You are on page 1of 17

‫أكادمية باشاك شهير للعلوم العربية واإلسالمية‬

‫كلية الشريعة‬
‫تخصص أصول الدين‬

‫منهج اإلمام البخاري في صحيحه‬

‫المساق ‪ :‬مناهج المفسرين‬

‫إعداد الطالب ‪ :‬محمد هاكل أمين بن محمد نظري‬

‫المحاضر ‪ :‬د‪ .‬أحمد حسن فرحات‪8‬‬

‫العام الدراسي ‪2022/2023 :‬‬


‫املطلب األول‪ :‬ترمجة ابن عاشور‬

‫‪ -١‬آل عاشور‬

‫صى بعد ُخُروج َوالِده‬ ‫مِب ِ‬


‫َّجَرة الزكية األول ُه َو حُمَ َّمد بن عاشور‪ ،‬ولد َدينَة سال من الْمغرب اَأْلقْ َ‬
‫ِ‬
‫أصل َهذه الش َ‬
‫من األندلس فَ ًّارا بِ ِدينِ ِه من الْ َقهر والتنصري‪ .‬تويّف سنة ‪١١١٠‬هـ وقد سطَع جنم آخر وهو الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫اهر‬ ‫َ َُ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫بن عاشور َو ُه َو جد مرتمجنا‪ ،‬ولد سنة ‪١٢٣٠‬هـ َوقد تقلد مناصب َهامة كالقضاء واإلفتاء والتدريس‬

‫اَأْلوقَاف اخْلَرْيِ يَّة والنظارة على بَيت املال والعضوية مِب َ ْجلِس الشورى‪.‬‬
‫واإلشراف على ْ‬
‫َ‬

‫َومن أشهر تالميذه الشَّْيخ حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور َوالشَّْيخ يُ ُ‬
‫وسف جعيط َوالشَّْيخ َأمْح د بن اخلوجة‪َ .‬والشَّْيخ َسامل‬

‫بوحاجب َوالشَّْيخ حَمْ ُمود بن اخلوجة َوالشَّْيخ حُمَ َّمد بريم‪َ .‬ومن ساللة آل عاشور َوالِد َشيخنَا الشَّْيخ حُمَ َّمد ابْن‬

‫ث‬ ‫ِ‬
‫اَأْلوقَاف مثَّ َخلفه َعلَْي َها‪َ" ‬أبُو النخبة املثقفة"‪ ‬حُمَ َّمد البشري صفر َحْي ُ‬
‫عاشور َوقد توىل رئاسة ْجملس إدارة مجعية ْ‬
‫الصلَة ومتتنت بني الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫اهر ابْن عاشور اجْل د‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك املؤسسة َوقد تدعمت ِّ‬ ‫عينته الدولة نَاِئبا َعْن َها يِف تِْل َ‬
‫وتلميذه حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور الْ َوزير نتج َعْن َها زجية َشْر ِعيَّة البنَة الثَّايِن ‪ -‬حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور ‪ -‬على ابْن األول‬

‫اهر ابْن عاشور اجْل د ‪َ -‬و َه َك َذا متت أواصر َه ِذه العائلة بالعائالت التونسية َوأخذت َم َكاهنَا‬
‫‪ -‬الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫ْ َ‬
‫أكلها‬ ‫َأص َلها ثَابت وفرعها يِف َّ‬
‫الس َماء تؤيت َ‬ ‫وارتبطت صاَل هتَا فَ َكانَت َش َجَرة طيبَة زيتونة اَل شرقية َواَل غربية ْ‬
‫كل ِحني بِِإذن َرهبَا‪.‬‬

‫‪ -٢‬مولده ونشأته‬

‫الش ِري َفة بِ ِواَل دة الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬


‫اهر ابْن عاشور باملرسى ضاحية من ضواحي العاصمة‬ ‫بشرت َه ِذه العائلة َّ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫التونسية يِف مُجَ َادى األوىل سنة ‪ ١٢٩٦‬هـ الْ ُم َوافق لشهر سبتمرب ‪١٨٧٩‬م‪.‬‬
‫ضاة احْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اضَرة التونسية وجده لُأْلم الشَّْيخ‬ ‫نَشأ الشَّْيخ حُمَ َّمد الطَّاهر ابْن عاشور يِف بيئة علمية جلده لَأْلب قَاضي قُ َ َ‬
‫حُمَ َّمد الْ َع ِزيز بوعتور‪ .‬فَِفي مثل َه َذا الْوسط العلمي والسياسي واإلصالحي شب مرتمجنا فحفظ الْ ُق ْرآن الْ َك ِرمي‬

‫حفظا متقنا ُمْن ُذ صغر سنه َوحفظ الْ ُمتُون العلمية َك َساِئر َأبنَاء عصره من التالميذ مثَّ تعلم َما تيَ ّسر لَهُ من اللُّغَة‬

‫الفرنسية‪.‬‬

‫ارحتل ِإىَل الْمشرق الْ َعَريِب ّ وأوروبا وشارك يِف عدَّة ملتقيات إسالمية‪َ .‬كا َن عضوا مراسال جملمع اللُّغَة الْ َعَربيَّة‬
‫اهَر ِة سنة ‪١٩٥٦‬م‪ ،‬وباجملمع العلمي الْ َعَريِب ّ بِ ِد َم ْشق سنة ‪١٩٥٥‬م‪ .‬ا ْشتهر بِالص ِرب واالعتزاز بِالن ِ‬
‫َّفس‬ ‫بِالْ َق ِ‬

‫صى جهده إنقاذ الت َّْعلِيم الزيتوين وتصدى لَهُ مبعارفه‬ ‫والصمود ََأمام الكوارث‪ ،‬والرتفع َعن ُّ‬
‫الد ْنيَا‪ ،‬حاول أقْ َ‬
‫ويقينه َولَ ِكن َأيدي األعادي تسلطت على َه ِذه املنارة العلمية فألغتها سنة ‪١٩٦١‬م َفَت َوىّل الْعلم بتونس وانزوى‬

‫اَأْلحد ‪ ١٢‬أوت ‪١٩٧٣‬م َودفن مبقربة الزالج مِب َ ِدينَة تونس َرمحَه اهلل َت َعاىَل‬
‫َحىَّت تويّف اِإل َمام الشَّْيخ َرمحَه اهلل َي ْوم َ‬
‫َو َج َعلنَا خري خلف خلري سلف‪.‬‬

‫‪ ‬مسريته الدراسية والعلمية]‬

‫اهر ابْن عاشور جِب َ ِامع الزيتونة يِف سنة ‪١٣٠٣‬هـ‪ ١٨٨٦ /‬م وثابر على َت ْعلِيمه بِِه َحىَّت‬ ‫الْتحق الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫ْ َ‬
‫أحرز على َش َه َادة التطويع سنة ‪١٣١٧‬هـ‪١٨٩٩/‬م َومسي عدال مربزا‪ .‬ابْتِ َداء من سنة ‪ ١٩٠٠‬م ِإىَل سنة ‪١٩٣٢‬‬

‫الدرجة األوىل سنة‬ ‫َ‬ ‫الدرجة الثَّانِيَة فمدرسا من‬


‫َ‬ ‫أقبل على التدريس جِب َ ِامع الزيتونة واملدرسة الصادقية مدرسا من‬

‫اهر ابْن‬ ‫‪١٩٠٥‬م‪ ،‬مثَّ عضوا مؤسسا للجنة إصاَل ح التَّعلِيم جِب ِامع الزيتونة سنة ‪١٩١٠‬م‪ .‬الْتحق الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫قض ِاء سنة ‪١٩١١‬م فَ َكا َن عضوا باحملكمة العقارية وقاضيا مالكيا مثَّ مفتيا مالكيا سنة ‪١٩٢٣‬م فكبري‬ ‫عاشور بِالْ َ‬
‫ني سنة ‪١٩٢٤‬م فَ َشْيخ اِإْل ْساَل م ل ْل َم ْذ َهب الْ َمالِ ِكي سنة ‪١٩٣٢‬م‪َ ،‬وقد بَاشر َرمحَه اهلل كل َه ِذه املهام‬‫ِ‬
‫الْ ُم ْفت َ‬
‫ضي بِِه‪ .‬مسي شيخ َجامع الزيتونة‬
‫حجة ومرجعا يِف ما ي ْق ِ‬
‫َ‬ ‫مبهارة ودقة علمية نادرة وبنزاهة َوحسن نظر فَ َكا َن َّ‬
‫مرة يِف سبتمرب سنة ‪١٩٣٢‬م بعد َأن ا ْشرتك يِف إدارة الْ ُكلية الزيتونية‪َ ،‬ولكنه استقال من مشيخة‬ ‫ألول ّ‬
‫وفروعه ّ‬
‫َجامع الزيتونة بعد سنة‪( ‬سبتمرب سنة ‪١٩٣٣‬م)‪ ‬مثَّ مسي من َج ِديد َشيخا جلامع الزيتونة يِف سنة ‪١٩٤٥‬م‪َ .‬ويِف‬

‫احة‬ ‫ث ِ‬
‫ُأحيل ِإىَل َّ‬
‫الر َ‬ ‫سنة ‪١٩٥٦‬م َشيخا عميدا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدَّين َحىَّت سنة ‪١٩٦٠‬م َحْي ُ‬
‫ضان‪َ .‬كا َن ُمقبال على الْ ِكتَابَة‬ ‫ِئ ٍ‬
‫الصيام يِف َر َم َ‬ ‫بِ َسبَب موقفه جتاه احلملة الَّيِت شنها بورقيبة َي ْوم ذ ضد فَ ِر َ‬
‫يضة ّ‬
‫الس َع َادة الْعُظْ َمى سنة ‪١٩٥٢‬م َو ِهي أول جملة تونسية َم َع صديقه‬ ‫َّح ِقيق والتأليف‪ ،‬فقد َشارك يِف إنْ َشاء جملة َّ‬
‫َوالت ْ‬
‫صوصا يِف الْمجلة الزيتونية وجمالت مشرقية‬ ‫المة الشَّْيخ حُمَ َّمد اخْل ضر ُح َسنْي َرمحَه اهلل‪َ .‬ونشر حبوثا عديدة ُخ ُ‬ ‫الْ َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل هدى اِإْل ْساَل م واملنار َواهْل َدايَة اإلسالمية َونور اِإْل ْساَل م وجملة جممع اللُّغَة الْ َعَربيَّة بِالْ َقاهَر ِة‪َ .‬ك َما نشرت لَهُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اَأْلوقَاف والشئون اإلسالمية‬ ‫جملة الْمجمع العلمي بد َم ْشق‪َ .‬شارك يِف املوسوعة الْف ْق ِهيَّة الَّيِت تشرف َعلَْي َها وزارة ْ‬
‫بالكويت مببحث قيم ‪.‬‬

‫‪ُ -٤‬شيُوخه‬

‫الت ْف ِسري واحْلَ ِديث والقراءات ومصطلح احلَ ِديث‬ ‫ا ْكتسب الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫اهر ابْن عاشور ثقافة َو ِاس َعة مشلت َّ‬ ‫ْ َ‬
‫يما حصله َوتوسع يِف ذَلِك وحلله‪ .‬فقد خترج‬‫ِ‬
‫عروض وأعمل فكره ف َ‬
‫َوالَْبيَان واللغة والتاريخ واملنطق َوعلم الْ ُ‬
‫على َأيدي ثلة من عُلَ َماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية يِف عُلُوم الدَّين وقواعد اللُّغَة الْ َعَربيَّة وبالغتها وبياهنا‬

‫قدرة على التَّْبلِيغ َو َم ْع ِرفَة بطرق التدريس والرتكيز على تربية امللكات يِف الْعُلُوم َومن‬ ‫ِإ‬
‫وبديعها ىَل َجانب َ‬
‫وسف َوالشَّْيخ‬
‫أشهرهم الشَّْيخ حُمَ َّمد النجار َوالشَّْيخ َسامل بوحاجب َوالشَّْيخ حُمَ َّمد النخلي َوالشَّْيخ حُمَ َّمد بن يُ ُ‬
‫صاحل الشريف َرمِح هم اهلل َت َعاىَل مَجِ ًيعا‪.‬‬
‫عمر بن عاشور َوالشَّْيخ َ‬
‫ِ‬
‫أعطوا احْلَيَاة التونسية‬
‫اَأْلع َمال قد ْ‬
‫اَأْلعاَل م وجدناها َحيَاة علمية زاخرة حافلة جبالئل ْ‬ ‫َوِإذا تصفحنا َحيَاة هَُؤ اَل ء ْ‬
‫َعطاء جزيال يِف الدَّين واالجتماع َواَأْلدب والسياسة َوهَُؤ اَل ء النبغاء َوِإن مل يرْت ُكوا مؤلفات ضخمة ِإاَّل َأهنم‬

‫شهدوا هَلُم بطول الباع يِف نقد اآْل ثَار واملناهج وتتبع اهلنات اللُّغَ ِويَّة‪َ ،‬وقد َكا َن الشَّْيخ بوحاجب‬
‫تر ُكوا تالميذ ُ‬
‫أخصائيا يِف عُلُوم اللُّغَة والنحو والبالغة َواَأْلدب‪.‬‬

‫واألستاذ عمر بن الشَّْيخ ماهر يِف الْ ِف ْقه واملنطق َوالْكَاَل م والفلسفة‪َ .‬والشَّْيخ حُمَ َّمد النجار َكا َن َجامعا لشىت‬

‫الْعُلُوم الَّيِت تدرس جِب َ ِامع الزتونة‪.‬‬


‫وه اَل ء الْعلماء الَّذين تتلمذ علَي ِهم الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫اهر ابْن عاشور َكانُوا مَثََرة ملصلحني أسهموا احْلَيَاة التونسية‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َُؤ‬
‫إسهاما جلِياًل على َشىَّت املستويات األدبية واالجتماعية َأمثَال الشَّيخ ِإبر ِاهيم الرياحي وِإمْس ِ‬
‫اعيل الت َِّم ِ‬
‫يمي والوزير‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مدرسة‬ ‫ِ‬
‫علماء زعماء الْ َ‬ ‫صاحب أقوم املسالك َوالشَّْيخ حَمْ ُمود قبادو‪َ .‬ولََقد َكا َن هَُؤ اَل ء الْ َ‬
‫خري الدَّين باشا َ‬
‫اإلصالحية التونسية‪َ ،‬و َكانَت فرعا مهما للمدارس اإلصالحية الَّيِت نشرت يِف الْ َعامل اإلسالمي كاملدرسة‬

‫مدرسة ِإىَل َجانب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِإ‬


‫الدهلوية واملدرسة الوهابية واملدرسة األفغانية ‪ -‬ن ْسبَة ىَل مجال الدَّين األفغاين ‪َ -‬و َهذه الْ َ‬
‫مدرسة املغربية تتفق َم َع مدارس الْ َعامل اإلسالمي يِف األسس واملبادئ وختتلف َعْن َها يِف األساليب والطرائق‪.‬‬
‫الْ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّخلُّف املزري الذي تردى فيه الْ ُم ُ‬
‫سلمو َن بالرغم من َأن‬ ‫بيد َأن ََّها تلتقي مَج ًيعا حول هدف موحد ُه َو مقاومة الت َ‬
‫دينهم دين الْ ِفكر واحلضارة َوالْعلم واملدنية‪.‬‬

‫‪ -٥‬تأثره مبفكري عصره‬

‫السيِّد مجال الدَّين األفغاين وتابعها تِْل ِميذه الشَّْيخ حُمَ َّمد َعبده صداها‬
‫لقد َكا َن للحركة اإلصالحية الَّيِت تزعمها َّ‬
‫الْبعيد يِف الْ َعامل اإلسالمي‪ ،‬فقد فتحت بصائر النَّاس وحركتهم َعن طَ ِريق جملة العروة الوثقى والزيارات املتتابعة‬

‫للبلدان اإلسالمية من قبل الشَّْيخَنْي ِ األفغاين َوحُمَ ّمد َعبده‪َ .‬ويِف َه َذا النطاق تتدرج زياريت الشَّْيخ حُمَ َّمد َعبده ِإىَل‬
‫اهر ابْن عاشور مَثَايِن سنوات‪ .‬واألرجح َأن‬ ‫تونس األوىل َكانَت سنة ‪١٨٨٥‬م و َكا َن عمر الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫لصغَر سنه‪.‬‬ ‫مرتمجنا مل يتطلع ِإىَل ه ِذه اآلراء اإلصالحية بعد نظرا ِ‬
‫َ‬
‫الزيارة الثَّانِية ملفيت الديار املصرية فَ َكانَت سنة ‪١٩٠٣‬م‪١٣٢١/‬هـ و َكا َن عمر الشَّيخ حُم َّمد الطَّ ِ‬
‫اهر ابْن‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أما ِّ َ َ َ‬
‫عاشور ثَاَل ث َوع ْشرين سنة َو ُه َو يشغل خطة مدرس من الطََّب َقة الثَّانِيَة َوقد جنح يِف َه ِذه اخلطة يِف نفس َه ِذه‬

‫السنة‪. ‬‬
‫ّ‬

‫ت أفكاره وتشبع َو َقَرَأ كثريا من آرائه‪ ،‬وتشوفت نَفسه للقاء َه َذا املصلح‬ ‫َفهو يِف مقتبل الْعمر وقد نَ ِ‬
‫ض َج ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ‬
‫اجب بقصره الْ َم ْعُروف‪َ .‬وقد‬ ‫الْ َكبِري‪ .‬وحت ّقق لَه ذَلِك فقد حل حُم َّمد عبده ضيفا باملرسى ِعْند الْوزير خلِيل َأبو ح ِ‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عقدت جمَالس علمية بَني الشبخ حُمَ َّمد َعبده َوبَني مفكري الْبِاَل د التونسيني‪َ .‬و َكا َن الشَّْيخ ْ‬
‫اُأْلستَاذ ابْن عاشور اَل‬
‫يتخلَّف عْنها و َكا َن من بني الَّذين تقدموا لألستاذ اِإل مام باقرتاح يطْلبو َن فِ ِيه ِمْنه بَِأن ِ‬
‫يلقي درسا باجلمعية‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫اخللدونية َو َكا َن عضوا مبجلسها اإلداري‪،‬ـ َوقد َكا َن لَهُ َذلِك َوُألْ ِقي الد َّْرس يِف مُجَ َادى الثَّانِيَة سنة ‪١٣٢١‬هـ‪/‬‬

‫سبتمرب ‪١٩٠٣‬م‪. ‬‬
‫ِ‬
‫َومل ي ْقتَصر الشَّْيخ حُمَ َّمد الطَّاهر ابْن عاشور على اجتماعه مبصلحي الشرق فَحسب بل ْ‬
‫اجتمع مبفكري الْ َعامل‬

‫اَأْلديَان واملذاهب‬ ‫ِ‬


‫الغريب من ذَلك اجتماعه باملستشرق اوبنهامي الْ َم ْعُروف مبناهجه الفلسفية والدينية ومقارنة ْ‬
‫الصْبح بقريب «بإشاراته الباهرة ِإىَل‬ ‫يِف ِ‬
‫س ُّ‬ ‫وأصوهلا ومبادئها‪َ .‬وله يِف َه َذا اجملال بَ َ‬
‫اع َولََقد فاجئين كتَابه» َألَْي َ‬
‫مفكري الغرب ونظرته ألفكارهم بِ َعني َّ‬
‫الن ْقد‪ ،‬يوحي ِإلَْيك من خالهلا َأنه ُمتَ َمكن من اللُّغَة الفرنسية على أقل‬

‫َش ْيء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬منهج الطاهر‪ 8‬بن عاشور فى التفسير‪ 8‬بالرواية‪8‬‬

‫تفسير القرآن بالقرآن‬ ‫‪-1‬‬


‫هو أجل الوسائل ملعرفة أجل الغايات‪ ،‬فما أمجل ىف كتاب اهلل ىف موضع فإنه قد بسط ىف موضع آخر‪.‬‬

‫ويقول ابن عاشور ىف مقدمة التحرير والتنوير عن هذا النوع من التفسري‪ :‬‬


‫«وال يعد أيضا من استمداد التفسري ما ىف بعض آى القرآن من معىن يفسر بعضا آخر منها‪ ،‬ألن ذلــك من قبيــل‬
‫محل بعض الكالم على بعض‪ ،‬كتخصـ ــيص العمـ ــوم‪ ،‬وتقييـ ــد املطلـ ــق‪ ،‬وبيـ ــان اجملمـ ــل‪ ،‬وتأويـ ــل الظـ ــاهر‪ ،‬وداللـ ــة‬
‫االقتضـ ـ ــاء‪ ،‬وفحـ ـ ــوى اخلطـ ـ ــاب‪ ،‬وحلن اخلطـ ـ ــاب‪ ،‬ومفهـ ـ ــوم املخالفـ ـ ــة‪ ،‬وذكـ ـ ــر ابن هشـ ـ ــام ىف املغـ ـ ــىن الل ـ ــبيب‪ ،‬ىف‬
‫حــرف‪" ‬ال"‪ ‬عن أىب على الفارســى أن القــرآن كلــه كالســورة الواحــدة‪ ،‬وهلذا يــذكر الشــيء ىف ســورة وجوابــه ىف‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ت بِنِ ْع َمـ ِـة َربِّ َ‬ ‫س ــورة أخ ــرى‪ ،‬حنو َوق ــالُوا ي ــا َأيُّ َهــا الَّذي نُ ـ ِّـز َل َعلَْي ـ ِـه ال ـ ِّـذ ْكُر ِإن َ‬
‫َّك لَ َم ْجنُ ــو ٌن‪ ، )١( ‬وجواب ــه م ــا َأنْ َ‬
‫ون‪)٢( ‬أهـ‪ ،‬وهذا كالم ال حيسن إطالقـه‪ ،‬ألن القـرآن قـد حيمـل بعض آياتـه على بعض‪ ،‬وقـد يسـتقل بعضـها‬ ‫مِب َجنُ ٍ‬
‫ْ‬
‫عن بعض‪ ،‬إذ ليس يتعني أن يكــون املعــىن املقصــود ىف بعض اآليــات مقصــودا ىف مجيــع نظائرهــا‪ ،‬بلــه مــا يقــارب‬
‫غرضها‬

‫وقد سار ابن عاشور ىف تفسري القرآن بالقرآن وفق هذا املفهوم الذى حدده ىف الفقرة السابقة‪ ،‬ومن أمثلـة ذلـك‬
‫ما ذكره ىف توضيح معىن لفظة ىف قوله تعاىل‪:‬‬
‫َكاَّل بل را َن على ُقلُوهِبِم ما كانُوا يك ِ‬
‫ْسبُو َن‪( ‬سورة املطففني‪ :‬اآلية ‪"  )١٤‬والقلوب‪ :‬العقول وحمال اإلدراك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫وهذا كقوله تعاىل‪َ  :‬ختَ َم اللَّهُ َعلى ُقلُوهِبِ ْم‪ . ‬‬

‫وىف معىن"‪  ‬إهالك القرى‪" ‬ذكر ىف قوله تعاىل‪:‬‬


‫ـك الْ ُقــرى بِظُْل ٍم َو َْأهلُهــا غــافِلُو َن‪( ‬ســورة األنعــام‪ :‬اآليــة ‪  ". )١٣١‬واإلهالك‪ :‬إعــدام‬ ‫ِ‬
‫ـك َأ ْن مَلْ يَ ُك ْن َربُّ َ‬
‫ك ُم ْهل ـ َ‬
‫ِ‬
‫ذل ـ َ‬
‫ذات املوجود وإماتة احلى‪.‬‬

‫ـك َع ْن َبِّينَ ـ ٍـة َوحَيْ ــىي َم ْن َح َّي َع ْن َبِّينَ ـ ٍـة‪ ، )٢( ‬ف ــإهالك الق ــرى إب ــادة أهله ــا وختريبه ــا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ـك َم ْن َهلَ ـ َ‬ ‫ق ــال تع ــاىل‪ :‬لَي ْهل ـ َ‬
‫وإحياؤه ــا إع ــادة عمراهنا بالس ــكان والبن ــاء‪ ،‬ق ــال تع ــاىل‪َ :‬أىَّن حُيْيِي ه ـ ِـذ ِه اللَّهُ َب ْعـ َـد َم ْوهِت ا‪ )٣( ‬وإهالك الق ــرى هن ــا‬
‫شامل إلبادة سكاهنا‪ .‬ألن اإلهالك تعلق بذات القرى‪،‬ـ فال حاجة إىل التمجز ىف إطالق القـرى على أهـل القـرى‬
‫كما ىف‪َ :‬و ْسَئ ِل الْ َق ْريَةَ‪ . )٤( ‬لصحة احلقيقـة هنـا‪ ،‬وألنـه مينـع منـه قولـه‪ :‬وأهلهـا غـافلني‪ .‬أال تـرى إىل قولـه تعـاىل‪:‬‬
‫ك َقْريَةً ََأم ْرنا ُمْتَرفِيها َف َف َس ُقوا فِيها فَ َح َّق َعلَْي َها الْ َق ْو ُل فَ َد َّم ْرناها تَ ْد ِمرياً‪. )٥( ‬‬ ‫ِ‬
‫َوِإذا ََأر ْدنا َأ ْن نُ ْهل َ‬

‫التفسير بالحديث النبوي‬ ‫‪-2‬‬

‫شــغل احلديث النبــوى مكانــة كبــرية ىف التحريــر والتنــوير‪ ،‬وأخــذ أشــكاال عديــدة ىف اإلســناد واملنت‪ ،‬كمــا تعــددت‬
‫مصادره‪ ،‬وكان أكثرها شيوعا صحيح البخارى وصحيح مسلم يليهما موطأ اإلمام مالك‪.‬‬

‫والتفســري باحلديث النبــوى كــان لــه دور بــارز ىف التحريــر والتنــوير اســتعان بــه ابن عاشــور ىف مــواطن كثــرية من‬
‫تفس ــريه‪ ،‬وق ــد رأين ــا ىف ص ــفحات الب ــاب األول من ه ــذه الدراس ــة مص ــادره ىف احلديث وكثرهتا وتنوعه ــا‪ ،‬وق ــد‬
‫حرص أن يشري إىل مصدر احلديث عند االستعانة به مكتفيا أحيانا باسم الــراوى األول لــه‪ ،‬ذكـر ىف قولـه تعـاىل‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ني ِإذا ُدعُ ـ ـ ـ ــوا ِإىَل اللَّ ِه َو َر ُسـ ـ ـ ـ ـول ِه ليَ ْح ُك َم َبْيَن ُه ْم َأ ْن َي ُقولُـ ـ ـ ـ ــوا مَسِ ْعنا َوَأطَ ْعنـ ـ ـ ـ ــا َوُأولِئ َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ِِ‬
‫ِإمَّن ا ك ـ ـ ـ ــا َن َقـ ـ ـ ـ ْـو َل الْ ُمـ ـ ـ ـ ـ ْؤ من َ‬
‫الْ ُم ْفلِ ُحو َن‪( ‬سورة النور‪. )٥١ :‬‬

‫«وىف املوطأ من حديث زيد بن خالد اجلهىن‪« :‬إن رجلني اختصما إىل رسول اهلل‪ .‬فقــال أحــدمها‪ :‬يـا رســول اهلل‬
‫اقضى بيننا بكتاب اهلل‪( ‬يعىن وهـو يريـد أن رسـول اهلل يقضـى لـه كمـا وقـع التصـريح ىف روايـة الليث بن سـعد ىف‬
‫البخ ــارى أن رجال من األع ــراب أتى رس ــول اهلل فق ــال‪ :‬أنش ــدك باهلل إال قضــيت ىل بكت ــاب اهلل)‪ . ‬وق ــال اآلخ ــر‬
‫على فــأذن ىل أن‬
‫وهو أفقههما‪ :‬أجل يا رسول اهلل فاقض بيننا بكتاب اهلل وأذن ىل أن أتكلم‪( ‬يريد ال تقضى لــه ّ‬
‫أبنّي )‪ ‬فقال رسول اهلل تكلم ‪....‬ـ » إخل‪.‬‬

‫موقفه من السند‪ :‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫وإذا كــان هنــاك اضــطراب ىف سلســلة الــرواة تصــدى لنقــد الســند معلال ســبب هــذا االضــطراب‪ ،‬ومن ذلــك مــا‬
‫ين َآمنُــوا َوكـانُوا َيَّت ُقــو َن‪ ‬هَلُ ُم الْبُ ْشـرى‬ ‫َّ ِ‬ ‫ذكره ىف قولـه تعـاىل‪َ :‬أال ِإ َّن َْأولِيـاء اللَّ ِه ال َخـو ٌ ِ‬
‫ف َعلَْيه ْم َوال ُه ْم حَيَْزنُــو َن‪ ‬الذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ياة ُّ يِف ِ ِ‬ ‫يِف احْل ِ‬
‫يم‪( ‬سورة يونس‪ )٦٤ - ٦٢ :‬‬ ‫يل ل َكلمات اللَّه ذل َ‬
‫ك ُه َو الْ َف ْو ُز الْ َعظ ُ‬ ‫الدنْيا َو اآْل خَرة ال َتْبد َ‬ ‫َ‬

‫«وروى الرتمــذى عن أىب الــدرداء أنــه ســأل رســول اهلل‪ -‬صــلى اهلل عليــه وســلم‪ ‬عن قولــه تعــاىل‪ :‬هَلُم الْبُ ْش ـرى يِف‬
‫ُ‬
‫احْل يـ ِ‬
‫ـاة الـ ُّـدنْيا فقــال «مــا ســألىن عنهــا أحــد غــريك منــذ أنــزلت فهى الرؤيــا الصــاحلة يراهــا املســلم أو تــرى لــه» قــال‬ ‫َ‬
‫الرتمذى‪ :‬وليس ىف عطاء بن يسار أى ليس ىف احلديث أن أبا صاحل يرويه عن عطاء بن يسار كما هو معــروف‬
‫ىف رواي ــة أىب ص ــاحل إىل أىب ال ــدرداء‪ ،‬وعلي ــه فاحلديث منقط ــع غ ــري متص ــل الس ــند‪ ،‬وق ــد رواه الرتم ــذى بس ــندين‬
‫آخرين منهما عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أىب الدرداء وذلك سند فيه جمهول‪ ،‬فحالـة إســناد هــذا‬
‫اخلرب مضطربة لظهور أن عطاء مل يسمعه من أىب الدرداء»‬

‫موقفه من املنت‪ :‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫ومن املواطن الىت متثل موقفه من املنت إذا وجد فيه ضعفا‪ ،‬ما ذكره ىف قوله تعاىل‪َ :‬و ْابَتلُوا الْيَتــامى َحىَّت ِإذا َبلَغُــوا‬
‫ِّكاح فَِإ ْن آنَ ْستُ ْم ِمْن ُه ْم ُر ْشداً فَ ْاد َفعُوا ِإلَْي ِه ْم َْأمواهَلُ ْم َوال تَْأ ُكلُوها ِإ ْسرافاً َوبِداراً َأ ْن يَكَْبُروا‪( ‬سورة النساء‪ :‬اآليــة‬
‫الن َ‬
‫‪ .)٦‬‬

‫«وبلــوغ صــالحية الــزواج ختتلــف بــاختالف البالد ىف احلرارة والــربودة‪ ،‬وبــاختالف أمزجــة أهــل البلــد الواحــد ىف‬
‫القوة والضعف‪،‬ـ واملزاج الدموى واملزاج الصـفراوى‪.‬ـ فلـذلك أحالـه القـرآن على بلـوغ أمـد النكـاح‪ ،‬والغـالب ىف‬
‫بلــوغ البنت أنــه أســبق من بلــوغ الــذكر‪ ،‬فــإن ختلفت عن وقت مظنتهــا فقــال اجلمهــور‪ :‬يســتدل بالســن الــذى ال‬
‫يتخلف عنـه أقصـى البلـوغ عـادة‪ ،‬فقـال مالـك ىف روايـة ابن القاسـم عنـه‪ ،‬هـو مثان عشـرة سـنة للـذكور واإلنـاث‪،‬‬
‫وروى مثله عن أىب حنيفة ىف الذكور‪ ،‬وقال‪ :‬ىف اجلارية سبع عشرة ســنة‪ ،‬وروى غــري ابن القاســم عن مالــك أنــه‬
‫سبع عشرة سنة‪ ،‬واملشهور عن أىب حنيفة‪ :‬أنه تسع عشرة سنة للذكور وسبع عشرة للبنات‪ .‬‬
‫وقــال اجلمهــور‪ :‬مخس عشــرة ســنة‪ .‬قالــه القاســم بن حممــد وســامل بن عبــد اهلل بن عمــر‪ ،‬وإســحاق‪ ،‬والشــافعى‪،‬‬
‫وأمحد واألوزاعى‪ ،‬وابن املاجش ـ ــون وب ـ ــه ق ـ ــال أص ـ ــبغ‪ ،‬وابن وهب من أص ـ ــحاب مال ـ ــك‪ ،‬واخت ـ ــاره األهبرى من‬
‫املالكية‪ ،‬ومتسكوا حبديث ابن عمــر أنــه عرضــه رسـول اهلل‪ -‬صـلى اهلل عليـه وسـلم‪ ‬يــوم بـدر وهــو ابن أربـع عشــرة‬
‫سنة فلم جيزه‪ ،‬وعرضه يوم أحد وهو ابن مخس عشرة فأجازه‪ ،‬وال حجة فيـه إذ ليس يلـزم أن يكـون بلـوغ عبـد‬
‫اهلل بن عم ــر ه ــو معي ــار بل ــوغ عم ــوم املس ــلمني» فص ــادف أن رآه الن ــىب‪ -‬ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم‪ ‬وعلي ــه مالمح‬
‫الرجال‪ ،‬فأجازه‪ ،‬وليس ذكر السن ىف كالم ابن عمر إمياء إىل ضبط اإلجازة‪ .‬‬

‫وقــد غفــل عن هــذا ابن العــرىب ىف أحكــام القــرآن فتعجب من تــرك هــؤالء األئمــة حتديــد الســن ىف البلــوغ خبمس‬
‫عش ــرة س ــنة‪ ،‬والعجب من ــه أش ــد من عجب ــه منهم‪ ،‬ف ــإن قض ــية ابن عم ــر قض ــية عني‪ ،‬وخالف العلم ــاء ىف قض ــايا‬
‫األعيان معلوم‪ ،‬واسـتدل الشـافعية مبا روى أن النـىب‪ -‬صـلى اهلل عليـه وسـلم‪ ‬قـال‪ :‬إذ‪ ‬اسـتكمل الولـد مخس عشــرة‬
‫سنة كتب ماله وما عليه‪ ،‬وأقيمت عليه احلدود‪ ،‬وهو حديث ضعيف ال ينبغى االستدالل به»‪ .‬‬

‫فهــو يعــرض هنــا مســألة‪" ‬بلــوغ صــالحية الــزواج"‪ ‬من بعض جوانبهــا‪ ،‬وتعليــل اختالف البالد واألمزجــة فيهــا‪ ،‬مث‬
‫يسرد أقـوال أئمـة املذاهب الفقهيـة أو أصـحاهبم أو غـريهم من العلمـاء‪ ،‬مث يتنـاول بعض املرويـات الـىت جـاءت ىف‬
‫هذه املسألة‪ ،‬فإذا مل ترتق إىل درجة احلجية عنده سارع إىل نقـدها وبيـان عــدم موافقتـه عليهـا‪ ،‬وقـد رأينــاه يـذكر‬
‫ضعفه بناء على ما ساقه من نقد هلذه األقــوال واملرويــات ومــا تـرتب عليهــا من أحكــام‬
‫استدالل الشافعية حبديث ّ‬
‫ىف بلوغ سن النكاح أو اجلهاد‪.‬‬

‫‪ ‬التفسري بأقوال الصحابة‪ :‬‬ ‫‪-3‬‬

‫إذا كانت السنة النبوية تعد املرتبة الثانية ىف تفسري‪ ‬القرآن الكرمي‪ ‬بعد تفسري‪" ‬القرآن بالقرآن"‪ ‬فإن أقــوال صــحابة‬
‫رس ــول اهلل‪ ‬ص ــلى اهلل علي ــه وس ــلم‪ ‬هى املرتب ــة التالي ــة هلا‪ ،‬فهم ال ــذين مسعوا من ــه مباش ــرة وتن ــاوبوا ه ــذا الس ــماع‬
‫وشاركوا ىف جمالسه وغزواته وشاهدوا أحواله وأفعاله‪.‬‬

‫ويظهر موقف ابن عاشور من صحابة رسول اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ‬خصوصا أبا بكر وعمر وعائشــة رضــى‬
‫ِِ‬ ‫اهلل عنهم فيمــا ذكــره ىف تفسري قولــه تعــاىل‪ :‬يعِظُ ُكم اللَّه َأ ْن َتعـ ِ ِ ِ ِ‬
‫ـودوا لمثْلــه َأبَــداً ِإ ْن ُكْنتُ ْم ُمـْؤ من َ‬
‫ني* َويَُبنِّي ُ اللَّهُ لَ ُك ُم‬ ‫َ ُ ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪( ‬سورة النور‪ . )١٨ ،١٧ :‬‬ ‫يم َحك ٌ‬‫اآْل يات َواللَّهُ َعل ٌ‬
‫ـب‬
‫«قــال ابن العــرىب‪ :‬قــال هشــام بن عمــار‪« : )١( ‬مسعت مالكــا يقــول‪ :‬من ســب أبــا بكــر وعمــر أدب‪ ،‬ومن سـ ّ‬
‫ِِ‬ ‫عائش ــة قت ــل ألن اهلل يق ــول يعِظُ ُكم اللَّه َأ ْن َتع ـ ِ ِ ِ ِ‬
‫ـب عائش ــة فق ــد‬ ‫ـودوا لمثْل ــه َأبَ ــداً ِإ ْن ُكْنتُ ْم ُمـ ـْؤ من َ‬
‫ني‪ . )٢( ‬فمن س ـ ّ‬ ‫َ ُ ُ ُ ُ‬
‫خالف القرآن ومن خالف القـرآن قتـل» أ‪ .‬هــ‪ .‬يريـد باملخالفـة إنكـار مـا جـاء بـه القـرآن نصـا وهـو يـرى أن املراد‬
‫بــالعود ملثلــه ىف قضــية اإلفــك ألن اهلل ّبرأهــا بنصــوص ال تقبــل التأويــل‪ ،‬وتــواتر أهنا نــزلت ىف شــأن عائشــة‪ ،‬وذكــر‬
‫ابن الع ــرىب عن الش ــافعية أن ذل ــك ليس بكف ــر‪ ،‬وأم ــا الس ــب بغ ــري ذل ــك فه ــو مس ــاو لس ــب غريه ــا من أص ــحاب‬
‫النىب‪ ‬صلى اهلل عليه وسلم»‪. )٣( ‬‬

‫وقد وقف غالة الشيعة من الصحابة موقفا ال يتسم باإلنصاف ألغراض حزبية عديدة‪.‬‬

‫التفسري بأقوال التابعني‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫لقد استعان ىف تفسريه مبا جاء عن بعض التابعني على هذا النحو‪ :‬‬
‫ذكر عن جماهد ىف تفسري قوله تعاىل‪ :‬‬
‫ِ‬ ‫َّك بِ ِسـح ٍر ِمثْلِـ ِـه فَاجعــل بينَنــا وبينَـ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قـ َ ِ ِ‬
‫ـك َم ْوعــداً ال خُنْل ُفــهُ‬ ‫ْ َ ْ َْ َ َْ‬ ‫ـال َأجْئتَنــا لتُ ْخ ِر َجنــا م ْن َْأرضـنا بِسـ ْح ِر َك يــا ُموســى‪َ   ‬فلَنَْأتَين َ ْ‬
‫ـال مو ِع ـ ُد ُكم يــوم ِّ ِ‬
‫ض ـ ًحى‪( ‬ســورة طــه‪ :‬اآليــات ‪،٥٨ ،٥٧‬‬ ‫َّاس ُ‬ ‫الزينَــة َوَأ ْن حُيْ َش ـَر الن ُ‬ ‫ْ َُْ‬ ‫وى‪ ‬قـ َ َ ْ‬
‫ت َمكان ـاً ُس ـ ً‬ ‫حَنْ ُن َوال َأنْ َ‬
‫‪ .)٥٩‬‬
‫«ق ــال جماه ــد‪ :‬أن ــه مك ــان نص ــف‪ ،‬وك ــأن املراد أن ــه نص ــف من املدين ــة لئال يش ــق احلض ــور في ــه على أه ــل أط ــراف‬
‫املدينة»‪ . )٣( ‬‬
‫وعن قتادة ىف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ـاء ِذي الْ ُقـ ـ ـ ــرىب ويْنهى ع ِن الْ َفحشـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاء َوالْ ُمْن َكـ ـ ـ ـ ِر َوالَْب ْغ ِي يَعِظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫ـان وِإيتـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإ‬
‫ْ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َّن اللَّهَ يَ ـ ـ ـ ـْأ ُمُر بالْ َعـ ـ ـ ـ ْدل َواِإْل ْحسـ ـ ـ ـ َ‬
‫تَ َذ َّكُرو َن‪( ‬سورة النحل‪ . )٩٠ :‬‬
‫«وعن قتــادة‪ :‬ليس من خلــق حســن كــان أهــل اجلاهليــة يعملــون بــه ويستحســنونه إال أمــر اهلل بــه ىف هــذه اآليــة‪.‬‬
‫وليس من خلــق كــانوا يتعايرونــه بينهم إال هنى اهلل عنــه وقــدح فيــه‪ ،‬وإمنا هنى عن سفاســف االخالق ومــذاقها»‪( ‬‬
‫‪. )١‬‬

‫وقــد كــانت مص ــادر ابن عاش ــور ىف احلديث النب ــوى من كتب الس ــنة املعت ــربة فض ــال عم ــا عرفنــاه عن موقف ــه من‬
‫السند واملنت واألحاديث الضعيفة وأحاديث فضائل السور‪ ،‬وكانت النقول عن التابعني عنده متثل اجلانب الــذى‬
‫ميكن االس ــتئناس ب ــه حيث ت ــدرك ب ــالعقول معاني ــه‪ ،‬أو م ــا تلق ــاه ه ــؤالء الت ــابعون من أق ــوال عن ص ــحابة رس ــول‬
‫اهلل‪ ‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ‬ىف أسباب النزول‪ ،‬أو أول ما نزل من آيات بعض السور أو مكان نزوهلا‪.‬‬
‫التفسري بأسباب النزول‪ :‬‬ ‫‪-5‬‬

‫من األقــوال الــىت حتدد قيمــة أســباب الــنزول ىف التفســري وشــروط اســتخدامها‪ ،‬وكــذا األقــوال الــىت توضــح ســبب‬
‫نزول القرآن منجما خصوصا اآليات الىت نزلت بسبب‪.‬‬
‫كــان ابن عاشــور اســتعان بأســباب الــنزول وجعــل هلا فصــال خاصــا من املقــدمات العشــر الــىت ذكرهــا ىف مقدمــة‬
‫التحريــر والتنــوير‪ .‬وابن عاشــور ينعى على بعض املفســرين الــذين أكــثروا ىف ذكــر أســباب الــنزول وأغربــوا فيهــا‬
‫ليومهوا الناس أن لكل آية سببا ىف نزوهلا‪ ،‬ومن مث رفعوا الثقة فيما يذكرون من أقوال‪.‬‬

‫وابن عاشور وهو يستعني بأسباب النزول نراه أحيانا يذكر أكثر من سبب ىف نزول اآلية الواحدة ‪.‬‬
‫ضـةً فَمـا َف ْوقَهـا‪( ‬سـورة البقـرة‪ :‬اآليـة‬ ‫ب َمثَاًل مـا َبعُو َ‬ ‫ذكر ىف سبب نزول قولـه تعـاىل‪ِ :‬إ َّن اللَّهَ ال يَ ْسـتَ ْحيِي َأ ْن يَ ْ‬
‫ضـ ِر َ‬
‫‪ . )٢٦‬‬
‫روى الواحدى ىف أسباب النزول عن ابن عباس أن اهلل تعاىل ملا أنزل قوله‪ :‬لَه ِإ َّن الَّ ِذين تَ ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ون اللَّ ِه لَ ْن‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫خَي ْلُ ُقوا ذُباباً ولَ ِو اجتَمعوا لَه وِإ ْن يسلُبهم الـ ُّـذباب َشـيئاً ال يسـَتْن ِق ُذوه ِمْنـه ‪ )١( ‬وقولــه‪ :‬مثَـل الَّذين اخَّتَـ ُذوا من د ِ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ْ َْ‬ ‫َ ْ َُ ُ َ َ ْ ُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َبْيتـاً‪ )٢( ‬قــال املشــركون أرأيتم أى شــىء يصــنع هبذا‪ ،‬فــأنزل اهلل ِإ َّن اللَّهَ ال‬ ‫اللَّه َْأوليــاءَ َك َمثَـ ِـل الْ َعْن َكبُــوت اخَّتَـ َذ ْ‬
‫وضةً فَمـا َف ْوقَهـا وروى عن احلسـن وقتـادة أن اهلل ملا ذكـر الـذباب والعنكبـوت ىف‬ ‫ب َمثَاًل ما َبعُ َ‬ ‫ض ِر َ‬ ‫يَ ْستَ ْحيِي َأ ْن يَ ْ‬
‫كتابــه وضــرب هبا املثــل ضــحك اليهــود وقــالوا مــا يشــبه أن يكــون هــذا كالم اهلل فــأنزل اهلل ِإ َّن اللَّهَ ال يَ ْس ـتَ ْحيِي‬
‫اآلية»‪ . )٣( ‬‬
‫والرواي ــة األوىل عن ابن عب ــاس‪ ،‬والثاني ــة عن احلس ــن وقت ــادة‪ ،‬وميكن التوفي ــق أو اجلم ــع بينهم ــا حيث ال خيتل ــف‬
‫موقــف املشــركني أو اليهــود فيمــا ضــربه اهلل تعــاىل من مثــل ىف اآليــتني املذكورتني‪ ،‬ولعــل ذلــك هــو املقصــودـ من‬
‫قوله تعاىل‪ِ :‬إ َّن اللَّهَ ال يَ ْستَ ْحيِي اآلية‪ .‬حيث يتوقف فهم املراد منها على علم املفسر بسبب نزوهلا»‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفسير بالرأى عند ابن عاشور‪:‬‬

‫ومقومات التفسري بالرأى عند ابن عاشور‪:‬‬


‫أوال‪ :‬الشعر‪ :‬‬

‫احتــل الشــعر مكانــة بــارزة ىف التحريــر والتنــوير‪ ،‬والشــعراء الــذين احتج ابن عاشــور بأشــعارهم كــانوا من الكــثرة‬
‫الــىت يصــعب حصــرها‪ ،‬أكــثر من مائــة وأربعني شــاعرا بعــد اســتبعاد األمساء املكــررة‪ ،‬فآثرنــا أن نــذكر بعضــهم ىف‬
‫البـاب األول بعـد مراعــاة عصــورهم‪ ،‬مث نـأتى ببعض األمثلـة فيمـا تناولــه ابن عاشـور ىف تفسـريه كلــه آخــذين بعني‬
‫االعتبار عصور الشعر املختلفة‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫ىف التعبري عن املستقبل بأحداث مل تقع بعد‪ ،‬لغرض استحضار السامع هلا على هيئة خمصوصة‪ ،‬ذكــر ابن عاشـور‬
‫ىف قوله تعاىل‪ :‬‬
‫ِ‬ ‫ُأولِئ َّ ِ‬
‫ذاب بِالْ َم ْغفَر ِة فَما ْ‬
‫َأصَبَر ُه ْم َعلَى النَّا ِر‪( ‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪ . )١٧٥‬‬ ‫ِ‬
‫ين ا ْشَتَر ُوا الضَّاللَةَ باهْلُدى َوالْ َع َ‬
‫ك الذ َ‬‫َ‬
‫صـَبَر ُه ْم َعلَى النَّا ِر تعجيب من شـدة صـربهم على عـذاب النـار‪ ،‬وملا كـان شـأن التعجيب أن يكـون‬ ‫«وقولـه فَمـا َأ ْ‬
‫ناشـئا عن مشـاهدة صـربهم على العـذاب‪ ،‬وهـذا الصـرب غـري حاصـل ىف وقت نـزول هاتـه اآليـة بـىن التعجيب على‬
‫تنزيـل غــري الواقــع منزلـة الواقــع لشــدة استحضــار الســامع إيـاه مبا وصــف بـه من الصـفات املاضـية‪ ،‬وهــذا من طـرق‬
‫جعــل احملقــق احلصــول ىف املســتقبل مبنزلــة احلاصــل‪ ،‬ومنــه التعبــري عن املســتقبل بلفــظ املاضــى وتنزيــل املتخيــل منزلــة‬
‫املشاهد كقول زهري‪ :‬‬
‫‪ ‬تبصر خليلى هل ترى من ظعائن‬
‫‪... ‬‬
‫حتملىن بالعلياء من فوق جرمث‬
‫‪ ‬‬
‫بعد أن ذكر إنه وقف بالدار بعد عشرين حجة‪ ،‬وقول مالك بن الريب‪ .‬‬
‫‪ ‬دعاىن اهلوى من أهل ودى وحريتى‬
‫‪... ‬‬
‫بذى الطيسني فالتفت ورائيا‬
‫‪ ‬‬
‫يم‪ )١( ‬على جعــل‪" ‬لََتـ َـر ُو َّن"‪ ‬جــواب‪" ‬لــو"‪(  ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫اَّل‬
‫وقــريب منــه قولــه تعــاىل‪َ :‬ك لَـ ْـو َت ْعلَ ُـمـو َن ع ْل َم الْيَقني* لََتـ َـر ُو َّن اجْلَح َ‬
‫‪ ، )٢‬ومن شعر‪" ‬األحوص"‪. )٣(  ‬‬

‫ثانيا‪ :‬اللغة‪ :‬‬

‫أ‪ -‬األلفاظ‪ :‬‬
‫مل يشغل احلديث عن اللغة ىف املقدمات العشر ىف التحرير والتنوير جزءا خاصا به‪ ،‬وقد أوضح ابن عاشـور دور‬
‫اللغ ــة ىف املق ــدمات املذكورة ه ــذه وعالقته ــا مبا عن ــون ب ــه ك ــل مقدم ــة‪ ،‬وق ــام تفس ــريه على حيوي ــة ه ــذا ال ــدور‬
‫وتداخله‪ ،‬فما ترك من آية إال واستوىف اجلانب اللغوى حقه‪ ،‬يتناول كل كلمة منها‪ ،‬يفصل القول فيهــا من كــل‬
‫جــانب لغويــا كــان أو شــرعيا‪ ،‬حقيقــة أو جمازا‪ ،‬يســتعني بكــل مــا ميكن االســتعانة بــه من قــرآن وحــديث وشــعر‬
‫وقــول مفســر‪ .‬وعــامل لغــة أو غــري ذلــك من الشــواهد‪ ،‬ومن وراء ذلــك كلــه ثقافتــه الواســعة ىف هــذا امليــدان‪ ،‬وبعــد‬
‫حديثــه عن الكلمــة من حيث داللتهــا اللغويــة أو الشــرعية يــذكر موقــع اجلملــة الــىت جــاءت فيهــا هــذه الكلمــة ىف‬
‫اإلعراب ووجه العالقة بينها وبني اجلملة التالية هلا‪ ،‬فالسورة عنده متثل وحدة عامة مهما كان تعدد أغراضها‪.‬‬

‫ص ـل أبعــاد هــذا‬
‫وىف ســبيل حتديــد األســس الــىت قــام عليهــا تفســريه لأللفــاظ نــأتى هبذا املثــال‪ ،‬مث بأمثلــة أخــرى تف ّ‬
‫التفسري‪ ،‬وطريقة تناوله لصور األلفاظ املختلفة‪ .‬‬
‫ني‪ ،‬من قوله تعاىل‪ :‬‬ ‫قال ىف تفسري ال ريب فِ ِيه ه ِ ِ‬
‫دى ل ْل ُمتَّق َ‬
‫َْ َ ُ ً‬
‫ني‪( ‬ســورة البقــرة‪ :‬اآليــة ‪« )٢ ،١‬حــال من الكتــاب أو خــرب أول أو‬ ‫امل* ذلِــك الْ ِكتــاب ال ريب فِيـ ِـه هـ ِ ِ‬
‫ـدى ل ْل ُمتَّق َ‬
‫ُ ً‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫ثان‪ ،‬والريب الشك‪ ،‬وأصل الريب القلــق واضــطراب النفس‪ ،‬وريب الزمــان وريب املنــون نــوائب ذلــك‪ ،‬قــال اهلل‬
‫ـون‪ ، )١( ‬وملا كــان الشــك يلزمــه اضــطراب النفس وقلقهــا غلب عليــه الــريب فصــار‬ ‫تعــاىل‪َ :‬نَتــربَّص بِـ ِـه ريب الْمنُـ ِ‬
‫َ ُ َْ َ َ‬
‫حقيقة عرفية‪ ،‬يقال رابه الشيء إذا شككه أى جيعل ما أوجب الشك ىف حاله‪ ،‬فهــو متعــد‪ ،‬ويقــال أرابــه كــذلك‬
‫إذ اهلمــزة مل تكســبه تعديــة زائــدة‪ ،‬فهــو مثــل حلق وأحلق‪ ،‬وزلقــه‪ ،‬وأزلقــه‪ ،‬وقــد قيــل إن أراب أضــعف من راب‪،‬‬
‫أراب مبعىن ّقربه من أن يشك‪ ،‬قاله أبو زيد‪ ،‬وعلى التفرقة قال بشار‪:‬‬
‫‪ ‬أخوك الذى إن ربته قال إمنا‬
‫‪... ‬‬
‫أرتب وإن عاتبته الن جانبه‬
‫‪  ‬‬
‫وىف احلديث «دع ما يريبك إىل مــا ال يريبـك» أى دع الفعــل الـذى يقربــك من الشــك ىف التحـرمي إىل فعـل آخــر‬
‫ال يدخل عليك ىف فعله شك ىف أنه مباح‪ . )٢( ‬‬
‫ويعــىن ابن عاشــور هنــا بتوضــيح معــىن‪" ‬الــريب"‪ ‬وأصــل هــذه الكلمــة‪ ،‬ويــأتى بشــاهد من القــرآن‪ ،‬ويــبني حركــة‬
‫النفس ىف حال الشك وما يصاحبها من قلق غلب عليه‪" ‬الريب"‪ ‬‬
‫فصار حقيقة عرفية‪ ،‬ويأخذ ىف شرح‪" ‬رابـه"‪ ‬دون مهزة أو عنـد دخوهلا عليـه‪ ،‬مث يقـارن بينهمـا من حيث األقـرب‬
‫إىل كالم العــرب كمــا ذكــره أبــو زيــد‪ ،‬ويــأتى بــبيت بشــار لتوضــيح الفــرق بينهمــا‪ ،‬مث حبديث يفســر بــه املقصــود‬
‫من‪" ‬الريب"‪. ‬‬

‫املصدر‪ :‬‬
‫ذكر ىف معىن‪" ‬الْبَالغُ"‪ ‬من قوله تعاىل‪ :‬‬
‫واح ٌد ولِي َّذ َّكر ُأولُوا اَأْللْ ِ‬
‫َّاس ولِيْن َذروا بِِه ولِيعلَموا َأمَّن ا هو ِإله ِ‬ ‫ِ‬
‫باب‪( ‬سورة إبراهيم‪ :‬اآلية ‪. )٥٢‬‬ ‫ََ َ‬ ‫َُ ٌ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫هذا بَالغٌ للن ِ َ ُ ُ‬
‫«البالغ‪ :‬اسم مصدر التبليغ‪ ،‬أى هذا املقدار من القرآن ىف هذه السورة تبليغ للناس كلهم»‬

‫االشتقاق‪ :‬‬
‫اعتــىن ابن عاشــور ىف تفســريه لأللفــاظ باملشــتقات مثــل اســم الفاعــل واســم املفعــول وصــيغ املبالغــة‪ ،‬واعتــرب املصــدر‬
‫هو األصل‪.‬‬

‫واالشــتقاق على ذلــك ميثــل عنــد ابن عاشــور إحــدى الوســائل الــىت تــثرى تفســريه للمفــردات‪ ،‬وميكن احلديث عن‬
‫ذلك على النحو التاىل‪ :‬‬
‫أ‪ -‬اسم الفاعل‪ : )٣( ‬‬
‫ني‪( ‬سورة األنعام‪ :‬اآلية ‪.)٤٥‬‬ ‫ذكر ىف تفسري قوله تعاىل‪َ :‬ف ُق ِطع دابِر الْ َقوِم الَّ ِذين ظَلَموا واحْل م ُد لِلَّ ِه ر ِّ ِ‬
‫ب الْعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ب‪-‬اسم املفعول‬
‫ومن املشــتقات الــىت اســتخدمها ابن عاشــور ىف تفســريه لأللفــاظ املفعــول وامسه‪ ،‬أو املصــدر الــذى جــاء على وزن‬
‫مفعول‪ ،‬أو ما صيغ على مثال فعيل مبعىن مفعول‬
‫ومن ذلك ما ذكره ىف تفسري قوله تعاىل‪ :‬‬
‫ت ِم َن الْ ِكرَبِ ِعتِيًّا‪( ‬سورة مرمي‪ :‬اآلية ‪. )٨‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َوكانَت ْامَرَأيِت عاقراً َوقَ ْد َبلَ ْغ ُ‬
‫ب َأىَّن يَ ُكو ُن يِل غُ ٌ‬
‫قال َر ِّ‬
‫َ‬
‫والعىت‪ -‬بضم العني‪ -‬ىف قراءة اجلمهور‪ :‬مصدر عتا العود إذا يبس‪ ،‬وهـو بـوزن فعــول أصـله عتــوو‪ ،‬والقيـاس فيـه‬
‫إن تصــحح الــواو ألهنا إثــر ضــمة ولكنهم ملا اســتثقلوا تــواىل ضــمتني بعــدمها واوان ومها مبنزلــة‪ -‬ضــمتني‪ -‬ختلصــوا‬
‫من ذلــك الثقــل بإبــدال ضــمة العني كســرة مث قلبــوا الــواو األوىل يــاء لوقوعهــا ســاكنة إثــر كســرة فلمــا قلبت يــاء‬
‫اجتمعت تلك الياء مع الواو الىت هى الم‪ .‬‬
‫وكــأهنم مــا كســروا التــاء ىف عــىت مبعــىن اليبس إال لــدفع االلتبــاس بينــه وبني العتــو الــذى هــو الطغيــان فال مــوجب‬
‫لطلب ختفيف أحدمها دون اآلخر»‬
‫رابعا‪ :‬االستعانة بأقوال فقهاء األمصار ىف تفسري آيات األحكام‪ :‬‬
‫اسـ ــتعرض ابن عاشـ ــور ىف تفسـ ــري هـ ــذه اآليـ ــات كثـ ــريا من أقـ ــوال أئمـ ــة املذاهب الفقهيـ ــة وأصـ ــحاهبم فضـ ــال عن‬
‫األحاديث واآلثار عن الصحابة والتابعني‪ ،‬وكان تفسريه لآلية الواحدة زاخــرا بكثــري من أقــوال العلمــاء والفقهــاء‬
‫حىت كأنه مل يرتك قوال واحدا ملا ذكروه ىف اآلية املطروحة أمامه‪ ،‬سواء ما أمجع عليه هؤالء أو اختلفوا فيه‪.‬‬
‫ذكر ىف تفسري قوله تعاىل‪ :‬‬
‫وال تْن ِكحــوا مــا نَ َكح آبــاُؤ ُكم ِمن النِّسـ ِ‬
‫ـاء ِإاَّل مــا قَ ـ ْد سـلَف ِإنَّه كــا َن ِ‬
‫فاح َشـةً َو َم ْقتـاً َوســاءَ َسـبِياًل ‪( ‬ســورة النســاء‪:‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫اآلية ‪ . )٢٢‬‬
‫«وق ــد اختل ــف الفقه ــاء فيمن زىن ب ــامرأة ه ــل حترم على ابن ــه أو على أبي ــه‪ ،‬فال ــذى ذهب إلي ــه مال ــك ىف املوط ــأ‬
‫والشـافعى‪ :‬أن الـزىن ال ينشــر احلرمـة‪ ،‬وهـذا الــذى حكـاه الشـيخ أبـو حممــد بن أىب زيـد ىف الرســالة‪ ،‬ويــروى ذلـك‬
‫عن عكرمة عن ابن عبـاس‪ ،‬وهـو قـول الزهـرى وربيعـة‪ ،‬والليث‪ .‬وقـال أبـو حنيفـة‪ ،‬وابن املاجشـون من أصـحاب‬
‫مالـك‪ :‬الـزىن ينشـر احلرمـة‪ .‬قـال ابن املاجشـون‪ :‬مـات مالـك على هـذا‪ .‬وهـو قـول األوزاعى والثـورى‪ ،‬وقـال ابن‬
‫املواز‪ :‬ه ــو مك ــروه‪ ،‬ووق ــع ىف املدون ــة‪( ‬يفارقه ــا)‪ ‬فحمل ــه األك ــثر على الوج ــوب‪ ،‬وتأول ــه بعض ــهم على الكراه ــة‪،‬‬
‫وهــذه املســألة جــرت فيهــا منــاظرة بني الشــافعى وحممــد بن احلســن أشــار إليهــا اجلصــاص ىف أحكامــه‪ ،‬والفخــر ىف‬
‫مفاتيح الغيب وهى طويلة»‪ . ‬‬

‫ووجوه اخلالف هنا حول‪" ‬الزىن واحلرمة"‪ ‬فيما ذهب إليه مالك والشافعى‪ ،‬ما جاء ىف‪" ‬الرسالة"‪ ‬وما يــروى عن‬
‫عكرمــة عن ابن عبــاس‪ ،‬وقــول الزهــرى وربيعــة والليث ىف أن الزنــا‪" ‬ينشــر احلرمــة"‪ ، ‬ومــا قــال بــه أبــو حنيفــة وابن‬
‫ماجش ــون وقول ــه م ــات مال ــك على‪" ‬الزن ــا ينش ــر احلرم ــة"‪ ‬فض ــال عن ق ــول ابن املواز‪" ‬ه ــو مك ــروه"‪ ‬وم ــا وق ــع ىف‬
‫املدونــة‪ ،‬واألكــثر على الوجــوب‪ ،‬ومــا تأولــه بعضــهم على الكراهــة‪ ،‬وابن عاشــور بعــد عرضــه لكــل ذلــك يقــول‪:‬‬
‫ف‪ ،‬قصد منـه بيـان صـحة مـا سـلف من ذلـك ىف عهـد اجلاهليـة‪ ،‬وتعـذر تداركـه‬ ‫«والظاهر أن قوله‪ِ" ‬إاَّل ما قَ ْد َسلَ َ‬
‫اآلن‪ ،‬ملوت الزوجني‪ ،‬من حيث إنه يرتتب عليه ثبوت أنساب‪ ،‬وحقــوق مهــور ومـواريث‪ ،‬وأيضـا بيـان تصـحيح‬
‫أنســاب الــذين ولــدوا من ذلــك النكــاح‪ ،‬وأن املســلمني انتــدبوا لإلقالع عن ذلــك اختيــارا منهم‪ ،‬وقــد تــأول ســائر‬
‫ف بوجــوه ترجــع إىل التجــوز ىف معــىن االســتثناء أو ىف معــىن"‪ ‬مــا نكح" محلهم‬ ‫املفســرين قولــه تعــاىل ِإاَّل مــا قَـ ْد َسـلَ َ‬
‫عليها أن نكاح زوج األب مل يقرره اإلسالم بعد نـزول اآليـة‪ ،‬ألنــه قـال ِإنَّه كــا َن ِ‬
‫فاح َشـةً َو َم ْقتـاً َوسـاءَ َسـبِياًل أى‬ ‫ُ‬
‫ومثل هذا ال يقرر ألنه فاسد بالذات»‪ . ‬‬
‫وهــو فضــال عمــا ذكــره املفســرون من تأويــل ىف معــىن االســتثناء أو محلهم فيمــا مل يقــرره اإلســالم ىف عــدم صــحة‬
‫ف فـاحلكم كــان واقعـا على مــا تـرتب‬ ‫نكاح زوجة األب بعد وفاته يبدى ما ظهر له من قوله تعاىل ِإاَّل ما قَ ْد َسلَ َ‬
‫من تقاليد ىف عصر اجلاهلية‪ ،‬ومن مث يتعذر تداركه لألسباب الىت ذكرها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬االستعانة بأقوال الفالسفة وعلماء اهليئة‪ :‬‬


‫وهى من الوسائل الىت استخدمها ابن عاشور ىف التفسري بالرأى‪ ،‬يستعني هبا أحيانا ىف احلدود الىت ذكرها ىف‬
‫‪ ‬املقدمة الرابعة‬
‫‪... ‬‬
‫‪:‬قال‬
‫احلكمة وإن كانت علما اصطالحيا وليس هو متام املعىن لآلية إال أن معىن اآلية األصلى ال يفوت‪ ،‬وتفاريع«‪ ‬‬
‫احلكمة تعني عليه‪ ،‬وكذلك أن تأخذ من قوله تعاىل‪َ :‬كي ال ي ُكو َن دولَةً ب اَأْل ْغنِ ِ‬
‫ياء ِمْن ُك ْم (‪ )١‬تفاصيل من‬ ‫ُ َنْي َ‬ ‫ْ َ‬
‫علم االقتصاد السياسى‪ ،‬وتوزيع الثروة العامة‪ ،‬وتعلل ذلك مشروعية الزكاة واملواريث واملعامالت املركبة من‬
‫‪ .‬رأس املال وعمل على أن ذلك تومئ إليه اآلية إمياء» (‪)٢‬‬

‫أى أن هذه األقوال‪ ،‬ال تعىن وحدها املقصود من اآلية‪ ،‬وإمنا هى تعني على فهمه‪ ،‬أو تشري إليه على حنو من‬
‫‪.‬األحناء‪ ،‬كما ىف اآلية املذكورة ىف الفقرة السابقة‪ ،‬ولكن يبقى املعىن األصلى من عمل املفسرين‬
‫ومما ذكره ابن عاشور من أقوال ىف معىن "العبادة ومراتبها" من كالم اإلمام الفخر الرازى والشيخ الرئيس ابن‬
‫ني (سورة الفاحتة‪ :‬اآلية ‪. )٥‬‬‫اك نَعب ُد وِإيَّ َ ِ‬ ‫ِإ‬
‫اك نَ ْستَع ُ‬ ‫سينا ىف تفسري قوله تعاىل‪ :‬يَّ َ ْ ُ َ‬
‫قال الفخر" مراتب العبادة ثالث‪ :‬األوىل أن يعبد اهلل طمعا ىف الثواب وخوفا من العقاب وهى العبادة‪ ،‬وهى«‬
‫درجة نازلة ساقطة ألنه جعل احلق وسيلة لنيل املطلوب‪ ،‬والثانية أن يعبد اهلل ألجل أن يتشرف بعبادته‬
‫واالنتساب إليه بقبول تكاليفه وهى أعلى من األوىل إال أهنا ليست كاملة ألن املقصود بالذات غري اهلل‪ .‬الثالثة‬
‫أن يعبد اهلل لكونه إهلا خالقا مستحقا للعبادة وكونه هو عبد إله‪ ،‬وهذه أعلى املقامات وهو املسمى بالعبودية‬
‫‪.‬أه‬
‫قلت ومل يسـم اإلمـام املرتبـة الثالثـة باسـم‪ ،‬والظـاهر أهنا ملحقـة ىف االسـم باملرتبـة الثالثـة أعـىن العبوديـة ألن الشـيخ‬
‫ابن سينا قال ىف اإلشارات «العارف يريد احلق ال لشىء غـريه وال يـؤثر شـيئا على عرفانـه وتقيـده لـه فقـط وألنـه‬
‫مستحق للعبادة وألهنا نسبة شريفة إليه ال لرغبة أو رهبة أه فجعلها حالة واحدة»‬

You might also like