You are on page 1of 28

‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫التعاون الدولي في نظريات العالقات الدولي‬

‫يحوز التعاون الدولي عمى اىتماما اكبر في السنوات االخيرة ‪ ،‬خاصة مع زيادة االعتماد المتبادل‬
‫وحاجة المجتمع الدولي إلى العمل المشترك ‪ ،‬وزيادة الوعي الدولي بضرورة العمل الجماعي كاستراتيجية‬
‫لمواجية التحديات الجديدة‪ ،‬التي باتت تستعصى عمى الحمول احادية الجانب كاإلرىاب و قضايا البيئة و‬
‫اليجرة و الفقر ‪....‬الخ ‪.‬‬

‫و في ظل ىذه الظروف أصبح التنظيم الدولي ضرورة ممحة في ظل غياب حكومة عالمية ليا سمطة‬
‫ممزمة عمى الدول ‪ ،‬ليظل االتفاق االختياري الذي يمكن ان يحدث بين الدول وسيمة لحل الكثير من‬
‫االزمات و النزاعات بصفة مشتركة و بالطرق السممية‪ ،‬و ىذا من خالل مؤسسات دولية ليا كيان محدد‬
‫و سمطات معترف بيا يتم االلتزام بأحكاميا‪.‬‬

‫ورغم ان التعاون بين الدول اكثر انتشا ار من الحروب واقعيا‪ ،‬اال ان االدبيات التي قدمت حول التعاون‬
‫الدولي اقل بكثير من تمك التي كتبت حول الحرب ‪ ،‬و ىذا راجع الى بدايات نشوء حقل العالقات الدولية‬
‫الذي أنشئ أساسا لمبحث في اسباب اندالع الحرب‪ ،‬سواء من المثاليين الذين ارادوا القضاء عمييا‪،‬‬
‫او من الواقعيين الذين ارادوا فيم أسبابيا و التعامل معيا كحتمية‪ ،‬و ىو ما عبر عنو والتز بمقولتو "‬
‫الحرب تقع ألنو ال يوجد ما يمنعيا"‬

‫و في ىذا الصدد يشير وليام زرتمان و ساديا توفال ان الصراع غالبا ما اعتبر طبيعيا و قابال لمتفسير‬
‫‪ ،‬عكس التعاون الذي كثي ار ما اعتبر معقدا ‪ ،‬و حتى اىتمام الميبيراليين بالتعاون كثي ار ما ارتبط بياجس‬
‫الحرب بداية بفكرة السالم الدائم اليمانويل كانط وصوال إلى كتاب الوظيفي دافيد ميتراني نظام فعال من‬
‫اجل السالم ‪.A working peace system/‬‬

‫تعريف التعاون الدولي‬

‫يعرفو زرتمان و توفال بأنو الحالة التي يموجبيا تتوافق االطراف عمى العمل مع بعضيا البعض بيدف‬
‫تحقيق مكاسب جديدة لكل المشاركين و التي ال يمكن تحقيقيا بالعمل المنفرد ‪ .‬و ينبو الكاتبان ان التعاون‬
‫يعني اكثر من مجرد ك ونو ضد النزاع ‪ ،‬بل ىو مجموعة من االجراءات االيجابية المحددة و الواعية‪.‬‬
‫و يعرف كوىن التعاون الدولي بانو يحدث عندما تكيف الفواعل سموكيا عمى حسب التفضيالت االنية أو‬
‫المتوقعة من االخرين عبر عممية تنسيق السياسات ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫و تستخمص ىيمين ميمر انطالقا من تعريف كيوىن النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬يفترض التعاون ان سموك كل فاعل يتجو نحو تحقيق ىدف ما ‪.‬‬


‫‪ -2‬يفترض ان الفواعل تتبنى سموكا عقالنيا ‪ ،‬يتعمق بحساب توافق التكمفة مع طبيعة اليدف المنشود‬
‫‪ -3‬يحقق التعاون عوائد و مكاسب متبادلة لكل االطراف المشاركة‬
‫‪ -4‬يتطمب التعاون ان يكيف كل طرف سياساتو توقعا لممكافأة؟‪ ،‬و بيذا يفرض التعاون تكمفة عمى‬
‫كل االطراف‪.‬‬
‫و يستخدم التعاون الدولي حسب زرتمان و توفال لإلشارة إلى استراتيجية الفواعل لحل قضايا‬
‫معينة ‪ ،‬و ىذا ما نجده في نماذج نظرية المباريات ‪ ،‬حيث يحمل نفس معنى االتفاق من اجل‬
‫حل قضية معينة ‪.‬‬
‫و يحمل التعاون معنيين ‪:‬‬
‫المعنى األول ‪ :‬ان حل القضايا يمكن ان يكون بين دول متصارعة‪ ،‬كحاالت التعاون بين الوم و‬
‫االتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة ‪ ،‬او بين اسرائيل و حزب اهلل‪ ،‬أو في عمميات اليدنة أو‬
‫تبادل األسرى ‪ .‬فالخصوم يتعاونون في مناسبات عديدة دون ان يعني ذلك معالجة النزاع نيائيا‪.‬‬
‫و بالتالي التعاريف التي تنظر إلى التعاون كنقيض لمنزاع ال تقدم الكثير في مجال فيم الظاىرة‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬ان التعاون يعني رغبة االفراد في الحفاظ عمى تعزيز التفاعالت‪ ،‬مما يولد‬
‫تعاطفا و شعو ار متبادال مفاده ان رفاه كل طرف يعتمد عمى رفاه االطراف األخرى‪ .‬مع أن ىذا ال‬
‫يحول دون وجود نزاع أحيانا أو التنافس أحيانا أخرى‪.‬‬
‫انواع التعاون ‪:‬‬
‫يمكن لمتعاون أن يتحقق عبر عدة أساليب‪:‬‬
‫التعاون الصريح‪ :‬يشير إلى التعاون الذي يتم عبر عمميات المساومة او التفاوض ‪ ،‬كالتفاوض‬
‫بشأن معاىدة او المساومة حول نزع السالح‪ .‬و حسب ىيمين ميمر ىو الشكل األكثر شيوعا‪.‬‬
‫التعاون الضمني‪ :‬و يحدث نتيجة التقارب بين توقعات الفواعل ‪ ،‬و المثال البارز ىنا معضمة‬
‫السجين اين تكون سياسة التنسيق نتيجة لحساب العوائد‪.‬‬
‫التعاون المفروض‪ :‬يحدث عندما يقوم طرف ما بتغيير سموك طرف أخر بالقوة ‪ ،‬و غالبا ما‬
‫يحدث ىذا النوع في ظل وجود قوة مييمنة في المفاوضات الدولية تجبر االطراف عمى التعاون‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫التعاون في ظل النظرية الواقعية الجديدة‪:‬‬

‫حسب الواقعية الجديدة‪ ،‬الدول ال تتعاون لالستفادة أساسا من الكفاءات المتبادلة لرفع من‬
‫مستوى الرفاه‪ ،‬بل ىي تبحث لمحصول عمى أكبر قدر من التنازالت من الدول األخرى لمصعود إلى‬
‫مصف أعمى من السمطة‪.‬‬

‫كما ترى أن مسائل التوزيع ىي التي تجعل من التعاون صعبا‪ ،‬فبسبب الطابع الفوضوي لمنظام‬
‫الدولي ‪ ،‬غالبا ما تمتنع الدول عن المشاركة في أنظمة التعاون الدولية التي تحسن الكفاءات ‪ ،‬حينما‬
‫تفكر أن الدول األخرى ستحقق مكاسب أىم‪ .‬فالدول منشغمة بموضوع المكاسب النسبية‪ ،‬ىذا ما يعني أن‬
‫األرباح االقتصادية يمكن أن تتحول إلى قدرات عسكرية انطالقا من إرادة حب البقاء‪ .‬فحسب غريكو‬
‫‪ Greico‬الدول ذات حساسية كبيرة لكل تراجع لقدراتيا النسبية‪.‬‬

‫يرى والتز أن االعتقاد بأن االعتماد المتبادل والتعاون بين الدول عامالن لمسمم يرتكبون خطأين‪.‬‬
‫فيم يخطؤن اوال في اعتباره شكل لالستقرار‪ ،‬أو أن الدول تتأثر كثي ار من التطورات الحاصمة لدى‬
‫اآلخرين‪ ،‬األمر الذي يدفعيا إلى التكيف مع ىذا الوضع و يؤدي إلى تقاربيا‪ .‬ألن االعتماد المتبادل في‬
‫ىذا المعنى يعني االرتباط الوثيق الذي يزيد من أفاق صراعات المناسبات‪ ،‬واذا ارتفعت وتيرتو لتتجاوز‬
‫تطور الرقابة المركزية فإنو يسرع من حدوث الحرب‪ .‬وفكرة إحالل السمم عن طريق االعتماد المتبادل‬
‫يؤدي إلى تفسير اقتصادي لمعالم ‪،‬الذي يتجاىل أىمية الالمساواة والتي تعتبر جوىر السياسة الدولية‪.‬‬
‫ويطرح تعريف أكبر أىمية و المتمثل في أن االعتماد المتبادل يعني أن األطراف تابعة لبعضيا البعض‪.‬‬
‫اذ ال يتضمن فقط المجال االقتصادي و التجاري‪ ،‬بل أيضا المجال العسكري‪.‬‬

‫أما الخطأ الثاني ألنصار االعتماد المتبادل ىو رؤيتيم الضيقة لمعالم المرتكزة عمى مستوى‬
‫وحدات متماثمة ىي فكرة محدودة نسبيا‪ .‬وما دام يفترض أن االعتماد المتبادل ىي عالقات قائمة ما بين‬
‫م تساويين فيي تقل كمما زادت االختالفات في توزيع القدرات‪ .‬إ ن طبيعة النظام تتحدد قبل كل شيء‬
‫بالقوى العظمى وىي تقرر ما أن كان االعتماد المتبادل وثيقا أم ال‪ ،‬النظام يكون اعتماديا بطريقة وثيقة أو‬
‫ال حسب درجة التبعية لمقوى العظمى ‪.‬‬

‫وفي الواقع والتز ليس متفائال فيما يخص إمكانيات التعاون بين وحدات النظام‪ ،‬ويرى أن التعاون‬
‫صعب التحقيق ألن الدول تعيش في حالة من التحرك المنفرد‪ ،‬حيث أن االعتبارات األمنية تربط المكسب‬

‫‪3‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫االقتصادي بالمصمحة الوطنية‪ .‬في ىذه الظروف يصبح التعاون صعبا لسببين ىما الخوف من التبعية‬
‫واالنشغال بالمكسب النسبي‪.‬‬

‫ويوافق الكاتب ميرشايمز ‪ Mearsheimes‬عندما يؤكد أن المؤسسات ىي أساسا انعكاسا لتوزيع‬


‫القوة في العالم‪ ،‬وىي مرتكزة عمى الحسابات األنانية لمقوى الكبرى وليس ليا أي اثر مستقل عمى سموك‬
‫الدول‪ .‬ويرى والتز أنو في وضعية الفوضى الدول ممزمة أن ال تتسأل إذا ما سنربح كالنا و لكن من‬
‫سيربح أكثر؟ كما يرى غريكو أن الدول بطبيعتيا تموقعية أي أنيا دائما في حالة قياس موقع احدىا‬
‫بالمقارنة مع األخرى‪ .‬وينتج عنو ما يسمى بالمكسب النسبي‪ .‬ويضع غريكو الخشية من المكسب النسبي‬
‫في إطار المصمحة العميا‪.‬‬

‫فالدول في حالة قمق كون أن صديق اليوم يمكن أن يكون عدو الغد في الحرب‪ ،‬و يخشى أن‬
‫المكسب الذي يمنح امتيا از لمصديق الحالي يمكن أن ينتج عدو قوي وخطير في المستقبل‪ ،‬و بالتالي يجب‬
‫عمى الدول أن تنتبو جيدا لمكاسب شركائيا‪.‬‬

‫يعتبر التعاون في العالقات الدولية صعب أيضا عمى الرغم من أىميتو‪ ،‬لسبب أساسي وىو غياب‬
‫سمطة فوق قومية تسير عمى تنفيذ االتفاقيات ‪ ،‬فبعض الدول تحاول الحصول عمى ربح غير شرعي‪ ،‬أو‬
‫شريف من خالل عدم احترام وعودىا‪ .‬ويصبح التيديد بالعقوبات بالنسبة لمعديد من المحممين أو الوعود‬
‫باألرباح غير كافي‪ ،‬ويبقى دور القانون محدود‪.‬‬

‫الفوضى الدولية ومعضمة األمن تجعل من التعاون غالبا صعب في العالقات الدولية‪ .‬في إطار‬
‫فوضوي كل يعمل لنفسو‪ ،‬يكون اليدف األساسي لمدول ىو منع اآلخرين من إحراز أي تقدم‪ .‬وفي الغالب‬
‫تستخدم المكاسب الكبرى النسبية كذريعة لت فادي الوصول إلى تسوية واتفاق الذي لم نطمح لو ولم نرغب‬
‫فيو بكل األحوال‪ .‬فالدولة منشغمة بالربح النسبي الذي يمكن أن تحصل عميو أكثر من الربح المطمق‪،‬‬
‫وتفضل أن تفوز أقل ألن ضعف الدولة األخرى أىم من الحصول عمى ربح مرتفع يقتسم‪.‬‬

‫النظرية النيوليبيرالية‬

‫يرى أنصار ىذه النظرية أن النظريات السابقة لم توفق في تفسير لماذا الدول تتعاون فيما بينيا؟‬
‫وتطور المؤسسات الدولية؟ وينطمقون في تحميميم من حيث أن العالقات بين األمم ال يمكن تمخيصيا‬

‫‪4‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫فقط في العالقات الدبموماسية واالستراتيجية ‪ ،‬بل يجب أن تتم عمى مختمف مستويات التحميل الذي يعيد‬
‫النظر في اليرمية التقميدية القائمة عمى القوة العظمى‪ .‬ويؤكد النيوليبراليون مثل الواقعيون الجدد عمى أن‬
‫الدولة تبقى الفاعل الذي يسيطر عمى العالقات الدولية‪ ،‬مع االعتراف بأىمية أنواع أخرى‪ ،‬وعمى األخص‬
‫مقرات التبادل بين الدول والمتمثمة في المؤسسات‪ .‬وفي ىذا الصدد يعرف كوىن النظام الدولي عمى انو‬
‫مجموع القيم والقواعد واإلجراءات التي تحكم االعتماد المتبادل في مختمف المجاالت‪.‬‬

‫وقد تطورت النيوليبرالية من عابرية الحدود إلى نظرية األنظمة‪ ،‬وسجمت تقاربا مع الواقعية الجديدة‬
‫دون أن تتخمى عن أرائيا طيمة ىذا المسار‪ .‬وترى نظرية األنظمة كذلك بالطبيعة الفوضوية لمنسق‬
‫الدولي‪ ،،‬اال أن مصطمح الفوضى بالنسبة ليم ال يعني أن الساحة الدولية ىي عالم غير منظم لمصراع‬
‫الكل ضد الكل‪ ،‬و ال تعني غياب سموك التعاون‪ ،‬الن الدول يمكن أن تكون ليا مصالح متقاربة تساعد‬
‫عمى وجود أنظمة دولية رغم غياب قوة مييمنة تحقق ذلك‪ .‬فاألنظمة ىي نتاج حسابات ذات منفعة يقوم‬
‫بيا الفاعمين الدوليين العقالنيين في ظروف خاصة عندما يكون لمدول مصالح متقاربة‬

‫لمنظام الدولي‪ ،‬السموك الدولي ممأسس‪ ،‬وبتعبير آخر‪ ،‬الدول‬ ‫عمى الرغم من البنية الفوضوية‬
‫بأنانيتيا تتعاون فيما بينيا في إطار القواعد التي وضعتيا لتنظيم العالقات في المجاالت األكثر اختالفا‪:‬‬
‫(سمم أمن دولي‪ ،‬ىيئة األمم المتحدة)‪ ( ،‬مبادالت تجارية‪ ،‬االتفاقية العامة لمتعريفة الجمركية‪ ،‬المنظمة‬
‫العالمية لمتجارة)‪' .‬العالقات الدولية النقدية‪ ،‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬البنك العالمي)‪ ،‬السباق نحو‬
‫التسمح‪...‬الخ‪ .‬فبالنسبة لمنيوليبرالين المصالح األنانية والعقالنية ل ال تمنع الدول من الحصول عمى‬
‫مصالح مشتركة‪ ،‬بل يمكن أن تترجم بإرساء أنظمة دولية عمى الرغم من غياب المييمن‪.‬‬

‫ويأتي تحميل الميبرالي لتدارك النقص الذي وقع ت فيو الواقعية التي تجاىمت عوامل عديدة في العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬فعمى سبيل المثال ىي ال تستطيع تفسير ازدياد درجة االعتماد بين الدول‪ ،‬وأن ىناك قوى يتعدى‬
‫أثرىا الحدود الجغرافية لمدول‪ ،‬وىذا ما أسماه جوزف ني و روبرت كوىن بالعالقات العابرة لمحدود‪ .‬و‬
‫يصل كوىن إلى نتيجة مفادىا أن الدول تبقى الفاعل المركزي لمعالقات الدولية‪ ،‬ولكن قدراتيا الرقابية‬
‫تناقصت لصالح فاعمين آخرين‪.‬‬

‫وفي ىذا الصدد يرى أكسمورد ‪ Robert Axelrod‬أن التعاون الدائم يمكن إرساؤه بين الفاعمين‬
‫األنانيين عندما يتأكدون انو من مصمحتيم كسر العزلة‪ ،‬و إقامة عالقات من التعاون القائمة عمى‬

‫‪5‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫التبادلية‪ ،‬فالدولة باعتبارىا فاعل وحيد وعقالني وأناني في بحث دائم عن تعظيم المصمحة‪ .‬وبالتالي يأتي‬
‫تفسيرىم بأن األنظمة الدولية ال تؤسس من منطمق القوة بل من منطمق المصمحة‪.‬‬

‫والواقع أنو في ظل ظروف (االعتماد المتبادل المعقد) تتعدد الرىانات بناءا عمى توزيع الموارد‪ ،‬حيث‬
‫تؤثر األحداث الجارية في منطقة ما من العالم أو في تركيبة معينة في النظام الدولي‪ ،‬في األحداث‬
‫الجارية لمتركيبات األخرى‪ .‬ىذه الالمساواة لمفاعمين في مواجية تحديات بيئتيم تسمح لمكالم عن االعتماد‬
‫المتبادل الالمتوازن‪ .‬وبالتالي تتصور نظرية االعتماد المتبادل عالم أين العالقات عابرة القومية تمعب‬
‫دور أكثر فأكثر أىمية‪ ،‬وأين شبكات ومنظمات غير حكومية تعرف انتشا ار يجعل من مسار اتخاذ القرار‬
‫لدى الدول أكثر تعقيدا‪ ،‬والمجوء إلى القوة يعتبر ىامشي أكثر فأكثر‪.‬‬

‫بالنسبة لمنيوليبراليين مشكل رقابة و متابعة سموكات الدول األعضاء في نظام معين ‪monitoring‬‬
‫ومشاكل معاقبتيم ىي مشاكل غير حقيقية‪ ،‬ألن ىذا ال يكون إال في التعاون الوحيد‪ ،‬أي عندما يمعب‬
‫الفاعمين مباراة واحدة‪ .‬و ىنا تكون سياسة التصرف المنفرد ذات فائدة ‪ ،‬لكن في حالة المعبة المتكررة‬
‫يكون التعاون مستقر وفعال‪ ،‬واالستراتيجية الرابحة ىي مقابل – مقابل‪.‬‬

‫وفي حالة اخالل دولة باالتفاق يضع سمعتيا عمى المحك‪ ،‬فالدول تخشى أن يؤدي خرقيا لمقواعد‬
‫إلى خرق من طرف اآلخرين‪ ،‬حتى لو لم يفرض عمييا عقوبات‪ .‬بتعبير آخر خرق االتفاق حتما يجمب‬
‫فوائد فردية آنية ولكن يخمق اليقين جماعي‪ ،‬الذي يكون لو انعكاس عمى المنفعة الفردية الالحقة‪ .‬فمن‬
‫الميم المحافظة عمى السمعة‪ ،‬ألن المجاالت المختمفة لمتعاون مترابطة‪ ،‬و ألن الدولة التي تربح في زمن ‪t‬‬
‫في مجال معين من مصمحتيا أن تبقى داخل النظام بأمل أن تفوز في زمن ‪ t+1‬أو‪. t+2‬‬

‫كما يرون أن كل ممارسة لمتعاون بين الدول تترتب عنيا عقائد وقواعد وممارسات التي تشكل مضمون‬
‫األفعال المستقبمية‪ .‬فكان اإلسيام اليام لممؤسساتية لمنيوليبرالية في كون أنو يمكن فيم األفكار كقناعات‬
‫قائمة عمى مبادئ ‪ ،‬أو كقناعات سببية يمكن استخداميا كورقة دليل الطريق لمساعدة الفاعمين عمى‬
‫اختيار طريق السير الذي يتالءم أكثر مع فيميم القيمي والتحميمي‪ ،‬كما تسمح ىذه القناعات لمدول حل‬
‫معضالت العمل الجماعي‪.‬‬

‫وفي األخير األفكار يمكن أ ن تؤثر عمى الدول إذ ما كانت مقحمة داخل إطار مؤسساتي‪ ،‬فأفكار‬
‫التبادل الحر منغرسة في مجموعة كبيرة من المؤسسات‪ ،‬صندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية لمتجارة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫‪ judith goldstein‬مفيوم كون أن المؤسسات الدولية تنشر األفكار‬ ‫وقد طبق جوديث غولدستان‬
‫والقواعد وتجعميا شرعية ‪ ،‬وىذا عمى ما يحدث في المنظمة العالمية لمتجارة والجات‪ .‬ويركز كوىن عمى‬
‫أىمية المؤسسات التي عمى مستواىا تتعدد التصورات واألفكار والقواعد والقيم‪.‬‬

‫وفي األخير يمكن القول أن الفائدة المتحصل عمييا من العمل الجماعي عمى قدر كبير من‬
‫األىمية وأعمى من تمك المتحصل عمييا بصفة انفرادية‪ ،‬فيي تسمح لمدول الوصول إلى األىداف التي‬
‫تكون خارج قدرتيا بتسييل االتفاقيات ما بين الحكومات‪ ،‬ترفع من احتماالت التعاون بتخفيض التكاليف‪،‬‬
‫تخمق شروط المحفزة لممفاوضات متعددة األطراف التي توجو السموكات الدوالتية ‪ ،‬وتحسن نوعية المعمومة‬
‫التي تتوفر عمييا الحكومات‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫المحور ‪ 2‬االطار المفاهيمي لمتكامل‬


‫تحت تأثير عولمة االتصال واإلعالم وطوفان المعمومات‪ ،‬وظيور األزمات المشتركة وعابرة‬
‫لمحدود مثل المخدرات واليجرة واإلرىاب والتموث البيئي واألمراض المعدية واألوبئة والتصحر وتموث‬
‫المياه‪ ،‬ومخمفات الحروب ‪..‬الخ ‪ .‬ونظ ار لتداعي األزمات االقتصادية التي رافقت حركة العولمة في بعدىا‬
‫وفي ظل تعدد الفاعمين أضحى التكامل ضرورة حيوية لزيادة‬ ‫التكاممي المالي غير الكامل والمتأزم‪،‬‬
‫مناعة الفاعمين في مواجية األزمات المتكررة والمتداعية عبر حدودىا‪.‬‬

‫واذا كان التنظيم الدولي يعمل عمى ايجاد منظمات دولية واقميمية تتحرك ما بين الدول‪ ،‬فإن‬
‫التكامل الدولي يوجد مؤسسات فوق الدولة القومية تكون قادرة عمى اتخاذ ق اررات ممزمة لمدول واألطراف‬
‫في عمميات تكاممية ‪ ،‬أي تحويل لجزء من الصالحيات والسمطات من الدول إلى مؤسسات التكامل بصفة‬
‫مستقمة‪.‬‬

‫ويؤكد ىذا التصور واقع العالقات الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية أين شكمت اإلقميمية أو االندماج‬
‫اإلقميمي ظاىرة ممفتة لالنتباه ‪ ،‬مما جعل توظيف التكامل الدولي في أدبيات العموم السياسية غالبا ما‬
‫يقصد بو التكامل اإلقميمي‪ .‬و تكرست ظاىرة التكتالت االقتصادية في عالم ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬حتى‬
‫القوى الكبرى اتجيت نحو التكتل االقتصادي مثل الواليات المتحدة األمريكية من اجل تعظيم المكاسب‬
‫المستوحاة من تزايد الثروة ‪ ،‬والتدفق الحر لمسمع والخدمات‪ ،‬وتنقل األشخاص والمعمومات واألفكار عن‬
‫طريق التنظيمات عبر وطنية‪.‬‬

‫اذ يع د التكامل في العصر الحالي وسيمة فعالة لتحقيق مجموعة من األىداف التي يصعب تحقيقيا في‬
‫إطار الدولة القطرية ‪ ،‬فيو ال يؤدي إلى حل مشاكل التنمية السياسية واالقتصادية فقط ‪ ،‬ولكن يوسع‬
‫ويزيد من احتماالت وفرص التنمية لموحدات المؤىمة لعممية التكامل‪.‬‬

‫تعريف التكامل‬

‫إن طبيعة االندماج االقميمي أىدافو‪ ،‬سبل ارسائو‪ ،‬ونتائجو ىي موضوع الخالف حتى بالنسبة‬
‫لمنموذج األكثر تقدما وىو النموذج األوروبي‪ .‬فالنظرية التكاممية تعاني من بعض الثغرات السيما في‬
‫عدم وجود تعريف مشترك لمفيوم التكامل واتفاق عام عمى مؤشراتو‪ .‬وفي ىذا الصدد يرى جوزيف ني أن‬
‫سبب عدم االتفاق راجع لكون بعض الباحثين يضع نموذجو التكاممي انطالقا من دراسة أسباب أو‬
‫ديناميكية التكامل‪ ،‬بينما يضع آخرون نماذجيم استنادا لدراسة التكامل بعد إنجازه ‪ ،‬ومن ىنا فإن‬
‫االختالف في المؤشرات يؤدي إلى االختالف في التعاريف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫كما أن موضوع التكامل متصل بالدراسات المحمية بمقدار اتصالو بالدراسات الدولية والمقارنة‪..‬‬
‫وتواجو دراسة التكامل مشكمتين أساسيتين ‪:‬‬

‫‪ – 1‬مشكمة تنبع من دراسة الخالفات بين األفراد ومستوى الوالء لممجتمع السياسي‪.‬‬

‫‪ – 2‬مشكمة إنجاز األسس الشكمية والموضوعية لالتفاق داخل النظام السياسي‪.‬‬

‫و من ىنا تعتبر صياغة تعريف دقيق لمتكامل ميمة صعبة‪ ،‬ليس بسبب اختالف التوجيات األكاديمية‬
‫و االيديولوجية لمباحثين‪ ،‬لكن أيضا بسبب التغيرات التي تشيدىا التجارب التكاممية‪ ،‬إلى جانب تباين‬
‫المسارات التكاممية بين الدول النامية والمتقدمة‪.‬‬

‫في ىذا الصدد يمكننا ان نذكر أىم تعاريف التكامل ‪:‬‬

‫يعرف التكامل في الموسوعة السياسية أنو حالة من التوافق واالنسجام واالعتماد المتبادل بين‬
‫أجزاء وأطراف تشكل في مجموعيا وحدة أو نظاما‪ ،‬حيث تكون خصائص الوحدة أو النظام ككل غائبة‬
‫في أي من العناصر المكونة لوحدىا‪.‬‬

‫واالتجاه العام يعرفو عمى أنو شكل من أشكال التعاون أو التنسيق بين الدول المختمفة‪ .‬وينتقد‬
‫ىذا التعريف التساعو كونو يعتبر كل عالقة تعاونية بمثابة عالقة تكاممية‪ ،‬وىو ما يجعل التكامل‬
‫مفيوما ال معنى لو ‪ ،‬كما أنو يغفل التمييز بين التكامل من ناحية والتعاون والتنسيق من ناحية أخرى‪.‬‬

‫االتجاه الثاني وىو اتجاه أكثر تحديدا و يعتبر التكامل عممية لتطوير العالقات بين الدول‬
‫وصوال إلى أفعال جديدة مشتركة من المؤسسات والتفاعالت التي تؤثر عمى سيادة الدولة ‪ ،‬ومن ثم فيي‬
‫عممية تتضمن نقل ا الختصاصات في مجاالت معينة من الدولة إلى ىيئات ومؤسسات اقميمية‪.‬‬

‫و يرى دويتش أن االندماج مرتبط بإرساء منظمات‪ ،‬جمعيات‪ ،‬مؤسسات سياسية لتشكيل جماعة‪،‬‬
‫و التي ىي تعبر عن مجموعة من األشخاص تتقاسم خصائص مشتركة‪ ،‬تنسج عالقات ثقة و تقدير‬
‫من احد اعضاء الجماعة نحو اآلخرين ‪ .‬ويمكن اعتبار أن التكامل يبدأ عادة في صيغة نمط جد متقدم‬
‫من االعتماد المتبادل بين مجموعة من الوحدات السياسية‪ ،‬ولكنو ال يكتمل إال إذا بمغ حالة الجماعة‬
‫السياسية واألمنية واالقتصادية واإليديولوجية الحقيقية ‪.‬‬

‫فحسب دويتش ىو المسار الذي يقود إلى وضع يشعر فيو مجموعة من الناس في رقعة‬
‫جغرافية معينة بالوصول إلى جماعة‪ ،‬ومؤسسات‪ ،‬وسموكيات تضمن عمى المدى البعيد توقعات مشتركة‬
‫إلحداث التحول السممي من مواطنييا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫‪.‬‬

‫ويعرف هاس من جانبو الذي يعد من ابرز رواد النظرية الوظيفية الجديدة ‪،‬بأن التكامل ىو‬
‫المسار الذي تقتنع من خاللو الفواعل السياسية في دول وطنية عمى تحويل والءاتيا و توقعاتيا و‬
‫نشاطاتيا السياسية نحو مركز جديد تمتمك مؤسساتو صالحيات أوسع من صالحيات الدول األعضاء‪.‬‬

‫وحسب رأيو إذا كان الوضع الحالي يعبر عن سمسمة من التفاعالت بين الوطنية من خالل‬
‫المشاركة في المنظمات الدولية‪ ،‬فالتكامل يصبح العممية التي من خالليا يزداد التفاعل الذي سييدف إلى‬
‫الغاء الحدود‪.‬‬

‫يعرف دافيد ميتراني عممية التكامل بأنيا اتساع لقاعدة التعاون الدولي وذلك انطالقا من‬
‫القطاعات التي ال تثير خالفات سياسية‪ ،‬والتي يعيد بيا إلى الفنيين أو التكنوقراط ‪ .‬و أن نجاح ىذا‬
‫التعاون سيؤدي إلى انتشاره إلى بقية القطاعات األخرى‪ ،‬وسيعمل عمى خمق المزيد من الحاجات ‪،‬‬
‫وبالتالي الحاجة إلى المزيد من التعاون‪.‬‬

‫في حين يعتبر أميتاي اتزيوني عمى أن المجتمع يصبح متكامال إذا كان يمتمك سيطرة فعالة‬
‫في استخدام أدوات العنف واإلكراه‪ .‬حيث يكون ليذا المجتمع مركز التخاذ القرار يقوم بدور توزيع الثواب‬
‫والعقاب داخل المجتمع ‪ ،‬ويمثل البؤرة الرئيسية لتحديد اليوية السياسية لمشعب‪ .‬وبالتالي يعتبر أن‬
‫المجتمع يسي ر نحو التوحيد السياسي إذ توفرت فيو مقومات التكامل السياسي‪ ،‬أي أن التكامل سابق عمى‬
‫التوحيد والدور الذي يمعبو التوحيد ىو تعزيز الروابط بين القوى أو وحدات النظام‪.‬‬

‫و عرف ليون ليندبرغ في دراسة لو عن السوق األوروبية المشتركة أن التكامل ىو العممية التي‬
‫تجد الدول نفسيا راغبة أو عاجزة عن إدارة شؤونيا الخارجية أو الداخمية باستقاللية عن بعضيا البعض‪،‬‬
‫وليذا فيي تسعى التخاذ ق اررات مشتركة في ىذه الشؤون أو تفوض أمرىا لمؤسسة جديدة أو منظمة دولية‬
‫مثال‪.‬‬

‫ويعتبر دويتش و اتزيوني أن الشعوب تعممت بأن تعتبر نفسيا أعضاء في مجتمع معين‬
‫كنتيجة لنماذج االتصال القائمة داخل تمك المجتمعات‪ .‬ويعتقد الباحثون في التكامل أن السموك التكاممي‬
‫يعود إلى تماثل في التوقعات سواء الثواب (الحصول عمى مكاسب) أو العقاب وىو رد خطر معين‪.‬‬
‫والمالحظ أن ىذه التوقعات تتطور بشكل أساسي بين أفراد النخبة داخل المجتمع سواء في القطاعين العام‬
‫أو الخاص‪ .‬ونجاح عممية التكامل يعتمد بشكل أساسي في قدرة النخبة في إعطاء األولوية واألىمية‬
‫لعممية التكامل وتحديد مسارىا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫وفي الواقع يتفق باحثو ظاىرة التكامل عمى المالمح العامة ليذه الظاىرة ‪،‬والسيما وأن اىتمام‬
‫أغمبيم يدور حول الكيفية التي يتم بيا تحويل الوالءات وأنماط االتصال بين الوحدات المتكاممة‪.‬‬

‫تحديد مصطمح التكامل والمصطمحات األقرب له في الداللة‬

‫التعاون‬

‫ىو التفاعالت التي تنمو بين عدة دول‪ ،‬وعادة ما يرتكز عمى االتصاالت والتعامالت الحكومية‬
‫والتفاعالت الشعبية غير المقيدة بتوجييات معينة‪ ،‬اي النابعة من أسس اجتماعية ومصمحة حقيقية‪.‬‬

‫وىو عبارة عن مجيودات وسموكيات تيدف إلى ضبط وتعديل سياسات مجموعة من األطراف‬
‫في ميدان أو ميادين معينة‪ ،‬دون أن يؤدي ذلك إلى إحداث انعكاسات بنيوية مباشرة من أجل تحقيق‬
‫أىداف محددة بدقة ‪ ،‬و دون أن يؤدي ذلك إلى وجود رغبة في توسيع المبادرة إلى مجاالت أخرى‬
‫بالضرورة‪.‬‬

‫والفرق بين التعاون والتكامل يكمن في أن التعاون من أقدم أشكال العالقات بين الدول‪،‬‬
‫ويتضمن أفعال تيدف إلى التقميل من التمييز‪ ،‬مثل االتفاقيات الدولية في مجال السياسات التجارية ‪ ،‬في‬
‫حين أن عممية التكامل تشمل تدابير فاعمة عمى قدر من التمييز‪ ،‬كإزالة الحواجز القائمة في وجو التجارة‪.‬‬
‫و بالتالي التعاون يعني إقامة رابطة تبادل منفعية إرادية دون أن يتوقع بسببيا فقدان األطراف استقالليم‪.‬‬
‫في حين أن التكامل يقوم عمى رابطة إرادية تفترض اندماج دولتين أو أكثر يمكن من خاللو أن تتعمق‬
‫حالة االعتماد المتبادل الييكمي‪ ،‬التي تؤدي في النياية إلى نوع من ققدان حالة االستقاللية الوطنية‬
‫السابقة ‪ ،‬واجزاء ىامة من السيادة الوطنية لصالح سيادة متقاسمة بإنشاء كيان فوق وطني‪.‬‬

‫لضرورة‪.‬‬

‫االعتماد المتبادل‬

‫يقصد بو الوضعية التي تتداخل وتترابط بواسطتيا الفواعل الدولية بالشكل الذي يجعل ما يحدث إلحداىا‬
‫في أية منطقة جغرافية يؤثر بطريقة مباشرة وسريعة عمى األطراف األخرى‪ .‬ويعتقد رواد اتجاه أو مقاربة‬
‫االعتماد المتبادل أن العصرنة والتطور الصناعي والثورة التكنولوجية في ميدان االعالم واالتصال سوف‬
‫يؤدي إلى تقوية عوامل االرتباط والتداخل بين الدول والمجتمعات‪ .‬وىو يصف طبيعة العالقات بين‬
‫الدول أين تندمج وتتكامل اقتصادياتيا‪ ،‬وىو مفيوم يدعو إلى التضامن بالقضاء عمى االختالفات الناجمة‬
‫عن الالمساواة والمصالح المتصارعة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫وبالتالي ىو حالة تعكس زيادة التدفقات التجارية النقدية والثقافية ‪ ،‬كما يعكس التحوالت الييكمية‬
‫الذي يفرضيا تطور النظام االقتصادي ‪ ،‬دون أن يكون بالضرورة قائم عمى أساس مؤسسات فوق قومية‬
‫كمركز التخاذ الق اررات‪.‬‬

‫الوحدة‬

‫تعبر عن ذوبان دول التكامل في شخص ية اعتبارية دولية جديدة إما مركزية أو فدرالية‪ ،‬أما‬
‫التكامل أو االندماج الدولي فقد يستيدف الوحدة الكاممة أو التعاون والتنسيق المتقدم في مجاالت محددة‪،‬‬
‫وىو في كل الحاالت يقتضي االنخراط في عممية تنازل عن جزء من السيادة لصالح مركز جديد فوق‬
‫قومي تحقيقا لمنافع ومصالح مشتركة ومنو نقل الوالء‪.‬‬

‫يتضح من تجارب التكامل الدولي إما انيا تعبر عن إرادة سياسية من أجل ضمان األمن‬
‫والتعاون بين الدول األعضاء‪ ،‬واما أنيا تخضع لمنطق وظيفي يرتبط بتحقيق حاجات أساسية يمكن‬
‫تأمينيا من خالل تعزيز التبادل و االتصاالت بين الشعوب‪.‬‬

‫التحالف‬

‫ىو اتفاق رسمي بين دولتين أو أكثر لمتعاون فيما بينيا لمواجية أخطار أمنية مشتركة‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫تحسين األوضاع األمنية لألطراف‪ ،‬و يمكن أن يتخذ أشكال مختمفة سياسية او اقتصادية لكنو في‬
‫األغمب ىو عسكري‪.‬‬

‫االقميمية‬

‫ىي مسار تنموي في منطقة جغرافية معينة و شكل من أشكال التعاون المؤسساتي بين دولتين أو‬
‫أكثر‪ ،‬و أحيانا تشير إلى بناء سياسي يتم قيادتو من طرف مجموعة من الدول ىدفو تنظيم العالقات‬
‫بينيا وترقية التعاون متعدد األبعاد‪ .‬وقد استبدلت منظمة التجارة العالمية منذ ‪ 1890‬مصطمح االقميمية‬
‫ب التكامل االقميمي لإلشارة إلى فعل من أفعال الترتيبات المؤسساتية اليادفة لتحرير و تسييل التجارة‪ .‬كما‬
‫يعرفيا بعض الباحثين عمى أنيا تركيز التدفقات االقتصادية في فضاء جغرافي معين‪.‬‬

‫و تجسد مفيوم وسط ي تناول التفاعالت التعاونية بين الدول سواء عمى المستوى القاري أو عمى‬
‫مستوى األقاليم الفرعية‪ ،‬وىي حالة وسيطة بين المحمية التي تدفع األفراد والجماعات والمؤسسات لتضيق‬
‫نطاق اىتماماتيا سواء السياسية أو االقتصادية ‪ ،‬وبين العولمة التي تيدف إلى إزالة الحدود من أجل‬
‫السوق‪ ،‬وتتسم التفاعالت االقميمية بأنيا اختيارية كما تتضمن تنازالت عن جزء من سمطة القيادة العميا‬

‫‪12‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫لتمثل جماعة وتتصرف باسميا‪ ،‬وبالتالي يتداخل مفيوم االقميمية مع مفيوم التكامل ليعبر عن نفس‬
‫الحالة و المسار‪.‬‬

‫و بالنسبة لكارل دويتش اإلقميمية ىي حالة مجموعة من الدول في وضعية اعتماد متبادل مكثف‬
‫في عدد كبير من المجاالت المختمفة‪ ،‬فيي تفاعالت سياسية سوسيواقتصادية مما يجعل ىذه الجماعة‬
‫تتميز في تسييرىا عن مجموعات أخرى مشابية ليا ‪.‬‬

‫فاإلندماج االقميمي ىو المسار الذي من خاللو تتكاثف وتنمو التفاعالت بين بعض الدول وبعض‬
‫الجماعات مما يسمح من بناء جماعة ذات االعتماد المتبادل االقتصادي الوثيق‪ .‬فاليوية المشتركة تحث‬
‫في اقميم جغرافي معين عمى تطوير أفعال مشتركة متأسسة يمكن أن تصل إلى درجة االتحاد السياسي‪.‬‬
‫وكل المعايير يمكن أن تحدد االقميمية ‪ :‬القرب الجغرافي‪ ،‬تقنين وتكثيف التفاعالت‪ ،‬الرؤوية والتصور‬
‫المشترك بوجود نظام اقميمي‬

‫مجاالت التكامل‬

‫التكامل االقتصادي‬

‫ىو مسار أو حالة يتضمن مجموعة من التدابير واإلجراءات لتقميص التمييز بين االقتصادات الوطنية‬
‫المختمفة أو يتخذ عدة أشكال ‪:‬‬

‫منطقة التجارة الحرة وبمقتضاىا يتم إزالة الرسوم والحصص بين الدول األعضاء‬ ‫‪-‬‬
‫االتحاد الجمركي وضع تعريفات جمركية مشتركة لمدول غير األعضاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫السوق المشتركة ‪ :‬وىي اتحاد جمركي يرفع الحواجز غير الجمركية المفروضة في التجارة كما‬ ‫‪-‬‬
‫يرفع القيود عن حركة األفراد والسمع‪.‬‬
‫االتحاد االقتصادي حيث تمجأ الدول األعضاء إلى تنسيق السياسات االقتصادية الوطنية‬ ‫‪-‬‬
‫بيدف تجاوز الفوارق الناجمة عن تباين السياسات االقتصادية‪.‬‬

‫و يوحد التكامل االقتصادي السياسات النقدية والجبائية واالجتماعية ويشكل ىيئة فوق قومية تكون‬
‫ق ارراتيا ممزمة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫التكامل السياسي‬

‫وىو مسار توحيد لمجموعة من األمم المختمفة دون المجوء إلى العنف‪ .‬وىو تطور لنسق‬
‫صناعة القرار الجماعي والمشترك بين الدول‪ ،‬تتنازل فيو ىذه األخيرة عن جزء من سيادتيا واستقالليتيا‬
‫في عممية صناعة القرار بيدف خمق واستخدام الموارد المشتركة لمصالح العام‪.‬‬

‫و يعرف كارل دويتش التكامل السياسي بأنو فيو الحالة التي تمتمك فييا جماعة معينة شعو ار‬
‫كافيا بالجماعية وتماثال في مؤسساتيا االجتماعية وسموكيا االجتماعي إلى درجة تتمكن فييا ىذه الجماعة‬
‫من التطور بشكل سممي‪ .‬و بالتالي حسب دويتش التكامل ىو الحالة التي يحل فييا األفراد داخل المجتمع‬
‫الواحد خالفاتيم بطريقة سممية بدال من المجوء إلى العنف ‪.‬‬

‫اما فيميب جاكوب فيرى أن التكامل السياسي يتضمن بشكل عام إحساسا بالجماعية بين أفراد‬
‫الشعب في كيان سياسي واحد ‪ ،‬وىو ما يعني بوجود روابط مشتركة بين األفراد تجعميم يشعرون بذاتية‬
‫خاصة بيم‪.‬‬

‫التكامل األمني‬

‫في الواقع يصعب التمييز بين التكامل األمني والتكامل السياسي بسبب تداخل األىداف واآلليات‪.‬‬
‫ففي أغمب الحاالت تكون الدوافع األمنية والدفاع عن المصالح المشتركة أو الحدود االقميمية وراء ىذا‬
‫النوع من التكامل‪.‬‬

‫شروط التكامل‬

‫ال يمكن إيجاد شروط واحدة يمكن تعميميا عمى كل الظواىر التكاممية وىذا لسببين ‪:‬‬

‫‪ – 1‬تباين نظرة وتصور المقاربات النظرية لظاىرة التكامل وآليات تحقيقو واألىداف المرتبطة بو‪.‬‬

‫‪ – 2‬اختالف الظروف الداخمية االقميمية والدولية المحيطة بمسارات التكامل االقميمي‪.‬‬

‫ويمكن تحديد عمى العموم شروط يمكن أن تساىم في نجاح التكامل ‪:‬‬

‫‪ – 1‬تجانس القيم والمعتقدات ‪:‬‬

‫إن التشابو في النسق الفكري الذي تؤمن بو المجتمعات والدول يساعد عمى بروز تصورات‬
‫وادراكات فوق قومية حول كيفية معالجة القضايا المشتركة‪ ،‬ورسم االستراتيجية الكفيمة بالوصول إلى حالة‬
‫الجماعة السياسية الجديدة‪ ،‬حيث يرى بورتن ‪ BURTON‬أن تجانس القيم والمعتقدات يزيد من مرونة‬

‫‪14‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫وقدرة السمطات لموحدات المعنية بمسار التكامل عمى تغيير أولوياتيا ومؤسساتيا من أجل االستجابة‬
‫لشروط ومتطمبات التكامل لذلك‪ .‬فاأل نساق الفكرية والمعرفية وااليديولوجية التي ال تقبل التصحيح و‬
‫التغيير تجعل من التكامل ميمة صعبة التجسيد‪.‬‬

‫‪ – 2‬المصمحة المشتركة ‪:‬‬

‫إن إدراك الدول بارتباط مصالحيا الحيوية واالستراتيجية بمسار التكامل من الشروط الضرورية‬
‫لبداية أية تجربة إقميمية‪ ،‬بالرغم من استحالة وجود تجانس كمي بين األىداف التي تريد كل دولة‬
‫تحقيقيا‪ .‬فوجود مصمحة تعتبر بمثابة الرابطة التي تضمن تشبث الوحدات السياسية بالتجربة التكاممية‬
‫بالرغم من العراقيل التي يمكن أن تواجو مشروع التكامل‪.‬‬

‫إن الدول عادة ما تنخرط في عمميات التكامل ييدف الحصول عمى فرص وقدرات جديدة‬
‫تمكنيا من تحسين أوضاعيا ومستوياتيا االقتصادية واالجتماعية واألمنية ‪ ،‬و يمكن أن ال تحصل الدول‬
‫عمى فرص متساوية ولكن يمكن لممشروع التكاممي تعويضيا في مجاالت اخرى و تحصل عمى الفرص‬
‫في ميادين أخرى‪.‬‬

‫‪ – 3‬العامل الخارجي ‪:‬‬

‫كان دائما التيديد الخارجي عامل محدد في رسم العالقة بين الوحدات السياسية ‪ ،‬فكمما كان‬
‫إذ‬ ‫ىناك خطر خارجي اتجيت األنظمة السياسية نحو التكتل العتماد آليات الوقاية والدفاع الجماعي‪.‬‬
‫أن االستعداد لمواجية التيديد الخارجي قد يسرع من عممية التكامل‪.‬‬

‫‪ – 4‬اكتمال عممية بناء الدولة القطرية ‪:‬‬

‫يعتقد ىارسون في دراسة التجربة التكاممية األوروبية أن التكامل ىو مسار ألحداث تطورات‬
‫وتحول عمى مستوى األنظمة السياسية واالقتصادية واالجتماعية لمدول األعضاء‪ ، ،‬وىذا ما يصعب‬
‫تحقيقو في الدول التي لم تنتو من عممية بناء الدولة ا لوطنية‪ ،‬حيث نجد أن ىذه األخيرة لم تفصل في‬
‫الكثير من المسائل الحساسة المرتبطة بمشروع الدولة الوطنية مثل‪ :‬طبيعة النظام السياسي و الحزبي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬وكيفية تنظيم وعمل السمطات الخارجية ‪.....‬الخ‪ ،‬حيث أنو في العديد من دول العالم‬
‫الثالث‪ .‬ترتبط فييا السمطات ا رتباطا شديدا بمصالح فئات أو طبقات معينة ‪ ،‬مما يجعل تنازليا عمى‬
‫بعض اختصاصاتيا لصالح مؤسسات التكامل مسألة معقدة لمغاية ‪ .‬و بالتالي يمكن القول أن العصرنة و‬
‫التعددية ىي ضوابط حقيقية لعقمنة السمطات المركزية لتدرك اىمية مسار التكامل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫المحور ‪ 3‬المقاربة الدستورية‬

‫بالرغم من قدم عملٌات التوحٌد ال مجموعات البشرٌة والدول الوطنٌة ‪ ،‬إال أن االهتمام األكادٌمً‬
‫لهذا المٌدان جاء متأخرا ومتواضعا للغاٌة مقارنة بالتخصصات الفرعٌة األخرى فً مٌدان العالقات‬
‫الدولٌة‪ .‬وفً الواقع تعتبر الظاهرة التكاملٌة تجاوزا حقٌقٌا ومعتبرا لالهتمامات التقلٌدٌة للدولة األمة‬

‫و كانت المقاربة الدستورٌة بشقٌها الفدرالً والكونفدرالً‪ ،‬أقدم محاولة نظرٌة وعملٌة فً آن‬
‫واحد حاولت تفسٌر مبررات وآلٌات وأهداف عملٌات توحٌد الدول والمجتمعات‪.‬‬

‫ٌؤسس المدخل ا لدستوري تحلٌله على فرضٌة أساسٌة مفادها ان توفر اإلرادة السٌاسٌة لدى‬
‫النخب والقٌادات السٌاسٌة الحاكمة هً المسألة الحاسمة فً عملٌة التوحٌد بشكلٌه الفدرالً والكونفدرالً‪،‬‬
‫مما ٌتطلب تنازل النخب والقٌادات عن جزء من سٌادتها وصالحٌتها للسماح إلى األجهزة الجدٌدة من‬
‫القٌام بوظائفها الجدٌدة‪ ،‬وٌفترض أن ٌكون مسار التوحٌد ناتج عن خٌارات عقالنٌة للسلطات الحاكمة‪.‬‬

‫النظرية الفيدرالية‬

‫ل قد كان علماء القانون متأخرٌن بتقدٌم نماذج التحلٌل فً الحقول المعرفٌة والتجرٌبٌة‪ ،‬و علٌه‬
‫ساهم تطور العلوم السٌاسٌة فً األوساط األكا دٌمٌة واألمرٌكٌة والبرٌطانٌة دورا فً انتشار النظرٌة‬
‫الفٌدٌرالٌة ‪ ،‬حٌث تأثر العدٌد من المفكرٌن بالتجربة األمرٌكٌة التً رأوا بأنها الحل االنسب من أجل‬
‫احتواء النزاعات فً أوروبا الغربٌة‪.‬‬

‫مدارس الفكر التكاملي الفدرالي‬

‫‪ -1‬المدرسة الليبرالية‬

‫ظهرت هذه المدرسة خالل القرن العشرٌن مع كل من بورغاس‪ ،‬ايالزار و وهير‪ ،‬حٌث ٌرى هذا‬
‫األخٌر فً دراسات قام بها أن شرط بناء الفٌدرالٌة ترتكز على الرغبة والقدرة فً تشكٌل حكومة‬
‫إقلٌمٌة‪ ،‬ولكن الرغبة وحدها غٌر كافٌة‪ ،‬ال بد من وجود قدرة إلدارة حكومة عامة‪.‬‬

‫وحسب وهير إن التجمعات تكون راغبة فً تشكٌل االتحاد الفٌدرالً ألسباب عدٌدة ‪ ،‬لكن ٌجب‬
‫توفر عدد من العوامل والمتمثلة فً اإلحساس بغٌاب األمن العسكري والحاجة للدفاع المشترك والتقارب‬
‫الجغرافً وتشابه المؤسسات السٌاسٌة‪ ،‬وهً العوامل التً وجدت فً الوالٌات المتحدة األمرٌكٌة وكندا‬
‫وأسترالٌا‪ .‬وٌرى رواد هذه النظرٌة أنه توجد عوامل أخرى كاللغة والدٌن والعرق‪ ،‬ولكنها لٌست‬
‫العوامل المحركة لالتحاد‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫وحسب دانيال االزار ‪ DANIEL ELAZUR‬الفٌدرالٌة من أهم أنماط التنظٌم الدولً فً العالقات‬
‫الدولٌة‪ ،‬وترتكز على عاملٌن أساسٌن وهما ‪ :‬الحكم الذاتً والحكم المشترك‪.‬‬

‫أما بريستون كينغ ‪ٌ PRISTON KING‬رى أن الفٌدرالٌة هً اتفاق مؤسساتً ٌأخذ فعل الدولة‬
‫القومٌة ولكن ٌختلف عن باقً الدول فً طبٌعة التنظٌم الدستوري وتوزٌع الصالحٌات بٌن األقالٌم‬
‫المتساوٌة‪ " .‬وهً ترتكز على اتفاق لجمع جماعات سٌاسٌة متفرقة للتحرك بصفة جماعٌة"‪.‬‬

‫تنطلق المقاربة الدستورٌة من التأكٌد على ضرورة بناء الوحدة و التكامل بٌن وحدات سٌاسٌة‬
‫مستقلة ‪ ،‬انطالقا من التركٌز على المتغٌر السٌاسً الذي ٌتمثل أساسا فً توفر عامل االرادة السٌاسٌة‬
‫لدى األطراف المعنٌة بهذه العملٌة‪.‬‬

‫وٌصبح العامل السٌاسً هو المحدد الرئٌسً فً عملٌة التوحٌد‪ ، .‬إال أن توفر الشروط التمهٌدٌة‬
‫المتمثلة فً عوامل التجانس واالنسجام فً المٌادٌن االجتماعٌة واالقتصادٌة‪ ،‬تشكل المصدر األساسً‬
‫والدافع الحقٌقً لبروز الرغبة فً التوحٌد‪.‬‬

‫وٌؤكد أنصار النظرٌة اللٌبرالٌة على أهمٌة تقارب المؤسسات االجتماعٌة والسٌاسٌة بٌن‬
‫الفواعل المتحدة ‪ ،‬وبدون هذا العامل ال ٌمكن أن ٌتطور مشروع االتحاد الفٌدرالً‪ .‬وهو ما أكده الكاتب‬
‫كلود دي سان سٌمون سنة ‪ ، 8181‬على انه ال بد أن تتقاسم الوحدات الراغبة فً االتحاد على نفس‬
‫القٌم األساسٌة وٌكون لها نفس النموذج االقتصادي ‪ .‬وٌقصد بالجانب القٌمً مجموعة المبادئ والقواعد‬
‫المتبعة فً بناء النسق االجتماعً و السٌاسً‪.‬‬

‫كما أكد على الجانب القٌمً كل من إالزار وبوغارس اللذان ٌؤكدان على أن الوحدة تنبنً على‬
‫االلتزام الطوعً بالنظام األخالقً الذي ٌتم اختٌاره بحرٌة دون إكراه‪ .‬وقد تعرض هذا االتجاه إلى‬
‫العدٌد من االنتقادات‪ ،‬حٌث اعتبر مقاربة دوالتٌة قائمة على البعد األخالقً وهو ما ٌجردها من الصفة‬
‫العلمٌة‪ .‬ان القٌم واألخالق لٌست كافٌة للدفع بالمسار االتحادي‪ ،‬باإلضافة إلى أن المقاربة تنظر‬
‫للفٌدرالٌة كوسٌلة لتوحٌد الدول ولٌس لتجسٌد التكامل اإلقلٌمً‪.‬‬

‫الفكر الفيدرالي في المدرسة الواقعية‬

‫ٌمثل هذا التٌار كل من ويليام ريكر ‪ RIKER WILYAM‬ودافيد مكاي ‪ٌ . MEKAY‬تبنى رٌكر‬
‫مقاربة الخٌار العقالنً والتً اعتمدها بإسهاب فً كتابة "الفٌدرالٌة"‪ .‬و ٌرى أن الفٌدرالٌة هً وسٌلة من‬
‫أجل حل مشاكل الحكومات المتنامٌة‪ ،‬فالتقدم التكنولوجً والمواصالت قد رفعت من احتماالت القدرة‬
‫على قٌادة فضاء جغرافً واسع من طرف قوة مركزٌة ٌكون لدٌها خزٌنة أكثر وفرة وبٌروقراطٌة أوسع‬
‫‪17‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫و جٌشا أكبر‪ .‬وإذا بادرت الحكومة فً هذا االتجاه‪ ،‬فإن جمٌع القوى الموازٌة ستتبنً نفس الخطوة‪.‬‬
‫وتحقٌق الفٌدرالٌة حسبه لٌست مرتبطة بالبعد القٌمً بل مرتبطة بالمساومة الفٌدرالٌة والتً تتحقق بوجود‬
‫طرفٌن‪.‬‬

‫‪ – 8‬االراد السٌاسٌة فً توسٌع مناطق النفوذ السٌاسً وتوسٌع القدرة العسكرٌة لمواجهة تهدٌد‬
‫دبلوماسً أو اعتداء عسكري‪ .‬و حسب مفكرٌن آخرٌن فإن التهدٌد ٌمكن أن ٌكون اقتصادي إواجتماعً‬
‫وال ٌشترط أن صادرمن قوة خارجٌة بل قد ٌكون تهدٌد داخلً‪ ،‬فالفٌدرالٌة هً الوسٌلة الوحٌدة لتحقٌق‬
‫االتحاد من دون اللجوء إلى العنف‪.‬‬

‫‪ – 2‬ال بد من التنازل عن جزء من السٌادة لصالح الوحدة الجدٌدة من أجل االستفادة من الفرص التً‬
‫ٌوفرها االتحاد‪.‬‬

‫وٌؤكد رٌكر من خالل دراسة مختلف التجارب الفٌدرالٌة أنه ال توجد أي أدلة تؤكد أن المساومة‬
‫الفٌدرالٌة مرهونة بارتفاع مستوٌات النزعة الدٌمقراطٌة أو الثقافٌة ‪ ،‬و انما مرتبطة بالشرطٌن السابقٌن‪.‬‬

‫االتجاه الكونفدرالي‬

‫الكونفدرالٌة هً اتفاق بٌن دولتٌن أو أكثر ٌهدف إلى تكوٌن أجهزة ومزاٌا مشتركة فً مجاالت‬
‫ٌتم تحدٌدها بواسطة االتفاق من أجل تحقٌق أهداف مشتركة‪ .‬وعلى الرغم من تنازل الدول األعضاء فً‬
‫االتحاد عن جزء من سٌادتها لصالح مؤسسات التوحٌد ‪،‬فإن االتحادات الكونفدرالٌة تبقى على سٌادة‬
‫الدول األعضاء فً إطار الروابط التعاقدٌة‪.‬‬

‫وٌعتبر الدافع األساسً لتكوٌن االتحادات الكونفدرالٌة هو وجود مجموعة من االهتمامات والقضاٌا التً‬
‫ٌصعب التعامل معها بطرٌقة انفرادٌة‪ ،‬وال ٌؤدي نموذج االتحاد الكونفدرالً تكوٌن جماعة سٌاسٌة و‬
‫اجتم اعٌة و اقتصادٌة جدٌدة‪ ،‬ألنه ٌمكن الدول األعضاء من االحتفاظ بسٌادتها التامة فً الشؤون‬
‫الداخلٌة و الخارجٌة ‪ .‬ومؤسسات االتحاد الكونفدرالً ال تشكل إطالقا جهاز فوق الدول ألن صالحٌاتها‬
‫مقٌدة بمعاهدة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫المحور ‪ : 4‬الوظيفية التقميدية و الجديدة‬

‫‪-1‬النظرية الوظيفية التقميدية‬

‫ساىمت الظروف الدولية لما بين الحربين العالميتين في ظيور تيارات نظرية ‪ ،‬حاولت ارساء أسس‬
‫جديدة إلقامة نظام دولي تنعم فيو الشعوب باألمن و الرفاىية و االستقرار ‪ .‬فبرزت أفكار ميتراني من‬
‫‪ A working peace system‬و الذي يعتبر تأسيس لما اصبح‬ ‫خالل كتابو الذي يحمل عنوان‬
‫يطمق عميو بالنظرية الوظيفية ‪.‬‬

‫تأثر رواد ىاتو النظرية باالنعكاسات الكارثية لألزمة االقتصادية الكبرى ‪ ،‬و بالوضع الدولي‬
‫الخطير لمحرب العالمية الثانية ‪ ،‬فكان جل اىتماميم البحث عن سبل ترقية السمم و االمن الدوليين‪ .‬و‬
‫قد أروا في االعتماد عمى المنيج الوظيفي‪ ،‬عن طريق ربط السمطة و السيادة بنشاط او وظيفة معينة‪،‬‬
‫الحل لالزمات الدولية ‪.‬‬

‫و تعتبر الوظيفية التقميدية اكثر من نظرية ‪ ،‬بل ىي فمسفة و برنامج عمل موجو لمقضاء عمى االزمات و‬
‫الحروب ‪ .‬وتقوم ىاتو النظرية عمى فكرة أن النظام الدولي القائم عمى أساس الوحدات السياسية المستقمة‬
‫الميتمة بتحقيق مصالح و اىداف فردية و انانية‪ ،‬يشكل البيئة المساعدة عمى انتشار الخالفات و العنف‬
‫و الحروب‪ .‬و يرى انجل ان النظام القائم عمى الدولة القطرية يمنع الناس من رؤية و ادراك حاجاتيم‬
‫الحقيقية بشكل موضوعي و عقالني‪ ،‬بسبب وجود قيمتين متناقضتين‪ :‬األولى الوالء لألمة و ضرورة‬
‫الدفاع عن شرفيا و ىويتيا و مصالحيا القومية‪ ،‬و الثانية تتمثل في حاجة ىؤالء األفراد إلى مجموعة‬
‫واسعة من الخدمات ‪ :‬كالصحة و السكن و النقل والتعميم ‪....‬الخ ‪ ،‬و التي قد تتطمب امكانيات و أدوات‬
‫تتعدى حدود و مقدرة الدولة ‪ .‬و بالتالي تركز الوظيفية عمى الفئة الثانية من القيم ‪ ،‬و المتعمقة بتحسين‬
‫معيشة األفراد‪.‬‬

‫و يتبنى رواد النظرية الوظيفية التقميدية المنيج غير السياسي لتفادي اثارة النزاعات‪ ،‬و يركزون عمى‬
‫الحاجيات الحقيقية و المشتركة لإلنسانية ‪ ،‬و عمى جعل الحدود بدون معنى او مغزى‪ ،‬من خالل‬
‫التطوير المتواصل لممصالح و النشاطات العابرة لمحدود‪.‬‬

‫مراحل التكامل الوظيفي‬

‫يمر التكامل الوظيفي بثالث مراحل رئيسية‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫المرحمة األولى ‪ :‬ضرورة انتقاء مجموعة من النشاطات و الوظائف التي تيدف إلشباع حاجات انسانية‬
‫مشتركة و إخضاعيا إلدارة و تنظيم خاص‪ ،‬بغ ض النظر عن االنتماءات الدينية و العرقية و التنظيم‬
‫السياسي او المستوى االقتصادي ‪ .‬و بالتالي اليدف تحقيق المنفعة لكل المجتمعات دون اي تمييز ‪.‬‬

‫و تندرج ىاتو النشاطات فيما اطمق عميو الوظيفيون بالسياسة الدنيا‪ ،‬و وجوب فصميا عن المسائل‬
‫السياسية الحساسة‪ ،‬و ما اطمق عميو بالسياسة العميا ‪ .‬فالتقدم الذي يمكن اح ارزه في المجاالت التقنية‬
‫المشتركة و السياسة الدنيا ‪ ،‬يؤدي إلى التحول التدريجي لوالء االفراد من الدولة القطرية إلى المنظمات‬
‫الدولية ‪.‬‬

‫المرحمة الثانية ‪ :‬و تتمثل في تكوين المنظمات الدولية ‪ ،‬و ىنا يرى ميت راني أن الحاجة و الوظيفة ىي‬
‫التي تعجل من انشاء المنظمة الدولية المتخصصة و ليست الوثائق الدبموماسية و القانونية ‪ .‬و لنجاح‬
‫ىاتو المنظمات يستحسن عدم تقييدىا بقواعد قانونية جامدة ‪ ،‬و بطرق و انماط تسيير محددة مسبقا ‪ ،‬بل‬
‫يجب تركيا لمتطور الميداني ألداء الوظائف و النشاطات‪ ،‬مما يضفي عمييا الكثير من المرونة و الفعالية‬
‫‪.‬‬

‫المرحمة الثالثة ‪ :‬و تتعمق بتعيين األشخاص و الفنيين الذين يسيرون عمى إدارة المنظمات الدولية‬
‫الوظيفية ‪ ،‬و الذين يجب ان يتمتعوا بحرية واسعة في صنع الق اررات و تنفيذ السياسات الكفيمة إلنجاح‬
‫وظيفة المنظمة‪ .‬و يتطمب ىذا تحرر ىؤالء الخبراء من التبعية ألية سمطة أخرى‪ ،‬ماعدا سمطة المنظمة‬
‫الدولية‪ .‬كما ان تط ور مسار التكامل الدولي يساىم في احداث شبكة معقدة من المصالح بين الشعوب‪،‬‬
‫تفقد مفيوم الدولة الوطنية قيمتو لصالح المنظمة الدولية ‪.‬‬

‫منهج الوظيفية التقميدية‬

‫يعتمد منيج الوظيفية التقميدية لمتكامل الدولي عمى الية االنتشار أو التعميم ‪، Ramification‬‬
‫الذي يعني أن بداية تطوير التعاون الوظيفي في ميدان فني يؤدي إلى خمق الظروف الضرورية النتقال‬
‫التعاون إلى ميادين فنية ووظيفية أخرى ‪ .‬كما يركز عمى الجانب االقتصادي باعتباره السبب الحقيقي‬
‫الذي يدفع االفراد لمميول نحو التصرف العدواني ‪ ،‬و اعتقادىم بانتصار االقتصاد عمى السياسة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن معارضة الوظيفية التقميدية لمتكامل االقميمي‪ ،‬يعود القتناع روادىا بأن االقميمية ال تمغي‬
‫نظام الدولة القومية ‪ ،‬بل يساعد عمى توسيعو ‪ ،‬مما يبقي النظام الدولي ىشا ‪ ،‬معرضا لمنزاعات و‬
‫الحروب ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫نقد النظرية الوظيفية التقميدية‬

‫إن االرادة السياسية التي قممت من شأنيا الوظيفية التقميدية مسألة و متغير حاسم في مسار التكامل‬
‫الدولي‪ ،‬فيو في االخير مشروع يتوقف تجسيده عمى ارادة الدول‪.‬‬

‫كما ان العدد اليائل لممنظمات الدولية لم يستقطب والء االفراد‪ ،‬بل ان مختمف المؤشرات تؤكد عمى ان‬
‫النزعة القومية كانت اقوى بكثير من أي متغير أخر في العالقات الدولية ‪ .‬و أن ىذه المنظمات اصبحت‬
‫منابر يقوم من خالليا ممثمي الدول بالدفاع عن المصالح القطرية الضيقة لدوليم ‪ .‬كما ان الشبكة الكثيفة‬
‫من المنظمات الدولية لم تساىم في تأكل و انييار الدولة القومية كما يروج لو الوظيفيون‪.‬‬

‫ان التقسيم النظري لشؤون المجتمعات إلى قضايا السياسة الدنيا و قضايا السياسة العميا غير اكيد ‪.‬‬
‫حيث ان القضايا االقتصادية و االجتماعية غالبا ما كانت محل تسييس كبير و مجال لممارسة السيادة ‪.‬‬

‫افرطت ىاتو النظرية في التركيز عمى العامل االقتصادي باعتباره السبب الحقيقي لمميول العدواني لألفراد‪،‬‬
‫مما جعميا تيمل العوامل االخرى التي تؤثر عمى السموك الدولي‪.‬‬

‫‪-2‬النظرية الوظيفية الجديدة‬

‫سعت ىذه النظرية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية إلى معالجة القصور الذي شاب النظرية‬
‫الوظيفية التقميدية‪ ،‬وقد جمعت اسيامات كل من ارنست ىاس وكارل دويتش و أميتاي اتزيوني الذين‬
‫أكدوا عمى عدد من األسس في العممية التكاممية ‪:‬‬

‫‪ – 1‬توفر ثقافة مشتركة من منظومة القيم التي تتبناىا الفئات االجتماعية في الدول المعنية‪ ،‬مما يجعل‬
‫التكامل ضمن إقميم معين‪ ،‬أي االعتماد عمى التكامل اإلقميمي بدال من العالمي‪.‬‬

‫‪ – 2‬وجوب تخصيص موارد اقتصادية كافية‪ ،‬والشروع في المجاالت الحيوية التي تحتل مكانة متميزة في‬
‫اقتصاديات الدول المتكاممة وىذا من أجل إنجاز العمل المشترك‪.‬‬

‫‪ – 3‬وجوب إقحام جماعات المصالح والنخب واألحزاب في العممية‪ ،‬مع ضرورة وجود أطر مؤسساتية‬
‫يوكل إلييا الحد األدنى من الق اررات‪ ،‬في إطار مؤسسات إقميمية تتجاوز في ق ارراتيا الحدود الوطنية‪.‬‬
‫ووضع مراحل تنتقل فييا السمطة إلى المؤسسة اإلقميمية‪ ،‬التي تعتبر كنواة لحكومة إقميمية ‪ ،‬وبذلك‬
‫يتحقق االتحاد عمى دفعات‪ .‬و من الممكن االنطالق بقطاع معين ينقل فيو جانب من سمطة الدولة إلى‬

‫‪21‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫سمطة فوق قومية دون الشعور بفقدان السيادة‪ ،‬ولذلك يرى الوظيفيون الجدد بتأجيل عمميات المشاركة في‬
‫السياسات االقتصادية إلى مراحل متأخرة من التكامل‪.‬‬

‫وتركز الوظيفية الجديدة عمى المجال اإلقميمي بدال من المجال الشامل والعام الذي تؤكد عميو‬
‫النظرية الوظيفية‪ .‬حيث يعتقد رواد ىذه النظرية أن الجمع بين عدد كبير من الدول في مجاالت كثيرة ىو‬
‫ضرب من الخيال‪ ،‬في حين أن التركيز عمى التكامل في منطقة جغرافية معينة ممكن جدا لوجود شروط‬
‫التجانس اإلقميمي‪.‬‬

‫إن قرار القيام بعممية التكامل أو معارضتيا يعتمد عمى توقعات الكسب والخسارة من القوى‬
‫الرئيسية في إطار التكامل‪ .‬حيث يقول ىاس " بدال من االفتراض بعدم وجود دوافع أنانية وراء سموك‬
‫األطراف ‪ ،‬فإنو من األفضل واألكثر معقولية افتراض ذلك‪ ،‬والتركيز عمى الفوائد والمصالح والقيم التي‬
‫يعممون من أجميا وىي أمور أعقد من أن نضعيا في صياغة مبسطة ‪ ،‬كالقول بأن السالم بين ألمانيا‬
‫وفرنسا والرغبة في إيجاد أوروبا موحدة ىي الدافع لقيام ىيئة الصمب الفحم األوروبية"‪.‬‬

‫إن اىتمام األطراف بمسار التكامل يتطمب انتقاء قطاعات ذات أىمية كبيرة في اقتصاديات الدول‬
‫األعضاء ‪ ،‬وبالتالي نجاح المنيج التكاممي يتوقف عمى اختيار قطاع اقتصادي حيوي واستراتيجي‪ ،‬وىو‬
‫المرشح لمعب دور القاطرة التي تجر مسار التجارب التكاممية الناجحة‪ .‬وسوف تفرز النشاطات المشتركة‬
‫في القطاع الحيوي مجموعة من المشاكل في القطاعات األخرى غير الخاضعة لمسار التكامل لمدول‬
‫االعضاء ‪ ،‬وىو ما يدفعيا إلى توسيع التكامل إلى ىذه القطاعات‪.‬‬

‫فالمرحمية تسعى لمقضاء التدريجي عمى التباين بين الدول وتؤسس إلجماع حول ضرورة بناء‬
‫الجماعة السياسية الجديدة‪ .‬وفي ىذا الصدد يركز ىاس عمى عامل االنتشار معتب ار أن النجاح في أحد‬
‫أبعاد التعاون االقتصادي سيعزز مصالح النخب السياسية والمؤسسات الحكومية لالنطالق في تعاون‬
‫جديد‪.‬‬

‫التسيس التدريجي‬

‫إن أىداف التكامل اعتبرت منذ البداية أىداف فنية‪ ،‬ولالنتقال من االتحاد االقتصادي إلى‬
‫االتحاد السياسي يقدم أرنست ىاس مع فيميب شمايتر ثالث متغيرات ‪:‬‬

‫‪ – 1‬المتغيرات القاعدية ‪ :‬مثل حجم الوحدات‪ ،‬التعددية االجتماعية داخل الوحدات(ديانة‪ ،‬لغات‪ ،‬قوميات)‬
‫االتساق النخبوي‪ ،‬معدل التعامل بين الوحدات الوضعية في بداية المسار التكاممي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫‪ – 2‬متغيرات خطة االتحاد االقتصادي ‪ :‬حجم السمطة المفوضية لالتحاد‪ ،‬مستوى مشاركة االتحاد في‬
‫أعمال الحكومات‪.‬‬

‫‪ – 3‬المتغيرات الحركية ‪ :‬نموذج اتخاذ القرار في كل وحدة‪ ،‬معدل التعامل بين الوحدات بعد قيام الوحدة‬
‫االقتصادية‪ ،‬مستوى قدرة األطراف عمى التكيف لمواجية األزمات‪.‬‬

‫إن تعميم التكامل من االقتصاد إلى السياسة يعتمد بشكل كبير أساسي عمى النقاط التي تسجميا‬
‫كل من المتغيرات السابقة‪ ،‬فكمما زادت تمك المعدالت كان التعميم أكثر احتماال ‪.‬‬

‫إن بداية عممية التوحيد السياسي ال تتوقف عمى دعم وتأييد األغمبية الساحقة في المجتمعات‬
‫المعنية‪ ،‬وليست مرتبطة بالحاجة لوحدة األىداف‪ ،‬بل ترتبط فقط بضرورة موافقة الجماعات المفتاحية‬
‫األساسية ‪ ،key groupe‬ونقصد بيا النخب المدفوعة بدوافع برغماتية ‪ ،‬الذين يتوخون الحصول عمى‬
‫مكاسب من خالل نشاط منظمات فوق قومية ‪ ،‬لتجد نفسيا تبحث عن نخب أخرى خارج حدود بالدىا‬
‫تشاركيا نفس الرغبة‪ .‬وتقدم جماعات الضغط في المؤسسات االقميمية قوة وظيفية ‪ ،‬من خالل الضغط‬
‫عمى الحكومات لتكون عضوا في ىاتو المؤسسات‪.‬‬

‫إن ارتباط مصالح األحزاب السياسية وجما عات المصالح بالعممية التكاممية‪ ،‬يدفعيا لمضغط عمى‬
‫حكوماتيا إلعطاء أىمية وأدوار لممؤسسات الوظيفية الجديدة‪ ،‬حيث تؤشر ىذه النخب عمى القيم الميمة‬
‫واإليديولوجية المعارضة أو المتقاربة‪.‬‬

‫غير أن بروز ىذه األنساق الفكرية فوق الوطنية يتطمب حد أدنى من التطابق والتشابو في القيم‬
‫عمى‬ ‫التي تحمميا ىذه الجماعات والنخب الرئيسية وىو ما يمكن ان يضفي الكثير من الشرعية‬
‫السموكيات والق اررات التي تتخذىا المؤسسات التكاممية ‪.‬‬

‫ويوضح روبرت ليبر المعنى السياسي لالنتشار بالقول بأن النظرية الوظيفية اعتبرت عدم‬
‫التسي يس والمعالجة الفنية لمقضايا ىي أكثر الطرق الواعدة من أجل تحقيق التكامل من المجال االقتصادي‬
‫إلى المجال السياسي‪ ،‬ويتم ذلك عبر ظاىرة الوالء ‪ ،‬أي العاممين في المشروع المشترك يكون ليم الوالء‬
‫لذلك الكيان الجماعي الجديد ‪،‬وتتفتت تدريجيا والءاتيم الوطنية ليحل مكانيا والء جديد فوق قومي‪.‬‬

‫البيئة الديمقراطية‬

‫من المسممات الرئيسية لموظيفية الجديدة بيئة ديمقراطية بالمفيوم الغربي ‪ ،‬حيث يكون القرار‬
‫السياسي محصمة دينامية العالقات والتحالفات القائمة بين القوى السياسية ومجموعات المصالح‪ .‬فوسائل‬

‫‪23‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫الضغط الرسمية وغير الرسمية وقنوات التأثير القائمة في الديمقراطيات الغربية تساىم في إيصال موقف‬
‫مجموعة الضغط إلى السمطة‪ ،‬وتحويمو إلى قرار سياسي لمصمحة التكامل‪.‬‬

‫وعمى عكس مشروع ميتراني الوظيفي‪ ،‬الوظيفيون الجدد ال ييدفون إلى التقميص من دور‬
‫السيادة الوطنية لمدول‪ ،‬بل خمق سيادة جديدة تتحكم فييا دولة جديدة من نمط فيدرالي ‪ ،‬في إطار حدود‬
‫موسعة‪ ،‬لكن مع االحتفاظ دوما بالسيادات الوطنية لمدول‪.‬‬

‫تقييم النظرية الوظيفية الجديدة ‪:‬‬

‫‪ – 1‬تبدو الوظيفية الجديدة أكثر واقعية من الوظيفية التقميدية من حيث عدم فصميا بين الشؤون‬
‫االقتصادية والسياسية ‪ ،‬إال أنيا تقع في مشكمة اعتقادىا بأن المسار التكاممي يتطور بشكل آلي من قطاع‬
‫أقل تنازعا إلى قطاع أكثر تنازعا‪ ،‬فاالندماج األوروبي كانت وراءه إرادة سياسية وليس وضعا معينا‬
‫انعكس آليا عمى وضع آخر‪.‬‬

‫‪ – 2‬كذلك القول بأن البنى الدستورية والسياسية تتراجع امام جماعات الضغط و المصالح ليس صحيح‬
‫دائما ‪ ،‬فدور المجمس الوزاري في المجموعة األوروبية في التأثير عمى مسار عمل المجموعة واضح‪.‬‬

‫أيضا ليس من الضروري أن يكون لكل خطوة حتى ولو كانت ناجحة بالمنظور التكاممي أثر‬
‫إيجابي‪ ،‬فقد تفرز آثار سمبية عمى العممية ككل‪ ،‬حيث يعتبر مفيوم االنتكاس ‪Spill back‬من المفاىيم‬
‫التي طرحتيا النظرية الوظيفية‪ ،‬وىي تعني الحالة التي يسجل فييا انسحابا وتراجع من وضع معين ‪.‬‬

‫كما أن فكرة الوالء المطروحة لدى الوظيفيون الجدد وانتقالو من الدولة إلى المنظمة‪ ،‬ليس والء مطمق‬
‫لصالح المنظمة أو إيديولوجية انصيار اقميمي‪.‬‬

‫إن غياب اإلرادة السياسية التكاممية الناتجة عن انحسار المد الوحدوي‪ ،‬يمكن أن يضعف مسار‬
‫االندماج‪ ،‬خاصة أن السمطة السياسية في الدول تممك القدرة شبو المطمقة لمتأثير في مسار التكامل سمبا‬
‫أو إيجابا‪ .‬حتى ولو كان مردود منفعي أو رمزي‪.‬‬

‫إن إعطاء األولوية لمقيم النفعية عمى القيم الرمزية كعوامل محفزة في تحريك السموكية السياسية‪ ،‬إن كان‬
‫صحيح في المجتمعات الصناعية المتقدمة‪ ،‬فإن القيم الرمزية أثبتت أولويتيا في العالم الثالث عمى القيم‬
‫المنفعية المادية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫المحور ‪ : 6‬النظرية ما بين الحكومية‬

‫إن أول محاولة ما بٌن حكومٌة لتفسٌر مسار االندماج األوروبً كانت لستانلً هوفمان‪ ،‬والقائمة‬
‫على مأسسة الخٌار العقالنً (و المقصود بها البعد العقالنً لخٌار الفواعل المؤسساتٌة)‪ ،‬حٌث ٌجعل‬
‫هوفمان من الدولة والمصلحة الوطنٌة المحرك األساسً لالندماج‪ .‬وٌرى أن المفاوضات ما بٌن‬
‫الحكومٌة هً محل اتخاذ القرارات أٌن تنجر الحكومات الوطنٌة لتحقٌق مصالحها الخاصة‪.‬‬

‫ولهذا هو ٌعارض الوظٌفٌة الجدٌدة فً كون أن لألندماج أثر على الدول والفواعل الدولٌة‪.‬‬
‫وحسب هوفمان فإن قرار معالجة بعض المسائل كالمسائل التقنٌة هو فً حد ذاته قرار سٌاسً‪ .‬ولهذا‬
‫فهو ٌرفض كل محدد اقتصادي أو اجتماعً للمسار االندماجً‪ ،‬وٌنتقد الوظٌفٌون الجدد فٌما ٌخص‬
‫تقدٌرهم الزائد للفعل المطلبً‪ ،‬أي مطالب جماعات الضغط على المستوى الفوق القومً‪ ،‬وتأثٌر‬
‫الموظفٌن السامٌن األوروبٌٌن على مستوى الدوائر المركزٌة لصناعة القرار‪.‬‬

‫صحٌح أن النخبة االقتصادٌة والنقابٌة تتجند على المستوى األوروبً‪ ،‬إال أنها ضعٌفة أمام كثافة‬
‫التفاعالت ما بٌن الحكومٌة‪ .‬كما أن سلوك النخبة السٌاسٌة واإلدارٌة هً مهٌكلة بمهامها وعهدتها أكثر‬
‫من احتكاكها بنظرائها األوروبٌون‪ ،‬وٌوجد احتمال ضعٌف جدا من أن ٌتحول االندماج االقتصادي إلى‬
‫اندماج سٌاسً كامل حٌث تكون المصالح الوطنٌة الحٌوٌة فً قلب الرهان‪ .‬فالدول تفضل الٌقٌن أو‬
‫الالٌقٌن المراقب ذاتٌا واالستقاللٌة الوطنٌة عن الالٌقٌن غٌر المراقب لحالة الذوبان الذي لم ٌحدث فً‬
‫مكان ما‪.‬‬

‫ومن جانب ثانً ٌعترف هوفمان بأهمٌة التفاعالت غٌر السٌاسٌة ‪،‬ولكن ٌؤكد على أن الدول أو‬
‫السلطات السٌاسٌة تبقى سٌدة المسار االندماجً‪ .‬وبالتالً لٌس هناك ما ٌدعى بالعملٌة اآللٌة أو االعتماد‬
‫على تقارب النخبة التقنٌة‪ ،‬فالحكومات الوطنٌة هً الحارس للبناء األوروبً‪.‬‬

‫وفً مقال له مشترك مع روبرت كوهن ٌستمر هوفمان فً االعتقاد أن االنتقال من المجموعة‬
‫إلى االتحاد األوروبً لم ٌنهً قدرة السلطات الدولٌة األساسٌة ‪ ،‬فالحكومة الفرنسٌة واأللمانٌة هً من‬
‫تستمر فً مراقبة االند ماج األوروبً‪ .‬انطالقا من الطبٌعة المختلطة والمتنوعة للكٌان األوروبً والنابع‬
‫من شبكة اقتسام أو االشتراك فً السٌادة ‪ ،‬ولٌس من تحوٌل أو التخلً عن السٌادة إلى سلطة فوق قومٌة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫فاالتحاد األوروبً هو نتٌجة لقرارات متخذة من حكومات راغبة ومن مصلحتها أن تحدث‬
‫تغٌرات مؤسساتٌة ‪ .‬وٌقول هوفمان أنه ٌجب أن ٌكون هناك اتفاق مبرمج ومسبق بٌن الحكومات ٌعبر‬
‫عنه فً إطار مساومة ما بٌن حكومٌة‪.‬‬

‫المقاربة ما بين الحكومية لمورافيسك‬

‫ٌعد أندرو مورافٌسك ‪ ANDREW MORAVISK‬أهم منظر لهذه المقاربة‪ ،‬والذي قام بالتعمق‬
‫فً دراسة االندماج األوروبً و أصدر كتابه خٌار أوروبا ‪ THE CHOICE FOR EUROPE‬سنة‬
‫‪ ، 8991‬حٌث ٌرى أن المساومة الكبرى هً من انتجت العهد األوروبً الموحد ‪،‬وأن الفعل الحكومً‬
‫هو أساس االندماج‪ ،‬واالتحاد األوروبً ما هو إال فضاء للتفاوض ما بٌن الدول‪.‬‬

‫المساومة‬

‫إن مور افٌسك ٌذهب إلى أبعد من المساومة بٌن الدولٌة فً تحلٌله للمسار السٌاسً الداخلً‬
‫للدول األعضاء فً االندماج‪ .‬و ٌرفض مورافٌسك اعتبار الدول ككرة بٌلٌاردو أو العلبة السوداء أٌن‬
‫المواقف فً البناء األوروبً صلبة‪ ،‬بل أن المصالح الوطنٌة التً تدافع عنها الحكومات على مستوى‬
‫المفوضٌة أساسها المساومة ما تحت الحكومٌة‪ ،‬والتً تتم ما بٌن السلطات والفاعلٌن االجتماعٌٌن‬
‫الداخلٌٌن قبل أن تتوجه إلى بروكسل‪.‬‬

‫فالمصالح الوطنٌة تتحدد من الصراعات السٌاسٌة الداخلٌة أٌن تتوجه الجماعات المجتمعٌة‬
‫للتأثٌر على صناع القرار السٌاسٌٌن‪ .‬وم ن هنا فإن فهم السٌاسة الداخلٌة هً شرط مسبق ولٌس ثانوي‬
‫لتحلٌل التفاعالت االستراتٌجٌة بٌن الدول‪.‬‬

‫عقالنية الدول وتحديد األفضليات‬

‫إن أحد الفرضٌات األساسٌة لمقاربة مورافٌسك هو التركٌز على عقالنٌة الدولة‪ .‬والعقالنٌة تشٌر‬
‫إلى اختٌار البدائل‪ ،‬وتحدٌد األفضلٌات‪ ،‬وبناء االئتالفات على أساس حساب التكالٌف ومكاسب االعتماد‬
‫المتبادل االقتصادي‪.‬‬

‫و ٌجمع فً هذا االطار بٌن الفرضٌة ما بٌن الحكومٌة والمتعلقة بممارسة السلطة كنتٌجة للمساومة‬
‫االستراتٌجٌة بٌن الدول‪ ،‬والفرضٌة اللٌبرالٌة لتشكٌل األفضلٌات الوطنٌة على المستوى المجتمعً‪ ،‬وهذا‬
‫ما ٌدفعه لوضع تفسٌره فً إطار الدٌبلوماسٌة كلعبة مزدوجة من مستوٌٌن لبنتام ‪ ، PUTNAM‬والذي‬
‫ٌؤكد أن كل تفاوض هو لعبة من مستوٌٌن ‪ ،‬فكل حكومة تتفاوض على الساحة الدولٌة بضغوطات‬

‫‪26‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫مزدوجة ‪ :‬أوال بإرادة الوصول إلى تفاهم مع شركائها الخارجٌٌن من جهة ومن جهة ثانٌة الزامٌة الدفاع‬
‫عن مصالح الجماعات المجتمعٌة الداخلٌة ‪،‬والرافضٌن ل لخضوع لشركائها الخارجٌٌن‪.‬‬

‫فاالندماج عند مورافٌسك راجع إلى ضغوط الجماعات المجتمعٌة على حكوماتهم ‪ ،‬حٌنما تكون‬
‫المصلحة على المستوى األوروبً‪ .‬ومن جانب ثانً مصلحة الحكومات بإنشاء المؤسسات األوروبٌة‬
‫التً تزٌد من هامش مناورتهم و تمنحهم الشرعٌة‪.‬‬

‫فمثلما تم تفسٌر االنفتاح التجاري فً بداٌة تأسٌس البناء األوروبً من خالل ضغط الصناعٌٌن‬
‫األلمان على حكومتهم من أجل فتح السوق الصناعٌة الفرنسٌة‪ ،‬وضغوطات المزارعٌن الفرنسٌٌن على‬
‫حكومتهم للحصول على حصة من فتح السوق الزراعٌة األلمانٌة‪ ،‬باإلضافة إلى وجود مصلحة للحكومة‬
‫الفرنسٌة من تشجٌع وجود سوق صناعٌة أوروبٌة لتتمكن من تمرٌر سٌاسة التحدٌث الصناعً‬
‫المرفوضة من طرف الشركات الفرنسٌة‪.‬‬

‫كما أن االنتقال إلى االتحاد االقتصادي والنقدي منذ منتصف الثمانٌنات ٌفسر من خالل أفضلٌات‬
‫الجماعات المجتمعٌة‪ ،‬وخاصة المستهلكٌن المؤٌدٌن للعملة الموحدة‪ ،‬وكذلك مصلحة الحكومات الرئٌسٌة‬
‫فً أوروبا لتأسٌس سلطة نقدٌة أوروبٌة مركزٌة مستقلة تضع حد لضغوطات الشعوب عند تبنً‬
‫اصالحات نقدٌة فً إطار المذهب النٌولٌبٌرالً (حرٌة انتقال رؤوس األموال)‪.‬‬

‫وٌفسر مورافٌسك حالة االندماج أو غٌابه فً بعض القطاعات كالسٌاسة الخارجٌة واألمنٌة بعدم‬
‫وجود مصلحة مجتمعٌة أو مصلحة حكومٌة ‪ ،‬فالتكالٌف واألرباح الناجمة عن التعاون السٌاسً مشتتة‬
‫وغٌر ٌقٌنٌة بالنسبة للجماعات الخاصة‪ ،‬كما أن التأثٌر الداخلً متروك للنخبة الحزبٌة‪ .‬ومن جانب ثانً‬
‫ترفض السلطات الحكومٌة أن تتخلى او تتنازل عن السٌاسات التً ٌمكن ان تتحكم بها دون أدنى‬
‫مشاكل‪ ،‬إلى السلطات المركزٌة األوروبٌة‪.‬‬

‫إن ما بٌن الحكومٌة لمورافٌسك تشكل تركٌبة بٌن المقاربة الوظٌفٌة الجدٌدة وما بٌن الحكومٌة‬
‫الكالسٌكٌة أو األصلٌة‪ ،‬فالمؤسسات المركزٌة األوروبٌة لٌست مؤسسات وطنٌة وال فوق قومٌة وال‬
‫فٌدٌرالٌة وال كونفدرالٌة‪ ،‬وإنما ٌرجع وجودها إلى الفواعل االجتماعٌة و الحكومٌة‪ ،‬وهً بالضبط‬
‫نتٌجة التفاعالت االستراتٌجٌة للحكومات فٌمما بٌنها وبٌن المجتمعات المدنٌة الداخلٌة‪.‬‬

‫و ٌرى مورافٌسك أن البناء األوروبً ٌعتمد على إرادة وقدرة الفواعل على التكٌف بطرٌقة‬
‫عقالنٌة مع الضغوط والفرص التً ٌفرضها االقتصاد العالمً فً ظل االعتماد المتبادل‪ .‬كما ٌرى أن‬
‫عملٌة تحوٌل جزء من السٌادة أو نقل القرار للمؤسسات فوق القومٌة لٌس بسبب اإلٌمان بإٌدٌولوجٌة‬

‫‪27‬‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫نظريات التعاون و التكامل الدولي‬

‫فٌدٌرالٌة ‪ ،‬ولكن بسبب الرغبة فً الحصول على التزامات أكثر وذات مصداقٌة‪ ،‬فالتنازل عن جزء من‬
‫السٌادة هو استراتٌجٌة عقالنٌة من طرف الدول األعضاء للحصول على التزامات مستقبلٌة تهدف إلى‬
‫تشجٌع التعاون وتحسٌن تطبٌق االتفاقٌات‪.‬‬

‫االنتقادات‬

‫وجهت العدٌد من االنتقادات للمقاربة مابٌن الحكومٌة ‪ ،‬وخاصة المقاربة المؤسسٌة فٌما ٌتعلق‬
‫إهمالها لدور المؤسسات الفوق القومٌة ‪ ،‬فمن الغرٌب أن مقاربة قائمة على الخٌار المؤسساتً تهمل‬
‫دور المؤسسات فوق القومٌة فً المسار التكاملً‪ ،‬و التً تعتبر فاعال عقالنٌا‪ ،‬فالمفوضٌة األوروبٌة‬
‫تساهم فً اقتراح التشرٌعات‪ ،‬وتحرص على تطبٌق القرارات‪ ،‬وهً تساهم أٌضا فً تعدٌل االتفاقٌات‬
‫وصٌاغتها‪.‬‬

‫كما ٌرى أنصار المؤسساتٌة أن الدول األعضاء تواجه العدٌد من الصعوبات خالل مرحلة‬
‫التفاوض بسبب تكالٌف التفاوض ومشاكل التنسٌق والتعاون‪ ،‬وفً هذه الحالة تلجأ الدول إلى أمانة‬
‫المجلس األوروبً أو المفوضٌة للحصول على معطٌات قانونٌة و المساعدة الالزمة للوصول إلى عقد‬
‫االتفاقٌات‪ ،‬وبالتالً هً قادرة على وضع القواعد‪.‬‬

‫‪28‬‬

You might also like