You are on page 1of 6

‫اهمية الديمقراطية التشاركية في تحقيق التنمية المحلية‬

‫يوسف التونسي‬

‫يقوم التدبير التشاركي على إشراك المواطن في مسلسل اتخاذ القرار‬


‫على المستوى المحلي والرفع من مساهمته في بلورة البرامج‬
‫والمشاريع التنموية بهدف تحقيق التنمية الشاملة‪.‬‬
‫فالديمقراطية التمثيلية ال يمكنها أن تعني شيئا إذا ما تم تغييب المواطن‬
‫عن المشاركة في التدبير‪ ،‬وهكذا فقد أضحت المقاربة التشاركية اليوم‬
‫معطى هاما ومحددا لنجاح أو فشل برامج التنمية‪.‬‬
‫على هذا االساس سنحاول بشكل مختصر تحليل هذا الموضوع من خالل‬
‫محورين اساسيين نحاول في االول رصد االطار الدستوري للديمقراطية‬
‫التشاركية في حين سنخصص الثاني لعرض اهم اهداف التدبير التشاركي‬
‫للشان العام المحلي‪.‬‬
‫أوال االسس الدستورية للديمقراطية التشاركية‪:‬‬
‫تضمن دستور ‪ 2011‬عديد المقتضيات التي تشير إلى الديمقراطية‬
‫التشاركية وأهميتها في تدبير الشؤون العامة وطنيا وترابيا‪ ،‬باعتبارها‬
‫احد ركائز النظام الدستوري للمملكة‪ ]1[.‬هذا إلى جانب التأكيد على دور‬
‫الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المهتمة بالشأن العام[‪ ]2‬أو‬
‫مشاركة هيئات التشاور في إعداد وتفعيل وتقييم السياسات‬
‫العمومية[‪.]3‬‬

‫هذا إلى جانب التأكيد على دور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية‬
‫المهتمة بالشأن العام[‪ ]4‬أو مشاركة هيئات التشاور في إعداد وتفعيل‬
‫وتقييم السياسات العمومية[‪ .]5‬في ذات السياق‪ ،‬ألزم الدستور السلطات‬
‫العمومية على اتخاذ التدابير المالءمة لتوسيع و تعميم مشاركة الشباب‬
‫في التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية‪]6[.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك تضمن الباب الثاني عشر من الدستور الخاص‬
‫"بالحكامة الجيدة" التنصيص على هيئات النهوض بالتنمية البشرية‬
‫والمستدامة والديمقراطية التشاركية‪]7[.‬‬
‫على الصعيد الترابي‪ ،‬تضمن الباب التاسع عديد المقتضيات المرتبطة‬
‫بالديمقراطية التشاركية كآلية من آليات التدبير الترابي عبر اإلشراك‬
‫الفعال للمواطنين وجمعيات المجتمع المدني التي برز دورها التنموي‬
‫بشكل ملحوظ في السنوات األخيرة‪.‬‬
‫حيث أكد الفصل ‪ 136‬على "مشاركة السكان في تدبير شؤونهم والرفع‬
‫من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة "‪ .‬األمر الذي‬
‫يعد إشارة صريحة إلى أهمية دور الساكنة المحلية إلى جانب باقي‬
‫الفاعلين الرسميين من دولة وجماعات ومصالح خارجية ومؤسسات‬
‫عمومية في تحقيق التنمية على المستوى الترابي‪.‬‬
‫الدستور لم يغفل نقطة التجسيد الفعلي لسبل مشاركة المواطنين في‬
‫التدبير حيث أكد على أن مجالس الجماعات الترابية تضع آليات تشاركية‬
‫للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في‬
‫إعداد برامج التنمية وتتبعها‪.‬‬
‫كما يمكنهم تقديم عرائض الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة‬
‫تدخل في اختصاصاته ضمن جدول أعماله[‪ ،]8‬على أن يتم تحديد شروط‬
‫تقديم العرائض بموجب قانون تنظيمي‪]9[.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اهداف الديمقراطية التشاركية‪:‬‬
‫تتأسس الديمقراطية التشاركية على مبدأ مفاده‪ ،‬أن المواطنة تتعدى‬
‫ممارسة الحق في التصويت من فترة إلى أخرى‪ ،‬وهي تعني مجموع‬
‫اإلجراءات التي تمكن من إشراك المواطنين والمواطنات في حياة‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫األمر الذي يتيح لهم من جهة التمتع بحق المشاركة‪ ،‬ومن جهة ثانية‬
‫التأثير في مسلسل اتخاذ القرار على المستوى الترابي‪ .‬وهي بذلك مكملة‬
‫للديمقراطية التمثيلية و تشكل في حد ذاتها مدرسة لتعليم ممارسة‬
‫مواطنة كاملة ونشيطة مضيفة في ذات الوقت الفعالية والنجاعة في‬
‫السياسات العمومية‪]10[.‬‬
‫فالمقاربة التشاركية مسلسل تواصلي يمكن األفراد و األطراف المعنية‬
‫من تحديد احتياجاتهم وأهدافهم والتزاماتهم وتؤدي إلى قرارات مركزة‬
‫تأخذ بعين االعتبار أراء وتطلعات كل المجموعات واألطراف‬
‫المعنية‪ ]11[.‬كما تعد احد المكونات الهامة للحكامة‪ ،‬فهي تهيئ الظروف‬
‫واألوضاع السياسية المناسبة لتعبئة األفراد والجماعات للمساهمة‬
‫والمشاركة في األنشطة والمشاريع االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فان تنصيص الدستور على اآللية التشاركية في تدبير‬
‫الشأن العام الترابي إحدى المستجدات الهامة التي تمثل قطعا مع‬
‫المقاربة التقليدية للتدبير والتي تغيب المواطنين عن مهام التدبير رغم‬
‫كونهم فاعال أساسيا وفي إشراكهم ضمانة لفاعلية التدخالت والبرامج‬
‫التنموية‪.‬‬

‫فالتشاركية استبدال للتدبير "البيروقراطي" للشأن العام المحلي بالتدبير‬


‫الديمقراطي الذي يخدم التنمية‪ ،‬هذه األخيرة التي تتطلب مشاركة الساكنة‬
‫في ممارسة الفعل التنموي بحيث تكون البرامج التنموية والسياسات‬
‫العمومية الترابية معبرة بصفة حقيقة عن متطلبات المواطن‪]12[.‬‬
‫من هذا المنطلق تبرز أهمية الديمقراطية التشاركية في التدبير الترابي‬
‫من خالل كونها وسيلة فعالة في التشخيص الدقيق لمتطلبات التنمية‬
‫الترابية وسبل تلبيتها بالصورة األمثل‪ ،‬وبالتالي ضمان فعالية و نجاعة‬
‫التدبير وتحقيق نتائج تنموية واضحة‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك فان إعداد برنامج عمل الجماعة يعد وفق مقاربة‬
‫تشاركية‪ ،‬وفي ذلك وعي بأهمية ومزايا التشاور والحوار واالنفتاح على‬
‫المواطنين باعتبارهم األقدر على تحديد احتياجاتهم بوجه دقيق‪.‬‬
‫بحيث يساهمون في إغناء التصور والتشخيص بتوفير معلومات‬
‫متنوعة ملموسة‪ ،‬وبتقديم تحاليل مختلفة للوضعية باإلضافة إلى حث‬
‫الفاعلين على تقارب وجهات النظر لتطوير طرق التدخل لتلبية حاجيات‬
‫السكان بصورة شاملة‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى إحداث ديناميكية تفاعلية محلية بين الفاعلين‬
‫االجتماعيين و االقتصاديين‪ ،‬بشكل يمكن من بلورة تصور مشترك‬
‫لهؤالء الفاعلين حول الوضع الحالي وحول التكامل الممكن تفعيله‪]13[.‬‬
‫على صعيد آخر فان توجه المغرب العتماد جهوية متقدمة له انعكاس‬
‫مباشر على تطوير مساهمة المجتمع المدني في التنمية على الصعيد‬
‫الجهوي‪ ،‬فاقتراح الجهوية في مفهومها الديمقراطي يعني السماح‬
‫لجميع المواطنين بالتعبير عن ذواتهم في إطار ديمقراطي تشاركي‬
‫حقيقي‪ ،‬أي إشراك جميع الفاعلين المحليين وخاصة المجتمع المدني‬
‫عبر خلق فضاءات للتشاور والتداول وتبادل اآلراء‪.‬‬
‫ألنه إذا منحت لهم فرصة حكم مجالهم بأنفسهم فان ذلك سيخلق تنافسية‬
‫حقيقية بين الجهات انطالقا من حسن تدبير كل جهة لطاقاتها وتدبير‬
‫حاجياتها في إطار التضامن والتالحم االجتماعي واالقتصادي‪]14[.‬‬
‫كما أن معرفة الجمعيات بالساكنة والمجال الترابي الذي تعمل فيه‪ ،‬زيادة‬
‫على مرونة هيكلها وطرق عملها يجعل الجمعيات صلة وصل هامة مع‬
‫الفاعلين المؤسساتيين في مجال التنمية المحلية‪]15[.‬‬
‫فالمجتمع المدني وبالرغم من تعدد وتنوع مكوناته أصبح ينتظم في إطار‬
‫قوة ضاغطة وفاعلة‪ ،‬وهو ما يتبين من خالل نجاعة تجربة المشاريع‬
‫الصغرى وتطوير مجال االقتصادي التضامني خاصة بالعالم‬
‫القروي‪]16[.‬‬
‫وتجسيدا لهذه المعطيات تضمنت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية‬
‫ابوابا خاصة باآلليات التشاركية للحوار والتشاور بهدف اشراك الساكنة‬
‫المحلية في التدبير‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 120‬من القانون التنظيمي‬
‫للجماعات[‪،]17‬على احداث مجلس الجماعة لهيئة استشارية بشراكة مع‬
‫فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ‬
‫المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى "هيئة المساواة وتكافؤ‬
‫الفرص ومقاربة النوع"‪.‬‬
‫وحسب المادة ‪ 121‬وتطبيقا للفصل ‪ 139‬من الدستور‪ ،‬يمكن للمواطنين‬
‫"تقديم عرائض يكون الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل‬
‫في صالحياته ضمن جدول أعمالة‪".‬‬
‫االمر الذي يفتح المجال امام الساكنة المحلية للمساهمة قي "صناعة‬
‫القرار المحلي" بشكل فعلي و يجعلهم قادرين على صياغة اختياراتهم‬
‫التنموية الى جانب منتخبيهم‪ ،‬وبعبارة اخرى ان ان يكونوا مساهمين في‬
‫اعداد وتنفيذ السياسات الترابية عوض ان يكونوا مجرد متلقين لها‪.‬‬
‫المراجع المعتمدة ‪:‬‬

‫[‪ ]1‬الفصل األول من دستور ‪2011‬‬


‫[‪]2‬الفصل ‪ 12‬من الدستور‬
‫[‪]3‬الفصل ‪ 13‬من الدستور‬
‫[‪]4‬الفصل ‪ 12‬من الدستور‬
‫[‪]5‬الفصل ‪ 13‬من الدستور‬
‫[‪]6‬الفصل ‪ 33‬من الدستور‬
‫[‪]7‬الفصول ‪ 168،169،170،171‬من الدستور‬
‫[‪]8‬الفصل ‪ 139‬من الدستور‬
‫[‪]9‬الفصل ‪ 146‬من الدستور‬
‫[‪]10‬الكتاب الثاني من تقرير اللجنة االستشارية للجهوية‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫[‪]11‬سومية حنون‪" ،‬االلتقائية في الحكامة المحلية الجديدة‪ ،‬المبادرة‬
‫الوطنية للتنمية البشرية نموذجا"‪ ،‬رسالة لنيل شهاد الماستر كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية المحمدية‪ 2008 .‬ص ‪60‬‬
‫[‪ ]12‬هشام مليح‪ ،‬سؤال الحكامة الترابية بالمغرب"‪ ،‬مجلة مسالك عدد‬
‫مزدوج ‪ 2012 ، 22 – 21‬ص ‪89‬‬
‫[‪]13‬دليل المخطط الجماعي للتنمية‪ ،‬سلسلة دليل المنتخب منشورات‬
‫مركز االتصال والنشر‪ ،‬وزارة الداخلية المديرية العامة للجماعات‬
‫المحلية‪ 2010،‬ص ‪19‬‬
‫[‪]14‬بشرى الوردي‪" ،‬األسس الديمقراطية لبناء جهوية متقدمة في‬
‫المغرب"‪ ،‬مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية العدد ‪ 9،2013‬ص‬
‫‪27‬‬
‫[‪ ]15‬الكتاب الثاني لتقرير اللجنة االستشارية للجهوية ص ‪23‬‬
‫[‪Abdellah Fadel . Gouvernance de développement ]16‬‬
‫‪humain au Maroc. Premier Edition Librairie Dar‬‬
‫‪Essalam rabat 2011 p 83‬‬
‫[‪ ]17‬القانون التنظيمي رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات الصادر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.85‬صادر في ‪ 7‬يوليو ‪ ،2015‬جريدة‬
‫رسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪2015‬‬

You might also like