــك بــأن وضــع تاريــخ كل دولــة علــى حــده وقلــده يف ذلــك المــؤرخ المقريزي‬
‫( ‪ 845 - 764‬هـ‪ 1442 - 1364 /‬م)‪.‬‬
‫وقــد وصلــت إلينــا العديــد مــن المؤلفــات يف هــذا العلــم هتتــم بأخبــار الملــوك واألمــراء‬
‫والمعــارك والحــروب والفتــن متمركــزة علــى حــوادث التاريــخ السياســي‪ ،‬لكنهــا لــم تتعــرض‬
‫للتاريــخ االقتصــادي واالجتماعــي للدولــة العربيــة اإلســامية إال عرضــا‪ .‬ويمكــن إرجــاع ذلــك‬
‫إلــى أن المــؤرخ كان يكتــب بتأثيــر مــن الحــكام‪ ،‬فجــاء علمه على شــكل مــدح من يحبــه الحاكم‪،‬‬
‫وذم مــن يكرهــه‪ ،‬باإلضافــة إلــى تعظيــم الحاكــم نفســه‪ ،‬وقــد عرفــت كل دولــة بمؤرخهــا الــذي‬
‫كتــب تاريخهــا‪ ،‬وبذلــك ال يمكــن التســليم بصحــة األخبــار التاريخيــة مــن عدمهــا إال بمعرفــة‬
‫الزمــن الــذي كتبــت فيــه‪ ،‬وشــخصية المــؤرخ وميلــه السياســي‪.‬‬
‫‪4.4‬عمل (الفلسفة)‪:‬‬
‫ظهــر علــم الفلســفة عنــد العــرب متأخــرا علــى أيــام الخليفــة المأمــون قــرب هنايــة العصر‬
‫العباســي األول‪ .‬وكان ظهــوره نتيجــة لنجــاح حركــة الرتجمــة مــن اللغــات األخرى إلــى العربية‪.‬‬
‫وكان مجــال دراســة الفلســفة عنــد العــرب المســلمين مبنيــا علــى هــدف واضــح وهــو‬

‫‪240‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫التوفيــق بيــن الديــن والفلســفة وعــدم الســماح بوجــود التعــارض بينهمــا‪.‬‬


‫وكان ازدهــار هــذا العلــم يف المشــرق العربــي علــى يــد علمــاء كبــار وهــم الكنــدي‬
‫( ‪ 256 - 185‬هـــ‪ 873 - 805 /‬م) والفارابــي ( ‪ 339 - 260‬هـــ‪ 950 - 874 /‬م) وابــن ســينا‬
‫( ‪ 427 - 370‬هـــ‪ 1037 - 980 /‬م) وإخــوان الصفــا وخــان الوفــا (جماعــة مــن فالســفة وعلمــاء‬
‫المســلمين ظهــروا يف القــرن الثالــث الهجــري‪ /‬العاشــر الميــادي) وغيرهــم‪ .‬ويف المغــرب‬
‫العربــي واألندلــس علــى يــد العالــم ابــن رشــد ( ‪ 595 - 520‬هـــ‪ 1198 - 1126 /‬م) وغيــره‪.‬‬
‫وقــد تأثــرت الفلســفة اإلســامية بمــا وصلهــا مــن الفلســفة اليونانيــة القديمــة وفالســفة‬
‫اليونــان خاصــة فيمــا يتعلــق بقضايــا الفكــر والجــدل والمناظــرة‪ ،‬وهــي قضايــا فرضــت علــى‬
‫الفالســفة المســلمين أن يكــون لديهــم إلمــام واســع بــكل العلــوم‪.‬‬
‫(الغرافيا)‪:‬‬ ‫‪5.5‬عمل ي‬
‫تقو� البلدان ج‬
‫بــدأ علــم الجغرافيــا عنــد العــرب المســلمين عــن طريــق تدويــن مشــاهدات التجــار‬
‫العــرب عندمــا كانــوا يجوبــون مشــارق األرض ومغارهبــا يف العصــور الوســطى‪ ،‬وقــد وصلــوا‬
‫إلــى الصيــن وجنــوب شــرق آســيا والهنــد وإلــى روســيا وأواســط آســيا والمحيــط األطلســي‬
‫وشــرق إفريقيــا وغرهبــا وكانــت هــذه المشــاهدات يف البدايــة يلقيهــا التاجــر المشــاهد علــى‬
‫النــاس مــن بــاب الحديــث واإلعجــاب فالتقطهــا بعــض المهتميــن هبــذا العلــم ّ‬
‫دونوهــا يف كتــب‬
‫كانــت األســاس لعلــم الجغرافيــا‪.‬‬
‫وأول مــن عــرض تلــك الذكريــات ســنة ( ‪ 237‬هـــ‪ 851 /‬م) ســليمان التاجــر (القــرن‬
‫الثالــث الهجــري‪ /‬التاســع الميــادي)‪ ،‬الــذي وصــف فيهــا زيارتــه للصيــن والهنــد عــدة مــرات‬
‫يف رحــات تجاريــة وليســت علميــة‪.‬‬
‫أمــا علــى المســتوى الرســمي فقــد جــاء تكليــف الخليفــة العباســي المقتــدر األحــد‬
‫العلمــاء ويدعــى (ابــن فضــان ( ‪ 348 - 255‬هـــ‪ 960 - 877 /‬م)) بالســفر إلــى بــاد البلغــار‬
‫وكتابــة وصــف لحياهتــم وبالدهــم الواقعــة علــى هنــر (الفولجــا) فــكان بذلــك أول وصــف‬
‫رســمي متخصــص‪.‬‬
‫ثــم تطــورت الرحــات الجغرافيــة خــارج البــاد العربيــة حيــث دون الذيــن قامــوا هبــا‬
‫مشــاهداهتم ووصفهــم لبــاد مختلفــة المظهــر والســكان والبيئــة‪.‬‬
‫أمــا يف الداخــل فكانــت الضــرورة لجمــع الضرائــب والخــراج والحــروب والقضاء على‬
‫حــركات المعارضــة تســتدعي الكتابــة والوصــف لــكل األقاليــم والطــرق والمســالك والجبــال‬

‫‪241‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫واألهنــار والمــدن وغيرهــا بذلــك كانــت المــادة الجغرافيــة يف هــذا الجانــب غزيــرة وأشــهر‬
‫الجغرافييــن العــرب ابــن حوقــل ( ‪ 378 - 340‬هـــ‪ 988 - 943 /‬م) والمقدســي ( ‪380 - 336‬‬

‫هـــ‪ 990 - 947 /‬م) وياقــوت الحمــوي ( ‪ 626 - 574‬هـ‪ 1229 - 1179 /‬م) والمســعودي (~ ‪283‬‬

‫‪ 346 -‬هـــ‪ 957 - 896 ~/‬م) وغيرهــم وال زالــت كتبهــم مراجــع أساســية يف علــم الجغرافيــا حتى‬
‫اليــوم‪.‬‬
‫كمــا أن العديــد مــن الرحالــة العــرب قــد أشــبعوا هواياهتــم ورغباهتــم يف الرتحــال‬
‫والتنقــل يف مشــارق األرض ومغارهبــا فكانــت المعلومــات التــي جــاءت عــن طريقهــم هامــة‬
‫ـدرا للعديــد مــن العلــوم‪ ،‬ويعتــر الرحالــة بــن بطوطــة ( ‪ 779 - 703‬هـــ‪ 1377 - 1304 /‬م)‬
‫ومصـ ً‬
‫رائــد ًا يف هــذا المجــال‪.‬‬
‫‪6.6‬عمل ت‬
‫االج�ع‪:‬‬
‫كان علــم االجتمــاع يف أول األمــر يعــرف بأنــه دراســة مــا تتصــف بــه الجماعــات البشــرية‬
‫والشــعوب مــن مواصفــات يف معيشــتها وعاداهتــا وتقاليدهــا وأعيادهــا ومواســمها‪ ،‬وكل مــا‬
‫يتعلــق بحيــاة تلــك الجماعــات ويف تلــك المرحلــة لــم يكــن هــذا العلــم علمــا مســتقال بذاتــه‪،‬‬
‫بــل كان يذكــر عرضــا مــن خــال أعمــال العلمــاء اآلخريــن المتخصصيــن يف علــوم التاريــخ‬
‫والجغرافيــا واألدب والرحــات وغيرهــا‪ .‬فــكان العالــم مــن هــؤالء يشــير يف معــرض حديثــه‬
‫للحيــاة االجتماعيــة للجماعــات والشــعوب‪:‬‬
‫الجغــرايف ابــن حوقــل ( ‪ 378 - 340‬هـــ‪ 988 - 943 /‬م) علــى ســبيل المثــال عــرض‬
‫لطبــاع وعــادات أهــل جزيــرة صقليــة عندمــا زارهــا وهــو يتكلــم عــن جغرافيتهــا‪ .‬وابــن بطوطــة‬
‫( ‪ 779 - 703‬هـــ‪ 1377 - 1304 /‬م) الرحالــة العربــي الشــهير وصــف عــادات وتقاليــد وأعيــاد كل‬
‫الشــعوب التــي زارهــا يف الشــرق والغــرب وغيرهــم كثيــر‪.‬‬
‫أمــا علــم االجتمــاع المتطــور القائــم بذاتــه كعلــم يبحــث أساســا يف تطــور الجماعــات‬
‫ويف دراســة الظواهــر و العالقــات االجتماعيــة فلــم يخــرج للوجــود عنــد العــرب إال يف القــرن‬
‫الثامــن الهجــري‪ /‬الرابــع عشــر الميــادي علــى يــد العالــم االجتماعــي الشــهير ابــن خلــدون‬
‫مؤســس علــم االجتمــاع والــذي ســبق عصــره بأفــكاره وآرائــه‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫ ‪.‬جالفنون والعمارة‪:‬‬
‫‪1.1‬الفنون‪:‬‬
‫والتصو� والزخرفة‪:‬‬
‫ي‬ ‫ )أالنحت‬
‫لــم يهتــم العــرب المســلمون بالفنــون يف مطلــع ظهــور اإلســام وانتشــاره وذلــك تطبيقــا‬
‫لتوجيهــات الرســول صلــى اهلل عليــه وســلم الــذي هنــى عــن ذلــك ألجــل أن يباعــد المســلمين‬
‫وبيــن العــودة إلــى عبــادة األصنــام واألوثــان التــي كانــوا حديثــي العهــد هبــا‪.‬‬
‫وبعــد أن انتشــر اإلســام واســتقر اإليمــان يف قلــوب أتباعــه مــن العــرب وغيرهــم‪ ،‬بدأت‬
‫الفنــون يف الظهــور وذلــك يف إطــار الحركــة الفكريــة والثقافيــة وانتشــار وســائل اللهــو والــرف‬
‫وظهــور المبدعيــن مــن الفنانيــن وغيرهــم‪.‬‬
‫ففــي العصــر العباســي ظهــر فــن النحــت حيــث أقيمــت التماثيــل الدقيقــة يف مالمحهــا‬
‫والتــي تــدل علــى قــدرة الفنــان العربــي علــى اإلبــداع‪ .‬كمــا ظهــر النحــت واضحــا علــى القبــاب‬
‫األربــع التــي أقامهــا المنصــور علــى أبــواب مدينــة بغــداد‪.‬‬
‫كمــا ظهــر فــن التصويــر حيــث زينــت جــدران القصــور والمنــازل بصــورة مرســوم‬
‫لحيوانــات وطيــور وصــور آدميــة لصياديــن وهــم يف حالــة قنــص كذلــك الرســوم التــي تبيــن‬
‫المواقــع الحربيــة‪.‬‬
‫وكان العنصــر األساســي يف الزخرفــة‪ ،‬الرســوم النباتيــة والهندســية واســتعمال النقــوش‬
‫يف اآليــات القرآنيــة واألحاديــث الشــريفة وقــد ازدهــر فــن النقــش يف العصــر األمــوي ومــا زالــت‬
‫آثــاره باقيــة إلــى اليــوم‪.‬‬
‫كمــا تقــدم فــن الزخرفــة يف العصــر العباســي‪ ،‬حيــث زخرفــت القبــاب وزينــت القصــور‬
‫بالرســم و الزخــارف ومــن أشــهرها زخــارف الجــص التــي تغطــي أســفل الجــدران يف بقايــا مدينة‬
‫ســامراء‪ .‬كمــا انتشــرت زخرفــة المنســوجات وأســقف المســاجد وأعمدهتــا‪.‬‬
‫ق‬
‫واملوسي�‪:‬‬ ‫ )بالغناء‬
‫لــم يكــن غريبــا علــى العــرب والمســلمون الميــل إلــى الصــوت الجميــل يف أداء اآلذان‬
‫وتــاوة القــرآن الكريــم حتــى عــرف التجويــد بأنــه التحســين يف األداء‪ .‬وقــد اهتــم الخلفــاء‬
‫األمويــون والعباســيون بالموســيقى والغنــاء وأجزلــوا المنــح والعطايــا للفنانيــن‪.‬‬
‫ونتيجــة لزيــادة العمــران وتدفــق الثــروة يف العصــر العباســي ظهــر الكثيــر مــن المغنييــن‬

‫‪243‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫والموســيقىين وقــد نبــغ منهــم إبراهيــم الموصلي ( ‪ 188 - 125‬هـــ‪ 804 - 742 /‬م) وابنه إســحاق‬
‫الموصلي ( ‪ 235 - 150‬هـ‪ 849 - 767 /‬م) والكندي ( ‪ 256 - 185‬هـ‪ 873 - 805 /‬م) والفارابي‬
‫( ‪ 339 - 260‬هـــ‪ 950 - 874 /‬م)‪ .‬وكان منصــور زلــزل مــن أفضــل ضاربــي العود‪.‬‬
‫كذلــك ظهــر أبــو الحســن بــن نافع المشــهور بــــ (زریــاب) ( ‪ 243 - 173‬هـــ‪857 - 789 /‬‬

‫م) يف بغــداد ثــم ارتحــل إلــى األندلــس وطــور فــن الغنــاء والموســيقى هبــا‪ .‬وقــد تنوعــت اآلالت‬
‫الموســيقية عنــد المســلمين مثــل النــاي والعــود والــدف والربــاب والقيثــار وغيرهــا‪.‬‬
‫‪2.2‬العمارة‪:‬‬
‫انقسمت العمارة اإلسالمية إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ )أمعارة مدنية‪:‬‬
‫وفيهــا أولــع المســلمون ببنــاء المــدن طــوال العصــور اإلســامية‪ ،‬فأنشــئوا مــدن البصــرة‬
‫والكوفــة والقيــروان وبغــداد والقاهــرة وغيرهــا‪ .‬وقــد شــيدت هبــا القصــور‪ .‬كمــا تطــور بنــاء‬
‫المنــازل مــن دور واحــد إلــى بنــاء القصــور الشــامخة من الحجــارة والرخــام‪ .‬وأصبح للمســلمين‬
‫فــن معمــاري خــاص جــاء مــن امتــزاج فنــون العمــارة المختلفــة يف أرجــاء الدولــة اإلســامية‬
‫وبلغــت قمتــه يف العصــر العباســي‪.‬‬

‫العباس (املنصور)‬ ‫ال� أنشأها خ‬


‫الليفة‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫مدينة بغداد ي‬
‫‪244‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫ )بمعارة دينية‪:‬‬
‫وقــد تمثلــت يف االهتمــام ببنــاء المســاجد وكان المســجد النبــوي الشــريف يف المدينــة‬
‫النبويــة أول مبنــي إســامي بنــي مــن الطيــن وســقفه مــن الجريــد‪ ،‬وأعمدتــه مــن جــذوع النخيــل‬
‫وقــد تبــع ذلــك اهتمــام المســلمين ببنــاء مســاجدهم عنــد بنــاء المــدن الجديــدة وأصبحــت هــذه‬
‫المســاجد آيــة يف فــن العمــارة مثــل المســجد األمــوي يف دمشــق ومســجد الرملــة بفلســطين‬
‫ومســجد القيــروان بتونــس‪.‬‬

‫لق�وان ‪-‬تونس‬
‫الكب� ب� ي‬
‫املسجد ي‬

‫أ‬
‫املسجد الموي بدمشق‬
‫‪245‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫أ‬
‫الامع الزهر ب�لقاهرة‬
‫ج‬
‫ )جمعارة حربية‪:‬‬
‫وتمثلــت يف بنــاء الحصــون يف الثغــور التــي تقــع بيــن أرض المســلمين وأرض األعــداء‬
‫كمــا أقــام المســلمون األســوار حــول المــدن لحمايتهــا‪.‬‬

‫أ‬
‫سور مدينة سوسة (أحد ثآ�ر الغالبة)‬

‫‪246‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫املراكز احلضارية العربية‬


‫يقصــد بالمراكــز الحضاريــة العربيــة تلــك المــدن التــي فتحها العــرب المســلمون وقاموا‬
‫ببنائهــا عقــب عمليــة الفتــح وانتشــار اإلســام‪ .‬وقــد حملــت تلــك المــدن لــواء الثقافــة والفكــر‬
‫والفنــون و العلــوم حيــث اســتقر هبــا العــرب الفاتحــون ثــم أسســوا هبــا المرافــق إلقامــة الديــن‬
‫وتعليــم الرعيــة‪َ .‬و َمــا لبــث أن أصبحــت مراكــز للعلــم والثقافــة يتقاطــر عليهــا طــاب العلــم‬
‫ورواد المعرفــة لالتصــال بمدارســها ومؤسســاهتا واألخــذ مــن علمائهــا وفقهائهــا فأصبحــت‬
‫بذلــك مراكــز متقدمــة‪.‬‬
‫وأمه هذه املراكز‪:‬‬
‫ )أمدينة بغداد‪:‬‬
‫ســبق وأن تطرقنــا إلــى بنــاء مدينــة بغــداد عنــد الحديــث عــن العصــر العباســي األول يف‬
‫عصــر الخليفــة أبــي جعفــر المنصــور مؤســس هــذه المدينــة‪ .‬ولعــل الميــزة التــي تنفــرد هبــا بغــداد‬
‫أهنــا مدينــة مســتحدثة بالكامــل أي تــم إنشــاؤها مــن قبــل العباســيين يف العصــر العباســي األول‪.‬‬
‫أصبحــت بغــداد يف العصــر العباســي عاصمــة للدولــة ومركــزا للخالفــة وملجــأ لطــاب‬
‫العلــم ومحــل إقامــة للعلمــاء والشــعراء والفقهــاء والفنييــن وغيرهــم‪ .‬كمــا أن شــهرهتا الحضاريــة‬
‫قــد تعــدت السياســة والعلــم إلــى االقتصــاد حيــث ألحقــت هبــا منطقــة تســمى الكرخ وهي تشــمل‬
‫كافــة األســواق ومحــات أصحــاب الحــرف المتعــددة منهــا ســوق العطاريــن‪ ،‬والحداديــن‪،‬‬
‫والنجاريــن والوارقيــن وغيرهــم‪.‬‬
‫وبقــي أن نذكــر أن بنــاء هــذه المدينــة قــد اســتمر أربــع ســنوات وانتهــى عــام ( ‪ 148‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 766‬م) وعمــل يف بنائهــا حوالــي خمســين ألــف عامــل و ُأنفــق علــى البنــاء ثمــاين عشــر مليــون‬
‫دينــار ذهــب‪.‬‬
‫ )بمدينة دمشق‪:‬‬
‫نجحــت القــوات اإلســامية يف فتــح بــاد الشــام وأصبحــت دمشــق مــن أهــم مراكــز‬
‫الدعــوة اإلســامية طيلــة عهــد الخلفــاء الراشــدين‪ .‬وبعــد تو ّلــي معاويــة بــن أبــي ســفيان الخالفــة‬
‫أصبحــت دمشــق عاصمــة لألموييــن طيلــة عهدهــم وشــهدت مجــدا عظيمــا يف مجــاالت العلــم‬
‫والثقافــة والــرف والبنــاء باإلضافــة إلــى كوهنــا مركــز ًا اقتصاديــا يف تجــارة العالــم القديــم‪ .‬وأهــم‬
‫معالمهــا قصــر الخضــراء الــذي بنــاه معاويــة والمســجد األمــوي الــذي بنــاه الخليفــة الوليــد بــن‬

‫‪247‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫عبــد الملــك‪.‬‬
‫ )جمدينة القاهرة‪:‬‬
‫هــي حاضــرة الخالفــة الفاطميــة يف مصــر المعروفــة كانــت تســمى يف الســابق الفســطاط‬
‫التــي بناهــا عمــرو بــن العــاص بعــد فتحــه مصــر ثــم تطــورت إلــى مدينــة القطائــع وأخيــرا ســميت‬
‫القاهــرة علــى أثــر تأسيســها علــى يــد القائــد الفاطمــي جوهــر الصقلــي‪.‬‬
‫وكان لمرور هنر النيل هبا أثر فعال يف ازدهارها وتقدمها‪.‬‬
‫وقــد تطــورت القاهــرة ســريعا فأصبحــت مقــرا للعديد مــن العلمــاء والفقهــاء وأصحاب‬
‫الفنــون والحــرف المختلفــة‪ ،‬كمــا يعــود الفضــل إليهــا يف قيــادة األمــة العربيــة اإلســامية ضــد‬
‫أعدائهــا مــن الصليبييــن والمغــول‪.‬‬
‫وقــد ازدادت القاهــرة شــهرة وبلغــت مكانتهــا أرفــع الدرجــات عقــب ســقوط مدينــة‬
‫بغــداد علــى يــد المغــول عــام ‪ 1258‬م وانتهــاء الخالفــة العباســية فانتقلــت إليهــا الســيادة والزعامة‬
‫يف السياســة والعلــم والثقافــة والمعرفــة‪.‬‬
‫ )دمدينة القريوان‪:‬‬
‫تقــع إلــى الجنــوب الغربــي مــن مدينــة تونــس العاصمــة وكان موضعهــا عبــارة عــن واد‬
‫كثيــر األشــجار تســكنه الوحــوش والزواحــف فــكان أن وقــع اختيــار القائــد المســلم عقبــة بــن‬
‫نافــع الفهــري ( ‪ 1‬قـــ هـــ ‪ 63 -‬هـــ‪ 683 - 622 /‬م) علــى هــذا المــكان إلقامــة مقر لقيادته ومعســكر‬
‫لجيشــه الــذي كان هدفــه تحريــر الشــمال اإلفريقــي مــن الســيادة الروميــة ونشــر اإلســام واللغــة‬
‫العربيــة بــه‪.‬‬
‫وكان ســبب اختيــار عقبــة لذلــك الموقــع لبنــاء هــذه المدينــة‪ ،‬هــو بعــده عــن الســاحل‬
‫حتــى يكــون يف مأمــن مــن هجوم ســفن العــدو البيزنطــي‪ ،‬وهتديــده المســتمر للســواحل المغربية‪.‬‬
‫إلــى جانــب أهميــة الموقــع كمركــز للتجــارة الربيــة بيــن المشــرق وبــاد المغــرب وجنــوب‬
‫الصحــراء‪ .‬ففــي عــام ( ‪ 50‬هـــ‪ 674 /‬م) اختــط عقبــة بــن نافــع هــذه المدينــة وأنشــأ هبــا جامــع عقبة‬
‫المشــهور والــذي أصبــح مــن أهــم مراكــز الثقافــة العربيــة واإلســامية وال زال كذلــك إلــى اليــوم‬
‫ )همدينة فاس‪:‬‬
‫وتقــع اآلن بالمغــرب األقصــى (المغــرب حاليــا) وهــي جمــع بيــن مدينتيــن‪ ،‬همــا عــدوة‬
‫القروييــن وعــدوة األندلســيين وكان ذلــك عــام ( ‪ 192‬هـــ‪ 808 /‬م) يف عهــد األدارســة‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫تقــع فــاس يف ٍ‬
‫واد فســيح بــه المــاء والهــواء العليــل بعيــدة عــن البحــر ممــا زاد يف أهميتهــا‬
‫وجعلهــا مركــزا للثقافــة والعلــم‪ .‬وهبــا أنشــئت أول جامعــة للتعليــم والبحــث العلمــي وهــي‬
‫جامعــة القروييــن‪ .‬وقــد أصبحــت فــاس عاصمــة سياســية وثقافيــة واقتصاديــة لدولــة المرابطيــن‬
‫ودولــة الموحديــن بعــد ذلــك‪ .‬كمــا أن (بنــي مريــن) اتخذوهــا عاصمــة لهــم عــام ( ‪ 668‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 1269‬م) ممــا يــدل علــى تواصــل ازدهارهــا وشــهرهتا‪.‬‬
‫ )ومدينة قرطبة‪:‬‬
‫بــدأت شــهرة مدينــة قرطبــة عقــب ســقوط الدولــة األموية ببــاد المشــرق وقيــام الخالفة‬
‫العباســية ففــر عبــد الرحمــن بــن معاويــة (الداخــل) إلــى األندلــس وأقــام إمارتــه األمويــة‪ ،‬واتخــذ‬
‫مدينــة قرطبــة حاضــرة إلمارتــه الجديــدة وبنــي هبــا قصــره والمســجد الجامع‪.‬‬
‫وقــد وصفهــا المؤرخــون بأهنــا تتوســط بــاد األندلــس و هبــا األهنــار الجاريــة والشــوارع‬
‫الفســيحة و المبــاين الضخمــة والهــواء المعتــدل‪.‬‬

‫أ‬
‫مدينة قرطبة ب�لندلس‬

‫‪249‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وقــد نالــت قرطبــة اهتمــام كل الخلفــاء األموييــن‪ ،‬فقــد أضــاف إليهــا ووســع فيــه كل‬
‫مــن هشــام بــن عبــد الرحمــن ( ‪ 180 - 139‬هـــ‪ 796 - 757 /‬م) والحكــم األول ( ‪ 206 - 154‬هـــ‪/‬‬
‫‪ 822 - 771‬م) وعبــد الرحمــن األوســط ( ‪ 238 - 176‬هـــ‪ 852 - 792 /‬م) ومحمــد األول ( ‪207‬‬

‫‪ 273 -‬هـــ‪ 886 - 823 /‬م)‪ .‬وقــد أصبحــت مدينــة قرطبــة حاضــرة األندلــس يف الوقــت الــذي‬
‫كانــت فيــه بغــداد حاضــرة بــاد المشــرق‪ .‬فتميــزت باالســتقرار والثــراء وازدهــار الحيــاة الثقافيــة‬
‫والفكريــة‪ .‬وقــد أتاهــا العلمــاء والبعثــات العلميــة مــن كل حــدب وصــوب لينهلــوا مــن جامعاهتــا‬
‫وحلقــات دروســها وأوفــدت أوروبــا طــاب العلــم إليهــا‪ .‬وأســهمت قرطبــة يف الحضــارة العربية‬
‫اإلســامية مســاهمة ال ينكرهــا أي باحــث أو مهتــم‪.‬‬
‫وقــد قــدر العلمــاء عــدد ســكان قرطبــة يف القــرن الرابــع الهجــري‪ /‬العاشــر ميــادي‬
‫حوالــي مليــون نســمة وعــدد منازلهــا ‪ 13100‬مســكنًا عــدا القصــور الفخمــة ولهــا ثمان وعشــرون‬
‫حمــام وثالثــةآالف مســجد‪.‬‬
‫ضاحيــة وثالثمائــة ّ‬

‫‪250‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫أثر احلضارة العربية اإلسالمية على النهضة‬


‫األوروبية‬
‫قبــل أن نتنــاول اســهامات الحضــارة العربيــة اإلســامية يف قيــام النهضــة األوروبيــة نــود‬
‫أن نتعــرف علــى أحــوال أوروبــا خــال فــرة العصــور الوســطي‪:‬‬
‫ •وضع أوروبا خالل العصور الوسطي‪:‬‬
‫يقصــد بالعصــور الوســطي تلــك الفــرة الزمنيــة الممتــدة منــذ ســقوط رومــا علــى يــد‬
‫القبائــل الجرمانيــة عــام ‪ 476‬م وحتــى فتــح مدينــة القســطنطينية عاصمــة الدولــة الرومانيــة آنــذاك‬
‫عــام ‪ 1453‬م علــى يــد العثمانييــن‪ .‬وهــي فــرة اســتمرت لمــدة عشــرة قــرون عاشــتها أوروبــا يف‬
‫ظلمــات الجهــل والتخلــف يف الوقــت الــذي كانــت فيــه الحضــارة العربيــة اإلســامية مزدهــرة يف‬
‫المشــرق اإلســامي‪.‬‬
‫وبســقوط رومــا تحــت ضغــط القبائــل الجرمانيــة غيــر المتحضــرة وانتشــارها يف‬
‫ممتلــكات الدولــة الرومانيــة عمــت الفوضــى وانحلــت الرابطــة التــي كانــت تجمــع تلــك‬
‫األقســام المختلفــة‪ ،‬و ُقضــي علــى كثيــر مــن معالــم الحضــارة الرومانيــة‪ ،‬وأصبحــت البــاد‬
‫األوروبيــة متنازعــة بيــن أقــوام غیــر متحضــرة‪ ،‬فأهملــت الطــرق وســبل التجــارة‪ ،‬فأصبحــت كل‬
‫جهــة منعزلــة عــن غيرهــا‪ ،‬واهتمــت كل جماعــة مــن ضعــاف القــوم بزعيــم تكفــل بالدفــاع عنهــا‪،‬‬
‫مقابــل قيامهــا بخدمتــه ونصرتــه‪ ،‬وأدى ذلــك إلــى نشــأة مــا يعــرف (بنظــام االقطــاع)‪.‬‬
‫كمــا أن ثقافــة العصــور الوســطى كانــت ذات صيغــة دينيــة مبنيــة علــى ســيطرة‬
‫رجــال الكنيســة التــي ظلـــــت صاحبــة الكلمــة العليــا يف أوروبــا طيلـــــة العصــور الوســطي‬
‫حيــث هيمنــت علــى مختلــف نواحــي الحيــاة‪ ،‬وفــرض مفاهيــم قائمــة علــى صــرف‬
‫النــاس وإبعادهــم عــن التفكيــر يف شــؤون الدنيــا‪ ،‬بــل العمــل علــى االســتعداد لالنتقــال‬
‫إلــى العالــم اآلخــر والمبـــــالغة يف ذلــك والركــون إلــى المجــادالت الدينيــة العقيمــــة‬
‫والمفروضــة مــن القســـــاوسة والبابــاوات الذيــن احتكــروا مبـــاهج الحيــــاة بعكــس مــا‬
‫يدعــوا إليــه الديــن اإلســامي مــن التــوازن يف العمــل بيــن الدنيــا واآلخـــــرة قــال اهلل تعالــي‪:‬‬
‫﴿‬
‫﴾ ســورة القصــص‪ ،‬اآليــة ( ‪ .)77‬هــذا‬
‫باإلضافــة مــا كان يتمتــع بــه البابــا مــن الســيطرة علــى الســلطة السياســية‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫وبينمــا كان المســلمون أيــام الدولــة العباســية يرتجمــون علــوم األقدميــن مــن إغريــق‬
‫وفــرس وهنــود ويبتكــرون نظریــات وعلــوم جديــدة‪ ،‬وبينمــا كان العالــم اإلســامي يمــوج‬
‫بنهضــة شــملت جميــع نواحــي الحيــاة مــن زراعــة وصناعــة وتجــارة وعلــم وفــن‪ ،‬كانــت أوروبــا‬
‫تغــط يف نــوم عميــق إذ كان الجهــل متفشــيًا ألن علــم القدمــاء وآداهبــم كانــت مدونــة بإحــدى‬
‫اللغتيــن اإلغريقيــة أوالالتينيــة اللتــان كانتــا قاصرتــان علــى القليــل مــن النــاس لــذا بقيــت العلــوم‬
‫واآلداب كنــوز مغلقــة‪ ،‬فقــد كان علــم التاريــخ واآلداب عبــارة عــن تصــورات وهميــة ابتدعوهــا‬
‫مــن نســج الخيــال‪ ،‬أمــا العلــوم التطبيقيــة فقــد ســيطرت عليهــا الخرافــات‪.‬‬
‫ •بدء البحث العلمي‪:‬‬
‫بقيــت أوروبــا يف هــذا الوضــع مــن الجهــل والفوضــى إلــى أن ســطعت شــمس العلــوم‬
‫اإلســامية‪ ،‬ووصــل شــعاعها إلــى أوروبــا عــن طريــق ثالثــة منافــذ رئيســة هــي‪:‬‬
‫‪1.1‬عــر بــاد األندلــس التــي كانــت مركــز اشــعاع حضــاري وعلمــي يأتيــه األوروبيــون‬
‫مــن مختلــف أنحــاء أوروبــا ينهلــون مــن معيــن المعرفــة‪.‬‬
‫‪2.2‬عــر جنــوب إيطاليــا حيــث ترجمــت الكتــب والمصــادر العربيــة اإلســامية إلــى‬
‫اللغــة الالتينيــة‪.‬‬
‫‪3.3‬عــن طريــق االحتــكاك الحضــاري أثنــاء الحمــات الصليبيــة علــى المشــرق‬
‫اإلســامي‪ ،‬حيــث وجــد األوروبيــون القادمــون مــع هــذه الحمــات الصليبيــة‬
‫حضــارة متقدمــة يف الشــرق تختلــف عمــا كانــت عليــه يف أوروبــا مــن انحطــاط‬
‫حضــاري فتأثــروا هبــا‪.‬‬
‫ولذلــك لــم يكــد ينتصــف القــرن الثالــث عشــر الميــادي حتــي ظهــر يف أوروبــا علمــاء‬
‫يخالفــون مواطنيهــم يف االعتمــاد علــى نظريــات أرســطاطليس بعــد أن درســوا علــوم العــرب‬
‫وتشــبعوا بطرقهــم العلميــة يف البحــث والتدريــس حيــث شــاعت طريقــة البحــث العلمــي‬
‫الجديــدة‪ ،‬وقضــي علــى طريقــة علمــاء العصــر الوســيط وبــدأت النهضــة األوروبيــة التــي انتقلــت‬
‫فيهــا أوروبــا مــن فــرة العصــور الوســطى إلــى فــرة العصــور الحديثــة بــكل مظاهرهــا الثقافيــة‬
‫واالقتصاديــة والسياســية يف حركــة تغييــر شــامل بمظاهــر الحيــاة عامــة والمرتتــب عليهــا تغييــر‬
‫يف أنمــاط الحيــاة وأســاليبها نحــو التطــور والتميــز هــذا مــع العلــم بــأن حركــة النهضــة يف انتقالهــا‬
‫مــن العصــور الوســطى إلــى العصــور الحديثــة لــم يحــدث فجــأة وإنمــا تــم ذلــك تدريجيــا علــى‬
‫مراحــل طويلــة امتــدت زهــاء ثالثــة قــرون أو أكثــر (مــن القــرن الثالــث عشــر إلــى القــرن الســادس‬

‫‪252‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫عشــر الميــادي)‪.‬‬
‫ •مسامهة العرب املسلمني يف نقل التراث احلضاري‪:‬‬
‫لــم يقتصــر دور العــرب والمســلمين علــى النقــل والمــزج والرتجمــة والحفظ‪ ،‬بــل تعداه‬
‫إلــى االبــداع واالخــراع وذلــك مــن خــال االطــاع علــى مقومــات وإبداعــات الحضــارات‬
‫القديمــة واالســتفادة منهــا‪.‬‬
‫فقــد وجــد العــرب الحضــارة اليونانيــة يف الشــام ومصــر والعــراق‪ ،‬كمــا وجــدوا‬
‫الحضــارة الفارســية يف إيــران بعــد فتحهــا‪ ،‬وهــي التــي لهــا صــات قديمــة بالحضــارة الهنديــة‬
‫فعرفهــا العــرب المســلمون أول مــا عرفوهــا عــن طريــق الفــرس‪.‬‬
‫وتولــي العــرب بالرعايــة والعنايــة مــا آل إلــى أيديهــم مــن نتــاج الحضــارات القديمــة بعد‬
‫أن هذبــت الحضــارة العربيــة نظــم اليونــان والفــرس والهنــود وتراثهــم الحضــاري وأضافــت إليــه‬
‫وقدمتــه للعالــم يف صــور جديــدة‪ .‬ولــوال اهتمــام العــرب بتلــك الحضــارات لضاعــت معالمهــا‬
‫بيــن ظلمــات التعصــب والجهــل يف أوروبــا خــال العصــور الوســطي‪.‬‬
‫ومــن مســاهمات العــرب ترجمــة أعمــال أرســطو يف السياســة والفلســفة والمنطــق‬
‫ومؤلفــات جالينــوس وأبقــراط يف الطــب وبطليمــوس يف الفلــك و إقليــدس يف الحســاب‪.‬‬
‫ولــم يقتصــر فضــل الحضــارة اإلســامية علــى هتذيــب الــراث الحضــاري اإلنســاين‬
‫واإلضافــة إليــه بــل أســهمت كذلــك بإبداعاهتــا ودراســاهتا يف وضــع الحجــر األساســي للحضــارة‬
‫األوروبيــة وغيرهــا مــن حضــارات العصــر الحديــث‪:‬‬
‫‪1.1‬فقــد أثــرت الحضــارة العربيــة يف اللغــات األوروبيــة تأثيــرا كبيــرا‪ :‬وأعظــم األمثلــة‬
‫علــى ذلــك أن معظــم أســماء النجــوم يف اللغــات األوروبيــة ال تــزال تنطــق بصيغتهــا‬
‫العربيــة الفلكيــة والرياضيــة حافظــة لصيغتهــا العربيــة يف اللغــات األوروبيــة مثــل‬
‫الجيــب والنظيــر والجــر والكيميــاء والصفــر‪.‬‬
‫‪2.2‬أمــا يف مجــال الطبيعــة نقــل األوروبيــون دراســات ابن الهيثــم ونظرياتــه يف البصريات‬
‫وعلــم الضــوء‪ .‬وقــد اعتمــد العالــم األوروبــي (كبلــر) علــى أبحــاث ابــن الهيثــم‬
‫بعــد ترجمتهــا واتخاذهــا مرجعــا اعتمــد عليــه يف بحوثــه الفلكيــة‪ ،‬كمــا أن الفنــان‬
‫اإليطالــي المشــهور مــن عصــر النهضــة (ليونــاردو دافنشــي) عــرف أعمــال ابــن‬
‫الهيثــم ودرســها واســتخدمها‪.‬‬
‫‪3.3‬يف مجــال الطــب فقــد اســتمدت الدراســات الطبيــة يف أوروبــا أسســها مــن مؤلفــات‬

‫‪253‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫األطبــاء والعلمــاء العــرب ومنهــم الــرازي وابن ســينا والزهــراوي‪ ،‬واعتــرت أوروبا‬
‫الــرازي حجــة يف الجراحــة والكيميــاء وأصبــح كتابه الحــاوي) مرجعا يف الدراســات‬
‫الطبيــة يف أوروبــا وكتــاب ابــن ســينا (القانــون يف الطــب) دليــل المشــتغلين بالطــب‬
‫يف أوروبــا حتــى القــرن الســابع عشــر‪ .‬كمــا اتخــذت الجامعــات الربيطانيــة كتــاب‬
‫الزهــراوي يف الجراحــة مرجعــا لدراســة علــم الجراحــة حتــى القــرن الثامــن عشــر‬
‫الميــادي‪.‬‬
‫وخالصــة القــول إنــه لــوال الكنــوز العربيــة األولــى يف الطــب والفلــك والرياضيــات‬
‫والكيميــاء والفيزيــاء والبيطــرة والزراعــة والجغرافيــا‪ ،‬لمــا كان لحركــة إحيــاء العلــوم يف أوروبــا‬
‫وجــود وهــي المعروفــة بأهنــا كانــت المقدمــة لعصــر النهضــة األوروبيــة‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
‫السإلا ةيبرعلا ةراضحلا ‪:‬عباسلا لصفلا‬

‫أسئلة تطبيقية‬
‫سس‪1‬س«يعترب األوروبيون مدينين للعرب بحضاراهتم وهنضتهم الحديثة»‪.‬‬
‫اشرح هذه العبارة موضحا أثر الحضارة العربية اإلسالمية يف النهضة األوروبية‪.‬‬
‫سس‪2‬سعــرف الخالفــة‪ ،‬ومــا هــي ألقاهبــا‪ .‬ثــم تحــدث عــن الشــروط األساســية لمــن‬
‫يتوالهــا؟‬
‫سس‪3‬سما هي اإلمارة‪ .‬وما هي أقسامها مفصلة‪.‬‬
‫سس‪4‬سقــارن بيــن كل مــن وزارة التنفيــذ ووزارة التفويــض مــع بيــان أثــر كل منهمــا علــى‬
‫الحيــاة العامــة‪.‬‬
‫سس‪5‬سمــا هــي الفائــدة التــي انعكســت علــى الدولــة العربيــة اإلســامية مــن خــال تنظيــم‬
‫الدواويــن؟‬
‫سس‪6‬س« للربيد أهمية خاصة عند الخلفاء» وضح ذلك‪.‬‬
‫سس‪7‬س«الــزكاة أحــد المــوارد الرئيســية البيــت المــال عنــد العــرب المســلمين» اشــرح ذلــك‬
‫مــع مقارنــة الــزكاة بالجزيــة‪.‬‬
‫سس‪8‬ساكتب ما تعرفه عن‪:‬‬
‫أأهل الذمة‪.‬‬ ‫ )‬
‫ ) بالموالي‪.‬‬
‫ ) جبدء البحث العلمي يف أوروبا‪.‬‬
‫سس‪9‬س«كانــت التجــارة يف الحضــارة العربيــة اإلســامية أساســأ لتقــدم الصناعــة والزراعــة»‬
‫اشــرح ذلــك‪.‬‬
‫س‪1‬س‪1‬سوضح الدور الحضاري لكل من المراكز العربية اآلتية‪:‬‬
‫مدينة فاس ‪ -‬مدينة القاهرة ‪ -‬مدينة دمشق‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪255‬‬
‫‪]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵‬‬
]ËeË’;z;ÏÁÊd2’\;oÊue’\Â;ÏË⁄Ë÷¬i’\;r·]fi∏\;á—ÖŸ;z’;ÏΩÊ •;–ÊŒ¢\;√˵

You might also like