Professional Documents
Culture Documents
صناعة الحلال ومقاصده الشرعية
صناعة الحلال ومقاصده الشرعية
إعداد:
د .حممد عامل بن أبوالبشر شاهر ملوك
أستاذ احلديث وعلومه املساعد جبامعة اإلسالمية منيسوتا
املدرس جبمعية التحفيظ القرآن الكريم مبكة املكرمة
الباحث يف الدراسات اإلسالمية
1442هـ 2020/م
0
ملخص البحث
.) يف ضوء السنة النبوية،هذا البحث يتناول موضوع (صناعة احلالل ومقاصده الشرعية
والتأصيل الشرعي لصناعة احلالل من الكتاب والسنة، بيان املعايري الشرعية للغذاء احلالل:ويهدف البحث إىل
. وخامتة، وأربعة مباحث، ومتهيد، وتكونت خطة البحث من مقدمة.مع حتقيق املقاصد الشرعية من صناعة احلالل
يف التأصيل الشرعي لصناعة: املقاصد) املبحث األول، التعريف مبصطلحات البحث (صناعة احلالل: وفيه،التمهيد
يف املعايري الشرعية: واملبحث الثالث، يف أمهية الغذاء احلالل للمسلم: واملبحث الثاين،احلالل من الكتاب والسنة
واشتملت على أهم النتائج: مث اخلامتة. يف املقاصد الشرعية يف صناعة األغذية احلالل: واملبحث الرابع،للغذاء احلالل
. وفهرس املصادر واملراجع،والتوصيات
Research Summary
This research deals with the topic (Halal industry and its legal
objectives, in light of the Sunnah). The research aims to: clarify the legal
standards for halal food, and the legal rooting for the halal industry from the
Qur’an and Sunnah, while achieving the legal objectives of the halal
industry. The research plan consisted of an introduction, an introduction,
four sections, and a conclusion. The preface, which includes: definition of
research terminology (halal industry, objectives) The first topic: In the legal
rooting of the halal industry from the Qur’an and Sunnah, the second
topic: On the importance of halal food for the Muslim, the third topic: In
the legal standards for halal food, and the fourth topic: In the legal
objectives in Halal food industry. Then the conclusion: It included the
most important findings and recommendations, and an index of sources
and references.
1
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،الرمحن الرحيم ،مالك يوم الدين ،وأشهد أن ال إله إال هو رب األولني واآلخرين وقيوم
السماوات واألرضني ،والصالة والسالم على املبعوث رمحة للعاملني ،وعلى آله وصحبه أمجعني ،و من سار على هديه
واقتفى أثره إىل يوم الدين ،وبعد:
فإن هللا سبحانه وتعاىل خلق اإلنسان وجعل فيه مقومات الفهم والتمييز ،والعقل واإلدراك ،فهو يعرف النافع من
الضار ،والطيب من اخلبيث ،فربغبته خيتار ومييز؛ ليحقق الغاايت واحلكم اليت من أجلها ُش ِّرعت األحكام؛ لتحقيق
عبودية هللا سبحانه وتعاىل ،وحتقيق مصاحل العباد الدنيوية ،ومن هنا جاء هذا البحث يتحدث عن صناعة احلالل
ومقاصده الشرعية ،يف ضوء السنة النبوية؛ بدراسة بعض اآلايت واألحاديث املتعلقة ابلغذاء احلالل وبيان مقاصده
الشرعية ،ويف ضوء ما سبق ،جاء هذا البحث ليشكل أطروحة تنطلق من املنظور القرآين والسنة النبوية ،وتركز حبثها يف
إطار حمدد املتعلق ابملوضوع ،وتركز على شرح اآلايت وشرح وختريج بعض األحاديث املتعلقة هبذا املوضوع ،حىت تكون
قاعدة للبحث يف صناعة احلالل اليت تطرأ يف هذا اجملال ،وقد بينت يف هذا البحث احلكمة اجللية يف إابحة وحظر ما
ورد يف الكتاب والسنة ،عالوًة على ذلك فقد تناول هذا البحث إيضاح املقاصد الشرعية يف صناعة احلالل.
مشكلة البحث:
يقوم هذا البحث على حماولة اإلجابة عن األسئلة التالية:
-1مالتأصيل الشرعي لصناعة احلالل يف الكتاب والسنة؟
-2ما أمهية الغذاء احلالل للمسلم؟
-3ما هي املعايري الشرعية للغذاء احلالل؟
-4ما هي املقاصد الشرعية يف صناعة احلالل؟
أسباب اختيار البحث:
-1الرغبة يف املشاركة يف أحد حماور املؤمتر االفرتاضي العاملي صناعة احلالل يف مواجهة أزمة كوروان الفرص
االقتصادية وحتدايهتا.
-2تقدمي دراسة متخصصة عن صناعة احلالل يف مواجهة أزمة كوروان الفرص االقتصادية وحتدايهتا من الكتاب
والسنة.
أهداف البحث:
-1بيان املعايري الشرعية للغذاء احلالل.
-2التأصيل الشرعي لصناعة احلالل من الكتاب والسنة.
-3حتقيق املقاصد الشرعية من صناعة احلالل.
منهج البحث :تعتمد هذه الدراسة على املنهج الوصفي التحليلي.
أمهية البحث :تلتمس يف دراسة بعض اآلايت وبعض أحاديث النيب يف صناعة احلالل.
حدود البحث :اقتصر البحث على إيضاح املقاصد الشرعية يف صناعة احلالل.
2
خطة البحث :تتكون من مقدمة ،ومتهيد ،وأربعة مباحث ،وخامتة ،والفهارس.
التمهيد ،وفيه:
-التعريف مبصطلحات البحث (صناعة احلالل ،املقاصد)
املبحث األول :التأصيل الشرعي لصناعة احلالل من الكتاب والسنة.
املبحث الثاين :أمهية الغذاء احلالل للمسلم .
املبحث الثالث :املعايري الشرعية للغذاء احلالل.
املبحث الرابع :املقاصد الشرعية يف صناعة األغذية احلالل.
اخلامتة :وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات.
املصادر واملراجع.
التمهيد:
-التعريف مبصطلحات البحث (صناعة احلالل ،املقاصد)
اصطالحا:
َ أوال :تعريف الصناعة لغةً و
()1
الصانِِّّع وعمله َّ
الصْنعةُ" . أ-تعريف الصناعة لغ ًة–":ابلكسر -حرفة َّ
صنْ ًعا .وامرأة
عمل الشيء ُ
صحيح واح ٌد ،وهو ُ
ٌ قال ابن فارس-رمحه هللا(" :-صنع) -الصاد()2والنون والعنيٌ -
أصل
صنَ ٌع ،إِّذا كاان حاذقَني فيما يصنعانه" .
ورجل َ
اع ٌ صنَ ٌ
َ
اصطالحا:
ً ب-تعريف الصناعة
()3
اإلنسان ،حىت ميهر فيه ويصبح حرفة له" . فن مارسه ِّْ
عبارة عن" :كل عل ٍم أو ٍ
وميكن القول إن الصناعة ملكة وعلم يوظَّف من أجل حتقيق غرض من األغراض ،واملقصود يف هذا البحث :هو
شرعا.
صناعة ما حيتاجه اإلنسان من املأكوالت واملشروابت املباحة ً
واصطالحا:
َ اثنيا :تعريف احلالل لغةً
ِّ
أحبَته أ-تعريف احلالل لغة :نقيض احلرام ،قال ابن فارس" :واحلالل :ضد احلرام ..،كأنه من َحلَلْ ُ
ت الشيء ،إذا ْ
()4
وأوسعته ألم ٍر فيه" .
()5
الال" .َحلَلت لَهُ الشيءََ :ج َعلْتُهُ لَهُ َح ً
"وأ ْ
إذن :احلالل معناه يف اللغة :نقيض احلرام.
ب-احلالل اصطالحا :
()6
"احل َال ُل الْمب ِّ
ت ُع ْق َدةُ ا ْحلَظْ ِّر َعنْهُ" . اح الَّذي َْ
اْنلَّ ْ َُ ُ عرفه الفخر الرازي بقولهَْ :
salahshoier.blogspot.com/2015/05/blog-post_13.html ()1
الر ُج ِّل َو َع َملِّهِّ بِّيَ ِّدهِّ-برقم()2072
ب َّب َكس ِّ
وع َاب ُ ْ اب البُيُ ِّ ِّ
أخرجه البخاري يف صحيحه ( )57 /3كتَ ُ ()2
ِّ
ط -برقم()2262 اإل َج َارةِّ َاب ُ
ب َر ْع ِّي الغَنَِّم َعلَى قَ َر ِّاري َ اب ِّأخرجه البخاري يف صحيحه ( )88 /3كتَ ُ ()3
6
املبحث الثاين :أمهية الغذاء احلالل للمسلم .
حث اإلسالم على االهتمام ابلغذاء احلالل ابعتباره املصدر األساسي للبقاء يف احلياة ،وربط هبدف سام لقد َّ
ِّ
يعيش له املسلم وحييا من أجله ،أال وهو حتقيق العبودية هلل سبحانه ،قال تعاىل :قُ ْل إِّ َّن َ
صالَِِّت َونُ ُسكي َوَْحميَ َ
اي
ِّ ِّ ِّ
ني[ األنعام ]162 :والغذاء شأنه شأن أي مفردة من مفردات حياة اإلنسان املسلم؛ غايتها َوِمََ ِّاِت ّلِل َر ِّب الْ َعالَم َ
التقوى على طاعة هللا واالستعانة هبذا الغذاء يف توفري ما حيتاجه من الطاقة الالزمة للجسم لتأدية الواجبات الشرعية
ات َما َرَزقْ نَا ُك ْموغريها ،وقد شدد القرآن الكرمي على أمهية الغذاء احلالل قال تعاىل :اي أَي ها الَّ ِّذين آمنُوا ُكلُوا ِّمن طَيِّب ِّ
ْ َ َ َ َ َ
ّلِل إِّ ْن ُكْن تُ ْم إِّ َّايهُ تَ ْعبُ ُدو َن[ البقرة.]172 : وا ْش ُكروا َِِّّّ
َ ُ
فكان أن جعل هللا عزوجل لإلنسان الطيبات من الرزق ،ليتمكن من التمتع والتطيب إىل جانب التزود مبا حيتاجه
ين َآمنُواْ ِّيف ِّ ِّ ِّ ات ِّمن ِّ ِّ اّلِل الَِّّيت أَخرج لِّعِّب ِّاد ِّه والْطَّيِّب ِّ
جسمه من مغذايت ،قال تعاىل :قُل من حَّرم ِّزينَ َة ِّ
الرْزق قُ ْل هي للَّذ َ َ َ َْ َ َ َ َ ْ َْ َ َ
اآلايت ل َق ْوم يَ ْعلَ ُمو َن[ األعراف.]32 : ٍ ِّ ِّ احلي ِّاة الدنْيا خالِّص ًة ي وم الْ ِّقيام ِّة َك َذلِّ َ ِّ
ك نُ َفص ُل َ َ َ َ َْ َ َ َ ََْ
َح ٌد طَ َع ًاما قَط َخْي ًرا ِّم ْن أَ ْن َْأْ ُك َل ِّم ْن
كما شددت السنة النبوية على أمهية الغذاء احلالل بقولهَ )«1( :ما أَ َك َل أ َ
الس َالم َكا َن َْأْ ُك ُل ِّم ْن َع َم ِّل يَ ِّد ِّه» . عم ِّل ي ِّد ِّه وإِّ َّن نَِّيب َِّّ
اّلِل َد ُاوَد َعلَْي ِّه َّ َ َ َ َ َّ
ومن هنا تكمن أمهية الغذاء احلالل للمسلم ملا يترت عل معرفته أمورا كثرية منها:
أوال :إجابة الدعاء:
ب الَ يَ ْقبَ ُل إِّالَّ طَيِّباً ِّ هللا صلى هللا عليه وسلم« :أَي َها الن ِّ ول ِّ َع ْن أَِِّب ُهَريَْرةَ َر ِّض َي هللاُ َعْنهُ قَ َ
َّاس إ َّن هللاَ طَي ٌ
ُ ال َر ُس ُ ال :قَ َ
احلًا إِِّّين ِّمبَا تَ ْع َملُو َن َعلِّ ٌيم
ات واعملُوا ص ِّ ِّ ِّ
الَ :ايأَي َها الر ُس ُل ُكلُوا م َن الطَّيِّبَ َ ْ َ َ ني فَ َق َِّ ِّ وإِّ َّن هللا أَمر امل ْؤِّمنِّ ِّ
ني مبَا أ ََمَر بِّه املُْر َسل َ
َ َ ََ ُ َ
ثالس َفَر أَ ْش َع َ
يل َّ ِّ [املؤمنون ،]51:ايأَي ها الَّ ِّذين آمنُوا ُكلُوا ِّمن طَيِّب ِّ
الر ُج َل يُط ُات َما َرَزقْ نَا ُك ْم [ البقرةُ .]172 :مثَّ ذََكَر َّ ْ َ َ َ َ َ
اب ى ِّابحلََرِّام فَأ َّ ِّ ِّ ِّ ِّ أَ ْغبَ َر ميَُد يَ َديِّْه إِّ َىل َّ
ََّن يُ ْستَ َج ُ الس َماء َاي َرب َاي َرب َوَمطْ َع ُم ُه َحَر ٌام َوَم ْشَربُهُ َحَر ٌام َوَم ْلبَ ُسهُ َحَر ٌام َو ُغذ َ ()2
ك» . ِّ ِّ
ل َذل َ
اثنيا :جواز أكل األطعمة وبيعها وشرائها:
ات ما رزقْ نَا ُكم وا ْش ُكروا َِِّّّ
ّلِل إِّ ْن ُكْن تُ ْم إِّ َّايهُ تَ ْعبُ ُدو َن[ البقرة.]172 : ِّ ِّ ِّ ِّ
ين َآمنُوا ُكلُوا م ْن طَيبَ َ َ َ ْ َ ُ قال هللا تعاىلَ :ايأَي َها الَّذ َ
الرَاب[ البقرة.]275 : اّلِلُ الْبَ ْي َع َو َحَّرَم ِّ
َح َّل َّ
وقال هللا تعاىلَ :وأ َ
اثلثا :السالمة من األمراض.
لقد جاءت هذه القاعدة صرخة مدوية يؤكد علماء اليوم أهنا احلل األمثل حلل مشاكل العصر الصحية واليت
جعلها سبحانه وتعاىل من أهداف بعثة النيب األمي صلى هللا عليه وسلم كما يف قوله تعاىل :وُِّحيل َهلم الطَّيِّب ِّ
ات َوُحيَ ِّرُم َ ُُ َ
َعلَْي ِّه ُم ا ْخلَبَآئِّث[ ..األعراف ]157 :فكان اخلمر وامليتة والدم وحلم اخلنزير ،وما أحلق هبا اليوم من خبائث العصر من
()3
خمدرات وسجائر وسواها وهي من أهم أسباب األمراض والعجز واملوت واملهالك يف عصران احلديث .
()1تقدم خترَيه.
ب َوتَ ْربِّيَتِّ َها ،برقم ()1015 الص َدقَ ِّة ِّمن الْ َكس ِّ
ب الطَّيِّ ِّ الزَكاةِّ -ابب قَب ِّ ِّ
َ ْ ول َّ ()2أخرجه مسلم يف صحيحه ( )703 /2كتَاب َّ َ ُ ُ
()3اآلداب اإلسالمية يف الطعام والشراب وأثرها يف صحة الفرد واجملتمع ،بقلم الدكتور حممد نزار الدقر ديسمرب.2019/
https://quran-m.com
7
رابعا :النجاة من اإلمث والعقوبة.
إن الغذاء الطيب يكون سببا يف بركة هللا ومباركته لألعمال واألعمار واألموال ،وأثر ذلك واضح ،فقد ثبت عن
()2
َّار أ َْوَىل بِِّّه» . ن ال ت( )1إَِّّال َكانَ ِّ
ت النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال « :إِّنَّه َال ي ربو َحلم نَبت ِّمن سح ٍ
ُ ُ َْ ُ ٌْ َ َ ْ ُ ْ
ومعىن احلديث :أن هللا سبحانه وتعاىل أمر ابألكل من الطيبات وما أابح هللا سبحانه وتعاىل لعبادهَ ،اي أَي َها
اّلِلُ َعلَْي ِّه َو َسلَّ َم أن كل جسم وحلم تغذى ِّ ِّ ِّ
صلَّى َّ ين َآمنُوا ُكلُوا م ْن طَيِّبَات َما َرَزقْ نَا ُك ْم [ البقرة.]172 :وأخرب رسوله َ الَّذ َ
ابحلرام فإنه يكون يوم القيامة يف النار عقوبة له.
صًرا لَهُ ،فَِّإذَا ط الْب َد َن وميَُ ِّازجه وي نْ بت ِّمنْه فَي ِّ ِّ
اد ًة َو ُعنْ ُ
ص ُري َم َّ قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا " :الطََّع َام ُخيَال ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ َ
ت اّلِل علَي ِّه وسلَّم ُ « :كل ِّجس ٍم نَبت من سح ٍ
ْ َ َ َْ ُ ْ صلى َُّ َ ْ َ َ َ َّار؛ َوِّهلََذا قَ َ
ال النَِّّيب َ َّ ب الن َ
ِّ ِّ
ص َار الْبَ َد ُن َخبيثًا فَيَ ْستَ ْوج ُ َكا َن َخبِّيثًا َ
()3
ِّ ِّ ِِّّ
ب ،وأما ما مياس البدن ويباشره فيؤثر أيضا يف البدن من ظاهر كتأثري َّار أ َْوَىل به» َ .وا ْجلَنَّةُ طَيبَةٌ َال يَ ْد ُخلُ َها َّإال طَي ٌ
فَالن ُ
األخباث يف أب داننا ويف ثيابنا املتصلة أببداننا لكن أتثريها دون أتثري املخالط املمازج فإذا ثبت حل خمالطة الشيء
وِمازجته فحل مالبسته ومباشرته أوىل وهذا قاطع ال شبهة فيه وطرد ذلك أن كل ما حرم مباشرته ومالبسته حرم
()4
خمالطته وِمازجته وال ينعكس فكل نس حمرم األكل وليس كل حمرم األكل نسا وهذا يف غاية التحقيق"
خامسا :قوة البدن واستعداده للعمل الصاحل.
تعبريا عن مراعاة أوامر هللا تعاىل وتعظيمه سبحانه ،وكل سعي لإلنسان َّ
إن حتري احلالل واحلرام مهم جدًّا بوصفه ً
يكتسب منه احلالل وَيتنب احلرام عبادة ذات طابع خاص؛ فمقاومة املسلم للمحرمات والبالاي واملصائب بصرب وجلد
فهي تكفر خطااي املؤمن ابإلضافة إىل أنه يؤجر عليها إن صرب ،والغذاء الطيب واملكسب احلالل يكسب القلب قوة،
ويكسب القلب صفاء وإخالصا ،كما أن الغذاء الطيب يكون سببا يف قبول األعمال وإجابة الدعوات .ف َع ْن أَِِّب ُهَريَْرَة،
َخ َذ َها هللاُ بِّيَ ِّمينِِّّه ،فَيُ َربِّ َيها َك َما َح ٌد بِّتَ ْمرٍة ِّم ْن َكس ٍ صلَّى هللاُ َعلَْي ِّه َو َسلَّ َم ،قَ َ َن رس َ ِّ
ب ،إَِّّال أ َ
ب طَيِّ ٍ
ْ َ َّق أ َ
صد ُ الَ« :ال يَتَ َ ول هللا َ أ َّ َ ُ
()5
وصهَُ ،ح َّىت تَ ُكو َن ِّمثْ َل ْ
اجلَبَ ِّل ،أ َْو أ َْعظَ َم» يَُرِِّب أ َ
َح ُد ُك ْم فَلُ َّوهُ ،أ َْو قَلُ َ
()6
" ُسئِّل اإلمام أمحد رمحه هللاَِِّ :ب تلني القلوب؟ قال :أبكل احلالل"
قال ابن حجر رمحه هللا" :فيه التنبيه على تعظيم قدر القلب واحلث على صالحه واإلشارة إىل أن لِّطيب الكسب
()7
أثرا فيه"
ً
(")1السحت :هو احلرام .انظر :النهاية يف غريب األثر (. )873 /2
ِّ ب َما ذُكَِّر ِّيف فَ ْ
ض ِّل َّ
الص َالة برقم( )614واحلديث صحيح. الس َف ِّرَ -اب ُ
اب َّ
()2أخرجه الرتمذي يف سننه ( )512 /2أَبْ َو ُ
()3تقدم خترَيه
()4جمموع الفتاوى (.)541 /21
ب َوتَ ْربِّيَتِّ َها ()1014 الص َدقَ ِّة ِّمن الْ َكس ِّ
ب الطَّيِّ ِّ الزَكاةِّ -ابب قَب ِّ ِّ
َ ْ ول َّ ()5أخرجه مسلم يف صحيحه ( )702 /2كتَاب َّ َ ُ ُ
()6حلية األولياء وطبقات األصفياء (.)182 /9
()7فتح الباري -ابن حجر (.)128 /1
8
املبحث الثالث :املعايري الشرعية للغذاء احلالل.
ض َِّ
مجيعاً[البقرة]29:سواء كنت األصل يف مجيع األطعمة اإلابحة ،كما يف قوله تعاىلَ :خلَ َق لَ ُك ْم َما ِّيف ْاأل َْر ِّ
هذه اإلابحة مبنية على النص الشرعي ،أو كانت مبنية على الرباءة األصلية ،فاألشياء اليت يستهلكها اإلنسان يف غذائه
تنقسم أساسياً إىل نوعني:
األول :احليواانت.
الثاين :النبااتت.
فالنبااتت حالل بشكل عام إال ما كان مسكراً منها أو مضرا لإلنسان.
وأما يف احليواانت فهنالك معايريا حتكم اختيار الغذاء املباح مبا حيقق مقاصد الشريعة يف هذا اجملال ومن أهم هذه
املعايري:
-1أن يكون الغذاء منصوصا على حلِّه من احليواانت أو الطيور ويشرتط فيها الذبح بطريقة شرعية مستوفاة
()1
بشروطه .
اخلِّْن ِّز ِّير َوَما
َّم َو َحلْ ُم ْ
َوالد ُ -2أن ال يكون الغذاء منصوصا بتحرميه كما يف قوله تعاىلُ :ح ِّرَم ْ
ت َعلَْي ُك ُم الْ َمْي تَةُ
ِّ ِّ ِّ أ ُِّه َّل لِّغَ ِّري َِّّ ِّ
ب.. ص ِّ ذُبِّ َح َعلَى الن ُ السبُ ُع إِّالَّ َما ذَ َّكْي تُ ْم َوَما اّلِل بِّه َوالْ ُمْن َخن َقةُ َوالْ َم ْوقُوذَةُ َوالْ ُمتَ َرديَةُ َوالنَّط َ
يحةُ َوَما أَ َك َل َّ ْ
[املائدة .]3:
وحرم عليكم الدم السائل حرم هللا عليكم امليتة ،وهي احليوان الذي تفارقه احلياة بدون ذكاةَّ ، وتفسري اآليةَّ " :
املراق ،وحلم اخلنزير ،وما ذُكِّر عليه غري اسم هللا عند الذبح ،واملنخنقة اليت ُحبِّس نَ َف ُسها حىت ماتت ،واملوقوذة وهي اليت
ُ
ضربت بعصا أو حجر حىت ماتت ،واملتَ َرِّدية وهي اليت سقطت من مكان عال أو َه َوت يف بئر فماتت ،والنطيحة وهي ُ
ُ
وحرم هللا عليكم البهيمة اليت أكلها السبُع ،كاألسد والنمر والذئب ،وْنو ذلك. ضَربَتْها أخرى بقرهنا فماتتَّ ، اليت َ
وحرم هللا عليكم
حرمه من املنخنقة وما بعدها ما أدركتم ذكاته قبل أن ميوت فهو حالل لكمَّ ، واستثىن -سبحانهِ -ما َّ
وحرم هللا عليكم أن تطلبوا ِّع ْلم ما قُ ِّسم لكم أو َل يقسم
ما ذُبِّح لغري هللا على ما يُنصب للعبادة من حجر أو غريهَّ ،
أمرا قبل أن يقدموا عليه .ذلكم املذكور يف اآلية من احملرمات ابألزالم ،وهي القداح اليت كانوا يستقسمون هبا إذا أرادوا ً
()2
-إذا ارتُكبت -خروج عن أمر هللا وطاعته إىل معصيته" .
املفرتات؛ لقوله تعاىلَ :وَال تُلْ ُقوا ِّأبَيْ ِّدي ُك ْم إِّ َىل
-3أن ال يكون فيه مضرة :كالسم ،واخلمر ،وسائر املسكرات و ِّ
َّهلُ َك ِّة[ البقرة ،]195 :وقوله عز وجلَ :وَال تَ ْقتُلُوا أَنْ ُف َس ُك ْم[ النساء.]29 : الت ْ
اّلِلُ َعلَْي ِّه َو َسلَّ َمَ « :ماصلَّى َّ - 3ما قطع من احلي :حلديث أِب واقد الليثي ()3رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا َ
قُ ِّط َع ِّم ْن الْبَ ِّه َيم ِّة َوِّه َي َحيَّةٌ ،فَ َما قُ ِّط َع ِّمْن َها فَ ُه َو َمْي تَةٌ» .
()1ملعرفة شروط اليت ينبغي توفرها يف الذابح .انظر :الشرح الكبري البن قدامة ( )46 /11اإلقناع يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل (/4
شرح منتهى اإلرادات (.)386 /11
()2التفسري امليسر ()107 /1
( )3أخرجه أبو داود يف سننه ( )277/3صيد قطع منه قطعة برقم( ،)2858والرتمذي يف سننه ( )74/4كتاب األطعمة ،ابب ما قطع
من احلي فهو ميت ،برقم (،)1480وأمحد يف مسنده ( )218/5واحلاكم يف املستدرك ()123/4وقال الرتمذي :حسن غريب ال
نعرفه إال من حدث زيد بن أسلم .وقال احلاكم :صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهيب.
9
( )1
اّلِلُ َعلَْي ِّه
صلَّى َّ َ هللا رسول هنى « قال: عنهما هللا رضي عباس ابن حلديث ؛ -4أن ال يكون من سباع البهائم
()2
السبَ ِّاع» .وسلَّم عن ُك ِّل ِّذي َان ٍب ِّمن ِّ
ْ َ َ َ َْ
كالعقاب والباز والصقر واحلدأة والبومة ،حلديث ابن -5أن ال يكون من سباع الطري :وهي اليت تصيد مبخلبها؛ ُ
ب ِّم ْن السبَ ِّاع ،وُك ِّل ِّذي ِّخمْلَ ٍ اّلِل علَي ِّه وسلَّم عن ُك ِّل ِّذي َان ٍب ِّمن ِّ
ْ صلَّى َُّ َ ْ َ َ َ َ ْ
ول َِّّ
اّلِل َ عباس رضي هللا عنهما قال« :نَ َهى َر ُس ُ
َ ()3
الطَِّّْري» .
الر َخم والغراب؛ خلبث ما يتغذى بهَ .وُحيَ ِّرُم َعلَْي ِّه ُم -6أن ال يكون من الطيور ما ْأكل اجليف :كالنسر و َّ
ث[ األعراف.]157 : ا ْخلَبَائِّ َ
ب قتله :كاحلية والعقرب والفأرة واحلدأة؛ حلديث عائشة رضي هللا عنها أن ِّ
-7أن ال يكون من احليوان الذي نُد َ
ِّ ِّ صلَّى َّ ِّ َّ
ب ابَ ،والْ َكلْ ُ احلُ َد َّايَ ،والْغَُر ُ
بَ ،و ْ س فَ َواس ُق يُ ْقتَ لْ َن ِِّف ا ْحلََرم الْ َف َارةَُ ،والْ َع ْقَر ُاّلِلُ َعلَْيه َو َسل َم قال« :مخْ ٌ رسول هللا َ
()4
ور» ،ولكوهنا مستخبثة مستقذرة. الْ َع ُق ُ
اّلِلُ َعلَْي ِّه َو َسلَّ َم -نَ َهى يَ ْوَم َخْي بَ َر َع ْن ُحلُ ِّوم صلَّى َّ -7احلمر األهلية؛ ملا روى جابر رضي هللا عنه« :أن النيب َ -
()5
احلُ ُم ِّر ْاأل َْهلِّيَِّّة) .ْ
ث اخلَبَائِّ َ
-8ما يستخبث من األطعمة :كالفأرة واحلية والذابب والزنبور والنحل؛ لقول هللا تعاىلَ :وُحيَ ِّرُم َعلَْي ِّه ُم ْ
[األعراف.]157 :
()6
اّلِلُ َعلَْي ِّه َو َسلَّ َم -نَ َهى َع ْن أَ ْك ِّل صلَّى َّ -9اجلالَّلة ؛ ملا روى ابن عمر رضي هللا عنهما قال« :هنى رسول هللا َ -
()7
ُحلُ ِّوم ا ْجلََّاللَِّةَ ،وأَلْبَ ِّاهنَا» .
وسواء يف ذلك اإلبل والبقر والغنم والدجاج وْنوها ،فإذا حبست بعيداً عن النجاسات ،وأطعمت الطاهرات ،حل
أكلها.
( )1سباع البهائم :وهي اليت تفرتس بناهبا -أي تنهش -من حيواانت الرب؛ كاألسد والذئب والنمر والفهد والكلب .النهاية يف غريب
األثر ()842 /2
( )2أخرجه مسلم يف صحيحه ( ،)1543 /3كتاب الصيد والذابئح :ابب حترمي أكل كل ذي انب ،برقم (.)16
( )3تقدم خترَيه يف احلديث السابق.
( )4متفق عليه؛ أخرجه البخاري يف صحيحه( )42/4كتاب جزاء الصيد ابب ما يقتل احملرم من الدواب حديث ( )1828ومسلم يف
صحيحه ( )858/2كتاب احلج :ابب ما يندب احملرم وغريه قتله من الدواب يف احلل واحلرم (.)73
( )5متفق عليه؛ أخرجه البخاري يف صحيحه ( ،)648 /9كتاب الذابئح والصيد :ابب حلوم اخليل ،برقم ( ،)5520ومسلم يف صحيحه
( ،)1541 /3كاب الصيد والذابئح :ابب يف أكل حلوم اخليل ،حديث (.)36
(" )6اجلالَّلة من احليوان :اليت أتكل الع ِّذرة واجلِّلَّة :الب عر فو ِّضع موضع ِّ
اجتَ ْلت َها فهي َجالَّة َ
وجالَّلة :إذا العذ َرة .يقال َجلَّت الدَّابة اجلالَّة و ْ
َ َ َ ُ َْ َ َ َ َ
الْتَ َقطَْتها" .النهاية يف غريب األثر ()800 /1
أخرجه أبو داود يف سننه ( ،)185 ،148 /4كتاب األطعمة :ابب النهي عن أكل اجلاللة وألباهنا ،برقم ( ،)3785والرتمذي يف ()7
سننه ( )270 /4كتاب األطعمة :ابب ما جاء يف أكل حلوم اجلاللة ،برقم (.)1824وابن ماجة يف سننه ( ،)1064 /2كتاب
الذابئح :ابب النهي عن حلوم اجلاللة ،برقم ( )3189واحلديث صحيح.
10
-10الرقابة على صناعة احلالل دوراي والتأكيد من سالمتها إبرسال مراقبني شرعيني أكفاء؛ للكشف على عمل
املساخل والتأكد من آلية الذبح وعدم تطبيق الصعق الكهرابئي ،وعدم استخدام أساليب لتدويخ الدواجن منها غاز اثين
أكسيد الكربون وهذا يؤدي إيل تلف الدماغ وارتفاع نسبة البكرتاي يف اللحم وفقدانه جلودته.
-11سالمة التعاقدات التجارية من البائع واملشرتي حسب املعامالت االسالمية ،وإصدار شهادات محاية املستهلك
تفادي احلرام يف كل املراحل االنتاج والتسويق ،مثل العموالت والرشوة؛ ألن أضرار أكل احلرام رد العبادات.
-12اتباع معايري اجلودة على املستوى العاملي ،وتسهيل وتوحيد إجراءات اخلاصة بتصدير واسترياد اللحوم على أن
تكون اهليئة العامة للغذاء والدواء مشرفة للتنسيق بني القطاعات احلكومية إلصدار التشريعات التنظيمية يف هذا
()1
اجملال.
املبحث الرابع :املقاصد الشرعية يف صناعة األغذية احلالل.
مقاصد الشريعة تعتين ببيان غاايت التشريع اإلسالمي وأهدافه وأسراره وحكمه ،وتتحدد يف غاية كربى وهي
عبادة هللا تعاىل وارضاؤه والفوز جبناته ،وغاايهتا كثرية متنوعة ،منها إصالح اإلنسان واألرض واحلياة ،وحفظ النفوس
()2
واألعراض والدماء ،وصون األمن والسلم وغري ذلك ِما َيلب مصاحل اخللق وما يدفع عنهم املفاسد .
ت لِّلْ ُم َحافَظَِّة ِّ َن الش ِّ
َّر َيع َة ُوض َع ْ ت ْاأل َُّمةُ -بَ ْل َسائُِّر الْ ِّملَ ِّلَ -علَى أ َّ
يقول اإلمام الشاطيب " --فَ َق َد اتَّ َف َق ِّ
()3
ال ،والْ َع ْقل -و ِّعلْم َها ِّعنْ َد ْاأل َُّم ِّة َكالضَّر ِّ
ور ِّي" ِّ ورَّاي ِّت ا ْخلم ِّ ِّ
َعلَى الضَّر ِّ
ُ َّس ُلَ ،والْ َم ُ َ ُ َ ُ سَ ،والن ْ ينَ ،والنَّ ْف ُ
س َ -وه َي :الد ُ َْ ُ
إن صناعة األغذية احلالل من أهم املوضوعات اليت تشغل مهوم الناس فرادى ومجاعات ،ومتس حياهتم واستقرارهم
مساً جوهرايً ،وإن استقامة احلياة وسعادهتا ال حتصل إال حبفظ املقاصد الضرورايت اخلمس ،فيصبح اإلنسان
فيها َّ
مقصدا من مقاصد
ً مراتح القلب مطمئن النفس ،ال خياف من شيء يهدد األمن الغذائي ،كما يعترب األغذية احلالل
الشريعة ،وأن الشريعة اإلسالمية جاءت حبفظ الضرورايت اخلمس ( حفظ الدين ،وحفظ النفس ،وحفظ العقل ،وحفظ
النسل ،وحفظ املال) ولن حتفظ بعض الضرورايت بغري األغذية احلالل ،إذ بزواله يصبح حفظ تلك الضرورايت
مستحيالً.
ولذلك جاءت الشريعة ابلوسائل الكفيلة حلفظ الضرورايت اخلمس من جهتني:
أوهلما( :الوجود) وهي :احملافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده وحيفظ حياته ،وهو األكل من الطيب منه،
وشكر هللا عليه ،وأوجب اإلسالم تناول الغذاء احلالل للحفاظ على احلياة ،ودفع اهلالك عن النفس ،وللقيام ابلواجبات
الدينية من صالة ،وصيام وغريمها ،والمتثال أوامر هللا يف األكل والشرب ،والتقوي به على طاعة هللا عز وجل.
ات ما رزقْ نَا ُكم وا ْش ُكروا َِِّّّ
ّلِل إِّ ْن ُكْن تُ ْم إِّ َّايهُ تَ ْعبُ ُدو َن ِّ ِّ ِّ ِّ
قال هللا تبارك وتعاىلَ :ايأَي َها الَّذ َ
ين َآمنُوا ُكلُوا م ْن طَيبَ َ َ َ ْ َ ُ
[البقرة.]172 :
( )1الشروط والضوابط الشرعية للغذاء احلالل :خربة إندونيسيا ،أماين برهان الدين لوبيس -جملة األحكام 2017/12/17م.التأصيل
الشرعي للغذاء احلالل يف ضوء الكتاب والسنة-دراسة حتليلية -عبد الواسع الغشيمي ،جملة األحباث-العدد الثالث عشر(يناير -
مارس 2019م).
( )2انظر :مشروع املوسوعة املقاصدية لنور الدين اخلادمي( ص.)7
( )3املوافقات للشاطيب( ،ص.)31
11
واثنيهما (العدم ) وهي :درء الفساد الواقع أو املتوقع عليه واحملافظة عليه بدرء ما حيرفه أو يزيله ،مثل :حترمي
امليتة والدم وحلم اخلنزير إىل آخر اآلية هتدف إىل احملافظة على املقاصد الضرورية اخلمسة عموماً؛ وهي الدين ،والنفس
والعقل والنسل واملال.
فاحلكم ة من حترمي هذه املطعومات تع زى ملا فيها من ض رر جلسم اإلنسان ،لذا حرمت حتقيق اً للصحة السليمة
والعافية للمرء يف حياته ،وهذا كله حيقق مقصد التشريع احلنيف يف حفظ النفس ،وهو من الضرورايت اخلمس.
فمثال :حرم هللا سبحانه وتعاىل امليتة ملا فيها من ض رر جلسم اإلنسان ،إذ يسبب أكلها مرض اجلمرة اخلبيثة
()1
الظاهرة .
ومثال آخر:
حرم هللا سبحانه وتعاىل اخلنزير لقذارته وض رره على جسم اإلنسان ،إذ يسبب مرض الزحار الزقي وتسببه طفيلة
تدعى ( )Balantdium coliوتعيش يف أمعاء اخلنزير ،كما يسبب داء ويل الريقاين النزيف وهذا يسبب نزف يف
الكبد والكلية وهبوط القلب ،كما يسبب حصبة اخلنزير وغريها من األمراض كالدودة الشريطية والتهاب الدماغ وعضلة
القلب والسل الرئوي وجراثيم كثرية ،ويتأثر آكله بصفات هذا احليوان وأخالقه يف األغلب ،كاألخالق اخلبيثة ،وفقدان
()2
الغرية .
اجلمرة اخلبيثة :وهي قرحة جلدية مزمنة على الوجه أو اليدين ،واجلمرة اخلبيثة الرئوية ،واجلمرة اخلبيثة املعوية ،وكذلك قد يسبب ()1
تناوهلا تسمماً غذائياً ،وعسراً يف اهلضم ،كما أن من أضرارها اإلصابة ابلتهاب الكبد الوابئي ،وظهور أكياس مائية يف الدماغ،
والكبد ،والرئتني ،وغري ذلك .الوجيز يف الطب ،هلشام اخلطيب (ص.)227
التفسري الكبري ،للرازي )135/11( ،التطبب اإلسالمي ،ايسني غادي ،جملد ،12عدد ،1ص.221-206 ()2
12
اخلامتـة
توصل هذا البحث إىل مجلة من النتائج يف هذا البحث ،أييت ذكر أمهها فيما يلي:
احلل إىل حرم ٍة أو كر ٍ
اهة أن ما خير ُج من ِّ رجه من ِّ
احلل ،و َّ كل ٍ األصل يف ِّ
َُ دليل ُخي ُ
يوجد من الشَّرِّع ٌحىت َ شيء احلل َّ َ -1
ِّ
الكتاب والسنَّة. مفص ٌل يف
َّ
الطيب ما مجع وصفني :الطهارة واملنفعة ،وانتفاء الضرر ،فال يكون الطعام طيباً حىت يكون طاهراً ،انفعاً. -2
-إن أكل احلرام واملشتبه يُصدئ القلب ويُظلمه ،ويُ َق ِّسيه ،وهو من موانع قبول الدعاء. -3
كل ما حرم يف القرآن والسنة إمنا حظر ملقصد شرعي جليل وهو حفظ النفس ،فحكمة التشريع تتجلى بصورة -4
هبية فريدة يف اآلايت وأحاديث السنة اليت أابحت لنا ما ينفع من الطيبات ،وحرمت علينا ما يضر من اخلبائث.
-5الرقابة على صناعة احلالل دوراي والتأكيد من سالمتها إبرسال مراقبني شرعيني أكفاء؛ للكشف على عمل املساخل
والتأكد من آلية الذبح وعدم تطبيق الصعق الكهرابئي ،وعدم استخدام أساليب لتدويخ الدواجن منها غاز اثين
أكسيد الكربون وهذا يؤدي إيل تلف الدماغ وارتفاع نسبة البكرتاي يف اللحم وفقدانه جلودته.
-6سالمة التعاقدات التجارية من البائع واملشرتي حسب املعامالت االسالمية ،وإصدار شهادات محاية املستهلك
تفادي احلرام يف كل املراحل االنتاج والتسويق ،مثل العموالت والرشوة؛ ألن أضرار أكل احلرام رد العبادات.
أهم التوصيات:
-1نشر مفهوم أمهية صناعة احلالل بني اجلميع ،وال سيما يف الدول الغربية ،وكل على حسب قدرته واستطاعته من
علماء ودعاة وشرائح خمتلفة.
-2االهتمام ابألطعمة املستوردة من خارج بالد املسلمني ،وتشكيل جلان خاصة للتأكد من مطابقتها للشروط
الشرعية السابقة كلها.
-3التأكد من مصدر الغذاء ،وتشديد الرقابة عليها من الناحية الشرعية والطبية ،وتفعيل دور دوائر املواصفات
واملقاييس يف حتديد اجلودة .
-4نشر الوعي بني املسلمني مبا يتعلق أبحكام صناعة احلالل يف ضوء املستجدات املعاصرة ،خاصة املقيمني يف
البالد غري اإلسالمية.
-5تعزيز قيمة الغذاء احلالل يف نفوس األجيال ،لتحقيق مقاصد الشريعة .
أهم املقترحات:
-1أقرتح أن تكون هنالك رسائل علمية خمتصة تناقش أحكام األطعمة احملللة واحملرمة ،وقواعدها الكلية يف الفقه
اإلسالمي ،مبنهج مقارن ،منطلقاً من املصدر األساسي يف كتاب هللا ،وْأخذ بعني االعتبار ما يتعلق هبا من سنة
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
-2أقرتح أن يبحث يف علل أحكام األطعمة احملللة واحملرمة ،ويستقرئ مقاصد تشريعها ،مث يدرس أهم التطبيقات
املعاصرة هلا ،خاصة يف ضوء مستجدات العوملة.
-3أقرتح أن يف املوضوع حبوث أتصيلية يف ضوء ما ورد يف أحكام الشرع املتعلقة هبذا اجملال ،ابإلضافة إىل القواعد
العامة ومقاصد التشريع.
13
فهرس املصادر واملراجع
اآلداب اإلسالمية يف الطعام والشراب وأثرها يف صحة الفرد واجملتمع ،بقلم الدكتور حممد نزار الدقر
ديسمربhttps://quran-m.com .2019/
-2أضواء البيان يف إيضاح القرآن ابلقرآن ،حملمد األمني بن حممد املختار بن عبد القادر اجلكين الشنقيطي الناشر :
دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بريوت – لبنان عام النشر 1415 :ه 1995 -م .
-3اإلقناع يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل ،ملوسى بن أمحد بن موسى بن ساَل بن عيسى بن ساَل احلجاوي املقدسي،
مث الصاحلي ،شرف الدين ،أبو النجا ،احملقق :عبد اللطيف حممد موسى السبكي ،الناشر :دار املعرفة بريوت –
لبنان.
-4اتج العروس ،للزبيدي ،احملقق :جمموعة من احملققني ،الناشر :دار اهلداية.
-5التأصيل الشرعي للغذاء احلالل يف ضوء الكتاب والسنة-دراسة حتليلية -لعبد الواسع الغشيمي ،جملة األحباث-
العدد الثالث عشر(يناير-مارس 2019م).
-6التحرير والتنوير ،البن عاشور التونسي ،الناشر :الدار التونسية للنشر – تونس ،سنة النشر 1984 :ه .
-7التطبب اإلسالمي ،ايسني غادي ،جملد ،12عدد .1
-8التعريفات ،لعلي بن حممد بن علي الزين الشريف اجلرجاين ،احملقق :ضبطه وصححه مجاعة من العلماء إبشراف
الناشر ،الناشر :دار الكتب العلمية بريوت –لبنان ،الطبعة :األوىل 1403ه 1983-م.
-9تفسري الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسري الكبري ،ألِب عبد هللا حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي الرازي
امللقب بفخر الدين الرازي خطيب الري،الناشر :دار إحياء الرتاث العرِب – بريوت الطبعة :الثالثة 1420 -ه .
-10تفسري السعدي = تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ،لعبد الرمحن بن انصر بن عبد هللا السعدي احملقق:
عبد الرمحن بن معال اللوحيق ،الناشر :مؤسسة الرسالة ،الطبعة :األوىل 1420ه 2000-م.
-11التفسري امليسر ،لنخبة من أساتذة التفسري ،الناشر :جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف – السعودية،
الطبعة :الثانية ،مزيدة ومنقحة1430 ،ه 2009 -م.
-12التفسري الوسيط للقرآن الكرمي ،حملمد سيد طنطاوي ،الناشر :دار هنضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ،الفجالة –
القاهرة ،الطبعة :األوىل.
-13تيسري الوصول إىل قواعد األصول ومعاقد الفصول ،لإلمام عبد املؤمن بن عبد احلق البغدادي احلنبلي ،شرح :
عبد هللا بن صاحل الفوزان ،الطبعة الثانية ،دار ابن اجلوزي.
-14تيسري علم أصول الفقه ،لعبد هللا بن يوسف بن عيسى بن يعقوب اليعقوب اجلديع العنزي ،الناشر :مؤسسة
الراين للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت – لبنان ،الطبعة :األوىل 1418 ،ه 1997 -م.
-15حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألِب نعيم أمحد بن عبد هللا بن أمحد بن إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاين
الناشر :السعادة -جبوار حمافظة مصر1394 ،ه 1974 -م.
حممد كامل قره -16سنن ابن ماجه ،ألِب عبد هللا حممد بن يزيد القزويين ،احملقق :شعيب األرنؤوط -عادل مرشد َّ -
بللي َ -عبد اللطيف حرز هللا ،الناشر :دار الرسالة العاملية ،الطبعة :األوىل 1430 ،ه 2009 -م.
الس ِّج ْستاين ،
-17سنن أِب داود ،ألِب داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن عمرو األزدي ِّ
احملقق :حممد حميي الدين عبد احلميد ،الناشر :املكتبة العصرية ،صيدا – بريوت.
14
-18سنن الرتمذي ،حملمد بن عيسى ،الرتمذي ،حتقيق وتعليق :أمحد حممد شاكر ،وحممد فؤاد عبد الباقي ،وإبراهيم
عطوة عوض ،الناشر :شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباِب احلليب – مصر ،الطبعة :الثانية 1395 ،ه .
-19شرح منتهى اإلرادات =دقائق أويل النهى لشرح املنتهى ،ملنصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس
البهوتى احلنبلى الناشر :عاَل الكتب ،الطبعة :األوىل1414 ،ه 1993 -م.
-20الشروط والضوابط الشرعية للغذاء احلالل :خربة إندونيسيا ،ألماين برهان الدين لوبيس -جملة األحكام
2017/12/17م.
-21صحيح البخاري ،حملمد بن إمساعيل أبو عبدهللا البخاري اجلعفي ،احملقق :حممد زهري بن انصر الناصر ،الناشر:
دار طوق النجاة الطبعة :األوىل1422 ،ه .
-22صحيح مسلم ،ملسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري ،احملقق :حممد فؤاد عبد الباقي ،الناشر :دار
إحياء الرتاث العرِب – بريوت.
-23علم مقاصد الشارع ،عبدالعزيز بن عبد الرمحن بن ربيعة ،ط1422 ،1ه .
-24فتح الباري ،ألمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالين الشافعي ،الناشر :دار املعرفة -بريوت.1379 ،
-25لسان العرب ،حملمد بن مكرم بن على ،أبو الفضل ،مجال الدين ابن منظور األنصاري الرويفعى اإلفريقى الناشر:
دار صادر – بريوت ،الطبعة :الثالثة 1414 -ه .
-26جمموع الفتاوى ،ألمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين ،احملقق :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ،الناشر :جممع
امللك فهد لطباعة املصحف الشريف ،املدينة النبوية ،السعودية ،عام النشر1416 :ه 1995/م.
-27خمتار الصحاح .،لزين الدين أبو عبد هللا حممد بن أِب بكر بن عبد القادر احلنفي الرازي ،احملقق :يوسف الشيخ
حممد ،الناشر :املكتبة العصرية -الدار النموذجية ،بريوت – صيدا ،الطبعة :اخلامسة1420 ،ه 1999 /م.
-28املستدرك على الصحيحني ،ألِب عبد هللا احلاكم حممد بن عبد هللا النيسابوري املعروف اببن البيع ،حتقيق:
مصطفى عبد القادر عطا ،الناشر :دار الكتب العلمية – بريوت ،الطبعة :األوىل.1990 – 1411 ،
-29مسند اإلمام أمحد بن حنبل ،ألمحد بن حممد بن حنبل الشيباين ،احملقق :شعيب األرنؤوط -عادل مرشد،
وآخرون ،إشراف :عبد هللا بن عبد احملسن الرتكي ،الناشر :مؤسسة الرسالة ،ط 1421 ،1ه 2001 -م.
-30مشروع املوسوعة املقاصدية ،لنور الدين اخلادمي2006 ،م.
-31املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري ،للفيومي ،الناشر :املكتبة العلمية – بريوت.
-32املعجم الوسيط ،جملمع اللغة العربية ابلقاهرة( ،إبراهيم مصطفى وآخرون) الناشر :دار الدعوة.
-33معجم مقاييس اللغة ،ألِب احلسني أمحد بن فارس بن زكراي ،احملقق :عبد السالم حممد هارون ،الناشر :دار
الفكر ،الطبعة 1399 :ه 1979 -م.
-34املوافقات ،إلبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي الشهري ابلشاطيب ،احملقق :أبو عبيدة مشهور بن حسن
آل سلمان ،الناشر :دار ابن عفان ،الطبعة :الطبعة األوىل 1417ه 1997 /م.
-35النهاية يف غريب احلديث واألثر ،جملد الدين أبو السعادات املبارك بن حممد بن حممد بن حممد ابن عبد الكرمي
الشيباين اجلزري ابن األثري الناشر :املكتبة العلمية -بريوت1399 ،ه 1979 -م.
-36الوجيز يف الطب ،هلشام اخلطيب ،عمان ،دار األرقم،ط1405 ،1ه1985/م.
i. salahshoier.blogspot.com/2015/05/blog-post_13.html
15