You are on page 1of 5

‫العلّة النحوية عند المتنبي‬

‫أوالً‪ :‬علّة أمن اللبس بين المنادى المضاف والمفرد‬

‫إن إثب ات ( ي اء المتكلم ) في المن ادى يفي د من ع التب اس المن ادى المض اف‬
‫َ‬
‫بالمن ادى المف رد( )‪ .‬وق د وردت ه ذه اللغ ة في ثالث ة مواض ع من ش عر المتن بي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫نحو‪:‬‬
‫الناس في إرضاِئ ِه‬
‫طت ُك َّل َّ‬
‫أس َخ ُ‬
‫ْ‬ ‫َو ِب ُم َه ِجتي يا عاذلي المل ُك الذي‬
‫ونحو ‪:‬‬
‫ّأذاةً أو نجـــــــــــــــــــــــاةً أو هالكا‬ ‫وَأياً شْئ ِت يا طُُرقـــــي فَ ُكـــــــــوني‬
‫َّ‬
‫ونحو ‪:‬‬
‫ِ‬
‫فيــــــــــه‬ ‫َلظ َن ْن ِت‬ ‫َج َّنتي‬ ‫يا‬ ‫لب لو َر َْأي ِت َل ِه َي ُ‬
‫بـــــــــه‬ ‫وق َق ٍ‬
‫َو ُخفُ ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫َج َه َّنما‬
‫ج اء المن ادى في ه ذه األبي ات مض افا إلى ( ي اء المتكلم ) ‪ ،‬وج اء باللغ ِة ال تي‬
‫تثبت‬
‫( ياء المتكلم ) وتسكنه وقف اً ووص الً ‪ .‬وقد جاء النداء هنا معترض اً بين شيئين‪،‬‬
‫َم ا في البي تين اآلخ رين‬
‫فج اء في ال بيت األول معترض اً بين ب اء التفدي ة والمف دى أ َ‬
‫فق د ج اء بين الش رط وجوابه وق د أف اد ه ذا االس تعمال األبي ات تحس يناً وتقوي ةً‬
‫وتسديداً‪ ،‬فجاء الكالم مؤثراً في المتلقي‪.‬‬
‫ودل الن داء في ال بيت األول على مع نى التش هير ف أراد أن يش هر وين وه‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ويعترف بحبه وطاعته لممدوحه‪ ،‬وقد ذكر الزمخشري هذا المعنى في الكشاف‬

‫ينظر‪ :‬المقتضب ‪ ،4/247 :‬والكشاف ‪.3/90 :‬‬ ‫‪)1‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح ديوان المتنبي للعكبري ‪.4/28 ،2/395 ،1/22 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫ينظر‪ :‬الكشاف‪ :‬الزمخشري‪.3/211 :‬‬ ‫‪)(3‬‬


‫‪ ،‬ودل النداء في البيت الثاني على الفخر واالعتزاز بالذات وفي البيت األخير د َل‬
‫النداء على التشوق الممزوج بالشكوى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬علّة الحذف للتخفيف‬


‫إن من مفهوم التخفيف نستدل على أنه جاء ليدل على قضايا لغوية متعددة نجد منها‪:‬‬
‫ّ‬

‫حذف بعض المصوتات في الكلمات الطوال وهو يختلف عن التخفيف بحذف الحركة‪ ،‬وتسكين‬

‫المتح رك‪ ،‬وح ذف اح د المض عفين‪ ،‬وت رك الهم ز‪ ،‬وق د ُأوج زت أب واب في الص رف للتخفي ف‬

‫ومنه (اإلدغام) مثالً فهو مبني كون العلّ ة في العربية تكره كما اشرنا في العلّ ة السابقة توالي‬

‫()‬
‫األمثال‪ ،‬وتستثقله فتلجأ بحيلة للتخفيف باإلدغام حتى يصير هذان المثالن حرفاً واحداً ‪. 1‬‬

‫ومنه قول المتنبي‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫اليقيِ ِن‬
‫يان بِالخبِر َ‬ ‫َفلَ ْو َّأنا َعلى َح َج ٍر ُذبِ ْحنا … َج َرى َّ‬
‫الد َم ِ‬
‫ب َأن يكون َج اِئزا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضع‌للتَّ ْخفيف بالحذف والحذف قد َج َاز في مثله‌للتَّ ْخفيف فَ َو َج َ‬
‫ِ‬
‫َأِلنهُ ِإذا ح ذف اَأْلخ ير‬
‫اكن اْلوس ط كزي د َّ‬ ‫الس ِ‬
‫َواَل يج وز التَّْر ِخيم ِفي ااِل ْس م الثالثي َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح د َو َذِل َ‬
‫اكن فَيبقى على ح رف و ِ‬
‫الس ِ‬
‫ك اَل َنظ ير لَ هُ بِخاَل ف َم ا ِإذا َك َ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َوجب حذف َّ‬
‫حجة اْلَبص ِريين َأن التَّْر ِخيم ح ذف آخ ر ااِل ْس م المن ادى ِإذا ك ثرت‬
‫متح رك اْلوس ط َو َّ‬

‫ينظر‪ :‬ظاهرة المشاكلة في الصرف العربي‪ ،‬إبراهيم جميل إبراهيم‪ ،‬ط‪1426 ،1/‬ه‪.92 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫شرح ديوان المتنبي للعكبري‪.4/90 :‬‬ ‫‪)(2‬‬


‫ُح ُروفه تَ ْخ ِفيفً ا والثالثي ِفي َغ َاي ة الخفة اْل َغ ِريب العاني اَأْلسير وتنفك تَْب َرح اْل َم ْع نى‬
‫()‬ ‫ك بِاْلي ِ‬
‫اء َو َمال بِ َّ‬
‫الر ْفع ‪. 1‬‬ ‫َيقُول َما تَْب َرح تفك عانيا وتقسم َماال َوقد روى َي ْنفَ ّ َ‬

‫فالخف ة هي في اص ل لغ ة الع رب ح تى ول و ك ان بح ذف ج زء الكلم ة م ا لم يلبس‬


‫على المستمع ويعلم المخاطب ما قد حذف من الكالم‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬علّة القياس بقول العرب‬

‫(‪)2‬‬
‫القياس في كثير من المسائل النحوية التي يدرسونها ويعلقون عليها‬ ‫وقد استعمل النحويون‬

‫ويجرون عليه ا اآلراء اللغوي ة والنحوي ة‪ ،‬وأن الع رب تق ول في تص غير الس نة (س نيهة)‪ ،‬ويق ال‬

‫()‬
‫في جمعها (سنهات) على‌القياس بما ُسمع عن العرب وما لم ُيسمع عنهم ‪. 3‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫ديد الب ِ‬


‫رب ال ّش ِ‬
‫مول … تُُر ْن ُج الهند أو طْلعُ النخيل‬ ‫عد من ُش ِ‬ ‫َش ُ ُ‬

‫المصدر نفسه‪:‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫من أئم ة القي اس بع د أبي علي الفارس ي وأبي الفتح ابن ج ني‪ ،‬ج ار اهلل أبو القاسم محم د بن‬ ‫‪)(2‬‬

‫والمفص ل (‪538‬هـ)‪ ،‬وابن الش جري هب ة اهلل أب و الس عادات‬


‫َّ‬ ‫عم ر الزمخش ري ص احب الكش اف‬

‫العل وي ص احب األم الي (‪542‬هـ) وأب و البرك ات كم ال ال دين عب د ال رحمن بن األنب اري (‬

‫‪577‬هـ)‪ ،‬ثم العك بري محب ال دين أب و البق اء عب د اهلل بن الحس ين (‪616‬هـ)‪ ،‬ينظ ر‪ :‬النح اة‬

‫والقياس‪ ،‬الزعبالوي‪.18 -1/16 :‬‬

‫ينظر‪ :‬أيضاًح الوقف واإلبتداء‪.1/307 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح ديوان المتنبي للواحدي‪ ،249 :‬وشرح ديوان المتنبي للعكبري‪.91-3/90 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ق الوا‪ :‬المع روف من الع رب األت ُرج وال ُتر ْنج مم ا يغل ط ب ه العام ة‪ ،‬فق ال أب و‬
‫()‬
‫الطيب‪ :‬يقال أترجة وأترج وترنج ‪. 1‬‬

‫رابعاً‪ :‬علّة استخدام حرف الجر (في)‬

‫ذكر االشموني (ت‪900 :‬ه) ان حرف الجر (في) تأتي للسببية وتسمى التعليلية‬
‫()‬
‫ايضاً ‪ ، 2‬وقد استعملها المتنبي وبهذا المعنى لتحقيق خطابه كما في قوله‪:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫لقاء ُك ْم … ولو لم تُِر ْد ُكم لم ت ُكن في ُك ُم ْ‬
‫خصمي‬ ‫عني َ‬‫‌تغ ْر لم ْتز ِو ّ‬
‫فلو‌لم َ‬

‫فقد جاء بحرف (في) هنا للداللة على التعليلي‪ ،‬وألنها تؤدي معنى السبب‪ ،‬وان‬
‫(‪)4‬‬
‫ألنه قال لعل بها‪ ،‬فكان كمن شك ثم‬ ‫هذا البيت تقوية لما ظنه في البيت األول‬
‫أقام األدلة على ان ظنه صحيح فقال لو لم تغر‪ ،‬من الغيرة يعني بها النوى‪ ،‬لم ِ‬
‫تزو‬
‫()‬
‫عني لقاءكم‪ ،‬أي لم تصرفه ‪ ، 5‬فهو هنا يرسم استراتيجية اقناع للمخاطب باستعماله‬
‫لحرف الجر (في)‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬علّة العطف‬

‫شرح ديوان المتنبي للعكبري‪ ،3/91 :‬و الواضح في مشكالت شعر المتنبي‪.17 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح االشموني على الفية ابن مالك‪2/84 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫ينظر‪ :‬شرح ديوان المتنبي للواحدي‪ ،66:‬وشرح ديوان المتنبي للعكبري‪.3/366 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫لعل بعها ال ّذي بي من السقم‬ ‫النوى في ظُلمها غاية الظلم‬


‫قال المتنبي‪ :‬مالم ّ‬ ‫‪)(4‬‬

‫فهو يقول‪ ( :‬لومي البعد بتبعيد هذه المرأة عني‪ ،‬واختصاصه بها غاية الظلم له‪ ،‬فلعل به‬
‫من السقم والعشق مثل ما بي فتعشق هذه المرأة الذي ذهب بها‪ .‬ينظر‪ :‬معجز احمد‪.1/282 :‬‬
‫(الشاميات)‬
‫ينظر‪ :‬الالمع العزيز رح ديوان المتنبي‪.1240 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫ومنه ما جاء في قول المتنبي‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سل ُّ‬
‫الرد‬ ‫مكنه في‌سه ِمه‌المر ِ‬
‫رميه … َوُي ُ‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫الشيء من قَْبل ْ‬
‫َ‬ ‫صيب‬
‫كاد ُي ُ‬
‫َي ُ‬

‫وفيه منع ابن جني ان يكون الفعل (يمكن) معطوفاً على (يكاد)‪ ،‬ورأى أنه يكون‬
‫معطوف اً على (يص يب)‪ ،‬وه و من ع نج د ص داه في كتب الخ الفين ألبي الفتح‪ ،‬على‬
‫(‪)2‬‬
‫نحو اهمال العطف على (يكاد) وذكر العطف على (يصيب) وحده ‪.‬‬

‫وق د أحس ن أب و العالء كث يراً في ت ردده بين العطفين ف ذكر أن الق ول بعط ف‬
‫(يمكن) على (يص يب) في ه تخليص للش اعر من المبالغ ة المفرط ة في الم دح على‬
‫نحو الكذب أي معناه (لم يصبه) فيكون المعنى أنه حكم بإمكان رد سهم الممدوح‬
‫(‪)3‬‬
‫صيب‬‫المرسل‪ ،‬وهذا ما فر منه ابن جني ‪ ،‬وقال العكبري‪( :‬يمكنه معطُوف على‌ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ َْ‬
‫اَل على ي َك اد اْل َم ْع نى ُي ِريد َأن اِإْل َ‬
‫ص َابة من قبله لمسارعتها ت َك اد تسبق رميه َوُيمكن‬

‫ط ِريقه َو َه َذا ُمَب َ‬


‫الغ ة فى وصف اقتداره على الرمى‬ ‫السهم النقياده لَ هُ َأن يرجع من َ‬
‫ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫الغة) ‪.‬‬
‫وكل َه َذا من اْل ُمَب َ‬

‫ينظر‪ :‬ديوانه ‪.186 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫ينظر‪ :‬الموضح‪ ،2/239 :‬شرح البرقوقي‪.2/68 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫معجز احمد‪.2/263 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫شرح ديوان المتنبي للعكبري‪.1/378 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

You might also like