Professional Documents
Culture Documents
منهج ابن عاشر في تفسيره
منهج ابن عاشر في تفسيره
كلية الشريعة
تخصص أصول الدين
-١آل عاشور
اَأْلوقَاف اخْلَرْيِ يَّة والنظارة على بَيت املال والعضوية مِب َ ْجلِس الشورى.
واإلشراف على ْ
َ
َومن أشهر تالميذه الشَّْيخ حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور َوالشَّْيخ يُ ُ
وسف جعيط َوالشَّْيخ َأمْح د بن اخلوجةَ .والشَّْيخ َسامل
بوحاجب َوالشَّْيخ حَمْ ُمود بن اخلوجة َوالشَّْيخ حُمَ َّمد بريمَ .ومن ساللة آل عاشور َوالِد َشيخنَا الشَّْيخ حُمَ َّمد ابْن
ث ِ
اَأْلوقَاف مثَّ َخلفه َعلَْي َهاَ" أبُو النخبة املثقفة" حُمَ َّمد البشري صفر َحْي ُ
عاشور َوقد توىل رئاسة ْجملس إدارة مجعية ْ
الصلَة ومتتنت بني الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
اهر ابْن عاشور اجْل د ْ َ َ ك املؤسسة َوقد تدعمت ِّ عينته الدولة نَاِئبا َعْن َها يِف تِْل َ
وتلميذه حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور الْ َوزير نتج َعْن َها زجية َشْر ِعيَّة البنَة الثَّايِن -حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور -على ابْن األول
اهر ابْن عاشور اجْل د َ -و َه َك َذا متت أواصر َه ِذه العائلة بالعائالت التونسية َوأخذت َم َكاهنَا
-الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
ْ َ
أكلها َأص َلها ثَابت وفرعها يِف َّ
الس َماء تؤيت َ وارتبطت صاَل هتَا فَ َكانَت َش َجَرة طيبَة زيتونة اَل شرقية َواَل غربية ْ
كل ِحني بِِإذن َرهبَا.
-٢مولده ونشأته
حفظا متقنا ُمْن ُذ صغر سنه َوحفظ الْ ُمتُون العلمية َك َساِئر َأبنَاء عصره من التالميذ مثَّ تعلم َما تيَ ّسر لَهُ من اللُّغَة
الفرنسية.
ارحتل ِإىَل الْمشرق الْ َعَريِب ّ وأوروبا وشارك يِف عدَّة ملتقيات إسالميةَ .كا َن عضوا مراسال جملمع اللُّغَة الْ َعَربيَّة
اهَر ِة سنة ١٩٥٦م ،وباجملمع العلمي الْ َعَريِب ّ بِ ِد َم ْشق سنة ١٩٥٥م .ا ْشتهر بِالص ِرب واالعتزاز بِالن ِ
َّفس بِالْ َق ِ
صى جهده إنقاذ الت َّْعلِيم الزيتوين وتصدى لَهُ مبعارفه والصمود ََأمام الكوارث ،والرتفع َعن ُّ
الد ْنيَا ،حاول أقْ َ
ويقينه َولَ ِكن َأيدي األعادي تسلطت على َه ِذه املنارة العلمية فألغتها سنة ١٩٦١م َفَت َوىّل الْعلم بتونس وانزوى
اَأْلحد ١٢أوت ١٩٧٣م َودفن مبقربة الزالج مِب َ ِدينَة تونس َرمحَه اهلل َت َعاىَل
َحىَّت تويّف اِإل َمام الشَّْيخ َرمحَه اهلل َي ْوم َ
َو َج َعلنَا خري خلف خلري سلف.
اهر ابْن عاشور جِب َ ِامع الزيتونة يِف سنة ١٣٠٣هـ ١٨٨٦ /م وثابر على َت ْعلِيمه بِِه َحىَّت الْتحق الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
ْ َ
أحرز على َش َه َادة التطويع سنة ١٣١٧هـ١٨٩٩/م َومسي عدال مربزا .ابْتِ َداء من سنة ١٩٠٠م ِإىَل سنة ١٩٣٢
اهر ابْن ١٩٠٥م ،مثَّ عضوا مؤسسا للجنة إصاَل ح التَّعلِيم جِب ِامع الزيتونة سنة ١٩١٠م .الْتحق الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
ْ َ ْ َ ْ
قض ِاء سنة ١٩١١م فَ َكا َن عضوا باحملكمة العقارية وقاضيا مالكيا مثَّ مفتيا مالكيا سنة ١٩٢٣م فكبري عاشور بِالْ َ
ني سنة ١٩٢٤م فَ َشْيخ اِإْل ْساَل م ل ْل َم ْذ َهب الْ َمالِ ِكي سنة ١٩٣٢مَ ،وقد بَاشر َرمحَه اهلل كل َه ِذه املهامِ
الْ ُم ْفت َ
ضي بِِه .مسي شيخ َجامع الزيتونة
حجة ومرجعا يِف ما ي ْق ِ
َ مبهارة ودقة علمية نادرة وبنزاهة َوحسن نظر فَ َكا َن َّ
مرة يِف سبتمرب سنة ١٩٣٢م بعد َأن ا ْشرتك يِف إدارة الْ ُكلية الزيتونيةَ ،ولكنه استقال من مشيخة ألول ّ
وفروعه ّ
َجامع الزيتونة بعد سنة( سبتمرب سنة ١٩٣٣م) مثَّ مسي من َج ِديد َشيخا جلامع الزيتونة يِف سنة ١٩٤٥مَ .ويِف
احة ث ِ
ُأحيل ِإىَل َّ
الر َ سنة ١٩٥٦م َشيخا عميدا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدَّين َحىَّت سنة ١٩٦٠م َحْي ُ
ضانَ .كا َن ُمقبال على الْ ِكتَابَة ِئ ٍ
الصيام يِف َر َم َ بِ َسبَب موقفه جتاه احلملة الَّيِت شنها بورقيبة َي ْوم ذ ضد فَ ِر َ
يضة ّ
الس َع َادة الْعُظْ َمى سنة ١٩٥٢م َو ِهي أول جملة تونسية َم َع صديقه َّح ِقيق والتأليف ،فقد َشارك يِف إنْ َشاء جملة َّ
َوالت ْ
صوصا يِف الْمجلة الزيتونية وجمالت مشرقية المة الشَّْيخ حُمَ َّمد اخْل ضر ُح َسنْي َرمحَه اهللَ .ونشر حبوثا عديدة ُخ ُ الْ َع َ
ِ ِ
مثل هدى اِإْل ْساَل م واملنار َواهْل َدايَة اإلسالمية َونور اِإْل ْساَل م وجملة جممع اللُّغَة الْ َعَربيَّة بِالْ َقاهَر ِةَ .ك َما نشرت لَهُ
ِ ِِ
اَأْلوقَاف والشئون اإلسالمية جملة الْمجمع العلمي بد َم ْشقَ .شارك يِف املوسوعة الْف ْق ِهيَّة الَّيِت تشرف َعلَْي َها وزارة ْ
بالكويت مببحث قيم .
ُ -٤شيُوخه
الت ْف ِسري واحْلَ ِديث والقراءات ومصطلح احلَ ِديث ا ْكتسب الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
اهر ابْن عاشور ثقافة َو ِاس َعة مشلت َّ ْ َ
يما حصله َوتوسع يِف ذَلِك وحلله .فقد خترجِ
عروض وأعمل فكره ف َ
َوالَْبيَان واللغة والتاريخ واملنطق َوعلم الْ ُ
على َأيدي ثلة من عُلَ َماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية يِف عُلُوم الدَّين وقواعد اللُّغَة الْ َعَربيَّة وبالغتها وبياهنا
قدرة على التَّْبلِيغ َو َم ْع ِرفَة بطرق التدريس والرتكيز على تربية امللكات يِف الْعُلُوم َومن ِإ
وبديعها ىَل َجانب َ
وسف َوالشَّْيخ
أشهرهم الشَّْيخ حُمَ َّمد النجار َوالشَّْيخ َسامل بوحاجب َوالشَّْيخ حُمَ َّمد النخلي َوالشَّْيخ حُمَ َّمد بن يُ ُ
صاحل الشريف َرمِح هم اهلل َت َعاىَل مَجِ ًيعا.
عمر بن عاشور َوالشَّْيخ َ
ِ
أعطوا احْلَيَاة التونسية
اَأْلع َمال قد ْ
اَأْلعاَل م وجدناها َحيَاة علمية زاخرة حافلة جبالئل ْ َوِإذا تصفحنا َحيَاة هَُؤ اَل ء ْ
َعطاء جزيال يِف الدَّين واالجتماع َواَأْلدب والسياسة َوهَُؤ اَل ء النبغاء َوِإن مل يرْت ُكوا مؤلفات ضخمة ِإاَّل َأهنم
شهدوا هَلُم بطول الباع يِف نقد اآْل ثَار واملناهج وتتبع اهلنات اللُّغَ ِويَّةَ ،وقد َكا َن الشَّْيخ بوحاجب
تر ُكوا تالميذ ُ
أخصائيا يِف عُلُوم اللُّغَة والنحو والبالغة َواَأْلدب.
واألستاذ عمر بن الشَّْيخ ماهر يِف الْ ِف ْقه واملنطق َوالْكَاَل م والفلسفةَ .والشَّْيخ حُمَ َّمد النجار َكا َن َجامعا لشىت
السيِّد مجال الدَّين األفغاين وتابعها تِْل ِميذه الشَّْيخ حُمَ َّمد َعبده صداها
لقد َكا َن للحركة اإلصالحية الَّيِت تزعمها َّ
الْبعيد يِف الْ َعامل اإلسالمي ،فقد فتحت بصائر النَّاس وحركتهم َعن طَ ِريق جملة العروة الوثقى والزيارات املتتابعة
للبلدان اإلسالمية من قبل الشَّْيخَنْي ِ األفغاين َوحُمَ ّمد َعبدهَ .ويِف َه َذا النطاق تتدرج زياريت الشَّْيخ حُمَ َّمد َعبده ِإىَل
اهر ابْن عاشور مَثَايِن سنوات .واألرجح َأن تونس األوىل َكانَت سنة ١٨٨٥م و َكا َن عمر الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
ْ َ َ
لصغَر سنه. مرتمجنا مل يتطلع ِإىَل ه ِذه اآلراء اإلصالحية بعد نظرا ِ
َ
الزيارة الثَّانِية ملفيت الديار املصرية فَ َكانَت سنة ١٩٠٣م١٣٢١/هـ و َكا َن عمر الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ
اهر ابْن ْ َ َ أما ِّ َ َ َ
عاشور ثَاَل ث َوع ْشرين سنة َو ُه َو يشغل خطة مدرس من الطََّب َقة الثَّانِيَة َوقد جنح يِف َه ِذه اخلطة يِف نفس َه ِذه
السنة.
ّ
ت أفكاره وتشبع َو َقَرَأ كثريا من آرائه ،وتشوفت نَفسه للقاء َه َذا املصلح َفهو يِف مقتبل الْعمر وقد نَ ِ
ض َج ْ ُ َ َُ
اجب بقصره الْ َم ْعُروفَ .وقد الْ َكبِري .وحت ّقق لَه ذَلِك فقد حل حُم َّمد عبده ضيفا باملرسى ِعْند الْوزير خلِيل َأبو ح ِ
َ َ ُ َ َ َ ُ َ
ِ
عقدت جمَالس علمية بَني الشبخ حُمَ َّمد َعبده َوبَني مفكري الْبِاَل د التونسينيَ .و َكا َن الشَّْيخ ْ
اُأْلستَاذ ابْن عاشور اَل
يتخلَّف عْنها و َكا َن من بني الَّذين تقدموا لألستاذ اِإل مام باقرتاح يطْلبو َن فِ ِيه ِمْنه بَِأن ِ
يلقي درسا باجلمعية ُ ُ َ ُ َ ََ َ َ َ
اخللدونية َو َكا َن عضوا مبجلسها اإلداري،ـ َوقد َكا َن لَهُ َذلِك َوُألْ ِقي الد َّْرس يِف مُجَ َادى الثَّانِيَة سنة ١٣٢١هـ/
سبتمرب ١٩٠٣م.
ِ
َومل ي ْقتَصر الشَّْيخ حُمَ َّمد الطَّاهر ابْن عاشور على اجتماعه مبصلحي الشرق فَحسب بل ْ
اجتمع مبفكري الْ َعامل
َش ْيء.
وقد سار ابن عاشور ىف تفسري القرآن بالقرآن وفق هذا املفهوم الذى حدده ىف الفقرة السابقة ،ومن أمثلـة ذلـك
ما ذكره ىف توضيح معىن لفظة ىف قوله تعاىل:
َكاَّل بل را َن على ُقلُوهِبِم ما كانُوا يك ِ
ْسبُو َن( سورة املطففني :اآلية " )١٤والقلوب :العقول وحمال اإلدراك، َ ْ َ َْ
ـك َع ْن َبِّينَ ـ ٍـة َوحَيْ ــىي َم ْن َح َّي َع ْن َبِّينَ ـ ٍـة ، )٢( ف ــإهالك الق ــرى إب ــادة أهله ــا وختريبه ــا، ِ ِ
ـك َم ْن َهلَ ـ َ ق ــال تع ــاىل :لَي ْهل ـ َ
وإحياؤه ــا إع ــادة عمراهنا بالس ــكان والبن ــاء ،ق ــال تع ــاىلَ :أىَّن حُيْيِي ه ـ ِـذ ِه اللَّهُ َب ْعـ َـد َم ْوهِت ا )٣( وإهالك الق ــرى هن ــا
شامل إلبادة سكاهنا .ألن اإلهالك تعلق بذات القرى،ـ فال حاجة إىل التمجز ىف إطالق القـرى على أهـل القـرى
كما ىفَ :و ْسَئ ِل الْ َق ْريَةَ . )٤( لصحة احلقيقـة هنـا ،وألنـه مينـع منـه قولـه :وأهلهـا غـافلني .أال تـرى إىل قولـه تعـاىل:
ك َقْريَةً ََأم ْرنا ُمْتَرفِيها َف َف َس ُقوا فِيها فَ َح َّق َعلَْي َها الْ َق ْو ُل فَ َد َّم ْرناها تَ ْد ِمرياً. )٥( ِ
َوِإذا ََأر ْدنا َأ ْن نُ ْهل َ
شــغل احلديث النبــوى مكانــة كبــرية ىف التحريــر والتنــوير ،وأخــذ أشــكاال عديــدة ىف اإلســناد واملنت ،كمــا تعــددت
مصادره ،وكان أكثرها شيوعا صحيح البخارى وصحيح مسلم يليهما موطأ اإلمام مالك.
والتفســري باحلديث النبــوى كــان لــه دور بــارز ىف التحريــر والتنــوير اســتعان بــه ابن عاشــور ىف مــواطن كثــرية من
تفس ــريه ،وق ــد رأين ــا ىف ص ــفحات الب ــاب األول من ه ــذه الدراس ــة مص ــادره ىف احلديث وكثرهتا وتنوعه ــا ،وق ــد
حرص أن يشري إىل مصدر احلديث عند االستعانة به مكتفيا أحيانا باسم الــراوى األول لــه ،ذكـر ىف قولـه تعـاىل:
ِ ِ
ني ِإذا ُدعُ ـ ـ ـ ــوا ِإىَل اللَّ ِه َو َر ُسـ ـ ـ ـ ـول ِه ليَ ْح ُك َم َبْيَن ُه ْم َأ ْن َي ُقولُـ ـ ـ ـ ــوا مَسِ ْعنا َوَأطَ ْعنـ ـ ـ ـ ــا َوُأولِئ َ
ك ُه ُم ِِ
ِإمَّن ا ك ـ ـ ـ ــا َن َقـ ـ ـ ـ ْـو َل الْ ُمـ ـ ـ ـ ـ ْؤ من َ
الْ ُم ْفلِ ُحو َن( سورة النور. )٥١ :
«وىف املوطأ من حديث زيد بن خالد اجلهىن« :إن رجلني اختصما إىل رسول اهلل .فقــال أحــدمها :يـا رســول اهلل
اقضى بيننا بكتاب اهلل( يعىن وهـو يريـد أن رسـول اهلل يقضـى لـه كمـا وقـع التصـريح ىف روايـة الليث بن سـعد ىف
البخ ــارى أن رجال من األع ــراب أتى رس ــول اهلل فق ــال :أنش ــدك باهلل إال قضــيت ىل بكت ــاب اهلل) . وق ــال اآلخ ــر
على فــأذن ىل أن
وهو أفقههما :أجل يا رسول اهلل فاقض بيننا بكتاب اهلل وأذن ىل أن أتكلم( يريد ال تقضى لــه ّ
أبنّي ) فقال رسول اهلل تكلم ....ـ » إخل.
وإذا كــان هنــاك اضــطراب ىف سلســلة الــرواة تصــدى لنقــد الســند معلال ســبب هــذا االضــطراب ،ومن ذلــك مــا
ين َآمنُــوا َوكـانُوا َيَّت ُقــو َن هَلُ ُم الْبُ ْشـرى َّ ِ ذكره ىف قولـه تعـاىلَ :أال ِإ َّن َْأولِيـاء اللَّ ِه ال َخـو ٌ ِ
ف َعلَْيه ْم َوال ُه ْم حَيَْزنُــو َن الذ َ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ياة ُّ يِف ِ ِ يِف احْل ِ
يم( سورة يونس )٦٤ - ٦٢ : يل ل َكلمات اللَّه ذل َ
ك ُه َو الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ الدنْيا َو اآْل خَرة ال َتْبد َ َ
«وروى الرتمــذى عن أىب الــدرداء أنــه ســأل رســول اهلل -صــلى اهلل عليــه وســلم عن قولــه تعــاىل :هَلُم الْبُ ْش ـرى يِف
ُ
احْل يـ ِ
ـاة الـ ُّـدنْيا فقــال «مــا ســألىن عنهــا أحــد غــريك منــذ أنــزلت فهى الرؤيــا الصــاحلة يراهــا املســلم أو تــرى لــه» قــال َ
الرتمذى :وليس ىف عطاء بن يسار أى ليس ىف احلديث أن أبا صاحل يرويه عن عطاء بن يسار كما هو معــروف
ىف رواي ــة أىب ص ــاحل إىل أىب ال ــدرداء ،وعلي ــه فاحلديث منقط ــع غ ــري متص ــل الس ــند ،وق ــد رواه الرتم ــذى بس ــندين
آخرين منهما عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أىب الدرداء وذلك سند فيه جمهول ،فحالـة إســناد هــذا
اخلرب مضطربة لظهور أن عطاء مل يسمعه من أىب الدرداء»
ومن املواطن الىت متثل موقفه من املنت إذا وجد فيه ضعفا ،ما ذكره ىف قوله تعاىلَ :و ْابَتلُوا الْيَتــامى َحىَّت ِإذا َبلَغُــوا
ِّكاح فَِإ ْن آنَ ْستُ ْم ِمْن ُه ْم ُر ْشداً فَ ْاد َفعُوا ِإلَْي ِه ْم َْأمواهَلُ ْم َوال تَْأ ُكلُوها ِإ ْسرافاً َوبِداراً َأ ْن يَكَْبُروا( سورة النساء :اآليــة
الن َ
.)٦
«وبلــوغ صــالحية الــزواج ختتلــف بــاختالف البالد ىف احلرارة والــربودة ،وبــاختالف أمزجــة أهــل البلــد الواحــد ىف
القوة والضعف،ـ واملزاج الدموى واملزاج الصـفراوى.ـ فلـذلك أحالـه القـرآن على بلـوغ أمـد النكـاح ،والغـالب ىف
بلــوغ البنت أنــه أســبق من بلــوغ الــذكر ،فــإن ختلفت عن وقت مظنتهــا فقــال اجلمهــور :يســتدل بالســن الــذى ال
يتخلف عنـه أقصـى البلـوغ عـادة ،فقـال مالـك ىف روايـة ابن القاسـم عنـه ،هـو مثان عشـرة سـنة للـذكور واإلنـاث،
وروى مثله عن أىب حنيفة ىف الذكور ،وقال :ىف اجلارية سبع عشرة ســنة ،وروى غــري ابن القاســم عن مالــك أنــه
سبع عشرة سنة ،واملشهور عن أىب حنيفة :أنه تسع عشرة سنة للذكور وسبع عشرة للبنات .
وقــال اجلمهــور :مخس عشــرة ســنة .قالــه القاســم بن حممــد وســامل بن عبــد اهلل بن عمــر ،وإســحاق ،والشــافعى،
وأمحد واألوزاعى ،وابن املاجش ـ ــون وب ـ ــه ق ـ ــال أص ـ ــبغ ،وابن وهب من أص ـ ــحاب مال ـ ــك ،واخت ـ ــاره األهبرى من
املالكية ،ومتسكوا حبديث ابن عمــر أنــه عرضــه رسـول اهلل -صـلى اهلل عليـه وسـلم يــوم بـدر وهــو ابن أربـع عشــرة
سنة فلم جيزه ،وعرضه يوم أحد وهو ابن مخس عشرة فأجازه ،وال حجة فيـه إذ ليس يلـزم أن يكـون بلـوغ عبـد
اهلل بن عم ــر ه ــو معي ــار بل ــوغ عم ــوم املس ــلمني» فص ــادف أن رآه الن ــىب -ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم وعلي ــه مالمح
الرجال ،فأجازه ،وليس ذكر السن ىف كالم ابن عمر إمياء إىل ضبط اإلجازة .
وقــد غفــل عن هــذا ابن العــرىب ىف أحكــام القــرآن فتعجب من تــرك هــؤالء األئمــة حتديــد الســن ىف البلــوغ خبمس
عش ــرة س ــنة ،والعجب من ــه أش ــد من عجب ــه منهم ،ف ــإن قض ــية ابن عم ــر قض ــية عني ،وخالف العلم ــاء ىف قض ــايا
األعيان معلوم ،واسـتدل الشـافعية مبا روى أن النـىب -صـلى اهلل عليـه وسـلم قـال :إذ اسـتكمل الولـد مخس عشــرة
سنة كتب ماله وما عليه ،وأقيمت عليه احلدود ،وهو حديث ضعيف ال ينبغى االستدالل به» .
فهــو يعــرض هنــا مســألة" بلــوغ صــالحية الــزواج" من بعض جوانبهــا ،وتعليــل اختالف البالد واألمزجــة فيهــا ،مث
يسرد أقـوال أئمـة املذاهب الفقهيـة أو أصـحاهبم أو غـريهم من العلمـاء ،مث يتنـاول بعض املرويـات الـىت جـاءت ىف
هذه املسألة ،فإذا مل ترتق إىل درجة احلجية عنده سارع إىل نقـدها وبيـان عــدم موافقتـه عليهـا ،وقـد رأينــاه يـذكر
ضعفه بناء على ما ساقه من نقد هلذه األقــوال واملرويــات ومــا تـرتب عليهــا من أحكــام
استدالل الشافعية حبديث ّ
ىف بلوغ سن النكاح أو اجلهاد.
إذا كانت السنة النبوية تعد املرتبة الثانية ىف تفسري القرآن الكرمي بعد تفسري" القرآن بالقرآن" فإن أقــوال صــحابة
رس ــول اهلل ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم هى املرتب ــة التالي ــة هلا ،فهم ال ــذين مسعوا من ــه مباش ــرة وتن ــاوبوا ه ــذا الس ــماع
وشاركوا ىف جمالسه وغزواته وشاهدوا أحواله وأفعاله.
ويظهر موقف ابن عاشور من صحابة رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم خصوصا أبا بكر وعمر وعائشــة رضــى
ِِ اهلل عنهم فيمــا ذكــره ىف تفسري قولــه تعــاىل :يعِظُ ُكم اللَّه َأ ْن َتعـ ِ ِ ِ ِ
ـودوا لمثْلــه َأبَــداً ِإ ْن ُكْنتُ ْم ُمـْؤ من َ
ني* َويَُبنِّي ُ اللَّهُ لَ ُك ُم َ ُ ُ ُ ُ
ِ ِ ِ
يم( سورة النور . )١٨ ،١٧ : يم َحك ٌاآْل يات َواللَّهُ َعل ٌ
ـب
«قــال ابن العــرىب :قــال هشــام بن عمــار« : )١( مسعت مالكــا يقــول :من ســب أبــا بكــر وعمــر أدب ،ومن سـ ّ
ِِ عائش ــة قت ــل ألن اهلل يق ــول يعِظُ ُكم اللَّه َأ ْن َتع ـ ِ ِ ِ ِ
ـب عائش ــة فق ــد ـودوا لمثْل ــه َأبَ ــداً ِإ ْن ُكْنتُ ْم ُمـ ـْؤ من َ
ني . )٢( فمن س ـ ّ َ ُ ُ ُ ُ
خالف القرآن ومن خالف القـرآن قتـل» أ .هــ .يريـد باملخالفـة إنكـار مـا جـاء بـه القـرآن نصـا وهـو يـرى أن املراد
بــالعود ملثلــه ىف قضــية اإلفــك ألن اهلل ّبرأهــا بنصــوص ال تقبــل التأويــل ،وتــواتر أهنا نــزلت ىف شــأن عائشــة ،وذكــر
ابن الع ــرىب عن الش ــافعية أن ذل ــك ليس بكف ــر ،وأم ــا الس ــب بغ ــري ذل ــك فه ــو مس ــاو لس ــب غريه ــا من أص ــحاب
النىب صلى اهلل عليه وسلم». )٣(
وقد وقف غالة الشيعة من الصحابة موقفا ال يتسم باإلنصاف ألغراض حزبية عديدة.
وقــد كــانت مص ــادر ابن عاش ــور ىف احلديث النب ــوى من كتب الس ــنة املعت ــربة فض ــال عم ــا عرفنــاه عن موقف ــه من
السند واملنت واألحاديث الضعيفة وأحاديث فضائل السور ،وكانت النقول عن التابعني عنده متثل اجلانب الــذى
ميكن االس ــتئناس ب ــه حيث ت ــدرك ب ــالعقول معاني ــه ،أو م ــا تلق ــاه ه ــؤالء الت ــابعون من أق ــوال عن ص ــحابة رس ــول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم ىف أسباب النزول ،أو أول ما نزل من آيات بعض السور أو مكان نزوهلا.
التفسري بأسباب النزول : -5
من األقــوال الــىت حتدد قيمــة أســباب الــنزول ىف التفســري وشــروط اســتخدامها ،وكــذا األقــوال الــىت توضــح ســبب
نزول القرآن منجما خصوصا اآليات الىت نزلت بسبب.
كــان ابن عاشــور اســتعان بأســباب الــنزول وجعــل هلا فصــال خاصــا من املقــدمات العشــر الــىت ذكرهــا ىف مقدمــة
التحريــر والتنــوير .وابن عاشــور ينعى على بعض املفســرين الــذين أكــثروا ىف ذكــر أســباب الــنزول وأغربــوا فيهــا
ليومهوا الناس أن لكل آية سببا ىف نزوهلا ،ومن مث رفعوا الثقة فيما يذكرون من أقوال.
وابن عاشور وهو يستعني بأسباب النزول نراه أحيانا يذكر أكثر من سبب ىف نزول اآلية الواحدة .
ضـةً فَمـا َف ْوقَهـا( سـورة البقـرة :اآليـة ب َمثَاًل مـا َبعُو َ ذكر ىف سبب نزول قولـه تعـاىلِ :إ َّن اللَّهَ ال يَ ْسـتَ ْحيِي َأ ْن يَ ْ
ضـ ِر َ
. )٢٦
روى الواحدى ىف أسباب النزول عن ابن عباس أن اهلل تعاىل ملا أنزل قوله :لَه ِإ َّن الَّ ِذين تَ ْدعو َن ِمن د ِ
ون اللَّ ِه لَ ْن ْ ُ َ ُ ُ
خَي ْلُ ُقوا ذُباباً ولَ ِو اجتَمعوا لَه وِإ ْن يسلُبهم الـ ُّـذباب َشـيئاً ال يسـَتْن ِق ُذوه ِمْنـه )١( وقولــه :مثَـل الَّذين اخَّتَـ ُذوا من د ِ
ون ِ ِ
ْ ُ َ ُ َ ُ ُ ُ ْ َْ َ ْ َُ ُ َ َ ْ ُْ ُ
ِ ِ ِ
ت َبْيتـاً )٢( قــال املشــركون أرأيتم أى شــىء يصــنع هبذا ،فــأنزل اهلل ِإ َّن اللَّهَ ال اللَّه َْأوليــاءَ َك َمثَـ ِـل الْ َعْن َكبُــوت اخَّتَـ َذ ْ
وضةً فَمـا َف ْوقَهـا وروى عن احلسـن وقتـادة أن اهلل ملا ذكـر الـذباب والعنكبـوت ىف ب َمثَاًل ما َبعُ َ ض ِر َ يَ ْستَ ْحيِي َأ ْن يَ ْ
كتابــه وضــرب هبا املثــل ضــحك اليهــود وقــالوا مــا يشــبه أن يكــون هــذا كالم اهلل فــأنزل اهلل ِإ َّن اللَّهَ ال يَ ْس ـتَ ْحيِي
اآلية» . )٣(
والرواي ــة األوىل عن ابن عب ــاس ،والثاني ــة عن احلس ــن وقت ــادة ،وميكن التوفي ــق أو اجلم ــع بينهم ــا حيث ال خيتل ــف
موقــف املشــركني أو اليهــود فيمــا ضــربه اهلل تعــاىل من مثــل ىف اآليــتني املذكورتني ،ولعــل ذلــك هــو املقصــودـ من
قوله تعاىلِ :إ َّن اللَّهَ ال يَ ْستَ ْحيِي اآلية .حيث يتوقف فهم املراد منها على علم املفسر بسبب نزوهلا».
احتــل الشــعر مكانــة بــارزة ىف التحريــر والتنــوير ،والشــعراء الــذين احتج ابن عاشــور بأشــعارهم كــانوا من الكــثرة
الــىت يصــعب حصــرها ،أكــثر من مائــة وأربعني شــاعرا بعــد اســتبعاد األمساء املكــررة ،فآثرنــا أن نــذكر بعضــهم ىف
البـاب األول بعـد مراعــاة عصــورهم ،مث نـأتى ببعض األمثلـة فيمـا تناولــه ابن عاشـور ىف تفسـريه كلــه آخــذين بعني
االعتبار عصور الشعر املختلفة.
مثال:
ىف التعبري عن املستقبل بأحداث مل تقع بعد ،لغرض استحضار السامع هلا على هيئة خمصوصة ،ذكــر ابن عاشـور
ىف قوله تعاىل :
ِ ُأولِئ َّ ِ
ذاب بِالْ َم ْغفَر ِة فَما ْ
َأصَبَر ُه ْم َعلَى النَّا ِر( سورة البقرة :اآلية . )١٧٥ ِ
ين ا ْشَتَر ُوا الضَّاللَةَ باهْلُدى َوالْ َع َ
ك الذ ََ
صـَبَر ُه ْم َعلَى النَّا ِر تعجيب من شـدة صـربهم على عـذاب النـار ،وملا كـان شـأن التعجيب أن يكـون «وقولـه فَمـا َأ ْ
ناشـئا عن مشـاهدة صـربهم على العـذاب ،وهـذا الصـرب غـري حاصـل ىف وقت نـزول هاتـه اآليـة بـىن التعجيب على
تنزيـل غــري الواقــع منزلـة الواقــع لشــدة استحضــار الســامع إيـاه مبا وصــف بـه من الصـفات املاضـية ،وهــذا من طـرق
جعــل احملقــق احلصــول ىف املســتقبل مبنزلــة احلاصــل ،ومنــه التعبــري عن املســتقبل بلفــظ املاضــى وتنزيــل املتخيــل منزلــة
املشاهد كقول زهري :
تبصر خليلى هل ترى من ظعائن
...
حتملىن بالعلياء من فوق جرمث
بعد أن ذكر إنه وقف بالدار بعد عشرين حجة ،وقول مالك بن الريب .
دعاىن اهلوى من أهل ودى وحريتى
...
بذى الطيسني فالتفت ورائيا
يم )١( على جعــل" لََتـ َـر ُو َّن" جــواب" لــو"( ِ ِ ِِ اَّل
وقــريب منــه قولــه تعــاىلَ :ك لَـ ْـو َت ْعلَ ُـمـو َن ع ْل َم الْيَقني* لََتـ َـر ُو َّن اجْلَح َ
، )٢ومن شعر" األحوص". )٣(
ثانيا :اللغة :
أ -األلفاظ :
مل يشغل احلديث عن اللغة ىف املقدمات العشر ىف التحرير والتنوير جزءا خاصا به ،وقد أوضح ابن عاشـور دور
اللغ ــة ىف املق ــدمات املذكورة ه ــذه وعالقته ــا مبا عن ــون ب ــه ك ــل مقدم ــة ،وق ــام تفس ــريه على حيوي ــة ه ــذا ال ــدور
وتداخله ،فما ترك من آية إال واستوىف اجلانب اللغوى حقه ،يتناول كل كلمة منها ،يفصل القول فيهــا من كــل
جــانب لغويــا كــان أو شــرعيا ،حقيقــة أو جمازا ،يســتعني بكــل مــا ميكن االســتعانة بــه من قــرآن وحــديث وشــعر
وقــول مفســر .وعــامل لغــة أو غــري ذلــك من الشــواهد ،ومن وراء ذلــك كلــه ثقافتــه الواســعة ىف هــذا امليــدان ،وبعــد
حديثــه عن الكلمــة من حيث داللتهــا اللغويــة أو الشــرعية يــذكر موقــع اجلملــة الــىت جــاءت فيهــا هــذه الكلمــة ىف
اإلعراب ووجه العالقة بينها وبني اجلملة التالية هلا ،فالسورة عنده متثل وحدة عامة مهما كان تعدد أغراضها.
ص ـل أبعــاد هــذا
وىف ســبيل حتديــد األســس الــىت قــام عليهــا تفســريه لأللفــاظ نــأتى هبذا املثــال ،مث بأمثلــة أخــرى تف ّ
التفسري ،وطريقة تناوله لصور األلفاظ املختلفة .
ني ،من قوله تعاىل : قال ىف تفسري ال ريب فِ ِيه ه ِ ِ
دى ل ْل ُمتَّق َ
َْ َ ُ ً
ني( ســورة البقــرة :اآليــة « )٢ ،١حــال من الكتــاب أو خــرب أول أو امل* ذلِــك الْ ِكتــاب ال ريب فِيـ ِـه هـ ِ ِ
ـدى ل ْل ُمتَّق َ
ُ ً ُ َْ َ َ
ثان ،والريب الشك ،وأصل الريب القلــق واضــطراب النفس ،وريب الزمــان وريب املنــون نــوائب ذلــك ،قــال اهلل
ـون ، )١( وملا كــان الشــك يلزمــه اضــطراب النفس وقلقهــا غلب عليــه الــريب فصــار تعــاىلَ :نَتــربَّص بِـ ِـه ريب الْمنُـ ِ
َ ُ َْ َ َ
حقيقة عرفية ،يقال رابه الشيء إذا شككه أى جيعل ما أوجب الشك ىف حاله ،فهــو متعــد ،ويقــال أرابــه كــذلك
إذ اهلمــزة مل تكســبه تعديــة زائــدة ،فهــو مثــل حلق وأحلق ،وزلقــه ،وأزلقــه ،وقــد قيــل إن أراب أضــعف من راب،
أراب مبعىن ّقربه من أن يشك ،قاله أبو زيد ،وعلى التفرقة قال بشار:
أخوك الذى إن ربته قال إمنا
...
أرتب وإن عاتبته الن جانبه
وىف احلديث «دع ما يريبك إىل مــا ال يريبـك» أى دع الفعــل الـذى يقربــك من الشــك ىف التحـرمي إىل فعـل آخــر
ال يدخل عليك ىف فعله شك ىف أنه مباح . )٢(
ويعــىن ابن عاشــور هنــا بتوضــيح معــىن" الــريب" وأصــل هــذه الكلمــة ،ويــأتى بشــاهد من القــرآن ،ويــبني حركــة
النفس ىف حال الشك وما يصاحبها من قلق غلب عليه" الريب"
فصار حقيقة عرفية ،ويأخذ ىف شرح" رابـه" دون مهزة أو عنـد دخوهلا عليـه ،مث يقـارن بينهمـا من حيث األقـرب
إىل كالم العــرب كمــا ذكــره أبــو زيــد ،ويــأتى بــبيت بشــار لتوضــيح الفــرق بينهمــا ،مث حبديث يفســر بــه املقصــود
من" الريب".
املصدر :
ذكر ىف معىن" الْبَالغُ" من قوله تعاىل :
واح ٌد ولِي َّذ َّكر ُأولُوا اَأْللْ ِ
َّاس ولِيْن َذروا بِِه ولِيعلَموا َأمَّن ا هو ِإله ِ ِ
باب( سورة إبراهيم :اآلية . )٥٢ ََ َ َُ ٌ َ َْ ُ هذا بَالغٌ للن ِ َ ُ ُ
«البالغ :اسم مصدر التبليغ ،أى هذا املقدار من القرآن ىف هذه السورة تبليغ للناس كلهم»
االشتقاق :
اعتــىن ابن عاشــور ىف تفســريه لأللفــاظ باملشــتقات مثــل اســم الفاعــل واســم املفعــول وصــيغ املبالغــة ،واعتــرب املصــدر
هو األصل.
واالشــتقاق على ذلــك ميثــل عنــد ابن عاشــور إحــدى الوســائل الــىت تــثرى تفســريه للمفــردات ،وميكن احلديث عن
ذلك على النحو التاىل :
أ -اسم الفاعل : )٣(
ني( سورة األنعام :اآلية .)٤٥ ذكر ىف تفسري قوله تعاىلَ :ف ُق ِطع دابِر الْ َقوِم الَّ ِذين ظَلَموا واحْل م ُد لِلَّ ِه ر ِّ ِ
ب الْعالَم َ َ َ ُ َ َْ َ ُ ْ
ب-اسم املفعول
ومن املشــتقات الــىت اســتخدمها ابن عاشــور ىف تفســريه لأللفــاظ املفعــول وامسه ،أو املصــدر الــذى جــاء على وزن
مفعول ،أو ما صيغ على مثال فعيل مبعىن مفعول
ومن ذلك ما ذكره ىف تفسري قوله تعاىل :
ت ِم َن الْ ِكرَبِ ِعتِيًّا( سورة مرمي :اآلية . )٨ ِ ِ
الم َوكانَت ْامَرَأيِت عاقراً َوقَ ْد َبلَ ْغ ُ
ب َأىَّن يَ ُكو ُن يِل غُ ٌ
قال َر ِّ
َ
والعىت -بضم العني -ىف قراءة اجلمهور :مصدر عتا العود إذا يبس ،وهـو بـوزن فعــول أصـله عتــوو ،والقيـاس فيـه
إن تصــحح الــواو ألهنا إثــر ضــمة ولكنهم ملا اســتثقلوا تــواىل ضــمتني بعــدمها واوان ومها مبنزلــة -ضــمتني -ختلصــوا
من ذلــك الثقــل بإبــدال ضــمة العني كســرة مث قلبــوا الــواو األوىل يــاء لوقوعهــا ســاكنة إثــر كســرة فلمــا قلبت يــاء
اجتمعت تلك الياء مع الواو الىت هى الم .
وكــأهنم مــا كســروا التــاء ىف عــىت مبعــىن اليبس إال لــدفع االلتبــاس بينــه وبني العتــو الــذى هــو الطغيــان فال مــوجب
لطلب ختفيف أحدمها دون اآلخر»
رابعا :االستعانة بأقوال فقهاء األمصار ىف تفسري آيات األحكام :
اسـ ــتعرض ابن عاشـ ــور ىف تفسـ ــري هـ ــذه اآليـ ــات كثـ ــريا من أقـ ــوال أئمـ ــة املذاهب الفقهيـ ــة وأصـ ــحاهبم فضـ ــال عن
األحاديث واآلثار عن الصحابة والتابعني ،وكان تفسريه لآلية الواحدة زاخــرا بكثــري من أقــوال العلمــاء والفقهــاء
حىت كأنه مل يرتك قوال واحدا ملا ذكروه ىف اآلية املطروحة أمامه ،سواء ما أمجع عليه هؤالء أو اختلفوا فيه.
ذكر ىف تفسري قوله تعاىل :
وال تْن ِكحــوا مــا نَ َكح آبــاُؤ ُكم ِمن النِّسـ ِ
ـاء ِإاَّل مــا قَ ـ ْد سـلَف ِإنَّه كــا َن ِ
فاح َشـةً َو َم ْقتـاً َوســاءَ َسـبِياًل ( ســورة النســاء: َ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ
اآلية . )٢٢
«وق ــد اختل ــف الفقه ــاء فيمن زىن ب ــامرأة ه ــل حترم على ابن ــه أو على أبي ــه ،فال ــذى ذهب إلي ــه مال ــك ىف املوط ــأ
والشـافعى :أن الـزىن ال ينشــر احلرمـة ،وهـذا الــذى حكـاه الشـيخ أبـو حممــد بن أىب زيـد ىف الرســالة ،ويــروى ذلـك
عن عكرمة عن ابن عبـاس ،وهـو قـول الزهـرى وربيعـة ،والليث .وقـال أبـو حنيفـة ،وابن املاجشـون من أصـحاب
مالـك :الـزىن ينشـر احلرمـة .قـال ابن املاجشـون :مـات مالـك على هـذا .وهـو قـول األوزاعى والثـورى ،وقـال ابن
املواز :ه ــو مك ــروه ،ووق ــع ىف املدون ــة( يفارقه ــا) فحمل ــه األك ــثر على الوج ــوب ،وتأول ــه بعض ــهم على الكراه ــة،
وهــذه املســألة جــرت فيهــا منــاظرة بني الشــافعى وحممــد بن احلســن أشــار إليهــا اجلصــاص ىف أحكامــه ،والفخــر ىف
مفاتيح الغيب وهى طويلة» .
ووجوه اخلالف هنا حول" الزىن واحلرمة" فيما ذهب إليه مالك والشافعى ،ما جاء ىف" الرسالة" وما يــروى عن
عكرمــة عن ابن عبــاس ،وقــول الزهــرى وربيعــة والليث ىف أن الزنــا" ينشــر احلرمــة" ، ومــا قــال بــه أبــو حنيفــة وابن
ماجش ــون وقول ــه م ــات مال ــك على" الزن ــا ينش ــر احلرم ــة" فض ــال عن ق ــول ابن املواز" ه ــو مك ــروه" وم ــا وق ــع ىف
املدونــة ،واألكــثر على الوجــوب ،ومــا تأولــه بعضــهم على الكراهــة ،وابن عاشــور بعــد عرضــه لكــل ذلــك يقــول:
ف ،قصد منـه بيـان صـحة مـا سـلف من ذلـك ىف عهـد اجلاهليـة ،وتعـذر تداركـه «والظاهر أن قولهِ" إاَّل ما قَ ْد َسلَ َ
اآلن ،ملوت الزوجني ،من حيث إنه يرتتب عليه ثبوت أنساب ،وحقــوق مهــور ومـواريث ،وأيضـا بيـان تصـحيح
أنســاب الــذين ولــدوا من ذلــك النكــاح ،وأن املســلمني انتــدبوا لإلقالع عن ذلــك اختيــارا منهم ،وقــد تــأول ســائر
ف بوجــوه ترجــع إىل التجــوز ىف معــىن االســتثناء أو ىف معــىن" مــا نكح" محلهم املفســرين قولــه تعــاىل ِإاَّل مــا قَـ ْد َسـلَ َ
عليها أن نكاح زوج األب مل يقرره اإلسالم بعد نـزول اآليـة ،ألنــه قـال ِإنَّه كــا َن ِ
فاح َشـةً َو َم ْقتـاً َوسـاءَ َسـبِياًل أى ُ
ومثل هذا ال يقرر ألنه فاسد بالذات» .
وهــو فضــال عمــا ذكــره املفســرون من تأويــل ىف معــىن االســتثناء أو محلهم فيمــا مل يقــرره اإلســالم ىف عــدم صــحة
ف فـاحلكم كــان واقعـا على مــا تـرتب نكاح زوجة األب بعد وفاته يبدى ما ظهر له من قوله تعاىل ِإاَّل ما قَ ْد َسلَ َ
من تقاليد ىف عصر اجلاهلية ،ومن مث يتعذر تداركه لألسباب الىت ذكرها.
أى أن هذه األقوال ،ال تعىن وحدها املقصود من اآلية ،وإمنا هى تعني على فهمه ،أو تشري إليه على حنو من
.األحناء ،كما ىف اآلية املذكورة ىف الفقرة السابقة ،ولكن يبقى املعىن األصلى من عمل املفسرين
ومما ذكره ابن عاشور من أقوال ىف معىن "العبادة ومراتبها" من كالم اإلمام الفخر الرازى والشيخ الرئيس ابن
ني (سورة الفاحتة :اآلية . )٥اك نَعب ُد وِإيَّ َ ِ ِإ
اك نَ ْستَع ُ سينا ىف تفسري قوله تعاىل :يَّ َ ْ ُ َ
قال الفخر" مراتب العبادة ثالث :األوىل أن يعبد اهلل طمعا ىف الثواب وخوفا من العقاب وهى العبادة ،وهى«
درجة نازلة ساقطة ألنه جعل احلق وسيلة لنيل املطلوب ،والثانية أن يعبد اهلل ألجل أن يتشرف بعبادته
واالنتساب إليه بقبول تكاليفه وهى أعلى من األوىل إال أهنا ليست كاملة ألن املقصود بالذات غري اهلل .الثالثة
أن يعبد اهلل لكونه إهلا خالقا مستحقا للعبادة وكونه هو عبد إله ،وهذه أعلى املقامات وهو املسمى بالعبودية
.أه
قلت ومل يسـم اإلمـام املرتبـة الثالثـة باسـم ،والظـاهر أهنا ملحقـة ىف االسـم باملرتبـة الثالثـة أعـىن العبوديـة ألن الشـيخ
ابن سينا قال ىف اإلشارات «العارف يريد احلق ال لشىء غـريه وال يـؤثر شـيئا على عرفانـه وتقيـده لـه فقـط وألنـه
مستحق للعبادة وألهنا نسبة شريفة إليه ال لرغبة أو رهبة أه فجعلها حالة واحدة»