Professional Documents
Culture Documents
الديبلوماسية التونسية
الديبلوماسية التونسية
ال رواد من الدبلوماس يين البن اة األوائ ل للدبلوماس ية التونس ية ،فيم ا هي علي ه اآلن ،الي وم تحت اس م
الدبلوماسية الثقافية .وإلدراك ذلك علينا أن نستحضر الحقبة الزمنية التي قاموا ،خاللها ،بهذه الجهود
التي ننوه بها.
فقد بدأت الدبلوماسية التونسية خطوتها األولى ،بعد نيل البالد استقاللها التام في 20مارس ،1956
وكانت المهمة الكبرى لها أن تمثل البالد في العالم .وربما كان ترتيب البند األول من هذه المهمة ،قبل
تمهيد سبل التعاون ،هو تميل البلد في جوهر كيانه ،بلد حر مستقل ذو سيادة ،ثابت النسب في حضارة
ثقافتها ذات أصول شمال إفريقية /فينيقية ،تزهو بقرطاج والقيروان ،وتفخر بحنبعل وطارق بن زياد،
وتترسم خطى عبد الرحمن بن خلدون في فهم شؤون الزمان ،ويقودها الحبيب بورقيبة ،في منهج الحكم
ونحت الكيان.
بدأت هذه المهمة ثقافية /سياسية/نضالية ألن تونس كانت ،يومها ،تتحدى مخلفات استعمار دحرته ،بعد
نضال مرير ،استهدف أرضها وسعى لطمس ثقافتها ،تمهيدا البتالعها.
وم ع التق دم في بن اء الدول ة ،والنه وض بالش عب ،وخ وض مع ارك الطري ق وكس ب الكث ير منه ا تب دلت
طبائع التحدي ،واختلفت أولويات المسيرة ،وبدأت بعض مالمح الكيان الثقافي تغيب ،عن الظهور ،في
ساحات المعارك وغدت الدبلوماسية مستغرقة في السياسة واالقتصاد ووجد الجيل الدبلوماسي الموالي
للرواد نفسه ،غير مدعو لمواصلة دور السابقين في إبراز العناصر الثقافية التي كانت مهددة.
في هذه المرحلة تضاءل االهتمام في وزارة الخارجية ،بأغلب ما هو ثقافي ،وصارت الشؤون الثقافية،
في أغلب البعث ات الدبلوماس ية تك اد تقتص ر على الوس اطة البريدي ة ،بين ال وزارات المعني ة بالثقاف ة
والتعليم ،بمختلف مراحله ،في تونس ،وبين نظيراتها في بلدان االعتماد.
وإ ذا استثنينا مناسبات ظرفية غير منتظمة تركز خاللها االهتمام على وجه من أوجه التفافة ،في أسبوع
ثق افي ،أو مع رض كت اب ،أو زي ارة شخص ية ثقافي ة ب ارزة ،أو محاض رة حاش دة فال وج ود لنش اط
دبلوماسي ثقافي بارز ،سواء في البعثات ،أو في الوزارة ،إال قليال.
لق د م ر بمس ؤولية وزارة الخارجي ة وزراء من ص نف المثقفين ،ب ل فيهم من تحم ل ،قب ل الخارجي ة،
مس ؤولية وزارة الثقاف ة ،ويوج د في الس لك الدبلوماس ي العدي د ممن يتمتع ون ب زاد ثق افي وف ير وم تين،
وك ان البعض منهم يجته د ،من تلق اء نفس ه ،لبث نفس ثق افي في مهمت ه ،فينجح قليال ،ويفش ل كث يرا،
النعدام برنامج وطني واضح وراءه.
والبد ان نالحظ في هذا السياق ،النشاط الثقافي الثري والمتنوع الذي كانت الحياة الوطنية في الداخل
تحفل به دائما وما كان يصحب ذلك من تعاون دولي واسع ،وإ شعاع ثقافي تونسي تبعا لذلك فما معنى
اال يكون للدبلوماسية في ذلك دور؟
إن أغلب هذه النشاطات تتولى وزارة الثقافة نفسها تبليغه إلى الخارج ،وتنسيق التعاون فيه .وربما تمر
بعض جوانبه اإلدارية ،خاصة ،بوزارة الخارجية ،أو بالبعثات الدبلوماسية التونسية المعنية ،ولكن ذلك
يندرج فيما سميته ،سلفا ،بصندوق البريد.
إن الدبلوماس ية الثقافي ة تتطلب رؤي ة مش تركة طويل ة النفس بين العدي د من ال وزارات والمؤسس ات
مجتمعي ا بأهمي ة المس ألة في ظ ل ت زاحم اقتص ادي وتج اري دولي ،ويك ون منطلقه ا
ً وعي ا
الوطني ة ،ب ل ً
تك وين الدبلوماس يين التونس يين من أج ل منحهم ق درات جدي دة فني ة وتواص لية ومعرفي ة تجعلهم ق ادرين
على تثمين ال تراث والحض ارة والثقاف ة التونس ية والتفك ير في بعث مراك ز ثقافي ة تونس ية حيث توج د
وتجاري ا
ً واستثماريا
ً سياحيا
ً تسوق للوجهة التونسيةالمصالح التونسية وإ عداد منصات الكترونية تونسية ّ
ع بر إغ راءات ثقافي ة كالزي ارات االفتراض ية للمت احف التونس ية والمواق ع والمع الم والص ور الجذاب ة
للمخزون اإليكولوجيى ،إلى جانب التعويل على الجالية التونسية بالخارج في معاضدة مجهود الدولة في
توخيها نهج الثقافة من أجل جذب االستثمار.
وكم ا س وقنا س ابقًا لقفص س يدي بوس عيد والمش موم فإن ه ح ري بن ا اآلن تعزي ز ه ذه العالم ات الثقافي ة
بتيمات جديدة مستلهمة من التاريخ الثقافي الطويل.
إن تونس ال يزال ينتظرها الجهد المكثف واالستراتيجي من أجل بناء نهجها الجديد في عالقاتها الدولية
وه و الدبلوماس ية الثقافي ة خاص ة وأن الحي اة السياس ية التونس ية يش وبها ع دم االس تقرار في ظ ل
ديمقراطيتها الناشئة .لكن يبقى الرصيد الثقافي والحضاري هو كنز تونس األبدي وجسرها الذهبي نحو
العالم " ،فالثقافة تبقى عندما يفنى كل شيء".
مفتوحا على البحر فإنها تجد نفسها تثاقفية وتواصلية بالضرورة ،وإ ذا قلبنا بعض
ً بلدا
وتونس باعتبارها ً
صفحات من تاريخها السياسي وعالقاتها الخارجية فإننا ال محالة سوف نقف على عراقة دبلوماسيتها
وخاصة في عهد الحكم الحسيني الذي دام ثالثة قرون من الزمن والتي منها استلهمت دولة االستقالل
ما كان يسميه الرئيس الحبيب بورقيبة بدبلوماسية السلم والسالم ودبلوماسية العلوم والمعارف.
لكن ه ل اس تفادت ت ونس من تاريخه ا الدبلوماس ي ومن رص يدها الحض اري والثق افي وال تراثي ح تى
تت وخى وبش كل واض ح نهج الدبلوماس ية الثقافي ة من خالل اس تراتيجية وطني ة واض حة بعي ًدا عن
المبادرات العابرة التي تنبثق من هنا وهناك؟
أساس ا القتصادها الناشئ ،اعتمدت ً في ستينيات القرن العشرين وعندما اختارت تونس طريق السياحة
على جمل ة من أس اليب ال ترويج والج ذب الس ياحي منه ا م ا ك ان يس مى بـ «األس ابيع الثقافي ة" .وك انت
س فاراتنا في الع الم تتف انى في تنظيم هذه األس ابيع الجاذب ة للس ياحة ،وفعاًل حققت مراميه ا وب اتت تونس
وجهة سياحية مرموقة إلى اليوم.
إن من أهم مالمح اس تراتيجيا الدبلوماس ية الثقافي ة ال تي ش رعت في تركيزه ا وزارة الخارجي ة التونس ية
تعمل على وضع خطة للدبلوماسية الثقافية تعمل على جملة من األهداف أهمها التعريف بتونس كمنارة
ثقافي ة وبل د ث ري حض اريا وتاريخي ا ،ومنفتح على محيط ه ،وتوظي ف المخ زون الثق افي في مختل ف
الجه ات وال ترويج ل ه ،وتوف ير اإلمكاني ات المالي ة وترك يز ب رامج التع اون لتثمين المع الم الحض ارية
والتاريخية التي تزخر بها تونس واستثمارها في تنشيط الدورة االقتصادية وخلق الثروة.
ثم إن من جملة أهداف هذه الخطة أيضا استغالل المخزون الثقافي والتراثي كأداة اقتصادية وفي خدمة
التنمي ة ،واإلس هام في دعم سياس ة الدول ة للتش غيل من خالل التش جيع على بعث مش اريع مرتبط ة
بالصناعة الثقافية واإلبداعية ،وجعل الثقافة أحد المقومات األساسية في عالقات تونس مع شركائها وم ع
المؤسسات الدولية.
كما يتبين السعي إلى إرساء الديبلوماسية الثقافية من خالل الجهود التي تبذلها الوزارة لدعم التعاون مع
مختلف األطراف وتكثيف برامج التعاون الثنائي ومتعدد األطراف مع المنظمات الدولية واالقليمية مثل
اليونس كو واأللكس و وغيره ا ،لخل ق حركي ة في عالق ات ت ونس م ع ش ركائها ومختل ف البل دان الش قيقة
والص ديقة ،عماده ا التب ادل الثق افي تس اهم في تعزي ز التواص ل والتق ارب وقب ول اآلخ ر ،وقط ع الطريق
أمام تيارات التطرف واالنغالق.
تعم ل ت ونس على برن امج دعم قط اع الثقاف ة في ت ونس ( )PACTبالتع اون م ع االتح اد األوروبي ال ذي
يهدف إلى إعادة هيكلة قطاع الثقافة في تونس ،ويهتم باألساس بدعم التنوع الثقافي على الصعيد المحلي
«تفنن»
وتقدر ميزانيته ب 6مليون أورو ُخصص منها 2,4مليون أورو لمشروع ّ
والجهوي والوطني ّ
القائم بالتعاون مع شبكة المراكز الثقافية األوروبية (.)EUNIC
وبالتعاون القائم مع «المنصة األوروبية للدبلوماسية الثقافية» ،لرسم خارطة الطريق الرامية إلى إرساء
استراتيجية وطنية للدبلوماسية الثقافية بمشاركة كافة األطراف الحكومية وغير الحكومية المعنية بالشأن
للتنوع
الثقافي ،باإلضافة إلى العمل على االنتفاع من االعتمادات المرصودة من قبل الصندوق الدولي ّ
الثقافي تحت إشراف منظمة اليونسكو لتمويل المشاريع الهامة والمرتبطة بدعم السياسات الثقافية للدول
األعضاء.
هذا المث ال هو دلي ل ص ارخ على نجاعة وص فة الثقاف ة في تجسير العالقات الخارجي ة وربط الص الت
ؤخرا من قب ل الساس ة الج دد ال ذين حكم وا
االقتص ادية والتجاري ة .وه ذا األم ر ه و م ا تم االنتب اه إلي ه م ً
ت ونس بع د الث ورة ،إذ م ا انفكت بعض الحكوم ات في أخ ذ أم ر الثقاف ة ببعض الجدي ة في مس توى
التش ريعات وفي مس توى اإلنش اء والتوظي ف .لكن الح ديث عن الدبلوماس ية الثقافي ة طفى من ذ أس ابيع
ضمن ندوة نظمها مركز تونس الدولي للسياسات الثقافية يوم 22جوان /حزيران 2019بالتعاون مع
الجمعية التونسية لقدماء السفراء والقناصل.
وخالل ه ذه الن دوة تح دث التونس يون بص راحة عن س بل تفعي ل الدبلوماس ية الثقافي ة ع بر مزي د العناي ة
بالحي اة الثقافي ة التونس ية وإ ب راز وص يانة الرص يد الثق افي الم ادي والالم ادي والتع اون م ع المنظم ات
الدولي ة واإلقليمي ة من أج ل هيكل ة القط اع الثق افي وال تراثي وإ دراج عالمات ه ض من قائم ات ال تراث
اإلنس اني وال دور الب ارز ال ذي يجب أن تلعب ه وزارة الش ؤون الخارجي ة في توظي ف اإلرث الثق افي
والحضاري التونسي.
وفي اعتق ادي أن لق اء وزي ري الش ؤون الخارجي ة والش ؤون الثقافي ة الح اليين خالل الن دوة الم ذكورة لم
يتجاوز التشخيص واألدوار التي حاولت القيام بها كل وزارة على حده فيما يتعلق بالدبلوماسية الثقافية،
إذ لم يحددا روزنامة مواعيد واضحة تنتهي برسم خطة عمل طويلة المدى ضمن رؤية مشتركة تكون
إحدى هواجس الحكومة الحالية في مستوى العالقات الخارجية التونسية.
كما تعمل تونس على تأكيد مكانتها على الساحة الدولية وإ براز تنوع مخزونها الثقافي وفتح آفاق جديدة
لدعم وتطوير عالقاتها في مختلف المجاالت خدمة ألهدافنا الوطنية ،وخاصة لترسيخ البعد اإلفريقي في
سياستها الخارجية.
كما تسعى الوزارة التونسية بك ّل جدية لتحقيق هذه األهداف الوطنية المرسومة من خالل مزيد تحسيس
البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج بأهمية التركيز على الجانب الثقافي في تحركاتها واتصاالتها،
وبالتنسيق والتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية ،التي وقعت معها في 2017اتفاقية إطارية للتعاون في
مجال الدبلوماسية الثقافية.
وتؤك د وزارة الثقاف ة التونس ية على العم ل على االرتق اء ب الوعي ال ذاتي والجم اعي فيم ا يخص
الدبلوماسية الثقافية وقدرتها على تسويق الوجهة التونسية ثقافياً ،إلى جانب السياسة واالقتصاد.
جاء ذلك خالل ندوة نظمتها وزارة الدولة للشؤون الثقافية التونسية ،عن سبل تفعيل الدبلوماسية الثقافية.
حيث أك دوا على أن الدبلوماس ية الثقافي ة "ال تق ل أهمي ة عن الدبلوماس ية السياس ية والدبلوماس ية
االقتصادية" ،وأن تونس سعت لتأكيد هذا الوعي من خالل إنشاء عدد من المؤسسات التابعة لها على
غرار قصر اآلداب والفنون "القصر السعيد" والمكتبة السينمائية ومسرح األوبرا وبيت الرواية وإ دراج
"مائ دة يوغرط ة" على الالئح ة التمهيدي ة لل تراث الع المي و"فخ ار س جنان" على القائم ة التمثيلي ة لل تراث
الثقافي الالمادي في اليونسكو.
كم ا يتم التأكي د على "أهمي ة الن دوات الفكري ة ودوره ا في إب راز مفه وم الدبلوماس ية الثقافي ة ،وح رص
ت ونس على العناي ة به ذا القط اع في س ياق رؤي ة ثقافي ة ش املة من ش أنها أن تس هم في تعزي ز حض ور
تونس في الخارج وإ براز صورتها والتعريف بأعالمها وبتاريخها وحضارتها".